You are on page 1of 3

‫المطلب األول‪ :‬المنهج االستقرائي‬

‫االستقراء‪ ،‬لغة‪:‬‬

‫يق ول ابن منظ ور يف الس ان الع رب‪( :‬ق رأ األم ر واق رتاه تتبع ه‪ ...‬يق ال‪ :‬اإلنس ان يق رتي فالن ا بقول ه ويق رتي س بيال‬
‫‪1‬‬
‫ويقروه أي يتبعه‪ ...‬وَقَرْو ُت البالد َقْرًوا وَقريُتها َقْرًيا واقَرتيُتها واستقريتها إذا تتبعتها خترج من أرض إىل أرض)‪.‬‬

‫وعرفه اإلمام الرازي بأنه‪ :‬من قرأ األمر أي تتبعه ‪،‬ونظر يف حاله‪ ،‬وهناك من يرى أنه من ق رأت الشيء مبعىن مجعته‬
‫‪2‬‬
‫و ضممت بعضه إىل بعض لريى توافقه واختالفه‪ ،‬و كال األمرين يعين التتبع ملعرفة أحوال شيء ما‪.‬‬

‫االستقراء في االصطالح‪:‬‬

‫تأسيسا على أصله اللغوي االستقراء يف االصطالح يفيد معىن التتبع والتصفح يف املاديات أو املعنويات للوصول‬
‫إىل األحكام الكليات‪ 3،‬وقد عرفه‘ أبو حامد الغ زايل (ت ‪505‬هـ) بقوله‪( :‬تصفح أمور جزئية لنحكم حبكمها‬
‫‪4‬‬
‫على أمر يشمل تلك اجلزئيات)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وعرفه أبو البقاء الكفوي (ت ‪1094‬هـ) بأنه‪( :‬تتبع جزئيات الشيء)‬

‫‪6‬‬
‫وعرفه الرفاعي بأنه‪( :‬عملية مالحظة الظواهر وجتميع البيانات عنها للتوصل إىل مبادئ عامة وعالقات كلية)‪.‬‬

‫والمنهج االستقرائي‪ :‬يكون بتتبع املوضوع واستقرائه يف مظانه‪ ،‬ومجع املعلومات املتعلقة به من هذه املظان‪،‬‬
‫واالستقراء قد يكون ناقصًا‪ ،‬كما لو اقتصر يف استقرائه لفكرة معينة على بعض املصادر دون بعض‪ ،‬وقد يكون‬
‫كامًال كما إذا مت استقراؤها يف مجيع املصادر اليت حددها‪ ،‬وهذا املنهج ال يستغىن عنه يف أحباث الدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بل يعترب أساسًا يف كل حبث منها كاستقراء حكم واقعة يف املذاهب الفقهية‪ ،‬واستقراء جرح راو أو‬
‫‪7‬‬
‫تعديله عند علماء اجلرح والتعديل‪ ،‬واستقراء فكرة يف كتاب اهلل تعاىل ويف سنة رسوله اخل‪.‬‬

‫نماذج لمنهج االستقراء في بعض العلوم اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ 1‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬مادة‪ :‬قرأ‪.‬‬


‫‪ 2‬مختار الصحاح لالمام الرازي ط‪،2‬ص‪.325:‬‬
‫‪ 3‬مناهج البحث وقواعد التأليف في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬للدكتورة حبيبة أبو زيد‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪4‬المستصفى لإلمام الغزالي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.161:‬‬
‫‪ 5‬الكليات ألبي البقاء الكفوي‪ ،‬ص‪.105:‬‬
‫‪ 6‬مناهج البحث العلمي للرفاعي‪ ،‬ص‪.83:‬‬
‫‪ 7‬طرق البحث في الدراسات اإلسالمية للدكتور محمد رواس قلعه جي‪ ،‬ص ‪ ،18‬دار النفائس‪.‬‬
‫علم الفقه‪:‬‬

‫يراد بالفقه "العلم باألحكام الشرعية العملية املكتسبة من أدلتها التفصيلية"‪ ،‬ولذا كان موضوع علم الفقه‪ :‬أعمال‬
‫املكلفني‪ 8.‬ومما الشك أن لالستقراء أثرًا بارزًا يف مسائل فقهية كثرية‪ ،‬يدل على ذلك كثرة استدالل الفقهاء به‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫قال‪ :‬الزركشي احتج الشافعي باالستقراء يف مواضع كثرية‪.‬‬

‫ويظهر من تصرفات الفقهاء أن أثر االستقراء يف الفقه ظهر من خالل أمور متعددة منها ‪:‬‬

‫أثر االستقراء التغلييب يف مسائل الفقه‪ :‬إحلاق الفرد باألعم األغلب‪.‬‬

‫ذهب احلنفية؛ إىل انتقاض الوضوء بالقهقهة داخل الصالة دون خارجها‪ ،‬ومما يبطل قوهلم استقراء نواقض‬
‫الوضوء‪ ،‬إذ إن شهادة األصول الشرعية مل تفرق يف نواقض الطهارة بني داخل الصالة وخارجها‪ ،‬فيلحق هذا الفرد‬
‫‪10‬‬
‫باألعم األغلب‪ ،‬إذ ليس هناك دليل صحيح خيرجه‪.‬‬

‫علم العقيدة‪:‬‬

‫من القواعد االستقرائية العقدية ما يأيت‪:‬‬


‫‪11‬‬
‫إذا نفى اهلل شيئًا عن اخللق وأتبته لنفسه فإنه ال يكون له يف ذلك اإلثبات شريك أبد‪.‬‬

‫هذه قاعدة عقدية دل عليها استقراء القرآن‪ ،‬إذ جاءت نصوص كثرية أخذ منها هذا الكلي من ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫(وما النصر إال من عند اهلل العزيز احلكيم) ''ال عمران ‪ ،"126 :‬وقوله‪َ( :‬وَم ا النصر إال‬

‫من عند اهلل إن اهلل عزيز حكيم) "األنفال‪ ، "10 :‬وقوله ‪ُ( :‬قل ال َيْع َلُم من يِف الَّس َم اَواِت َواَأْلْر ِض اْلَغْيَب إال اهلل)‬
‫"النمل ‪ ،"65 :‬وقوله‪ُ( :‬قْل ِإَمَّنا ِعلمها عند ريب ال َجُيليها لوقتها إال هو)" األعراف‪ ،"187 :‬وقوله‪ (:‬وما يعلم‬
‫تأويله إال اهلل) " آل عمران‪."7 :‬‬

‫واآليات كثرية يف هذا املعىن‪ .‬واملعىن الكلي هنا هو نفي شيء عن اخللق وإتباثه هلل‪ ،‬وقد وجد يف كل فرد من أفراد‬
‫هذا األمرحكم اطرد معها؛ وهو أنه ال يشاركه يف هذا اإلثبات أحد فدل على أن ذلك قاعدة عامة حىت لو مل‬
‫‪12‬‬
‫يأت بصيغة احلصر ‪.‬‬

‫‪ 8‬المستصفى للغزالي‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ 9‬البحر المحيط ج ‪ ،6‬ص‪.136 :‬‬
‫‪ 10‬شرح اللمع‪ ،‬البي إسحاق الشيرازي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.861 :‬‬
‫‪ 11‬أضواء البيان في إيضاح القران بالقران للشنقيطي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.270‬‬
‫‪ 12‬االستقراء ومجاالته في العلوم الشرعية لمحمد ايمن الزهر ص‪.477 :‬‬
‫مقاصد الشريعة‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫من قواعد املقاصد الكربى‪ :‬الشريعة مبناها وأساسها على احلكم ومصاحل العباد‬

‫إذن‪" :‬فمن تتبع جزئيات الشريعة وفروعها يف العبادات والعادات واملعامالت وغريها من األبواب‪ ،‬وجد معظم‬
‫األحكام املعللة منوطة بتحقيق مصاحل الدارين ودرء مفاسدمها‪ ،‬ومن تأمل يف أحكام الشريعة مما مل ينص الشارع‬
‫على علته‪ ،‬التمس هلا حكما ومصاحل ال خُي تلف يف أهنا منوطة هبا وإن حصل اخلالف يف حتديدها‪ ،‬لكن ال‬
‫‪14‬‬
‫خالف على اجلملة يف مقصود الشارع منها"‬

‫العبارة البن القيم في إعالم الموقعين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.5:‬‬ ‫‪13‬‬

‫مناهج البحث وقواعد التأليف في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬للدكتورة حبيبة أبو زيد‪ ،‬ص‪.34 :‬‬ ‫‪14‬‬

You might also like