‫براعة االستهالل‬

‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي جعل لكم االرض فراشا و السماء بناء ‪ ،‬و جعل لكم مما خلق ظلال ‪ ،‬وجعل‬
‫لكم من ٱلجبال أكننا ‪ ،‬وجعل ٱليل سكنا وٱلشمس وٱلقمر حسبانا ‪ ،‬ذلك تقدير ٱلعزيز ٱلعليم‪ .‬اللهم صل علي‬
‫سيدنا محمد ‪ ،‬صل هللا عليه و سلم ‪ ،‬و على اله وصحبه و قرابته اجمعين اما بعد‪.‬‬

‫اللغة مهم لحياة الناس‪ .‬بدون اللغة ‪ ،‬ال يمكننا التواصل ‪ ،‬ونقل شيء لآلخرين‪ .‬كتب في املعجم املحيط‬
‫ُّلَغ‬ ‫ُّلَغ‬ ‫ُّلَغ‬ ‫ُّلَغ‬
‫ان اللغة [ لغو] هي أصواٌت ُي عِّب ر بها كُّل قوم عن أغراضهم كال ة اإلنكليزية ‪ ،‬ل ة فصيحة ‪ ،‬ل ة عاِّم َّي ة ‪ ،‬و ل ة‬
‫أخرى‪ .‬واللغة كُّل وسيلة لتبادل املشاعر واألفكار‪ ،‬كاإلشارات واألصوات واأللفاظ‪ .‬فاملثال لغة العيون‪ /‬لغة‬
‫اإلشارات للصّم والبكم‪ .‬فطبعا‪ ،‬وجب علينا ان يستولي على مهارات لغوية جيدة‪.‬‬

‫واالن ‪ ،‬سنبحث عن العلم املتعلقة باللغة‪ .‬العلم الذي يدبر االنسان في حسن الكالم ‪ ،‬في بهي التكلم‪.‬‬
‫فطبعا ‪ ،‬هو علم البالغة‪ .‬البالغة هي تأدية املعنى الجليل واضحا بعبارة صحيحة فصيحة ‪ ،‬لها في النفس أثر‬
‫خالب ‪ ،‬مع مالئمة كل كالم للموطن الذي يقال فيه ‪ ،‬واالشخاص الذين يخاطبون‪ .‬وعرف البالغة عمرو بن عبيد‬
‫ًا‬
‫فقال ‪ « :‬فكأنك تريد تخير اللفظ في حسن اإلفهام » ‪ .‬ثم أضاف إلى ذلك معنى ديني ‪ ،‬بقوله‪ « :‬إنك إذا أوتيت تقرير‬
‫حجة هللا في عقول املكلفين‪ ،‬وتخفيف املؤونة على املستمعين‪ ،‬وتزيين تلك املعاني في قلوب املريدين‪ ،‬باأللفاظ‬
‫املستحسنة في اآلذان‪ ،‬املقبولة عند األذهان‪ ،‬رغبة في سرعة استجابتهم‪ ،‬ونفي الشواغل عن قلوبهم باملوعظة‬
‫الحسنة على الكتاب والسنة‪ ،‬كنت قد أوتيت فصل الخطاب ‪ ،‬واستحققت على هللا جزيل الثواب‪.‬‬

‫بحث بالغة بداية تكلمنا حتى نهايته‪ .‬والنتيجة من هذه املقالة ‪ ،‬هي البحث عن البداية التكلم أي مطلعه‪.‬‬
‫وسمي هذا البحث "براعة االستهالل"‪ .‬فما هي براعة االستهالل ؟ سنجد البيان في هذه املقالة إن شاء هللا‪.‬‬

‫براعة االستهالل في جواهر البالغة‬ ‫‪.1‬‬

‫وحسن االبتداء ‪ ،‬أو براعة املطلع ‪ :‬هو أن يجعل أول الكالم رقيقا سهال ‪ ،‬واضح املعاني ‪ ،‬مستقال‬
‫ًا‬
‫عما بعده ؛ مناسب للمقام ؛ بحيث يجذب السامع إلى اإلصغاء بكليته ؛ ألنه أول ما يقرع السمع ؛ و‬
‫به يعرف مما عنده‪.‬‬
‫قال ابن رشيق ‪ :‬إن حسن االفتتاح داعية اإلنشراح ؛ ومطية النجاح – وذلك مثل قول الشاعر ‪:‬‬

‫املجد عوفى إذ عوفيت والكرم ۞ وزال عنك إلى أعدائك السقم‬

‫وتزداد براعة املطلع حسنا ‪ ،‬إذا دلت على املقصود بإشارة لطيفة ‪.‬‬

‫براعة االستهالل في حلية اللب املصون شرح جوهر املكنون‬ ‫‪.2‬‬

‫۞ تأثق فـي الـبـدء والـخـتـام‬ ‫وينبغي لـصـاحـب الـكـالم‬

‫۞ وسبك أو بـراعـة استهالل‬ ‫بمطلع خسن وحـسـن الـقـال‬
 ‫والخسن في تخلص أو اقتضاب ۞ وفي الذي يدعونه فصل الخطاب‬
‫ومن سمات الخسن في الختام ۞ إردافـه بـمـشـعـر الـتـمـام‬

‫اقول ‪ :‬ينبغي للمتكلم أن يتأنق أي يتنبع األنق واألحسن في أول كالمه وآخره‪ .‬فاألول موجب إلقبال‬
‫ًال‬
‫نفس السامع‪ ،‬والثاني يريدها إقبا على ما مضى‪ ،‬وجابر ملا قد يقع قبله من التقصير في التعبير‪.‬‬
‫فاألول يكون بحسن االبتداء‪ ،‬ألنه أول ما يقرع السمع‪ .‬وأحسنه ما يسمى باملطلع‪ ،‬ويسمى باإلملاع‪،‬‬
‫ويسمى براعة االستهالل‪ ،‬وهو‪ :‬أن يقدم في أول كالمه إشارة إلى ما سيق الكالم ألجله‪ .‬كقوله في‬
‫التهنئة‪:‬‬

‫بشرى فقد أنجز اإلقبال ما ۞ وكوكب املجد في أفق العال صعدا‬

‫وعدا‬
‫ومنه مطلع سورة النور‪.‬‬

‫ومن محاسن االبتداء صنعة االنتقال من املطلع إلى املقصود‪ .‬وهو ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬التخلص‪ ،‬وهو االنتقال مما افتتح به الكالم إلى املقصود مع رعاية املناسبة بينهما‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫االقتضاب‪ ،‬وهو االنتقال إلى ما ال يالئم‪ .‬الثالث‪ :‬فصل الخطاب‪ ،‬وهو متوسط بينهما ‪ ،‬وهو‬
‫االنتقال إلى ما يقرب من التخلص‪ ،‬بأن يشوبه شيء من املالءمة‪ ،‬وعده بعضهم قسما من‬
‫االقتضاب‪ ،‬ومنه قولهم بعد حمد هللا والصالة والسالم على النبي ﷺ ‪ :‬أما بعد فهذا الخ‪.‬‬

‫مصادر‬

‫املعجم املفصل في علوم البالغة‬ ‫‪.1‬‬

‫جواهر البالغة‬ ‫‪.2‬‬
‫حلية اللب املصون شرح جوهر املكنون‬ ‫‪.3‬‬
‫معجم املحيط في الهاتف‬ ‫‪.4‬‬