Professional Documents
Culture Documents
األخالق اإلسالمية
وعلم النفس
مأمون مبيض
سعد الدين العثماني
مأمون مبيض
سعد الدين العثامين
مجع وحترير
الدكتور فتحي بن مجعة أمحد
books.hbkupress.com
هذا الكتاب مرخص بموجب رخصة املشاع اإلبداعي نسب املصنف -غري جتاري
4.0دويل ( ،)CC BY-NC 4.0هذه الرخصة تتيح لآلخرين حرية إعادة التوزيع،
التعديل ،التغيري ،واالشتقاق من عملك يف غري األغراض التجارية ،جيب عليك نَسب
العمل لصاحبه بطريقة مناسبة ،وتوفري رابط للرتخيص.
يمكنكم زيارة املوقع الرسمي للنارش للحصول عىل آخر نسخة:
www.qscience.com
7 .7طبيعة اإلنسان بني اإلنسانية والعلامنية واإلسالم :رصاع الرؤى العاملية بني
الروحانية وعلم النفس
مالك بدري و كولني آن وارد
8 .8أهم القضايا البيئية املعارصة :إسهامات دينية وأخالقية عىل طريق العالج
سيد نعامن احلق و إبراهيم أوزدمري
9 .9مقاصد الرشيعة إطارا ملعاجلة التحديات البيئية املعارصة واملبادئ األخالقية احلاكمة
عيل حمي الدين القره داغي و فرانز تيو جوتفالد و إيزابيل شاتسشنايدر
9 متهيد
12
-ما الضوابط األخالقية لتوظيف تقنيات التأثري النفيس الفردي
واجلامعي؟
-هل من دور للدين يف الصحة النفسية والعالج النفيس؟
ويندرج هذا الكتيب ضمن سلسلة كتيبات يصدرها مركز دراسات
الترشيع اإلسالمي واألخالق ويتضمن بعض الدراسات الصادرة عن
هذه الندوة ،آملني أن تكون فاحتة خري للنهوض وحتقيق املثل األخالقية
املنشودة.
شوقي األزهر
نائب مدير املركز
13
نبذة عن املؤلفني
خترج الدكتور مأمون مبيض يف كلية الطب بجامعة مأمون مبيضَّ .
دمشق عام .1978وهو استشاري الطب النفيس ومدير إدارة الربامج
يف املؤسسة القطرية للحامية والتأهيل االجتامعي بقطر ،وأستاذ علم
النفس بكلية املجتمع يف قطر .تلقى تدريبه يف جمال الطب النفيس يف دبلن
يف أيرلندا ،حيث عمل لعدة سنوات وحصل عىل اجلنسية األيرلندية
حمارضا للطب النفيس يف
ً قبل االنتقال إىل أيرلندا الشاملية ،وهبا عمل
جامعة كوينز بلفاست ( ،)2010 - 1990وكان أول رئيس ملنتدى حوار
األديان يف أيرلندا الشاملية ،وعضو جلنة األخالقيات الرسيرية يف أيرلندا
الشاملية بمركز بلفاست للرعاية الصحية .هيتم الدكتور مأمون بشكل
خاص باالضطرابات النفسية املرتبطة بالرصاعات واألزمات ،ونرش
العديد من البحوث ،وألف تسعة كتب عن الطب النفيس وتربية األبناء
والذكاء العاطفي وهوية الطفل واالستشارات اإللكرتونية والثقافة
اجلنسية.
سعد الدين العثامين .الدكتور سعد الدين العثامين من مواليد
يناير 1956 بجنوب املغرب ،من عائلة أمازيغية ،حاصل عىل الدكتوراه
يف الطب العام من كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء (،)1987
ودبلوم التخصص يف الطب النفيس باملركز اجلامعي للطب النفيس
15
( ،)1994خريج دار احلديث احلسنية ( )1987ثم ماجستري (دبلوم
الدراسات العليا) يف أصول الفقه ( .)1999وقد تقلب يف عدة
مناصب منها األمني العام حلزب العدالة والتنمية املغريب (- 2004
،)2008وعضو يف الربملان املغريب ( ،)2011 - 1997وعضو جملس
الشورى املغاريب ( ،)2008 - 2002ووزير الشؤون اخلارجية والتعاون
( .)2012 - 2011ويف املجال العلمي :فهو عضو مؤسس يف «اجلمعية
املغربية لتاريخ الطب» ،وعضو مكتب «مؤسسة احلسن الثاين لألبحاث
العلمية والطبية حول رمضان» ،وعضو «جلنة األخالقيات يف البحث
الطبي احليوي» بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء منذ .1989له
دراسات ومؤلفات يف جماالت أصول الفقه والسياسة الرشعية وتاريخ
الطب واألخالقيات الطبية والصحة النفسية .من آخر مؤلفاته« :الدين
والسياسة :متييز ال فصل» و«جهود املالكية يف تصنيف الترصفات
النبوية».
16
األخالق اإلسالمية وعلم النفس
مأمون مبيض
مدخل:
تسعى هذه الورقة لإلجابة عن عدة أسئلة طرحها مركز دراسات
الترشيع اإلسالمي واألخالق ،يف الدوحة ،من أجل ندوته املتخصصة
املعنونة «األخالق اإلسالمية وعلم النفس».
وهذه األسئلة عبارة عن سؤال حموري وهو:
ما موقع املسألة األخالقية يف علم النفس املعارص وتطبيقاته؟
ثم ثالثة أسئلة فرع َّية ،وهي:
ومن َّ
أول :ما أهم اإلشكاالت األخالقية التي تواجه املعالج واملتعالج؟ ً
ثان ًيا :ما الضوابط األخالقية لتوظيف تقنيات التأثري النفيس الفردي
واجلامعي؟
ثال ًثا :هل من دور للدين يف الصحة النفسية والعالج النفيس؟
ويف حماولة اإلجابة عن هذه األسئلة ،فقد عرضت املوضوع من
ثم ،ومن أجل متام الفائدة ،فقد أتيت ببعض
الناحية النظرية .ومن َّ
األمثلة الواقعية من خالل املامرسة العملية .وللحفاظ عىل رسية
احلاالت واحرتام خصوصياهتا ،فقد عمدت إىل تغيري بعض معطيات
هذه األمثلة ،كي ال يعرف األشخاص يف هذه املواقف.
18
السؤال املحوري
ما موقع املسألة األخالقية يف علم النفس املعارص وتطبيقاته؟
20
األدوار املختلفة للعاملني يف الصحة النفسية:
ومن املفيد أن نتذكر أننا عندما نتحدث عن االختصاصيني النفسيني
سواء أكانوا أطباء أم معاجلني ،فإننا ال نتحدث فقط عن دورهم
العالجي أو اإلرشادي النفيس ،وإنام يمكن أن يتعدى دورهم إىل
جماالت متعددة ومنها التعليم والتدريس والتدريب ،وإجراء األبحاث
النفسية والسلوكية املختلفة ،ودورهم كشهود خرباء يف القضايا القانونية
أيضا أن بعض العاملني يف جمال الصحة النفسية هلم
وغريها .وال ننسى ً
دور يف اإلدارة ووضع السياسات والترشيعات واإلجراءات ،أو يف
العمل اإلعالمي .وهذه كلها تفرض وجود مبادئ ومعايري أخالقية،
خفي ،بني كل هذه
ٌّ وخصوصا عندما يكون هناك تعارض ،ظاهر أو
ً
األدوار املختلفة أو بعضها.
ومع تقدم الثورة املعلوماتية ،وانتشار استعامل اإلنرتنت ووسائل
التواصل االجتامعي من أجل طلب اخلدمة النفسية ،سواء بشكل
االستشارات النفسية أو السلوكية أو األرسية ،أو حتى يف شكل
تقديم بعض العالجات النفسية عن طريق هذه الوسائط احلديثة،
وهو كام يعرف اآلن بالطب عن ُب ْعد ( ،)telemedicineفكان ال بد
أيضا من أن حتكم هذه الوسائط ضوابط ومعايري أخالقية خاصة هبا، ً
وخصوصا أنه قد ينعدم يف هذه املامرسات التواصل املرئي بني املعالِج
ً
واملتعالج.6
أيضا
)،moralوأهنا ً (judgment )problemsواألحكام األخالقية
مهني معني.
جمموعة من املبادئ والتعليامت التي حتكم السلوك يف جمال ٍّ
أما الثانية ( )moralityفهي مبادئ معرفة الصواب من اخلطأ والصالح
من الطالح .وال بد لألوىل ( )ethicsأن تقوم عىل أرضية من املبادئ
األخالقية الواضحة (.)morality
عرف األخالق املهنية عىل أهنا «تقييم للسلوك اإلنساين».7
وهناك من َّ
وهذا يعني أننا من خالل املعايري األخالقية يمكن أن نحكم عىل
السلوك اإلنساين ،من حيث كونه صوا ًبا أو خطأ ،أو رشع ًّيا أو غري
رشعي.
األسئلة الفرعية
ً
أول :ما أهم اإلشكاالت األخالقية التي تواجه املعالج واملتعالج؟
بنا ًء عىل تعريف األخالقيات املهنية املتعلقة بالصحة النفسية (mental
ً
أول :حقوق املتعالج:
العالقة العالجية والثقة:
عندما حيصل تواصل بني املعالِج واملتعالج ،فال بد أن تقوم هذه العالقة
عىل التفاهم عىل بعض األهداف األساسية لطبيعة عملهام من خالل
هذه العالقة .فمن حق املتعالج أن يعرف ما سيتعرض له بالعالج ،ومن
ويعرف بام سيجري وبمنتهى الوضوح.ِّ مسؤولية املعالِج أن يرشح
34
ويوضح سرتاب 17ثالث مسؤوليات للمعالِج النفيس وهي:
1 .1الوظيفة العالجية ،بتخفيف أو رفع املعاناة العاطفية والنفسية،
من خالل التفهم والدعم والتطمني.
2 .2الوظيفة التعليمية ،من الرشح والتوضيح لألمور النفسية،
والتبص والنضج.
ُّ باإلضافة للمساعدة يف النمو
3 .3الوظيفة التكنولوجية ،من خالل استعامل اآلليات واملهارات
املختلفة لتغيري وتعديل السلوك.
دراسة حالة:
سعاد شابة يف الثالثينيات من العمر ،بدأت تشعر منذ أن انتقلت إىل
وظيفة جديدة من تسعة أشهر بالقلق ونوبات اهللع وهي يف املكتب مع
عدد من املوظفات .بعد تردد راجعت أخصائية نفسية ،فشخصت هلا
حالة من القلق العام ،وأخربهتا بأهنا ستعاجلها من خالل مخس جلسات
فقط .وبعد اجللسة الثالثة مل تشعر سعاد بأي حتسن ،فبدأت تتظاهر أمام
املعاجلة بأهنا حتسنت ،وأوقفت العالج بعد اجللسة الرابعة بحجة أهنا
شفيت متا ًما ،وأهنا عادت إىل حالتها الطبيعية.
رسية املعلومات:
ويقصد بالرسية معيار سلوكي عام يفرض عىل املعالِج َّأل يناقش ما
له عالقة باملتعالج مع أي شخص كان ،وهو أمر متضمن يف العقد
بأل يظهر املعالِج أ ًّيا من املعلومات
العالجي بني املعالِج واملتعالجَّ ،
اخلاصة باملتعالج ،إال يف حدود ضيقة جدًّ ا يتفقان عليها م ًعا.
35
وتويص بعض املواثيق النفسية (كاهليئة األمريكية لعلم النفس) أنه
يف حال طلبت جهة ثالثة معلومات عن احلالة ،فعىل املعالِج أن «يفصح
فقط عن احلدود الضيقة الرضورية لتحقيق هدف طلب املعلومات».
ومن املشكالت الرئيسية يف موضوع الرسية أن رشكات التأمني
الصحي تطلب معلومات عن حالة املريض الذي يراجع الطبيب
نفيس ما ،وإال فقد ال
ٍّ النفيس أو األخصائي النفيس بسبب اضطراب
تدفع نفقات العالج من دون استالم هذه املعلومات .واحلل املناسب
هلذا األمر أن يوضح الطبيب املعالج ً
أول للمريض أن عليه إذا أراد
لرشكة التأمني تغطية نفقات اجللسات العالجية أن يأذن له بتقديم بعض
املعلومات لرشكة التأمني ،إال إذا أراد املريض حتمل النفقات ،فعندها
ال حيتاج الطبيب إىل التواصل مع رشكة التأمني .وعىل الطبيب أن خيرب
أيضا عىل رسية املعلومات ،إال
أيضا أن رشكة التأمني ستحافظ ً
املريض ً
أنه ال يضمن له ماذا سيحصل بعد خروج املعلومات إىل رشكة التأمني.
وعادة تكتفي رشكات التأمني ببعض املعلومات األساسية كاسم
املريض ،وتاريخ اجللسات العالجية ،والتشخيص الذي يتلقى العالج
من أجله.
وال شك أن موضوع الرسية وخصوصيات املريض من األمور املهمة
واحلرجة ،ولذلك وجب اإليضاح املفصل نو ًعا ما ،إذ إن هناك حاالت
ومواقف قد تتطلب من الطبيب أو املعالج النفيس اإلفصاح عن بعض
وخصوصا يف املواقف التالية ،ومجيعها مفصلة
ً املعلومات عن املريض،
يف ورقة بحثية قدمتها لندوة «الرسية املهنية بني حقوق املريض ،وسالمة
املجتمع» التي أقامها مركز التأهيل االجتامعي /قطر عام .182013ويف
36
بعض املواقف اخلاصة بموضوع الرسية ،يمكن للطبيب أو املعالج أن
يرشح موضوع الرسية من خالل العرض اآليت:
38
عند استشارة الزمالء من املعاجلني:
● ●أحيانًا أحتاج إىل أن أستشري أحد املعاجلني اآلخرين يف موضوع
عالجك .وأنا لن أرصح عن هويتك ،وهذا املعالج اآلخر ملزم
قانون ًّيا باحلفاظ عىل الرسية.
جلا آخر قد ينوب
كنت يف سفر أو خارج املدينة ،فإن معا ً
● ●وإذا ُ
وعيل عندها إخباره
َّ عنِّي يف رعاية احلاالت التي أتعامل معها،
بمرضاي وأنت واحد منهم.
● ●أنا مطالب بحفظ سجل للعمل الذي أقوم به معك ،موث ًقا بذلك
تاريخ اجللسات ،ويف بعض احلاالت تطور العمل .ومن حقك
اعتقدت أن بعض
ُ أن ت َّطلع معي عىل هذه السجالت ،إال إذا
هذه املالحظات املكتوبة قد تزعجك بشكل كبري .فعندها لن
أسمح لك بقراءة هذه املعلومات ،ولكني سأرشح لك أسبايب
وبشكل كامل.
● ●وكذلك قد أحتفظ بمالحظايت اخلاصة عن العالج النفيس بشكل
منفصل عن السجل ،وال يمكن االطالع عليها إال بإذن خاص.
40
حقوق األطفال اخلاضعني للعالج:
● ●األطفال اخلاضعون للعالج ،وهم دون سن الثانية عرشة ،لدهيم
القليل من احلقوق القانونية حلجب املعلومات عن والدهيم لدى
سؤاهلم.
● ●أما يف حالة األطفال الذين ترتاوح أعامرهم بني 18 -12عا ًما،
وكلام أصبح الشخص أقدر عىل الفهم واالختيار ،فإنه يكتسب
بعض احلقوق القانونية.
● ●ويف هذه احلالة ،فاعلم أن معظم ما تقوله يل سيبقى رس ًّيا ،ألن
هذا سيساعد يف عالجك ،إال أن من حق الوالدين أن يعرفا
املعلومات العامة يف ما يتعلق ببعض املوضوعات احلياتية املهمة،
أو عن سري العالج ،ما يساعدهم يف اختاذ قرارات صائبة يف ما
يتعلق بالعالج.
أيضا عند الرضورة ببعض املعلومات املتعلقة
● ●وقد أخربهم ً
ببعض أفراد األرسة إذا أخربتني هبا.
41
● ●إذا كان عندك أو عند زوجك اتفاق حضانة األطفال ()custody
عيل أن أعلم هبذا،
أو جلسة استامع أمام حمكمة احلضانة ،فإن َّ
ألن هذا قد يؤثر يف سري العالج.
وعيل أن أطلب منك املوافقة عىل أنه إذا مل يفض العالج النفيس
● ● َّ
حل الصعوبات الزوجية ،وإذا تقدمت بطلب أو اإلرشاد إىل ِّ
الطالق ،فأنت لن تطلب مني تقديم شهاديت ألي من الطرفني.
● ●ومع ذلك يمكن للمحكمة أن تأمرين باإلدالء بشهاديت عند
الرضورة.
دراسة حالة:
قام الطبيب النفيس بتقييم حالة الطفل ربيع ( 8سنوات) بسبب بعض
الصعوبات املدرسية ،وتطلب هذا من الطبيب التعرف إىل القصة
التطورية للطفل ،وقصة وضع األرسة ،والعالقة بني الوالدين .وتبني
وخصوصا بسبب
ً للطبيب أن ربيع يعاين بعض الصعوبات العاطفية،
وخصوصا أنه سمع عن احتامل
ً خالف حاد وطويل بني الوالدين،
43
طالق الوالدين ،وبعض املشكالت األرسية األخرى .استلم الطبيب
رسالة رسمية من مدرسة ربيع تطلب منه «أي معلومات عن مشكالت
ربيع» .وقد تبني للطبيب أن املدرسة غري معنية بكل التفاصيل التي
جتمعت لديه ،وكانت رسالته للمدرسة مقترصة عىل اإلشارة إىل
نتيجة التقييم املعريف للطفل ،ووصف عام يفيد أن الطفل يعاين «بعض
الصعوبات العاطفية يف أرسته».
خيارات املتعالج:
من حق املريض أو املتعالج أن يسمع بعد تقييمه من قبل املعالِج إىل رأيه
يف التشخيص املحتمل ،ويف إجراءات اخلطة العالجية ،وتفاصيل هذه
اخلطة ،قدر اإلمكان ،ونوعية العالج املقرتح ،ويف معرفة بدائل العالج
عالجا نفس ًّيا أم دوائ ًّيا .وعىل الطبيب أن
ً النفيس املطروح ،سواء أكان
يرشح له كل هذا بلغة بسيطة مفهومة ،فهذا الرشح ليس فقط مفيدً ا من
أيضا
ناحية مساعدة املريض عىل التعاون والتجاوب مع العالج ،ولكن ً
من باب قيام املعالِج بمسؤوليته األخالقية املهنية.
دراسة حالة:
ليىل سيدة يف الستني من عمرها ،ومن أرسة غنية .اضطرت للذهاب
إىل الطوارئ بسبب آالم يف ركبتيها ،إال أهنا قادرة عىل امليش من دون
مساعدة .وبعد دخول املستشفى بيومني ،طلبت اخلروج خال ًفا للنصح
الطبي ،ومل يالحظ الفريق الطبي ما جيعلهم يمنعوهنا من اخلروج ،سوى
45
بعض عالمات القلق اخلفيف وما يمكن أن يشري إىل أهنا خائفة بعض
اليشء.
يف ذلك اليوم مل تصل السيدة ليىل إىل منزهلا ،وبعد يومني من البحث
املضني من قبل أرسهتا ،وجدهتا الرشطة يف أحد األسواق ،جالسة يف
زاوية معتمة من زوايا السوق رثة الثياب ،حافية القدمني ،وعالمات
اجلوع واإلجهاد الشديدين ترتسم عىل مالمح وجهها .مل جتب ليىل عىل
أي من أسئلة الرشطة ،إال أهنم تعرفوا إليها من أوصافها التي نقلتها
إليهم أرسهتا .أخذت الرشطة السيدة ليىل إىل الطوارئ حيث وصل
كثريا ملظهر أمهم.
أبناؤها مجي ًعا ،وتأملوا ً
بعد التقييم النفيس ،وجد الطبيب النفيس السيدة ليىل يف حالة من
التشوش يف الزمان واملكان ،وفقد الكالم ،واإلمهال الشديد لنفسها
بعد أن كانت سيدة فخورة جدًّ ا هبيئتها .رفضت السيدة ليىل دخول
املستشفى جمد ًدا وطلبت أن تعود إىل بيتها ،إال أن الطبيب النفيس نصح
بعكس هذا ،بعدما وجد أهنا تعاين حالة شديدة من االكتئاب الرسيري،
مع احتامل بداية حالة من العته الشيخي (ألزهايمر) ،ونصح بأن يبدأ
العالج بالصدمة الكهربائية ومضاد االكتئاب وأحد األدوية املضادة
للهذيان ( .)psychosisوبالرغم من الرشح املتأين الذي قام به الطبيب
النفيس ،إال أن السيدة ليىل رفضت كل هذه املقرتحات ،فكان ال بد من
اإلدخال القرسي لقسم الطب النفيس ،بعد موافقة األبناء.
دراسة حالة:
عانت اآلنسة لبنى االكتئاب النفيس ألكثر من ثالث سنوات ،وزارت
عيادة أكثر من طبيب نفيس ،حيث كان الطبيب يصف هلا أحد مضادات
االكتئاب ،مع أهنا شخص ًّيا ال حتب األدوية النفسية ،وتعاين شدة
األعراض اجلانبية ،فنصحها أحد األطباء النفسيني باللجوء إىل العالج
النفيس املعريف السلوكي ( ،)CBTوهو عالج نفيس معروف وف َّعال يف
عالج االكتئاب وقائم عىل األدلة ،وفعاليته تعادل يف كثري من األحيان
العالج الدوائي.
ذهبت اآلنسة لبنى إىل أحد األخصائيني النفسيني يف املدينة ،وعرض
عليها القيام بالعالج النفيس املعريف السلوكي ،مع أنه خريج علم النفس
العام ( )general psychologyمن جامعة البلد ،ومل َّ
يتلق أي تدريب
48
سواء يف علم النفس الرسيري ( )clinicalأو يف هذا النوع املتخصص
من العالجات النفسية.
دراسة حالة:
كانت األخصائية النفسية عبري قد مارست العالج النفيس الفردي
حلاالت القلق واالكتئاب عىل مدار عدد من السنني ،اكتسبت خالهلا
ثم
خربة جيدة يف هذا املضامر من خالل دراستها اجلامعية ،ومن َّ
التدريب عىل العالج املعريف السلوكي الفردي لسنتني حتت إرشاف
ومدرب معتمد يف هذا املجال.
ِّ معالج
،)continuingفقد (education وضمن برنامج تعليمها املستمر
حرضت نصف يوم تدريب عىل العالج األرسي ،ومن ثم بدأت تعلن عن
نفسها ،ومتارس جلسات العالج األرسي والعالج الزوجي مع مراجعيها،
واستمرت يف قراءة بعض كتب العالج األرسي متى أمكنها ذلك!
ويلخص حديث الرسول الكريم صىل اهلل عليه وسلم املسؤولية
األخالقية للمعالج بقوله« :من تطبب بغري علم فهو ضامن»
51
طب ،فهو
(أبو داود والنسائي) .ويف رواية «من تطبب وال ُيعلم منه ٌّ
ضامن»( أبو داود والنسائي وابن ماجه واحلاكم) .فاملعالج سواء أكان
فصل علامء اإلسالم يف ذلك طبي ًبا أم غريه مسؤول عن عمله ،وقد َّ
تفصيل دقي ًقا ،فكان موقفهم وس ًطا بني اإلفراط والتفريط الذي تعانيه
ً
البرشية.
دراسة حالة:
بدأ الدكتور عادل ،استشاري الطب النفيس ،بعالج شاب يبلغ من
العمر 32عا ًما ويعاين منذ 5سنوات اضطرا ًبا عاطف ًّيا /وجدان ًّيا ثنائي
القطبية ( .)bipolar affective disorderويف إحدى مراحل العالج،
عندما كان هذا الشاب يف حالة شديدة من اهلوس ( ،)maniaبدأت
تتكون عنده بعض األفكار العدوانية /الزورية ( )paranoidالتي هي
يف صلبها موجهة نحو هذا الطبيب النفيس .واستمر تدهور حالته لعدة
أشهر ،ومل يفعل الطبيب شي ًئا يذكر يف عالج هذا األمر إال بزيادة جرعة
55
الدواء الذي وصفه للمريض .وبدأ هذا املريض يترصف بطريقة عدائية
نحو الطبيب ،حتى إنه أخذ يف تكسري بعض مفروشات مكتب الطبيب.
وعندما حاول الطبيب حتويل املريض إىل معالج آخر ،كانت ردة فعله
عنيفة ،ورفض هذا التحويل .وعندما قام الطبيب بقطع عالقته كل ًّيا مع
املريض ،معتقدً ا أن األمر قد انتهى ،فوجئ بأن املريض استأجر شقة
مقابل منزل الطبيب ،وبدأ بالتجسس عىل الطبيب وأرسته ،وباالتصال
هنارا.
ليل أو ًاهلاتفي يف أي ساعة ً
تظهر هذه احلالة أن الطبيب أخفق يف إدراك أن مريضه قد بدأ خيرج
قادرا عىل عالجه ،حتى تدهورت حالته هلذه
عن السيطرة ،ومل يعد ً
الدرجة اخلطرية .وعندما أدرك الطبيب خطورة املوقف ،كان قد تأخر
كثريا .وعندما عرض املوضوع عىل الرشطة واملحكمة ،جاء يف تقرير
ً
القايض «أن الطبيب قد استمر بالعالج بالرغم من أن كفاءته ال تتناسب
مع التعامل األنسب يف عالج خطورة حال املريض ،وأن الطبيب قد
ساهم بشكل مبارش أو غري مبارش يف تدهور حال املريض .وأنه كان
عليه أن يستعني ،ويف وقت مبكِّر ،باجلهات األخرى األكثر قدرة عىل
التعامل مع حالة هذا املريض».
دراسة حالة:
دخل السيد حممود يف العالج النفيس مع الطبيب النفيس لعالج حاالت
واضحا أن
ً الغضب التي تعرتيه بني احلني واآلخر مع أرسته .وكان
السيد حممود بدأت تظهر عليه مالمح األعراض الزورية ()paranoia
ما جعل الطبيب ينصحه بدخول املستشفى النفيس ،إال أن السيد حممود
رفض هذا ،طاملا أن هذا من حقه ،وهو مل يصل لدرجة يشكل فيها
خطرا عىل نفسه أو اآلخرين .ومع ذلك فقد استمر الطبيب النفيس يتابع
ً
العمل واجللسات العالجية معه بالرغم من اعتقاده أنه من األفضل أن
ُيدخل مريضه للمستشفى.
يتحسن املريض:
َّ إهناء العالج أو اجللسات عندما ال
من مسؤوليات الطبيب النفيس املعالج عندما يالحظ أن حالة املريض
تتحسن بالرغم من االستمرار يف اجللسات العالجية لبعض الوقت،
َّ ال
أن يوضح ً
أول للمريض أنه يبدو أن حالته مل تتحسن بالرغم من بذل
اجلهد ،وأنه ربام من املفيد أن ينتقل إىل معالج آخر يمكن أن يكون
وتأثريا.
ً عالجه أكثر فعالية
57
دراسة حالة:
عىل مدار سنتني واظب السيد نزار عىل زيارة عيادة املعالج النفيس
حلضور جلسات كل أسبوعني .وبالرغم من أن حالته النفسية التي
كثريا ومنذ زمن طويل ،فإن املعالج النفيس
أتى من أجلها قد حتسنت ً
ما زال يعطي السيد نزار املوعد تلو اآلخر ،ومل حياول يف أي مرحلة
أن ينصحه بتوقف اجللسات العالجية .ويبدو أن السيد نزار قد أصبح
شديد التعلق واالعتامد عىل املعالج النفيس ،وكان مبدأ املعالج النفيس
أنه «إذا شعر املريض باحلاجة هلذه اجللسات ،فلامذا ال»!
59
عالقة املعالِج بالرشكات املنتجة والبائعة لألدوية واألجهزة الطبية:
من الطبيعي أن حتاول الرشكات املصنعة أو البائعة لألدوية النفسية أو
األجهزة الطبية ،الرتويج لبضاعتها عن طريق توفري بعض املغريات
املادية أو اخلدمية للطبيب أو املعالج .وهتدف من هذا أن يقوم هذا
الطبيب أو املعالج بالرتويج الستعامل منتجات هذه الرشكات ،من
حيث درى أو مل ِ
يدر .وقد تقوم بعض الرشكات ً
مثل بتقديم بطاقات
سفر جمانية أو وجبات طعام لبعض األطباء واملعاجلني ،من باب
التأثري يف هؤالء املعاجلني للرتويج لبضائعهم عىل حساب بضائع
ومنتجات رشكات أخرى ،إال أنه وكام يقال عادة «ليس هناك غداء
جماين»!
ٌّ
دراسة حالة:
يف جلسة رسيرية دورية ملناقشة احلاالت بني املعاجلني من أجل تبادل
61
الرأي ،ذكر زميل من االختصاصيني النفسيني أنه عندما كان جيري
جلسة عالجية مع شاب يف العرشين من عمره كان قد أتى للعالج
بسبب بعض املشكالت النفسية والسلوكية التي ربام يعود كثري منها
إىل تعرضه كطفل للتحرش اجلنيس من قبل أخيه األكرب الراشد .وذكر
االختصايص النفيس أنه يف هناية اجللسة ذكر له هذا الشاب أن أخاه
األصغر وعمره اآلن أحد عرش عا ًما يتعرض حال ًّيا للتحرش اجلنيس
من قبل ذلك األخ األكرب الذي حترش به يف طفولته .وانتهى حديث
االختصايص عند هذا احلد.
ثم سألت هذا الزميل ما إذا كان هناك ما جيب أن يقوم به بعد أن
طفل يف احلادية عرشة من عمره يتعرض اآلن للتحرش من قبلعلم أن ً
رجل راشد.
واضحا أن هذا الزميل مل يكن يدري ما هو املبدأ األخالقي أو
ً وكان
القانوين الذي حيكم التعامل مع هذا املوقف ،وأنه من الواجب عليه أن
خيرب جهة ما باخلطر الذي يقع عىل هذا الطفل ،وبأن مصلحة الطفل هنا
فوق أي اعتبار آخر (.)paramount
62
ومواقفه بشكل أفضل من خالل االشرتاك مع غريه يف هذه اجللسات
العالجية اجلامعية .ومن أكثر االضطرابات التي ننصح عادة باستعامل
أو “”AA اجللسات اجلامعية فيها حاالت اإلدمان ،كام يف جمموعات
«املدمن املجهول» ( ،)Alcohol Anonymousأو حاالت القلق العام،
والرهاب ،وغريها.
وال بد أن مثل هذه املعاجلات اجلامعية تطرح بعض اإلشكاالت،
وخصوصا يف موضوع الرسية وخصوصيات املرىض ،وخيتلف هذا
ً
بالطبع من جمتمع إىل آخر ،ومدى انفتاح هذا املجتمع أو انغالقه عىل
نفسه ،ولكن ال بد يف النهاية من احرتام رغبة املريض يف موافقته عىل
هذه املعاجلة.
دراسة حالة:
كنت شخص ًّيا أرشف عىل عالج عدد من حاالت بعض الشابات
اللوايت ك َّن تعرضن للتحرش اجلنيس ،ويف مرحلة من املراحل شعرت
أن من املفيد هلؤالء الفتيات اللوايت تتجاوز أعامرهن العرشين عا ًما
أن جيتمعن مع بعضهن يف جلسات عالجية مجاعية تتيح هلن التعلم
وخصوصا يف كيف يمكنهن تعلم مهارات التك ُّيف مع
ً من بعضهن،
املشاعر الصعبة والصعوبات احلياتية .وبعد عرض املوضوع عىل كل
منهن ،وافقت اثنتان ،واعتذرت اثنتان بكل احرتام ،بسبب رغبتهن يف
احلفاظ عىل رسية حالتهن ،وعدم رغبتهن يف اإلفصاح عام حدث يف
ً
ونزول عند رغبتهن ،مل نعقد هذه اجللسات اجلامعية، حياهتن ،ولذلك
وتابعنا العالج بالشكل الفردي.
63
التوثيق والسجالت:
ال بد يف العالج النفيس ،كام يف غريه من العالجات الطبية وغريها ،من
توثيق العمل الذي يقوم به املعالج ،واالحتفاظ بتفاصيل اجللسات
النفسية من أعراض وعالمات ،ومن مراحل العالج ودرجة
االستجابة ،والقرارات املتخذة يف التعامل مع املواقف التي يعرضها
املريض ،واإلجراءات التي يستعملها املعالج .ويعد هذا التوثيق
رضور ًّيا العتبارات متعددة ال ختفى عىل أحد.
وتبقى من مسؤوليات املعالج أن يضمن حفظ هذه السجالت يف
شكل ومكان آمنني ،وبحيث ال يطلع عىل هذه الوثائق إال املعالِج،
وربام السكرترية املؤمتنة عىل األرشيف عند احلاجة لكتابة يشء أو
تقرير ما .وينطبق هذا عىل السجالت الورقية كام ينطبق عىل السجالت
الرقم َّية.
العقد العالجي:
إن العالقة العالجية التي تنشأ بني املريض واملعالِج ال بد أن حتكمها
تعليامت وإجراءات واضحة لكال الطرفني ،ما يضمن سري األمور
بالشكل السليم ،وخيفف من احتامل حصول االختالف ،أو سري األمور
عىل غري الوجه الذي ُقصد من العالج النفيس .وبالرغم من أن مفهوم
العقد العالجي ليس باجلديد ،إال أنه مل ُيتحدث عنه بشكل واضح إال
يف سبعينيات القرن املايض .21ومن اخلطأ األخالقي َّأل ُي ِب الطبيب
املريض ببعض األمور األساسية ،ومنذ بداية العالج النفيس،
َ املعالج
ومنها:
64
● ●طبيعة التشخيص ،ولو املبدئي للحالة املعروضة (ففي بعض
األحيان قد حيتاج املعالج إىل أكثر من جلسة العتامد التشخيص
املناسب).
● ●العالج املقرتح ،وما اخليارات البديلة؟ (إن وجدت).
● ●ما األهداف املتوخاة أو املتوقعة من العالج؟
● ●طبيعة العملية العالجية ،وما هو متوقع من دور املريض
ومسؤوليته.
● ●عدد اجللسات وتزامنها ،ولو التقريبي.
● ●الدور الذي سيقوم به الطبيب أو املعالج النفيس ،وما مسؤوليته؟
● ●هل يمكن التواصل بني اجللسات ،وكيف يتم هذا؟
● ●ما األعراض اجلانبية املمكنة أو املحتمل حدوثها؟
● ●ما حدود الرسية املهنية املمكنة؟ (راجع موضوع الرسية أعاله،
ومتى يمكن جتاوزها).
● ●كيفية احتفاظ الطبيب املعالج بالسجل اخلاص باملريض،
واإلجابة عن أسئلته حول هذا.
● ●طبيعة العالقة وحدود املسؤولية يف حال املرىض دون الثامنة
عرشة.
دراسة حالة:
عبد الرمحن شاب متدين يف العرشين من عمره ،قصد االختصايص
النفيس يطلب املساعدة والعالج ألنه ينجذب جنس ًّيا للشباب والرجال،
وخصوصا الرجال األكرب سنًّا منه بعرش سنوات أو أكثر .عبد الرمحن
ً
65
مرتاحا من انجذابه املثيل هذا ،ويريد أن يتخلص منه ،ليصبح
ً مل يكن
كام قال هو «طبيعي» من أجل الباعث الديني ،وعىل أمل أن يتزوج
ويكون أرسة يف وقت الحق ،وهي أمنية أمه من ولدها الوحيد بني
ِّ
مخس أخوات.
قرر االختصايص النفيس أن عبد الرمحن يعاين مشكلة يف تقبل امليل
املثيل هذا بسبب ضغط املجتمع املحافظ من حوله ،وبسبب حماولته
يتغي .وبناء
إلرضاء رغبة والدته ،بينام هو يف «احلقيقة» ال يريد أن َّ
عىل هذا ،فقد بدأ هذا االختصايص النفيس باجللسات النفسية هبدف
مساعدة عبد الرمحن عىل تقبل ميوله اجلنسية املثلية ،حيث كانت هذه
قناعة هذا املعالج بسبب طبيعة الدراسة والتدريب النفيس الذي تلقاه
من املدرسة التي تعتقد أن امليل اجلنيس أمر «فطري» يولد اإلنسان عليه،
وليس أمامه خيار!
الوصمة االجتامعية:
ال يمكننا الفصل الكامل بني موضوع املامرسات العالجية النفسية وبني
الوصمة االجتامعية ( )stigmaللمرض النفيس واملريض النفيس ،وربام
أرسته ،وللعالجات النفسية عامة ،وحتى للطبيب أو املعالج النفيس.
فام زالت جمتمعاتنا تعاين الكثري من هذه الوصمة االجتامعية التي يدفع
ثمنها املريض وأرسته ،وبحيث قد ال يأيت املريض للعالج إال وقد
تأخرت وساءت حالته جدًّ ا ،ما يمكن أن جيعل العالج أكثر تعقيدً ا
وأطول أمدً ا.22
الكفاءة املهنية:
ومن املفيد التذكري هنا باإلضافة النوعية لعلامء وأطباء املسلمني األول
68
الذين أدخلوا مفهوم احلسبة ،ومفهوم رضورة حصول احلكيم أو
الطبيب أو املامرس عىل مستوى مناسب من التدريب وامتالكهم اخلربة
درست مادة تاريخ الطب اإلسالمي يف جامعة
الكافية ،وقد كنت َّ
،)Queen’s (University Belfast امللكة بلفاست يف أيرلندا الشاملية
ورأيت إعجاب طالب الطب بام سمعوا عن إسهامات املسلمني يف
هذا املجال.23
وال شك أن من املشكالت األخالقية يف ممارسة بعض جوانب
العمل يف الصحة النفسية أن بعض «املعاجلني» أو «املرشدين النفسيني»
قد ال خيضعون للمعايري الصارمة التي تفرض عىل اآلخرين من األطباء
الذين ُيطلب منهم حتقيق مستوى معني من التعليم والتدريب واخلربة
واملامرسة اخلاضعة لإلرشاف واملتابعة قبل أن حيق هلم احلصول عىل
ترخيص املامرسة الطب َّية .وينطبق هذا بالدرجة نفسها عىل طبيب البدن
واجلراح ،كام ينطبق عىل الطبيب النفيس .وعادة ما ينتمي الطبيب،
العام أو النفيس ،إىل هيئة علمية أو نقابية ،أو خيضع لإلرشاف من وزارة
الصحة أو من يقوم مقامها ،يف حني قد ال خيضع «املامرس النفيس» ملعايري
وخصوصا أن
ً الكفاءة والرقابة نفسها ،ما يمكن أن خيفى عىل الناس،
كثريا من الناس قد ال يفرقون بني الطبيب النفيس املختص واملتدرب
ً
َّ
واملرخص له باملامرسة ،وبني ما يسمى «املعالج النفيس» الذي ال يمتلك
تلك اخلربة أو التدريب.
وخصوصا بالد العامل الثالث قد يتصدى «للعالج
ً ويف بعض البالد،
النفيس» أشخاص قد ال تكون لدهيم خربة سوى حضور دورة تدريبية
69
ليوم أو عدة أيام يف بعض اجلوانب النفسية ،فإذا به يعلن عن نفسه بأنه
«املعالج النفيس املتخصص»!24
واألمل معقود عىل أن تضع البالد العربية بعض املعايري الضابطة
لكل من يتصدى ملا يمكن أن يسمى العالج أو اإلرشاد النفيس ،ما
يضمن سالمة الفرد واملجتمع ،ويمنع وقوع املشكالت األخالقية
والقانونية التي قد ال يدفع ثمنها إال «املتعالج».
ومن دواعي الكفاءة أن عىل الطبيب أو املعالج أن حيافظ عىل مستوى
جيد من متابعة أحدث التطورات واملستجدات والتقنيات العالجية يف
ختصصه .فكام أنه ليس من املقبول يف العالج البدين أن ينقطع املعالِج عن
وخصوصا يف ختصصه ،إذ أصبح اجلهل باالكتشافات
ً تطورات الطب
أمرا قد يعاقب عليه القانون ،ينسحب األمر نفسه
والعالجات احلديثة ً
عىل العالجات النفسية ،إذ جيب عىل املعالج أن يتابع تعلمه وتدريبه
(Continuing Professional من خالل برنامج التعلم املهني املستمر
)Educationالذي تُلزم به بعض اهليئات العلمية والصحية التي
متنح الطبيب أو املعالج ترخيص املامرسة ،وبحيث يتعني عليه قبل
جتديد ترخيصه أن يثبت أنه حرض عد ًدا معينًا من ساعات التدريب
واملحارضات خالل العام ،ما يسهم يف احلفاظ عىل كفاءته املهنية ،وإال
قد ُيرفض جتديد ترخيصه باملامرسة .وقد أثبت عدد من الدراسات
األثر اإلجيايب ملثل هذا التدريب والتعليم املستمر يف رفع كفاءة املعالج
وخربته .25واألمل ً
أيضا معقود عىل اهليئات وجهات الرتخيص يف
البالد العربية واإلسالمية أن تس َّن القوانني التي تُلزم املعالج بمثل هذا
التدريب املستمر.
70
ما هو الطبيعي وما هو غري الطبيعي؟
يعد هذا اجلانب من أهم جوانب االختالف بيننا يف العاملني العريب
واإلسالمي وبني العامل الغريب ،أو بشكل عام مع العامل غري العريب
وغري اإلسالمي ،سواء غر ًبا أو رش ًقا .واملقصود هو حتديد ما هو
مرضا أو
األمر اإلنساين الطبيعي ،وما هو غري الطبيعي ،سواء أسميناه ً
اضطرابات أم ال ،وما هو «جيد» أو «غري جيد» وما هو «صواب» وما
هو «خطأ» .وخري مثال عىل هذا االختالف ما هو يف دائرة اضطرابات
اهلوية اجلنسية (.)gender identity disorders
قدمت بح ًثا بعنوان «اجلنوسية املثلية :نعالج أو
ُ ففي عام ،2010
ال نعالج؟!» يف مؤمتر احتاد األطباء النفسيني العرب يف اخلرطوم .وقد
كان هناك شبه إمجاع ممن حرض من الزمالء سواء من األطباء النفسيني
أم االختصاصيني النفسيني عىل أمهية طرح هذا املوضوع املمنوع ً
أصل
نفيس يف
ٌّ مرة طبيب
جمرد التفكري فيه يف املجتمعات الغربية .وقد حتدث َّ
أحد البلدان الغربية عن إمكانية مساعدة من يريد تغيري توجهه اجلنيس،
ُفرفعت ضده قضية قضائية لشطب اسم هذا الطبيب من سجل األطباء
املرصح هلم بمامرسة العالج النفيس.
َّ
73
%8 57 طرق التعليم /املكان األكاديمي/ 4
مشكالت التدريب
%5 35 علم النفس الرشعي /القانوين 5
%4 29 األبحاث والدراسات 6
%4 29 سلوكيات الزمالء 7
%4 28 أمور جنسية 8
%4 25 التقييم النفيس 9
%3 20 استعامل عالج غري مضمون أو ٍ
مؤذ 10
%3 20 الكفاءة 11
%2 17 أخالقيات املامرسة /اللجان األخالقية 12
%2 15 علم نفس املدارس والتدريس 13
%2 14 النرش 14
%2 13 مساعدة الفقري واملعوز مال ًّيا 15
%2 13 اإلرشاف 16
%2 13 اإلعالنات وسوء التمثيل 17
%1 9 علم النفس الصناعي والرشكات 18
%1 5 قضايا طبية قانونية 19
%1 5 إهناء العالج 20
%1 4 العنرصية 21
%1 4 سجالت العالج 22
%1 7 متفرقات 23
()psychoanalytical
● ●العالجات النفسية السلوكية ( )behavioralالتي تتضمن عدة
أساليب ،ومنها التلقني احليوي الراجع ( )biofeedbackوإدارة
التوتر ،والعالج السلوكي املن ِّفر ( )aversive therapyواملنعكس
الرشطي الف َّعال ( )operant conditioningواملنعكس الرشطي
75
الكالسيكي ( )classical conditioningوغريها من املداخالت
الفيزيولوجية.
فباستثناء العالج السلوكي املن ِّفر الذي أعرتض عليه من الناحية
كثريا ،فإن بقية العالجات السلوكية
قل استعامله ً األخالقية ،وبالتايل َّ
تستعمل عىل نطاق واسع .وبالطبع فإن كل هذه العالجات حتتاج إىل
التدريب املتخصص قبل أن يستطيع املعالج استعامهلا يف العالجات
النفسية ،وأن يدرك هذا املعالج أبعاد املدرسة النفسية التي تقف وراء
هذه األساليب ،ومدى تأثرياهتا املطلوبة ،وتأثرياهتا اجلانبية املحتملة.
افرتاضا ضمن ًّيا أن
ً بالطبع يتضمن تطبيق معظم هذه العالجات
املريض املتعالج يمتلك شي ًئا من السيطرة عىل نفسه وعىل بيئته وهو
خيضع هلذه املعاجلات .وعمو ًما تستعمل هذه األساليب العالجية
بمشاركة فاعلة من املريض اخلاضع للعالج ،وبموافقته املسبقة عىل
اخلضوع هلذه املعاجلات ،وبحقه يف االنسحاب منها عندما يريد.
وثمة مشكلة أخالقية قد تظهر يف بعض احلاالت واملواقف عندما
يكون من خيضع للعالج غري قادر عىل قبول أو رفض العالج ،كام يف
حال املريض النفيس الفاقد للبصرية ،كام يف حاالت الذهان الشديد أو
اإلعاقة الذهنية أو التخلف العقيل الشديد .ففي هذه احلاالت ،ال بد
للمعالِج من اللجوء إىل جهة ثالثة مستقلة تعطي املوافقة عىل تطبيق
هذه العالجات ،كرأي جلنة علمية متخصصة ،أو حكم من املحكمة
(.)court order
ومن الطبيعي أن حتدث بعض الضجات اإلعالمية واالجتامعية
عندما تستعمل بعض األساليب السلوكية يف بيئات معينة كاملدارس أو
76
السجون ،يف حماولة لإلصالح وتعديل السلوك ،ومن أمثلة مثل هذه
األساليب السلوكية املستعملة طريقة احلرمان من بعض االمتيازات من
أجل تعديل السلوك السلبي وتعزيز السلوك اإلجيايب .واملطلوب طب ًعا
أن يلتزم املعالج السلوكي باملعايري واملبادئ األخالقية التي تضبط مثل
هذه املامرسات ،باإلضافة إىل رضورة وجود آليات رقابية مبارشة عىل
مثل هذه املامرسات كي ال خترج عن احلدِّ األخالقي املعقول للعالجات
النفسية السلوكية.
دراسة حالة:
يف مستشفى للمراهقني الذين يعانون اإلعاقة الذهنية واالضطرابات
العاطفية الشديدة ،قام طبيب نفيس بتطوير طريقة للعالج السلوكي
يعرض مراه ًقا لصدمة خفيفة من التيار الكهربائي كلام قام هذا
بحيث ِّ
املراهق برضب رأسه يف احلائط ،يف حماولة لرصفه عن هذا السلوك .وقد
كان هذا املراهق قد فقد إحدى عينيه ،وهو يوشك عىل فقدان الثانية
بسبب رضب رأسه يف احلائط بشكل شديد ومتكرر ،وألسباب غري
معروفة للفريق العالجي ،وقد فشلت كل املحاوالت األخرى إليقاف
هذا الشاب عن مثل هذا السلوك اخلطر عىل سالمته.
وصحيح أن الطبيب قد أخذ موافقة والدَ ْي هذا الشاب عىل استعامل
هذه الطريقة ،إال أن جلنة علمية متخصصة باإلجراءات الطبية األخالقية
مل توافق عىل االستمرار يف استعامل هذا النوع من العالج السلوكي.
77
ثال ًثا :هل من دور للدين يف الصحة النفسية
والعالج النفيس؟
منذ أن كتب سيغموند فرويد وعلامء نفس آخرون عن التأثريات
العصابية /املرضية ( )neuroticللدين عىل الصحة النفسية ،حيث
اقرتح فرويد أن األشخاص املتدينني كانوا أكثر عرضة من غريهم
للمرض النفيس ،29 ،28فإن الكثري من العاملني يف جمال الصحة النفسية
كثريا هبذه النظرة السلبية لعالقة الدين
خالل القرن العرشين قد تأثروا ً
كثريا منهم كان حيمل نظرة سلبية إن مل تكن
بالصحة النفسية .لذا فإن ً
عدائية للدين ،حتى إن هناك من زعم أن املعتقدات الدينية هي املسؤولة
عن ضعف الثقة بالنفس واالكتئاب وحتى اضطراب الفصام.30
تغي
ومع ذلك ،فإن األبحاث خالل العقدين األخريين قد بدأت ِّ
هذه النظرة ،وبشكل جذري ،حيث وجدت نتائج أكثر إجيابية عن
وخصوصا التأثري اإلجيايب للتدين والعبادة عىل الصحة
ً هذه العالقة،
النفسية.
ويف دراسة مهمة راجعت كل األبحاث التي أجريت يف العقدين
األخريين والتي تناولت جانب تأثريات التدين من ناحية علم النفس
والطب النفيس والطبي والصحة العامة وعلم االجتامع ،برهنت عىل
التأثريات النافعة والواقية للتدين واملامرسة الدينية .31ومن األمور
التي ساعدت يف مثل هذه األبحاث هو تطوير قياسات متعددة للتدين
( )religiosityولإليامن أو الروحانية ( .)spiritualityومما وجد يف
هذه األبحاث أن التدين يساعد اإلنسان يف حتمل الصدمات النفسية
خطريا هيدد
ً مرضا
وخصوصا عند الذي يعاين ً
ً والبدنية واالجتامعية،
78
حياته 33 ،32ويساعده كذلك يف زيادة مناعته وحصانته ضدَّ الصدمات
(.)resilience
ويشري الكثري من أبحاث عالقة التدين أو اإليامن أو الروحانيات
( )spiritualityبالصحة النفسية إىل أن هذه العالقة عالقة مركَّبة ،وأهنا
بشكل عام إجيابية يف االجتاهني ،أي أن اإليامن والتدين يعززان ويدعامن
الصحة النفسية ،وأن اإلنسان عندما يتمتع بالصحة النفسية فإن هذا
ويقوي من شعوره باإليامن.34
يعزز ِّ
فاإليامن والتعبد خيفضان من معدالت بعض االضطرابات النفسية
كالقلق واالكتئاب وحماوالت االنتحار وتعاطي املدمنات واملواد
املمنوعة .ولذلك فإن الكثري من عالجات هذه االضطرابات تتحدث
عن الدور اإلجيايب لإليامن والتعبد يف حتقيق األمن واالطمئنان النفيس
واالسرتخاء العضيل والعصبي ،ما يمكن أن ينعكس إجياب ًّيا عىل حتسني
الظروف الصحية النفسية.
أيضا أن حيسنا من الصحة البدنية وجينبا
ويمكن لإليامن والتعبد ً
اإلنسان األمراض القلبية والوعائية كضغط الدم .ووجد أن الذي
حيرض اجللسات التعبدية ولو ملرة واحدة يف األسبوع يعيش بمعدل
سبع سنوات أكثر ممن ال حيرض .35وقد ُف ِّست كل هذه التأثريات
اإلجيابية للدين بأن التدين يعطي اإلنسان هد ًفا سام ًّيا يف احلياة ،ويرفع
من معنوياته يف حتمل بعض االبتالءات ،ويساعد الفرد عىل االلتحاق
باملجموعة التعبدية ما يشعره باالنتامء واالرتباط االجتامعي.36
ومما ال شك فيه أمهية موضوع عالقة التدين بالصحة النفسية،
وخصوصا إذا تذكرنا أن التدين واإليامن من األمور املهمة لغالبية
ً
79
الناس ،وبشكل أو آخر .وهناك دراسات تشري إىل أن 90يف املائة من
الناس يامرسون نو ًعا ما من الشعائر والطقوس الدينية ،وأهنم جيدون أن
كثريا عىل التك ُّيف مع ضغوط احلياة وصعوباهتا،
هذه املامرسة تعينهم ً
من مرض أو غريه .ووجدت عدة دراسات أن ً
كثريا من املرىض 36
81
خامتة:
عيل،
حاولت يف هذه الورقة اإلجابة عن األسئلة الثالثة التي عرضت َّ
ويف حماولة لالبتعاد عن اإلطالة فقد تركت بعض املوضوعات التي مل
أتعرض هلا ،عىل أمهيتها ،والتي قد يامرسها الطبيب النفيس أو من يقوم
بتقديم العالجات النفسية ،أو ُيستشار فيها ،ومنها عىل سبيل املثال ال
احلرص:
وخصوصا املتعلقة
ً -األخالقيات املتعلقة بالبحوث النفسية،
بإجراء األبحاث عىل عينات من الناس ،باستثناء القليل الذي
ذكرته أعاله.
-أخالقيات املعالج النفيس يف املجال األكاديمي كمحارض أو
مدرب.
مدرس أو ِّ
ِّ
-أخالقيات تعامل املعالج النفيس مع وسائل اإلعالم املرئية أو
املسموعة ،أو وسائل التواصل االجتامعي.
-أخالق التأليف والنرش.
-بعض املامرسات الطبية املتعلقة بإجراءات منع احلمل واإلنجاب
عند من يعاين ختل ًفا عقل ًّيا شديدً ا ،حيث تدرس هذه يف املجاالت
الطبية العامة.
82
اهلوامش
املكتب، مأمون مبيض. د.املرشد يف األمراض النفسية واضطرابات السلوك 1
.1994 ، بريوت،اإلسالمي
American Psychological Association, http://www.apa.org 2
American Psychiatric Association, http://www.psych.org 3
Royal Collage of Psychiatrists, http://www.rcpsych.ac.uk 4
احتاد األطباء النفسيني العرب 5
http//:arabpsynet.com/Associations/AFP.ass.htm
بريوت، املكتب اإلسالمي، مأمون مبيض. د.االستشارات النفسية والرتبوية عن بعد 6
) (حتت الطبع2014
White, T.I. (1988). Right and wrong: A brief guide to understanding 7
ethics. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D%8A%3D%8A%8D%82%9D%8B1 8
%D%8A%7D%8B7
جملة الترشيع، توم بوشانب.مبادئ أخالق الطب احليوي باعتبارها مبادئ عامة 9
.)2014( العدد األول،اإلسالمي واألخالق
املوسوعة احلرة، ويكيبيديا،أخالقيات الطب 10
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D%8A%3D%8AE%D%84%9D%8A7
%D%82%9D8%9A%D%8A%7D%8AA_%D%8A%7D%84%9D%8B7
%D%8A8
. عيل بن حممد آل درعان ود. د.امليثاق األخالقي واملهني للمصلح واملرشد األرسي 11
.2011 جدة. مجعية املودة اخلريية لإلصالح االجتامعي،يارس بن مصطفى الشلبي
. مكتبة األنجلو املرصية، طارق عكاشة. ود، أمحد عكاشة. د.الطب النفيس املعارص 12
.1973
http://www.cmf.org.uk/publications/content.asp?context= 13
article&id=25740
: الصفحة الرابعة،القواعد البن رجب احلنبيل 14
h t t p : / / l i b r a r y. i s l a m w e b . n e t / n e w l i b r a r y / d i s p l a y _ b o o k .
php?idfrom=1&idto=1&bk_no=38&ID=2
Beauchamp, T. L., & Childress, J. F. (1989). Principles of biomedical 15
ethics. New York: Oxford University Press.
83
Frankena, W. K. (1973). Ethics. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall. 16
Strupp, H. H. (1975). On failing one’s patient. Psychotherapy: Theory, 17
Research and Practice, 41-39 ,12.
ورقة بحثية مقدمة لندوة «الرسية. مأمون مبيض. د. وحقوق الطفل،الرسية املهنية 18
/ وسالمة املجتمع» التي أقامها مركز التأهيل االجتامعي،املهنية بني حقوق املريض
.2013 قطر عام
Pope, K. S., & Brown, L. S. (1996). Recovered memories of abuse: 19
Assessment, therapy, forensics. Washington, DC: American
Psychological Association.
La Roche, M. J. & Maxie, A. (2003). Ten considerations in addressing 20
cultural differences in psychotherapy. Professional Psychology, ,34
186-180.
Everstein, L., Everstein, D. S., Heymann, G. M., True, R. H., Frey, 21
D. H., Johnson, H. G., et al. (1980). Privacy and confidentiality in
psychotherapy. American Psychologist, 840-828 ,35.
. أكاديمية علم النفس.الوصمة االجتامعية للمرض النفيس 22
http//:www.acofps.com/vb/showthread.php?t=12315
، جامعة أوكسفورد، يف املكتبة الوطنية لعلم الطب،فهرس خمطوطات الطب اإلسالمي 23
http//:www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/about.html
بحث غري منشور قدمته. مأمون مبيض. د.اإلرشاد النفيس الرسمي وغري الرسمي 24
.2012 يف اجتامع اخلرباء الذي أقامه املجلس األعىل لشؤون األرسة يف دولة قطر عام
Sharkin, B. S., & Plageman, P. M. (2003). What do psychologists think 25
about mandatory continuing education? A survey of Pennsylvania
practitioners. Professional Psychology, 323-318 ,34.
Ethical Dilemmas Encountered by Members of the American 26
Psychological Association: A National Survey. Pope, K. S., & Vetter, V.
A. (1992). http://www.kspope.com/ethics/ethics2.php
موقع جامعة أم القرى،أخالقيات املهن الطبية 27
http//:uqu.edu.sa/page/ar16319/
Ellis, A. (1980). Psychotherapy and atheistic values: A response to A. 28
E. Bergin’s “Psychotherapy and religious values”. Journal of Consulting
and Clinical Psychology, 639-635 ,48.
84
Ellis, A. (1988). Is religiosity pathological? Free Inquiry, 32-27 ,18. 29
Watters, W. (1992). Deadly doctrine: Health, illness, and Christian 30
God-talk. Buffalo. New York: Prometheus Books.
Yeung, W. J., & Chan, Y. (2007). The positive effects of religiousness 31
on mental health in physically vulnerable population: A review on
recent empirical studies and related theories. International Journal of
Psychosocial Rehabilitation. 52-37 ,)2( 11.
Mueller, P. S., Plevak, D. J. &Rummans, T. A. (2001). Religious invol- 32
vement, spirituality, and medicine: Implications for clinical practice.
Mayo Clinic Proceedings, 1235-1225 ,76.
Pargament, K. I., Koenig, H. G. et al (2004). Religious coping methods 33
as predictors of psychological, physical and spiritual outcomes among
medically ill elderly patients: Two-year longitudinal study. Journal of
Health Psychology, 730-713 ,)6(9.
Koenig, H. G. (2002). Spirituality in patient care: Why, how, when and 34
what. Philadelphia. PA: Templeton Foundation Press.
Koenig, H. G., McCullough, M. E., & Larson, D. B. (2001). Handbook of 35
religion and health. New York. NY: Oxford University Press.
Shapiro, S. & Carlson, I. (2009). The art and science of mindfulness. 36
Washington. DC: American Psychological Association.
George, L. K. et al. (2002). Explaining the relationships between 37
religious involvement and health. Psychological inquiry, -190 ,)3(13
200.
85
األخالق والدين وتفاعلهام مع علم النفس
ً
أول :األخالقيات يف الثقافة املعارصة:
عندما يطلق لفظ األخالق يف الثقافة العربية واإلسالمية ،فهو يعني
باخلصوص املبادئ األخالقية ( ،)moralityوهي املعايري املحددة
بمبادئ الصواب واخلطأ ،أكثر من كوهنا تابعة ملقياس املنفعة واملرضة.
لكن أصبح هناك اليوم ميل متزايد إىل متييز املبادئ األخالقية عن
القواعد األخالقية ( )ethicsأو األخالقيات ،هذه األخرية هتتم بوضع
معايري منطقية مساعدة الختاذ القرارات الصائبة يف مواقف معينة ،فهي
بالتايل عملية أجرأة للمبادئ األخالقية .كام تساعد عىل اختاذ املوقف
األخالقي يف حاالت حمددة.
88
وعىل الرغم من االختالف بني املتخصصني يف تعريف املستويني
والتمييز بينهام ،إال أن اختيار مستويي املبادئ األخالقية والقواعد
األخالقية أكثر عملية وفائدة.
ومن الفوارق املهمة بني املستويني أن القيم واملبادئ األخالقية مطلقة
وحمدودة نسب ًّيا وثابتة ،أما القواعد األخالقية فهي عملية وكثرية وقابلة
للتطور ،لكنها ترتكز عىل املبادئ األخالقية .كام أن األوىل يف الغالب
بدهيية فطرية ،بينام الثانية هي ثمرة تفكري مجاعي لتطبيقها عىل حاالت
تزداد تعقيدً ا مع مرور الوقت ومع تعقد احلياة البرشية.
أيضا األخالقيات املهنية أو قواعد السلوك املهني
وهناك ً
،)professionalوهي تتميز بكوهنا قواعد أخالقية مقننة (ethics
ومتواف ًقا عليها يف مهنة معينة وصدر بمقتضاها قرار من السلطة ذات
الصالحية يف تلك املهنة .فنتحدث عن قواعد السلوك يف مهنة الطب أو
اهلندسة أو غريمها.
أما القواعد القانونية ،فعىل الرغم من تقاطعها مع القواعد األخالقية
يف أمور عدة ،فإهنا تتميز عنها يف أمور أخرى .فهناك من الترصفات ما
يمكن أن يكون قانون ًّيا من دون أن يكون أخالق ًّيا ،والعكس صحيح.
فقد يكون عمل ما أخالق ًّيا من دون أن يكون قانون ًّيا .ومن أمثلة هذا
األخري مساعدة الجئ يف وضعية غري قانونية ،فهو عمل أخالقي لكنه
قد يكون غري قانوين.
كثريا ما تسبق يف وجودها وانتشارها يف ً والقواعد األخالقية
جمتمع ما ،مرحلة تبنيها بوصفها قواعد قانونية .وتفيد مرحلة القاعدة
األخالقية يف إجياد التوافق االجتامعي الرضوري والثقافة املساعدة
89
لتبني القاعدة القانونية .ومن األمثلة عىل ذلك أن الدفاع عن حقوق
مبكرا ،واحتاج األمر إىل عقود من
احليوان بدأ عىل املستوى األخالقي ً
الزمان قبل أن تصدر قوانني متنع اإلساءة للحيوانات .ويمكن أن نقول
اليشء نفسه عن محاية البيئة وتنظيم السري يف الشوارع وغريمها.
كبريا يف العقود األخرية،
تطورا ًً وقد عرف البحث األخالقي
وأضحت األخالقيات عبارة عن التفكري النظري والتقعيد العميل
املتعلقني بالقيمة األخالقية ملامرسات معينة .فهو هيدف إىل َّأل يرتك
هذا التقييم للحدس الشخيص أو العادة السائدة أو غريمها ،بل خيضعه
للتفكري والنقاش والنقد .وأصبحت تربز أخالقيات جماالت النشاط
البرشي واملهن بأنواعها :أخالقيات الصحافة ،أخالقيات السوق،
أخالقيات العمل السيايس واالنتخايب ،أخالقيات الرياضة وما إىل
ذلك.
ويف الطب ،ممارسة وبح ًثا علم ًّيا ،تطورت األخالقيات بشكل كبري،
وأضحت مدرسة متكاملة ،وعقدت هلا اللجان واهليئات املتخصصة،
وصدرت بشأهنا املواثيق والقرارات املتضمنة للموجهات اهلادية
والقواعد الضابطة.
واليوم ال يسمح ألي مجعية طبية عرب العامل بأن تكون معرت ًفا هبا
من قبل اهليئات الطبية العاملية إال بعد أن تلتزم بالقواعد األخالقية
ملهنة الطب وللتخصص الذي تشتغل فيه .كام أضحى اليوم من غري
املمكن يف الدول التي حترتم نفسها أن جيرى بحث طبي حيوي من دون
احلصول عىل موافقة جلنة أخالقيات معتمدة.
90
ثان ًيا :بني األخالق اإلسالمية والتطور األخالقي املعارص
تظهر نصوص إسالمية متضافرة أن األخالق مشرتك إنساين ومنظومة
فطرية نشأت يف خمتلف األمم والثقافات ،وأن الصحيح فيها تبني
مصطلحات إنسانية مشرتكة .فالناس متفقون عىل أصول هذه
األخالق ،فالصدق والكرم والوفاء والعدل هي معان حممودة يف كل
القيم اإلنسانية ،كام أن القيم املعاكسة هلا معان مذمومة مثل الكذب
والظلم والزور وغريها.
لذلك فإن اخلطاب يف القرآن الكريم عندما حيث عىل القيم واألخالق
يوجه اخلطاب إىل مجيع اخللق وليس إىل خاصة املؤمنني به ،وأمجع آية يف
َّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاكُم ِّمن َذك ٍَر َو ُأن َثى َو َج َع ْلنَاك ُْم
ذلك قوله تعاىلَ « :يا َأ ُّ َيا الن ُ
ُش ُعو ًبا َو َق َب ِائ َل لِ َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم ِعندَ ال َّل ِه َأ ْت َقاك ُْم» (احلجرات :اآلية
.)13ويف احلديث الصحيح تأكيد أن اإلسالم أتى يف سياق البناء عىل
إنجازات املسرية البرشية املستمرة ،فقال صىل اهلل عليه وسلم« :إنام
بعثت ألمتم مكارم األخالق» .وقد قال عبد اهلل بن عباس عن الوصايا
العرش املذكورة يف اآليتني 152 ،151من سورة األنعام« :هذه اآليات
هي املحكامت التي ذكرها اهلل يف سورة آل عمران أمجعت عليها رشائع
اخللق ،ومل تنسخ قط يف ملة».
ومن كبار األخالقيني املسلمني الذين أكدوا هذه احلقيقة ،األستاذ
1
حممد عبد اهلل دراز .فقد رجع يف كتابه «دستور األخالق يف القرآن»
إىل اإلنتاج األخالقي لكبار مفكري العرص احلديث ،واستفاد منهم
وقارن بني كتاباهتم وبني ما ورد يف القرآن الكريم ،وسجل الكثري من
مثل يقف عند تأكيد مانويل كانط عىل أن مصدرالتوافقات .فها هو ً
91
اإللزام األخالقي موجود «يف تلك اململكة العليا يف النفس اإلنسانية
التي توجد مستقلة عن الشهوة وعن العامل اخلارجي م ًعا» .2فيسجل
بأهنا «ال تعد من املسلامت فحسب ،بل إهنا لتتفق متا ًما -فيام نرى -
مع النظرية املستخلصة من القرآن . لقد علمنا هذا الكتاب أن النفس
«و َن ْف ٍ
س اإلنسانية قد تلقت يف تكوينها األويل اإلحساس باخلري وبالرشَ :
َو َما َس َّو َاها (َ )7ف َأ ْل َ َم َها ُف ُج َ
ور َها َو َت ْق َو َاها» (الشمس :اآليتان .»)8 ،7
ثم يثني يف مكان آخر عىل قول كانط الذي أدرك «بفضل تعمقه
أساسا القاعدة
ً الفكري امللحوظ االختالف الكبري الذي يفصل
األخالقية عن مجيع القواعد األخرى العملية».3
وانطال ًقا من ذلك ،أكد يف مقدمة الكتاب أن عمله يف أطروحته هو
«نوع من التأليف ،تلتقي فيه األفكار األخالقية من الرشق بنظرياهتا من
الغرب ،يف مقارنة واعية حمايدة بريئة من كل فكرة مسبقة ومن كل هوى
متعصب ملدرسة بعينها» ،ليخلص يف األخري إىل خالصة ذات داللة
ً
استهالل يف ً
قائل« :ترى هل يكون هذا التقارب بني خمتلف الثقافات
املجال العميل يعقبه فهم أرحب ً
جمال ونزوع إىل اإلنسانية أكثر امتدا ًدا،
حيث تتجمع القلوب ،من هنا وهناك ،وتتشابك األيدي خلري بني
اإلنسان؟».4
إن اخلالصة العملية هلذا املعطى املهم هو أننا يف موضوع األخالقيات
عمو ًما ،واألخالقيات الطبية عىل وجه اخلصوص ،سنجد املشرتك
اإلنساين هو األكثر .ويمكن للمسلمني أن يندجموا يف املسرية األخالقية
العاملية احلالية ،ويتفاعلوا معها إجياب ًّيا ،ويسهموا فيها ويف ترشيدها
أكثر .وليسوا بحاجة إىل االنعزال عن اآلخرين بوثائق خاصة هبم.
92
ثال ًثا :أصول القواعد األخالقية يف الطب النفيس
لقد اهتم األطباء منذ عرف اإلنسان املامرسة الطبية بأن تكون مبنية عىل
ربا عن ذلك
معايري أخالقية .ومن هنا عرف األطباء قسم أبقراط مع ً
اهلم األخالقي .وتأثرت القواعد األخالقية يف ميدان الطب بالتحوالت
الفلسفية واالجتامعية القاضية باملرور من عالقة «أبوية» بني الطبيب
واملريض إىل عالقة تتأسس عىل تشارك وتعاقد مرتكزين عىل اإلنصات
واحلوار ،كام تنطلق من إدراك أن االهتامم باملريض ال يعني االهتامم
مريضا
شخصا ً
ً أيضا باملعاناة التي حيس هبا .وهو ليس
باملرض فقط ،بل ً
فحسب ،بل هو إنسان بأبعاده املختلفة .ومن هنا يأيت التأكيد املتزايد
عىل رضورة احرتام املبادئ األساسية للتفكري األخالقي ،وهي عىل
العموم أربعة:
1 .1فعل اخلري باحلرص عىل مصلحة املريض.
2 .2احرتام كرامة املريض واستقالليته.
3 .3احلق يف املعلومة.
4 .4املوافقة الرضائية واملتبرصة للعالج.
ومن هذه املبادئ تتفرع العديد من احلقوق والقواعد األخالقية التي
تؤطر عالقة الطبيب باملريض وبالعملية العالجية.
والطب النفيس هو فرع من الطب يركز عىل دراسة األمراض
النفسية وتصنيفها وتشخيصها وعالجها .وهو يف غايته الكربى هيدف
إىل التخفيف من املعاناة النفسية واالجتامعية لإلنسان .وباعتباره فر ًعا
من فروع الطب ،فإن التطور األخالقي الذي عرفته األخالقيات الطبية
ينطبق عليه من حيث العموم.
93
وبسبب سوء استعامل الطب النفيس وتسخريه ألغراض سياسية
يف االحتاد السوفييتي ،وذلك بالتعامل مع املعارضني عىل أهنم مرىض
نفسيني ،فقد اعتمدت اجلمعية العاملية للطب النفيس سنة 1977إعالن
هاواي الذي تضمن قواعد إرشادية لألخالقيات املطلوبة يف الطب
النفيس ،ثم أعيد حتديثها بعد ذلك عىل مراحل .ونصت الوثيقة عىل
أن تلك القواعد متثل احلد األدنى من متطلبات املعايري األخالقية ملهنة
الطب النفيس .ونورد هنا أهم ما ورد فيها باختصار:5
1 .1عىل الطبيب النفيس أن يبذل أفضل ما لديه لعالج املرىض بام
يتفق مع املعرفة العلمية ،واملبادئ األخالقية املقبولة ،كام أن
عليه أن يكون معن ًّيا بالنفع العام ،وختصيص املوارد الصحية
عىل نحو عادل.
2 .2جيب أن تنبني العالقة العالجية عىل االتفاق املتبادل ،وعىل
الثقة والرسية والتعاون واملسؤولية املشرتكة.
3 .3جيب إبالغ املريض بطبيعة حالته الصحية وباإلجراءات
العالجية ،بام يف ذلك البدائل املمكنة ،والنتائج املحتملة.
4 .4ال جيوز اختاذ أي إجراء ،أو إعطاء عالج ضد إرادة املريض
نفسه ومن دون احلصول عىل موافقته ،اللهم إال إذا كان غري
قادر بسبب مرضه النفيس عىل أن خيتار العالج األفضل له،
أرضارا جسيمة له أو لآلخرين.
ً وبرشط أال حيدث
5 .5جيب عىل الطبيب النفيس أال يستخدم إمكاناته املهنية يف انتهاك
كرامة املريض ،أو حقوقه أو حقوق أي فرد أو مجاعة ،وأال يدع
94
أبدً ا الرغبات أو املشاعر أو التحيزات أو املعتقدات الشخصية
غري املالئمة أن تتدخل يف العالج.
6 .6جيب احلصول عىل املوافقة املسبقة للمريض عىل إرشاكه ضمن
عينة جيرى عليها البحث العلمي ،مع رضورة اختاذ مجيع
التدابري املعقولة للحفاظ عىل هويته ومحاية سمعته الشخصية.
وحيتفظ املريض بحرية االنسحاب يف أي وقت يريده من
برنامج البحث ،كام له احلق منذ البداية يف رفض الدخول فيه.
وجيب أال يؤثر ذلك عىل جهود الطبيب النفيس يف مساعدة
املريض وعالجه.
7 .7ينبغي للطبيب النفيس أن يوقف مجيع الربامج العالجية أو
التعليمية أو البحثية التي تنطوي عىل ما يناقض مبادئ هذا
اإلعالن.
ثم قامت اجلمعية العاملية للطب النفيس بتطوير هذه القواعد العامة
وتفصيلها ،وتوضيح املوقف األخالقي يف عدد من احلاالت املستجدة
التي تعرتض الطبيب النفيس ،يف إعالن مدريد الذي صدر يف مجعيتها
العمومية سنة ،1963وطور بعد ذلك يف عدد من املؤمترات.6
إن االلتزام باملبادئ والقواعد األخالقية أمر رضوري يف ممارسة
الطب النفيس حتى ال يرتك املريض حلسن نية طبيبه .وهذا ال يعني
إلغاء االعتبارات الدينية والثقافية واالجتامعية ملختلف الشعوب
واحلضارات ،بل من الواجب رعايتها ودجمها -ما أمكن -ضمن
املواثيق الدولية التي تصدر يف هذا املجال .واليوم وف ًقا لقوانني «اجلمعية
العاملية للطب النفيس» فإنه ال يسمح ألي مجعية متخصصة يف الطب
95
النفيس باالنضامم للجمعية العاملية إال إذا التزمت بقوانينها األخالقية
وبإعالين هاواي ومدريد.
- 3رسية املعلومات
هذا من بني املبادئ األخالقية ذات األمهية يف الطب عمو ًما ويف الطب
103
النفيس عىل وجه خاص .لذلك تنص كل الوثائق األخالقية عىل رضورة
حفاظ الطبيب املعالج واملؤسسة العالجية عىل خصوصيات املريض
وعىل رسية املعلومات اخلاصة به ومعلومات التشخيص والتحاليل
الطبية والعالج والسجالت الطبية بعد احلصول عىل موافقة املريض
أو موافقة الويص القانوين عليه ومنع سوء استخدامها .وال يسمح بأن
يطلع عىل امللف الطبي إال الفريق املعالج ،وما سواه حيتاج إىل موافقة
مستنرية رصحية من املريض.
ويف الطب النفيس يكتسب املوضوع أمهية خاصة بالنظر إىل طبيعة
املعلومات التي تتداول بني املريض ومعاجله .ويف وثيقة مدريد« :ينبغي
رسا،
أن تبقى املعلومات التي تم احلصول عليها من العالقة العالجية ًّ
وال تستخدم إال بغرض حتسني الصحة النفسية للمرىض ،ويعترب ممنو ًعا
عىل أطباء النفس استخدام تلك املعلومات ألسباب شخصية أو لفائدة
مادية أو أكاديمية» .وخصوصية الطب النفيس أن املريض قد يشكل
خطرا عىل نفسه أو عىل غريه ،ما يستلزم إخبار اجلهات املعنية باألمر يف
ً
إطار ما ينظمه القانون .تقول الوثيقة« :وال يمكن ختطي هذه الرسية إال
يف حالة ما إذا كان هناك رضر جسدي أو نفيس للمريض أو لشخص
ثالث سيحدث إذا استمرت هذه الرسية .وعىل أطباء النفس -يف مثل
أول عن طبيعة العمل الذي سيقوم هذه الظروف -نصيحة املريض ً
به إذا كان ذلك ممكنًا ،واألمر نفسه ينطبق عىل حاالت تتضمن خطر
األذى لألطفال».
ويدخل يف هذا الباب حق املريض يف االطالع مبارشة عىل ملفه
الطبي وعىل الوثائق التي يتضمنها .كام أن من حقه أن يطلب ً
نسخا منها
104
وأن حيصل عليها .وبالنسبة للمرىض النفسيني يرتبط هذا احلق بمدى
وعيهم وقدرهتم عىل التمييز ،حتى يستعملوا معلومات ملفهم الطبي
بالطريقة السليمة .ويتأكد هذا األمر أكثر بالنسبة للمرىض الذين نُقلوا
ضد إرادهتم إىل املستشفى ،حيث جيب االستناد إىل مشورة أرسهتم،
وأن يكون االطالع بمساعدة طبيب من اختيارهم.
- 4جتنب االستغالل
هناك خصوصية أخرى للعالج النفيس هي أن اهلشاشة النفسية
للمريض جتعله يواجه خطر االستغالل من قبل املعالج .لذلك تنص
الوثائق األخالقية عىل رضورة أن تكون العالقة التي تربط املعالج مع
املتعالج عالقة موضوعية متوازنة ،تبتعد عن أي استفادة منه ماد ًّيا أو
معنو ًّيا إال يف حدود األجر املتعارف عليه يف إطار مقتضيات القانون.
كام أن عىل املعالج أن يبتعد عن إقامة عالقات شخصية مع املتعالج
يشوهبا االستغالل اجلنيس أو املادي بأي صورة من الصور.
113
فيه ،عندما يصوغه املتخصصون ،أن يكون صوا ًبا .وإذا كان كذلك
فاملفروض أن يتوافق مع املعطيات الرشعية .وإذا كان يعارضها فهناك
خطأ يف فهم املعطى الرشعي أو يف فهم املعطى العلمي.
- 6مل يواكب العديد من الدراسات يف التأصيل اإلسالمي التطورات
املنهجية واملعرفية لعلم النفس .فقد انتقل علم النفس يف الربع األخري
من القرن التاسع عرش من كونه شعبة من الفلسفة ،خيضع فيها ملسبقات
نظرية ،إىل علم مستقل خيضع ملا ختضع له خمتلف فروع املعرفة العلمية
من منهجية إخضاع الفرضيات للتجربة العملية التي تثبتها أو تنفيها.
ورشطها األساس هو إمكانية إعادة جتربتها من قبل أي مالحظ يتقن
منهجية التجربة التي أثبتتها أول مرة .لكن ذلك االنتقال مل يكن عا ًّما
وال حقيق ًّيا إال عرب مراحل وعىل مدى عقود من الزمان .فبقيت تأثريات
املسبقات الفلسفية قوية يف عدد من نظريات علم النفس طيلة النصف
كبريا
تطورا منهج ًّيا ً
ً األول من القرن العرشين .ثم عرف البحث العلمي
أساسا باعتامد معايري تشخيصية دقيقة واعتامد املنهجية اإلحصائية يف
متيز ً
الدراسات النفسية .وتلت ذلك اكتشافات ذات أمهية بالغة يف ميادين
البيولوجيا العصبية (الكيمياء العصبية والتصوير العصبي) وعلم النفس
العصبي وعلم الوراثة وغريها .لقد قلبت هذه املعطيات اجلديدة مقاربة
احلياة النفسية عمو ًما ،واالضطرابات النفسية عىل وجه اخلصوص ،عىل
خمتلف املستويات :التفسري والتصنيف والتشخيص والعالج .والشاهد
عندنا أن أغلب حماوالت أسلمة علم النفس مل تأخذ يف االعتبار هذه
التحوالت الضخمة ،فجاءت كأهنا رد فعل عىل مدارس أو تفسريات
متجاوزة.
114
وأخريا ،فإن املحاوالت التي متت حتى اآلن مل تفلح يف اإلقناع
ً -7
بإمكانية نسج علم مستقل أو فرع مستقل يف ما يصطلح عليه :علم
النفس اإلسالمي .كام مل تستطع األبحاث املتتالية اإلجابة عن سؤال
ً
وعمل نظرا
ما هي التوجهات أو التصورات الواجب مراعاهتا ً -
-يف مسرية علم النفس من قبل الباحثني املسلمني .لذلك فهل فكرة
«األسلمة» أو «التأصيل اإلسالمي» هي من أساسها غري صحيحة ،أم
أن املنهجية املتبعة واألدوات والوسائل املستعملة غري سليمة؟ الراجح
يف رأينا أن علم النفس علم يصاغ بأدواته ،واملسلمون عليهم استعامل
تلك األدوات املنهجية أو تطويرها ،واإلسهام مبارشة من قبل الباحثني
املسلمني يف تطوير العلم ،ال صياغة علم آخر أو فرع مستقل له.
اهلوامش
من خرجيي جامع األزهر ،وكتابه «دستور األخالق يف اإلسالم» عبارة عن رسالة نال هبا 1
شهادة الدكتوراه باللغة الفرنسية من جامعة السوربون سنة .1947
دستور األخالق يف اإلسالم ،ص .26 2
نفسه ،ص .61 3
نفسه ،ص .18 4
هذا ليس ترمجة لإلعالن وإنام إيراد ألهم نقاطه ،وبعض التفاصيل سرتد يف الفقرات 5
املوالية .انظر النص الكامل إلعالن هاواي عىل موقع اجلمعية العاملية للطب النفيس عىل
الرابط:
http://www.wpanet.org/detail.php?section_id=5&content_id=27
انظره يف موقع اجلمعية عىل الرابط: 6
http://wpanet.org/detail.php?section_id=5&content_id=48
World Psychiatic Association: Religion and Psychiatry, 2009, p 1 7
115
موجود يف موقع اجلمعية العاملية للطب النفيس عىل الرابط 8
http://arabpsynet.com/Journals/WJ/ArabicWP-Feb2013.pdf
9ابن قيم اجلوزية :إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان18/1 :
10رشح السنة.162/12 ،
11نجايت ،حممد عثامن :منهج التأصيل اإلسالمي لعلم النفس .جملة املسلم املعارص ،ع،57
1411هـ .ص.45 - 21
116
مركزدراسات التشريع اإلسالمي واألخالق
ص.ب 34110 .الدوحة -قطر | هاتف | )+974( 4454 2840 :فاكس)+974( 4454 5676 :
www. cilecentre.org