You are on page 1of 118

‫‪6‬‬

‫األخالق اإلسالمية‬
‫وعلم النفس‬
‫مأمون مبيض‬
‫سعد الدين العثماني‬

‫اإلسالم واألخالق التطبيقية‬


‫جمع وتحرير‪ :‬الدكتور فتحي بن جمعة أحمد‬
‫األخالق اإلسالمية وعلم النفس‬
‫األخالق اإلسالمية وعلم النفس‬

‫مأمون مبيض‬
‫سعد الدين العثامين‬

‫مجع وحترير‬
‫الدكتور فتحي بن مجعة أمحد‬

‫اإلسالم واألخالق التطبيقية‬


‫الطبعة العربية األوىل (‪)٢٠١٧‬‬

‫دار جامعة محد بن خليفة للنرش‬


‫صندوق بريد ‪5825‬‬
‫الدوحة‪ ،‬دولة قطر‬

‫‪books.hbkupress.com‬‬

‫حقوق النرش© مركز دراسات الترشيع اإلسالمي واألخالق‪٢٠١٧ ،‬‬

‫هذا الكتاب مرخص بموجب رخصة املشاع اإلبداعي نسب املصنف ‪ -‬غري جتاري‬
‫‪ 4.0‬دويل (‪ ،)CC BY-NC 4.0‬هذه الرخصة تتيح لآلخرين حرية إعادة التوزيع‪،‬‬
‫التعديل‪ ،‬التغيري‪ ،‬واالشتقاق من عملك يف غري األغراض التجارية‪ ،‬جيب عليك نَسب‬
‫العمل لصاحبه بطريقة مناسبة‪ ،‬وتوفري رابط للرتخيص‪.‬‬
‫يمكنكم زيارة املوقع الرسمي للنارش للحصول عىل آخر نسخة‪:‬‬
‫‪www.qscience.com‬‬

‫الرتقيم الدويل‪ :‬الغالف العادي‪9789927119187 :‬‬


‫الرتقيم الدويل‪ :‬النسخة اإللكرتونية (ب د ف)‪9789927119507 :‬‬

‫متت الطباعة يف الدوحة يف رشكة مطبعة اجلزيرة ذ‪ .‬م‪ .‬م‪.‬‬


‫اإلسالم واألخالق التطبيقية‬
‫مجع وحترير‪:‬الدكتور فتحي بن مجعة أمحد‬

‫‪1 .1‬الدولة املدنية بمواصفات إسالمية‬


‫عبد املجيد النجار‬
‫اإلسالم‪ :‬املجتمع املدين والدولة‬
‫جون إسبوسيتو‬

‫‪2 .2‬احلدود األخالقية حلرية التعبري‪ :‬رؤية إسالمية‬


‫حممد هاشم كاميل‬
‫احلرية وحدودها‪ :‬ضامن الكرامة واتقاء التسلط‬
‫إبراهيم رسول‬

‫‪3 .3‬األخالق والتمويل‪ :‬رؤية إسالمية يف ضوء مقاصد الرشيعة‬


‫حممد حسام فاضل‬

‫‪4 .4‬املقاصد العليا للتمويل اإلسالمي‬


‫عيل حميي الدين القره داغي و عبد العظيم أبوزيد‬

‫‪5 .5‬تكامل املعرفة والقيم يف بناء املناهج التعليمية‬


‫خالد الصمدي و خالد حنفي‬

‫‪6 .6‬األخالق اإلسالمية وعلم النفس‬


‫مأمون مبيض و سعد الدين العثامين‬

‫‪7 .7‬طبيعة اإلنسان بني اإلنسانية والعلامنية واإلسالم‪ :‬رصاع الرؤى العاملية بني‬
‫الروحانية وعلم النفس‬
‫مالك بدري و كولني آن وارد‬

‫‪8 .8‬أهم القضايا البيئية املعارصة‪ :‬إسهامات دينية وأخالقية عىل طريق العالج‬
‫سيد نعامن احلق و إبراهيم أوزدمري‬

‫‪9 .9‬مقاصد الرشيعة إطارا ملعاجلة التحديات البيئية املعارصة واملبادئ األخالقية احلاكمة‬
‫عيل حمي الدين القره داغي و فرانز تيو جوتفالد و إيزابيل شاتسشنايدر‬

‫‪1010‬ما هو الفن اإلسالمي؟ وما الذي جيعل فنا ما إسالميا؟‬


‫عبد اهلل بن يوسف اجلديع و جوناس أوتربيك‬
‫املحتويات‬

‫‪9‬‬ ‫متهيد ‬

‫‪15‬‬ ‫نبذة عن املؤلفني ‬

‫‪17‬‬ ‫األخالق اإلسالمية وعلم النفس ‬

‫‪87‬‬ ‫األخالق والدين وتفاعلهام مع علم النفس ‬


‫متهيد‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫يرس مركز دراسات الترشيع اإلسالمي واألخالق‪ ،‬أن يضع بني يدي‬
‫القارئ سلسلة كتيبات‪ ،‬تضم بني طياهتا خمتارات مما تم تقديمه من أوراق‬
‫وأبحاث أثناء الفعاليات العلمية التي نظمها املركز‪ ،‬والتي يسعى من‬
‫خالهلا إىل توفري األرضية املنهجية املناسبة لتحقيق الغاية الكربى من وراء‬
‫إنشائه‪ ،‬وهي مرشوع «اإلصالح اجلذري»‪ .‬واإلصالح اجلذري الذي‬
‫يدعو إليه املركز‪ ،‬يتمحور حول مفهوم جوهري‪ ،‬وهو مفهوم «التجديد‬
‫التحويل» الذي يتجاوز التجديد واالجتهاد ال َب ْع ِدي الذي ُي ْب ِقي الواقع‬
‫ُّ‬
‫عىل ما هو عليه‪ ،‬ويتكيف معه بتقييمه واحلكم عىل جزئياته‪ ،‬من خالل‬
‫منظومة األحكام اخلمسة‪ ،‬وبالتايل فهو «اجتهاد تقييمي» يف النهاية‪ .‬أما‬
‫التحويل فيتخطى هذه املساحات الفكرية‪ ،‬إىل جتديد واجتهاد‬
‫ُّ‬ ‫التجديد‬
‫يتطلعان إىل التعامل النقدي مع الواقع القائم واالشتباك الفكري معه‪،‬‬
‫فيصلحان هذا الواقع‪ ،‬بل ويعيدان بناءه إذا تطلب األمر‪ .‬ويقرتحان‬
‫البدائل ملا فسد منه‪ ،‬وينشئان وسائل ونامذج وأنام ًطا جديدة عىل خمتلف‬
‫املستويات‪ ،‬متكِّن من حتقيق املقاصد األخالقية فيه‪ .‬فالتجديد اجلذري‬
‫يتجاوز قرشة األشكال إىل لب األخالق واملقاصد‪ ،‬ويتجاوز اجلزئيات‬
‫إىل األسس النظرية واألطر املرجعية‪.‬‬
‫حتويل‪ ،‬كان‬
‫ولتحقيق اإلصالح اجلذري من خالل جتديد واجتهاد ُّ‬
‫‪9‬‬
‫ال بد من أن تكون سلطة ذلك االجتهاد مشرتكة بني علامء النصوص‬
‫الرشعية وعلامء الواقع‪ .‬وإن كان لعلامء النصوص‪ ،‬يف أحيان كثرية‪،‬‬
‫القدرة عىل احلكم عىل جزئيات الواقع بام يقدمه هلم علامء الواقع من‬
‫توصيف دقيق‪ ،‬فإن الشأن خيتلف متا ًما يف ما يتعلق باالجتهاد والتجديد‬
‫التحويل‪ .‬ذلك أن هذا االجتهاد ال يغنيه جمرد التمكن من العلوم‬ ‫ُّ‬
‫الرشعية ومعرفة الواقع معرفة شكلية أو جزئية‪ .‬فإن عملية بناء الواقع‬
‫وتوجيهه إىل األخالق والقيم اإلسالمية‪ ،‬ال بد أن تنبني عىل معرفة‬
‫عميقة وشاملة بالواقع‪ ،‬متكن من تشخيص األسباب املخ َّلة باألخالق‪،‬‬
‫والدافعة باإلنسان إىل هامش النشاط البرشي‪ ،‬ومن تصور مناهج بديلة‬
‫ووسائل مبتكرة انطال ًقا من علوم الواقع ومالبساته‪ .‬وال يمكن أن‬
‫يستقل علامء الرشيعة وحدهم أو علامء الواقع وحدهم بتلك املعرفة‬
‫أي من املجموعتني‬
‫حتتكر ٌّ‬
‫َ‬ ‫بعد ما آل إليه الواقع من تعقيد‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫سلطة التجديد واالجتهاد‪ ،‬وإن أمكن ذلك إىل حدٍّ ما لعلامء الرشيعة‬
‫عىل وجه اخلصوص يف ما يتعلق باالجتهاد التقييمي‪.‬‬
‫وهذا ما يميز اجتامع علامء الواقع بعلامء النصوص يف فعاليات املركز‬
‫العلمية‪ ،‬حيث إهنم مل جيتمعوا من أجل العملية التقييمية التي تنحرص‬
‫يف فهم الواقع‪ ،‬من خالل الرجوع إىل أهل التخصص‪ ،‬وكيفية التكيف‬
‫معه واحلكم عىل بعض جزئياته وأشكاله باحلل أو احلرمة‪ .‬بل اجتامعهم‬
‫هنا‪ ،‬هو من أجل السعي إىل إقامة ذلك اإلصالح اجلذري‪ ،‬وبناء تصور‬
‫أخالقي متكامل‪ ،‬ال يأخذ التكيف مع الواقع منطل ًقا‪ ،‬وإنام يدرس هذا‬
‫الواقع من منظور نقدي‪ ،‬بغية القيام باقرتاح احللول املنبثقة من مبادئ‬
‫اإلسالم وخربة اخلرباء‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫وإذا كان اجتامع علامء النص وعلامء الواقع منطل ًقا منهج ًّيا أساس ًّيا‬
‫التحويل‪ ،‬فإنه ليس املنطلق واملقتىض الوحيد‬
‫ُّ‬ ‫لتحقيق مطمح التجديد‬
‫من مقتضيات هذا التجديد‪ ،‬بل هناك مقتضيات كثرية يتوقف عليها‪،‬‬
‫معظمها عائد إىل مناهج العلوم ونظرياهتا وأهدافها‪ .‬منها أن مناهج‬
‫العلوم الرشعية الرتاثية ال تغني عن لون التجديد املنشود‪ .‬ومنها أن‬
‫األخالق يف العلوم احلديثة ال تتبوأ مكانة مركزية‪ ،‬وليست هي منطلق‬
‫هذه العلوم وغايتها‪ ،‬وإنام يأيت سؤال األخالق عىل هامشها‪ ،‬وغال ًبا ما‬
‫يكون بعد تأسيسها وإنشائها‪ .‬ومنها قضية التجزئة يف العلوم‪ ،‬الرشعية‬
‫منها واحلديثة‪ ،‬وإيغاهلا يف التخصص الدقيق‪ ،‬من دون ربطه بالقضايا‬
‫الكلية الكربى‪.‬‬
‫وال شك أن كل هذا وغريه‪ ،‬من شأنه أن يعرقل عملية التواصل‬
‫البنَّاء بني العلامء من خمتلف التخصصات‪ ،‬من أجل جتاوز جمرد النظر يف‬
‫ختصصهم الدقيق إىل البناء املشرتك الكيل‪ ،‬وتوفري منهج إبستمولوجي‬
‫معريف‪ ،‬يوظف معارفهم لغاية واحدة كربى هي غاية األخالق‪ .‬فلم‬
‫يكن التحدي كامنًا يف اجلمع بني علامء من مشارب وخلفيات علمية‬
‫خمتلفة راغبني ومؤمنني هبذه الفكرة فحسب‪ ،‬بل كان التحدي‪ ،‬فوق‬
‫ذلك‪ ،‬كامنًا يف زعزعتهم عن منطقة أماهنم العلمي‪ ،‬ودفعهم إىل ختطي‬
‫املنظومات واإلبستمولوجيات املنشئة والناظمة ملعارفهم‪ ،‬بغية الوصول‬
‫إىل منظومات ومناهج تسمح باالجتهاد املنشود‪.‬‬
‫ومن بني الفعاليات العلمية املتخصصة التي اخترب فيها مركز دراسات‬
‫الترشيع اإلسالمي واألخالق عملية التواصل بني علامء النص وعلامء‬
‫الواقع‪ ،‬ندوة األخالق اإلسالمية وعلم النفس‪ ،‬التي عقدها املركز عىل‬
‫‪11‬‬
‫مدار ثالثة أيام ما بني الثاين والعرشين والرابع والعرشين من شهر‬
‫نوفمرب ‪ ،2014‬يف مقر املركز باملدينة التعليمية يف الدوحة‪.‬‬
‫وشارك يف هذه الندوة علامء ومفكرون مجعوا بني اخلربة النظرية‬
‫واملامرسة العملية‪ ،‬من بينهم‪ :‬الشيخ د‪ .‬حممد نعيم ياسني‪ ،‬الشيخ د‪.‬‬
‫نور الدين اخلادمي‪ ،‬د‪ .‬مأمون مبيض‪ ،‬د‪ .‬سعد الدين العثامين‪ ،‬د‪ .‬مالك‬
‫بدري‪ ،‬د‪ .‬كولني وارد‪ ،‬د‪ .‬عبد الرشيد سكينر‪ ،‬د‪ .‬ربيعة مالك‪ ،‬د‪ .‬طارق‬
‫رمضان‪ ،‬وشوقي األزهر‪ .‬وأدار الندوة الشيخ يارس فزقه‪.‬‬
‫وطلبت إدارة املركز من املشاركني تركيز النقاش عىل األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫السؤال املحوري األول‪:‬‬
‫● ●كيف تق َّيم املقاربات الرئيسية لفهم طبيعة اإلنسان يف علم النفس‬
‫املعارص والرتاث اإلسالمي؟‬
‫األسئلة الفرعية‪:‬‬
‫ ‪-‬ما حدود املسؤولية األخالقية لإلنسان عن ترصفاته من منظور‬
‫علم النفس املعارص والرتاث اإلسالمي؟‬
‫ ‪-‬ما دور الغيبيات يف التحليل والعالج النفيس؟‬
‫ ‪-‬ما جدوى البحث عن مقاصد علم النفس ومقاصد الرشيعة يف‬
‫صياغة مقاربة جديدة؟‬
‫السؤال املحوري الثاين‪:‬‬
‫● ●ما موقع املسألة األخالقية يف علم النفس املعارص وتطبيقاته؟‬
‫األسئلة الفرعية‪:‬‬
‫ ‪-‬ما أهم اإلشكاالت األخالقية التي تواجه املعالج واملتعالج؟‬

‫‪12‬‬
‫ ‪-‬ما الضوابط األخالقية لتوظيف تقنيات التأثري النفيس الفردي‬
‫واجلامعي؟‬
‫ ‪-‬هل من دور للدين يف الصحة النفسية والعالج النفيس؟‬
‫ويندرج هذا الكتيب ضمن سلسلة كتيبات يصدرها مركز دراسات‬
‫الترشيع اإلسالمي واألخالق ويتضمن بعض الدراسات الصادرة عن‬
‫هذه الندوة‪ ،‬آملني أن تكون فاحتة خري للنهوض وحتقيق املثل األخالقية‬
‫املنشودة‪.‬‬
‫شوقي األزهر‪ ‬‬
‫نائب مدير املركز ‪ ‬‬

‫‪13‬‬
‫نبذة عن املؤلفني‬

‫خترج الدكتور مأمون مبيض يف كلية الطب بجامعة‬ ‫مأمون مبيض‪َّ .‬‬
‫دمشق عام ‪ .1978‬وهو استشاري الطب النفيس ومدير إدارة الربامج‬
‫يف املؤسسة القطرية للحامية والتأهيل االجتامعي بقطر‪ ،‬وأستاذ علم‬
‫النفس بكلية املجتمع يف قطر‪ .‬تلقى تدريبه يف جمال الطب النفيس يف دبلن‬
‫يف أيرلندا‪ ،‬حيث عمل لعدة سنوات وحصل عىل اجلنسية األيرلندية‬
‫حمارضا للطب النفيس يف‬
‫ً‬ ‫قبل االنتقال إىل أيرلندا الشاملية‪ ،‬وهبا عمل‬
‫جامعة كوينز بلفاست (‪ ،)2010 - 1990‬وكان أول رئيس ملنتدى حوار‬
‫األديان يف أيرلندا الشاملية‪ ،‬وعضو جلنة األخالقيات الرسيرية يف أيرلندا‬
‫الشاملية بمركز بلفاست للرعاية الصحية‪ .‬هيتم الدكتور مأمون بشكل‬
‫خاص باالضطرابات النفسية املرتبطة بالرصاعات واألزمات‪ ،‬ونرش‬
‫العديد من البحوث‪ ،‬وألف تسعة كتب عن الطب النفيس وتربية األبناء‬
‫والذكاء العاطفي وهوية الطفل واالستشارات اإللكرتونية والثقافة‬
‫اجلنسية‪.‬‬
‫سعد الدين العثامين‪ .‬الدكتور سعد الدين العثامين من مواليد‬
‫يناير ‪1956 ‬بجنوب املغرب‪ ،‬من عائلة‪ ‬أمازيغية‪ ،‬حاصل عىل الدكتوراه‬
‫يف الطب العام من كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء (‪،)1987‬‬
‫ودبلوم التخصص يف الطب النفيس باملركز اجلامعي للطب النفيس‬
‫‪15‬‬
‫(‪ ،)1994‬خريج دار احلديث احلسنية (‪ )1987‬ثم ماجستري (دبلوم‬
‫الدراسات العليا) يف أصول الفقه (‪ .)1999‬وقد تقلب يف عدة‬
‫مناصب منها األمني العام حلزب العدالة والتنمية املغريب (‪- 2004‬‬
‫‪ ،)2008‬وعضو يف الربملان املغريب (‪ ،)2011 - 1997‬وعضو جملس‬
‫الشورى املغاريب (‪ ،)2008 - 2002‬ووزير الشؤون اخلارجية والتعاون‬
‫(‪ .)2012 - 2011‬ويف املجال العلمي‪ :‬فهو عضو مؤسس يف «اجلمعية‬
‫املغربية لتاريخ الطب»‪ ،‬وعضو مكتب «مؤسسة‪ ‬احلسن الثاين‪ ‬لألبحاث‬
‫العلمية والطبية حول رمضان»‪ ،‬وعضو «جلنة األخالقيات يف البحث‬
‫الطبي احليوي» بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء منذ ‪ .1989‬له‬
‫دراسات ومؤلفات يف جماالت أصول الفقه والسياسة الرشعية وتاريخ‬
‫الطب واألخالقيات الطبية والصحة النفسية‪ .‬من آخر مؤلفاته‪« :‬الدين‬
‫والسياسة‪ :‬متييز ال فصل» و«جهود املالكية يف تصنيف الترصفات‬
‫النبوية»‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫األخالق اإلسالمية وعلم النفس‬

‫مأمون مبيض‬
‫مدخل‪:‬‬
‫تسعى هذه الورقة لإلجابة عن عدة أسئلة طرحها مركز دراسات‬
‫الترشيع اإلسالمي واألخالق‪ ،‬يف الدوحة‪ ،‬من أجل ندوته املتخصصة‬
‫املعنونة «األخالق اإلسالمية وعلم النفس»‪.‬‬
‫وهذه األسئلة عبارة عن سؤال حموري وهو‪:‬‬
‫ما موقع املسألة األخالقية يف علم النفس املعارص وتطبيقاته؟‬
‫ثم ثالثة أسئلة فرع َّية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ومن َّ‬
‫أول‪ :‬ما أهم اإلشكاالت األخالقية التي تواجه املعالج واملتعالج؟‬ ‫ً‬
‫ثان ًيا‪ :‬ما الضوابط األخالقية لتوظيف تقنيات التأثري النفيس الفردي‬
‫واجلامعي؟‬
‫ثال ًثا‪ :‬هل من دور للدين يف الصحة النفسية والعالج النفيس؟‬
‫ويف حماولة اإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬فقد عرضت املوضوع من‬
‫ثم‪ ،‬ومن أجل متام الفائدة‪ ،‬فقد أتيت ببعض‬
‫الناحية النظرية‪ .‬ومن َّ‬
‫األمثلة الواقعية من خالل املامرسة العملية‪ .‬وللحفاظ عىل رسية‬
‫احلاالت واحرتام خصوصياهتا‪ ،‬فقد عمدت إىل تغيري بعض معطيات‬
‫هذه األمثلة‪ ،‬كي ال يعرف األشخاص يف هذه املواقف‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫السؤال املحوري‬
‫ما موقع املسألة األخالقية يف علم النفس املعارص وتطبيقاته؟‬

‫اجلوانب املختلفة لعلم النفس والصحة النفسية‪:‬‬


‫عندما نتحدث يف هذه الندوة عن موضوع «األخالق اإلسالمية وعلم‬
‫النفس» فإننا ال نقصد فقط ما يعرف اآلن بعلم النفس (‪)psychology‬‬
‫وإنام كل ما له عالقة بالعلوم النفسية أو الصحة النفسية أو العقلية‬
‫‪)psychological‬‬ ‫(‪medicine‬‬ ‫‪ )mental‬ومنه الطب النفيس‬ ‫(‪health‬‬

‫أو كام هو معروف حال ًّيا (‪ ،)psychiatry‬وكذلك اخلدمة االجتامعية‬


‫وخصوصا الرسيرية منها (‪.)clinical social work‬‬
‫ً‬
‫واآلن‪ ،‬بعد أن زاد الوعي واالهتامم باجلانب النفيس حلياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬فقد تعددت االختصاصات النفسية التي تعالج األمراض‬
‫واالضطرابات النفسية بأشكاهلا املختلفة‪ ،‬سواء ختصصات علم النفس‬
‫أو الطب النفيس‪ ،‬ومنها عىل سبيل املثال‪:1‬‬
‫● ●الطب النفيس العام (‪)general psychiatry‬‬
‫● ●طب نفس األطفال (‪)child psychiatry‬‬
‫● ●طب نفس املسنني (‪)old age psychiatry‬‬
‫● ●طب نفس اإلدمان (‪)addiction psychiatry‬‬
‫● ●الطب النفيس الرشعي‪/‬القانوين (‪)forensic psychiatry‬‬
‫وكذلك من فروع علم النفس عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫● ●علم النفس الرسيري (‪)clinical psychology‬‬
‫● ●علم النفس التعليمي (‪)educational psychology‬‬
‫‪19‬‬
‫● ●علم نفس اجلريمة (‪)criminal psychology‬‬
‫● ●علم نفس اإلعالم (‪)media psychology‬‬
‫● ●علم النفس العسكري (‪)military psychology‬‬
‫● ●علم نفس األديان (‪)spiritual psychology‬‬
‫أيضا مدارس جديدة يف ما يعرف باإلرشاد النفيس‬
‫وهناك ً‬
‫(‪ )psychological counseling‬واإلرشاد الزواجي (‪marital‬‬

‫‪ .)family‬وال شك‬ ‫(‪counseling‬‬ ‫‪ ،)counseling‬واإلرشاد األرسي‬


‫أيضا معنية بام يمكن أن يندرج حتت مسمى «األخالق‬
‫أن هذه كلها ً‬
‫اإلسالمية وعلم النفس»‪.‬‬
‫ومع كل هذا التقدم واالنتشار‪ ،‬كان ال بد من وضع املبادئ واملعايري‬
‫األخالقية التي تضبط العمل يف هذه املجاالت النفسية واملتعلقة‬
‫بالصحة النفسية‪ .‬ففي عرصنا احلارض تكاد ال ختلو هيئة علمية معن َّية‬
‫بالعلوم النفسية من فرع خاص هيتم باجلانب األخالقي للمامرسة املهنية‬
‫النفسية‪ .‬وعىل سبيل املثال‪:‬‬
‫(‪American‬‬ ‫املبادئ األخالقية للهيئة األمريكية لعلم النفس‬
‫‪2‬‬
‫‪)Psychology Association‬‬
‫(‪American‬‬ ‫املبادئ األخالقية للهيئة األمريكية للطب النفيس‬
‫‪3‬‬
‫‪)Psychiatry Association‬‬
‫املبادئ األخالقية للكلية امللكية الربيطانية لألطباء النفسيني (‪Royal‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)Collage of Psychiatrists‬‬
‫‪5‬‬
‫املبادئ األخالقية الحتاد األطباء النفسيني العرب‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫األدوار املختلفة للعاملني يف الصحة النفسية‪:‬‬
‫ومن املفيد أن نتذكر أننا عندما نتحدث عن االختصاصيني النفسيني‬
‫سواء أكانوا أطباء أم معاجلني‪ ،‬فإننا ال نتحدث فقط عن دورهم‬
‫العالجي أو اإلرشادي النفيس‪ ،‬وإنام يمكن أن يتعدى دورهم إىل‬
‫جماالت متعددة ومنها التعليم والتدريس والتدريب‪ ،‬وإجراء األبحاث‬
‫النفسية والسلوكية املختلفة‪ ،‬ودورهم كشهود خرباء يف القضايا القانونية‬
‫أيضا أن بعض العاملني يف جمال الصحة النفسية هلم‬
‫وغريها‪ .‬وال ننسى ً‬
‫دور يف اإلدارة ووضع السياسات والترشيعات واإلجراءات‪ ،‬أو يف‬
‫العمل اإلعالمي‪ .‬وهذه كلها تفرض وجود مبادئ ومعايري أخالقية‪،‬‬
‫خفي‪ ،‬بني كل هذه‬
‫ٌّ‬ ‫وخصوصا عندما يكون هناك تعارض‪ ،‬ظاهر أو‬
‫ً‬
‫األدوار املختلفة أو بعضها‪.‬‬
‫ومع تقدم الثورة املعلوماتية‪ ،‬وانتشار استعامل اإلنرتنت ووسائل‬
‫التواصل االجتامعي من أجل طلب اخلدمة النفسية‪ ،‬سواء بشكل‬
‫االستشارات النفسية أو السلوكية أو األرسية‪ ،‬أو حتى يف شكل‬
‫تقديم بعض العالجات النفسية عن طريق هذه الوسائط احلديثة‪،‬‬
‫وهو كام يعرف اآلن بالطب عن ُب ْعد (‪ ،)telemedicine‬فكان ال بد‬
‫أيضا من أن حتكم هذه الوسائط ضوابط ومعايري أخالقية خاصة هبا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وخصوصا أنه قد ينعدم يف هذه املامرسات التواصل املرئي بني املعالِج‬
‫ً‬
‫واملتعالج‪.6‬‬

‫املبادئ األخالقية للمامرسة‪:‬‬


‫يف اللغة اإلنجليزية‪ ،‬هناك فرق بني األخالق املهنية (‪ )ethics‬وبني‬
‫‪21‬‬
‫ُعرف عىل أهنا فرع من‬
‫األخالق (‪ ،)morality‬فاألوىل (‪ )ethics‬ت َّ‬
‫الفلسفة حيث تتعامل مع القضايا واملشكالت األخالقية (‪moral‬‬

‫أيضا‬
‫‪ )،moral‬وأهنا ً‬ ‫(‪judgment‬‬ ‫‪ )problems‬واألحكام األخالقية‬
‫مهني معني‪.‬‬
‫جمموعة من املبادئ والتعليامت التي حتكم السلوك يف جمال ٍّ‬
‫أما الثانية (‪ )morality‬فهي مبادئ معرفة الصواب من اخلطأ والصالح‬
‫من الطالح‪ .‬وال بد لألوىل (‪ )ethics‬أن تقوم عىل أرضية من املبادئ‬
‫األخالقية الواضحة (‪.)morality‬‬
‫عرف األخالق املهنية عىل أهنا «تقييم للسلوك اإلنساين»‪.7‬‬
‫وهناك من َّ‬
‫وهذا يعني أننا من خالل املعايري األخالقية يمكن أن نحكم عىل‬
‫السلوك‪ ‬اإلنساين‪ ،‬من حيث كونه صوا ًبا أو خطأ‪ ،‬أو رشع ًّيا أو غري‬
‫رشعي‪.‬‬

‫االلتزام األخالقي الفردي‪:‬‬


‫األصل أن يلتزم املامرس النفيس املسلم‪ ،‬أو غري املسلم‪ ،‬باملامرسات‬
‫األخالقية كجزء من دينه وأخالقه‪ ،‬وبحيث ال يتأثر بام عليه الناس من‬
‫املامرسة أو سوء املامرسة «ال تكونوا إ َّمعة‪ ،‬تقولون إن أحسن الناس‬
‫أحسنَّا‪ ،‬وإن ظلموا ظلمنا‪ ،‬ولكن وطنوا أنفسكم‪ ،‬إن أحسن الناس أن‬
‫حتسنوا وإن أساءوا فال تظلموا» (الرتمذي)‪.‬‬
‫وصحيح أن الناس يف غالبيتهم يتطلعون ويتمنون حتمل املسؤولية‬
‫والوصول إىل الطيبة وحسن العمل والتزام الصالح واالستقامة‪ ،‬إال‬
‫أن هناك عادة هوة بني الصورة املثالية املأمولة‪ ،‬وبني ما يمكن أن ُيققه‬
‫اإلنسان عمل ًّيا عىل أرض الواقع‪َ « .‬يا َأ ُّ َيا ا َّل ِذي َن آ َمنُوا ِل َ َت ُقو ُل َ‬
‫ون َما ال‬
‫‪22‬‬
‫َب َم ْقتًا ِعندَ ال َّل ِه َأن َت ُقو ُلوا َما ال َت ْف َع ُل َ‬
‫ون» (الصف‪ :‬اآليتان‬ ‫َت ْف َع ُل َ‬
‫ون (‪ )2‬ك ُ َ‬
‫‪.)3 ،2‬‬
‫واألصل أن كل املعامالت اإلنسانية جيب أن حتكمها مبادئ‬
‫«و َأ ْو ُفوا ا ْل َك ْي َل إِ َذا ِك ْلت ُْم‬
‫أخالقية‪ ،‬فإذا صح هذا عىل املعامالت املادية َ‬
‫اس ا ُْل ْست َِقي ِم َذلِ َك َخ ْ ٌي َو َأ ْح َس ُن ت َْأ ِو ًيل» (اإلرساء‪ :‬اآلية‬ ‫َو ِزنُو ْا بِا ْل ِق ْس َط ِ‬
‫َّاس َأ ْش َيا َء ُه ْم َوالَ ُت ْف ِسدُ و ْا‬ ‫‪َ « ،)35‬ف َأ ْو ُفو ْا ا ْل َك ْي َل َوا ْلِ َيز َ‬
‫ان َوالَ َت ْب َخ ُسو ْا الن َ‬
‫ني» (األعراف‪:‬‬ ‫الح َها َذلِك ُْم َخ ْ ٌي َّلك ُْم إِن كُنتُم ُّم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ض بعدَ إِص ِ‬
‫ِف األَ ْر ِ َ ْ ْ‬
‫متس اإلنسان سواء يف جسده‪،‬‬
‫اآلية ‪ ،)85‬فمن باب أوىل املعامالت التي ُّ‬
‫الطب املختلفة‪ ،‬أو نفسه كاملهن التي تتعامل مع اجلوانب النفسية‬
‫ِّ‬ ‫كمهن‬
‫طفل كان أم راشدً ا‪ ،‬ومنها الطب النفيس‪ ،‬وعلم النفس‪،‬‬‫هلذا اإلنسان‪ً ،‬‬
‫واإلرشاد النفيس واخلدمة االجتامعية والرتبية‪.‬‬
‫وهلذا نجد أن مهنة الطب قد ترافقت‪ ،‬منذ اكتشف اإلنسان املرض‬
‫والعالجات‪ ،‬باملبادئ األخالقية‪ ،‬إذ ال نجد طبي ًبا يتخرج يف كلية الطب‬
‫ويبدأ حياته املهنية من دون أن يديل بالقسم األخالقي للمامرسة الطبية‬
‫الذي يعرف بقسم أبقراط اليوناين‪ ،‬امللقب بأيب الطب‪ ،‬الذي عاش يف‬
‫القرن اخلامس قبل امليالد‪ .‬كان الطب آنذاك ُيع َّلم فقط ضمن الدائرة‬
‫الضيقة من أفراد العائلة‪ ،‬ولكن عندما كانت هناك حاجة لتعليم عدد‬
‫أكرب من األطباء تلبية لالحتياجات املتزايدة‪ ،‬وعندما ُخيش من سوء‬
‫استعامل هذه املهنة‪ ،‬فقد عهد أبقراط لطالبه هبذا القسم كي يرعوا‬
‫حقوقه من خالل رعاية مصلحة املرىض‪.8‬‬
‫وال بأس عندما نتناول القضايا األخالقية املتعلقة بعلم النفس‬
‫والطب النفيس‪ ،‬أن نربط‪ ،‬وإىل حدٍّ ما‪ ،‬بني هذه التخصصات واملامرسة‬
‫‪23‬‬
‫الطبية املعروفة‪ ،‬إذ إن العالقة بينهام وثيقة يف كثري من جوانبها‪.‬‬
‫وتشكل أخالقيات الطب أو آدابه جز ًءا من األخالقيات التي تبحث‬
‫يف مشكالت تعامل األطباء مع املرىض ومع زمالئهم من األطباء‪ ،‬وهي‬
‫جمموعة من القوانني واللوائح واألخالقيات املتعارف عليها طب ًّيا من‬
‫خالل ممارسة مهنة التطبيب‪ ،‬أو عبارة عن قيم تم اكتشافها وتبنيها من‬
‫قبل األطباء واهليئات الطبية عىل مدار تاريخ الطب‪ ،‬واستنا ًدا إىل قيم‬
‫دينية وفلسفية وأخالقية‪.‬‬
‫ويمكن تتبع نشأة أخالقيات الطب إىل العصور القديمة‪ ،‬وربام بد ًءا‬
‫من أبقراط وما يعرف بقسم أبقراط‪ ،‬وإىل التعاليم الدينية القديمة‪.‬‬
‫ويعود الفضل األكرب لألطباء املسلمني يف العصور الوسطى وبداية‬
‫العرص احلديث‪ ،‬كإسحاق بن عيل الرحاوي وكتابه (آداب الطبيب)‪،‬‬
‫املفصلة قد تطورت عرب السنني‬
‫َّ‬ ‫وإن كانت األخالقيات الطبية‬
‫والقرون‪.9‬‬
‫وتنص معظم كتب أخالقيات وآداب املامرسات الطبية عىل أن هناك‬
‫ست قيم جيدر بالطبيب واملعالج االلتزام هبا‪ ،‬ألهنا القيم األساسية التي‬
‫جيب أخذها يف االعتبار يف مناقشات القضايا األخالقية الطبية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1 .1‬االستقالل الذايت‪ :‬فللمريض احلق يف اختيار أو رفض طريقة‬
‫معاجلته‪.‬‬
‫‪2 .2‬املعاملة احلسنة‪ :‬جيب عىل صاحب املهنة أن يعامل املريض‬
‫بكامل االهتامم والرعاية‪.‬‬
‫‪3 .3‬عدم اإليذاء أو إحلاق الرضر‪.‬‬
‫‪4 .4‬العدالة‪ :‬أي االهتامم بتوزيع مصادر الصحة النادرة‪ ،‬وتقرير‬
‫‪24‬‬
‫من الذي يستحق أخذ عالج ما عىل أساس اإلنصاف والعدل‪.‬‬
‫‪5 .5‬الكرامة يف معاملة املريض‪ ،‬وكذلك للمعالِج احلق يف هذه‬
‫الكرامة‪.‬‬
‫‪6 .6‬الصدق واألمانة‪ :‬ازدادت أمهية مصطلح املوافقة املستنرية بعد‬
‫حماكمة األطباء التي أقامتها الواليات املتحدة جلرائم احلرب‬
‫يف نورنبريغ‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أنه يمكن يف بعض احلاالت أن تتعارض هذه القيم‬
‫مع بعضها‪ ،‬وهو ما قد يشكل معضلة أخالقية‪ ،‬وقد ال نجد احلل‬
‫املثايل هلذه‪ ‬املعضلة‪ .‬كام يمكن أن يتعارض تطبيق هذه القيم عند أناس‬
‫آخرين‪.10‬‬

‫ملاذا املعايري األخالقية يف الصحة النفسية؟‬


‫إذا كانت املعايري واملبادئ األخالقية مهمة يف كل جوانب التعامل‬
‫اإلنساين‪ ،‬فهي يف باب العالج النفيس والصحة النفسية أوىل‪ ،‬وذلك‬
‫للعديد من األسباب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1 .1‬تتعلق الصحة النفسية باجلوانب اخلاصة جدًّ ا من حياة اإلنسان‪،‬‬
‫سواء الشخصية أو األرسية أو االجتامعية‪ ،‬ما قد يتطلب أن‬
‫يفصح املتعالج للمعالِج عن التفاصيل الدقيقة واخلاصة جدًّ ا‬
‫عن نفسه وحياته الشخصية والزوجية واألرسية واالجتامعية‪.‬‬
‫‪2 .2‬وجود بعض التشوش واالختالط وقلة الوضوح يف أذهان‬
‫الكثري من الناس عن الطب النفيس والصحة النفسية‪ ،‬ما قد‬
‫جيعلهم عرضة لالبتزاز أو سوء املعاملة‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪3 .3‬قلة العاملني نسب ًّيا يف جماالت الصحة النفسية والعالجات‬
‫النفسية واإلرشادية‪ ،‬مقارنة بالفروع العالجية األخرى‪ ،‬ما قد‬
‫يشجع غري األكفاء عىل دخول هذه املجاالت‪.‬‬
‫‪4 .4‬وجود بعض املدَّ عني ممن يتصدون للعالجات النفسية أو‬
‫اإلرشادية أو «الروحانية» من دون أن يتلقوا التدريب العلمي‬
‫املناسب‪ ،‬أو خيضعوا يف تدريبهم لإلرشاف لضامن كفاءهتم يف‬
‫كثريا من هؤالء ال ينتمون‬
‫خصوصا أن ً‬
‫ً‬ ‫تقديم العالج النفيس‪،‬‬
‫إىل مؤسسات وهيئات علمية مهنية ترشف عىل عملهم‪،‬‬
‫وتطالبهم باتباع معايري عالجية عاملية‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن بعض ما ُيطرح يف الساحة من أفكار وعالجات نفسية‪ ،‬مل‬
‫تصل بعد إىل مستوى قيامها عىل األدلة والرباهني عىل فعاليتها‬
‫العالجية‪ ،‬أو أهنا حتتاج إىل تدريب مهني متخصص غري متوفر‬
‫ملن يقوم باستعامهلا وتطبيقها‪.‬‬
‫‪6 .6‬أن بعض جوانب مهنة عالجات الصحة النفسية متصلة وبشدة‬
‫بنمط حياة الناس الدينية واالجتامعية واألرسية واإلعالمية‬
‫وحتى السياسية‪ ،‬ما يتطلب الوعي واحلذر الشديدين لدى‬
‫القائمني عىل تقديم مثل هذه اخلدمات العالجية‪.‬‬
‫‪7 .7‬أن بعض االضطرابات واملشكالت النفسية قد جتعل الشخص‬
‫املصاب هبا عرضة للهشاشة ورسعة التأثر باملعالِج وأفكاره‬
‫ومعتقداته ونمط حياته‪.‬‬
‫‪8 .8‬ما زالت الوصمة االجتامعية املتعلقة باملرض النفيس هلا وقع‬
‫شديد يف جمتمعاتنا‪ ،‬ما حيد من فرص احلديث بني الناس عن‬
‫‪26‬‬
‫معاناهتم‪ ،‬وعن العالجات التي يتلقوهنا‪ ،‬ويمكن أن يقلل من‬
‫كمية املعلومات املنترشة بني الناس‪.‬‬
‫ً‬
‫سؤال‬ ‫‪9 .9‬بعض االضطرابات والصعوبات النفسية قد تطرح‬
‫حساسا حول ما هو الطبيعي‪ ،‬وما هو غري الطبيعي‪ ،‬وال بد‬
‫ً‬
‫للقيم الدينية واالجتامعية أن تؤثر يف اإلجابة عن هذا السؤال‪،‬‬
‫ما جيعل املتعالج عرضة للتأثري القيمي‪.‬‬
‫‪1010‬تنطوي بعض االضطرابات والصعوبات النفسية عىل جوانب‬
‫قانونية قضائية تتعلق بمسؤولية اإلنسان عن عمله‪ ،‬وحدود‬
‫مسؤوليته القانونية عن أعامله‪ ،‬ما يتطلب معايري أخالقية‬
‫ومهنية واضحة‪.‬‬
‫ويف بعض األحيان‪ ،‬قد نتحدث عن «امليثاق األخالقي واملهني»‪،‬‬
‫فنجد من تعريفات هذا امليثاق أنه «قيم ومبادئ حتكم قواعد العمل‬
‫وتوضح رشوطه‪ ،‬وحتدد سلوك العاملني وواجباهتم‪ ،‬وحتفظ‬
‫حقوقهم»‪.11‬‬
‫واملواقف األخالقية التي تعرتض طريقنا ليست دو ًما بالرضورة‬
‫شديدة الوضوح‪ ،‬وإنام قد تقع يف املنطقة الرمادية‪ .‬وقد يغلب عليها‬
‫الغموض‪ ،‬عىل األقل يف بعض جوانبها‪ ،‬ما جيعلنا يف حرية أمام عدة‬
‫خيارات‪ ،‬ليس أفضلها شديد الوضوح‪ .‬ومع ذلك فقد يتعني علينا‬
‫خصوصا أنه يف الواقع العميل قد تنبني‬
‫ً‬ ‫اختاذ قرار وحتديد املسؤولية‪،‬‬
‫عليه خطوات عملية وإجرائية تتعلق بالعالجات واإلجراءات النفسية‬
‫السلوكية‪.‬‬
‫وال بد هلذه املبادئ األخالقية من أن تكون عمل َّية‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫‪27‬‬
‫يبي‬
‫أخالقي واضح‪ِّ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫إسقاطها عىل الواقعة التي أمامنا‪ ،‬لنخرج بموقف‬
‫خطأ الفعل من صوابه‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أننا نجد العديد من نصوص القسم األخالقي الطبي‬
‫التي ختتلف حسب البلدان وتوجهها الديني‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬هناك‬
‫«ميثاق الرشف النقايب العريب» و«القسم الطبي للمؤمتر العاملي للطب‬
‫‪11‬‬
‫اإلسالمي» و«املرشد األخالقي واملهني للمصلح واملرشد األرسي»‬
‫و«ميثاق الرشف لألطباء النفسيني» الصادر عن اجلمعية املرصية للطب‬
‫النفيس‪ 12‬وغريها‪ .‬ونجد ً‬
‫أيضا أن بعض نقابات الطب يف البلدان‬
‫خاصا هبا للطبيب املامرس‪ ،‬كنقابات الطب يف‬
‫قسم ًّ‬
‫املختلفة قد صاغت ً‬
‫أيضا التعاليم األخالقية الطبية املسيحية‪،‬‬
‫بعض الدول العربية‪ .‬وهناك ً‬
‫وبحسب مبادئ الكنيسة التي يتبعها الطبيب أو املعالج‪.13‬‬
‫ونجد يف بعض هذه املواثيق األخالقية َق َس ًم للطبيب‪ ،‬وأورد هنا‬
‫«قسم الطبيب املرصي» للجمعية املرصية للطب النفيس‪ ،‬وفيام يأيت‬
‫نصه‪:‬‬
‫«أقسم باهلل العظيم‪:‬‬
‫أن أراقب اهلل يف مهنتي‪...‬‬
‫وأن أصون حياة اإلنسان يف كل األحوال‪ً ،‬‬
‫باذل وسعي يف استنقاذها‬
‫من املعاناة‪ ،‬وهتيئتها نحو األمان النفيس‪.‬‬
‫وأن أسعى يف تثبيت قيم املجتمع‪ ،‬ومكافحة ما يؤدي إىل الرضر‬
‫الشخيص والعام‪.‬‬
‫وأن أحفظ للناس كرامتهم‪ ،‬وأسرت عوراهتم‪ ،‬وأكتم أرسارهم‪،‬‬
‫وأعدل بينهم‪ ،‬وال أستغل حاجاهتم‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وأن أقدم رعايتي الطبنفسية للقريب والبعيد‪ ،‬والصالح واخلاطئ‪،‬‬
‫والصديق والعدو‪.‬‬
‫وأال أتنكر ملعطيات تعلمي الطبنفيس‪ ،‬وال أعالج الناس بام حرمه اهلل‬
‫عليهم‪ ،‬ما كان يل يف ذلك سبيل‪.‬‬
‫وأن أكون صاد ًقا إذا قلت‪ ،‬أو كتبت‪ ،‬أو شهدت‪ ،‬فال أديل بام أعلم‬
‫أنه مغاير للحقيقة‪.‬‬
‫وأن أثابر عىل طلب العلم وأسخره لنفع اإلنسان‪.‬‬
‫وأن أو ِّقر من علمني‪ ،‬وأعلم من يصغرين‪.‬‬
‫ً‬
‫ومتكامل‬ ‫رب‪،‬‬ ‫وأن أكون ً‬
‫أخا لكل زميل يف املهنة الطبية‪ ،‬متعاونًا عىل ال ِّ‬
‫معهم يف شتى فروع الطب‪.‬‬
‫وأن تكون حيايت‪ ،‬يف رسي وعالنيتي‪ ،‬نقية مما يشينها جتاه اهلل والناس‪.‬‬
‫واهلل عىل ما أقول شهيد»‪.12‬‬

‫العالقة بني األخالق اإلسالمية واألخالق املهنية‬


‫بالرغم من أن عنوان الندوة «األخالق اإلسالمية وعلم النفس»‪،‬‬
‫مطروحا عن عالقة األخالق اإلسالمية بشكل خاص‬
‫ً‬ ‫فالسؤال يبقى‬
‫باألخالق املهنية «اإلنسانية» بشكل عام؟ وال شك أن هناك من يرجح‬
‫أمه َّية كل منهام عىل األخرى‪ ،‬وبالطبع هناك مؤيدون لكل من االجتاهني‪،‬‬
‫بأدلته ومربراته‪ .‬وربام نجد صلة الوصل بني النظامني من خالل التطبيق‬
‫الواعي ملقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بام فيها من حفظ اجلوانب املهمة يف‬
‫حياة اإلنسان‪ ،‬ومنها هنا حفظ النفس‪.‬‬
‫ما هيمنا هو أن تكون لدينا مبادئ ومعايري أخالقية تعترب جز ًءا ال‬
‫‪29‬‬
‫يتجزأ من تعاليم املامرسة العملية للمعالج النفيس سواء أكان طبي ًبا‬
‫نفس ًّيا أم اختصاص ًّيا نفس ًّيا أم مرشدً ا اجتامع ًّيا أو أرس ًّيا‪.‬‬
‫ولذلك نجد هناك جمموعة من هذه املبادئ األخالقية واملعايري التي‬
‫تدعو إليها املنظامت واهليئات املهنية كمنظامت الطب النفيس وعلم‬
‫النفس واإلرشاد األرسي وغريها‪.‬‬
‫يلم ً‬
‫أول باملبادئ األخالقية‬ ‫وال شك أن من املفيد للمعالج النفيس أن َّ‬
‫التي حتكم مهنته بشكل حمدد‪ ،‬ثم يتعرف إىل املبادئ األخالقية باملهن‬
‫القريبة من ختصصه‪ ،‬ملا بني بعضها من التداخل‪ .‬فالطبيب النفيس‬
‫عليه أن ي َّطلع ً‬
‫أيضا‪ ،‬ولو جمرد اطالع‪ ،‬عىل املبادئ األخالقية لقسم‬
‫علم النفس‪ ،‬وقسم اإلرشاد الزواجي أو األرسي‪ ،‬أو حتى القضائي‬
‫وخصوصا للطبيب النفيس الذي يتعامل‬
‫ً‬ ‫القانوين يف بعض احلاالت‪،‬‬
‫مع احلاالت النفسية التي تنطوي عىل ٍ‬
‫بعد قضائي كام يف حاالت الطب‬
‫النفيس الرشعي أو اجلنائي أو القانوين (‪.)forensic psychiatry‬‬

‫املبادئ األخالقية املهنية‪ ،‬نظام متكامل‪:‬‬


‫ولكي تؤيت املبادئ واإلجراءات األخالقية ثامرها‪ ،‬فال بد من وجودها‬
‫ضمن منظومة قيم َّية متكاملة‪ ،‬وبحيث ال تكون جمزأة أو مفككة‬
‫كل متكامل‪ ،‬بحسب ما هو ممكن للمعايري‬‫األوصال‪ ،‬وإنام هي ٌّ‬
‫اإلنسانية من الدقة والكامل‪ .‬صحيح أننا نسعى إىل الكامل‪ ،‬إال أن‬
‫املطلوب أن نحدد اخلطوات املطلوبة ونسعى إىل الوصول إليها‪« ،‬أفال‬
‫فيه ْ ِ‬
‫كان ِمن ِعن ِْد َغ ِي ال َّل ِه لوجدْ وا ِ‬
‫اختال ًفا ك ً‬
‫َثريا»‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫رآن َو ْلو َ ْ‬
‫رون ال ُق َ‬
‫َيتَد َّب َ‬
‫يتم إال كتابه»‪ ،‬أو كام نقل عن ابن‬
‫(النساء‪ :‬اآلية ‪ ،)82‬و«أبى اهلل أن َّ‬
‫‪30‬‬
‫رجب احلنبيل «ويأبى اهللُ العصمة لغري كتابه‪ ،‬واملنصف من ا ْغ َت َف َر قليل‬
‫خطأ املرء يف كثري من صوابه»‪.14‬‬
‫وهتدف املبادئ األخالقية املهنية عادة إىل حتقيق العديد من األمور‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪1 .1‬تعزيز انتامء املعالِج لرسالته ومهنته‪.‬‬
‫‪2 .2‬تبصري املعالِج بقيم ومبادئ وأخالقيات املهنة‪.‬‬
‫‪3 .3‬حتفيز املعالِج عىل أن يتمثل قيم ومبادئ املهنة يف سلوكه‪.‬‬
‫‪4 .4‬تأصيل املهنية يف ممارسة العالجات النفسية‪.‬‬
‫‪5 .5‬ضبط سلوك املتعاجلني وحفظ حقوقهم يف جماالت الصحة‬
‫النفسية‪.‬‬
‫‪6 .6‬جتويد العالجات النفسية لتفادي األخطاء والتجاوزات‬
‫الضارة باملهنة واملعالِج واملتعالج‪.‬‬
‫ويمكن أن تشمل املبادئ األخالقية واملهنية العديد من األمور‪،‬‬
‫ومنها ما يأيت‪:‬‬
‫‪1 .1‬مواصفات املعالِج النفيس‪.‬‬
‫‪2 .2‬السلوك الشخيص للمعالِج النفيس‪.‬‬
‫‪3 .3‬املسؤوليات األخالقية للمعالِج جتاه املهنة‪.‬‬
‫‪4 .4‬املسؤولية األخالقية للمعالِج جتاه املتعالج‪.‬‬
‫‪5 .5‬املسؤولية األخالقية للمعالِج جتاه زمالئه املعاجلني‪.‬‬
‫‪6 .6‬املسؤولية األخالقية للمعالِج جتاه املؤسسة التي يعمل هبا‪.‬‬
‫‪7 .7‬املسؤولية األخالقية للمعالِج النفيس جتاه املجتمع‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪8 .8‬املسؤولية األخالقية للمؤسسة جتاه املعالِج النفيس الذي يعمل‬
‫لدهيا‪.‬‬

‫املامرسات النفسية‪ ،‬عامل متطور‪:‬‬


‫ال شك أنه تُعرض علينا يف هذا العرص قضايا تتعلق بمامرسات‬
‫وعالجات نفسية مل تكن معروفة للمجتمعات منذ عرشات السنني‪،‬‬
‫ومن الطبيعي من خالل هذا التاريخ وهذا التطور أن نتوقع أن هذا العامل‬
‫عامل ٌ متطور‪ ،‬وربام رسيع التطور‪ .‬وقد تبقى املبادئ األخالقية للمامرسة‬
‫ثابتة نو ًعا ما‪ ،‬إال أنه ال بد من مراجعة اإلجراءات والسياسات التي‬
‫حتكم املامرسة والتطبيق‪ ،‬وبحيث حتاول هذه اإلجراءات استيعاب كل‬
‫متطور يف جماالت التشخيص والعالجات النفسية‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫جديد وكل‬
‫وال بد من التنويه بأنه ربام مهام وضعنا من املبادئ واملعايري‬
‫واإلجراءات األخالقية للمامرسات النفسية‪ ،‬فإهنا قد ال تغ ِّطي كل‬
‫اجلوانب املمكنة أو املواقف املحتملة‪ ،‬كام أهنا لن تستطيع التنبؤ بكل‬
‫حالة أو موقف يمكن أن يعرتضنا يف جماالت العالجات واملامرسات‬
‫يلم‬
‫النفسية‪ .‬وهذا يلقي بالعبء عىل كل ممارس أو معالج نفيس أن َّ‬
‫باملبادئ العامة للمعايري األخالقية للمامرسة‪ ،‬وبحيث يبحث أو يسأل‬
‫احلل األنسب للمعضلة األخالقية التي أمامه إذا صعب عليه اختاذ‬ ‫عن ِّ‬
‫الذك ِْر إِ ْن‬
‫اس َأ ُلوا َأ ْه َل ِّ‬
‫عمل بقوله تعاىل‪َ « :‬ف ْ‬
‫املوقف األخالقي األفضل‪ً ،‬‬
‫ُكنْت ُْم َل َت ْع َل ُم َ‬
‫ون» (النحل‪ :‬اآلية ‪ .)43‬ولذلك وجدت يف املستشفيات‬
‫واهليئات الطبنفسية جلان متخصصة يف القضايا األخالقية للمامرسة‪،‬‬
‫حيث تُعرض عليها القضايا وتصدر توصيات بشأهنا‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫نموذج للمبادئ األخالقية يف علم النفس‪:‬‬
‫ومن باب االطالع‪ ،‬فسأعرض هنا بعض املبادئ األخالقية املتمثلة يف‬
‫موجهات وإرشادات لتوجيه وضبط سلوك املعالج الذي يعمل يف جمال‬
‫ِّ‬
‫الصحة النفسية‪ ،‬وهي املنصوص عليها يف اجلمعية األمريكية لعلامء‬
‫النفس‪:16 ،15‬‬
‫ترض (‪( )do no harm‬من باب «ال رضر وال رضار» (حسن‬
‫‪1 .1‬ال ُّ‬
‫رواه ابن ماجة والدارقطني))‬
‫‪2 .2‬احرتم حرية الشخص واستقالليته (‪)autonomy‬‬
‫‪3 .3‬كن ً‬
‫عادل (‪)be just‬‬
‫خملصا (‪)be faithful‬‬
‫‪4 .4‬كن ً‬
‫‪5 .5‬احرتم كرامة اإلنسان (‪)accord dignity‬‬
‫(‪treat others with caring and‬‬ ‫‪6 .6‬ارع اآلخرين وارمحهم‬
‫‪)compassion‬‬
‫‪7 .7‬اسع نحو اإلحسان (‪)pursue excellence‬‬
‫ً‬
‫مسؤول (من املساءلة) (‪)be accountable‬‬ ‫‪8 .8‬كن‬
‫‪9 .9‬كن شجا ًعا (‪)be courageous‬‬

‫األسئلة الفرعية‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬ما أهم اإلشكاالت األخالقية التي تواجه املعالج واملتعالج؟‬
‫بنا ًء عىل تعريف األخالقيات املهنية املتعلقة بالصحة النفسية (‪mental‬‬

‫بعضا من أهم اإلشكاالت‬ ‫‪ ،)health’s ethics‬فإننا سنعرض هنا ً‬


‫كل من املعالِج واملتعالج‪ ،‬ونقصد‬
‫األخالقية التي يمكن أن تعرتض ًّ‬
‫‪33‬‬
‫هبا هذه املواقف التي تطرح عىل كل منهام بحيث حيتاج الواحد منهام‬
‫أن خيتار بني عدة إمكانات مطروحة أمامه‪ .‬واملطلوب من كل منهام‬
‫طب ًعا أن يقدم ما يميل عليه ضمريه من صواب الترصف‪ ،‬ضمن احلدود‬
‫البرشية‪ ،‬وما فيه خري صاحب احلاجة من املتعاجلني‪ ،‬والصالح العام‪.‬‬
‫وقد وضعت املدارس النفسية املختلفة‪ ،‬واهليئات الطبنفسية املواثيق‬
‫األخالقية املختلفة لضبط وتوجيه وتقليل احتامالت اخلطأ أو سوء‬
‫الترصف أو االستغالل يف هذه اجلوانب املختلفة‪ .‬وتبقى املسؤولية‬
‫األخالقية املهنية ملقاة عىل االختصايص أو املعالِج لألخذ هبذه‬
‫اإلجراءات والتعليامت‪ ،‬أو جتاهلها داف ًعا الثمن من ضمريه ً‬
‫أول‪ ،‬مع‬
‫احتامل مقاضاته قانون ًّيا ثان ًيا‪.‬‬
‫وسوف نعرض أنواع اإلشكاالت األخالقية يف الصحة النفسية‬
‫وفق العناوين اآلتية‪:‬‬
‫‪1 .1‬حقوق املتعالج‬
‫‪2 .2‬مسؤوليات املعالِج‬
‫‪3 .3‬إجراءات العالج‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬حقوق املتعالج‪:‬‬
‫العالقة العالجية والثقة‪:‬‬
‫عندما حيصل تواصل بني املعالِج واملتعالج‪ ،‬فال بد أن تقوم هذه العالقة‬
‫عىل التفاهم عىل بعض األهداف األساسية لطبيعة عملهام من خالل‬
‫هذه العالقة‪ .‬فمن حق املتعالج أن يعرف ما سيتعرض له بالعالج‪ ،‬ومن‬
‫ويعرف بام سيجري وبمنتهى الوضوح‪.‬‬‫ِّ‬ ‫مسؤولية املعالِج أن يرشح‬
‫‪34‬‬
‫ويوضح سرتاب‪ 17‬ثالث مسؤوليات للمعالِج النفيس وهي‪:‬‬
‫‪1 .1‬الوظيفة العالجية‪ ،‬بتخفيف أو رفع املعاناة العاطفية والنفسية‪،‬‬
‫من خالل التفهم والدعم والتطمني‪.‬‬
‫‪2 .2‬الوظيفة التعليمية‪ ،‬من الرشح والتوضيح لألمور النفسية‪،‬‬
‫والتبص والنضج‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫باإلضافة للمساعدة يف النمو‬
‫‪3 .3‬الوظيفة التكنولوجية‪ ،‬من خالل استعامل اآلليات واملهارات‬
‫املختلفة لتغيري وتعديل السلوك‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫سعاد شابة يف الثالثينيات من العمر‪ ،‬بدأت تشعر منذ أن انتقلت إىل‬
‫وظيفة جديدة من تسعة أشهر بالقلق ونوبات اهللع وهي يف املكتب مع‬
‫عدد من املوظفات‪ .‬بعد تردد راجعت أخصائية نفسية‪ ،‬فشخصت هلا‬
‫حالة من القلق العام‪ ،‬وأخربهتا بأهنا ستعاجلها من خالل مخس جلسات‬
‫فقط‪ .‬وبعد اجللسة الثالثة مل تشعر سعاد بأي حتسن‪ ،‬فبدأت تتظاهر أمام‬
‫املعاجلة بأهنا حتسنت‪ ،‬وأوقفت العالج بعد اجللسة الرابعة بحجة أهنا‬
‫شفيت متا ًما‪ ،‬وأهنا عادت إىل حالتها الطبيعية‪.‬‬

‫رسية املعلومات‪:‬‬
‫ويقصد بالرسية معيار سلوكي عام يفرض عىل املعالِج َّأل يناقش ما‬
‫له عالقة باملتعالج مع أي شخص كان‪ ،‬وهو أمر متضمن يف العقد‬
‫بأل يظهر املعالِج أ ًّيا من املعلومات‬
‫العالجي بني املعالِج واملتعالج‪َّ ،‬‬
‫اخلاصة باملتعالج‪ ،‬إال يف حدود ضيقة جدًّ ا يتفقان عليها م ًعا‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫وتويص بعض املواثيق النفسية (كاهليئة األمريكية لعلم النفس) أنه‬
‫يف حال طلبت جهة ثالثة معلومات عن احلالة‪ ،‬فعىل املعالِج أن «يفصح‬
‫فقط عن احلدود الضيقة الرضورية لتحقيق هدف طلب املعلومات»‪.‬‬
‫ومن املشكالت الرئيسية يف موضوع الرسية أن رشكات التأمني‬
‫الصحي تطلب معلومات عن حالة املريض الذي يراجع الطبيب‬
‫نفيس ما‪ ،‬وإال فقد ال‬
‫ٍّ‬ ‫النفيس أو األخصائي النفيس بسبب اضطراب‬
‫تدفع نفقات العالج من دون استالم هذه املعلومات‪ .‬واحلل املناسب‬
‫هلذا األمر أن يوضح الطبيب املعالج ً‬
‫أول للمريض أن عليه إذا أراد‬
‫لرشكة التأمني تغطية نفقات اجللسات العالجية أن يأذن له بتقديم بعض‬
‫املعلومات لرشكة التأمني‪ ،‬إال إذا أراد املريض حتمل النفقات‪ ،‬فعندها‬
‫ال حيتاج الطبيب إىل التواصل مع رشكة التأمني‪ .‬وعىل الطبيب أن خيرب‬
‫أيضا عىل رسية املعلومات‪ ،‬إال‬
‫أيضا أن رشكة التأمني ستحافظ ً‬
‫املريض ً‬
‫أنه ال يضمن له ماذا سيحصل بعد خروج املعلومات إىل رشكة التأمني‪.‬‬
‫وعادة تكتفي رشكات التأمني ببعض املعلومات األساسية كاسم‬
‫املريض‪ ،‬وتاريخ اجللسات العالجية‪ ،‬والتشخيص الذي يتلقى العالج‬
‫من أجله‪.‬‬
‫وال شك أن موضوع الرسية وخصوصيات املريض من األمور املهمة‬
‫واحلرجة‪ ،‬ولذلك وجب اإليضاح املفصل نو ًعا ما‪ ،‬إذ إن هناك حاالت‬
‫ومواقف قد تتطلب من الطبيب أو املعالج النفيس اإلفصاح عن بعض‬
‫وخصوصا يف املواقف التالية‪ ،‬ومجيعها مفصلة‬
‫ً‬ ‫املعلومات عن املريض‪،‬‬
‫يف ورقة بحثية قدمتها لندوة «الرسية املهنية بني حقوق املريض‪ ،‬وسالمة‬
‫املجتمع» التي أقامها مركز التأهيل االجتامعي‪ /‬قطر عام ‪ .182013‬ويف‬
‫‪36‬‬
‫بعض املواقف اخلاصة بموضوع الرسية‪ ،‬يمكن للطبيب أو املعالج أن‬
‫يرشح موضوع الرسية من خالل العرض اآليت‪:‬‬

‫يف اجللسات العالجية‪:‬‬


‫فعيل‬
‫خطرا حقيق ًّيا عىل شخص آخر‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫اعتقدت أنك تشكل‬
‫ُ‬ ‫● ●إذا‬
‫أضطر إىل إخبار هذا الشخص أو‬
‫ُّ‬ ‫هنا محاية هذا الشخص‪ ،‬وقد‬
‫الرشطة‪.‬‬
‫أضطر إىل‬
‫ُّ‬ ‫خطرا عىل نفسك‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫اعتقدت أنك تشكل‬
‫ُ‬ ‫● ●وإذا‬
‫إدخالك املستشفى أو التواصل مع أرستك أو آخرين ممن‬
‫يمكنهم محايتك من األذى‪ .‬ويف هذه احلالة سأناقش معك هذه‬
‫األمور قبل فعل أي يشء‪ ،‬مامل يكن هناك سبب جيد َّ‬
‫بأل أفعل‪.‬‬
‫● ●يف حالة الطوارئ‪ ،‬إذا كانت صحتك عرضة للخطر املحدق‪،‬‬
‫فقد أخرب مهن ًّيا آخر ببعض املعلومات لتأمني حياتك‪ ،‬من دون‬
‫إذنك‪ ،‬وسأناقش معك هذه األمور إذا كان هذا ممكنًا‪.‬‬
‫طفل يتعرض لالمتهان‬ ‫● ●عندما أشك أو يغلب عىل ظنِّي أن هناك ً‬
‫فعيل‬
‫بسبب اإلمهال أو التهجم أو الرضب أو التحرش اجلنيس‪َّ ،‬‬
‫عندها تعبئة تقرير خاص يسمح جلهة رسمية بالتحقيق يف األمر‬
‫وتقيص كل احلقائق‪.‬‬
‫● ●ويف أي من هذه احلاالت‪ ،‬سأفيش فقط املعلومات الرضورية‬
‫حلاميتك أو محاية الشخص اآلخر‪ ،‬ولن أفصح عن كل يشء قلته‬
‫يل‪.‬‬
‫● ●وإذا كان لديك أي رأي يف هذه األمور‪ ،‬فيمكننا أن نتناقش يف‬
‫‪37‬‬
‫هذه األمور القانونية بالتفصيل‪ ،‬وقبل أن ختربين بأي معلومات‬
‫عن هذه القضايا‪.‬‬

‫التعامل مع املحكمة والقضاء‪:‬‬


‫● ●بشكل عام‪ ،‬إذا كان عندك قضية تنظر أمام إحدى املحاكم‪،‬‬
‫فيمكنك أن متنعني من اإلدالء بأي معلومات قلتها يل‪ ،‬وهذا ما‬
‫يسمى م ِّيزات (‪ )privilege‬وهي متاحة لك دو ًما‪ ،‬ويمكنك أن‬
‫تسحبها يف أي وقت ساحمًا يل باحلديث‪.‬‬
‫طلب مني القايض اإلدالء بشهاديت‪،‬‬
‫● ●ولكن يف بعض احلاالت قد َي ُ‬
‫العتقاده أن املحكمة حتتاج إىل بعض املعلومات للوصول إىل‬
‫قرار عادل‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1 .1‬كون حالتك النفسية والعاطفية والعقلية تنطوي عىل‬
‫معلومات مهمة تساعد املحكمة يف اختاذ قرارها‪.‬‬
‫‪2 .2‬يف قضية سوء مزاولة املهنة (‪ ،)malpractice‬أو يف جلسة‬
‫استامع جملس تأديبي ضد أحد املعاجلني‪.‬‬
‫‪3 .3‬يف جلسة استامع قضائي مدين عندما حيتمل إدخالك إىل‬
‫املستشفى النفيس‪.‬‬
‫● ●عندما تأيت إ َّيل بقرار عالجي صادر عن املحكمة (‪.)court-order‬‬
‫ويف هذه احلالة فإننا سنتحدث بالتفصيل يف موضوع الرسية‪،‬‬
‫ألنك لست مطال ًبا بأن تقول يل ما ال تريد للمحكمة معرفته‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫عند استشارة الزمالء من املعاجلني‪:‬‬
‫● ●أحيانًا أحتاج إىل أن أستشري أحد املعاجلني اآلخرين يف موضوع‬
‫عالجك‪ .‬وأنا لن أرصح عن هويتك‪ ،‬وهذا املعالج اآلخر ملزم‬
‫قانون ًّيا باحلفاظ عىل الرسية‪.‬‬
‫جلا آخر قد ينوب‬
‫كنت يف سفر أو خارج املدينة‪ ،‬فإن معا ً‬
‫● ●وإذا ُ‬
‫وعيل عندها إخباره‬
‫َّ‬ ‫عنِّي يف رعاية احلاالت التي أتعامل معها‪،‬‬
‫بمرضاي وأنت واحد منهم‪.‬‬
‫● ●أنا مطالب بحفظ سجل للعمل الذي أقوم به معك‪ ،‬موث ًقا بذلك‬
‫تاريخ اجللسات‪ ،‬ويف بعض احلاالت تطور العمل‪ .‬ومن حقك‬
‫اعتقدت أن بعض‬
‫ُ‬ ‫أن ت َّطلع معي عىل هذه السجالت‪ ،‬إال إذا‬
‫هذه املالحظات املكتوبة قد تزعجك بشكل كبري‪ .‬فعندها لن‬
‫أسمح لك بقراءة هذه املعلومات‪ ،‬ولكني سأرشح لك أسبايب‬
‫وبشكل كامل‪.‬‬
‫● ●وكذلك قد أحتفظ بمالحظايت اخلاصة عن العالج النفيس بشكل‬
‫منفصل عن السجل‪ ،‬وال يمكن االطالع عليها إال بإذن خاص‪.‬‬

‫مع رشكات التأمني‪:‬‬


‫عيل‬
‫استعملت تأمينك الصحي لدفع النفقات العالجية‪ ،‬فإن َّ‬
‫َ‬ ‫● ●إذا‬
‫أن أقدم لرشكة التأمني بعض املعلومات عن املعاجلة‪ .‬وعادة‬
‫ما يريدون فقط معرفة التشخيص‪ ،‬ومواعيد جلسات العالج‪،‬‬
‫خمترصا عن‬
‫ً‬ ‫وأحيانًا بعض املعلومات عن اخلطة العالجية‪ ،‬أو‬
‫املعاجلة‪ ،‬وأتعاب املعاجلة‪ .‬ويف العادة فإنني أقدم لك الفاتورة‬
‫‪39‬‬
‫واستامرات خاصة يطلبوهنا لتقدمها إىل رشكة التأمني‪ ،‬وعندها‬
‫فأنت سرتى ما يعلمون عن معاجلتك‪.‬‬
‫● ●وال حيق قانون ًّيا لرشكات التأمني أن ترسب أ ًّيا من املعلومات‬
‫اخلطي اخلاص‬
‫ِّ‬ ‫عن زيارة مكتبنا ألي جهة أخرى من دون إذنك‬
‫(‪.)Release Form‬‬
‫● ●بالطبع أنا أفرتض أن رشكة التأمني تترصف بشكل أخالقي‬
‫وقانوين‪ ،‬إال أنني ال أستطيع التحكم بمن يرى هذه املعلومات‬
‫يف مكتب رشكة التأمني‪ ،‬أو يف أي مكتب آخر‪ .‬وأنت غري مطالب‬
‫بتقديم أي معلومات أكثر من هذه للحصول عىل تأمني صحي‬
‫أو السرتداد املبالغ التي دفعتها‪.‬‬

‫يف احلاالت اإلجرائية‪:‬‬


‫كنت قد ُحولت إ َّيل من قبل رشكة توظيفك‪ ،‬فقد ُيطلب‬
‫● ●إذا َ‬
‫مني أن أعطيهم بعض املعلومات‪ .‬ويف هذه احلالة‪ ،‬دعنا نناقش‬
‫وبشكل كامل طبيعة اتفاقي مع رشكتك وقبل أن نتحدث يف أي‬
‫يشء آخر‪.‬‬
‫● ●إذا تراكم َد ْين َُك معي‪ ،‬ومل تسدده‪ ،‬وإذا مل نكن قد اتفقنا عىل خطة‬
‫للدفع‪ ،‬فقد أجلأ للقضاء لتسديد املبلغ‪ .‬ولن أقدم للمحكمة أو‬
‫املحامي سوى اسمك وعنوانك وتاريخ زياراتك يل للعالج‪،‬‬
‫وقيمة املبلغ املستحق‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫حقوق األطفال اخلاضعني للعالج‪:‬‬
‫● ●األطفال اخلاضعون للعالج‪ ،‬وهم دون سن الثانية عرشة‪ ،‬لدهيم‬
‫القليل من احلقوق القانونية حلجب املعلومات عن والدهيم لدى‬
‫سؤاهلم‪.‬‬
‫● ●أما يف حالة األطفال الذين ترتاوح أعامرهم بني ‪ 18 -12‬عا ًما‪،‬‬
‫وكلام أصبح الشخص أقدر عىل الفهم واالختيار‪ ،‬فإنه يكتسب‬
‫بعض احلقوق القانونية‪.‬‬
‫● ●ويف هذه احلالة‪ ،‬فاعلم أن معظم ما تقوله يل سيبقى رس ًّيا‪ ،‬ألن‬
‫هذا سيساعد يف عالجك‪ ،‬إال أن من حق الوالدين أن يعرفا‬
‫املعلومات العامة يف ما يتعلق ببعض املوضوعات احلياتية املهمة‪،‬‬
‫أو عن سري العالج‪ ،‬ما يساعدهم يف اختاذ قرارات صائبة يف ما‬
‫يتعلق بالعالج‪.‬‬
‫أيضا عند الرضورة ببعض املعلومات املتعلقة‬
‫● ●وقد أخربهم ً‬
‫ببعض أفراد األرسة إذا أخربتني هبا‪.‬‬

‫يف حال عالج الزوجني‪:‬‬


‫● ●يف حال إخباري بأمر ال تعرفه زوجتك أو ال يعرفه زوجك‪،‬‬
‫فإنني ال أستطيع أخالق ًّيا أن أوافق عىل عدم إخباره أو إخبارها‬
‫إذا كان من شأن ذلك أن يتسبب يف إحداث األذى حال عدم‬
‫املعرفة‪ .‬وسأعمل معك الختاذ القرار األفضل للتعامل مع هذا‬
‫األمر عىل املدى البعيد‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫● ●إذا كان عندك أو عند زوجك اتفاق حضانة األطفال (‪)custody‬‬
‫عيل أن أعلم هبذا‪،‬‬
‫أو جلسة استامع أمام حمكمة احلضانة‪ ،‬فإن َّ‬
‫ألن هذا قد يؤثر يف سري العالج‪.‬‬
‫وعيل أن أطلب منك املوافقة عىل أنه إذا مل يفض العالج النفيس‬
‫● ● َّ‬
‫حل الصعوبات الزوجية‪ ،‬وإذا تقدمت بطلب‬ ‫أو اإلرشاد إىل ِّ‬
‫الطالق‪ ،‬فأنت لن تطلب مني تقديم شهاديت ألي من الطرفني‪.‬‬
‫● ●ومع ذلك يمكن للمحكمة أن تأمرين باإلدالء بشهاديت عند‬
‫الرضورة‪.‬‬

‫يف حال عالج عدد من أفراد األرسة الواحدة‪:‬‬


‫● ●يف حال عالج عدد من أفراد األرسة‪ ،‬آباء وأبناء وغريهم‪،‬‬
‫فموضوع الرسية قد يصبح غاية يف التعقيد ألنني سأجد نفيس‬
‫أمام مزيج من املسؤوليات جتاه أفراد خمتلفني‪.‬‬
‫● ●فعلينا منذ البداية أن نوضح هدف عالجك ودوري يف رعاية‬
‫أرستك‪ .‬ومن خالل هذا االتفاق يمكن أن نحل موضوع‬
‫حمدودية الرسية املوجودة‪.‬‬
‫أيضا أن نتفق أن أي عضو من أرستك عليه أن يو ِّقع عىل‬
‫● ●وعلينا ً‬
‫السامح بإخراج الوثائق التي أكتبها يف العالج‪.‬‬

‫يف حال العالج اجلامعي‪:‬‬


‫كنت يف عالج مجاعي‪ ،‬فإن األعضاء اآلخرين ليسوا معاجلني‬
‫● ●إذا َ‬
‫وال تنطبق عليهم القواعد األخالقية والقانونية نفسها‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫● ●وبشكل عام من الصعب أن تتأكد من أهنم سيحفظون رسية ما‬
‫تقوله يف املجموعة‪.‬‬
‫ومن رسية احلاالت واحرتام خصوصياهتا موضوع مراعاة عدم‬
‫وخصوصا عندما يكون هناك عرض أو نرش‬
‫ً‬ ‫عرض صور احلالة‪،‬‬
‫لبحث علمي‪.‬‬

‫إيضاحات إضافية تتعلق بالرسية‪:‬‬


‫● ●أي معلومات تعلن عنها خارج العالج‪ ،‬بشكل طوعي وعلني‪،‬‬
‫فإن املحكمة لن تعتربها رس َّية‪.‬‬
‫● ●لن أسجل جلسات العالج بالصوت أو الفيديو من دون‬
‫ترصحيك املكتوب‪.‬‬
‫أردت مني أن أرسل معلومات عن عالجك لشخص‬ ‫َ‬ ‫● ●إذا‬
‫حيا بالسامح يل باإلفراج عن هذه‬
‫آخر‪ ،‬فإن عليك أن توقع ترص ً‬
‫املعلومات‪ ،‬ويمكن أن أعطيك نسخة من هذا الترصيح لتعرف‬
‫عنه (‪.18)Authorization to Release Information‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫قام الطبيب النفيس بتقييم حالة الطفل ربيع (‪ 8‬سنوات) بسبب بعض‬
‫الصعوبات املدرسية‪ ،‬وتطلب هذا من الطبيب التعرف إىل القصة‬
‫التطورية للطفل‪ ،‬وقصة وضع األرسة‪ ،‬والعالقة بني الوالدين‪ .‬وتبني‬
‫وخصوصا بسبب‬
‫ً‬ ‫للطبيب أن ربيع يعاين بعض الصعوبات العاطفية‪،‬‬
‫وخصوصا أنه سمع عن احتامل‬
‫ً‬ ‫خالف حاد وطويل بني الوالدين‪،‬‬
‫‪43‬‬
‫طالق الوالدين‪ ،‬وبعض املشكالت األرسية األخرى‪ .‬استلم الطبيب‬
‫رسالة رسمية من مدرسة ربيع تطلب منه «أي معلومات عن مشكالت‬
‫ربيع»‪ .‬وقد تبني للطبيب أن املدرسة غري معنية بكل التفاصيل التي‬
‫جتمعت لديه‪ ،‬وكانت رسالته للمدرسة مقترصة عىل اإلشارة إىل‬
‫نتيجة التقييم املعريف للطفل‪ ،‬ووصف عام يفيد أن الطفل يعاين «بعض‬
‫الصعوبات العاطفية يف أرسته»‪.‬‬

‫خيارات املتعالج‪:‬‬
‫من حق املريض أو املتعالج أن يسمع بعد تقييمه من قبل املعالِج إىل رأيه‬
‫يف التشخيص املحتمل‪ ،‬ويف إجراءات اخلطة العالجية‪ ،‬وتفاصيل هذه‬
‫اخلطة‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬ونوعية العالج املقرتح‪ ،‬ويف معرفة بدائل العالج‬
‫عالجا نفس ًّيا أم دوائ ًّيا‪ .‬وعىل الطبيب أن‬
‫ً‬ ‫النفيس املطروح‪ ،‬سواء أكان‬
‫يرشح له كل هذا بلغة بسيطة مفهومة‪ ،‬فهذا الرشح ليس فقط مفيدً ا من‬
‫أيضا‬
‫ناحية مساعدة املريض عىل التعاون والتجاوب مع العالج‪ ،‬ولكن ً‬
‫من باب قيام املعالِج بمسؤوليته األخالقية املهنية‪.‬‬

‫حق رفض العالج أو االنسحاب منه‪:‬‬


‫من حق املريض أن يوازن بني املنافع املحتملة واملضار املتوقعة من طريقة‬
‫معينة يف العالج‪ ،‬وبالتايل من حقه أن يرفض هذا العالج‪ ،‬أو أن يطلب‬
‫بديل عنه‪ .‬بالطبع قد ُيستثنى من هذا بعض احلاالت‪ ،‬ومنها ً‬
‫مثل املريض‬ ‫ً‬
‫ورغم عنه وفق القانون‬
‫ً‬ ‫قرسا‬
‫النفيس الذي أدخل املستشفى النفيس ً‬
‫املعمول به يف البلد‪ ،‬وهذا حيدث غال ًبا عندما يفقد املريض البصرية‬
‫‪44‬‬
‫خطرا حقيق ًّيا عىل نفسه أو عىل اآلخرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )insight‬أو عندما يشكل‬
‫وعندها تطبق عليه املعاجلة املطلوبة‪ ،‬وليس من حقه الرفض‪ .‬ولكن يف‬
‫البالد التي يوجد فيها قانون للصحة النفسية (‪،)Mental Health Act‬‬
‫واحرتام عام حلقوق اإلنسان‪ ،‬فإن هناك معايري أخالقية متعددة لضبط‬
‫هذه احلاالت‪ ،‬وملنع سوء استخدامها‪ .‬ونذكر هنا كيف أن اإلدخال‬
‫منهجا متب ًعا يف بعض البالد الشيوعية‬
‫ً‬ ‫القرسي للمصحات النفسية كان‬
‫ً‬
‫معمول به يف بعض البالد التي‬ ‫كاالحتاد السوفييتي وغريه‪ ،‬وربام ما زال‬
‫ال تعري كثري اهتامم بحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬قد ال يكون هناك خيار يف رفض أو قبول العالج بالنسبة‬
‫للطفل الذي أتى به والداه للعالج‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يبقى من واجب الطبيب النفيس املعالج أن حيرتم حق‬
‫املريض ورغباته واختياراته يف أهداف العالج والطريقة املستعملة‬
‫معه‪ ،‬وعدد اجللسات‪ ،‬أو نوع الدواء النفيس‪ .‬وينطوي هذا األمر عىل‬
‫أمهية بالغة‪ ،‬ال سيام يف موضوع األدوية النفسية يف ظل توفر املعلومات‬
‫عىل اإلنرتنت‪ ،‬إذ قد يأيت املريض وقد قرأ عن الدواء النفيس وفاعليته‬
‫وتأثرياته اجلانبية التي قد تن ِّفره‪ ،‬فمن حقه أن يرفض هذا الدواء‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫ليىل سيدة يف الستني من عمرها‪ ،‬ومن أرسة غنية‪ .‬اضطرت للذهاب‬
‫إىل الطوارئ بسبب آالم يف ركبتيها‪ ،‬إال أهنا قادرة عىل امليش من دون‬
‫مساعدة‪ .‬وبعد دخول املستشفى بيومني‪ ،‬طلبت اخلروج خال ًفا للنصح‬
‫الطبي‪ ،‬ومل يالحظ الفريق الطبي ما جيعلهم يمنعوهنا من اخلروج‪ ،‬سوى‬
‫‪45‬‬
‫بعض عالمات القلق اخلفيف وما يمكن أن يشري إىل أهنا خائفة بعض‬
‫اليشء‪.‬‬
‫يف ذلك اليوم مل تصل السيدة ليىل إىل منزهلا‪ ،‬وبعد يومني من البحث‬
‫املضني من قبل أرسهتا‪ ،‬وجدهتا الرشطة يف أحد األسواق‪ ،‬جالسة يف‬
‫زاوية معتمة من زوايا السوق رثة الثياب‪ ،‬حافية القدمني‪ ،‬وعالمات‬
‫اجلوع واإلجهاد الشديدين ترتسم عىل مالمح وجهها‪ .‬مل جتب ليىل عىل‬
‫أي من أسئلة الرشطة‪ ،‬إال أهنم تعرفوا إليها من أوصافها التي نقلتها‬
‫إليهم أرسهتا‪ .‬أخذت الرشطة السيدة ليىل إىل الطوارئ حيث وصل‬
‫كثريا ملظهر أمهم‪.‬‬
‫أبناؤها مجي ًعا‪ ،‬وتأملوا ً‬
‫بعد التقييم النفيس‪ ،‬وجد الطبيب النفيس السيدة ليىل يف حالة من‬
‫التشوش يف الزمان واملكان‪ ،‬وفقد الكالم‪ ،‬واإلمهال الشديد لنفسها‬
‫بعد أن كانت سيدة فخورة جدًّ ا هبيئتها‪ .‬رفضت السيدة ليىل دخول‬
‫املستشفى جمد ًدا وطلبت أن تعود إىل بيتها‪ ،‬إال أن الطبيب النفيس نصح‬
‫بعكس هذا‪ ،‬بعدما وجد أهنا تعاين حالة شديدة من االكتئاب الرسيري‪،‬‬
‫مع احتامل بداية حالة من العته الشيخي (ألزهايمر)‪ ،‬ونصح بأن يبدأ‬
‫العالج بالصدمة الكهربائية ومضاد االكتئاب وأحد األدوية املضادة‬
‫للهذيان (‪ .)psychosis‬وبالرغم من الرشح املتأين الذي قام به الطبيب‬
‫النفيس‪ ،‬إال أن السيدة ليىل رفضت كل هذه املقرتحات‪ ،‬فكان ال بد من‬
‫اإلدخال القرسي لقسم الطب النفيس‪ ،‬بعد موافقة األبناء‪.‬‬

‫خمتص آخر‪:‬‬ ‫ِ‬


‫حق املتعالج يف التحويل إىل معالج أو ٍّ‬
‫يف حال رغب املريض أو املتعالج‪ ،‬ولسبب ما ذكره أو مل يذكره‪ ،‬يف أن‬
‫‪46‬‬
‫يرتك املعالج احلايل‪ ،‬وينتقل إىل طبيب أو معالِج آخر‪ ،‬فمن حقه أن‬
‫يفعل هذا‪.‬‬
‫وقد تعظم حاجة التحويل إذا شعر املريض بأنه مل يعد يستفيد من‬
‫متابعة اجللسات مع املعالج احلايل‪ ،‬فكيف يمكن للطبيب أو املعالج هنا‬
‫أن حيرتم حق املريض يف هذا االنتقال‪ ،‬ومن دون أن يتخذ موق ًفا شخص ًّيا‬
‫ويسهل عليه القيام هبذا االنتقال لزميل‬
‫ِّ‬ ‫دفاع ًّيا‪ ،‬ومن ثم عليه أن يساعده‬
‫آخر‪ ،‬سواء عرفه شخص ًّيا أو مل يعرفه‪.‬‬

‫حق املريض يف التعرف إىل ختصص وكفاءة املعالِج‪:‬‬


‫يف العالجات الطبية العادية التي تتعامل مع األمراض البدنية واجلراحية‪،‬‬
‫من املعتاد أن يكون من حق املريض أن يتوقع من معاجله أن يكون‬
‫صاحب كفاءة عالية ومناسبة ليقوم بعالجه من مرضه‪ ،‬وكذلك احلال‬
‫يف االضطرابات والصعوبات النفسية‪ .‬وهلذا فمن حق املريض النفيس‬
‫أو صاحب املشكلة النفسية أن يتعرف إىل ختصص املعالج واجلوانب‬
‫املختلفة لالضطرابات واملشكالت التي يعاجلها ويتقن التعامل معها‪.‬‬
‫وهذا يتطلب من الطبيب أو املعالج أن يكون مستعدًّ ا وال يامنع‪ ،‬وإنام‬
‫يبذل جهده يف رشح ختصصه وخربته للمريض أو الشخص الذي‬
‫يطلب مساعدته أو عالجه‪.‬‬
‫ومن املشكالت األخالقية املوجودة حال ًّيا يف واقع املامرسة أن بعض‬
‫من يتصدى للعالج أو اإلرشاد النفيس ربام ليس عىل درجة مناسبة من‬
‫الكفاءة املطلوبة‪ ،‬ألن العديد من الدول العربية واإلسالمية مل تضبط‬
‫وتنظم بعد هذه العالجات النفسية‪ .‬وتتمثل املشكلة األخالقية يف أن‬
‫‪47‬‬
‫املعاجلات النفسية أصبحت تنطوي عىل مدارس وفروع وختصصات‬
‫ً‬
‫فمثل العالج املعريف السلوكي حيتاج إىل التدريب املناسب‬ ‫دقيقة‪،‬‬
‫أشخاصا‬
‫ً‬ ‫عىل األقل لسنتني يف هذا النوع من العالجات‪ ،‬بينام نجد‬
‫ربام حرض الواحد منهم دورة تدريبية ملدة يوم أو يومني‪ ،‬أو ربام قرأ‬
‫كتا ًبا عن هذا العالج‪ ،‬فإذا به يتصدى «لعالج» بعض االضطرابات‬
‫واملشكالت النفسية! وقس عىل ذلك الفروع األخرى للعالجات‬
‫واإلرشاد النفيس‪.‬‬
‫صحيح أن بعض الدول واهليئات العلمية قد تتأخر يف وضع املعايري‬
‫واإلجراءات الناظمة‪ ،‬إال أن هذا ال ُيسقط الواجب األخالقي املطلوب‬
‫من املعالج أو املرشد النفيس‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫عانت اآلنسة لبنى االكتئاب النفيس ألكثر من ثالث سنوات‪ ،‬وزارت‬
‫عيادة أكثر من طبيب نفيس‪ ،‬حيث كان الطبيب يصف هلا أحد مضادات‬
‫االكتئاب‪ ،‬مع أهنا شخص ًّيا ال حتب األدوية النفسية‪ ،‬وتعاين شدة‬
‫األعراض اجلانبية‪ ،‬فنصحها أحد األطباء النفسيني باللجوء إىل العالج‬
‫النفيس املعريف السلوكي (‪ ،)CBT‬وهو عالج نفيس معروف وف َّعال يف‬
‫عالج االكتئاب وقائم عىل األدلة‪ ،‬وفعاليته تعادل يف كثري من األحيان‬
‫العالج الدوائي‪.‬‬
‫ذهبت اآلنسة لبنى إىل أحد األخصائيني النفسيني يف املدينة‪ ،‬وعرض‬
‫عليها القيام بالعالج النفيس املعريف السلوكي‪ ،‬مع أنه خريج علم النفس‬
‫العام (‪ )general psychology‬من جامعة البلد‪ ،‬ومل َّ‬
‫يتلق أي تدريب‬
‫‪48‬‬
‫سواء يف علم النفس الرسيري (‪ )clinical‬أو يف هذا النوع املتخصص‬
‫من العالجات النفسية‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مسؤوليات املعالِج‪:‬‬


‫الكفاءة‪:‬‬
‫تتطلب املعاجلات النفسية عالية املستوى معيارين رئيسيني لكفاءة‬
‫املعالِج‪ :‬الكفاءة الذكائية املعرفية‪ ،‬والكفاءة العاطفية‪ .19‬فالكفاءة‬
‫الذكائية املعرفية (‪ )intellectual competency‬تشمل املعرفة املكتسبة‬
‫من خالل التعلم الرسمي املنهجي الذي يقوم عىل نتائج األبحاث‬
‫املحرتمة واآلراء املتخصصة املعتربة‪ ،‬ومن خالل التدريب واإلرشاف‬
‫العميل عىل استعامل نوع العالج الذي يتعلمه ويامرسه‪ .‬وتتضمن‬
‫أيضا قدرة املعالِج عىل تقييم احلالة املوجودة أمامه‪،‬‬
‫الكفاءة الذكائية ً‬
‫وفهم طبيعة املشكلة املعروضة عليه‪ ،‬وبالتايل يتمكن من وضع‬
‫اخلطة‪ ‬العالجية أو اإلجرائية املناسبة التي تضمن سالمة املريض أو‬
‫املتعالج‪ .‬ومن ميزات الكفاءة الذكائية أن يدرك الطبيب أو املعالِج‬
‫حدود ما جيهله أو ال يعرفه أو ال يتقنه‪ .‬فمن يتقن عالج حاالت‬
‫نفسية معينة ليس بالرضورة أنه يتقن عالج كل االضطرابات النفسية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫وتُعرف عادة هذه الكفاءة الذكائية املعرفية من خالل التعليم‬
‫والتدريب الذي تلقاه املعالِج ومن خالل نوعية دراسته العلمية‪،‬‬
‫والشهادات التي حصل عليها خالل تعليمه الرسمي وغري الرسمي‪.‬‬
‫‪ )emotional‬تعني أن لدى‬ ‫(‪competency‬‬ ‫والكفاءة العاطفية‬
‫‪49‬‬
‫املعالِج القدرة عىل حتمل وحسن التعامل مع املواد واملعلومات النفسية‬
‫الرسيرية التي تظهر من خالل اجللسات العالجية‪ ،‬وأنه راغب ويتملك‬
‫املهارات املطلوبة للتعرف عىل احلاالت واملواقف عندما يتداخل حت ُّيزه‬
‫قادرا‬
‫وعدم حياديته يف عمله مع مريض أو شخص معني‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫عىل رعاية نفسه يف إطار الصعوبات التي تنشأ من عمله يف العالجات‬
‫النفسية‪.‬‬
‫إن معرفة املعالِج النفيس هلذه اجلوانب وإقراره هبا ليس نقطة ضعف‬
‫لديه‪ ،‬بل العكس متا ًما‪ ،‬إال أن بعض العاملني يف الصحة النفسية‪ ،‬ومع‬
‫األسف‪ ،‬وبسبب بعض الضغوط املادية أو االجتامعية أو الشخصية‪ ،‬قد‬
‫جيد نفسه يستقبل‪ ،‬وحياول عالج‪ ،‬أي حالة تأتيه إىل مكتبه أو عيادته‪.‬‬
‫وال شك أن هذا ال يعفي اختصايص الصحة النفسية من مسؤوليته‬
‫األخالقية‪.‬‬
‫وبالرغم من اإلجراءات واملعايري األخالقية املتعددة التي حتاول‬
‫اهليئات العلمية وضعها لضبط نوعية املامرسات العالجية النفسية‪،‬‬
‫سواء أكانت يف شكل لوائح وقوانني املامرسة املهنية‪ ،‬أم املعايري‬
‫األخالقية‪ ،‬أم توجيهات و ُمرشدات املامرسة‪ ،‬أم أحيانًا املعايري التي‬
‫تتطلبها اجلهة التي تغطي نفقات العالج‪ ،‬أم معايري رشكات التأمني‪ ،‬أم‬
‫إجراءات الرتاخيص الرسمية احلكومية للمامرسة‪ ...‬وبالرغم من كل‬
‫هذه اجلهود‪ ،‬يبدو أهنا كلها مل تستطع حتى اآلن تقديم التقييم املناسب‬
‫للمامرسات‪ ،‬وحماولة ضبط أي ترصف أو سلوك مهني غري مسؤول أو‬
‫غري كفء‪ ،‬وبالتايل اختاذ اإلجراءات الالزمة حيال مثل هذه املامرسات‪،‬‬
‫ما يؤكد‪ ،‬جمد ًدا‪ ،‬أمهية الوازع األخالقي للمامرس‪ .‬ومن هنا كانت أمهية‬
‫‪50‬‬
‫هذه الندوة الرائدة التي يقيمها مركز دراسات الترشيع اإلسالمي‬
‫واألخالق‪.‬‬
‫وبالطبع عندما نتحدث عن الكفاءة‪ ،‬فنحن ال نقصد أن تكون‬
‫الكفاءة كاملة مكتملة‪ ،‬فربام ال يوجد يشء يف احلياة كامل بنسبة مائة‬
‫باملائة‪ ،‬وإنام هتدف املعايري األخالقية عادة إىل ما يمكن أن نسميه‬
‫‪ )good‬وذلك‬ ‫(‪enough therapist‬‬ ‫«املعالج املناسب قدر اإلمكان»‬
‫وفق تقييم زمالء املهنة واملامرسني الذين يفهمون طبيعة االضطرابات‬
‫واألمراض النفسية‪ ،‬ويدركون املعايري املناسبة للعالج‪ ،‬ومدى التحسن‬
‫أو التعايف املتوقع‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫كانت األخصائية النفسية عبري قد مارست العالج النفيس الفردي‬
‫حلاالت القلق واالكتئاب عىل مدار عدد من السنني‪ ،‬اكتسبت خالهلا‬
‫ثم‬
‫خربة جيدة يف هذا املضامر من خالل دراستها اجلامعية‪ ،‬ومن َّ‬
‫التدريب عىل العالج املعريف السلوكي الفردي لسنتني حتت إرشاف‬
‫ومدرب معتمد يف هذا املجال‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫معالج‬
‫‪ ،)continuing‬فقد‬ ‫(‪education‬‬ ‫وضمن برنامج تعليمها املستمر‬
‫حرضت نصف يوم تدريب عىل العالج األرسي‪ ،‬ومن ثم بدأت تعلن عن‬
‫نفسها‪ ،‬ومتارس جلسات العالج األرسي والعالج الزوجي مع مراجعيها‪،‬‬
‫واستمرت يف قراءة بعض كتب العالج األرسي متى أمكنها ذلك!‬
‫ويلخص حديث الرسول الكريم صىل اهلل عليه وسلم املسؤولية‬
‫األخالقية للمعالج بقوله‪« :‬من تطبب بغري علم فهو ضامن»‬
‫‪51‬‬
‫طب‪ ،‬فهو‬
‫(أبو‪ ‬داود والنسائي)‪ .‬ويف رواية «من تطبب وال ُيعلم منه ٌّ‬
‫ضامن»‪( ‬أبو داود والنسائي وابن ماجه واحلاكم)‪ .‬فاملعالج سواء أكان‬
‫فصل علامء اإلسالم يف ذلك‬ ‫طبي ًبا أم غريه مسؤول عن عمله‪ ،‬وقد َّ‬
‫تفصيل دقي ًقا‪ ،‬فكان موقفهم وس ًطا بني اإلفراط والتفريط الذي تعانيه‬
‫ً‬
‫البرشية‪.‬‬

‫حسن العالقة وعدم االستغالل‪:‬‬


‫إن املريض النفيس الذي يطلب االستشارة النفسية هو عرضة لالستغالل‬
‫من قبل املعالج‪ ،‬بسبب مرضه العاطفي أو الشخيص الذي دعاه لطلب‬
‫وخصوصا أن للمعالج يف هذه العالقة اليد العليا ألنه يسيطر‬
‫ً‬ ‫العالج‪،‬‬
‫عىل اجللسات العالجية‪ ،‬ومن الطبيعي أن حيرص املريض عىل إرضاء‬
‫املعالج وتلبية طلباته‪ .‬وقد يعتقد املريض أن كل طلبات املعالج إنام هي‬
‫ملساعدته عىل الشفاء‪.‬‬
‫وما يزيد من إمكانية تعقيد العالقة العالجية‪ ،‬أن من املتوقع يف‬
‫جلسات العالج النفيس أن تتكون ظاهرة معروفة يف العالجات‬
‫النفسية نسميها «الطرح» (‪ )transference‬حيث يبدأ املريض يشعر أن‬
‫املعالِج أحد األشخاص املهمني يف حياته السابقة‪ ،‬كاألب أو األم أو‬
‫غريمها‪ ،‬وبالتايل فقد يبدأ هذا املريض بالترصف مع الطبيب يف ضوء‬
‫فيعب عن نفسه وكأنه حقيقة يف هذه العالقة‪.‬‬
‫هذه الظاهرة من الطرح‪ِّ ،‬‬
‫ومن مظاهر العالج النفيس أن الطبيب أو املعالِج النفيس قد يقع ً‬
‫أيضا‬
‫يف «الطرح املعاكس» (‪ )counter-transference‬حيث يبدأ هذا املعالِج‬
‫بالترصف وبردود األفعال جتاه املريض وكأنه الشخص املسؤول عنه يف‬
‫‪52‬‬
‫حياته اخلاصة أو األرسية كالولد واألبناء‪ .‬فال بد للطبيب املعالج من أن‬
‫ينتبه لطرح املريض‪ ،‬وبالتايل لطرحه هو املعاكس‪.‬‬
‫ومن هنا كان ال بد للطبيب أو املعالج النفيس من االنتباه إىل عدم‬
‫استغالل نقاط الضعف واهلشاشة النفسية والعاطفية هلذا الشخص‪،‬‬
‫سواء يف هذا االستغالل املايل أو اخلدمي‪ ،‬أو االستفادة من عالقاته‬
‫العامة‪ ،‬أو االستغالل اجلنيس‪ .‬ولذلك فاملتطلب األخالقي للمعالج‬
‫تنص عليه اللوائح األخالقية للهيئات املهنية للصحة‬
‫النفيس‪ ،‬الذي ُّ‬
‫النفسية‪ ،‬يلزم الطبيب أو املعالِج أن يق ِّيم وبعناية طبيعة عالقته‬
‫باملريض الذي تربطه به عالقة عالجية قائمة عىل الثقة املتبادلة‪،‬‬
‫فأي‪ ‬خطأ يف هذه العالقة قد يؤدي إىل نتائج غري متوقعة وال حتمد‬
‫عقباها‪.‬‬

‫حسن التعامل مع الرشائح والثقافات املختلفة‪:‬‬


‫ال بد للمعالِج النفيس أن تُطلب منه خدمة العالج أو الرعاية النفسية‬
‫لرشائح خمتلفة من العمالء‪ ،‬وهو أمر يمكن تسميته بالتعامل َعرب‬
‫جل الرتكيز ينصب عىل‬‫الثقايف (‪ .)trans-cultural‬وقد كان يف املايض ُّ‬
‫اإلجراءات األخالقية للطبيب أو املعالِج عند التعامل مع أناس من‬
‫ثقافات خمتلفة‪ ،‬إال أن التوجهات احلديثة للتعامل األمثل مع اخللفيات‬
‫املختلفة للعمالء أصبحت تتضمن الكثري من الفروق واالختالفات بني‬
‫األقليات املختلفة‪ ،‬ومنها األشخاص املنحدرون من أجناس وأعراق‬
‫ذكرا أو أنثى‪ ،‬أو من املسنني‪ ،‬ومن‬
‫وجنسيات خمتلفة‪ ،‬أو كون املراجع ً‬
‫ينتمي إىل أقلية دينية تعتنق غري ديانة املعالِج‪ ،‬وأصحاب اإلعاقة أو‬
‫‪53‬‬
‫االحتياجات اخلاصة‪ ،‬ومن هو مصاب بمرض خطري كنقص املناعة‬
‫الذاتية (‪.)HIV‬‬
‫وقد ُوضعت بعض املعايري األخالقية اخلاصة يف التعامل عرب الثقايف‪،‬‬
‫ومنها املعايري اآلتية‪:20‬‬
‫‪1 .1‬اعتبار أن الفروق الثقافية أمر ذايت ومركَّب وديناميكي‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن إقامة العالقة العالجية اجليدة ال بد أن تبدأ بالتعامل املناسب‬
‫مع الفروق الثقافية البارزة بني الطرفني‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن نقاش العوامل املشرتكة قد هييئ للتعامل األفضل مع‬
‫الفروق واالختالفات‪.‬‬
‫‪4 .4‬ال بد من االنتباه إىل التوقيت املناسب يف طرح موضوع الفروق‬
‫الثقافية‪ ،‬وبحيث ال يعرقل التواصل األفضل بني الطرفني‪.‬‬
‫‪5 .5‬يمكن النظر إىل الفروق الثقافية كعامل قوة ومصدر جيد‬
‫لتقوية العالقة العالجية‪.‬‬
‫كثريا بسري‬
‫‪6 .6‬يمكن ملعنى ودالالت الفروق الثقافية أن تتأثر ً‬
‫ومضمون اجللسات العالجية‪.‬‬
‫‪7 .7‬ال بد أن يسهم فهم تاريخ ثقافة املريض وخلفيته االثن َّية بدور‬
‫مهم يف حتديد وتشخيص الصعوبات النفسية احلالية‪ ،‬ويف‬
‫وضع األهداف العالجية‪.‬‬
‫تضمنة ً‬
‫أصل يف اإلطار الثقايف العام‪ ،‬ما‬ ‫‪8 .8‬أن العالقة العالجية ُم َّ‬
‫يؤثر عىل هذه العالقة‪.‬‬
‫كثريا يف طريقة‬ ‫ِ‬
‫‪9 .9‬أن الكفاءة الثقافية للطبيب أو املعالج تؤثر ً‬
‫التعامل مع الفروق املختلفة‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫‪1010‬االنتباه إىل أن نقاش الفروق الثقافية يف اجللسات العالجية‬
‫يمكن أن يؤثر عىل ثقافة املريض‪.‬‬

‫حق املعالِج يف حتويل املتعالج إىل معالِج آخر‪:‬‬


‫حق املعالج إذا احتاج أن يطلب من املريض‬
‫ألسباب متعددة‪ ،‬من ِّ‬
‫حيوله إىل طبيب أو معالج آخر‪ ،‬سواء بسبب أن املعالِج جيد صعوبة‬
‫أن ِّ‬
‫كبرية يف التعامل مع املشكلة املطروحة‪ ،‬ألهنا قد تكون خارج نطاق‬
‫ختصصه الدقيق‪ ،‬أو ألن هناك حتديات معينة جيد املعالِج صعوبة يف‬
‫كثريا‪ ،‬أو هيدد بإيذاء‬
‫التعامل معها‪ ،‬كأن يكون املريض حياول االنتحار ً‬
‫كثريا عن موعد اجللسات العالجية‪ ،‬أو يرفض دفع‬
‫نفسه‪ ،‬أو يتغ َّيب ً‬
‫رسوم العالج يف حال كان العالج يف العيادة اخلاصة‪ ،‬أو يكثر من‬
‫هنارا أو ً‬
‫ليل‪ ،‬أو يزعج أرسة‬ ‫إرباك وإزعاج الطبيب بكثرة االتصاالت ً‬
‫املعالِج‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫بدأ الدكتور عادل‪ ،‬استشاري الطب النفيس‪ ،‬بعالج شاب يبلغ من‬
‫العمر ‪ 32‬عا ًما ويعاين منذ ‪ 5‬سنوات اضطرا ًبا عاطف ًّيا‪ /‬وجدان ًّيا ثنائي‬
‫القطبية (‪ .)bipolar affective disorder‬ويف إحدى مراحل العالج‪،‬‬
‫عندما كان هذا الشاب يف حالة شديدة من اهلوس (‪ ،)mania‬بدأت‬
‫تتكون عنده بعض األفكار العدوانية‪ /‬الزورية (‪ )paranoid‬التي هي‬
‫يف صلبها موجهة نحو هذا الطبيب النفيس‪ .‬واستمر تدهور حالته لعدة‬
‫أشهر‪ ،‬ومل يفعل الطبيب شي ًئا يذكر يف عالج هذا األمر إال بزيادة جرعة‬
‫‪55‬‬
‫الدواء الذي وصفه للمريض‪ .‬وبدأ هذا املريض يترصف بطريقة عدائية‬
‫نحو الطبيب‪ ،‬حتى إنه أخذ يف تكسري بعض مفروشات مكتب الطبيب‪.‬‬
‫وعندما حاول الطبيب حتويل املريض إىل معالج آخر‪ ،‬كانت ردة فعله‬
‫عنيفة‪ ،‬ورفض هذا التحويل‪ .‬وعندما قام الطبيب بقطع عالقته كل ًّيا مع‬
‫املريض‪ ،‬معتقدً ا أن األمر قد انتهى‪ ،‬فوجئ بأن املريض استأجر شقة‬
‫مقابل منزل الطبيب‪ ،‬وبدأ بالتجسس عىل الطبيب وأرسته‪ ،‬وباالتصال‬
‫هنارا‪.‬‬
‫ليل أو ً‬‫اهلاتفي يف أي ساعة ً‬
‫تظهر هذه احلالة أن الطبيب أخفق يف إدراك أن مريضه قد بدأ خيرج‬
‫قادرا عىل عالجه‪ ،‬حتى تدهورت حالته هلذه‬
‫عن السيطرة‪ ،‬ومل يعد ً‬
‫الدرجة اخلطرية‪ .‬وعندما أدرك الطبيب خطورة املوقف‪ ،‬كان قد تأخر‬
‫كثريا‪ .‬وعندما عرض املوضوع عىل الرشطة واملحكمة‪ ،‬جاء يف تقرير‬
‫ً‬
‫القايض «أن الطبيب قد استمر بالعالج بالرغم من أن كفاءته ال تتناسب‬
‫مع التعامل األنسب يف عالج خطورة حال املريض‪ ،‬وأن الطبيب قد‬
‫ساهم بشكل مبارش أو غري مبارش يف تدهور حال املريض‪ .‬وأنه كان‬
‫عليه أن يستعني‪ ،‬ويف وقت مبكِّر‪ ،‬باجلهات األخرى األكثر قدرة عىل‬
‫التعامل مع حالة هذا املريض»‪.‬‬

‫مسؤولية الطبيب أو املعالج يف معرفة مدى قدراته وإمكاناته‪:‬‬


‫مما ال شك فيه أن أي طبيب أو معالج‪ ،‬ومهام أويت من اخلربة واملعرفة‪ ،‬قد‬
‫تعرتضه حالة قد جيد معها صعوبة يف عالجها‪ ،‬إما لصعوبة التشخيص‬
‫أو لتع ُّقد آلية العالج‪ ،‬أو لكون املشكلة النفسية خارج نطاق ختصص‬
‫يقر بحق املريض‬ ‫ِ‬
‫هذا الطبيب أو املعالج‪ ،‬فتبقى مسؤولية هذا املعالج أن َّ‬
‫‪56‬‬
‫يف معرفة هذا‪ ،‬وبالتايل البحث عن البدائل املتاحة التي قد تكون يف‬
‫استشارة هذا الطبيب لزميل له‪ ،‬أو حتى حتويله إىل معالج آخر أكثر‬
‫خربة منه يف اجلانب الذي حيتاجه املريض صاحب احلاجة‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫دخل السيد حممود يف العالج النفيس مع الطبيب النفيس لعالج حاالت‬
‫واضحا أن‬
‫ً‬ ‫الغضب التي تعرتيه بني احلني واآلخر مع أرسته‪ .‬وكان‬
‫السيد حممود بدأت تظهر عليه مالمح األعراض الزورية (‪)paranoia‬‬
‫ما جعل الطبيب ينصحه بدخول املستشفى النفيس‪ ،‬إال أن السيد حممود‬
‫رفض هذا‪ ،‬طاملا أن هذا من حقه‪ ،‬وهو مل يصل لدرجة يشكل فيها‬
‫خطرا عىل نفسه أو اآلخرين‪ .‬ومع ذلك فقد استمر الطبيب النفيس يتابع‬
‫ً‬
‫العمل واجللسات العالجية معه بالرغم من اعتقاده أنه من األفضل أن‬
‫ُيدخل مريضه للمستشفى‪.‬‬

‫يتحسن املريض‪:‬‬
‫َّ‬ ‫إهناء العالج أو اجللسات عندما ال‬
‫من مسؤوليات الطبيب النفيس املعالج عندما يالحظ أن حالة املريض‬
‫تتحسن بالرغم من االستمرار يف اجللسات العالجية لبعض الوقت‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫أن يوضح ً‬
‫أول للمريض أنه يبدو أن حالته مل تتحسن بالرغم من بذل‬
‫اجلهد‪ ،‬وأنه ربام من املفيد أن ينتقل إىل معالج آخر يمكن أن يكون‬
‫وتأثريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عالجه أكثر فعالية‬

‫‪57‬‬
‫دراسة حالة‪:‬‬
‫عىل مدار سنتني واظب السيد نزار عىل زيارة عيادة املعالج النفيس‬
‫حلضور جلسات كل أسبوعني‪ .‬وبالرغم من أن حالته النفسية التي‬
‫كثريا ومنذ زمن طويل‪ ،‬فإن املعالج النفيس‬
‫أتى من أجلها قد حتسنت ً‬
‫ما زال يعطي السيد نزار املوعد تلو اآلخر‪ ،‬ومل حياول يف أي مرحلة‬
‫أن ينصحه بتوقف اجللسات العالجية‪ .‬ويبدو أن السيد نزار قد أصبح‬
‫شديد التعلق واالعتامد عىل املعالج النفيس‪ ،‬وكان مبدأ املعالج النفيس‬
‫أنه «إذا شعر املريض باحلاجة هلذه اجللسات‪ ،‬فلامذا ال»!‬

‫التعاون مع اجلهات التي يمكن أن ترشف أو تق ِّيم عمل املعالِج‪:‬‬


‫من واجبات الطبيب النفيس أو املعالج التعاون مع اجلهات التي تضبط‬
‫جودة وسالمة العمل مع املرىض الذين حيتاجون إىل العالج أو اإلرشاد‬
‫النفيس‪ ،‬وذلك حيصل عادة من خالل اهليئات التي متنح تصاريح املامرسة‬
‫العالجية كوزارة الصحة‪ ،‬أو اهليئات العلمية التي ختتص بمراقبة معايري‬
‫العالجات النفسية املتخصصة كهيئات األطباء النفسيني واألخصائيني‬
‫النفسيني وغريهم‪.‬‬
‫تطلب بعض هذه اهليئات من املامرس أن حيقق معايري معينة من‬
‫التدريب الدوري‪ ،‬األمر الذي يتطلب من املعالج أن حيرض عد ًدا حمد ًدا‬
‫من ساعات التدريب واألنشطة العلمية التي تساعده يف مواكبة أحدث‬
‫املستجدات والتطورات واالكتشافات التي متكنه من تقديم أفضل‬
‫العالجات للحاالت التي تُعرض عليه‪.‬‬
‫ومن جوانب هذا التعاون املطلوب من املعالج أن يتعاون مع‬
‫‪58‬‬
‫اجلهات التي يمكن أن حتقق يف شكوى يقدمها املريض أو أرسته‪ ،‬أو‬
‫جهة ثالثة عندما يكون هناك ما ُيقلق من بعض املامرسات أو العالجات‬
‫أو نتائجها‪.‬‬

‫مسؤولية املعالِج األخالقية جتاه اجلهات التي تطلب معلومات من‬


‫املتعالج‪:‬‬
‫وتنطبق هنا املعايري نفسها التي وردت يف موضوع الرسية واحرتام‬
‫خصوصيات املريض‪ ،‬وبحيث ال يديل املعالج بأي معلومات يمكن‬
‫أن تشري إىل شخصية املريض أو أرسته‪ ،‬وينطبق هذا عىل أي طرف‬
‫ثالث يمكن أن يطلب مثل هذه املعلومات بشكل مبارش أو غري مبارش‪،‬‬
‫مر بنا يف موضوع الرسية‪ ،‬أو وسائل اإلعالم‬
‫كرشكات التأمني‪ ،‬كام َّ‬
‫املختلفة‪ ،‬أو الرشكة التي يعمل فيها املريض صاحب العالقة‪.‬‬

‫املواقف واملعتقدات واألفكار الشخصية للمعالِج‪:‬‬


‫من طبيعة االضطرابات واملشكالت النفسية أهنا قد جتعل الشخص‬
‫أكثر عرضة للتأثري من قبل اآلخرين‪ ،‬ومنهم الطبيب املعالج‪ .‬فمن‬
‫مسؤوليات املعالج أن حيرتم أفكار ومعتقدات املريض‪ ،‬وال حياول أن‬
‫يستغل هشاشة املريض أو االضطراب الذي يعانيه ليؤثر فيه‪ ،‬سواء‬
‫بأفكاره الدينية أو السياسية أو االجتامعية‪ ،‬وال شك أن هذا حيتاج إىل‬
‫وعي وحذر شديدين من قبل املعالج‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫عالقة املعالِج بالرشكات املنتجة والبائعة لألدوية واألجهزة الطبية‪:‬‬
‫من الطبيعي أن حتاول الرشكات املصنعة أو البائعة لألدوية النفسية أو‬
‫األجهزة الطبية‪ ،‬الرتويج لبضاعتها عن طريق توفري بعض املغريات‬
‫املادية أو اخلدمية للطبيب أو املعالج‪ .‬وهتدف من هذا أن يقوم هذا‬
‫الطبيب أو املعالج بالرتويج الستعامل منتجات هذه الرشكات‪ ،‬من‬
‫حيث درى أو مل ِ‬
‫يدر‪ .‬وقد تقوم بعض الرشكات ً‬
‫مثل بتقديم بطاقات‬
‫سفر جمانية أو وجبات طعام لبعض األطباء واملعاجلني‪ ،‬من باب‬
‫التأثري‪ ‬يف هؤالء املعاجلني للرتويج لبضائعهم عىل حساب بضائع‬
‫ومنتجات رشكات أخرى‪ ،‬إال أنه وكام يقال عادة «ليس هناك غداء‬
‫جماين»!‬
‫ٌّ‬

‫ثال ًثا‪ :‬إجراءات العالج‪:‬‬


‫(وخصوصا محاية الطفل) (‪informed‬‬
‫ً‬ ‫جمال اإلذن‪ /‬الترصيح‪ /‬املوافقة‬
‫‪)consent‬‬
‫وهي املوافقة العالِة أو اإلقرار الواعي أو القائم عىل املعلومات‪ ،‬ذلك‬
‫أن املريض حيتاج إىل معرفة إجراءات العالج‪ ،‬وطبيعة التأثري‪ ،‬أو‬
‫حمدوديته‪ ،‬والتأثريات اجلانبية التي يمكن أن حتدث‪ .‬وال بد أن يتم هذا‬
‫بلغة واضحة للمعا َلج‪ ،‬وباللغة املألوفة له والتي يفهمها بسهولة‪ .‬وقد‬
‫يكون من املناسب تقديم بعض املعلومات مشافهة وكتابة أو غريمها من‬
‫الوسائل املتاحة بالفيديو‪ ،‬واملواقع املفيدة‪...‬‬
‫(‪medical‬‬ ‫ومن خالل خربيت كعضو يف اللجنة الطبية األخالقية‬
‫‪( )ethics committee‬اللجنة الطبية األخالقية ملشايف مدينة بلفاست‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫أيرلندا الشاملية) لعدة سنوات‪ ،‬يمكنني القول إن الكثري من املامرسني‪،‬‬
‫سواء يف جمال الطب واجلراحة العامة‪ ،‬أو الطب النفيس واإلرشاد‬
‫النفيس‪ ،‬من خالل التدريب واإلرشاف املناسبني‪ ،‬تسري حياهتم املهنية‬
‫بشكل طبيعي بعيدً ا عن األزمات أو التحديات األخالقية للمامرسة‪،‬‬
‫إال أنه يف جوانب أخرى‪ ،‬نجد أنه عندما تقع حادثة ما‪ ،‬نستغرب من‬
‫قلة وعي العاملني يف إجراءات األخالق املهنية‪ ،‬وطريقة مراقبتها أو‬
‫التعامل معها‪ .‬وربام يعود هذا لغياب التدريس والتدريب يف جماالت‬
‫األخالق املهنية للمامرسة‪ ،‬سواء عىل مستوى الكل َّيات التعليمية‬
‫أو عىل مستوى الربامج التدريبية للخرجيني‪ .‬وهذا يستدعي إعادة‬
‫تدرس هلؤالء الدارسني ليضمن الربنامج توفري‬
‫النظر يف املواد التي َّ‬
‫الساعات املناسبة من مادة األخالق الطبية أو أخالق املامرسات املهنية‬
‫املناسبة للتخصص‪ ،‬سواء كان الطب النفيس أو علم النفس أو اخلدمة‬
‫أدرس جز ًءا من مادة‬
‫االجتامعية‪( .‬وقد كنت يف جامعة بلفاست ِّ‬
‫األخالق الطبية)‪.‬‬
‫إن الكثري من األسئلة األخالقية املطروحة عىل اللجان األخالقية‬
‫وتصب يف اإلصالح‬
‫ُّ‬ ‫التابعة للهيئات التخصصية يف الغالب تأيت متأخرة‬
‫والتأهيل‪ ،‬وليس للوقاية ً‬
‫أصل‪ .‬ومن فوائد التوعية بمثل هذه املعايري‬
‫األخالقية أنه يمكن أن تستبق احلدث‪ ،‬وبحيث تعرض املسألة قبل‬
‫وقوعها ومن باب الوقاية وليس العالج‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫يف جلسة رسيرية دورية ملناقشة احلاالت بني املعاجلني من أجل تبادل‬
‫‪61‬‬
‫الرأي‪ ،‬ذكر زميل من االختصاصيني النفسيني أنه عندما كان جيري‬
‫جلسة عالجية مع شاب يف العرشين من عمره كان قد أتى للعالج‬
‫بسبب بعض املشكالت النفسية والسلوكية التي ربام يعود كثري منها‬
‫إىل تعرضه كطفل للتحرش اجلنيس من قبل أخيه األكرب الراشد‪ .‬وذكر‬
‫االختصايص النفيس أنه يف هناية اجللسة ذكر له هذا الشاب أن أخاه‬
‫األصغر وعمره اآلن أحد عرش عا ًما يتعرض حال ًّيا للتحرش اجلنيس‬
‫من قبل ذلك األخ األكرب الذي حترش به يف طفولته‪ .‬وانتهى حديث‬
‫االختصايص عند هذا احلد‪.‬‬
‫ثم سألت هذا الزميل ما إذا كان هناك ما جيب أن يقوم به بعد أن‬
‫طفل يف احلادية عرشة من عمره يتعرض اآلن للتحرش من قبل‬‫علم أن ً‬
‫رجل راشد‪.‬‬
‫واضحا أن هذا الزميل مل يكن يدري ما هو املبدأ األخالقي أو‬
‫ً‬ ‫وكان‬
‫القانوين الذي حيكم التعامل مع هذا املوقف‪ ،‬وأنه من الواجب عليه أن‬
‫خيرب جهة ما باخلطر الذي يقع عىل هذا الطفل‪ ،‬وبأن مصلحة الطفل هنا‬
‫فوق أي اعتبار آخر (‪.)paramount‬‬

‫الرس َّية‪ ،‬ومتى تستثنى هذه الرسية‪:‬‬


‫وقد ورد ذكر هذا اجلانب أعاله‪ ،‬وحتت حقوق املريض أو املتعالج‪.‬‬

‫العالج اجلامعي وإشكاالت اخلصوصية والرسية‪:‬‬


‫يف بعض االضطرابات أو الصعوبات النفسية قد يفيد العالج اجلامعي‬
‫‪ ،)group‬ما يعني املريض عىل االقتناع وتغيري أفكاره‬ ‫(‪therapy‬‬

‫‪62‬‬
‫ومواقفه بشكل أفضل من خالل االشرتاك مع غريه يف هذه اجللسات‬
‫العالجية اجلامعية‪ .‬ومن أكثر االضطرابات التي ننصح عادة باستعامل‬
‫أو‬ ‫“‪”AA‬‬ ‫اجللسات اجلامعية فيها حاالت اإلدمان‪ ،‬كام يف جمموعات‬
‫«املدمن املجهول» (‪ ،)Alcohol Anonymous‬أو حاالت القلق العام‪،‬‬
‫والرهاب‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وال بد أن مثل هذه املعاجلات اجلامعية تطرح بعض اإلشكاالت‪،‬‬
‫وخصوصا يف موضوع الرسية وخصوصيات املرىض‪ ،‬وخيتلف هذا‬
‫ً‬
‫بالطبع من جمتمع إىل آخر‪ ،‬ومدى انفتاح هذا املجتمع أو انغالقه عىل‬
‫نفسه‪ ،‬ولكن ال بد يف النهاية من احرتام رغبة املريض يف موافقته عىل‬
‫هذه املعاجلة‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫كنت شخص ًّيا أرشف عىل عالج عدد من حاالت بعض الشابات‬
‫اللوايت ك َّن تعرضن للتحرش اجلنيس‪ ،‬ويف مرحلة من املراحل شعرت‬
‫أن من املفيد هلؤالء الفتيات اللوايت تتجاوز أعامرهن العرشين عا ًما‬
‫أن جيتمعن مع بعضهن يف جلسات عالجية مجاعية تتيح هلن التعلم‬
‫وخصوصا يف كيف يمكنهن تعلم مهارات التك ُّيف مع‬
‫ً‬ ‫من بعضهن‪،‬‬
‫املشاعر الصعبة والصعوبات احلياتية‪ .‬وبعد عرض املوضوع عىل كل‬
‫منهن‪ ،‬وافقت اثنتان‪ ،‬واعتذرت اثنتان بكل احرتام‪ ،‬بسبب رغبتهن يف‬
‫احلفاظ عىل رسية حالتهن‪ ،‬وعدم رغبتهن يف اإلفصاح عام حدث يف‬
‫ً‬
‫ونزول عند رغبتهن‪ ،‬مل نعقد هذه اجللسات اجلامعية‪،‬‬ ‫حياهتن‪ ،‬ولذلك‬
‫وتابعنا العالج بالشكل الفردي‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫التوثيق والسجالت‪:‬‬
‫ال بد يف العالج النفيس‪ ،‬كام يف غريه من العالجات الطبية وغريها‪ ،‬من‬
‫توثيق العمل الذي يقوم به املعالج‪ ،‬واالحتفاظ بتفاصيل اجللسات‬
‫النفسية من أعراض وعالمات‪ ،‬ومن مراحل العالج ودرجة‬
‫االستجابة‪ ،‬والقرارات املتخذة يف التعامل مع املواقف التي يعرضها‬
‫املريض‪ ،‬واإلجراءات التي يستعملها املعالج‪ .‬ويعد هذا التوثيق‬
‫رضور ًّيا العتبارات متعددة ال ختفى عىل أحد‪.‬‬
‫وتبقى من مسؤوليات املعالج أن يضمن حفظ هذه السجالت يف‬
‫شكل ومكان آمنني‪ ،‬وبحيث ال يطلع عىل هذه الوثائق إال املعالِج‪،‬‬
‫وربام السكرترية املؤمتنة عىل األرشيف عند احلاجة لكتابة يشء أو‬
‫تقرير ما‪ .‬وينطبق هذا عىل السجالت الورقية كام ينطبق عىل السجالت‬
‫الرقم َّية‪.‬‬

‫العقد العالجي‪:‬‬
‫إن العالقة العالجية التي تنشأ بني املريض واملعالِج ال بد أن حتكمها‬
‫تعليامت وإجراءات واضحة لكال الطرفني‪ ،‬ما يضمن سري األمور‬
‫بالشكل السليم‪ ،‬وخيفف من احتامل حصول االختالف‪ ،‬أو سري األمور‬
‫عىل غري الوجه الذي ُقصد من العالج النفيس‪ .‬وبالرغم من أن مفهوم‬
‫العقد العالجي ليس باجلديد‪ ،‬إال أنه مل ُيتحدث عنه بشكل واضح إال‬
‫يف سبعينيات القرن املايض‪ .21‬ومن اخلطأ األخالقي َّأل ُي ِب الطبيب‬
‫املريض ببعض األمور األساسية‪ ،‬ومنذ بداية العالج النفيس‪،‬‬
‫َ‬ ‫املعالج‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪64‬‬
‫● ●طبيعة التشخيص‪ ،‬ولو املبدئي للحالة املعروضة (ففي بعض‬
‫األحيان قد حيتاج املعالج إىل أكثر من جلسة العتامد التشخيص‬
‫املناسب)‪.‬‬
‫● ●العالج املقرتح‪ ،‬وما اخليارات البديلة؟ (إن وجدت)‪.‬‬
‫● ●ما األهداف املتوخاة أو املتوقعة من العالج؟‬
‫● ●طبيعة العملية العالجية‪ ،‬وما هو متوقع من دور املريض‬
‫ومسؤوليته‪.‬‬
‫● ●عدد اجللسات وتزامنها‪ ،‬ولو التقريبي‪.‬‬
‫● ●الدور الذي سيقوم به الطبيب أو املعالج النفيس‪ ،‬وما مسؤوليته؟‬
‫● ●هل يمكن التواصل بني اجللسات‪ ،‬وكيف يتم هذا؟‬
‫● ●ما األعراض اجلانبية املمكنة أو املحتمل حدوثها؟‬
‫● ●ما حدود الرسية املهنية املمكنة؟ (راجع موضوع الرسية أعاله‪،‬‬
‫ومتى يمكن جتاوزها)‪.‬‬
‫● ●كيفية احتفاظ الطبيب املعالج بالسجل اخلاص باملريض‪،‬‬
‫واإلجابة عن أسئلته حول هذا‪.‬‬
‫● ●طبيعة العالقة وحدود املسؤولية يف حال املرىض دون الثامنة‬
‫عرشة‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫عبد الرمحن شاب متدين يف العرشين من عمره‪ ،‬قصد االختصايص‬
‫النفيس يطلب املساعدة والعالج ألنه ينجذب جنس ًّيا للشباب والرجال‪،‬‬
‫وخصوصا الرجال األكرب سنًّا منه بعرش سنوات أو أكثر‪ .‬عبد الرمحن‬
‫ً‬
‫‪65‬‬
‫مرتاحا من انجذابه املثيل هذا‪ ،‬ويريد أن يتخلص منه‪ ،‬ليصبح‬
‫ً‬ ‫مل يكن‬
‫كام قال هو «طبيعي» من أجل الباعث الديني‪ ،‬وعىل أمل أن يتزوج‬
‫ويكون أرسة يف وقت الحق‪ ،‬وهي أمنية أمه من ولدها الوحيد بني‬
‫ِّ‬
‫مخس أخوات‪.‬‬
‫قرر االختصايص النفيس أن عبد الرمحن يعاين مشكلة يف تقبل امليل‬
‫املثيل هذا بسبب ضغط املجتمع املحافظ من حوله‪ ،‬وبسبب حماولته‬
‫يتغي‪ .‬وبناء‬
‫إلرضاء رغبة والدته‪ ،‬بينام هو يف «احلقيقة» ال يريد أن َّ‬
‫عىل هذا‪ ،‬فقد بدأ هذا االختصايص النفيس باجللسات النفسية هبدف‬
‫مساعدة عبد الرمحن عىل تقبل ميوله اجلنسية املثلية‪ ،‬حيث كانت هذه‬
‫قناعة هذا املعالج بسبب طبيعة الدراسة والتدريب النفيس الذي تلقاه‬
‫من املدرسة التي تعتقد أن امليل اجلنيس أمر «فطري» يولد اإلنسان عليه‪،‬‬
‫وليس أمامه خيار!‬

‫التعليم‪/‬التثقيف النفيس (‪:)psycho-education‬‬


‫من صفات املامرسات العالجية املناسبة َّأل يقترص دور املعالج عىل‬
‫عالج مظاهر املرض أو االضطراب‪ ،‬وإنام يقوم بتوعية املريض حول‬
‫مرضه من أسباب وأعراض وعالجات ممكنة‪ ،‬ومن طرق الوقاية من‬
‫االنتكاس أو عىل األقل احلدِّ والتخفيف منه‪ .‬وإذا انطبق هذا عىل‬
‫أيضا عىل‬
‫األمراض البدنية كالقرحة واحتشاء القلب‪ ،‬فهو ينطبق ً‬
‫االضطرابات النفسية كاالكتئاب والرهاب ونوبات الذعر والفصام‬
‫وغريها‪.‬‬
‫وخصوصا يف جمتمعاتنا العربية اإلسالمية حيث تقل‬
‫ً‬ ‫أقول هذا‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫الثقافة النفسية العامة‪ ،‬حيث ما زالت الوصمة االجتامعية تعيق‬
‫احلديث الرصيح واملنفتح يف هذه املوضوعات‪( .‬انظر موضوع الوصمة‬
‫االجتامعية أدناه)‪.‬‬
‫ومن املسؤوليات األخالقية للمعاجلني النفسيني أن يعملوا عىل‬
‫التوعية العامة‪ ،‬سواء بالثقافة النفسية‪ ،‬أو العمل عىل ختفيف الوصمة‬
‫االجتامعية للمرض النفيس‪.‬‬

‫التأثريات اجلانبية للعالج‪:‬‬


‫ال شك أن من املسؤوليات األخالقية للطبيب أو املعالج أن يلفت‬
‫املريض إىل األعراض اجلانبية املحتمل حصوهلا عند تناول دواء نفيس‬
‫وخصوصا يف عرص‬
‫ً‬ ‫معني‪ ،‬أو حتى نتيجة عالج نفيس ال دوائي‪،‬‬
‫حكرا عىل‬
‫ً‬ ‫انترشت فيه املعلومات عن األدوية والعالجات‪ ،‬ومل تعد‬
‫االختصايص أو املعالج‪.‬‬
‫حتاول الرشكات الدوائية‪ ،‬من باب محاية نفسها من أي مقاضاة‬
‫قانونية أو غريها‪ ،‬أن تسجل يف نرشاهتا التي تصدرها مع الدواء النفيس‬
‫كل ما يمكن أن يكون قد ظهر ولو عند شخص واحد تناول الدواء من‬
‫بني آالف الناس‪ .‬وقد تسبب هذه القائمة الطويلة لألعراض اجلانبية‬
‫وخصوصا الذين متيل شخصياهتم إىل القلق‪،‬‬
‫ً‬ ‫القلق لبعض املرىض‪،‬‬
‫فال‪ ‬بد للطبيب املعالج أن يرشح هذا األمر‪ ،‬ويفصل بني األعراض‬
‫اجلانبية كثرية احلدوث‪ ،‬وبني األعراض النادرة أو النادرة جدًّ ا‪ .‬وكام‬
‫سم» فاملوضوع هو االستعامل األمثل‪،‬‬
‫سم دواء‪ ،‬وكل دواء ٌّ‬
‫يقال «كل ٍّ‬
‫باجلرعة املناسبة‪ ،‬ملادة مع َّينة يف عالج حالة مع َّينة‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫دراسة حالة‪:‬‬
‫جلأت عبري للمعالج النفيس نتيجة معاناهتا من الذكريات التي تالحقها‬
‫منذ سنوات‪ .‬ومنذ أن تعرضت للتحرش اجلنيس من قبل أحد أفراد‬
‫أرسهتا‪ ،‬تأتيها نوبات الذعر ومشاعر االكتئاب وضعف الثقة بالنفس‬
‫واضطرابات النوم مع الكوابيس الليلية‪ .‬فقامت األخصائية النفسية‬
‫باستعامل العالج املعريف السلوكي (‪)Cognitive Behavioral Therapy‬‬
‫مع أن هذه األخصائية مل تكن متدربة عىل عالج ضحايا التحرش‬
‫اجلنيس‪ ،‬وبالتايل مل تعرف كيف تتوقع التأثريات اجلانبية وبالتايل مل ِّ‬
‫حتذرها‬
‫منها‪ ،‬فبدأت عبري بالدخول يف حالة ذهانية‪ ،‬ما اضطر أهلها إىل التدخل‬
‫وإيقاف هذه اجللسات‪ ،‬ونقلها إىل املستشفى النفيس املتخصص‪.‬‬

‫الوصمة االجتامعية‪:‬‬
‫ال يمكننا الفصل الكامل بني موضوع املامرسات العالجية النفسية وبني‬
‫الوصمة االجتامعية (‪ )stigma‬للمرض النفيس واملريض النفيس‪ ،‬وربام‬
‫أرسته‪ ،‬وللعالجات النفسية عامة‪ ،‬وحتى للطبيب أو املعالج النفيس‪.‬‬
‫فام زالت جمتمعاتنا تعاين الكثري من هذه الوصمة االجتامعية التي يدفع‬
‫ثمنها املريض وأرسته‪ ،‬وبحيث قد ال يأيت املريض للعالج إال وقد‬
‫تأخرت وساءت حالته جدًّ ا‪ ،‬ما يمكن أن جيعل العالج أكثر تعقيدً ا‬
‫وأطول أمدً ا‪.22‬‬

‫الكفاءة املهنية‪:‬‬
‫ومن املفيد التذكري هنا باإلضافة النوعية لعلامء وأطباء املسلمني األول‬
‫‪68‬‬
‫الذين أدخلوا مفهوم احلسبة‪ ،‬ومفهوم رضورة حصول احلكيم أو‬
‫الطبيب أو املامرس عىل مستوى مناسب من التدريب وامتالكهم اخلربة‬
‫درست مادة تاريخ الطب اإلسالمي يف جامعة‬
‫الكافية‪ ،‬وقد كنت َّ‬
‫‪،)Queen’s‬‬ ‫(‪University Belfast‬‬ ‫امللكة بلفاست يف أيرلندا الشاملية‬
‫ورأيت إعجاب طالب الطب بام سمعوا عن إسهامات املسلمني يف‬
‫هذا املجال‪.23‬‬
‫وال شك أن من املشكالت األخالقية يف ممارسة بعض جوانب‬
‫العمل يف الصحة النفسية أن بعض «املعاجلني» أو «املرشدين النفسيني»‬
‫قد ال خيضعون للمعايري الصارمة التي تفرض عىل اآلخرين من األطباء‬
‫الذين ُيطلب منهم حتقيق مستوى معني من التعليم والتدريب واخلربة‬
‫واملامرسة اخلاضعة لإلرشاف واملتابعة قبل أن حيق هلم احلصول عىل‬
‫ترخيص املامرسة الطب َّية‪ .‬وينطبق هذا بالدرجة نفسها عىل طبيب البدن‬
‫واجلراح‪ ،‬كام ينطبق عىل الطبيب النفيس‪ .‬وعادة ما ينتمي الطبيب‪،‬‬
‫العام أو النفيس‪ ،‬إىل هيئة علمية أو نقابية‪ ،‬أو خيضع لإلرشاف من وزارة‬
‫الصحة أو من يقوم مقامها‪ ،‬يف حني قد ال خيضع «املامرس النفيس» ملعايري‬
‫وخصوصا أن‬
‫ً‬ ‫الكفاءة والرقابة نفسها‪ ،‬ما يمكن أن خيفى عىل الناس‪،‬‬
‫كثريا من الناس قد ال يفرقون بني الطبيب النفيس املختص واملتدرب‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫واملرخص له باملامرسة‪ ،‬وبني ما يسمى «املعالج النفيس» الذي ال يمتلك‬
‫تلك اخلربة أو التدريب‪.‬‬
‫وخصوصا بالد العامل الثالث قد يتصدى «للعالج‬
‫ً‬ ‫ويف بعض البالد‪،‬‬
‫النفيس» أشخاص قد ال تكون لدهيم خربة سوى حضور دورة تدريبية‬
‫‪69‬‬
‫ليوم أو عدة أيام يف بعض اجلوانب النفسية‪ ،‬فإذا به يعلن عن نفسه بأنه‬
‫«املعالج النفيس املتخصص»‪!24‬‬
‫واألمل معقود عىل أن تضع البالد العربية بعض املعايري الضابطة‬
‫لكل من يتصدى ملا يمكن أن يسمى العالج أو اإلرشاد النفيس‪ ،‬ما‬
‫يضمن سالمة الفرد واملجتمع‪ ،‬ويمنع وقوع املشكالت األخالقية‬
‫والقانونية التي قد ال يدفع ثمنها إال «املتعالج»‪.‬‬
‫ومن دواعي الكفاءة أن عىل الطبيب أو املعالج أن حيافظ عىل مستوى‬
‫جيد من متابعة أحدث التطورات واملستجدات والتقنيات العالجية يف‬
‫ختصصه‪ .‬فكام أنه ليس من املقبول يف العالج البدين أن ينقطع املعالِج عن‬
‫وخصوصا يف ختصصه‪ ،‬إذ أصبح اجلهل باالكتشافات‬
‫ً‬ ‫تطورات الطب‬
‫أمرا قد يعاقب عليه القانون‪ ،‬ينسحب األمر نفسه‬
‫والعالجات احلديثة ً‬
‫عىل العالجات النفسية‪ ،‬إذ جيب عىل املعالج أن يتابع تعلمه وتدريبه‬
‫(‪Continuing Professional‬‬ ‫من خالل برنامج التعلم املهني املستمر‬
‫‪ )Education‬الذي تُلزم به بعض اهليئات العلمية والصحية التي‬
‫متنح الطبيب أو املعالج ترخيص املامرسة‪ ،‬وبحيث يتعني عليه قبل‬
‫جتديد ترخيصه أن يثبت أنه حرض عد ًدا معينًا من ساعات التدريب‬
‫واملحارضات خالل العام‪ ،‬ما يسهم يف احلفاظ عىل كفاءته املهنية‪ ،‬وإال‬
‫قد ُيرفض جتديد ترخيصه باملامرسة‪ .‬وقد أثبت عدد من الدراسات‬
‫األثر اإلجيايب ملثل هذا التدريب والتعليم املستمر يف رفع كفاءة املعالج‬
‫وخربته‪ .25‬واألمل ً‬
‫أيضا معقود عىل اهليئات وجهات الرتخيص يف‬
‫البالد العربية واإلسالمية أن تس َّن القوانني التي تُلزم املعالج بمثل هذا‬
‫التدريب املستمر‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ما هو الطبيعي وما هو غري الطبيعي؟‬
‫يعد هذا اجلانب من أهم جوانب االختالف بيننا يف العاملني العريب‬
‫واإلسالمي وبني العامل الغريب‪ ،‬أو بشكل عام مع العامل غري العريب‬
‫وغري اإلسالمي‪ ،‬سواء غر ًبا أو رش ًقا‪ .‬واملقصود هو حتديد ما هو‬
‫مرضا أو‬
‫األمر اإلنساين الطبيعي‪ ،‬وما هو غري الطبيعي‪ ،‬سواء أسميناه ً‬
‫اضطرابات أم ال‪ ،‬وما هو «جيد» أو «غري جيد» وما هو «صواب» وما‬
‫هو «خطأ»‪ .‬وخري مثال عىل هذا االختالف ما هو يف دائرة اضطرابات‬
‫اهلوية اجلنسية (‪.)gender identity disorders‬‬
‫قدمت بح ًثا بعنوان «اجلنوسية املثلية‪ :‬نعالج أو‬
‫ُ‬ ‫ففي عام ‪،2010‬‬
‫ال نعالج؟!» يف مؤمتر احتاد األطباء النفسيني العرب يف اخلرطوم‪ .‬وقد‬
‫كان هناك شبه إمجاع ممن حرض من الزمالء سواء من األطباء النفسيني‬
‫أم االختصاصيني النفسيني عىل أمهية طرح هذا املوضوع املمنوع ً‬
‫أصل‬
‫نفيس يف‬
‫ٌّ‬ ‫مرة طبيب‬
‫جمرد التفكري فيه يف املجتمعات الغربية‪ .‬وقد حتدث َّ‬
‫أحد البلدان الغربية عن إمكانية مساعدة من يريد تغيري توجهه اجلنيس‪،‬‬
‫ُفرفعت ضده قضية قضائية لشطب اسم هذا الطبيب من سجل األطباء‬
‫املرصح هلم بمامرسة العالج النفيس‪.‬‬
‫َّ‬

‫أخالقيات األبحاث الطب َّية النفسية‪:‬‬


‫بالطبع ال خيتلف أحد عىل رضورة إجراء األبحاث العلمية النفسية كي‬
‫تساعدنا يف فهم املظاهر النفسية الطبيعية واملرض َّية‪ ،‬وبالتايل اكتشاف‬
‫التدبري والعالج املناسب هلذه الظواهر النفسية‪ ،‬إال أنه ال بد من ضبط‬
‫هذه اإلجراءات البحثية بمعايري أخالقية دقيقة تضمن حق الفرد‬
‫‪71‬‬
‫املعرض للبحث العلمي وحلامية القائم عىل إجراء البحث‪ ،‬ولضامن‬
‫َّ‬
‫األمانة العلمية‪ .‬ويكفي هنا أن أذكر أحد املعايري املهمة يف البحث‬
‫الطبي والنفيس‪ ،‬وهو دستور نورمربغ (‪ )1947‬ألخالقيات البحث‬
‫الطبي‪ .27‬ويف البالد التي حترتم البحث العلمي وحقوق اإلنسان‪ ،‬فإن‬
‫الذي يفكر يف إجراء بحث علمي طبي أو نفيس عليه أن حيصل عىل‬
‫موافقة اللجنة األخالقية املسؤولة عن تقديم املوافقة عىل إجراء هذا‬
‫البحث‪ ،‬وأحيانًا قد ترفض اللجنة هذا الطلب إذا تعارض مع حقوق‬
‫اإلنسان وسالمة املرىض أو املفحوصني‪ .‬ويتألف هذا الدستور من عدة‬
‫مبادئ‪ ،‬تتمحور حول أخالقيات البحث الطبي‪ ،‬وتؤكد عىل احلقوق‬
‫اإلنسانية للشخص املتطوع الذي وافق عىل أن ُيطبق عليه البحث‬
‫العلمي‪ ،‬ويتضمن الدستور ما يأيت‪:‬‬
‫‪1 .1‬إبالغ الشخص املعني وأخذ موافقته املسبقة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن يكون البحث هاد ًفا ورضور ًّيا ملصلحة املجتمع‪.‬‬
‫قائم يف األساس عىل دراسة سابقة عىل‬
‫‪3 .3‬أن يكون البحث ً‬
‫احليوان‪ ،‬أو أي مربر منطقي‪.‬‬
‫‪4 .4‬جتنيب ومحاية الشخص املتطوع من أي إصابة أو معاناة جسدية‬
‫أو عقلية‪.‬‬
‫‪5 .5‬أال تكون خماطر البحث عىل املتطوع أكرب من حماسنه‪.‬‬
‫ً‬
‫حاصل عىل إجازة علمية‪.‬‬ ‫‪6 .6‬جيب أن يكون الباحث‬
‫‪7 .7‬من حق املتطوع أن يمتنع عن االستمرار يف البحث العلمي يف‬
‫أي وقت‪ ،‬وهو غري مضطر لتقديم السبب‪.‬‬
‫وأخريا لكي نأخذ فكرة عام يمكن أن يعرتض عمل املعاجلني النفسيني‬
‫ً‬
‫‪72‬‬
‫من مشكالت وصعوبات أخالقية‪ ،‬يفيد االطالع عىل الدراسة املسح َّية‬
‫النوعية التي تعدُّ سابقة أوىل من نوعها قامت هبا اهليئة األمريكية لعلم‬
‫النفس (‪ )American Psychological Association‬عام ‪ 1992‬حيث‬
‫عضوا من أعضائها من االختصاصيني النفسيني‬
‫ً‬ ‫طلبت من ‪1.319‬‬
‫أن يصفوا املواقف واملشكالت األخالقية التي صادفتهم يف ممارستهم‬
‫العملية والتي شكلت حتد ًّيا هلم يف بعدها األخالقي‪ .‬وأجاب منهم‬
‫‪ 679‬اختصاص ًّيا وصفوا ما جمموعه ‪ 703‬مواقف أخالق َّية صنِّفت يف‬
‫‪ 23‬نو ًعا عىل النحو اآليت‪:26‬‬
‫النسبة املئوية‬ ‫العدد‬ ‫نوع املشكلة‬

‫‪% 18‬‬ ‫‪128‬‬ ‫الرسية واخلصوصية‬ ‫‪1‬‬


‫‪38‬‬ ‫احتامل تعرض شخص ثالث للخطر‬
‫‪23‬‬ ‫امتهان األطفال‬
‫‪8‬‬ ‫شخص حيمل فريوس نقص املناعة‬
‫البرشية ‪HIV‬‬

‫‪6‬‬ ‫شخص مصاب باإليدز‬


‫‪1‬‬ ‫امتهان املسنني‬
‫‪79‬‬ ‫رصاع داخيل يف اإلخبار أو عدم‬
‫اإلخبار بمعلومات خاصة‬
‫‪% 17‬‬ ‫‪116‬‬ ‫احلفاظ عىل العالقة املهنية ومصالح‬ ‫‪2‬‬
‫عالقات متعارضة‬
‫‪% 14‬‬ ‫‪97‬‬ ‫دفع املال‪ /‬مكان العمل‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫‪%8‬‬ ‫‪57‬‬ ‫طرق التعليم‪ /‬املكان األكاديمي‪/‬‬ ‫‪4‬‬
‫مشكالت التدريب‬
‫‪%5‬‬ ‫‪35‬‬ ‫علم النفس الرشعي‪ /‬القانوين‬ ‫‪5‬‬
‫‪%4‬‬ ‫‪29‬‬ ‫األبحاث والدراسات‬ ‫‪6‬‬
‫‪%4‬‬ ‫‪29‬‬ ‫سلوكيات الزمالء‬ ‫‪7‬‬
‫‪%4‬‬ ‫‪28‬‬ ‫أمور جنسية‬ ‫‪8‬‬
‫‪%4‬‬ ‫‪25‬‬ ‫التقييم النفيس‬ ‫‪9‬‬
‫‪%3‬‬ ‫‪20‬‬ ‫استعامل عالج غري مضمون أو ٍ‬
‫مؤذ‬ ‫‪10‬‬
‫‪%3‬‬ ‫‪20‬‬ ‫الكفاءة‬ ‫‪11‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪17‬‬ ‫أخالقيات املامرسة‪ /‬اللجان األخالقية‬ ‫‪12‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪15‬‬ ‫علم نفس املدارس والتدريس‬ ‫‪13‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪14‬‬ ‫النرش‬ ‫‪14‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪13‬‬ ‫مساعدة الفقري واملعوز مال ًّيا‬ ‫‪15‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪13‬‬ ‫اإلرشاف‬ ‫‪16‬‬
‫‪%2‬‬ ‫‪13‬‬ ‫اإلعالنات وسوء التمثيل‬ ‫‪17‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪9‬‬ ‫علم النفس الصناعي والرشكات‬ ‫‪18‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫قضايا طبية قانونية‬ ‫‪19‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫إهناء العالج‬ ‫‪20‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫العنرصية‬ ‫‪21‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫سجالت العالج‬ ‫‪22‬‬
‫‪%1‬‬ ‫‪7‬‬ ‫متفرقات‬ ‫‪23‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ما الضوابط األخالقية لتوظيف تقنيات‬


‫التأثري النفيس الفردي واجلامعي؟‬
‫تتنوع العالجات النفسية التي يمكن أن يستخدمها املعالِج النفيس‪ ،‬ومن‬
‫‪74‬‬
‫هذه املعاجلات‪ :‬املعاجلات النفسية الكالمية والسلوكية‪ ،‬فردية ومجاعية‬
‫وثنائية وزوجية‪ ،‬والعالجات الدوائية‪ ،‬والصدمات الكهربائية‪ .‬ويمكن‬
‫أن يستعمل هذه العالجات ٌّ‬
‫كل من الطبيب النفيس أو املعالج النفيس‪،‬‬
‫إال العالج الدوائي والصدمة الكهربائية‪ ،‬فال يصفهام سوى الطبيب‬
‫وتدرب عىل العالج الدوائي كجزء من تدريبه‬ ‫َّ‬ ‫النفيس الذي درس‬
‫الطب النفيس‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الط ِّبي العام‪ ،‬ومن ثم تدريبه يف‬
‫ونستثني العالج الدوائي باستعامل األدوية النفسية املختلفة التي‬
‫ختضع معايريها األخالقية للمعايري الطبية بشكل عام‪ .‬كذلك نستثني‬
‫العالج بالصدمة الكهربائية التي تستخدم عادة حتت التخدير العام‪،‬‬
‫وهي من أكثر العالجات فعالية يف حاالت االكتئاب الشديد جدًّ ا‪،‬‬
‫وهي جترى عىل نحو يغاير الصورة النمطية التي تعرض يف األفالم‬
‫السينامئية والتي هي أقرب للتعذيب من العالج!‬
‫ونفصل هنا ً‬
‫قليل التقنيات العالجية التي يمكن أن تستعمل للتأثري‬ ‫ِّ‬
‫النفيس يف الشخص‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫● ●العالجات النفسية القائمة عىل احلوار املبارش بني‬
‫املعالِج واملريض أو املراجع‪ ،‬كالعالج النفيس املعريف‬
‫‪ ،)cognitive‬والعالج النفيس التحلييل‬ ‫(‪psychotherapy‬‬

‫(‪)psychoanalytical‬‬
‫● ●العالجات النفسية السلوكية (‪ )behavioral‬التي تتضمن عدة‬
‫أساليب‪ ،‬ومنها التلقني احليوي الراجع (‪ )biofeedback‬وإدارة‬
‫التوتر‪ ،‬والعالج السلوكي املن ِّفر (‪ )aversive therapy‬واملنعكس‬
‫الرشطي الف َّعال (‪ )operant conditioning‬واملنعكس الرشطي‬
‫‪75‬‬
‫الكالسيكي (‪ )classical conditioning‬وغريها من املداخالت‬
‫الفيزيولوجية‪.‬‬
‫فباستثناء العالج السلوكي املن ِّفر الذي أعرتض عليه من الناحية‬
‫كثريا‪ ،‬فإن بقية العالجات السلوكية‬
‫قل استعامله ً‬ ‫األخالقية‪ ،‬وبالتايل َّ‬
‫تستعمل عىل نطاق واسع‪ .‬وبالطبع فإن كل هذه العالجات حتتاج إىل‬
‫التدريب املتخصص قبل أن يستطيع املعالج استعامهلا يف العالجات‬
‫النفسية‪ ،‬وأن يدرك هذا املعالج أبعاد املدرسة النفسية التي تقف وراء‬
‫هذه األساليب‪ ،‬ومدى تأثرياهتا املطلوبة‪ ،‬وتأثرياهتا اجلانبية املحتملة‪.‬‬
‫افرتاضا ضمن ًّيا أن‬
‫ً‬ ‫بالطبع يتضمن تطبيق معظم هذه العالجات‬
‫املريض املتعالج يمتلك شي ًئا من السيطرة عىل نفسه وعىل بيئته وهو‬
‫خيضع هلذه املعاجلات‪ .‬وعمو ًما تستعمل هذه األساليب العالجية‬
‫بمشاركة فاعلة من املريض اخلاضع للعالج‪ ،‬وبموافقته املسبقة عىل‬
‫اخلضوع هلذه املعاجلات‪ ،‬وبحقه يف االنسحاب منها عندما يريد‪.‬‬
‫وثمة مشكلة أخالقية قد تظهر يف بعض احلاالت واملواقف عندما‬
‫يكون من خيضع للعالج غري قادر عىل قبول أو رفض العالج‪ ،‬كام يف‬
‫حال املريض النفيس الفاقد للبصرية‪ ،‬كام يف حاالت الذهان الشديد أو‬
‫اإلعاقة الذهنية أو التخلف العقيل الشديد‪ .‬ففي هذه احلاالت‪ ،‬ال بد‬
‫للمعالِج من اللجوء إىل جهة ثالثة مستقلة تعطي املوافقة عىل تطبيق‬
‫هذه العالجات‪ ،‬كرأي جلنة علمية متخصصة‪ ،‬أو حكم من املحكمة‬
‫(‪.)court order‬‬
‫ومن الطبيعي أن حتدث بعض الضجات اإلعالمية واالجتامعية‬
‫عندما تستعمل بعض األساليب السلوكية يف بيئات معينة كاملدارس أو‬
‫‪76‬‬
‫السجون‪ ،‬يف حماولة لإلصالح وتعديل السلوك‪ ،‬ومن أمثلة مثل هذه‬
‫األساليب السلوكية املستعملة طريقة احلرمان من بعض االمتيازات من‬
‫أجل تعديل السلوك السلبي وتعزيز السلوك اإلجيايب‪ .‬واملطلوب طب ًعا‬
‫أن يلتزم املعالج السلوكي باملعايري واملبادئ األخالقية التي تضبط مثل‬
‫هذه املامرسات‪ ،‬باإلضافة إىل رضورة وجود آليات رقابية مبارشة عىل‬
‫مثل هذه املامرسات كي ال خترج عن احلدِّ األخالقي املعقول للعالجات‬
‫النفسية السلوكية‪.‬‬

‫دراسة حالة‪:‬‬
‫يف مستشفى للمراهقني الذين يعانون اإلعاقة الذهنية واالضطرابات‬
‫العاطفية الشديدة‪ ،‬قام طبيب نفيس بتطوير طريقة للعالج السلوكي‬
‫يعرض مراه ًقا لصدمة خفيفة من التيار الكهربائي كلام قام هذا‬
‫بحيث ِّ‬
‫املراهق برضب رأسه يف احلائط‪ ،‬يف حماولة لرصفه عن هذا السلوك‪ .‬وقد‬
‫كان هذا املراهق قد فقد إحدى عينيه‪ ،‬وهو يوشك عىل فقدان الثانية‬
‫بسبب رضب رأسه يف احلائط بشكل شديد ومتكرر‪ ،‬وألسباب غري‬
‫معروفة للفريق العالجي‪ ،‬وقد فشلت كل املحاوالت األخرى إليقاف‬
‫هذا الشاب عن مثل هذا السلوك اخلطر عىل سالمته‪.‬‬
‫وصحيح أن الطبيب قد أخذ موافقة والدَ ْي هذا الشاب عىل استعامل‬
‫هذه الطريقة‪ ،‬إال أن جلنة علمية متخصصة باإلجراءات الطبية األخالقية‬
‫مل توافق عىل االستمرار يف استعامل هذا النوع من العالج السلوكي‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬هل من دور للدين يف الصحة النفسية‬
‫والعالج النفيس؟‬
‫منذ أن كتب سيغموند فرويد وعلامء نفس آخرون عن التأثريات‬
‫العصابية‪ /‬املرضية (‪ )neurotic‬للدين عىل الصحة النفسية‪ ،‬حيث‬
‫اقرتح فرويد أن األشخاص املتدينني كانوا أكثر عرضة من غريهم‬
‫للمرض النفيس‪ ،29 ،28‬فإن الكثري من العاملني يف جمال الصحة النفسية‬
‫كثريا هبذه النظرة السلبية لعالقة الدين‬
‫خالل القرن العرشين قد تأثروا ً‬
‫كثريا منهم كان حيمل نظرة سلبية إن مل تكن‬
‫بالصحة النفسية‪ .‬لذا فإن ً‬
‫عدائية للدين‪ ،‬حتى إن هناك من زعم أن املعتقدات الدينية هي املسؤولة‬
‫عن ضعف الثقة بالنفس واالكتئاب وحتى اضطراب الفصام‪.30‬‬
‫تغي‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن األبحاث خالل العقدين األخريين قد بدأت ِّ‬
‫هذه النظرة‪ ،‬وبشكل جذري‪ ،‬حيث وجدت نتائج أكثر إجيابية عن‬
‫وخصوصا التأثري اإلجيايب للتدين والعبادة عىل الصحة‬
‫ً‬ ‫هذه العالقة‪،‬‬
‫النفسية‪.‬‬
‫ويف دراسة مهمة راجعت كل األبحاث التي أجريت يف العقدين‬
‫األخريين والتي تناولت جانب تأثريات التدين من ناحية علم النفس‬
‫والطب النفيس والطبي والصحة العامة وعلم االجتامع‪ ،‬برهنت عىل‬
‫التأثريات النافعة والواقية للتدين واملامرسة الدينية‪ .31‬ومن األمور‬
‫التي ساعدت يف مثل هذه األبحاث هو تطوير قياسات متعددة للتدين‬
‫(‪ )religiosity‬ولإليامن أو الروحانية (‪ .)spirituality‬ومما وجد يف‬
‫هذه األبحاث أن التدين يساعد اإلنسان يف حتمل الصدمات النفسية‬
‫خطريا هيدد‬
‫ً‬ ‫مرضا‬
‫وخصوصا عند الذي يعاين ً‬
‫ً‬ ‫والبدنية واالجتامعية‪،‬‬
‫‪78‬‬
‫حياته‪ 33 ،32‬ويساعده كذلك يف زيادة مناعته وحصانته ضدَّ الصدمات‬
‫(‪.)resilience‬‬
‫ويشري الكثري من أبحاث عالقة التدين أو اإليامن أو الروحانيات‬
‫(‪ )spirituality‬بالصحة النفسية إىل أن هذه العالقة عالقة مركَّبة‪ ،‬وأهنا‬
‫بشكل عام إجيابية يف االجتاهني‪ ،‬أي أن اإليامن والتدين يعززان ويدعامن‬
‫الصحة النفسية‪ ،‬وأن اإلنسان عندما يتمتع بالصحة النفسية فإن هذا‬
‫ويقوي من شعوره باإليامن‪.34‬‬
‫يعزز ِّ‬
‫فاإليامن والتعبد خيفضان من معدالت بعض االضطرابات النفسية‬
‫كالقلق واالكتئاب وحماوالت االنتحار وتعاطي املدمنات واملواد‬
‫املمنوعة‪ .‬ولذلك فإن الكثري من عالجات هذه االضطرابات تتحدث‬
‫عن الدور اإلجيايب لإليامن والتعبد يف حتقيق األمن واالطمئنان النفيس‬
‫واالسرتخاء العضيل والعصبي‪ ،‬ما يمكن أن ينعكس إجياب ًّيا عىل حتسني‬
‫الظروف الصحية النفسية‪.‬‬
‫أيضا أن حيسنا من الصحة البدنية وجينبا‬
‫ويمكن لإليامن والتعبد ً‬
‫اإلنسان األمراض القلبية والوعائية كضغط الدم‪ .‬ووجد أن الذي‬
‫حيرض اجللسات التعبدية ولو ملرة واحدة يف األسبوع يعيش بمعدل‬
‫سبع سنوات أكثر ممن ال حيرض‪ .35‬وقد ُف ِّست كل هذه التأثريات‬
‫اإلجيابية للدين بأن التدين يعطي اإلنسان هد ًفا سام ًّيا يف احلياة‪ ،‬ويرفع‬
‫من معنوياته يف حتمل بعض االبتالءات‪ ،‬ويساعد الفرد عىل االلتحاق‬
‫باملجموعة التعبدية ما يشعره باالنتامء واالرتباط االجتامعي‪.36‬‬
‫ومما ال شك فيه أمهية موضوع عالقة التدين بالصحة النفسية‪،‬‬
‫وخصوصا إذا تذكرنا أن التدين واإليامن من األمور املهمة لغالبية‬
‫ً‬
‫‪79‬‬
‫الناس‪ ،‬وبشكل أو آخر‪ .‬وهناك دراسات تشري إىل أن ‪ 90‬يف املائة من‬
‫الناس يامرسون نو ًعا ما من الشعائر والطقوس الدينية‪ ،‬وأهنم جيدون أن‬
‫كثريا عىل التك ُّيف مع ضغوط احلياة وصعوباهتا‪،‬‬
‫هذه املامرسة تعينهم ً‬
‫من مرض أو غريه ‪ .‬ووجدت عدة دراسات أن ً‬
‫كثريا من املرىض‬ ‫‪36‬‬

‫يرغبون أن يفتح معهم املعالِج موضوع الدين واإليامن‪ ،‬وأن التدين‬


‫أيضا يف حتسني العالقات األرسية والعالقة‬
‫واملامرسات التعبدية تساعد ً‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫الزوجية‪ ،‬ما يمكن أن ينعكس إجياب ًّيا عىل الصحة النفسية‪،‬‬
‫إذا تذكرنا التأثري الكبري للمشكالت والصعوبات األرسية والزوجية يف‬
‫تدهور الصحة النفسية‪ ،‬سواء للوالدين والزوجني‪ ،‬أو لألطفال كذلك‪.‬‬
‫ويف حماولة لرشح طبيعة وآلية التأثريات اإلجيابية للتدين‪ ،‬فقد‬
‫اقرتحت عدة آليات ومنها‪:37‬‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫● ●املامرسات الصحية املتبعة يف الدين‪ ،‬ويف اإلسالم‬
‫الكثري من هذه التعاليم والسنن واآلداب‪.‬‬
‫● ●الدعم االجتامعي من خالل مجاعة املؤمنني والعبادات اجلامعية‪.‬‬
‫● ●املوارد واملصادر النفسية التي يعززها التدين‪ ،‬كاحرتام الذات‬
‫وتقديرها‪ ،‬وشعور املتدين بالقدرة عىل التغيري والتأثري الذايت يف‬
‫جمريات حياته‪.‬‬
‫● ●ما يمنحه اإليامن من عوامل نفسية‪ ،‬كالشعور بالطمأنينة‬
‫● ●اجلانب املعريف من شعور املتدين بامتالك منظومة عامة ومتكاملة‬
‫غامضا (‪)worldview‬‬
‫ً‬ ‫لغزا‬
‫للحياة‪ ،‬فال تبقى ً‬
‫● ●الوعي والرتكيز عىل الواقع احلايل للمتدين‪ ،‬مع استحضار الن َّية‬
‫والقصد (‪.)mindfulness‬‬
‫‪80‬‬
‫● ●الصالة‪ ،‬وما متنحه من الشعور بالتواصل مع الذات اإلهلية‪ ،‬وأن‬
‫قل الناس من حوله‪.‬‬‫اإلنسان ليس وحيدً ا مهام َّ‬
‫● ●التوبة واإلنابة املتجددة اللتان تتيحان لإلنسان البداية املتجددة‪،‬‬
‫ومهام ارتكب من أخطاء وذنوب «كل ابن آدم خطاء‪ ،‬وخري‬
‫اخلطائني التوابون» (حسنه األلباين)‬
‫وبنا ًء عىل كل ما سبق‪ ،‬فمن املسؤوليات األخالقية للطبيب أو‬
‫املعالج النفيس أن حيرتم معتقد املراجع أو املريض‪َّ ،‬‬
‫وأل حياول التقليل‬
‫من اهتامماته أو ممارساته التعبدية‪ ،‬سواء الفردية أو اجلامعية‪ ،‬وأن يبدي‬
‫وتقديرا ملعتقد املريض‪ ،‬وإن كان هو شخص ًّيا غري ملزم‬
‫ً‬ ‫املعالِج احرتا ًما‬
‫بالقناعة بديانة وأفكار املريض‪.‬‬
‫والواجب األخالقي اآلخر عىل الطبيب أو املعالج النفيس َّأل حياول‬
‫استغالل هشاشة املريض بسبب االضطراب العاطفي أو النفيس الذي‬
‫وخصوصا أن املريض بشكل عام قد يكون توا ًقا‬
‫ً‬ ‫يمكن أن يوجد عنده‪،‬‬
‫إلرضاء الطبيب املعالج بسبب طبيعة العالقة بينهام‪ ،‬وكام ورد أعاله‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫عيل‪،‬‬
‫حاولت يف هذه الورقة اإلجابة عن األسئلة الثالثة التي عرضت َّ‬
‫ويف حماولة لالبتعاد عن اإلطالة فقد تركت بعض املوضوعات التي مل‬
‫أتعرض هلا‪ ،‬عىل أمهيتها‪ ،‬والتي قد يامرسها الطبيب النفيس أو من يقوم‬
‫بتقديم العالجات النفسية‪ ،‬أو ُيستشار فيها‪ ،‬ومنها عىل سبيل املثال ال‬
‫احلرص‪:‬‬
‫وخصوصا املتعلقة‬
‫ً‬ ‫ ‪-‬األخالقيات املتعلقة بالبحوث النفسية‪،‬‬
‫بإجراء األبحاث عىل عينات من الناس‪ ،‬باستثناء القليل الذي‬
‫ذكرته أعاله‪.‬‬
‫ ‪-‬أخالقيات املعالج النفيس يف املجال األكاديمي كمحارض أو‬
‫مدرب‪.‬‬
‫مدرس أو ِّ‬
‫ِّ‬
‫ ‪-‬أخالقيات تعامل املعالج النفيس مع وسائل اإلعالم املرئية أو‬
‫املسموعة‪ ،‬أو وسائل التواصل االجتامعي‪.‬‬
‫ ‪-‬أخالق التأليف والنرش‪.‬‬
‫ ‪-‬بعض املامرسات الطبية املتعلقة بإجراءات منع احلمل واإلنجاب‬
‫عند من يعاين ختل ًفا عقل ًّيا شديدً ا‪ ،‬حيث تدرس هذه يف املجاالت‬
‫الطبية العامة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫اهلوامش‬
‫ املكتب‬،‫ مأمون مبيض‬.‫ د‬.‫املرشد يف األمراض النفسية واضطرابات السلوك‬ 1
.1994 ،‫ بريوت‬،‫اإلسالمي‬
American Psychological Association, http://www.apa.org 2
American Psychiatric Association, http://www.psych.org 3
Royal Collage of Psychiatrists, http://www.rcpsych.ac.uk 4
‫احتاد األطباء النفسيني العرب‬ 5
http//:arabpsynet.com/Associations/AFP.ass.htm
‫ بريوت‬،‫ املكتب اإلسالمي‬،‫ مأمون مبيض‬.‫ د‬.‫االستشارات النفسية والرتبوية عن بعد‬ 6
)‫ (حتت الطبع‬2014
White, T.I. (1988). Right and wrong: A brief guide to understanding 7
ethics. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D%8A%3D%8A%8D%82%9D%8B1 8
%D%8A%7D%8B7
‫ جملة الترشيع‬،‫ توم بوشانب‬.‫مبادئ أخالق الطب احليوي باعتبارها مبادئ عامة‬ 9
.)2014( ‫ العدد األول‬،‫اإلسالمي واألخالق‬
‫ املوسوعة احلرة‬،‫ ويكيبيديا‬،‫أخالقيات الطب‬ 10
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D%8A%3D%8AE%D%84%9D%8A7
%D%82%9D8%9A%D%8A%7D%8AA_%D%8A%7D%84%9D%8B7
%D%8A8
.‫ عيل بن حممد آل درعان ود‬.‫ د‬.‫امليثاق األخالقي واملهني للمصلح واملرشد األرسي‬ 11
.2011 ‫ جدة‬.‫ مجعية املودة اخلريية لإلصالح االجتامعي‬،‫يارس بن مصطفى الشلبي‬
.‫ مكتبة األنجلو املرصية‬،‫ طارق عكاشة‬.‫ ود‬،‫ أمحد عكاشة‬.‫ د‬.‫الطب النفيس املعارص‬ 12
.1973
http://www.cmf.org.uk/publications/content.asp?context= 13
article&id=25740
:‫ الصفحة الرابعة‬،‫القواعد البن رجب احلنبيل‬ 14
h t t p : / / l i b r a r y. i s l a m w e b . n e t / n e w l i b r a r y / d i s p l a y _ b o o k .
php?idfrom=1&idto=1&bk_no=38&ID=2
Beauchamp, T. L., & Childress, J. F. (1989). Principles of biomedical 15
ethics. New York: Oxford University Press.

83
Frankena, W. K. (1973). Ethics. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall. 16
Strupp, H. H. (1975). On failing one’s patient. Psychotherapy: Theory, 17
Research and Practice, 41-39 ,12.
‫ ورقة بحثية مقدمة لندوة «الرسية‬.‫ مأمون مبيض‬.‫ د‬.‫ وحقوق الطفل‬،‫الرسية املهنية‬ 18
/‫ وسالمة املجتمع» التي أقامها مركز التأهيل االجتامعي‬،‫املهنية بني حقوق املريض‬
.2013 ‫قطر عام‬
Pope, K. S., & Brown, L. S. (1996). Recovered memories of abuse: 19
Assessment, therapy, forensics. Washington, DC: American
Psychological Association.
La Roche, M. J. & Maxie, A. (2003). Ten considerations in addressing 20
cultural differences in psychotherapy. Professional Psychology, ,34
186-180.
Everstein, L., Everstein, D. S., Heymann, G. M., True, R. H., Frey, 21
D. H., Johnson, H. G., et al. (1980). Privacy and confidentiality in
psychotherapy. American Psychologist, 840-828 ,35.
.‫ أكاديمية علم النفس‬.‫الوصمة االجتامعية للمرض النفيس‬ 22
http//:www.acofps.com/vb/showthread.php?t=12315
،‫ جامعة أوكسفورد‬،‫ يف املكتبة الوطنية لعلم الطب‬،‫فهرس خمطوطات الطب اإلسالمي‬ 23
http//:www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/about.html
‫ بحث غري منشور قدمته‬.‫ مأمون مبيض‬.‫ د‬.‫اإلرشاد النفيس الرسمي وغري الرسمي‬ 24
.2012 ‫يف اجتامع اخلرباء الذي أقامه املجلس األعىل لشؤون األرسة يف دولة قطر عام‬
Sharkin, B. S., & Plageman, P. M. (2003). What do psychologists think 25
about mandatory continuing education? A survey of Pennsylvania
practitioners. Professional Psychology, 323-318 ,34.
Ethical Dilemmas Encountered by Members of the American 26
Psychological Association: A National Survey. Pope, K. S., & Vetter, V.
A. (1992). http://www.kspope.com/ethics/ethics2.php
‫ موقع جامعة أم القرى‬،‫أخالقيات املهن الطبية‬ 27
http//:uqu.edu.sa/page/ar16319/
Ellis, A. (1980). Psychotherapy and atheistic values: A response to A. 28
E. Bergin’s “Psychotherapy and religious values”. Journal of Consulting
and Clinical Psychology, 639-635 ,48.

84
Ellis, A. (1988). Is religiosity pathological? Free Inquiry, 32-27 ,18. 29
Watters, W. (1992). Deadly doctrine: Health, illness, and Christian 30
God-talk. Buffalo. New York: Prometheus Books.
Yeung, W. J., & Chan, Y. (2007). The positive effects of religiousness 31
on mental health in physically vulnerable population: A review on
recent empirical studies and related theories. International Journal of
Psychosocial Rehabilitation. 52-37 ,)2( 11.
Mueller, P. S., Plevak, D. J. &Rummans, T. A. (2001). Religious invol- 32
vement, spirituality, and medicine: Implications for clinical practice.
Mayo Clinic Proceedings, 1235-1225 ,76.
Pargament, K. I., Koenig, H. G. et al (2004). Religious coping methods 33
as predictors of psychological, physical and spiritual outcomes among
medically ill elderly patients: Two-year longitudinal study. Journal of
Health Psychology, 730-713 ,)6(9.
Koenig, H. G. (2002). Spirituality in patient care: Why, how, when and 34
what. Philadelphia. PA: Templeton Foundation Press.
Koenig, H. G., McCullough, M. E., & Larson, D. B. (2001). Handbook of 35
religion and health. New York. NY: Oxford University Press.
Shapiro, S. & Carlson, I. (2009). The art and science of mindfulness. 36
Washington. DC: American Psychological Association.
George, L. K. et al. (2002). Explaining the relationships between 37
religious involvement and health. Psychological inquiry, -190 ,)3(13
200.

85
‫األخالق والدين وتفاعلهام مع علم النفس‬

‫سعد الدين العثامين‬


‫ليس من السهل التعقيب عىل الورقة البحثية التي قدمها الدكتور توفيق‬
‫مأمون مبيض‪ ،‬بالنظر ملكانة صاحبها العلمية‪ ،‬وهو االختصايص‬
‫وأيضا بالنظر لشمولية العرض‬
‫ً‬ ‫املعروف يف جمال الطب النفيس‪،‬‬
‫الذي قدمه‪ .‬وسنتوقف يف هذا التعقيب عىل تدقيقات بعض املفاهيم‪،‬‬
‫وإضافات ذات طابع عام مؤطر ملوضوع األخالقيات يف املجال الطبي‬
‫النفيس‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬األخالقيات يف الثقافة املعارصة‪:‬‬
‫عندما يطلق لفظ األخالق يف الثقافة العربية واإلسالمية‪ ،‬فهو يعني‬
‫باخلصوص املبادئ األخالقية (‪ ،)morality‬وهي املعايري املحددة‬
‫بمبادئ الصواب واخلطأ‪ ،‬أكثر من كوهنا تابعة ملقياس املنفعة واملرضة‪.‬‬
‫لكن أصبح هناك اليوم ميل متزايد إىل متييز املبادئ األخالقية عن‬
‫القواعد األخالقية (‪ )ethics‬أو األخالقيات‪ ،‬هذه األخرية هتتم بوضع‬
‫معايري منطقية مساعدة الختاذ القرارات الصائبة يف مواقف معينة‪ ،‬فهي‬
‫بالتايل عملية أجرأة للمبادئ األخالقية‪ .‬كام تساعد عىل اختاذ املوقف‬
‫األخالقي يف حاالت حمددة‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫وعىل الرغم من االختالف بني املتخصصني يف تعريف املستويني‬
‫والتمييز بينهام‪ ،‬إال أن اختيار مستويي املبادئ األخالقية والقواعد‬
‫األخالقية أكثر عملية وفائدة‪.‬‬
‫ومن الفوارق املهمة بني املستويني أن القيم واملبادئ األخالقية مطلقة‬
‫وحمدودة نسب ًّيا وثابتة‪ ،‬أما القواعد األخالقية فهي عملية وكثرية وقابلة‬
‫للتطور‪ ،‬لكنها ترتكز عىل املبادئ األخالقية‪ .‬كام أن األوىل يف الغالب‬
‫بدهيية فطرية‪ ،‬بينام الثانية هي ثمرة تفكري مجاعي لتطبيقها عىل حاالت‬
‫تزداد تعقيدً ا مع مرور الوقت ومع تعقد احلياة البرشية‪.‬‬
‫أيضا األخالقيات املهنية أو قواعد السلوك املهني‬
‫وهناك ً‬
‫‪ ،)professional‬وهي تتميز بكوهنا قواعد أخالقية مقننة‬ ‫(‪ethics‬‬

‫ومتواف ًقا عليها يف مهنة معينة وصدر بمقتضاها قرار من السلطة ذات‬
‫الصالحية يف تلك املهنة‪ .‬فنتحدث عن قواعد السلوك يف مهنة الطب أو‬
‫اهلندسة أو غريمها‪.‬‬
‫أما القواعد القانونية‪ ،‬فعىل الرغم من تقاطعها مع القواعد األخالقية‬
‫يف أمور عدة‪ ،‬فإهنا تتميز عنها يف أمور أخرى‪ .‬فهناك من الترصفات ما‬
‫يمكن أن يكون قانون ًّيا من دون أن يكون أخالق ًّيا‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫فقد يكون عمل ما أخالق ًّيا من دون أن يكون قانون ًّيا‪ .‬ومن أمثلة هذا‬
‫األخري مساعدة الجئ يف وضعية غري قانونية‪ ،‬فهو عمل أخالقي لكنه‬
‫قد يكون غري قانوين‪.‬‬
‫كثريا ما تسبق يف وجودها وانتشارها يف‬ ‫ً‬ ‫والقواعد األخالقية‬
‫جمتمع ما‪ ،‬مرحلة تبنيها بوصفها قواعد قانونية‪ .‬وتفيد مرحلة القاعدة‬
‫األخالقية يف إجياد التوافق االجتامعي الرضوري والثقافة املساعدة‬
‫‪89‬‬
‫لتبني القاعدة القانونية‪ .‬ومن األمثلة عىل ذلك أن الدفاع عن حقوق‬
‫مبكرا‪ ،‬واحتاج األمر إىل عقود من‬
‫احليوان بدأ عىل املستوى األخالقي ً‬
‫الزمان قبل أن تصدر قوانني متنع اإلساءة للحيوانات‪ .‬ويمكن أن نقول‬
‫اليشء نفسه عن محاية البيئة وتنظيم السري يف الشوارع وغريمها‪.‬‬
‫كبريا يف العقود األخرية‪،‬‬
‫تطورا ً‬‫ً‬ ‫وقد عرف البحث األخالقي‬
‫وأضحت األخالقيات عبارة عن التفكري النظري والتقعيد العميل‬
‫املتعلقني بالقيمة األخالقية ملامرسات معينة‪ .‬فهو هيدف إىل َّأل يرتك‬
‫هذا التقييم للحدس الشخيص أو العادة السائدة أو غريمها‪ ،‬بل خيضعه‬
‫للتفكري والنقاش والنقد‪ .‬وأصبحت تربز أخالقيات جماالت النشاط‬
‫البرشي واملهن بأنواعها‪ :‬أخالقيات الصحافة‪ ،‬أخالقيات السوق‪،‬‬
‫أخالقيات العمل السيايس واالنتخايب‪ ،‬أخالقيات الرياضة وما إىل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ويف الطب‪ ،‬ممارسة وبح ًثا علم ًّيا‪ ،‬تطورت األخالقيات بشكل كبري‪،‬‬
‫وأضحت مدرسة متكاملة‪ ،‬وعقدت هلا اللجان واهليئات املتخصصة‪،‬‬
‫وصدرت بشأهنا املواثيق والقرارات املتضمنة للموجهات اهلادية‬
‫والقواعد الضابطة‪.‬‬
‫واليوم ال يسمح ألي مجعية طبية عرب العامل بأن تكون معرت ًفا هبا‬
‫من قبل اهليئات الطبية العاملية إال بعد أن تلتزم بالقواعد األخالقية‬
‫ملهنة الطب وللتخصص الذي تشتغل فيه‪ .‬كام أضحى اليوم من غري‬
‫املمكن يف الدول التي حترتم نفسها أن جيرى بحث طبي حيوي من دون‬
‫احلصول عىل موافقة جلنة أخالقيات معتمدة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬بني األخالق اإلسالمية والتطور األخالقي املعارص‬
‫تظهر نصوص إسالمية متضافرة أن األخالق مشرتك إنساين ومنظومة‬
‫فطرية نشأت يف خمتلف األمم والثقافات‪ ،‬وأن الصحيح فيها تبني‬
‫مصطلحات إنسانية مشرتكة‪ .‬فالناس متفقون عىل أصول هذه‬
‫األخالق‪ ،‬فالصدق والكرم والوفاء والعدل هي معان حممودة يف كل‬
‫القيم اإلنسانية‪ ،‬كام أن القيم املعاكسة هلا معان مذمومة مثل الكذب‬
‫والظلم والزور وغريها‪.‬‬
‫لذلك فإن اخلطاب يف القرآن الكريم عندما حيث عىل القيم واألخالق‬
‫يوجه اخلطاب إىل مجيع اخللق وليس إىل خاصة املؤمنني به‪ ،‬وأمجع آية يف‬
‫َّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاكُم ِّمن َذك ٍَر َو ُأن َثى َو َج َع ْلنَاك ُْم‬
‫ذلك قوله تعاىل‪َ « :‬يا َأ ُّ َيا الن ُ‬
‫ُش ُعو ًبا َو َق َب ِائ َل لِ َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم ِعندَ ال َّل ِه َأ ْت َقاك ُْم» (احلجرات‪ :‬اآلية‬
‫‪ .)13‬ويف احلديث الصحيح تأكيد أن اإلسالم أتى يف سياق البناء عىل‬
‫إنجازات املسرية البرشية املستمرة‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬إنام‬
‫بعثت ألمتم مكارم األخالق»‪ .‬وقد قال عبد اهلل بن عباس عن الوصايا‬
‫العرش املذكورة يف اآليتني ‪ 152 ،151‬من سورة األنعام‪« :‬هذه اآليات‬
‫هي املحكامت التي ذكرها اهلل يف سورة آل عمران أمجعت عليها رشائع‬
‫اخللق‪ ،‬ومل تنسخ قط يف ملة»‪.‬‬
‫ومن كبار األخالقيني املسلمني الذين أكدوا هذه احلقيقة‪ ،‬األستاذ‬
‫‪1‬‬
‫حممد عبد اهلل دراز‪ .‬فقد رجع يف كتابه «دستور األخالق يف القرآن»‬
‫إىل اإلنتاج األخالقي لكبار مفكري العرص احلديث‪ ،‬واستفاد منهم‬
‫وقارن بني كتاباهتم وبني ما ورد يف القرآن الكريم‪ ،‬وسجل الكثري من‬
‫مثل يقف عند تأكيد مانويل كانط عىل أن مصدر‬‫التوافقات‪ .‬فها هو ً‬
‫‪91‬‬
‫اإللزام األخالقي موجود «يف تلك اململكة العليا يف النفس اإلنسانية‬
‫التي توجد مستقلة عن الشهوة وعن العامل اخلارجي م ًعا»‪ .2‬فيسجل‬
‫بأهنا «ال تعد من املسلامت فحسب‪ ،‬بل‪ ‬إهنا لتتفق متا ًما ‪ -‬فيام نرى ‪-‬‬
‫مع النظرية املستخلصة من القرآن‪ . ‬لقد علمنا هذا الكتاب أن النفس‬
‫«و َن ْف ٍ‬
‫س‬ ‫اإلنسانية قد تلقت يف تكوينها األويل اإلحساس باخلري وبالرش‪َ :‬‬
‫َو َما َس َّو َاها (‪َ )7‬ف َأ ْل َ َم َها ُف ُج َ‬
‫ور َها َو َت ْق َو َاها» (الشمس‪ :‬اآليتان ‪.»)8 ،7‬‬
‫ثم يثني يف مكان آخر عىل قول كانط الذي أدرك «بفضل تعمقه‬
‫أساسا القاعدة‬
‫ً‬ ‫الفكري امللحوظ االختالف الكبري الذي يفصل‬
‫األخالقية عن مجيع القواعد األخرى العملية»‪.3‬‬
‫وانطال ًقا من ذلك‪ ،‬أكد يف مقدمة الكتاب أن عمله يف أطروحته هو‬
‫«نوع من التأليف‪ ،‬تلتقي فيه األفكار األخالقية من الرشق بنظرياهتا من‬
‫الغرب‪ ،‬يف مقارنة واعية حمايدة بريئة من كل فكرة مسبقة ومن كل هوى‬
‫متعصب ملدرسة بعينها»‪ ،‬ليخلص يف األخري إىل خالصة ذات داللة‬
‫ً‬
‫استهالل يف‬ ‫ً‬
‫قائل‪« :‬ترى هل يكون هذا التقارب بني خمتلف الثقافات‬
‫املجال العميل يعقبه فهم أرحب ً‬
‫جمال ونزوع إىل اإلنسانية أكثر امتدا ًدا‪،‬‬
‫حيث تتجمع القلوب‪ ،‬من هنا وهناك‪ ،‬وتتشابك األيدي خلري بني‬
‫اإلنسان؟»‪.4‬‬
‫إن اخلالصة العملية هلذا املعطى املهم هو أننا يف موضوع األخالقيات‬
‫عمو ًما‪ ،‬واألخالقيات الطبية عىل وجه اخلصوص‪ ،‬سنجد املشرتك‬
‫اإلنساين هو األكثر‪ .‬ويمكن للمسلمني أن يندجموا يف املسرية األخالقية‬
‫العاملية احلالية‪ ،‬ويتفاعلوا معها إجياب ًّيا‪ ،‬ويسهموا فيها ويف ترشيدها‬
‫أكثر‪ .‬وليسوا بحاجة إىل االنعزال عن اآلخرين بوثائق خاصة هبم‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أصول القواعد األخالقية يف الطب النفيس‬
‫لقد اهتم األطباء منذ عرف اإلنسان املامرسة الطبية بأن تكون مبنية عىل‬
‫ربا عن ذلك‬
‫معايري أخالقية‪ .‬ومن هنا عرف األطباء قسم أبقراط مع ً‬
‫اهلم األخالقي‪ .‬وتأثرت القواعد األخالقية يف ميدان الطب بالتحوالت‬
‫الفلسفية واالجتامعية القاضية باملرور من عالقة «أبوية» بني الطبيب‬
‫واملريض إىل عالقة تتأسس عىل تشارك وتعاقد مرتكزين عىل اإلنصات‬
‫واحلوار‪ ،‬كام تنطلق من إدراك أن االهتامم باملريض ال يعني االهتامم‬
‫مريضا‬
‫شخصا ً‬
‫ً‬ ‫أيضا باملعاناة التي حيس هبا‪ .‬وهو ليس‬
‫باملرض فقط‪ ،‬بل ً‬
‫فحسب‪ ،‬بل هو إنسان بأبعاده املختلفة‪ .‬ومن هنا يأيت التأكيد املتزايد‬
‫عىل رضورة احرتام املبادئ األساسية للتفكري األخالقي‪ ،‬وهي عىل‬
‫العموم أربعة‪:‬‬
‫‪1 .1‬فعل اخلري باحلرص عىل مصلحة املريض‪.‬‬
‫‪2 .2‬احرتام كرامة املريض واستقالليته‪.‬‬
‫‪3 .3‬احلق يف املعلومة‪.‬‬
‫‪4 .4‬املوافقة الرضائية واملتبرصة للعالج‪.‬‬
‫ومن هذه املبادئ تتفرع العديد من احلقوق والقواعد األخالقية التي‬
‫تؤطر عالقة الطبيب باملريض وبالعملية العالجية‪.‬‬
‫والطب النفيس هو فرع من الطب يركز عىل دراسة األمراض‬
‫النفسية وتصنيفها وتشخيصها وعالجها‪ .‬وهو يف غايته الكربى هيدف‬
‫إىل التخفيف من املعاناة النفسية واالجتامعية لإلنسان‪ .‬وباعتباره فر ًعا‬
‫من فروع الطب‪ ،‬فإن التطور األخالقي الذي عرفته األخالقيات الطبية‬
‫ينطبق عليه من حيث العموم‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫وبسبب سوء استعامل الطب النفيس وتسخريه ألغراض سياسية‬
‫يف االحتاد السوفييتي‪ ،‬وذلك بالتعامل مع املعارضني عىل أهنم مرىض‬
‫نفسيني‪ ،‬فقد اعتمدت اجلمعية العاملية للطب النفيس سنة ‪ 1977‬إعالن‬
‫هاواي الذي تضمن قواعد إرشادية لألخالقيات املطلوبة يف الطب‬
‫النفيس‪ ،‬ثم أعيد حتديثها بعد ذلك عىل مراحل‪ .‬ونصت الوثيقة عىل‬
‫أن تلك القواعد متثل احلد األدنى من متطلبات املعايري األخالقية ملهنة‬
‫الطب النفيس‪ .‬ونورد هنا أهم ما ورد فيها باختصار‪:5‬‬
‫‪1 .1‬عىل الطبيب النفيس أن يبذل أفضل ما لديه لعالج املرىض بام‬
‫يتفق مع املعرفة العلمية‪ ،‬واملبادئ األخالقية املقبولة‪ ،‬كام أن‬
‫عليه أن يكون معن ًّيا بالنفع العام‪ ،‬وختصيص املوارد الصحية‬
‫عىل نحو عادل‪.‬‬
‫‪2 .2‬جيب أن تنبني العالقة العالجية عىل االتفاق املتبادل‪ ،‬وعىل‬
‫الثقة والرسية والتعاون واملسؤولية املشرتكة‪.‬‬
‫‪3 .3‬جيب إبالغ املريض بطبيعة حالته الصحية وباإلجراءات‬
‫العالجية‪ ،‬بام يف ذلك البدائل املمكنة‪ ،‬والنتائج املحتملة‪.‬‬
‫‪4 .4‬ال جيوز اختاذ أي إجراء‪ ،‬أو إعطاء عالج ضد إرادة املريض‬
‫نفسه ومن دون احلصول عىل موافقته‪ ،‬اللهم إال إذا كان غري‬
‫قادر بسبب مرضه النفيس عىل أن خيتار العالج األفضل له‪،‬‬
‫أرضارا جسيمة له أو لآلخرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫وبرشط أال حيدث‬
‫‪5 .5‬جيب عىل الطبيب النفيس أال يستخدم إمكاناته املهنية يف انتهاك‬
‫كرامة املريض‪ ،‬أو حقوقه أو حقوق أي فرد أو مجاعة‪ ،‬وأال يدع‬

‫‪94‬‬
‫أبدً ا الرغبات أو املشاعر أو التحيزات أو املعتقدات الشخصية‬
‫غري املالئمة أن تتدخل يف العالج‪.‬‬
‫‪6 .6‬جيب احلصول عىل املوافقة املسبقة للمريض عىل إرشاكه ضمن‬
‫عينة جيرى عليها البحث العلمي‪ ،‬مع رضورة اختاذ مجيع‬
‫التدابري املعقولة للحفاظ عىل هويته ومحاية سمعته الشخصية‪.‬‬
‫وحيتفظ املريض بحرية االنسحاب يف أي وقت يريده من‬
‫برنامج البحث‪ ،‬كام له احلق منذ البداية يف رفض الدخول فيه‪.‬‬
‫وجيب أال يؤثر ذلك عىل جهود الطبيب النفيس يف مساعدة‬
‫املريض وعالجه‪.‬‬
‫‪7 .7‬ينبغي للطبيب النفيس أن يوقف مجيع الربامج العالجية أو‬
‫التعليمية أو البحثية التي تنطوي عىل ما يناقض مبادئ هذا‬
‫اإلعالن‪.‬‬
‫ثم قامت اجلمعية العاملية للطب النفيس بتطوير هذه القواعد العامة‬
‫وتفصيلها‪ ،‬وتوضيح املوقف األخالقي يف عدد من احلاالت املستجدة‬
‫التي تعرتض الطبيب النفيس‪ ،‬يف إعالن مدريد الذي صدر يف مجعيتها‬
‫العمومية سنة ‪ ،1963‬وطور بعد ذلك يف عدد من املؤمترات‪.6‬‬
‫إن االلتزام باملبادئ والقواعد األخالقية أمر رضوري يف ممارسة‬
‫الطب النفيس حتى ال يرتك املريض حلسن نية طبيبه‪ .‬وهذا ال يعني‬
‫إلغاء االعتبارات الدينية والثقافية واالجتامعية ملختلف الشعوب‬
‫واحلضارات‪ ،‬بل من الواجب رعايتها ودجمها ‪ -‬ما أمكن ‪ -‬ضمن‬
‫املواثيق الدولية التي تصدر يف هذا املجال‪ .‬واليوم وف ًقا لقوانني «اجلمعية‬
‫العاملية للطب النفيس» فإنه ال يسمح ألي مجعية متخصصة يف الطب‬
‫‪95‬‬
‫النفيس باالنضامم للجمعية العاملية إال إذا التزمت بقوانينها األخالقية‬
‫وبإعالين هاواي ومدريد‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬خصوصيات القواعد األخالقية يف الطب النفيس‬


‫لقد فصل عرض الدكتور توفيق مأمون مبيض يف عدد من املقتضيات‬
‫األخالقية يف مواقف عديدة‪ ،‬ونريد هنا أن نتوقف عند القواعد واملواقف‬
‫األخالقية التي متيز الطب النفيس وتداعياهتا عىل التفكري األخالقي يف‬
‫ميدان الطب‪.‬‬
‫يتميز الطب النفيس بعدد من اخلصوصيات ذات تأثري كبري عىل كيفية‬
‫تطبيق القواعد األخالقية وحدود ذلك التطبيق‪ ،‬وذلك بالنظر لتأثريات‬
‫االضطراب النفيس عىل االختيار احلر للمريض وللهشاشة التي يمكن أن‬
‫يطبع هبا شخصيته‪ .‬وبالتايل فإن الصعوبات‪ ،‬التي تعرتض تطبيق القواعد‬
‫األخالقية يف املامرسة الطبية عمو ًما‪ ،‬تكون أكثر صعوبة يف جمال الطب‬
‫النفيس‪ ،‬وال تشكل إال جز ًءا من اإلشكاالت التي تعرتض جمال العالج‬
‫النفيس‪ .‬وهي إشكاالت ال نجدها يف املجاالت النفسية األخرى التي‬
‫أمراضا) نفسية‪ ،‬وإن كانوا‬
‫ً‬ ‫تتعامل مع أشخاص ال يعانون اضطرابات (أو‬
‫قد يعانون مشاكل نفسية ال ترقى إىل مستوى «االضطراب» أو «املرض»‪.‬‬
‫مريضا عضو ًّيا مل يؤثر مرضه عىل حالته‬
‫كام أنه يف جمال الطب يندر أن نجد ً‬
‫النفسية‪ ،‬لكن ذلك ال يصنفه من املصابني باالضطراب النفيس‪.‬‬
‫سنتحدث تبا ًعا عن ثالثة موضوعات ذات خصوصية أخالقية‬
‫يف تعامل الطبيب مع املريض النفيس‪ ،‬هي‪ :‬إعالم املريض‪ ،‬واملوافقة‬
‫املستنرية‪ ،‬واالطالع املبارش عىل امللف املريض‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ - 1‬إعالم املريض مقدمة ملوافقته املستنرية‬
‫إن إعالم املريض بام يكفي من معلومات عن حالته الصحية‪ ،‬وأخذ‬
‫موافقته املستنرية قبل اخلضوع لالستشارة الطبية وللعالج أمران‬
‫يشكالن عصب املامرسة األخالقية‪ .‬ومها مرتابطان بشكل قوي‪.‬‬
‫فاملوافقة ال تكون مقبولة إال إذا كانت متبرصة‪ ،‬وال تكون كذلك إال إذا‬
‫حصل املريض عىل املعلومات الكافية‪ .‬لكنهام مرحلتان تطرحان عدة‬
‫مشاكل يف الطب النفيس‪ .‬فبسبب احلالة النفسية للمريض النفيس يمكن‬
‫أن تكون إلعالمه بمرضه أو بعض تفاصيله عواقب وخيمة عىل صحته‬
‫أو عىل وضعه األرسي أو املهني أو االجتامعي‪.‬‬
‫تأثريات إعالم املريض‬
‫نعني بإعالم املريض تزويده بمعلومات ترتبط بحالته املرضية وإمكانات‬
‫عالجها‪ .‬واملطلوب من الطبيب ‪ -‬من الزاوية األخالقية ‪ -‬أن حيرص‬
‫عىل أن تكون تلك املعلومات مؤكدة وموثقة وتعتمد آخر املعطيات‬
‫العلمية‪ .‬وجيب أن يستحرض باستمرار أن ما يقدمه من معلومات عىل‬
‫أنه معرفة علمية قابلة للتطور‪ ،‬ينظر إليه املريض يف أغلب األحيان عىل‬
‫أنه حقائق هنائية‪ .‬وهذا يطرح عىل العموم عدة إشكاالت منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬يف الطب النفيس يتعلق األمر باضطرابات تصيب اجلهاز‬
‫تفكريا أو عاطفة أو سلوكًا‪ .‬فتحديد املرض وحتديد تأثرياته‬
‫ً‬ ‫النفيس‪:‬‬
‫عىل هذا اجلهاز له متثالت ذات طابع اجتامعي‪ ،‬قد يعرب عنها باستخدام‬
‫تعبريات ينظر إليها عىل أهنا شتائم‪ .‬وال تزال بعض األوساط ‪ -‬عىل‬
‫قلتها ‪ -‬تستعمل اليوم لفظ «طبيب احلمقى» أو «طبيب املجانني»‬
‫للتعبري عن التخصص النفيس‪ .‬فكيف يمكن إخبار املريض بمرضه من‬
‫‪97‬‬
‫دون أن يؤدي ذلك إىل نكسات وحالة رفض‪ ،‬وربام حالة مترد تعرقل‬
‫العالج‪ ،‬أو تشوش عليه يف أحسن األحوال؟‬
‫دائم مسألة السبب واملسؤولية‪.‬‬
‫‪ - 2‬يطرح تشخيص املرض النفيس ً‬
‫وحياول املريض‪ ،‬كام حياول ذووه‪ ،‬البحث عن أسباب احلالة النفسية‬
‫وعمن يتحمل مسؤوليتها‪ .‬وهنا حترض الثقافة السائدة وتتداخل مع‬
‫معطيات «يتربع» بإعطائها كل من يصادف املصاب وأفراد أرسته‪ ،‬من‬
‫سحر وجن وعني وغريها‪ .‬وهنا تكون اهلشاشة النفسية لدى املريض‬
‫ً‬
‫عامل من عوامل تعقيد اجلواب لديه عن سؤايل السبب واملسؤولية‪.‬‬
‫أرسا تتشتت ورصاعات تثور بسبب هذه التمثالت اخلاطئة‪.‬‬
‫وقد رأينا ً‬
‫‪ - 3‬تقييم مستقبل املرض وتطوره يكونان يف الغالب مصدر قلق‬
‫للمريض من جهة‪ ،‬ومصدر سوء فهم من جهة أخرى‪ .‬فيصعب يف‬
‫الغالب التنبؤ بكيفية تطور املرض وتأثريه عىل مستوى اإلدراك وعىل‬
‫القدرات العقلية والذهنية‪ .‬كام أن كون املرض مزمنًا ممتدًّ ا عىل طول‬
‫عمر املصاب يصعب تقبله‪ ،‬ويدفع املريض للبحث عن عالجات‬
‫أخرى بديلة عن عالج طبيبه‪ ،‬ما يسبب يف كثري من األحيان اضطراب‬
‫العالج وأحيانًا تعقد احلالة املرضية‪.‬‬
‫قد ال تكون هذه الصعوبات كلها خاصة بالطب النفيس‪ ،‬لكنها‬
‫تأخذ فيه أبعا ًدا خاصة وتتفاعل مع تصورات شعبية خاطئة‪ ،‬ومع كون‬
‫املرض النفيس يتعلق بذاتية املرء وخصوصيته الذهنية والعاطفية‪.‬‬
‫بني اإلخبار والفهم‬
‫إن كان تزويد املريض باملعلومات عن مرضه هيدف إىل أن يفهمه بشكل‬
‫جيد‪ ،‬فيساعد بالتايل يف عالجه‪ ،‬فإن األمر ال يكون يف كثري من األحيان‬
‫‪98‬‬
‫كذلك لدى املريض النفيس‪ .‬فالتمثالت يف ذهن املريض هلا تأثري سلبي‬
‫عىل أربعة مستويات عىل األقل هي‪:‬‬
‫ ‪-‬قد يصيب املرض امللكات املعرفية وقدرات الذكاء لدى‬
‫الشخص‪ ،‬فيحد بالتايل من قدرته عىل الفهم‪.‬‬
‫أفكارا هذيانية جتعل املصاب يؤول املعلومات‬
‫ً‬ ‫ ‪-‬قد يتضمن املرض‬
‫املقدمة له ويشوهها‪.‬‬
‫فهم يعمق تشاؤمه ويزيد من فقدانه‬
‫ ‪-‬قد يفهم املريض املعلومة ً‬
‫األمل يف اضطرابات املزاج احلادة‪ ،‬فتزيد من خماطر االنتحار‪.‬‬
‫ ‪-‬قد يتأثر املريض بالتمثالت االجتامعية للتشخيص املقدم له‪،‬‬
‫فيدفعه ذلك إلنكار املرض ورفض الدواء‪ ،‬وربام رفض العالج‬
‫وتفصيل‪ ،‬خو ًفا من أن يصنف عىل أنه أمحق أو جمنون‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫مجلة‬
‫حيكم عليه بأنه ال يستطيع حتمل مسؤوليات اجتامعية معينة‪،‬‬
‫فيمنع من الزواج ً‬
‫مثل‪.‬‬
‫وهكذا يتبني أن القواعد األخالقية العامة املتعلقة بحق املريض يف‬
‫املعلومة الكافية عن مرضه ال تنطبق متا ًما عىل املريض النفيس‪ ،‬بل حتتاج‬
‫إىل تقدير دقيق‪ ،‬وتندمج يف إطار تطور العالقة بني الطبيب واملريض‬
‫املعالج‪ ،‬وتتكيف مع احلالة املرضية هلذا األخري‪.‬‬

‫‪ - 2‬عوائق املوافقة املستنرية‬


‫ً‬
‫وقبول‬ ‫إن من املتفق عليه أن أفضل عالج هو الذي ينال موافقة متبرصة‬
‫ومشاركة فاعلة من املريض‪ .‬ويف الطب النفيس هناك إكراهات جتعل‬
‫من الصعب االلتزام هبذا املبدأ األخالقي السامي‪ .‬فاملرض النفيس‬
‫‪99‬‬
‫يتعلق بالنفس التي هي جهاز اإلدراك والفهم واحلكم عىل األشياء‪.‬‬
‫وهي األمور التي تشكل أساس حرية الفرد يف االختيار ويف اختاذ‬
‫القرار‪ .‬ويعكس ذلك قول أحد كبار أطباء النفس املعارصين هنري‬
‫إي‪« :‬املرض النفيس علة تصيب حرية الفرد»‪.‬‬
‫ولذلك هناك تعامل خاص مع مبدأ كرامة املريض واستقالليته‬
‫يف الطب النفيس‪ ،‬ما دامت املصلحة تقتيض أحيانًا فرض قيود عليه‬
‫واالستغناء عن احلصول عىل موافقته للعالج أو إلدخاله املستشفى‪.‬‬
‫ويبقى الطبيب يف احلاالت العادية املرجع األساس يف ذلك‪ ،‬وهو أحيانًا‬
‫الوحيد الذي يتخذ القرار‪ .‬وبذلك يصبح تطبيق القواعد األخالقية‬
‫نسب ًّيا من جهة‪ ،‬وخاض ًعا لتفاوتات يف التقدير والتقييم من جهة أخرى‪.‬‬
‫ولذلك نتحدث يف الطب النفيس عن مفهوم خاص هو «القدرة عىل‬
‫إعطاء املوافقة»‪ً ،‬‬
‫بدل من احلديث عن املوافقة نفسها‪ .‬وتلك القدرة عىل‬
‫كثريا ما تتحول أو تتغري حسب حالة املصاب وحسب تطورها‪.‬‬
‫املوافقة ً‬
‫دائم القدرة‬
‫ففي االضطرابات الذهانية أو اضطرابات املزاج ال تكون ً‬
‫عىل إعطاء املوافقة يف مستوى واحد‪ ،‬فتزيد أو تنقص مع اشتداد املرض‬
‫أو حتسنه‪ ،‬ومع ظهوره أو اختفائه‪.‬‬
‫إن التحدي املطروح فيام خيص املوافقة املستنرية بالنسبة للمريض‬
‫النفيس مرتبط بقدرته عىل إدراك أنه مريض وأنه حمتاج للعالج‪ ،‬وإدراك‬
‫املدى الزمني للعالج الذي قد يمتد العمر كله‪.‬‬
‫لكن يف الطب النفيس جيد املعالج نفسه أمام حاالت مرضية‬
‫خاصة‪ ،‬وذلك مثل املريض الواقع حتت أرس اإلدمان فاقدً ا بذلك‬
‫حرية الفطام‪ ،‬أو املريض الذهاين بأفكاره اهلذيانية التي تصور الواقع‬
‫‪100‬‬
‫عىل غري ما هو عليه‪ ،‬أو املريض بالفصام الشديد الذي ينكر املرض‬
‫كل ًّيا ويرفض أي عالج‪ ،‬أو املريض املكتئب املنغلق يف تفكري سلبي‬
‫ومشاعر مشوشة‪ .‬ويف هذه احلاالت فإن تبني املعالج النفيس ملوقف‬
‫«حرا» يف قراره‪ ،‬ما هو يف احلقيقة إال‬
‫حمايد‪ ،‬تاركًا املريض وحده‪ًّ ،‬‬
‫ترك املريض فريسة لالضطراب النفيس أمام عجزه عن رؤية احلقيقة‪،‬‬
‫حقيقة املرض وحقيقة إصابته به‪.‬‬
‫هناك ثالثة أمور تعكس هذه الوضعية اخلاصة هي‪ :‬ضعف القدرة‬
‫عىل التمييز‪ ،‬وخطر االنتحار‪ ،‬وخطر إيذاء الغري‪.‬‬
‫أ ‪ -‬العجز عن إعطاء املوافقة‪ :‬ضعف القدرة عىل التمييز‬
‫إن الطبيب النفيس يعالج مصابني يتصفون باهلشاشة النفسية‪ ،‬حيث‬
‫تكون القدرة عىل فهم األمور وإدراكها وتقدير عواقبها واختاذ‬
‫القرارات املرتبطة هبا ناقصة بشكل متفاوت‪ .‬صحيح أن هذه اهلشاشة‬
‫ال متنع مطل ًقا من البحث عن عالج حيقق مصلحة املريض ويراعي‬
‫كرامته وإنسانيته‪ .‬لكن من الواضح أن اهلشاشة النفسية قد تؤثر يف قدرة‬
‫املريض عىل التفكري والترصف باستقاللية‪ ،‬ويف قدرته عىل التواصل‬
‫وفهم املعلومات عن املرض‪ .‬كام قد تؤثر يف كفاءته إلعطاء موافقة‬
‫متبرصة للعالج الرضوري يف حالته‪.‬‬
‫إن هذه الوضعية اخلاصة باملريض النفيس تفرض عىل الطبيب‬
‫أمورا أمهها‪:‬‬
‫املعالج من الناحية األخالقية ً‬
‫● ●أن يبذل املزيد من اجلهد يف حماورة املريض ومساعدته عىل جتاوز‬
‫وخصوصا أن العديد من احلاالت‬
‫ً‬ ‫جوانب اهلشاشة املذكورة‪،‬‬
‫املرضية هلا مستويات من الفهم واالستيعاب تقرتب ً‬
‫قليل أو‬
‫‪101‬‬
‫كثريا من حالة الشخص السليم نفس ًّيا‪ .‬ويمكن يف ذلك أحيانًا‪،‬‬
‫ً‬
‫وبموافقة املريض‪ ،‬االستعانة بأفراد أرسته‪ ،‬وأحيانًا بأصدقائه‪.‬‬
‫● ●اختيار الوسائل العالجية التي متس بأقل درجة ممكنة حرية‬
‫املريض يف االختيار‪ .‬وهو ما تعرب عنه وثيقة مدريد‪« :‬وجيب عىل‬
‫أطباء النفس استخدام العالجات التي تتدخل بأقل قدر ممكن‬
‫يف حرية املريض»‪.‬‬
‫● ● َّأل يعترب الطبيب اهلدف من اإللزام بالعالج هو إدامة هذا‬
‫اإللزام‪ ،‬بل بالعكس جيب أن يعترب اهلدف منه استعادة مستوى‬
‫الوعي والفهم والقدرة عىل احلكم عىل األشياء واختاذ القرار‬
‫بالشكل الذي يمكِّن املريض من العودة إىل عالقة عالجية‬
‫تشاركية وتعاقدية‪ .‬ولذلك فإنه يف كثري من احلاالت التي تتميز‬
‫بعدم الوعي باملرض‪ ،‬يعترب العمل عىل تشكيل هذا الوعي جز ًءا‬
‫ذا أولوية من اخلطة العالجية‪ ،‬لكونه رضور ًّيا لعالج ناجع‪،‬‬
‫ورضور ًّيا لعالقة صحية بني املعالج واملريض‪ ،‬ما له آثار طبية‬
‫وأخالقية إجيابية عىل جودة العالج وحتسن حالة املصاب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬خطر االنتحار‬
‫تشكل اخلشية من أن يرتكب املريض النفيس ً‬
‫أعامل مؤذية لنفسه‪ ،‬تصل‬
‫أقىص درجاهتا مع حماوالت االنتحار‪ ،‬إحدى العقبات األساسية ملنح‬
‫املريض النفيس حقوقه يف استقاللية قراره وقبوله من عدمه للعالج‪.‬‬
‫ففي حاالت عديدة يتضمن املرض خطر اإلقدام عىل االنتحار‪ ،‬ويف‬
‫خطرا عىل ذويه‪ ،‬مثل ما يقع يف حاالت‬
‫حاالت أخرى قد يشكل ذلك ً‬
‫االنتحار اجلامعي حيث يقوم املريض يف حاالت االكتئاب الشديد بقتل‬
‫‪102‬‬
‫أطفاله أو زوجته قبل أن يقيض عىل حياته‪ .‬ويعترب البحث عن هذا اخلطر‬
‫لدى املريض املصاب باالكتئاب جز ًءا أساس ًّيا من الفحص النفيس‪ ،‬كام‬
‫يعترب عدم البحث عنه أو عدم أخذه عىل حممل اجلد خطأ مهن ًّيا‪.‬‬
‫ج ‪-‬خطر ارتكاب أعامل مؤذية للغري‬
‫خطرا عىل اآلخرين‪ .‬فقد‬
‫ويف حاالت مرضية أخرى قد يشكل املصاب ً‬
‫يقوم باستعامل العنف ضدهم‪ ،‬وقد يصل يف بعض احلاالت إىل القتل‪،‬‬
‫سواء تعلق األمر باملصاب بذهان العظمة أو بمرض الفصام الشديد أو‬
‫غريمها‪.‬‬
‫ومن املعروف أننا هنا أمام حاالت طوارئ نفسية‪ ،‬تستلزم عدم‬
‫االستخفاف بمخاطرها‪ ،‬واختاذ القرار العالجي الرضوري يف إطار ما‬
‫أيضا‬
‫تنظمه قوانني كل بلد‪ .‬وبطبيعة احلال فإن ذلك يطرح عىل الطبيب ً‬
‫عدم التقليل من االهتامم باملعايري األخالقية يف حدود ما هو ممكن‪ ،‬فيتدرج‬
‫مع املريض يف توعيته بحالته املرضية وأمهية العالج ورضورته بالنسبة له‪،‬‬
‫مع محاية املريض من االنزالق إىل انتحار أو اعتداء عىل آخرين‪ .‬يف هاتني‬
‫احلالتني يلجأ إىل اختاذ قرار إعطاء العالج للمريض أو إدخاله املستشفى‬
‫ضد رغبته‪ .‬وهو قرار ينظر إليه من زاوية التدخل الطارئ إلنقاذ مريض‬
‫يف حالة خطرة‪ ،‬أكثر منه من زاوية منعه من حريته‪.‬‬
‫ويعترب التوازن بني املستويني عصب العمل اليومي للطبيب النفيس‪،‬‬
‫ومهه املستمر بغية التطوير والتجويد‪.‬‬

‫‪ - 3‬رسية املعلومات‬
‫هذا من بني املبادئ األخالقية ذات األمهية يف الطب عمو ًما ويف الطب‬
‫‪103‬‬
‫النفيس عىل وجه خاص‪ .‬لذلك تنص كل الوثائق األخالقية عىل رضورة‬
‫حفاظ الطبيب املعالج واملؤسسة العالجية عىل خصوصيات املريض‬
‫وعىل رسية املعلومات اخلاصة به ومعلومات التشخيص والتحاليل‬
‫الطبية والعالج والسجالت الطبية بعد احلصول عىل موافقة املريض‬
‫أو موافقة الويص القانوين عليه ومنع سوء استخدامها‪ .‬وال يسمح بأن‬
‫يطلع عىل امللف الطبي إال الفريق املعالج‪ ،‬وما سواه حيتاج إىل موافقة‬
‫مستنرية رصحية من املريض‪.‬‬
‫ويف الطب النفيس يكتسب املوضوع أمهية خاصة بالنظر إىل طبيعة‬
‫املعلومات التي تتداول بني املريض ومعاجله‪ .‬ويف وثيقة مدريد‪« :‬ينبغي‬
‫رسا‪،‬‬
‫أن تبقى املعلومات التي تم احلصول عليها من العالقة العالجية ًّ‬
‫وال تستخدم إال بغرض حتسني الصحة النفسية للمرىض‪ ،‬ويعترب ممنو ًعا‬
‫عىل أطباء النفس استخدام تلك املعلومات ألسباب شخصية أو لفائدة‬
‫مادية أو أكاديمية»‪ .‬وخصوصية الطب النفيس أن املريض قد يشكل‬
‫خطرا عىل نفسه أو عىل غريه‪ ،‬ما يستلزم إخبار اجلهات املعنية باألمر يف‬
‫ً‬
‫إطار ما ينظمه القانون‪ .‬تقول الوثيقة‪« :‬وال يمكن ختطي هذه الرسية إال‬
‫يف حالة ما إذا كان هناك رضر جسدي أو نفيس للمريض أو لشخص‬
‫ثالث سيحدث إذا استمرت هذه الرسية‪ .‬وعىل أطباء النفس ‪ -‬يف مثل‬
‫أول عن طبيعة العمل الذي سيقوم‬ ‫هذه الظروف ‪ -‬نصيحة املريض ً‬
‫به إذا كان ذلك ممكنًا‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق عىل حاالت تتضمن خطر‬
‫األذى لألطفال»‪.‬‬
‫ويدخل يف هذا الباب حق املريض يف االطالع مبارشة عىل ملفه‬
‫الطبي وعىل الوثائق التي يتضمنها‪ .‬كام أن من حقه أن يطلب ً‬
‫نسخا منها‬
‫‪104‬‬
‫وأن حيصل عليها‪ .‬وبالنسبة للمرىض النفسيني يرتبط هذا احلق بمدى‬
‫وعيهم وقدرهتم عىل التمييز‪ ،‬حتى يستعملوا معلومات ملفهم الطبي‬
‫بالطريقة السليمة‪ .‬ويتأكد هذا األمر أكثر بالنسبة للمرىض الذين نُقلوا‬
‫ضد إرادهتم إىل املستشفى‪ ،‬حيث جيب االستناد إىل مشورة أرسهتم‪،‬‬
‫وأن يكون االطالع بمساعدة طبيب من اختيارهم‪.‬‬

‫‪ - 4‬جتنب االستغالل‬
‫هناك خصوصية أخرى للعالج النفيس هي أن اهلشاشة النفسية‬
‫للمريض جتعله يواجه خطر االستغالل من قبل املعالج‪ .‬لذلك تنص‬
‫الوثائق األخالقية عىل رضورة أن تكون العالقة التي تربط املعالج مع‬
‫املتعالج عالقة موضوعية متوازنة‪ ،‬تبتعد عن أي استفادة منه ماد ًّيا أو‬
‫معنو ًّيا إال يف حدود األجر املتعارف عليه يف إطار مقتضيات القانون‪.‬‬
‫كام أن عىل املعالج أن يبتعد عن إقامة عالقات شخصية مع املتعالج‬
‫يشوهبا االستغالل اجلنيس أو املادي بأي صورة من الصور‪.‬‬

‫‪ - 5‬دور الدين يف املرض النفيس‬


‫تعترب الدراسات احلديثة أن عالقة الدين بعالج األمراض النفسية‬
‫انتقلت لدى املتخصصني يف النصف األول من القرن العرشين من‬
‫استخدام مبارش ومكثف للطرق الدينية‪ ،‬إىل التوجس الكامل من‬
‫عنرصا ذا أمهية يف العالج‪ .‬واليوم بدأ املختصون ينادون‬
‫ً‬ ‫اعتبار الدين‬
‫بالعمل للوصول إىل التوازن يف النظر والتعامل مع هذا األمر‪ .‬وقد أطال‬
‫الدكتور مأمون مبيض يف رشح تطور الدراسات احلديثة التي أصبحت‬
‫‪105‬‬
‫تعطي للدين‪ ،‬إيامنًا وممارسة‪ ،‬أمهية يف الصحة النفسية للفرد‪ .‬ونريد هنا‬
‫أن نضيف أمرين اثنني‪.‬‬
‫األمر األول هو أن هناك اهتام ًما متزايدً ا بالدين لدى املؤسسات‬
‫املتخصصة يف الطب النفيس‪ .‬ومن معامل ذلك أن اجلمعية العاملية للطب‬
‫خاصا أسمته «قسم الدين‬
‫قسم ًّّ‬
‫النفيس اهتمت هبذا املوضوع‪ ،‬فأنشأت ً‬
‫والروحانيات والطب النفيس» إلعطاء املوضوع أمهيته‪ ،‬ولتشجيع‬
‫التفكري والبحث العلمي فيه‪ .‬وقد أصدرت سنة ‪ 2009‬كتا ًبا جيمع آراء‬
‫عرشات املتخصصني عرب العامل‪ ،‬وكلهم اقتنعوا ‪ -‬كام ورد يف املقدمة‬
‫العامة للكتاب ‪ -‬بأن تعميق الدراسات يف التفاعل بني الطب النفيس‬
‫والدين سيقدم «الكثري من الفوائد والعون‪ ،‬ومن األدوات النقدية‬
‫للتفكري واملامرسة يف الطب النفيس»‪ .7‬ويؤكد النارشون أن التدين‬
‫والقيم الروحية تسهم يف رفع مستوى جودة احلياة‪ .‬يقولون ً‬
‫مثل إنه‬
‫«ال يمكن أن نتصور أن الدين والروحانيات ال تستطيع أن تؤثر يف‬
‫طريقة احلياة‪ ،‬ويف االستقرار النفيس واالجتامعي لألشخاص بصفة‬
‫عامة وللمرىض بصفة خاصة»‪ .‬ثم يعرتف مقدمو الكتاب بأن «الطب‬
‫كبريا الكتشاف هذه احلقيقة البسيطة واملعقدة يف آن‬
‫النفيس أخذ وقتًا ً‬
‫واحد»‪ .‬كام أنه «منذ وقت طويل والطب النفيس يتجاهل كون الصمت‬
‫تأثريا سلب ًّيا عليه يف التفكري واملامرسة»‪ ،‬كام أثر‬
‫عن الكراهية للدين أثر ً‬
‫سل ًبا عىل التصنيفات املتتالية لألمراض النفسية‪.‬‬
‫ويف السياق نفسه نرشت «املجلة العاملية للطب النفيس» الناطقة‬
‫باسم اجلمعية العاملية للطب النفيس مل ًّفا إضاف ًّيا يف العدد الذي صدر يف‬
‫فرباير ‪ ،82013‬حتت عنوان‪ :‬التفاعل املعقد بني العقيدة الدينية واملرض‬
‫‪106‬‬
‫النفيس‪ .‬وفيه انتهى املقال الرئيس إىل أن هناك آفا ًقا واعدة يف الدراسات‬
‫النفسية ملساعدة األطباء النفسيني يف اكتساب فهم أكرب لتلك العالقة‬
‫التفاعلية‪.‬‬
‫األمر الثاين يتعلق بدور اإليامن يف عالج األمراض النفسية‪ .‬وقد‬
‫كثر احلديث يف كتابات املفكرين والدعاة املسلمني عن العالج النفيس‬
‫الديني أو العالج النفيس بالدين أو القرآن‪.‬‬
‫والبعض خيلط بني املرض النفيس وبني مرض النفوس ذي الطابع‬
‫الديني واألخالقي‪ ،‬وآخرون يعتربون اإليامن كاف ًيا للوقاية من املرض‬
‫النفيس‪ ،‬وأن اإلصابة هبذا األخري دليل عىل ضعف اإليامن‪ .‬وتشكل هذه‬
‫األفكار ومثيالهتا عوائق للترصف السليم واإلجيايب جتاه االضطرابات‬
‫واألمراض النفسية‪ .‬لذلك من املهم تأكيد بعض حمددات العالقة بني‬
‫اإليامن والدين من جهة واملرض النفيس من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 1‬إن هناك فر ًقا ً‬
‫كبريا بني املرض النفيس الذي يعالج عادة يف‬
‫الطب ومن قبل املتخصصني‪ ،‬و«مرض النفس» (أو ما يسميه بعض‬
‫علامء اإلسالم بمرض القلب) الذي يعني انحراف إرادة اإلنسان عن‬
‫احلق أو عن تعاليم الوحي‪.‬‬
‫فاملرض النفيس الذي يدخل يف اختصاص األطباء‪ ،‬مرض له قوانني‬
‫خارجة عن إرادة اإلنسان‪ ،‬يصيب ‪ -‬مثل املرض العضوي ‪ -‬املؤمن‬
‫والكافر‪ ،‬املطيع والفاجر‪ ،‬ما دامت أسبابه موجودة‪.‬‬
‫أما النوع الثاين أو «مرض النفس» باملعنى الديني‪ ،‬فهو مرض إرادة‬
‫اختيارا من‬
‫ً‬ ‫وشهوة‪ ،‬مثل األنانية والكرب وإرادة الرش بالغري‪ ،...‬ويقتيض‬
‫الشخص لسلوك من هذا النوع‪ .‬وعالجه يعود إىل املربني بكل أنواعهم‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫وممن فطن إىل هذه التفرقة الدقيقة من علامئنا األقدمني ابن قيم اجلوزية‪.‬‬
‫فهو يقول‪« :‬مرض القلب نوعان‪:‬‬
‫نوع ال يتأمل صاحبه به يف احلال (‪ )...‬كمرض اجلهل‪ ،‬ومرض‬
‫الشبهات والشكوك‪ ،‬ومرض الشهوات (‪ )...‬وعالجه إىل الرسل‬
‫وأتباعهم‪ ،‬فهم أطباء هذا املرض‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ ،‬مرض مؤمل له يف احلال‪ ،‬كاهلم والغم واحلزن والغيظ‪،‬‬
‫وهذا املرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه‪ ،‬أو باملداواة بام يضاد‬
‫تلك األسباب‪ ،‬وما يدفع موجبها مع قيامها (‪.9»)...‬‬
‫‪ - 2‬جيب التمييز بني املشاكل أو العوارض النفسية من جهة‬
‫واألمراض النفسية من جهة ثانية‪ .‬فاألوىل أعراض يعاين منها اإلنسان‬
‫مرضا‬
‫بسبب ضغوطات احلياة وسوء التكيف معها‪ .‬وهي ال تعترب ً‬
‫تأثريا‬
‫نفس ًّيا‪ ،‬لكنها عوارض تستمر لفرتات قصرية‪ ،‬وال تؤثر عادة ً‬
‫ذا بال عىل كفاءة الفرد وإنتاجيته يف احلياة‪ .‬وينفع يف جتاوزها الدعم‬
‫النفيس واالجتامعي وحتسني نمط العيش والقيام بتامرين رياضية‬
‫وغريها‪ .‬فهنا ينفع اإليامن وتنفع الشعائر الدينية يف التخفيف من التوتر‬
‫والشعور بالقلق‪ .‬أما األمراض النفسية (وتفضل التصنيفات النفسية‬
‫احلديثة تسميتها باالضطرابات النفسية) فهي مثل األمراض العضوية‪،‬‬
‫حتتاج إىل عالجات موضوعية‪ ،‬وقد ينفع اإليامن يف التخفيف منها‪ ،‬لكن‬
‫بالصورة نفسها التي خيفف هبا من األمراض العضوية‪ ،‬عىل اختالف يف‬
‫درجة ذلك التخفيف‪.‬‬
‫ويميز املختصون ‪ -‬عىل العموم ‪ -‬بني العوارض النفسية واألمراض‬
‫النفسية بمعايري مرتبطة بوجود أعراض تعكس اضطرا ًبا يف التفكري أو‬
‫‪108‬‬
‫العاطفة أو السلوك‪ ،‬وبحدة معاناة الفرد أو مدهتا أو تأثريها السلبي عىل‬
‫اندماجه االجتامعي أو أدائه املهني‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن األمراض النفسية ذات طبيعة موضوعية مثل األمراض‬
‫العضوية‪ ،‬تشبهها من حيث العموم يف مسبباهتا ويف تفاعالهتا‪ ،‬هلا‬
‫عواملها التي قد تكون متعددة ومتداخلة‪ .‬وقد نكون‪ ،‬يف فرتة معينة أو‬
‫بالنسبة حلالة حمددة‪ ،‬غري قادرين عىل إدراكها أو فهمها‪ ،‬لكنها موجودة‬
‫وقابلة للدراسة‪ ،‬وال جمال لنسبتها إىل قوى غيبية من جن أو غريه‪.‬‬
‫كام أن األمراض النفسية حالة ال إرادية‪ ،‬ال يتحمل املصاب يف‬
‫الغالب مسؤولية اإلصابة هبا‪ ،‬إال يف حاالت حمددة مثل إصابة متعاطي‬
‫املخدرات‪ ،‬أما الباقي فينتج عن تفاعل عدة عوامل وراثية وعضوية‬
‫وبيولوجية ونفسية وبيئية‪ ،‬وذلك مثل أي مرض عضوي‪ .‬واستجابتها‬
‫للعالج املكافئ مشاهبة عىل العموم الستجابة األمراض العضوية له‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن القول إن اإليامن يمنع املرض النفيس‪ ،‬بمفهومه الطبي‪ ،‬غري‬
‫صحيح‪ .‬قد نقول إنه خيفف وقع بعض أنواعه‪ ،‬أو خيفف حدة جميء‬
‫بعضها اآلخر‪ ،‬لكنه ال يمكن أن يمنعه كام ال يمكن أن يمنع املرض‬
‫العضوي‪ .‬فاملؤمن مثله مثل باقي البرش‪ ،‬يصح ويمرض‪ ،‬وخيضع‬
‫للقوانني التي خلق اهلل وفقها اإلنسان‪ .‬ولذلك فمن املستساغ إصابة‬
‫«الصاحلني» أو إصابة بعض معارفهم باملرض النفيس ما دامت عوامله‬
‫وكثريا ما يستغرب البعض إصابته ً‬
‫مثل بمرض االكتئاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قد وجدت‪.‬‬
‫مع أنه «مؤمن‪ ،‬متَّق‪ ،‬صالح»‪ ،‬ال تفوته العبادات يف أوقاهتا وبرشوطها‪.‬‬
‫وهذا ينطلق من وهم أن مرض االكتئاب ال يصيب الشخص صاحب‬
‫اإليامن القوي‪ .‬لكن الصحيح أن اإلصابة باالكتئاب ال ختضع لرغبات‬
‫‪109‬‬
‫الفرد وأفكاره وقوة أو ضعف إيامنه‪ ،‬فله قوانني وعوامل تتجاوز ذلك‬
‫بكثري‪ .‬وباملقابل فإن إصابة الشخص به ال تطعن يف إيامنه وال تنقص‬
‫منه‪ .‬وقد أخرج البخاري عن عائشة بنت أيب بكر الصديق أن رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ما ُيصيب املسلم من نصب وال وصب وال‬
‫هم وال حزن وال أذى وال غم حتى الشوكة ُيشاكها إال ك َّفر اهلل هبا من‬
‫خطاياه»‪ .‬فأشار احلديث إىل إمكانية إصابة املسلم هبذه اآلفات النفسية‪،‬‬
‫ومل يذكر أن ذلك يرض إيامنه يف يشء‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن املجتمع اإلسالمي منذ كان‪ ،‬عاش فيه املصابون‬
‫بام كان يسمى «اجلنون» ً‬
‫مثل‪ ،‬من دون أن يقول أحد إن ذلك دليل عىل‬
‫عدم إيامن املصاب‪ ،‬بل املعروف رش ًعا أنه غري مكلف ألنه ال يملك‬
‫القدرة عىل التمييز‪ .‬ونحن نعرف اليوم أن العديد من األمراض النفسية‬
‫تصيب املجتمعات البرشية بنسب متقاربة عىل الرغم من تفاوهتا يف‬
‫مثل يصيب حسب اإلحصائيات قرابة واحد‬ ‫الدين‪ .‬فمرض الفصام ً‬
‫يف املائة من كل املجتمعات أ ًّيا كان دينها‪ ،‬وأ ًّيا كانت درجة إيامهنا‪.‬‬
‫وبالتايل فإن املرض النفيس قدر من اهلل‪ ،‬ككل ما يقدره سبحانه‪ ،‬له‬
‫كافرا‪ .‬كام أن إصابة الشخص‬
‫أسبابه املوضوعية التي ال حتايب مؤمنًا وال ً‬
‫باملرض النفيس ال تطعن يف إيامنه وال تنقص منه‪.‬‬
‫‪ - 5‬أما عن دور اإليامن يف عالج املرض النفيس بمفهومه الطبي‪،‬‬
‫فكثريا ما يتضمن تصوره الكثري من األخطاء‪ .‬فال شك أن لإليامن‬
‫ً‬
‫كبريا يف ختفيف املرض النفيس لدى املسلم‪،‬‬
‫دورا ً‬
‫والذكر وقراءة القرآن ً‬
‫وهي تفتح باب األمل والرجاء أمامه‪ ،‬وتعزي املريض يف كل ما يمكن‬
‫أن يفقده بسبب مرضه‪ ،‬وتعده بالعوض عند اهلل سبحانه‪ .‬لكن هذا ال‬
‫‪110‬‬
‫وكثريا ما‬
‫ً‬ ‫يعني االستغناء هبا عن األخذ باألسباب املوضوعية يف العالج‪.‬‬
‫يستدل البعض باألحاديث الواردة حول تأثري الرقية‪ .‬غري أن استعراض‬
‫تلك األحاديث يبني أهنا تتحدث عن تأثري الرقية اإلجيايب بالنسبة‬
‫مثل حديث أنس بن‬ ‫للمصاب بأمراض عضوية‪ .‬فمن تلك األحاديث ً‬
‫مالك يف صحيح مسلم أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم رخص يف‬
‫الرقية من العني واحلمة والنملة‪ .‬واحلمة سم العقارب وغريها‪ ،‬والنملة‬
‫قروح خترج من اجلنب‪ .‬وعن عمران بن حصني أن رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬ال رقية إال من عني أو محة» رواه البخاري‪ .‬يقول‬
‫اإلمام احلسني بن مسعود البغوي (ت ‪ 516‬هـ) يف رشح احلديث‪« :‬ومل‬
‫يرد به نفي جواز الرقية يف غريمها‪ ،‬بل جتوز الرقية بذكر اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يف مجيع األوجاع»‪ .10‬فاألحاديث املذكورة تثبت مرشوعية‬
‫الرقى من لدغة عقرب أو قروح أو غريمها‪ ،‬وهي أمراض عضوية‪ .‬ومل‬
‫يقل أحد إن قراءة الفاحتة أو الرقية مللدوغ أو مقروح تغني عن العالج‬
‫باألدوية واألسباب الطبية‪ .‬فإذا صح هذا يف جمال األمراض العضوية‬
‫أيضا صحيح يف األمراض النفسية‪.‬‬
‫فهو ً‬

‫‪ - 6‬هل هناك رؤية خاصة لعلم النفس يف اإلسالم؟‬


‫حتدثنا فيام سبق عن دور الدين يف العالج النفيس‪ ،‬وهو اجلانب العميل‬
‫التطبيقي يف عالقة الدين بعلم النفس‪ .‬لكن ماذا عن املستوى النظري؟‬
‫هل توجد يف اإلسالم رؤية خاصة لعلم النفس وللموضوعات التي‬
‫يعاجلها؟‬
‫لقد متت منذ عقود من الزمان حماوالت حثيثة لبلورة توجهات‬
‫‪111‬‬
‫خصوصا يف إطار االجتاه العام‬
‫ً‬ ‫إسالمية خاصة يف جمال علم النفس‪،‬‬
‫املصطلح عليه بإسالمية املعرفة‪ .‬ومقرتحها هو االنطالق من الوحي‬
‫لتوجيه البحث العلمي يف جمال الدراسات النفسية‪ ،‬أو الكتشاف‬
‫معطيات من الوحي تضاف إىل املعطيات العلمية وتشكل بمجموعها‬
‫علم النفس‪ .‬ويذهب البعض إىل إمكانية إبداع مذاهب واجتاهات‬
‫جديدة انطال ًقا من الوحي تتجاوز مثيالهتا يف علم النفس الغريب‪.‬‬
‫ويصطلح باحثون آخرون عليه بالتأصيل اإلسالمي لعلم النفس‪.‬‬
‫واملقصود منه هو «إقامة هذا العلم عىل أساس التصور اإلسالمي‬
‫لإلنسان‪ ،‬وعىل أساس مبادئ اإلسالم وحقائق الرشيعة اإلسالمية‪،‬‬
‫بحيث تصبح موضوعات هذا العلم وما يتضمنه من مفاهيم ونظريات‬
‫متفقة مع مبادئ اإلسالم أو عىل األقل غري متعارضة معها»‪.11‬‬
‫إن حتليل هذه التوجهات بعمق حيتاج إىل دراسة أو دراسات‬
‫خاصة‪ ،‬ويمكن الوقوف هنا عىل أهم االستنتاجات من املسرية الطويلة‬
‫للمحاوالت يف هذا املجال‪.‬‬
‫‪ - 1‬إن حماولة استنتاج معطيات دقيقة عن معنى النفس وطبيعتها‬
‫وتفاعالهتا وجوانبها السوية واملرضية من القرآن الكريم قديم‪.‬‬
‫واملحاوالت املختلفة للعلامء عرب القرون تكشف صعوبة االتفاق عىل‬
‫ثوابت يف هذا املجال‪ .‬فام يصاغ من دالالت وآراء إنام هو فهم للنصوص‬
‫الرشعية يتطور مع مرور الوقت ومع تطور املعرفة البرشية‪ .‬وما هو‬
‫كذلك يعترب دالالت ظنية ال يمكن أن تكون حاكمة عىل املعطيات‬
‫التي تصاغ يف علم النفس‪ ،‬ولو كانت بدورها ظنية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن حماوالت استخراج «تصور إسالمي لإلنسان واملجتمع‬
‫‪112‬‬
‫والوجود» يعتربه كثريون أرضية ملحاوالت «التأصيل اإلسالمي»‪،‬‬
‫يطرح السؤال التقليدي الذي طرح من قبل علامء كثر عرب التاريخ‪،‬‬
‫هل سنأيت بجديد مل يكن يعرفه السلف من الصحابة ومن بعدهم؟‬
‫أم سنكرر ما كانوا يقولونه من تصورات؟ فإن كان ما سيطرح اليوم‬
‫خمتل ًفا أو مضا ًفا إىل ما كان عندهم‪ ،‬أال يعني ذلك أن معرفته غري متعينة‬
‫يف الدين؟ وأنه فهم «ذايت» «تارخيي» رسعان ما يأيت من «ينسخه»‬
‫بتصورات أخرى؟‬
‫‪ - 3‬أثبتت حماوالت استخالص أسس لفهم النفس وتفاعالهتا من‬
‫النصوص الرشعية تباينات عديدة يف التأويل ال تسمح بتكوين مفاهيم‬
‫ولو أساسية متفق عليها‪ ،‬وما هو كذلك ال يمكن معه تكوين بديل لعلم‬
‫النفس الغريب وتراكامته املنهجية املعرفية‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن وجود معطيات مستخلصة من النصوص الرشعية ومؤثرة‬
‫يف نتائج املعرفة العلمية يف علم النفس‪ ،‬يفرتض إمكانية خضوعها‬
‫للمعايري املنهجية واملعرفية املتداولة يف ميدان علمي معني‪ .‬أما إن‬
‫كان املقصود هبذا اجلهد هو تنقية املعرفة النفسية املطروحة مما يمكن‬
‫أن خيالف عقائد اإلسالم وترشيعاته‪ ،‬فإن ما عىل املسلم إال التزام‬
‫ذلك يف استنتاجاته وتطبيقاته للعلم من دون احلاجة إىل إحداث علم‬
‫جديد‪ .‬ومجيع الباحثني ‪ -‬مسلمني أو غري مسلمني ‪ -‬قد تكون عندهم‬
‫التزامات مبدئية يراعوهنا يف عملهم العلمي من دون أن جيعلهم ذلك‬
‫علم جديدً ا‪.‬‬
‫ينشئون ً‬
‫‪ - 5‬العلم بطبيعته حمايد‪ ،‬واستنتاجاته إما صائبة أو خاطئة‪ .‬واألصل‬

‫‪113‬‬
‫فيه‪ ،‬عندما يصوغه املتخصصون‪ ،‬أن يكون صوا ًبا‪ .‬وإذا كان كذلك‬
‫فاملفروض أن يتوافق مع املعطيات الرشعية‪ .‬وإذا كان يعارضها فهناك‬
‫خطأ يف فهم املعطى الرشعي أو يف فهم املعطى العلمي‪.‬‬
‫‪ - 6‬مل يواكب العديد من الدراسات يف التأصيل اإلسالمي التطورات‬
‫املنهجية واملعرفية لعلم النفس‪ .‬فقد انتقل علم النفس يف الربع األخري‬
‫من القرن التاسع عرش من كونه شعبة من الفلسفة‪ ،‬خيضع فيها ملسبقات‬
‫نظرية‪ ،‬إىل علم مستقل خيضع ملا ختضع له خمتلف فروع املعرفة العلمية‬
‫من منهجية إخضاع الفرضيات للتجربة العملية التي تثبتها أو تنفيها‪.‬‬
‫ورشطها األساس هو إمكانية إعادة جتربتها من قبل أي مالحظ يتقن‬
‫منهجية التجربة التي أثبتتها أول مرة‪ .‬لكن ذلك االنتقال مل يكن عا ًّما‬
‫وال حقيق ًّيا إال عرب مراحل وعىل مدى عقود من الزمان‪ .‬فبقيت تأثريات‬
‫املسبقات الفلسفية قوية يف عدد من نظريات علم النفس طيلة النصف‬
‫كبريا‬
‫تطورا منهج ًّيا ً‬
‫ً‬ ‫األول من القرن العرشين‪ .‬ثم عرف البحث العلمي‬
‫أساسا باعتامد معايري تشخيصية دقيقة واعتامد املنهجية اإلحصائية يف‬
‫متيز ً‬
‫الدراسات النفسية‪ .‬وتلت ذلك اكتشافات ذات أمهية بالغة يف ميادين‬
‫البيولوجيا العصبية (الكيمياء العصبية والتصوير العصبي) وعلم النفس‬
‫العصبي وعلم الوراثة وغريها‪ .‬لقد قلبت هذه املعطيات اجلديدة مقاربة‬
‫احلياة النفسية عمو ًما‪ ،‬واالضطرابات النفسية عىل وجه اخلصوص‪ ،‬عىل‬
‫خمتلف املستويات‪ :‬التفسري والتصنيف والتشخيص والعالج‪ .‬والشاهد‬
‫عندنا أن أغلب حماوالت أسلمة علم النفس مل تأخذ يف االعتبار هذه‬
‫التحوالت الضخمة‪ ،‬فجاءت كأهنا رد فعل عىل مدارس أو تفسريات‬
‫متجاوزة‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫وأخريا‪ ،‬فإن املحاوالت التي متت حتى اآلن مل تفلح يف اإلقناع‬
‫ً‬ ‫‪-7‬‬
‫بإمكانية نسج علم مستقل أو فرع مستقل يف ما يصطلح عليه‪ :‬علم‬
‫النفس اإلسالمي‪ .‬كام مل تستطع األبحاث املتتالية اإلجابة عن سؤال‬
‫ً‬
‫وعمل‬ ‫نظرا‬
‫ما هي التوجهات أو التصورات الواجب مراعاهتا ‪ً -‬‬
‫‪ -‬يف مسرية علم النفس من قبل الباحثني املسلمني‪ .‬لذلك فهل فكرة‬
‫«األسلمة» أو «التأصيل اإلسالمي» هي من أساسها غري صحيحة‪ ،‬أم‬
‫أن املنهجية املتبعة واألدوات والوسائل املستعملة غري سليمة؟ الراجح‬
‫يف رأينا أن علم النفس علم يصاغ بأدواته‪ ،‬واملسلمون عليهم استعامل‬
‫تلك األدوات املنهجية أو تطويرها‪ ،‬واإلسهام مبارشة من قبل الباحثني‬
‫املسلمني يف تطوير العلم‪ ،‬ال صياغة علم آخر أو فرع مستقل له‪.‬‬

‫اهلوامش‬
‫من خرجيي جامع األزهر‪ ،‬وكتابه «دستور األخالق يف اإلسالم» عبارة عن رسالة نال هبا‬ ‫‪ 1‬‬
‫شهادة الدكتوراه باللغة الفرنسية من جامعة السوربون سنة ‪.1947‬‬
‫دستور األخالق يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫ ‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪ 3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫هذا ليس ترمجة لإلعالن وإنام إيراد ألهم نقاطه‪ ،‬وبعض التفاصيل سرتد يف الفقرات‬ ‫‪ 5‬‬
‫املوالية‪ .‬انظر النص الكامل إلعالن هاواي عىل موقع اجلمعية العاملية للطب النفيس عىل‬
‫الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.wpanet.org/detail.php?section_id=5&content_id=27‬‬
‫انظره يف موقع اجلمعية عىل الرابط‪:‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫‪http://wpanet.org/detail.php?section_id=5&content_id=48‬‬
‫‪World Psychiatic Association: Religion and Psychiatry, 2009, p 1‬‬ ‫‪ 7‬‬

‫‪115‬‬
‫موجود يف موقع اجلمعية العاملية للطب النفيس عىل الرابط‬ ‫‪ 8‬‬
‫‪http://arabpsynet.com/Journals/WJ/ArabicWP-Feb2013.pdf‬‬
‫‪ 9‬ابن قيم اجلوزية‪ :‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪18/1 :‬‬
‫‪ 10‬رشح السنة‪.162/12 ،‬‬
‫‪ 11‬نجايت‪ ،‬حممد عثامن‪ :‬منهج التأصيل اإلسالمي لعلم النفس‪ .‬جملة املسلم املعارص‪ ،‬ع‪،57‬‬
‫‪1411‬هـ‪ .‬ص‪.45 - 21‬‬

‫‪116‬‬
‫مركزدراسات التشريع اإلسالمي واألخالق‬
‫ص‪.‬ب‪ 34110 .‬الدوحة ‪ -‬قطر | هاتف‪ | )+974( 4454 2840 :‬فاكس‪)+974( 4454 5676 :‬‬
‫‪www. cilecentre.org‬‬

You might also like