Professional Documents
Culture Documents
حبث أعمال ّ
قراءة يف كتاب أسرار البالغة
للشيخ اإلمام عبد القاهر ابن عبد الرمحن اجلرجاين النحوي
كي بن مصطفى مسوه املشرف :ال ّدكتور األستاذ ّ
حممد ز ّ
أغسطس2022م
1
املقدمة
الرحيم،
الرمحن ّ
بسم هللا ّ
عمت حبكمته الوجود ،نشهد أنّه ال إله ّإال هو
احلمد هلل الواحد ،الّذي ليس كمثله شيء ،الّذي ّ
كل وقت
وحده ال شريك له ،له احلمد وله امللك ،وهو الغفور الودود ،حنمده ونشكر فضله يف ّ
الصلوات ،وأمتّ التّسليمّ ،أما بعد.
حممد ،عليه أفضل ّ
الرسل سيّدان ّ
وحني ،ونشهد أ ّن خامت ّ
ونتمّن من هللا أن يلقي حبثنا
اليوم سنق ّدم لسيادتكم هذا البحث اهلام ج ّدا ،ملادة األدب والبالغةّ ،
اقي إن شاء هللا.
الر ّ
استحسانكم ،وعند حسن ظنّكم ،وأن يليق مبستوى فكركم ّ
يتح ّدث حبثنا هذا عن علم البالغة يف موضوعه ( يف حدي احلقيقة واجملاز وما فيه من الشروط )
ابإلجياز والتّفصيل ،وحنن قد قدمنا عناصره بشكل شامل وواضح ،ومل نقصر من حمتواه ولو بشيء،
الشعريّة ،مع األقوال احلكماء ،لكي جنعل
ونذكر أيضا النّماذج واألمثلة من القرآن الكرمي ،واألبيات ّ
وتتكون يف هذا
أهم النّقاط الّيت قد تتساءل عنها ّ
هذا البحث كامال كما نستطيع ،وأن نكون وضحنا ّ
اخلاصة بدراسة ومناقشة هذا
املوضوع ،ونرجو من هللا التّوفيق واهلداية لتق ّدم املعلومات الكافية ّ
املوضوع .وحنن اآلن يف االنتظار إىل تقييمكم ومالحظاتكم ،من أجل تطوير هذا البحث إىل أفضل
وأحسن حال ،ونشكركم على سعة صدركم ،وهللا املوفّق واملستعان.
2
التمهيد
أساسي من موضوعات علم البالغة العربيّة ،ويندرج حتت ابب علم البيان،
ّ أ ّن احلقيقة واجملاز موضوع
عرف علم البيان على أنّه العلم الّذي ُُي ّكنك من التّعبري عن املعّن الواحد بطرق خمتلفة ،مع وضوح
ويُ ّ
وجمازا
وجؤوزا ً
ً زت الطّريق ،وجاز املوضع جو ًازا
عرف ابن منظور اجملاز لغةً من ُج َ
ال ّداللة عليه ،وقد ّ
أي :تكلّم يف اجملاز .واجملاز
وجتوز يف كالمه ّ
أي أنفذهّ ، أي :خلفه وقطّعه ،وأجازه ّ وجاز به ،وأجازه ّ
وصل إىل معّن يريده القائل ،مع ضرورة وجود
هو سلوك طريق غري مألوف للفظة من األلفاظ ،للتّ ّ
األصلي.
ّ قرينة متنع من إرادة املعّن
الشعريّة والقرآنيّة.
-أن أمتثّل مقاصد احلقيقة واجملاز يف فهم النّصوص ّ
3
]صفحة [360
وهكذا شأن البيت)1( ،إذا أحسنت النّظر وجدتّه = إذا مل أتخذه من طريق املثل ،ومل أتخذ املعّن من
جمموع التّل ّقى/واليمني على ح ّد قوهلم ( :تقبّلته بكلتا اليدين) ،وكقوله :
قعد
حليمةُ ،إذ ألقى مراس َي ُم َ لعمرك ما َملت ثواء ثَويّها
الش ّماخ
السخاء ،ألنّه سأل ّ
الرجل ابجلود و ّ
الشعر كما تعلّم ملدح ّ
يبني ذلك من جهة العبارة :أ ّن ّ
وممّا ّ
(جئت ألمتار))4( ،فأوقر
ُ عما أقدمه؟ فقال :
ّ
_____________________________________________________________________
السالف.
( )1يعين بيت الشماخ ّ
( )2هو ألوس بن حجر يف ديوانه ،يذكر فضل حليمة بنت فضالة بن كلدة ،ويدها عليه حني صرعته انقته .وشرح البيتني على ترتيبهما.
الضيف املقيم .و(ألقى مراسي مقعد) ،يريد حني استقر عندها ال يقدر على احلركة ،و(الضمانة) العاهة والداء.
(الثّواء) اإلقامة .و(الثّوى) ّ
و(فلج) و(القنافذ) موضعان .و(العود) مجع (عائد) ،وهو الذي يعود املريض.
( )3السياق ( :وهكذا شأن البيت إذا أحسنت النظر ،وجدته = إذا مل أتخذه من طريق املثل = ...وهو يشكوك .)...
4
]صفحة [361
مترا وبًُّرا و حأحتفه بغري ذلك)1( .وإذا كان كذلك ،كان اجملد الّذي تطاول له وم ّد إليه يده ،من
رواحله ً
اجملد الّذي أراده أبو متام بقوله :
( )2 ابلصراع
درُك ّ
كأ ّن اجملد يُ َ أت جسمي َحني ًفا
تَ َوج ُع أن ر ح
القوة أشبه،
الش ّدة ،لكان َمحح ُل اليمني على صريح ّ
القوة و ّ
ولو كان يف ذكر البأس والبطش وحيث تراد ّ
وقوة رغبة = قيل فينبغي أن
ك أجدر .فإن قال :أراد تل ّقاها جب ّد ّ
يتماس ُ
وأبن يقع منه يف القلب معّن َ
فالسكوت عنه أحسن .وما زال النّاس يقولون
التزم ذلك ّ
ومن َيضع اليمني يف مثل هذه املواضعَ .
للرجل إذا أرادوا حثه على األمر ،وأن أيخذ فيه ابجل ّد ( :أخرج يدك اليُمّن!) ،وذاك ّأنا أشرف
ّ
اليدين وأقوامها ،والّيت ال غناء لألخرى دونا ،فال عُّن/إنسان بشىء ّإال بدأ بيمينه فهيّأها لنيله .ومت
الشىء يف جهة العناية ،جعلوه يف اليد اليمّن ،وعلى ذلك قول البحرتي :
ما قصدوا جعل ّ
( )3 اليوم ،يف يد َك اليمني
إليه َ أسندت أمري
َ وإ ّن يدي ،وقد
_____________________________________________________________________
5
]صفحة [362
مت ،وهو
الش ّدة .وعلى ذلك فإ ّن اعتبار األصل الّذي ق ّد ُ
ابلقوة و ّ
مدح ّ = لكان أع َذر فيه ،أل ّن املدح ٌ
ث
ضبَ َ
ث َ
ضبَ َ
أنّك ال ترى (اليمني) حيث ال معّن للي ّد ،يقف بنا على الظّاهر ،كأنّه قال :إذا َ
ابليمني.
_____________________________________________________________________
( )1غابت عين هذه األبيات ،وسليمان بن قتة العدوي ،موىل (تيم قريش) تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
(( )2الفرس) مصدر (فرس األسد الفريسة) ،دق عنقها .و(الضغن) ،املنطوى على الضغن ،وهو احلقد .و(احلرون) ،الصعب ال ينقاد.
6
]صفحة [363
قطعا
وظن ّأنا مقطوعةٌ عنها ً ومثَ ُل من توقف يف التّفات هذه األسامي إىل معانيها األ َُولّ ، َ – 311
ۡ
ك لَذكَرى ل َمن
الصلةَ بينها وبني ما جازت إليهَ ،مثَ ُل َمن إذا نظر يف قوله تعاىل ( :إن فی َذ ٰل َيرفع ّ
ۡ ۡ
ب أ َۡو أَل َقى ٱلس ۡم َع َوُه َو َشهيد )(سورة ق ،)37 :فرأى املعّن على الفهم والعقل = ()1أخده
َكا َن لَهُۥ قَ ٌ
ل
ويدخ َل إىل
أيخذه من جهتهُ ، ساذجا وقَبلَه غُ حف ًال ،وقال ( :القلب ،ههنا مبعّن :العقل) = وترك أن ُ ً
فيقول ( :إنّه حني مل ينتفع بقلبه ،ومل يفهم بعد أن كان القلب للفهمُ ،جع َل
املعّن من طريق املثَل َ
َ
وخلع من صدره َخ حل ًعا ،كما ُجعل الّذي ال يَعي احلكمة وال يُعمل الفكر
القلب مجلةً ُ
كأنّه قد َعد َم َ
الصمم) = ()2ويذهبالع َمى و ّ
للسمع والبصر ،وداخل يف َ عادم ّ
عينه وتَسمعه أذنه ،كأنّه ٌ
فيما تُدركه ح
السامع
حيضرين قليب) فإنّه يريد أن ُُييّ َل إىل ّ
عين قليب) ،و (ليس ُ
الرجل إذا قال ( :قد غاب ّ
عن أ ّن ّ
ب عقلي) ،وإن كان املرجع عند التّحصيل
وعَز َ
عين علمي َأنّه قد فقد قلبه ،دون أن يقول ( :غاب ّ
الشىء ،فهو يضع كالمه على إىل ذلك ،كما أنّه إذا قال ( :مل أكن ههنا) ،يريد ش ّدة غفلته عن ّ
ختييل أنّه كان غاب هكذا جبملته وبذاته ،دون أن يريد اإلخبار أب ّن علمه مل يكن هناك.
***
_____________________________________________________________________
( )1السياق ( :مثل من إذا نظر يف قوله تعاىل ...أخذه ساذخجا .) ...
( )2السياق ( :وقال القلب ههنا مبعّن العقل ،...ويذهب عن أن الرجل ،)...عطف مجلة على مجلة.
7
]صفحة [364
( )3 مقاديرها
ُ بكف اإللَه
ّ األمور
هون عليك فإ ّن َ
ّ
فإنّه استشهد به يف أتويل خرب جاء يف عظَم الثّواب على الّزكاة إذا كانت
_____________________________________________________________________
مأمورها
عنك ُ وال قاصر َ آبتيك َمنحهيُّ َها
( )3هذا أحد بيتني ،اثنيهما :فليس َ
ومها لألعور الشين (اتبعي مسن ،أو خمضرم) ،ذكرمها سيبويه له ،31:1واحلماسة البصرية رقم ،625 :ومها يف شرح شواهد املغين البغدادي
،275-269:3والسيوطي أيضا ،295 ،146 :واستشهد ابألول يف اخلزانة ،148:10وابلثاين فيها ،136:4وكتاب العمدة ،نسبهما
لعمر بن اخلطاب ،مث قال ( :يقال مها لألعور الشين) ،ونقل البغدادي عن البيهقي يف األمساء والصفات إبسناده أن عمر كان يكثر
إنشادمها على املنرب ،دون نسبة ،ويف أنساب األشراف ( )362:5أن عبد هللا بن الزبري حني كان املنجنيق جييئه ،فيقال له :تن ّح ،فينشد
البيتني .ونسبهما صاحب العقد ( )207:3البن أب حازم ،وال أعلم من هو اآلن .وذكر البيت األول اجلاحظ يف رسالة النصارى (رسائل
اجلاحظ ،)337:3فظن األستاذ عبد السالم هرون أن ما يف العقد خطأ ،وأن الشعر حملمد ابن حازم بن عمرو الباهلي ،وهو متأخر يف
الدولة العباسية .فمحال أن ينشدمها عمر بن اخلطاب وعبد هللا بن الزبري ،وأن يستشهد هبما سيبويه يف كتابه .وقال البغدادي يف شرح
شواهد املغين ( :رأيتهما يف ديوان أمري املؤمنني علي بن أب طالب) .والصواب هو األول ،لألعور الشين.
8
]صفحة [365
***
( )2حديث أب هريرة بنحو ما هو هنا يف البخاري ،كتاب الزكاة( ،ابب الصدقة من الكسب الطيب)( ،الفتح )222-220 : 3ويف كتاب
ۡ ۡ ٰۤ
وح إلَ ۡيه )( ،الفتح ،)352 : 13ورواه مسلم يف كتاب الزكاة( ،ابب قبول الصدقة من الكسبالتوحيد ( ،قوله تعاىل :تَع ُر ُج ٱل َملَ َ ُ
لر
ُّ ٱ
و ة
ُ ك
َ ىِٕ
الطيب) ،مث كثري من دواوين السنة .و(الفلح ُو) و(ال َفلُّو) ،املهر إذا فطم.
9
]صفحة [366
فصل
– 314والّذي ينبغي أن يُذكر اآلن :ح ّد اجلملة يف احلقيقة واجملازّ ،إال أنّك حتتاج أن تعرف يف
ختصت الفائدة ابجلملة ،ومل جيز
أصال ،وهو املعّن الّذي من أجله ا ّ
صدر القول عليها ومق ّدمته ً
ض ّم إليه ،والعلّة يف ذلك أ ّن مدار
حصوهلا ابلكلمة الواحدة ،كاالسم الواحد ،والفعل من غري اسم يُ َ
أقدمها ،والّذي تستند
في ،أال ترى أ ّن (اخلرب) ّأول معاين الكالم و ُ
الفائدة يف احلقيقة على اإلثبات والنّ ّ
سائر املعاين إليه وترتتّب عليه؟ وهو ينقسم إىل هذين احلكمني.
_____________________________________________________________________
10
]صفحة [367
مرتني،
حكمي اإلثبات والنّفي حاجة إىل أن تقيّده ّ
لكل واحد من َ
– 315فقد حصل من هذا أ ّن ّ
وتُعلّقه بشيئني.
الراسيات وال تزول .وال تنظر إىل قوهلم ( :فالن يثبت كذا)،
فهذه هي القضيّة املربمة الثّابتة الّيت تزول ّ
أي :يقضي بعدمه/كقولنا ( :أبو احلسن يثبت مثال
أي :ي ّدعي أنّه موجود ،و (ينفي كذا)ّ ،
ّ
ُجخ َدب بفتح ال ّدال ،وصاحب الكتاب ينفيه) ،أل ّن الّذي قصدتّه هو اإلثبات والنّفي يف الكالم.
***
11
]صفحة [368
***
عرفت هذا األصل ،فههنا أصل آخر يدخل يف غرضنا :وهو أ ّن األفعال على
– 317وإذ قد َ
ضربَني ( :متع ّد) و (غري متع ّد) ،فاملتع ّدي على ضربَني :
12
]صفحة [369
***
الضرب اآلخر :وهو الّذي منصوبه مفعول به ،فإنّك تُثبت فيه املعّن الّذي اشتُ ّق منه فَ َع َل فعالً
و ّأما ّ
يلحق اإلثبات مفعولَه، يدا) ،فال يُتص ّور أن َبت ز ً
الضرب لنفسك يف قولك ( :ضر ُ للشيء ،كإثباتك ّ
ّ
أبعد يف اإلحالة.
فعال ،وإثباتُه وص ًفا ُ
ألنّه إذا كان مفعوال به ،ومل يكن فعال لك/استحال أن تُثبته ً
رب
الض َ
مضرواب ،فإ ّن ذلك يرجع إىل أنّك تُثبت ّ
ً يدا
أثبت ز ً
يدا) ،إنّك ّ
بت ز ً
فأما قولنا يف حنو ( :ضر ُ
ّ
ذات زيد لك،
فأما أن تُثبت َ
اقعا به منكّ ،وً
13
]صفحة [370
(أحيَا هللا
تصور ،أل ّن اإلثبات كما مضى ال ب ّد له من جهة ،وال جهةَ ههنا .وهكذا إذا قلت :ح
فال يُ ّ
فعال هلل هبذا
فأما ذات زيد ،فلم تُثبتها ً
فعال هلل تعاىل يف زيدّ ،
يدا) ،كنت يف هذا الكالم ُمثبتًا احلياةَ ً
زً
يدا) و (وأوجده) وما شاكله،
الكالم ،وإّّنا يتأتّى لك ذلك بكالم آخر ،حنو أن تقول ( :خلق هللا ز ً
خاص كاحلياة واملوت وحنومها من املعاين.
معّن ّ
شتق من ً
ممّا ال يُ ّ
***
إحدامها :أن تنظر إىل ما وقع هبا من اإلثبات ،أهو يف ح ّقه وموضعه ،أم قد زال عن املوضع
الّذي ينبغي أن يكون فيه؟
والثّانية :أن تنظر إىل املعّن املثبَت = يعين :ما وقع عليه اإلثبات ،كاحلياة يف قولك ( :أحيا هللا
أاثبت هو على احلقيقة ،أم قد عُدل به عنها؟
الشيب يف قولك ( :أشاب هللا رأسي)ٌ = ،
زيدا) ،و ّ
وإذا ُمثّل لك دخول اجملاز على اجلملة من الطّري َقني ،عرفت ثَبَ َاَتا على احلقيقة منهما.
***
_____________________________________________________________________
( )1هو جلميل يف ديوانه اجملموع ،ومراجعه هناك .و(أنشز َن نفسي) ،أي بلغت روحه احللقوم .وروايته يف الديوان ( :وشيب روعات الفراق).
14
]صفحة [371
وقوله :
( )1 العشي
ومُّر َ
َر َكُّر الغَداة َ غري وأفّن الكيب
الص َ
أشاب ّ
ۡ
وجل ( :أ ََوَمن َكا َن َم ۡي تا فَأ َۡحيَ ۡي نَهُ َو َج َعلنَا عز ّ – 321ومثال ما دخل اجملاز يف ُمثبَته دون إثباته ،قوله ّ
ۡ
لَهُۥ نُورا َُيشی بهۦ فی ٱلناس )(سورة األنعام ،)122:وذلك أ ّن املعّن – وهللا أعلم – على أن ُجعل العلم
ا
ك ُروحا ّم ۡن أ َۡمرَان يواهلدى واحلكمة حياة للقلوب ،على حد قوله عز وجل ( :وكذ ٰلك أ َۡوح ۡي ن ٰۤا إلَ ۡ
ّ ّ ََ َ َ َ َ َ ّ ً
فأما اإلثبات فواقع على حقيقته ،ألنّه ينصرف إىل )(سورة الشورى ،)52:فاجملاز يف املثبَت هو (احلياة)ّ ،
كائن من عنده.
فضل من هللا و ٌ أ ّن اهلدى والعلم واحلكمة ٌ
_____________________________________________________________________
( )1هو للصلتان العبدي ،وشعره يف شرح احلماسة ،111:3والكامل ( ،1101:3طبعة حممد أمحد الدايل ،دمشق) ،وغريمها.
15
]صفحة [372
ا
ض بَ ۡع َد َم ۡوَتَا )(سورة فاطر ،)9:وقوله ( :إن ومن الواضح يف ذلك قوله عز وجل ( :فأ َۡحي ۡي نا به ٱ ۡأل ۡ
َر
َ ّ ّ َ ََ
ۡ
اها لَ ُم ۡحی ٱل َم ۡوتَ ٰۤى اٰ )(سورة فصلت ،)39:جعل ُخضرة األرض ونضرَتا وهبجتها مبا يُظهره هللا ي
ََ
ٱلذ ٰۤی أ ۡ
َح
جمازا يف املثبَت ،من
الصنع ،حياةً هلا ،فكان ذلك ً تعاىل فيها من النّبات واألنوار واألزهار وعجائب ّ
فمحض احلقيقة ،ألنّه إثبات ملا
ُ فأما نفس اإلثبات
حيث جعل ما ليس حبياة حياةً على التّشبيهّ ،
أحق من ذلك.
فعال هلل تعاىل،ال حقيقةَ ّ
مثال له ً
ضرب احلياة ً
***
مبعّن وصفةٌ
معّن ً
مجيعا .وذلك أن يشبه ً
صور أن يدخل اجملاز اجلملةَ من الطّري َقني ً
/ - 322وقد يُت ّ
الصفة ،فيكون
فعل تلك ّ
يصح الفعل منه ،أو ُ
فعال ملا ال ّ
اسم تلك ،مثّ تُثبَت ً
بصفة ،فيستعار هلذه ُ
الرجل لصاحبه ( :أحيَ حتين رؤيتُك) ،يريد :
كل واحد من اإلثبات واملثبَت جم ٌاز ،كقول ّ
أيضا يف ّ
الرؤية فاعلةً لتلك
ابلرؤية حياةً ّأوًال ،مثّ جعل ّ
وسرتحين وحنوه ،فقد جعل األُنس واملسرة احلاصلةَ ّ
آن َسحتين َ
احلياة.
املتنيب :
وشبيهٌ به قول ّ
بس ُم واجلَ َدا
ويقتل ما حتيي التّ ّ
ُ املال الصوارُم وال َقنَا
وحتيي له َ
ُ
***
16
]صفحة [373
– 323وإذ قد ت ّبني لك املنهاج يف الفرق بني دخول اجملاز يف اإلثبات ،وبني دخوله يف املثبَت ،وبني
الصورة يف اجلميع ،فاعلم أنّه إذا وقع يف اإلثبات فهو متل ّقى من العقل ،وإذا
وعرفت ّ
َ أن ينتظمهما =
مت
صحة هذه ال ّدعوى ،فإ ّن فيما ق ّد ُ
احلجةَ على ّ
طلبت ّ
عرض يف املثبَت فهو متل ّقى من اللّغة ،فإن َ
من القول ما يبيّنها لك ،وُيتصر لك الطّريق إىل معرفتها.
ض )(سورة فاطر ،)9:فإّّنا كان مأخ ُذه فأما إذا كان اجملاز يف املثبت كنحو قوله تعاىل ( :فأ َۡحي ۡي نا به ٱ ۡأل ۡ
َر
َ َ ََ َ ّ
اسم احلياة
اللّغة ،ألجل أ ّن طريقة اجملاز أبن أجري ُ
17
]صفحة [374
متثيال ،مثّ اشتُ ّق منها = وهي يف هذا التّقدير = الفعل الّذي هو (أحيا)،
تشبيها و ً
على ما ليس حبياةً ،
للصفة الّيت هي ض ّد املوت ،فإذا ُجتُّوز يف االسم فأُجري
اقتضت أن تكون احلياة امسًا ّ
واللّغة هي الّيت ّ
على غريها ،فاحلديث مع اللّغة ،فاعرفه.
***
– 324إن قال قائل = يف أصل الكالم الّذي وضعتُه على أ ّن اجملاز يقع اترة يف اإلثبات ،واترة يف
املثبَت ،وأنّه إذا وقع يف اإلثبات فهو طالع عليك من جهة العقل ،وابد لك من أُفُقه = وإذا عرض
يف املثبَت فهو آتيك من انحية اللّغة = :
الشبهة ،أن تنظر إىل مدخل اجملاز يف املسألتَني .فإن كان مدخلهما
= فاجلواب إ ّن الّذي يدفع هذه ّ
ظننت ،وإن لك يكن كذلك ،استبان لك اخلطأ يف ظنّك.
من جانب واحد ،فاألمر كما َ
18
]صفحة [375
19
]صفحة [376
***
20
اخلامتة
21
الشجاع.
للرجل ّ
(ّ )2أما اجملاز :فهو اللّفظ املستعمل يف غري ما وضع له ،مثل كلمة أسد ّ
جمازا ،وخرج بقولنا (يف غري ما وضع له)
يسمى حقيقةً وال ً
فخرج بقولنا (املستعمل) املهمل ،فال ّ
احلقيقة.
يسمى يف علم
وال جيوز محل اللّفظ على جمازه ّإال بدليل صحيح ُينع من إرادة املعّن احلقيقة ،وهو ما ّ
البيان ابلقرينة.
ليصح التّعبري به
اجملازيّ ،
احلقيقي و ّ
ّ لصحة استعمال اللّفظ يف جمازه وجود ارتباط بني املعّن
ويشرتط ّ
يسمى يف علم البيان ابلعالقة .والعالقة هنا ّإما أن تكون املشاهبة أو غريها.
عنه ،وهو ما ّ
الشجاع.
الرجل ّ
-فإن كانت املشاهبة ،مسّي التّجوز (استعارةً) ،كالتّجوز بلفظ (أسد) عن ّ
-وإن كانت غري املشاهبة ،مسّي التّجوز (جمازاً مرسالً) إن كان التّجوز يف الكلمات ،و(جمازاً عقليّاً)
إن كان التّجوز يف اإلسناد.
مثال ذلك يف اجملاز املرسل أن تقول :رعينا املطر ،فكلمة (املطر) جماز عن (العشب) ،فالتّجوز هنا
هي يف الكلمة.
العقلي أن تقول :أنبت املطر العشب ،فالكلمات كلّها يراد هبا حقيقة معناها،
ّ ومثال ذلك يف اجملاز
ولكن إسناد اإلنبات إىل املطر جماز ،أل ّن املنبت يف حقيقة هو هللا تعاىل ،فالتّجوز هنا يكون يف
اإلسناد.
ابلزايدة ،والتّجوز ابحلذف.
ومن اجملاز املرسل :التّجوز ّ
س َكمثحله َش حيءٌ )(الشورى ،)11 :فقالوا :إ ّن الكاف زائدة
ابلزايدة بقوله تعاىل ( :لَحي َ
مثّلوا للمجاز ّ
لتأكيد نفي املثل عن هللا سبحانه وتعاىل.
أي :واسأل أهل القرية،
اسأَل الح َق حريَةَ )(يوسفّ ،)82 :
ومثال للمجاز ابحلذف هي قوله تعاىل َ ( :و ح
فحذفت (أهل) جمازاً ،وللمجاز أنواع كثرية مذكورة يف علم البيان.
وإما جماز،
وإّنّا ذكر طرف من احلقيقة واجملاز يف أصول الفقه :أل ّن داللة األلفاظ هي ّإما حقيقة ّ
كل منهما وحكمه ،وهللا أعلم.فاحتيج إىل معرفة ّ
22
التّنبيه :
املتأخرين يف القرآن وغريه ،وقال بعض أهل
تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز هو املشهور عند أكثر ّ
العلم رمحهم هللا تعاىل عنهم :ال جماز يف القرآن ،وقال اآلخرون رمحهم هللا :ال جماز يف القرآن وال يف
غريه.
نقيطي رمحه
الش ّ الشيخ حم ّمد األمني ّ
املتأخرين العالمة ّ
وبه قال أبو إسحاق اإلسفراييين رمحه هللا ،ومن ّ
هللا ،وقد ّبني شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رمحهما هللا تعاىل ،على أنّه (اصطالح)
تبني ملن اطلّع عليها أ ّن هذا
املفضلة ،ونصراه أبدلّة قويّة كثرية ّ
حادث بعد انقضاء القرون الثّالثة ّ
الصواب.
القول هو ّ
طالب العلم وعامة املسلمني ،إنّه على ما يشاء
نسأل هللا تعاىل أن يتقبّل منّا هذا العمل ،وينفع به ّ
صراط.
قدير ،وهللا من وراء القصد وهو اهلادي إىل سواء ال ّ
وما توفيقي ّإال ابهلل.
السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته.
و ّ
23
املصادر واملراجع
( )2كتاب أسرار البالغة يف علم البيان ،للشيخ اإلمام عبد القاهر ابن عبد الرمحن اجلرجاين ،الناشر
دار املدين جبدة.
( )3مقال :احلقيقة واجملاز يف البالغة ،غدير اخلدام ،موقع لغيت.كوم.
الحقيقة-والمجاز-ف-البالغةhttps://loghate.com/s/
( )4مقال :احلقيقة واجملاز :كتاب أصول الفقه من ورقات إمام احلرمني بشرح احلطاب ،موقع وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية.
الكتب-المدرسية-1541/المرحلة-األوىل/أصول-الفقهhttps://www.habous.gov.ma/-11862/
.htmlالحقيقة-والمجاز-كتاب-أصول-الفقه-من-ورقات-إمام-الحرمي ر
-بشح-الحطاب-التعليم-العتيق
( )5مقال :علم البيان :احلقيقة واجملاز ،حممود قحطان ،موقع حممود قحطان.كوم.
علم-البيان-الحقيقة-والمجازhttps://mahmoudqahtan.com//
24
الفهرس
الصفحة احملتوايت
2 املقدمة
3 التمهيد
4 - 20 منت الكتاب
21 - 23 اخلامتة
24 املصادر واملراجع
25
انتهت الكتابة واحلمد هلل
26