You are on page 1of 162

‫وزارة التعلمي العايل والبحث العلمي‬

‫جامعة الإخوة منتوري‪ -‬قس نطينة‪1‬‬

‫قسم الآداب واللغة العربية‬ ‫لكية الآداب واللغات‬

‫محاضرات في النقد األدبي القديم‬

‫موجهة لطلبة السنة أولى ليسانس‬


‫مطبوعة ّ‬

‫اإعداد ادلّ كتورة‪:‬‬


‫مرزاقة معراين‬

‫الس نة اجلامعية‪1442-1441 :‬هـ‪2021-2020 /‬م‬


‫مقدمة‪:‬‬

‫نعيش يف عاَف هبربنا على مبلحظة تطور مظاىر كظواىر كثَتة فيو‪ ،‬كتغَت األشكاؿ كالصور‬
‫باستمرار‪ .‬إف ىذا العاَف ىو ما يدعو اإلنساف إُف طرح السؤاؿ‪ ،‬كؿباكلة إهباد اإلجابة‪ ،‬سواء أعثر‬
‫متفرعا إُف كوف من السؤاالت اليت تتوالد‪.‬‬
‫عليها أـ َف يفعل‪ ،‬كسواء أكاف السؤاؿ كاحدا أـ ٌ‬
‫كيف رحلة التفكَت ىذه يكوف اإلنساف قد مارس النٌقد بشكلو العاـ بغية الفهم‪ ،‬كالتلبس بطرح‬
‫ىم للنفس البشرية يف ظل تغَتات تطورات تصنع دىشة اؼبفاجأة‪ ،‬كزبلق اػبوؼ من‬
‫السؤاؿ ىو أكرب ٌ‬
‫التغَت كالتبدؿ اؼبتسارع‪.‬‬

‫كالنقد األديب ليس سول جزء من ىذا النقد األمشل‪ ،‬بل إنٌو أساسو بوصف النٌقد األديب يهتم‬
‫بكل ظواىر العاَف كدبختلف النصوص مهما كانت أشكاؽبا كصورىا‪ .‬إنو يكوف حيثما يكوف السؤاؿ‬
‫يف مهمة خالدة ىي إهباد اإلجابة‪.‬‬

‫كقد كاف النقد شاغل اإلنساف منذ القدـ‪ ،‬كمنذ أف كانت كل التعامبلت ذبرم مشافهة قبل‬
‫اكتشاؼ طرؽ كأدكات التدكين اؼبختلفة‪ ،‬كاإلنساف العريب كاف كال يزاؿ جزءا من ىذا العاَف‪ ،‬كيف‬
‫حس فٍت شهد تطورات متصاعدة من‬
‫جاىليتو اليت ال نعرفها كاليت نعرفها مارس العريب النٌقد يف ٌ‬
‫اؼببلحظات البسيطة إُف التدكين ككضع اؼبصنفات‪ ،‬إنو نقد نبو (النٌص) كلذلك تعددت بيئات ىذا‬
‫النٌقد‪ ،‬ككثر رجالو الذين َف يكن ؽبم سول االشتغاؿ بالنص كإحاطتو بالعناية من أدؽ جوانبو‪.‬‬

‫كؿباضرات النقد القدًن ىي كسيلة أكُف تأخذ بيد الطالب يف سنتو األكُف باعبامعة‪ ،‬تعينو على‬
‫اكتشاؼ ّٔجة السؤاؿ الذم وبيط تراثنا العريب اؼبتفجر باؼبدكنات النقدية اليت حرصت على تدكين‬
‫جهود النقاد حىت ما كاف منها مشافهة يف عصر ما قبل الكتابة كالتدكين‪.‬‬

‫لذلك تبدأ ىذه احملاضرات –حبسب اؼبقرر الوزارم‪ -‬بالنقد األكؿ االنطباعي الذم كاف يصدر‬
‫عن العريب القدًن ذباه النٌصوص األدبية كالشعرية خاصة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫األكؿ حىت يكوف الطالب قد تعرؼ على مسَتة تطور النقد األديب‪ ،‬كصوال‬
‫كال ينتهي السداسي ٌ‬
‫إُف نظرية النظم لعبد القاىر اعبرجاين ( ‪471‬ىػ)‪ ،‬مث يشرع الطالب يف التعرؼ على البيئات اؼبتعددة‬
‫اليت أسهمت يف اغبركة النقدية العربية‪ ،‬لذلك يكوف مفتتحها ىو آخر درس يف ىذا السداسي (النقد‬
‫الببلغي)‪.‬‬

‫السنة األكُف‪،‬‬
‫تعتمد ىذه الدركس على التبسيط كما هبب أف تكوف دركس تقدـ إُف طالب ٌ‬
‫ىبل بذائقتو كقدرتو على التعليل كذكائو كمكتسباتو القبلية‪.‬‬
‫غَت أنٌو تبسيط ال ٌ‬
‫كلقد حرصنا يف ىذه احملاضرات على الرجوع إُف اؼبصادر (مصادر اؼبادة النقدية) حىت يعرؼ‬
‫الرجوع إُف ىذه اؼبظاف النقدية اؼبختلفة‪ ،‬فيدركو سحرىا‬
‫الطالب أف البحث يف األدب القدًن يقتضي ٌ‬
‫كل ٌذة تقليبها كالبحث فيها‪ ،‬كيعرؼ أمرين نبا‪ :‬مدل اعبهد الذم بذلو أجدادنا من أجل اغبفاظ على‬
‫تراث أمتنا العربية اإلسبلمية‪ ،‬ألف الفن كمنو األدب حاجة إنسانية كونية ال غناء للبشر عنها‪ ،‬كثاين‬
‫ىذه األمور ىو اكتشاؼ مدل اؼبشقة اليت عاناىا أساتذة أجبلء يف ربقيق اؼبخطوطات‪ ،‬كإخراجها‬
‫للقراء سهلة‪ ،‬ناصعة‪ ،‬خفيفة‪ ،‬كاضحة‪.‬‬

‫كما رجعنا إُف اؼبراجع اغبديثة‪ ،‬كألىل االختصاص يف النقد كاألدب‪ ،‬مستنَتين بآرائهم‪،‬‬
‫مستأنسُت دبا دكنوه كما كصلوا إليو‪ ،‬احًتاما للجهد الكبَت الذم بذؿ يف ربليل كمناقشة القضايا‬
‫النقدية العربية القديبة‪ ،‬ليعلم الطالب أف العلم سلسلة متواصلة فبتدة ال تغلق حلقاهتا كأف البحث يف‬
‫نقدنا القدًن ما يزاؿ مستمرا كمتواصبل‪ ،‬كسيبقى ميدانا للدراسة كالبحث‪ ،‬كليتأكد أف أم ٌأمة ال‬
‫يبكنها االنفصاؿ عن ماضيها كالفكاؾ من تراثها‪ ،‬كأنو عليو دائما الوقوؼ أماـ ىذا الًتاث كقفة‬
‫اؼبساءلة كربطو باغباضر يف إعادة قراءة تصل اؼباضي باغباضر كربقيق (التجديد)‪.‬‬

‫كقد عملنا يف معظم ىذه احملاضرات على البدء دبدخل يهيئ للطالب الفهم‪ ،‬إذ بدأناىا‬
‫باؼبفاىيم كاغبدكد كالتعريفات‪ ،‬فعرفنا الطالب –مثبل‪ -‬دباىية البيبليوغرافيا‪ ،‬كماىية اؼبصنف يف اللغة‬
‫كاالصطبلح‪ ،‬ككذلك فعلنا يف درس قضية اللفظ كاؼبعٌت‪ ،‬فعرفنا القضية‪ ،‬كاللفظ‪ ،‬كاؼبعٌت كغَتىا‬

‫‪2‬‬
‫ليعرؼ الطالب مىت يكوف األمر متعلقا بالقضية‪ ،‬كمىت يكوف ذا كشيجة مع الفكرة أك النظرية‪.‬‬

‫كليس ذلك إال لنعلم طلبتنا أ ٌف البحث ينطلق من أصغر اعبزئيات مث ينتقل إُف الكليات كأ ٌف‬
‫الفهم ال ب ٌد أف يتدرج من أصغر جزء يف اؼبوضوع إُف أكرب جزء منو‪ ،‬كأف ال يقبل اػبرب يف مشوليتو‬
‫حىت يتحرل ال ٌدقة كيفتتو إُف جزئياتو كيتأكد من صحتها كسبلمتها مث يرتقي يف البحث إُف ما ىو‬
‫أكرب حىت يفي حبثو ح ٌقة‪ ،‬كيتعلم أ ٌف سحر البحث يكمن يف مشاغبة السؤاؿ‪ ،‬كالبحث يف اعبزء‪،‬‬
‫كالتحليل مث الًتكيب‪.‬‬

‫كأما عن الصعوبات اليت تكوف قد كاجهتنا يف أثناء إعداد ىذه احملاضرات‪ ،‬فبل نذكر صعبا أك‬
‫عائقا؛ كاغبمد هلل على مكتبة جامعتنا (جامعة قسنطينة) العامرة الزاخرة أدامها اهلل مركزا للعلم‬
‫كمقصدا لطبلبو‪ ،‬كالشكر كلٌو لعماؽبا كموظفيها القائمُت على خدمة الطلبة كاألساتذة‪.‬‬

‫أخيرا‪:‬‬

‫أرجو لطلبيت أف هبدكا يف ىذه احملاضرات الفائدة كاؼبتعة معا‪ ،‬كأف تستأثر باىتمامهم قراءة‬
‫السؤاؿ فتتوالد منو السؤاالت كيكوف اغبلم‪ ،‬كيكوف منهم الباحث‬
‫كحبثا‪ ،‬كأف ربرؾ فيهم دىشة ٌ‬
‫كل يف ؾبالو أفاخر بو‪.‬‬
‫كالدكتور كاألستاذ‪ ،‬ك ٌ‬

‫‪3‬‬
‫المحاضرة األولى‪:‬‬
‫النقد العربي القديم (مفهومو وتطوره)‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النّقد‬

‫‪/1‬لغة‪ :‬نستنتج من البحث يف ـبتلف القواميس كاؼبعاجم العربية أف كلمة (نقد) ؽبا معاف كثَتة‬
‫ـبتلفة‪ ،‬نكتفي بذكر أنبها‪:‬‬

‫‪-‬النّقد‪« :‬سبييز ال ٌدراىم كإخراج ّْ‬


‫الزيف منها؛ أنشد سيبويو‪:‬‬
‫»(‪.)1‬‬ ‫الدنَانير تِْن َ‬
‫قاد الصياريف‬ ‫نَ ْف َي َّ‬ ‫الحصى في كل ىاجرة‬
‫َ‬ ‫تنفي يَ َداىا‬

‫ت فيبلنا إذا ناق ٍشتو يف األمر»(‪.)2‬‬


‫‪«-‬ناقَّ ٍد ي‬
‫يضرب الطٌائر دبنقاده‪،‬‬ ‫اعبوًز‪ ،‬كأف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ى‬ ‫قد كالتّْػٍنػ ىقاد كاالنتقاد كالتَّن يقد كإعطاءي النَّقد‪ ،‬كالنَّػ ٍق ير باإلصبع يف ٍ‬
‫‪-‬النٌ ي‬
‫اختبلس النٌظ ًر كبو الشيء»(‪.)3‬‬
‫ي‬ ‫أم‪ :‬دبنقا ًره يف ال ىف ّْخ‪ ،‬كالوازف من ال ٌدراىم‪ ،‬ك‬
‫نقدكؾ كإف تركتهم تركوؾ»(‪.)4‬‬
‫ت النَّاس ي‬
‫كيف حديث أيب الدرداء أنو قاؿ‪« :‬إف نق ٍد ى‬
‫قبمل ىذه اؼبعاين يف كوف النٌقد ىو سبييز جيد ال ٌدراىم كفصلها عن اؼبزيف منها‪ ،‬كاؼبناقشة‪ ،‬كالبحث‬
‫كالتنقَت‪ ،‬كاختبلس النظر‪ ،‬كتتبع عيوب الناس‪.‬‬

‫معٌت النٌقد الذم يقوـ على الفرز كالتدقيق كاغبكم على ال ٌدرىم‬
‫كيكوف اؼبعٌت األكؿ ىو األقرب إُف ى‬
‫الوازف كفصلو عن ال ٌدراىم اؼبغشوشة‪ ،‬كىي عملية ال يقوـ ّٔا إالٌ متخصص‪.‬‬

‫ككما يكوف ىذا الفرز كالتصنيف يف العملة النقدية‪ ،‬فإنٌو يكوف كذلك يف النصوص األدبية‪.‬‬

‫‪/2‬اصطالحا‪ :‬عيّْرؼ النقد بأنو‪ « :‬ي‬


‫زبليص جيد الكبلـ من رديئو‪ ،‬أك ىو (علم جيد الشعر من‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (نقد)‬


‫(‪-)2‬نفسو‪.‬‬
‫(‪-)3‬الفَتكز آبادم‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬مادة (نقد)‪.‬‬
‫(‪-)4‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (نقد)‬

‫‪4‬‬
‫كم من أحكاـ ذكقية اسم "النقد" كإف‬
‫رديئو)‪ ،‬كقد اىتم العرب بو منذ عهد مبكر‪ ،‬ككانوا يطلقوف على ما ير ى‬
‫َف تكن لديهم كتب مصنفة فيو»(‪.)1‬‬

‫كيقًتب ىذا التعريف من تعريف ؿبمد مندكر للنقد إذ يقوؿ‪« :‬النقد األديب يف ٌأدؽ معانيو ىو فن‬
‫دراسة األساليب كسبييزىا‪ ،‬كذلك على أف نفهم لفظة األسلوب دبعناىا الواسع‪ ،‬فليس اؼبقصود بذلك طرؽ‬
‫األداء اللغوية فحسب‪ ،‬بل اؼبقصود منحى الكاتب العاـ كطريقتو يف التأليف كالتعبَت كالتفكَت كاإلحساس‬
‫على السواء»(‪.)2‬‬

‫شبة تقارب شديد بُت اؼبعٌت اللغوم كاؼبعٌت االصطبلحي للنقد‪ ،‬فكبلنبا يتلخص يف التمييز بُت اعبيد‬
‫كالردمء كفصلهما‪ ،‬كبذلك "يكوف النقد األديب –يف اؼبصطلح اػباص‪ -‬ىو تقدير النص األديب تقديرا‬
‫صحيحا كبياف قيمتو يف ذاتو كدرجتو األدبية بالنسبة إُف غَته من النٌصوص‪ ،‬على أف يكوف ذلك مستندا‬
‫إُف الفحص ال ٌدقيق كاؼبوازنة العادلة كالتمييز اؼبعتمد على اؼبعرفة الصادقة‪ ،‬ليكوف اغبكم –آنذاؾ‪ -‬قريبا إُف‬
‫الصحة قربا ال يىبّْل بو سول ىع ىدـ عصمة اإلنصاؼ"(‪.)3‬‬
‫ّْ‬
‫ثانيا‪ :‬النَّاقد‬

‫كيصدر ىذا اغبكم عن الشخص اؼبشتغل بالنٌقد‪ ،‬كىو الناقد‪ ،‬قارئ متمرس بالنصوص األدبية‪،‬‬
‫امتلك سلطة دراستها كتفسَتىا كتقديبها إُف القراء‪ ،‬كقد انتهى فيها إُف حكم معُت‪.‬‬

‫ؿبل احًتاـ كتقدير من طرؼ القراء‪ ،‬كجب أف تتوفر فيو صبلة من‬
‫كلكي تكوف أحكامو كمبلحظاتو ن‬
‫الشركط أنبها‪:‬‬

‫‪-1‬الثقافة‪ :‬النٌقد نشاط فكرم ثقايف يهدؼ إُف التقوًن كالبناء‪ ،‬كلذلك كجب على النٌاقد أف يكوف‬
‫تساعده يف ً‬
‫فحص العمل األديب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫لما دبجموعة من اؼبعارؼ مطلعا على كثَت من العلوـ اليت‬
‫مثقفا؛ يم ِّ‬
‫الرىيف‪ ،‬كعمق رؤيتو‪ ،‬كاؽبدؼ من التسلح ّٔذه اؼبعارؼ اؼبختلفة (علم النفس‪،‬‬
‫حسو كذكقو ٌ‬
‫باالتكاء على ّْ‬

‫(‪-)1‬أضبد مطلوب‪ ،‬معجم النٌقد العريب القدًن‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الشؤكف الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪ ،1989 ،‬ص‪.409‬‬
‫(‪-)2‬ؿبمد منذكر‪ ،‬يف األدب كالنٌقد‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دتا‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫(‪-)3‬الصاحب بن عبَّاد‪ ،‬الكشف عن مساكئ شعر اؼبتنيب‪ ،‬تح‪ :‬الشيخ ؿبمد حسن آؿ ياسُت‪( ،‬مقدمة احملقق)‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد‬
‫ط‪ ،1965 ،1‬ص‪.07‬‬

‫‪5‬‬
‫علوـ اللغة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬علم اعبماؿ‪ )...‬ىو استغبلؽبا لتحليل النصوص األدبية‪ ،‬كالكشف عن‬
‫مواضع اعبماؿ فيها‪ ،‬ال صبُّها على النص األديب‪.‬‬

‫‪-2‬الموضوعية‪ :‬تعٍت اؼبوضوعية النٌظر يف اؼبوضوع بعيدا عن إكراىات الذات كمزالق اؽبول‪ ،‬كأل ٌف‬
‫الناقد إنسا يف يتأثر بالظركؼ احمليطة بو‪ ،‬كألنٌو ال يستطيع أف يتخلص –سباما‪ -‬من بعض الذكريات كاؼبواقف‬
‫تسَت اىتمامو كتؤثر يف نظرتو إُف األمور‪ ،‬فإ ٌف مطلب اؼبوضوعية التامة يبقى مستحيل التحقق بشكل‬
‫اليت ٌ‬
‫تاـ‪ ،‬إالٌ أنٌو على الناقد النٌزيو أف يتعامل مع النص األديب بعيدا عن اؽبول كالعاطفة متسلحا دبجموعة من‬
‫اؼبناىج النقدية اليت تساعده على ال ٌدخوؿ إُف عواَف النصوص‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬وظيفة النّقد األدبي وأىميتو‬

‫ليس النٌقد األديب ترفا وبظى بو قارئ يف غبظة إعجاب بالنٌص اؼبقركء‪ ،‬كىو ليس حكما يعطى دكف‬
‫فبارسة راسخة‪ ،‬كتعامل مؤسس مع النصوص األدبية‪ ،‬ذلك ألنٌو تعامل مباشر مع النص‪ ،‬تراث األمة كأحد‬
‫أىم مكوناهتا الفنية كاعبمالية‪ ،‬كتتلخص أنبية النٌقد ككظيفتو فيما يلي‪« :‬تقوًن العمل األديب من الناحية‬
‫الفنية‪ ،‬كبياف قيمتو اؼبوضوعية‪ ،‬كقيمتو التعبَتية كالشعورية‪ ،‬كتعيُت مكانو يف خط سَت األدب‪ ،‬كربديد ما‬
‫أضافوي إُف الًتاث األديب يف لغتو كيف العاَف األديب كلو‪ ،‬كقياس مدل تأثره باحمليط‪ ،‬كتأثَته فيو‪ ،‬كتصوير‬
‫ظبات صاحبو‪ ،‬كخصائصو الشعرية كالتعبَتية‪ ،‬ككشف العوامل النفسية اليت اشًتكت يف تكوينو كالعوامل‬
‫اػبارجية كذلك»(‪.)1‬‬

‫يتبُت أف النٌقد احتفاء بالعمل األديب كإثراء لو‪ ،‬ؼبا لو من قدرة على التقوًن‪ ،‬ككشف اعبدَّة اليت تعطى‬
‫للنصوص مشركعية يف الوجود الذم سنٌتو التطور كالتجدد‪ ،‬كما أ ٌف النقد يقوـ مقاـ الواسطة بُت النصوص‬
‫كالقراء‪ ،‬خاصة ذلك القارئ العادم الذم ال يهمو من العمل األديب إالٌ اقتناص اؼبتعة اعبمالية دكف اػبوض‬
‫الصورة اؼبثالية الراقية اليت يتطلع‬
‫يف تربير أك تعليل‪ ،‬باإلضافة إُف اإلسهاـ يف النهوض باألدب كتوجيهو إُف ٌ‬
‫إليها األدباء كالقراء كالنقاد على حد السواء‪.‬‬

‫(‪-)1‬سيد قطب‪ ،‬النقد األديب أصولو كمناىجو‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،8‬ص‪.07‬‬

‫‪6‬‬
‫رابعا‪ :‬العالقة بين اإلبداع والنّقد‬

‫يرتبط النقد كاإلبداع األديب بعبلقة كطيدة‪ ،‬فبل كجود لنقد دكف نصوص أدبية‪ ،‬كال ارتقاء أك تطور‬
‫لؤلدب دكف النقد‪ ،‬إهنا «عبلقة دقيقة‪ ،‬إهنما يلتقياف يف كثَت من العناصر كلكنهما وبتفظاف باستقبلليتهما‪،‬‬
‫فاألدب ال يستغٍت عن النٌقد كما أ ٌف النقد ال يبكن أف قبده دكف نص أديب‪ ،‬حىت التنظَت النٌقدم ال يأيت‬
‫ؾبسدا مع نصوص أدبية يستنبط منها أحكاما نظرية»(‪.)1‬‬
‫من أفكار ؾبردة فقط‪ ،‬كإمبا ٌ‬
‫خامسا‪ :‬تطور النّقد العربي القديم‬

‫يولد النقد مع األدب‪ ،‬كىذا حالو لدل األمم صبيعا‪ ،‬ككذلك كاف شأنو لدل العرب؛فقد نشأ مع‬
‫الشعرم العريب الذم ال نستطيع تاريخ نشأتو على كجو ال ٌدقة‪.‬‬

‫‪-1‬يتفق كثَت من الباحثُت على أف النٌقد يف العصر اعباىلي َف يكن سول أحكاما قائمة على الذكؽ‬
‫اػبالص الذم مبعثو اإلحساس العاِف بالفنوف القولية العربية كعلى رأسها (الشعر)‪ ،‬كيبكن أف نوجز ظبات‬
‫النقد اعباىلي يف نقاط ىي‪:‬‬

‫الطبع‪ :‬أم أف أحكامو كانت قائمة على الطبع كالسليقة دكف سند خارجي ؽبذا الطبع‪ ،‬فهم َف‬
‫يعللٌوا ألحكامهم كَف وبتاجوا ؼبن يضع ؽبم اؼبقاييس ليتبعوىا كإمبا كانت أحكامهم النقدية نابعة من اػبربة‬
‫اؼبتأنية من قوؿ الشعر إذ أ ٌف أغلب أصحاب ىذه األحكاـ كانوا شعراءى‪.‬‬

‫التعميم‪ :‬كىو نتاج الطبع كالسليقة‪ ،‬كمثالو أف يقوؿ النابغة لعبيد بن ربيعة‪« :‬أنت أشعر بٍت عامر‪،‬‬
‫أك‪ :‬اذىب فأنت أشعر العرب‪ ،‬أك لقيس بن اػبطيم‪« :‬أنت أشعر النٌاس»‪ ،‬أك يقوؿ للخنساء‪« :‬أنت أشعر‬
‫من كل ذات مثانة‪ ،‬دكف أف يبُت سببا غبكمو كتفضيل ك و‬
‫احد من الشعراء على اعبميع‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّْ‬
‫اإليحاء‪ :‬كمن أمثلتو قوؿ امرئ القيس‪ /‬كقصيدة يؿب ٌربه‪ ،‬كىنا إوباء بالتحبَت الذم ىو نسج للثياب‪،‬‬
‫كهتتز ؽبا النُّفوس‪.‬‬
‫فكما تتنوع أشكاؿ الثياب فكذلك القصيدة يرب َّرب بكل ما هبعلها صبيلة تستلٌذ ّٔا األظباع ي‬
‫اإليجاز‪ :‬كبو قوؿ النعماف للنابعة‪ :‬ىذا بيت إف أنت َف تتبعو دبا يوضح معناه‪ ،‬كاف إُف اؽبجاء أقرب‬

‫(‪-)1‬ماجدة ضبود‪ ،‬عبلقة النقد باإليداع االديب‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪ ،1997 ،‬ص‪.46‬‬

‫‪7‬‬
‫منو إُف اؼبديح‪ ،‬دكف أف يبُت أك يفسر كيف ينصرؼ معٌت البيت إُف اؽبجاء(‪.)1‬‬

‫‪/2‬في القرن األولى الهجري‪:‬‬

‫أخذ النقد العريب يف التطور يف ىذا القرف‪ ،‬كلكنٌو تطور ال يبعد بو كثَتا عن النٌقد اعباىلي‪ ،‬كقد عيرؼ‬
‫يف ىذا القرف شعراء برزكا يف فنوف شعرية معينة‪ ،‬مثل جرير كاألخطل كالفرزدؽ الذين ظبٌوا شعراء النٌقائض‪،‬‬
‫تطور يف‬
‫كاشتهر عمر بن أيب ربيعة بالغزؿ‪ ،‬كالكميت ّٔامشياتو‪ ،‬كقد كاكب ىذا التطور يف الفنوف الشعرية ه‬
‫تعد –يف أغلبها‪-‬‬
‫النَّقد كإصباال «فإف العملية النقدية يف القرف الذم نتحدث عنو (القرف األكؿ اؽبجرم) َف ي‬
‫أف تكوف انطباعات تأثرية سريعة فيها أحكاـ نقدية عامة كبَتة منطلقة من ظواىر خاصة صغَتة»(‪.)2‬‬

‫‪/3‬في القرن الثاني الهجري‪:‬‬

‫النقد العريب القدًن عموما‪ ،‬كقدمت‬


‫نشطت حركة النٌقد اللغوم يف ىذا القرف‪ ،‬كقد أثرت ىذه اغبركة ى‬
‫لو الكثَت‪ ،‬على الرغم من الثورة على النقد اللغوم من قبل الشعراء الذين ع ٌدكا نقد اللغويُت ؽبم زراية ّٔم‬
‫كحطِّا من شأهنم بتتبعهم ؼبواطن اػبطأ اللغوم يف النص الشعرم‪ ،‬ذلك أف النقاد اللغويُت قد صرفوا عنايتهم‬
‫إُف «لغة الشعراء كمتابعة ما يف شعرىم من مواطن اػبطأ اليت تشَت إُف اػبركج على أساس اللغة الصحيحة‪،‬‬
‫كبذلك نستطيع القوؿ إف النقد اللغوم عند لغوم ىذا القرف‪ ،‬كاف نقدا لغويا ؿبضا‪ ،‬ركزكا فيو على مدل‬
‫صبلحية الشعر احملدث لبلحتجاج اللغوم‪ ،‬كمن ىنا كاف اعتناؤىم ّٔذا العامل اعتناء كبَتا‪ ،‬ألهنم أرادكا من‬
‫كراء ذلك التحقق من صحة استعماالهتم لغة كصرفا»(‪.)3‬‬

‫‪/4‬القرن الثالث ىجري‪:‬‬

‫نشطت اغبركة األدبية يف القرف الثالث اؽبجرم باإلضافة إُف اتساع اغبركة العلمية اليت اعتمدت على‬
‫الًتصبة‪ ،‬كشهدت الثقافة العربية ثراء كبَتا باتصاؽبا بالثقافات األجنبية‪ ،‬ككاف ؽبذا أثره الواضح يف تطور حركية‬
‫الكتب‪،‬‬
‫ي‬ ‫ضعت فيها اؼبصنفات كأيلٌىف ٍ‬
‫ت ألجل مناقشتها كبياهنا‬ ‫النقد العريب القدًن الذم عرؼ قضايا عديدة يك ٍ‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬مصطفى زايد‪ ،‬أثر اإلسبلـ يف ىذا الشعر العريب القدًن‪ ،‬منشورات كلية اآلداب كالعلوـ اإلنسانية‪ ،‬كجدة‪ ،2010 ،‬ص‪.72‬‬
‫(‪-)2‬قاسم مومٍت‪ ،‬نقد الشعر يف القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬دار الثقافة للطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،1983 ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪-)3‬ىند حسُت طو‪ ،‬النظرية النقدية عند العرب‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة كاإلعبلـ‪ ،‬سلسلة دراسات ( ‪ ،)283‬بغداد‪،‬‬
‫‪ ،1981‬ص‪.87‬‬

‫‪8‬‬
‫ككاف لظهور شاعر مبدع ‪-‬يف ىذا القرف‪ -‬خالف القدًن كخرج على عمود الشعر العريب أثر كبَت ككاضح يف‬
‫كتطوره‪ ،‬ذلك الشاعر كاف أبا سباـ الذم كتب بسبب شعره النقاد يف (القدًن كاغبديث)‬
‫ثراء النٌقد العريب ٌ‬
‫يصح أف يوصف نقد القرف الثالث بأنٌو «مرحلة انتقالية بُت‬
‫ك(السرقات) ك(اللفظ كاؼبعٌت) كغَتىا‪ ،‬لذلك ي‬
‫تف منو يف كتب األدب اليت َّأرخت للشعر اعباىلي كاإلسبلمي‪ ،‬كبُت النٌقد‬
‫النقد الذايت الذم جاءت ني ه‬
‫اؼبوضوعي اؼبنهجي الذم نلتقي بو يف القركف اليت تلت ىذا القرف»(‪.)1‬‬

‫النقد في القرن الرابع الهجري‪:‬‬

‫يصف طو أضبد إبراىيم النٌقد يف القرف الرابع بقولو‪« :‬كاف النٌقد يف القرف الرابع خصبا جدِّا‪ ،‬كاف‬
‫السليم مؤتنسا بنواحي العلم يف الصورة كالشكل‬
‫متسع اآلفاؽ‪ ،‬متنوع النظرات‪ ،‬معتمدا على ال ٌذكؽ األديب َّ‬
‫الركح‪ ،‬إف حلٌل فبذكؽ سليم‪ ،‬كإف علل دبنطق شديد‪ ،‬كإف عرض لفكرة أتَّى على كل ما‬
‫ال يف اعبوىر ك ُّ‬
‫فيها»(‪ ،)2‬كقد ظبٌى ؿبمد مندكر ىذا القرف بقرف النقد اؼبنهجي «كالذم نقصده بعبارة النٌقد اؼبنهجي ىو‬
‫ذلك النقد الذم يقوـ على أسس نظرية أك تطبيقية عامة‪ ،‬كيتناكؿ بالدرس مدارس أدبية أك شعراء أك‬
‫اغبوؿ فيها‪ ،‬كيبسط عناصرىا كببصر دبواضع اعبماؿ كالقبح فيها»(‪.)3‬‬
‫بفصل ٌ‬
‫خصومات ٌ‬

‫(‪-)1‬قاسم مومٍت‪ ،‬نقد الشعر يف القرف الرابع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫(‪-)2‬طو أضبد إبراىيم‪ ،‬تاريخ النٌقد األديب عند العرب من العصر اعباىلي إُف القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬دار اغبكمة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دتا‪،‬‬
‫ص‪.141‬‬
‫(‪-)3‬ؿبمد مندكر‪ ،‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،1996 ،‬ص‪.05‬‬

‫‪9‬‬
‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫بيبليوغرافيا المصنفات النقدية في المشرق والمغرب‬
‫أوال‪ :‬تعريف البيبليوغرافيا‪:‬‬

‫لغة‪ :‬ىي لفظة مركبة من كلمتُت يونانيتُت نبا‪ )Biblion ( " :‬كتعٍت كتيٌب‪ ،‬كىو اسم التصغَت من‬
‫لفظة ( ‪ )Biblios‬كتعٍت كتاب ‪ ،‬ككلمة " ‪ ،"Graphia‬كىي اسم الفعل اؼبشتق من ( ‪ )Graphien‬دبعٌت‬
‫الكتابة أك النٌسخ‪ ،‬كىذا يكوف معٌت اللفظة اعبديدة (‪ )bibliographia‬الكتابة عن الكتب‪،‬‬

‫أك النٌسخ كالنٌقل عن الكتب"(‪.)1‬‬

‫‪-‬اصطالحا‪" :‬إف الببليوغرافيا ىي ذلك اعبزء من علم الكتب الذم يعاًف الفهارس‪ٌ ،‬‬
‫كينوهي بوسائل‬
‫اغبصوؿ على معلومات حوؿ اؼبصادر‪ ،‬كبصورة عامة‪ ،‬يبكن القوؿ إف الببليوغرافيا تشكل جزءا من علم‬
‫الكتاب‪ ،‬كإهنا تستند إُف البحث‪ ،‬كالداللة‪ ،‬كالوصف‪ ،‬كالتنظيم‪ّٔ ،‬دؼ تكوين فهارس اؼبؤلفات قصد‬
‫التعريف ّٔا تعريفا منظما لتسهيل البحث العلمي‪ ،‬فهي علم فهارس الكتب كإنتاجها"(‪.)2‬‬

‫كعلى الرغم من أف لفظة البيبليوغرافيا غربية‪ ،‬فإ ٌف التأليف يف ىذا العلم قد عيرؼ عند العرب منذ‬
‫القرف العاشر (قبل الغرب بثمانية قركف)‪ ،‬فقد كتب ابن الندًن كتاب (الفهرست) يف القرف الرابع للهجرة‪،‬‬
‫كقاؿ يف مقدمتو‪" :‬ىذا فهرست صبيع كتب صبيع األمم من العرب كالعجم‪ ،‬اؼبوجود منها بلغة العرب‬
‫كقلمها يف أصناؼ العلوـ‪ ،‬كأخبار مصنفيها‪ ،‬كطبقات مؤلفيها‪ ،‬كأنسأّم كتاريخ مواليدىم‪ ،‬كمبلغ‬
‫أعمارىم‪ ،‬كأكقات كفاهتم‪ ،‬كأماكن بلداهنم كمناقبهم‪ ،‬كمثالبهم‪ ،‬منذ ابتداء كل علم اخًتع إُف عصرنا ىذا‬
‫كىو سنة سبع كسبعُت كثبلشبائة للهجرة"(‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف المصنفات‪:‬‬

‫والصنف ‪" :‬النوع كالضرب من الشيء (‪ )...‬كالتصنيف سبييز األشياء بعضها من بعض‪،‬‬
‫الصنف َّ‬
‫ِّ‬

‫(‪-)1‬عبد اللطيف صويف‪ .‬مدخل إُف علم الببليوغرافيا كاألعماؿ الببليوغرافية‪ ،‬دار اؼبريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪ ،1995 ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪-)3‬الندًن‪ .‬كتاب الفهرست‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬رضا اؼبازندراين‪ ،‬دار اؼبسَتة‪ ،‬طهراف‪ ،‬ط‪ ،1988 ،3‬ص‪.3‬‬

‫‪10‬‬
‫كصنَّف الشيء‪ :‬ميٌز بعضو من بعض‪ ،‬كتصنيف الشيء‪ :‬جعلوي أصنافا"(‪.)1‬‬

‫كبالنسبة إُف التصنيف (كضع اؼبصنفات) كالكتابة اؼبتخصصة يف النقد العريب القدًن‪ ،‬فقد بدأ منذ‬
‫أكاخر القرف الثاين كبداية القرف الثالث للهجرة‪ ،‬إذ بدأ النٌقد األديب ىبطو كبو اؼبنهجية كالكتابة اؼبتخصصة‬
‫سهلت عليهم‬
‫اؼبعمق‪ ،‬كقد توافرت للنقاد آنذاؾ اؼبادة العلمية اليت ٌ‬
‫القائمة على النٌظر ال ٌدقيق كالتحليل ٌ‬
‫نهجا‪.‬‬
‫سبيل التأليف يف النٌقد األديب تأليفا متخصصا يفب ن‬
‫ثانيا‪ :‬المصنفات النقدية في المشرق والمغرب‪:‬‬

‫نورد فيما يلي أىم اؼبصنفات النقدية اليت حوت أىم القضايا النٌقدية كاؼبوضوعات اليت عاعبها النٌقد‬
‫السواء‪.‬‬
‫حد َّ‬‫العريب القدًن كاليت أغنت اغبركة األدبية يف ؾباِف الشعر كالنٌثر على ّْ‬

‫‪-1‬طبقات فحول الشعراء البن سالم الجمحي (‪231‬ى )‬

‫يبكننا أف َّ‬
‫نعد كتاب (طبقات فحوؿ الشعراء) البن سبلٌـ اعبمحي ٌأكؿ كتاب اذبو فيو صاحبو إُف‬
‫كصرح بأ ٌف النٌقد ال يقوـ بو إالٌ أىلو اؼبتخصصوف‪« :‬كللشعر صناعة كثقافة يعرفها أىل العلم‪،‬‬
‫النٌقد األديب ٌ‬
‫كسائر أصناؼ العلم كالصناعات‪ :‬منها ما تثقفو العُت‪ ،‬كمنها ما تثقفو األذف‪ ،‬كمنها ما تثقفو اليد‪ ،‬كمنها‬
‫ما يثقفو اللساف»(‪.)2‬‬

‫كاعتمد الكتاب على فكرة الطبقات؛ إذ جعل شعراء اعباىلية عشر طبقات‪ ،‬يف كل طبقة أربعة‬
‫شعراء‪ ،‬كقد قامت ىذه الطبقية على أساس قوة الشعر مث التشابو بُت القصائد مث غزارة اإلنتاج ككثرتو‪.‬مث‬
‫طبقة أصحاب اؼبراثي كفيها أربعة شعراء‪ ،‬مث طبقة شعراء القرل العربية كتضم شعراء اؼبدينة كشعراء مكة‬
‫كشعراء الطائف كشعراء البحرين‪ .‬مث طبقة شعراء اليهود كىم شبانية‪ ،‬مث طبقات فحوؿ اإلسبلـ كشأهنا شأف‬
‫طبقات فحوؿ اعباىلية‪.‬‬

‫باإلضافة إُف عملية تصنيف الشعراء يف طبقات‪ ،‬فقد ناقش ابن سبلـ قضية مهمة تتعلق بصحة‬
‫الركاة العرب‪ ،‬كالتأكيد على‬
‫رد مزاعم كثَت من ُّ‬
‫الشعر اعباىلي كىي قضية االنتحاؿ‪ ،‬فقد امتلك اعبرأة على ٌ‬
‫التزيد‪ ،‬يقوؿ ابن سبلـ‪" :‬كيف الشعر مصنوع‬
‫أ ٌف الًتاث الشعرم اعباىلي ال ىبلو من الوضع كالكذب ك ٌ‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (صنع)‪.‬‬


‫(‪-)2‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬ؿبمود شاكر‪ ،‬دار اؼبدين‪ ،‬جدة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.05‬‬

‫‪11‬‬
‫يستفاد‪ ،‬كال معٌت مستخرج‪ ،‬كال مثل‬
‫ي‬ ‫حجة يف عربيتو‪ ،‬كال أدب‬
‫مفتعل موضوع كثَت ال خَت فيو‪ ،‬كال ٌ‬
‫نسيب مستطرؼ"(‪.)1‬‬
‫يضرب‪ ،‬كال مديح رائع‪ ،‬كال ىجاء مقذع‪ ،‬كال فخر معجب‪ ،‬كال ه‬
‫ي‬
‫كقد استطاع ابن سبلـ أف يعطي ٌأدلة كثَتة مقبولة كمقنعة على افتعاؿ الشعر اعباىلي كنسبة الشعر‬
‫دعا إُف أف يكوف لصنعة الشعر أصحأّا اؼبتخصصوف‪،‬‬
‫إُف غَت قائليو كالزيادة يف كثَت من القصائد‪ ،‬كما أنو ى‬
‫مكونات الًتاث العريب‪.‬‬
‫كذلك إيبانا بأنبية الشعر الذم يعد مكونا مهما من ٌ‬
‫‪-2‬البيان والتبيين للجاحظ (‪255‬ى )‬

‫قدرا‪ ،‬قاؿ عنو ابن خلدكف ( ‪808‬ىػ)‪" :‬كظبعنا‬


‫كتاب البياف كالتبيُت من أعظم كتب العربية كأجلها ن‬
‫الفن كأركانو (علم األدب) أربعة دكاكين كىي‪ :‬أدب الكاتب‬
‫من شيوخنا يف ؾبالس التعليم أف أصوؿ ىذا ٌ‬
‫علي القاِف‬
‫البن قتيبة‪ ،‬ككتاب الكامل للمربد‪ ،‬ككتاب البياف كالتبيُت للجاحظ‪ ،‬ككتاب النوادر أليب ٌ‬
‫البغدادم‪ ،‬كما سول ىذه األربعة فتبع ؽبا كفركع عنها"(‪.)2‬‬

‫أما عبد السبلـ ىاركف ؿبقق الكتاب فقد قاؿ عنو‪" :‬إنٌو ليس يوجد أديب نابوه يف العربية َف يسمع‬
‫ّٔذا الكتاب –أك َف ييًفد منو‪ -‬كقلَّما ذبد أديبا من احملدثُت َف يتمرس دبا فيو من أدب‪ ،‬كما كاف يف ىذا‬
‫الكتاب مادة غزيرة استمدىا كبار اؼبؤلفُت القدماء يف مؤلفاهتم"(‪.)3‬‬

‫ككتاب البياف كالتبيُت بصفة عامة ىو كتاب أدب "يتضمن ـبتارات من ذاكرة اعباحظ العجيبة‪ ،‬بل‬
‫ىو معرض أدب كببلغة كآيات قرآنية ؾبيدة‪ ،‬كأحاديث نبوية شريفة‪ ،‬كصفوة أشعار كحكم‪ ،‬كخطب‬
‫للخلفاء كالبلغاء كاؼبشاىَت‪ ،‬مزجها اعباحظ بآرائو اػباصة كأفرد ؽبا مسائل متنوعة‪ ،‬كاستطرد إُف نوادر فكهة‬
‫ليبعد السآمة كالضجر عن القارئ"(‪.)4‬‬

‫اسع الثقافة‪ ،‬مقتدرا على كضع‬


‫متخصصا لكنٌو كاف كاتبا موسوعيا‪ ،‬ك ى‬
‫ٌ‬ ‫كَف يكن اعباحظ ناقدا‬
‫التصانيف اؼبختلفة‪ ،‬كقد كانت نظراتو النقدية مبثوثة يف تضاعيف كتبو خاصة (البياف كالتبيُت) ك(اغبيواف)‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.04‬‬


‫(‪-)2‬ابن خلدكف‪ .‬اؼبقدمة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،9‬ص‪.476‬‬
‫(‪-)3‬اعباحظ‪ .‬البياف كالتبيُت‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،7‬ص‪.14‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ؿبمد علي زكي الصباغ‪ .‬الببلغة الشعرية يف كتاب البياف كالتبيُت للجاحظ‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،1‬ص‪.111‬‬
‫‪ٌ -‬‬

‫‪12‬‬
‫كال شك أف ىذه اآلراء كالنظرات قد أثرت بالنقاد الذين جاؤكا بعده ككتبوا يف ـبتلف القضايا كاؼبوضوعات‬
‫الركاة احملافظُت‪ ،‬كرأل أ ٌف األسلوب أكثر تأثَتا‬
‫النقدية؛ فقد كقف اعباحظ مع الشعراء احملدثُت ضد تعصب ٌ‬
‫من اؼبعٌت يف القوؿ الشعرم‪.‬‬

‫‪-3‬الشعر والشعراء البن قتيبة (‪276‬ى )‬

‫ىو من أقدـ كتب األدب كأعظمها شأنا‪ ،‬كأقدـ ما يجعل لًتاجم الشعراء كالتعريف ّٔم‪ ،‬قاؿ عنو‬
‫ؿبقق الكتاب أضبد ؿبمد شاكر‪" :‬من مصادر األدب األكُف‪ ،‬كفبا أبقى لنا حدثاف ال ٌدىر من آثار أئمتنا‬
‫جل أىل‬ ‫األقدمُت‪ ،‬ألَّفوي إماـ ثقة ٌ‬
‫حجةه من أكعية العلم‪ .‬ترجم فيو للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم ُّ‬
‫األدب‪ ،‬كالذين يقع االحتجاج بأشعارىم يف الغريب كيف النٌحو‪ ،‬كيف كتاب اهلل عز كجل‪ ،‬كحديث رسوؿ‬
‫اهلل صلى اهلل عليو كسلم"(‪.)1‬‬

‫كيقوـ منهج ابن قتيبة يف الكتاب على‪:‬‬

‫أخربت فيو عن الشعراء كأزماهنم‪،‬‬


‫*الًتصبة الوافية لكل شاعر كتقدًن دراسة عن بيئتو كثقافتو‪ " :‬ي‬
‫كأقدارىم كأحواؽبم يف أشعارىم‪ ،‬كقبائلهم كاظباء آبائهم"(‪.)2‬‬

‫غلب عليو‬
‫عرضا؛ "كَف أعرض يف كتايب ىذا ؼبن كاف ى‬
‫*الًتصبة للشعراء اؼبتخصصُت ال ؼبن قاؿ الشعر ن‬
‫غَت الشعر"(‪.)3‬‬

‫نظرت إُف اؼبتقدـ منهم بعُت‬


‫فعلي دبدرسة الشعر احملدث مع احًتاـ القدًن‪" :‬كال ي‬
‫كيف الكتاب اعًتاؼ ُّ‬
‫نظرت بعُت العدؿ إُف الفريقُت‪ ،‬كأعطيت‬
‫لتأخره‪ ،‬بل ي‬
‫اعببللة لتقدمو‪ ،‬كال إُف اؼبتأخر (منهم) بعُت االحتقار ٌ‬
‫كبلَّ حظوي‪ ،‬ككفرت عليو حقَّوي (‪ )...‬كَف يقصر اهلل العلم كالشعر كالببلغة على زمن دكف زمن‪ ،‬كال َّ‬
‫خص ّٔا‬
‫قوما دكف و‬
‫قوـ"(‪.)4‬‬ ‫ن‬
‫مث يتحدث ابن قتيبة عن تقسيمو الشعر العريب إُف أربعة أقساـ أكؽبا‪.‬‬

‫(‪-)1‬ابن قتيبة‪ .‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اغبديث‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،2006 ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫(‪-)3‬نفسو‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫(‪-)4‬نفسو‪ ،‬ص‪.64‬‬

‫‪13‬‬
‫حس َن لفظو وجاد معناه ‪ ،‬كىو يف ىذا القسم ال يعتمد على القصيدة كاملة‪ ،‬إمبا هبتزئ‬
‫ضرب ُ‬
‫أ‪ٌ -‬‬
‫البيت أك البيتُت‪ ،‬فبا يصدؽ عليو كصف الشعر اعبيٌد الذم يذىب مذىب اؼبثل أك اغبكمة‪.‬‬

‫وحال فإذا فتّشتوُ لم نجد ىناك فائدة في المعنى ؛ كىي األشعار اليت‬
‫حس َن لفظوُ َ‬
‫ب‪-‬ضرب ُ‬
‫السمع قريبةه إُف القلب‪ ،‬غَت َّ‬
‫أف‬ ‫حلوا خفي نفا‪ ،‬فهي عذبةه يف ٌ‬
‫يكوف أسلوب صاحبها صبيبل‪ ،‬كيكوف لفظها ن‬
‫معناىا ال يرقى أل ٌف يكوف مثبل أك حكمة يتدارسو الطبلب‪ ،‬كال يسعاف بو على احملاججة كاإلقناع‪.‬‬

‫كيقوؿ ابن قتيبة إف مثل ىذا النوع كثَت يف الشعر‪ ،‬كردبا كقعت ىذه الكثرة ألنٌو نوع يقع ربت‬
‫الوصف كالتصوير‪.‬‬

‫اؼبعٌت‬
‫ب فيو بُت فخامة ى‬ ‫ت ألفاظُوُ عنو‪ ،‬فهذا صنف من الشعر ال ي‬
‫تناس ى‬ ‫وقص َر ْ‬
‫جاد معناه ُ‬
‫ضرب َ‬‫ج‪ٌ -‬‬
‫كبساطة اللفظ كسهولتو‪ ،‬كمباشرة األسلوب كعفويتو‪ ،‬كىذا ما وبوؿ دكف حدكث التأثَت يف اؼبتلقي‪ ،‬كيبثل‬
‫ابن قتيبة ؽبذا النوع يقوؿ لبيد بن ربيعة‪:‬‬
‫الصالل‬
‫ُ‬ ‫الجليس‬
‫َ‬ ‫يصلحوَ‬
‫ُ‬ ‫والمرءُ‬ ‫المرَء الكريم كنفسو‬
‫عاتب ْ‬
‫ما َ‬

‫الركنق»‪.‬‬ ‫السبك فإنَّو قليل ً‬


‫اؼباء ك َّ‬ ‫«ىذا كإف كاف جيٌ ىد اؼبعٌت ك َّ‬
‫ي‬
‫د‪/‬ضرب منو تتخر معناه وتتخَّر لفظُوُ ‪ :‬كىو الشعر الذم يكوف أقرب إُف احملادثة اليومية‪ ،‬بعيد عن‬
‫عادم كعدًن‬
‫اللغة الفنية كالصياغة األدبية الراقية اؼبعتمدة على اػبياؿ‪ ،‬الرامية إُف اإلبداع ال إُف قوؿ ما ىو ّّ‬
‫التأثَت‪.‬‬
‫كهبعل ابن قتيبة أشعار العلماء أكثر مثاؿ على ىذا الصنف‪ ،‬ألهنا نتاج العقل كتغليبو ال نتاج ك ٌد‬
‫القروبة كإطبلؽ اػبياؿ كربريره‪.‬‬
‫كيثبت ابن قتيبة يف (الشعر كالشعراء) بنية القصيدة العربية‪ ،‬من مبتدئها حىت منتهاىا‪ ،‬كليست ىذه‬
‫البنية سول استقراء للًتاث الشعرم اعباىلي الذم يصر ابن قتيبة على عدـ اػبركج عنو يف بناء القصيدة‬
‫اؼبكوف من الوقوؼ على األطبلؿ‪ ،‬كالتغزؿ بالنساء‪ ،‬مث الرحلة يف الشعر كذكر أخطارىا كما كاف فيها‬
‫العربية ٌ‬
‫من حوادث‪ ،‬كانتهاء باؼبديح كىو الغرض الرئيس للقصيدة‪.‬‬
‫كيف الكتاب مواضيع أخرل كثَتة مثل الطبع كالصنعة‪ ،‬كاالستعداد لقوؿ الشعر‪ ،‬كعيوب‬
‫الشعر‪...‬اٍف‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-4‬كتاب عيار الشعر البن طباطبا العلوي (‪322‬ى )‬

‫عاًف ابن طباطبا العديد من القضايا النقدية نذكر أنبها كىي‪:‬‬

‫اغبديث عن اإلبداع الشعرم يف عيار (الشعر) اغبديث عن الطبع‬


‫ي‬ ‫‪-‬اإلبداع الشعري ‪ :‬يبلزـ‬
‫الصنعة‪ ،‬إذ رأل ابن طباطبا أف الشعر ال يبكنو أف يكوف نتاج اؼبوىبة كحدىا‪ ،‬ألنٌو صنعة مثل باقي‬
‫ك ٌ‬
‫أم راغب يف أف‬
‫الرغبة‪ ،‬فإنٌو يستطيع ُّ‬
‫أم كاف تعلم صنعة إذا توفرت لديو ٌ‬
‫الصناعات‪ ،‬كدبا أنٌو يف كسع ٌ‬
‫يكوف شاعرا أف يكوف كذلك‪ ،‬أل ٌف القوؿ الشعرم يف نظره نتاج العقل الذم يستعُت بالثقافة الواسعة على‬
‫مستول اللغة كاؼبعرفة بالتاريخ كاإلطبلع على الًتاث‪ ،‬لذلك كاف الشاعر عند ابن طباطبا "كالنساج اغباذؽ‬
‫الرقيق الذم‬
‫كينَتهي‪ ،‬كال يهلهل شيئا منو فيشينو‪ ،‬ككالنقاش ٌ‬
‫ؼ كشيىوي بأحسن التفويف كيس ٌديو ٌ‬
‫يفو ي‬
‫الذم ّْ‬
‫كل صبغ منها حىت يتضاعف يحسنو يف العياف‪ ،‬ككنظاـ‬
‫يصنع األصباغ يف أحسن تقاسيم نقشو‪ ،‬كيشبع ٌ‬
‫الرائق كال يشُت عقوده بأ ٌف يفا ًك َّ‬
‫ت بُت جواىرىا يف نظمها‬ ‫اعبواىر الذم يؤلف بُت النٌفيس منها كالثمُت َّ‬
‫كتنسيقها»(‪.)1‬‬

‫‪-‬وحدة القصيدة‪ :‬نادل ابن طباطبا بوحدة القصيدة أل ٌف الشعر هبب أف يكوف كالسبٌيكة اؼبفرغة‪،‬‬
‫كالوشي اؼبنمنم‪ ،‬كالعقد اؼبنظم‪ .‬كتبدك مسألة الوحدة كاضحة لدل ابن طباطبا حُت يتحدث عن بناء‬
‫القصيدة الذم ال بي َّد أف يتأسس على ى‬
‫اؼبعٌت الرئيس الذم يريده الشاعر مث نظم أبيات يشاكل معانيها ىذا‬
‫اؼبعٌت دكف تنسيق أك ترتيب‪ ،‬كيف مرحلة الحقة يصنع الشاعر أبياتا يؤلف ّٔا بُت األبيات اؼبشاكلة معانيها‬
‫حىت ال يكوف تنافر بُت األبيات‪.‬‬
‫للمعٌت الرئيس كيربط بينها ى‬
‫السرقة الشعرية‪ :‬يؤكد ابن طباطبا على كجوب ذبويد الشعر قبل نشره بُت صبهور اؼبتلقُت‪ ،‬كعلى‬
‫‪َّ -‬‬
‫ضركرة النظر يف القصيدة من صبيع جوانبها لضماف خركجها مستوية كاملة‪ ،‬ليبلغ ّٔا قائلها الغاية كتحصيل‬
‫خبصم‪...‬‬
‫جائزة أك اإلطاحة ٍ‬
‫الشعر‪ ،‬حىت إذا أخفى الشاعر سرقتو حبيلة مثل تغيَت األلفاظ أك‬
‫كيقف ابن طباطبا ض ٌد سرقة معاين ٌ‬
‫السارؽ‪ ،‬بل إنٌو على الشاعر أف يعرض على‬
‫فتعود باؼبذمة على َّ‬
‫األكزاف‪ ،‬أل ٌف سرقة اؼبعٌت ال بيد أف تنكشف ى‬
‫نفسو ما قيل من الشعر‪ ،‬كوبفظ كثَتا منو‪ ،‬مث عليو أف يتناساه‪ ،‬حىت إذا قاؿ الشعر جاءت قصيدتو‬

‫(‪-)1‬ابن طباطبا‪ .‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عبد العزيز بن ناصع اؼبانع‪ ،‬دار العلوـ‪ ،‬الرياض‪ ،‬د ط‪ ،1985 ،‬ص‪.08‬‬

‫‪15‬‬
‫"كسبيكة مفرغة من صبيع األصناؼ اليت زبرجها اؼبعادف‪ ،‬ككما قد اغًتؼ من ك واد قد م ٌدتوي سيوؿ جارية‬
‫من شعاب ـبتلفة‪ ،‬ككطيّْب تركب عن أخبلط من الطيب كثَتةو" (‪ ،)1‬كّٔذه العملية ال يكوف شعرهي مسركقا‬
‫أهنار فاختلطت مياىها دبائو كخفيت فيو‪.‬‬
‫حبرا انتهت إليو جداكؿ ك ه‬
‫بل ن‬
‫‪-5‬نقد الشعر لقدامة بن جعفر (‪337‬ى )‬

‫أصبع الباحثوف كالنقاد على أف قدامة بن جعفر كاف متأثرا بالثقافة اليونانية كبالنقد األرسطي يف‬
‫كتاب (نقد الشعر)‪ ،‬فقد عرؼ الشعر بأنٌوي "كبلـ موزكف مقفَّى يدؿ على معٌت" (‪ ،)2‬مث جعل جودة الشعر‬
‫متعلقة بائتبلؼ ىذه العناصر األربعة (اللفظ كاؼبعٌت كالوزف كالقافية)‪.‬‬

‫كيذىب بدكم طبانة إُف أف قدامة قد استفاد كثَتا من أرسطو من حيث اؼبنهج خاصة فيما يتعلق‬
‫بالتبويب كاغبصر كالع ٌد كمنهج دراسة الشعر؛ دراسة الشعر يف أغراضو كموضوعاتو(‪.)3‬‬
‫كعلى الرغم من أف قدامة يعًتؼ باستحالة حصر معاين الشعر كموضوعاتو‪ ،‬فإنو هبعل اغبديث يف‬
‫كتابو عن اؼبعاين األعبلـ اليت كانت أكثر ركاجا كدكرانا على ألسنة الشعراء كىي "اؼبديح كاؽبجاء كالنسيب‬
‫كاؼبرائي‪ ،‬كالوصف‪ ،‬كالتشبيو" (‪ ،)4‬مث يشرع يف دراسة ىذه اؼبعاين انطبلقا من تقسيمو للفضائل إُف "العقل‬
‫(‪)5‬‬
‫سلب الشاعر‬
‫كالشجاعة كالعدؿ كالعفة" ‪ ،‬فيكوف اؼبديح مثبل ىو توفر ىذه الفضائل يف اؼبمدكح‪ٌ ،‬أما إذا ى‬
‫ىذه الفضائل من أحدىم يكوف بصدد ىجائو‪ ،...‬كيبدك كاضحا ىكلى يع قدامة بالتفريع كالتقسيم‪ ،‬حُت هبعل‬
‫جشم بو نفسو‪ ،‬ك َّ‬
‫أكد ذىنو‪ ،‬ككاف‬ ‫ىذه الفضائل رئيسةن تتشعب عنها فضائل ثانوية "كىذا عنت كبَت ٌ‬
‫اإلصىر أالَّ ي‬
‫وبصىر الفضائل يف ىذه األربع بل يطلقها –كما فعل‬ ‫ىبفف عنو تلك اؼبؤكنة‪ ،‬كيرفع عنو ذلك ٍ‬
‫أرسطو‪ -‬على كل حسن صبيل من األعماؿ اإلرادية اليت يأيت ّٔا الفضبلء"(‪.)6‬‬
‫لعل حرص قدامة على تقدًن كتاب يف "نقد الشعر كزبليص جيدة من رديئو" (‪َّ ،)7‬أدل بو إُف ربمل‬
‫ك ٌ‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫(‪-)2‬قدامة بن جعفر‪ .‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفجاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪-)3‬يراجع‪ :‬بدكم طبانة‪ .‬قدامة بن جعفر كالنقد األديب‪ ،‬مطبعة األقبلو مصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1969 ،3‬ص ص‪.332،334‬‬
‫(‪-)4‬قدامة بن جعفر‪ .‬نقد الشعر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪-)5‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫(‪-)6‬بدكم طبانة‪ .‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.340‬‬
‫(‪-)7‬قدامة بن جعفر‪ .‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪16‬‬
‫سَتا على خطى أرسطو‪.‬‬
‫عبء ىذه التقسيمات كالتفريعات ن‬
‫‪-6‬الموازنة بين الطائيين لآلمدي (‪370‬ى )‬

‫يعد كتاب اؼبوازنة من بُت أىم الكتب النقدية التطبيقية اليت يكضعت يف القرف الرابع اؽبجرم إُف‬
‫جانب كتاب (الوساطة) للقاضي علي بن عبد العزيز اعبرجاين ( ‪392‬ىػ)‪ ،‬كسبيز اآلمدم بثقافة كبَتة (ثقافة‬
‫القرف ‪4‬ىػ)‪ ،‬كباطبلع كاسع على ما كتب حوؿ (أيب سباـ) من حيث كونو رائدا ؼبذىب جديد يف الشعر‬
‫أسا للحداثة الشعرية العربية‪ ،‬يقف على الطرؼ النقيض منو (البحًتم) اؼبتبع ؼبذىب القدماء‪ ،‬كقد كاف‬
‫كر ن‬
‫ما حافظ على الطابع النقدم اػبالص لكتاب (اؼبوازنة) ‪-‬إُف جانب ثقافة اآلمدم‪ -‬ىو كونو صاحب‬
‫ذكؽ فٍت متميز جعلو قادرا على اكتشاؼ اعبودة يف الشعر كسبييز الردمء منو‪.‬‬

‫ككتاب اؼبوازنة –كما ىو كاضح من العنواف‪ -‬موضوعو اؼبوازنة بُت شعرم أيب سباـ كالبحًتم‪ ،‬لذلك‬
‫عي ٌد ىذا الكتاب ٌأكؿ كتاب نقدم منهجي يف الًتاث النقدم العريب؛ ذلك أنٌو ال يطلق األحكاـ العامة من‬
‫أشعر من اآلخر‪ ،‬أك إنٌو أشعر الناس كافةن‪ ،‬كلكنو ينحو كبو رصد الفركؽ كاالستناد‬
‫قبيل أف أحد الشاعرين ي‬
‫كيبُت اآلمدم منهجو اؼبتبع يف الكتاب قائبل‪ٌ " :‬أما أنىا فلست أفصح بتفضيل أحدنبا‬
‫إُف آراء صبهور القراء‪ٌ ،‬‬
‫لكٍت أكازف بُت قصيدة كقصيدة من شعرنبا إذا اتفقتا يف الوزف كالقافية كإعراب القافية‪ ،‬كبُت‬
‫على اآلخر‪ ،‬ك ٌ‬
‫معٌت كمعٌت‪ ،‬مث أقوؿ‪ :‬أيهما أشعر يف تلك القصيدة كيف ذلك اؼبعٌت"(‪.)1‬‬
‫ى‬
‫كعلى الرغم من إغباح اآلمدم على فكرة ال ٌدراسة احملايدة كالنٌقد اؼبوضوعي فإنو َف يستطع أف‬
‫يتخلص من إعجابو الواضح بالبحًتم كانتصاره لو على حساب أيب سباـ‪ ،‬كذلك بسبب إعجابو باؼبذىب‬
‫الكبلسيكي الذم يبثلو البحًتم كعدـ استساغتو للمذىب اغبداثي الذم يتزعمو أبو سباـ‪.‬‬

‫كمع ذلك فإ ٌف (اؼبوازنة) يبقى كتابا نقديا خالصا قائما على منهج مضبوط حاكؿ صاحبو أف يلتزـ بو‬
‫قدر اإلمكاف‪ ،‬كلذلك كصف ؿبمد مندكر اآلمدم بأنٌو "أكرب ناقد عرفو األدب العريب"(‪.)2‬‬

‫(‪-)1‬اآلمدم‪ .‬اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،4‬دت‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫(‪-)2‬ؿبمد مندكر‪ .‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،1996 ،‬ص‪.93‬‬

‫‪17‬‬
‫‪-7‬الوساطة بين المتنبي وخصومو للقاضي الجرجاني (‪392‬ى )‬

‫مالئ الدنيا كشاغل الناس؛ طبقت شهرتو اآلفاؽ‪ ،‬كسارت بشعره الركباف‪،‬‬
‫كاف اؼبتنيب يف زمانو كبعده ى‬
‫كثرت حولو اؼبناقشات‪ ،‬كاشتدت فيو اػبصومات‪ ،‬ككضعت فيو كيف شعره اؼبصنفات‪ .‬كىبربنا الثعاليب‬
‫الصاحب بن عباد ( ‪385‬ىػ) ‪ ،‬عندما‬
‫الرد على ٌ‬
‫(‪429‬ىػ) أف كتاب الوساطة كضعو القاضي اعبرجاين يف ٌ‬
‫ألف رسالة يف (الكشف عن مساكئ اؼبتنيب) (‪.)1‬‬

‫كالكتاب –كما يبدك من عنوانو‪ -‬موضوعو التوسط بُت اؼبتنيب كالذين َف يكن يعجبهم شعره‪ ،‬سواء‬
‫أألسباب موضوعية كاف ذلك أـ ألسباب ذاتية‪ .‬غَت أف كتاب الوساطة –يف الواقع‪َ -‬ف يكن ـبتصا بشعر‬
‫اؼبتنيب فقط‪ ،‬بل إنٌو "عرض لؤلصوؿ األدبية اليت عيرفت يف عصره‪ ،‬كحلَّ ىل أشعار القدماء كاحملدثُت‪ ،‬كأكرد‬
‫أخذ و‬
‫كسرقة‪ ،‬كاستعادة حسنة أك‬ ‫كثَتا من ؿباسنهم كعيؤّم‪ ،‬كأباف ما شاع فيها من تعقيد كغموض‪ ،‬ك و‬
‫رديئة‪ ،‬مث عرض للبيئة كأثرىا يف الشعر‪ ،‬كالبداكة كما ربدثو من جفوة يف الطباع‪ ،‬كاغبضارة كما ينشأ عنها من‬
‫كسهولة‪ ،‬مث عرض ػبصوـ اؼبتنٌيب كأنصاره‪ ،‬كمعانيو اؼبأخوذة أك اؼبخًتعة"(‪.)2‬‬
‫رقة ي‬
‫تسلً يم فيها اؼبقدمة إُف‬
‫كإذا نظرنا يف كتاب الوساطة بالتفصيل كجدناه أشبو بالرسالة اؼبًتابطة اليت ٍ‬
‫اػباسبة‪ ،‬فقد قسم اعبرجاين كتابوي إُف ثبلثة أقساـ ىي‪:‬‬

‫‪-‬المقدمة‪ :‬كفيها ي‬
‫يقرر موقفو من األدب كنقده‪ ،‬كيف ىذا القاسم يج ُّل النظريات النقدية اليت جاء ّٔا‬
‫كاعتمد عليها‪.‬‬

‫‪-‬دفاعو عن المتنبي‪ :‬كىو دفاع ال يقوـ على رفض مذاىب اػبصوـ كمناقشتها كتصحيح اػبطأ‪ ،‬بل‬
‫إنٌو قائم على التسليم ّٔذه اؼبآخذ اليت كقع فيها كبار الشعراء قبل اؼبتنيب‪.‬‬

‫كيسلَّ يم ببعضها اآلخر‪.‬‬


‫‪-‬نقد تطبيقي‪ :‬كفيو يتناكؿ بعض مآخذ خصوـ اؼبتنيب‪ ،‬ى‬
‫هبعلنا ىذا لبلص إُف أ ٌف القاضي اعبرجاين يف كتاب (الوساطة) قد ابتعد عن إصدار اغبكم النهائي‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬الثعاليب‪ .‬يتيمة الدىر يف ؿباسن أىل العصر‪ ،‬ج ‪ ،4‬تح‪ :‬مقيد ؿبمد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪،1983 ،1‬‬
‫ص‪.4‬‬
‫(‪-)2‬على بن عبد العزيز اعبرجاين‪ .‬الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي ؿبمد البجارم‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪،‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص‪( 106‬مقدمة التحقيق)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫على شعر الشاعر‪ ،‬خاصة إذا كاف ىذا اغبكم متأتيا من الظن‪ ،‬ىذا مع عدـ إيبانو بإمكانية التوصل إُف‬
‫حكم هنائي يقيٍت فيما ىبص الشعر‪" :‬كإمبا أجسر يف الوقت بعض الوقت فأقدـ على ىذا اغبكم انقيادا‬
‫للظن‪ ،‬كاستنامة إُف ما يغلب على النفس‪ ،‬فأما اليقُت الثقة‪ ،‬كالعلم كاإلحاطة فمعاذ اهلل أف أدعيو كلو‬
‫ٌأدعيتة لوجب أالَّ تقبلوي"(‪.)1‬‬

‫كللوساطة أنبية كبَتة ؼبا حواه من نظرات نقدية فبيزة‪ ،‬كثراء يف التحليل الذم َف وبصره يف زمن اؼبتنيب‬
‫فقط بل امتد إُف القدماء كاحملدثُت كذلك‪ ،‬كىو إذ ذاؾ وبوم مادة مهمة عن النقد الذم يكجو إُف اؼبتنيب‬
‫كعن اعًتاضات القاضي اعبرجاين أك مصادقتو على ىذا النقد‪.‬‬

‫‪-8‬العمدة البن رشيق القيراوني (‪456‬ى )‬

‫من أشهر التآليف العربية القديبة اليت كضعت يف الشعر كنقده‪ ،‬كقد حرص ابن رشيق على اإلحاطة‬
‫دبوضوع الشعر حىت إنو جعل لكتابو عنوانا يدؿ قارئو على َّ‬
‫أف فيو الكفاية ؼبن أراد االطبلع على الشعر‬
‫العريب ككل ما يتعلق بو‪.‬‬
‫كأىم ما يبيز الكتاب أنو حول مادة نقدية كثَتة‪ ،‬استقاىا ابن رشيق من كثَت من اؼبصادر العربية‬
‫حظي بتحقيقات عديدة‪ ،‬ردبا كاف أكؽبا كأنبها ربقيق ؿبي الدين‬
‫اؼبشرقية كنظرا لشهرة الكتاب كأنبيتو فقد ى‬
‫عبد اغبميد‪ ،‬كالعمدة كتاب حول مادة غزيرة جدا جعلها ابن رشيق يف مئة كسبعة ( ‪ ) 107‬أبواب كقد‬
‫قسمها احملققوف التونسيوف إُف ثبلثة أقساـ‪:‬‬
‫‪-‬القسم األول يتعلق بالشعر والشاعر‪ :‬كفضل الشعر‪ ،‬حده‪ ،‬بنيتو‪ ،‬منافعو كمضاره‪ ،‬التكسب بو‪،‬‬
‫صناعتو‪ ...‬كفضل الشاعر الذم رفعو الشعر‪ ،‬كشفاعة الشاعر لدل اؼبلوؾ‪ ،‬كاحتماء القبائل بشعرائها‪،‬‬
‫كطبقات الشعراء‪.‬‬
‫القسم الثاني يدور حول محاسن الشعر‪ :‬كىو يضم أقساـ الببلغة من معاف كبياف كبديع‪ ،‬كىي‬
‫اليت تشكل اؼبادة األساسية لعلم الشعر‪.‬‬
‫الغرض الشعرم‪ ،‬اػبصائص‪ ،‬حسن التناكؿ‪...‬‬ ‫القسم الثالث في صنوف الشعر وأغراضو‪:‬‬
‫باإلضافة إُف أبواب تتعلق يف ؾبملها بأصوؿ ثقافة الشاعر األصيلة اليت ال غٌت لو عنها ليكوف شاعرا كتاريخ‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪19‬‬
‫العرب كأنسأّم كأيامهم كعاداهتم»(‪.)1‬‬

‫‪-9‬دالئل اإلعجاز لعبد القاىر الجرجاني (‪471‬ى )‬

‫لكتايب دالئل اإلعجاز كأسرار الببلغة لعبد القاىرة اعبرجاين أنبية كبَتة يف دراسة النقد كالببلغة‬
‫العربيُت‪ ،‬كىذاف الكتاباف "من أمهات الكتب العربية اليت قامت عليها هنضة العرب األدبية يف ىذا القرف‬
‫السبق إُف العناية ّٔما كتدريسهما يف األزىر الشريف"(‪.)2‬‬
‫(ؽ‪ .)20‬ككاف لئلماـ الشيخ ؿبمد عبده فضل َّ‬
‫ضبل عبد القاىر على عاتقو يف (دالئل اإلعجاز) الربىنة على أف القرآف معجز بالنظم الذم يعرفو‬
‫بأنوٌ "أف تضع كبلمك الوضع الذم يقتضيو علم النٌحو كتعمل على قوانينو كأصولو كتعرؼ مناىجو اليت‬
‫زبل بشيء منها"(‪.)3‬‬ ‫ً‬
‫ت لك فبل َّ‬ ‫يهنجت فبل تزيغ عنها كربفظ الرسوـ اليت يرظبى ٍ‬
‫كَف يهتم عبد القاىر يف الدالئل دبسألة التبويب كالتقسيم كالتصنيف على الرغم من أنو كاف يؤسس‬
‫لعلم جديد كما يقوؿ ؿبقق الكتاب ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬كمع ذلك فقد كاف الكتاب قائما على فكرة‬
‫كاحدة ىي إعجاز القرآف بالنظم‪ ،‬كأف الببلغة يف الكبلـ ال تعود إُف األلفاظ بل إُف طريقة ارتباطها كتعلق‬
‫الواحدة باألخرل‪ ،‬كقد اجتهد عبد القاىر يف الربىنة على نظريتو فبسط األمثلة‪ ،‬كاستعاف بالصور البيانية‬
‫كظبىا بو فوؽ‬
‫خاصة باالستعارة‪ ،‬لذلك كاف عبد القاىر "أكؿ عاَف أخرج النحو من نطاؽ شكليتو كجفافو ى‬
‫اػببلفات كالتأكيبلت حوؿ البناء كاإلعراب"(‪.)4‬‬

‫كقد كاف لكتاب دالئل اإلعجاز أثر بالغ يف الدراسات الببلغية كالقرآنية التالية‪ ،‬كما أنو ما زاؿ‬
‫مصدرا مهما لكثَت من الدراسات اؼبعاصرة‪.‬‬

‫‪-10‬منهاج البلغاء وسراج األدباء لحازم القرطاجني (‪684‬ى )‬

‫كتاب منهاج البلغاء غبازـ القرطاجٍت ىو أبلغ صورة اللتقاء الثقافتُت العربية كاليونانية‪ ،‬فقد ألفو حازـ يف‬
‫قل فيو مريدك الشعر كمعلّْموه‪ ،‬فكاف ال بي َّد لفن الشعر كللنٌقد من رجل مصلح ينقذنبا من اغبضيض‪ ،‬ككاف‬
‫زمن َّ‬
‫(‪-)1‬ابن رشيق القَتكاين‪ .‬العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو‪ ،‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬توفيق النيفر كـبتار العبيدم كصباؿ ضبادة‪ ،‬آّمع التونسي للعلوـ‬
‫كاآلداب كالفنوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،2009 ،‬ص ص‪.24،25‬‬
‫(‪-)2‬أضبد مطلوب‪ .‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬ببلغتو كنقده‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ ،1973 ،1‬ص‪.28‬‬
‫(‪-)3‬عبد القاىرة اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬مطبعة اؼبدين‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪ ،1992 ،3‬ص‪.81‬‬
‫(‪-)4‬حامت الضامن‪ .‬نظرية النظم (تاريخ كتطور)‪ ،‬منشورات‪ ،‬كزارة الثقافية كاألعبلـ‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪ ،1979 ،‬ص‪.47‬‬

‫‪20‬‬
‫حازـ الذم صبع بُت الثقافتُت العربية كاليونانية‪ ،‬كباالستناد على ىذا اعبمع استطاع أف يرسم منهجا نقديا‬
‫ليتوخاه األدباء كالشعراء ككذلك النقاد أمبل منو يف أف يعود الشعر العريب إُف عصوره الزاىرة‪.‬‬

‫كيتكوف كتاب منهاج البلغاء كسراج األدباء من "أقساـ ثبلثة تبحث كلها يف صناعة الشعر على العموـ‬
‫ٌ‬
‫كعلى الوجو الذم يراه اؼبؤلف يف عصره‪ ،‬كيتناكؿ حازـ ّٔذا الكتاب درس موضوع الشعر كطريقة نظمو‪ ،‬كقبده‬
‫يتعمق يف ذلك يف القسم الثاين كالثالث كالرابع من اؼبنهاج ببحث اؼبعاين كاؼبباين كاألسلوب"(‪.)1‬‬

‫كيعد (اؼبنهاج) من أمت كأكمل كتب النقد كالببلغة العربية‪ ،‬فباإلضافة إُف ثقافة كاتبو العربية كإطبلعو‬
‫على كتب النقد كالببلغة اليت سبقتو‪ ،‬فقد كاف مطلعا كمتأثرا دبؤلفات ابن سينا (الشيخ الرئيس)‪ ،‬كاعتمد‬
‫عليها لنقل فقرات كثَتة من كتاب (الشعر) ألرسطو‪ ،‬كاعتمد كذلك على الًتصبات العربية ليلم بفلسفات‬
‫أرسطو كسقراط كأفبلطوف‪ ،‬لذلك أمكننا القوؿ إف حازما "رجل فرد يف عصره سبيٌز بُت األندلسيُت‬
‫اؼبهاجرين بنظمو‪ ،‬كما كاف مرجعا بينهم يف علوـ اللغة كالببلغة كاؼبنطق كالشعر"(‪.)2‬‬

‫لبلص إُف أف تراثنا العريب غٍت باؼبصنفات النقدية اليت أكلت عناية كبَتة للشعر كعاعبت كل ما وبيط‬
‫بو‪ ،‬كىذه اؼبصنفات تشكل سلسلة من اغبلقات اؼبوصوؿ بعضها ببعض‪ ،‬اليت تدؿ على احًتاـ بالغ للعقل‬
‫كالذكؽ‪ ،‬كإجبلؿ كبَت عبهد السابق دبا نلحظو فيها من تبلقح الفكر كاالستعانة دبجهود السابق حىت إذا‬
‫كاف أجنبيا غريب اللغة كالثقافة‪ ،‬إال أف العاَف كالناقد العريب آمن أف العلم يؤاخي بُت العلماء كهبمع بينهم‬
‫من أجل الوصوؿ إُف اغبقيقة‪ .‬كىذا ما يشهد على أمة كانت راقية الفكر خصبة اػبياؿ متسامية األخبلؽ‪،‬‬
‫أمة لو رجعت ؼباضيها يف إعادة قراءة لًتاثها اؼبشرؽ الستعادت ؾبدىا كأسست ؼبستقبل أفضل‪.‬‬

‫‪،2007 ،4‬‬ ‫(‪-)1‬حازـ القرطاجٍت‪ ،‬منهاج البلغاء كسراج األدباء‪ ،‬تق كتح‪ :‬ؿبمد اغببيب بن اػبوجة‪ ،‬دار العرب اإلسبلمي‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‬
‫ص‪( 95‬مقدمة احملقق)‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪21‬‬
‫المحاضرة الثالثة‪:‬‬
‫النق د االنطباعي‬
‫َف تكن الفنوف يف معزؿ عن حياة اإلنساف؛ فحيثما يكجد اإلنساف يكجدت الفنوف اليت تغدم حاجاتو‬
‫الركحية اليت تزداد كلما ارتقى يف سلم اغبضارة كاؼبدنية‪ ،‬كليس الشعر سول كاحد من ىذه الفنوف الكثَتة‪،‬‬
‫كىو الفن القوِف الذم ردبا كاف منذ كانت اللٌغة اليت احتاجها الناس لضركرات التواصل كالتعامل اليومي‪.‬‬

‫كما من شك يف أف الشعر ال بد أف يصحبو النٌقد‪ ،‬إذ النقد نشاط إنساين تواصلي يهدؼ يف أظبى‬
‫غاياتو إُف البحث عن اعبميل كإمداد الناس ّٔذه القدرة على سبييز اعبميل من القبيح‪ ،‬كإدراؾ اعبيد من‬

‫الردمء‪ ،‬كال غرابة –إذف‪ -‬أف يكوف الشاعر ىو ٌأكؿ من يتعرض لشعره بالنٌقد كالنظر كاؼببلحظة؛ فقد يرًك ى‬
‫م‬
‫عن بعض شعراء العرب أهنم كانوا وببسوف نصوصهم عندىم ؼبدة قد سبتد إُف العاـ‪ ،‬يعكفوف عليها بالنظر‬
‫كالتدقيق كالفرز كالتمحيص‪ ،‬قبل إخراجها إُف صبهور اؼبتلقُت‪ ،‬ـبافة أف يتلقاىا الناس كّٔا عيب يشينها أك‬
‫خطأ يؤذم ذائقة من يسمعها‪ ،‬لذلك ظبيت مثل ىذه النصوص باغبوليات‪ ،‬كاؼبنقحات‪ ،‬قاؿ اعباحظ‪:‬‬
‫يسمى كبار قصائده "اغبوليات"‪ ،‬كقاؿ نوح ابن‬
‫"كاف زىَت بن أيب سلمى‪ ،‬كىو أحد الثبلثة اؼبتقدمُت‪ٌ ،‬‬
‫َّح»"(‪ ،)1‬يدلنا كبلـ اعباحظ على أ ٌف الشعر العريب قد كصل يف‬
‫الشعر اغبوِف اؼبنق ي‬
‫جرير‪ :‬قاؿ اغبطيئة‪« :‬خَت ٌ‬
‫اعباىلية إُف أكج تطوره‪ ،‬ككصل يف الكماؿ إُف الغاية‪ ،‬حىت إف الشاعر‪ ،‬كىو ٌأك يؿ ناقد لشعره أصبح يصنف‬
‫ًش ٍعره فيسمى كبار القصائد بأظباء سبيزىا عن قصائده األخرل‪ ،‬ككذلك يقع ىذا التصنيف يف الشعر‬
‫موما‪.‬‬
‫عي ن‬
‫إف حرص شاع ور كبَت مثل زىَت بن أيب سلمى‪ ،‬على ذبويد قصائده كتنقيحها كاالشتغاؿ بالنظر فيها‬
‫"حوال" أم عاما كامبل ؽبو دليل على مدل مراعاة الشاعر العريب القدًن لذكؽ اؼبتلقي‪ ،‬كحرصو على ترؾ‬
‫انطباع حسن لديو‪.‬‬

‫كتتمثل أنبية النقد االنطباعي يف أنٌو كاف نقدا فاعبل‪ ،‬لو سلطة على النصوص الشعرية كعلى‬
‫أصحأّا من الشعراء‪ ،‬كباغبديث عن النقد العريب‪ ،‬فقد كاف ىذا النقد كما الشعر عربيِّا صادرا عن متلق‬

‫(‪-)1‬اعباحظ‪ ،‬البياف كالتبيُت‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،7‬ص‪.204‬‬

‫‪22‬‬
‫عريب‪ ،‬يبتلك حساسية ذبعلو قاببل للتأثر ّٔذا الشعر اػباضع ألساليب العرب‪ ،‬مع تراكيبهم اؼبناسبة‬
‫لطرائقهم يف اإلنشاء كالنٌظم‪ ،‬لذلك كاف اؼبتلقي العريب قادرا على التمييز بُت اعبيد كالردمء‪ ،‬بفضل الذكؽ‪،‬‬
‫حائدا عن أسلوب العرب كببلغتهم يف‬
‫ىذه اؼبلكة (كما يسميها ابن خلدكف)‪« ،‬كإذا عيرض عليو الكبلـ ن‬
‫نظم كبلمهم أعرض عنو كؾبٌوي‪ ،‬كعلم أنٌو ليس من كبلـ العرب الذين مارس كبلمهم (‪ )...‬كىذا أمر‬
‫كجداين حاصل دبمارسة كبلـ العرب(‪.)1‬‬

‫إف ىذا االتصاؿ الوثيق باللغة كاؼبعرفة العميقة بأدؽ أسرارىا‪ ،‬كالوصوؿ يف الفصاحة إُف أقصى‬
‫الدرجات‪ ،‬كمبلغ الغاية القصول يف البياف من طرؼ عرب اعباىلية‪ ،‬ىو ما جعل من القرآف الكرًن معجزة‬
‫فدؿ ىذا‬
‫عز كجل العرب على أف يأتوا بأصغر سورة منو‪ٌ ،‬‬
‫ببانية تتحدل فصاحة العرب كبياهنم‪ ،‬كرب ٌدل اهلل ٌ‬
‫التحدم على مدل اقتدارىم كمبلغ فصاحتهم‪.‬‬

‫كإذا كاف اهلل تعاُف قد ربدل العرب بالقرآف كىو الكتاب النثرم اؼبعجز داال بذلك على مدل‬
‫اقتدارىم من جهة اللغة كالبياف‪ ،‬كعلى تعمقهم يف حبر الببلغة كالفصاحة‪ ،‬فإ ٌف حاؽبم مع الشعر كاف أكثر‬
‫بيانا لفصاحتهم كشدة معرفتهم بأسرار لغتهم‪ ،‬ذلك أف الشعر كاف صناعتهم اليت ال نعرؼ ؽبا مبتدأ كال‬
‫تاريخ نشأة‪ ،‬ككاف ديواهنم كعلمهم الذم َف يكن ؽبم علم سواه‪.‬‬

‫لذلك يكوف حديثنا عن النقد االنطباعي ‪-‬كاالنطباعية ظبة النقد القدًن خاصة اعباىلي كما كاف قبل‬
‫عصر التدكين –حديثا عن نقد أسهم يف تطور الشعر العريب كانتقالو يف أطوار عديدة كصلت بو إُف‬
‫مستول القصيدة اعباىلية‪ ،‬خاصة اؼبعلقة اليت ُّ‬
‫تعد أظبى صورة للشعر العريب القدًن‪.‬‬

‫أوال‪ :‬معنى النَّقد االنطباعي‬

‫السجيٌة اليت يجبل عليها اإلنساف»(‪.)2‬‬


‫أ‪-‬لغة‪ :‬قاؿ ابن منظور‪« :‬الطبع كالطبيعة‪ :‬اػبليقة‪ ،‬ك َّ‬
‫ب‪-‬اصطبلحا‪ :‬تعرؼ االنطباعية على أهنا «كصف لبلنطباعات اليت يثَتىا اؼبوقف يف النفس كالنقد‬
‫االنطباعي‪ ،‬تقدًن ج ٌذاب للعمل األديب انطبلقا من تأثَت العمل على الناقد»(‪.)3‬‬

‫(‪-)1‬ابن خلدكف‪ ،‬اؼبقدمة‪ ،‬درا الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،9‬ص‪.483‬‬
‫(‪-)2‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (طبع)‪.‬‬
‫(‪-)3‬سعيد علوش‪ ،‬معجم اؼبصطلحات األديب اؼبعاصرة‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بَتكت‪ ،‬سوشربيس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪ ،1985 ،1‬ص‪.141‬‬

‫‪23‬‬
‫نستطيع أف نستنتج من ىذين التعريفُت (اللغوم كاالصطبلحي) أف النقد االنطباعي كصف مباشر‬
‫إلحساس الناقد الذم يطبعو فيو النص الشعرم عند ظباعو أك قراءتو‪ ،‬إنٌو ذلك األثر الذم يًتكو النص‪،‬‬
‫فيدركو الناقد دكف اغباجة إُف كسائط مهما كاف نوعها‪.‬‬

‫كقد كاف الشعر أكثر ما يؤثر يف العريب قديبا‪ ،‬فيدفعو إُف تبٍت موقف ما‪ ،‬أك التخلي عن موقف‬
‫معُت‪ ،‬ؼبا كاف لو من اتصاؿ مباشر بذكؽ العريب كطبعو كقدرة على التأثَت فيو‪ ،‬فقد كاف الكبلـ الذم‬
‫«ترتاح لو القلوب‪ ،‬كذبذؿ بو النفوس‪ ،‬كتصغي إليو األظباع كتشحذ بو األذىاف‪ ،‬كربفظ بو اآلثار‪ ،‬كتقيٌد بو‬
‫األخبار»(‪.)1‬‬

‫السامي لييًتؾ دكف رعاية كعناية‪ ،‬كقد كاف النٌقد أحد أىم أكجو ىذه‬
‫القوِف ٌ‬
‫كَف يكن ىذا الفن ُّ‬
‫العناية كقد «قضى النقد العريب مدة طويلة من الزمن‪ ،‬كىو يدكر يف ؾباؿ االنطباعية اػبالصة كاألحكاـ‬
‫اعبزئية اليت تعتمد مفاضلة بُت بيت كبيت‪ ،‬كسبييز البيت اؼبفرد أك إرساؿ حكم عاـ يف الًتجيح بُت شاعر‬
‫كشاعر‪ ،‬إُف أف أصبح درس الشعر يف أكاخر القرف الثاين اؽبجرم جزءا من جهد علماء اللغة كالنٌحو»(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬مجاالت النّقد االنطباعي‪:‬‬

‫أ‪-‬النّقد اللغوي‪ :‬كىو النقد الذم يعتمد على رصد اػبطأ يف اللغة‪ ،‬كقد سبق القوؿ إف العريب كاف‬
‫شديد االتصاؿ بلغتو عارفا بأسرارىا‪ ،‬كما يزيده معرفة ّٔا حفظو لؤلشعار كنشأتو على الذكؽ األديب الرفيع‬
‫الذم يسمح لو بتمييز اػبطأ من الصواب‪ ،‬كمن أشهر الركايات اؼبتعلقة دببلحظة اػبطأ اللغوم كعدـ‬
‫عيب على اؼبتلمس حيث قاؿ‪:‬‬
‫استعماؿ اللفظ فيما يكضع لوي ما ى‬
‫الصي َع ِريةُ ُم ْك َدِم‬
‫بناج عليو ْ‬ ‫الهم عن َد احتضا ِره‬
‫وق ْد أثناسى َّ‬

‫نشد ىذا فقاؿ‪:‬‬ ‫ً‬


‫صيب يي ي‬
‫«كالصيعرية ظبةه للنُّوؽ ال للفحوؿ‪ ،‬فجعلها للفحل‪ ،‬كظبعو طرفة كىو ّّ‬
‫اعبمل» فضحك النٌاس كصارت مثبل»(‪.)3‬‬
‫«استنوؽ ى‬

‫(‪-)1‬عبد الكرًن النهشلي‪ ،‬اختيار اؼبمتع يف علم الشعر كعملو‪ ،‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬ؿبمود شاكر القطاف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪،1983 ،1‬‬
‫ص‪.63‬‬
‫(‪-)2‬إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النٌقد األديب‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،1‬ص‪.33‬‬
‫(‪-)3‬ابن قتيبة‪ ،‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اغبديث‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،2006 ،‬ص‪.181‬‬

‫‪24‬‬
‫الصيعرية اليت جعلها اؼبتلمس للجمل‬
‫فقد أنكر طرفىةي أف يوصف اعبى ىمل بإحدل ظبات الناقة‪ ،‬كىي ٌ‬
‫خطأن منو‪ ،‬لكن طرفة أدرؾ حبسة اللغوم ىذا اػبطأ فنبو عليو‪ ،‬كىو فيما يركل صيب يلعب مع الصبياف‪.‬‬

‫ب‪-‬النقد المعنوي‪َ :‬ف يكن اؼبتلقي العريب يقبل من الشاعر اػبطأ يف اؼبعٌت‪ ،‬أل ٌف ىذا اػبطأ دليل‬
‫على ؾبانبة اغبقيقة كالبعد عن الواقع‪ ،‬فلغة الشعر اليت ال تعتد باؼبعاين اغبقيقية تفسد اؼبعٌت باػبركج بو إُف‬
‫اإلحالة كالكذب‪ ،‬كقد ظهرت بعض اؼبقاييس النقدية اليت تتصل بنقد اؼبعٌت عند الشعراء القدامى‪ ،‬كمن‬
‫ىذه اؼبقاييس‪:‬‬

‫‪-‬النظر يف اؼببالغة‪.‬‬

‫‪-‬اؼببلءمة بُت األلفاظ كدالالهتا‪.‬‬

‫‪-‬الوظيفة اعبمالية (التأثَتية) للشعر‪.‬‬

‫‪-‬اؼببالغة‪ :‬عاب اؼبتلقوف العرب على مهلهل قولو‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫قرعُ باللكوِر‬ ‫ِ‬
‫البيي تٌ َ‬ ‫صليل‬ ‫يل أٌ ْس ِم َع من بِ َح ْج ٍر‬
‫فلوال الر ُ‬
‫َ‬

‫حجرا قصبة يف اليمامة كحرّٔم إمبا‬ ‫ًو ً‬


‫كقد كصف ىذا البيت بأنٌو « َّأك يؿ كذب يظب ىع يف الشعر ىذا أل ٌف ن‬
‫كانت باعبزيرة»(‪.)2‬‬

‫مشهدا للحرب الطاحنة اليت ىبوضها (حرب البسوس)‪ ،‬فإ ٌف‬


‫ن‬ ‫فعلى الرغم من أف الشاعر أراد أف يقدـ‬
‫عبوءه إُف اؼببالغة كالقوؿ إنو لوالى الريح لكاف أىل اليمامة ظبعوا أصوات السيوؼ كىي تضرب خوذ‬
‫األعداد‪ ،‬كاف أمرا مرفوضا من طرؼ اؼبستمع الذم طالب الشاعر يقوؿ اغبقيقة دكف مبالغة تسم شعره‬
‫باحملاؿ كتلصق بو هتمة الكذب‪ ،‬ذلك أل ٌف البالغة تقف حاجزا ضد الفهم‪ ،‬كإذا َف يفهم اؼبتلقي القصيدة‬
‫ؾبَّو ذكقو كاطرحها‪.‬‬

‫‪-‬الربط بين األلفاظ ودالالتها‪.‬‬

‫تضرب لو قبةه بسوؽ عكاظ من ىأدوـ‪ ،‬فتأتيو الشعراء‪،‬‬


‫زبرب كتب النقد القديبة‪ ،‬أ ٌف النابغة كافٌ « ي‬

‫(‪-)1‬اؼبهلهل‪ ،‬ديواف اؼبهلهل‪ ،‬شرح كربقيق‪ :‬أنطواف ؿبسن القواؿ‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1995 ،1‬ص‪.43‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ىامش احملقق‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪25‬‬
‫فتعرض عليو أشعارىا»(‪ ،)1‬كي ٌدؿ ىذا اػبرب على أف نقد الشعر كالنظر فيو كاف مهمة شبو رظبية‪ ،‬ككاف على‬
‫قدر بالغ من األنبية‪ ،‬إُف درجة أف تضرب خيمة للناقد يف كاحد من أىم األسواؽ العربية (عكاظ) ليجتمع‬
‫عنده الشعراء كيعرضوف قصائدىم عليو للتحكيم‪.‬‬

‫كنستطيع أف نستنتج أف ىذه اؼبهمة َف تكن توكل ألم كاف‪ ،‬إمبا لشاعر مشهور حصل اإلصباع على‬
‫عي ّْلو قدره كأنبية مكانتو يف الشعر كالنٌقد‪ ،‬كقد كاف النابغة من فحوؿ الشعراء اعباىلُت‪ ،‬ككاف «أحسنهم‬
‫كبلما ليس فيو تكلف»(‪.)2‬‬
‫ديباجة شعر‪ ،‬كأكثرىم ركنق كبلـ‪ ،‬كأجزؽبم بيتنا‪ ،‬كاف شعره ن‬
‫يوما حساف بن ثابت كأنشده قصيدتو اليت يقوؿ فيها‬
‫كؽبذه القبة خرب مشهور مفاده ا ٌف النابغة أتاه ن‬
‫مفتخرا‪:‬‬
‫دما‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وأسيافُنا يقطرن من نجدة َ‬ ‫ضحى‬
‫يلمعن بال ُ‬
‫َ‬ ‫الغر‬
‫ُّر‬ ‫الجفنات‬
‫ُ‬ ‫لنَا‬

‫وأكرم بنَا ابنما‬


‫ْ‬ ‫فتكرم بنا خاالً‬
‫ْ‬ ‫حر ٍق‬
‫وابني ُم َّ‬
‫ولدنا بني العنقاء ْ‬

‫ت‪ ،‬كَف تفخر دبن‬


‫ت دبن كل ٍد ى‬
‫كفخر ى‬
‫ت جفانك كأسيافك‪ٍ ،‬‬
‫شاعر‪ ،‬كلكنك أقل ٍل ى‬
‫«فقاؿ لو النابغة‪ ،‬أنت ه‬
‫كلدؾ»(‪.)5‬‬

‫كنستطيع أف نستنتج من نقد النابغة ىذه النٌقاط‪:‬‬

‫‪ -‬قوؿ النابغة غبساف بأنٌو شاعر يعٍت أف صفة الشاعرية ال يبكن أف يبحوىا خطأ يف االستعماؿ‪،‬‬
‫كأ ٌف الشاعر مهما كاف سبكنو كاقتداره إالٌ أنٌو يعرض لوي أف ىبطئ‪.‬‬

‫‪-‬االعًتاؼ بشاعرية حساف دليل على ذكؽ النابغة كذكائو بوصفو (ؿبكما) يف التعامل مع الشعراء‬
‫شاعر كىذا األصل قبل إطبلؽ أم حكم آخر‪.‬‬
‫الذين يقصدكف خيمتو يف سوؽ عكاظ‪ ،‬فحساف ه‬
‫‪-‬الًتكيز على مناسبة اللفظ للمعٌت‪ ،‬فإذا كاف الشاعر يف معرض الفخر كىو حاؿ حساف بن ثابت‬

‫(‪-)1‬اؼبرزباين‪ ،‬اؼبوشح يف مآخذ العلماء على الشعراء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد حسُت مشس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1995 ،1‬ص‬
‫(‪-)2‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫(‪-)3‬اعبفنات‪ :‬صبع جفنة كىي القصعة‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫‪-‬الغيٌر‪ :‬صبع األ ٌغر كىو األبيض من ٌ‬
‫(‪-)5‬اؼبرزباين‪ :‬اؼبوشح‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪26‬‬
‫يكوف عليو أف يصل باؼبعٌت إُف مداه‪ ،‬فييكثر بدال من أف ييقل كيبالغ بدال من التزاـ اغبقيقة‪ ،‬كلذلك كاف‬
‫على حساف أف يقوؿ (سيوفنا) فيكثر سيوفهم داللة على بطش قومو كجرأهتم على اغبرب‪ ،‬ال أف يستعمل‬
‫صبع القلٌة كىو (أسيافنا)‪ .‬كذلك فإ ٌف (اعبفاف) دليل على الكثرة ككثرهتا دليل على الكرـ البالغ‪ ،‬أما‬
‫(اعبفنات) فقد أدت معٌت القلة‪.‬‬

‫‪-‬يف نقد البيت الثاين حرص من النابغة (الناقد احملكم) على احًتاـ التقاليد العربية اليت ذبعل الفخر‬
‫باآلباء كالتقديس للماضي كاؼبباىاة بالتاريخ‪ ،‬كمن ىنا كاف خطأ حساف يف اػبركج عن ىذه التقاليد كفخره‬
‫بذريتو ال بأجداده كآبائو على عادة العرب يف الفخر‪.‬‬

‫مثال عن الوظيفة التتثيرية للشعر‪:‬‬

‫الزب ًرقاف بن بدر‪ ،‬كعمرك بن األىتم‪ ،‬كعب ٍدهي بن الطٌيب‪ ،‬كاؼبخبَّ يل‬ ‫جاء يف كتاب اؼبوشح «رباكم ّْ‬
‫للزبرقاف‪ :‬أما أنت فشعرؾ كلح ًم ً‬
‫أسخ ىن‬ ‫أشعر؟ فقاؿ َّ‬
‫ٌ ى ي ٍ‬ ‫الشعر؛ أييهم ي‬ ‫السعدم إُف ربيعة بن حذار األسدم يف ٌ‬ ‫َّ‬
‫رؾ نيّْئا فينتفع بو‪ ،‬ك َّأما أنت يا عمرك‪ ،‬فإ ٍف ًشع ى ً‬ ‫أنضج فأكً ىل كال تي ى‬
‫رؾ كبيػ يردم ىح ىورب‪ ،‬يتى ىؤلٍألي فيها البى ى‬
‫ص ير؛‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ي‬ ‫ال ىو ى‬
‫عن ًش ٍع ًرىم‪ ،‬كارتفع عن شعر‬ ‫قصىر ٍ‬ ‫شعرؾ ى‬
‫فإف ى‬ ‫أنت يا يـببَّ يل َّ‬
‫نقص البصر‪ ،‬ك َّأما ى‬
‫َّظر ى‬ ‫فكلما أعيد فيها الن ي‬
‫فليس تقطيير كال سبيٍ ًط ير»(‪.)1‬‬ ‫شعرؾ كمز ىادةو ٍ ً‬ ‫عبدة َّ‬
‫أح ىكم ىخ ٍريزىىا ى‬ ‫فإف ى‬ ‫أنت يا ى‬ ‫غَتىم‪ ،‬ك َّأما ى‬
‫الزب ًرقاف بأف أسلوبو ال يرقى بو إُف درجة‬
‫نفهم من ىذا النص أف ربيعة بن حذار حكم على شعر ٌ‬
‫يكل كال ىو تيرؾ ليستفاد منو‪ ،‬كذلك‬
‫رؾ‪ ،‬فبل ىو أنضج فأ ى‬‫فأس ًخ ىن كتي ى‬ ‫ً‬
‫الشعر‪ ،‬فهو كلحم يكضع على النار ٍ‬
‫شعره ال غناء فيو كال فائدة منو‪.‬‬

‫فشكل صبيل ينظر فيو الناظر فتبهره األلواف كاألضواء‪ ،‬لكنٌو‬


‫ه‬ ‫أما شعر عمرك بن األىتم يف رأم الناقد‬
‫هما‪.‬‬
‫كلما أعاد تأملو كاستنطق معانيو َف هبد شيئا يم ن‬
‫وبكم الناقد على شعر اؼبخبل انطبلقا من اؼبوازنة بُت كبُت أشعار اآلخرين‪ ،‬كىبلص إُف أنٌو قصر عن‬
‫شعر بقية اؼبتحاكمُت لكنو يرتفع عن شعر غَتىم‪.‬‬

‫أما شعر عبدة بن الطبيب فقد كاف أشبو باؼبزادة )*( اليت أحكمت خياطتها فبل ىي تقطر كال ىي‬

‫(‪-)1‬اؼبرزباين‪ ،‬اؼبوشح‪ ،‬ص‪.93‬‬


‫)*(–اؼبزادة‪ :‬إناءه صغَت من اعبلد وبمل فيو اؼباء‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫سبطر‪ ،‬فيكوف الناقد قد حكم على شعره بػ«متانة الًتكيب كالنظر يف عيس ًر األسلوب كصعوبة استخراج‬
‫اؼبعٌت»(‪.)1‬‬

‫كيف الركايات كاألخبار القديبة‪ ،‬خرب يمهم يؤكد على قدرة اؼبتلقي العريب على التفريق بُت الواقع كبُت‬
‫الصورة اليت هبب أف يكوف عليها ىذا الواقع يف الشعر‪ ،‬فليس ييطلب من الشاعر أف وباكي الواقع‪ ،‬بل أف‬
‫يرتفع بو كيسمو إُف درجة النموذج أك ما هبب أف يكوف‪ ،‬ىذا اػبرب ىو احتكاـ امرئ القيس كعلقمة‬
‫األكؿ لتحكم بينهما أيهما أشعر‪ ،‬فطلبت منها أف يقوال شعرا يصفاف فيو فرسيهما على‬
‫الفحل إُف زكجة ٌ‬
‫جند ً‬
‫ب‬ ‫خليلي يمَّرا يب على ٌأـ ي‬ ‫كركم كاحد‪« ،‬فأنشد امرؤ القيس قولو‪:‬‬
‫َّ‬ ‫قافية كاحدة ٌ‬
‫مر بقولة‪:‬‬
‫حىت َّ‬
‫ولللج ِر منوُ وقع أخرج م ِ‬
‫هل ِ‬
‫ب‬ ‫وللساق ِد ّرةٌ‬
‫وب َّ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ّْ‬ ‫اله ٌ‬
‫فللسوو ُ‬
‫ّ‬
‫ذىبت من اؽبجراف يف غ ًَت مذىب‪ .‬حىت انتهى إُف قولو‪:‬‬
‫فأنشدىا علقمة قولو‪ :‬ى‬
‫ائل ُمتَ َحلِّ ِ‬
‫ب‬ ‫ثر ٍ‬‫يم ُّرر كغَْي ٍ‬
‫ُ‬ ‫فت ْد َرَكوُ حتى ثَنَى من ِعنانِو‬

‫فقالت لو‪ :‬علقمة أشعر منك‪ ،‬قاؿ‪ :‬ككيف؟‬

‫يد‪ ،‬مث أدركوي ثانيا‬


‫الص ى‬
‫ك‪ ،‬كأنٌو جاءى ىذا َّ‬ ‫ك‪ ،‬كضربتو ً‬ ‫قالت ‪ :‬ألنك زجرت فرسك‪ ،‬كحركتو ً‬
‫بسوط ى‬ ‫بساق ى‬
‫ى ٍ ى ى ى َّ ي ى‬
‫من عنانًو»(‪.)2‬‬

‫َف تعجب أـ جندب بواقعية امرئ ‪ ،‬كاهنماكو يف الوصف الذم ال يتجاكز اغبقيقة‪ ،‬كال يعدكىا إُف‬
‫اػبياؿ الذم باستطاعتو أف ينقل صورة أظبى‪ ،‬الصورة اؼبثالية ال اغبقيقية‪ ،‬فالفضائل من خَت كحق كصباؿ ال‬
‫بيد أف تبلغ يف النص الشعرم اؼبنتهى ال أف تقف عند اغبدكد الضيقة للواقع‪.‬‬

‫ج ‪/‬النقد العروضي‬

‫كم يف‬
‫يف كتب األدب كمصادره خرب عن كقوع النابغة الذبياين كىو أحد فحوؿ اعباىلية كالناقد اغبى ي‬
‫سوؽ عكاظ‪ ،‬يف خطأ فٍت ىو اإلقواء كىو اختبلؼ حركة الركم يف أبيات القصيدة‪ .‬كنورد ىذا اػبرب كما‬

‫(‪-)1‬داكد سلوـ‪ ،‬النقد العريب بُت االستقراء كالتأليف‪ ،‬مكتبة األندلس‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط ‪ ،1970 ،2‬ص‪.14‬‬
‫(‪-)2‬أبو الفرج األصفهاين‪ :‬األغاين‪ ،‬ج‪ ،21‬تح‪ :‬إحساف عباس كآخركف‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،3‬ص‪.145-144‬‬

‫‪28‬‬
‫جاء يف كتاب طبقات فحوؿ الشعراء البن سبلـ ً‬
‫اعبمحي «كَف ييق ًو من ىذه الطبقة كال من أشباىهم إال‬
‫النابغة يف بيتُت قولو‪:‬‬

‫وغير ُم َلَّو ِد‬ ‫ٍ‬ ‫ِأم ْن ِ‬


‫آل ميَّةَ رائِ ٌل أو مغتدي‬
‫َع ْجالن ذا زاد ُ‬
‫األسود‬
‫ُ‬ ‫وبلاك خبرنا الغداف‬ ‫البوارح أن رحلتنا غ ًدا‬
‫ُ‬ ‫َز َع َم‬
‫كقولو‪:‬‬
‫فتناولتو واتَّق ْتنا باليَد‬ ‫ولم تُر ْد سقاطوُ‬
‫صيف ْ‬
‫ط النّ ُ‬
‫َسق َ‬

‫اد من اللطافَ ِة يُ ْع َق ُد‬ ‫ب َر ْخ ٍ َّ‬


‫(‪)1‬‬
‫َعنَ ٌم ي َك ُ‬ ‫كتن بنانَوُ‬ ‫ضً‬‫بمم َ‬

‫يأبو ؽبيم حىت أظبعوه إياهي يف غناء‪ .‬كلسبب ال نعرفو على كجو‬
‫فلم ٍ‬‫فقدـ اؼبدينة فعيب ذلك عليو‪ٍ ،‬‬
‫ى‬
‫الركم يف ىذين النصُت‪ ،‬كَف ينتبو إُف ذلك‬
‫ال ٌدقة‪ ،‬كاف النابغة الذبياين الوحيد الذم خالف بُت حركات ٌ‬
‫أشعر النٌاس"‬
‫غٍت لو شعره فانتبو كغادر اؼبدينة كىو " ي‬
‫اػبطإ حىت َّ‬
‫"كعلى ىذا يكوف اعباىليوف قد أدركوا بعض األسس األكُف البسيطة كمبادئ النقد األديب دبقدار ما‬
‫دت‬
‫كانت تسمح ؽبم البيئة‪ ،‬كإف انعداـ تسجيل النٌصوص كاآلثار ٌفوت علينا كثَتا من اؼبعلومات اليت لو ىكىر ٍ‬
‫إلينا لعلمٍتنا ما َفٍ نكن نعلم عن البيئة األدبية يف اعباىلية كعن نقادىم الذين ضاعوا يف التاريخ"(‪.)2‬‬

‫كتبقى كتب األدب كاألخبار كالنٌقد القديبة زاخرة دبثل ىذه األخبار اليت تدؿ على أف العريب القدًن‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬كمراعاة اؼبقاـ كاحًتاـ‬
‫َف يكن يصغي إُف القصيدة دكف البحث يف جوانبها العديدة من حيث اللغة ك ى‬
‫العرؼ االجتماعي‪ ،‬كرصد اػبطأ الفٍت» حىت إذا تعلق ىذا اػبطأ بواحد من فحوؿ الشعراء العرب يف‬
‫جاىليتهم كآّاىرة باغبكم كتفضيل شاعر على آخر‪ ،‬كحىت إذا تعلق اغبكم بشاعر مثل امرئ القيس‬
‫تصدره امرأة ىي زكجتو‪.‬‬

‫أما تلك األحكاـ االنتقائية اليت قد تتغَت من متلق إُف آخر‪ ،‬بل قد تتغَت لدل اؼبتلقي الواحد‪،‬‬
‫اؼبتعلقة باؼبفاضلة كتقدًن شاعر على آخر‪ ،‬أك تقديبو على ؾبموعة من الشعراء‪ ،‬أك الشعراء كافة فهي دكف‬
‫اغبصر كالع ٌد‪.‬‬

‫(‪-)1‬ابن سبلـ اعبمجمي‪ ،‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص‪.68-67‬‬


‫(‪-)2‬داكد سلوـ‪ ،‬النقد العريب القدًن بُت االستقراء كالتأليف‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪29‬‬
‫يبقى أف نسجل أ ٌف النٌقد العريب يف عصوره األكُف كاف حاضرا إُف جانب الشعر يبيز جيده من رديئة‬
‫ؾبرد أحكاـ ذكقية‬
‫كيسانده يف مسَتتو عرب التاريخ ليصل بو إُف ذكرة النضج كقمة الكماؿ‪ ،‬حىت إف كاف َّ‬
‫غَت خاضعة للتعليل‪ ،‬لكنو كاف مناسبا لبيئة بسيطة ستسَت كبو التعقيد ككذلك معها الشعر كالنقد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫المحاضرة الرابعة‪:‬‬
‫مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة والمغاربة‬
‫شعرت بالشيء إذا علمتو‬
‫ي‬ ‫الشعر لغة ‪ :‬الشعر يف اللغة العلم بالشيء كالفطنة لوي "كاألصل قوؽبم‬
‫كظب ٌي‬ ‫قوـ‪ :‬أصلو من الشّْعرة ُّ‬
‫كالدربة كالفطنة (‪ )...‬قالوا‪ :‬ي‬ ‫علمت‪ ،‬قاؿ ي‬
‫ي‬ ‫كفطنت لو‪ .‬كليت شعرم أم ليتٍت‬
‫الشاعر ألنٌو يفطن ؼبا ال يفطن لو غَته"(‪.)1‬‬

‫شعرا»(‪.)2‬‬
‫كل علم ن‬
‫القوؿ‪ ،‬غلب عليو لشرفو بالوزف كالقافية‪ ،‬كإف كاف ٌ‬
‫الشعر‪ :‬منظوـ ٍ‬
‫«ك ي‬
‫الشعر اصطبلحا‪« :‬كيفما كاف تعريفنا للشعر فهو ليس شيئا آخر غَت ؾبموعة العواطف‬
‫كاالنفعاالت الصادرة عن الشعور كاليت تتبلور عن طريق أداة اللغة بواسطة اػبياؿ»(‪.)3‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة‬

‫‪-1‬الجاحظ (‪255‬ى )‬

‫يؤكد اعباحظ أف النٌاقد اؼبتبصر بالشعر اؼبتمرس بقراءة النصوص الشعرية‪ ،‬يبكنو أف يبيز بُت اعبيد‬
‫كالردمء دكف اعتبار للزماف كاؼبكاف‪ ،‬إذ ليس القدًن أفضل من اعبيد يف كل األحواؿ‪ ،‬كمن أجل عملية‬
‫ضبط مفهوـ للشعر و‬
‫عاـ كشامل‪.‬‬ ‫نقدية كاعية كؿبايدة‪ ،‬وباكؿ اعباحظ ى‬
‫يسجل اعباحظ استغرابو من إعجاب أيب عمرك الشيباين لبيتُت من الشعر إُف حد تدكينهما ـبافة أف‬
‫ينسانبا‪ .‬كىذاف البيتاف نبا‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫الرجال‬ ‫ت ُس ال‬
‫المو ُ‬
‫فإنما ْ‬ ‫موت البلى‬
‫ت ْ‬‫المو َ‬
‫تحسبن ْ‬
‫َّ‬ ‫ال‬

‫الس ال‬
‫للل ُ‬
‫أفضع من ذاك ُ‬ ‫كالىما موت ولكن ذا‬
‫ُ‬

‫دخل يف اغبكم‬
‫شعرا أبدا كلو أف اي ى‬
‫كيقوؿ اعباحظ‪« :‬كأنا أزعم أف صاحب ىذين البيتُت ال يقوؿ ٍ‬

‫(‪-)1‬ابن فارس‪ .‬مقاييس اللغة‪ ،‬مادة (شعر)‪.‬‬


‫(‪-)2‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (شعر)‪.‬‬
‫(‪-)3‬إدريس الناقورم‪ .‬اؼبصطلح النقدم يف نقد الشعر‪ ،‬دراسة لغوية تارىبية نقدية‪ ،‬دار النشر اؼبغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪-)4‬اعباحظ‪ .‬اغبيواف‪ ،‬ج‪ ،3‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬شركة مصطفى البايب اغبليب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪، 1965 ، 2‬ص‪.131‬‬

‫‪31‬‬
‫أبدا(‪.)1‬‬
‫شعرا ن‬ ‫ً‬
‫ت أف ابنيو ال يقوؿ ن‬
‫لزعم ي‬
‫بعض الفتك ٍ‬
‫كيسجل اعباحظ اختبلفو مع أيب عمرك الشيباين مؤكدا على أف اؼبعٌت إذا كاف حسنا كقيل بأسلوب‬
‫عزة النفس كاإلباء ككجوب‬
‫شعرا مثل ىذين البيتُت اؼبتضمنُت معٌت َّ‬
‫سيء فإ ٌف النص ال يبكن أف يكوف ن‬
‫ؿبافظة اؼبرء على عزة نفسو بعدـ سؤاؿ الرجاؿ ألف السؤاؿ مذلة كاؼبذلة أحد أشكاؿ اؼبوت‪ ،‬فإذا كاف ىذا‬
‫اؼبعٌت شري نفا ساميا‪ ،‬فإ ٌف أسلوب القائل ال يبت للشعر بصلة‪.‬‬

‫العجمي‬
‫ُّ‬ ‫يضيف اعباحظ‪" :‬كذىب الشيخ إُف استحساف اؼبعٌت‪ ،‬كاؼبعاين مطركحة يف الطريق يعرفها‬
‫القركم كاؼبدينُّ‪ ،‬كإمبا الشأف يف إقامة الوزف‪ ،‬كزبَت اللفظ‪ ،‬كسهولة اؼبخرج ككثرة اؼباء كيف‬
‫البدكم‪ ،‬ك ُّ‬
‫العريب‪ ،‬ك ُّ‬
‫ك ُّ‬
‫بك‪ ،‬فإٌمبا الشعر صناعة‪ ،‬كضرب من النسج‪ ،‬كجنس من التصوير"(‪.)2‬‬ ‫صح ًة الس ً‬
‫ٌ ٌ‬
‫يعتقد اعباحظ أف اؼبعاين معركفة بداىة كمشاعة بُت الناس صبيعا على اختبلؼ أعراقهم كأكطاهنم‪،‬‬
‫كالنٌاس يتشاركوف اؼبواضيع ذاهتا كيستطيعوف التحدث فيها‪ ،‬غَت أنو إذا تعلق األمر بالشعر‪ ،‬فليس الشعر أف‬
‫كيعرب عنو ّٔذه البساطة‪ ،‬إمبا شأف الشعر أف يوبتفى باؼبعٌت يف شكل فبيز‪ ،‬حيث يقاـ لو الوزف‪،‬‬
‫يقاؿ اؼبعٌت ٌ‬
‫كينتقى لو اللفظ كىبتار األفضل كاألصبل كتضاـ األلفاظ إُف بعضها حىت تكوف القصيدة مثل السبيكة ال‬
‫اختبلؼ فيها‪ :‬أل ٌف الشعر عند اعباحظ صناعة كنسج كتصوير‪ ،‬يقوؿ إحساف عباس‪" :‬فلو زبطى اعباحظ‬
‫حدكد التعريف لوجد نفسو يف ؾباؿ اؼبقارنة بُت فنُت‪ :‬الشعر كالرسم (‪ )..‬كإذف فردبا ىداه ذكاؤه إُف استبانة‬
‫الفركؽ كضركب التشابو"(‪.)3‬‬

‫الشعر عند اعباحظ –إذف‪ -‬قوؿ سلس يتدفق كاؼباء‪ ،‬كلفظ رائق كصياغة ؿبكمة‪ ،‬كشكل صبيل‪،‬‬
‫كلغة عالية غَت متاحة للجميع‪ٌ ،‬أما اؼبعٌت فهو مشاع معركؼ‪ ،‬كليس التعويل يف الشعر على اإلفهاـ فقط‪،‬‬
‫أل ٌف ىذه الوظيفة يقوـ ّٔا اللفظ اعبيد كما يؤديها اللفظ السيء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر عند ابن قتيبة (‪276‬ى )‬

‫نستطيع أف نتلمس معٌت الشعر لدل ابن قتيبة من خبلؿ التقسيم الذم أجراه على الشعر معتمدا‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.131‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ص‪.132-131‬‬
‫(‪-)3‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار الشركؽ للنشر كالتوزيع‪ ،‬عماف‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،4‬ص‪.86‬‬

‫‪32‬‬
‫على العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت يف كل قسم من ىذه األقساـ األربعة‪.‬‬

‫تدبرت الشعر فوجدتو أربعة أضرب‪.‬‬


‫قاؿ ابن قتيبة‪ « :‬ي‬
‫حسن لفظيو كجاد معناه»(‪.)1‬‬
‫‪-1‬ضرب منو ي‬
‫بالنسب إُف ىذا الضرب أف ابن قتيبة ال يعتٍت بالقصيدة كاملة‪ ،‬إمبا يوِف اىتمامو للبيت أك‬
‫ة‬ ‫كاؼببلحظ‬
‫البيتُت فبا يصلح أف يكوف حكمة أك مثبل‪ ،‬كىو يعطي أمثلة عنو‪:‬‬

‫"كقوؿ أكس بن ىح ىجر‪:‬‬


‫وقعا‬
‫ن اللي تحلرين قد َ‬ ‫أيتُّرها النّفس اجملي جلعا‬

‫َف بيتدئ أحد مرثية بأحسن من ىذا"(‪.)2‬‬

‫يعجب ابن قتيبة بالبيت الشعرم كيعده أحسن ما ابتدئت بو مرثية‪ ،‬فاؼبعٌت حسن كىو التجلد‬
‫كالتصرب على اؼبصيبة ككذلك لفظو يشاكلو يف اغبسن كاعبودة‪ ،‬فبل يتجاكز أحدنبا اآلخر‪ ،‬اللفظ دبقدار‬
‫اؼبعٌت كاؼبعٌت دبقدار اللفظ‪.‬‬

‫أنت فتَّشتو َف ذبد ىناؾ فائدة يف اؼبعٌت كقوؿ القائل‪:‬‬


‫حسن لفظيوي كحبلى‪ ،‬فإذا ى‬
‫‪«-2‬كضرب منو ي‬
‫ماسل‬ ‫ومسل باألر ِ‬
‫كان من ىو‬ ‫منى كل ٍ‬
‫حاجة‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ولما قضينا من ً ّ‬
‫َّ‬
‫ائل‬
‫وال ينظُُر الغادي ال ّلي ُى َو ر ُ‬ ‫الها ِري ِر َحالُنا‬
‫ب َ‬ ‫ت على ُح ْد ِ‬
‫وش ّد ْ‬
‫»(‪.)3‬‬ ‫طي األب ِ‬
‫اط ُل‬ ‫ِ‬ ‫أخلنَا بتطر ِ‬
‫اف األحاديث ْبيننَا‬
‫الم َّ َ‬‫وسالل بت ْعنَاق َ‬

‫فمثل ىذه األبيات اليت تأخذؾ حببلكهتا كخفة لفظها كسهولتو كعدـ توعره‪ ،‬ال توصلك إُف "فائدة"‬
‫فاؼبعٌت اؼبتضمن ال يصلع ألف يكوف حكمة أك مثبل‪ ،‬كليس فيو ما ينفع طالب العلم‪،‬‬ ‫إذا أنت فتشتها‪ ،‬ى‬
‫نظرت إُف ما ربتها من‬ ‫ً‬
‫سن شيء ـبارج كمطالع كمقاطع‪ ،‬كإ ٍف ى‬ ‫أح ي‬ ‫ككل ما يف ىذه األبيات أف ألفاظها « ٍ‬
‫كمضى النٌاس ال ينتظر الغىادم‬ ‫ً‬
‫قطعنا أيَّاـ م نٌت‪ ،‬كاستلمنا األركاف‪ ،‬كعالينا إبلنا األنضاءى‪ ،‬ى‬
‫اؼبعٌت كج ٍدتىوي‪ :‬كؼبَّا ٍ‬
‫ى‬

‫(‪-)1‬ابن قتيبة‪ .‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.65‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪33‬‬
‫اؼبطي يف األبيطح»(‪.)1‬‬
‫ائح‪ ،‬ابتدأنا يف اغبديث‪ ،‬كسارت ُّ‬
‫الر ي‬
‫َّ‬
‫للمعٌت اعبيد‪،‬‬
‫كقصرت ألفاظو عنو‪ :‬يف ىذا القسم يكوف الشعر حامبل ى‬
‫ضرب منو جاد معناه ي‬
‫‪ -3‬ه‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬إذ يكوف أقرب إُف الكبلـ العادم الذم‬
‫كالشريف السامي‪ ،‬لكنو ينظم يف شكل ال يتناسب كجودة ى‬
‫وبصل منو فائدة كجدانية‪ ،‬فبل صورة فنية مدىشة‪،‬‬
‫يدكر يوميا بُت النَّاس‪ ،‬يفهم اؼبتلقي ىذا الشعر لكنو ال َّ‬
‫كال بناء ؿبكم بألفاظ تؤثر يف اؼبتلقي‪ ،‬فيتفاعل مع الشعر كيتأثر بو‪:‬‬

‫كمن أمثلة ىذا القسم‪:‬‬


‫الصالل‬
‫ُ‬ ‫الجليس‬
‫ُ‬ ‫صلحو‬
‫والمرءُ يُ ُ‬ ‫كنفس ِو‬
‫ما َعاتب المرء ال َكريم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬

‫الركنق"(‪،)2‬‬ ‫السبك فإنٌو قليل ً‬


‫اؼباء ك َّ‬ ‫اؼبعٌت ك َّ‬
‫يعلق ابن قتيبة على البيت بقولو‪" :‬ىذا كإف كاف جيٌد ى‬
‫الرقة‪.‬‬
‫كقلٌة اؼباء دليل على أ ٌف ىذا الشعر قليل اغبسن ك ّْ‬

‫‪-4‬ضرب تأخر معناه كتأخر لفظوي‬


‫كىو شعر ال يرقى معناه أل ٌف ً‬
‫وبويو قالب شعرم كذلك لكونو عادينا ىذا مع بركده لفظو كضعف‬
‫مبناه‪ ،‬كمن ذلك قوؿ األعشى‪:‬‬
‫دائم الهط ِْل‬
‫غداهُ ُ‬ ‫كتقاح َّي‬
‫وىا ْ‬ ‫وفُ َ‬
‫»(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫اح با‬
‫شيب بر ٍ‬
‫كما َ‬
‫َّح ِل‬ ‫ِرد من َع َ‬
‫س ِل الن ْ‬ ‫َ‬

‫أيضا أشعار العلماء؛ فكلها متكلفة‪ ،‬كاضحة الصنعة‪ ،‬ألهنا نتاج العقوؿ ال اػبياؿ‬
‫كمن ىذا القسم ن‬
‫كاإلبداع‪.‬‬

‫مفهوم الشعر عند ابن طباطبا العلوي (‪327‬ى )‬

‫يقوؿ ابن طباطبا يف تعريف الشعر‪« :‬الشعر (‪ )...‬كبلـ منظوـ باف عن اؼبنثور الذم يستعملو النٌاس‬
‫الذكؽ‪ ،‬كنظمو‬‫خص بو من النٌظم الذم إف عي ًد ىؿ بو عن جهتو ؾبَّتو األظباع كفسد على َّ‬
‫يف ـباطباهتم دبا َّ‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.68-67‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫صح طبعو كذكقو َف وبتج إُف االستعانة على نظم الشعر بالعركض اليت ىي ميزانو»(‪.)1‬‬
‫معلوـ ؿبدكد؛ فمن َّ‬
‫يقسم ابن طباطبا الكبلـ إُف منظوـ كمنثور‪ ،‬كيفرؽ بينهما بأف الشعر ـبصوص بالنظم أم كضع‬
‫خرجت عنو َف يعد الكبلـ ًش ٍعرا‪ ،‬كَف يتقبلو َّ‬
‫السمع كَف يصادؽ‬ ‫ٍ‬ ‫األلفاظ كضعا معيننا كانتظامها يف قالب إف‬
‫عليو الذكؽ إف عيرض عليو‪ ،‬كالنظم ال يكوف إالَّ دبيزانو اػباص بو كىو العركض اغباصل يف الطٌبع كالذكؽ‬
‫مطبوعا على ىذه األكزاف‪.‬‬
‫ن‬ ‫الصحيح‪ ،‬كإالٌ فإ ٌف تعلكم العركض يصَت بالشاعر ألف يكوف‬

‫يقوؿ جابر عصفور‪" :‬كأىم ما يف ىذا التعريف أنوي وب ٌدد الشعر على أساس االنتظاـ اػبارجي‬
‫للكلمات‪ .‬صحيح أ ٌف التعريف ال يشَت صراحة إُف القافية إالٌ أهنا متضمنة فيو كالتعريف‪- ،‬فضبل عن‬
‫ذلك‪ -‬ال يهتم باعبانب التخيلي من الشعر‪ ،‬من حيث مصدره أك تأثَته‪ ،‬كإمبا يهتم بالشعر يف ذاتو باعتباره‬
‫بنية لغوية منتظمة على أساس من الطبع كالذكؽ"(‪.)2‬‬

‫يصرح بدكر اؼبخيلة يف نظم الشعر‪ ،‬كَف يذكر اعبانب‬ ‫غَت أنٌو يبكننا القوؿ إف ابن طباطبا كإف َف ّْ‬
‫التخييلي من حيث مصدره أك تأثَته‪ ،‬فإنٌو َف ينكر ىذا اعبانب كَف يلغً ًو‪ ،‬بل إف يف سبييزه الشعر عن‬
‫«الكبلـ اؼبنثور الذم يستعملو الناس يف ـباطباهتم» تصريح بوجود فركقات كبَتة بُت الشعر كالكبلـ العادم‬
‫الرغم من أف التعريف ىبرج بالشعر إُف (الصنعة) فإنٌو ال ينفي أنبية (الذكؽ كالطبع)‬
‫اليومي‪ ،‬كعلى ٌ‬
‫السواء‪ ،‬فإذا خرج ىذا الكبلـ اؼبنظوـ يف أكزاف كأعاريض‬
‫الصحيحُت يف تكوين الشاعر كاؼبتلقي على حد ٌ‬
‫مضبوطة دبيزاف العركض عن (الذكؽ كالطبع الصحيحُت) َف يلق قبوالن عند اؼبتلقُت الذين ألفوا أساليب‬
‫العرب يف اإلنشاء كالنظم‪ ،‬كعرفوا ما ىو القوؿ الشعرم كإف َف يعرفوا مصطلح اػبياؿ كالتخييل كغَتنبا‪ ،‬كقد‬
‫مر بنا كصف الشعر بالركنق ككثرة اؼباء كاغببلكة‪...‬اٍف‪.‬‬

‫يؤكد ابن طباطبا على أنبية الذكؽ كالطبع يف نظم الشعر كتلقيو كيرشد الشاعر الذم اضطرب عليو‬
‫حىت تصَت معرفتو اؼبستفاده‬
‫الذكؽ إُف تعلم العركض ليستعُت بو على تصحيح ذكقو كتقويبو ك«اغبذؽ ّٔا ِّ‬
‫كالطبع الذم ال تكلٌف فيو»(‪.)3‬‬

‫(‪-)1‬ابن طباطبا العلوم‪ .‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عبد العزيز بن ناصر اؼبانع‪ ،‬دار العلوـ للطباعة كالنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪ ،1985 ،‬ص ص‪.6-5‬‬
‫(‪-)2‬جابر عصفور‪ .‬مفهوـ الشعر –دراسة يف الًتاث النقدم‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1995 ،5‬ص‪.29‬‬
‫(‪-)3‬ابن طباطبا العلوم‪ .‬عيار الشعر‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪35‬‬
‫مفهوم الشعر عند قدامة بن جعفر (‪337‬ى )‬

‫كاف قدامة بن جعفر متأثرا باؼبنطق األرسطي لذلك حرص أف يضع اغبدكد أكال كيبيّْنها قبل تفصيل‬
‫(‪،)1‬‬ ‫يدؿ على معٌت"‬
‫عرفو قدامة بأنو‪" :‬قوؿ موزكف مق ٌفى ي‬
‫اغبديث يف اؼبوضوع‪ ،‬كبالنسبة إُف الشعر فقد َّ‬
‫عما ليس موزكنا‪ ،‬ككلمة (مقفى) فصل عما‬
‫فكلمة (قوؿ) دبثابة اعبنس‪ ،‬ككلمة (موزكف) فصل ؽبذا القوؿ ٌ‬
‫معٌت‪.‬‬
‫عما كاف موزكنا مقفى غَت داؿ على ى‬
‫معٌت) فصل لو َّ‬
‫ىو موزكف كليس مقفى‪ ،‬كصبلة (يدُّؿ على ى‬
‫كيرل إحساف عباس أف ىذا التعريف كاف م ًورطا لقدامة على الصعيد اؼبنطقي‪ ،‬إذ إنٌو كقع يف‬
‫اضطراب عندما َّ‬
‫عد القافية مستقلة بينما ىي ال تعدك أف تكوف لفظة؛ فهي "جزء من (القوؿ) أك ركن‬
‫(اللفظ) أم ىي داخلة يف (اللفظ) كيف (اؼبعٌت) كيف (الوزف)‪ ،‬فإفرادىا خركج على اؼبنطق‪ ،‬كلذا فإ ٌف قدامة‬
‫كقع يف حَتة من أمرىا‪ ،‬حُت أراد أف يستكشف ائتبلفها مع ىذه العناصر ألهنا ليست كحدة قائمة بذاهتا‪،‬‬
‫مث كجد ‪-‬على سبيل التسامح‪ -‬أهنا يبكن أف تقع مؤتلفة مع اؼبعٌت"(‪.)2‬‬

‫دبعٌت أنَّوي ال ينطوم على ّْ‬


‫أم ربديد‬ ‫كيرل جابر عصفور أ ٌف ىذا التعريف "جامع مانع للمادة فحسب‪ ،‬ى‬
‫ؾبرد‬
‫للقيمة‪ ،‬كال يبيٌز ما يبكن أف نسميو (الشعر اغبق) عما ليس كذلك‪ ،‬أك –بعبارة أخرل‪ -‬ال يبيٌز الشعر عن ٌ‬
‫النظم الوزين»(‪ ،)3‬كمن أجل سبييز جيد الشعر من رديئو (كىو الغرض الذم من أجلو صنف قدامة كتابو) يكوف‬
‫علينا أف كبدد اػبصائص اليت ذبعل الشعر (القوؿ اؼبوزكف اؼبقفى) يبلغ اعبودة كينتهي إليها‪ ،‬أك يسَت يف االذباه‬
‫النقيض إذا َف تتوافر ىذه اػبصائص‪ ،‬فيبلغ منتهى الرداءة كال ىبرج عن النٌظم الوزين الفارغ‪ ،‬أك تكوف ىذه‬
‫اػبصائص كسطنا‪ ،‬فيكوف شعرا كسطا بُت اعبودة اؼبطلقة‪ ،‬كالرداءة اؼبطلقة‪.‬‬

‫كيتم استقصاء ىذه اػبصائص اليت توفر للشعر اعبودة اؼبطلقة فتكوف خصائص ؿبمودة‪ ،‬أك تصنع‬
‫الرداءة اؼبطلقة فتكوف خصائص مذمومة "عن طريق العناصر اليت ينطوم عليها تعريف الشعر‪ ،‬كىي‪ :‬اللفظ‬
‫(القوؿ بعامة) كالوزف‪ ،‬كالقافية‪ ،‬كاؼبعٌت‪ ،‬ككل عنصر من ىذه العناصر األربعة لوي صفاتو الذاتية اػباصة بو‬
‫كحده مستقبل عن غَته‪ ،‬كما أف لو –يف الوقت نفسو‪ -‬صفات أخرل تلحق بو‪ ،‬عندما يتآلف أك يقًتف مع‬

‫(‪-)1‬قدامة بن جعفر‪ .‬نقد الشّْعر‪ .‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪-)2‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النٌقد األديب عند العرب‪ ،‬ص ص ‪.179،180‬‬
‫(‪-)3‬جابر عصفور‪ .‬مفهوـ الشعر‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪36‬‬
‫غَته من العناصر يف عبلقة‪ ،‬باستثناء القافية اليت ال تتآلف إالٌ يف عبلقة مع اؼبعٌت فحسب"(‪.)1‬‬

‫يكوف الشعر حبسب ىذا التعريف اؼبنطقي خاضعا لثماين ؾبموعات من اػبصائص اليت يًتدد بينها‬
‫لينتهي إُف اعبودة اؼبطلقة أك ينزؿ إُف الرداءة اؼبطلقة‪ ،‬كىذه آّموعات أربعة منها بسيطة تتكوف كل كاحدة‬
‫منها من عنصر كاحد من العناصر األربعة (اللفظ‪ ،‬الوزف‪ ،‬القافية‪ ،‬اؼبعٌت) كأربعة منها مركبة‪ ،‬حيث تتكوف‬
‫كل ؾبموعة من ائتبلؼ عنصرين من ىذه العناصر؛ (ائتبلؼ اللفظ مع اؼبعٌت)‪( ،‬ائتبلؼ اللفظ مع الوزف)‬
‫لكل كاحد من ىذه الثمانية‬ ‫(ائتبلؼ اؼبعٌت مع الوزف)‪( ،‬ائتبلؼ اؼبعٌت مع القافية)‪ ،‬يقوؿ قدامة‪« :‬كؼبَّا كاف ٌ‬
‫صفات يبدح ّٔا‪ ،‬كأحواؿ يعاب من أجلها‪ ،‬كجب أف يكوف جي يد ذلك كرديئو ً‬
‫الح ىق ٍُت للشعر»(‪.)2‬‬ ‫ٌ‬ ‫ي ي‬ ‫ه‬
‫مث يبدأ قدامة بذكر أكصاؼ اعبودة يف كل عنصر من ىذه العناصر؛ فجودة اللفظ أف يكوف ظبٍ نحا‬
‫خلوا من البشاعة‪ ،‬ك ٌأما صفة الوزف اعبيد فهي سهولة العركض كالًتصيع‪.‬‬
‫فصيحا‪ ،‬ن‬
‫ن‬ ‫سهل ـبارج اغبركؼ‪،‬‬

‫ك ٌأما صفات القوايف اعبيدة فهي‪ :‬عذكية حركؼ القافية كسهولة ـبرجها كالًتصيع يف اؼبطالع‪.‬‬

‫اؼبعٌت اعبيد فصفاتو‪ ،‬الوفاء بالغرض اؼبقصود‪ ،‬كيػػيؤثر قدامة الغلو على اغبد األكسط ألنٌو يرل أنو‬
‫ك ٌأما ى‬
‫بالغلو يبلغ الشاعر اؼبثل األعلى كالنهاية يف النٌعت‪« ،‬كؼبا كانت اؼبعاين عند قدامة ال هناية ؽبا فقد ع ٌدد‬
‫نعوت الشعر يف أغراض الشعراء من مدح كىجاء كفخر كرثاء ككصف اٍف»(‪.)3‬‬

‫العناصر البسيطةي‬
‫ي‬ ‫كيواصل قدامة تعداد نعوت جودة العناصر اؼبؤتلفة‪ ،‬فإذا جاء إُف ذكر كيف تكوف‬
‫نعوت اعبودةً اليت ذكرىا سابقا‪.‬‬
‫س ى‬ ‫كاؼبؤتلفةي رديئةن ىع ىك ى‬
‫لقد تأثر كثَت من النقاد كالببلغيُت العرب بقدامة يف تعريفو للشعر ككضع اغبدكد كضبطها‪ ،‬كسنرل‬
‫أ ٌف ابن رشيق القَتكاين (‪456‬ىػ) َف يزد على تعريف قدامة إال لفظ "النّْية"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر لدى النقاد المغاربة‪:‬‬

‫ابن رشيق القيرواني (‪456‬ى )‪:‬‬

‫يقوؿ ابن رشيق يف تعريف الشعر‪" :‬الشعر يقوـ بعد النيٌة‪ ،‬من أربعة أشياء‪ ،‬كىي اللفظ‪ ،‬كالوزف‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬


‫(‪-)2‬قدامة بن جعفر‪ .‬نقد الشعر‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫(‪ _ )3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪( 54‬مقدمة احملقق)‬

‫‪37‬‬
‫كاؼبعٌت كالقافية‪ ،‬فهذا حد الشعر‪ ،‬أل ٌف من الكبلـ موزكنا مقفى كليس بشعر‪ ،‬لعدـ القصد كالنية"(‪.)1‬‬

‫كنبلحظ أنو ال فرؽ بُت تعريف ابن رشيق للشعر كتعريف قدامة إال بالنية اليت يعرفها ابن رشيق على‬
‫حىت ال ىبتلط الشعر مع أم كبلـ آخر يأيت موزكنا‪ ،‬كىو‬
‫القص يد‪ ،‬كىو يضع شرط النيٌة‪ ،‬أم القصد ٌ‬
‫أهنا ٍ‬
‫عرا كيبثل لذلك بأشياء اتزنت من القرآف‪ ،‬كمن كبلـ الرسوؿ ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ليس ش ن‬
‫و‬
‫قاصدا قوؿ الشعر؛ فقد يعرض ألم كاحد من‬ ‫ينوم قوؿ الشعر إالَّ إذا كاف ن‬
‫شاعرا ن‬ ‫كليس ألحد أف ى‬
‫شعرا‪ ،‬كقد‬
‫شاعرا‪ ،‬كال يكوف كبلمو ن‬
‫كبلما موزكنا يف أثناء حديثو‪ ،‬فبل يكوف ّٔذا الكبلـ ن‬
‫النَّاس أف يقوؿ ن‬
‫أنل الّ أصبع دميل *** وفي سبيل اا ما ِ‬
‫لقيل‪.‬‬ ‫ركم أف الرسوؿ ‪ ‬قاؿ‪ :‬ىل ِ‬

‫كعلى الرغم من توفر الوزف كالقافية فإنٌو ال يقاؿ إف الرسوؿ ‪ ‬شاعر كال كبلمو شعر‪ ،‬ألنٌو َف يقصد‬
‫إُف قوؿ الشعر (ىذا عدا عن كونو منزىا عن قولو) ‪.‬‬
‫جاء يف لساف العرب «نول الشيء نيَّةن (‪ )...‬كانتواه كبلنبا قصده كاعتقده» (‪ ،)2‬فأ ٌف ييقصد إُف األمر‬
‫يعٍت أف القاصد عزـ على األمر كهنض إليو كاذبو إُف ربقيقو‪ ،‬لذلك كاف من بُت أركاف تعريف الشعر لدل‬
‫ابن رشيق (النية) أم أف يقصد الشاعر كيعزـ على قوؿ الشعر كهبعلوي غاية‪ ،‬يتجو إُف ربقيقها‪.‬‬
‫كيؤكد ابن رشيق على التفريق بُت الشعر كبُت غَته من الكبلـ اؼبشتمل على الوزف كالقافية "كقاؿ غَت‬
‫الرائعة‪ ،‬كالتشبيو الواقع‪ ،‬كما سول ذلك‬
‫السائر‪ ،‬كاالستعارة َّ‬
‫كاحد من العلماء‪ :‬الشعر ما اشتمل على اؼبثل َّ‬
‫فإمبا لقائلو فضل الوزف» (‪ ،)3‬فالشعر لغتو خاصة‪ ،‬ىي لغة آّاز كالتشبيو الذم يربط بُت العواَف اؼبختلفة‪،‬‬
‫لغة زبلد نفسها يف األمثلة السائرة اليت ربفظها األمة‪ ،‬كما سول ىذه اللغة الشعرية فليس لصاحبها سول‬
‫فضل الوزف‪.‬‬
‫اؼبعٌت كزبصيصو باللفظ اؼبستظرؼ البديع؛ «فإذا‬
‫كيضيف إُف مفهوـ الشعر عنصرا آخر ىو اخًتاع ى‬
‫السبق»(‪.)4‬‬
‫متٌ للشاعر أف يأيت دبعٌت ـبًتع يف لفظ بديع‪ ،‬فقد استوُف على األمد كحاز قصب َّ‬

‫(‪-)1‬ابن رشيق القَتكاين‪ ،‬العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو‪ .‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬توفيق النيفر كـبتار العبيدم كصباؿ ضبادة‪ ،‬آّمع التونسي للعلوـ‬
‫كاآلداب كالفنوف‪ ،‬قرطاج‪ ،‬دط‪ ،2009 ،‬ص‪.215‬‬
‫(‪-)2‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (نول)‪.‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.419‬‬

‫‪38‬‬
‫حازم القرطاجني (‪684‬ى )‪:‬‬
‫يقوـ منهج حازـ القرطاجٍت يف ربديد مفهوـ الشعر على ثبلثة عناصر ىي‪:‬‬
‫‪-‬بًٍنية الشعر كمكوناتو‪.‬‬
‫‪-‬تأثَته (كظيفتو)‬
‫‪-‬أغراض الشعر كعبلقتو بأجناس أدبية أخرل أنبها اػبطابة‪.‬‬
‫كمثل كثَت من النقاد الذين قدموا مفهوما للشعر وبرص حازـ على التفريق بُت ما ىو شعر كما ليس‬
‫شعرا ألف صفة (الشعرية) ىي‬
‫يسمى ن‬
‫شعرا‪ ،‬كإف توافر فيو الوزف كالقافية؛ إذ إنو ليس كل منظوـ يليق بو أف َّ‬
‫ما يبيز بُت النصوص اؼبوزكنة اؼبقفاة اؼبكتوبة برسم اؼبنظوـ‪.‬‬
‫لقد سعى حازـ القرطاجٍت إُف تقدًن مفهوـ متكامل للشعر من منظور إبداعي فقاؿ "الشعر كبلـ‬
‫ـبيٌل موزكف‪ ،‬ـبتص يف لساف العرب بزيادة التقفية إُف ذلك‪ ،‬كالتئامو من مقدمات ـبيٌلة‪ ،‬صادقة كانت أك‬
‫كاذبة‪ ،‬ال يشًتط فيها ‪-‬دبا ىي شعر‪ -‬غَت التخييل"(‪.)1‬‬
‫كيقوؿ يف تعريف ثاف "الشعر كبلـ موزكف مقفى من شأنو أف وببّْب إُف النَّفس ما قصد رببيبو إليها‪،‬‬
‫كيكرة إليها ما قصد تكريهو‪ ،‬لتحمل بذلك على طلبو أك اؽبرب منو دبا يتضمن من حسن زبييل لو كؿباكاة‬
‫ٌ‬
‫كمستقلة بنفسها أك متصورة حبسن ىيأة تأليف الكبلـ‪ ،‬أك قوة صدقو أك قوة شهرتو‪ ،‬أك دبجموع ذلك‪،‬‬
‫ككل ذلك يتأكد دبا يقًتف بو من إغراب‪ ،‬فإ ٌف االستغراب كالتعجب حركة للنفس إذا اقًتنت حبركتها اػبيالية‬
‫قول انفعاؽبا كتأثرىا"(‪.)2‬‬
‫كمبلحظ على ىذين التعريفُت‪ ،‬أف فيهما "نوعا من التوفيق بُت طبيعة الشعر العريب كطبيعية الشعر‬
‫اليوناين‪ ،‬أك بُت تعريفي العركضيُت كالفبلسفة‪ ،‬كىو أمر ال اعًتاض عليو من حيث اؼببدأ‪ ،‬ألنٌو ينسجم مع‬
‫بكل عنصر من عناصر الشعر كمكوناتو النوعية‬
‫حازما ال يعتد ٌ‬
‫نظريتو كأىدافو‪ ،‬كلذلك نستطيع أف نقوؿ إف ن‬
‫كالذاتية إال بقدر تناسبو كتبلؤمو يف سياؽ النص الشعرم الذم وبدد فاعليتو كدرجة تأثَته يف نفس اؼبتلقي‪،‬‬
‫غَت ا ٌف اػبياؿ يظل مطلوبا يف كل عنصر‪ ،‬فقد طالب بأف يكوف اػبياؿ يف اللفظ كاؼبعٌت كالوزف‬

‫(‪-)1‬حازـ القرطاجٍت‪ .‬منهاج البلغاء كسراج األدباء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد اغببيب ابن اػبوجة‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،2007 ،4‬ص‪.89‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪39‬‬
‫كاألسلوب"(‪.)1‬‬
‫يعتد حازـ كثَتا بالتخييل كاحملاكاة كهبعلها جوىر الشعر "اؼبعترب يف حقيقة الشعر إمبا ىو التخييل‬
‫كاحملاكاة»(‪ ،)2‬كلو ال التخييل كاحملاكاة ما قدر الشعر على أداء كظيفتو اليت يقررىا حازـ بأهنا «ربريك‬
‫النفوس دبقتضى الكبلـ بإيقاعو منها دبحل القبوؿ دبا فيو من حسن احملاكاة"(‪.)3‬‬
‫كانت ىذه مفاىيم الشعر عند ؾبموعة من النقاد الذين اشتغلوا باعبانب النظرم أك باعبانبُت النظرم‬
‫كالتطبيقي معا فيما ىبص (الشعر)‪ ،‬كىي مفاىيم توخينا فيها الًتكيز كاالختصار كالتبسيط قدر اإلمكاف‪.‬‬

‫(‪-)1‬علي لغزيوم‪ .‬نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس‪ ،‬مطبعة سايس‪ ،‬فاس‪ ،‬ط ‪ ،2007 ،1‬ص‪.68‬‬
‫(‪-)2‬حازـ القرطاجٍت‪ .‬منهاج البلغاء‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.294‬‬

‫‪40‬‬
‫المحاضرة المامسة‪:‬‬
‫قضية االنتحال وتتصيل الشعر العربي‬
‫االنتحال في اللغة‪:‬‬

‫كتنحلوي ادعاءن كىو لغَته‪.‬‬


‫انتح ىل فيبلف شعر فبلف إذا ٌادعاهي أنٌو قائليو‪َّ ،‬‬
‫قاؿ ابن منظور‪" :‬ك ى‬
‫ككب ٍلتيو القوىؿ ٍأكبليو ٍكببلن‪ ،‬إذا أض ٍفت إليو قوالن قالو غَته كادعيٍتو عليو‪ ،‬كفبلف ً‬
‫ينتح يل مذىب كذا كقبيلة‬ ‫ي يي ٌ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ى ي ٍ‬
‫ت إليو كىي من ً‬
‫قوؿ غَته"(‪.)1‬‬ ‫اعر قصيد نة إذا نيسبى ٍ‬
‫الش ي‬
‫ب إليو‪ .‬كيقاؿ‪ « :‬يكب ىل ٌ‬
‫انتس ى‬
‫كذا إذا ى‬
‫االنتحال في االصطالح‪:‬‬

‫يتساكل مفهوـ االنتحاؿ يف االصطبلح مع مفهوـ السرقة األدبية "كىي أخذ أك ؿباكاة للغة كمعاين‬
‫السارؽ‪ ،‬كالتعبَت مشتق من كلمة التينية تعٍت‬
‫مؤلف آخر كتقديبها كما لو كانت من بنات أفكار ٌ‬
‫السافرة‪ .‬كاالقتباس أك االقًتاض‬
‫السرقة َّ‬
‫اؼبختطف‪ ،‬كنطاقو يبتد إُف ذكر اؼبعاين بألفاظ ـبتلفة غَت مبلئمة إُف ٌ‬
‫من األصل إذا َف يطرأ عليو ربسُت على يد اؼبقتبس ييعترب عند ال يكتاب اؼبجيدين انتحاال"(‪.)2‬‬
‫ي‬
‫السرقة األدبية‪ ،‬ألنٌو أكسع منها كأمشل‪ ،‬إنٌو يبثل معضلة ثقافية كتارىبية‬
‫أف االنتحاؿ ىبتلف عن ٌ‬ ‫غَت َّ‬
‫تتعلق بعصر معُت‪ ،‬كقد سبتد إُف تراث أمة بأكملو‪ ،‬كالسرقة أمرىا معركؼ كىي ربدث بُت الشعراء من‬
‫السارؽ بالنص اؼبسركؽ‪ .‬كيتوُف النقاد‬
‫العصر نفسو أك من عصور ـبتلفة‪ ،‬سببها يف أغلب األحواؿ إعجاب ٌ‬
‫كشف السرقة كتبياف طريقتها خاصة إذا تعلق األمر بسرقة اؼبعٌت‪ .‬غَت أ ٌف االنتحاؿ ىو كضع نصوص كاملة‬
‫نصا كامبل أك ؾبموعة من‬
‫كنسبتها إُف قبيلة‪ ،‬أك إُف شاعر أك ؾبموعة من الشعراء‪ ،‬أك االدعاء بأ ٌف ن‬
‫النصوص ىي من تأليف اؼبدعي‪ ..‬كاػبوض يف معضلة االنتحاؿ يف الشعر العريب القدًن ؿبفوؼ دبحاذير‬
‫كثَتة أل ٌف الشك فيو ىو شك يف تراث أمة‪ ،‬كاإلصرار على ىذا الشك ال بد أف يؤدم إُف الشك يف أمور‬
‫أخرل‪ ،‬تتجاكز الشعر خاصة إذا أخذنا أسباب ىذا الشك بعُت االعتبار‪ ،‬دكف مناقشة أك ربليل‪.‬‬

‫كاالنتحاؿ بوصفو كضعا ككذبا كنسبة الشيء إُف غَت صاحبو ال يقتصر على أمة دكف أمة كال على‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (كبل)‬


‫(‪-)2‬إبراىيم فتحي‪ .‬معجم اؼبصطلحات األدبية‪ ،‬اؼبؤسسة العربية للناشرين اؼبتحدين‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،1986 ،‬ص‪.50‬‬

‫‪41‬‬
‫عصر دكف عصر‪ ،‬فقد عرفتهما (الوضع كاالنتحاؿ) أمة العرب كما عرفتهما أمم أخرل كعرفها العصر‬
‫اعباىلي‪ ،‬كما عرفها العصر األموم كالعصر العباسي‪ ،‬كما ال يزاؿ يعرفهما العصر اغبديث على الرغم من‬
‫كسائل التوثيق كالكتابة كالطباعة اليت كانت مظنة عدـ حدكث الظاىرتُت (‪َّ ،)...‬أما الوضع كالكذب على‬
‫علي متعمدا فليتبوأ مقعده‬
‫الرسوؿ كحديثو فليس خبافيُت‪ ،‬كيؤكد الرسوؿ ‪ ‬ذلك حُت يقوؿ‪" :‬من كذب ٌ‬
‫ٌ‬
‫من النار"(‪.)1‬‬

‫بي القديم‪:‬‬
‫أوال‪-‬االنتحال في النّقد العر ّ‬
‫يصرح دبشكلة االنتحاؿ يف الشعر اعباىلي‪،‬‬
‫كاف ابن سبلـ اعبمحي ( ‪231‬ىػ) ٌأكؿ ناقد عريب ٌ‬
‫كيطرح للقراء كعبميع العرب مسألة كجوب الشك يف كثَت من النصوص الشعرية اليت وبتمل أف تكوف قد‬
‫نسبت إُف غَت قائليها‪ ،‬قاؿ ابن سبلـ‪" :‬كيف الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثَت ال خَت فيو‪ ،‬كال حجة يف‬
‫فخر‬
‫مديح رائع‪ ،‬كال ىجاءي يمقذعه‪ ،‬كال ه‬
‫مثل يضرب‪ ،‬كال ه‬ ‫عربيتو‪ ،‬كال أدب يستفاد‪ ،‬كال معٌت يستخرج‪ ،‬كال ه‬
‫نسيب مستطرؼ‪ ،‬كقد تداكلىوي قوـ من كتاب إُف كتاب‪َ ،‬ف يأخذكه عن أىل البادية‪ ،‬كَف‬
‫معجب‪ ،‬كال ه‬
‫ألحد‪-‬إذا أصبع أىل العلم كالركاية الصحيحة‪ ،‬على إبطاؿ شيء منو‪ ،‬أف يقبل‬‫يعرضوه على العلماء –كليس ً‬

‫ص يح ًف ٍّيي"(‪.)2‬‬
‫من صحيفة‪ ،‬كال يىػ ٍرًكم عن ي‬
‫كَف يكن نقد الشعر اعباىلي كالشك يف صدؽ بعض الركاة قد بدأ بابن سبلـ اعبمحي‪ ،‬فقد سبقو‬
‫الراكية كبُت أكاذيبو‪ ،‬ككذلك األصمعي ( ‪216‬ىػ)‬
‫الضيب ( ‪178‬ىػ) الذم نقد ضبٌادا ٌ‬
‫إُف ذلك اؼبفضل ٌ‬
‫الذم نقد خل نفا األضبر‪ ،‬غَت أف ابن سبلـ الذم صدَّر كتابو (طبقات فحوؿ الشعراء) بعرض ىذه القضية‪،‬‬
‫قد أثر رأيو يف كثَت من النقاد الذين أتوا من بعده "كظهر ذلك األثر فيما كتب اعباحظ كابن قتيبة كاؼبربد‬
‫كابن اؼبعتز بل فيما كتب قدامة كعلي ابن عبد العزيز اعبرجاين كاآلمدم كأبو فرج األصفهاين كالثعاليب كابن‬
‫رشيق كاػبفاجي كابن األثَت كابن خلدكف"(‪.)3‬‬

‫(‪-)1‬ؿبمود علي السماف‪ .‬األدب اعباىلي كقضية االنتحاؿ فيو‪ ،‬دكف ناشر‪ ،1995 ،‬ص‪.147‬‬
‫(‪-)2‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اؼبدين‪ ،‬جدة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.04‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ؿبمد بن سعود اإلسبلمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫ؿبمد رجب البيومي‪ .‬موقف النٌقد األديب من الشعر اعباىلي‪ ،‬مطبوعات جامعة اإلماـ ٌ‬
‫‪ٌ -‬‬
‫ص‪.26‬‬

‫‪42‬‬
‫ابن سالم الجمحي‪:‬‬ ‫شرح ن‬

‫‪ ‬يضع ابن سبلـ ىذا النص (نص الشك) يف صدارة كتاب (طبقات فحوؿ الشعراء) كأنو يقوؿ سلفا‬
‫إنو تأكد من صحة كل األبيات كالقصائد اليت أكردىا يف الكتاب؛ فما جاء يف كتابو مأخوذ من أىل‬
‫البادية كمعركض على العلماء‪ ،‬كَف يؤخذ عن صحفي كال عن صحيفة (كتاب) ككل ما كرد يف الكتاب‬
‫قد أصبع العلماء على صحتو‪.‬‬

‫‪ ‬إنٌنا –يف اغبقيقة‪ -‬ال نعرؼ من ىم أىل البادية كال العلماء الذين كقفوا على ما جاء يف كتاب ابن‬
‫سبلـ‪.‬‬

‫‪ ‬يبُت النص أف الشعر اعباىلي كاف موضع شك بالنسبة إُف كثَتين‪ ،‬لكن عملية التمحيص كالبحث‬
‫كالفرز كالتصحيح قاـ ّٔا العلماء كمن مث فليس ألحد أف يشكك فيما أصبع العلماء على صحتو‪.‬‬

‫‪ ‬دبا أف الشك كاف قائما قبل ابن سبلـ‪ ،‬كدبا أف عملية الفرز كالتصحيح كانت موجودة كذلك‪ ،‬كدبا أف‬
‫ابن سبلـ أقر بالشك كبُت آليات التصحيح كالتنقية‪ ،‬فهذا يعٍت أف الشعر الذم كرد يف الكتاب‬
‫كاؼبركيات صبيعا قد تعرض للتصحيح كالتزكية من قبل العلماء‪ ،‬كمن مث فكتاب ابن سبلـ (طبقات‬
‫فحوؿ الشعراء) ال يدخلو الشك‪.‬‬

‫‪ ‬من دكاعي الشك يف بعض الشعر العريب (كما يقوؿ ابن سبلـ) أف ىذا الشعر‪:‬‬

‫حجة يف عربيتو‪ :‬إذ إف متعلم اللغة كاألدب لن يعثر فيو على مبتغاه من اؼبثل كالشاىد‪ ،‬كإذف‬
‫‪-‬ال ٌ‬
‫فإ ٌف شعرا ال يعُت على تعلم اللغة اليت قيل ّٔا ىو شعر مصنوع كمكذكب ال ؿبالة‪.‬‬

‫‪-‬ال أدب يستفاد‪ :‬يتحدث ابن سبلـ عن (الفائدة)؛ فالشعر العريب ال بي َّد أف تكوف لو فائدة معرفية‬
‫شعرا ال يقدـ معرفة مشكوؾ فيو‪.‬‬
‫كمن مث فإف ن‬
‫‪-‬ال مثل يضرب‪ :‬يكوف على الشعر أف ىبتصر خربات حياة اإلنساف كييركز خبلصات ذباربو يف أمثلة‬
‫تضرب‪ .‬إف ىذه األمثلة تساعد على تربية األجياؿ كهتذيب سلوكاهتا‪ ،‬كمن مث تسهم يف بناء‬
‫سوية ثقفتها ذبارب السابقُت‪ ،‬كالشعر الذم ال يقوـ ّٔذه الوظيفة التثقيفية‪ /‬الًتبوية قابل‬
‫ؾبتمعات ٌ‬
‫ألف يكوف ؿبل شك‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪-‬ال معٌت ييستخر يج‪ :‬الشعر –إذف‪ -‬ليس ؾبرد انتظاـ للكلمات يف بنية موسيقية معلومة‪ ،‬إنٌو باإلضافة‬
‫بيت) للمعٌت الذم يستحق عناءى القراءة كبذؿ جهد االستخراج لتحقيق فائدة نفعية‪،‬‬
‫إُف ذلك ( ه‬
‫ككذلك فائدة ركحية ىي اؼبتعة كاللذة‪.‬‬

‫مستطرؼ‪ :‬يقرر ابن سبلـ خصائص‬


‫ه‬ ‫نسيب‬
‫ائع كال ىجاء مقذع كال فخر معجب كال ه‬
‫‪-‬ال مديح ر ي‬
‫مواضيع الشعر العريب كأغراضو‪ ،‬ليكوف الشعر الذم ال تكوف ىذه خصائص كمواصفات‬
‫موضوعاتو قاببل للشك؛ فاؼبديح ال بد أف يكوف رائعا إذا ظبعتو أخذؾ اإلعجاب كاالنبهار‬
‫بالقصيدة كباؼبمدكح‪ ،‬كاؽبجاء ال بيد أف يذىب إُف حد اإلقناع؛ أم أف يهجو الشاعر خصمو‬
‫بد أف يبعث اؼبستمعُت على‬ ‫ىجاءن يمؤؼبا تبقى كصمتو على مر السنُت‪ ،‬أما إذا فخر الشاعر فبل ي‬
‫ن‬
‫مليحا‪ ،‬رقيقا أل ٌف موضوعو ىو‬
‫اإلعجاب بو كبقبيلتو كبقصيدتو‪ ،‬كالغزؿ ال بد أف يكوف ظريفا‪ ،‬ن‬
‫األقرب إُف القلوب صبيعا‪ .‬فإ ٌف بطلت ىذه اؼبواصفات‪ ،‬كاف على اؼبستمع أف يشك يف ًصحة ىذا‬
‫الشعر‪.‬‬

‫‪-‬صفة الشعر المنحول الموضوع‪:‬‬

‫يؤكد ابن سبلـ أف ىذا الشعر اؼبشكوؾ فيو قد متٌ تداكلو من كتاب إُف كتاب؛ فهو إذف َف يؤخذ‬
‫مشافهة عن أىل البادية الذين يرككف الشعر مشافهة كال يسجلونو كتابةن كال هبمعونو يف كتاب بغرض‬
‫التدكين‪ ،‬بالنسبة إُف ابن سبلـ تكوف الركاية ىي أكثق طريقة للحفاظ على الشعر كصونو من أم و‬
‫يد قد‬
‫تندس إُف الكتاب فتحرؼ الشعر كتضع كتزيد كتنقص‪.‬‬

‫مث إف ىذا الشعر الذم تداكلة قوـ (ككبن ال نعرؼ من ىم ىؤالء القوـ كال نعرؼ الكتب اليت أخذكا‬
‫منها ىذا الشعر) َف يػي ٍعىرض على العلماء الذين يرجع إليهم القوؿ الفصل يف صحة الشعر من ىع ىدمها‪،‬‬
‫فيكوف الشعر الذم َف يؤخذ عن أىل البادية منحوال كالشعر الذم أخذ عن الكتب مشكوؾ فيو‪ ،‬كالشعر‬
‫الذم َف يػي ٍعرض على العلماء ىو شعر موضوع منتحل بالضركرة‪.‬‬

‫اغبل األمثل ؼبشكلة الشك يف الشعر من منظور ابن سبلـ‪:‬‬


‫‪ُّ -‬‬
‫يتمثل اغبل الناجع ؼبواجهة ىذه اؼبعضلة يف األخذ بإصباع أىل العلم كالركاية الصحيحة‪ ،‬كعدـ‬
‫اػبركج عن ىذا اإلصباع‪ ،‬فإذا أقر الركاة اؼبوثوقوف كالعلماء أف شعرا ىو صحيح فليس على أحد أف يقبل من‬

‫‪44‬‬
‫صحفي (صاحب كتاب‪ /‬مدكف) أك يركم الشعر أخذا من صحيفة (كتاب) يقوؿ ابن سبلـ جازما‪ ،‬كقد‬
‫اختلفت العلماء يف بعض الشعر‪ ،‬كما اختلفت يف سائر األشياء‪ ،‬فأما ما اتفقوا عليو فليس ألحد أف ىبرج‬
‫عنو (‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬دالئل انتحال الشعر العربي القديم‪.‬‬

‫‪-‬الدليل التاريمي‪:‬‬

‫كبعد أف يؤكد ابن سبلـ أف العلماء الثقات ىم آلة تصفية الشعر كفرز اؼبزيف من اغبقيقي‪ ،‬يشرع يف‬
‫أفس ىد الشعر كىجنو‪ ،‬كضبل كل غثاء‬
‫اغبديث عن مزكرم الشعر اعباىلي كتبياف أسباب ذلك‪" :‬كاف فبن ى‬
‫السَت كغَت ذلك‪ ،‬فقبل النٌاس عنو‬
‫منو‪ ،‬ؿبمد بن إسحاؽ بن يسار (‪ )...‬ككاف أكثر علمو باؼبغازم ك ّْ‬
‫األشعار‪ ،‬ككاف يعتذر منها كيقوؿ‪ :‬ال ًعلم ِف بالشعر أكيت بو فأضبلو‪ ،‬كَف يكن ذلك عذرا‪ ،‬فكتب يف ّْ‬
‫السَتة‬
‫أشعار الرجاؿ الذين َف يقولوا شعرا قط‪ ،‬كأشعار النساء فضبل عن الرجاؿ‪ ،‬مث جاكز ذلك إُف و‬
‫عاد كشبود‪،‬‬
‫اؼ‪ ،‬أفبل يرجع إُف نفسو فيقوؿ‪ :‬من‬ ‫فكتب ؽبم أشعارا كثَتة‪ ،‬كليس بشعر كإمبا ىو كبلـ مؤلف معقود بقو و‬
‫ن‬
‫ين‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪‬فَ ُقط َع َداب ُر الْ َق ْوم الل َ‬ ‫السنُت كاهلل تبارؾ كتعاُف يقوؿ‪:‬‬
‫ضبل ىذا الشعر؟ كمن أداه منذ آالؼ ٌ‬
‫(‪)3( )2‬‬
‫ظَلَ ُموا‪" .‬‬

‫يعطي ابن سبلـ مثاال دقيقا عن منتحلي الشعر‪ ،‬ىو (ابن إسحاؽ) الذم كاف عملو ركاية (اؼبغازم‬
‫السَت بأبيات من الشعر‪ ،‬فقد كاف يؤلف كيكتب الشعر‬
‫السَت)‪ ،‬كأل ٌف األمر يتطلب أف يعضد ىذه ّْ‬
‫ك ٌ‬
‫كيضيفو إُف تلك السَت كاؼبغازم‪ ،‬كيىنسبوي إُف غَت قائليو من الرجاؿ كالنساء‪ ،‬حىت إنو قد نسب شعرا إُف‬
‫عاد ك و‬
‫شبود اللذين انقطع ذكرنبا يف التاريخ‪ ،‬كإمبا وبمل إليو فَتكيو كما كصل إليو‪ ،‬فيسألو ابن سبلـ عن ىذا‬ ‫و‬
‫الذم ضبل إليو الشعر من أزماف قطع اهلل دابر أىلها‪.‬‬

‫يكذب ابن سبلـ ابن إسحاؽ كيتهمو صراحة بأنو ىو من يؤلف ذلك الشعر كيضمنو سَته كمغازيو‬
‫بعاد ك و‬
‫شبود؟ فهذا‬ ‫قبد ألكلية العرب اؼبعركفُت شعرا‪ ،‬فكيف و‬
‫نقيم يف النسب ما فوؽ عدناف‪ ،‬كال ي‬
‫"فنحن ال ي‬

‫(‪ -)1‬يراجع‪ :‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ص ‪.04‬‬
‫(‪-)2‬سورة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪45‬‬
‫(‪ -)3‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ص ص ‪.8-7‬‬

‫‪45‬‬
‫عريب منها بيتا كاحدا‪ ،‬كال راكية للشعر"(‪.)1‬‬
‫ط ه‬ ‫يرك ق ي‬
‫الكبلـ الواىن اػببيث‪ ،‬كَف ى‬
‫‪-‬الدليل اللغوي‪:‬‬

‫يسوؽ ابن سبلـ دليبل آخر يؤكد بو على موضوع انتحاؿ الشعر ككضعو‪ ،‬كىو دليل لغوم؛ قاؿ أبو‬
‫عمرك بن العبلء يف ذلك "ما لساف ًضبٍىَت كأقاصي اليمن اليوـ بلساننا‪ ،‬كال عربيٌتهم بعربيَّتنا‪ ،‬فكيف دبا على‬
‫شبود‪ ،‬مع تداعيو ككىيو (يقصد الشعر الذم ركاه ابن إسحاؽ)‪ ،‬فلو كاف الشعر مثل ما يكضع‬ ‫و‬
‫عهد عاد ك ى‬
‫البن إسحاؽ‪ ،‬كمثل ما ركل الصحفيوف‪ ،‬ما كانت إليو حاجةه‪ ،‬كال فيو دليل على علم"(‪.)2‬‬

‫يؤكد ابن سبلـ على طبيعة اللغة التطورية ك َّ‬


‫أف أم لغة ال بد أف زبتلف يف مبتدئها كمنشئها عما ىي‬
‫عليو يف كقتها اغباِف‪ ،‬كابن إسحاؽ يركم شعرا بعربية قريش‪ ،‬ىذا مع األخذ بعُت االعتبار أف لغة قريش يف‬
‫عاد كشبود؟ ىذا مع ضعف الشعر‬ ‫ذلك العصر ـبتلفة عن لغة أىل اليمن‪ ،‬فما بالنا بلغة اليمن يف زمن و‬
‫السَت كاؼبغازم فبا يزيد الدليل ٌقوة على كضعو كصناعتو‪.‬‬
‫اؼبوضوع الذم أثبتو يف ّْ‬
‫‪-‬الدليل األدبي‪:‬‬

‫شعرا كصلت ركايتو إُف ابن‬


‫ذمة أيب سفياف بن اغبارث من أف يكوف قد قاؿ ن‬
‫يربئ ابن سبلـ ٌ‬
‫شعرا يف اعباىلية لكنو سقط كضاع ك"َف يصل منو إلينا إال‬
‫إسحاؽ‪ ،‬ذلك أف أبا سفياف كاف قد قاؿ ن‬
‫القليل‪ ،‬كلسنا نػىعي ُّد ما يركم ابن إسحاؽ لوي كال لغَته ن‬
‫شعرا‪ ،‬كألف ال يكوف ؽبم شعر أحسن من أف يكوف‬
‫(‪)3‬‬
‫الفٍت اؼبتدين للنصوص الشعرية اليت يركيها ابن إسحاؽ‬
‫ذاؾ ؽبم" ‪ .‬كيدؿ ىذا الكبلـ على أ ٌف اؼبستول ّْ‬
‫دليل قاطع على أنٌو يضع ىذا الشعر أك يكلف الوضاعُت بصناعة من أجل أف يدخلو يف ًس ىًَته اليت يقصها‬
‫على الناس‪ ،‬كيعضد ابن سبلـ ما يذىب إليو بكبلـ يف اثنُت من أشهر شعراء اعباىلية "كفبىا ُّ‬
‫يدؿ على‬
‫صح ؽبما قصائد بقدر‬
‫ذىاب الشعر كسقوطو‪ ،‬قلٌة ما بقي بأيدم الركاة اؼبصححُت لطرفة كعبيد‪ ،‬اللذين َّ‬
‫غَتىن‪ ،‬فليس موضعهما حيث يكضعا من الشهرة كالتقدمة‪ ،‬كإف كاف ما ييركل من‬‫َّ‬ ‫عشر‪ ،‬كإف َف يكن ؽبما‬
‫كبلـ كثَته‪ ،‬غَت‬ ‫ؽبما‪ ،‬فليس يستحقاف مكاهنما على أفواهً ُّ‬ ‫ً‬
‫الركاة‪ .‬كنرل أف غَتنبا قد سقط من كبلمو ه‬ ‫الغثاء ى‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ .‬ص‪.11‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ .‬ص ف‪.‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.247‬‬

‫‪46‬‬
‫ضبل‬ ‫ً‬
‫كبلمهما‪ ،‬يضبل عليهما ه‬
‫ى‬ ‫قل‬
‫فلعل ذلك لذاؾ‪،‬فلما ٌ‬
‫أف الذم ناؽبما من ذلك أكثر‪ ،‬ككانا أقدـ الفحوؿ‪َّ ،‬‬
‫كثَت"(‪.)1‬‬

‫الركاة اؼبصححُت الثقات سول عشر قصائد لطرفة بن العبد كعبيد ابن‬ ‫كإذف َف يبق بُت أيدم ُّ‬
‫كاؼ على أف شعر ىذين الشاعرين اللذين ييعدَّا من أكائل الفحوؿ قد‬‫األبرص‪ ،‬كبقاء عشر قصائد دليل و‬
‫ضاع كَف ربفظو الذاكرة‪ ،‬نتأكد من ىذا بالنظر إُف الشهرة اليت حظيا ّٔا‪ ،‬ألنٌو لو َف يكن ؽبما سول ىذا‬
‫العدد القليل من القصائد ؼبا اشتهرا بُت العرب‪ ،‬كينفي ابن سبلـ أف يكوف الشعر الردمء الذم ييركل لطرفة‬
‫كعبيد ىو ؽبما فعبل‪ ،‬ألنٌو لو كاف اغباؿ كذلك ؼبا استحقا الشهرة‪ ،‬كيرل ابن سبلـ أف شعرا كثَتا قد سقط‬
‫عبيدا كطرفة كاف حظ شعرنبا أكفر من ىذا الضياع ألهنما كانا األقدـ‪،‬‬
‫من تاريخ شعراء كثَتين‪ ،‬غَت أف ن‬
‫فلما رأل الناس شعرنبا قليبل كبلونبا كزادكا عليهما كثَتا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أسباب االنتحال عند ابن سالم‪.‬‬

‫‪-‬أسباب فنية‪:‬‬

‫نقصد باألسباب الفنية تلك اليت ؽبا عبلئق مباشرة بالنصوص السَتية كاإلخبارية اليت يركيها أمثاؿ ابن‬
‫إسحاؽ صاحب السَت كاؼبغازم‪ ،‬فمثل ىذه الركايات الطويلة اليت يسمعها الناس على امتداد لياؿ ربتاج أل ٌف‬
‫الراكم اؼبلل كالسآمة عن اؼبستعمُت‬
‫أحب الفنوف القولية لدل العرب‪ ،‬فكاف هبب أف ييذىب ٌ‬
‫تطعم بالشعر ٌ‬
‫بركاية الشعر الذم يي ىسرم عنهم كيؤكد بعض مركياتو‪ ،‬كيف كثَت من الكتب العربية شعر مرفوع إُف آدـ عليو‬
‫السخف َّ‬
‫حد اإلضحاؾ‪ ،‬ك"سبتلئ بعض كتب القصص‬ ‫السبلـ كبنيو كاضح عليو الوضع كبعضو يصل بو ُّ‬
‫حىت يشعر على التَّو أهنا‬
‫السَت كاألخبار كالتاريخ كاألدب دبثل ىذه األشعار الباردة الغثٌة اليت ال يقرؤىا اؼبرؤ ٌ‬
‫ك ّْ‬
‫مفتعلة كموضوعة يكاد يستحيل إثبات أ ٌف أصحأّا قد نظموىا ح ىقا بلغة الشعر اعباىلي اؼبوثَّق األصيل‪،‬‬
‫ذلك أل ٌف بيعد الفًتة ما بُت أزماف من تينسب إليهم‪ ،‬كأزماف التدكين العلمي الصحيح للشعر اعباىلي‪ ،‬وبوؿ‬
‫دكف الثقة ّٔا‪ ،‬أك االطمئناف إُف أ ٌف من تيعزل إليهم قد نظموىا حقا»(‪.)2‬‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫(‪-)2‬عادؿ الفرهبات‪ .‬الشعراء اعباىليوف األكائل‪ ،‬دار اؼبشرؽ‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1994 ،1‬ص‪.91‬‬

‫‪47‬‬
‫‪-‬أسباب سياسية‪:‬‬

‫استقل بعض العشائر شعر‬


‫َّ‬ ‫يقوؿ ابن سبلـ‪" :‬فلما راجعت العرب ركاية الشّْعر‪ ،‬كذكر أيامها كمآثرىا‪،‬‬
‫شعرائهم‪ ،‬كما ذىب من ذكر كقائعهم‪ ،‬ككاف قوـ قلٌت كقائعهم كأشعارىم‪ ،‬فأرادكا أف يلحقوا دبن لو الوقائع‬
‫كاألشعار‪ ،‬فقالوا على ألسنة شعرائهم‪ ،‬مث كانت الركاة بعد‪ ،‬فزادكا يف األشعار اليت قيلت‪ ،‬كليس ييشكل على‬
‫الرجل من أىل البادية‬
‫الركاة كال ما كضعوا‪ ،‬كال ما كضع اؼبولدكف‪ ،‬كإمبا عضَّل ّٔم أف يقوؿ ٌ‬
‫أىل العلم زيادة ُّ‬
‫الرجل ليس من كلدىم فييشكل ذلك بعض اإلشكاؿ»(‪.)1‬‬
‫من كلد الشعراء أك ٌ‬
‫فًتض‬
‫ىذه –إذف‪ -‬عملية انتحاؿ مزدكجة مركبة‪ ،‬فبعض القبائل حُت راجعت شعرىا القدًن الذم يي ي‬
‫فيو أف ييؤرخ أؾبادىا كأيامها اليت تتباىى ّٔا على القبائل األخرل‪ ،‬كجدت أف ذلك الشعر قليل ال يفي‬
‫بالغرض‪ ،‬فما كاف منها إالٌ أف زادت يف الشعر اؼبوجود حىت يكثر‪ ،‬فتزداد مآثرىا كيغتٍت تارىبها‪ ،‬مث جاء‬
‫الركاة فزادكا يف ىذا الشعر اؼبنحوؿ‪ ،‬كضاعفوا عملية الوضع يف ىذا الشعر اؼبوضوع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كيقوؿ ابن سبلـ إف عملية الفرز ال تصعب على العلماء اأصحاب اػبربة بالركاية الصحيحة‪ ،‬كإمبا‬
‫يقع اإلشكاؿ إذا قاـ باالنتحاؿ رجل من البادية أك من أكالد الشعراء‪.‬‬

‫فباإلضافة إُف كونو من البادية كىذا يعٍت امتبلكو للغة السليمة الصافية كعلمو بطرائق العرب األكائل‬
‫كأساليبهم يف نظم الشعر‪ ،‬فقد يكوف ابن شاعر كىذا أدعى ليكوف أعرؼ بأسلوب كالده‪ ،‬لذلك إف زاد‬
‫يف شعر كالده ككذب عليو‪ ،‬صعب على العاَف اؼبدقق أف يكتشف كذبو كانتحالو‪.‬‬

‫‪-‬أسباب مادية‪:‬‬

‫متمم بن نويرة‪ ،‬قدـ البصرة يف بعض ما يقدـ لو‬


‫قاؿ ابن سبلـ‪" :‬أخربين أبو عبيدة أ ٌف ابن داككد ابن ّْ‬
‫متمم‪ ،‬كقمنا‬
‫العطاردم فسألناه عن شعر أبيو ّْ‬
‫َّ‬ ‫البدكم من اعبلب كاؼبَتة‪ ،‬فنزؿ النٌحيت‪ ،‬فأتيتيو أنا كابن نوح‬
‫ُّ‬
‫لو حباجتو ككفيناه ضيعتو )*(‪ .‬فلما ًنفد شعر أبيو‪ ،‬جعل يزيد يف األشعار كيصنعها لنا‪ ،‬كإذا كبلـ دكف كبلـ‬
‫متمم‪ ،‬كالوقائع اليت شهدىا‪ ،‬فلما تواُف ذلك‬ ‫متمم‪ ،‬كإذا ىو ً‬
‫وبتذم على كبلمو‪ ،‬فيذكر اؼبواضع اليت ذكرىا ّْ‬

‫(‪-)1‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص‪.47-46‬‬


‫)*(–الضيعة ىنا‪ :‬الكسب كالتجارة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫علمنا أنٌو يفتعلو"(‪.)1‬‬

‫كقاؿ‪" :‬أخربين أبو عبيدة‪ ،‬عن يونس‪ ،‬قاؿ‪ :‬قدـ ضباد البصرة على ببلؿ بن أيب بردة كىو عليها‪،‬‬
‫مديح أيب موسى‪ ،‬قاؿ‪ :‬كوبك !‬
‫فقاؿ‪ :‬ىأما أطرفتٍت شيئا ! فعاد إليو فأنشدهي القصيدة اليت يف شعر اغبطيئة ى‬
‫يبدح اغبطيئة أبا موسى ال أعلم بو‪ ،‬كأنا أركم شعر اغبطيئة؟"(‪.)2‬‬

‫غٍت‬ ‫ً‬
‫يبُت ىذاف النصاف أف االنتحاؿ يقع من طرؼ بعض الركاة طلبا للماؿ؛ إذ يطلب كاؿ أك رجل ه‬
‫الراكم أف ينشده ما لديو من شعر وبفظو لشعراء مشهورين‪ ،‬ككلما زادت الركاية‬
‫مهتم بشؤكف الشعر من َّ‬
‫زادت اعبائزة‪ ،‬فنجد أف الراكم يزيد يف الشعر‪ ،‬أك ينسب إُف الشاعر شعر غَته حىت يزيد مقدار جائزتو‬
‫اؼبالية‪.‬‬

‫‪-‬أسباب ذاتية ( ثبات القوة األدبية‪ /‬الرغبة في الشهرة)‬

‫الشاعر شعره الذم يقولو ىو‪ ،‬كيزيد يف الشعر الذم يركيو‪ ،‬ليس جهبل‬
‫ى‬ ‫الراكية أف ينحل‬
‫قد يتعمد َّ‬
‫منو كإمبا رغبة يف تأكيد قوتو األدبية كقدرتو على ؾباراة الشعراء القدامى كالنسج على منواؽبم حىت ىبتلط ما‬
‫يضعو دبا يركيو حقيقة عن الشعراء‪ ،‬كيستعصي على الركاة احملققُت كعلى العلماء بالشعر فرز شعره الذم‬
‫كضعو من شعر الشعراء الذين يركم ؽبم‪ ،‬ال يفعل ذلك إالٌ إلثبات تفوقو الشعرم "ككاف ٌأكؿ من صبع‬
‫شعر الرجل غَته‪ ،‬كينحلو غَت‬
‫أشعار العرب كساؽ أحاديثها‪ :‬ضباد الراكية‪ ،‬ككاف غَت موثوؽ بو‪ ،‬ككاف ينحل ى‬
‫شعره‪ ،‬كيزيد يف األشعار"(‪.)3‬‬

‫كقد اشتهر عن ضباد بأنٌو كذاب ملفق كمدع‪" ،‬كظبعت يونس يقوؿ‪ :‬العجب فبٌن يأخذ عن ضباد‬
‫ككاف يكذب كي ٍلحن كيكسر"(‪.)4‬‬

‫‪-‬الجهل برواية الشعر (عدم التمص )‬

‫يدعو ابن سبلٌـ كل صاحب زبصص إُف أف يلتزـ ؾباؿ زبصصو‪ ،‬فبل يقرب الشعر معتقدا أنٌو ؾباؿ‬

‫(‪-)1‬ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.47-46‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ص ‪. 47، 46‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫‪49‬‬
‫زبصصو‪ ،‬فبل يقرب الشعر معتقدا أنٌوي حقل مشاع بُت اعبميع‪ ،‬فللشعر أىلو ك"ال يضبط الشعر إالٌ‬
‫أىلو"(‪ .)1‬وبدثنا ابن سبلـ عن كاحد من ىؤالء العلماء الذين تدخلوا يف الشعر فأخلوا بركايتو كىو‬
‫كم عنو شيء وبمل‬
‫كر ى‬
‫الشعيب كاف ذا علم بالشعر كأياـ العرب (‪ )...‬ي‬
‫َّ‬ ‫(الشعيب)‪ :‬قاؿ‪" :‬كقد تركم العامة أ ٌف‬
‫على لبيد‪:‬‬
‫حملتُ ِ ْ‬
‫سب ًعا بعد سبعي ِن‬ ‫وق ْد َ‬ ‫َّفس ُم ِجهشةً‬ ‫ش َّكى َّ‬
‫لي الن ُ‬ ‫ل تَ َ‬
‫بَاتَ ْ‬
‫ِ‬
‫الثالث وفاءٌ للثمانين‬ ‫وفي‬ ‫فإ ّن تعيشي ثالثًا تبلُغي َأمالً‬

‫السهر عند اؼبلوؾ كاؼبلوؾ ال‬


‫كال اختبلؼ يف أ ٌف ىذا مصنوع تىكثَّر بو األحاديث‪ ،‬كيستعاف بو على َّ‬
‫تستقصي"(‪ ،)2‬فطلبا للحظوة عند اؼبلوؾ كاستعانة على السهر عندىم يلجأ غَت اؼبتخصصُت يف ركاية الشعر‬
‫إُف االنتحاؿ كركاية أشعار مكذكبة موضوعة كمنسوبة لغَت قائليها‪ ،‬كليس اؼبلك بناقد متخصص يطلب‬
‫كهبمل ؾبلسو من كبلـ الشعراء الفحوؿ‪.‬‬
‫التأكد من صحة الشعر‪ ،‬إمبا نبُّو ما يسليو كيؤنسو ّْ‬
‫َف يكن االنتحاؿ مسألة طارئة‪ ،‬أك فكرة قد تيقبل أك تيرفض‪ ،‬بل كانت ربقيقا يف تراث أمة‪ ،‬كاكبيازا إُف‬
‫جانب اغبقيقة‪ ،‬كحبثا كاعيا خبطورة السماح بالكذب على اؼباضي كتلفيق ما َف يقلو األكلوف‪ .‬لقد كانت صيانة‬
‫الًتاث عملية دقيقة مهمة لبناء كعي األجياؿ القادمة اليت ستستمد ؾبدىا ك تعرؼ تارىبها كتعتز بأصالتها‬
‫بالرجوع إُف ىذا الًتاث الذم يبثل فيو الشعر ركيزة قوية كدعامة صلبة ربفظ الذكؽ كتنميو كتقيد التاريخ‬
‫كتصوف الذاكرة‪ ..‬فيالو من عمل أخبلقي جبار قاـ بو أجدادنا يف العصور القديبة !‬

‫ثانيا‪ :‬االنتحال في دراسات المستشرقين‪:‬‬

‫‪1864‬ـ توالت دراسات اؼبستشرقُت الذين أبدكا‬ ‫ىبربنا اؼبستشرؽ ببلشَت أنوُّ بداية من سنة‬
‫شكوكهم يف صحة الشعر اعباىلي خاصة حُت نظركا إُف شكل القصيدة‪ ،‬كفحصوا شعر شعراء اؼبعلقات‪.‬‬

‫مرة اؼبوضوع دبجموعو مشَتا إُف الشكوؾ اليت‬


‫ففي سنة ‪" 1864‬تناكؿ اؼبستشرؽ نولدكو أكؿ َّ‬
‫يثَتىا مظهر الشعر اعباىلي‪ ،‬كبعد شباين سنُت تناكؿ اؼبستشرؽ آىلوارد اؼبسألة بدكره دكف أم ذبديد فيها‬
‫(‪ )...‬كشايع العلماء أمثاؿ موير‪ ،‬كباسيو‪ ،‬كلياؿ‪ ،‬كبرككلماف طواؿ ثبلثُت سنة اؼبستشرقُت نولدكو ك آىلوارد‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص‪.60،61‬‬

‫‪50‬‬
‫يف موقفهما اغبذر"(‪.)1‬‬

‫كمهما يكن من تصاعد منحى الشك لدل بعض ىؤالء اؼبستشرقُت‪ ،‬فإهنم َف يبلغوا مبلغ اؼبستشرؽ‬
‫مرجليوث الذم ذىب إُف الشك يف الشعر اعباىلي صبلة كتفصيبل ىكرفىضو كلٌو‪.‬‬

‫كقد ساؽ مرجليوث نوعُت من األدلة (داخليو كخارجيو) يف مقالة بعنواف "أصوؿ الشعر العريب"‬
‫كرجح مرجليوث أف يكوف الشعر الذم كصلنا على‬
‫نشرىا يف ؾبلة اعبمعية اؼبلكية األسيوية سنة ‪َّ 1925‬‬
‫أنٌو جاىلي َف يكتب إالٌ يف العصر األموم‪ ،‬ككبلو الوضاعوف كاؼبنتحلوف للشعراء اعباىليُت‪ ،‬كبٌت قناعتو على‬
‫نوعُت من األدلة‪.‬‬

‫‪-1‬األدلة المارجية‪:‬‬

‫‪-‬أقر مرجليوث بوجود الشعر قبل ؾبيء اإلسبلـ‪ ،‬كذلك أل ٌف القرآف يتحدث عن كضف خصوـ النيب‬
‫–إف كاف موجودا‪ -‬فهو‬ ‫لو بأنٌو شاعر‪ ،‬كاهتامهم لو بأنٌو ساحر ككاىن‪...‬اٍف‪ ،‬لكنو يقرر أف ىذا الشعر‬
‫غامض مبهم‪.‬‬

‫‪-‬حُت يتعرض مرجليوث ؼبسألة نشأة الشعر العريب‪ ،‬يقرر أف آراء القدامى ـبتلفة متضاربة‪ ،‬فمنهم من‬
‫يقوؿ إف نشأة الشعر تعود إُف زمن اؼبهلهل‪ ،‬كمنهم من يردىا إُف أبعد من ذلك بكثَت‪ ،‬كيبلحظ أف ما كصل‬
‫من شعر العرب إلينا وبمل آثار كجود الكتابة يف آّتمعات العربية‪ ،‬كيتساءؿ عن الطريقة اليت يحفظ ّٔا ىذا‬
‫الشعر ‪-‬إف كاف يكجد فعبلن‪ ،-‬كيقوؿ إنٌو إما حفظ عن طريق الركاية الشفهية أك بالكتابة‪ ،‬كيبلحظ أف الرأم‬
‫العريب يرجح أف الشعر حفظ مشافهة ال كتابةن‪ ،‬كلكنَّو يشك يف أف تكوف الركاية الشفهية قادرة على حفظ‬
‫ذلك الكم الكبَت من الشعر‪ ،‬كإف عملية اغبفظ ىذه تستدعي أف يكوف شبة ركاة ؾبندكف لركاية الشعر كحفظو‬
‫هبب ما قبلو كال يذكر الشعراء خبَت‪ ،‬لذلك يكوف على العرب أف‬
‫كىذا أمر َف يثبت كقوعو‪ ،‬مث إف اإلسبلـ ي‬
‫ينسوا الشعر الذم حفظوه قبل ؾبيء اإلسبلـ خاصة إذا قبلنا أف ىذا الشعر يثَت الضغائن‪ ،‬ألنٌو يتحدث عن‬
‫األياـ كالوقائع كانتصارات قبائل على قبائل أخرل أياـ اعباىلية‪.‬‬

‫‪-‬كبعد أف يرفض مرجليوث فرضية الركاية الشفهية ينتقل إُف إنكار فرضية التدكين كنقل ىذا الشعر‬

‫(‪-)1‬ر‪.‬ببلشَت‪ .‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬مج‪ ،1‬تر‪ :‬إبراىيم الكيبلين‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪ ،1973 ،‬ص‪.204‬‬

‫‪51‬‬
‫كتاب يقرؤكنو‪.‬‬
‫كتابة‪ ،‬ذلك أف القرآف يؤكد أنو َف يكن للجاىليُت ه‬
‫‪-‬مث يذىب مرجليوت إُف أف الشعر اعباىلي تطور من األسلوب القرآين اغبافل باألسجاع كالذم‬
‫وبتوم على بعض النصوص اؼبوزكنة‪ ،‬أضف إُف ذلك االشًتاؾ يف اللغة نفسها؛ فيكوف القرآف مرحلة أكُف‬
‫كالشعر مرحلة تالية‪( :‬النثر القرآين ‪ ‬النظم الشعرم)‪.‬‬

‫‪-‬يطعن مرجليوث يف مصداقية الركاة القدماء للشعر كذلك بسبب أف ىؤالء الركاة أنفسهم يتهم‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬مث ىو يقوؿ إف مصادرىم ؾبهولة متسائبل عن نقلهم لشعر ينتمي إُف زمن الوثنية اليت‬
‫حارّٔا اإلسبلـ‪ ،‬كلكنو يعود فيقوؿ إف ىؤالء الشعراء َف يكن تبدك عليهم أم عبلمة للوثنية‪ ،‬بل إهنم أقرب‬
‫إُف اإلسبلـ‪ ،‬بل كانوا مسلمُت يف كل شيء تقريبا عدا تسميتهم بالشعراء اعباىليُت‪.‬‬

‫‪-2‬األدلة الداخلية‪:‬‬

‫‪-‬ألفاظ الشعر الجاىلي و شاراتو ‪ :‬فقد الحظ مرجليوث أهنا ألفاظ دينية إسبلمية مثل «اغبياة‬
‫الدنيا‪ ،‬يوـ القيامة‪ ،‬اغبساب» مث إ ٌف ىذا الشعر يشَت إُف قصص ديٍت كرد يف القرآف الكرًن‪.‬‬

‫‪-‬اللغة‪" :‬كمدار حديثو يف ىذا الدليل على أمرين‪ :‬االختبلؼ بُت ؽبجات القبائل اؼبتعددة‪،‬‬
‫كاالختبلؼ بُت لغة القبائل الشمالية صبلة كاللغة اغبمَتية يف اعبنوب"(‪ ،)1‬كلكن اؼببلحظ أف ىذا الشعر كلو‬
‫بلغة القرآف اليت صارت بفضل اإلسبلـ اللغة الرظبية يف جنوب ببلد العرب‪ ،‬كليس قبل اإلسبلـ‪ ،‬فلماذا َف‬
‫يصلنا شعر بلغات العرب األخرل؟ كبلهجاهتم اؼبختلفة اليت كانت منتشرة آنذاؾ‪.‬‬

‫‪-‬يعتقد مرجليوث أف الوحدة البنائية للشعر اعباىلي دليل على أنو مزيف كقد كتب بعد نزكؿ القرآف‬
‫(كحدة اؼبوضوعات يف القصيدة اعباىلية اؼبقدمة‪ ،‬الرحلة‪...‬اٍف)‪ ،‬ككذلك يفًتض أف اؼبوسيقى َف توجد يف‬
‫الرقص مث اؼبوسيقى مث‬
‫العصر اعباىلي‪ ،‬كأهنا من مستحدثات العصر األموم‪ ،‬كأف التطور يقضي بأ ٌف ينشأ ٌ‬
‫يتصور كجود الوزف الشعرم عند العرب ّٔذا النظاـ كّٔذه الغزارة‪ ،‬كيقوؿ‪:‬‬
‫الشعر‪ .‬فمن غَت اؼبعقوؿ لديو أف ٌ‬
‫"لقد كانت اؼبمالك اعباىلية اليت نعرفها عن طريق النقوش ذات حضارة باسقة‪ ،‬كلكن ال يبدك أنٌو كاف‬
‫لديها شعر‪ ،‬فهل نص ٌدؽ أف األعراب غَت اؼبتحضرين كاف ؽبم شعر يف مثل ىذه الصورة اؼبركبة‪ ،‬كما يص ٌدؽ‬

‫(‪-)1‬ناصر الدين األسد‪ .‬مصادر الشعر اعباىلي كقيمتها التارىبية‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1978 ،5‬ص‪.365‬‬

‫‪52‬‬
‫بذلك العلماء األقدموف من اؼبسلمُت؟"(‪.)1‬‬

‫للرد على مرجليوث كدحض مزاعمو كتبياف غموضو كاضطرابو كمن‬ ‫كقد تصدل كثَت من اؼبستشرقُت ٌ‬
‫ىؤالء اؼبستشرقُت شارؿ جيمس لياؿ يف مقدمة اعبزء الثاين من اؼبفضليات كيف ربقيقة لديواف عبيد ابن‬
‫األبرص كغَته كثَتكف أثبتوا بالدليل صحة الشعر اعباىلي‪ ،‬كأف ما يقع فيو من كبل ككذب أمر ال جداؿ فيو‬
‫بالنسبة إُف الشعر العريب اعباىلي كأدب كل األمم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االنتحال في الدراسات العربية الحديثة‪:‬‬

‫كاف ٌأكؿ من تطرؽ ؼبوضوع االنتحاؿ مصطفى صادؽ الرافعي يف كتابو (تاريخ آداب العرب) سنة‬
‫‪ ،1911‬كقد بسط آراء كمقوالت ابن سبلـ اعبمحي‪ ،‬كعرضها دبا يناسب ركح البحث العلمي اغبديث‪،‬‬
‫كقد تابعو يف آرائو دكف غلو أك شطط‪.‬‬

‫طو حسين والش في الشعر الجاىلي‪:‬‬

‫كاف أبرز من تصدل ؼبعضلة االنتحاؿ يف الشعر اعباىلي طو حسُت الذم أخذ مادتو من مركيات‬
‫ابن سبلـ اعبمحي‪ ،‬كفبا عرضو كناقشو مرجليوث‪ .‬كألف كتابا أظباه (يف الشعر اعباىلي) سنة ‪،1926‬‬
‫يبس حىت‬
‫كقد أحدث ىذا الكتاب ضجة كبَتة ؼبا فيو من آراء جريئة‪ ،‬كجرأة على الشك كالتكذيب الذم ُّ‬
‫ال ٌدين‪ ،‬فحذؼ منو كزاد فيو كأعاد إصدارهي سنة ‪ ،1927‬بعنواف (يف األدب اعباىلي)‪ ،‬يقوؿ طو حسُت‪:‬‬
‫شككت يف قيمة األدب اعباىلي كأغبحت يف الشك‪ ،‬أك‬
‫ي‬ ‫"ك ٌأكؿ شيء أفجؤؾ بو يف ىذا اغبديث ىو أنٌٍت‬
‫حىت انتهى يب ىذا كلو إُف شيء إالٌ يكن يقينا‬
‫فأخذت أحبث كأفكر كأقرأ كأتدبر‪ٌ ،‬‬
‫ي‬ ‫علي الشك‪،‬‬
‫قل أٌفى َّ‬
‫فهو قريب من اليقُت‪ .‬ذلك أ ٌف الكثرة اؼبطلقة ؼبا نسميو أدبنا جاىليا ليست من اعباىلية يف شيء‪ ،‬كإمبَّا ىي‬
‫ى‬
‫منتحلة بعد ظهور اإلسبلـ"(‪.)2‬‬

‫دوافع الش في الشعر الجاىلي لدى طو حسين‬

‫يؤكد طو حسُت على أ ٌف النص الوحيد الذم جاء بلساف عريب‪ ،‬كنستطيع سبثل اغبياة العربية اعباىلية‬
‫من خبللو‪ ،‬ىو القرآف الكرًن‪ ،‬كىو ال يوافق علماء التفسَت الذين استعانوا بالشعر اعباىلي مصدرا من‬

‫(‪-)1‬وبِت اعببورم‪ .‬الشعر اعباىلي خصائصو كفنونو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1986 ،5‬ص‪.163‬‬
‫(‪-)2‬طو حسُت‪ .‬يف األدب اعباىلي‪ ،‬عبنة التأليف كالًتصبة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،3‬دت‪ ،‬ص‪.63‬‬

‫‪53‬‬
‫مصادر تفسَت القرآف كتأكيل اغبديث‪ ،‬إذ يفًتض أف "ييستشهد بالقرآف كاغبديث على تفسَت ىذا الشعر‬
‫تدؿ على شيء‪ .‬كال ينبغي أف تتخذ كسيلة إُف ما‬
‫تثبت شيئا كال ي‬
‫كتأكيلو‪ ،‬أريد أف أقوؿ أف ىذه األشعار ال ي‬
‫ازبذت إليو من علم بالقرآف كاغبديث‪ ،‬فهي إمبا تيكلفت كاخًتعت اخًتاعا ليستشهد ّٔا العلماء على ما‬
‫كانوا يريدكف أف يستشهدكا عليو"(‪.)1‬‬

‫كباالتكاء على منهج (ديكارت) يف (الشك) يشرع طو حسُت يف حبثو مبينا دكاعي شكو يف صحة‬
‫الشعر اعباىلي‪ ،‬كاألسباب اليت دعت العرب إُف ىذا االنتحاؿ كالوضع كتزييف ؾبموعات ال ربصى من‬
‫الدكاكين الشعرية !‬

‫‪-‬الحياة الدينية‪ :‬يرل طو حسُت أف القرآف الكرًن يقدـ لنا عرب اعباىلية كىم يعيشوف طبيعيا من‬
‫الناحية الدينية؛ فهم ٌإما كثنيوف أك يهود أك نصارل أك أصحاب ملل ـبتلفة قبل القرآف بعضها كرفض‬
‫بعضها‪ ،‬أما الشعر اعباىلي فبل قبد فيو ما يبغي الدارس أك القارئ ربصيلو عن طبيعة اغبياة الدينية اعباىلية‬
‫فأما ىذا الشعر الذم ييضاؼ إُف اعباىليُت فيظهر لنا حياة غامضة جافة بريئة أك كالربيئة من الشعور‬
‫" ٌ‬
‫الديٍت القوم كالعاطفة الدينية اؼبتسلطة على النفس كاؼبسيطرة على اغبياة العملية‪ ،‬كإالٌ فأين ذبد شيئا من‬
‫ىذا يف شعر امرئ القيس أك طرفة أك عنًتة ! أك ليس عجيبا أف يعجز الشعر اعباىلي كلٌو عن تصوير اغبياة‬
‫الدينية للجاىليُت؟"(‪.)2‬‬

‫صور ىذه اغبياة الدينية للجاىليُت الذين دافعوا عن‬


‫كإنٌو ؼبن اؼبستغرب أف يكوف (القرآف) ىو من ٌ‬
‫دينهم بطرؽ كثَتة ـبتلفة يف منحى تصاعدم بُت اعبداؿ كاغبرب‪.‬‬

‫‪-‬الحياة العقلية ‪ :‬ال يوجد يف الشعر اعباىلي ما يقدـ لنا صورة عن اغبياة العقلية لعرب اعباىلية‬
‫كمنازعهم يف التفكَت كطرقهم يف احملاكرة كأساليبهم يف اعبداؿ‪ ،‬أما القرآف فقد كصفهم بأهنم أصحاب رأم‬
‫كعقيدة يذكدكف عنها باحملاكرة اليت تبلغ من الشدة درجة اػبصاـ‪ ،‬كىم ال هبادلوف يف سفاسف األمور؛ إمبا‬
‫يف اػبلق كاؼبوت كالبعث ككجود اهلل كيوـ القيامة إُف غَتىا من األمور اليت ال يقدر عليها سول الفبلسفة‪،‬‬
‫كيتساؤؿ طو حسُت "أفتظن قوما هبادلوف يف ىذه األشياء جداال يصفو القرآف بالقوة كيشهد ألصحابو‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.65‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪54‬‬
‫باؼبهارة‪ ،‬أفتظن ىؤالء القوـ من اعبهل كالغباكة كالغلظة كاػبشونة‪ ،‬حبيث يبثلهم ىذا الشعر الذم يضاؼ إُف‬
‫اعباىليُت"(‪.)1‬‬

‫‪-‬الحياة السياسية ‪ :‬يقرر طو حسُت أف شعر اعباىليُت ال يقدـ لنا صورة مشرقة عن حياهتم‬
‫يصورىم أمة منعزلة سباما عن باقي األمم‪ ،‬يعيشوف يف صحراء قاحلة نائية عن حياة اؼبدنية‬
‫السياسية‪ ،‬فهو ٌ‬
‫كاغبضارة‪ .‬غَت أف القرآف وبدثنا خببلؼ ىذا؛ إنٌو وبدثنا "بأ ٌف العرب كانوا على اتصاؿ دبن حوؽبم من األمم‬
‫بل كانوا على اتصاؿ قوم قسمهم فرقا كشيعا‪ ،‬أليس القرآف وبدثنا عن الركـ كما كاف بينهم كبُت الفرس من‬
‫حرب انقسمت فيها العرب إُف حزبُت ـبتلفُت‪ :‬حزب يشايع أكلئك‪ ،‬كحزب يناصر ىؤالء ! أليس يف‬
‫ض َو ُى ْم ِم ْن بَ ْع ِد‬‫وم فِي أَ ْدنَى ْاأل َْر ِ‬ ‫الر ُ‬
‫ل ُّر‬ ‫القرآف سورة تسمى سورة الركـ كتبتدئ ّٔذه اآليات‪ :‬الم غُلِب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِع ِسنِ ِ ِ‬
‫غَلَبِ ِه ْم َسيَ غْلِبُو َن فِي بِ ْ‬
‫ص ِر اللَّو يَ ْن ُ‬
‫ص ُر‬ ‫ح ال ُْم ْ منُو َن بِنَ ْ‬
‫ين للَّو ْاأل َْم ُر م ْن قَ ْب ُل َوم ْن بَ ْع ُد َويَ ْوَمئل يَ ْف َر ُ‬
‫َ‬
‫شاءُ ‪.)3(")2(‬‬
‫َم ْن يَ َ‬
‫‪-‬الحياة االجتماعية‪َ :‬ف يكن عرب اعباىلية من حيث تركيبتهم االجتماعية يبثلوف اختبلفا عن باقي‬
‫أمم العاَف؛ فقد كانوا مقسمُت إُف طبقتُت‪ ،‬طبقة اؼبوسرين الذين تتمركز عندىم الثركة كمن مث يبتلكوف العلم‬
‫كاعباه كالسلطة‪ ،‬كطبقة أخرل فقَتة تكاد ال ربوز شيئا من كل ذلك‪ .‬كالقرآف وبدثنا عن ىذين القسمُت؛‬
‫السادة كالعبيد "أليس وبدثنا عن أكلئك اؼبستضعفُت الذين كفركا طاعة لسادهتم كزعمائهم ال جهادا يف‬
‫ضلُّرونَا‬
‫اءنَا فَتَ َ‬ ‫‪َ ‬ربَّنَا ِنَّا أَطَ ْعنَا َس َ‬
‫ادتَنَا َوُكبَ َر َ‬ ‫الرأم كال اقتناعها باغبق كالذين سيقولوف يوـ يسألوف‪،‬‬
‫السبِ َيال‪ ،)4(‬بلى كالقرآف وبدثنا عن جفوة األعراب كغلظتهم كإمعاهنم يف الكفر كالنفاؽ كقلٌة حظهم من‬
‫َّ‬
‫الرقيقة اليت ربمل على اإليباف كالتدين"(‪.)5‬‬
‫العاطفة ٌ‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫(‪-)2‬سورة الركـ‪ ،‬اآلية ‪.5-1‬‬
‫(‪-)3‬طو حسُت‪ .‬يف األدب اعباىلي ‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫(‪-)4‬األحزاب‪67 :‬‬
‫(‪-)5‬طو حسُت‪ .‬يف األدب اعباىلي ‪ ،‬ص‪.72‬‬

‫‪55‬‬
‫‪-‬الحياة االقتصادية‪:‬‬

‫*االنفتاح االقتصادي (خرافة العللة االقتصادية)‬

‫إف صورة األعراب الذين يعيشوف يف صحراء فبتدة كمغلقة عليهم ىي صورة مغلوطة‪ ،‬فإف كاف الشعر‬
‫اعباىلي ال ىبرب بشيء عن طبيعة النظاـ االقتصادم الذم سار عليو قدماء شبو اعبزيرة العربية قبل اإلسبلـ‪،‬‬
‫الشتَ ِاء‬
‫ش ِ َيالفِ ِه ْم ِر ْحلَةَ ِّ‬ ‫فإ ٌف القرآف «يصف اتصاؽبم بغَتىم من األمم يف السورة اؼبعركفة‪ِِ  :‬إل َيال ِ‬
‫ف قُ َريْ ٍ‬
‫ف ‪ ،‬ككانت إحدل ىاتُت الرحلتُت إُف الشاـ‪ ،‬حيث الركـ‪ ،‬كاألخرل إُف اليمن حيث اغببشة أك‬ ‫الص ْي ِ‬
‫َو َّ‬
‫الفرس (‪ ،)...‬كَف يكونوا يف عزلة سياسية أك اقتصادية بالقياس إُف األمم األخرل»(‪.)1‬‬

‫*الحياة االقتصادية الداخلية‪:‬‬

‫ال ىبرب الشعر اعباىلي كلٌو بالنظاـ االقتصادم للعرب قبل اإلسبلـ‪ ،‬فالقارئ لديواف امرئ القيس‬
‫كغَته من شعراء اعباىلية ال يظفر بأدىن معلومة تفيده بالطريقة اليت كاف ىؤالء العرب ينظموف ّٔا اقتصادىم‬
‫فيما بينهم‪ ،‬لكن القرآف الكرًن يفعل ذلك؛ فباإلضافة إُف التجارة اػبارجية اليت سلكوا ؽبا طرقا كثَتة‬
‫كدخلوا من أجلها بلدانا عديدة كإمرباطوريات ـبتلفة‪ ،‬فإهنم فيما ىبص نظامهم االقتصادم الداخلي كانت‬
‫لديهم حياة اقتصادية سيئة‪ ،‬ذلك أف ؾبتمعهم حبسب القرآف كاف مقسما إُف فريقُت‪" :‬فريق األغنياء‬
‫الربا‪ ،‬كفريق الفقراء اؼبعدمُت أك الذين ليس ؽبم من الثركة ما يبكنهم أف يقاكموا‬
‫اؼبستأثرين بالثركة اؼبسرفُت يف ّْ‬
‫ىؤالء اؼبرابُت أك يستغنوا عنهم"(‪.)2‬‬

‫الربا كاغبث على الصدقة كفرض الزكاة‪،‬‬


‫كيؤكد طو حسُت أف القرآف الكرًن أكُف عناية كبَتة حملاربة ّْ‬
‫كليس ذلك إال دليبل على مدل االضطراب كالتخبط الذم كاف يسود الوضع االقتصادم العريب آنذاؾ‪ ،‬إننا‬
‫ال نعثر يف الشعر اعباىلي على صورة الفقر كالفاقة يرظبها لساف شاعر فقَت‪ ،‬كال نعثر على صورة للسطوة‬
‫اؼبالية يبثلها لساف شاعر مستكرب من علية القوـ‪ ،‬ال نعثر يف الشعر اعباىلي على ىذا الصراع االقتصادم‬
‫الواقع يف صبيع آّتمعات بُت األغنياء كالفقراء‪.‬‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.74‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪56‬‬
‫‪-‬عجل الشعر الجاىلي عن تصوير ىوى النفس العربية (عالقة العربي بالمال ومستويات ىله‬
‫العالقة)‬

‫كىذه ناحية نفسية خالصة َف يستطيع الشعر اعباىلي أف يبدنا دبعلومات عنها‪ ،‬كمن مث فنحن نفتقر‬
‫ؼبعرفة أىواء العرب اعباىليُت‪ ،‬فبل نعرؼ عنهم ما يعًتم النفس البشرية من الطمع‪ ،‬كالبخل‪ ،‬كاغبرص على‬
‫اؼباؿ‪ ،‬ككبن ال نستطيع أف نثق يف ىذا الشعر الذم يقدـ لنا صورة غَت طبيعية ؽبؤالء األجواد الكراـ‬
‫احا يف ذىـ‬
‫اؼبسرفُت يف الكرـ اؼببالغُت يف إىانة اؼباؿ كاحتقاره "كلكن يف القرآف إغباحا يف ذـ البخل كإغبى ن‬
‫الطمع‪ ،‬فقد كاف البخل كالطمع إذف من آفات اغبياة االقتصادية كاالجتماعية يف اعباىلية (‪ )...‬ىذا مبلئم‬
‫كل اؼببلءمة ؼبا يبثلو القرآف من حياة العرب اؼبتحضرين يف مكة كاؼبدينة‪ ،‬فقد كانت التجارة قواـ اغبياة يف‬
‫الربا كالبخل كالطمع‬
‫ىاتُت اغباضرتُت‪ ،‬كمن ذكر التجارة يف األمم القديبة فهو مضطر إُف أف يذكر معها ّْ‬
‫كالظلم كىذه النقائص الفردية كاالجتماعية اليت تتصل حبب اؼباؿ كصبعو كاليت ال يظهر يف األدب اعباىلي‬
‫منها شيء"(‪.)1‬‬

‫كيسًتسل طو حسُت يف رصد مواطن عجز الشعر اعباىلي عن إمداد القارئ دبعلومات كافية عن‬
‫طبيعة اغبياة كاألنشطة االقتصادية اليت كانت موجودة يف اعباىلية‪ ،‬فالقرآف يعرض للحديث عن (البحر)‬
‫كعن (اعبوارم اؼبنشآت) ك(الصيد) ك(استخراج اللؤلؤ كاؼبرجاف) كىذا دليل على أف العرب عرفوا البحر‬
‫كازبذكه سبيبل للسفن كالبواخر اليت كانت تسافر بتجارهتم من ميناء إُف ميناء‪ ،‬ىذا عدا الصيد كاستخراج‬
‫السادة كالتجار من العرب‪.‬‬ ‫اللؤلؤ كاؼبرجاف‪ ،‬كىي أنشطة ال َّ‬
‫بد أف تكوف أف أسهمت يف مراكمة الثركة لدل َّ‬
‫‪-‬الحجة اللغوية‪:‬‬

‫بعد ما طرحو طو حسُت من دكاع كحجج سياسية كاجتماعية كاقتصادية كدينية‪ ،‬ينتقل إُف طرح‬
‫الفٍت كالنٌحوم‪،‬‬
‫حجة كصفها بأهنا "أقول داللة كأهنض حجة من اؼبباحث اؼباضية كلها‪ ،‬ذلك ىو البحث ُّ‬
‫فسينتهي بنا ىذا البحث إُف أف ىذا الشعر الذم ينسب إُف امرئ القيس أك إُف األعشى أك إُف غَتنبا من‬
‫الشعراء ال يبكن من الوجهة اللغوية كالفنية أف يكوف ؽبؤالء الشعراء"(‪.)2‬‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.64‬‬

‫‪57‬‬
‫أ‪-‬اللغة العربية‪:‬‬

‫يقرر طو حسُت أف العرب كانوا موزعُت على جنوب شبو اعبزيرة كىم القحطانيوف كعرب مشاؿ‬
‫اعبزيرة كىم العدنانية‪ ،‬غَت أنٌو من الثابت أف لغة القحطانية زبتلف سباما عن لغة العدنانية‪ ،‬على الرغم من‬
‫أ ٌف القحطانيُت ىم من يسميهم اؼبؤرخوف (العرب العاربة) كىم أصحاب اللغة العربية‪ ،‬كالعدنانيوف ىم‬
‫(العرب اؼبستعربة) الذين أخذكا العربية عن القحطانيُت‪.‬‬

‫كقد أثبت البحث اغبديث كجود فوارؽ كاختبلؼ كبَت بُت اللغتُت‪ ،‬أضف إُف ذلك قوؿ عمرك بن‬
‫مر معنا حُت أكد على أف لغة اغبمَتيُت (عرب اعبنوب) ال تشبو لغة العدنانيُت يف زمن عمرك‬
‫العبلء الذم َّ‬
‫بن العبلء كيف األزماف السابقة كذلك‪ ،‬كيتساءؿ طو حسُت مستنكرا عن السبب الذم جعل أدباء قحطاف‬
‫كشعراءىا ككهاهنا َف يقولوا أدبا أك شعرا بلساهنم‪ .‬كلسنا نعثر ؽبم إالٌ على ما ىو بلغة القرآف أم اللغة‬
‫العربية الفصحى اليت تكلم ّٔا العدنانيوف يف قبد كاغبجاز‪ ،‬لقد كانت ؽبم لغاهتم كال سبيل إُف إثبات أهنم‬
‫تكلموا بالعربية الفصحى اليت نزؿ ّٔا القرآف الكرًن "أما أف ىؤالء الناس كانوا يتكلموف لغتنا العربية‬
‫الفصحى ففرض ال سبيل إُف الوقوؼ عنده فيما يتصل بالعصر اعباىلي‪ ،‬فقد ظهر أهنثم كانوا يتكلموف لغة‬
‫أخرل‪ ،‬أك قل لغات أخرل‪ ،‬فما يضاؼ إليهم من الشعر كالنثر يف لغتنا الفصحى كما يضاؼ إُف ً‬
‫عاد‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫(‪)1‬‬ ‫ك ً‬
‫شبود (‪ )...‬من الشعر كالنثر منحوؿ متكلف ال سبيل إُف قبولو أك االطمئناف إليو" ‪.‬‬

‫كيستغرب طو حسُت إضافة أشعار إُف القحطانيُت بلغة العدنانيُت‪ ،‬ككبلهم إياىا على الرغم من أف‬
‫الغلبة السياسية كالعسكرية كاغبضارة كانت للقحطانية‪ ،‬كمن مث فإ ٌف لغة الفنوف كاآلداب كاف ال بد أف‬
‫تكوف بلغتهم اليت َف وبفظ لنا الركاة أم شعر ّٔا‪.‬‬

‫ب‪-‬اختالف لهجات اللغة الواحدة‪:‬‬

‫يناقش طو حسُت اختبلؼ لغة عرب اعبنوب عن لغة عرب الشماؿ كعدـ كجود أم شعر أك أدب‬
‫باللغة العربية اعبنوبية‪ ،‬ككوف الركاية َف ربفظ سول الشعر كاألدب الذم قيل بالعربية الشمالية (العدنانية)‪،‬‬
‫لكنو ينبو على أف ىذه اللغة ذاهتا تتكوف من ؽبجات ـبتلفة كأف "الركاة وبدثوننا أف الشعر تنقل يف قبائل‬
‫فظل فيها إُف ما بعد اإلسبلـ أم إُف أياـ بٍت أمية‬
‫عدناف‪ ،‬كاف يف ربيعة مث انتقل إُف قيس مث إُف سبيم‪َّ ،‬‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬

‫‪58‬‬
‫حُت نبغ الفرزدؽ كجرير"(‪.)1‬‬

‫صح كجود ىذه القبائل العدنانية‪ ،‬فهذا أدعى إُف الشك يف صحة الشعر‬
‫يقوؿ طو حسُت‪ ،‬إنٌو إذا ن‬
‫الركاة ؾبمعوف على أف قبائل عدناف َف تكن متحدة اللغة كال متفقة اللهجة قبل أف‬
‫اعباىلي كذلك أل ٌف " ٌ‬
‫يظهر اإلسبلـ فيقارب بُت اللغات اؼبختلفة كيزيل كثَتا من تباين اللهجات"(‪ ،)2‬كإذف يكوف من الطبيعي أف‬
‫كيوحد اللغة العربية‪ ،‬كمن اؼبقبوؿ أف‬
‫ىبتلف شعر ىذه القبائل تبعا الختبلؼ ؽبجاهتا‪ ،‬قبل أف يأيت اإلسبلـ ّْ‬
‫يكوف لكل قبيلة شعرىا بلهجتها‪ ،‬لكن "ال نرل شيئا من ذلك يف الشعر العريب اعباىلي‪ ،‬فأنت تستطيع أف‬
‫تقرأ ىذه اؼبطوالت أك اؼبعلقات اليت يتخذىا أنصار القدًن مبوذجا للشعر اعباىلي الصحيح‪ ،‬فسًتل أ ٌف فيها‬
‫مطولة المرئ القيس كىو من كندة أم من قحطاف‪ ،‬كأخرل لزىَت‪ ،‬كأخرل لعنًتة‪ ،‬كثالثة للبيد ككلهم من‬
‫قيس‪ ،‬مث قصيدة لطرفة‪ ،‬كقصيدة لعمرك بن كلثوـ‪ ،‬كقصيدة أخرل للحارث بن ًحلزة ككلهم من ربيعة‪،‬‬
‫السبع دكف أف تشعر فيها بشيء يشبو أف يكوف اختبلفا يف اللهجة أك تباعدا‬
‫تستطيع أف تقرأ ىذه القصائد َّ‬
‫يف اللغة"(‪،)3‬‬

‫كعدـ كجود اختبلؼ بُت لغة القحطانية كالعدنانية‪ ،‬كعدـ كجود أم اختبلؼ بُت ؽبجات العدنانية‪،‬‬
‫فإما أف ىذه اللغة العربية الفصحى اليت يركم ّٔا الشعر كانت لغة كاحدة بالنسبة إُف‬
‫يؤكد أمرا من اثنُت‪ٌ ،‬‬
‫كإما أف ىذا الشعر اعباىلي "َف يصدر عن ىذه‬
‫اعبميع‪ ،‬كأف القبائل العدنانية كانت موحدة اللغة كذلك‪ٌ ،‬‬
‫القبائل كإمبا يضبل عليها بعد اإلسبلـ ضببلن‪ ،‬ككبن إُف الثانية أميل منا إُف األكُف"(‪.)4‬‬

‫أسباب االنتحال لدى طو حسين‬

‫أ‪-‬األسباب السياسية‪ :‬كىو يريد ّٔا العصبية القبلية مثل ما كاف بُت قريش كاألنصار من عداء ظهر‬
‫استقر يف قريش‪ ،‬مث إ ٌف قريشا َف تنس ما كاف‬
‫بينهم بعد كفاة الرسوؿ ‪ ‬كبعد أف خرج أمر اػببلفة منهم ك َّ‬
‫بُت شعرائها كشعراء األنصار من ىجاء على أياـ الرسوؿ ‪ ،‬كأف قريشا غيلبت يوـ بدر فلم تنس ىزيبتها‪،‬‬
‫كقد كاف عمر بن اػبطاب ينهى الفريقُت عن مذاكرة ىذا الشعر الذم يوقظ الضغائن كيقوؿ ؽبم إف أبيتم‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.92‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬
‫(‪-)4‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪59‬‬
‫إالٌ تذاكركه فأكتبوه‪ ،‬كييرجع طو حسُت سبب االنتحاؿ يف الشعر كالتزيد فيو ككضعو إُف ىذه العصبية‬
‫اؼبتقدة بُت الطرفُت‪ ،‬خاصة عندما أصبحت اػببلفة يف بٍت أمية خالصة مث إف قريشا راجعت شعرىا فوجدتو‬
‫وبوؽبا من اؽبزيبة إُف النَّصر(‪.)1‬‬
‫قليبل فزادت فيو ككضعت ما ٌ‬
‫صحة ىذا الشعر "كلما رأل شيئا‬
‫كيدعو طو حسُت الباحث يف الشعر اعباىلي إُف أف يشك يف َّ‬
‫من شأنو تقوية العصبيٌة أك تأييد فريق من العرب على فريق‪ ،‬كهبب أف يشتد ىذا الشك كلما كانت القبيلة‬
‫دكرا يف اغبياة السياسية‬
‫أك العصبية اليت يؤديها ىذا الشعر قبيلة أك عصبية قد لعبت ‪-‬كما يقولوف‪ -‬ن‬
‫للمسلمُت"(‪.)2‬‬

‫ب‪-‬السبب الديني‪:‬‬

‫يرل طو حسُت أف ىذا االنتحاؿ اؼبتأثر بالدين قد تشكل أشكاال ـبتلفة دعت إليها الظركؼ‬
‫أحاطت باغبياة الدينية للعرب كللمسلمُت عموما فكاف ىذا االنتحاؿ يف بعض أطواره "يقصد‬
‫اؼبختلفة اليت ى‬
‫موجها إُف عامة الناس‪ ،‬كأنت تستطيع أف ربمل‬
‫النيب‪ ،‬ككاف ىذا النوع ٌ‬
‫بو إُف إثبات صحة النبوة كصدؽ ٌ‬
‫النيب ككل ما يتصل بو من ىذه األخبار‬
‫على ىذا كل ما يركل من الشعر الذم قيل يف اعباىلية فبهدا لبعثة ٌ‬
‫كاألساطَت اليت تيركل لتقنع العامة بأ ٌف علماء العرب ككهاهنم كأحبار اليهود كرىباف النصارل كانوا ينتظركف‬
‫نيب عريب ىبرج من قريش أك من مكة"(‪.)3‬‬
‫بعثة ٌ‬
‫كيسًتسل طو حسُت يف موضوع االنتحاؿ بسبب ديٍت‪- :‬فيكوف من الشعر اؼبنتحل ما كضعو‬
‫الشعراء على لساف اعبن‪ ،‬كما كضعو القصاص لتفسَت قصص كأخبار األمم البائدة اليت هبدكف قصصها يف‬
‫القرآف الكرًن‪ ،‬ظهور الدرس اللغو كالرغبة يف إثبات أف القرآف كتاب عريب مطابق يف ألفاظو للغة العرب‪،‬‬
‫كمن مث فإ ٌف اػبصومات اليت كانت بُت علماء اللغة قد دعتهم إُف اختبلؽ الشواىد اؼبأخوذة عن شعر‬
‫جاىلي موضوع ليخدـ أغراضهم العلمية ‪...‬اٍف‪.‬‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪ 117‬كما بعدىا‪.‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.135‬‬

‫‪60‬‬
‫والقصاصون‪:‬‬ ‫ج‪-‬القص‬

‫كاف القصاصوف ىم ٌأكؿ من اهتمهم ؿبمد بن سبلـ اعبمحي بوضع الشعر كخص منهم ؿبمد بن‬
‫إسحاؽ بن يسار‪ ،‬كىا ىو طو حسُت يؤكد على أف ؾبلس القص كاف ال بد لو من الشعر‪ ،‬ليطرد السآمة‬
‫عن اؼبستمعُت‪ ،‬لذلك استعاف القصاص أياـ بٍت أمية كبٍت العباس «بأفراد من الناس هبمعوف ؽبم األحاديث‬
‫كاألخبار كيلفقوهنا‪ ،‬كآخرين ينظموف ؽبم القصائد كينسقوهنا»(‪.)1‬‬

‫كيسمي طو حسُت الشعراء اؼبكلفُت بانتحاؿ الشعر خدمة للقصاصُت باؼبصانع الشعرية‪ ،‬كىبص‬
‫ثبلثة أنواع من القصص "قصص لتفسَت طائفة من األمثاؿ كاألظباء كاألمكنة‪ ،‬كقصص اؼبعمرين كأخبارىم‪،‬‬
‫كقصص أياـ العرب كأخبارىا"(‪.)2‬‬

‫د‪-‬الشعوبية‪:‬‬

‫قاؿ طو حسُت‪" :‬كالشعوبية‪ ،‬ما رأيك فيهم كفيما يبكن أف يكوف ؽبم من األثر القوم يف انتحاؿ‬
‫الشعر كاألخبار كإضافتها إُف اعباىليُت؟ أما كبن فنعتقد أف ىؤالء الشعوبية قد انتحلوا أشعارا كأخبارا كثَتة‬
‫كأضافوىا إُف اعباىليُت كاإلسبلميُت‪ ،‬كَف يقف أمرىم عند انتحاؿ األخبار كاألشعار‪ ،‬بل ىم قد اضطركا‬
‫اإلسراؼ فيو"(‪.)3‬‬
‫خصومهم كمناظريهم إُف االنتحاؿ ك ى‬
‫ىكذا كاف الشعوبية (من الفرس) الذين وبملوف حقد اؼبغلوب على الغالب يصنعوف األشعار‬
‫لينتقصوا من العرب كيعيبوف طرؽ حياهتم دبختلف مناحيها‪ ،‬ككاف العرب يصنعوف شعرا فيو رفع ألقدارىم‬
‫ط من أقدار غَتىم‪.‬‬
‫كح ٌ‬
‫الرواة‪:‬‬
‫و‪ُّ -‬ر‬
‫الراكية) ك(خلف األضبر) كيذكر ما ييركل عنهما من ذىاب أخبلقهما‬
‫ىبص طو حسُت بالذكر (ضبٌاد َّ‬
‫كفسقهما كبعدنبا عن اؼبركءة كانغماسهما يف حياة اللٌهو كآّوف‪ ،‬كيذىب الظن بطو حسُت فيما ىبص أبا‬
‫عمرك الشيباين إُف أنٌو كاف يؤجر نفسو للقبائل هبمع شعر شعرائها مث يزيد عليو ما شاء من الزيادات‪ ،‬فإذا‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬


‫(‪-)2‬ناصر الدين األسد‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.393‬‬
‫(‪-)3‬طو حسُت‪ .‬يف األدب اعباىلي‪ ،‬ص‪.166‬‬

‫‪61‬‬
‫ككضعو يف مسجد الكوفة‪ ،‬ككاف الناس يقولوف إنٌو ثقة لوال‬
‫أهنى اعبمع كالوضع جعل ذلك يف كتاب ىبطٌو ى‬
‫إسرافو يف شرب اػبمر(‪.)1‬‬

‫كمثل ىؤالء –يقوؿ طو حسُت‪ -‬يكوف من كاجبنا االٌ نقبل منهم ما ينقلوف إلينا من شعر القدماء؛‬
‫ذلك أف فساد اؼبركءة يدعوىم إُف االنتحاؿ كالكذب لكسب اؼباؿ كالتقرب إُف األشراؼ كاالنتصار على‬
‫اػبصوـ كاؼبنافسُت‪.‬‬

‫الرد على حجج طو حسين في االنتحال‪:‬‬


‫ّ‬
‫يرد يوسف اليوسف على دعاكل طو حسُت يف إبطاؿ الشعر اعباىلي كإسقاطو صبلة كتفصيبل‬
‫صبيعا على كضع شعر عصر بأكملو‪ ،‬كيضيف أف الشك‬
‫الركاةي ن‬
‫بتساؤؿ مشركع فحواه أنو ال يعقل أف يتواطأ ٌ‬
‫الذم أبداه األقدموف يقيد كمية ىذا الشعر اؼبوضوع‪ ،‬ألنٌو يعٍت أف اؼبوضوع قليل مقارنة بالشعر الصحيح‬
‫اؼبوثوؽ(‪ ،)2‬كىو تساؤؿ طرحوي كثَت من الذين تصدكا بالرد على طو حسُت‪ ،‬إذ ال يعقل أف تكوف شبة‬
‫ـبًتعُت كال‬
‫مؤسسة كانت مهمتها فقد كضع الشعر (بعد اإلسبلـ) كنسبتو إُف شعراء ردبا كاف معظمهم ى‬
‫كجود ؽبم يف الواقع‪ ،‬كنسبة ىذا الشعر إُف قبائل ردبا َف تكن ىي األخرل ؽبا ذكر حقيقي يف الزماف‬
‫كاؼبكاف‪.‬‬

‫الر ّد على حجة أن الشعر الجاىلي ال يمثل الحياة الجاىلية‪:‬‬

‫أ‪-‬الحياة الدينية‪:‬‬

‫الرسوؿ‪" :‬اإلسبلـ‬
‫يرد يوسف اليوسف ىذه اغبجة بقولو‪« :‬لسنا نيريد إالٌ أف نقوؿ كلمة كاحدة قاؽبا ٌ‬
‫هبب ما قبلة" (‪ ،)3‬غَت أف ىذه اعبملة اليت تعٍت أف اإلسبلـ يعفي كيبحو ما قبلو تقبل كثَتا من النقاش‪ ،‬إذ‬
‫ُّ‬
‫إف القرآف نفسو يتحدث يف مواضع كثَتة جدَّا عن الديانات السابقة‪ ،‬كيذكر النصارل كاليهود‪ ،‬كعبدة‬
‫األكثاف‪ ،‬كحنفية إبراىيم عليو السبلـ‪ ،‬ك"ليس بالضركرة إلعبلء كلمة اإلسبلـ أف يلتزـ اؼبسلموف تعفية كل‬
‫أثر من آثار الديانات اليت سبقتو كأف ال يبقى ؽبا ذكرا كال عنها خربا؛ بل فبٌا يزيد يف بياف فضل اإلسبلـ‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬اؼبرجع السابق‪ .‬ص‪.179‬‬


‫(‪-)2‬يراجع‪ :‬يوسف اليوسف‪ ،‬مقاالت يف الشعر اعباىلي‪ ،‬دار اغبقائق‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1985 ،4‬ص‪.90‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪62‬‬
‫الناس أف قد سبقتو أدياف عريقة كملل طويلة عريضة عميقة‪ ،‬كأنٌو جاء ىو‬
‫كقوتو أف يىعلىم ي‬
‫كإظهار طىٍولو ٌ‬
‫ضعيفا‪ ،‬فما زاؿ يقول كيتمكن حىت اقتلع تلك األدياف من جذكرىا كَف يبق ؽبا أثرا يف جزيرة العرب"(‪.)1‬‬

‫كعبرجي زيداف رأم فيما ىبص الشعر الذم يعرب عن الدين يف العصر اعباىلي‪ ،‬فقد رأل يف كتابو‬
‫(تاريخ آداب اللغة العربية) أف العرب َف يكن ؽبم شعر ديٍت خبلفا للعربانيُت‪ ،‬كىذا اػببلؼ غَت مقبوؿ‪،‬‬
‫كإمبا ال ب ٌد أف يكونوا قد نظموا األشعار الدينية ليتقربوف ّٔا آلؽبتهم كيستعطفوف ّٔا أصنامهم‪ ،‬غَت أ ٌف ىذا‬
‫الشعر ضاع بسبب غياب التدكين‪ ،‬كأل ٌف العرب كانوا منشغلُت بشعر الفخر كاغبماسة األنسب لتخليد‬
‫الوقائع كاألياـ كاغبركب اليت كانوا ىبوضوهنا(‪.)2‬‬

‫ب‪-‬الحياة العقلية‪:‬‬

‫"أما األستاذ ؿبمد الغمراكم فقد كاجو ىذه الناحية مواجهة باترة قاطعة حُت أعلن أف اغبظ الذم‬
‫الرد كاإلفحاـ كما توىم الدكتور طو كال‬
‫أنفقو القرآف يف االحتجاج كالنقاش ال يدؿ على قوة اعباىليُت يف ٌ‬
‫على حسن بصرىم باغبجة بل كاف ناشئا عن رسوخ العادات كصبود التقاليد‪ ،‬كإف جداؿ ىؤالء اؼبشركُت‬
‫أحط أنواع اعبدؿ كأبعده عن العقل فكيف يصور حياة عقلية راقية؟"(‪.)3‬‬
‫ىو من َّ‬

‫ج‪-‬الحياة االقتصادية‬

‫كثَتا ما ٌترد اغبجة االقتصادية لطو حسُت بشعر الصعاليك الذم وبكي عن طبقية كاسعة صنعت‬
‫األسياد األغنياء كالفقراء الضعفاء اؼبًتككُت "لست أدرم كيف غاب ديواف عركة‪ ،‬كشعر الصعاليك كلٌو‪ ،‬عن‬
‫الصراع الطبقي (‪ )...‬أالٌ يعكس شعر الصعاليك تردم األكضاع‬
‫باؿ اؼبرحوـ‪ ،‬كىو الشعر الذم يعكس ٌ‬
‫السالبة كاألحواؿ االقتصادية عند العرب"(‪.)4‬‬
‫اإلنتاجية كالعبلقات َّ‬
‫الربا فإ ٌف الشعر نص فٍت إبداعي‪ ،‬ال‬
‫خلو الشعر اعباىلي من حديث الكرـ كالبخل ك ّْ‬
‫كبالنسبة إُف ّْ‬
‫يتحدث يف مثل ىذه اؼبسائل االقتصادية‪ ،‬كلكن قد نعثر عليها "يف كتاب تشريعي توجيهي أك حبث علمي‬

‫(‪-)1‬شكيب أرسبلف‪ ،‬الشعر اعباىلي أمنحوؿ أـ صحيح النسبة‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد العبدة‪ ،‬دار الثقافة للجميع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،1980 ،1‬ص‪.32‬‬
‫(‪-)2‬يراجع‪ :‬ؿبمد رجب البيومي‪ ،‬موقف النقد األديب من الشعر اعباىلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪-)4‬يوسف اليوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪63‬‬
‫فبنهج"(‪ ،)1‬كاؼبتفق عليو أف أم نص أديب إمبا يقدـ الواقع كما هبب أف يكوف ال كما ىو كائن‪ ،‬كيسعى إُف‬
‫تصوير اؼبثاليات اليت يركمها آّتمع كينشدىا حىت كإف َف تتحقق كاقعا‪ ،‬كحديث الشعر اعباىلي عن‬
‫الفضائل مثل اعبود كالكرـ كإكراـ الضيف كغَتىا من الفضائل دليل على أنٌو ينبذ نقيضها‪.‬‬

‫د‪-‬الحجة السياسية‪:‬‬

‫ٌأما اغبجة السياسية فَتل نقاد كباحثوف أف طو حسُت قد كلف نفسو عناءىا دكف فائدة منها‪ ،‬ذلك‬
‫أنو أسهب يف نشأة الدكلة اإلسبلمية‪ ،‬كما كاف من غزكات الرسوؿ ‪ ‬كانتصاره يوـ فتح مكة‪ ،‬مث حديث‬
‫طويل مستطرد كصوال إُف الدكلة األموية كالعصبية بُت قريش كاألنصار‪ ،‬كَف يكن شبة يف الواقع سول قريش‬
‫كاحدة (مكة كاؼبدينة)‪ ،‬كل ىذا دكف أف يبدنا ببيت شعرم كاحد صنعتو العصبية كالسياسة بشكل عاـ‬
‫كىذا "صنيع عجيب كقف أمامو ناقدك الكتاب‪ ،‬حبيث ال يفهموف علٌة كاىية الستطراد فبتد ال صلة لو‬
‫دبوضوع الكتاب"(‪.)2‬‬
‫و‪-‬الحجة اللغوية‪:‬‬
‫‪-1‬اللغة العربية‪ :‬بالنسبة إُف ىذه اغبجة يرل يوسف اليوسف أف كوف الشعر اعباىلي الذم كصلنا‬
‫كلو بلغة قريش‪ /‬اللغة العربية الفصحى‪ /‬لغة الشماليُت‪ /‬لغة العدنانيُت (قبد كاغبجاز) ىو أكرب دليل على‬
‫أف ىذه اللغة العربية ىي اليت كانت سائدة يف معظم ببلد العرب‪ ،‬كذلك بسبب تغلب أىل الشماؿ‬
‫اؼبمهدات‬
‫كتسلطهم على الطرؽ التجارية ما أدل إُف تعريبها ككذلك تعريب األسواؽ‪ ،‬كىذا ما هبعلنا نفهم ٌ‬
‫اليت أتيحت ألنتصار الدين اإلسبلمي كانتشاره السريع‪ ،‬ك"كبن ال نعلم السبب الذم جعل طو حسُت‬
‫يرفض أف تكوف العربية قد سادت معظم أكباء جزيرة العرب قبل اإلسبلـ‪ ،‬إذ ىو يظن أ ٌف السيادة إمبا‬
‫كانت للجنوب ال للشماؿ‪ )...( ،‬كحُت َّادعى طو حسُت أ ٌف اليمن كانت أرقى من اغبجاز كمعُت ً‬
‫كضبٍَت‪،‬‬
‫أل ٌف اليمن كانت قد غبقها االكبطاط بدليل تغلب األحباش كالفرس عليها"(‪.)3‬‬
‫‪-2‬لهجات اللغة العربية‪:‬‬
‫ذىب ؿبمد فريد كجدم إُف االتفاؽ مع اعًتاض طو حسُت على كوف الشعر اعباىلي كلو جاء بلغة‬
‫قريش‪ ،‬على الرغم من أف ىذه اللغة ربوم ؽبجات عديدة ـبتلفة‪ ،‬كأبدل ؿبمد فريد كجدم استغرابو‬

‫(‪-)1‬ؿبمد رجب البيومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.90‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫(‪-)3‬يوسف اليوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.93 ،92‬‬

‫‪64‬‬
‫كدىشتو من إغفاؿ كبار ركاة اللغة كاألدب ؽبذه اؼبسألة؛ "كفبَّا يزيد ىذه اؼبسألة تعقيدا أف ىذه اؼببلحظة‬
‫اغبقَّة تقضي علينا بأ ٌف كبكم بأنٌو ال يوجد شعر جاىلي غَت قرشي أصبل فيما كاف يي ىركل من الشعر‬
‫اؼبنسوب للعرب كىو بعيد عن العقل"(‪.)1‬‬
‫كيذىب يوسف اليوسف إُف أ ٌف فوارؽ اللهجة َف تكن ذات شأف يف لغة الشعر اعباىلي؛ إذ إهنا لو‬
‫األكؿ اؽبجرم ألنٌو "ليس من اليسَت أف تنطفئ‬
‫كانت اختبلفات كثَتةن لكانت قد ظهرت يف شعر القرف ٌ‬
‫ىذه الفوارؽ دبجرد ظهور اإلسبلـ‪ ،‬إالٌ إذا كانت قد سبق ؽبا أف انطفأت حقِّا"(‪.)2‬‬
‫كيضيف أف عدـ كجود ىذه الفوارؽ يف ؽبجات اللغة العربية اليت جاء ّٔا الشعر اعباىلي ىو أكرب‬
‫الرظبية لؤلدب كالشعر منذ ما قبل اإلسبلـ(‪.)3‬‬
‫دليل على أف ىذه اللغة‪/‬لغة اغبجاز كانت اللغة ٌ‬

‫(‪-)1‬ؿبمد فريد كجدم‪ ،‬نقد كتاب الشعر اعباىلي‪ ،‬مؤسسة ىنداكم للتعليم كالثقافة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪-)2‬يوسف اليوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫(‪-)3‬يراجع اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫المحاضرة السادسة‪:‬‬
‫قضية الفحولة في النقد القديم‬

‫عٌت باؼبفاىيم النقدية كما يؤسسها من اؼبفاضلة كاؼبقارنة بُت‬


‫َف يكن غريبا على النقد العريب القدًن أف يي ى‬
‫ابداعا‪ ،‬من بُت ىذه‬
‫الشعراء سبييزا من النقاد القدامى للجودة كالشاعر اؼبيجيد الذم يفوؽ بقية الشعراء موىبة ك ن‬
‫اؼبفاىيم النقدية مفهوـ "الفحولة" الذم عينوف بو الكتاب الذم نعده أكؿ كتاب يف النقد العريب القدًن‪.‬‬

‫‪-‬الفحولة لُغة‪:‬‬

‫اؿ‬
‫كفح ه‬ ‫قاؿ ابن منظور‪« :‬الفحل معركؼ‪ :‬الذكر من كل حيواف‪ ،‬كصبعو أىفٍ يح هل كفي يح ه‬
‫وؿ كفي يحولىة ى‬
‫فحبل (‪ )...‬كبعَت ذك فً ٍحلة‪ :‬يصلح‬ ‫كفحالىةه (‪ )...‬كالفحل‪ :‬فى ٍح يل اإلبل إذا كاف كريبنا يمنجبنا‪ ،‬كأفحل‪ :‬ازبذ ٍ‬
‫ى‬
‫نجب يف ًضرابًو (‪ )...‬كأفٍ ىحلىوي فى ٍحبل‪ :‬أعارهي إيٌاه يف إبًلو‪.‬‬
‫لبلفتحاؿ‪ ،‬كفى ٍحل فىحيل‪ :‬كرًن يم ه‬
‫ككبش فحيل‪ :‬يشبو الفحل من اإلبل يف عظمو كنيبلو‪.‬‬

‫تلقوه يمتىبىذلُت غَت يمتزينُت‪ ،‬مأخوذ‬


‫الشاـ ت ىف َّحل لوي ىأمراء الشاـ‪ ،‬أم أهنم ٍ‬
‫كيف حديث عمر ؼبا قدـ ٌ‬
‫الزم من شأف اإلناث كاؼبتأنثُت‪ ،‬كالفحوؿ ال يتزينيوف‪.‬‬
‫من الفحل ض ٌد األنثى‪ ،‬ألف التزيٌن كالتىصنُّع يف ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫قوم كا ٍشتى َّد"‬
‫العدك إذا ى‬
‫استفح ىل ٍأم ير ٌ‬
‫ى‬
‫دؿ على ذكارة كقوة‪ ،‬من ذلك الفحل من كل‬
‫كقاؿ ابن فارس‪" :‬الفاء كاغباء كالبلـ أصل صحيح يي ٌ‬
‫الفح ىل‪ ،‬تشبيها لو بفحل اإلبل‪،‬‬
‫شيء كىو الذكر الباسل (‪ )...‬كفحل فحيل‪ ،‬كرًن‪ ،‬كالعرب تسمى سهيبلن ٍ‬
‫العتزالو النجوـ‪ ،‬كذلك اف الفحل إذا قرع اإلبل اعتزؽبا"(‪.)2‬‬
‫نستطيع أف مبيز أف الفحولة ىي‪:‬‬

‫‪-1‬الذكورة كالذكورة ُّ‬


‫ضد األنوثة‪.‬‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (فحل)‪.‬‬


‫(‪-)2‬ابن فارس‪ .‬مقاييس اللغة‪ ،‬مادة (فحل)‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪-2‬الفحل من اإلبل أف يكوف كريبا منجبنا‪.‬‬

‫كالكرًن ىو اعبامع ألنواع اػبَت كالشرؼ كالفضائل كاؼبنجب النجيب الفاضل من كل حيواف‪ ،‬كىو‬
‫السريع‪ ،‬كاؼبنجب ىو الذم يلد قبيبنا‪.‬‬
‫الفاضل النٌفيس يف نوعو‪ ،‬كالنٌجيب من اإلبل ىو القوم اػبفيف ٌ‬
‫‪-3‬الفحوؿ ليسوا كثَتين‪ ،‬إهنم قبلئل حىت يضطر أحدىم الستعارة فحل من أجل تكاثر إبلو‪.‬‬

‫‪-4‬الفحل ىو العظيم النبيل (حسن اػبىٍلق)‪.‬‬

‫‪-5‬الفحل ىو القوم الشديد‪.‬‬

‫‪ -6‬الذكر الشجاع الشديد (الباسل)‪.‬‬

‫‪ -7‬اؼبتفرد بنفسو اؼبكتفي ّٔا اؼبنعزؿ عن اآلخرين حُت ال تكوف حاجة لبلجتماع ّٔم‪.‬‬

‫‪-‬الفحولة اصطالحا‪:‬‬

‫السطوة‬
‫الشدة ك ٌ‬
‫ال ىبرج مفهوـ الفحولة يف النقد العريب القدًن عن اؼبعاين اللغوية‪ ،‬فهو ال يقوة ك ٌ‬
‫كالغلبة‪ ،‬ففحوؿ الشعراء‪" :‬ىم الذين غلبوا باؽبجاء من ىاجاىم مثل جرير كالفرزدؽ كأشباىهما‪ ،‬ككذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫كل من عارض شاعرا فغلب عليو"‬

‫كمن أجل ذلك فإف علقمة بن عبدة ظبي (علقمة الفحل) حُت غلب امرأ القيس يف قصة ربكيم أـ‬
‫جندب بينهما يف كصف الفرس‪ ،‬كيقاؿ إنو ظبي (الفحل) ألنو تزكج (أـ جندب) اليت كانت زكجة امرئ‬
‫القيس الذم طلقها عندما اكبازت يف حكمها لعلقمة‪.‬‬

‫نستطيع أف نفهم أف (الفحولة الشعرية) ىي أف يغلب شاعر شعراء آخرين يف موضوع اؽبجاء‪ ،‬كىنا‬
‫فحبل جريئا قوينا على اؽبجاء‪،‬‬
‫نستحضر معاين القوة كالذكورة كالشدة كالشجاعة‪ ،‬ىذه اؼبعاين تشكل شاعرا ٍ‬
‫يغلب خصومو‪ ،‬كىنا نبلحظ أنو كما كاف مفهوـ الفحولة مأخوذا من البيئة البدكية الصحراكية‪ ،‬فإف معناه‬
‫يتماشى مع طبيعة ىذه البيئة اليت هبب على الفرد فيها أف يكوف قويا شديدا سريعا شجاعا حىت يستطيع‬
‫الكر كالفر كالضرب كالطعن‪،‬‬
‫العيش كالتأقلم فيها‪ ،‬كوبيلنا (اؽبجاء) على مبط من اغبياة قائم على الصراع ك ّْ‬
‫السب كالشتم (اؽبجوـ كاؽبجوـ اؼبضاد كإنو ؼبن اؼببلحظ من حكاية (حكومة أـ جندب) أف‬
‫كمن مث اؽبجاء ك ٌ‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪( ،‬فحل)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفحولة ال تقتضي ىزيبة اػبصم فقط‪ ،‬بل إ ٍذاللو بسىب أىلو‪ ،‬كىذا ما حدث ألمرئ القيس‪ ،‬فقد ىزمو‬
‫علقمة بن عبده يف اؼبعارضة الشعرية‪ ،‬مث أخذ زكجتو فسمي (علقمة الفحل)‪.‬‬

‫‪-‬الفحولة اقتدار كشدة كقوة كعنف‪ ،‬كالفحولة الشعرية اليت تعٍت القدرة على اإلبداع تقًتف ّٔا‬
‫الفحولة دبعٌت (الذكورة كالضراب كاإلقباب)‪.‬‬

‫كبعيدا عن اؼبعاجم نستطيع القوؿ إف مفهوـ الفحولة ييستعمل للشاعر الذم يتميز عن بقية‬
‫الشعراء‪ ،‬فالشاعر الفحل ىو الذم اجتمعت لو قوة الشاعرية كالغلبة على بقية الشعراء كالتفوؽ عليهم‪ ،‬ألنو‬
‫صاحب خصوبة فنية كفكرية‪ ،‬يبتلك قدرة عالية على خلق النص الشعرم الذم يؤكد أسلوبو كال يشبو‬
‫النصوص األخرل‪.‬‬

‫كللتأكيد على أف الفحل ىو الشاعر اؼبتميز اؼبتفرد (العبقرم) نورد ىذا القوؿ للجاحظ "كالشعراء‬
‫لق‪،‬‬
‫عندىم أربع طبقات‪ ،‬فأكؽبم‪ :‬الفحل اػبنذيذ‪ ،‬كاػبنذيذ ىو التاـ (‪ )...‬كدكف الفحل اػبنذيذ الشاعر اؼبيٍف ي‬
‫(‪)1‬‬
‫كدكف ذلك الشاعر فقط‪ ،‬كالرابع الشعركر"‬

‫فصفة (الفحل) َف يوصف ّٔا إال شاعر كاحد ىو اػبنذيذ كىو التٌاـ‪ ،‬كبذلك قاؿ الكفوم‪" :‬الفحل‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫القوم من ذكور االبل ييشبو بو البليغ الكامل"‬

‫الشاعر الفحل لدى األصمعي ‪ :‬سأؿ السجستاين أستاذه األصمعي عن معٌت الشاعر الفحل‬
‫فأجابو" أف لو مزية على غَته كمزية الفحل على اغبقاؽ(*("(‪.)3‬كىذه اؼبزايا ىي ما يشكل معايَت الفحولة‪.‬‬

‫معايير الفحولة لدى األصمعي‪:‬‬

‫‪-‬اإلجادة‪:‬‬

‫كاالجادة ىي ما ييطلب من الشاعر عموما‪ ،‬أما الفحل فيطلب منو "اإلجادة التامة كالكماؿ‬
‫كالعبقرية الفنية يف كل شعر الشاعر حبيث يصبح الشاعر مثبل أعلى فيما تتفتق عنو عبقريتو من إجادة يف‬

‫(‪-)1‬اعباحظ‪ .‬البياف كالتبُت‪ ،‬ج‪ ،2‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪1998 ،7‬ـ‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫(‪-)2‬أبو البقاء الكفوم‪ .‬الكليات‪ ،‬تح‪ :‬عدناف دركيش كؿبمد اؼبصرم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪1998 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.697‬‬
‫)*(–اغبقاؽ ىي اعبماؿ اليت دخلت يف السنة الرابعة كعند ذلك يتمكن من ركؤّا كربميلها‪.‬‬
‫(‪-)3‬األصمعي‪ .‬فحولة الشعراء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2005 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪68‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫التشابيو أك الًتاكيب أك األساليب الببلغية األخرل مع عدد ً‬
‫كاؼ من النماذج تتوفر فيها ىذه اإلجادة"‬

‫كأكؿ الفحوؿ الذم تتوفر فيو ىذه الصفة امرؤ القيس‪ :‬أكؽبم كلهم يف اعبودة امرؤ القيس‪ ،‬لو اغبظوة‬
‫(‪) 2‬‬
‫السبق‪ ،‬ككلهم أخذكا من قولو‪ ،‬كاتبعوا مذاىبو"‬
‫ك ٌ‬
‫متفردا‪ ،‬عبقرينا‪ ،‬يبدع اؼبعٌت كيتفنن يف‬
‫كاف امرؤ القيس بالنسبة إُف النقاد العرب القدامى متميزا‪ ،‬ن‬
‫التشكيل حىت َف يًتؾ ؼبن غبقو فرصة يف اإلبداع كاالبتكار‪ ،‬فاعبميع آخذكف منو‪ ،‬ينهلوف من نبعو‪ ،‬سائركف‬
‫يف دربو‪ ،‬متبعوف ؼبذىبو‪.‬‬

‫‪-‬غلبة صفة الشعر في الشاعر على كل الصفات األخرى‪:‬‬

‫كىذا أحد اؼبعايَت اليت بسببها قاـ األصمعي بإقصاء عدد من الشعراء من زمرة الفحوؿ‪ ،‬كذلك‬
‫بسبب غلبة صفة أخرل عليهم "فرجل مثل حامت قد يقوؿ قصائد كلكنو ُّ‬
‫يعد يف األجواد كال يسمى فحبلن‬
‫(‪.)3‬‬
‫ألف الشعر ال يغلب عليو‪ ،‬ككذلك أشباه زيد اػبيل كعنًتة‪ ،‬فإهنم فرساف يقولوف شعرا‪ ،‬كحسب‬

‫كأف صفة الفحولة (الشعرية) البد أف تكوف طاغية يف شخصية الشاعر كال ذبتمع معها صفة‬
‫يغبقت ىذه الصفة بو ككانت سببنا يف خركجو من‬
‫أخرل‪ ،‬فإذا اشتهر الشاعر بصفة غَت الشعرية‪ ،‬أ ٍ‬
‫ؾبموعة الفحوؿ‪ ،‬فعنًتة بن شداد مثبل فارس كليس فحبل ألف صفة الفركسية غالبة كطاغية عليو‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كسئل عن حامت‬
‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫كقد سئل األصمعي عن عركة بن الورد فأجاب شاعر كرًن كليس بفحل"‬
‫(‪)5‬‬
‫الطائي فقاؿ‪" :‬حامت إمبا يعد بكرـ"‬
‫كينطبق ىذا الرأم على "خفاؼ بن ندبة كعنًتة كالزبرقاف بن بدر‪ ،‬قاؿ ىؤالء أشعر الفرساف‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫كمثلهم عباس بن مرداس السلمي‪َ ....‬ف يقل إهنم من الفحوؿ"‬

‫(‪-)1‬داكد سلوـ‪ .‬النقد العريب القدًن بُت االستقراء كالتأليف‪ ،‬مكتبة األندلس‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط ‪1969 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪-)2‬األصمعي‪ .‬ـ س‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪-)3‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ،‬ط ‪2006 ،4‬ـ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪-)4‬األصمعي‪ .‬فحولة الشعراء‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪-)5‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪-)6‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪69‬‬
‫‪-‬تنوع اإلنتاج‪:‬‬

‫كيبدك أف ىذا اؼبقياس كاف شائعا يف مدرسة الكوفة‪ ،‬فتأثر بو األصمعي لذلك أخرب تلميذه بأف‬
‫أحدا (‪ )...‬ألنو قاؿ يف كل عركض‪ ،‬كركب كل قافية"(‪.)1‬‬
‫"أىل الكوفة ال يقدموف على األعشى ن‬
‫فالشاعر الفحل البد أف يكوف قادرا على القوؿ يف أغراض عديدة‪ ،‬كيستعمل حبور الشعر‬
‫صبيعا‪ ،‬كينوع يف قوايف شعره‪ ،‬كقد قيل يف األعشى" ىو أمدحهم للملوؾ كأكصفهم للخمر‪ ،‬كأغزرىم‬
‫يضا(‪ ،)2‬لذلك قدمو صباعة من النقاد‪.‬‬
‫شعرا‪ ،‬كأحسنهم قر ن‬
‫ن‬
‫‪-‬وفْرة االنتاج الشعري‪:‬‬

‫الشاعر الفحل ىو شاعر عزير االنتاج‪ ،‬مثل الفحل اؼبنجب‪ ،‬كالبد من توفر عدد معُت من‬
‫فحبل‪ ،‬فقد تكوف القصيدة الواحدة دليبل على الفحولة لكنها ال تكفي‬
‫القصائد حىت يسمى الشاعر ٍ‬
‫ألف يسمى صاحبها فحبل مثل كعب بن سعد الغنوم "ليس من الفحوؿ إال يف اؼبرثية‪ ،‬فإنو ليس يف‬
‫الدنيا مثلها"(‪.)3‬‬

‫كوبدد األصمعي حدِّا أدىن لعدد األبيات حىت يسمى الشاعر فحبل‪ ،‬كىذا اغب ٌد ىو طبسة‬
‫فحبلن"(‪ ،)4‬ك"لو قاؿ ثعلبو ابن‬
‫قلت‪ :‬فاغبويدرة؟ قاؿ‪ :‬لو قاؿ مثل قصيدتو طبس قصائد كاف ٍ‬
‫أبيات‪ " :‬ي‬
‫(‪)5‬‬
‫فحبلن"‬
‫ابن صعَت اؼبازين مثل قصيدتو طبسا كاف ٍ‬
‫كيكوف اغبد األقصى لعدد األبيات كالذم يصل بالشاعر إُف مرتبة الفحوؿ عشرين بيتا‪" :‬قلت‪:‬‬
‫اؽبجيمي؟ قاؿ‪ :‬لوكاف قاؿ عشرين قصيدة غبق بالفحوؿ"(‪.)6‬‬
‫فأكس بن غلفاء ٍ‬
‫‪-‬األخالق الحميدة ‪ :‬ىبرج األصمعي عن إطار الشعرية إُف ما يتعلق بشخصية الشاعر‪ ،‬كىو ىنا‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪.24 ،23‬‬


‫(‪-)2‬القريشي‪ .‬صبهرة أشعار العرب‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد على البجاكم‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪1981 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫(‪-)3‬األصمعي‪ .‬فحولة الشعراء‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪-)5‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫(‪-)6‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪70‬‬
‫يركز على الناحية االجتماعية‪ ،‬كعبلقة الشاعر دبجتمعو كمستول تواصلو مع أفراد ىذا آّتمع‪ ،‬فقد سألو‬
‫أبو حامت السجستاين عن شاعر اظبو الشماخ فأقر فحولتو‪ ،‬لكنو نفى ىذه الفحولة عن أخي الشماخ على‬
‫الرغم من اعًتافو بأنو ال يقل عن الشماخ شاعرية‪ ،‬إال أنو أفسد شعره دبا يهجو النٌاس (‪ ،)1‬ككأف مبالغة‬
‫فحبلن‪ ،‬فاؽبجاء‪-‬إذف‪-‬‬
‫اؼبزرد أخي الشماخ كقصده إُف ىجاء الناس كانا سببا مباشرا يف أال يكوف ٍ‬
‫ّْ‬
‫ينفي عن الشاعر صفة (الكرًن) اليت كنا قد رصدناىا ضمن اؼبعاين اللغوية لكلمة (الفحل) إذ الكرًن‬
‫ىو اعبامع ألنواع اػبَت كالشرؼ كالفضائل‪ ،‬كمن تعرض للناس باؽبجاء كاف دكف ىذه الفضائل‪.‬كما‬
‫أف الشاعر اؽبجاء ليس لو‪ -‬حسب األصمعي‪ -‬مزية على غَته من الشعراء حبسب مفهوـ الشاعر‬
‫الفحل‪ ،‬ألف ال خَت كال شرؼ كال فضيلة فيما يقولو من شعر‪ ،‬كمن مث فبل فائدة قد هبنيها منو‬
‫الشعراء أك أفراد آّتمع‪ ،‬كفبا يعد ضمن ىذا اؼبقياس الذم يعتد بعبلقة الشاعر دبجتمعو ما يبكن أف‬
‫نسميو انتماء الشاعر إُف ؾبتمعو‪ ،‬فالشعراء اؼبنبوذكف كاؼبطركدكف من قبائلهم اؼبغضوب عليهم‬
‫كالشعراء الصعاليك ال يبكن أف يسموا فحوال بل إهنم ليسوا فرسانا كذلك ألهنم ال يعدكف كوهنم‬
‫لصوصا‪" ،‬قلت‪ :‬فسليك بن السلكة؟ قاؿ ليس من الفحوؿ كال من الفرساف‪ ،‬كلكنو كاف من الذين‬
‫شرا (‪)...‬‬
‫يغزكف فيعدكف على أرجلهم فيختلسوف‪ :‬قاؿ‪ :‬كمثلو ابن براقة اؽبمذاين (‪ )...‬كتأبط ن‬
‫(‪)2‬‬
‫كالشنفرل"‬
‫إف كصف الفحولة كصف يطلقو الناقد‪ ،‬كىو فرد يعيش مع اعبماعة‪ ،‬فبل يبكنو إذف أف يبنحو لشاعر‬
‫يجرب على العيش خارج اعبماعة‪.‬‬
‫اختار أك أ ٍ‬
‫‪-‬القوة‪:‬‬

‫حساف كاف عبلى يف اعباىلية‬


‫قاؿ األصمعي "طريق الشعر إذا أدخلتو باب اػبَت ألف‪ ،‬أال ترل ٌ‬
‫فلما دخل شعره يف باب اػبَت من مراثي النيب كضبزة كجعفر كغَتىم الف شعره‪ ،‬كطريق الشعر ىو‬
‫كاإلسبلـ‪ ،‬ن‬
‫الرحل كاؽبجاء كاؼبديح‬
‫طريق شعر الفحوؿ من مثل امرئ القيس كزىَت كالنابغة‪ ،‬من صفات الديار ك ٌ‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬اؼبصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪71‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كالتشبيب بالنساء كصفة اػبمر كاػبيل كاغبركب كاالفتخار‪ ،‬فإذا أدخلتو يف باب اػبَت الف"‬

‫يفًتض األصمعي أف شعر الفحوؿ (طريق الفحولة) ىو شعر األكائل‪ ،‬الشعر اعباىلي‪ ،‬ىو أف يقوؿ‬
‫الشاعر حبرية كعلى سجيتو‪ ،‬دكف أف تقف يف طريق دفقو الشعورم حواجز‪ ،‬مثل اغببلؿ كاغبراـ‪ ،‬فالشعر إذا‬
‫اتصل بالدين كالشاعر إذا ازبذ سبيبل دينيا فىػ ىق ىد شعره بكارة التجربة كحرية القوؿ كمن مث فىػ ىق ىد القوة‪-‬الشعر‬
‫القوم ىو الذم ال سلطة للدين عليو‪ .‬ألف سلطة قوية‪ ،‬نافذة‪ ،‬تعد بالثواب كالعقاب مثل سلطة الدين‬
‫ستقود الشعر إُف الليونة‪" ،‬كتفهم من سياؽ بعض آرائو أف الشاعر الفحل ىو من يصدر عن القول الفطرية‪،‬‬
‫ضت ىذه القول بتأثَت (اػبَت) ك (الصبلح) أك (الدين) الف الشعر‪ ،‬ككأنو‬
‫اؼبرَّكضوى يف نفسو‪ ،‬فإذا ما يرٍّيك ى‬
‫كغَت ى‬
‫(‪)2‬‬
‫شعرا حقيقيا‪ ،‬شأف الشعر اعباىلي"‬
‫يعٍت بقولو ىذا أنو بطل أف يكوف فى ٍحبلى‪ ،‬أم ٍ‬
‫فقد الف شعر حساف بن ثابت‪-‬الذم كاف كصفو بأنو فحل‪ -‬عندما دخل حساف يف اإلسبلـ‬
‫كظهرت ىذه الليونة يف اؼبراثي خاصة‪ .‬كيصف األصمعي أبا دؤاد على الرغم من جاىليتو كإجادتو كشهرتو‬
‫فحبلى‪ ،‬ككذلك قاؿ عن لبيد بن ربيعة أحد شعراء اؼبعلقات ككصفو بالصبلح‬
‫بأنو صاٌف لكنو ال يقوؿ عنو ٍ‬
‫كنفى عنو الفحولة ألنو أدرؾ اإلسبلـ كانقطع عن قوؿ الشعر‪.‬‬

‫‪-‬ثقافة الشاعر‪:‬‬

‫تقل ابن رشيق القَتكاين نصا لؤلصمعي يوضح فيو الشرط األكؿ لفحولة الشاعر‪ ،‬كىو شرط ثقايف‬
‫كؾبموعة من اؼبكتسبات العلمية اليت تؤىل الشاعر لبلرتقاء إُف درجة (الفحل)‪ :‬قاؿ األصمعي‪" :‬ال يصَت‬
‫الشاعر يف قريض الشعر فحبل حىت يركم أشعار العرب‪ ،‬كيسمع إُف األخبار‪ ،‬كيعرؼ اؼبعاين‪ ،‬كتدكر يف‬
‫مسامعو األلفاظ‪ ،‬كأكؿ ذلك أف يعمل العركض‪ ،‬ليكوف ميزانا لو على قولو‪ ،‬كالنٌحو‪ ،‬ليصلح بو لسانو كليقيم بو‬
‫(‪)3‬‬
‫إعرابو‪ ،‬كالنٌسب كأيٌاـ الناس‪ ،‬ليستعُت بذلك على معرفة اؼبناقب ك اؼبثالث كذكرنبا دبدح أك ذـ"‬

‫‪-‬اإلطار اللماني والمكاني للفحولة‪:‬‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.47-46‬‬


‫(‪-)2‬أدكنيس‪ .‬الثابت كاحملوؿ‪ ،‬ج‪ ،2‬دار العودة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،1979 ،2‬ص ص ‪.41-40‬‬
‫(‪-)3‬ابن رشيق القَتكاين‪ .‬العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو‪ ،‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬توفيق النيفر كـبتار العبيدم كصباؿ ضبادة‪ ،‬آّمع التونسي للعلوـ‬
‫كاآلداب كالفنوف‪ ،‬بيت اغبكمة‪ ،‬قرطاج‪ ،‬دط‪ ،2009 ،‬ص ‪.325‬‬

‫‪72‬‬
‫‪-‬اإلطار اللماني ‪ :‬تدؿ آراء األصمعي على أف اإلطار الزماين للفحولة الشعرية‪ ،‬ىو عصر الشعر‬
‫السابق الذم استشهدناه بو على معيار القوة يف الفحولة حيث‬
‫األكؿ؛ أم اعباىلية‪ ،‬كىذا ما أكده النص ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫قاؿ‪" :‬كطريق الشعر ىو طريق الفحوؿ من مثل امرئ القيس كزىَت كالنابغة‪...‬اٍف‬

‫كسألو السجستاين عن جرير كالفرزدؽ كاألخطل فقاؿ ىؤالء لو كانوا يف اعباىلية كاف ؽبم شاف‪ ،‬كال‬
‫)*( (‪)2‬‬
‫أقوؿ فيهم شيئا ألهنم إسبلميوف "‬

‫احدا ما قدمت‬
‫كقد ظبع األصمعي أبا عمرك بن العبلء يقوؿ " لو أدرؾ األخطل من اعباىلية يوما ك ن‬
‫عليو جاىليا كال إسبلمينا"(‪.)3‬‬
‫‪-‬االطار المكاني ‪ :‬يشًتط األصمعي يف الشاعر أف يكوف من البادية (بدكيا) حىت يكوف فى ٍحبلن‪،‬‬
‫حرصا منو على اللغة العربية السليمة اليت َف زبالطها لغة أىل اؼبدف فاحتفظت ببكارهتا‬
‫كردبا كاف ذلك ن‬
‫كأكليتها‪ ،‬ككانت مطابقة لذكؽ العريب كطبعو‪.‬‬

‫سئل األصمعم عن عدم بن زيد فقاؿ إنو ليس فى ٍحبلن على الرغم من أنٌو كاف جاىليا‪ ،‬إال أنو َف‬
‫يعش يف البادية‪ ،‬إذ عاش يف اغبَتة كاتصل بكسرل كأجاد يف فنوف كثَتة من الشعر‪ ،‬ككاف مقربا آلؿ اؼبنذر‬
‫يف اغبَتة "(‪.)4‬‬

‫كبسبب لغة عدم بن زيد اليت اختلطت بلغة أىل اؼبدف يف اغبَتة حبكم عملو مًتصبا لدل‬
‫فحبلن كَف بنسبو لئلناث‪ ،‬سألت األصمعي عن عدم بن زيد‪:‬‬
‫كسرل نفى عنو األصمعي أف يكوف ى‬
‫أفحل ىو؟ فقاؿ‪ :‬ليس بفحل كال أنثى‪ ...‬ككاف يقوؿ‪ :‬عدم كأبو دكاد ال تركم العرب أشعارنبا ألف‬
‫ه‬
‫(‪)5‬‬
‫ألفاظهما ليست بنجدية"‬

‫(‪-)1‬األصمعي‪ .‬فحولة الشعراء‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.47‬‬


‫)*(–يف فحولة الشعراء سألت األصمعي عن أعشى نبداف‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ىو من الفحوؿ‪ ،‬كىو إسبلمي كثَت الشعر‪ ،‬ص ‪ 57‬كىذا يناقض شرط‬
‫اعباىلية الذم كضعو‪.‬‬
‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ىامش احملقق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪-)5‬األصمعي‪ ،‬فحولة الشعراء ‪ ،‬ص ‪.47‬‬

‫‪73‬‬
‫ؾبرد قريب من‬
‫لبتم دبا قالو مصطفى اعبوزك بشأف الفحولة‪ :‬ىي "مفهوـ نقدم يدؿ على تصور عاـ ٌ‬
‫معريف معمق كتفسَت لظاىرة أك ظواىر شعرية‪ ،‬فمفهوـ الفحولة مدار‬
‫الرأم أك اغبكم‪ ،‬ال على نظاـ ٌ‬
‫معٌت ٌ‬
‫آراء متفرقة تتوافق أحيانا كتتباعد أحيانا أخرل ح ٌد التناقض كتبدك يف األكثر نسبية ترتبط بالناقد يف عصره‬
‫كأسلوبو يف التفكَت"(‪.)1‬‬

‫(‪-)1‬مصطفى اعبوزك‪ ،‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الطليعة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪.14‬‬

‫‪74‬‬
‫المحاضرة السابعة‪:‬‬
‫نظرية عمود الشعر في النقد العربي القديم‬
‫معنى( العمود) لغةً‪:‬‬

‫قاؿ ابن منظور‪« :‬العمود اػبشبة القائمة يف كسط اػبباء‪ ،‬كاعبمع أعمدة»(‪.)1‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫معنى (العمود)‬

‫عمود الشعر ىو طريقة العرب يف نظم الشعر ال ما أحدثو اؼبولدكف كاؼبتأخركف»(‪.)2‬‬


‫كقد كاف النقاد العرب القدامى "يقصدكف بعمود الشعر تقاليده اؼبتوارثة‪ ،‬كاؼببادئ اليت سبق ّٔا‬
‫الشعراء األكلوف‪ ،‬كاقتفاىا من جاء بعدىم‪ ،‬حىت صارت يسنَّة متبعة كعيرفنا متداكالن"(‪.)3‬‬
‫عمود الشعر مصطلح مأخوذ من البيئة العربية الصحراكية‪ ،‬شأنو شأف مصطلحات كثَتة يف النقد‬
‫كالعركض‪ ....‬كىو اػبشبة اليت تنصب يف مركز اػبيمة لتقيمها‪ ،‬إنو الركيزة اليت ربمي اػبيمة من السقوط‪.‬‬

‫كعمود الشعر العريب كاف طريقة النظم األكُف قبل أف تكوف حركة التحديث يف الشعر العريب القدًن‪.‬‬

‫‪-‬نشتة مصطلل (عمود الشعر)‪:‬‬

‫يبيل كثَت من الباحثُت إُف أف أكؿ من استعمل مصطلح عمود الشعر كاف اآلمدم ( ‪370‬ق) يف‬
‫كتاب (اؼبوازنة) يف قولو عند اغبديث عن طريقة البحًتم‪( :‬كما فارؽ عمود الشعر اؼبعركؼ)‪.‬‬

‫فإف ىذا التعبَت يواجهنا ألكؿ مرة (‪ ،)4‬ككاف اآلمدم قد أتى بكلمة (العمود) يف كتاب (اؼبوازنة)‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪.‬لساف العرب‪ ،‬مادة (طبع)‪.‬‬


‫(‪-)2‬أضبد مطلوب‪ .‬معجم النقد العريب القدًن‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫(‪-)3‬أضبد أضبد بدكم‪.‬أسس النقد األديب عند العرب‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪1996 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.533‬‬
‫(‪-)4‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،4‬ص ‪.147‬‬

‫‪75‬‬
‫كىو يؤكد اختبلؼ طريقة البحًتم عن طريقة أيب سباـ‪ .‬فقرر سلفا بأف االختبلؼ بينهما ّْبُت ككاضح‪:‬‬
‫"كإف كاف كثَت من الناس قد جعلهما طبقة‪ ،‬كذىب إُف اؼبساكاة بينهما‪ ،‬كإهنما ؼبختلفاف‪ ،‬ألف‬
‫البحًتم أعرايب الشعر‪ ،‬مطبوع‪ ،‬كعلى مذىب األكائل‪ ،‬كما فارؽ عمود الشعر اؼبعركؼ" (‪ ،)1‬كيقصد‬
‫اآلمدم بعمود الشعر اؼبعركؼ‪ ،‬طريقة العرب اؼبألوفة كاؼبتوارثة يف نظم القصيدة‪ ،‬كىو يوضح ىذه‬
‫الطريقة عندما يبُت خصائص شعر البحًتم كالذين يفضلونو "من فضل البحًتم كنسبو إُف حبلكة‬
‫اللفظ‪ ،‬كحسن التخلص‪ ،‬ككضع الكبلـ يف مواضعو‪ ،‬كصحة العبارة كقرب اؼبأتى‪ ،‬كانكشاؼ اؼبعاين‪،‬‬
‫كىم الكتاب كاألعراب كالشعراء اؼبطبوعوف كأىل الببلغة" (‪ ،)2‬ك الشعراء اؼبطبوعوف يفضلوف شعر‬
‫البحًتم ألنو يشبو شعر األكائل‪ ،‬القدماء الذين كانوا يقولوف الشعر على سجيتهم دكف تكلف أك‬
‫إقحاـ للصنعة‪ ،‬أم يقولوف الشعر كما يبليو عليهم طبعهم األصيل الصايف‪.‬‬

‫كيتضح عمود الشعر حُت يصف اآلمدم شعر أيب سباـ حيث إذا قيلبت ىذه الصفات إُف ما‬
‫يعاكسها كاف عمود الشعر العريب اؼبعركؼ؛ فأبو سباـ شديد التكلف‪ ،‬صاحب صنعة كيستكره‬
‫األلفاظ كاؼبعاين‪ ،‬كشعره ال يشبو أشعار األكائل‪ ،‬كال على طريقتهم‪ ،‬ؼبا فيو من االستعارات البعيدة‪،‬‬
‫كاؼبعاين اؼبولدة‪ ،‬فهو بأف يكوف يف حيز مسلم بن الوليد‪ ،‬كمن حذا حذكه أحق كأشبو"(‪.)3‬‬
‫يرل إحساف عباس أف اآلمدم كاف يؤثر طريقة البحًتم كيبيل إليها‪ ،‬كمن أجل ذلك جعلها "عمود‬
‫الشعر" كنسبها إُف األكائل كصرح بأنٌو من ىذا الفريق دكف مواربة"(‪.)4‬‬
‫نستطيع القوؿ إف اآلمدم أسس لفكرة "عمود الشعر" ككضع بذرة ىذه القضية يف كتابو الذم ألفو‬
‫ليوازف بُت شاعرين أحدنبا مطبوع ينظم على الطريقة العربية الكبلسيكية (البحًتم)‪ ،‬كآخر ؾبدد يؤسس‬
‫للحداثة الشعرية العربية (أبو سباـ)‪ ،‬كالنتيجة اليت لبرج ّٔا ىي أف (عمود الشعر) َف يكن يعٌت سول طريقة‬
‫الشعراء العرب القدامى (شعراء العصر اعباىلي) فما قالو ىؤالء الشعراء كالطريقة اليت قالوا ّٔا تيعد مرجعا‬
‫للنقاد إذا أرادكا اغبكم أك اؼبقارنة بُت شاعرين أك أكثر‪.‬‬

‫(‪-)1‬اآلمدم‪ .‬اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،4‬ص ‪.04‬‬
‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو ‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ص ‪.5 ،4‬‬
‫(‪-)4‬إحساف عباس‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.148‬‬

‫‪76‬‬
‫كقد كاف لكتاب (اؼبوازنة) كفكرة (عمود الشعر) تأثَت كاضح يف النقد العريب‪ ،‬كسيظهر اؼبصطلح مرة‬
‫أخرل لدل ناقد آخر صاحب مصنف يف النقد التطبيقي‪ ،‬ىو علي بن عبد العزيز اعبرجاين ( ‪392‬ىػ) يف‬
‫كتاب (الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو)‪.‬‬

‫‪-‬عمود الشعر لدى القاضي الجرجاني (‪392‬ى )‪:‬‬

‫كاف أبو اغبسن علي بن عبد العزيز اعبرجاين فبن تأثركا دبا كتبو اآلمدم يف موازنتو بُت أيب سباـ‬
‫كالبحًتم‪ ،‬كقد أخفى مصدره كطمس على اسم اآلمدم كَف يذكره صراحة يف كتابة (الوساطة بُت اؼبتنيب‬
‫كخصومو)‪ ،‬كمع ذلك فإف ىديٍن اعبرجاين لآلمدم كبَت‪ ،‬ألنو قد سبثل آراءه حبذؽ ذكاء‪ ،‬دكف أف يذكر‬
‫اآلمدم مرة كاحدة"(‪.)1‬‬
‫كقد تناكؿ اعبرجاين نقد اآلمدم آليب سباـ‪ ،‬كمآخذه على لغتو كغوصو على اؼبعٌت‪ ،‬كطلبو‬
‫لبلستعارات البعيدة كغَته من التعقيد كمستكره األلفاظ ككحشي الكبلـ‪ ...‬فظهرت نظرية عمود الشعر‬
‫بشكلها النهائي ؿبددة يف أركاف ىي‪:‬‬

‫‪-1‬شرؼ اؼبعٌت كصحتو‪.‬‬

‫‪-2‬جزالة اللفظ كاستقامتو‪.‬‬

‫‪-3‬إصابو الوصف‪.‬‬

‫‪-4‬اؼبقاربة يف التشبيو‪.‬‬

‫‪-5‬الغزارة يف البديهة‪.‬‬

‫‪ -6‬كثرة األمثاؿ السائرة كاألبيات الشاردة‪.‬‬

‫قاؿ اعبرجاين بعد أف أتى على نص ألحد األعراب‪" :‬ككانت العرب إمبا تفاصل بُت الشعراء يف‬
‫اعبودة كاغبسن بشرؼ اؼبعٌت كصحتو كجزالة اللفظ كاستقامتو‪ ،‬كتسلم السبق فيو ؼبن كصف فأصاب‪ ،‬كشبو‬
‫فقارب‪ ،‬كبده فأغزر‪ ،‬كؼبن كثرت سوائر أمثالو كشوارد أبياتو‪ ،‬كَف تكن تعبأ بالتجنيس كاؼبطابقة‪ ،‬كال ربفل‬

‫(‪-)1‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.314‬‬

‫‪77‬‬
‫باإلبداع كاالستعارة إذا حصل ؽبا عمود الشعر كنظاـ القريض"(‪.)1‬‬
‫كيذىب احساف عباس إُف أف اعبرجاين رأل أف الصنعة البديعية ىي ما يبيز بُت (عمود الشعر) كبُت‬
‫الشعر الذم ال ىبضع ؽبذا العمود‪ ،‬لذلك يكوف قد ضيق كثَتا من مسافة االختبلؼ كالبعد بُت ىذين‬
‫الطريقتُت‪ ،‬يقوؿ اعبرجاين كقد كاف يقع ذلك (البديع) يف قصائدىا (العرب)‪ ،‬كيتفق ؽبا يف البيت بعد‬
‫البيت على غَت تعمد كقصد‪ ،‬فلما أفضى الشعر إُف احملدثُت‪ ،‬كرأكا مواقع تلك األبيات من الغرابة كاغبسن‪،‬‬
‫كسبيزىا عن أخواهتا يف الرشاقة كاللطف‪ ،‬تكلفوا االحتذاء عليها فسموه البديع‪ ،‬فمن ؿبسن كمسيء‪ ،‬كؿبمود‬
‫كمذموـ‪ ،‬كمقتصد كمفرط"(‪.)2‬‬
‫يقر اعبرجاين أف عمود الشعر يتسع للبديع لكن يف غَت إسراؼ أك تكلف‪ ،‬أما الذين قصدكا إُف‬
‫تكلفو كصنعتو فهم احملدثوف‪ ،‬كعلى الرغم من ذلك فإهنم يف صنعتهم منقسموف بُت ؿبسن كمسيء أم إف‬
‫اعبرجاين ال يذـ الصنعة كال يرفضها من حيث ىي صنعة‪ ،‬بل من حيث الشاعر الذم يبالغ يف استخدامها‬
‫فيفسد شعره ّٔا‪.‬‬

‫عمود الشعر لدى المرزوقي (‪ 421‬ى )‪:‬‬

‫استعاف اؼبرزكقي باآلراء النقدية لكل من ابن طباطبا العلوم كقدامة بن جعفر‪ ،‬كاآلمدم كالقاضي‬
‫اعبرجاين‪ ،‬فكاف أف ظهرت عليو يديو نظرية الشعرية العربية ملخصة يف عمود الشعر‪ ،‬ظهر ىذا كاضحا يف‬
‫اؼبقدمة (النقدية اليت صدر ّٔا شرحو على اختيار أيب سباـ اؼبعركؼ بديواف اغبماسة‪ ،‬يقوؿ اؼبرزكقي بعد‬
‫استعراض اآلراء النقدية كالفركؽ بُت اؼبنثور كاؼبنظوـ‪" :‬فالواجب أف يتبُت ما ىو عمود الشعر اؼبعركؼ عند‬
‫العرب‪ ،‬ليتميز تليد الصنعة من الطريف‪ ،‬كقدًن نظاـ القريض من اغبديث‪ ،‬كلتيػ ٍعرؼ مواطئ أقداـ اؼبختارين‬
‫أيضا فىػ ٍر يؽ ما بُت اؼبصنوع كاؼبطبوع‪ ،‬كفضيلة األيت‬
‫فيما اختاركه‪ ،‬كمراسم إقداـ اؼبزيفُت على ما زيفوه‪ ،‬كييعلم ن‬
‫الصعب(‪.)3‬‬
‫األيب ٌ‬
‫السمح على ٌ‬
‫ٌ‬

‫(‪ -)1‬علي بن عبد العزيز اعبرجاين‪ .‬الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلى ؿبمد البجاكم‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪،‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪2006 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪-)2‬اعبرجاين‪ .‬الوساطة‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬مج ‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد أمُت كؿبمد عبد السبلـ ىاركف‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪1991 ،1‬ـ‪ ،‬ص ص‬
‫‪.08،09‬‬

‫‪78‬‬
‫ص ىد اؼبرزكقي العناصر األربعة اليت أثبتها اآلمدم ككضحها اعبرجاين كىي‪:‬‬
‫كقد ىر ى‬
‫‪-/1‬شرؼ اؼبعٌت كصحتو‪.‬‬

‫‪-/2‬جزالة اللفظ كاستقامتو‪.‬‬

‫‪-/3‬اإلصابة يف الوصف‪.‬‬

‫‪-/4‬اؼبقاربة يف التشبيو‪.‬‬

‫كزاد العناصر الثبلثة اآلتية عليها‪.‬‬

‫‪-/5‬التحاـ أجزاء النظم كالتئامها على زبَت من لذيذ الوزف‪.‬‬

‫‪-/6‬مناسبة اؼبستعار منو اؼبستعار لو‪.‬‬

‫‪-/7‬مشاكلة اللفظ اؼبعٌت كشدة اقتضائهما للقافية حىت ال منافرة بينهما‪.‬‬

‫كاستغٌت عن الغزارة يف البديهة‪ ،‬كعن كثرة األمثاؿ السائرة كاألبيات الشاردة‪ ،‬كع ٌد ىذا العنصر الثاين‬
‫متو نلدا عن اجتماع العناصر الثبلثة األكُف‪ ،‬كقد استخلص ما زاده من نقد لقدامة‪ ،‬كما أنو استخلص عيار‬
‫كل عنصر منها من احملصوؿ العاـ آّتمع من آراء اآلمدم كقدامة كاعبرجاين كابن طباطبا كردد قوؿ ابن أيب‬
‫عوف «أقساـ الشعر ثبلثة‪ :‬مثل سائر كتشبيو نادر كاستعارة قريبة» فكانت صياغتو لعمود الشعر ىي خبلصة‬
‫اآلراء النقدية يف القرف الرابع‪ ،‬على كبو َف يسبق إليو كال ذباكزه أحد من بعده(‪.)1‬‬
‫يقوؿ اؼبرزكقي يف صياغتو النهائية لعمود الشعر العريب‪« :‬إهنم كانوا وباكلوف شرؼ اؼبعٌت كصحتو‪،‬‬
‫كجزالة اللفظ كاستقامتو‪ ،‬كاإلصابة يف الوصف‪ -‬كمن اجتماع ىذه األسباب الثبلثة كثرت سوائر األمثاؿ‪،‬‬
‫كشوارد األبيات‪ -‬كالتحاـ أجزاء النظم كالتئامها على زبَت من لذيذ الوزف‪ ،‬كمناسبة اؼبستعار منو للمستعار‬
‫لو‪ ،‬كمشاكلة اللفظ للمعٌت كشدة اقتضائهما للقافية حىت ال منافرة بينهما‪ ،‬فهذه سبعة أبواب ىي عمود‬
‫الشعر‪ ،‬كلكل باب منها معيار»(‪.)2‬‬
‫يرفضوي‪.‬‬
‫كاؼبعيار ىو اؼبيزاف كاؼبكياؿ كما ييقدر بو الشيء إذا عرض عليو فيقبلو أك ي‬

‫(‪-)1‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ الشعر العريب‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.24‬‬


‫(‪-)2‬اؼبرزكقي‪.‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ـ س ‪،‬ص ‪.9‬‬

‫‪79‬‬
‫‪"-1‬فعيار اؼبعٌت أف ييعرض على العقل الصحيح كالفهم الثاقب‪ ،‬فإذا انعطف عليو جنبتا ال ىقبوؿ‬
‫كاالصطفاء‪ ،‬مستأنسا بقرائنو‪ ،‬خرج كافيا‪ ،‬كإال انتقص دبقدار شوبو ككحشتو"(‪.)1‬‬
‫عيار اؼبعٌت أف ييعرض على العقل الصحيح كالفهم الثاقب حىت ربصل اؼبوافقة على أنو معٌت شريف‪،‬‬
‫فالعقل إذا ىو اغبكم الذم يفصل يف صحة اؼبعٌت كخطئو‪ ،‬فإذا قبلو العقل كاقتنع بو كاف مقبوال‪ ،‬كإال‬
‫نقص دبقدار ما فيو من باطل كخطأ‪" ،‬كالعقل الصحيح وبكم على اؼبعٌت بعد أف يعرضو على كاقع اغبياة‬
‫حينا‪ ،‬كعلى معارؼ العلم حينا آخر"(‪.)2‬‬
‫كاؼبعٌت الشريف ىو الذم يكوف "من أحاسن اؼبعاين اؼبستفادة من الكبلـ‪ ،‬بأف يتلقى فهم السامع‬
‫اؼبعٌت مستغنيا بو يف استفادة الغرض الذم يفاد بو"(‪.)3‬‬
‫كىذا يعٍت أف اؼبعٌت الشريف من بُت صفاتو أف يصل إُف قلب السامع فيفهمو دكف اغباجة إُف‬
‫كسائط أخرل تقرب إليو الغرض اؼبستفاد‪ ،‬كال يصاغ اؼبعٌت الشريف إال بتعاضد ثقافة الشاعر كدربتو على‬
‫الكبلـ البليغ كمعرفتو بأساليب العرب‪ ،‬مع ذكقو كقدرتو على االبتكار‪ ،‬أك براعتو يف ؿباكاة النصوص‬
‫السابقة كالنسج على منواؽبا‪" ،‬كمن أكرب أسباب شرؼ اؼبعٌت أف يكوف مبتكرا غَت مسبوؽ‪ ،‬مث أف يكوف‬
‫بعضو مبتكرا كبعضو مسبوقا‪ ،‬كدبقدار زيادة االبتكار فيو على اؼبسبوقية يدنو من الشرؼ(‪.)4‬‬
‫كاؼبعٌت الشريف ال يتعلق بالفضيلة كاؼبعاين اغبميدة‪ ،‬إذ إنو لو كاف كذلك لسقط كثَت من شعر‬
‫اؽبجاء كالغزؿ كاػبمريات‪.‬‬

‫كأما صحة اؼبعٌت فهي أف "ال يكوف يف اؼبعٌت اضطراب أك سوء ترتيب أك انتقاض بعضو ببعض‪،‬‬
‫فيصَت اإلنشاء أك الًتسل أجوؼ(‪.)5‬‬
‫‪-‬عيار اللفظ الطبع كالركاية كاالستعماؿ‪ ،‬فما سلم فبا يهجنو عند العرض عليها فهو اؼبختار‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫(‪-)2‬أضبد أضبد بدكم‪ .‬أسس النقد األديب عند العرب‪ ،‬ص ‪.534‬‬
‫(‪-)3‬ؿبمد الطاىر بن عاشور‪ .‬شرح اؼبقدمة األدبية لشرح اؼبرزكقي على ديواف اغبماسة أليب سباـ‪ ،‬تح‪ :‬ياسر بن حامد اؼبطَتم‪ ،‬مكتبة دار‬
‫اؼبنهاج للنشر كالتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1431 ،1‬ق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫(‪-)4‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪ -)5‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪80‬‬
‫اؼبستقيم‪.‬‬

‫تستكرـ بانفرادىا‪ ،‬فإذا ضامها ماال يوافقها عادت اعبملة‬


‫كىذا يف مفرداتو كصبلو يمراعى‪ ،‬ألف اللفظة ٍ‬
‫ىجينا"(‪ ،)1‬حىت ترجح كفة اللفظ كبو القبوؿ فبلبد أف يعرض ىذا اللفظ على عادات العرب يف‬
‫االستعماؿ‪ ،‬فيلقى القبوؿ يف انفراده‪ ،‬كيف اجتماعو مع غَته من األلفاظ‪ ،‬كذلك ألف اللفظة ال تعاب‬
‫فيذىب حبسنها‪ ،‬كيطمس على صباؽبا‪ ،‬كألفاظ اللغة‬
‫ى‬ ‫دبفردىا‪ ،‬إمبا يفسدىا أف ييضم إليها ماال يوافقها‬
‫البد أف تعرض على الذكؽ اؼبرىف الذم ىذبتو الركاية‪ ،‬كصقلتو الثقافة‪ ،‬فعرؼ السلس كالثقيل‪،‬‬
‫كاؼبألوؼ كاؼبهجور‪ ،‬كالدقيق يف أداء اؼبعٌت‪ ،‬كالبعيد الذم َف يوفق الشاعر يف اختياره‪ ،‬ليؤدم اؼبعٌت‬
‫الذم أراد»(‪.)2‬‬
‫كح ٍسن التمييز‪ ،‬فما كجداه صادقنا يف العلوؽ فبازجا يف اللصوؽ‪،‬‬
‫‪-‬عيار اإلصابة يف الوصف ا"لذكاء ي‬
‫يتعسر اػبركج عنو كالتربؤ منو‪ ،‬فذاؾ سيماء اإلصابة فيو"(‪.)3‬‬
‫يعتمد الشاعر كثَتا على الوصف‪ ،‬كىو بذلك يتحمل مسؤكلية نقل تفاصيل الصورة اليت ترتسم يف‬
‫ذىنو إُف اؼبتلقي بغرض إقناعو كالتأثَت فيو‪ ،‬كمن مث فإف صوغ ىذه الرسالة كإيصاؽبا إُف اؼبتلقي ال ييعد عمبلن‬
‫بسيطا‪ ،‬إذ إنو البد أف يبلغ منتهى اإلصابة‪ ،‬فبل ينعت كصفو باػبطأ‪ ،‬لذلك كاف على الشاعر أف يكوف‬
‫ذكيا حسن التمييز يصور ما أراد التعبَت عنو من اؼبعٌت تصويرا مطابقا ؼبا عليو الشيء اؼبوصوؼ يف اػبارج‬
‫كالواقع‪ ،‬من غَت انعكاس كال انتقاص"(‪.)4‬‬
‫‪-‬عيار اؼبقاربة يف التشبيو الفطنة كحسن التقدير‪ ،‬فأصدقو ماال ينتقض عند العكس‪ ،‬كأحسنو ما أكقع‬
‫بُت شيئُت اشًتا يكهما يف الصفات أكثر من انفرادنبا ليبُت كجو التشبيو ببل كلفة‪ ،‬إال اف يكوف اؼبطلوب من‬
‫التشبيو أشهر صفات اؼبشبو بو كأملكها لو‪ ،‬ألنو حينئذ يدؿ على نفسو كوبميو من الغموض كااللتباس"(‪.)5‬‬
‫لرسم الصور‬
‫كاف التشبيو أداة ببلغية مهيمنة يف الشعر العريب القدًن ككاف الوسيلة األكثر استعماال ٍ‬

‫(‪-)1‬اؼبرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫(‪-)2‬أضبد أضبد بدكم‪ .‬أسس النقد األديب‪ ،‬ـ س ‪ ،‬ص ‪.534‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫(‪-)4‬ؿبمد الطاىر بن عاشور‪ .‬شرح اؼبقدمة األدبية‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫(‪-)5‬اؼبرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ص ‪.09‬‬

‫‪81‬‬
‫إفهامو‬
‫الشعرية كذبسيد اللوحات اؼبرتسمة يف خياؿ الشاعر الذم طيلب منو إُف جانب التأثَت يف اؼبتلقي ي‬
‫كذلك دكف أم تعقيدات معنوية‪ ،‬كال سبيل إُف ذلك إال باؼبقاربة بُت حدكد التشبيو‪ ،‬أم إنو كلما كاف‬
‫اؼبشبو كاؼبشبو بو قريبُت مشًتكُت يف الصفات كاف التشبيو قريبا ككانت الصورة أكضح‪ ،‬ككاف كبلـ الشاعر‬
‫أبُت‪ ،‬فأف يقوؿ الشاعر إف خد اغببيبة كرد‪ ،‬فهذا تشبيو قريب الشًتاؾ اػبد كالورد يف النيضرة كاغبمرة‬
‫كاعبماؿ‪ ،‬كألجل أف وبقق التشبيو غايتو البد أف يعرض على الفطنة كحسن التقدير ليكوف صادقا غَت قابل‬
‫كمبيننا‪ ،‬يستخرج اؼبتلقي كجو اؼبشبو منو دكف أم ؾبهود‪.‬‬
‫مفهوما ي‬
‫ن‬ ‫للنقض‪ ،‬قريبا‬

‫الطبع كاللسا يف‪ ،‬فما َف يتعثر الطبع‬


‫زبَت من لذيذ الوزف ي‬
‫‪"-‬كعيار التحاـ أجزاء النظم كالتئامو على ٌ‬
‫بأبنيتو كعقوده‪ ،‬كماَف يتحبس اللساف يف فصولو ككصولو‪ ،‬بل استمرا فيو كاستسهبله‪ ،‬ببل مبلؿ كال كبلؿ‪،‬‬
‫فذلك يوشك أف يكوف القصيدة منو كالبيت‪ ،‬كالبيت كالكلمة تساؼبػنا ألجزائو كتقارنا كأال يكوف كما قيل‬
‫فيو‪:‬‬
‫(‪.)1‬‬ ‫لسا ُن دعي في القريي دخيل‬
‫َ‬ ‫فرق بينوُ‬
‫وشعر كبَ ْعر الكبش ّ‬
‫الشعر الذم يتقبلو اؼبتلقي العريب‪ ،‬البد أف تكوف القصيدة منو بعد نظمها يغبٍمة كاحدة مثل‪ :‬قطعة‬
‫الثٌوب ال ثقوب تتخللها كتفسد منظرىا‪ ،‬أما االلتئاـ فمعناه أف تكوف "كلمات النظم متناسبة‪ ،‬حبيث ال‬
‫يكوف يف النطق ّٔا بعد اجتماعها ما يىث يقل على اللساف‪ ،‬فإف الكلمة قد تكوف يف ذاهتا غَت ثقيلة‪ ،‬فإذا‬
‫تتبلءما‪ ،‬كثقلتا على اللساف ثًقبل ال يتمكن اللّْساف من زبفيفو"(‪.)2‬‬
‫ضمت إُف غَتىا َف ى‬
‫يكوف على الشاعر أف ىبرج للمتلقُت قصيدة سهلة يف اإلنشاد‪ ،‬تتدفق سلسلة يف اللساف دكف أم‬
‫قيود أك معوقات تثقلها على اللساف‪ ،‬إهنا قصيدة توشك أف تكوف كالبيت‪ ،‬كيوشك البيت منها أف يكوف‬
‫السامع "حبسن ايقاعو‬
‫كالكلمة الواحدة لسبلمة أجزائها كتقارّٔا‪ ،‬ىذا مع زبَت الوزف اللذيذ الذم يطرب ٌ‬
‫كاعتداؿ نظمو‪ ،‬كما يطرب الفهم بصواب تركيبو‪ ،‬بل البأس من االلتجاء إُف الغناء الختيار الشعر‪ ،‬كمعرفة‬
‫مدل صباؿ إيقاعو"(‪.)3‬‬
‫‪-‬ك"عيار االستعارة الذىن كالفطنة كمبلؾ األمر تقريب التشبيو يف األصل حىت يتناسب اؼبشبو‬

‫(‪-)1‬اؼبرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫(‪-)2‬ؿبمد الطاىر بن عاشور‪ .‬شرح اؼبقدمة األدبية‪ ،‬ص ص ‪.113-122‬‬
‫(‪-)3‬أضبد أضبد بدكم‪ .‬أسس النقد‪ ،‬ص ص ‪.535 ،534‬‬

‫‪82‬‬
‫كاؼبشبو بو‪ ،‬مث يكتفى فيو باالسم اؼبستعار ألنو اؼبنقوؿ عما كاف لو يف الوضع إُف اؼبستعار لو" (‪ .)1‬ربياكم‬
‫االستعارة بالفطنة كتيعرض على الذىن شأهنا شاف التشبيو‪ ،‬كليس يطلب منها إال العمل على إيضاح‬
‫اؼبعٌت بأف يكوف اؼبشبو كاؼبشبو بو قريبُت متناسبُت‪ ،‬ألنو كلما كاف طرفا التشبيو بعيدين كلما ىع يسر‬
‫على اؼبتلقي فهم االستعارة كمن مث تفسد عليو متعة تلقي القصيدة‪.‬‬

‫‪ -‬عيار مشاكلة اللفظ اؼبعٌت كشدة اقتضائهما للقافية "طوؿ الدربة كدكاـ اؼبدارسة‪ ،‬فإذا حكما‬
‫نبو‪ ،‬كال زيادة فيها كال قصور‪ ،‬ككاف اللفظ‬
‫حبسن التباس بعضهما ببعض‪ ،‬ال جفاء يف خبلؽبا كال ٌ‬
‫لؤلخس‪ ،‬فهو الربمء من العيب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫األخس‬
‫لؤلخص‪ ،‬ك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫مقسوما على رتب اؼبعاين‪ :‬قد جعل األخص‬
‫كأما القافية فيجب أف تكوف كاؼبوعود بو اؼبنتظر‪ ،‬يتشوفها اؼبعٌت حبقو كاللفظ بقسطو‪ ،‬كإال كانت قلقة‬
‫يف مقرىا‪ ،‬ؾبتلبو ؼبستغن عنها"(‪.)2‬‬
‫يتحدث اؼبرزكقي ىنا عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت‪ ،‬إذ هبب أف تكوف عبلقة مناسبة‪ ،‬كىذا يعٍت أف يعرب‬
‫عن اؼبعٌت باللفظ الذم يناسبو‪ ،‬فإذا قاؿ الشاعر يف معٌت الرثاء كالغزؿ كاؼبديح اختار من األلفاظ ما يناسب‬
‫ىذه اؼبعاين الراقية كىي اليت يسميها اؼبرزكقي (اؼبعٌت الشريف)‪ ،‬أما إذا قاؿ الشاعر يف اؽبجاء مثبل فقد‬
‫السب كالقذؼ‪.‬‬
‫كجب أف يكوف اللفظ مشأّا كفباثبل ؼبعاين اؽبجاء ك ٌ‬
‫الكماؿ‪ ،‬كوبدث‬
‫ى‬ ‫القوؿ‬
‫أما القافية فيجب أف تكوف يمٍنتىظىرنة‪ ،‬كاؼبوعود بو‪ ،‬ليتم ّٔا اؼبعٌت كيستويف ّٔا ي‬
‫ّٔا االمتاع اؼبتأيت من الطرب‪ ،‬فإذا مث ىذا ناؿ الشاعر بغيتو كحقق غرضو‪.‬‬

‫يقوؿ اؼبرزكقي‪" :‬فهذه اػبصاؿ عمود الشعر عند العرب‪ ،‬فمن لزمها حب ٌقها كبٌت شعره عليها‪ ،‬فهو‬
‫احملسن اؼبق ٌد يـ‪ .‬كمن َف هبمعها كلها فبقدر يسهمتو منها يكوف نصيبو من التقدـ‬
‫عندىم اؼبفلق اؼبعظم‪ ،‬ك ي‬
‫كاإلحساف‪ ،‬كىذا إصباع مأخوذ بو كمتبع هنجو حىت اآلف"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫نستطيع القوؿ إف عمود الشعر العريب –حبسب اؼبرزكقي‪ -‬يستند على ثبلث ركائز ىي ما يعود إُف‬
‫اللفظ كما يعود إُف األسلوب كما يعود إُف اػبياؿ" فالذم يتطلبو عمود الشعر يف اؼبعٌت أف يكوف شريفا‬

‫(‪-)1‬اؼبرزكقي‪.‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬ص ص ‪.11 ،10‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪83‬‬
‫صحيحا مصيبنا‪ ،‬كيف اللفظ أف يكوف جزال مشاكبلن للمعٌت اؼبراد؛ كيف األسلوب أف يكوف متبلئما موحد‬
‫ن‬
‫النسج متخَت الوزف‪ ،‬يتطلب لفظو كمعناه القافية‪ ،‬يتم ّٔا أداء اؼبعٌت‪ ،‬كيف اػبياؿ قرب التشبيو‪ ،‬كمناسبة‬
‫اؼبستعار منو للمستعار لو" (‪.)1‬‬
‫كيرل إحساف عباس أف القراء العرب أساؤكا فهم ىذه النظرية (نظرية عمود الشعر)؛ فقد ألصقوا ّٔا‬
‫هتمة ذبميد اغبركة الفنية العربية‪ ،‬ككضع الشعر يف قالب جاىز غَت قابل للكسر أك التجاكز على الرغم من‬
‫أف اؼبرزكقي يف ذاتو َف يقل قوال حاظبا بوجوب اجتماع ىذه العناصر كلها يف الشعر‪ ،‬بل إنو بُت أف تقدـ‬
‫الشاعر كإحسانو يتناسب مع مقدرتو على االلتزاـ ّٔذه العناصر (كىذا أمر عسَت)؛ لذلك يصعب أف نعثر‬
‫على الشاعر (اؼبقدـ احملسن) تبعا لنظرية العمود‪.‬‬

‫كعلى ىذا األساس نستطيع القوؿ‪" :‬إف نظرية (عمود الشعر) رحبة األكناؼ كاسعة اعبنبات‪ ،‬كإنو‬
‫ال ىبرج منها شاعر عريب أبدا‪ ،‬كإمبا زبرج قصيدة لشاعر أك أبيات يف كل قصيدة"(‪.)2‬‬
‫كلذلك ليس علينا أف كباكم ىذه النظرية خارج زماهنا كمتطلبات ثقافتها كمنطلقاهتا النقدية‪ ،‬إذ إف‬
‫رفضها يعٍت ثورة كرفضا للشعر القدًن بأكملو‪.‬‬

‫(‪-)1‬أضبد أضبد بدكم‪ ،‬أسس النقد‪ ،‬ص ‪.535‬‬


‫(‪ -)2‬إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.416‬‬

‫‪84‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬
‫قضية اللفظ والمعنى عند (ابن قتيبة) و(ابن طباطبا) و(قدامة بن جعفر)‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫كاف لقضية (اللفظ كاؼبعٌت) اؼبكانة اؼبهمة يف البحث النقدم كالببلغي العربيُت‪ ،‬بل إننا ال قبانب‬
‫الصواب إذا قلنا إهنا قضية النقد كالببلغة كالفلسفة كالنحو؛ إهنا إصباال قضية الًتاث‪ .‬كلقد أكد كثَت من‬
‫النقاد اؼبعاصرين على أنبية ىذه القضية النقدية كعلى أهنا َف تكن حبثا طارئا‪ ،‬أك فرعا عن أصل‪ ،‬بل إهنا‬
‫كانت أـ القضايا؛ يقوؿ طارؽ النعماف‪« :‬يبثل زكج (اللفظ‪ /‬اؼبعٌت) زكجا إشكاليا يف الًتاث على كبو عاـ‪.‬‬
‫كاللغوم كالببلغي كالنقدم‪ ،‬على كجو اػبصوص‪ .‬كيرجع ىذا الطابع اؼبشكل إُف ؾبموعة من األسباب‬
‫كالعوامل اؼبقًتنة بكيفية استخداـ طريف ىا الزكج كتعدد آّاالت اؼبعرفية اليت استخدـ فيها (‪.)1‬‬

‫كيقوؿ عبد العزيز عتيق‪(« :‬قضية اللفظ كاؼبعٌت) من قضايا النقد األديب اليت كانت كمازالت موضع‬
‫اىتماـ النٌقاد قديبا كحديثا‪ ،‬على أساس أهنا من عناصر العمل األديب‪ ،‬كمن اػبصائص اليت تؤخذ يف‬
‫االعتبار عند تقديره كاغبكم عليو» (‪.)2‬‬

‫كيرل ؿبمد عابد اعبابرم أف‪« :‬اؼبشكلة االيبستيمولوجية الرئيسية يف النظاـ اؼبعريف البياين‪ ،‬أك على‬
‫األقل بلورتو كبقيت تغ ٌذيو منذ عصر التدكين إُف اليوـ‪ ،‬ىي مشكلة الزكج‪ :‬اللفظ‪/‬اؼبعٌت) (‪.)3‬‬

‫كيؤكد ؾبدم أضبد توفيق على أف ىذه القضية قد لقيت اىتماما شديدا من القدماء كاحملدثُت "حىت‬
‫يبدك أهنا القضية الكربل يف اػبطاب القدًن» (‪.)4‬‬

‫معنى القضية‪:‬‬

‫‪-‬القضية لغة‪ :‬جاء يف لساف العرب البن منظور‪« :‬القضاء‪ :‬اغبكم (‪ )...‬كاعبمع األقضية كالقضية‬

‫(‪ _ )1‬طارؽ النعماف‪ ،‬اللفظ كاؼبعٌت بُت األيديولوجيا كالتأسيس اؼبعريف للعلم‪ ،‬مكتبة األقبلو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،2003 ،‬ص ‪.07‬‬
‫(‪ _ )2‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬تاريخ النٌقد األديب عند العرب‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة كالنشر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2‬ف ‪ ،1972‬ص ‪.327-326‬‬
‫(‪ _ )3‬ؿبمد عابد اعبابرم‪ ،‬بنية العقل العريب (دراسة ربليلية نقدية لنظم اؼبعرفة يف الثقافة العربية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪ ،2009‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ _ )4‬ؾبدم أضبد توفيق‪ ،‬مفهوـ اإلبداع الفٍت يف النٌقد العريب القدًن‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬دط‪ ،1993 ،‬ص ‪.301‬‬

‫‪85‬‬
‫مثلو‪ ،‬كاعبمع القضايا (‪ )...‬كالقضايا‪ :‬األحكاـ‪ ،‬كاحدهتا قضية (‪ )...‬يقاؿ‪ :‬قضى يقضي قضاء فهو قاض‬
‫إذا حكم كفصل» (‪.)1‬‬

‫القضية حبسب تعريف ابن منظور حكم كىي كذلك نزاع كاشتباؾ كفصاؿ يستدعي النطق باغبكم‬
‫للفصل بُت اؼبتنازعُت‪.‬‬

‫القضية اصطالحا‪« :‬عرض كتقرير ؼبوضوع اعبداؿ» (‪.)2‬‬

‫كجاء يف الكليات‪ :‬قاؿ أئمة الشرع‪ :‬القضاءي قطع اػبصومة أك قوؿ ملزـ صدر عن كالية (‪.)3‬‬

‫نستنتج أف القضية ىي موضوع جداؿ كنزاع بُت طرفُت أك ؾبموعة من األطراؼ يستوجب حكما‬
‫فصبل من طرؼ ىيئة عليا تتمثل يف سلطة القضاء‪.‬‬

‫كعلى احملور ذاتو دارت ثنائيات أخرل عرفت بالقضايا (قضايا النقد األديب القدًن) كىي عادة‬
‫ثنائيات تتسم باالصطراع كاؼبغالبة مثل (القدًن‪ ،‬اعبديد) (اؼبعٌت‪ ،‬الصنعة)‪( ،‬اؼبنظوـ‪ ،‬اؼبنثور) اٍف‬

‫‪-‬المعنى لغة ‪ :‬قاؿ ابن منظور‪« :‬كمعٌت كل شيء ؿبنتو كحالو اليت يصَت إليها أمره (‪ )...‬كعنيت‬
‫ت ذلك يف معٌت كبلمو‬
‫أردت‪ ،‬كمعٌت كبلـ كمعناتيو كمعنيٌتوي‪ :‬مقصده‪ ،‬كاالسم العناءي‪ .‬يقاؿ عرفٍ ي‬
‫بالقوؿ كذا‪ :‬ي‬
‫كمعناة كبلمو كيف معٌت كبلمو» (‪.)4‬‬

‫المعنى اصطالحا‪:‬‬

‫يذىب إدريس الناقورم إُف أ ٌف الداللة االصطبلحية للػمعٌت تكاد تنحصر يف قصد الشيء كظهوره أك‬
‫بركزه‪ ،‬كمدلوؿ ىذا االصطبلح يف النقد العريب القدًن كاغبديث كاحد إذ ىو "اؼبضموف كالقصد كما وبتويو‬
‫اللفظ أك التعبَت عن أفكار كمشاعر‪ .‬كىكذا عندما يطلق النقاد كلمة اؼبعٌت فإمبا يريدكف ّٔا يف الغالب‬
‫الغرض أك اؼبقصد أم ما يريد اؼبتكلم أف يثبتو أك ينفيو من كبلمو‪ .‬كاؼبعٌت ّٔذا االستخداـ يرادؼ عندىم‬

‫(‪ _ )1‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (قضى)‪.‬‬


‫(‪ _ )2‬إبراىيم فتحي‪ ،‬معجم اؼبصطلحات األدبية‪ ،‬اؼبؤسسة العربية للناشرين اؼبتحدين‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪ ،1986 ،1‬ص ‪.278‬‬
‫(‪ _ )3‬أبو البقاء الكفوم‪ ،‬الكليات‪ ،‬تح‪ :‬عدناف دركيش‪ ،‬كؿبمد اؼبصرم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬دط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.705‬‬
‫(‪ _ )4‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (عنا)‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫آّردة اليت يتفنن اؼبنشئ يف صياغتها‪ .‬مث يستخلصها اؼبتلقي من ؾبموع ما قالو اؼبنشئ" (‪.)1‬‬
‫الفكرة العامة ٌ‬
‫كىذا التعريف يتقارب إُف ح ٌد بعيد مع التعريف الوارد يف اؼبعجم اؼبفصل يف اللغة كاألدب حيث نقرأ‪:‬‬

‫حقيقي يكوف يف اؼبعٌت األصلي‬


‫ّّ‬ ‫الرمز‪ ،‬أك اإلشارة‪ ،‬أك الشيء كىو نوعاف‪:‬‬
‫"ما ي ٌدؿ عليو القوؿ‪ ،‬أك ٌ‬
‫كؾبازم يكوف فيما يلحق اؼبعٌت األصلي" (‪.)2‬‬
‫ّّ‬ ‫للكلمة‪،‬‬

‫اؼبعٌت إذف (فكرة) ك(داللة) مكتنزة يف (اللفظ) ك (التعبَت) كىي مقصد الكاتب أك الشاعر‪ ،‬كمراده‬
‫من الكبلـ‪ ،‬كقد يكوف ىذا اؼبعٌت كاضحا مباشرا تدؿ عليو الداللة اؼبرجعية (اؼبعجمية) للكلمة أك غَت‬
‫مباشر يستخلصو اؼبتلقي من ؾبموع الًتميزات كاإلشارات الواردة يف نص األديب‪.‬‬

‫كوباكؿ ؾبدم كىبة ككامل اؼبهندس إعطاء تعريف أكثر دقة للمعٌت ينطبق على الشعر كالنثر‪ ،‬كىو‬
‫اؼبستمد من قراءة النٌص األديب قبل أف يرتبط ىذا اؼبعٌت بأم كظيفة ؽبذا النص‪:‬‬
‫اؼبعٌت ٌ‬
‫"كىناؾ أبسط تعريف للمدلوؿ أك اؼبعٌت‪ ،‬ينطبق على الشعر كغَت الشعر‪ ،‬كىو إيباء الرموز اللفظية‬
‫كعبلقتها النحوية إُف أشياء موجودة يف العاَف اػبارجي أك إُف أفكار ككجدانات مشًتكة بُت الناس صبيعا"(‪.)3‬‬

‫اللفظ‪:‬‬

‫اللفظ في اللغة‪ :‬قاؿ ابن منظور‪" :‬اللفظ أف ترمي بشيء كاف يف فيك (فمك) كالفعل لفظ الشيء‬
‫يقاؿ‪ :‬لفظت الشيء من فمي ألفظو لفظا رميتو" (‪.)4‬‬

‫كىو دبعٌت الكبلـ‪" :‬لفظ بالشيء يلفظ لفظا تكلٌم (‪ )...‬كلفظت بالكبلـ تلفظت بو‪ ،‬أم تكلٌمت‬
‫مصدر" (‪.)5‬‬ ‫ً‬
‫األلفاظ‪ ،‬كىو يف األصل‬ ‫احد‬
‫بو‪ .‬كاللفظ‪ :‬ك ي‬
‫ه‬
‫اللفظ في االصطالح ‪ :‬ىو يف اصطبلح النحاة "ما من شأنو أف يصدر من الفم من اغبرؼ‪،‬‬
‫كاحدا‪ ،‬أك أكثر‪ ،‬أك هبرم عليو أحكامو كالعطف كاإلبداؿ (‪ )...‬كاللفظ على مصطلح أرباب اؼبعاين‪:‬‬

‫(‪ _ )1‬إدريس الناقورم‪ ،‬اؼبصطلح النقدم يف نقد الشعر‪ ،‬دار النشر اؼبغربية‪ ،‬الدار البيضاء (اؼبغرب)‪ ،‬دط‪ ،1982 ،‬ص ‪.253‬‬
‫(‪ _ )2‬إيبيل بديع يعقوب كميشاؿ عاصي‪ ،‬اؼبعجم اؼبفصل يف اللغة كاألدب‪ ،‬ج ‪ ،1‬دار العلم للمبليُت‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،1987 ،1‬ص‪.1172‬‬
‫(‪ _ )3‬ؾبدم كىبة ككامل اؼبهندس‪ ،‬معجم اؼبصطلحات العربية يف اللغة كاألدب‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1984 ،2‬ص ‪.374‬‬
‫(‪ _ )4‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (لفظ)‬
‫(‪ _ )5‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬اؼبادة نفسها‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫عبارة عن صورة اؼبعٌت األكُف ال ٌداؿ على اؼبعٌت الثاين" (‪ .)1‬أم إف اللفظ ليس ما نطق بو لكنو معناه الذم‬
‫دؿ بو على اؼبعٌت الثاين‪.‬‬
‫ٌ‬
‫نستنتج أف اللفظ ىو كل ما يصدر من فم اإلنساف سواء أحرفا كاف أـ أكثر ذبرم عليو قواعد النٌحو‬
‫كيكوف مفردا‪ ،‬كيكوف أكثر من ذلك فيتألف من األلفاظ نصوص‪ ،‬يكوف ؽبذه األلفاظ معاف مباشرة‪ ،‬أك‬
‫معاف غَت مباشرة‪ ،‬يصل إليها القارئ بالتفسَت كالتأكيل إلدراؾ اؼبعٌت اؼبتضمن‪.‬‬

‫نشتة القضية‪:‬‬

‫نستطيع القوؿ إف أقدـ ما كصلنا من حديث صريح عن اللفظ كاؼبعٌت كالعبلقة بينهما كاف صحيفة‬
‫بشر بن اؼبعتمر اليت جاء فيها "خذ من نفسك ساعة نشاطك كفراغ بالك كإجابتها إيٌاؾ‪ ،‬فإف قليل تلك‬
‫أحسن يف األظباع كأحلى يف الصدكر‪ ،‬كأسلم من فاحش اػبطاء‪،‬‬
‫الساعة أكرـ جوىرا‪ ،‬كأشرفا حسبا‪ ،‬ك ي‬
‫ٌ‬
‫كغره (‪ )2‬من لفظ شريف معٌت بديع (‪ )...‬كإياؾ كالتوعر‪ ،‬فإف التوعر يسلمك إُف‬ ‫ب لكل عُت ٌ‬ ‫كأجلى ى‬
‫حق اؼبعٌت الشريف اللفظ‬
‫التعقيد‪ ،‬كيشُت ألفاظك‪ .‬كمن أراغ معٌت كريبا فليلتمس لو لفظا كريبا‪ ،‬فٌإف ٌ‬
‫الشريف" (‪.)3‬‬

‫كيرل بدكم طبانة أف بشر بن اؼبعتمر َف يتخذ يف نصو ىذا موقفا متحيزا ألحد طريف الثنائية‪ ،‬كَف‬
‫يعل من شأف أحدنبا على حساب اآلخر‪ ،‬لكنو نظر نظرة متوازنة إُف الكتابة األدبية –بصفة عامة‪ -‬فجعل‬
‫أساسها ىذين الركنُت (اللفظ كاؼبعٌت) دكف اإلخبلؿ بقيمة أحدنبا أك الغض منو «كتلك ىي النظرة األ ٍىكُف‪،‬‬
‫كىي يف الوقت نفسو النظرة اؼبثلى إُف الفن األديب‪ ،‬كما ينبغي أف يتوافر يف ركنيو من اعبودة‪ ،‬ككجوب‬
‫رعايتها‪ ،‬كاالىتماـ بكل منهما» (‪.)4‬‬

‫لقد أكرد اعباحظ صحيفة بشر بن اؼبعتمر يف كتاب البياف كالتبيُت‪ ،‬كأبدل عناية كبَتة بقضية اللفظ‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬كلقد رأينا يف درس (مفهوـ الشعر) أنو أبدل اىتماما كبَتا باأللفاظ ذاىبا إُف أف الصنعة األدبية‬
‫عمادىا (الشكل) أك اللفظ كأف اؼبعاين مطركحة يف الطريق يعرفها العريب كالعجمي‪...‬اٍف كألف اعباحظ كاف‬

‫(‪ _ )1‬الكفوم‪ ،‬الكليات‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.795‬‬


‫(‪)2‬‬
‫غره كل شيء ٌأكلو‪ ،‬الغرة كل شيء‪ :‬أكرمو‪.‬‬ ‫_ ٌ‬
‫(‪ _ )3‬اعباحظ‪ ،‬البياف كالتبيُت‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1998 ،7‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ _ )4‬بدكم طبانة‪ ،‬البياف العريب‪ ،‬دار اؼبنارة للنشر كالتوزيع‪ ،‬ج ٌدة‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،7‬ص ‪.72‬‬

‫‪88‬‬
‫مهتما بدرس الفصاحة فإنو كاف بديهيا أف يوِف عناية للفظ يف ذاتو فيتكلم عن تنافر اغبركؼ كعيوب‬
‫النطق كمبلئمة األلفاظ كسباثلها‪ ،‬غَت أف أضبد مطلوب يعًتض على الذين ظنوا أف اعباحظ يبيل إُف اللفظ‬
‫كل اإلنباؿ كاغبق أنو عيٍت‬
‫كل اؼبيل كأنٌو يهمل اؼبعٌت ٌ‬
‫كظن بعض الباحثُت أنٌو يبيل إُف اللٌفظ ٌ‬
‫دكف اؼبعٌت " ٌ‬
‫باؼبعٌت كما عيٍت باللفظ" (‪.)1‬‬

‫كال يكاد ىبلو مؤلف يف النٌقد كالببلغة من باب ـبصص للفظ كاؼبعٌت مهما كاف انتماء صاحبو‬
‫كتوجهو‪ .‬كستعرؼ ىذه القضية طرحا كافيا كأكثر كعيا كإحاطة مع عبد القاىر اعبرجاين( ‪ 471‬ىػ) كنظريتو‬
‫يف النظم‪.‬‬

‫آراء ابن قتيبة ( ‪270‬ى ) في اللفظ والمعنى‪:‬‬

‫قاؿ ابن قتيبة إنو تدبر الشعر فوجده أربعة أضرب(‪:)2‬‬

‫‪-1‬ضرب منو حسن لفظو كجاء معناه‪.‬‬

‫‪-2‬ضرب منو حسن لفظو كحبل‪ ،‬كمعناه دكف فائدة‪.‬‬

‫‪-3‬ضرب منو جاد معناه كقصرت ألفاظو‬

‫‪-4‬ضرب منو تأخر معناه كتأخر لفظو‪.‬‬

‫ك ٌأكؿ ما نبلحظو على ىذا التقسيم أف ابن قتيبة َف يق ٌدـ طرفا من طريف الثنائية (لفظ‪ ،‬معٌت) على‬
‫سول بينهما‪ ،‬كقسم ؽبما من‬
‫اآلخر‪ ،‬كَف هبعل ألحدنبا الفضل يف صناعة فنية النص الشعرم‪ ،‬بل إنو ٌ‬
‫الرداءة قسمة متساكية‪ ،‬كليس مستغربا من ابن قتيبة أف ينحو ىذا اؼبنحى الوسط اؼبعتدؿ‪،‬‬
‫صفات اعبودة ك ٌ‬
‫كالخص بو قوما دكف‬
‫ٌ‬ ‫خاصة إذا ظبعناه يقوؿ‪" :‬كَف يقصر اهلل العلم كالشعر كالببلغة على زمن دكف زمن‪،‬‬
‫قوـ‪ ،‬بل جعل ذلك مشًتكا مقسوما بُت عباده يف كل دىر" (‪ )3‬كألف ابن قتيبة عاش يف عصر شاع فيو شعر‬
‫اؼبولدين الذين تذىب عنايتهم إُف ربسُت الصياغة كذبويد العبارة‪ ،‬فقد كاف من البديهي أف يسوم بُت‬
‫اللفظ كاؼبعٌت اتساقا مع قناعتو بأف جودة الشعر أمر كاقع يف كل العصور‪ ،‬كأف اعبيد كالردمء موجودات يف‬

‫(‪ _ )1‬أضبد مطلوب‪ ،‬عبد القادر اعبرجاين ببلغتو كنقده‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ ،1973 ،1‬ص ‪.92‬‬
‫(‪ _ )2‬يراجع‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اغبديث‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪ ،2006 ،‬ص ص ‪.65‬‬
‫(‪ _ )3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫‪89‬‬
‫كل زماف‪.‬‬

‫‪-‬اللفظ‪:‬‬

‫أ‪-‬اللفظ مفردا‪:‬‬

‫وبتفي ابن قتيبة باللفظ مفردا‪ ،‬كمدل تأثَته يف النص الشعرم حبسب جودتو أك رداءتو معتقدا أ ٌف‬
‫لفظا كاحدا رديئا قادر على اغبط من قيمة النص الشعرم كامبل‪ ،‬كمن مث قطع ال ٌدىشة اليت يعيشها اؼبتلقي‬
‫أثناء ظباعو أك قراءتو ؽبذا النص‪ ،‬كيضرب ابن قتيبة مثاال عن ىذا التأثَت للفظ اؼبفرد بقصيدة عبرير أنشدىا‬
‫يف حضرة أحد خلفاء بٍت أمية الذم ىزتو جودة الشعر فتحفز كزحف إُف أف قاؿ جرير‪:‬‬
‫بوزعُ‬ ‫يا‬ ‫بغيرنا‬ ‫ىلئل‬ ‫ىال‬ ‫وتقول بوزعُ قد دببل على العصا‬

‫ت شعرؾ ّٔذا االسم كفًت (‪.)1‬‬


‫فقاؿ اػبليفة‪ :‬أفس ٍد ي‬
‫إف فتور اػبليفة كىو الطرؼ األىم ىنا يف عملية التلقي‪ ،‬دليل قاطع على قدرة عنصر كاحد ردمء‬
‫رد‬
‫على إفساد الكل اعبيد‪ ،‬إف لفظة كاحدة قلبت رأم اؼبتلقي من االستحساف إُف االستهجاف ‪ ،‬كغَتت ٌ‬
‫فعلو من النشاط كاالكبفاز إُف الفتور‪ ،‬كي ٌدلل ابن قتيبة على ىذا اغبكم بقولو‪« :‬كقد يقدح يف اغبى ىسن قبح‬
‫الرجل فظاعة اظبو» (‪.)2‬‬
‫اظبو‪ ،‬كما ينفع القبيح حسن اظبو كيزيد يف مهانة ٌ‬
‫‪-‬مجموع ألفاظ مترابطة‪:‬‬

‫كىي ما يشكل صبلة أك ؾبموعة من اعبمل‪ ،‬فقد اىتم ّٔا حُت أكرد الضرب الذم حسن لفظو دكف‬
‫أف يستفاد منو معٌت مهم‪ ،‬كمثَّل لو باألبيات اؼبنسوبة ل يكثىَت عزة‪.‬‬
‫باألركان من ىو ماسل‬ ‫ومسل‬
‫ّ‬ ‫ولما قضينا من منًى كل حاجة‬
‫ّ‬
‫‪....‬اٍف‬
‫فقاؿ‪" :‬ىذه األلفاظ كما ترل‪ ،‬أحسن شيء ـبارج كمطالع كمقاطع"(‪.)3‬‬

‫(‪ _ )1‬يراجع‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الشعر كالشعراء‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫(‪ _ )2‬ابن قتيبة‪ ،‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪ _ )3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪90‬‬
‫المعنى لدى ابن قتيبة‪:‬‬

‫إذا تأملنا التعريفات اليت أجراىا ابن قتيبة على اؼبعٌت كاللفظ‪ ،‬مث قرأنا األمثلة اليت أكردىا لكل قسم‬
‫خرجنا بنتيجة مفادىا احتفاء ىذا الناقد باؼبعٌت الشعرم‪ .‬كقولنا اؼبعٌت الشعرم ىو ما يفسره كصف النقاد‬
‫العرب القدامى للشعر اعبيد بالرائق كالكثَت اؼباء‪ ،‬لذلك قبده يفرؽ يف معاين الشعراء أنفسهم ما كاف جيدا‬
‫لطيفا كما كاف عكس ذلك (معٌت دكف فائدة) مث إف الناقد يفرؽ بُت الشعر الذم ينظمو الشعراء كبُت‬
‫الشعر الذم ينظمو العلماء ألنو ليس فيو شيء "عن إظباح كسهولة" (‪.)1‬‬

‫كبالنسبة إُف معاين الشعراء‪ ،‬قبد ابن قتيبة يركز على اؼبعٌت الذم نسميو (كونيا) أك اؼبعٌت اإلنساين‬
‫العاـ‪.‬‬

‫لذلك يكوف على اؼبعٌت أف يكوف (شعريا) مؤثرا كمدىشا كباعثا على االكبفاز كاالستفزاز‪ .‬كلعل ىذا‬
‫ىو ما جعلو يفصل بُت مدلوؿ العبارة يف اللغة كمدلوؽبا يف الشعر ك "وبمل اؼبعٌت على غَت ما تقتضيو‬
‫ال ٌداللة الوضعية اؼبنطقية‪ ،‬كىو ّٔذا الصنيع يساىم يف تأسيس منطق للشعر يغاير اؼبنطق الصورم احملدد‬
‫لعبلقة الكلمات كاألشياء"(‪.)2‬‬

‫فقد قاؿ ابن قتيبة يف شأف امرئ القيس‪" :‬كيعاب من قولو‪:‬‬


‫مهما تتمري القلب يفعل‬ ‫وأنّ‬ ‫قاتلي‬ ‫أ ّن حب‬ ‫مني‬ ‫أغرك‬
‫ّ‬
‫أغرؾ مٍت أين يف يديك كيف‬
‫يغر؟ إمبا ىذا كأسَت قاؿ آلسره‪ٌ :‬‬
‫يغر فما الذم ٌ‬
‫كقالوا‪ :‬إذا كاف ىذا ال ٌ‬
‫إسارؾ كأنٌك ملكت سفك دمي !‬

‫قاؿ أبو ؿبمد‪ :‬كال أرل ىذا عيبا‪ ،‬كال اؼبثل اؼبضركب لو شكبل‪ ،‬ألنٌو َف يرد بقولو‪" :‬حبك قاتلي"‬
‫القتل بعينو كإمبا أراد بو‪ :‬أنٌو قد ٌبرح يب فكأنو قد قتلٍت كىذا كما يقوؿ القائل قتلتٍت اؼبرأة بد ٌؽبا كبعينها‪،‬‬
‫كقتلٍت فبلف بكبلمو" (‪.)3‬‬

‫كىنا نلحظ عدـ اعتداد ابن قتيبة بالداللة اؼبرجعية (اؼبعجمية) للكلمات‪ ،‬لكنو ‪...‬يذىب إُف فهم‬

‫(‪ _ )1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫(‪)2‬‬
‫صمود‪ ،‬التفكَت الببلغي عند العرب أسسو كتطوره إُف القرف السادس‪ ،‬دار الكتاب اعبديد‪ ،‬ط ‪ ،2010 ،3‬ص ‪.291‬‬
‫_ ضبادم ٌ‬
‫(‪ _ )3‬ابن قتيبة‪ .‬الشعر كالشعراء‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.135‬‬

‫‪91‬‬
‫اؼبعٌت يف مستول أعلى ىو ما يسميو عبد القادر اعبرجاين الحقا (معٌت اؼبعٌت) كىو اؼبعٍت اػبفي الذم ال‬
‫اػبفي الكامن من خلف الداللة اؼببدئية للفظ‪.‬‬
‫يتوصل إليو القارئ إُف بعد معاناة كتأكيل بغية اكتشاؼ اؼبعٌت ٌ‬
‫اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا العلوي (‪ 327‬ىػ)‬

‫يقوؿ ابن طباطبا إف القصيدة إذا اجتمع فيها اؼبعٌت اغبكيم كاللفظ األنيق‪ ،‬كانت قصيدة‬
‫كجعلت نثرا َف يؤثر ذلك يف جودة معانيها‬
‫ؿبكمة البناء متقنة قوية الركابط حىت إهنا إذا نيقضت ي‬
‫كجزالة ألفاظها "فمن األشعار أشعار ؿبكمة‪ ،‬متقنة‪ ،‬أنيقة األلفاظ‪ ،‬حكيمة اؼبعاين‪ ،‬عجيبة‬
‫كجعلت نثرا َف تبطل جودة معانيها‪ ،‬كمل تفقد جزالة ألفاظها"(‪.)1‬‬
‫التأليف‪ ،‬إذا نقضت ي‬
‫يلمح إُف عبلقة التناسب بُت جزالة اللفظ كجودة اؼبعٌت كسباسك بناء القصيدة‬
‫ككأف ابن طباطبا ٌ‬
‫كيف ىذا إشارة إُف كحدة القصيدة على أساس العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت‪.‬‬

‫كعن عبلقة اؼبعٌت باللفظ يقوؿ ابن طباطبا‪ " :‬كللمعاين ألفاظ تشاكلها (تشبهها) فتحسن‬
‫فيها كتقبح يف غَتىا‪ ،‬فهي ؽبا كاؼبعرض للجارية اغبسناء اليت تزداد حسنا يف بعض اؼبعارض دكف‬
‫بعض(‪.)2‬‬

‫كيقوؿ‪" :‬ككم من معرض حسن قد ابتذؿ على معٌت قبيح ألبسو (‪ )...‬ككم من حكمة غريبة‬
‫قد ازدريت لرثاثة كسوهتا‪ ،‬كلو يجلبت يف غَت لباسها ذاؾ لكثر اؼبشَتكف إليها"(‪.)3‬‬
‫ي‬
‫كيواصل ابن طباطبا حديثو عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت فيقوؿ‪" :‬كإذ قالت اغبكماء إف للكبلـ‬
‫الواحد جسدا كركحا‪ ،‬فجسده النطق كركحو معناه‪ ،‬فواجب على صانع الشعر أف يصنعو صنعة‬
‫متقنة‪ ،‬لطيفة مقبولة حسنة‪ ،‬ؾبتلبة حملبة السامع لو كالناظر بعقلو إليو‪ ،‬مستدعية لعشق اؼبتأمل يف‬
‫ؿباسنو‪ ،‬كاؼبتفرس يف بدائعو‪ ،‬فيحسو جسما كوبققو ركحا‪ ،‬أم يتقنو لفظا‪ ،‬كيبدعو معٌت"(‪.)4‬‬

‫(‪-)1‬ابن طباطبا العلوم‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عباس عبد الستار كنعيم زرزكر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2005 ،2‬ـ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‬
‫(‪ -)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.126‬‬

‫‪92‬‬
‫كنستطيع تلخيص العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت لدل ابن طباطبا يف كوف اؼبعٌت يس ٍلطة تستدعي ما‬
‫يباثلها كيشأّها ليكتمل ؽبا اؼبعرض اغبسن كاغبضور القوم‪ ،‬إف ىذا الشبيو كاؼبثاؿ ىو اللفظ الذم‬
‫لديو قوة التحسُت‪ ،‬كقوة التقبيح أيضا‪ ،‬فيكوف اؼبعٌت أقرب إُف (اعبارية اغبسناء) اليت يزداد حسنها‬
‫كضوحا يف الثياب اغبسنة‪ ،‬كقد ىبفى حسنها يف ثبات أخرل‪.‬‬

‫كما يشبو ابن طباطبا الصلة بُت اؼبعٌت كاللفظ بالصلة بُت الركح كاعبسد‪ ،‬فهما متبلزماف‬
‫اآلخر ضركرة‪.‬‬
‫اػبلل ى‬
‫كمًتابطاف إذا اختل أحدنبا‪ ،‬يلحق ي‬
‫كيأخذ النقاد العرب احملدثوف على القدماء تشبيهم للفظ بالثوب‪ ،‬يقوؿ مصطفى ناصف‪:‬‬
‫«مفهوـ الثوب أك الكساء كاضح يف عبارات اؼبتقدمُت من دارسي اللغة كاآلداب‪ ،‬ىم يقولوف إف‬
‫اللفظ اغبسن كالثوب اغبسن‪ ،‬كاللفظ القبيح كالثوب القبيح‪ ،‬كيقولوف إف األلفاظ كسوة اؼبعاين‪،‬‬
‫األلفاظ ربسن اؼبعاين كما وبسن الثوب البسو (‪ )...‬األلفاظ إذف قوالب تنسكب فيها اؼبعاين‪،‬‬
‫كالكلمات كفقا ؽبذا اؼبنطق اؼبعيب‪ ،‬موضوعةه إزاء أفكار‪ :‬ككبن نرتب األلفاظ يف النطق على حسب‬
‫ترتيب اؼبعاين يف النفس"(‪.)1‬‬

‫كيؤكد ؿبمد زكي العشماكم "أف ىذه اؼبسألة قد ترددت كثَتا لدل النقاد العرب‪ ،‬مسألة تشبيو‬
‫اللفظ اغبسن بالثوب اغبسن‪ ،‬كاللفظ القبيح بالثوب القبيح كأف األلفاظ تيكسب اؼبعٌت ركنقا كّٔجة‪،‬‬
‫كما يكسب الثوب اغبسن صاحبو حسنا كصباالن"(‪.)2‬‬

‫غَت أننا نستطيع أف نبلحظ أف ابن طباطبا َف ينسب إُف اللفظ مسؤكلية ربسُت اؼبعٌت كإكسابو‬
‫الركنق كالبهاء‪ ،‬لقد كاف نقادنا العرب القدامى دقيقُت يف اختيار العبارة كحذرين يف صياغتها حىت ال‬
‫ىبتل اؼبعٌت اؼبراد إيصالو إُف اؼبتلقي‪ ،‬نبلحظ أف ابن طباطبا قد قاؿ إف اللفظ دبثابة اؼبعرض الذم يزيد‬
‫اعبارية اغبسناء حسنا‪ .‬كىو يوضح فيقوؿ إنو كم من حكمة غريبة قد ازدريت (احتقرت) لرثاثة‬
‫كسوهتا‪ ،‬كبالنسبة إُف اللفظ اغبسن فإنو ىو اآلخر ينتقص من حقو إذا جعل للمعٌت القبيح‪.‬‬

‫(‪-)1‬مصطفى ناصف‪ ،‬نظرية اؼبعٌت يف الًتاث العريب‪ ،‬دار األندلس للطباعة كالتسيَت كالتوزيع‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪-)2‬ؿبمد زكي العشماكم‪ ،‬قضايا النقد األديب بُت القدًن كاغبديث‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪1979 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.273‬‬

‫‪93‬‬
‫نستطيع أف مبيز –إذف‪ -‬أف الفصل بُت اللفظ كاؼبعٌت مسألة غَت قائمة يف فكر ابن طباطبا‬
‫العلوم على الرغم من أف العملية الشعرية عنو ال تعدك أف تكوف صناعة عقلية خالصة‪ ،‬فاغبسن كالقبح‬
‫كبلنبا صفتاف أصيلتاف قد تكوناف يف اؼبعٌت كما قد تكوناف يف اللفظ‪ ،‬غَت أف ما يعٍت القوؿ‬
‫الشعرم كما ينسب إليو ىو اغبسن ال القبح‪ ،‬إف ما يبقى خالدا على مر الزماف تتداكلو األجياؿ‬
‫كيتناقلو القراء ىو النص اعبميل‪ ،‬كىذا النص اعبميل ىو الذم اجتمع فيو صباؿ اؼبعٌت (اعبارية اغبسناء)‬
‫كصباؿ اللفظ (اؼبعرض اغبسن) حىت يكوف اعبماؿ اؼبتولد من التقاء ىذين اعبميلُت (اللفظ كاؼبعٌت)‬
‫خالدا باقيا على مر الزمن‪ ،‬كأنو اعبوىرة اليت ال تزيدىا القدامة إال قيمة كأصالة‪.‬‬

‫أما تشبيو اؼبعٌت بالركح‪ ،‬كاللفظ باعبسد فإنو يلخص ىذه العملية اؼبعقدة للقوؿ الشعرم حىت أف‬
‫ابن طباطبا ينسب ىذا التشبيو إُف اغبكماء‪ ،‬كىو الذم حاكؿ يف بدء كتابو تبسيط كتقنُت نظم الشعر‬
‫إذ جعلو صناعة مث إرادة‪ ،‬مث بناء كاختيارا فقاؿ‪" :‬إذا أراد الشاعر بناء قصيدة ـبض اؼبعٌت الذم يريد‬
‫بناء الشعر عليو يف فكره نثرا‪ ،‬كأعد لو ما يلبسو إيٌاه من األلفاظ اليت تطابقو‪ ....‬اٍف(‪.)1‬‬

‫كعلى الرغم من ىذه العمليات اليت تبدك عقلية خالصة تتمتع دبساحة شاسعة من االختيار‬
‫كاالستبداؿ فإف عبلقة اللفظ باؼبعٌت أعقد فبا قد تبدك عليو‪ ،‬إذ ىي كعبلقة الركح باعبسد حيث‬
‫تتعطل اؼبقاييس كتعجز األحكاـ‪ ،‬إذ كيف يكوف اغبسن يف أحدنبا كما ىو أثره يف اآلخر؟ ككيف‬
‫ينظر الناظر فَتل اغبسن الذم ال يراه ناظر أخر؟كىل زبتل الركح كيصيبها العطب إذا غبق باعبسد‬
‫عطب ما‪ ،‬كىل يفٌت اللفظ كما يفٌت اعبسد؟‬

‫يؤكد أضبد أضبد بدكم أف النقاد العرب احملدثُت قد سيطر عليهم كىم ظنوه حقيقة‪ ،‬ىو أف‬
‫النقاد العرب القدامى قد انقسموا إُف ؾبموعتُت‪ ،‬ؾبموعة تناصر اللفظ كأخرل تنتصر اؼبعٌت‪ " :‬يىبيل‬
‫إِف أف كنبا كبَتا ملك على الباحثُت قلؤّم‪ ،‬كتوارثوه فيما بينهم جيبل بعد جيل حىت أصبح ىذا‬
‫الوىم كأنو حقيقة مقررة‪ ،‬يقرركهنا كيتناقلوهنا‪ .‬ىذا الوىم الكبَت ىو تقسيمهم نقاد العرب قسمُت‪:‬‬
‫لفظيُت أك أنصار اللفظ‪ ،‬هبعلونو كحده ىدؼ البليغ‪ ،‬كيدعوف البلغاء إُف العناية بو كحده‪ ،‬كيضعوف‬

‫(‪-)1‬ابن طباطبا العلوم عيار الشعر ‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪94‬‬
‫اعباحظ على رأس ىذا الفريق‪ .‬كمعنويُت أك أنصار اؼبعٌت‪ ،‬هبعلوف لو اؼبكانة األكُف يف النص األديب‪،‬‬
‫كيأخذكف البلغاء بالغوص عليو‪ ،‬كتتبعو‪ ،‬كالبحث عنو‪ ،‬كيضعوف على رأس ىذا الفريق عبد القاىر‬
‫اعبرجاين"(‪.)1‬‬

‫نعتقد أف ما يرمي إليو ابن طباطبا ىو عدـ ظباح الشاعر حبصوؿ (االنتهاؾ) من أحد الطرفُت‬
‫الذم قد يتسم بالقبح‪ ،‬ألف ىذا االنتهاؾ سيخدش حسن الطرؼ اآلخر‪ ،‬كمن مث فإف اػبلل سيبدك‬
‫كاضحا على النص الشعرم كىذا ما ييعطل حدكث الوظيفة الببلغية للنص أم عدـ التأثَت يف اؼبتلقي‬
‫كإمتاعة كإطرابو‪.‬‬

‫كإف عدـ السماح حبدكث ىذا (االنتهاؾ) ال يعٍت قدرة الشاعر على الفصل بُت اللفظ‬
‫كاؼبعٌت‪ ،‬كذلك بدليل كجود ماال يوبصى من معرض حسن قد ابتذؿ على معٌت قبيح ألبسو (‪ )...‬ككم‬
‫من حكمة غريبة قد ازدريت لرثاثة كسوهتا"(‪.)2‬‬

‫غَت أف مثل ىذا القوؿ يبقى بعيدا عن القوؿ الشعرم الذم صفتو اغبسن كاعبماؿ‪.‬‬

‫اللفظ والمعنى عند قدامة بن جعفر (‪ 337‬ىػ)‬

‫تبدك مسألة اللفظ يف كتاب (نقد الشعر) كاضحة مبسوطة دكف تعقيد‪ ،‬فحىت يبلغ الشعر‬
‫غاية اعبودة كجب أف يكوف اللفظ "ظبحا سهل ـبارج اغبركؼ من مواضعها‪ ،‬عليو ركنق الفصاحة‪،‬‬
‫مع اػبلو من البشاعة"(‪.)3‬‬

‫مثل قوؿ الشاعر‪.)4( :‬‬

‫اسل‬
‫سل باألركان من ُى َو َم ُ‬
‫وم ّ‬
‫َ‬ ‫حاجة‬
‫منى ُك ّل َ‬
‫َولَ ّما قضينَا من ً‬
‫لم ينظر الغادي اللي ىو رائل‬
‫َو ْ‬ ‫َو ُش ّدت على ُدىم المهاري ِر َحالُنا‬

‫(‪-)1‬أضبد أضبد بدكم‪ ،‬أسس النقد األديب عند العرب‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،1996 ،‬ص ‪.357‬‬
‫(‪-)2‬ابن طباطبا‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫(‪-)3‬قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪-)4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪95‬‬
‫َوس الل بتعناق المطي األَباطل‬ ‫األحاديث بينَ نَا‬
‫أخلنا بتطراف َ‬
‫كاؼببلحظ على األمثلة اليت أكردىا قدامة للتمثيل للفظ الذم صفتو اعبودة‪ ،‬أهنا نصوص شعرية‬
‫فيها ما يبلغ مبلغ القصيدة من جهة عدد األبيات‪ ،‬كمن مث فإف اللفظ الذم قصده ليس اللفظ اؼبفرد‬
‫كإمبا اللفظ اؼبركب "بدليل أنٌو ىَفٍ يعرض ألفاظا مفردة‪ ،‬كَف يوازف بُت ما يرضاهي منها كما ينكره‪ ،‬كما‬
‫فعل أكثر علماء الببلغة كالنقد الذين جعلوا للكلمة اؼبفردة نعوتا‪ ،‬تكوف ّٔا فصيحة‪ ،‬فإف فقدهتا‬
‫بىػعيدت عن الوصف بالفصاحة‪ ،‬مث جعلوا للكبلـ أك الًتكيب نيعوتا اخرل‪ ،‬إف فقدهتا َف توصف‬
‫بالفصاحة‪ ،‬كإف كصفت ّٔا كلماهتا مفردة" (‪.)1‬‬

‫كالواقع أف النص الشعرم بنية متكاملة ال يبكنها أف ربدث التأثَت يف اؼبتلقي إال دبجموع‬
‫ألفاظها‪ ،‬كال يبكن أف يبدك اعبماؿ فيها متناثرا حبسب صباؿ اللفظة الواحدة‪ ،‬كإمبا يبدك يف اجتماع‬
‫ىذه األلفاظ كحسن توزيعها كضم الواحدة منها إُف األخرل‪.‬‬

‫‪-‬عيوب األلفاظ‪:‬‬

‫يكوف اللفظ –عند قدامة – معيبا إذا كاف "ملحونا كجاريا على غَت سبيل اإلعراب كاللغة‬
‫(‪ )...‬كأف يرتكب الشاعر فيو ما ليس يستعمل كال يتكلم بو إال شاذا‪ ،‬كذلك ىو اغبوشي" (‪.)2‬‬

‫كمثل ىذا اغبوشي ما كرد يف شعر أحد الشعراء‪:‬‬

‫يظم‬
‫ُ‬ ‫ش‬ ‫َى َم ْرجلة َخ ْل ُقها‬ ‫ل نحوهُ‬
‫بما أ َْرقَ لَ ْ‬ ‫حلفل‬

‫لرزم‬
‫الجن زنْ ْ‬
‫َبها من َو ْحي ّ‬ ‫فل ِم ْن تنوفيّو‬
‫ش َر ْ‬
‫وم َ‬
‫َ‬
‫"فبلغٍت أنو أنشد ابن األعرايب ىذه القصيدة فلما بىػلى ىغ إُف ىهنا قاؿ لو ابن األعرايب‪ :‬إف كنت‬
‫جادا فحسبك اهلل" (‪.)3‬‬
‫ن‬

‫(‪-)1‬بدكم طبانة‪ ،‬قدامة بن جعفر كالنقد األديب‪ ،‬مكتبة األنلجو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1969 ،3‬ص ‪.193‬‬
‫(‪-)2‬قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬

‫‪96‬‬
‫المعنى‪:‬‬

‫على الرغم من أف قدامة بدأ باللفظ فإف اؼبعٌت كاف قد أخذ جل اىتمامو‪ ،‬كبدا موضوع اؼبعٌت‬
‫كاسعا عصيا على اغبصر‪ ،‬لذلك بدأ قدامة بأىم صفة هبب توفرىا يف اؼبعٌت كىي أف يكوف "مواجها‬
‫للغرض اؼبقصود‪ ،‬غَت عادؿ عن اؼبعٌت اؼبطلوب" ( ‪ ،)1‬كَف يوضح قدامة ما يريده من ىذه الصفة كال‬
‫أكرد أمثلة توضح كبلمو كتكشف عن غايتو؛ كعلى الرغم من عدـ الوضوح ىنا فإننا "نستطيع أف‬
‫نرجح من اتباع قدامة ىذا الكبلـ باغبديث يف فنوف الشعر أنو يريد أف على الشاعر إذا حاكؿ غرضا‬
‫صر الكبلـ فيو‪ ،‬كال ىبرج عنو إُف غَته‪ ،‬فإذا تكلم يف اؼبديح فلتكن كل معانيو‬
‫من األغراض أف يىػ ٍق ي‬
‫دائرة ىح ٍوؿ ىذا الغرض ال تتعداه" (‪.)2‬‬
‫غَت أننا ال نستطيع موافقة بدكم طبانة يف أف قدامة أراد من الشاعر أف " ال يأيت يف ىذا الغرض‬
‫دبعاف زبتص بغرض آخر كالوصف أك النسيب مثبل" ( ‪ ،)3‬ألف األمر ىنا يصبح متعلقا بينية القصيدة‬
‫العربية‪ ،‬كال نظن أف قدامة قد قصد إُف ؿباكلة زعزعة ىذه البنية (مقدمة الطلل كالنسيب ‪ +‬الرحلة‪+‬‬
‫اؼبدح‪ ...‬اٍف) فقدامة الناقد األديب يعرؼ صعوبة اؼبساس ّٔذه األسس اليت أصبحت راسخة يف بناء‬
‫القصيدة‪ ،‬لكن نذىب إُف القوؿ بأف قدامة قصد إُف ( الغرض الرئيس) من القصيدة‪ ،‬كذلك ألف‬
‫اؼبقدمة مهما كاف موضوعها تبقى بابا يلج منو القارئ إُف القصيدة‪.‬‬

‫كتأيت الصعوبة من "اؼبعٌت" إذ ما داـ اؼبنطق ىو األساس اؼبعتمد فبل بد من حصر اؼبعاين (على‬
‫قدر اإلمكاف) مث حصر الصفات السالبة كاؼبوجبة اليت قد تلحقها" (‪.)4‬‬
‫كوبدد قدامة اؼبعاين يف ستة أنواع‪ ،‬ككل نوع فيو اعبيد كالردئ‪ ،‬كؽبا سبع صفات‪ ،‬ككل صفة منها‬
‫اؼبوجب بقابلو نقيضو السالب‪ ،‬كقد اعًتؼ قدامة أف اؼبعاين الهناية ؽبا "لذلك رأيت أف أذكر منو صدرا‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫(‪-)2‬بدكم طبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫(‪-)3‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪-)4‬إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬مس‪ ،‬ص ‪.181‬‬

‫‪97‬‬
‫ينبئ عن نفسو‪ ،‬كيكوف مثاال لغَته كعربة ؼبا َف أذكره‪ ،‬كأف أجعل ذلك يف األعبلـ من أغراض الشعراء‬
‫( ‪)1‬‬
‫كماىم عليو أكثر ىح ٍونما‪ ،‬كعليو أشد ركما‪ ،‬كىو‪ :‬اؼبديح كاؽبجاء‪ ،‬كالنٌسب‪ ،‬كاؼبرائي‪ ،‬كالوصف‪ ،‬كالتشبيو"‬

‫كلكل غرض من ىذه األغراض ؾبموعة من اؼبعاين الرئيسة ال هبب أف يتجاكزىا الشاعر‪،‬‬
‫فاؼبديح مثبل ينحصر يف أربع صفات ىي (العقل كالشجاعة كالعدؿ كالعفة) كىذه كربل الفضائل اليت‬
‫يتفق عليها الناس صبيعا‪ ،‬كتندرج ربت كل معٌت ؾبموعة من اؼبعاين الفرعية فالعقل هبمع (اؼبعرفة‬
‫كاغبياء كالسياسة كاغبلم) كىكذا‪ ،‬كما أف ىذه األغراض قد يًتكب أحدىا مع اآلخر‪ ،‬فينتج معٌت‬
‫جديد‪ ،‬فإف العقل إذا تركب مع الشجاعة نتج الصرب يف اؼبلمات كنوازؿ اػبطوب‪...‬اٍف‬

‫كلكل غرض حسنات يف اؼبعاين كعيوب‪ ،‬كاؼبعاين اعبيدة تتوفر فيها‪ :‬صحة التقسيم‪ ،‬صحة‬
‫التقابل‪ ،‬صحة التفسَت‪ ،‬التتميم‪ ،‬اؼببالغة‪ ،‬التكافؤ‪ ،‬االلتفات‪ ...‬كعيؤّا ىي عكس ىذه اغبسنات‪،‬‬
‫يشعب كيفرعي كيؤلف بُت العناصر كيصف قبحها كحسنها "كيف ىذا‬
‫ي‬ ‫كاليزاؿ قدامة ماضيا يف التقسيم‬
‫عما ٌادعاه‪ -‬فهذه فلسفة‬
‫الكبلـ الطويل اؼبيمل ما يدؿ على طريقة قدامة يف نقد الشعر كبعده ٌ‬
‫أرسطاليسية كمزيج من اؼبنطق كاألخبلؽ اؼبعركفة عند اؼبعلم األكؿ" (‪.)2‬‬
‫نستنتج أف قدامة بن جعفر َف يكن قد صرح بانتمائو إُف أحد الفريقُت‪ ،‬كإنو كاف يرل أف حسن‬
‫الشعر كجودتو متأتياف من تآلف اللفظ مع اؼبعٌت‪ ،‬كأف اؼبعاين كلها ملك الشعراء يقولوف فيها صبيعا‪ ،‬كألف‬
‫الشعر صناعة‪ ،‬كألف أم صناعة ىي تشكيل للمادة‪ ،‬كصنعة التجارة فهي تشكيل للخشب‪ ،‬كصنة الصياغة‬
‫اليت ىي تشكيل للفضة‪ ،‬فإف الشعر مادتو اؼبعٌت كعلى الشاعر أف هبود يف صورتو ألف الصورة ىي اليت سبنح‬
‫اؼبادة صباؽبا كحسنها‪ ،‬كذلك إذا أجاد الشاعر يف منح اؼبعٌت صورة حسنة كاف الشعر كلو حسنا مهما‬
‫كانت صفة معناه من "الرفعة أك الضعة‪ ،‬كالرفت كالنزاىة‪ ،‬كالبذخ كالقناعة‪ ،‬كاؼبدح كغَت ذلك من اؼبعاين‬
‫اغبميدة أك الذميمة" (‪.)3‬‬
‫كإُف جانب ىذه النظرية اعبمالية اػبالصة للشعر‪ ،‬البعيدة عن األحكاـ األخبلقية‪ ،‬فإننا نرل أنو لوال‬

‫(‪ -)1‬قدامة بن جعفر‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫(‪ -)2‬ؿبمد بندكر‪ ،‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬هنضة‪ ،‬مصر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪1996 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫(‪-)3‬قدامة بن جعفر‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص‪.66‬‬

‫‪98‬‬
‫االلتزاـ اؼبنطقي لقدامة يف (نقد الشعر) لكنا قد حصلنا على كتاب يف النقد األديب اػبالص‪ ،‬كلكانت‬
‫نظريتو يف اللفظ كاؼبعٌت أقرب إُف الوضوح‪ ،‬كأبعد عن ىذه التفريعات كالًتكيبات اليت ال تنتهي كال تنتهي‬
‫معها صفاهتا سوءا أك جودة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫المحاضرة التاسعة‪:‬‬
‫قضية اللفظ والمعنى عند نقاد المغرب واألندلس‬
‫‪-‬عبد الكريم النهشلي (‪405‬ى )‪:‬‬
‫ذكر ابن رشيق القَتكاين أف عبد الكرًن النهشلي كاف يرل أف التقدمة كالتفضيل يكوف للفظ على‬
‫اؼبعٌت كأنو كاف يؤثر اللفظ على اؼبعٌت يف شعره كسائر تآليفو كىو يقوؿ‪" :‬الكبلـ اعبزؿ أغٌت عن اؼبعاين‬
‫اللطيفة من اؼبعاين اللطيفة عن الكبلـ اعبزؿ"(‪.)1‬‬

‫كردبا رجع اعتداد النهشلي باللفظ دكف اؼبعٌت إُف طبيعتو اليت تتميز باحملدكدية من جهة اإلتياف‬
‫باؼبعاين اؼبخًتعة (اللطيفة)‪ ،‬كقدرتو على استخداـ اللفظ اعبزؿ يف معرض اؼبعاين البسيطة القريبة "فمقدرة‬
‫النهشلي إمبا تأيت من جهة براعتو يف تأليف الكبلـ‪ ،‬كترتيب األلفاظ‪ ،‬حىت تؤدم اؼبعاين اليت يطرقها كىو‬
‫ينحو يف ذلك منحى الفخامة كاعبزالة‪ ،‬شأنو يف ذلك شأف الشعراء الفحوؿ‪ ،‬كتتجلى ىذه الظاىرة خباصة‬
‫يف موضوعات اؼبدح كاؽبجاء كالوصف اليت يبتاح فيها من معُت الشعر القدًن الذم يبتاز بقوة الكبلـ"(‪.)2‬‬

‫كنستدؿ على مدل اىتماـ النهشلي باللفظ اعبزؿ الفخم القوم مع بساطة اؼبعٌت ببعض قولو يف‬
‫كصف فيل‪.)3( :‬‬

‫ملوك بني ساسان ن نابها َد ْى ُر‬ ‫ار تع ّدهُ‬ ‫ج‬ ‫الن‬


‫ىندي ّ‬
‫ّ‬ ‫ض َم َم‬
‫وأ ْ‬
‫والعشر‬
‫الممس َ‬
‫ُ‬ ‫وردهُ‬
‫أضاح َوالَ ْ‬ ‫من الورق ال من ضربو الورق يرتعي‬

‫الصمر‬
‫لمل كما لُمل ّ‬
‫ُمصبّرة ْ‬ ‫كطود جائل فوق أربع‬
‫يجيء ْ‬

‫(‪-)1‬ابن رشيق القَتكاين‪ ،‬العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو‪ ،‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬توفيق النيفر كـبتار العبدم كصباؿ ضبادة‪ ،‬آّمع التونسي للعلوـ‬
‫كاآلداب كالفنوف (بيت اغبكمة)‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.225‬‬
‫(‪-)2‬أضبد يزف‪ ،‬النقد األديب يف القَتكاف يف العهد الصنهاجي‪ ،‬مكتبة اؼبعارؼ للنشر كالتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬دط‪1985 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪-)3‬ابن فضل اهلل العمرم‪ :‬مسالك األبصار يف فبالك األمصار‪ ،‬ج ‪ ،17‬تح‪ :‬كامل سليماف اعببورم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪2010‬ـ‪ ،‬ص ‪.156‬‬

‫‪100‬‬
‫كبعد أف يعطي النهشلي رأيو اػباص يستعرض آراء بعض الكتاب اليت تدلنا على أف البعض كاف‬
‫يؤثر اؼبعٌت على اللفظ كيعده أكال كاللفظ الحقا بو‪ ،‬كمنهم من َف ير تفاضبل بينهما فقاؿ باؼبساكاة‬
‫بينهما(‪.)1‬‬

‫‪-‬ابن رشيق القيرواني (‪456‬ى )‪:‬‬

‫َف يقل ابن رشيق بالفصل بُت اللفظ كاؼبعٌت‪ ،‬بل اعتقد أهنما ركنا الشعر ال يقوـ إال ّٔما مرتبطُت‬
‫متعاضدين‪ ،‬كذىب إُف أف أم خلل أك عطب يصيب أحدنبا يؤثر يف اآلخر فيمس اػبلل الشعر صبلة‪،‬‬
‫كردبا يكوف قد أخذ عن ابن طباطبا العلوم حيث نسب يف كتابو (عيار الشعر) قولةن ألىل الفكر مفادىا‬
‫أف اللفظ جسم ركحو اؼبعٌت فقاؿ‪" :‬اللفظ جسم ركحو اؼبعٌت كارتباطو بو كارتباط الركح باعبسم‪ :‬يضعف‬
‫بضعفو‪ ،‬كيقول بقوتو" (‪ .)2‬إهنا –إذف‪ -‬عبلقة عضوية متينة ترتبط اؼبعٌت بلفظو‪ ،‬دكف التورط يف االعًتاؼ‬
‫دبزية أحدنبا على اآلخر‪ ،‬فكل منهما موجود بفضل اآلخر‪ ،‬صحيح بفضل صحة اآلخر‪ ،‬كضعيف ـبتل‬
‫كىجنة عليو‪ ،‬كما يعرض لبعض‬
‫بضعف اآلخر‪ ،‬فإذا "سلم اؼبعٌت كاختل بعض اللفظ كاف نقصا للشعر ي‬
‫األجساـ من العرج كالشلل كالعور كما أشبو ذلك من غَت أف تذىب الركح"(‪.)3‬‬

‫فاعبسم إذا اعتوره نقص كأصابو عطب‪ ،‬ظهر ذلك النقص على الصورة العامة كاؽبيئة لصاحب‬
‫ذلك اعبسم‪ ،‬فبانت الفركؽ بينو كبُت أصحاب األجساـ السليمة‪ ،‬على أف ذلك ال يبكنو أف يلحق العطب‬
‫بالركح فهي سليمة صحيحة‪ ،‬كإمبا نسمي صاحب ىذا اعبسم اؼبختل كالركح السليمة مشلوال‪ ،‬أك مفلوجا‪،‬‬
‫أك أعور‪ ....‬إُف غَت ذلك من التسميات اؼبتأتية من العلة البلحقة باعبسم‪ ،‬كذلك شأف الشعر الذم سلم‬
‫معناه كاختل لفظو‪.‬‬

‫كيرل ابن رشيق أف أم اضطراب يف اؼبعٌت البد أف يظهر على اللفظ يكوف لو منو اغبظ األكفر؛‬
‫"كالذم يعرض األجساـ من اؼبرض دبرض األكراح"(‪.)4‬‬

‫كيرل أف اؼبعٌت يلحقو اػبلل من جهة اللفظ ككونو هبرم على غَت الواجب‪ ،‬كالواجب يقصد منو‬

‫(‪-)1‬يراجع‪ :‬ابن رشيق القَتكاين‪ ،‬العمدة‪ ،‬مس‪ ،‬ص ص ‪.226 ،225‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪ -)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.221‬‬

‫‪101‬‬
‫قواعد اللغة‪ ،‬فإف األلفاظ إذا خالفت يف تركيبها مقتضيات اللغة كضوابطو ا ‪ ،‬كاختلت الصياغة كاضطربت‬
‫كاف ذلك عجزا يف التعبَت عن اؼبعٌت اؼبراد كإخبلال بو‪ ،‬كنفهم من ىذا أف اؼبعٌت اغباصل يف النفس ال يبكنو‬
‫أف يكوف معيبا إال بعد أف يعرب عنو بصياغة زبالف قواعد اللغة‪.‬‬

‫كىنا نسجل مبلحظة على رأم ابن رشيق يف اللفظ كاؼبعٌت‪ ،‬فنحن نقرأ لو أهنما كاعبسد كالركح أم‬
‫ال سبيل إُف االنفصاؿ بينهما‪ ،‬كأف كل خلل يقع على أحدنبا ىو كاقع على اآلخر ضركرة‪ ،‬لكننا نقرأ لو‬
‫كال قبد معٌت ىبتل إال من جهة اللفظ (‪.)1‬‬

‫كىذا ما كنا بصدد شرحو من أف اؼبعٌت ىنا غَت معيب كال يلحقو اػبلل كاالضطراب إال من جهة‬
‫اللفظ‪ ،‬كىذا فصل كاضح بُت اؼبعٌت كلفظة‪ ،‬كأف اؼبعٌت يبقى سليما صحيحا إُف أف يرتبط باأللفاظ اليت‬
‫جرت "على غَت الواجب" فيظهر عليو االضطراب‪.‬‬

‫كيتابع ابن رشيق‪ " :‬فإذا اختل اؿ اؼبعٌت كلوي كفسد بقي اللفظ مواتا ال فائدة فيو كإف كاف حسن‬
‫الطبلكة يف السمع‪ ،‬كما أف اؼبيت َف ينقص من شخصو شيء يف رأم العُت‪ ،‬إال أنو ال ينتفع بو كال يفيد‬
‫فائدة" (‪.)2‬‬

‫كىنا يبدك اضطراب ابن رشيق كاضحا يف نظرتو إُف قضية اللفظ كاؼبعٌت‪ ،‬فإذا كاف قد أكد أف اؼبعٌت‬
‫ال يأتيو اػبلل إال من جهة اللفظ‪ ،‬فكيف تعكس جهة التأثَت ىنا‪ ،‬فيصبح اللفظ ىو اؼبتأثر بفساد اؼبعٌت‪،‬‬
‫بل إف ىذا اللفظ يصبح ميتا ال ركح فيو كإف كاف حسن الطبلكة يف السمع‪ ،‬كمن أين يأتيو حسن الطبلكة‬
‫كيستلذ يف السمع كىو فاسد ميت ال فائدة فيو‪.‬‬

‫يصح لو معٌت‪،‬‬
‫كنتأكد من اضطراب ابن رشيق حُت يقوؿ‪" :‬ككذلك إف اختل اللفظ كتبلشى َف ٌ‬
‫ألنا ال قبد ركحا يف غَت جسم البتة"(‪.)3‬‬

‫فما العبلقة بُت اختبلؿ اللفظ كىو موجود كتبلشيو هنائيا‪ ،‬فهل معٌت االختبلؿ ىو التبلشي‪ ،‬كإذا‬
‫تبلشي اللفظ كَف يعد لو كجود‪ ،‬فأية قضية يتحدث فيها ابن رشيق؟ إال إذا كاف ىنا وبيلنا على (الصمت)‬

‫(‪ -)1‬يراجع اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ف ‪.‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫إذ إنو ماداـ اللفظ َف ىبرج إُف العلن‪ ،‬كَف يظهر يف الوجود نطقا أك كتابة‪ ،‬فبل معٌت إذف يعرب عنو‪.‬‬

‫كنتفق ىنا مع أضبد يزف الذم رأل أف "ابن رشيق َف وبكم كبلمو يف اؼبوضوع‪ ،‬ذلك أننا قبد أنفسنا‬
‫إزاء ثبلثة مفاىيم‪ :‬فهناؾ اللفظ كاؼبعٌت كالشعر‪ ،‬مث إف ارتباط الركح باعبسد ارتباطا قاببل لبلنفصاـ‪ ،‬فبا يدؿ‬
‫على أف الفكرة َف تكن ناضجة يف ذىن ابن رشيق" (‪.)1‬‬
‫كيرل ابن رشيق َّ‬
‫أف للناس (أم الشعراء) آراء كمذاىب فمنهم من‪:‬‬

‫أ‪-‬فريق ي ثر اللفظ على المعنى‪:‬‬

‫فرقة تذىب إُف فخامة الكبلـ كجزالتو على مذىب العرب كقوؿ بشار‪:‬‬

‫قتكف ا حجاب الشمس أك قطرت دما‬ ‫إذا ما غضبنا غضبة يمضربة‬

‫ُف علينا ىك ىسلما‬ ‫ذيرل منرب ص‬ ‫إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة‬

‫كيرل ابن رشيق أف مثل ىذا الشعر ألٍيق بالفخر كأنسب ؼبدح اؼبلوؾ‪ ،‬فإنو البد أف تيصاغ ىذه‬
‫اؼبواضيع باللفظ القوم الذم عليو سيماء الفخامة كالوجاىة حىت يؤدم اؼبعٌت كما هبب لو‪.‬‬

‫ب‪-‬فريق الجلبو والقعقعة بال طائل معنى‪:‬‬

‫مثل قوؿ ابن ىانئ األندلسي‪:‬‬

‫ىذ ـ‬ ‫مخ‬
‫ؼبع أبيض ٍ‬
‫فقالت‪ :‬ي‬
‫ٍ‬ ‫ىكسامت‬ ‫ظـ‬ ‫أجرد شي‬
‫كقع ٍ‬
‫فقالت ي‬
‫ٍ‬ ‫ت‬
‫اخ ٍ‬
‫أص ى‬
‫ى‬
‫(‪.)2‬‬ ‫قت إالٌ بػينرل يف يـب ٌدـ‬
‫ىكالىىرىم ٍ‬ ‫عرت إال عبرس يحليٌها‬
‫ذي ٍ‬ ‫ىكما‬

‫كيقوؿ ابن رشيق إف ىذا الشعر نسيب‪ ،‬غَت أف الشاعر خالف اؼبراد‪ ،‬فليس ىذا اللفظ اعبزؿ يعرب‬
‫بو عن الغزؿ كالنسيب كىو موضوع الرقة كاللٌُت؛ فإف الشاعر إذا تكلف الفخامة يف بعض اؼبواضع أك‬
‫"سلك طريق الصنعة أضر بنفسو كأتعب سامع شعره"(‪.)3‬‬

‫ج‪-‬فريق مع سهولة اللفظ والعناية بو‪.‬‬

‫(‪-)1‬أضبد يزف‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.216‬‬


‫(‪-)2‬يراجع ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪،1‬ص ص ‪. 221،222‬‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪103‬‬
‫ككاف ذلك ؿبمودا على الرغم من الركاكة كاللُت اؼبفرط مثل قوؿ أيب العتاىية‪:‬‬

‫فيسركا األكفاف من عاجل‬ ‫يا إخويت إف اؽبول قاتلي‬

‫فإنٍت يف شغل شاغل‬ ‫كال تلوموا يف إتباع اؽبول‬

‫كيرل ابن رشيق أف مثل ىذا الشعر يف باب الغزؿ جيد ؿبمود كمطلوب(‪.)1‬‬

‫د‪-‬فريق ي ثر المعنى على اللفظ‪.‬‬

‫"كمنهم من يؤثر اؼبعٌت على اللفظ فيطلب صحتو‪ ،‬كال يباِف حيث كقع من ىجنة اللفظ كقبحو‬
‫كخشونتو‪ :‬كابن الركمي‪ ،‬كأيب الطيب كمن شاكلهما‪ :‬ىؤالء اؼبطبوعوف" (‪ ،)2‬فهذا فريق من الشعراء ال‬
‫يهمهم من الشعر إال اف يكوف معناه صحيحا‪ ،‬مث ىم ال يعبؤكف بصفة األلفاظ ككيف ىي مهما كانت‬
‫خشنة أـ قبيحة أـ ىجينة‪ ،‬كإنو لرأم عجيب من ابن رشيق يف ىذا الفريق من الشعراء الذم يقدـ للمتلقي‬
‫اؼبعٌت الصحيح يف معرض من ألفاظ ىجينة كقبيحة‪ ،‬كاألعجب أنو يبثل ؽبذا الفريق بابن الركمي كاؼبتنيب‪،‬‬
‫كاألكثر عجبا أنو يصف ىذين الشاعرين كمن شاكلهما بأهنم مطبوعوف "كيبكن أف نأخذ عليو ىنا تسرعو‬
‫يف اغبكم‪ ،‬ألف كبلمو ينطبق على بعض أشعار ىؤالء ال كلها‪ ،‬قولو (ىؤالء اؼبطبوعوف) يبكن قبولو بالنسبة‬
‫إُف ابن الركمي‪ ،‬أما اؼبتنيب فبل ألنو كاف (قطبا كبَتا يف مذىب التصنع) يتكلف البديع كيوظف الثقافات‬
‫اؼبختلفة يف شعره"(‪.)3‬‬

‫كيذىب ابن رشيق إُف أف الرأم الغالب على الناس يف قضية اللفظ كاؼبعٌت ىو تفضيل اللفظ على‬
‫اؼبعٌت‪" ،‬ظبعت بعض اغبذاؽ يقوؿ‪ :‬قاؿ العلماء‪ :‬اللفظ أغلى من اؼبعٌت شبنا كأعظم قيمة كأعز مطلبا‪ ،‬فإف‬
‫اؼبعاين موجودة يف طباع الناس يستوم اعباىل فيها كاغباذؽ‪ ،‬كلكن العمل على جودة األلفاظ‪ ،‬كحسن‬
‫السبك كصحة التأليف"(‪.)4‬كليس ىذا سول قولة اعباحظ اؼبشهورة‪ ،‬اؼبعاين مطركحة يف الطريق‪...‬اٍف‪.‬‬

‫كاؼبهم أف ابن رشيق قد حرص على عرض ـبتلف اآلراء يف قضية شائكة مثل قضية اللفظ كاؼبعٌت‪،‬‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫(‪-)3‬أضبد يزف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫(‪-)4‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ص ‪.224،225‬‬

‫‪104‬‬
‫كىي القضية اليت َف ينتو اغبديث فيها منذ القدًن كصوال إُف عصرنا اغباِف‪.‬‬

‫كقد أبدل ابن رشيق كجهة نظره فأباف عن انتمائو إُف فريق يقدر األمور يف غَت مغاالة أك تطرؼ‪،‬‬
‫فكاف أف قدر لكل من اللفظ كاؼبعٌت قدرنبا كأكد أف العبلقة بينهما غَت قابلة للكسر‪ ،‬فهما ركح كجسد‬
‫كال بقاء كال صبلح ألحدنبا إال ببقاء كصبلح اآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬حازم القرطاجني (‪684‬ى )‪:‬‬

‫يكاد يتفق الباحثوف أف كتاب حازـ القرطاجٍت (منهاج البلغاء كسراج األدباء) ليس إال اعبزء اؼبتبقى‬
‫من الكتاب‪ ،‬كأف شبة جزءا أكال منو ما يزاؿ مفقودا كيرجح أنو اعبزء الذم تكلم فيو حازـ عن األلفاظ‪،‬‬
‫ألف إحاالت حازـ نفسو تؤكد فرضية ضياع اعبزء األكؿ من كتابو "كقد تقدـ الكبلـ يف ما تكوف عليو‬
‫األلفاظ أنفسها كبالنظر إُف ىيآهتا كداللتها ككيفية مواقع تلك اؽبيئات بداللتها من النفوس"(‪.)1‬‬

‫كأما عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت فهي عبلقة تبعية كمن أىم القواعد اليت يقررىا حازـ كيشًتطها يف‬
‫األلفاظ أف تكوف ـبتارة‪ ،‬حسنة الداللة على اؼبعٌت‪ ،‬تابعة لو‪.‬‬

‫كما أف أحسن األلفاظ ما عذب كَف يبتذؿ يف االستعماؿ كىو يرل أيضا "أف األلفاظ اؼبستعذبة‬
‫اؼبتوسطة يف االستعماؿ أحسن ما يستعمل يف الشعر ؼبناسبتها األظباع كالنفوس‪ ،‬كحسن موقعها منها "كال‬
‫اتساعا حيث تضطره األكزاف كالقوايف"(‪.)2‬‬ ‫الساقط إالَّ ي‬
‫تساؿبنا ك ن‬ ‫يستعمل الشاعر اغبوشي ك ٌ‬
‫يشًتط حازـ يف اللفظ أف يكوف عذبا كذلك غبسن موقع اللفظ العذب يف األظباع كيف النفوس‪،‬‬
‫حىت إف كاف معٌت ىذا اللفظ العذب غَت معركؼ‪" ،‬ألنو مع استعذابو قد يفسر معناه‪ ،‬ؼبن ال يفهمو ما‬
‫يتصل بو من سائر العبارة‪ ،‬كإف َف يكن يف الكبلـ ما يفسره َف يعوز أيضا كجداف مفسره لكونو فبا يعرفو‬
‫خاصة اعبمهور أك كثَت منهم كاإلتياف دبا ييعرؼ أحسن"(‪.)3‬‬

‫كبالنسبة إُف اؼبعاين فإف حازـ القرطاجٍت يؤكد على (عملية التأثَت) يف اؼبتلقي كما يسميو (ربريك‬

‫(‪-)1‬حازـ القرطاجي‪ ،‬منهاج البلغاء كسراج األدباء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد اغببيب بن اػبوجة‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2007 ،4‬ـ‪ ،‬ص ص‬
‫‪.18 ،17‬‬
‫(‪-)2‬علي لغزيوم‪ ،‬نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس مطبعة سايس‪ ،‬فاس‪ ،‬اؼبغرب‪ ،‬ط ‪2007 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪-)3‬حازـ القرطاجٍت‪ ،‬منهاج البلغاء‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪105‬‬
‫النفس)‪" :‬اؼبقصود بالشعر االحتياؿ يف ربريك النفس ؼبقتضى الكبلـ بإيقاعو منها ؿبل القبوؿ"(‪.)1‬‬

‫كمن أجل حدكث ىذه الغاية الوظيفية للشعر‪ ،‬كاف البد أف تكوف اؼبعاين الشعرية ىي ما اشتدت‬
‫علقتو بأغراض اإلنساف ك"اشًتكت يف قبوؽبا (أك النفور منها) نفوس اػباصة كالعامة حبكم الفطرة أك العادة؛‬
‫كذلك أف ذبمع اؼبعاين بُت أف تكوف معركفة كمؤثرة يف آف معا‪ ،‬أك أف تصبح مؤثرة بعد أف تعرؼ كأحسن‬
‫األشياء اليت ذبتمع فيها اؼبعرفة كالتأثَت معا ىي ما فطر الناس على استلذاذه أك التأَف منو"(‪.)2‬‬

‫كيؤكد حازـ على استثناء اؼبعاين اليت ال يبكنها ألحداث التأثَت يف نفس السامع كمن مث كجب‬
‫إقصاؤىا عن الشعر على الرغم من معرفة صبهور اؼبتلقُت ّٔا‪ ،‬كىذه اؼبعاين ىي "اؼبتعلقة بصنائع أىل اؼبهن‬
‫لضفتها‪ ،‬فإف غالب عباراهتم ال وبسن أف تستعار كيعرب ّٔا عن معاف تشبهها ألهنا مزيلة لطبلكة الكبلـ‬
‫كحسن موقعو من النفس"(‪.)3‬‬

‫كباإلضافة إُف معاين أىل الصناعة اليت ال ربدث أثرا يف نفس اؼبتلقي يقصي حازـ كذلك معاين‬
‫اؼبسائل العلمية ألف أكثر اعبمهور ال يعرفها‪ ،‬فإف عرفها َف يستلذ ّٔا كَف يتأثر ّٔا‪.‬‬

‫‪-‬ابن خلدون (‪808‬ى )‪:‬‬

‫سلك ابن خلدكف درب اعباحظ كقاؿ باؼبعاين اؼبطركحة يف تلك الدرب؛ يقوؿ‪" :‬اعلم أف صناعة‬
‫الكبلـ نظما كنثرا إمبا ىي يف األلفاظ ال يف اؼبعاين‪ ،‬كإمبا اؼبعاين تبع ؽبا كىي أصل‪ ،‬فالصانع الذم وباكؿ‬
‫(‪ ،)4‬كنرل أف ابن‬ ‫ملكة الكبلـ يف النظم كالنثر‪ ،‬إمبا وباكؽبا يف األلفاظ حبفظ أمثاؽبا من كبلـ العرب"‬
‫خلدكف ال يقصر قضية اللفظ كاؼبعٌت على الشعر إمبا هبعلها عامة شاملة لكل تأليف أديب سواء أشعرا كاف‬
‫أـ نثرا‪ ،‬كىذا التأليف صناعة البد من حصوؿ اؼبلكة فيها أكال كال وبدث ىذا إال حبفظ كبلـ العرب‪،‬‬
‫صل ملكة اللساف يف النطق أما اؼبعاين فهي موجودة عند كل كاحد كيف طوع كل فكر‬
‫فاغبفظ ىو الذم يوب ٌ‬
‫منها ما يشاء كيرضى"(‪.)5‬‬

‫(‪ -)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬


‫(‪-)2‬إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬ـ س ‪ ،‬ص ‪.560‬‬
‫(‪-)3‬حازـ القرطاجي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫(‪-)4‬ابن خلدكف‪ ،‬مقدمة ابن خلدكف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2006 ،9‬ـ‪ ،‬ص ‪.495‬‬
‫(‪-)5‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ف‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫كألف اؼبعاين موجودة بالطبيعة يف كل فكر َف يكن وبتاج إُف تكلف الصناعة يف تأليفها‪ ،‬أما إخراج‬
‫ىذه اؼبعاين من الفكر إُف الوجود اؼبعاين فهو ما وبتاج إُف الصناعة اليت يصَت بواسطتها الصانع إُف تأليف‬
‫الكبلـ للعبارة عن ىذه اؼبعاين‪.‬‬

‫كهبعل ابن خلدكف للكبلـ (نظما كنثرا) طبقات تًتاتب حسب تراتب اللفظ الذم يشبٌهو‬
‫بالقالب"كىو دبثابة القوالب للمعاين" (‪ ،)1‬كحبسب طبقية القوالب أك األكاين تكوف طبقية الكبلـ‪ /‬النص‬
‫الصدؼ كالزجاج‬
‫األديب‪" ،‬فكما أف األكاين اليت ييغًتؼ ّٔا اؼباء من البحر منها آنية الذىب كالفضة ك ٌ‬
‫كاػبزؼ‪ ،‬كاؼباء كاحد يف نفسو‪ ،‬كزبتلف اعبودة يف األكاين اؼبملوءة باؼباء باختبلؼ جنسها ال باختبلؼ‬
‫اؼباء"(‪ ،)2‬فاؼباء كاحد ال يتغَت (ماء البحر) غَت أف األكاين اليت يجعل فيها ـبتلفة‪ ،‬لذلك فإف الناظر إذا رأل‬
‫األكاين رأل اؼباء كاحدا فيها صبيعا‪ ،‬لكن اإلعجاب يكوف للهيئة كالصورة اؼبنظورة كىي اآلنية‪ .‬كالبد أف آنية‬
‫الذىب ال تتساكل بآنية الزجاج أك اػبزؼ‪ ،‬كذلك النصوص تتقاسم اؼبعاين اؼبوجودة يف الضمائر لكنها‬
‫زبتلف من حيث لغتها اليت تصنع ىذه الطبقية باختبلفها‪.‬‬

‫كىبتم ابن خلدكف كبلمو عن األلفاظ كاؼبعاين بقولو‪" :‬كاهلل يعلمكم ماَف تكونوا تعلموف" (‪ .)3‬كردبا‬
‫كاف اىتماـ ابن خلدكف بعملية التعلم كاعتقاده بأف األدب صناعة ىو ما أدل إُف تصوره أف اغبفظ‬
‫كالتكرار الذم وبصل ملكة نطق اللغة يف اللساف كفيل بأف هبعل من اؼبتعلم أديبا أك شاعرا على الرغم من‬
‫أنو ىو ذاتو يشكو من عدـ قدرتو على قوؿ الشعر على الرغم من ؿبفوظو من الشعر ككبلـ العرب‪.‬‬

‫كلبلص إُف نتيجة مفادىا أف نقاد األندلس كاؼبغرب كاف تفكَتىم متباينا فيما ىبص قضية اللفظ‬
‫كاؼبعٌت شأهنم شأف نقاد اؼبشرؽ‪ ،‬فمنهم من اعتد باللفظ كرأل أف اؼبعاين تابعة لو‪ ،‬كمنهم من اعتد باؼبعٌت‪،‬‬
‫كمنهم من رأل أف ال انفصاـ بينهما فهما يف عبلقة أشبو بعبلقة الركح باعبسد‪.‬‬

‫(‪-)1‬السابق ‪ ،‬ص ف‪.‬‬


‫(‪-)2‬نفسو‪ ،‬ص ف‬
‫(‪ -)3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص‪.495‬‬

‫‪107‬‬
‫المحاضرة العاشرة‪:‬‬
‫الصدق في النقد العربي القديم‬
‫قضية ّ‬

‫قبل الولوج إُف درس الصدؽ يف الًتاث النقدم العريب‪ ،‬هبدر بنا تبُت معٌت كلمة (الصدؽ) حىت‬
‫نفهم َف كاف الصدؽ قضية أثارت اعبدؿ ككاف من النقاد فريق ينافح عنها‪ ،‬كآخر يقف ضدىا‪ ،‬كآخر ردبا‬
‫رأل رأيا كسطا ىبرج الفريقُت األكلُت من مزالق الشطط كاؼببالغة‪ ،‬سعيا للحفاظ على الصورة الناصعة للنص‬
‫الشعرم العريب الذم وبكي أحبلـ العريب كآمالو كرؤاه ككاقعو‪ ،‬ككل مالو عبلقة بو مصداقا لقوؿ عمر ابن‬
‫اػبطاب (كاف الشعر علم قوـ َف يكن ؽبم علم أصح منو)‪ .‬كقد كاف الشعر ديواف العرب كالبد أف لكلمة‬
‫الديواف عبلقة بفعل التدكين‪ :‬فهل يدكف اإلنساف ما كاف متسما بالصدؽ فقط‪ ،‬متصبل بالواقع ال يعدكه؟‬
‫أـ إف لديو موضوعات أخرل وبرص على تدكينها كتثبيتها حىت ال هترب من اؼبخيلة اػبصبة؟‬

‫الصدق في اللغة‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫كصدَّقو‪ :‬قبل‬ ‫ً‬
‫ص ىداقنا‪ ،‬ى‬
‫ص ٍدقنا كص ٍدقنا كتى ٍ‬
‫ص يد يؽ ى‬
‫قاؿ ابن منظور‪" :‬الص ٍد يؽ‪ :‬نقيض الكذب‪ ،‬صدؽ يى ٍ‬
‫اغبديث‪ :‬أنبأهي بالصدؽ"(‪.)1‬‬
‫ى‬ ‫كص ىدقة‬
‫ٍقولوي‪ ،‬ى‬
‫األمر‪:‬‬
‫كمصداؽ ٍ‬
‫الصبلبة‪ٍ ،‬‬
‫صدؽ ٌ‬
‫كيضيف صاحب احملكم‪ " :‬كاؼبصدؽ‪ ،‬أيضا‪ ،‬اغبد (‪ )...‬كاؼبى ٍ‬
‫الصلب من الرماح"(‪.)2‬‬
‫الص ٍدؽ‪ٌ :‬‬
‫حقيقتو (‪ )...‬ك ٌ‬
‫نقيض الكذب كضدُّه‪ ،‬كأف تصدؽ يف حديثك معناه أف تأيت‬
‫الص ٍدؽ‪-‬إذف‪ -‬يف حدّْه اللغوم ي‬
‫ّْ‬
‫بالصدؽ‪ ،‬وبيلنا ىذا اؼبعٌت على (اإلظهار) ك(الكشف) ك(تقدًن الشيء كعرضو كما ىو دكف ؿباكلة حجبو‬
‫ّْ‬
‫أك إخفاء جزء منو) كأف تصدؽ اغبديث معناه أف تتحدث بالصدؽ‪ ،‬كتقوؿ ما هبعل السامع يقبل‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ :‬لساف العرب‪ ،‬مادة (صدؽ)‪.‬‬


‫(‪ -)2‬ابن سيده‪ ،‬احملكم كاحمليط األعظم‪ ،‬مادة (صدؽ)‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫حديثك دكف أف يداخلو الشك‪ ،‬ككأف اغبديث الصادؽ ىنا ىو اغبديث الواضح البُت‪.‬‬

‫اؼبصدؽ) ىو اعبًدُّ‪ ،‬كاعبد ضد اؽبزؿ‪ ،‬كإذف فحىت وبصل‬


‫كىذا ما يؤكده ابن سيده حُت يقوؿ إف ( ٍ‬
‫تصديق اغبديث فبل بد أف يكوف ًجدِّا ضد اؽبزؿ‪ .‬كوبتمل الصدؽ ‪ -‬كذلك‪ -‬معٌت َّ‬
‫الصبلبة كىي ُّ‬
‫ضد‬
‫الليونة كيف ىذا معٌت القوة‪ ،‬فالصدؽ قوة كاغبديث الصادؽ كاػبرب الصادؽ يتميز بالقوة أم إنو الؾباؿ‬
‫للتشكيك فيو كال سبيل إُف تكذيبو كإدخاؿ الضعف عليو‪ ،‬كالصدؽ لدل ابن سيده ىو الصلب من‬
‫ض ورب بو‬
‫الرمح الذم ال ليونة فيو كال اعوجاج‪ ،‬ىو الصلب القوم الذم إذا ي‬
‫الرماح‪ ،‬فالرمح الص ٍدؽ ىو ُّ‬
‫نفذت ضربتو كحقق ىدفو ككصل إُف غايتو‪ ،‬كمصداؽ األمر‪ :‬حقيقتو كاغبقيقة ضد الزيف كاالفًتاء كادعاء‬
‫ما ليس بكائن‪.‬‬

‫يكوف اؼبعٌت اللغوم للصدؽ ىو أف تقدـ قولك خلوا من الكذب‪ ،‬ظاىرا منكشفا‪ ،‬فيقبلو منك‬
‫البُت‪ ،‬اعباد‪ ،‬الذم أكسبو‬
‫السامع دكف أف يشك فيو كلو أك بعضو كالكبلـ الصادؽ ىو الكبلـ اغبقيقي ّْ‬
‫بيانيو قوة كصبلبة‪ ،‬فهو يستقر يف ذىن السامع كقلبو‪ ،‬كوبقق مراده كيصل إُف غايتو اؼبرجوة‪.‬‬

‫حق الشيء إذا كجب كاشتقاقو من الشيء‬


‫كيف معٌت اغبقيقة قاؿ ابن فارس‪" :‬اغبقيقة من قولنا‪ٌ :‬‬
‫احملقق‪ ،‬كىو اؼب ٍح ىكم‪ ،‬يقاؿ‪ :‬ثوب ؿبقق النسيج‪ :‬أم يؿبكمة‪ ،‬فاغبقيقة الكبلـ اؼبوضوع موضعو الذم ليس‬
‫ي‬
‫باستعارة‪ ،‬كال سبثيل‪ ،‬كال تقدًن فيو‪ ،‬كال تأخَت‪ ،‬كقوؿ القائل‪ :‬أضبد اهلل على نعمو كإحسانو‪ ،‬كىذا أكثر‬
‫الكبلـ‪ ،‬كأكثر آم القرآف كشعر العرب على ىذا"(‪.)1‬‬

‫كالصدؽ يف االصطبلح ىو أف يقوؿ اؼبرء فبل يكذب كيأيت باغبقيقة كما ىي‪ .‬لكن الصدؽ يف النقد‬
‫العريب القدًن مثَّل قضية كآثار جدال فكاف أف قوبل الصدؽ بالكذب كمن مث نشأت قضية الصدؽ‬
‫كالكذب‪.‬‬

‫الصدق والكلب في النقد العربي القديم‪:‬‬

‫ظهرت ىذه القضية منذ القدًن‪ ،‬كالبد أف القدماء قد قصدكا منها معاعبة الكبلـ كمدل اتصالو‬
‫بالواقع‪ ،‬كاتصالو بو حبيث ال يبطل ىذا الكبلـ إذا رجع بو اؼبستمع إُف ما ىو كائن كمعاين‪ ،‬كيرل‬

‫‪ ،1‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،3‬دت‪،‬‬ ‫(‪ -)1‬جبلؿ الدين السيوطي‪ ،‬اؼبزىر يف علوـ اللغة كأنواعها‪ ،‬تح‪ :‬ؾبموعة من األساتذة‪ ،‬مكتبة دار الًتاث‪ ،‬ج‬
‫ص‪.335‬‬

‫‪109‬‬
‫الباحثوف أف ىذا اؼبقياس يف اغبكم على الكبلـ‪ ،‬ظهر مع اػبطابة‪ ،‬فقد كانوا يركف أف الصدؽ كالكذب من‬
‫صفات اػبطابة التصاؽبا بالسياسة كاغبكم‪ ،‬كالسياسة كاغبكم بالدين‪ ،‬كىذا االرتباط أضفى على اػبطابة‬
‫صفة الصدؽ الذم تقف عنده األخبلؽ كتتطلبو اؼبواصفات االجتماعية"(‪.)1‬‬

‫كعلى الرغم من أف اػبطابة كانت سبثل فنا نثريا مبجبل يف الًتاث العريب‪ ،‬فإف الشعر كاف أرفع مكانة‬
‫منها ككاف التقدًن للشعراء ألف الشعر كاف أكثر قدرة على التعبَت عن اغبياة اعباىلية دبختلف مستوياهتا‬
‫لذلك يكصف الشعر بأنو (ديواف العرب)‪ ،‬كال بد أف ىذا الديواف الذم كاف العريب يرجع إليو يف ـبتلف‬
‫اؼبناسبات‪ ،‬ككلما دعت ضركرة‪َ ،‬ف يكن فيو إال ما كاف صادقا كحقيقيا‪ ،‬غَت أف تطورا ما حدث يف مسَتة‬
‫ىذا الشعر حطو عن مكانتو األكُف؛ ذلك أنو َف يعد مرجعا يستأنس بو كديوانا ييرجع إليو؛ كاف ىذا التطور‬
‫أح ىك ىم (‪ )...‬مث رغب‬
‫أص ىح ك ٍ‬
‫ىو ظاىرة التكسب بالشعر‪" ،‬ككاف ىذا يف اعباىلية أكؿ ما نشأ الشعراء َّ‬
‫السنية‪،‬‬
‫الرغيبة كالعطايا َّ‬ ‫ً‬
‫اؼبلوؾ يف اصطناع الشعراء لما ىكجدكا يف الشعر من اؼبنافع‪ ،‬فأعطوىم اؽببات ٌ‬
‫فدعاىم ذلك إُف أف خلطوا الباطل باغبق كشابوا الكذب بالصدؽ‪ ،‬فقالوا يف اؼبمدكح فوؽ ما كاف فيو‪،‬‬
‫كقرظوه دبا ليس لو بأىل فنزلوا رتبة عن تلك الدرجة"(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫كحسب ىذا النص فقد كانت حاجة اؼبلوؾ إُف الشعراء كرغبة الشعراء يف اؼباؿ ىي ما أخل بصدؽ‬
‫الشعر العريب‪ .‬إذ الشك أف اؼبمدكح َف يكن يطلب من الشاعر أف يتحدث عن صفاتو فحسب‪ ،‬بل إنو كاف‬
‫يطلب منو أف هبعلو مثاال يًتفع عن الواقع كيبثل الصورة اليت ذبمع يف إطارىا الفضائل اليت سبجد اؼبمدكح كزبلد‬
‫ذكراه‪ ،‬لذلك كاف على الشاعر أف (يكذب) كأال يلتزـ بقوؿ اغبقيقة اليت يعرفها اعبميع‪.‬‬

‫كيف اذباه مضاد رأل عمر بن اػبطاب رضي اهلل عنو أف شاعرية الشاعر ال تتم إال بالصدؽ كمن مث‬
‫(‪َّ .)3‬‬
‫إف ما أراده عمر بن اػبطاب ‪‬‬ ‫فإف اؼبادح الذم ال يبدح الرجاؿ إال دبا فيهم ىو أشعر الشعراء‬
‫كصبهور من اؼبتلقُت العرب كاف الصدؽ الواقعي‪ ،‬أم ذكر األحداث كما كقعت حقيقة حىت يوصف الشاعر‬
‫بأنو صادؽ‪ ،‬كلكن ماذا كانت آراء الشعراء العرب‪ ،‬ىل قبلوا ىذه الواقعية يف الشعر أـ إهنم أك بعضهم كاف‬

‫(‪-)1‬ؿبمد صايل ضبداف كعبد اؼبعطي مبر موسى كمعاذ السرطاكم‪ .‬قضايا النقد األديب‪ ،‬دار األمل للنشر كالتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬ط ‪1990 ،1‬ـ‪،‬‬
‫ص ‪.28‬‬
‫(‪-)2‬كليد قصاب‪ ،‬النقد العريب القدًن نصوص يف االذباه اإلسبلمي كاػبلقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪ ،2005 ،‬ص ‪.34‬‬
‫(‪-)3‬يراجع‪ :‬ؿبمد بن سبلـ اعبمجي‪ ،‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.63‬‬

‫‪110‬‬
‫لو رأم ـبالف؟‬

‫قاؿ حساف بن ثابت‪:‬‬

‫(‪.)1‬‬ ‫بيت يقاؿ إذا أنشدتو صدقا‬ ‫كإف أ ٍشعر بيت أنت قائلو‬

‫ككاضح من معٌت البيت أف حساف بن ثابت يقف مع الصدؽ الواقعي‪ ،‬كيعتقد أف أشعر بيت يقولو‬
‫الشاعر‪ ،‬ىو ذلك البيت الذم اذا ظبعو اؼبتلقي شهد بصدؽ قائلو‪.‬‬

‫أما البحًتم فقد أطلق صرختة اؼبشهورة يعًتض ّٔا على ىذه اغبدكد اليت تضيق على الشعراء‬
‫كتسجنهم يف سجن الواقع‪.‬‬

‫(‪.)2‬‬ ‫م غٍت عن صدقو كذبو‬


‫يف الشعر ي‬ ‫كلفتمونا حدكد منطقكم‬

‫يقف البحًتم ضد اؼبناطقة كاغبدكد اليت كضعوىا للشعراء‪ ،‬كيعلن أف الشعر سبيلو ليس سبيل‬
‫اؼبنطق‪ ،‬فإف كاف اؼبنطق يتسم بوضع اغبدكد‪ ،‬فإف الشعر وبلق يف متسع من اغبرية‪ ،‬كليس يطلب من‬
‫الشاعر أف يلتصق نصو حبدكد الواقع‪ ،‬فبل يقوؿ إال ما ىو مقرر موجود يصادؽ عليو اؼبنطق‪ ،‬بل إف الشعر‬
‫ؾبالو الكبلـ الذم إذا عرض على اؼبنطق َف يستطع إصدار حكم عليو‪.‬‬

‫نستنتج أف الصدؽ يف الشعر نوعاف‪:‬‬

‫أ‪-/‬صدؽ كاقعي يعرب عن الواقعة كالتجربة كما ىي يف الواقع كىبرب عنها كما ىي يف اغبقيقة‪.‬‬

‫ب‪-/‬صدؽ فٍت كىو "أصالة الكاتب يف تعبَته (‪ )...‬كىناؾ الكذب الفٍت‪ ،‬الذم توجبو الصورة‬
‫الفنية كما اؼبدح التكسيب إال نوعا من ىذا‪ ،‬ألف الصورة فيو غَت صادقة"(‪.)3‬‬

‫قضية الصدق عند النقاد العرب‪:‬‬

‫‪-‬ابن طباطبا العلوي ( ‪322‬ى )‪ :‬وبدد ابن طباطبا اؼبثل األخبلقية عند العرب كيوضح أف اؼبدح‬
‫كاؽبجاء يبٍت على ىذه اؼبثل مث يقوؿ‪" :‬كاستعملت العرب ىذه اػببلؿ كأضدادىا‪ ،‬ككصفت ّٔا يف حاِف‬

‫(‪-)1‬ابن رشيق القَتكاين‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،207‬ككذلك عبد الرضبن الربقوقي‪ ،‬شرح ديواف حساف بن ثابت‪ ،‬اؼبطبعة الرضبانية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫دط‪ ،1929 ،‬ص ‪.292‬‬
‫(‪-)2‬البحًتم‪ ،‬ديواف البحًتم‪ ،‬مج‪ ،1‬تح‪ :‬حسن كامل الصَتيف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،3‬دت‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫(‪-)3‬ىند طو حسُت‪ ،‬النظرية النقدية عند العرب‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة كاإلعبلـ‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪1981 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.196‬‬

‫‪111‬‬
‫اؼبدح كاؽبجاء مع كصف ما ييستعد بو ؽبا كيتهيأ الستعمالو فيها‪ ،‬كشعبت منها فنونا من القوؿ كضركبا من‬
‫األمثاؿ كصنوفا من التشبيهات ستجدىا على تفننها كاختبلؼ كجوىها يف االختيار الذم صبعناه‪ ،‬فتسلك‬
‫يف ذلك مناىجهم‪ ،‬كربتذل على مثاؽبم إف شاء اهلل تعاُف(‪.)1‬‬

‫يدعو ابن طباطبا الشعراء إُف التزاـ العرؼ كعدـ اػبركج عما أقرتو العرب لنفسها من اػببلؿ‬
‫كاػبصاؿ احملمودة‪ ،‬فيمدح ّٔا‪ ،‬كإف أراد اؽبجاء قصد إُف أضدادىا فاستعملها يف ىجائو‪.‬‬

‫يبدم ابن طباطبا اىتماما كبَتا بالصدؽ يف اؼبعاين‪"[ :‬فإذا كافقت ىذه اؼبعاين ىذه اغباالت‬
‫تضاعف حسن موقعها عند مستمعها" السيما إذا أيدت دبا هبلب القلوب من الصدؽ عن ذات النفس‬
‫كالتصريح دبا كاف يكتم منها كاالعًتاؼ باغبق يف صبيعها‪ ،‬كيرل أف من أسباب حسن األشعار أف تودع‬
‫حكمة تألفها النفوس‪ ،‬كترتاح لصدؽ القوؿ فيها‪ ،‬كما أتت بو التجارب منها أك تضمن صفات صادقة‬
‫كتشبيهات موافقة كينصح الشاعر حُت يعمل شعره أف "يسوم أعضاءه كزنا‪ ،‬كيعدؿ أجزاءه تأليفا‪ ،‬كوبسن‬
‫صورتو إصابة كيكثر ركنقو اختصارا‪ ،‬كيكرـ عنصره صدقا‪ ،‬كحُت يتحدث عن تشبيهات معينة ظبتها‬
‫الصدؽ‪ ،‬كيشرح لو التشبيهات الصادقة فيقوؿ‪« :‬ما كاف من التشبيو صادقا قلت يف كصفو كأنو أك قلت‬
‫ككذا‪ ،‬كقارب الصدؽ قلت فيو‪ :‬تراه أك زبالو أك تكاد"](‪.)2‬‬

‫كىذا النوع من الصدؽ الواقعي الذم يؤكد عليو ابن طباطبا ىو ما يسمى بالصدؽ الواقعي اػبارجي‬
‫كمثلو ما كاف قريبا من اغبقيقة حىت كإف عرض يف باب آّاز‪ ،‬فيجب على الشاعر أف يتجنب اؼبعاين‬
‫البعيدة الغىلًقة‪ ،‬كيقصد إُف ما كاف قريبا من اغبقيقة إذا تعلق األمر بآّاز كيستعمل "من االستعارات ما‬
‫يليق باؼبعاين اليت يأيت ّٔا"(‪.)3‬‬

‫كمن ىذا آّاز البعيد عن اغبقيقة قوؿ اؼبثقب يف كصف ناقتو‪:‬‬


‫تقوؿ كقد ىد ىرأت ىؽبىا كضيٍت‬
‫ذ ا دينو أبدا كديٍت‬ ‫أه‬
‫أى يك ُّل الدىر حل كاررباؿ‬

‫(‪-)1‬ابن طباطبا العلوم‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عباس عبد الساتر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪2005 ،2‬ـ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫(‪-)2‬عبد السبلـ عبد العاؿ‪ ،‬نقد الشعر بُت ابن قتيبة كابن طباطبا‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مطبعة دار القرآف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫(‪-)3‬ابن طباطبا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪112‬‬
‫(‪.)1‬‬ ‫علي كال يقيٍت‬
‫أما ييبقى ٌ‬
‫تكلمت‬
‫فهذه اغبكاية كلها عن ناقتو من آّاز اؼبباعد للحقيقة‪ ،‬كإمبا أراد الشاعر أف الناقة لو ٌ‬
‫ألعربت عن شكواىا دبثل ىذا القوؿ (‪.)2‬‬
‫ٍ‬
‫كتأكيدا على مذىبو يف كجوب التزاـ الشاعر للصدؽ‪ ،‬يبنح ابن طباطبا للشاعر فسحة للتعبَت عن‬
‫دكاخل نفسو كما هبوؿ فيها من ـبتلف اؼبشاعر كما يتصل ّٔا من األحاسيس فيقوؿ‪" :‬كليس زبلو األشعار‬
‫قتص فيها أشياء ىي قائمة يف النفوس كالعقوؿ‪ ،‬فيحسن العبارة عنها كإظهار ما يبكن يف الضمائر‬
‫من أف يي َّ‬
‫منها فيبتهج السامع ؼبا يرد عليو فبا قد عرفو طبعو كقبلو فهمو" (‪.)3‬‬

‫كما يتحدث عنو ابن طباطبا ىنا ىو الصدؽ الواقعي الداخلي أك النفسي لكننا نبلحظ أنو ال يفلت‬
‫قره منذ البداية إذ يكوف ما يبهج السامع من الشعر الذم يصف دكاخل النفس‬
‫من حدكد الصدؽ الذم يي ُّ‬
‫كعرفو طبعيو؛ أم ما كاف صادقا ألنو ال يقبل إالَّ الصدؽ‪" ،‬أك تودع حكمة تألفها‬
‫فهمو ى‬
‫ىو ما قبلو ي‬
‫النفوس‪ ،‬كترتاح لصدؽ القوؿ فيها كما أتت بو التجارب منها أك تضمن صفات صادقة كتشبيهات موافقة‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كأمثاال مطابقة تصاب ّٔا حقائقها‪ ،‬كيلطف يف تقريب البعيد منها"‬

‫لبلص إُف أ ٌف ابن طباطبا قد أٌف على الصدؽ الواقعي يف اؼبعاين الشعرية اليت هبب أف تكوف على‬
‫عبلقة قوية بالعرؼ كما تعتقده العرب‪ ،‬كحىت إذا تعلق األمر بالتعبَت عن التجربة النفسية كالقصد إُف‬
‫إحداث أثر يف نفس اؼبتلقي ال بد أف يكوف اؼبعٌت أقرب إُف اغبقيقة حىت إذا عرض على الفهم قبلو‬
‫كصدقو‪.‬‬

‫قدامة بن جعفر ( ‪337‬ى )‪:‬‬

‫ربدث قدامة بن جعفر عن الصدؽ كالكذب يف الشعر حُت ذكر التناقص كأباح للشاعر أف يناقض‬
‫نفسو فيقوؿ يف اؼبعٌت كضده بشرط اف هبيد يف اغبالُت‪ ،‬قاؿ قدامة‪" :‬كفبا هبب تقديبو أيضا أف مناقضة‬
‫الشاعر نفسو يف قصيدتُت أك كلمتُت بأف يصف شيئا كصفا حسنا مث يذمو بعد ذلك ذما حسنا بيٌنا‪ ،‬غَت‬

‫(‪-)1‬نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫(‪ -)3‬نفسو‪ ،‬ص ‪. 125‬‬
‫(‪-)4‬نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫منكر عليو‪ ،‬كال معيب من فعلو‪ ،‬إذا أحسن اؼبدح كالذـ‪ ،‬بل ذلك عندم ي ٌدؿ على قوة الشاعر يف صناعتو‬
‫كاقتداره عليها" (‪. )1‬‬

‫نفهم من كبلـ قدامة أنو يقف إُف جانب الصدؽ الفٍت أم صدؽ التجربة اليت يصدر عنها الشاعر‬
‫يف اللحظة اليت ينظم فيها شعره‪ .‬إف ىذا الصدؽ ىو ما يتيح للمتلقي أف يتأثر (كأف يقتنع أيضا) بشعر‬
‫الشاعر دكف أف يعنيو الصدؽ الواقعي أم دكف أف يهمو أف يكوف الشاعر قد عاين التجربة كعاشها كاقعيا‪،‬‬
‫يرد قدامة على منتقدم‬
‫كدكف أف يهمو إذا كاف الشاعر مؤمنا –كاقعيا‪ -‬دبا يقولو‪ .‬كيف دفاعو عن مذىبو ٌ‬
‫امرئ القيس حُت رأكا أنو ناقض نفسو حُت قاؿ‪:‬‬
‫من‬ ‫يل‬
‫ٌ‬ ‫كفاني‪ ،‬ولم أطلب‪ ،‬قل‬ ‫أسعى أل ْدنى معيشة‬
‫فَلو أن ما َ‬
‫المال‬

‫وقد يدرك المج َد الم ثّ َل‬ ‫لمج ٍد ُم َ ثَّ ٍل‬


‫ولكنَّما أسعى ْ‬
‫(‪. ) 2‬‬ ‫أمثالي‬

‫السامية الرفيعة كيقوؿ يف‬


‫كىنا يقوؿ امرؤ القيس أنو رجل عاِف اؽبمة ال يرضى إال بآّد كاؼبكانة ٌ‬
‫موضع آخر‪:‬‬
‫(‪.)3‬‬ ‫وري‬
‫شبع ّ‬
‫وحسب من غني ٌ‬ ‫وسمنًا‬
‫فتمؤل بيتنا أقنا ْ‬

‫السمن مث وباكؿ إقناع اؼبتلقي بأف‬


‫كىنا يقنع امرؤ القيس باعبنب الذم يصنع من حليب العنزة ككذلك ٌ‬
‫الغٌت ىو أف يشبع كيرتوم‪.‬‬

‫بسمو اؽبٌمة كقلة‬


‫قاؿ قدامة‪" :‬فإف من عابو زعم أنٌو من قبيل اؼبناقضة‪ ،‬حيث كصف نفسو يف موضع ٌ‬

‫(‪-)1‬قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫(‪-)2‬نفسو‪ ،‬ص ‪ 67‬ككذلك ديواف امرئ القيس كملحقاتو‪ ،‬مج ‪ ،2‬شرح‪ :‬أبو سعيد السكرم‪ ،‬تح‪ :‬أنور علياف أبو سويلم كؿبمد علي‬
‫الشوابكة‪ ،‬مركز زايد للًتاث كالتاريخ‪ ،‬اإلمارات العربية اؼبتحدة‪ ،‬ط ‪ ،2000 ،1‬ص ‪.360‬‬
‫(‪-)3‬ديواف امرئ القيس‪ ،‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 580‬كاألقط‪ :‬جنب يتخذ من لنب اإلبل خاصة‪ ،‬كقاؿ احملققاف يف اؽبامش إف ىذا البيت َف‬
‫يركه األصمعي كزاده السكرم كراه آخركف‪ ،‬كقد كاف األصمعي يقوؿ‪" :‬امرؤ القيس ملك‪ ،‬كال أراه يقوؿ ىذا فكأنو أنكرىا"‪ .‬يراجع‪:‬‬
‫الديواف‪ ،‬ىامش التحقيق‪ ،‬ص ‪ .580‬كنوافق األصمعي على إنكاره ىذا البيت؛ إذ كيف يتحدث ملك ابن ملك عن العنزة كضرعها كحلبها‬
‫مث يقوؿ إنو يقنع من الغٌت باعبنب كالسمن (راجع درس االنتحاؿ)‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الرضى بدينء اؼبعيشة كأطرل يف موضع آخر القناعة كأخَت عن اكتفاء اإلنساف بشبعو كريو" (‪.)1‬‬

‫يبدأ قدامة يف توضيح عدـ التناقض بُت النصُت‪ ،‬بل إهنما يشًتكاف يف اؼبعٌت ذاتو بزيادة يف النص‬
‫األكؿ ذلك أف امرأ القيس يقوؿ إنو لو كاف يسعى للمعيشة السهلة البسيطة لكفاه قليل من اؼباؿ‪ ،‬كَف‬
‫يطلب شيئا آخر‪ ،‬كىذا اؼبعٌت ىو نفسو معٌت النص الثاين الذم يقوؿ فيو إف اإلنساف يكفيو من الغٌت أف‬
‫يشبع كيرتوم‪ .‬غَت أف النص األكؿ زاد بأف استدرؾ امرؤ القيس كأكضح أنو يسعى ّٓد مؤثل كال يكتفي‬
‫ألدىن معيشة‪.‬‬

‫مث يؤكد قدامة على أنو حىت لو كاف امرؤ القيس قد ناقض نفسو ألنو ال كجود لشرط يقضي بعدـ‬
‫مناقضة الشاعر لنفسو كقولو كبلما يتضاد مع كبلـ آخر‪ ،‬ذلك ألف "الشاعر ليس يوصف بأف يكوف‬
‫صادقا‪ .‬بل إمبا يراد منو إذا أخذ يف معٌت من اؼبعاين كائنا ما كاف أف هبيده يف كقتو اغباضر‪ .‬ال أف ينسخ ما‬
‫قالو يف كقت آخر" (‪.)2‬‬

‫كإذف نستطيع القوؿ مع قدامة إنٌو ليس يطلب من الشاعر أف يكوف شعره سجبل للمبلحظات‬
‫كالنتائج العلمية اليت ال تتغَت‪ ،‬بل إنو مسموح لو باالتساع كبقوؿ اؼبعٌت كضده شرط أف هبيد يف كل مرة‬
‫كيؤثر يف اؼبتلقي مهما كاف اؼبعٌت الذم يقولو فيو‪ ،‬كمن ىذه اؼبعاين اليت ال ييعتد فيها بصدؽ الشاعر اؼبعٌت‬
‫الفاحش‪ ،‬يقوؿ قدامة "كليس فحاشة اؼبعٌت يف نفسو فبا يزيل جودة الشعر فيو‪ ،‬كما ال يعيب جودة التجارة‬
‫يف اػبشب مثبل رداءتو يف ذاتو" (‪.)3‬‬

‫ال كجود ؼبعٌت فاحش أك عفيف‪ ،‬كال كجود ؼبعٌت رفيع أك كضيع‪ ،‬إمبا اؼبعاين كلٌها مباح للشاعر القوؿ‬
‫الرفث كالنزاىة‪،‬‬
‫–كاف‪-‬من الرفعة كالضعة‪ ،‬ك ٌ‬ ‫فيها بشرط بلوغ الغاية يف التجويد‪" :‬إذا شرع يف أم معٌت‬
‫كالبذخ كالقناعة‪ ،‬كاؼبدح كغَت ذلك من اؼبعاين اغبميدة أك الذميمة‪ ،‬أف يتوخى البلوغ من التجويد يف ذلك‬
‫إُف الغاية اؼبطلوبة" (‪ .)4‬كىنا يرفض قدامة مطالبة الشاعر بأف يكوف صادقا (الصدؽ الواقعي) كيقر الصدؽ‬
‫الفٍت‪ ،‬كىو بذلك يوافق أبا بكر الصوِف ( ‪335‬ىػ) يف دفاعو عن أيب سباـ حُت اهتم بالكفر "كقد ٌادعى قوـ‬

‫(‪-)1‬قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬ص ‪.67‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.66 ،65‬‬

‫‪115‬‬
‫ظننت أ ٌف كفرا ينقص من‬
‫عليو الكفر بل حققوه كجعلوا ذلك سببا للطٌعن على شعره كتقبيح حسنو‪ ،‬كما ي‬
‫ضر ىؤالء األربعة‪ ،‬الذين أصبع العلماء على أ ٌهنم أشعر الناس‪:‬‬
‫شعر‪ ،‬كال أف إيبانا يزيد فيو (‪ )...‬ككذلك ما ٌ‬
‫ضرىم يف أنفسهم كال رأينا جريرا‬
‫امرأ القيس كالنابغة الذبياين كزىَتا كاألعشى‪ ،‬كفرىم يف شعرىم‪ ،‬كإمبا ٌ‬
‫كالفرزدؽ يتقدماف األخطل عند من يقدمهما عليو بإيباهنما ككفره » (‪.)1‬‬

‫قضية الصدق عند اآلمدي (‪370‬ى )‬

‫قاؿ اآلمدم‪« :‬كقد ذكر بزرصبهر فضائل الكبلـ كرذائلو‪ ،‬كبعض ذلك داخل يف الشعر فقاؿ‪ :‬إ ٌف فضائل‬
‫الكبلـ طبس إف نقصت منها فضيلة كاحدة سقط فضل سائرىا كىي‪ :‬أف يكوف الكبلـ صدقا‪ ،‬كأف يقع موقع‬
‫االنتفاء بو‪ ،‬كأف يتكلم بو يف حينو‪ ،‬كأف وبسن تأليفو‪ ،‬كأف يستعمل منو مقدار اغباجة"(‪.)2‬‬

‫كيعلق اآلمدم على كبلـ بزرصبهر (الذم كاف كزيرا ألحد أكاسرة الفرس) أف اؼبراد منو الكبلـ اؼبنثور‬
‫الذم زباطب بو اؼبلوؾ كـباطبة اؼبلوؾ تقتضي مراعاة مقاماهتم‪ ،‬لكنو ال يراد بو الشاعر ألف الشاعر "ال‬
‫يطالب بأف يكوف قولو صدقا كال أف يوقعو موقع االنتفاع بو‪ ،‬ألنو قد يقصد إُف أف يوقعو موقع الضرر‪ ،‬كال‬
‫اف هبعل لو كقتا دكف كقت‪ .‬كبقيت اػبلتاف األخرياف كنبا كاجبتاف يف شعر كل شاعر‪ .‬كذلك أف وبسن‬
‫تأليفو كال يزيد فيو شيئا على قدر حاجتو" ( ‪.)3‬كيرل ؿبمد مندكر أف اآلمدم "قصد بأف الشاعر ال يطلب‬
‫منو أف يكوف قولو صادقا أم ال يطلب منو الصدؽ الواقعي كإمبا "يكفي اف يكوف صادرا عن كاقع نفسي"‬
‫(‪.)4‬‬

‫غَت أف اآلمدم يبدك غَت مستوعب ؼبقولو «أعذب الشعر أكذبو» كاليت تعٌت أف أعذب الشعر‬
‫كأكثره مراعاة لشعور اؼبتلقي بلذة القراءة ما كاف مبنيا على التخييل ال على الكبلـ يف األخبار اؼبقررة‬
‫كالوقائع حيث يقوؿ يف نص للبحًتم‪:‬‬

‫أبر فيو على إحساف كل ؿبسن قولو‪:‬‬


‫«كفبٌا ٌ‬
‫(‪-)1‬أبو بكر الصوِف‪ ،‬أخبار أيب سباـ‪ ،‬تح‪ :‬خليل ؿبمود عساكر كآخركف‪ ،‬منشورات دار اآلفاؽ اعبديدة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1980 ،2‬ص ص‬
‫‪.174-172‬‬
‫(‪-)2‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،4‬د ت‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.428‬‬
‫(‪-)4‬ؿبمد مندكر‪ ،‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪ ،1996 ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪116‬‬
‫يل‬
‫اَ َل التعادي دونو والتل ُ‬ ‫وح‬
‫َ‬ ‫أيا سكنا فات الفرا ُق بتنسو‬

‫كنل فيو أعلل‬


‫مضى زمن ُ‬ ‫بكرىي رضا الع ّلال عنّي و نّوُ‬
‫المعجل‬
‫ّ‬ ‫ولم يمترم نفسي الحمام‬ ‫ف ل جسمي‬ ‫فال تعجبا ن كم لم ي‬
‫ضنى‬
‫ال ّ‬
‫وفارقني شفعا لو المتوكل‬ ‫الفتل عنّي مو ّدعا‬
‫فمن قبل بان ُ‬
‫الركاة يقولوف‪ :‬أجود الشعر أكذبو‪ .‬ال كاهلل ما أجوده كال أصدقو إذا كاف لو من‬
‫كقد كاف قوـ من ٌ‬
‫يلخصو ىذا التلخيص‪ ،‬كيورده ىذا اإليراد على حقيقة الباب" (‪.)1‬‬

‫قضية الصدق عند عبد القاىر الجرجاني (‪471‬ى )‪:‬‬

‫رد إُف العقل قبلو‬


‫يؤكد عبد القاىر اعبرجاين أف الشعر يبٌت على التخييل ال على اغبقائق كما إذا ٌ‬
‫إذا قاـ عليو الربىاف‪ ،‬كيقوؿ يف شأف بيت البحًتم السابق‪:‬‬
‫في الشعر يكفي عن صدقو كلبو‪.‬‬ ‫كلفتمونا حدود منطقكم‬

‫"أراد كلفتمونا أف قبرم مقاييس الشعر على حدكد اؼبنطق‪ ،‬كنأخذ نوفسنا فيو بالقوؿ احملقق حىت ال‬
‫ن ٌدعي إال ما يقوـ عليو من العقل برىاف يقطع بو كييلجئ إُف موجبو مع أف الشعر يكفي فيو التخييل‬
‫كالذىاب بالنفس إُف ما ترتاح إليو من التعليل" (‪ .)2‬ليس ىذا ىو الشعر –إذف‪ -‬كلو كاف كذلك لكاف مثل‬
‫أم علم من العلوـ حيث ال تتقبل اغبقيقة إالٌ إذا سبت الربىنة على صحتها‪ ،‬كقبل العقل ىذا الربىاف‪ ،‬كإمبا‬
‫ؾباؿ الشعر ىو التخييل كالسماح للشاعر بأف وبلٌق يف ظباء اإلبداع ليقوؿ ما يؤثر يف النفوس كيبعث فيها‬
‫البهجة أك اغبزف ال أف يقوـ مقاـ آّادلُت‪.‬‬

‫الرجل ما ليس فيو‪،‬‬


‫كيرل عبد القاىر أنو ليس ينقص من الشعر أك وبطو كال يرفعو أف يضيف الشاعر ٌ‬
‫أك يسلبو فضائلو اليت ىي فيو‪ .‬إمبا قيمة الشعر تكمن فيو من حيث ىو قوؿ ـبيل مبتدع‪ ،‬فإذا اتسع الشاعر‬
‫بغض النظر عن قولو اغبقيقة أك ال‪.‬‬
‫الصنعة كأحسن كأجاد‪ ،‬يحسب ذلك لو كلشعره ٌ‬
‫يف اؼبعٌت كتفنٌن يف ٌ‬
‫الشعر أكذبو» حيث يذىب الشاعر إُف "مذىب اؼببالغة كاإلغراؽ يف اؼبدح‬
‫كىذا مذىب من يقوؿ‪« :‬خَت ٌ‬

‫(‪-)1‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ص ص ‪.58 ،57‬‬


‫(‪-)2‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬أسرار الببلغة‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد رشيد رضا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،1988 ،1‬ص‬

‫‪117‬‬
‫البث كالفخر كاؼبباىاة‪ ،‬كسائر اؼبقاصد كاألغراض‪ ،‬كىناؾ هبد الشاعر سبيبل إُف أف يبدع‬
‫كال ٌذـ كالوصف ك ٌ‬
‫الصور كيعيد" (‪.)1‬‬
‫كيزيد‪ ،‬كيبدئ يف اختيار ٌ‬
‫مر يف بيت حساف بن ثابت‪ ،‬فَتل عبد القاىر‬
‫كأما عن القائلُت بأف «خَت الشعر أصدقو» كما ٌ‬
‫أهنم أعرضوا عن اإلغراؽ كاؼببالغة كآثركا التحقيق كالتصحيح‪ ،‬كاعتماد ما يقبلو العقل كيصدقو إذ كاف مثل‬
‫ىذا الشعر بالنسبة إُف ىذا الفريق "شبره أحلى‪ ،‬كأثره أبقى‪ ،‬كفائدتو أظهر‪ ،‬كحاصلو أكثر"(‪.)2‬‬

‫كلبرج بنتيجة مفادىا أف النقاد العرب القدامى مع تعظيمهم للحكمة كاحًتامهم للقوؿ الصائب‬
‫الذم يلقح العقوؿ كيسند اإلنساف يف خوضو لتجارب اغبياة دبا وبويو من خربات كعصارات ذبارب‬
‫الرجاؿ‪ ،‬فإهنم كانوا على يقُت بأف الشعر إبداع كخلق كأنٌو كذلك كبلـ غَت عادم ذبوز فيو اؼببالغة كما‬
‫انصب حكم معظم نقادنا القدامى على النص من حيث ىو سبثيل للجماؿ كاغبسن‪ ،‬كإُف‬
‫يتجاكزىا‪ ،‬فقد ٌ‬
‫جانب ما قد يقدمو من حقائق كأخبار‪ ،‬فإنو ال بد أف يبعث اؼبتلقي على االلبراط يف ذبربة صبالية فريدة‬
‫فيصنع ال ٌدىشة كالبهجة أك اغبزف كالشجن‪ ،‬كال يكوف ذلك بالتزاـ ماىو حقيقي ككاقعي كأنٌو يف التاريخ أك‬
‫اعبغرافيا‪.‬‬

‫(‪-)1‬نفسو‪ ،‬ص ‪.237‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.237‬‬

‫‪118‬‬
‫المحاضرة الحادية عشرة‪:‬‬
‫الموازانات النقدية‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫تشَت اؼبوازنة من طريق قريب إُف معٌت الوزف كالكيل كمبلحظة رجحاف إحدل كفيت اؼبيزاف أك‬
‫اتفاقهما يف القيمة كاؼبقدار‪.‬‬

‫كليست ىذه اؼبوازنة دبا ربملو من اؼببلحظة كتسجيل الفوارؽ إال سلوكا إنسانيا ضاربا يف القدـ‪ ،‬بل‬
‫حب اؼبفاضلة بُت الوسائل اليت ترمي إُف غرض كاحد‪ ،‬كاؼبوازنة‬
‫الناس على ٌ‬
‫إنو فطرة يف اإلنساف‪ ،‬فقد "فيطر ي‬
‫بُت األنواع اليت ترجع إُف أصل كاحد‪ ،‬كقد ظهرت ىذه الفطرة جلية حُت ظهر الشعر كتبارل يف قرضو‬
‫الشعراء" (‪.)1‬‬

‫كَف تكن اؼبوازنة إالٌ ىذه اؼبفاضلة بُت الشعراء كاغبكم بتفضيل أحدىم على اآلخر‪ /‬اآلخرين‪ ،‬كقد‬
‫كاف ذلك يتم يف بيئات ـبتلفة منها قصور اغبكاـ كاؼبوسرين أصحاب النفوذ الذين يقصدىم الشعراء‬
‫مر بنا يف حكاية خيمة‬
‫بالقصائد اؼبدحية‪ ،‬كاألسواؽ اليت يبنح فيها امتياز التحكيم ألحد الشعراء‪ ،‬مثلما ٌ‬
‫النابغة النقدية‪.‬‬

‫كمنها اعبمهور اؼبتلقي الذم يستمع إُف القصيدتُت أك ؾبموع القصائد فيحكم لشاعر على حساب‬
‫آخر‪ ،‬كمثل ىذه اؼبفاضلة مرت بنا يف قصة ربكيم (أـ جندب) زكج امرئ القيس‪ ،‬كتغليب علقمة الفحل‬
‫عليو من الناحية الفنية‪.‬‬

‫(‪-)1‬زكي مبارؾ‪ ،‬اؼبوازنة بُت الشعراء‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪1‬ف ‪1993‬ـ‪ ،‬ص ‪.07‬‬

‫‪119‬‬
‫كاؼبوازنة سواء أمنهجا نقديا كانت أـ مفاضلة بُت الشعراء كاغبكم ألحدىم بأنو األفضل إطبلقا‪ ،‬أك‬
‫فعل مسؤكؿ ككظيفة ؽبا كزهنا كمكانتها‬
‫أنو أفضل من شاعر آخر‪ ،‬ليست عمبل متاحا ألم كاف‪ ،‬إٌمبا ىي ه‬
‫يف أدب كثقافة أمة من األمم‪ ،‬ألنو "يتميز ّٔا الردمء من اعبيٌد كتظهر ّٔا كجوه القوة كالضعف يف أساليب‬
‫البياف‪ :‬فهي تتطلب ٌقوة يف األدب‪ ،‬كبصرا دبناحي العرب يف التعبَت كمن ىناؾ كاف القدماء يتحاكموف إُف‬
‫النابغة ربت قبتو اغبمراء يف سوؽ عكاظ‪ ،‬إذ كاف يف نظرىم أقدر الشعراء على كزف الكبلـ»(‪.)1‬‬

‫كما يهمنا يف ىذا اؼبقاـ ىو درس اؼبوازنات النقدية اليت تدخل فيما يسميو ؿبمد مندكر "النقد‬
‫اؼبنهجي"‪ ،‬كقبل ىذا نعرؼ معٌت (اؼبوازنة)‪.‬‬

‫الموازنة لغة‪:‬‬

‫قاؿ ابن منظور‪« :‬كزف‪ ،‬الوزف‪ :‬ركز الثٌقل كاػبٌفة‪ ،‬الليث‪ :‬الوزف ثػى ٍق يل شيء بشيء مثلو (‪ )...‬ككازنت‬
‫بُت الشيئُت موازنة ككزانا‪ ،‬كىذا يوازف ىذا إذا كاف على زنتو أك كاف ؿباذيو (‪ )...‬كاؼبيزاف‪ :‬العدؿ‪ ،‬ككازنوي‪:‬‬
‫عادلو كقابلو»(‪. )2‬‬

‫أم‬
‫اؼبوازنة إذف متعلقة بالوزف‪ ،‬كىو الكيل‪ ،‬كزف شيء بشيء آخر يقابلو كيوضع بإزائو كالنظر إُف ٌ‬
‫منهما رجحت كفة اؼبيزاف أك إذا كانت الكفتاف متعادلتُت‪.‬‬

‫الموازنة اصطالحا‪:‬‬

‫«ىي اؼبفاضلة بُت شاعرين أك كاتبُت أك أديبُت أك أكثر للوصوؿ إُف حكم نقدم»(‪.)3‬‬

‫ك ٌأكؿ ما كصلنا من اؼبؤلفات النقدية العربية اليت اشتغلت باؼبوازانات النقدية‪ ،‬ىو كتاب " الموازنة"‬
‫لآلمدي (‪370‬ى )‪ ،‬بل إف ىذا الكتاب جعل لو صاحبو اؼبوازنة عنوانا ليدؿ بو على منهجو‪ ،‬كىبرب القارئ‬
‫عن الطريق اليت سلكها‪ ،‬كالطريقة اليت ارتضاىا ليحكم بُت الطائيُت (أبو سباـ) ك(البحًتم)‪.‬‬

‫قاؿ اآلمدم‪" :‬فأما أنا فلست أفصح بتفضيل أحدنبا على اآلخر‪ ،‬كلكن أكزاف بُت قصيدة كقصيدة‬
‫من شعرنبا إذا اتٌفقنا يف الوزف كالقافية كإعراب القافية‪ ،‬كبُت معٌت كمعٌت‪ ،‬مث أقوؿ‪ :‬أيهما أشعر يف تلك‬

‫(‪-)1‬زكي مبارؾ‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.07‬‬


‫(‪-)2‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (كزف)‪.‬‬
‫(‪-)3‬أضبد مطلوب‪ ،‬معجم النقد العريب القدًن‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الشؤكف الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪ ،1989 ،‬ص‪.373‬‬

‫‪120‬‬
‫القصدية كيف ذلك اؼبعٌت؟" (‪.)1‬‬

‫وب ٌدد اآلمدم منهجو كطريقتو يف اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كشعر البحًتم فطريقتو تعتمد على‪:‬‬

‫‪-‬عدـ إصدار حكم التفضيل ألم من الشاعرين‪ ،‬كترؾ ىذه العملية للمتلقي كيشًتط يف ىذا‬
‫اؼبتلقي أال يكوف عاديا بسيطا بعيدا عن فبارسة العملية (النقدية)‪ ،‬بل يكوف متلقيا (عاؼبا)؛ يقوؿ اآلمدم‬
‫لكل كاحد منهما إذا أحطت علما‬
‫بعد أف يوضح طريقتو‪" :‬مث احكم أنت حينئذ‪-‬إف شئت‪-‬على صبلة ما ٌ‬
‫الردم" (‪.)2‬‬
‫باعبيٌد ك ٌ‬
‫‪-‬تكوف اؼبوازنة دبقابلة قصيدتُت مشًتكتُت يف الوزف كالقافية كإعراب القافية‪.‬‬

‫‪-‬تكوف اؼبوازنة بُت اؼبعٌت كاؼبعٌت نفسو ليستنتج أم الشاعرين أشعر يف اؼبعٌت موضوع اؼبوازنة‪ .‬كال‬
‫يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة إالٌ بعد أف يعضد رأيو بآراء غَته‪ ،‬كينظر فيما قاؿ الذين كانوا قبلو ليزداد يقينا فيما‬
‫يذىب إليو؛ يقوؿ‪" :‬كأنا ابتدئ يذكر ما ظبعتو من احتجاج كل فرقة من أصحاب ىذين الشاعرين على‬
‫الفرقة األخرل‪ ،‬عند زباصمهم يف تفضيل أحدنبا على اآلخر‪ ،‬كما ينهاىا بعض على بعض لتتأمل ذلك‪،‬‬
‫لعل أف تعتقده" (‪.)3‬‬
‫كتزداد بصَتة كقوة يف حكمك إف شئت أف ربكم كاعتقادؾ فيما ٌ‬
‫كيسجل ؿبمد مندكر إعجابو دبنهج اآلمدم‪ ،‬كيقوؿ إنو كانا بابا جديدا ـبالفا يف النقد العريب‬
‫القدًن‪ ،‬كطريقة ف ٌذة يف التعامل مع النصوص األدبية‪" :‬كىذه ببل ريب نغمات جديدة يف تاريخ النقد‬
‫األديب" (‪.)4‬‬

‫كحبسب إحساف عباس فإف كتاب (اؼبوازنة) يبثل نقلة يف تاريخ النقد العريب‪ ،‬إنٌو كثبةه "دبا اجتمع لو‬
‫من خصائص ال دبا حققو من نتائج‪ .‬ذلك ألنو ارتفع عن سذاجة النقد القائم على اؼبفاضلة يوحي من‬
‫(الطبيعة) كحدىا دكف تعليل كاضح" (‪.)5‬‬

‫نماذج من الموازنة‬

‫(‪-)1‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬تح‪ :‬اؼبوازنة‪ ،‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،4‬دت‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫(‪-)2‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫(‪-)4‬ؿبمد مندكر‪ ،‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنٌشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د طن ‪ ،1996‬ص ‪.99‬‬
‫(‪-)5‬إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار الشركؽ للنشر كالتوزيع‪ ،‬عماف‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،4‬ص ‪.145‬‬

‫‪121‬‬
‫بعد ذكر ؾبموعة من سرقات الشاعرين‪ ،‬كصبلة من أخطائهما كاضطراباهتما كردكد على منتقديهما‬
‫يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة‪" :‬كأنا أذكر بإذف اهلل اآلف يف ىذا اعبزء أنواع اؼبعاين اليت يتفق فيها الطائياف؛‬
‫كأكزاف بُت اؼبعٌت كمعٌت كأقوؿ‪ :‬أيهما أشعر يف ذلك اؼبعٌت بعينو" (‪ .)1‬كيبنح اآلمدم اؼبتلقي سلطة كاملة يف‬
‫إصدار األحكاـ كينصحو بعدـ انتظار حكمو النهائي اؼبطلق الذم لن ينطق بو ـبافة كقوع القارئ يف‬
‫التقليد دكف النظر كالتأمل‪" :‬فبل تطالبٍت أف أتع ٌدل ىذا إُف أف أفصح لك بأيهما أشعر عندم على‬
‫اإلطبلؽ؛ فإين غَت فاعل ذلك؛ ألنك إف قلٌدتٍت َف ربصل لك الفائدة بالتقليد"(‪. )2‬‬

‫كقبل أف يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة يؤكد على أمرين اثنُت؛ أكؽبما أ ٌف الشعر ليس بنية شكلية فقط‪ ،‬بل‬
‫ىو ؿبتول كمضموف كذلك (معٌت) كثاين ىذين األمرين ىو أ ٌف الناقد مهما كاف منهجيا فإنو ال يستطيع‬
‫التخلص من ذاتيتو كال التنصل من ميولو‪ ،‬كإ ٌف ذلك ال وبدث إالٌ دبجاىدة النفس كـبالفة ىواىا‪.‬‬

‫يبدأ اآلمدم دبا بدأ بو الشعراء (حبكم العادة) من ذكر الديار كالبكاء على األطبلؿ ككصف الرسوـ‬
‫البالية‪:‬‬

‫قاؿ أبو سباـ‪:‬‬

‫اس(‪.)3‬‬
‫ما في وقوف ساعة من باس*** نقضي ذماما األربُع األَ ْد َر ِ‬

‫وبكم اآلمدم على ىذا االبتداء بأنو‪" :‬جيد بالغ" (‪.)4‬‬

‫كقاؿ البحًتم‪:‬‬

‫سع ٍد *** يُ ْعطى األسى من َد ْم ِعو المب ُلول (‪.)5‬‬


‫وقفةَ م ِ‬
‫ُ‬ ‫ب ألخي‬
‫ب َى ْ‬
‫يا َو ْى ُ‬
‫كإف كاف اآلمدم قد أعجب ببيت أيب سباـ كرأل أنٌو بلغ الغاية يف اعبودة‪ ،‬فإنو انتقد بيت البحًتم‬
‫كصبلة من أبياتو يف معٌت البكاء على الديار كرأل أف الفرؽ بُت البيتُت ىو أف أبا سباـ سلك سبيل العرب‬
‫مركا ّٔا فيقفوف عليها يبكوف أيامهم اؼباضية‬
‫يف ىذا اؼبعٌت إذ كانوا يعرجوف على الدمن كاؼبنازؿ اػبربة إذا ٌ‬
‫(‪-)1‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ص ‪.410‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.410‬‬
‫(‪-)3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.430‬‬
‫(‪-)4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.430‬‬
‫(‪ -)5‬نفسو‪ ،‬ص ‪.435‬‬

‫‪122‬‬
‫كعهود صباىم كشبأّم كيتذكركف األحبة‪ ،‬كما كاف من زمن مضى كانقضى أما البحًتم فهو ىبالف ىذا‬
‫اؼبسلك‪ ،‬فيجعل الديار غاية كمقصدا كالبكاء عليها فعبل مقصودا؛ "مث إنٌا ما علمنا أحدا قصد دارا عفت‬
‫من شقة بعيدة؛ كاحدا كاف أك يف صباعة للتسليم عليها‪ ،‬كاؼبسألة ؽبا‪ ،‬مث انصرفوا راجعُت من حيث جاؤكا‬
‫فإف ىذا ما ظبع بو‪ ،‬كال ىو من أغراضهم‪ ،‬إذ ليس فيو جدكل‪ ،‬كال يؤدم إُف فائدة» (‪.)1‬‬

‫كالفائدة كاعبدكل اليت يتحدث عنها اآلمدم غَت موجودتُت يف بيت البحًتم‪:‬‬
‫(‪. ) 2‬‬ ‫تضرك وقفةُ في منلل‬
‫بل ما ّ‬ ‫ماذا علي من انتظار متيّم‬

‫فالبيت كإف كاف معناه يف الوقوؼ على األطبلؿ إال أنٌو ـبالف لعادات العرب ذلك أف "الذم ذكره‬
‫من االنتظار‪ -‬كلن كاف مليحا يف اللفظ‪ -‬فهو يف اؼبعٌت متكلٌف؛ ألف الواقف يف الدار ال ينتظر أمرا‪ ،‬كإمبا‬
‫يقف ربسرا كتل ٌددا كربَتا" (‪.)3‬‬

‫كالفائدة اليت يقصدىا اآلمدم‪ ،‬إمبا تقع يف بيت أيب سباـ‪ ،‬إذ كانت عادة العرب أهنم إذا رحلوا‬
‫الصبا‪ ،‬فحنوا إُف أكطاهنم‪ ،‬كدعاىم اغبنُت إُف‬
‫كارربلوا كاقًتبوا من ديار األحبة‪ ،‬تذكركا عهد الشباب ك ٌ‬
‫الوقوؼ على الديار القديبة‪ ،‬كالبكاء عليها‪ ،‬كالتسليم عليها كتكليمها كؿباكرهتا‪.‬‬

‫كإمبا يقع ىذا كلٌو يف (الوقفة الطللية) اليت يجعلت مقدمة للقصيدة العربية‪ ،‬كذلك ألثرىا يف نفوس‬
‫اؼبتلقُت‪ ،‬فهي تستدعي االنتباه‪ ،‬كتستحوذ على االىتماـ ؼبا فيها من الوفاء بالعهد‪ ،‬كتذكر الصبا‪ ،‬كذكر‬
‫احملبوبة كتذكر عبلقتو ّٔا كالبكاء على ذىاب ذلك الزمن‪ ،‬كىذا (الئط بالقلوب) كما قاؿ ابن قتيبة‬
‫(‪276‬ىػ) يف كتاب (الشعر كالشعراء)‪.‬‬

‫كاؼببلحظ أ ٌف اآلمدم ال يصرح بأ ٌف البحًتم قد أخطأ‪ .‬بل إننا قبده بعد اف يورد بيتا لو رأل النقاد‬
‫أنو قصد فيو إُف األطبلؿ كَف يكن ؾبتازا‪ ،‬يدافع عنو كيلتمس لو األعذار‪ ،‬ك"الوجو الذم جاء بو البحًتم‬
‫الرمة كجو غَت ىذه الوجوه‪ ،‬كطريقة غَت ىذه الطرؽ‪ ،‬كَف أقل‬
‫كربرز منو عنًتة كذك ٌ‬
‫يف الوقوؼ على ال ٌديار ٌ‬
‫قلت‪ :‬إف اؼبعٌت غَت جيٌد" (‪.)4‬‬
‫إنٌو خطأ‪ ،‬كإمبا ي‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.436‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪-)3‬الباقبلين‪ ،‬إعجاز القرآف‪ ،‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪ .342‬كتل ٌددا معناه يلتفت يبينا كيسارا‪.‬‬
‫(‪-)4‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ص ‪.439‬‬

‫‪123‬‬
‫كيعد اآلمدم بأف القارئ لكتابو سيجد للبحًتم ‪-‬يف معٌت الوقوؼ على ال ٌديار‪" -‬ما ىو أجود من‬
‫كل جيٌد"(‪ ،)1‬كلسنا نشك يف أف ىذا (اعبيد) يشمل بيت أيب سباـ يف اؼبعٌت ذاتو‪.‬‬

‫يثبت اآلمدم ؾبموعة من ابتداءات البحًتم يف الوقوؼ على األطبلؿ اليت حكم مسبقا بأهنا «أجود‬
‫كل جيد» مث ىبرج إُف ىذه النتيجة‪" :‬فهذا ما ابتدآ بو من ذكر الوقوؼ‪ ،‬كأجعلهما متكافئُت‪ ،‬من أجل‬
‫من ٌ‬
‫براعة بييت البحًتم األكلُت)*(‪ ،‬كأ ٌهنما أجود من سائر أبيات أيب سباـ‪ ،‬كألف للبحًتم يف الباب التقصَت الذم‬
‫ذكرتو كليس أليب سباـ مثلو» (‪.)2‬‬

‫ترظبو‪ ،‬ماض يف‬


‫كىكذا يستمر اآلمدم يف اؼبوازنة بُت الشاعرين يف معاف كثَتة ملتزما اؼبنهج الذم ٌ‬
‫اػبطة اليت ارتضاىا لنفسو ٌأكؿ مرة‪.‬‬

‫غَت اف كثَتا من النقاد قدامى كؿبدثُت يركف أنٌو َف يكن منصفا بُت الشاعرين‪ ،‬كإف كاف قد ادعى‬
‫النصفة‪ ،‬بل إنو يف مواضع كثَتة ظلم أبا سباـ يف أحكامو كذبٌت عليو (‪.)3‬‬

‫كيرل إحساف عباس أف اآلمدم كاف منحازا للبحًتم الذم َف ىبرج عن عمود الشعر كقاؿ كما كاف‬
‫(‪)4‬‬
‫صرح ّٔذا االكبياز كاؼبيل حُت‬
‫يقوؿ القدماء ‪ ،‬ألجل ىذا كضح ابتعاد اآلمدم عن االنصاؼ بل إنو قد ٌ‬
‫قاؿ‪" :‬كاؼبطبوعوف كأىل الببلغة ال يكوف الفضل عندىم من جهة استقصاء اؼبعاين كاإلغراؽ يف الوصف؛‬
‫السبك‬
‫كإمبا يكوف الفضل عندىم يف اإلؼباـ باؼبعاين‪ ،‬كأخذ العفو منها‪ ،‬كما كانت األكائل تفعل مع جودة ٌ‬
‫كقرب اؼبأتى كالقوؿ يف ىذا قوؽبم‪ ،‬كإليو أذىب (‪.)5‬‬

‫ايب الشعر‪ ،‬مطبوع كعلى مذىب األكائل‪ ،‬كما فارؽ عمود الشعر‬
‫ككاف اآلمدم ٌقرر أف البحًتم "أعر ٌ‬

‫(‪-)1‬نفسو‪ ،‬ص ف‪.‬‬


‫)*(–البيتاف اللذاف نبا أجود من سائر أبيات أيب سباـ نبا‪:‬‬
‫كيفعل‬
‫ي‬ ‫صب ما أراد‬
‫فتم اؼبنزؿ=فيقوؿ ه‬
‫عرج بذم سلم ٌ‬ ‫‪ٌ /1‬‬
‫كم من كقوؼ على األطبلؿ كال ٌدمن=َف يشف من برحاء الشوؽ ذا شجن‬
‫يراجع‪ :‬اؼبوازنة‪ :‬ص ‪.440 ،439‬‬
‫(‪-)2‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ص ‪.440‬‬
‫(‪-)3‬راجع‪ :‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ج‪ ،3‬تح‪ :‬احملارب‪ ،‬ص ص ‪.98-65‬‬
‫(‪-)4‬يراجع إحساف عباس‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫(‪-)5‬اآلمدم‪ ،‬اؼبوازنة‪ ،‬ج‪ ،1‬ـ س‪ ،‬ص ‪.525‬‬

‫‪124‬‬
‫اؼبعركؼ" (‪ .)1‬كأف أبا سباـ "شديد التكلف‪ ،‬صاحب صنعة‪ ،‬كيستكره األلفاظ كاؼبعاين‪ ،‬كشعره ال يشبو‬
‫أشعار األكائل» (‪ .)2‬كإذا كاف اآلمدم يقرف البحًتم باؼبطبوعُت من الشعراء فإنو ال هبد من يقرف بو أبا‬
‫سباـ(‪ )3‬من الشعراء احملدثُت الذين ينتموف إُف طبقتو‪.‬‬

‫كىنا يطرح إحساف عباس سؤاال مفاده‪« :‬إذا كاف أبو سباـ ال يقًتف بأحد من أبناء مذىبو كطبقتو‬
‫فهل من اؼبمكن إجراء اؼبوازنة بينو كبُت البحًتم؟ علما بأف البحًتم (‪ )4‬ليس من طبقة أيب سباما كال من‬
‫مذىبو يف الشعر ‪.‬‬

‫كعلى الرغم من اؼبآخذ على كتاب (اؼبوازنة) فإنو يبقى "موازنة‪ ،‬مدركسة‪ ،‬مؤيدة بالتفصيبلت اليت‬
‫تلم باؼبعاين كاأللفاظ كاؼبوضوعات الشعرية بفركعها اؼبختلفة‪ ،‬ككاف تعبَتا عن اؼبعاناة اليت ال تعرؼ الكلل‬
‫ٌ‬
‫يف استقصاء موضوع الدراسة من صبيع أطرافو‪ ،‬كؽبذا جاء حبثا يف النقد كاضح اؼبنهج» (‪.)5‬‬

‫كإُف جانب كتاب اؼبوازنة لآلمدم‪ ،‬ظهر كتاب آخر ال يقل قيمة عنو يف نظر النقاد ىو كتابو‬
‫(الوساطة) للقاضي اعبرجاين (‪392‬ىػ)‪.‬‬

‫الوساطة بين المتنبي وخصومو للقاضي الجرجاني (‪392‬ى )‪:‬‬

‫‪-‬الوساطة لغة‪:‬‬

‫قاؿ ابن منظور‪« :‬كسط الشيء ما بُت طرفيو (‪ )....‬كالتوسط بُت الناس‪ :‬من الوساطة‪ ،‬ككسط‬
‫الشيء‪ :‬أعدلو»(‪. )6‬‬

‫الوساطة اصطالحا‪ :‬ىي أف "يدخل الناقد بُت أطراؼ متنازعة ليحكم لواحد أك عبماعة منها‪ .‬كقد‬
‫فعل القاضي اعبرجاين ذلك يف كتابة (الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومة) بعد أف رأل خصوـ الشاعر ينكركف لو‬

‫(‪-)1‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.04‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.04‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫(‪-)4‬إحساف عباس‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫(‪-)5‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫(‪-)6‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬مادة (كسط)‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫كل فضل"(‪. )1‬‬

‫‪-‬كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومو‪.‬‬


‫(‪)2‬‬
‫الرابع‪،‬‬
‫قيل إف اؼبتنيب مؤل الدنيا كشغل الناس ‪ ،‬كاف الشاعر الذم اختلف فيو صبهور كنقاد القرآف ٌ‬
‫كَف يكن شاعرا ذا مذىب خاص يريد أف يضع لو القواعد كيبتنو يف أرضية الشعر العريب شاف أيب سباـ‪ .‬لكنو‬
‫كاف شاعرا مثلت شخصيتو كشاعريتو إشكاال كبَتا بالنسبة إُف اؼبتلقُت؛ فقد كاف ذا شاعرية ف ٌذة‪ ،‬ككاف ذا‬
‫شخصية فريدة‪ ،‬معتدا بنفسو‪ ،‬طموحا‪ ،‬كقد نسب إُف اعبنوف حُت اشًتط على فبدكحو (سيف الدكلة) أكؿ‬
‫ينشده إال كىو قاع هد‪ ،‬كأنو ال يكلٌف تقبيل األرض بُت يديو» (‪.)3‬‬
‫اتصالو بو أنٌوي إذا أنشده مدوبو ال ي‬
‫لذلك كاف للمتنيب كثَت من اػبصوـ الذين رأكا أنٌو ليس لو أم فضل كطعنوا يف شاعريتو‪ ،‬فكانت‬
‫اغباجة ماسة لناقد ؿبايد كمنصف يضع الشاعر يف منزلتو اليت يستحقها ككاف ىذا الناقد اؼبنصف ىو‬
‫القاضي اعبرجاين ك "قصد من تأليفو أف ينصف ىذا الشاعر فيلحقو بطبقتو من احملدثُت كبشار كأيب نواس‬
‫صف أشياع اؼبتنيب الذين فضلوا شعره على أشعار معاصريو‬
‫كأيب سباـ؛ كىو على ىذ النٌحو ال يكوف من ٌ‬
‫اغبق أ ٌف مثل ىذا اؼبوقف اؼبتباين من شعر اؼبتنيب‬
‫صف مبغضيو الذين َف يركا لو حسنة البتٌة ك ُّ‬
‫صبيعا؛ كال من ٌ‬
‫جٍت من شأف شعر اؼبتنيب كانتصر لو كثَتكف؛‬
‫كاف كاضحا سباما يف عصر القاضي اعبرجاين‪ :‬فقد أعلى ابن ٌ‬
‫كناؿ منو الصاحب بن عباد‪ ،‬فألٌف رسالو ظبٌاىا (الكشف عن مساكئ اؼبتنيب) كانتصر لو كثَتكف أيضا (‪.)4‬‬
‫(‪.)4‬‬

‫احتل اؼبتنيب منزلة متميزة يف عصره‪ ،‬كال يزاؿ وبافظ على ىذه اؼبكانة يف عصرنا اغباِف؛ فاألحباث‬
‫كال ٌدراسات ما تزاؿ تتخذه موضوعا ؽبا‪ ،‬تبحث فيو كيف شعره كأنو كحده يبثل الًتاث الشعرم العريب كامبل‪،‬‬
‫كاغبق أف النقد يف القرف الرابع َف ينشغل بشاعر انشغالو باؼبتنيب كىذا دليل على أنٌو كاف يبثل ظاىرة‪.‬‬

‫كقد صنفت فيو كثَت من الكتب نذكر منها‪" :‬الرسالة اؼبوضحة يف ذكر سرقات اؼبتنيب كساقط شعره»‬
‫للحاسبي (اؼبتوىف ‪338‬ىػ) «كرسالة فيما كافق أرسطو من شعر اؼبتنيب» للحاسبي أيضا كرسالة أليب العباس‬

‫(‪-)1‬أضبد مطلوب‪ ،‬معجم النقد العريب القدًن‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.439‬‬


‫(‪-)2‬ابن رشيق القَتكاين‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.183‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السقا كآخركف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،3‬د ت‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪-‬يوسف البديعي‪ ،‬الصبح اؼبنيب عن حيثية اؼبتنيب‪ ،‬تح‪ :‬مصطفى ٌ‬
‫(‪-)4‬عيسى علي العاكوب‪ ،‬التفكَت النقدم عند العرب‪ ،‬دار الفكر اؼبعاصر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،2005 ،4‬ص ‪.267‬‬

‫‪126‬‬
‫النٌامي (اؼبتوىف ‪ 371‬أك ‪ )399‬يف عيوب شعر اؼبتنيب ككاف النامي ىو شاعر سيف الدكلة األثَت قبل أف‬
‫األكؿ كرسالة الصاحب بن عباد (اؼبتوىف ‪385‬ىػ) يف (الكشف‬
‫يقدـ اؼبتنيب إُف ببلطو كيصبح ىو شاعره ٌ‬
‫عن مساكئ اؼبتنيب) ك الواضح يف مشكبلت شعر اؼبتنيب أليب القاسم األصفهاين‪ ،‬ككتاب (اؼبنصف للشارؽ‬
‫كاؼبسركؽ يف بياف سرقات أيب الطيب اؼبتنيب البن كديع التنيسي (اؼبتوىف ‪.)1(")393‬‬

‫تبُت القائمة اؼبذكورة أف خصوـ اؼبتنيب قد ذبندكا لوضع اؼبؤلفات بغية الطعن عليو كتعداد مثالبو‬
‫كأخطائو كتعداد سرقاتو‪ ،‬كالزراية بو‪ ،‬كىذا ما دعا القاضي اعبرجاين لوضع مؤلفو‪ ،‬كالوقوؼ موقف اؼبتوسط‬
‫بُت اؼبتنيب كىؤالء اػبصوـ كاألعداء‪.‬‬

‫منهج القاضي في كتابو‪:‬‬

‫ابتدأ القاضي كساطتو دبقدمة يؤكد فيها أف اػبطأ صفة بشرية ال يؤاخذ العاَف أك الشاعر ّٔا‪ ،‬لذلك‬
‫ذكر أخطاء اعباىليُت كأغبلطهم‪ ،‬كذلك ألهنم يف نظر صبهور اؼبتلقُت يعدكف القدكة األكُف كاؼبثاؿ األعلى‬
‫يف الشعر‪.‬‬

‫يقوؿ اعبرجاين‪" :‬كدكنك ىذه الدكاكين اعباىلية كاإلسبلمية فانظر ىل ذبد فيها قصيدة تسلم من‬
‫بيت أك أكثر ال يبكن لعائب القدح فيو؛ ٌإما يف لفظو كنظمو‪ ،‬أك ترتيبو اك تقسيمو‪ ،‬أك معناه أك إعرابو؟ كلو‬
‫اغبجة‪ ،‬لوجدت كثَتا من‬
‫ا ٌف أىل اعباىلية ج ٌدكا بالتقدـ‪ ،‬كاعتقد النٌاس فيهم أ ٌهنم القدكة‪ ،‬كاألعبلـ ك ٌ‬
‫أشعارىم معيبة مسًتذلة‪ ،‬كمردكدة منفية" (‪.)2‬‬

‫كيبدأ القاضي اعبرجاين يف استعراض ؾبموعة من األبيات الشعرية للجاىلُت كاإلسبلميُت كيذكر‬
‫موضع اػبطأ كصوابو‪ ،‬مث ما كاف يدكر من نقاشات بُت الركاة علماء اللغة كالشعراء‪ ،‬كجهد النحاة يف‬
‫احتجاجهم للقدماء تعظيما للقدًن كاحًتاما لو‪ .‬ككاف اعبرجاين ّٔذه اؼبقدمة يقوؿ إنٌو إذا كاف القدماء قد‬
‫أخطؤكا يف الشعر فإنو ال لوـ على اؼبتنيب إذا أخطأ‪.‬‬

‫كتشمل اؼبقدمة حديثا عن "تفاكت شعر الشعراء بتأثَت الطباع كاألمكنة يف ىذا الشعر رقة كجفاء‪،‬‬

‫(‪-)1‬علي عشرم زايد‪ ،‬النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع ‪ ،‬مكتبة الشباب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪ ،1995 ،2‬ص‪. 152‬‬
‫(‪-)2‬علي بن عبد العزيز اعبرجاين‪ ،‬الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي ؿبمد البجاكم‪ ،‬الكتبة العصرية‪،‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص ‪.14‬‬

‫‪127‬‬
‫بل إف شعر الشاعر الواحد يتفاكت بُت اعبودة كالتكلف‪ ،‬كما يف شعر أيب سباـ‪ ،‬كؼبًا كاف لئلستعارة كالبديع‬
‫أثر يف أف يكوف الشعر طبيعيا أك متكلفا" (‪ )1‬كقد تناكؿ اعبرجاين ىذه اؼبوضوعات مع التمثيل ؽبا كتبياف‬
‫اغبسن كالقبح فيها‪.‬‬

‫يعد اؼبقدمة شرع القاضي اعبرجاين يف بسط موضوع اػبصومة كالقصد إُف اغبط من قيمة اؼبتنيب‬
‫كتعملت كصبعت أعوانك كاحتشدت‪،‬‬ ‫كإسقاط شعره صبلة‪« :‬كقد رأيتك ‪-‬كفقك اهلل‪ -‬ؼبٌا احتفلت ٌ‬
‫كتصفحت ىذا الديواف حرفا حرفا‪ ،‬كاستعرضتو بيتا بيتا‪ ،‬كقلٌبتو ظهرا كبطنا َف تزد على أحرؼ تلقطتها‪،‬‬
‫سبحلتها‪ٌ ،‬ادعيت يف بعضها الغلط كاللٌحن‪ ،‬كيف أخرل االختبلؿ كاإلحالة‪ ،‬ككصفت بعضا بالتعسف‬
‫كألفاظ ٌ‬
‫السمة إُف صبلة شعره‪،‬‬
‫كالغثاثة‪ ،‬كبعضا بالضعف كالركاكة كبعضا بالتعدم يف االستعارة؛ مث تع ٌديت ّٔذه ٌ‬
‫اغبجة‪،‬‬
‫كعجلت باغبكم قبل استيفاء ٌ‬
‫فأسقطت القصيدة من أجل البيت‪ ،‬كنفيت الديواف ألجل القصيدة‪ٌ ،‬‬
‫كأبرمت القضاء قبل امتحاف الشهادة» (‪ .)2‬كبعد أف يبُت اعبرجاين أف اػبطأ يف أحكاـ اػبصوـ كاف مبعثو‬
‫بعدىم عن العدؿ كأخذ الكل باعبزء‪ ،‬يشرع يف ضرب األمثلة من شعر أيب نواس كأيب سباـ‪ ،‬مبينا أف الشاعر‬
‫الواحد يتفاكت يف شعره‪ ،‬كأنو إذا كاف للكبار من الشعراء العرب أخطاؤىم إُف جانب قصائدىم البالغة‬
‫السخيف كاؼبعقد يف شعر‬
‫اعبودة‪ ،‬فإف اؼبتنيب ىو اآلخر شاعر ىبطئ كيصيب‪ ،‬كىنا "يورد اؼبؤلف كثَتا من ٌ‬
‫اؼبتنيب‪ ،‬مث يتبعو باؼبختار من شعره‪ ،‬كال ىبفى شيئا من مساكئو‪ ،‬متناكال مسائل نقدية كثَتة يف التشبيو كقضية‬
‫اللفظ كاؼبعٌت مطيبل يف موضوع سرقة الشعر‪ ،‬كاضعا األمر يف نصابو‪ ،‬من ناحية ما يؤاخذ عليو الشاعر كما‬
‫السرقة ؽبم" (‪.)3‬‬
‫ال يؤاخذ عليو مبينا ما كقع على الشعراء من حيف يف نسبة ٌ‬
‫كأخَتا يشرع القاضي اعبرجاين يف الدفاع عن اؼبتنيب كىذا ما يبكن أف نسميو (النقد التطبيقي) يف‬
‫الوساطة الذم ٌبُت فيو أف ما عابو النقاد على شعر اؼبتنيب قد كجد يف أشعار القدماء كاإلسبلميُت‪ ،‬متبعا يف‬
‫دفاعو منهج إيراد الشعر اؼبعيب كمناقشة النقاد فيو‪ ،‬ملتزما سبيل اإلنصاؼ الذم وبتم عليو قبوؿ الرأم إذا‬
‫كرده كمناقشتو إذا كاف خطأ‪.‬‬
‫كاف صوابا ٌ‬
‫لقد قاـ منهج القاضي اعبرجاين يف كتاب الوساطة على مبدأ «اؼبقايسة» أم قياس األشباه كالنظائر‪،‬‬

‫(‪-)1‬أضبد أضبد بدكم‪ ،‬أسس النقد عند العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.556‬‬
‫(‪-)2‬الوساطة‪ ،‬ـ‪.‬س‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫(‪-)3‬أضبد أضبد بدكم‪ ،‬أسس النقد‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.557‬‬

‫‪128‬‬
‫كيرل كثَت من النقاد أف (اؼبقايسة) كانت أفضل من (موازنة) اآلمدم ألهنا َف تعصم صاحبها من اؼبيل إُف‬
‫البحًتم كعمود الشعر‪ ،‬كيذىب آخركف إُف َّ‬
‫أف (اؼبقايسة) اليت سار عليها القاضي اعبرجاين"ال زبلو من‬
‫مزالق كالتعميم كاإلّٔاـ اؼبنطقي كعدـ الوقوؼ على رأم قاطع ال سيما فيما ال يبكن االتفاؽ عليو بُت‬
‫النقاد ذكم األذكاؽ اؼبختلفة"(‪.)1‬‬

‫كقد اكتسب كتاب (الوساطة) قيمة نقدية كبَتة لكوف صاحبو حاكؿ التزاـ الركح العلمية‪ ،‬كتتبع مبدأ‬
‫اغبياد كاؼبوضوعية يف مناقشة آراء اػبصوـ كتقريب كجهات النظر كربرم اغبقيقة‪ ،‬كعلى الرغم من ىذه‬
‫القيمة فإنٌو إذا قورف بكتاب (اؼبوازنة) لآلمدم رجحت كفة األخَت؛ "ككبن بعد نضعو (اعبرجاين) يف اؼبرتبة‬
‫الثانية بعد اآلمدم‪ ،‬كذلك ألف معظم آرائو العامة عن اغبقائق األدبية قد سبقو إليها صاحب اؼبوازنة‪ ،‬الذم‬
‫نظنو قد أثر يف اعبرجاين تأثَتا قويا مث إف اآلمدم قد كتب كتابو كلٌو يف النقد اؼبوضوعي الدقيق اؼبفصل‪،‬‬
‫بينما صاحب الوساطة يكتفي بالدفاع اؼبنطقي عن شاعره‪ ،‬كيورد لو األشعار اعبيدة يف مقابل الرديئة‪،‬‬
‫الرداءة»(‪.)2‬‬
‫كلكنو ال يبصرنا دبواضع اعبودة ك ٌ‬
‫كيبقى كتابا (اؼبوازنة) لآلمدم‪ ،‬ك (الوساطة) للجرجاين من بُت أىم الكتب النقدية العربية خاصة‬
‫تلك اليت أكلت عناية للنقد التطبيقي‪ ،‬كللموازنة بُت الشعراء بطريقة منهجية بعيدة عن سذاجة األحكاـ‬
‫التعميمية اليت ال تقدـ خدمة للشعر كال للشاعر‪ .‬كتتضح قيمة ىذين الكتابُت من القضايا النقدية اليت‬
‫عوعبت بركح علمية خالصة إذ َف يقتصر صاحبا الكتابُت على اؼبوضوع احملدد لكنهما تعدياه إُف ؾبمل‬
‫القضايا النقدية يف عصرنبا كىذا ما هبعلهما مصدرين مهمُت يف دراسة النقد العريب القدًن‪.‬‬

‫(‪-)1‬أضبد مطلوب‪ ،‬اذباىات النقد األديب يف القرف الرابع اؽبجرة‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪1973 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫(‪-)2‬ؿبمد مندكر‪ ،‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.306‬‬

‫‪129‬‬
‫المحاضرة الثانية عشرة‪:‬‬
‫نظرية النظم في النقد العربي القديم‬
‫النظم في اللغة‪:‬‬

‫يعرؼ ابن منظور النظم على أنٌو‪« :‬التأليف‪ ،‬نظمو ينظمو نظما كنظاما كنظٌمو فانتظم كتنظم‬
‫السلك‪ ،‬كالتنظيم مثلو‪ ،‬كمنو نظمت الشعر كنظٌمتو كنظم األمر على اؼبثىل‪.‬‬
‫كنظمت اللؤلؤ أم صبعتو يف ٌ‬
‫ى‬
‫ض ىم ٍمت بعضو إُف بعض فقد نظمتو (‪.)1‬‬
‫ككل شيء قرنتو بآخر أك ى‬
‫حسن كانتظم كبلمو كأمره‪ .‬كليس ألمره نظاـ إذا َف‬
‫كيف أساس الببلغة‪« :‬نىظى ىم الكبلـ‪ .‬كىذا نظم ه‬
‫تستقم طريقتو (‪ )...‬كىذاف البيتاف ينتظمهما معٌت كاحد» (‪.)2‬‬

‫الكل يف نسق كاحد كنظاـ‬


‫يكوف اؼبعٌت اللغوم للنظم ىو ضم الشيء إُف الشيء كإتباعو بو ليكوف ٌ‬
‫موحد‪ .‬كىو كذلك نظم الكبلـ أم إغباؽ بعضو ببعض‪ ،‬كترتيب أجزائو‪ ،‬لتستقيم طريقتو‪ ،‬كيسلك يف‬
‫معٌت كاحد‪.‬‬

‫النظم في االصطالح‪:‬‬

‫«النظم تعليق الكلم بعضها ببعض‪ ،‬كجعل بعضهما بسبب من بعض (‪ )...‬كالنظم ىو كتابة الشعر‪،‬‬

‫(‪-)1‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (نظم)‪.‬‬


‫(‪-)2‬الزـبشرم‪ .‬أساس الببلغة مادة(نظر)‬

‫‪130‬‬
‫سبر ّٔا القصيدة» (‪.)1‬‬
‫كقد كضع إزاء النثر‪ ،‬كقد ربدث القدماء عن نظمو ككصفوا اؼبراحل اليت ٌ‬
‫نظرية النظم‪:‬‬

‫َف تكن فكرة النظم غريبة عن ال ٌدرسُت النقدم كالببلغي العربيُت‪ ،‬إذ إهنا كانت موجودة تًتدد يف‬
‫الكتب كال ٌدراسات منذ ابن اؼبقفع ( ‪124‬ىػ) كصوال إُف القاضي أبو اغبسن عبد اعببار ( ‪415‬ىػ)؛ «فقد‬
‫كانت ىذه اللفظة شائعة منذ القرف الثاين اؽبجرم» (‪.)2‬‬

‫ككاف غرض ىؤالء الدارسُت ىو إثبات فكرة اإلعجاز كالبحث فيها كاإلجابة عن سؤاؿ‪َ :‬ف كاف‬
‫القرآف الكرًن معجزا ككيف؟ ىل ىو معجز من حيث ألفاظو‪ ،‬أـ ىل ىو معجز من حيث معانيو‪ ،‬ىل‬
‫صرؼ اهلل تعاُف النٌاس على أف يأتوا دبثلو قبل أف يتحداىم بذلك (قوؿ النٌظاـ) أـ إف اهلل تعاُف هبعل يف‬
‫كل عصر من العصور رجبل يتبعو الناس كال يقدركف على فعل ما يفعلو كقوؿ ما يقولو (فكرة القاضي عبد‬
‫اعببٌار) إُف غَتىا من الفرضيات‪.‬‬

‫غَت أف رجبل اشتغل بالنحو ىو عبد القاىر اعبرجاين ( ‪471‬ىػ)‪« :‬سلكطريقا معاكسة‪ ،‬حُت جعل‬
‫منطلقو فكرة اإلعجاز نفسها‪ ،‬كعن ىذه الطريق أسهم يف توضيح مفهوـ الببلغة‪ -‬على كبو َف ييسبق لو‬
‫مثيل‪ -‬كما أسهم يف معاعبة كثَت من النظريات انتقد بو مع ٌدات جديدة من الفحص الدقيق التغلغل النافد‬
‫إُف بواطن األمور» (‪.)3‬‬

‫أسئلة اإلعجاز عند عبد القاىر الجرجاني‪:‬‬

‫انطلق عبد القاىر يف حبثو من كوف القرآف معجزا لكنٌو تساءؿ من أين أتى ىذا اإلعجاز‪ ،‬ىل ىو‬
‫من األلفاظ؟ كقد أجاب اعبرجاين باستحالة ذلك ألنو ال هبوز أف يكوف اإلعجاز يف الكلمة اؼبفردة‪ ،‬كذلك‬
‫ألف " تقدير كونو فيها يؤدم إُف احملاؿ‪ ،‬كىو أف تكوف األلفاظ اؼبفردة اليت ىي أكضاع اللغة‪ ،‬قد حدث يف‬
‫مذاقة حركفها كأصدائها أكصاؼ َف تكن‪ ،‬لتكوف تلك األكصاؼ فيها قبل نزكؿ القرآف كتكوف قد اختصت‬
‫السامعوف عليها إذا كانت متلوة يف القرآف‪ ،‬ال هبدكف ؽبا تلك اؽبيئات‬
‫يف أنفسها ّٔيئات كصفات يسمعها ٌ‬

‫(‪-)1‬أضبد مطلوب‪ .‬معجم مصطلحات النقد العريب القدًن‪ ،‬مكتبة لبناف ناشركف‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪ ،2001 ،1‬ص ‪.429‬‬
‫(‪-)2‬حامت الضامن‪ .‬نظرية النظم‪ ،‬كزارة الثقافة كاإلعبلمي‪ ،‬بغداد‪ ،‬د ط‪ ،1979 ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪-)3‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.426‬‬

‫‪131‬‬
‫كالصفات" (‪.)1‬‬

‫ليس اإلعجاز يف األلفاظ‪-‬إذف ألهنا موجودة معركفة عند العرب قبل نزكؿ القرآف الكرًن‪.‬‬

‫كال يكوف اإلعجاز الذم رب ٌدل بو اهلل تعاُف العرب يف ترتيب السكنات كاغبركات أم يف اإليقاع ألف‬
‫فصل لربٌك كجاىر»‪.‬‬
‫ذلك «ىبرج إُف ما تعاطاه مسيلمة من اغبماقة يف «إنا أعطيناؾ اعبماىر‪ٌ ،‬‬
‫ك«الطاحنات طحنا» (‪.)2‬‬

‫كليس اإلعجاز يف االتياف بكبلـ لو مقاطع كفواصل ألنو ليس أكثر من مراعاة الوزف كإمبا "الفواصل‬
‫يف القرآف كالقوايف يف الشعر‪ ،‬كقد علمنا اقتدارىم على القوايف كيف ىو" (‪.)3‬‬

‫كليس إعجاز القرآف يف أنٌو «َف يلتق يف حركفو ما يثقل على اللساف" (‪.)4‬‬

‫كاالستعارة ليست كجها من كجوه إعجاز القرآف ألنو لو كاف األمر كذلك‪ ،‬لكانت لبعض آياتو‬
‫معجزة كبطل إعجاز ما َف يكن فيو استعارة (‪.)5‬‬

‫كإذا َف يتحقق اإلعجاز يف كل ىذه االحتماالت‪ ،‬فأين يكوف ككيف؟‬

‫هبيب عبد القاىر أف اإلعجاز "َف يبق أف يكوف إالٌ يف النظم (‪ )...‬كإذا ثبت أنو يف "النٌظم"‬
‫ك"التأليف" ككنا قد علمنا اف ليس "النظم" شيئا غَت توخي معاين النٌحو كأحكامو فيما بُت الكلم» (‪.)6‬‬

‫كيوضح عبد القاىر معٌت (النظم) توضيحا أكثر تفصيبل فيقوؿ‪« :‬اعلم أف ليس (النظم) إالٌ أف تضع‬
‫كبلمك الوضع الذم يقتضيو (علم النحو) كتعمل على قوانينو كأصولو‪ ،‬كتعرؼ مناىجو اليت هنجت فبل‬
‫الرسوـ اليت رظبت لك‪ ،‬فبل زبٌل بشيء منها" (‪.)7‬‬
‫تزيغ عنها‪ ،‬كربفظ ٌ‬
‫كمراعاة النحو كقوانينو ىو أف ينظر الناظم يف كل باب من أبواب النحو كفركقو‪ ،‬مثل باب اػبرب‪،‬‬

‫(‪-)1‬عبد القاىر اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اؼبدين‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪ ،1992 ،3‬ص ‪.386‬‬
‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.387‬‬
‫(‪-)3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫(‪-)4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫(‪-)5‬يراجع اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.391‬‬
‫(‪-)6‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ص ‪.392 ،391‬‬
‫(‪-)7‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪132‬‬
‫كباب الشرط‪ ،‬كباب اغباؿ‪ ،‬كالنعت‪ ،‬كيف اغبركؼ كاعبمل كالتعريف كالتنكَت كالتقدًن كالتأخَت‪...‬اٍف‪ ،‬حىت‬
‫ال يداخل اػبطأ النظم كال تضطرب الكلمات يف مواقعها كال تفسد العبلقات بينها بفساد كضعها حيث ال‬
‫تراعى قوانُت النحو كشركطو‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬

‫كمن األمثلة اليت يسوقها اعبرجاين على فساد التأليف كالنظم حُت ىبطئ الشاعر يف إحبلؿ الكلمات‬
‫مواضعها‬

‫قوؿ الفرزدؽ‪:‬‬
‫حي أبُوه يقاربو‬
‫أبو ّأمو ٌّ‬ ‫وما مثلو في النّاس الّ مملّكا‬

‫كقوؿ اؼبتنيب‪:‬‬
‫السيوف عوامل‬
‫عمل ّ‬
‫من أنّها ُ‬ ‫وللا اسم أغطيّة العيُون جفوتها‬

‫كقولو‪:‬‬
‫اسل‪.‬‬
‫اغتسلل الغَ ُ‬
‫َ‬ ‫والماء أنل ذا‬ ‫الطّيب أنل ذا أصاب طيبوُ‬
‫كقوؿ أيب سبٌاـ‪:‬‬
‫(‪.)1‬‬ ‫كاثنين ٍ‬
‫ثان ذ ُى َما في الغَار‬ ‫السماء‪ ،‬ولم يكن‬
‫ثانيو في كبد ّ‬
‫كيف ىذه األمثلة كغَتىا من الشعر العريب‪ ،‬نبلحظ أف اؼبتلقُت كصفوا ىذا النظم بالفساد كعابوا على‬
‫الشعراء ىذا اإلغماض كاإلغبلؽ اؼبتأيت من عدـ مراعاة قوانُت النحو اؼبتمثلة ىنا يف التقدًن كالتأخَت‪.‬‬

‫كإذا كاف النظم ىو اف توضع الكلمة جنب أختها مع مراعاة قوانُت النحو‪ ،‬فإنو الب ٌد من التأكيد‬
‫على أف ال ميزة كال فضل للفظو يف ذاهتا‪ ،‬ال يف جرسها كال يف داللتها كال تتفاضل األلفاظ بينها قبل أف‬
‫تدخل يف سياؽ معُت كتؤدم معٌت ما «كىل ذبد أحدا يقوؿ‪« :‬ىذه اللفظة فصيحة» إالٌ كىو يعترب مكاهنا‬
‫(‪ .)2‬إف دخوؿ اللفظة يف‬ ‫من النٌظم كحسن مبلئمة معناىا ؼبعاين جاراهتا‪ ،‬كفضل مؤانستها ألخواهتا»‬

‫(‪-)1‬عبد القاىر اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ص ‪.84 ،83‬‬


‫(‪-)2‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪133‬‬
‫سياؽ معُت ىو ما يتيح رؤيتها يف "نطاؽ من التبلؤـ أك عدـ التبلؤـ‪ ،‬كىذا السياؽ ىو الذم وبدث‬
‫"تناسق الداللة" كيربز فيو "معٌت" على كجو يقتضيو العقل كيرتضيو كربط األلفاظ يف سياؽ يكوف كليد‬
‫الفكر ال ؿبالة‪ ،‬كالفكر ال يضع لفظة إزاء أخرل ألنٌو يرل يف اللٌفظة نفسها ميزة فارقة كإمبا وبكم يوضعها‬
‫السياؽ نفسو»(‪.)1‬‬
‫ألف ؽبا معٌت كداللة حبسب ٌ‬
‫كألف األلفاظ ليس ؽبا فضل يف ذاهتا‪ ،‬كال تتفاضل بينها بناء على ميزة لواحدة ليست لؤلخرل لكن‬
‫حبسب السياؽ كاؼببلءمة بينها‪ ،‬فإف عبد القاىر يوجز نتيجة مؤداىا أف «الفضيلة كخبلفها يف مبلئمة مٌت‬
‫اللفظة ؼبعٌت اليت تليها كما أشبو ذلك‪ ،‬فبٌا ال تعلق لو بصريح اللفظ» (‪ .)2‬ؽبذا كاف اؼبعٌت ىو اؼبقصود يف‬
‫النظم ليس األلفاظ يف ح ٌد ذاهتا‪ ،‬إهنا العبلقات اليت تربط بينها حىت زبرج كبلما ذا معٌت فالعربة ليست يف‬
‫تعاِف األلفاظ يف النطق "أف تناسقت داللتها كتبلقت معانيها على الوجو الذم اقتضاه العقل"(‪.)3‬‬

‫قيمة نظرية النظم في النقد األدبي‪:‬‬

‫كجد عبد القاىر اعبرجاين أمامو إرثا عظيما من مؤلفات اؼبتكلمُت معتزلة كأشاعرة‪ ،‬كنقادا‪ ،‬نظركا إُف‬
‫ثنائية اللفظ كاؼبعٌت بطرؽ ـبتلفة ككقف أحيانا كسيطا بُت الناقد كبُت جهور قرائو‪ ،‬ليدفع هتمة كيساعد على‬
‫إفهامهم قضية أك قوال َف يستطيعوا فهمو‪ ،‬كما فعل يف شأف قولو اعباحظ اؼبشهورة (اؼبعاين مطركحة يف‬
‫الطريق) فنجده "كجو رأم اعباحظ توجيها مبلئما ؼبا نعتقد أف اعباحظ رمى إليو‪ :‬فمصطلح (معٌت) كما‬
‫استعملو اعباحظ ذك داللة دقيقة‪ ،‬كىو يف رأم اعبرجاين إمبا يتحدث بو عن األدكات األكلية‪ ،‬كتفسَتا‬
‫لذلك يقارف اعباحظ بُت الكبلـ كمادة الصائغ‪ ،‬فهو يصنع من ال ٌذىب أك الفضة خاسبا‪ ،‬فإذا أردت اغبكم‬
‫على صنعتو كجودهتا نظرت إُف اػبامت من حيث ىو خامت‪ ،‬كَف تنظر إُف الفضة أك الذىب الذم صنع منو‪.‬‬
‫فهذه اؼبادة األكلية تشبو اؼبعٌت اؼبطركح (‪.)4‬‬

‫كىكذا قبد أف عبد القاىر اعبرجاين بذؿ جهده يف كسر ثنائية اللفظ والمعنى‪ ،‬فقد أعمل فكره يف‬
‫الًتاث النقدم كالببلغي كخرج برأيو اػباص الذم ذبلٌت فيو أصالتو‪ ،‬فاستحق أف يكوف قيمة فكرية تراثية‬

‫(‪-)1‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.427‬‬


‫(‪-)2‬عبد القاىر اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫(‪-)3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪-)4‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد األديب‪ ،‬ـ س ‪ ،‬ص ص ‪.431 ،430‬‬

‫‪134‬‬
‫ؿبل التقدير كاإلجبلؿ‪ ،‬كقمة شاـبة تربىن على عظمة تراثنا كثرائو ك"إنٌو لًتاث عظيم أف سبتلك يف‬
‫تبقى ٌ‬
‫النقد األديب اؼبنهجي كتابُت كاؼبوازنة كالوساطة كيف اؼبنهج اللغوم كتابا كدالئل اإلعجاز قبد فيو ٌأدؽ نقد‬
‫موضوعي تطبيقي كأعمقو»(‪. )1‬‬

‫شرؼ‬
‫الكبلـ ي‬
‫ى‬ ‫َف يوافق عبد القاىر اعبرجاين على الرأم القائل بًتجيح كفة اؼبعٌت كَف يتقبل أف يقدـ‬
‫معناه حىت إذا كانت الصياغة ركيكة؛ يقوؿ‪" :‬كمعلوـ أ ٌف سبيل الكبلـ سبيل التصوير كالصياغة‪ ،‬كأ ٌف سبيل‬
‫الصوغ فيو كالفضة كالذىب يصاغ منهما خامت أك‬
‫يعرب عنو سبيل الشيء الذم يقع التصوير ك ٌ‬
‫اؼبعٌت الذم ٌ‬
‫سوار (‪.)2‬‬

‫ككاضح أف اىتماـ عبد القاىر اعبرجاين باللفظ ال يعٍت أنو ينتصر للفظ دكف اؼبعٌت‪ ،‬لكنو من باب‬
‫سبسك بأنو كضع األلفاظ على ما ترتضيو قواعد‬
‫االحتفاؿ بفكرة اإلعجاز اليت ال تكوف إالٌ بالنظم الذم َّ‬
‫النحو كقوانينو‪.‬‬

‫ؾبرد قواعد كقوانُت ال هتتم إال‬


‫كجدير بالذكر أف عبد القاىر نقل علم النٌحو نقلة عظيمة‪ ،‬فمن ٌ‬
‫حي خصب يكشف عن عمق التجربة الشعورية كيبيز بُت مستويات‬
‫بإعراب أكاخر الكلمات‪ ،‬إُف عاَف ٌ‬
‫الكبلـ كقدرة كل أديب على صوغ ذبربتو كتقديبها للقارئ‪ ،‬كعندئذ "يصبح التقدًن كالتأخَت‪ ،‬كالفصل‬
‫كالوصل‪ ،‬كاغبذؼ كاإلضمار كالشرط كاعبزاء كالتعريف كالتنكَت كاػبرب كاالبتداء كغَت ذلك فبٌا يرد على أفواه‬
‫النحويُت‪ ،‬كال يعرفوهنا إال أبوابا‪ .‬كعناكين تنطوم على صبلة من القواعد اعبامدة اعبافة‪ ،‬عندئذ تصبح كل‬
‫ىذه األبواب يف الكبلـ اؼبنظوـ مليئة‪ ،‬إُف جانب ما تشَت إليو من فكر‪ ،‬دبا ال يقع ربت حصر من اؼبشاعر‬
‫كالصور كألواف النفس‪ .‬ككسائل غبركة مستمرة كمتغَتة يف الكاتب أك الشاعر (‪.)3‬‬

‫كبعد أف اكتمل لعبد القاىر غرضو من تثبيت حقيقة أف اللغة يف شكل سياؽ ؾبموعة من الدالالت‬
‫كالفاعليات كاالرتباطات غَت اؼبنتهية‪ ،‬أخذ يف تبياف خطأ االعتقاد باستقبلؿ اللفظ عن اؼبعٌت‪.‬‬

‫فالفكرة ال كجود ؽبا إالٌ إذا سبت صياغتها بواسطة اللفظ‪ ،‬حىت إذا كانت ىذه الفكر حبيسة الذىن‪،‬‬

‫(‪-)1‬ؿبمد مندكر‪ .‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.339‬‬

‫(‪-)2‬عبد القاىر اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.254‬‬


‫(‪-)3‬ؿبمد زكي عشماكم‪ .‬قضايا النقد األديب بُت القدًن كاغبديث‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بَتكت دط‪ ،1979 ،‬ص ‪.310‬‬

‫‪135‬‬
‫كَف يتم التعبَت عنها كإخراجها إُف عاَف احملسوس نطقا أك كتابة ك"كذلك اغباؿ يف األدب‪ .‬فليس شبة فكر‬
‫سابق على التعبَت األديب‪ ،‬فمىت ما نضجت التجربة كاإلحساس يف ذات األديب خرجت يف صورة لفظية‪،‬‬
‫ٌأما قبل اإلحساس للفظ فبل شيء ىناؾ" (‪.)1‬‬

‫النقد اللغوي‪ :‬أدرؾ عبد القاىر أف اللغة ليست األلفاظ كلكنها العبلقات كالركابط اليت "نقيمها بُت‬
‫األشياء بفضل األدكات اللغوية‪ ،‬كتلك الركابط ىي اؼبعاين اؼبختلفة اليت نعرب عنها‪ ،‬كمن ىنا كانت أنبيتها‬
‫كما ؽبا من صدارة على األلفاظ» (‪.)2‬‬

‫كعند النظر يف ـبتلف آراء عبد القاىر اليت سبق ذكرىا يف ىذا الدرس‪ ،‬نفهم أ ٌف مقياس النقد عند‬
‫عبد القاىر ىو (النظم) دبا ىو كضع األلفاظ حبسب ما يقتضيو علم النحو‪.‬‬

‫مرة يف تاريخ نقدنا العريب‪.‬‬


‫ألكؿ ٌ‬
‫لذلك يكوف منهج اعبرجاين ىو اؼبنهج اللغوم "يف دراسة األدب ٌ‬
‫لكل بيت من الشعر بل كلكل صبلة كضعها اػباص ّٔا‪ ،‬كصفاهتا‬
‫ذلك اؼبنهج الذم يقوـ على أساس أ ٌف ٌ‬
‫الناشئة من طبيعة سياقها كنظمها‪ ،‬كإذا كاف لنا أف كبكم عليها باعبودة كالرداءة فما ذلك إال ؼبا يكوف فيها‬
‫كىي بوضعها ىذا من خصائص‪ .‬كمن ىنا تكوف أحكامنا أكثر دقة كالتزاما باؼبوضوعية كاؼبنهجية كالذكؽ‬
‫األديب" (‪.)3‬‬

‫اللوق األدبي‪:‬‬

‫يقرر عبد القاىر اعبرجاين أ ٌف النٌاس متفاكتوف يف إحساسهم باعبماؿ كإدراؾ الببلغة كاغبسن يف‬
‫النصوص‪ ،‬كىذا موضع يصعب فيو التعليم كاإلقناع أل ٌف اؼبزايا اليت ربتاج أف تعلمهم مكاهنا كتصور ؽبم‬
‫السامع ؽبا‪ ،‬كربدث لو علما ّٔا‪ ،‬حىت يكو‬
‫شأهنا‪ ،‬أمور خفية‪ ،‬كمعاف ركحانية‪ ،‬أنت ال تستطيع أف تنبو ٌ‬
‫مهيئا إلدراكها‪ ،‬كتكوف فيو طبيعة قابلة ؽبا‪ ،‬كيكوف ؽبا ذكؽ كقروبة هبد ؽبما يف نفسو إحساسا بأ ٌف من‬
‫شأف ق الوجوه كالفركؽ أف تعرض فيها اؼبزيٌة على اعبملة (‪ .)4‬كتفهم من نص عبد القاىر أف على الذم‬
‫يتصدل لقراءة النصوص األدبية أف يكوف متذكقا ؽبا ألف بعض األمور ال تؤخذ بال ٌدرس كالتحصيل‪ ،‬كأ ٌف‬

‫(‪-)1‬نفسو‪ ،‬ص‪.326‬‬
‫(‪-)2‬ؿبمد مندكر‪ .‬النقد اؼبنهجي‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫(‪-)3‬ؿبمد زكي عشماكم‪ .‬قضايا النقد‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫(‪ -)4‬عبد القاىر اعبرجاين‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.547‬‬

‫‪136‬‬
‫الناقد اغبق ال ب ٌد أف يتحلى دبلكة الذكؽ حىت يستطيع إدراؾ اعبماؿ ككضع يده على مزية التعابَت‬
‫كالًتاكيب كىو ّٔذا يعود إُف ما قرره أسبلفو النقاد الكبار مثل اآلمدم كاعبرجاين الذين ٌقرركا أف االحتكاـ‬
‫إُف الذكؽ السليم ىو اغبكم الفيصل يف نقد النصوص األدبية‪ ،‬كيبُت عبد القاىر أف مأساة النقد كالنصوص‬
‫األدبية أف "ىذا اإلحساس (يقصد ذكؽ) قليل يف النٌاس"(‪.)1‬‬

‫الصورة‪:‬‬
‫ّ‬
‫الصورة عند عبد القاىر ىي ما تشكل من اجتماع اللٌفظ كاؼبعٌت إذ ال استقبلؿ ألحدنبا عن اآلخر‪،‬‬
‫كلتوضيح ىذه الصورة يشبهها بالصياغة أك الوشي مع اغبرص على التأكيد على التفاضل‪ ،‬دبعٌت أننا يف‬
‫حاؿ تشبيهها بالصياغة فإنو يستقر يف الذىن إمكانية أف ال يكوف فرؽ بُت خامت كخامت‪ ،‬كسوار كسوار يف‬
‫عمل الصائغُت‪ .‬لكن يف حاؿ النظم يكوف الفرؽ موجودا كاضحا‪ .‬ككلما كاف الفرؽ يف الصورة كبَتا‪ ،‬كلما‬
‫تناىى النص األديب يف اعبودة كاعبماؿ ككاف معجزا‪ ،‬كليثبت عبد القاىر فرضية الصورة أكرد مزدكجات من‬
‫األبيات حيث يتحد كل بيتُت يف اؼبعٌت لكنهما يتفاكتاف يف الصورة‪ ،‬ك"يتجلى من ىذا كيف حاكؿ عبد‬
‫الصور‪-‬‬
‫القاىر أف يظل يف حبثو عن الصورة منسجما مع ؿباكلتو يف تبياف حقيقة اإلعجاز‪ ،‬فالتفاكت يف ٌ‬
‫أم أثر‬
‫األديب درجة من التميز ال يلحقو فيها ٌ‬
‫مهما تتقارب‪ -‬شيء ال يكاد يقف عند ح ٌد‪ ،‬فإذا بلغ األثر ٌ‬
‫صح أف يسمى معجزا» (‪.)2‬‬
‫آخر ٌ‬
‫‪-‬معنى المعنى‪:‬‬

‫يقوؿ عبد القاىر‪« :‬الكبلـ على ضربُت‪ :‬ضرب أنت تصل منو إُف الغرض بداللة اللفظ كحده‪،‬‬
‫كذلك إذا قصدت أف زبرب عن "زيد" مثبل باػبركج على اغبقيقة‪ ،‬فقلت‪" :‬خرج زيد" كباالنطبلؽ عن‬
‫"عمرك" فقلت‪« :‬عمرك منطلق» كعلى ىذا القياس‪ .‬كضرب آخر أنت ال تصل منو إُف الغرض بداللة‬
‫اللفظ كحده‪ ،‬كلكن يدلك اللفظ على معناه الذم يقتضيو موضوعو يف اللغة‪ ،‬مث ذبد لذلك اؼبعٌت داللة‬

‫(‪ -)1‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.549‬‬


‫(‪ -)2‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص ‪.433‬‬

‫‪137‬‬
‫ثانية تصل ّٔا إُف الغرض‪ .‬كمدار ىذا األمر على "الكناية" ك"االستعارة" ك"التمثيل"» (‪.)1‬‬

‫كمعٌت كبلـ عبد القاىر أف النصوص األدبية ال تقدـ نفسها بلغة مباشرة كيومية للقارئ‪ ،‬إهنا ليست‬
‫ذات لغة إخبارية تكتفي بأف تسلم نفسها لقارئها منذ القراءة األكُف‪ ،‬فيفهم معناىا مباشرة؛ بل ال ب ٌد لو‬
‫حىت يصل إُف اؼبقصود‪ ،‬كيكشف اؼبعٌت اؼبختفي خلف حجب‬
‫من قراءة أكُف كثانية يتدرج فيها يف الفهم ٌ‬
‫األكؿ‪" ،‬فهمنا عبارة ـبتصرة كىي أف تقوؿ‪" :‬اؼبعٌت" ك'معٌت اؼبعٌت" تعٍت باؼبعٌت اؼبفهوـ من‬
‫العبارة كاؼبعٌت ٌ‬
‫ظاىر اللفظ كالذم تصل إليو بظاىر اللفظ‪ ،‬ك"معٌت اؼبعٌت" أف تعقل من اللفظ معٌت مث يفضى بك ذلك‬
‫اؼبعٌت إُف معٌت آخر» (‪.)2‬‬

‫فالقوؿ بأف امرأة نؤكـ الضحى ال يقصد منو معٌت ظاىر اللفظ كلكن معٌت اؼبعٌت الذم إف فتشنا عنو‬
‫كجدنا أنو امرأة مًتفة لديها من ىبدمها كيكفيها عناء العمل يف بيتها‪.‬‬

‫ككذلك إذا قلنا فبلف كثَت رماد القدر‪َ ،‬ف نقصد إُف ظاىر اللفظ كمعناه‪ ،‬بل رمينا إُف ما خلف ىذا‬
‫األكؿ‪ ،‬كفهمنا أنو رجل كرًن ذلك أ ٌف كرمو كترحيبو بالضيوؼ‪ ،‬كإعداده الطعاـ للناس هبعلو يطهو‬
‫اؼبعٌت ٌ‬
‫كثَتا كالطهو يتطلب حطبا كنارا‪ ،‬ككلما كثر األضياؼ‪ ،‬ككثر الطبخ‪ ،‬كثر اغبطب كالنار‪ ،‬كمن مث كثر رماد‬
‫ىذه النار‪.‬‬

‫األكؿ بينما يبثل معٌت اؼبعٌت اؼبستول الفٍت للغة (الكناية‪ ،‬االستعارة‪،‬‬
‫يبثل "اؼبعٌت" اؼبستول اؼبرجعي ٌ‬
‫التشبيو) ك"يف ىذه اؼبرحلة أيضا يكوف التفاكت يف الصورة أك الصياغة ألنو تفاكت يف ال ٌداللة اؼبعنوية (‪)...‬‬
‫كمن مرحلة اؼبعٌت يتكوف "علم اؼبعاين" كمن مرحلة "معٌت اؼبعٌت" هبيء علم البياف» (‪.)3‬‬

‫ترددت يف كتابات الببلغيُت كالنقاد العرب منذ القرف اؽبجرم الثاين‪،‬‬


‫كآخر القوؿ أف فكرة النظم اليت ٌ‬
‫نضجت على يد عبد القاىر اعبرجاين أكرب ببلغيي القرف اػبامس‪ ،‬كأصبحت نظرية يكسرت فيها تلك‬
‫مرة يف تاريخ النقد العريب‪ .‬كعلى‬
‫ألكؿ ٌ‬
‫الثنائيات اؼبفتعلة (اللفظ‪ ،‬اؼبعٌت) كأسس فيها ؼبنهج النقد اللغوم ٌ‬
‫الرغم من أهنا كانت نظرية ىدفها تبياف سبب إعجاز القرآف الكرًن فإف عبد القاىر اشتغل فيها بالنصوص‬
‫األدبية العربية خاصة الشعرية منها فكاف أف أضافت النظرية كفتحت أبوابا يف النقد األديب القدًن كاغبديث‬

‫(‪ -)1‬عبد القاىر اعبرجاين‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.262‬‬


‫(‪ -)2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫(‪ -)3‬إحساف عباس‪ .‬تاريخ النقد‪ ،‬ـ‪.‬س‪ ،‬ص ‪.436‬‬

‫‪138‬‬
‫على السواء‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة عشرة‪:‬‬


‫البالغي‬
‫ّ‬ ‫النقد‬
‫َف يكن النٌشاط النٌقدم العريب القدًن حكرا على النقاد اؼبتخصصُت فقط‪ ،‬كإمبا كاف نشاطا معرفيا‬
‫اشًتكت فيو بيئات أخرل من اؼبتكلمُت كالفبلسفة كالببلغيُت كاللغويُت الذين اىتموا بالشركحات الشعرية‪،‬‬
‫كأصحاب االختيارات كآّاميع‪.‬‬

‫كل ىؤالء أسهموا بأدكاهتم يف البحث عن النص اعبميل‪ ،‬كالبرطوا يف حركة دؤكب لتمييز اعبيٌد من‬
‫الردمء‪.‬‬
‫ٌ‬
‫نشتة النّقد البالغي في التراث العربي‪.‬‬

‫ال نستطيع أف كب ٌدد على كجو ال ٌدقة مىت كانت نشأة النقد الببلغي‪ ،‬أك مىت امتزج النقد الببلغي‬
‫بالنقد األديب‪ ،‬ذلك ألننا ال نستطيع ربديد نشأة النقد ذاتو لصعوبة ربديد زمن نشأة الشعر العريب الذم‬
‫ظهر معو النقد كسايره‪.‬‬

‫غَت أف الببلغة اليت كانت تبحث يف الطرائق اليت يكوف ّٔا الكبلـ صبيبل‪ ،‬كترشد الشاعر إُف ىذه‬
‫الطرائق ال ب ٌد أف تكوف قد ظهرت مع الشعر أيضا أم قبل عصر التدكين كالتأليف ككضع اؼبصنفات؛‬
‫يقوؿ أمُت اػبوِف‪" :‬عاشت اؼبعارؼ البشرية اؼبختلفة؛ من علمية‪ ،‬كفلسفية كفنية كغَتىا يف عقوؿ الناس‬
‫كعلى ألسنتهم كيف تفانبهم كتعاملهم‪ ،‬قبل أف تعيش يف دراستهم كمدكناهتم‪ .‬بل لعلها عاشت يف حاؽبا‬
‫األكُف زمنا طويبل‪ ،‬كأثرت يف اغبياة أثرىا البعيد‪ ،‬الذم ال تزاؿ بعد التدكين كالدراسة ربدثو كتؤثره يف أكثر‬

‫‪139‬‬
‫فكل أمة قد‬
‫من يتأثر ّٔا من دارسيها كمتعلميها‪ .‬كالببلغة من بُت ىذه اؼبعارؼ خضعت ؽبذا النٌاموس‪ٌ ،‬‬
‫كل ٌأمة قد ازبذت‬
‫التخَت مبلحظات ـبتلفة‪ ،‬كما أ ٌف ٌ‬
‫زبَتت اعبيد من فنٌها القوِف‪ ،‬كالحظت يف ىذا ٌ‬
‫ٌ‬
‫كتكوف‪،‬‬
‫كتدرب ٌ‬
‫تتخَت كربكم‪ٌ ،‬‬
‫األساليب اؼبختلفة لتكوين القالة آّيدين كتدريبهم‪ .‬كغربت دىرا طويبل ٌ‬
‫التخَت كطرائق التدريب كتدرسها دراسة منٌظمة (‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫تدكف فيو طرائق‬
‫قبل أف تصل إُف دكر ٌ‬
‫كال ٌدالئل على كجود ىذا النشاط الببلغي أياـ اعباىلية موجودة متوافرة ربملها النٌصوص الشعرية‬
‫كاألدبية اليت كصلتنا من ذلك العصر فانتشار نصوص بعينها كركاجها يعٍت أ ٌهنا انتقيت من بُت نصوص‬
‫ظبي‬
‫الصنيع الذم ٌ‬ ‫أخرل‪ ،‬لذلك كتب ؽبا االنتشار كالذيوع فالصحراء العربية كانت زاخرة أياـ اعباىلية ّٔذا ٌ‬
‫الركاج الكبَت بينهم‪ ،‬ككانوا‬
‫السوؽ النٌافقة عندىم‪ ،‬ك ٌ‬
‫للمتخَت من شعر كنثر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فيما بعد ببلغيٌا أك بيانيا‪ .‬فكاف‬
‫ينتقدكف ما يسمعوف من شعر كنثر كيتخَتكف بعضو فيسَت كيذيع» (‪.)2‬‬

‫كيرل أضبد مطلوب أف ال ٌدليل على كجود الببلغة إُف جانب النقد منذ العصر اعباىلي ىو ىذه‬
‫ال ٌذخَتة البديعية اؼبوجودة يف النصوص األكُف (الشعر اعباىلي)‪ ،‬كىذا ما يؤكد على أف ىذا الشعر َف يكن‬
‫لكل ذلك كمن غَت أف تكوف‬
‫الرقي كالكماؿ دكف أف يكوف ىناؾ "عقل مدبٌر ٌ‬
‫ليصل إُف تلك اغبالة من ٌ‬
‫عامة تعارؼ عليها الشعراء كاػبطباء كساركا عليها فيما نظموا أك قالوا"(‪.)3‬‬
‫ىناؾ أصوؿ ٌ‬
‫كاؼبؤكد أف اؼبصطلحات الببلغية َف تكن معركفة يف ذلك العصر القدًن‪ ،‬لكن الفنوف كاألساليب‬
‫ربسن كبلمهم‬
‫الصور اليت زخر ّٔا شعر اؼبرحلة يبقى شاىدا على أ ٌف العرب قد عرفوا تلك الفنوف اليت ٌ‬
‫ك ٌ‬
‫كتزيٌنو‪" ،‬كمثل ىذه الفنوف كثَت يف شعر اؼبتقدمُت‪ ،‬كمعٌت ذلك أف الشعراء كانوا ينزعوف منزعا فنيا تعارفوا‬
‫عليو‪ ،‬كأهنم كانوا وبسوف دبا ؼبثل ىذه الفنوف من أثر يف الكبلـ كقيمة يف التعبَت " (‪ .)4‬كيسمى مطلوب ىذا‬
‫ال ٌدليل دليبل عقليٌا‪.‬‬

‫كال ٌدليل النٌقلي الشاىد على معرفة العرب ؽبذه الفنوف ىو ما نعرفو من تبجيل العرب للخطابة‪ ،‬حىت‬

‫(‪ _ )1‬أمُت اػبوِف‪ .‬مناىج ذبديد يف النحو كالببلغة كالتفسَت كاألدب‪ ،‬دار اؼبعرفة‪ ،‬ط‪ ،1961 ،1‬ص ‪.95‬‬

‫(‪ _ )2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫(‪ _ )3‬أضبد مطلوب‪ .‬البحث الببلغي عند العرب‪ ،‬منشورات‪ ،‬دار اعباحظ للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪ ،1982 ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ _ )4‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪140‬‬
‫إنٌو جاء زمن رفعوا مكانة اػبطيب على حساب الشاعر‪ ،‬فكاف اػبطباء يفخركف خبطبهم كيعتزكف ببياهنم‬
‫كيركف أف ىذا البياف كفيل بأف وب ٌقق ؽبم اؼبنزلة الرفيعة بُت أقوامهم‪ .‬كاعباحظ كتب البياف كالتبيُت ليكوف‬
‫صى ع ٌدة عيوب يف اػبطابة كمن مثٌ الببلغة‪ ،‬كىذا ي ٌدؿ على أ ٌف العرب عرفوا‬
‫أح ى‬
‫يعلم العرب اػبطابة ك ٍ‬
‫كتابا ٌ‬
‫الببلغة كلوال ذلك ؼبا اىتدكا إُف مثل ىذه العيوب اليت ربوؿ دكف صباؿ اػبطبة كمن مث تقف عائقا يف سبيل‬
‫ربقيق أىدافها (‪.)1‬‬

‫ىذه اؼببلحظات النقدية ستصبح ؾبموعة من القوانُت اليت يتعلمها األديب من أجل استعماؽبا حرصا‬
‫نصو يف غاية اعبماؿ كاعبودة‪ ،‬سيكوف ىذا ال ٌدرس ىو "الببلغة" اليت الزمت النقد مدة‬
‫على أف يكوف ٌ‬
‫طويلة من الزمن كَف تنفصل عنو إالٌ يف القرف اػبامس اؽبجرم عندما كتب عبد القاىر اعبرجاين ( ‪471‬ىػ)‬
‫كتابيو اؼبشهورين (أسرار الببلغة) ك (دالئل اإلعجاز)‪.‬‬

‫كنقرأ كتاب اعباحظ ( ‪255‬ىػ) (البياف كالتبيُت)‪ ،‬ككتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر ( ‪337‬ىػ)‬
‫ككتاب الصناعتُت أليب ىبلؿ العسكرم ( ‪395‬ىػ) فنجد الببلغة كالنٌقد متبلزمُت‪ ،‬متمازجُت‪ ،‬ككبلنبا يعٌت‬
‫بتقدًن اإلرشاد كالتوجيو لتخريج أدباء يعرفوف كيف يفرقوف بُت اغبسن كالقبيح‪ .‬يقوؿ أبو ىبلؿ العسكرم‬
‫أخل‬
‫يف شأف الببلغة‪" :‬كؽبذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة‪ ،‬كمناقب معركفة؛ منها أ ٌف صاحب العربية إذا ٌ‬
‫كعمى سائر‬
‫كفرط يف التماسو‪ ،‬ففاتتو فضيلتو‪ ،‬كعلقت بو رذيلة فوتو‪ ،‬ع ٌفى على صبيع ؿباسنو‪ٌ ،‬‬
‫بطلبو‪ٌ ،‬‬
‫يفرؽ بُت كبلـ جيٌد كآخر ردمء‪ ،‬كلفظ حسن‪ ،‬كآخر قبيح‪ ،‬كشعر نادر‪ ،‬كآخر بارد‪،‬‬ ‫فضائلو‪ ،‬ألنو إذا َف ٌ‬
‫باف جهلو‪ ،‬كظهر نقصو"(‪.)2‬‬

‫مث يتجو أبو ىبلؿ إُف األدباء سواء أشعراء كانوا أـ كتابا ليقوؿ إف معرفة الببلغة سابقة على النظم‬
‫يبر ّٔذه اؼبعرفة ٌأكال كينظر يف قواعد الببلغة‬
‫كاإلنشاء‪ ،‬كإف من راـ قوؿ الشعر أك كتابة رسالة‪ ،‬عليو أف ٌ‬
‫الصفو بالكدر‪،‬‬
‫كفنوهنا؛ "كىو أيضا إذا أراد أف يصنع قصيدة أك ينشئ رسالة‪ -‬كقد فاتو ىذا العلم‪-‬مزج ٌ‬
‫الوحشي العكر؛ فجعل نفسو مهزأة للجاىل‪ ،‬كعربة للعاقل"(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫كخلط الغرر بالعيرر‪ ،‬كاستعمل‬

‫(‪ _ )1‬يراجع‪ :‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.16‬‬


‫(‪ _ )2‬أبو ىبلؿ العسكرم‪ .‬كتاب الصناعتُت (الكتابة كالشعر)‪ ،‬تح‪ :‬علي ؿبمد البجاكم كؿبمد أبو الفضل إبراىيم‪ ،‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية‪ ،‬ط‪ ،1952 ،1‬ص ‪.02‬‬
‫(‪ _ )3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪141‬‬
‫الكاتب من اعبرأة على النظم كالشركع يف الكتابة دكف معرفة بعلم الببلغة‬
‫الشاعر ك ى‬
‫ى‬ ‫كوبذر العسكرم‬
‫ألف زبطي ىذا العلم سيدؿ القراء على جهلو كقصور فهمو‪ ،‬ك "إذا أراد أيضا تصنيف كبلـ منثور‪ ،‬أك‬
‫تأليف شعر منظوـ‪ ،‬كزبطى ىذا العلم ساء اختياره لو‪ ،‬كقبحت آثاره فيو؛ فأخذ الردمء اؼبرذكؿ‪ ،‬كترؾ اعبيٌد‬
‫فدؿ على قصور فهمو‪ ،‬كتأخر معرفتو كعلمو» (‪.)1‬‬
‫اؼبقبوؿ‪ٌ ،‬‬
‫نستطيع أف لبرج بنتائج من ىذه األقواؿ زبص عبلقة الببلغة بالنقد كعبلقتها بالنص األديب‪،‬‬
‫كعبلقتها بالقراء اؼبتلقُت‪.‬‬

‫‪/1‬عالقة البالغة بالنقد‪:‬‬

‫األديب‪،‬‬
‫يتضح من كبلـ العسكرم أ ٌف الببلغة سابقة على النقد‪ ،‬فبينما يأيت النٌقد بعد إنشاء النص ٌ‬
‫يقيٌمو كيبيز اعبيد من الردمء كيصدر األحكاـ‪ ،‬تكوف الببلغة سابقة على خلق النصوص األدبية؛ فهي‬
‫موجود قببل‪ ،‬تأخذ بيد األديب ترشده كتعلٌمو طرائق الكتابة كتدلٌو على صناعة األسلوب اعبميل اؼبميٌز‪،‬‬
‫لذلك فالببلغة سابقة معلمة كمرشدة‪.‬‬

‫ٌأما النقد فيأيت ليحلٌل النص الذم عملت الببلغة على تركيبو‪ ،‬كىبلص إُف مواطن اغبسن كالقبح‬
‫ؾبردة كإمبا يكوف مع‬
‫فيو‪ ،‬لذلك كنا قد قلنا يف احملاضرة األكُف إف التنظَت النٌقدم ال يأيت من أفكاره ٌ‬
‫النصوص األدبية يستنبط منها أحكاما نظرية‪.‬‬

‫األدبي‪:‬‬ ‫‪/2‬عالقة البالغة بالن‬

‫هتتم الببلغة باألسلوب كطرائق القوؿ كمناحي تصرؼ األديب يف اؼبادة اليت يريد آداءىا فًتسم لو‬
‫هبمل ّٔا مادتو‬
‫هبمل لو طرؽ األداء كترشده إُف الكيفية اليت ٌ‬
‫طرؽ األداء‪ ،‬كترشده إُف الكيفية اليت ٌ‬
‫كوبسنها‪ .‬كمن مثٌ فالببلغة علم معتد بنفسو قائم بذاتو‪ ،‬يرشد إُف طرؽ خلق نصوص تتسم باغبسن كاعبودة‬
‫أما النقد فهو يشتغل بالنصوص بعد أف زبرج إُف الوجود فيصدر عليها األحكاـ‪ .‬الببلغة –إذف‪ -‬ربرص‬
‫على إنتاج النص اعبيد‪ ،‬أما النٌقد فيشتغل بالنصوص مهما كانت قيمتها‪.‬‬

‫‪/3‬عالقة البالغة بالمتلقي‪:‬‬

‫(‪ _ )1‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.2‬‬

‫‪142‬‬
‫للببلغة عبلقة مباشرة باؼبتلقُت‪ ،‬فهي ربرص على أال يصل إليهم سول النص اعبيد‪ ،‬اؼبدىش‪ ،‬الذم‬
‫وبقق ؽبم اؼبتعة كاللذة يف أثناء القراءة أك االستماع‪ ،‬كىي تعلم األديب مراعاة مقامات ىؤالء اؼبتلقُت‬
‫كاغبرص على أداء كظيفيت اإلببلغ كاإلمتاع‪ ،‬كاإلفهاـ يف كل األحواؿ‪.‬‬

‫نموذج عن النقد البالغي في التراث النقدي‪:‬‬

‫كتاب البديع البن المعتل (‪296‬ى )‬

‫يرل بعض الباحثُت أ ٌف عبد اهلل بن اؼبعتز بوصفو شاعرا ككاتبا‪ ،‬سبثل نصوصو مادة خصبة للدراسة‬
‫كالبحث‪ ،‬خاصة إذا نظر إُف أساليبو يف التشبيو‪ ،‬أما كتابة (البديع) فهو إضافة بالغة القيمة للمدرسة‬
‫األديب اػبالص؛ فعبد اهلل بن اؼبعتز "اػبليفة الشاعر اؼبؤلف الذم تعترب فبارستو األدبية‬
‫الببلغية يف اذباىها ٌ‬
‫ضم إُف ذلك الوقفة‬
‫الفعلية مادة قيمة يف اؼبيداف الببلغي‪ ،‬فهو الذم تفرد تشبيهاتو بالنظر كالتحليل‪ ،‬فإذا ٌ‬
‫اػباصة عند بعض صور التعبَت األديب وب ٌدث عنها يف مثل كتابة البديع‪ ،‬فذلك ما وبسب للمدرسة األدبية‬
‫الببلغية يف فهمها كتارىبها"(‪. )1‬‬

‫كالبد من اإلشارة إُف أف عنواف الكتاب (البديع) ال يقصد منو البديع دبعناه الذم اصطلح عليو بعد‬
‫أف قي ٌسمت الببلغة إُف معاف كبياف كبديع‪ .‬بل ىو "كقوؼ عند صور يف التعبَت عرفت ج ٌدة العناية ّٔا عند‬
‫ؿبدثيهم (الشعراء) كيف ٌأكؽبا االستعارة"(‪.)2‬‬

‫ك البديع ىو ما صنع على غَت منواؿ‪ ،‬أم ما كاف ٌأكال كمبتدأ‪ ،‬قاؿ ابن منظور‪" :‬بى ىدع الشيء يبدعيوي‬
‫بدعا كابتدعوي‪ ،‬أنشأه كبدأه‪ .‬كالبديع الب ٍدعي كاؼببتدع كأبدع الشاعر‪ :‬جاء بالبديع"(‪.)3‬‬

‫كاف ىذا اؼبقصود بعنواف (البديع) أم الطرائق اليت استحدثها شعراء يف النظم الشعرم لذلك ظبٌوا‬
‫(احملدثُت) كاعبدير بالذكر أ ٌف ابن اؼبعتز كاف من أنصار (اؼبذىب البديعي) يف الشعر؛ ىذا اؼبذىب الذم‬
‫كاف يقوـ على "أساس االىتماـ بالتصوير الشعرم الطريف اؼببتكر اؼبعتمد على نوع من الغرابة كاعب ٌدة يف‬

‫(‪ _ )1‬أمُت اػبوِف‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬


‫(‪ _ )2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫(‪ _ )3‬ابن منظور‪ .‬لساف العرب‪ ،‬مادة (بدع)‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫صياغة الصور الببلغية اؼبألوفة من تشبيو كاستعارة كطباؽ كجناس" (‪.)1‬‬

‫كسبب تأليف الكتاب أف ابن اؼبعتز الحظ أف أبا سباـ قد جاكز حد االعتداؿ يف استعماؿ الصور‬
‫الببلغية الطريفة اؼببتكرة كخرج ّٔا عن حدكد اؼبعقوؿ‪ ،‬كبالغ يف ذلك مبالغة كبَتة‪ ،‬فأراد أف يبُت للقراء أف‬
‫البديع موجود يف كبلـ العرب كالشعراء اعباىلُت كاإلسبلميُت كاحملدثُت؛ "قد ق ٌدمنا يف كتابنا ىذا بعض ما‬
‫كجدنا يف القرآف كاللغة كأحاديث رسوؿ اهلل ‪ ‬ككبلـ الصحابة كاألعراب كغَتىم كأشعار اؼبتقدمُت من‬
‫الكبلـ الذم ظبٌاه احملدثوف البديع لييعلم أف بشارا كأبا نواس‪ ،‬كمن تقيلهم كسلك سبيلهم َف يسبقوا إُف ىذا‬
‫ظبي ّٔذا االسم فأعرب عنو كدؿ عليو مث إف حبيب بن‬
‫الفن‪ ،‬كلكنٌو كثر يف أشعارىم فعرؼ يف زماهنم حىت ٌ‬
‫كتفرع فيو كأكثر منو فأحسن يف بعض ذلك كأساء يف‬
‫أكس الطائي من بعدىم شغف بو حىت غلبت عليو ٌ‬
‫بعض كتلك عقىب اإلفراط كشبرة االسراؼ"(‪.)2‬‬

‫قاـ ابن اؼبعتز حبصر فنوف البديع اؼبعركفة يف عصره كمثل لكل فن منها دبا يناسبو من كبلـ اهلل تعاُف‬
‫ككبلـ الرسوؿ ‪ ‬كصحابتو ككبلـ األعراب‪ ،‬كالشعراء منذ العصر اعباىلي كصوال إُف عصره‪ ،‬ليقدـ الدليل‬
‫على أ ٌف ىذه الفنوف كانت معركفة مشهورة عند الناس كليست من ابتداع شعراء اغبداثة‪.‬‬

‫البديع عند ابن المعتل‪:‬‬

‫يقسم ابن اؼبعتز كتابة قسمُت‪ ،‬أكؽبما البديع كثانيهما ؿباسن الكبلـ‪ ،‬أما البديع فهو طبسة أقساـ‬
‫ىي‪:‬‬

‫‪/1‬االستعارة‪:‬‬

‫كىي عنده "استعارة الكلمة لشيء َف يعرؼ ّٔا من شيء قد عرؼ ّٔا مثل أـ الكتاب‪ ،‬كمثل جناح‬
‫مخ العمل‪ ،‬فلو كاف قاؿ (لب العمل) َف يكن بديعا"‪.‬‬
‫الذؿ‪ ،‬كمثل قوؿ القائل الفكرة ٌ‬
‫كمن أمثلة االستعارة يف الشعر العريب القدًن‪:‬‬

‫علي بتنواع الهموم ليبتلي‬


‫ّ‬ ‫وليل كموج البحر أرخى سدولو‬

‫‪،2‬‬ ‫(‪ _ )1‬علي عشرم زايد‪ .‬النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع (اؼبصادر كالقضايا)‪ ،‬مكتبة الشباب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1995‬ص ‪.65‬‬
‫(‪ _ )2‬عبد اهلل بن اؼبعتز‪ .‬كتاب البديع‪ ،‬تح‪ :‬إغناطيوس كراتشكوفسكي‪ ،‬دار اؼبسَتة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪ ،1982 ،3‬ص ‪.09‬‬

‫‪144‬‬
‫وأردف أعجازا وناء بكلكل‪.‬‬ ‫لما تمطى بصبو‬
‫فقلل لو ّ‬
‫"ىذا كلو من االستعارة ألف الليل ال صلب لو كال عجز"(‪.)1‬‬

‫كيغلق ابن اؼبعتز باب االستعارة بذكر عيؤّا‪-‬كىذا صنيعو مع كل البديع‪-‬كعيؤّا ىي الغرابة كعدـ‬
‫لياقتها للمعٌت‪ ،‬كؾبافاهتا للذكؽ‪ ،‬ككذلك يبثل ؽبذه العيوب بالشعر ككبلـ القدماء‪.‬‬

‫‪/2‬التجنيس‪" :‬كىو أف ذبيء الكلمة ذبانس أخرل يف بيت شعر ككبلـ كؾبانستها ؽبا أف تشبهها يف‬
‫تأليف حركفها"(‪ ،)2‬كقوؿ الشاعر‪:‬‬

‫أضاء لها من كوكب الح ّق آفلو‬ ‫جال ظلمات الظلم عن وجو ّأمة‬

‫‪/3‬المطابقة‪ " :‬ي‬


‫طابقت بُت الشيئُت إذا صبعتهما على حذك كاحد (‪ )...‬فالقائل لصاحبو‪ :‬أتيناؾ‬
‫لتسلك بنا سبيل التوسع فأدخلتنا يف ضيق الضماف قد طابق بُت السعة كالضيق يف ىذا اػبطاب"(‪.)3‬‬

‫‪/4‬رد أعجاز الكالم على ما تقدمها ‪ :‬كىو موافقة آخر كلمة فيو آخر كلمة يف نصفو ٌ‬
‫األكؿ مثل‬
‫قوؿ الشاعر‪:‬‬

‫(‪.)4‬‬ ‫وليس لى داعي النّدى بسريع‬ ‫العم يشتم عرضو‬


‫سريع لى ابن ّ‬
‫‪/5‬الملىب الكالمي‪ :‬كىو "نوع من اعبدؿ العقلي كالقدرة على توليد اؼبعاين كال ٌدقة يف اؼبفارقات‬
‫مث ير ابن اؼبعتز ب ٌدا من ذكره كميزة من فبيزات الشعر اعبديد الذم يرل إمامو أبو سباـ أف "الشعر صوب‬
‫العقوؿ" (‪.)5‬‬

‫مثل ما قاؿ أبو سباـ‪:‬‬

‫بالرضى‬
‫الّ ّ‬ ‫يرضى الم ّ ىل من‬ ‫المج ُد ال يرضى بتن ترضى بتن‬

‫(‪ _ )1‬ابن اؼبعتز‪ .‬ـ س‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫(‪ _ )2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫(‪ _ )3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ _ )4‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫(‪ _ )5‬ؿبمد مندكر‪ .‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪145‬‬
‫"كبلغنا أف إسحاؽ بن إبراىيم رأل حبيب الطائي ينشد ىذا كأمثالو عند اغبسن بن كىب فقاؿ‪:‬‬
‫ياىذا شددت على نفسك" (‪.)1‬‬

‫كسول ىذا من الفنوف يسميو ابن اؼبعتز (ؿباسن الكبلـ كالشعر) كيقوؿ إهنا كثَتة كالباب مفتوح ؼبن‬
‫ؿبسنا كىي (االلتفات‪ ،‬االعًتاض‪ ،‬الرجوع‪ ،‬حسن اػبركج‪،‬‬
‫أراد أف يضيف إليها‪ ،‬كيذكر منها ثبلثة عشر ٌ‬
‫تأكيد اؼبدح دبا يشبو ال ٌذـ‪ ،‬ذباىل العارؼ‪ ،‬اؽبزؿ الذم يراد بو اعبد‪ ،‬حسن التضمُت‪ ،‬التعريض كالكناية‪،‬‬
‫الصفة‪ ،‬حسن التشبيو‪ ،‬لزكـ ما ال يلزـ‪ ،‬حسن االبتداء)‪.‬‬
‫اإلفراط يف ٌ‬
‫مميلات كتاب البديع‪:‬‬

‫هبمل ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ىذه اؼبميزات يف‪:‬‬

‫‪-‬دراسة فنوف البديع دراسة تطبيقية كاسعة تساعد على تكوين الذكؽ كتدعم الفكرة يف نفس القارئ‬
‫–يف دراستنا‪-‬أف ننبو على أف ابن اؼبعتز َف‬ ‫دبا اشتمل عليو من نصوص كثَتة ـبتلفة‪ ،‬غَت أنو من اؼبفيد‬
‫يدرس فنوف البديع دراسة علمية‪ ،‬ذلك ألف عصره َف تكن قد هتيأت لو مثل ىذه الدراسة إضافة إُف أنو‬
‫كاف أديبا شاعرا ألٌف كتابو ليؤكد على كجود ىذه الفنوف يف الكبلـ العريب صبلة قبل حركة التحديث‬
‫الشعرية‪.‬‬

‫األديب اػبالص كاػبلو التاـ من اؼبصطلحات العلمية كتقسيمات كتفريعات كحدكد اؼبناطقة‪.‬‬
‫‪-‬الطابع ٌ‬
‫‪-‬حصافة الذكؽ كسعة اإلطبلع كحسن االختيار‪.‬‬

‫‪-‬النظاـ الدقيق يف العرض الذم ذبلٌى يف صبيع أبواب الكتاب (‪.)2‬‬

‫أىمية كتاب البديع وقيمتو‪:‬‬

‫يرل بعض الباحثُت أف كتاب البديع البن اؼبعتز أقرب إُف كتب االختيار اليت شاعت يف عصره غَت‬
‫أنٌو ىبتلف عنها يف كونو ليس قائما على اختيار النصوص حبسب أغراضها كمواضيعها‪ ،‬لكن حبسب الفنوف‬
‫الرغم‬
‫البديعية موضوع الكتاب‪ ،‬لذلك فإف قيمة الكتاب تكمن يف صبع ىذه الفنوف يف كتاب كاحد على ٌ‬

‫(‪ _ )1‬ابن اؼبعتز‪ ،‬كتاب البديع‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫(‪ _ )2‬يراجع‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ .‬ابن اؼبعتز كتراثو يف األدب كالنقد كالبياف‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،1991 ،‬ص ‪.604‬‬

‫‪146‬‬
‫من كجودىا يف كتب سابقة (‪.)1‬‬

‫‪-‬لكن كتاب البديع لفت األنظار إُف إمكانية استقبلؿ ىذه الفنوف فيما بعد عندما حدث‬
‫االنفصاؿ بُت النقد كالببلغة يف القرف اػبامس‪.‬‬

‫‪-‬على الرغم من أ ٌف فكرة االختبلؼ بُت الببلغة كالنٌقد َف تكن قائمة يف ذىن ابن اؼبعتز‪ ،‬فإ ٌف كتابو‬
‫كاف كتابا يف الببلغة بينما الكتب اليت ألٌفت يف عصره كاف تع ٌد كتبا نقدية‪ ،‬بل "قد أصبح اؼبصطلح يف‬
‫ىذا القرف عنوانا على اذباه شعرم ذبديد كاف ؿبور صراع نقدم استمر طواؿ القرف الثالث كالرابع" (‪.)2‬‬

‫العريب القدًن كاف حركة دؤكبة‪ ،‬متشعبة األطراؼ‪ ،‬متعددة االذباىات‪ ،‬حركة‬
‫كخبلصة األمر أف النقد ٌ‬
‫متطورة حبسب مقتضيات العصر كمعطياتو‪ ،‬شارؾ فيها علماء كنقاد أفذاذ خلفوا مؤلفات مازالت ربتاج إُف‬
‫ال ٌدراسة كالبحث كالتنقَت‪ ،‬كستبقى ؿبل فخر كاعتزاز‪ .‬كستبقى النصوص األدبية ؿبل اىتماـ ال ينتهي‪.‬‬

‫(‪ _ )1‬يراجع‪ :‬علي عشرم زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫(‪ _ )2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪147‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫يف ختاـ ىذه اؼبطبوعة نسجل النقاط اآلتية‪:‬‬

‫‪َ-‬ف يكن النقد يف الًتاث العريب ترفا‪ ،‬أك أقواال عابرة‪ ،‬بل كاف نشاطا معرفيا‪ ،‬بدأ شأنو شأف اؼبعرفة‬
‫جزئيا غَت معلل‪ ،‬يبلحق ما تعلق بالنٌفس كأثار فيها البهجة أك الشجن‪ ،‬كغَتىا من أحواؿ النفس الكثَتة‪،‬‬
‫السخط كىكذا كاف نبٌو منذ البداية سبييز اعبيد من الردمء‪.‬‬
‫فصنع اإلعجاب أك ٌ‬
‫العريب شفاىيا‪ ،‬كذلك أمر طبيعي‪ ،‬فاألدب كاف وبفظ مشافهة‪ ،‬كال ب ٌد أف الشفاىية‬
‫‪ -‬بدأ النقد ٌ‬
‫كانت نزعة متأصلة يف الثقافة العربية حبكم االفتقاد إُف كسائل كأدكات الكتابة‪ .‬غَت أ ٌف ىذا النقد الذم‬
‫العريب بالفن كالثقافة‪ ،‬كحرصو على‬
‫بدأ مع األدب رحلة تطوره كسايره فيها‪ ،‬كاف أكرب دليل على عناية ٌ‬
‫حفظهما من النسياف‪ ،‬كضبايتهما من الضياع‪.‬‬

‫السلب‪ ،‬كَف‬
‫خلوا من بذرة اغبضارة‪ ،‬كَف يكن نبٌو الغزك كالقتل ك ٌ‬
‫َف يكن العريب يف صحرائو اؼبمتدة ٌ‬
‫يكن يرربل باحثا عن مواطن الكؤل حامبل بيتو فوؽ ظهره‪ ،‬بل كاف إنسانا عاديا يعيش يف اؼبدف (ما يسميو‬
‫ابن سبلـ القرل العربية) كيف الصحراء كالبوادم شأنو شأف اإلنساف اغبديث‪ .‬ككاف يق ٌدر الثقافة كهبل الفن‬
‫(كإف َف يعرؼ ىذين اؼبصطلحُت)‪.‬‬

‫إف ىذا االىتماـ كاإلجبلؿ للفن سيظهر يف كتب عديدة أنبها كتاب األغاين لؤلصفهاين يف القرف‬
‫مكونات ثقافتو ىو ما هبعلنا‬
‫الرابع؛ ىذا اإلصرار على ضباية اؼبعطيات الركحية لئلنساف كبعض ٌ‬
‫اؽبجرم ٌ‬
‫ندفع هتمة االنتحاؿ اليت أراد مرجليوث كطو حسُت إغباقها بالشعر العريب صبلة كتفصيبل‪ ،‬كهبعلنا نطمئن‬
‫إُف ابن سبلـ اعبمحي كىو يقوؿ إنٌو علينا قبوؿ ما قبلو العلماء‪ ،‬مع بقاء باب البحث مفتوحا على أم‬
‫حبث وبًتـ اإلنساف كينظر إليو باحًتاـ مهما كاف العصر أك العرؽ الذم ينتمي إليو‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪-‬كاف الشعر ديواف العرب كعلم قوـ َف يكن ؽبم علم أصح منو‪ ،‬لذلك نلحظ ىذا اإلصرار على‬
‫تعظيم شأنو‪ ،‬كيؤكد ىذا فكرةى الفحولة اليت تقصي من ؾباؽبا كل من خالطتو صفة أخرل غَت صفة الشعر‪،‬‬
‫العبسي َف يكن‬
‫ٌ‬ ‫ككل من انتمى إُف غَت زماف كمكاف الشعر األكؿ‪ ،‬فنحن ندىش حُت نعرؼ أف عنًتة‬
‫فحبل حبكم فكرة الفحولة‪ .‬ككأف فكرة الفحولة تدعو إُف إنشاء مؤسسات ثقافية نبها األكؿ صقل موىبة‬
‫كل نشاط آخر حىت ال يكوف الشاعر إال شاعرا فقط‪ ،‬كيكوف ىو ذاتو (قصيدة سبشي‬
‫الشعراء كعزؽبم عن ٌ‬
‫على األرض) ال ىبالطها كصف أك نعت آخر مهما ظبا أك عبل شأنو (الفركسية‪ ،‬الكرـ‪...‬اٍف)‬

‫‪-‬أدرؾ نقادنا القدماء أنبية العوامل الكثَتة اؼبختلفة يف تكوين الشاعر (الزماف‪ ،‬اؼبكاف‪ ،‬العامل‬
‫النفسي‪ )...‬كيظهر ىذا جليا يف طبقات فحوؿ الشعراء البن سبلـ اعبمحي الذم امتلك شجاعة‬
‫االعًتاؼ باالنتحاؿ كالوضع يف الشعر القدًن‪ ،‬كدعا إُف أف يكوف النقد نشاطا متخصصا يقوـ بو أىلو ألنو‬
‫صناعة مثل باقي الصناعات‪.‬‬

‫‪-‬سجلت اؼبدكنات النقدية العربية القديبة خط سَت النقد العريب القدًن من األكلية الشفاىية إذ كاف‬
‫االعتماد على ال ٌذكؽ كالرأم الذايت‪ ،‬إُف مرحلة النقد اؼبتخصص اؼبنهجي يف القرف الرابع مع مدكنات تعد‬
‫عبلمات مشرقة كمفخرة للنقد العريب عموما‪ ،‬مثل اؼبوازنة كالوساطة كدالئل اإلعجاز‪...‬اٍف‪.‬‬

‫كنصو األديب كتعلمو كيف يصنع اعبماؿ‪ ،‬كتدلو‬


‫‪-‬كانت الببلغة العربية رحبة كاسعة تتقدـ األديب ٌ‬
‫على مواضع اغبسن كتأخذ بيده من أجل الوصوؿ إُف النص اعبيد‪.‬‬

‫كل‬
‫‪-‬انضم إُف النشاط النقدم القدًن بيئات كثَتة ـبتلفة كاف نبٌها البحث يف النصوص األدبية ٌ‬
‫حبسب اذباىو (ببلغيوف‪ ،‬متكلموف‪ ،‬فبلسفة‪)...‬‬

‫‪-‬ما يزاؿ النقد العريب اغبديث موصوال بقديبو كال تزاؿ فكرة البحث عن النص اعبميل اؼبدىش قائمة‬
‫يف إيباف بأف كل زمن ال بد أف وبمل معو اعبديد اؼبغاير كاؼبختلف‪ ،‬لذلك سيلحظ أبنائي الطلبة أنٌٍت ذبنبت‬
‫يف ىذه احملاضرات ذكر أم عصر من العصور السياسية العربية‪ ،‬إذ إ ٌف نظرية التلقي تقوؿ بدراسة تاريخ‬
‫األدب حسب تلقي ىذا األدب ال حسب تقسيمات سياسية كربقيبات مفتعلة‪.‬‬

‫‪-‬يبثل الًتاث ركيزة مهمة يف حياة األمة‪ ،‬كال ب ٌد من الرجوع إليو‪ ،‬كإعادة قراءتو‪ ،‬كمقابلتو دبعطيات‬
‫اغباضر من أجل االلبراط يف حركة التجديد كالتحديث‪ ،‬كما اغبركة التحديثية اليت طالت الشعر العريب‬

‫‪149‬‬
‫بزعامة أيب سباـ ( ‪232‬ىػ) إالٌ دليل على أ ٌف الًتاث يف حاجة مستمرة إلعادة القراءة كإعادة النظر من أجل‬
‫التطوير كالتجديد‪ ،‬كتلك سنة اغبياة اليت ال مهرب منها‪.‬‬

‫مصادر ومراجع المطبوعة‬

‫القرآف الكرًن بركاية حفص عن عاصم‪.‬‬


‫أوال‪-‬المصادر‬

‫‪ .1‬األصمعي‪ .‬فحولة الشعراء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪2005 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .2‬اآلمدم‪ .‬اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫ط‪ ،4‬دت‪.‬‬
‫‪ .3‬امرؤ القيس‪ .‬ديواف امرئ القيس‪ ،‬شرح‪ :‬أبو سعيد السكرم‪ ،‬تح‪ :‬أنور علياف أبو سويلم كؿبمد علي‬
‫الشوابكة‪ ،‬مركز زايد للًتاث كالتاريخ‪ ،‬اإلمارات العربية اؼبتحدة‪ ،‬ط‪2000 ،1‬‬
‫‪ .4‬الباقبلين‪ ،‬إعجاز القرآف‪ ،‬تح‪ :‬السيد أضبد صقر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .5‬اؿحبًتم ‪ .‬ديواف البحًتم‪ ،‬مج‪ ،1‬تح‪ :‬حسن كامل الصَتيف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،3‬دت‪.‬‬
‫‪ .6‬أبو بكر الصوِف‪ .‬أخبار أيب سباـ‪ ،‬تح‪ :‬خليل ؿبمود عساكر كآخركف‪ ،‬منشورات دار اآلفاؽ اعبديدة‪،‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪.1980 ،2‬‬
‫‪ .7‬اؿثعاليب‪ .‬يتيمة الدىر يف ؿباسن أىل العصر‪ ،‬ج‪ ،4‬تح‪ :‬مقيد ؿبمد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪.1983 ،1‬‬
‫‪ .8‬اعباحظ‪ .‬البياف كالتبُت‪ ،‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1998 ،7‬ـ‪.‬‬
‫‪،2‬‬ ‫‪ .9‬اًفاحظ‪ .‬اغبيواف ‪ ،‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬شركة مصطفى البايب اغبليب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‬
‫‪.1965‬‬

‫‪150‬‬
‫جبلؿ الدين السيوطي‪ ،‬اؼبزىر يف علوـ اللغة كأنواعها‪ ،‬تح‪ :‬ؾبموعة من األساتذة‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪.10‬‬
‫دار الًتاث‪ ،‬ج‪ ،1‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،3‬دت‪.‬‬
‫حازـ القرطاجٍت‪ .‬منهاج البلغاء كسراج األدباء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد اغببيب ابن اػبوجة‪ ،‬دار الغرب‬ ‫‪.11‬‬
‫اإلسبلمي‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.2007 ،4‬‬
‫حساف بن ثابت‪ .‬ديواف حساف بن ثابت‪ ،‬شرح‪ :‬عبد الرضبن الربقوقي ‪ ،‬اؼبطبعة الرضبانية‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫القاىرة‪ ،‬دط‪.1929 ،‬‬
‫ابن خلدكف‪ .‬مقدمة ابن خلدكف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪2006 ،9‬ـ‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫ابن رشيق القَتكاين‪ .‬العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو‪ ،‬تح‪ :‬توفيق النيفر كـبتار العبيدم‬ ‫‪.14‬‬
‫كصباؿ ضبادة‪ ،‬آّمع التونسي للعلوـ كاآلداب كالفنوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪.2009 ،‬‬
‫ابن سبلـ اعبمحي‪ .‬طبقات فحوؿ الشعراء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اؼبدين‪ ،‬جدة‪،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫اؿصاحب بن عبَّاد‪ .‬الكشف عن مساكئ شعر اؼبتنيب‪ ،‬تح‪ :‬الشيخ ؿبمد حسن آؿ ياسُت‪،‬‬ ‫‪.16‬‬
‫مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد ط‪.1965 ،1‬‬
‫ابن طباطبا العلوم ‪ .‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عبد العزيز بن ناصر اؼبانع‪ ،‬دار العلوـ للطباعة‬ ‫‪.17‬‬
‫كالنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪.1985 ،‬‬
‫ابن طباطبا العلوم‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح‪ :‬عباس عبد الستار كنعيم زرزكر‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪.18‬‬
‫العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪2005 ،2‬ـ‪.‬‬
‫عبد القاىر اعبرجاين ‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬مطبعة اؼبدين‪ ،‬جدة‪،‬‬ ‫‪.19‬‬
‫ط‪.1992 ،3‬‬
‫عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬أسرار الببلغة‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد رشيد رضا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.20‬‬
‫ط‪.1988 ،1‬‬
‫عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬أسرار الببلغة‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد رشيد رضا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪ ،1‬تح‪ :‬ؿبمود شاكر‬ ‫عبد الكرًن النهشلي ‪ .‬اختيار اؼبمتع يف علم الشعر كعملو‪ ،‬ج‬ ‫‪.22‬‬

‫‪151‬‬
‫القطاف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.1983 ،1‬‬
‫عبد اهلل بن اؼبعتز‪ .‬كتاب البديع‪ ،‬تح‪ :‬إغناطيوس كراتشكوفسكي‪ ،‬دار اؼبسَتة‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫ط‪.1982 ،3‬‬
‫علم بن عبد العزيز ‪ .‬الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي‬ ‫‪.24‬‬
‫ؿبمد البجاكم‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫أبو اؿفرج األصفهاين ‪ .‬األغاين‪ ،‬ج ‪ ،21‬تح‪ :‬إحساف عباس كآخركف‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.25‬‬
‫ط‪.2008 ،3‬‬
‫‪ ،17‬تح‪ :‬كامل سليماف‬ ‫فضل اهلل العمرم‪ :‬مسالك األبصار يف فبالك األمصار‪ ،‬ج‬ ‫‪.26‬‬
‫اعببورم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪2010 ،1‬ـ‬
‫ابن قتيبة‪ .‬الشعر كالشعراء‪ ،‬تح‪ :‬أضبد ؿبمد شاكر‪ ،‬دار اغبديث‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪.2006 ،‬‬ ‫‪.27‬‬
‫قدامة بن جعفر‪ .‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.28‬‬
‫دط‪ ،‬دت‬
‫اؿقرشي ‪ .‬صبهرة أشعار العرب‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد على البجاكم‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪،‬‬ ‫‪.29‬‬
‫‪1981‬ـ‪.‬‬
‫اَفرزباين‪ .‬اؼبوشح يف مآخذ العلماء على الشعراء‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد حسُت مشس الدين‪ ،‬دار‬ ‫‪.30‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1995 ،1‬‬
‫اَفرزكقي‪ .‬شرح ديواف اغبماسة‪ ،‬مج ‪ ،1‬تح‪ :‬أضبد أمُت كؿبمد عبد السبلـ ىاركف‪ ،‬دار‬ ‫‪.31‬‬
‫اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪1991 ،1‬ـ‬
‫اَفىلهل‪ .‬ديواف اؼبهلهل‪ ،‬شرح كربقيق‪ :‬أنطواف ؿبسن القواؿ‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪.32‬‬
‫‪.1995‬‬
‫اؿندًن‪ .‬كتاب الفهرست‪ ،‬ج‪ ،1‬تح‪ :‬رضا اؼبازندراين‪ ،‬دار اؼبسَتة‪ ،‬طهراف‪ ،‬ط‪.1988 ،3‬‬ ‫‪.33‬‬

‫أبو ىبلؿ العسكرم‪ .‬كتاب الصناعتُت (الكتابة كالشعر)‪ ،‬تح‪ :‬علي ؿبمد البجاكم‬ ‫‪.34‬‬
‫كؿبمد أبو الفضل إبراىيم‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط‪.1952 ،1‬‬
‫السقا كآخركف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪،‬‬
‫يوسف البديعي‪ .‬الصبح عن حيثية اؼبتنيب‪ ،‬تح‪ :‬مصطفى ٌ‬ ‫‪.35‬‬

‫‪152‬‬
‫القاىرة‪ ،‬ط‪ ،3‬د ت‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬المراجع‬

‫‪،1‬‬ ‫أمُت اػبوِف‪ .‬مناىج ذبديد يف النحو كالببلغة كالتفسَت كاألدب‪ ،‬دار اؼبعرفة‪ ،‬ط‬ ‫‪.36‬‬
‫‪.1961‬‬
‫إحساف عباس‪ .‬تاريخ النٌقد األديب‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬ ‫‪.37‬‬
‫أضبد أضبد بدكم‪.‬أسس النقد األديب عند العرب‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪،‬‬ ‫‪.38‬‬
‫القاىرة‪ ،‬دط‪1996 ،‬ـ‪.‬‬
‫أضبد مطلوب‪ .‬البحث الببلغي عند العرب‪ ،‬منشورات‪ ،‬دار اعباحظ للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪،‬‬ ‫‪.39‬‬
‫‪.1982‬‬
‫‪،1‬‬ ‫أضبد مطلوب‪ .‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬ببلغتو كنقده‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‬ ‫‪.40‬‬
‫‪.1973‬‬
‫أضبد مطلوب‪ ،‬اذباىات النقد األديب يف القرف الرابع اؽبجرة‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪.41‬‬
‫ط‪1973 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪،1‬‬ ‫أضبد مطلوب‪ ،‬عبد القادر اعبرجاين ببلغتو كنقده‪ ،‬ككالة اؼبطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‬ ‫‪.42‬‬
‫‪.1973‬‬
‫أضبد يزف‪ .‬النقد األديب يف القَتكاف يف العهد الصنهاجي‪ ،‬مكتبة اؼبعارؼ للنشر كالتوزيع‪،‬‬ ‫‪.43‬‬
‫الرباط‪ ،‬دط‪1985 ،‬ـ‪.‬‬
‫إدريس الناقورم‪ .‬اؼبصطلح النقدم يف نقد الشعر‪ ،‬دراسة لغوية تارىبية نقدية‪ ،‬دار النشر‬ ‫‪.44‬‬
‫اؼبغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫أدكنيس‪ .‬الثابت كاحملوؿ‪ ،‬ج‪ ،2‬دار العودة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1979 ،2‬‬ ‫‪.45‬‬

‫‪153‬‬
‫بدكم طبانة‪ .‬البياف العريب‪ .‬دار اؼبنارة للنشر كالتوزيع‪ ،‬ج ٌدة‪ ،‬ط‪.1998 ،7‬‬ ‫‪.46‬‬
‫‪،3‬‬ ‫بدكم طبانة‪ .‬قدامة بن جعفر كالنقد األديب‪ ،.‬مكتبة األنلجو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‬ ‫‪.47‬‬
‫‪.1969‬‬
‫جابر عصفور‪ .‬مفهوـ الشعر –دراسة يف الًتاث النقدم‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪.48‬‬
‫القاىرة‪ ،‬ط‪.1995 ،5‬‬
‫حامت الضامن‪ .‬نظرية النظم (تاريخ كتطور)‪ ،‬منشورات‪ ،‬كزارة الثقافية كاألعبلـ‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪.49‬‬
‫دط‪.1979 ،‬‬
‫صمود‪ .‬التفكَت الببلغي عند العرب أسسو كتطوره إُف القرف السادس‪ ،‬دار الكتاب‬
‫ضبادم ٌ‬ ‫‪.50‬‬
‫اعبديد‪ ،‬ط‪.2010 ،3‬‬
‫‪،1‬‬ ‫داكد سلوـ‪ .‬النقد العريب القدًن بُت االستقراء كالتأليف‪ ،‬مكتبة األندلس‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‬ ‫‪.51‬‬
‫‪.1969‬‬
‫ر‪.‬ببلشَت‪ .‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬مج ‪ ،1‬تر‪ :‬إبراىيم الكيبلين‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‪،‬‬ ‫‪.52‬‬
‫دمشق‪ ،‬دط‪.1973 ،‬‬
‫زكي مبارؾ‪ .‬اؼبوازنة بُت الشعراء‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪1‬ف ‪1993‬ـ‪.‬‬ ‫‪.53‬‬
‫سيد قطب‪ .‬النقد األديب أصولو كمناىجو‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.،2008 ،8‬‬ ‫‪.54‬‬
‫شكيب أرسبلف‪ .‬الشعر اعباىلي أمنحوؿ أـ صحيح النسبة‪ ،‬تح‪ :‬ؿبمد العبدة‪ ،‬دار‬ ‫‪.55‬‬
‫الثقافة للجميع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1980 ،1‬‬
‫طارؽ النعماف‪ .‬اللفظ كاؼبعٌت بُت األيديولوجيا كالتأسيس اؼبعريف للعلم‪ ،‬مكتبة األقبلو‬ ‫‪.56‬‬
‫اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪.2003 ،‬‬
‫طو أضبد إبراىيم‪ .‬تاريخ النٌقد األديب عند العرب من العصر اعباىلي إُف القرف الرابع‬ ‫‪.57‬‬
‫اؽبجرم‪ ،‬دار اغبكمة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫طو حسُت‪ .‬يف األدب اعباىلي‪ .‬عبنة التأليف كالًتصبة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،3‬دت‪.‬‬ ‫‪.58‬‬
‫عادؿ الفرهبات‪ .‬الشعراء اعباىليوف األكائل‪ .‬دار اؼبشرؽ‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬ ‫‪.59‬‬
‫عبد السبلـ عبد العاؿ‪ .‬نقد الشعر بُت ابن قتيبة كابن طباطبا‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪.60‬‬

‫‪154‬‬
‫دار القرآف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫عبد العزيز عتيق‪ .‬تاريخ النٌقد األديب عند العرب‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة كالنشر‪،‬‬ ‫‪.61‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪2‬ف ‪.1972‬‬
‫عبد اللطيف صويف‪ .‬مدخل إُف علم الببليوغرافيا كاألعماؿ الببليوغرافية‪ ،‬دار اؼبريخ للنشر‪،‬‬ ‫‪.62‬‬
‫الرياض‪ ،‬دط‪.1995 ،‬‬
‫علي عشرم زايد‪ .‬النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع (اؼبصادر كالقضايا)‪،‬‬ ‫‪.63‬‬
‫مكتبة الشباب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.1995 ،2‬‬
‫‪،1‬‬ ‫علي لغزيوم‪ .‬نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس‪ ،‬مطبعة سايس‪ ،‬فاس‪ ،‬ط‬ ‫‪.64‬‬
‫‪.2007‬‬
‫عيسى علي العاكوب‪ .‬التفكَت النقدم عند العرب‪ ،‬دار الفكر اؼبعاصر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬دار‬ ‫‪.65‬‬
‫الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.2005 ،4‬‬
‫قاسم مومٍت‪ .‬نقد الشعر يف القرف الرابع اؽبجرم‪ .‬دار الثقافة للطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪.66‬‬
‫دط‪.1983 ،‬‬
‫ماجدة ضبود‪ .‬عبلقة النقد باإليداع االديب‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪.1997 ،‬‬ ‫‪.67‬‬
‫ؾبدم أضبد توفيق‪ .‬مفهوـ اإلبداع الفٍت يف النٌقد العريب القدًن‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة‬ ‫‪.68‬‬
‫للكتاب‪ ،‬دط‪.1993 ،‬‬
‫ؿبمد الطاىر بن عاشور‪ .‬شرح اؼبقدمة األدبية لشرح اؼبرزكقي على ديواف اغبماسة أليب‬ ‫‪.69‬‬
‫سباـ‪ ،‬تح‪ :‬ياسر بن حامد اؼبطَتم‪ ،‬مكتبة دار اؼبنهاج للنشر كالتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1431 ،1‬ق‪.‬‬
‫ؿبمد رجب البيومي‪ .‬موقف النٌقد األديب من الشعر اعباىلي‪ ،‬مطبوعات جامعة اإلماـ‬
‫ٌ‬ ‫‪.70‬‬
‫ؿبمد بن سعود اإلسبلمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ؿبمد زكي العشماكم‪ .‬قضايا النقد األديب بُت القدًن كاغبديث‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪.71‬‬
‫بَتكت‪ ،‬دط‪1979 ،‬ـ‪.‬‬
‫ؿبمد صايل ضبداف كعبد اؼبعطي مبر موسى كمعاذ السرطاكم‪ .‬قضايا النقد األديب‪ ،‬دار‬ ‫‪.72‬‬
‫األمل للنشر كالتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪1990 ،1‬ـ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ؿبمد عابد اعبابرم‪ .‬بنية العقل العريب (دراسة ربليلية نقدية لنظم اؼبعرفة يف الثقافة العربية‪،‬‬ ‫‪.73‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.2009 ،3‬‬
‫ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي‪ .‬ابن اؼبعتز كتراثو يف األدب كالنقد كالبياف‪ ،‬دار اعبيل‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.74‬‬
‫دط‪.1991 ،‬‬
‫ؿبمد علي زكي الصباغ‪ .‬الببلغة الشعرية يف كتاب البياف كالتبيُت للجاحظ‪ ،‬اؼبكتبة‬
‫ٌ‬ ‫‪.75‬‬
‫العصرية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1998 ،1‬‬
‫ؿبمد فريد كجدم‪.‬نقد كتاب الشعر اعباىلي‪ ،‬مؤسسة ىنداكم للتعليم كالثقافة‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪.76‬‬
‫دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫ؿبمد مندكر‪ .‬النقد اؼبنهجي عند العرب‪ .‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪.77‬‬
‫دط‪.1996 ،‬‬
‫ؿبمد مندكر‪ ،‬يف األدب كالنٌقد‪ ،‬هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دتا‪.‬‬ ‫‪.78‬‬
‫ؿبمود علي السماف‪ .‬األدب اعباىلي كقضية االنتحاؿ فيو‪ ،‬دكف ناشر‪.1995 ،‬‬ ‫‪.79‬‬
‫مصطفى اعبوزك‪ ،‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الطليعة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬ ‫‪.80‬‬
‫مصطفى زايد‪ ،‬أثر اإلسبلـ يف ىذا الشعر العريب القدًن‪ ،‬منشورات كلية اآلداب كالعلوـ‬ ‫‪.81‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كجدة‪.2010 ،‬‬
‫مصطفى ناصف‪ .‬نظرية اؼبعٌت يف الًتاث العريب‪ ،‬دار األندلس للطباعة كالتسيَت كالتوزيع‪،‬‬ ‫‪.82‬‬
‫بَتكت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫ناصر الدين األسد‪ .‬مصادر الشعر اعباىلي كقيمتها التارىبية‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط ‪،5‬‬ ‫‪.83‬‬
‫‪.1978‬‬
‫ىند حسُت طو‪ .‬النظرية النقدية عند العرب‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‬ ‫‪.84‬‬
‫كاإلعبلـ‪ ،‬سلسلة دراسات (‪ ،)283‬بغداد‪.1981 ،‬‬
‫كليد قصاب‪ .‬النقد العريب القدًن نصوص يف االذباه اإلسبلمي كاػبلقي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪.85‬‬
‫دمشق‪ ،‬دط‪.2005 ،‬‬
‫وبِت اعببورم‪ .‬الشعر اعباىلي خصائصو كفنونو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1986 ،5‬‬ ‫‪.86‬‬

‫‪156‬‬
‫يوسف اليوسف‪ .‬مقاالت يف الشعر اعباىلي‪ ،‬دار اغبقائق‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1985 ،4‬‬ ‫‪.87‬‬

‫ابن سيده‪ .‬احملكم كاحمليط األعظم‪ .‬تح‪ :‬مصطفى السقا كحسُت نصار‪ ،‬معهد اؼبخطوطات‬ ‫‪.88‬‬
‫العربية‪ ،‬جامعة الدكؿ العربية‪ ،‬ط‪.1958 ،1‬‬

‫ثالثا‪ -‬القواميس والمعاجم‬


‫ابن فارس‪ .‬مقاييس اللغة ‪ .‬مقاييس اللغة ‪ .‬تح‪ :‬عبد السبلـ ؿبمد ىاركف‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪.89‬‬
‫للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪.1979 ،‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ .‬تح‪ :‬عبد اهلل علي الكبَت كؿبمد أضبد حسب اهلل ك ىاشم ؿبمد‬ ‫‪.90‬‬
‫الشاذِف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫أبو البقاء الكفوم‪ .‬الكليات‪ ،‬تح‪ :‬عدناف دركيش كؿبمد اؼبصرم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫‪.91‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬ـ‪.‬‬
‫أضبد مطلوب‪ .‬معجم النٌقد العريب القدًن‪ ،‬دار الشؤكف الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬دط‪،‬‬‫‪.92‬‬
‫‪،1989‬‬
‫أضبد مطلوب‪ .‬معجم مصطلحات النقد العريب القدًن‪ ،‬مكتبة لبناف ناشركف‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.93‬‬
‫ط‪.2001 ،1‬‬
‫إيبيل بديع يعقوب كميشاؿ عاصي‪ ،‬اؼبعجم اؼبفصل يف اللغة كاألدب‪ ،‬ج ‪ ،1‬دار العلم‬ ‫‪.94‬‬
‫للمبليُت‪ ،‬بَتكت‪ ،‬ط‪.1987 ،1‬‬
‫الزـبشرم‪ .‬أساس الببلغة ‪ ،‬تقدًن‪ :‬ؿبمود فهمي حجازم‪ ،‬اؽبيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫‪.95‬‬
‫القاىرة‪ ،‬د ط‪.2003 ،‬‬
‫سعيد علوش‪ ،‬معجم اؼبصطلحات األديب اؼبعاصرة‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بَتكت‪،‬‬ ‫‪.96‬‬
‫سوشربيس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1985 ،1‬‬
‫الفَتكز آبادم‪ ،‬القاموس احمليط‪،‬‬ ‫‪.97‬‬
‫ؾبدم كىبة ككامل اؼبهندس‪ ،‬معجم اؼبصطلحات العربية يف اللغة كاألدب‪ ،‬مكتبة لبناف‪،‬‬ ‫‪.98‬‬

‫‪157‬‬
‫بَتكت‪ ،‬ط‪.1984 ،2‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪1‬‬ ‫ة‬ ‫مقدم‬


‫المحاضرة األولى‪:‬‬
‫النقد العربي القديم (مفهومو وتطوره)‬
‫‪4‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم النّقد‬
‫‪5‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النَّاقد‬
‫‪6‬‬ ‫ثالثا‪ :‬وظيفة النّقد األدبي وأىميتو‬
‫‪7‬‬ ‫رابعا‪ :‬العالقة بين اإلبداع والنّقد‬
‫‪7‬‬ ‫خامسا‪ :‬تطور النّقد العربي القديم‬
‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫بيبليوغرافيا المصنفات النقدية في المشرق والمغرب‬
‫‪10‬‬ ‫أوال‪ :‬تعريف البيبليوغرافيا‬
‫‪11‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تعريف المصنفات‬
‫‪11‬‬ ‫‪-1‬طبقات فحول الشعراء البن سالم الجمحي ( ‪231‬ى )‬
‫‪12‬‬ ‫‪-2‬البيان والتبيين للجاحظ (‪255‬ى )‬
‫‪13‬‬ ‫‪-3‬الشعر والشعراء البن قتيبة (‪276‬ى )‬
‫‪15‬‬ ‫‪-4‬كتاب عيار الشعر البن طباطبا العلوي (‪322‬ى )‬
‫‪16‬‬ ‫‪-5‬نقد الشعر لقدامة بن جعفر ( ‪337‬ى )‬
‫‪17‬‬ ‫‪-6‬الموازنة بين الطائيين لآلمدي (‪370‬ى )‬
‫‪18‬‬ ‫‪-7‬الوساطة بين المتنبي وخصومو للقاضي الجرجاني (‪392‬ى )‬
‫‪19‬‬ ‫‪-8‬العمدة البن رشيق القيراوني ( ‪456‬ى )‬
‫‪20‬‬ ‫‪-9‬دالئل اإلعجاز لعبد القاىر الجرجاني (‪471‬ى )‬
‫‪20‬‬ ‫‪-10‬منهاج البلغاء وسراج األدباء لحازم القرطاجني (‪684‬ى )‬

‫‪158‬‬
‫المحاضرة الثالثة‪:‬‬
‫النق د االنطباعي‬
‫‪23‬‬ ‫أوال‪ :‬معنى النَّقد االنطباعي‬
‫‪24‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مجاالت النّقد االنطباعي‬
‫المحاضرة الرابعة‪:‬‬
‫مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة والمغاربة‬
‫‪31‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة‬
‫‪37‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر عند النقاد المغاربة‬
‫المحاضرة المامسة‪:‬‬
‫قضية االنتحال وتتصيل الشعر العربي‬
‫‪42‬‬ ‫بي القديم‬
‫أوال‪ :‬االنتحال في النّقد العر ّ‬
‫‪50‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االنتحال في دراسات المستشرقين‬
‫‪53‬‬ ‫ثالثا‪ :‬االنتحال في الدراسات العربية الحديثة‬
‫المحاضرة السادسة‪:‬‬
‫قضية الفحولة في النقد القديم‬
‫‪66‬‬ ‫‪-‬الفحولة لُغة‬
‫‪67‬‬ ‫‪-‬الفحولة اصطالحا‬
‫‪68‬‬ ‫الشاعر الفحل لدى األصمعي‬
‫‪68‬‬ ‫معايير الفحولة لدى األصمعي‬
‫‪73‬‬ ‫اإلطار اللماني والمكاني للفحولة‬
‫المحاضرة السابعة‪:‬‬
‫نظرية عمود الشعر في النقد القديم‬
‫‪75‬‬ ‫نشتة مصطلل (عمود الشعر)‬
‫‪75‬‬ ‫عمود الشعر لدى اآلمدي (‪ 370‬ه)‬
‫‪77‬‬ ‫عمود الشعر لدى القاضي الجرجاني (‪392‬ى )‬
‫‪78‬‬ ‫عمود الشعر لدى المرزوقي (‪ 421‬ى )‬

‫‪159‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬
‫قضية اللفظ والمعنى عند (ابن قتيبة) و(ابن طباطبا) و(قدامة بن جعفر)‬
‫‪85‬‬ ‫معنى القضية‬
‫‪86‬‬ ‫المعنى‪ /‬اللفظ‬
‫‪89‬‬ ‫آراء ابن قتيبة ( ‪270‬ى ) في اللفظ والمعنى‬
‫‪92‬‬ ‫اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا العلوي (‪ 327‬ىػ)‬
‫‪95‬‬ ‫اللفظ والمعنى عند قدامة بن جعفر (‪ 337‬ىػ)‬
‫المحاضرة التاسعة‪:‬‬
‫قضية اللفظ والمعنى عند نقاد المغرب واألندلس‬
‫‪100‬‬ ‫‪-‬عبد الكريم النهشلي (‪405‬ى )‬
‫‪101‬‬ ‫‪-‬ابن رشيق القيرواني (‪456‬ى )‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -‬حازم القرطاجني (‪684‬ى )‬
‫‪106‬‬ ‫‪-‬ابن خلدون (‪808‬ى )‬
‫المحاضرة العاشرة‪:‬‬
‫الصدق في النقد العربي القديم‬
‫قضية ّ‬
‫‪109‬‬ ‫الصدق والكلب في النقد العربي القديم‬
‫‪111‬‬ ‫قضية الصدق عند النقاد العرب‬
‫المحاضرة الحادية عشرة‪:‬‬
‫الموازانات النقدية‬
‫‪120‬‬ ‫الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري لؤلمدي ( ‪ 370‬ه)‬
‫‪126‬‬ ‫الوساطة بين المتنبي وخصومو‪ :‬للقاضي الجرجاني (‪292‬ى )‬
‫المحاضرة الثانية عشرة‪:‬‬
‫نظرية النظم في النقد العربي القديم‬
‫‪130‬‬ ‫نظرية النظم‬
‫‪131‬‬ ‫أسئلة اإلعجاز عند عبد القاىر الجرجاني‬
‫‪134‬‬ ‫قيمة نظرية النظم في النقد األدبي‬

‫‪160‬‬
‫المحاضرة الثالثة عشرة‬

‫البالغي‬
‫ّ‬ ‫النقد‬
‫‪139‬‬ ‫نشتة النّقد البالغي في التراث العربي‬
‫‪142‬‬ ‫نموذج عن النقد البالغي في التراث النقدي‬
‫‪144‬‬ ‫البديع عند ابن المعتل‬
‫‪146‬‬ ‫مميلات كتاب البديع‬
‫‪146‬‬ ‫أىمية كتاب البديع وقيمتو‬
‫‪148‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪150‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪158‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫‪161‬‬

You might also like