Professional Documents
Culture Documents
نعيش يف عاَف هبربنا على مبلحظة تطور مظاىر كظواىر كثَتة فيو ،كتغَت األشكاؿ كالصور
باستمرار .إف ىذا العاَف ىو ما يدعو اإلنساف إُف طرح السؤاؿ ،كؿباكلة إهباد اإلجابة ،سواء أعثر
متفرعا إُف كوف من السؤاالت اليت تتوالد.
عليها أـ َف يفعل ،كسواء أكاف السؤاؿ كاحدا أـ ٌ
كيف رحلة التفكَت ىذه يكوف اإلنساف قد مارس النٌقد بشكلو العاـ بغية الفهم ،كالتلبس بطرح
ىم للنفس البشرية يف ظل تغَتات تطورات تصنع دىشة اؼبفاجأة ،كزبلق اػبوؼ من
السؤاؿ ىو أكرب ٌ
التغَت كالتبدؿ اؼبتسارع.
كالنقد األديب ليس سول جزء من ىذا النقد األمشل ،بل إنٌو أساسو بوصف النٌقد األديب يهتم
بكل ظواىر العاَف كدبختلف النصوص مهما كانت أشكاؽبا كصورىا .إنو يكوف حيثما يكوف السؤاؿ
يف مهمة خالدة ىي إهباد اإلجابة.
كقد كاف النقد شاغل اإلنساف منذ القدـ ،كمنذ أف كانت كل التعامبلت ذبرم مشافهة قبل
اكتشاؼ طرؽ كأدكات التدكين اؼبختلفة ،كاإلنساف العريب كاف كال يزاؿ جزءا من ىذا العاَف ،كيف
حس فٍت شهد تطورات متصاعدة من
جاىليتو اليت ال نعرفها كاليت نعرفها مارس العريب النٌقد يف ٌ
اؼببلحظات البسيطة إُف التدكين ككضع اؼبصنفات ،إنو نقد نبو (النٌص) كلذلك تعددت بيئات ىذا
النٌقد ،ككثر رجالو الذين َف يكن ؽبم سول االشتغاؿ بالنص كإحاطتو بالعناية من أدؽ جوانبو.
كؿباضرات النقد القدًن ىي كسيلة أكُف تأخذ بيد الطالب يف سنتو األكُف باعبامعة ،تعينو على
اكتشاؼ ّٔجة السؤاؿ الذم وبيط تراثنا العريب اؼبتفجر باؼبدكنات النقدية اليت حرصت على تدكين
جهود النقاد حىت ما كاف منها مشافهة يف عصر ما قبل الكتابة كالتدكين.
لذلك تبدأ ىذه احملاضرات –حبسب اؼبقرر الوزارم -بالنقد األكؿ االنطباعي الذم كاف يصدر
عن العريب القدًن ذباه النٌصوص األدبية كالشعرية خاصة.
1
األكؿ حىت يكوف الطالب قد تعرؼ على مسَتة تطور النقد األديب ،كصوال
كال ينتهي السداسي ٌ
إُف نظرية النظم لعبد القاىر اعبرجاين ( 471ىػ) ،مث يشرع الطالب يف التعرؼ على البيئات اؼبتعددة
اليت أسهمت يف اغبركة النقدية العربية ،لذلك يكوف مفتتحها ىو آخر درس يف ىذا السداسي (النقد
الببلغي).
السنة األكُف،
تعتمد ىذه الدركس على التبسيط كما هبب أف تكوف دركس تقدـ إُف طالب ٌ
ىبل بذائقتو كقدرتو على التعليل كذكائو كمكتسباتو القبلية.
غَت أنٌو تبسيط ال ٌ
كلقد حرصنا يف ىذه احملاضرات على الرجوع إُف اؼبصادر (مصادر اؼبادة النقدية) حىت يعرؼ
الرجوع إُف ىذه اؼبظاف النقدية اؼبختلفة ،فيدركو سحرىا
الطالب أف البحث يف األدب القدًن يقتضي ٌ
كل ٌذة تقليبها كالبحث فيها ،كيعرؼ أمرين نبا :مدل اعبهد الذم بذلو أجدادنا من أجل اغبفاظ على
تراث أمتنا العربية اإلسبلمية ،ألف الفن كمنو األدب حاجة إنسانية كونية ال غناء للبشر عنها ،كثاين
ىذه األمور ىو اكتشاؼ مدل اؼبشقة اليت عاناىا أساتذة أجبلء يف ربقيق اؼبخطوطات ،كإخراجها
للقراء سهلة ،ناصعة ،خفيفة ،كاضحة.
كما رجعنا إُف اؼبراجع اغبديثة ،كألىل االختصاص يف النقد كاألدب ،مستنَتين بآرائهم،
مستأنسُت دبا دكنوه كما كصلوا إليو ،احًتاما للجهد الكبَت الذم بذؿ يف ربليل كمناقشة القضايا
النقدية العربية القديبة ،ليعلم الطالب أف العلم سلسلة متواصلة فبتدة ال تغلق حلقاهتا كأف البحث يف
نقدنا القدًن ما يزاؿ مستمرا كمتواصبل ،كسيبقى ميدانا للدراسة كالبحث ،كليتأكد أف أم ٌأمة ال
يبكنها االنفصاؿ عن ماضيها كالفكاؾ من تراثها ،كأنو عليو دائما الوقوؼ أماـ ىذا الًتاث كقفة
اؼبساءلة كربطو باغباضر يف إعادة قراءة تصل اؼباضي باغباضر كربقيق (التجديد).
كقد عملنا يف معظم ىذه احملاضرات على البدء دبدخل يهيئ للطالب الفهم ،إذ بدأناىا
باؼبفاىيم كاغبدكد كالتعريفات ،فعرفنا الطالب –مثبل -دباىية البيبليوغرافيا ،كماىية اؼبصنف يف اللغة
كاالصطبلح ،ككذلك فعلنا يف درس قضية اللفظ كاؼبعٌت ،فعرفنا القضية ،كاللفظ ،كاؼبعٌت كغَتىا
2
ليعرؼ الطالب مىت يكوف األمر متعلقا بالقضية ،كمىت يكوف ذا كشيجة مع الفكرة أك النظرية.
كليس ذلك إال لنعلم طلبتنا أ ٌف البحث ينطلق من أصغر اعبزئيات مث ينتقل إُف الكليات كأ ٌف
الفهم ال ب ٌد أف يتدرج من أصغر جزء يف اؼبوضوع إُف أكرب جزء منو ،كأف ال يقبل اػبرب يف مشوليتو
حىت يتحرل ال ٌدقة كيفتتو إُف جزئياتو كيتأكد من صحتها كسبلمتها مث يرتقي يف البحث إُف ما ىو
أكرب حىت يفي حبثو ح ٌقة ،كيتعلم أ ٌف سحر البحث يكمن يف مشاغبة السؤاؿ ،كالبحث يف اعبزء،
كالتحليل مث الًتكيب.
كأما عن الصعوبات اليت تكوف قد كاجهتنا يف أثناء إعداد ىذه احملاضرات ،فبل نذكر صعبا أك
عائقا؛ كاغبمد هلل على مكتبة جامعتنا (جامعة قسنطينة) العامرة الزاخرة أدامها اهلل مركزا للعلم
كمقصدا لطبلبو ،كالشكر كلٌو لعماؽبا كموظفيها القائمُت على خدمة الطلبة كاألساتذة.
أخيرا:
أرجو لطلبيت أف هبدكا يف ىذه احملاضرات الفائدة كاؼبتعة معا ،كأف تستأثر باىتمامهم قراءة
السؤاؿ فتتوالد منو السؤاالت كيكوف اغبلم ،كيكوف منهم الباحث
كحبثا ،كأف ربرؾ فيهم دىشة ٌ
كل يف ؾبالو أفاخر بو.
كالدكتور كاألستاذ ،ك ٌ
3
المحاضرة األولى:
النقد العربي القديم (مفهومو وتطوره)
أوال :مفهوم النّقد
/1لغة :نستنتج من البحث يف ـبتلف القواميس كاؼبعاجم العربية أف كلمة (نقد) ؽبا معاف كثَتة
ـبتلفة ،نكتفي بذكر أنبها:
معٌت النٌقد الذم يقوـ على الفرز كالتدقيق كاغبكم على ال ٌدرىم
كيكوف اؼبعٌت األكؿ ىو األقرب إُف ى
الوازف كفصلو عن ال ٌدراىم اؼبغشوشة ،كىي عملية ال يقوـ ّٔا إالٌ متخصص.
ككما يكوف ىذا الفرز كالتصنيف يف العملة النقدية ،فإنٌو يكوف كذلك يف النصوص األدبية.
4
كم من أحكاـ ذكقية اسم "النقد" كإف
رديئو) ،كقد اىتم العرب بو منذ عهد مبكر ،ككانوا يطلقوف على ما ير ى
َف تكن لديهم كتب مصنفة فيو»(.)1
كيقًتب ىذا التعريف من تعريف ؿبمد مندكر للنقد إذ يقوؿ« :النقد األديب يف ٌأدؽ معانيو ىو فن
دراسة األساليب كسبييزىا ،كذلك على أف نفهم لفظة األسلوب دبعناىا الواسع ،فليس اؼبقصود بذلك طرؽ
األداء اللغوية فحسب ،بل اؼبقصود منحى الكاتب العاـ كطريقتو يف التأليف كالتعبَت كالتفكَت كاإلحساس
على السواء»(.)2
شبة تقارب شديد بُت اؼبعٌت اللغوم كاؼبعٌت االصطبلحي للنقد ،فكبلنبا يتلخص يف التمييز بُت اعبيد
كالردمء كفصلهما ،كبذلك "يكوف النقد األديب –يف اؼبصطلح اػباص -ىو تقدير النص األديب تقديرا
صحيحا كبياف قيمتو يف ذاتو كدرجتو األدبية بالنسبة إُف غَته من النٌصوص ،على أف يكوف ذلك مستندا
إُف الفحص ال ٌدقيق كاؼبوازنة العادلة كالتمييز اؼبعتمد على اؼبعرفة الصادقة ،ليكوف اغبكم –آنذاؾ -قريبا إُف
الصحة قربا ال يىبّْل بو سول ىع ىدـ عصمة اإلنصاؼ"(.)3
ّْ
ثانيا :النَّاقد
كيصدر ىذا اغبكم عن الشخص اؼبشتغل بالنٌقد ،كىو الناقد ،قارئ متمرس بالنصوص األدبية،
امتلك سلطة دراستها كتفسَتىا كتقديبها إُف القراء ،كقد انتهى فيها إُف حكم معُت.
ؿبل احًتاـ كتقدير من طرؼ القراء ،كجب أف تتوفر فيو صبلة من
كلكي تكوف أحكامو كمبلحظاتو ن
الشركط أنبها:
-1الثقافة :النٌقد نشاط فكرم ثقايف يهدؼ إُف التقوًن كالبناء ،كلذلك كجب على النٌاقد أف يكوف
تساعده يف ً
فحص العمل األديب، ي لما دبجموعة من اؼبعارؼ مطلعا على كثَت من العلوـ اليت
مثقفا؛ يم ِّ
الرىيف ،كعمق رؤيتو ،كاؽبدؼ من التسلح ّٔذه اؼبعارؼ اؼبختلفة (علم النفس،
حسو كذكقو ٌ
باالتكاء على ّْ
(-)1أضبد مطلوب ،معجم النٌقد العريب القدًن ،ج ،2دار الشؤكف الثقافية العامة ،بغداد ،دط ،1989 ،ص.409
(-)2ؿبمد منذكر ،يف األدب كالنٌقد ،هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع ،القاىرة ،دط ،دتا ،ص .09
(-)3الصاحب بن عبَّاد ،الكشف عن مساكئ شعر اؼبتنيب ،تح :الشيخ ؿبمد حسن آؿ ياسُت( ،مقدمة احملقق) ،مكتبة النهضة ،بغداد
ط ،1965 ،1ص.07
5
علوـ اللغة ،التاريخ ،الفلسفة ،علم اعبماؿ )...ىو استغبلؽبا لتحليل النصوص األدبية ،كالكشف عن
مواضع اعبماؿ فيها ،ال صبُّها على النص األديب.
-2الموضوعية :تعٍت اؼبوضوعية النٌظر يف اؼبوضوع بعيدا عن إكراىات الذات كمزالق اؽبول ،كأل ٌف
الناقد إنسا يف يتأثر بالظركؼ احمليطة بو ،كألنٌو ال يستطيع أف يتخلص –سباما -من بعض الذكريات كاؼبواقف
تسَت اىتمامو كتؤثر يف نظرتو إُف األمور ،فإ ٌف مطلب اؼبوضوعية التامة يبقى مستحيل التحقق بشكل
اليت ٌ
تاـ ،إالٌ أنٌو على الناقد النٌزيو أف يتعامل مع النص األديب بعيدا عن اؽبول كالعاطفة متسلحا دبجموعة من
اؼبناىج النقدية اليت تساعده على ال ٌدخوؿ إُف عواَف النصوص.
ليس النٌقد األديب ترفا وبظى بو قارئ يف غبظة إعجاب بالنٌص اؼبقركء ،كىو ليس حكما يعطى دكف
فبارسة راسخة ،كتعامل مؤسس مع النصوص األدبية ،ذلك ألنٌو تعامل مباشر مع النص ،تراث األمة كأحد
أىم مكوناهتا الفنية كاعبمالية ،كتتلخص أنبية النٌقد ككظيفتو فيما يلي« :تقوًن العمل األديب من الناحية
الفنية ،كبياف قيمتو اؼبوضوعية ،كقيمتو التعبَتية كالشعورية ،كتعيُت مكانو يف خط سَت األدب ،كربديد ما
أضافوي إُف الًتاث األديب يف لغتو كيف العاَف األديب كلو ،كقياس مدل تأثره باحمليط ،كتأثَته فيو ،كتصوير
ظبات صاحبو ،كخصائصو الشعرية كالتعبَتية ،ككشف العوامل النفسية اليت اشًتكت يف تكوينو كالعوامل
اػبارجية كذلك»(.)1
يتبُت أف النٌقد احتفاء بالعمل األديب كإثراء لو ،ؼبا لو من قدرة على التقوًن ،ككشف اعبدَّة اليت تعطى
للنصوص مشركعية يف الوجود الذم سنٌتو التطور كالتجدد ،كما أ ٌف النقد يقوـ مقاـ الواسطة بُت النصوص
كالقراء ،خاصة ذلك القارئ العادم الذم ال يهمو من العمل األديب إالٌ اقتناص اؼبتعة اعبمالية دكف اػبوض
الصورة اؼبثالية الراقية اليت يتطلع
يف تربير أك تعليل ،باإلضافة إُف اإلسهاـ يف النهوض باألدب كتوجيهو إُف ٌ
إليها األدباء كالقراء كالنقاد على حد السواء.
(-)1سيد قطب ،النقد األديب أصولو كمناىجو ،دار الشركؽ ،القاىرة ،ط ،2008 ،8ص.07
6
رابعا :العالقة بين اإلبداع والنّقد
يرتبط النقد كاإلبداع األديب بعبلقة كطيدة ،فبل كجود لنقد دكف نصوص أدبية ،كال ارتقاء أك تطور
لؤلدب دكف النقد ،إهنا «عبلقة دقيقة ،إهنما يلتقياف يف كثَت من العناصر كلكنهما وبتفظاف باستقبلليتهما،
فاألدب ال يستغٍت عن النٌقد كما أ ٌف النقد ال يبكن أف قبده دكف نص أديب ،حىت التنظَت النٌقدم ال يأيت
ؾبسدا مع نصوص أدبية يستنبط منها أحكاما نظرية»(.)1
من أفكار ؾبردة فقط ،كإمبا ٌ
خامسا :تطور النّقد العربي القديم
يولد النقد مع األدب ،كىذا حالو لدل األمم صبيعا ،ككذلك كاف شأنو لدل العرب؛فقد نشأ مع
الشعرم العريب الذم ال نستطيع تاريخ نشأتو على كجو ال ٌدقة.
-1يتفق كثَت من الباحثُت على أف النٌقد يف العصر اعباىلي َف يكن سول أحكاما قائمة على الذكؽ
اػبالص الذم مبعثو اإلحساس العاِف بالفنوف القولية العربية كعلى رأسها (الشعر) ،كيبكن أف نوجز ظبات
النقد اعباىلي يف نقاط ىي:
الطبع :أم أف أحكامو كانت قائمة على الطبع كالسليقة دكف سند خارجي ؽبذا الطبع ،فهم َف
يعللٌوا ألحكامهم كَف وبتاجوا ؼبن يضع ؽبم اؼبقاييس ليتبعوىا كإمبا كانت أحكامهم النقدية نابعة من اػبربة
اؼبتأنية من قوؿ الشعر إذ أ ٌف أغلب أصحاب ىذه األحكاـ كانوا شعراءى.
التعميم :كىو نتاج الطبع كالسليقة ،كمثالو أف يقوؿ النابغة لعبيد بن ربيعة« :أنت أشعر بٍت عامر،
أك :اذىب فأنت أشعر العرب ،أك لقيس بن اػبطيم« :أنت أشعر النٌاس» ،أك يقوؿ للخنساء« :أنت أشعر
من كل ذات مثانة ،دكف أف يبُت سببا غبكمو كتفضيل ك و
احد من الشعراء على اعبميع. ٌ ّْ
اإليحاء :كمن أمثلتو قوؿ امرئ القيس /كقصيدة يؿب ٌربه ،كىنا إوباء بالتحبَت الذم ىو نسج للثياب،
كهتتز ؽبا النُّفوس.
فكما تتنوع أشكاؿ الثياب فكذلك القصيدة يرب َّرب بكل ما هبعلها صبيلة تستلٌذ ّٔا األظباع ي
اإليجاز :كبو قوؿ النعماف للنابعة :ىذا بيت إف أنت َف تتبعو دبا يوضح معناه ،كاف إُف اؽبجاء أقرب
(-)1ماجدة ضبود ،عبلقة النقد باإليداع االديب ،منشورات كزارة الثقافة ،دمشق ،دط ،1997 ،ص.46
7
منو إُف اؼبديح ،دكف أف يبُت أك يفسر كيف ينصرؼ معٌت البيت إُف اؽبجاء(.)1
أخذ النقد العريب يف التطور يف ىذا القرف ،كلكنٌو تطور ال يبعد بو كثَتا عن النٌقد اعباىلي ،كقد عيرؼ
يف ىذا القرف شعراء برزكا يف فنوف شعرية معينة ،مثل جرير كاألخطل كالفرزدؽ الذين ظبٌوا شعراء النٌقائض،
تطور يف
كاشتهر عمر بن أيب ربيعة بالغزؿ ،كالكميت ّٔامشياتو ،كقد كاكب ىذا التطور يف الفنوف الشعرية ه
تعد –يف أغلبها-
النَّقد كإصباال «فإف العملية النقدية يف القرف الذم نتحدث عنو (القرف األكؿ اؽبجرم) َف ي
أف تكوف انطباعات تأثرية سريعة فيها أحكاـ نقدية عامة كبَتة منطلقة من ظواىر خاصة صغَتة»(.)2
نشطت اغبركة األدبية يف القرف الثالث اؽبجرم باإلضافة إُف اتساع اغبركة العلمية اليت اعتمدت على
الًتصبة ،كشهدت الثقافة العربية ثراء كبَتا باتصاؽبا بالثقافات األجنبية ،ككاف ؽبذا أثره الواضح يف تطور حركية
الكتب،
ي ضعت فيها اؼبصنفات كأيلٌىف ٍ
ت ألجل مناقشتها كبياهنا النقد العريب القدًن الذم عرؼ قضايا عديدة يك ٍ
(-)1يراجع :مصطفى زايد ،أثر اإلسبلـ يف ىذا الشعر العريب القدًن ،منشورات كلية اآلداب كالعلوـ اإلنسانية ،كجدة ،2010 ،ص.72
(-)2قاسم مومٍت ،نقد الشعر يف القرف الرابع اؽبجرم ،دار الثقافة للطباعة كالنشر ،القاىرة ،دط ،1983 ،ص.42
(-)3ىند حسُت طو ،النظرية النقدية عند العرب ،دار الرشيد للنشر ،منشورات كزارة الثقافة كاإلعبلـ ،سلسلة دراسات ( ،)283بغداد،
،1981ص.87
8
ككاف لظهور شاعر مبدع -يف ىذا القرف -خالف القدًن كخرج على عمود الشعر العريب أثر كبَت ككاضح يف
كتطوره ،ذلك الشاعر كاف أبا سباـ الذم كتب بسبب شعره النقاد يف (القدًن كاغبديث)
ثراء النٌقد العريب ٌ
يصح أف يوصف نقد القرف الثالث بأنٌو «مرحلة انتقالية بُت
ك(السرقات) ك(اللفظ كاؼبعٌت) كغَتىا ،لذلك ي
تف منو يف كتب األدب اليت َّأرخت للشعر اعباىلي كاإلسبلمي ،كبُت النٌقد
النقد الذايت الذم جاءت ني ه
اؼبوضوعي اؼبنهجي الذم نلتقي بو يف القركف اليت تلت ىذا القرف»(.)1
يصف طو أضبد إبراىيم النٌقد يف القرف الرابع بقولو« :كاف النٌقد يف القرف الرابع خصبا جدِّا ،كاف
السليم مؤتنسا بنواحي العلم يف الصورة كالشكل
متسع اآلفاؽ ،متنوع النظرات ،معتمدا على ال ٌذكؽ األديب َّ
الركح ،إف حلٌل فبذكؽ سليم ،كإف علل دبنطق شديد ،كإف عرض لفكرة أتَّى على كل ما
ال يف اعبوىر ك ُّ
فيها»( ،)2كقد ظبٌى ؿبمد مندكر ىذا القرف بقرف النقد اؼبنهجي «كالذم نقصده بعبارة النٌقد اؼبنهجي ىو
ذلك النقد الذم يقوـ على أسس نظرية أك تطبيقية عامة ،كيتناكؿ بالدرس مدارس أدبية أك شعراء أك
اغبوؿ فيها ،كيبسط عناصرىا كببصر دبواضع اعبماؿ كالقبح فيها»(.)3
بفصل ٌ
خصومات ٌ
(-)1قاسم مومٍت ،نقد الشعر يف القرف الرابع ،مرجع سابق ،ص .63
(-)2طو أضبد إبراىيم ،تاريخ النٌقد األديب عند العرب من العصر اعباىلي إُف القرف الرابع اؽبجرم ،دار اغبكمة ،بَتكت ،دط ،دتا،
ص.141
(-)3ؿبمد مندكر ،النقد اؼبنهجي عند العرب ،هنضة مصر للطباعة كالنشر ،القاىرة ،دط ،1996 ،ص.05
9
المحاضرة الثانية:
بيبليوغرافيا المصنفات النقدية في المشرق والمغرب
أوال :تعريف البيبليوغرافيا:
لغة :ىي لفظة مركبة من كلمتُت يونانيتُت نبا )Biblion ( " :كتعٍت كتيٌب ،كىو اسم التصغَت من
لفظة ( )Bibliosكتعٍت كتاب ،ككلمة " ،"Graphiaكىي اسم الفعل اؼبشتق من ( )Graphienدبعٌت
الكتابة أك النٌسخ ،كىذا يكوف معٌت اللفظة اعبديدة ( )bibliographiaالكتابة عن الكتب،
-اصطالحا" :إف الببليوغرافيا ىي ذلك اعبزء من علم الكتب الذم يعاًف الفهارسٌ ،
كينوهي بوسائل
اغبصوؿ على معلومات حوؿ اؼبصادر ،كبصورة عامة ،يبكن القوؿ إف الببليوغرافيا تشكل جزءا من علم
الكتاب ،كإهنا تستند إُف البحث ،كالداللة ،كالوصف ،كالتنظيمّٔ ،دؼ تكوين فهارس اؼبؤلفات قصد
التعريف ّٔا تعريفا منظما لتسهيل البحث العلمي ،فهي علم فهارس الكتب كإنتاجها"(.)2
كعلى الرغم من أف لفظة البيبليوغرافيا غربية ،فإ ٌف التأليف يف ىذا العلم قد عيرؼ عند العرب منذ
القرف العاشر (قبل الغرب بثمانية قركف) ،فقد كتب ابن الندًن كتاب (الفهرست) يف القرف الرابع للهجرة،
كقاؿ يف مقدمتو" :ىذا فهرست صبيع كتب صبيع األمم من العرب كالعجم ،اؼبوجود منها بلغة العرب
كقلمها يف أصناؼ العلوـ ،كأخبار مصنفيها ،كطبقات مؤلفيها ،كأنسأّم كتاريخ مواليدىم ،كمبلغ
أعمارىم ،كأكقات كفاهتم ،كأماكن بلداهنم كمناقبهم ،كمثالبهم ،منذ ابتداء كل علم اخًتع إُف عصرنا ىذا
كىو سنة سبع كسبعُت كثبلشبائة للهجرة"(.)3
والصنف " :النوع كالضرب من الشيء ( )...كالتصنيف سبييز األشياء بعضها من بعض،
الصنف َّ
ِّ
(-)1عبد اللطيف صويف .مدخل إُف علم الببليوغرافيا كاألعماؿ الببليوغرافية ،دار اؼبريخ للنشر ،الرياض ،دط ،1995 ،ص.19
(-)2اؼبرجع نفسو ،ص.24
(-)3الندًن .كتاب الفهرست ،ج ،1تح :رضا اؼبازندراين ،دار اؼبسَتة ،طهراف ،ط ،1988 ،3ص.3
10
كصنَّف الشيء :ميٌز بعضو من بعض ،كتصنيف الشيء :جعلوي أصنافا"(.)1
كبالنسبة إُف التصنيف (كضع اؼبصنفات) كالكتابة اؼبتخصصة يف النقد العريب القدًن ،فقد بدأ منذ
أكاخر القرف الثاين كبداية القرف الثالث للهجرة ،إذ بدأ النٌقد األديب ىبطو كبو اؼبنهجية كالكتابة اؼبتخصصة
سهلت عليهم
اؼبعمق ،كقد توافرت للنقاد آنذاؾ اؼبادة العلمية اليت ٌ
القائمة على النٌظر ال ٌدقيق كالتحليل ٌ
نهجا.
سبيل التأليف يف النٌقد األديب تأليفا متخصصا يفب ن
ثانيا :المصنفات النقدية في المشرق والمغرب:
نورد فيما يلي أىم اؼبصنفات النقدية اليت حوت أىم القضايا النٌقدية كاؼبوضوعات اليت عاعبها النٌقد
السواء.
حد َّالعريب القدًن كاليت أغنت اغبركة األدبية يف ؾباِف الشعر كالنٌثر على ّْ
يبكننا أف َّ
نعد كتاب (طبقات فحوؿ الشعراء) البن سبلٌـ اعبمحي ٌأكؿ كتاب اذبو فيو صاحبو إُف
كصرح بأ ٌف النٌقد ال يقوـ بو إالٌ أىلو اؼبتخصصوف« :كللشعر صناعة كثقافة يعرفها أىل العلم،
النٌقد األديب ٌ
كسائر أصناؼ العلم كالصناعات :منها ما تثقفو العُت ،كمنها ما تثقفو األذف ،كمنها ما تثقفو اليد ،كمنها
ما يثقفو اللساف»(.)2
كاعتمد الكتاب على فكرة الطبقات؛ إذ جعل شعراء اعباىلية عشر طبقات ،يف كل طبقة أربعة
شعراء ،كقد قامت ىذه الطبقية على أساس قوة الشعر مث التشابو بُت القصائد مث غزارة اإلنتاج ككثرتو.مث
طبقة أصحاب اؼبراثي كفيها أربعة شعراء ،مث طبقة شعراء القرل العربية كتضم شعراء اؼبدينة كشعراء مكة
كشعراء الطائف كشعراء البحرين .مث طبقة شعراء اليهود كىم شبانية ،مث طبقات فحوؿ اإلسبلـ كشأهنا شأف
طبقات فحوؿ اعباىلية.
باإلضافة إُف عملية تصنيف الشعراء يف طبقات ،فقد ناقش ابن سبلـ قضية مهمة تتعلق بصحة
الركاة العرب ،كالتأكيد على
رد مزاعم كثَت من ُّ
الشعر اعباىلي كىي قضية االنتحاؿ ،فقد امتلك اعبرأة على ٌ
التزيد ،يقوؿ ابن سبلـ" :كيف الشعر مصنوع
أ ٌف الًتاث الشعرم اعباىلي ال ىبلو من الوضع كالكذب ك ٌ
11
يستفاد ،كال معٌت مستخرج ،كال مثل
ي حجة يف عربيتو ،كال أدب
مفتعل موضوع كثَت ال خَت فيو ،كال ٌ
نسيب مستطرؼ"(.)1
يضرب ،كال مديح رائع ،كال ىجاء مقذع ،كال فخر معجب ،كال ه
ي
كقد استطاع ابن سبلـ أف يعطي ٌأدلة كثَتة مقبولة كمقنعة على افتعاؿ الشعر اعباىلي كنسبة الشعر
دعا إُف أف يكوف لصنعة الشعر أصحأّا اؼبتخصصوف،
إُف غَت قائليو كالزيادة يف كثَت من القصائد ،كما أنو ى
مكونات الًتاث العريب.
كذلك إيبانا بأنبية الشعر الذم يعد مكونا مهما من ٌ
-2البيان والتبيين للجاحظ (255ى )
أما عبد السبلـ ىاركف ؿبقق الكتاب فقد قاؿ عنو" :إنٌو ليس يوجد أديب نابوه يف العربية َف يسمع
ّٔذا الكتاب –أك َف ييًفد منو -كقلَّما ذبد أديبا من احملدثُت َف يتمرس دبا فيو من أدب ،كما كاف يف ىذا
الكتاب مادة غزيرة استمدىا كبار اؼبؤلفُت القدماء يف مؤلفاهتم"(.)3
ككتاب البياف كالتبيُت بصفة عامة ىو كتاب أدب "يتضمن ـبتارات من ذاكرة اعباحظ العجيبة ،بل
ىو معرض أدب كببلغة كآيات قرآنية ؾبيدة ،كأحاديث نبوية شريفة ،كصفوة أشعار كحكم ،كخطب
للخلفاء كالبلغاء كاؼبشاىَت ،مزجها اعباحظ بآرائو اػباصة كأفرد ؽبا مسائل متنوعة ،كاستطرد إُف نوادر فكهة
ليبعد السآمة كالضجر عن القارئ"(.)4
12
كال شك أف ىذه اآلراء كالنظرات قد أثرت بالنقاد الذين جاؤكا بعده ككتبوا يف ـبتلف القضايا كاؼبوضوعات
الركاة احملافظُت ،كرأل أ ٌف األسلوب أكثر تأثَتا
النقدية؛ فقد كقف اعباحظ مع الشعراء احملدثُت ضد تعصب ٌ
من اؼبعٌت يف القوؿ الشعرم.
ىو من أقدـ كتب األدب كأعظمها شأنا ،كأقدـ ما يجعل لًتاجم الشعراء كالتعريف ّٔم ،قاؿ عنو
ؿبقق الكتاب أضبد ؿبمد شاكر" :من مصادر األدب األكُف ،كفبا أبقى لنا حدثاف ال ٌدىر من آثار أئمتنا
جل أىل األقدمُت ،ألَّفوي إماـ ثقة ٌ
حجةه من أكعية العلم .ترجم فيو للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم ُّ
األدب ،كالذين يقع االحتجاج بأشعارىم يف الغريب كيف النٌحو ،كيف كتاب اهلل عز كجل ،كحديث رسوؿ
اهلل صلى اهلل عليو كسلم"(.)1
غلب عليو
عرضا؛ "كَف أعرض يف كتايب ىذا ؼبن كاف ى
*الًتصبة للشعراء اؼبتخصصُت ال ؼبن قاؿ الشعر ن
غَت الشعر"(.)3
(-)1ابن قتيبة .الشعر كالشعراء ،ج ،1تح :أضبد ؿبمد شاكر ،دار اغبديث ،القاىرة ،دط ،2006 ،ص.38
(-)2اؼبصدر نفسو ،ص.61
(-)3نفسو ،ص.63
(-)4نفسو ،ص.64
13
حس َن لفظو وجاد معناه ،كىو يف ىذا القسم ال يعتمد على القصيدة كاملة ،إمبا هبتزئ
ضرب ُ
أٌ -
البيت أك البيتُت ،فبا يصدؽ عليو كصف الشعر اعبيٌد الذم يذىب مذىب اؼبثل أك اغبكمة.
وحال فإذا فتّشتوُ لم نجد ىناك فائدة في المعنى ؛ كىي األشعار اليت
حس َن لفظوُ َ
ب-ضرب ُ
السمع قريبةه إُف القلب ،غَت َّ
أف حلوا خفي نفا ،فهي عذبةه يف ٌ
يكوف أسلوب صاحبها صبيبل ،كيكوف لفظها ن
معناىا ال يرقى أل ٌف يكوف مثبل أك حكمة يتدارسو الطبلب ،كال يسعاف بو على احملاججة كاإلقناع.
كيقوؿ ابن قتيبة إف مثل ىذا النوع كثَت يف الشعر ،كردبا كقعت ىذه الكثرة ألنٌو نوع يقع ربت
الوصف كالتصوير.
اؼبعٌت
ب فيو بُت فخامة ى ت ألفاظُوُ عنو ،فهذا صنف من الشعر ال ي
تناس ى وقص َر ْ
جاد معناه ُ
ضرب َجٌ -
كبساطة اللفظ كسهولتو ،كمباشرة األسلوب كعفويتو ،كىذا ما وبوؿ دكف حدكث التأثَت يف اؼبتلقي ،كيبثل
ابن قتيبة ؽبذا النوع يقوؿ لبيد بن ربيعة:
الصالل
ُ الجليس
َ يصلحوَ
ُ والمرءُ المرَء الكريم كنفسو
عاتب ْ
ما َ
14
-4كتاب عيار الشعر البن طباطبا العلوي (322ى )
-وحدة القصيدة :نادل ابن طباطبا بوحدة القصيدة أل ٌف الشعر هبب أف يكوف كالسبٌيكة اؼبفرغة،
كالوشي اؼبنمنم ،كالعقد اؼبنظم .كتبدك مسألة الوحدة كاضحة لدل ابن طباطبا حُت يتحدث عن بناء
القصيدة الذم ال بي َّد أف يتأسس على ى
اؼبعٌت الرئيس الذم يريده الشاعر مث نظم أبيات يشاكل معانيها ىذا
اؼبعٌت دكف تنسيق أك ترتيب ،كيف مرحلة الحقة يصنع الشاعر أبياتا يؤلف ّٔا بُت األبيات اؼبشاكلة معانيها
حىت ال يكوف تنافر بُت األبيات.
للمعٌت الرئيس كيربط بينها ى
السرقة الشعرية :يؤكد ابن طباطبا على كجوب ذبويد الشعر قبل نشره بُت صبهور اؼبتلقُت ،كعلى
َّ -
ضركرة النظر يف القصيدة من صبيع جوانبها لضماف خركجها مستوية كاملة ،ليبلغ ّٔا قائلها الغاية كتحصيل
خبصم...
جائزة أك اإلطاحة ٍ
الشعر ،حىت إذا أخفى الشاعر سرقتو حبيلة مثل تغيَت األلفاظ أك
كيقف ابن طباطبا ض ٌد سرقة معاين ٌ
السارؽ ،بل إنٌو على الشاعر أف يعرض على
فتعود باؼبذمة على َّ
األكزاف ،أل ٌف سرقة اؼبعٌت ال بيد أف تنكشف ى
نفسو ما قيل من الشعر ،كوبفظ كثَتا منو ،مث عليو أف يتناساه ،حىت إذا قاؿ الشعر جاءت قصيدتو
(-)1ابن طباطبا .عيار الشعر ،تح :عبد العزيز بن ناصع اؼبانع ،دار العلوـ ،الرياض ،د ط ،1985 ،ص.08
15
"كسبيكة مفرغة من صبيع األصناؼ اليت زبرجها اؼبعادف ،ككما قد اغًتؼ من ك واد قد م ٌدتوي سيوؿ جارية
من شعاب ـبتلفة ،ككطيّْب تركب عن أخبلط من الطيب كثَتةو" ( ،)1كّٔذه العملية ال يكوف شعرهي مسركقا
أهنار فاختلطت مياىها دبائو كخفيت فيو.
حبرا انتهت إليو جداكؿ ك ه
بل ن
-5نقد الشعر لقدامة بن جعفر (337ى )
أصبع الباحثوف كالنقاد على أف قدامة بن جعفر كاف متأثرا بالثقافة اليونانية كبالنقد األرسطي يف
كتاب (نقد الشعر) ،فقد عرؼ الشعر بأنٌوي "كبلـ موزكف مقفَّى يدؿ على معٌت" ( ،)2مث جعل جودة الشعر
متعلقة بائتبلؼ ىذه العناصر األربعة (اللفظ كاؼبعٌت كالوزف كالقافية).
كيذىب بدكم طبانة إُف أف قدامة قد استفاد كثَتا من أرسطو من حيث اؼبنهج خاصة فيما يتعلق
بالتبويب كاغبصر كالع ٌد كمنهج دراسة الشعر؛ دراسة الشعر يف أغراضو كموضوعاتو(.)3
كعلى الرغم من أف قدامة يعًتؼ باستحالة حصر معاين الشعر كموضوعاتو ،فإنو هبعل اغبديث يف
كتابو عن اؼبعاين األعبلـ اليت كانت أكثر ركاجا كدكرانا على ألسنة الشعراء كىي "اؼبديح كاؽبجاء كالنسيب
كاؼبرائي ،كالوصف ،كالتشبيو" ( ،)4مث يشرع يف دراسة ىذه اؼبعاين انطبلقا من تقسيمو للفضائل إُف "العقل
()5
سلب الشاعر
كالشجاعة كالعدؿ كالعفة" ،فيكوف اؼبديح مثبل ىو توفر ىذه الفضائل يف اؼبمدكحٌ ،أما إذا ى
ىذه الفضائل من أحدىم يكوف بصدد ىجائو ،...كيبدك كاضحا ىكلى يع قدامة بالتفريع كالتقسيم ،حُت هبعل
جشم بو نفسو ،ك َّ
أكد ذىنو ،ككاف ىذه الفضائل رئيسةن تتشعب عنها فضائل ثانوية "كىذا عنت كبَت ٌ
اإلصىر أالَّ ي
وبصىر الفضائل يف ىذه األربع بل يطلقها –كما فعل ىبفف عنو تلك اؼبؤكنة ،كيرفع عنو ذلك ٍ
أرسطو -على كل حسن صبيل من األعماؿ اإلرادية اليت يأيت ّٔا الفضبلء"(.)6
لعل حرص قدامة على تقدًن كتاب يف "نقد الشعر كزبليص جيدة من رديئو" (َّ ،)7أدل بو إُف ربمل
ك ٌ
16
سَتا على خطى أرسطو.
عبء ىذه التقسيمات كالتفريعات ن
-6الموازنة بين الطائيين لآلمدي (370ى )
يعد كتاب اؼبوازنة من بُت أىم الكتب النقدية التطبيقية اليت يكضعت يف القرف الرابع اؽبجرم إُف
جانب كتاب (الوساطة) للقاضي علي بن عبد العزيز اعبرجاين ( 392ىػ) ،كسبيز اآلمدم بثقافة كبَتة (ثقافة
القرف 4ىػ) ،كباطبلع كاسع على ما كتب حوؿ (أيب سباـ) من حيث كونو رائدا ؼبذىب جديد يف الشعر
أسا للحداثة الشعرية العربية ،يقف على الطرؼ النقيض منو (البحًتم) اؼبتبع ؼبذىب القدماء ،كقد كاف
كر ن
ما حافظ على الطابع النقدم اػبالص لكتاب (اؼبوازنة) -إُف جانب ثقافة اآلمدم -ىو كونو صاحب
ذكؽ فٍت متميز جعلو قادرا على اكتشاؼ اعبودة يف الشعر كسبييز الردمء منو.
ككتاب اؼبوازنة –كما ىو كاضح من العنواف -موضوعو اؼبوازنة بُت شعرم أيب سباـ كالبحًتم ،لذلك
عي ٌد ىذا الكتاب ٌأكؿ كتاب نقدم منهجي يف الًتاث النقدم العريب؛ ذلك أنٌو ال يطلق األحكاـ العامة من
أشعر من اآلخر ،أك إنٌو أشعر الناس كافةن ،كلكنو ينحو كبو رصد الفركؽ كاالستناد
قبيل أف أحد الشاعرين ي
كيبُت اآلمدم منهجو اؼبتبع يف الكتاب قائبلٌ " :أما أنىا فلست أفصح بتفضيل أحدنبا
إُف آراء صبهور القراءٌ ،
لكٍت أكازف بُت قصيدة كقصيدة من شعرنبا إذا اتفقتا يف الوزف كالقافية كإعراب القافية ،كبُت
على اآلخر ،ك ٌ
معٌت كمعٌت ،مث أقوؿ :أيهما أشعر يف تلك القصيدة كيف ذلك اؼبعٌت"(.)1
ى
كعلى الرغم من إغباح اآلمدم على فكرة ال ٌدراسة احملايدة كالنٌقد اؼبوضوعي فإنو َف يستطع أف
يتخلص من إعجابو الواضح بالبحًتم كانتصاره لو على حساب أيب سباـ ،كذلك بسبب إعجابو باؼبذىب
الكبلسيكي الذم يبثلو البحًتم كعدـ استساغتو للمذىب اغبداثي الذم يتزعمو أبو سباـ.
كمع ذلك فإ ٌف (اؼبوازنة) يبقى كتابا نقديا خالصا قائما على منهج مضبوط حاكؿ صاحبو أف يلتزـ بو
قدر اإلمكاف ،كلذلك كصف ؿبمد مندكر اآلمدم بأنٌو "أكرب ناقد عرفو األدب العريب"(.)2
(-)1اآلمدم .اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم ،ج ،1تح :السيد أضبد صقر ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،4دت ،ص.06
(-)2ؿبمد مندكر .النقد اؼبنهجي عند العرب ،هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع ،القاىرة ،دط ،1996 ،ص.93
17
-7الوساطة بين المتنبي وخصومو للقاضي الجرجاني (392ى )
مالئ الدنيا كشاغل الناس؛ طبقت شهرتو اآلفاؽ ،كسارت بشعره الركباف،
كاف اؼبتنيب يف زمانو كبعده ى
كثرت حولو اؼبناقشات ،كاشتدت فيو اػبصومات ،ككضعت فيو كيف شعره اؼبصنفات .كىبربنا الثعاليب
الصاحب بن عباد ( 385ىػ) ،عندما
الرد على ٌ
(429ىػ) أف كتاب الوساطة كضعو القاضي اعبرجاين يف ٌ
ألف رسالة يف (الكشف عن مساكئ اؼبتنيب) (.)1
كالكتاب –كما يبدك من عنوانو -موضوعو التوسط بُت اؼبتنيب كالذين َف يكن يعجبهم شعره ،سواء
أألسباب موضوعية كاف ذلك أـ ألسباب ذاتية .غَت أف كتاب الوساطة –يف الواقعَ -ف يكن ـبتصا بشعر
اؼبتنيب فقط ،بل إنٌو "عرض لؤلصوؿ األدبية اليت عيرفت يف عصره ،كحلَّ ىل أشعار القدماء كاحملدثُت ،كأكرد
أخذ و
كسرقة ،كاستعادة حسنة أك كثَتا من ؿباسنهم كعيؤّم ،كأباف ما شاع فيها من تعقيد كغموض ،ك و
رديئة ،مث عرض للبيئة كأثرىا يف الشعر ،كالبداكة كما ربدثو من جفوة يف الطباع ،كاغبضارة كما ينشأ عنها من
كسهولة ،مث عرض ػبصوـ اؼبتنٌيب كأنصاره ،كمعانيو اؼبأخوذة أك اؼبخًتعة"(.)2
رقة ي
تسلً يم فيها اؼبقدمة إُف
كإذا نظرنا يف كتاب الوساطة بالتفصيل كجدناه أشبو بالرسالة اؼبًتابطة اليت ٍ
اػباسبة ،فقد قسم اعبرجاين كتابوي إُف ثبلثة أقساـ ىي:
-المقدمة :كفيها ي
يقرر موقفو من األدب كنقده ،كيف ىذا القاسم يج ُّل النظريات النقدية اليت جاء ّٔا
كاعتمد عليها.
-دفاعو عن المتنبي :كىو دفاع ال يقوـ على رفض مذاىب اػبصوـ كمناقشتها كتصحيح اػبطأ ،بل
إنٌو قائم على التسليم ّٔذه اؼبآخذ اليت كقع فيها كبار الشعراء قبل اؼبتنيب.
(-)1يراجع :الثعاليب .يتيمة الدىر يف ؿباسن أىل العصر ،ج ،4تح :مقيد ؿبمد قميحة ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط ،1983 ،1
ص.4
(-)2على بن عبد العزيز اعبرجاين .الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو ،تح :ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي ؿبمد البجارم ،اؼبكتبة العصرية،
بَتكت ،ط ،2006 ،1ص( 106مقدمة التحقيق).
18
على شعر الشاعر ،خاصة إذا كاف ىذا اغبكم متأتيا من الظن ،ىذا مع عدـ إيبانو بإمكانية التوصل إُف
حكم هنائي يقيٍت فيما ىبص الشعر" :كإمبا أجسر يف الوقت بعض الوقت فأقدـ على ىذا اغبكم انقيادا
للظن ،كاستنامة إُف ما يغلب على النفس ،فأما اليقُت الثقة ،كالعلم كاإلحاطة فمعاذ اهلل أف أدعيو كلو
ٌأدعيتة لوجب أالَّ تقبلوي"(.)1
كللوساطة أنبية كبَتة ؼبا حواه من نظرات نقدية فبيزة ،كثراء يف التحليل الذم َف وبصره يف زمن اؼبتنيب
فقط بل امتد إُف القدماء كاحملدثُت كذلك ،كىو إذ ذاؾ وبوم مادة مهمة عن النقد الذم يكجو إُف اؼبتنيب
كعن اعًتاضات القاضي اعبرجاين أك مصادقتو على ىذا النقد.
من أشهر التآليف العربية القديبة اليت كضعت يف الشعر كنقده ،كقد حرص ابن رشيق على اإلحاطة
دبوضوع الشعر حىت إنو جعل لكتابو عنوانا يدؿ قارئو على َّ
أف فيو الكفاية ؼبن أراد االطبلع على الشعر
العريب ككل ما يتعلق بو.
كأىم ما يبيز الكتاب أنو حول مادة نقدية كثَتة ،استقاىا ابن رشيق من كثَت من اؼبصادر العربية
حظي بتحقيقات عديدة ،ردبا كاف أكؽبا كأنبها ربقيق ؿبي الدين
اؼبشرقية كنظرا لشهرة الكتاب كأنبيتو فقد ى
عبد اغبميد ،كالعمدة كتاب حول مادة غزيرة جدا جعلها ابن رشيق يف مئة كسبعة ( ) 107أبواب كقد
قسمها احملققوف التونسيوف إُف ثبلثة أقساـ:
-القسم األول يتعلق بالشعر والشاعر :كفضل الشعر ،حده ،بنيتو ،منافعو كمضاره ،التكسب بو،
صناعتو ...كفضل الشاعر الذم رفعو الشعر ،كشفاعة الشاعر لدل اؼبلوؾ ،كاحتماء القبائل بشعرائها،
كطبقات الشعراء.
القسم الثاني يدور حول محاسن الشعر :كىو يضم أقساـ الببلغة من معاف كبياف كبديع ،كىي
اليت تشكل اؼبادة األساسية لعلم الشعر.
الغرض الشعرم ،اػبصائص ،حسن التناكؿ... القسم الثالث في صنوف الشعر وأغراضو:
باإلضافة إُف أبواب تتعلق يف ؾبملها بأصوؿ ثقافة الشاعر األصيلة اليت ال غٌت لو عنها ليكوف شاعرا كتاريخ
19
العرب كأنسأّم كأيامهم كعاداهتم»(.)1
لكتايب دالئل اإلعجاز كأسرار الببلغة لعبد القاىرة اعبرجاين أنبية كبَتة يف دراسة النقد كالببلغة
العربيُت ،كىذاف الكتاباف "من أمهات الكتب العربية اليت قامت عليها هنضة العرب األدبية يف ىذا القرف
السبق إُف العناية ّٔما كتدريسهما يف األزىر الشريف"(.)2
(ؽ .)20ككاف لئلماـ الشيخ ؿبمد عبده فضل َّ
ضبل عبد القاىر على عاتقو يف (دالئل اإلعجاز) الربىنة على أف القرآف معجز بالنظم الذم يعرفو
بأنوٌ "أف تضع كبلمك الوضع الذم يقتضيو علم النٌحو كتعمل على قوانينو كأصولو كتعرؼ مناىجو اليت
زبل بشيء منها"(.)3 ً
ت لك فبل َّ يهنجت فبل تزيغ عنها كربفظ الرسوـ اليت يرظبى ٍ
كَف يهتم عبد القاىر يف الدالئل دبسألة التبويب كالتقسيم كالتصنيف على الرغم من أنو كاف يؤسس
لعلم جديد كما يقوؿ ؿبقق الكتاب ؿبمود ؿبمد شاكر ،كمع ذلك فقد كاف الكتاب قائما على فكرة
كاحدة ىي إعجاز القرآف بالنظم ،كأف الببلغة يف الكبلـ ال تعود إُف األلفاظ بل إُف طريقة ارتباطها كتعلق
الواحدة باألخرل ،كقد اجتهد عبد القاىر يف الربىنة على نظريتو فبسط األمثلة ،كاستعاف بالصور البيانية
كظبىا بو فوؽ
خاصة باالستعارة ،لذلك كاف عبد القاىر "أكؿ عاَف أخرج النحو من نطاؽ شكليتو كجفافو ى
اػببلفات كالتأكيبلت حوؿ البناء كاإلعراب"(.)4
كقد كاف لكتاب دالئل اإلعجاز أثر بالغ يف الدراسات الببلغية كالقرآنية التالية ،كما أنو ما زاؿ
مصدرا مهما لكثَت من الدراسات اؼبعاصرة.
كتاب منهاج البلغاء غبازـ القرطاجٍت ىو أبلغ صورة اللتقاء الثقافتُت العربية كاليونانية ،فقد ألفو حازـ يف
قل فيو مريدك الشعر كمعلّْموه ،فكاف ال بي َّد لفن الشعر كللنٌقد من رجل مصلح ينقذنبا من اغبضيض ،ككاف
زمن َّ
(-)1ابن رشيق القَتكاين .العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو ،ج ،1تح :توفيق النيفر كـبتار العبيدم كصباؿ ضبادة ،آّمع التونسي للعلوـ
كاآلداب كالفنوف ،تونس ،دط ،2009 ،ص ص.24،25
(-)2أضبد مطلوب .عبد القاىر اعبرجاين ،ببلغتو كنقده ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت ،ط ،1973 ،1ص.28
(-)3عبد القاىرة اعبرجاين .دالئل اإلعجاز ،تح :ؿبمود ؿبمد شاكر ،مطبعة اؼبدين ،جدة ،ط ،1992 ،3ص.81
(-)4حامت الضامن .نظرية النظم (تاريخ كتطور) ،منشورات ،كزارة الثقافية كاألعبلـ ،بغداد ،دط ،1979 ،ص.47
20
حازـ الذم صبع بُت الثقافتُت العربية كاليونانية ،كباالستناد على ىذا اعبمع استطاع أف يرسم منهجا نقديا
ليتوخاه األدباء كالشعراء ككذلك النقاد أمبل منو يف أف يعود الشعر العريب إُف عصوره الزاىرة.
كيتكوف كتاب منهاج البلغاء كسراج األدباء من "أقساـ ثبلثة تبحث كلها يف صناعة الشعر على العموـ
ٌ
كعلى الوجو الذم يراه اؼبؤلف يف عصره ،كيتناكؿ حازـ ّٔذا الكتاب درس موضوع الشعر كطريقة نظمو ،كقبده
يتعمق يف ذلك يف القسم الثاين كالثالث كالرابع من اؼبنهاج ببحث اؼبعاين كاؼبباين كاألسلوب"(.)1
كيعد (اؼبنهاج) من أمت كأكمل كتب النقد كالببلغة العربية ،فباإلضافة إُف ثقافة كاتبو العربية كإطبلعو
على كتب النقد كالببلغة اليت سبقتو ،فقد كاف مطلعا كمتأثرا دبؤلفات ابن سينا (الشيخ الرئيس) ،كاعتمد
عليها لنقل فقرات كثَتة من كتاب (الشعر) ألرسطو ،كاعتمد كذلك على الًتصبات العربية ليلم بفلسفات
أرسطو كسقراط كأفبلطوف ،لذلك أمكننا القوؿ إف حازما "رجل فرد يف عصره سبيٌز بُت األندلسيُت
اؼبهاجرين بنظمو ،كما كاف مرجعا بينهم يف علوـ اللغة كالببلغة كاؼبنطق كالشعر"(.)2
لبلص إُف أف تراثنا العريب غٍت باؼبصنفات النقدية اليت أكلت عناية كبَتة للشعر كعاعبت كل ما وبيط
بو ،كىذه اؼبصنفات تشكل سلسلة من اغبلقات اؼبوصوؿ بعضها ببعض ،اليت تدؿ على احًتاـ بالغ للعقل
كالذكؽ ،كإجبلؿ كبَت عبهد السابق دبا نلحظو فيها من تبلقح الفكر كاالستعانة دبجهود السابق حىت إذا
كاف أجنبيا غريب اللغة كالثقافة ،إال أف العاَف كالناقد العريب آمن أف العلم يؤاخي بُت العلماء كهبمع بينهم
من أجل الوصوؿ إُف اغبقيقة .كىذا ما يشهد على أمة كانت راقية الفكر خصبة اػبياؿ متسامية األخبلؽ،
أمة لو رجعت ؼباضيها يف إعادة قراءة لًتاثها اؼبشرؽ الستعادت ؾبدىا كأسست ؼبستقبل أفضل.
،2007 ،4 (-)1حازـ القرطاجٍت ،منهاج البلغاء كسراج األدباء ،تق كتح :ؿبمد اغببيب بن اػبوجة ،دار العرب اإلسبلمي ،بَتكت ،ط
ص( 95مقدمة احملقق)
(-)2اؼبصدر نفسو ،ص.118
21
المحاضرة الثالثة:
النق د االنطباعي
َف تكن الفنوف يف معزؿ عن حياة اإلنساف؛ فحيثما يكجد اإلنساف يكجدت الفنوف اليت تغدم حاجاتو
الركحية اليت تزداد كلما ارتقى يف سلم اغبضارة كاؼبدنية ،كليس الشعر سول كاحد من ىذه الفنوف الكثَتة،
كىو الفن القوِف الذم ردبا كاف منذ كانت اللٌغة اليت احتاجها الناس لضركرات التواصل كالتعامل اليومي.
كما من شك يف أف الشعر ال بد أف يصحبو النٌقد ،إذ النقد نشاط إنساين تواصلي يهدؼ يف أظبى
غاياتو إُف البحث عن اعبميل كإمداد الناس ّٔذه القدرة على سبييز اعبميل من القبيح ،كإدراؾ اعبيد من
الردمء ،كال غرابة –إذف -أف يكوف الشاعر ىو ٌأكؿ من يتعرض لشعره بالنٌقد كالنظر كاؼببلحظة؛ فقد يرًك ى
م
عن بعض شعراء العرب أهنم كانوا وببسوف نصوصهم عندىم ؼبدة قد سبتد إُف العاـ ،يعكفوف عليها بالنظر
كالتدقيق كالفرز كالتمحيص ،قبل إخراجها إُف صبهور اؼبتلقُت ،ـبافة أف يتلقاىا الناس كّٔا عيب يشينها أك
خطأ يؤذم ذائقة من يسمعها ،لذلك ظبيت مثل ىذه النصوص باغبوليات ،كاؼبنقحات ،قاؿ اعباحظ:
يسمى كبار قصائده "اغبوليات" ،كقاؿ نوح ابن
"كاف زىَت بن أيب سلمى ،كىو أحد الثبلثة اؼبتقدمُتٌ ،
َّح»"( ،)1يدلنا كبلـ اعباحظ على أ ٌف الشعر العريب قد كصل يف
الشعر اغبوِف اؼبنق ي
جرير :قاؿ اغبطيئة« :خَت ٌ
اعباىلية إُف أكج تطوره ،ككصل يف الكماؿ إُف الغاية ،حىت إف الشاعر ،كىو ٌأك يؿ ناقد لشعره أصبح يصنف
ًش ٍعره فيسمى كبار القصائد بأظباء سبيزىا عن قصائده األخرل ،ككذلك يقع ىذا التصنيف يف الشعر
موما.
عي ن
إف حرص شاع ور كبَت مثل زىَت بن أيب سلمى ،على ذبويد قصائده كتنقيحها كاالشتغاؿ بالنظر فيها
"حوال" أم عاما كامبل ؽبو دليل على مدل مراعاة الشاعر العريب القدًن لذكؽ اؼبتلقي ،كحرصو على ترؾ
انطباع حسن لديو.
كتتمثل أنبية النقد االنطباعي يف أنٌو كاف نقدا فاعبل ،لو سلطة على النصوص الشعرية كعلى
أصحأّا من الشعراء ،كباغبديث عن النقد العريب ،فقد كاف ىذا النقد كما الشعر عربيِّا صادرا عن متلق
(-)1اعباحظ ،البياف كالتبيُت ،ج ،1تح :عبد السبلـ ؿبمد ىاركف ،مكتبة اػباقبي ،القاىرة ،ط ،1998 ،7ص.204
22
عريب ،يبتلك حساسية ذبعلو قاببل للتأثر ّٔذا الشعر اػباضع ألساليب العرب ،مع تراكيبهم اؼبناسبة
لطرائقهم يف اإلنشاء كالنٌظم ،لذلك كاف اؼبتلقي العريب قادرا على التمييز بُت اعبيد كالردمء ،بفضل الذكؽ،
حائدا عن أسلوب العرب كببلغتهم يف
ىذه اؼبلكة (كما يسميها ابن خلدكف)« ،كإذا عيرض عليو الكبلـ ن
نظم كبلمهم أعرض عنو كؾبٌوي ،كعلم أنٌو ليس من كبلـ العرب الذين مارس كبلمهم ( )...كىذا أمر
كجداين حاصل دبمارسة كبلـ العرب(.)1
إف ىذا االتصاؿ الوثيق باللغة كاؼبعرفة العميقة بأدؽ أسرارىا ،كالوصوؿ يف الفصاحة إُف أقصى
الدرجات ،كمبلغ الغاية القصول يف البياف من طرؼ عرب اعباىلية ،ىو ما جعل من القرآف الكرًن معجزة
فدؿ ىذا
عز كجل العرب على أف يأتوا بأصغر سورة منوٌ ،
ببانية تتحدل فصاحة العرب كبياهنم ،كرب ٌدل اهلل ٌ
التحدم على مدل اقتدارىم كمبلغ فصاحتهم.
كإذا كاف اهلل تعاُف قد ربدل العرب بالقرآف كىو الكتاب النثرم اؼبعجز داال بذلك على مدل
اقتدارىم من جهة اللغة كالبياف ،كعلى تعمقهم يف حبر الببلغة كالفصاحة ،فإ ٌف حاؽبم مع الشعر كاف أكثر
بيانا لفصاحتهم كشدة معرفتهم بأسرار لغتهم ،ذلك أف الشعر كاف صناعتهم اليت ال نعرؼ ؽبا مبتدأ كال
تاريخ نشأة ،ككاف ديواهنم كعلمهم الذم َف يكن ؽبم علم سواه.
لذلك يكوف حديثنا عن النقد االنطباعي -كاالنطباعية ظبة النقد القدًن خاصة اعباىلي كما كاف قبل
عصر التدكين –حديثا عن نقد أسهم يف تطور الشعر العريب كانتقالو يف أطوار عديدة كصلت بو إُف
مستول القصيدة اعباىلية ،خاصة اؼبعلقة اليت ُّ
تعد أظبى صورة للشعر العريب القدًن.
(-)1ابن خلدكف ،اؼبقدمة ،درا الكتب العلمية ،بَتكت ،ط ،2006 ،9ص.483
(-)2ابن منظور ،لساف العرب ،مادة (طبع).
(-)3سعيد علوش ،معجم اؼبصطلحات األديب اؼبعاصرة ،دار الكتاب اللبناين ،بَتكت ،سوشربيس ،الدار البيضاء ،ط ،1985 ،1ص.141
23
نستطيع أف نستنتج من ىذين التعريفُت (اللغوم كاالصطبلحي) أف النقد االنطباعي كصف مباشر
إلحساس الناقد الذم يطبعو فيو النص الشعرم عند ظباعو أك قراءتو ،إنٌو ذلك األثر الذم يًتكو النص،
فيدركو الناقد دكف اغباجة إُف كسائط مهما كاف نوعها.
كقد كاف الشعر أكثر ما يؤثر يف العريب قديبا ،فيدفعو إُف تبٍت موقف ما ،أك التخلي عن موقف
معُت ،ؼبا كاف لو من اتصاؿ مباشر بذكؽ العريب كطبعو كقدرة على التأثَت فيو ،فقد كاف الكبلـ الذم
«ترتاح لو القلوب ،كذبذؿ بو النفوس ،كتصغي إليو األظباع كتشحذ بو األذىاف ،كربفظ بو اآلثار ،كتقيٌد بو
األخبار»(.)1
السامي لييًتؾ دكف رعاية كعناية ،كقد كاف النٌقد أحد أىم أكجو ىذه
القوِف ٌ
كَف يكن ىذا الفن ُّ
العناية كقد «قضى النقد العريب مدة طويلة من الزمن ،كىو يدكر يف ؾباؿ االنطباعية اػبالصة كاألحكاـ
اعبزئية اليت تعتمد مفاضلة بُت بيت كبيت ،كسبييز البيت اؼبفرد أك إرساؿ حكم عاـ يف الًتجيح بُت شاعر
كشاعر ،إُف أف أصبح درس الشعر يف أكاخر القرف الثاين اؽبجرم جزءا من جهد علماء اللغة كالنٌحو»(.)2
أ-النّقد اللغوي :كىو النقد الذم يعتمد على رصد اػبطأ يف اللغة ،كقد سبق القوؿ إف العريب كاف
شديد االتصاؿ بلغتو عارفا بأسرارىا ،كما يزيده معرفة ّٔا حفظو لؤلشعار كنشأتو على الذكؽ األديب الرفيع
الذم يسمح لو بتمييز اػبطأ من الصواب ،كمن أشهر الركايات اؼبتعلقة دببلحظة اػبطأ اللغوم كعدـ
عيب على اؼبتلمس حيث قاؿ:
استعماؿ اللفظ فيما يكضع لوي ما ى
الصي َع ِريةُ ُم ْك َدِم
بناج عليو ْ الهم عن َد احتضا ِره
وق ْد أثناسى َّ
(-)1عبد الكرًن النهشلي ،اختيار اؼبمتع يف علم الشعر كعملو ،ج ،1تح :ؿبمود شاكر القطاف ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،1983 ،1
ص.63
(-)2إحساف عباس ،تاريخ النٌقد األديب ،دار الشركؽ ،عماف ،ط ،2006 ،1ص.33
(-)3ابن قتيبة ،الشعر كالشعراء ،ج ،1تح :أضبد ؿبمد شاكر ،دار اغبديث ،القاىرة ،دط ،2006 ،ص.181
24
الصيعرية اليت جعلها اؼبتلمس للجمل
فقد أنكر طرفىةي أف يوصف اعبى ىمل بإحدل ظبات الناقة ،كىي ٌ
خطأن منو ،لكن طرفة أدرؾ حبسة اللغوم ىذا اػبطأ فنبو عليو ،كىو فيما يركل صيب يلعب مع الصبياف.
ب-النقد المعنويَ :ف يكن اؼبتلقي العريب يقبل من الشاعر اػبطأ يف اؼبعٌت ،أل ٌف ىذا اػبطأ دليل
على ؾبانبة اغبقيقة كالبعد عن الواقع ،فلغة الشعر اليت ال تعتد باؼبعاين اغبقيقية تفسد اؼبعٌت باػبركج بو إُف
اإلحالة كالكذب ،كقد ظهرت بعض اؼبقاييس النقدية اليت تتصل بنقد اؼبعٌت عند الشعراء القدامى ،كمن
ىذه اؼبقاييس:
-النظر يف اؼببالغة.
(-)1اؼبهلهل ،ديواف اؼبهلهل ،شرح كربقيق :أنطواف ؿبسن القواؿ ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط ،1995 ،1ص.43
(-)2اؼبصدر نفسو ،ىامش احملقق ،ص.44
25
فتعرض عليو أشعارىا»( ،)1كي ٌدؿ ىذا اػبرب على أف نقد الشعر كالنظر فيو كاف مهمة شبو رظبية ،ككاف على
قدر بالغ من األنبية ،إُف درجة أف تضرب خيمة للناقد يف كاحد من أىم األسواؽ العربية (عكاظ) ليجتمع
عنده الشعراء كيعرضوف قصائدىم عليو للتحكيم.
كنستطيع أف نستنتج أف ىذه اؼبهمة َف تكن توكل ألم كاف ،إمبا لشاعر مشهور حصل اإلصباع على
عي ّْلو قدره كأنبية مكانتو يف الشعر كالنٌقد ،كقد كاف النابغة من فحوؿ الشعراء اعباىلُت ،ككاف «أحسنهم
كبلما ليس فيو تكلف»(.)2
ديباجة شعر ،كأكثرىم ركنق كبلـ ،كأجزؽبم بيتنا ،كاف شعره ن
يوما حساف بن ثابت كأنشده قصيدتو اليت يقوؿ فيها
كؽبذه القبة خرب مشهور مفاده ا ٌف النابغة أتاه ن
مفتخرا:
دما ٍ ()4 ()3
وأسيافُنا يقطرن من نجدة َ ضحى
يلمعن بال ُ
َ الغر
ُّر الجفنات
ُ لنَا
-قوؿ النابغة غبساف بأنٌو شاعر يعٍت أف صفة الشاعرية ال يبكن أف يبحوىا خطأ يف االستعماؿ،
كأ ٌف الشاعر مهما كاف سبكنو كاقتداره إالٌ أنٌو يعرض لوي أف ىبطئ.
-االعًتاؼ بشاعرية حساف دليل على ذكؽ النابغة كذكائو بوصفو (ؿبكما) يف التعامل مع الشعراء
شاعر كىذا األصل قبل إطبلؽ أم حكم آخر.
الذين يقصدكف خيمتو يف سوؽ عكاظ ،فحساف ه
-الًتكيز على مناسبة اللفظ للمعٌت ،فإذا كاف الشاعر يف معرض الفخر كىو حاؿ حساف بن ثابت
(-)1اؼبرزباين ،اؼبوشح يف مآخذ العلماء على الشعراء ،تح :ؿبمد حسُت مشس الدين ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط ،1995 ،1ص
(-)2ابن قتيبة :الشعر كالشعراء ،ج ،1مرجع سابق ،ص.156
(-)3اعبفنات :صبع جفنة كىي القصعة.
()4
كل شيء.
-الغيٌر :صبع األ ٌغر كىو األبيض من ٌ
(-)5اؼبرزباين :اؼبوشح ،ص.76
26
يكوف عليو أف يصل باؼبعٌت إُف مداه ،فييكثر بدال من أف ييقل كيبالغ بدال من التزاـ اغبقيقة ،كلذلك كاف
على حساف أف يقوؿ (سيوفنا) فيكثر سيوفهم داللة على بطش قومو كجرأهتم على اغبرب ،ال أف يستعمل
صبع القلٌة كىو (أسيافنا) .كذلك فإ ٌف (اعبفاف) دليل على الكثرة ككثرهتا دليل على الكرـ البالغ ،أما
(اعبفنات) فقد أدت معٌت القلة.
-يف نقد البيت الثاين حرص من النابغة (الناقد احملكم) على احًتاـ التقاليد العربية اليت ذبعل الفخر
باآلباء كالتقديس للماضي كاؼبباىاة بالتاريخ ،كمن ىنا كاف خطأ حساف يف اػبركج عن ىذه التقاليد كفخره
بذريتو ال بأجداده كآبائو على عادة العرب يف الفخر.
الزب ًرقاف بن بدر ،كعمرك بن األىتم ،كعب ٍدهي بن الطٌيب ،كاؼبخبَّ يل جاء يف كتاب اؼبوشح «رباكم ّْ
للزبرقاف :أما أنت فشعرؾ كلح ًم ً
أسخ ىن أشعر؟ فقاؿ َّ
ٌ ى ي ٍ الشعر؛ أييهم ي السعدم إُف ربيعة بن حذار األسدم يف ٌ َّ
رؾ نيّْئا فينتفع بو ،ك َّأما أنت يا عمرك ،فإ ٍف ًشع ى ً أنضج فأكً ىل كال تي ى
رؾ كبيػ يردم ىح ىورب ،يتى ىؤلٍألي فيها البى ى
ص ير؛ ٍ ي ى ي ال ىو ى
عن ًش ٍع ًرىم ،كارتفع عن شعر قصىر ٍ شعرؾ ى
فإف ى أنت يا يـببَّ يل َّ
نقص البصر ،ك َّأما ى
َّظر ى فكلما أعيد فيها الن ي
فليس تقطيير كال سبيٍ ًط ير»(.)1 شعرؾ كمز ىادةو ٍ ً عبدة َّ
أح ىكم ىخ ٍريزىىا ى فإف ى أنت يا ى غَتىم ،ك َّأما ى
الزب ًرقاف بأف أسلوبو ال يرقى بو إُف درجة
نفهم من ىذا النص أف ربيعة بن حذار حكم على شعر ٌ
يكل كال ىو تيرؾ ليستفاد منو ،كذلك
رؾ ،فبل ىو أنضج فأ ىفأس ًخ ىن كتي ى ً
الشعر ،فهو كلحم يكضع على النار ٍ
شعره ال غناء فيو كال فائدة منو.
أما شعر عبدة بن الطبيب فقد كاف أشبو باؼبزادة )*( اليت أحكمت خياطتها فبل ىي تقطر كال ىي
27
سبطر ،فيكوف الناقد قد حكم على شعره بػ«متانة الًتكيب كالنظر يف عيس ًر األسلوب كصعوبة استخراج
اؼبعٌت»(.)1
كيف الركايات كاألخبار القديبة ،خرب يمهم يؤكد على قدرة اؼبتلقي العريب على التفريق بُت الواقع كبُت
الصورة اليت هبب أف يكوف عليها ىذا الواقع يف الشعر ،فليس ييطلب من الشاعر أف وباكي الواقع ،بل أف
يرتفع بو كيسمو إُف درجة النموذج أك ما هبب أف يكوف ،ىذا اػبرب ىو احتكاـ امرئ القيس كعلقمة
األكؿ لتحكم بينهما أيهما أشعر ،فطلبت منها أف يقوال شعرا يصفاف فيو فرسيهما على
الفحل إُف زكجة ٌ
جند ً
ب خليلي يمَّرا يب على ٌأـ ي كركم كاحد« ،فأنشد امرؤ القيس قولو:
َّ قافية كاحدة ٌ
مر بقولة:
حىت َّ
ولللج ِر منوُ وقع أخرج م ِ
هل ِ
ب وللساق ِد ّرةٌ
وب َّ ِ
َُ ُ ّْ اله ٌ
فللسوو ُ
ّ
ذىبت من اؽبجراف يف غ ًَت مذىب .حىت انتهى إُف قولو:
فأنشدىا علقمة قولو :ى
ائل ُمتَ َحلِّ ِ
ب ثر ٍيم ُّرر كغَْي ٍ
ُ فت ْد َرَكوُ حتى ثَنَى من ِعنانِو
َف تعجب أـ جندب بواقعية امرئ ،كاهنماكو يف الوصف الذم ال يتجاكز اغبقيقة ،كال يعدكىا إُف
اػبياؿ الذم باستطاعتو أف ينقل صورة أظبى ،الصورة اؼبثالية ال اغبقيقية ،فالفضائل من خَت كحق كصباؿ ال
بيد أف تبلغ يف النص الشعرم اؼبنتهى ال أف تقف عند اغبدكد الضيقة للواقع.
ج /النقد العروضي
كم يف
يف كتب األدب كمصادره خرب عن كقوع النابغة الذبياين كىو أحد فحوؿ اعباىلية كالناقد اغبى ي
سوؽ عكاظ ،يف خطأ فٍت ىو اإلقواء كىو اختبلؼ حركة الركم يف أبيات القصيدة .كنورد ىذا اػبرب كما
(-)1داكد سلوـ ،النقد العريب بُت االستقراء كالتأليف ،مكتبة األندلس ،بغداد ،ط ،1970 ،2ص.14
(-)2أبو الفرج األصفهاين :األغاين ،ج ،21تح :إحساف عباس كآخركف ،دار صادر ،بَتكت ،ط ،2008 ،3ص.145-144
28
جاء يف كتاب طبقات فحوؿ الشعراء البن سبلـ ً
اعبمحي «كَف ييق ًو من ىذه الطبقة كال من أشباىهم إال
النابغة يف بيتُت قولو:
يأبو ؽبيم حىت أظبعوه إياهي يف غناء .كلسبب ال نعرفو على كجو
فلم ٍفقدـ اؼبدينة فعيب ذلك عليوٍ ،
ى
الركم يف ىذين النصُت ،كَف ينتبو إُف ذلك
ال ٌدقة ،كاف النابغة الذبياين الوحيد الذم خالف بُت حركات ٌ
أشعر النٌاس"
غٍت لو شعره فانتبو كغادر اؼبدينة كىو " ي
اػبطإ حىت َّ
"كعلى ىذا يكوف اعباىليوف قد أدركوا بعض األسس األكُف البسيطة كمبادئ النقد األديب دبقدار ما
دت
كانت تسمح ؽبم البيئة ،كإف انعداـ تسجيل النٌصوص كاآلثار ٌفوت علينا كثَتا من اؼبعلومات اليت لو ىكىر ٍ
إلينا لعلمٍتنا ما َفٍ نكن نعلم عن البيئة األدبية يف اعباىلية كعن نقادىم الذين ضاعوا يف التاريخ"(.)2
كتبقى كتب األدب كاألخبار كالنٌقد القديبة زاخرة دبثل ىذه األخبار اليت تدؿ على أف العريب القدًن
اؼبعٌت ،كمراعاة اؼبقاـ كاحًتاـ
َف يكن يصغي إُف القصيدة دكف البحث يف جوانبها العديدة من حيث اللغة ك ى
العرؼ االجتماعي ،كرصد اػبطأ الفٍت» حىت إذا تعلق ىذا اػبطأ بواحد من فحوؿ الشعراء العرب يف
جاىليتهم كآّاىرة باغبكم كتفضيل شاعر على آخر ،كحىت إذا تعلق اغبكم بشاعر مثل امرئ القيس
تصدره امرأة ىي زكجتو.
أما تلك األحكاـ االنتقائية اليت قد تتغَت من متلق إُف آخر ،بل قد تتغَت لدل اؼبتلقي الواحد،
اؼبتعلقة باؼبفاضلة كتقدًن شاعر على آخر ،أك تقديبو على ؾبموعة من الشعراء ،أك الشعراء كافة فهي دكف
اغبصر كالع ٌد.
29
يبقى أف نسجل أ ٌف النٌقد العريب يف عصوره األكُف كاف حاضرا إُف جانب الشعر يبيز جيده من رديئة
ؾبرد أحكاـ ذكقية
كيسانده يف مسَتتو عرب التاريخ ليصل بو إُف ذكرة النضج كقمة الكماؿ ،حىت إف كاف َّ
غَت خاضعة للتعليل ،لكنو كاف مناسبا لبيئة بسيطة ستسَت كبو التعقيد ككذلك معها الشعر كالنقد.
30
المحاضرة الرابعة:
مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة والمغاربة
شعرت بالشيء إذا علمتو
ي الشعر لغة :الشعر يف اللغة العلم بالشيء كالفطنة لوي "كاألصل قوؽبم
كظب ٌي قوـ :أصلو من الشّْعرة ُّ
كالدربة كالفطنة ( )...قالوا :ي علمت ،قاؿ ي
ي كفطنت لو .كليت شعرم أم ليتٍت
الشاعر ألنٌو يفطن ؼبا ال يفطن لو غَته"(.)1
شعرا»(.)2
كل علم ن
القوؿ ،غلب عليو لشرفو بالوزف كالقافية ،كإف كاف ٌ
الشعر :منظوـ ٍ
«ك ي
الشعر اصطبلحا« :كيفما كاف تعريفنا للشعر فهو ليس شيئا آخر غَت ؾبموعة العواطف
كاالنفعاالت الصادرة عن الشعور كاليت تتبلور عن طريق أداة اللغة بواسطة اػبياؿ»(.)3
-1الجاحظ (255ى )
يؤكد اعباحظ أف النٌاقد اؼبتبصر بالشعر اؼبتمرس بقراءة النصوص الشعرية ،يبكنو أف يبيز بُت اعبيد
كالردمء دكف اعتبار للزماف كاؼبكاف ،إذ ليس القدًن أفضل من اعبيد يف كل األحواؿ ،كمن أجل عملية
ضبط مفهوـ للشعر و
عاـ كشامل. نقدية كاعية كؿبايدة ،وباكؿ اعباحظ ى
يسجل اعباحظ استغرابو من إعجاب أيب عمرك الشيباين لبيتُت من الشعر إُف حد تدكينهما ـبافة أف
ينسانبا .كىذاف البيتاف نبا:
()4 ِ
الرجال ت ُس ال
المو ُ
فإنما ْ موت البلى
ت ْالمو َ
تحسبن ْ
َّ ال
الس ال
للل ُ
أفضع من ذاك ُ كالىما موت ولكن ذا
ُ
دخل يف اغبكم
شعرا أبدا كلو أف اي ى
كيقوؿ اعباحظ« :كأنا أزعم أف صاحب ىذين البيتُت ال يقوؿ ٍ
31
أبدا(.)1
شعرا ن ً
ت أف ابنيو ال يقوؿ ن
لزعم ي
بعض الفتك ٍ
كيسجل اعباحظ اختبلفو مع أيب عمرك الشيباين مؤكدا على أف اؼبعٌت إذا كاف حسنا كقيل بأسلوب
عزة النفس كاإلباء ككجوب
شعرا مثل ىذين البيتُت اؼبتضمنُت معٌت َّ
سيء فإ ٌف النص ال يبكن أف يكوف ن
ؿبافظة اؼبرء على عزة نفسو بعدـ سؤاؿ الرجاؿ ألف السؤاؿ مذلة كاؼبذلة أحد أشكاؿ اؼبوت ،فإذا كاف ىذا
اؼبعٌت شري نفا ساميا ،فإ ٌف أسلوب القائل ال يبت للشعر بصلة.
العجمي
ُّ يضيف اعباحظ" :كذىب الشيخ إُف استحساف اؼبعٌت ،كاؼبعاين مطركحة يف الطريق يعرفها
القركم كاؼبدينُّ ،كإمبا الشأف يف إقامة الوزف ،كزبَت اللفظ ،كسهولة اؼبخرج ككثرة اؼباء كيف
البدكم ،ك ُّ
العريب ،ك ُّ
ك ُّ
بك ،فإٌمبا الشعر صناعة ،كضرب من النسج ،كجنس من التصوير"(.)2 صح ًة الس ً
ٌ ٌ
يعتقد اعباحظ أف اؼبعاين معركفة بداىة كمشاعة بُت الناس صبيعا على اختبلؼ أعراقهم كأكطاهنم،
كالنٌاس يتشاركوف اؼبواضيع ذاهتا كيستطيعوف التحدث فيها ،غَت أنو إذا تعلق األمر بالشعر ،فليس الشعر أف
كيعرب عنو ّٔذه البساطة ،إمبا شأف الشعر أف يوبتفى باؼبعٌت يف شكل فبيز ،حيث يقاـ لو الوزف،
يقاؿ اؼبعٌت ٌ
كينتقى لو اللفظ كىبتار األفضل كاألصبل كتضاـ األلفاظ إُف بعضها حىت تكوف القصيدة مثل السبيكة ال
اختبلؼ فيها :أل ٌف الشعر عند اعباحظ صناعة كنسج كتصوير ،يقوؿ إحساف عباس" :فلو زبطى اعباحظ
حدكد التعريف لوجد نفسو يف ؾباؿ اؼبقارنة بُت فنُت :الشعر كالرسم ( )..كإذف فردبا ىداه ذكاؤه إُف استبانة
الفركؽ كضركب التشابو"(.)3
الشعر عند اعباحظ –إذف -قوؿ سلس يتدفق كاؼباء ،كلفظ رائق كصياغة ؿبكمة ،كشكل صبيل،
كلغة عالية غَت متاحة للجميعٌ ،أما اؼبعٌت فهو مشاع معركؼ ،كليس التعويل يف الشعر على اإلفهاـ فقط،
أل ٌف ىذه الوظيفة يقوـ ّٔا اللفظ اعبيد كما يؤديها اللفظ السيء.
نستطيع أف نتلمس معٌت الشعر لدل ابن قتيبة من خبلؿ التقسيم الذم أجراه على الشعر معتمدا
32
على العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت يف كل قسم من ىذه األقساـ األربعة.
يعجب ابن قتيبة بالبيت الشعرم كيعده أحسن ما ابتدئت بو مرثية ،فاؼبعٌت حسن كىو التجلد
كالتصرب على اؼبصيبة ككذلك لفظو يشاكلو يف اغبسن كاعبودة ،فبل يتجاكز أحدنبا اآلخر ،اللفظ دبقدار
اؼبعٌت كاؼبعٌت دبقدار اللفظ.
فمثل ىذه األبيات اليت تأخذؾ حببلكهتا كخفة لفظها كسهولتو كعدـ توعره ،ال توصلك إُف "فائدة"
فاؼبعٌت اؼبتضمن ال يصلع ألف يكوف حكمة أك مثبل ،كليس فيو ما ينفع طالب العلم، إذا أنت فتشتها ،ى
نظرت إُف ما ربتها من ً
سن شيء ـبارج كمطالع كمقاطع ،كإ ٍف ى أح ي ككل ما يف ىذه األبيات أف ألفاظها « ٍ
كمضى النٌاس ال ينتظر الغىادم ً
قطعنا أيَّاـ م نٌت ،كاستلمنا األركاف ،كعالينا إبلنا األنضاءى ،ى
اؼبعٌت كج ٍدتىوي :كؼبَّا ٍ
ى
33
اؼبطي يف األبيطح»(.)1
ائح ،ابتدأنا يف اغبديث ،كسارت ُّ
الر ي
َّ
للمعٌت اعبيد،
كقصرت ألفاظو عنو :يف ىذا القسم يكوف الشعر حامبل ى
ضرب منو جاد معناه ي
-3ه
اؼبعٌت ،إذ يكوف أقرب إُف الكبلـ العادم الذم
كالشريف السامي ،لكنو ينظم يف شكل ال يتناسب كجودة ى
وبصل منو فائدة كجدانية ،فبل صورة فنية مدىشة،
يدكر يوميا بُت النَّاس ،يفهم اؼبتلقي ىذا الشعر لكنو ال َّ
كال بناء ؿبكم بألفاظ تؤثر يف اؼبتلقي ،فيتفاعل مع الشعر كيتأثر بو:
أيضا أشعار العلماء؛ فكلها متكلفة ،كاضحة الصنعة ،ألهنا نتاج العقوؿ ال اػبياؿ
كمن ىذا القسم ن
كاإلبداع.
يقوؿ ابن طباطبا يف تعريف الشعر« :الشعر ( )...كبلـ منظوـ باف عن اؼبنثور الذم يستعملو النٌاس
الذكؽ ،كنظموخص بو من النٌظم الذم إف عي ًد ىؿ بو عن جهتو ؾبَّتو األظباع كفسد على َّ
يف ـباطباهتم دبا َّ
34
صح طبعو كذكقو َف وبتج إُف االستعانة على نظم الشعر بالعركض اليت ىي ميزانو»(.)1
معلوـ ؿبدكد؛ فمن َّ
يقسم ابن طباطبا الكبلـ إُف منظوـ كمنثور ،كيفرؽ بينهما بأف الشعر ـبصوص بالنظم أم كضع
خرجت عنو َف يعد الكبلـ ًش ٍعرا ،كَف يتقبلو َّ
السمع كَف يصادؽ ٍ األلفاظ كضعا معيننا كانتظامها يف قالب إف
عليو الذكؽ إف عيرض عليو ،كالنظم ال يكوف إالَّ دبيزانو اػباص بو كىو العركض اغباصل يف الطٌبع كالذكؽ
مطبوعا على ىذه األكزاف.
ن الصحيح ،كإالٌ فإ ٌف تعلكم العركض يصَت بالشاعر ألف يكوف
يقوؿ جابر عصفور" :كأىم ما يف ىذا التعريف أنوي وب ٌدد الشعر على أساس االنتظاـ اػبارجي
للكلمات .صحيح أ ٌف التعريف ال يشَت صراحة إُف القافية إالٌ أهنا متضمنة فيو كالتعريف- ،فضبل عن
ذلك -ال يهتم باعبانب التخيلي من الشعر ،من حيث مصدره أك تأثَته ،كإمبا يهتم بالشعر يف ذاتو باعتباره
بنية لغوية منتظمة على أساس من الطبع كالذكؽ"(.)2
يصرح بدكر اؼبخيلة يف نظم الشعر ،كَف يذكر اعبانب غَت أنٌو يبكننا القوؿ إف ابن طباطبا كإف َف ّْ
التخييلي من حيث مصدره أك تأثَته ،فإنٌو َف ينكر ىذا اعبانب كَف يلغً ًو ،بل إف يف سبييزه الشعر عن
«الكبلـ اؼبنثور الذم يستعملو الناس يف ـباطباهتم» تصريح بوجود فركقات كبَتة بُت الشعر كالكبلـ العادم
الرغم من أف التعريف ىبرج بالشعر إُف (الصنعة) فإنٌو ال ينفي أنبية (الذكؽ كالطبع)
اليومي ،كعلى ٌ
السواء ،فإذا خرج ىذا الكبلـ اؼبنظوـ يف أكزاف كأعاريض
الصحيحُت يف تكوين الشاعر كاؼبتلقي على حد ٌ
مضبوطة دبيزاف العركض عن (الذكؽ كالطبع الصحيحُت) َف يلق قبوالن عند اؼبتلقُت الذين ألفوا أساليب
العرب يف اإلنشاء كالنظم ،كعرفوا ما ىو القوؿ الشعرم كإف َف يعرفوا مصطلح اػبياؿ كالتخييل كغَتنبا ،كقد
مر بنا كصف الشعر بالركنق ككثرة اؼباء كاغببلكة...اٍف.
يؤكد ابن طباطبا على أنبية الذكؽ كالطبع يف نظم الشعر كتلقيو كيرشد الشاعر الذم اضطرب عليو
حىت تصَت معرفتو اؼبستفاده
الذكؽ إُف تعلم العركض ليستعُت بو على تصحيح ذكقو كتقويبو ك«اغبذؽ ّٔا ِّ
كالطبع الذم ال تكلٌف فيو»(.)3
(-)1ابن طباطبا العلوم .عيار الشعر ،تح :عبد العزيز بن ناصر اؼبانع ،دار العلوـ للطباعة كالنشر ،الرياض ،دط ،1985 ،ص ص.6-5
(-)2جابر عصفور .مفهوـ الشعر –دراسة يف الًتاث النقدم ،اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب ،القاىرة ،ط ،1995 ،5ص.29
(-)3ابن طباطبا العلوم .عيار الشعر ،ص.6
35
مفهوم الشعر عند قدامة بن جعفر (337ى )
كاف قدامة بن جعفر متأثرا باؼبنطق األرسطي لذلك حرص أف يضع اغبدكد أكال كيبيّْنها قبل تفصيل
(،)1 يدؿ على معٌت"
عرفو قدامة بأنو" :قوؿ موزكف مق ٌفى ي
اغبديث يف اؼبوضوع ،كبالنسبة إُف الشعر فقد َّ
عما ليس موزكنا ،ككلمة (مقفى) فصل عما
فكلمة (قوؿ) دبثابة اعبنس ،ككلمة (موزكف) فصل ؽبذا القوؿ ٌ
معٌت.
عما كاف موزكنا مقفى غَت داؿ على ى
معٌت) فصل لو َّ
ىو موزكف كليس مقفى ،كصبلة (يدُّؿ على ى
كيرل إحساف عباس أف ىذا التعريف كاف م ًورطا لقدامة على الصعيد اؼبنطقي ،إذ إنٌو كقع يف
اضطراب عندما َّ
عد القافية مستقلة بينما ىي ال تعدك أف تكوف لفظة؛ فهي "جزء من (القوؿ) أك ركن
(اللفظ) أم ىي داخلة يف (اللفظ) كيف (اؼبعٌت) كيف (الوزف) ،فإفرادىا خركج على اؼبنطق ،كلذا فإ ٌف قدامة
كقع يف حَتة من أمرىا ،حُت أراد أف يستكشف ائتبلفها مع ىذه العناصر ألهنا ليست كحدة قائمة بذاهتا،
مث كجد -على سبيل التسامح -أهنا يبكن أف تقع مؤتلفة مع اؼبعٌت"(.)2
كيتم استقصاء ىذه اػبصائص اليت توفر للشعر اعبودة اؼبطلقة فتكوف خصائص ؿبمودة ،أك تصنع
الرداءة اؼبطلقة فتكوف خصائص مذمومة "عن طريق العناصر اليت ينطوم عليها تعريف الشعر ،كىي :اللفظ
(القوؿ بعامة) كالوزف ،كالقافية ،كاؼبعٌت ،ككل عنصر من ىذه العناصر األربعة لوي صفاتو الذاتية اػباصة بو
كحده مستقبل عن غَته ،كما أف لو –يف الوقت نفسو -صفات أخرل تلحق بو ،عندما يتآلف أك يقًتف مع
(-)1قدامة بن جعفر .نقد الشّْعر .تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،دط ،دت ،ص .64
(-)2إحساف عباس .تاريخ النٌقد األديب عند العرب ،ص ص .179،180
(-)3جابر عصفور .مفهوـ الشعر ،ص.93
36
غَته من العناصر يف عبلقة ،باستثناء القافية اليت ال تتآلف إالٌ يف عبلقة مع اؼبعٌت فحسب"(.)1
يكوف الشعر حبسب ىذا التعريف اؼبنطقي خاضعا لثماين ؾبموعات من اػبصائص اليت يًتدد بينها
لينتهي إُف اعبودة اؼبطلقة أك ينزؿ إُف الرداءة اؼبطلقة ،كىذه آّموعات أربعة منها بسيطة تتكوف كل كاحدة
منها من عنصر كاحد من العناصر األربعة (اللفظ ،الوزف ،القافية ،اؼبعٌت) كأربعة منها مركبة ،حيث تتكوف
كل ؾبموعة من ائتبلؼ عنصرين من ىذه العناصر؛ (ائتبلؼ اللفظ مع اؼبعٌت)( ،ائتبلؼ اللفظ مع الوزف)
لكل كاحد من ىذه الثمانية (ائتبلؼ اؼبعٌت مع الوزف)( ،ائتبلؼ اؼبعٌت مع القافية) ،يقوؿ قدامة« :كؼبَّا كاف ٌ
صفات يبدح ّٔا ،كأحواؿ يعاب من أجلها ،كجب أف يكوف جي يد ذلك كرديئو ً
الح ىق ٍُت للشعر»(.)2 ٌ ي ي ه
مث يبدأ قدامة بذكر أكصاؼ اعبودة يف كل عنصر من ىذه العناصر؛ فجودة اللفظ أف يكوف ظبٍ نحا
خلوا من البشاعة ،ك ٌأما صفة الوزف اعبيد فهي سهولة العركض كالًتصيع.
فصيحا ،ن
ن سهل ـبارج اغبركؼ،
ك ٌأما صفات القوايف اعبيدة فهي :عذكية حركؼ القافية كسهولة ـبرجها كالًتصيع يف اؼبطالع.
اؼبعٌت اعبيد فصفاتو ،الوفاء بالغرض اؼبقصود ،كيػػيؤثر قدامة الغلو على اغبد األكسط ألنٌو يرل أنو
ك ٌأما ى
بالغلو يبلغ الشاعر اؼبثل األعلى كالنهاية يف النٌعت« ،كؼبا كانت اؼبعاين عند قدامة ال هناية ؽبا فقد ع ٌدد
نعوت الشعر يف أغراض الشعراء من مدح كىجاء كفخر كرثاء ككصف اٍف»(.)3
العناصر البسيطةي
ي كيواصل قدامة تعداد نعوت جودة العناصر اؼبؤتلفة ،فإذا جاء إُف ذكر كيف تكوف
نعوت اعبودةً اليت ذكرىا سابقا.
س ى كاؼبؤتلفةي رديئةن ىع ىك ى
لقد تأثر كثَت من النقاد كالببلغيُت العرب بقدامة يف تعريفو للشعر ككضع اغبدكد كضبطها ،كسنرل
أ ٌف ابن رشيق القَتكاين (456ىػ) َف يزد على تعريف قدامة إال لفظ "النّْية".
يقوؿ ابن رشيق يف تعريف الشعر" :الشعر يقوـ بعد النيٌة ،من أربعة أشياء ،كىي اللفظ ،كالوزف
37
كاؼبعٌت كالقافية ،فهذا حد الشعر ،أل ٌف من الكبلـ موزكنا مقفى كليس بشعر ،لعدـ القصد كالنية"(.)1
كنبلحظ أنو ال فرؽ بُت تعريف ابن رشيق للشعر كتعريف قدامة إال بالنية اليت يعرفها ابن رشيق على
حىت ال ىبتلط الشعر مع أم كبلـ آخر يأيت موزكنا ،كىو
القص يد ،كىو يضع شرط النيٌة ،أم القصد ٌ
أهنا ٍ
عرا كيبثل لذلك بأشياء اتزنت من القرآف ،كمن كبلـ الرسوؿ . ً
ليس ش ن
و
قاصدا قوؿ الشعر؛ فقد يعرض ألم كاحد من ينوم قوؿ الشعر إالَّ إذا كاف ن
شاعرا ن كليس ألحد أف ى
شعرا ،كقد
شاعرا ،كال يكوف كبلمو ن
كبلما موزكنا يف أثناء حديثو ،فبل يكوف ّٔذا الكبلـ ن
النَّاس أف يقوؿ ن
أنل الّ أصبع دميل *** وفي سبيل اا ما ِ
لقيل. ركم أف الرسوؿ قاؿ :ىل ِ
كعلى الرغم من توفر الوزف كالقافية فإنٌو ال يقاؿ إف الرسوؿ شاعر كال كبلمو شعر ،ألنٌو َف يقصد
إُف قوؿ الشعر (ىذا عدا عن كونو منزىا عن قولو) .
جاء يف لساف العرب «نول الشيء نيَّةن ( )...كانتواه كبلنبا قصده كاعتقده» ( ،)2فأ ٌف ييقصد إُف األمر
يعٍت أف القاصد عزـ على األمر كهنض إليو كاذبو إُف ربقيقو ،لذلك كاف من بُت أركاف تعريف الشعر لدل
ابن رشيق (النية) أم أف يقصد الشاعر كيعزـ على قوؿ الشعر كهبعلوي غاية ،يتجو إُف ربقيقها.
كيؤكد ابن رشيق على التفريق بُت الشعر كبُت غَته من الكبلـ اؼبشتمل على الوزف كالقافية "كقاؿ غَت
الرائعة ،كالتشبيو الواقع ،كما سول ذلك
السائر ،كاالستعارة َّ
كاحد من العلماء :الشعر ما اشتمل على اؼبثل َّ
فإمبا لقائلو فضل الوزف» ( ،)3فالشعر لغتو خاصة ،ىي لغة آّاز كالتشبيو الذم يربط بُت العواَف اؼبختلفة،
لغة زبلد نفسها يف األمثلة السائرة اليت ربفظها األمة ،كما سول ىذه اللغة الشعرية فليس لصاحبها سول
فضل الوزف.
اؼبعٌت كزبصيصو باللفظ اؼبستظرؼ البديع؛ «فإذا
كيضيف إُف مفهوـ الشعر عنصرا آخر ىو اخًتاع ى
السبق»(.)4
متٌ للشاعر أف يأيت دبعٌت ـبًتع يف لفظ بديع ،فقد استوُف على األمد كحاز قصب َّ
(-)1ابن رشيق القَتكاين ،العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو .ج ،1تح :توفيق النيفر كـبتار العبيدم كصباؿ ضبادة ،آّمع التونسي للعلوـ
كاآلداب كالفنوف ،قرطاج ،دط ،2009 ،ص.215
(-)2ابن منظور .لساف العرب ،مادة (نول).
(-)3اؼبصدر السابق ،ص.218
(-)4اؼبصدر نفسو ،ص.419
38
حازم القرطاجني (684ى ):
يقوـ منهج حازـ القرطاجٍت يف ربديد مفهوـ الشعر على ثبلثة عناصر ىي:
-بًٍنية الشعر كمكوناتو.
-تأثَته (كظيفتو)
-أغراض الشعر كعبلقتو بأجناس أدبية أخرل أنبها اػبطابة.
كمثل كثَت من النقاد الذين قدموا مفهوما للشعر وبرص حازـ على التفريق بُت ما ىو شعر كما ليس
شعرا ألف صفة (الشعرية) ىي
يسمى ن
شعرا ،كإف توافر فيو الوزف كالقافية؛ إذ إنو ليس كل منظوـ يليق بو أف َّ
ما يبيز بُت النصوص اؼبوزكنة اؼبقفاة اؼبكتوبة برسم اؼبنظوـ.
لقد سعى حازـ القرطاجٍت إُف تقدًن مفهوـ متكامل للشعر من منظور إبداعي فقاؿ "الشعر كبلـ
ـبيٌل موزكف ،ـبتص يف لساف العرب بزيادة التقفية إُف ذلك ،كالتئامو من مقدمات ـبيٌلة ،صادقة كانت أك
كاذبة ،ال يشًتط فيها -دبا ىي شعر -غَت التخييل"(.)1
كيقوؿ يف تعريف ثاف "الشعر كبلـ موزكف مقفى من شأنو أف وببّْب إُف النَّفس ما قصد رببيبو إليها،
كيكرة إليها ما قصد تكريهو ،لتحمل بذلك على طلبو أك اؽبرب منو دبا يتضمن من حسن زبييل لو كؿباكاة
ٌ
كمستقلة بنفسها أك متصورة حبسن ىيأة تأليف الكبلـ ،أك قوة صدقو أك قوة شهرتو ،أك دبجموع ذلك،
ككل ذلك يتأكد دبا يقًتف بو من إغراب ،فإ ٌف االستغراب كالتعجب حركة للنفس إذا اقًتنت حبركتها اػبيالية
قول انفعاؽبا كتأثرىا"(.)2
كمبلحظ على ىذين التعريفُت ،أف فيهما "نوعا من التوفيق بُت طبيعة الشعر العريب كطبيعية الشعر
اليوناين ،أك بُت تعريفي العركضيُت كالفبلسفة ،كىو أمر ال اعًتاض عليو من حيث اؼببدأ ،ألنٌو ينسجم مع
بكل عنصر من عناصر الشعر كمكوناتو النوعية
حازما ال يعتد ٌ
نظريتو كأىدافو ،كلذلك نستطيع أف نقوؿ إف ن
كالذاتية إال بقدر تناسبو كتبلؤمو يف سياؽ النص الشعرم الذم وبدد فاعليتو كدرجة تأثَته يف نفس اؼبتلقي،
غَت ا ٌف اػبياؿ يظل مطلوبا يف كل عنصر ،فقد طالب بأف يكوف اػبياؿ يف اللفظ كاؼبعٌت كالوزف
(-)1حازـ القرطاجٍت .منهاج البلغاء كسراج األدباء ،تح :ؿبمد اغببيب ابن اػبوجة ،دار الغرب اإلسبلمي ،بَتكت ،ط ،2007 ،4ص.89
(-)2اؼبصدر السابق ،ص.71
39
كاألسلوب"(.)1
يعتد حازـ كثَتا بالتخييل كاحملاكاة كهبعلها جوىر الشعر "اؼبعترب يف حقيقة الشعر إمبا ىو التخييل
كاحملاكاة»( ،)2كلو ال التخييل كاحملاكاة ما قدر الشعر على أداء كظيفتو اليت يقررىا حازـ بأهنا «ربريك
النفوس دبقتضى الكبلـ بإيقاعو منها دبحل القبوؿ دبا فيو من حسن احملاكاة"(.)3
كانت ىذه مفاىيم الشعر عند ؾبموعة من النقاد الذين اشتغلوا باعبانب النظرم أك باعبانبُت النظرم
كالتطبيقي معا فيما ىبص (الشعر) ،كىي مفاىيم توخينا فيها الًتكيز كاالختصار كالتبسيط قدر اإلمكاف.
(-)1علي لغزيوم .نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس ،مطبعة سايس ،فاس ،ط ،2007 ،1ص.68
(-)2حازـ القرطاجٍت .منهاج البلغاء ،ص.21
(-)3اؼبصدر نفسو ،ص.294
40
المحاضرة المامسة:
قضية االنتحال وتتصيل الشعر العربي
االنتحال في اللغة:
يتساكل مفهوـ االنتحاؿ يف االصطبلح مع مفهوـ السرقة األدبية "كىي أخذ أك ؿباكاة للغة كمعاين
السارؽ ،كالتعبَت مشتق من كلمة التينية تعٍت
مؤلف آخر كتقديبها كما لو كانت من بنات أفكار ٌ
السافرة .كاالقتباس أك االقًتاض
السرقة َّ
اؼبختطف ،كنطاقو يبتد إُف ذكر اؼبعاين بألفاظ ـبتلفة غَت مبلئمة إُف ٌ
من األصل إذا َف يطرأ عليو ربسُت على يد اؼبقتبس ييعترب عند ال يكتاب اؼبجيدين انتحاال"(.)2
ي
السرقة األدبية ،ألنٌو أكسع منها كأمشل ،إنٌو يبثل معضلة ثقافية كتارىبية
أف االنتحاؿ ىبتلف عن ٌ غَت َّ
تتعلق بعصر معُت ،كقد سبتد إُف تراث أمة بأكملو ،كالسرقة أمرىا معركؼ كىي ربدث بُت الشعراء من
السارؽ بالنص اؼبسركؽ .كيتوُف النقاد
العصر نفسو أك من عصور ـبتلفة ،سببها يف أغلب األحواؿ إعجاب ٌ
كشف السرقة كتبياف طريقتها خاصة إذا تعلق األمر بسرقة اؼبعٌت .غَت أ ٌف االنتحاؿ ىو كضع نصوص كاملة
نصا كامبل أك ؾبموعة من
كنسبتها إُف قبيلة ،أك إُف شاعر أك ؾبموعة من الشعراء ،أك االدعاء بأ ٌف ن
النصوص ىي من تأليف اؼبدعي ..كاػبوض يف معضلة االنتحاؿ يف الشعر العريب القدًن ؿبفوؼ دبحاذير
كثَتة أل ٌف الشك فيو ىو شك يف تراث أمة ،كاإلصرار على ىذا الشك ال بد أف يؤدم إُف الشك يف أمور
أخرل ،تتجاكز الشعر خاصة إذا أخذنا أسباب ىذا الشك بعُت االعتبار ،دكف مناقشة أك ربليل.
كاالنتحاؿ بوصفو كضعا ككذبا كنسبة الشيء إُف غَت صاحبو ال يقتصر على أمة دكف أمة كال على
41
عصر دكف عصر ،فقد عرفتهما (الوضع كاالنتحاؿ) أمة العرب كما عرفتهما أمم أخرل كعرفها العصر
اعباىلي ،كما عرفها العصر األموم كالعصر العباسي ،كما ال يزاؿ يعرفهما العصر اغبديث على الرغم من
كسائل التوثيق كالكتابة كالطباعة اليت كانت مظنة عدـ حدكث الظاىرتُت (َّ ،)...أما الوضع كالكذب على
علي متعمدا فليتبوأ مقعده
الرسوؿ كحديثو فليس خبافيُت ،كيؤكد الرسوؿ ذلك حُت يقوؿ" :من كذب ٌ
ٌ
من النار"(.)1
بي القديم:
أوال-االنتحال في النّقد العر ّ
يصرح دبشكلة االنتحاؿ يف الشعر اعباىلي،
كاف ابن سبلـ اعبمحي ( 231ىػ) ٌأكؿ ناقد عريب ٌ
كيطرح للقراء كعبميع العرب مسألة كجوب الشك يف كثَت من النصوص الشعرية اليت وبتمل أف تكوف قد
نسبت إُف غَت قائليها ،قاؿ ابن سبلـ" :كيف الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثَت ال خَت فيو ،كال حجة يف
فخر
مديح رائع ،كال ىجاءي يمقذعه ،كال ه
مثل يضرب ،كال ه عربيتو ،كال أدب يستفاد ،كال معٌت يستخرج ،كال ه
نسيب مستطرؼ ،كقد تداكلىوي قوـ من كتاب إُف كتابَ ،ف يأخذكه عن أىل البادية ،كَف
معجب ،كال ه
ألحد-إذا أصبع أىل العلم كالركاية الصحيحة ،على إبطاؿ شيء منو ،أف يقبليعرضوه على العلماء –كليس ً
ص يح ًف ٍّيي"(.)2
من صحيفة ،كال يىػ ٍرًكم عن ي
كَف يكن نقد الشعر اعباىلي كالشك يف صدؽ بعض الركاة قد بدأ بابن سبلـ اعبمحي ،فقد سبقو
الراكية كبُت أكاذيبو ،ككذلك األصمعي ( 216ىػ)
الضيب ( 178ىػ) الذم نقد ضبٌادا ٌ
إُف ذلك اؼبفضل ٌ
الذم نقد خل نفا األضبر ،غَت أف ابن سبلـ الذم صدَّر كتابو (طبقات فحوؿ الشعراء) بعرض ىذه القضية،
قد أثر رأيو يف كثَت من النقاد الذين أتوا من بعده "كظهر ذلك األثر فيما كتب اعباحظ كابن قتيبة كاؼبربد
كابن اؼبعتز بل فيما كتب قدامة كعلي ابن عبد العزيز اعبرجاين كاآلمدم كأبو فرج األصفهاين كالثعاليب كابن
رشيق كاػبفاجي كابن األثَت كابن خلدكف"(.)3
(-)1ؿبمود علي السماف .األدب اعباىلي كقضية االنتحاؿ فيو ،دكف ناشر ،1995 ،ص.147
(-)2ابن سبلـ اعبمحي .طبقات فحوؿ الشعراء ،ج ،1تح :ؿبمود ؿبمد شاكر ،دار اؼبدين ،جدة ،دط ،دت ،ص .04
()3
ؿبمد بن سعود اإلسبلمية ،الرياض ،دط ،دت،
ؿبمد رجب البيومي .موقف النٌقد األديب من الشعر اعباىلي ،مطبوعات جامعة اإلماـ ٌ
ٌ -
ص.26
42
ابن سالم الجمحي: شرح ن
يضع ابن سبلـ ىذا النص (نص الشك) يف صدارة كتاب (طبقات فحوؿ الشعراء) كأنو يقوؿ سلفا
إنو تأكد من صحة كل األبيات كالقصائد اليت أكردىا يف الكتاب؛ فما جاء يف كتابو مأخوذ من أىل
البادية كمعركض على العلماء ،كَف يؤخذ عن صحفي كال عن صحيفة (كتاب) ككل ما كرد يف الكتاب
قد أصبع العلماء على صحتو.
إنٌنا –يف اغبقيقة -ال نعرؼ من ىم أىل البادية كال العلماء الذين كقفوا على ما جاء يف كتاب ابن
سبلـ.
يبُت النص أف الشعر اعباىلي كاف موضع شك بالنسبة إُف كثَتين ،لكن عملية التمحيص كالبحث
كالفرز كالتصحيح قاـ ّٔا العلماء كمن مث فليس ألحد أف يشكك فيما أصبع العلماء على صحتو.
دبا أف الشك كاف قائما قبل ابن سبلـ ،كدبا أف عملية الفرز كالتصحيح كانت موجودة كذلك ،كدبا أف
ابن سبلـ أقر بالشك كبُت آليات التصحيح كالتنقية ،فهذا يعٍت أف الشعر الذم كرد يف الكتاب
كاؼبركيات صبيعا قد تعرض للتصحيح كالتزكية من قبل العلماء ،كمن مث فكتاب ابن سبلـ (طبقات
فحوؿ الشعراء) ال يدخلو الشك.
من دكاعي الشك يف بعض الشعر العريب (كما يقوؿ ابن سبلـ) أف ىذا الشعر:
حجة يف عربيتو :إذ إف متعلم اللغة كاألدب لن يعثر فيو على مبتغاه من اؼبثل كالشاىد ،كإذف
-ال ٌ
فإ ٌف شعرا ال يعُت على تعلم اللغة اليت قيل ّٔا ىو شعر مصنوع كمكذكب ال ؿبالة.
-ال أدب يستفاد :يتحدث ابن سبلـ عن (الفائدة)؛ فالشعر العريب ال بي َّد أف تكوف لو فائدة معرفية
شعرا ال يقدـ معرفة مشكوؾ فيو.
كمن مث فإف ن
-ال مثل يضرب :يكوف على الشعر أف ىبتصر خربات حياة اإلنساف كييركز خبلصات ذباربو يف أمثلة
تضرب .إف ىذه األمثلة تساعد على تربية األجياؿ كهتذيب سلوكاهتا ،كمن مث تسهم يف بناء
سوية ثقفتها ذبارب السابقُت ،كالشعر الذم ال يقوـ ّٔذه الوظيفة التثقيفية /الًتبوية قابل
ؾبتمعات ٌ
ألف يكوف ؿبل شك.
43
-ال معٌت ييستخر يج :الشعر –إذف -ليس ؾبرد انتظاـ للكلمات يف بنية موسيقية معلومة ،إنٌو باإلضافة
بيت) للمعٌت الذم يستحق عناءى القراءة كبذؿ جهد االستخراج لتحقيق فائدة نفعية،
إُف ذلك ( ه
ككذلك فائدة ركحية ىي اؼبتعة كاللذة.
يؤكد ابن سبلـ أف ىذا الشعر اؼبشكوؾ فيو قد متٌ تداكلو من كتاب إُف كتاب؛ فهو إذف َف يؤخذ
مشافهة عن أىل البادية الذين يرككف الشعر مشافهة كال يسجلونو كتابةن كال هبمعونو يف كتاب بغرض
التدكين ،بالنسبة إُف ابن سبلـ تكوف الركاية ىي أكثق طريقة للحفاظ على الشعر كصونو من أم و
يد قد
تندس إُف الكتاب فتحرؼ الشعر كتضع كتزيد كتنقص.
مث إف ىذا الشعر الذم تداكلة قوـ (ككبن ال نعرؼ من ىم ىؤالء القوـ كال نعرؼ الكتب اليت أخذكا
منها ىذا الشعر) َف يػي ٍعىرض على العلماء الذين يرجع إليهم القوؿ الفصل يف صحة الشعر من ىع ىدمها،
فيكوف الشعر الذم َف يؤخذ عن أىل البادية منحوال كالشعر الذم أخذ عن الكتب مشكوؾ فيو ،كالشعر
الذم َف يػي ٍعرض على العلماء ىو شعر موضوع منتحل بالضركرة.
44
صحفي (صاحب كتاب /مدكف) أك يركم الشعر أخذا من صحيفة (كتاب) يقوؿ ابن سبلـ جازما ،كقد
اختلفت العلماء يف بعض الشعر ،كما اختلفت يف سائر األشياء ،فأما ما اتفقوا عليو فليس ألحد أف ىبرج
عنو (.)1
-الدليل التاريمي:
كبعد أف يؤكد ابن سبلـ أف العلماء الثقات ىم آلة تصفية الشعر كفرز اؼبزيف من اغبقيقي ،يشرع يف
أفس ىد الشعر كىجنو ،كضبل كل غثاء
اغبديث عن مزكرم الشعر اعباىلي كتبياف أسباب ذلك" :كاف فبن ى
السَت كغَت ذلك ،فقبل النٌاس عنو
منو ،ؿبمد بن إسحاؽ بن يسار ( )...ككاف أكثر علمو باؼبغازم ك ّْ
األشعار ،ككاف يعتذر منها كيقوؿ :ال ًعلم ِف بالشعر أكيت بو فأضبلو ،كَف يكن ذلك عذرا ،فكتب يف ّْ
السَتة
أشعار الرجاؿ الذين َف يقولوا شعرا قط ،كأشعار النساء فضبل عن الرجاؿ ،مث جاكز ذلك إُف و
عاد كشبود،
اؼ ،أفبل يرجع إُف نفسو فيقوؿ :من فكتب ؽبم أشعارا كثَتة ،كليس بشعر كإمبا ىو كبلـ مؤلف معقود بقو و
ن
ين ِ َّ ِ ِ ِ
فَ ُقط َع َداب ُر الْ َق ْوم الل َ السنُت كاهلل تبارؾ كتعاُف يقوؿ:
ضبل ىذا الشعر؟ كمن أداه منذ آالؼ ٌ
()3( )2
ظَلَ ُموا" .
يعطي ابن سبلـ مثاال دقيقا عن منتحلي الشعر ،ىو (ابن إسحاؽ) الذم كاف عملو ركاية (اؼبغازم
السَت بأبيات من الشعر ،فقد كاف يؤلف كيكتب الشعر
السَت) ،كأل ٌف األمر يتطلب أف يعضد ىذه ّْ
ك ٌ
كيضيفو إُف تلك السَت كاؼبغازم ،كيىنسبوي إُف غَت قائليو من الرجاؿ كالنساء ،حىت إنو قد نسب شعرا إُف
عاد ك و
شبود اللذين انقطع ذكرنبا يف التاريخ ،كإمبا وبمل إليو فَتكيو كما كصل إليو ،فيسألو ابن سبلـ عن ىذا و
الذم ضبل إليو الشعر من أزماف قطع اهلل دابر أىلها.
يكذب ابن سبلـ ابن إسحاؽ كيتهمو صراحة بأنو ىو من يؤلف ذلك الشعر كيضمنو سَته كمغازيو
بعاد ك و
شبود؟ فهذا قبد ألكلية العرب اؼبعركفُت شعرا ،فكيف و
نقيم يف النسب ما فوؽ عدناف ،كال ي
"فنحن ال ي
( -)1يراجع :ابن سبلـ اعبمحي .طبقات فحوؿ الشعراء ،ص .04
(-)2سورة األنعاـ ،اآلية 45
( -)3ابن سبلـ اعبمحي .طبقات فحوؿ الشعراء ،ص ص .8-7
45
عريب منها بيتا كاحدا ،كال راكية للشعر"(.)1
ط ه يرك ق ي
الكبلـ الواىن اػببيث ،كَف ى
-الدليل اللغوي:
يسوؽ ابن سبلـ دليبل آخر يؤكد بو على موضوع انتحاؿ الشعر ككضعو ،كىو دليل لغوم؛ قاؿ أبو
عمرك بن العبلء يف ذلك "ما لساف ًضبٍىَت كأقاصي اليمن اليوـ بلساننا ،كال عربيٌتهم بعربيَّتنا ،فكيف دبا على
شبود ،مع تداعيو ككىيو (يقصد الشعر الذم ركاه ابن إسحاؽ) ،فلو كاف الشعر مثل ما يكضع و
عهد عاد ك ى
البن إسحاؽ ،كمثل ما ركل الصحفيوف ،ما كانت إليو حاجةه ،كال فيو دليل على علم"(.)2
46
ضبل ً
كبلمهما ،يضبل عليهما ه
ى قل
فلعل ذلك لذاؾ،فلما ٌ
أف الذم ناؽبما من ذلك أكثر ،ككانا أقدـ الفحوؿَّ ،
كثَت"(.)1
الركاة اؼبصححُت الثقات سول عشر قصائد لطرفة بن العبد كعبيد ابن كإذف َف يبق بُت أيدم ُّ
كاؼ على أف شعر ىذين الشاعرين اللذين ييعدَّا من أكائل الفحوؿ قداألبرص ،كبقاء عشر قصائد دليل و
ضاع كَف ربفظو الذاكرة ،نتأكد من ىذا بالنظر إُف الشهرة اليت حظيا ّٔا ،ألنٌو لو َف يكن ؽبما سول ىذا
العدد القليل من القصائد ؼبا اشتهرا بُت العرب ،كينفي ابن سبلـ أف يكوف الشعر الردمء الذم ييركل لطرفة
كعبيد ىو ؽبما فعبل ،ألنٌو لو كاف اغباؿ كذلك ؼبا استحقا الشهرة ،كيرل ابن سبلـ أف شعرا كثَتا قد سقط
عبيدا كطرفة كاف حظ شعرنبا أكفر من ىذا الضياع ألهنما كانا األقدـ،
من تاريخ شعراء كثَتين ،غَت أف ن
فلما رأل الناس شعرنبا قليبل كبلونبا كزادكا عليهما كثَتا.
-أسباب فنية:
نقصد باألسباب الفنية تلك اليت ؽبا عبلئق مباشرة بالنصوص السَتية كاإلخبارية اليت يركيها أمثاؿ ابن
إسحاؽ صاحب السَت كاؼبغازم ،فمثل ىذه الركايات الطويلة اليت يسمعها الناس على امتداد لياؿ ربتاج أل ٌف
الراكم اؼبلل كالسآمة عن اؼبستعمُت
أحب الفنوف القولية لدل العرب ،فكاف هبب أف ييذىب ٌ
تطعم بالشعر ٌ
بركاية الشعر الذم يي ىسرم عنهم كيؤكد بعض مركياتو ،كيف كثَت من الكتب العربية شعر مرفوع إُف آدـ عليو
السخف َّ
حد اإلضحاؾ ،ك"سبتلئ بعض كتب القصص السبلـ كبنيو كاضح عليو الوضع كبعضو يصل بو ُّ
حىت يشعر على التَّو أهنا
السَت كاألخبار كالتاريخ كاألدب دبثل ىذه األشعار الباردة الغثٌة اليت ال يقرؤىا اؼبرؤ ٌ
ك ّْ
مفتعلة كموضوعة يكاد يستحيل إثبات أ ٌف أصحأّا قد نظموىا ح ىقا بلغة الشعر اعباىلي اؼبوثَّق األصيل،
ذلك أل ٌف بيعد الفًتة ما بُت أزماف من تينسب إليهم ،كأزماف التدكين العلمي الصحيح للشعر اعباىلي ،وبوؿ
دكف الثقة ّٔا ،أك االطمئناف إُف أ ٌف من تيعزل إليهم قد نظموىا حقا»(.)2
47
-أسباب سياسية:
فباإلضافة إُف كونو من البادية كىذا يعٍت امتبلكو للغة السليمة الصافية كعلمو بطرائق العرب األكائل
كأساليبهم يف نظم الشعر ،فقد يكوف ابن شاعر كىذا أدعى ليكوف أعرؼ بأسلوب كالده ،لذلك إف زاد
يف شعر كالده ككذب عليو ،صعب على العاَف اؼبدقق أف يكتشف كذبو كانتحالو.
-أسباب مادية:
48
علمنا أنٌو يفتعلو"(.)1
كقاؿ" :أخربين أبو عبيدة ،عن يونس ،قاؿ :قدـ ضباد البصرة على ببلؿ بن أيب بردة كىو عليها،
مديح أيب موسى ،قاؿ :كوبك !
فقاؿ :ىأما أطرفتٍت شيئا ! فعاد إليو فأنشدهي القصيدة اليت يف شعر اغبطيئة ى
يبدح اغبطيئة أبا موسى ال أعلم بو ،كأنا أركم شعر اغبطيئة؟"(.)2
غٍت ً
يبُت ىذاف النصاف أف االنتحاؿ يقع من طرؼ بعض الركاة طلبا للماؿ؛ إذ يطلب كاؿ أك رجل ه
الراكم أف ينشده ما لديو من شعر وبفظو لشعراء مشهورين ،ككلما زادت الركاية
مهتم بشؤكف الشعر من َّ
زادت اعبائزة ،فنجد أف الراكم يزيد يف الشعر ،أك ينسب إُف الشاعر شعر غَته حىت يزيد مقدار جائزتو
اؼبالية.
الشاعر شعره الذم يقولو ىو ،كيزيد يف الشعر الذم يركيو ،ليس جهبل
ى الراكية أف ينحل
قد يتعمد َّ
منو كإمبا رغبة يف تأكيد قوتو األدبية كقدرتو على ؾباراة الشعراء القدامى كالنسج على منواؽبم حىت ىبتلط ما
يضعو دبا يركيو حقيقة عن الشعراء ،كيستعصي على الركاة احملققُت كعلى العلماء بالشعر فرز شعره الذم
كضعو من شعر الشعراء الذين يركم ؽبم ،ال يفعل ذلك إالٌ إلثبات تفوقو الشعرم "ككاف ٌأكؿ من صبع
شعر الرجل غَته ،كينحلو غَت
أشعار العرب كساؽ أحاديثها :ضباد الراكية ،ككاف غَت موثوؽ بو ،ككاف ينحل ى
شعره ،كيزيد يف األشعار"(.)3
كقد اشتهر عن ضباد بأنٌو كذاب ملفق كمدع" ،كظبعت يونس يقوؿ :العجب فبٌن يأخذ عن ضباد
ككاف يكذب كي ٍلحن كيكسر"(.)4
يدعو ابن سبلٌـ كل صاحب زبصص إُف أف يلتزـ ؾباؿ زبصصو ،فبل يقرب الشعر معتقدا أنٌو ؾباؿ
49
زبصصو ،فبل يقرب الشعر معتقدا أنٌوي حقل مشاع بُت اعبميع ،فللشعر أىلو ك"ال يضبط الشعر إالٌ
أىلو"( .)1وبدثنا ابن سبلـ عن كاحد من ىؤالء العلماء الذين تدخلوا يف الشعر فأخلوا بركايتو كىو
كم عنو شيء وبمل
كر ى
الشعيب كاف ذا علم بالشعر كأياـ العرب ( )...ي
َّ (الشعيب) :قاؿ" :كقد تركم العامة أ ٌف
على لبيد:
حملتُ ِ ْ
سب ًعا بعد سبعي ِن وق ْد َ َّفس ُم ِجهشةً ش َّكى َّ
لي الن ُ ل تَ َ
بَاتَ ْ
ِ
الثالث وفاءٌ للثمانين وفي فإ ّن تعيشي ثالثًا تبلُغي َأمالً
1864ـ توالت دراسات اؼبستشرقُت الذين أبدكا ىبربنا اؼبستشرؽ ببلشَت أنوُّ بداية من سنة
شكوكهم يف صحة الشعر اعباىلي خاصة حُت نظركا إُف شكل القصيدة ،كفحصوا شعر شعراء اؼبعلقات.
50
يف موقفهما اغبذر"(.)1
كمهما يكن من تصاعد منحى الشك لدل بعض ىؤالء اؼبستشرقُت ،فإهنم َف يبلغوا مبلغ اؼبستشرؽ
مرجليوث الذم ذىب إُف الشك يف الشعر اعباىلي صبلة كتفصيبل ىكرفىضو كلٌو.
كقد ساؽ مرجليوث نوعُت من األدلة (داخليو كخارجيو) يف مقالة بعنواف "أصوؿ الشعر العريب"
كرجح مرجليوث أف يكوف الشعر الذم كصلنا على
نشرىا يف ؾبلة اعبمعية اؼبلكية األسيوية سنة َّ 1925
أنٌو جاىلي َف يكتب إالٌ يف العصر األموم ،ككبلو الوضاعوف كاؼبنتحلوف للشعراء اعباىليُت ،كبٌت قناعتو على
نوعُت من األدلة.
-1األدلة المارجية:
-أقر مرجليوث بوجود الشعر قبل ؾبيء اإلسبلـ ،كذلك أل ٌف القرآف يتحدث عن كضف خصوـ النيب
–إف كاف موجودا -فهو لو بأنٌو شاعر ،كاهتامهم لو بأنٌو ساحر ككاىن...اٍف ،لكنو يقرر أف ىذا الشعر
غامض مبهم.
-حُت يتعرض مرجليوث ؼبسألة نشأة الشعر العريب ،يقرر أف آراء القدامى ـبتلفة متضاربة ،فمنهم من
يقوؿ إف نشأة الشعر تعود إُف زمن اؼبهلهل ،كمنهم من يردىا إُف أبعد من ذلك بكثَت ،كيبلحظ أف ما كصل
من شعر العرب إلينا وبمل آثار كجود الكتابة يف آّتمعات العربية ،كيتساءؿ عن الطريقة اليت يحفظ ّٔا ىذا
الشعر -إف كاف يكجد فعبلن ،-كيقوؿ إنٌو إما حفظ عن طريق الركاية الشفهية أك بالكتابة ،كيبلحظ أف الرأم
العريب يرجح أف الشعر حفظ مشافهة ال كتابةن ،كلكنَّو يشك يف أف تكوف الركاية الشفهية قادرة على حفظ
ذلك الكم الكبَت من الشعر ،كإف عملية اغبفظ ىذه تستدعي أف يكوف شبة ركاة ؾبندكف لركاية الشعر كحفظو
هبب ما قبلو كال يذكر الشعراء خبَت ،لذلك يكوف على العرب أف
كىذا أمر َف يثبت كقوعو ،مث إف اإلسبلـ ي
ينسوا الشعر الذم حفظوه قبل ؾبيء اإلسبلـ خاصة إذا قبلنا أف ىذا الشعر يثَت الضغائن ،ألنٌو يتحدث عن
األياـ كالوقائع كانتصارات قبائل على قبائل أخرل أياـ اعباىلية.
-كبعد أف يرفض مرجليوث فرضية الركاية الشفهية ينتقل إُف إنكار فرضية التدكين كنقل ىذا الشعر
(-)1ر.ببلشَت .تاريخ األدب العريب ،مج ،1تر :إبراىيم الكيبلين ،منشورات كزارة الثقافة ،دمشق ،دط ،1973 ،ص.204
51
كتاب يقرؤكنو.
كتابة ،ذلك أف القرآف يؤكد أنو َف يكن للجاىليُت ه
-مث يذىب مرجليوت إُف أف الشعر اعباىلي تطور من األسلوب القرآين اغبافل باألسجاع كالذم
وبتوم على بعض النصوص اؼبوزكنة ،أضف إُف ذلك االشًتاؾ يف اللغة نفسها؛ فيكوف القرآف مرحلة أكُف
كالشعر مرحلة تالية( :النثر القرآين النظم الشعرم).
-يطعن مرجليوث يف مصداقية الركاة القدماء للشعر كذلك بسبب أف ىؤالء الركاة أنفسهم يتهم
بعضهم بعضا ،مث ىو يقوؿ إف مصادرىم ؾبهولة متسائبل عن نقلهم لشعر ينتمي إُف زمن الوثنية اليت
حارّٔا اإلسبلـ ،كلكنو يعود فيقوؿ إف ىؤالء الشعراء َف يكن تبدك عليهم أم عبلمة للوثنية ،بل إهنم أقرب
إُف اإلسبلـ ،بل كانوا مسلمُت يف كل شيء تقريبا عدا تسميتهم بالشعراء اعباىليُت.
-2األدلة الداخلية:
-ألفاظ الشعر الجاىلي و شاراتو :فقد الحظ مرجليوث أهنا ألفاظ دينية إسبلمية مثل «اغبياة
الدنيا ،يوـ القيامة ،اغبساب» مث إ ٌف ىذا الشعر يشَت إُف قصص ديٍت كرد يف القرآف الكرًن.
-اللغة" :كمدار حديثو يف ىذا الدليل على أمرين :االختبلؼ بُت ؽبجات القبائل اؼبتعددة،
كاالختبلؼ بُت لغة القبائل الشمالية صبلة كاللغة اغبمَتية يف اعبنوب"( ،)1كلكن اؼببلحظ أف ىذا الشعر كلو
بلغة القرآف اليت صارت بفضل اإلسبلـ اللغة الرظبية يف جنوب ببلد العرب ،كليس قبل اإلسبلـ ،فلماذا َف
يصلنا شعر بلغات العرب األخرل؟ كبلهجاهتم اؼبختلفة اليت كانت منتشرة آنذاؾ.
-يعتقد مرجليوث أف الوحدة البنائية للشعر اعباىلي دليل على أنو مزيف كقد كتب بعد نزكؿ القرآف
(كحدة اؼبوضوعات يف القصيدة اعباىلية اؼبقدمة ،الرحلة...اٍف) ،ككذلك يفًتض أف اؼبوسيقى َف توجد يف
الرقص مث اؼبوسيقى مث
العصر اعباىلي ،كأهنا من مستحدثات العصر األموم ،كأف التطور يقضي بأ ٌف ينشأ ٌ
يتصور كجود الوزف الشعرم عند العرب ّٔذا النظاـ كّٔذه الغزارة ،كيقوؿ:
الشعر .فمن غَت اؼبعقوؿ لديو أف ٌ
"لقد كانت اؼبمالك اعباىلية اليت نعرفها عن طريق النقوش ذات حضارة باسقة ،كلكن ال يبدك أنٌو كاف
لديها شعر ،فهل نص ٌدؽ أف األعراب غَت اؼبتحضرين كاف ؽبم شعر يف مثل ىذه الصورة اؼبركبة ،كما يص ٌدؽ
(-)1ناصر الدين األسد .مصادر الشعر اعباىلي كقيمتها التارىبية ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،1978 ،5ص.365
52
بذلك العلماء األقدموف من اؼبسلمُت؟"(.)1
للرد على مرجليوث كدحض مزاعمو كتبياف غموضو كاضطرابو كمن كقد تصدل كثَت من اؼبستشرقُت ٌ
ىؤالء اؼبستشرقُت شارؿ جيمس لياؿ يف مقدمة اعبزء الثاين من اؼبفضليات كيف ربقيقة لديواف عبيد ابن
األبرص كغَته كثَتكف أثبتوا بالدليل صحة الشعر اعباىلي ،كأف ما يقع فيو من كبل ككذب أمر ال جداؿ فيو
بالنسبة إُف الشعر العريب اعباىلي كأدب كل األمم.
كاف ٌأكؿ من تطرؽ ؼبوضوع االنتحاؿ مصطفى صادؽ الرافعي يف كتابو (تاريخ آداب العرب) سنة
،1911كقد بسط آراء كمقوالت ابن سبلـ اعبمحي ،كعرضها دبا يناسب ركح البحث العلمي اغبديث،
كقد تابعو يف آرائو دكف غلو أك شطط.
كاف أبرز من تصدل ؼبعضلة االنتحاؿ يف الشعر اعباىلي طو حسُت الذم أخذ مادتو من مركيات
ابن سبلـ اعبمحي ،كفبا عرضو كناقشو مرجليوث .كألف كتابا أظباه (يف الشعر اعباىلي) سنة ،1926
يبس حىت
كقد أحدث ىذا الكتاب ضجة كبَتة ؼبا فيو من آراء جريئة ،كجرأة على الشك كالتكذيب الذم ُّ
ال ٌدين ،فحذؼ منو كزاد فيو كأعاد إصدارهي سنة ،1927بعنواف (يف األدب اعباىلي) ،يقوؿ طو حسُت:
شككت يف قيمة األدب اعباىلي كأغبحت يف الشك ،أك
ي "ك ٌأكؿ شيء أفجؤؾ بو يف ىذا اغبديث ىو أنٌٍت
حىت انتهى يب ىذا كلو إُف شيء إالٌ يكن يقينا
فأخذت أحبث كأفكر كأقرأ كأتدبرٌ ،
ي علي الشك،
قل أٌفى َّ
فهو قريب من اليقُت .ذلك أ ٌف الكثرة اؼبطلقة ؼبا نسميو أدبنا جاىليا ليست من اعباىلية يف شيء ،كإمبَّا ىي
ى
منتحلة بعد ظهور اإلسبلـ"(.)2
يؤكد طو حسُت على أ ٌف النص الوحيد الذم جاء بلساف عريب ،كنستطيع سبثل اغبياة العربية اعباىلية
من خبللو ،ىو القرآف الكرًن ،كىو ال يوافق علماء التفسَت الذين استعانوا بالشعر اعباىلي مصدرا من
(-)1وبِت اعببورم .الشعر اعباىلي خصائصو كفنونو ،مؤسسة الرسالة ،بَتكت ،ط ،1986 ،5ص.163
(-)2طو حسُت .يف األدب اعباىلي ،عبنة التأليف كالًتصبة كالنشر ،القاىرة ،ط ،3دت ،ص.63
53
مصادر تفسَت القرآف كتأكيل اغبديث ،إذ يفًتض أف "ييستشهد بالقرآف كاغبديث على تفسَت ىذا الشعر
تدؿ على شيء .كال ينبغي أف تتخذ كسيلة إُف ما
تثبت شيئا كال ي
كتأكيلو ،أريد أف أقوؿ أف ىذه األشعار ال ي
ازبذت إليو من علم بالقرآف كاغبديث ،فهي إمبا تيكلفت كاخًتعت اخًتاعا ليستشهد ّٔا العلماء على ما
كانوا يريدكف أف يستشهدكا عليو"(.)1
كباالتكاء على منهج (ديكارت) يف (الشك) يشرع طو حسُت يف حبثو مبينا دكاعي شكو يف صحة
الشعر اعباىلي ،كاألسباب اليت دعت العرب إُف ىذا االنتحاؿ كالوضع كتزييف ؾبموعات ال ربصى من
الدكاكين الشعرية !
-الحياة الدينية :يرل طو حسُت أف القرآف الكرًن يقدـ لنا عرب اعباىلية كىم يعيشوف طبيعيا من
الناحية الدينية؛ فهم ٌإما كثنيوف أك يهود أك نصارل أك أصحاب ملل ـبتلفة قبل القرآف بعضها كرفض
بعضها ،أما الشعر اعباىلي فبل قبد فيو ما يبغي الدارس أك القارئ ربصيلو عن طبيعة اغبياة الدينية اعباىلية
فأما ىذا الشعر الذم ييضاؼ إُف اعباىليُت فيظهر لنا حياة غامضة جافة بريئة أك كالربيئة من الشعور
" ٌ
الديٍت القوم كالعاطفة الدينية اؼبتسلطة على النفس كاؼبسيطرة على اغبياة العملية ،كإالٌ فأين ذبد شيئا من
ىذا يف شعر امرئ القيس أك طرفة أك عنًتة ! أك ليس عجيبا أف يعجز الشعر اعباىلي كلٌو عن تصوير اغبياة
الدينية للجاىليُت؟"(.)2
-الحياة العقلية :ال يوجد يف الشعر اعباىلي ما يقدـ لنا صورة عن اغبياة العقلية لعرب اعباىلية
كمنازعهم يف التفكَت كطرقهم يف احملاكرة كأساليبهم يف اعبداؿ ،أما القرآف فقد كصفهم بأهنم أصحاب رأم
كعقيدة يذكدكف عنها باحملاكرة اليت تبلغ من الشدة درجة اػبصاـ ،كىم ال هبادلوف يف سفاسف األمور؛ إمبا
يف اػبلق كاؼبوت كالبعث ككجود اهلل كيوـ القيامة إُف غَتىا من األمور اليت ال يقدر عليها سول الفبلسفة،
كيتساؤؿ طو حسُت "أفتظن قوما هبادلوف يف ىذه األشياء جداال يصفو القرآف بالقوة كيشهد ألصحابو
54
باؼبهارة ،أفتظن ىؤالء القوـ من اعبهل كالغباكة كالغلظة كاػبشونة ،حبيث يبثلهم ىذا الشعر الذم يضاؼ إُف
اعباىليُت"(.)1
-الحياة السياسية :يقرر طو حسُت أف شعر اعباىليُت ال يقدـ لنا صورة مشرقة عن حياهتم
يصورىم أمة منعزلة سباما عن باقي األمم ،يعيشوف يف صحراء قاحلة نائية عن حياة اؼبدنية
السياسية ،فهو ٌ
كاغبضارة .غَت أف القرآف وبدثنا خببلؼ ىذا؛ إنٌو وبدثنا "بأ ٌف العرب كانوا على اتصاؿ دبن حوؽبم من األمم
بل كانوا على اتصاؿ قوم قسمهم فرقا كشيعا ،أليس القرآف وبدثنا عن الركـ كما كاف بينهم كبُت الفرس من
حرب انقسمت فيها العرب إُف حزبُت ـبتلفُت :حزب يشايع أكلئك ،كحزب يناصر ىؤالء ! أليس يف
ض َو ُى ْم ِم ْن بَ ْع ِدوم فِي أَ ْدنَى ْاأل َْر ِ الر ُ
ل ُّر القرآف سورة تسمى سورة الركـ كتبتدئ ّٔذه اآليات :الم غُلِب ِ
َ
ِ ِ ٍِ ِ ِ ض ِع ِسنِ ِ ِ
غَلَبِ ِه ْم َسيَ غْلِبُو َن فِي بِ ْ
ص ِر اللَّو يَ ْن ُ
ص ُر ح ال ُْم ْ منُو َن بِنَ ْ
ين للَّو ْاأل َْم ُر م ْن قَ ْب ُل َوم ْن بَ ْع ُد َويَ ْوَمئل يَ ْف َر ُ
َ
شاءُ .)3(")2(
َم ْن يَ َ
-الحياة االجتماعيةَ :ف يكن عرب اعباىلية من حيث تركيبتهم االجتماعية يبثلوف اختبلفا عن باقي
أمم العاَف؛ فقد كانوا مقسمُت إُف طبقتُت ،طبقة اؼبوسرين الذين تتمركز عندىم الثركة كمن مث يبتلكوف العلم
كاعباه كالسلطة ،كطبقة أخرل فقَتة تكاد ال ربوز شيئا من كل ذلك .كالقرآف وبدثنا عن ىذين القسمُت؛
السادة كالعبيد "أليس وبدثنا عن أكلئك اؼبستضعفُت الذين كفركا طاعة لسادهتم كزعمائهم ال جهادا يف
ضلُّرونَا
اءنَا فَتَ َ َ ربَّنَا ِنَّا أَطَ ْعنَا َس َ
ادتَنَا َوُكبَ َر َ الرأم كال اقتناعها باغبق كالذين سيقولوف يوـ يسألوف،
السبِ َيال ،)4(بلى كالقرآف وبدثنا عن جفوة األعراب كغلظتهم كإمعاهنم يف الكفر كالنفاؽ كقلٌة حظهم من
َّ
الرقيقة اليت ربمل على اإليباف كالتدين"(.)5
العاطفة ٌ
55
-الحياة االقتصادية:
إف صورة األعراب الذين يعيشوف يف صحراء فبتدة كمغلقة عليهم ىي صورة مغلوطة ،فإف كاف الشعر
اعباىلي ال ىبرب بشيء عن طبيعة النظاـ االقتصادم الذم سار عليو قدماء شبو اعبزيرة العربية قبل اإلسبلـ،
الشتَ ِاء
ش ِ َيالفِ ِه ْم ِر ْحلَةَ ِّ فإ ٌف القرآف «يصف اتصاؽبم بغَتىم من األمم يف السورة اؼبعركفةِِ :إل َيال ِ
ف قُ َريْ ٍ
ف ،ككانت إحدل ىاتُت الرحلتُت إُف الشاـ ،حيث الركـ ،كاألخرل إُف اليمن حيث اغببشة أك الص ْي ِ
َو َّ
الفرس ( ،)...كَف يكونوا يف عزلة سياسية أك اقتصادية بالقياس إُف األمم األخرل»(.)1
ال ىبرب الشعر اعباىلي كلٌو بالنظاـ االقتصادم للعرب قبل اإلسبلـ ،فالقارئ لديواف امرئ القيس
كغَته من شعراء اعباىلية ال يظفر بأدىن معلومة تفيده بالطريقة اليت كاف ىؤالء العرب ينظموف ّٔا اقتصادىم
فيما بينهم ،لكن القرآف الكرًن يفعل ذلك؛ فباإلضافة إُف التجارة اػبارجية اليت سلكوا ؽبا طرقا كثَتة
كدخلوا من أجلها بلدانا عديدة كإمرباطوريات ـبتلفة ،فإهنم فيما ىبص نظامهم االقتصادم الداخلي كانت
لديهم حياة اقتصادية سيئة ،ذلك أف ؾبتمعهم حبسب القرآف كاف مقسما إُف فريقُت" :فريق األغنياء
الربا ،كفريق الفقراء اؼبعدمُت أك الذين ليس ؽبم من الثركة ما يبكنهم أف يقاكموا
اؼبستأثرين بالثركة اؼبسرفُت يف ّْ
ىؤالء اؼبرابُت أك يستغنوا عنهم"(.)2
56
-عجل الشعر الجاىلي عن تصوير ىوى النفس العربية (عالقة العربي بالمال ومستويات ىله
العالقة)
كىذه ناحية نفسية خالصة َف يستطيع الشعر اعباىلي أف يبدنا دبعلومات عنها ،كمن مث فنحن نفتقر
ؼبعرفة أىواء العرب اعباىليُت ،فبل نعرؼ عنهم ما يعًتم النفس البشرية من الطمع ،كالبخل ،كاغبرص على
اؼباؿ ،ككبن ال نستطيع أف نثق يف ىذا الشعر الذم يقدـ لنا صورة غَت طبيعية ؽبؤالء األجواد الكراـ
احا يف ذىـ
اؼبسرفُت يف الكرـ اؼببالغُت يف إىانة اؼباؿ كاحتقاره "كلكن يف القرآف إغباحا يف ذـ البخل كإغبى ن
الطمع ،فقد كاف البخل كالطمع إذف من آفات اغبياة االقتصادية كاالجتماعية يف اعباىلية ( )...ىذا مبلئم
كل اؼببلءمة ؼبا يبثلو القرآف من حياة العرب اؼبتحضرين يف مكة كاؼبدينة ،فقد كانت التجارة قواـ اغبياة يف
الربا كالبخل كالطمع
ىاتُت اغباضرتُت ،كمن ذكر التجارة يف األمم القديبة فهو مضطر إُف أف يذكر معها ّْ
كالظلم كىذه النقائص الفردية كاالجتماعية اليت تتصل حبب اؼباؿ كصبعو كاليت ال يظهر يف األدب اعباىلي
منها شيء"(.)1
كيسًتسل طو حسُت يف رصد مواطن عجز الشعر اعباىلي عن إمداد القارئ دبعلومات كافية عن
طبيعة اغبياة كاألنشطة االقتصادية اليت كانت موجودة يف اعباىلية ،فالقرآف يعرض للحديث عن (البحر)
كعن (اعبوارم اؼبنشآت) ك(الصيد) ك(استخراج اللؤلؤ كاؼبرجاف) كىذا دليل على أف العرب عرفوا البحر
كازبذكه سبيبل للسفن كالبواخر اليت كانت تسافر بتجارهتم من ميناء إُف ميناء ،ىذا عدا الصيد كاستخراج
السادة كالتجار من العرب. اللؤلؤ كاؼبرجاف ،كىي أنشطة ال َّ
بد أف تكوف أف أسهمت يف مراكمة الثركة لدل َّ
-الحجة اللغوية:
بعد ما طرحو طو حسُت من دكاع كحجج سياسية كاجتماعية كاقتصادية كدينية ،ينتقل إُف طرح
الفٍت كالنٌحوم،
حجة كصفها بأهنا "أقول داللة كأهنض حجة من اؼبباحث اؼباضية كلها ،ذلك ىو البحث ُّ
فسينتهي بنا ىذا البحث إُف أف ىذا الشعر الذم ينسب إُف امرئ القيس أك إُف األعشى أك إُف غَتنبا من
الشعراء ال يبكن من الوجهة اللغوية كالفنية أف يكوف ؽبؤالء الشعراء"(.)2
57
أ-اللغة العربية:
يقرر طو حسُت أف العرب كانوا موزعُت على جنوب شبو اعبزيرة كىم القحطانيوف كعرب مشاؿ
اعبزيرة كىم العدنانية ،غَت أنٌو من الثابت أف لغة القحطانية زبتلف سباما عن لغة العدنانية ،على الرغم من
أ ٌف القحطانيُت ىم من يسميهم اؼبؤرخوف (العرب العاربة) كىم أصحاب اللغة العربية ،كالعدنانيوف ىم
(العرب اؼبستعربة) الذين أخذكا العربية عن القحطانيُت.
كقد أثبت البحث اغبديث كجود فوارؽ كاختبلؼ كبَت بُت اللغتُت ،أضف إُف ذلك قوؿ عمرك بن
مر معنا حُت أكد على أف لغة اغبمَتيُت (عرب اعبنوب) ال تشبو لغة العدنانيُت يف زمن عمرك
العبلء الذم َّ
بن العبلء كيف األزماف السابقة كذلك ،كيتساءؿ طو حسُت مستنكرا عن السبب الذم جعل أدباء قحطاف
كشعراءىا ككهاهنا َف يقولوا أدبا أك شعرا بلساهنم .كلسنا نعثر ؽبم إالٌ على ما ىو بلغة القرآف أم اللغة
العربية الفصحى اليت تكلم ّٔا العدنانيوف يف قبد كاغبجاز ،لقد كانت ؽبم لغاهتم كال سبيل إُف إثبات أهنم
تكلموا بالعربية الفصحى اليت نزؿ ّٔا القرآف الكرًن "أما أف ىؤالء الناس كانوا يتكلموف لغتنا العربية
الفصحى ففرض ال سبيل إُف الوقوؼ عنده فيما يتصل بالعصر اعباىلي ،فقد ظهر أهنثم كانوا يتكلموف لغة
أخرل ،أك قل لغات أخرل ،فما يضاؼ إليهم من الشعر كالنثر يف لغتنا الفصحى كما يضاؼ إُف ً
عاد ي ي
()1 ك ً
شبود ( )...من الشعر كالنثر منحوؿ متكلف ال سبيل إُف قبولو أك االطمئناف إليو" .
كيستغرب طو حسُت إضافة أشعار إُف القحطانيُت بلغة العدنانيُت ،ككبلهم إياىا على الرغم من أف
الغلبة السياسية كالعسكرية كاغبضارة كانت للقحطانية ،كمن مث فإ ٌف لغة الفنوف كاآلداب كاف ال بد أف
تكوف بلغتهم اليت َف وبفظ لنا الركاة أم شعر ّٔا.
يناقش طو حسُت اختبلؼ لغة عرب اعبنوب عن لغة عرب الشماؿ كعدـ كجود أم شعر أك أدب
باللغة العربية اعبنوبية ،ككوف الركاية َف ربفظ سول الشعر كاألدب الذم قيل بالعربية الشمالية (العدنانية)،
لكنو ينبو على أف ىذه اللغة ذاهتا تتكوف من ؽبجات ـبتلفة كأف "الركاة وبدثوننا أف الشعر تنقل يف قبائل
فظل فيها إُف ما بعد اإلسبلـ أم إُف أياـ بٍت أمية
عدناف ،كاف يف ربيعة مث انتقل إُف قيس مث إُف سبيمَّ ،
58
حُت نبغ الفرزدؽ كجرير"(.)1
صح كجود ىذه القبائل العدنانية ،فهذا أدعى إُف الشك يف صحة الشعر
يقوؿ طو حسُت ،إنٌو إذا ن
الركاة ؾبمعوف على أف قبائل عدناف َف تكن متحدة اللغة كال متفقة اللهجة قبل أف
اعباىلي كذلك أل ٌف " ٌ
يظهر اإلسبلـ فيقارب بُت اللغات اؼبختلفة كيزيل كثَتا من تباين اللهجات"( ،)2كإذف يكوف من الطبيعي أف
كيوحد اللغة العربية ،كمن اؼبقبوؿ أف
ىبتلف شعر ىذه القبائل تبعا الختبلؼ ؽبجاهتا ،قبل أف يأيت اإلسبلـ ّْ
يكوف لكل قبيلة شعرىا بلهجتها ،لكن "ال نرل شيئا من ذلك يف الشعر العريب اعباىلي ،فأنت تستطيع أف
تقرأ ىذه اؼبطوالت أك اؼبعلقات اليت يتخذىا أنصار القدًن مبوذجا للشعر اعباىلي الصحيح ،فسًتل أ ٌف فيها
مطولة المرئ القيس كىو من كندة أم من قحطاف ،كأخرل لزىَت ،كأخرل لعنًتة ،كثالثة للبيد ككلهم من
قيس ،مث قصيدة لطرفة ،كقصيدة لعمرك بن كلثوـ ،كقصيدة أخرل للحارث بن ًحلزة ككلهم من ربيعة،
السبع دكف أف تشعر فيها بشيء يشبو أف يكوف اختبلفا يف اللهجة أك تباعدا
تستطيع أف تقرأ ىذه القصائد َّ
يف اللغة"(،)3
كعدـ كجود اختبلؼ بُت لغة القحطانية كالعدنانية ،كعدـ كجود أم اختبلؼ بُت ؽبجات العدنانية،
فإما أف ىذه اللغة العربية الفصحى اليت يركم ّٔا الشعر كانت لغة كاحدة بالنسبة إُف
يؤكد أمرا من اثنُتٌ ،
كإما أف ىذا الشعر اعباىلي "َف يصدر عن ىذه
اعبميع ،كأف القبائل العدنانية كانت موحدة اللغة كذلكٌ ،
القبائل كإمبا يضبل عليها بعد اإلسبلـ ضببلن ،ككبن إُف الثانية أميل منا إُف األكُف"(.)4
أ-األسباب السياسية :كىو يريد ّٔا العصبية القبلية مثل ما كاف بُت قريش كاألنصار من عداء ظهر
استقر يف قريش ،مث إ ٌف قريشا َف تنس ما كاف
بينهم بعد كفاة الرسوؿ كبعد أف خرج أمر اػببلفة منهم ك َّ
بُت شعرائها كشعراء األنصار من ىجاء على أياـ الرسوؿ ،كأف قريشا غيلبت يوـ بدر فلم تنس ىزيبتها،
كقد كاف عمر بن اػبطاب ينهى الفريقُت عن مذاكرة ىذا الشعر الذم يوقظ الضغائن كيقوؿ ؽبم إف أبيتم
59
إالٌ تذاكركه فأكتبوه ،كييرجع طو حسُت سبب االنتحاؿ يف الشعر كالتزيد فيو ككضعو إُف ىذه العصبية
اؼبتقدة بُت الطرفُت ،خاصة عندما أصبحت اػببلفة يف بٍت أمية خالصة مث إف قريشا راجعت شعرىا فوجدتو
وبوؽبا من اؽبزيبة إُف النَّصر(.)1
قليبل فزادت فيو ككضعت ما ٌ
صحة ىذا الشعر "كلما رأل شيئا
كيدعو طو حسُت الباحث يف الشعر اعباىلي إُف أف يشك يف َّ
من شأنو تقوية العصبيٌة أك تأييد فريق من العرب على فريق ،كهبب أف يشتد ىذا الشك كلما كانت القبيلة
دكرا يف اغبياة السياسية
أك العصبية اليت يؤديها ىذا الشعر قبيلة أك عصبية قد لعبت -كما يقولوف -ن
للمسلمُت"(.)2
ب-السبب الديني:
يرل طو حسُت أف ىذا االنتحاؿ اؼبتأثر بالدين قد تشكل أشكاال ـبتلفة دعت إليها الظركؼ
أحاطت باغبياة الدينية للعرب كللمسلمُت عموما فكاف ىذا االنتحاؿ يف بعض أطواره "يقصد
اؼبختلفة اليت ى
موجها إُف عامة الناس ،كأنت تستطيع أف ربمل
النيب ،ككاف ىذا النوع ٌ
بو إُف إثبات صحة النبوة كصدؽ ٌ
النيب ككل ما يتصل بو من ىذه األخبار
على ىذا كل ما يركل من الشعر الذم قيل يف اعباىلية فبهدا لبعثة ٌ
كاألساطَت اليت تيركل لتقنع العامة بأ ٌف علماء العرب ككهاهنم كأحبار اليهود كرىباف النصارل كانوا ينتظركف
نيب عريب ىبرج من قريش أك من مكة"(.)3
بعثة ٌ
كيسًتسل طو حسُت يف موضوع االنتحاؿ بسبب ديٍت- :فيكوف من الشعر اؼبنتحل ما كضعو
الشعراء على لساف اعبن ،كما كضعو القصاص لتفسَت قصص كأخبار األمم البائدة اليت هبدكف قصصها يف
القرآف الكرًن ،ظهور الدرس اللغو كالرغبة يف إثبات أف القرآف كتاب عريب مطابق يف ألفاظو للغة العرب،
كمن مث فإ ٌف اػبصومات اليت كانت بُت علماء اللغة قد دعتهم إُف اختبلؽ الشواىد اؼبأخوذة عن شعر
جاىلي موضوع ليخدـ أغراضهم العلمية ...اٍف.
60
والقصاصون: ج-القص
كاف القصاصوف ىم ٌأكؿ من اهتمهم ؿبمد بن سبلـ اعبمحي بوضع الشعر كخص منهم ؿبمد بن
إسحاؽ بن يسار ،كىا ىو طو حسُت يؤكد على أف ؾبلس القص كاف ال بد لو من الشعر ،ليطرد السآمة
عن اؼبستمعُت ،لذلك استعاف القصاص أياـ بٍت أمية كبٍت العباس «بأفراد من الناس هبمعوف ؽبم األحاديث
كاألخبار كيلفقوهنا ،كآخرين ينظموف ؽبم القصائد كينسقوهنا»(.)1
كيسمي طو حسُت الشعراء اؼبكلفُت بانتحاؿ الشعر خدمة للقصاصُت باؼبصانع الشعرية ،كىبص
ثبلثة أنواع من القصص "قصص لتفسَت طائفة من األمثاؿ كاألظباء كاألمكنة ،كقصص اؼبعمرين كأخبارىم،
كقصص أياـ العرب كأخبارىا"(.)2
د-الشعوبية:
قاؿ طو حسُت" :كالشعوبية ،ما رأيك فيهم كفيما يبكن أف يكوف ؽبم من األثر القوم يف انتحاؿ
الشعر كاألخبار كإضافتها إُف اعباىليُت؟ أما كبن فنعتقد أف ىؤالء الشعوبية قد انتحلوا أشعارا كأخبارا كثَتة
كأضافوىا إُف اعباىليُت كاإلسبلميُت ،كَف يقف أمرىم عند انتحاؿ األخبار كاألشعار ،بل ىم قد اضطركا
اإلسراؼ فيو"(.)3
خصومهم كمناظريهم إُف االنتحاؿ ك ى
ىكذا كاف الشعوبية (من الفرس) الذين وبملوف حقد اؼبغلوب على الغالب يصنعوف األشعار
لينتقصوا من العرب كيعيبوف طرؽ حياهتم دبختلف مناحيها ،ككاف العرب يصنعوف شعرا فيو رفع ألقدارىم
ط من أقدار غَتىم.
كح ٌ
الرواة:
وُّ -ر
الراكية) ك(خلف األضبر) كيذكر ما ييركل عنهما من ذىاب أخبلقهما
ىبص طو حسُت بالذكر (ضبٌاد َّ
كفسقهما كبعدنبا عن اؼبركءة كانغماسهما يف حياة اللٌهو كآّوف ،كيذىب الظن بطو حسُت فيما ىبص أبا
عمرك الشيباين إُف أنٌو كاف يؤجر نفسو للقبائل هبمع شعر شعرائها مث يزيد عليو ما شاء من الزيادات ،فإذا
61
ككضعو يف مسجد الكوفة ،ككاف الناس يقولوف إنٌو ثقة لوال
أهنى اعبمع كالوضع جعل ذلك يف كتاب ىبطٌو ى
إسرافو يف شرب اػبمر(.)1
كمثل ىؤالء –يقوؿ طو حسُت -يكوف من كاجبنا االٌ نقبل منهم ما ينقلوف إلينا من شعر القدماء؛
ذلك أف فساد اؼبركءة يدعوىم إُف االنتحاؿ كالكذب لكسب اؼباؿ كالتقرب إُف األشراؼ كاالنتصار على
اػبصوـ كاؼبنافسُت.
أ-الحياة الدينية:
الرسوؿ" :اإلسبلـ
يرد يوسف اليوسف ىذه اغبجة بقولو« :لسنا نيريد إالٌ أف نقوؿ كلمة كاحدة قاؽبا ٌ
هبب ما قبلة" ( ،)3غَت أف ىذه اعبملة اليت تعٍت أف اإلسبلـ يعفي كيبحو ما قبلو تقبل كثَتا من النقاش ،إذ
ُّ
إف القرآف نفسو يتحدث يف مواضع كثَتة جدَّا عن الديانات السابقة ،كيذكر النصارل كاليهود ،كعبدة
األكثاف ،كحنفية إبراىيم عليو السبلـ ،ك"ليس بالضركرة إلعبلء كلمة اإلسبلـ أف يلتزـ اؼبسلموف تعفية كل
أثر من آثار الديانات اليت سبقتو كأف ال يبقى ؽبا ذكرا كال عنها خربا؛ بل فبٌا يزيد يف بياف فضل اإلسبلـ
62
الناس أف قد سبقتو أدياف عريقة كملل طويلة عريضة عميقة ،كأنٌو جاء ىو
كقوتو أف يىعلىم ي
كإظهار طىٍولو ٌ
ضعيفا ،فما زاؿ يقول كيتمكن حىت اقتلع تلك األدياف من جذكرىا كَف يبق ؽبا أثرا يف جزيرة العرب"(.)1
كعبرجي زيداف رأم فيما ىبص الشعر الذم يعرب عن الدين يف العصر اعباىلي ،فقد رأل يف كتابو
(تاريخ آداب اللغة العربية) أف العرب َف يكن ؽبم شعر ديٍت خبلفا للعربانيُت ،كىذا اػببلؼ غَت مقبوؿ،
كإمبا ال ب ٌد أف يكونوا قد نظموا األشعار الدينية ليتقربوف ّٔا آلؽبتهم كيستعطفوف ّٔا أصنامهم ،غَت أ ٌف ىذا
الشعر ضاع بسبب غياب التدكين ،كأل ٌف العرب كانوا منشغلُت بشعر الفخر كاغبماسة األنسب لتخليد
الوقائع كاألياـ كاغبركب اليت كانوا ىبوضوهنا(.)2
ب-الحياة العقلية:
"أما األستاذ ؿبمد الغمراكم فقد كاجو ىذه الناحية مواجهة باترة قاطعة حُت أعلن أف اغبظ الذم
الرد كاإلفحاـ كما توىم الدكتور طو كال
أنفقو القرآف يف االحتجاج كالنقاش ال يدؿ على قوة اعباىليُت يف ٌ
على حسن بصرىم باغبجة بل كاف ناشئا عن رسوخ العادات كصبود التقاليد ،كإف جداؿ ىؤالء اؼبشركُت
أحط أنواع اعبدؿ كأبعده عن العقل فكيف يصور حياة عقلية راقية؟"(.)3
ىو من َّ
ج-الحياة االقتصادية
كثَتا ما ٌترد اغبجة االقتصادية لطو حسُت بشعر الصعاليك الذم وبكي عن طبقية كاسعة صنعت
األسياد األغنياء كالفقراء الضعفاء اؼبًتككُت "لست أدرم كيف غاب ديواف عركة ،كشعر الصعاليك كلٌو ،عن
الصراع الطبقي ( )...أالٌ يعكس شعر الصعاليك تردم األكضاع
باؿ اؼبرحوـ ،كىو الشعر الذم يعكس ٌ
السالبة كاألحواؿ االقتصادية عند العرب"(.)4
اإلنتاجية كالعبلقات َّ
الربا فإ ٌف الشعر نص فٍت إبداعي ،ال
خلو الشعر اعباىلي من حديث الكرـ كالبخل ك ّْ
كبالنسبة إُف ّْ
يتحدث يف مثل ىذه اؼبسائل االقتصادية ،كلكن قد نعثر عليها "يف كتاب تشريعي توجيهي أك حبث علمي
(-)1شكيب أرسبلف ،الشعر اعباىلي أمنحوؿ أـ صحيح النسبة ،تح :ؿبمد العبدة ،دار الثقافة للجميع ،دمشق ،ط ،1980 ،1ص.32
(-)2يراجع :ؿبمد رجب البيومي ،موقف النقد األديب من الشعر اعباىلي ،مرجع سابق ،ص .86
(-)3اؼبرجع نفسو ،ص.38
(-)4يوسف اليوسف ،مرجع سابق ،ص.91
63
فبنهج"( ،)1كاؼبتفق عليو أف أم نص أديب إمبا يقدـ الواقع كما هبب أف يكوف ال كما ىو كائن ،كيسعى إُف
تصوير اؼبثاليات اليت يركمها آّتمع كينشدىا حىت كإف َف تتحقق كاقعا ،كحديث الشعر اعباىلي عن
الفضائل مثل اعبود كالكرـ كإكراـ الضيف كغَتىا من الفضائل دليل على أنٌو ينبذ نقيضها.
د-الحجة السياسية:
ٌأما اغبجة السياسية فَتل نقاد كباحثوف أف طو حسُت قد كلف نفسو عناءىا دكف فائدة منها ،ذلك
أنو أسهب يف نشأة الدكلة اإلسبلمية ،كما كاف من غزكات الرسوؿ كانتصاره يوـ فتح مكة ،مث حديث
طويل مستطرد كصوال إُف الدكلة األموية كالعصبية بُت قريش كاألنصار ،كَف يكن شبة يف الواقع سول قريش
كاحدة (مكة كاؼبدينة) ،كل ىذا دكف أف يبدنا ببيت شعرم كاحد صنعتو العصبية كالسياسة بشكل عاـ
كىذا "صنيع عجيب كقف أمامو ناقدك الكتاب ،حبيث ال يفهموف علٌة كاىية الستطراد فبتد ال صلة لو
دبوضوع الكتاب"(.)2
و-الحجة اللغوية:
-1اللغة العربية :بالنسبة إُف ىذه اغبجة يرل يوسف اليوسف أف كوف الشعر اعباىلي الذم كصلنا
كلو بلغة قريش /اللغة العربية الفصحى /لغة الشماليُت /لغة العدنانيُت (قبد كاغبجاز) ىو أكرب دليل على
أف ىذه اللغة العربية ىي اليت كانت سائدة يف معظم ببلد العرب ،كذلك بسبب تغلب أىل الشماؿ
اؼبمهدات
كتسلطهم على الطرؽ التجارية ما أدل إُف تعريبها ككذلك تعريب األسواؽ ،كىذا ما هبعلنا نفهم ٌ
اليت أتيحت ألنتصار الدين اإلسبلمي كانتشاره السريع ،ك"كبن ال نعلم السبب الذم جعل طو حسُت
يرفض أف تكوف العربية قد سادت معظم أكباء جزيرة العرب قبل اإلسبلـ ،إذ ىو يظن أ ٌف السيادة إمبا
كانت للجنوب ال للشماؿ )...( ،كحُت َّادعى طو حسُت أ ٌف اليمن كانت أرقى من اغبجاز كمعُت ً
كضبٍَت،
أل ٌف اليمن كانت قد غبقها االكبطاط بدليل تغلب األحباش كالفرس عليها"(.)3
-2لهجات اللغة العربية:
ذىب ؿبمد فريد كجدم إُف االتفاؽ مع اعًتاض طو حسُت على كوف الشعر اعباىلي كلو جاء بلغة
قريش ،على الرغم من أف ىذه اللغة ربوم ؽبجات عديدة ـبتلفة ،كأبدل ؿبمد فريد كجدم استغرابو
64
كدىشتو من إغفاؿ كبار ركاة اللغة كاألدب ؽبذه اؼبسألة؛ "كفبَّا يزيد ىذه اؼبسألة تعقيدا أف ىذه اؼببلحظة
اغبقَّة تقضي علينا بأ ٌف كبكم بأنٌو ال يوجد شعر جاىلي غَت قرشي أصبل فيما كاف يي ىركل من الشعر
اؼبنسوب للعرب كىو بعيد عن العقل"(.)1
كيذىب يوسف اليوسف إُف أ ٌف فوارؽ اللهجة َف تكن ذات شأف يف لغة الشعر اعباىلي؛ إذ إهنا لو
األكؿ اؽبجرم ألنٌو "ليس من اليسَت أف تنطفئ
كانت اختبلفات كثَتةن لكانت قد ظهرت يف شعر القرف ٌ
ىذه الفوارؽ دبجرد ظهور اإلسبلـ ،إالٌ إذا كانت قد سبق ؽبا أف انطفأت حقِّا"(.)2
كيضيف أف عدـ كجود ىذه الفوارؽ يف ؽبجات اللغة العربية اليت جاء ّٔا الشعر اعباىلي ىو أكرب
الرظبية لؤلدب كالشعر منذ ما قبل اإلسبلـ(.)3
دليل على أف ىذه اللغة/لغة اغبجاز كانت اللغة ٌ
(-)1ؿبمد فريد كجدم ،نقد كتاب الشعر اعباىلي ،مؤسسة ىنداكم للتعليم كالثقافة ،القاىرة ،دط ،دت ،ص .90
(-)2يوسف اليوسف ،مرجع سابق ،ص.109
(-)3يراجع اؼبصدر نفسو ،ص ف.
65
المحاضرة السادسة:
قضية الفحولة في النقد القديم
-الفحولة لُغة:
اؿ
كفح ه قاؿ ابن منظور« :الفحل معركؼ :الذكر من كل حيواف ،كصبعو أىفٍ يح هل كفي يح ه
وؿ كفي يحولىة ى
فحبل ( )...كبعَت ذك فً ٍحلة :يصلح كفحالىةه ( )...كالفحل :فى ٍح يل اإلبل إذا كاف كريبنا يمنجبنا ،كأفحل :ازبذ ٍ
ى
نجب يف ًضرابًو ( )...كأفٍ ىحلىوي فى ٍحبل :أعارهي إيٌاه يف إبًلو.
لبلفتحاؿ ،كفى ٍحل فىحيل :كرًن يم ه
ككبش فحيل :يشبو الفحل من اإلبل يف عظمو كنيبلو.
66
-2الفحل من اإلبل أف يكوف كريبا منجبنا.
كالكرًن ىو اعبامع ألنواع اػبَت كالشرؼ كالفضائل كاؼبنجب النجيب الفاضل من كل حيواف ،كىو
السريع ،كاؼبنجب ىو الذم يلد قبيبنا.
الفاضل النٌفيس يف نوعو ،كالنٌجيب من اإلبل ىو القوم اػبفيف ٌ
-3الفحوؿ ليسوا كثَتين ،إهنم قبلئل حىت يضطر أحدىم الستعارة فحل من أجل تكاثر إبلو.
-7اؼبتفرد بنفسو اؼبكتفي ّٔا اؼبنعزؿ عن اآلخرين حُت ال تكوف حاجة لبلجتماع ّٔم.
-الفحولة اصطالحا:
السطوة
الشدة ك ٌ
ال ىبرج مفهوـ الفحولة يف النقد العريب القدًن عن اؼبعاين اللغوية ،فهو ال يقوة ك ٌ
كالغلبة ،ففحوؿ الشعراء" :ىم الذين غلبوا باؽبجاء من ىاجاىم مثل جرير كالفرزدؽ كأشباىهما ،ككذلك
()1
كل من عارض شاعرا فغلب عليو"
كمن أجل ذلك فإف علقمة بن عبدة ظبي (علقمة الفحل) حُت غلب امرأ القيس يف قصة ربكيم أـ
جندب بينهما يف كصف الفرس ،كيقاؿ إنو ظبي (الفحل) ألنو تزكج (أـ جندب) اليت كانت زكجة امرئ
القيس الذم طلقها عندما اكبازت يف حكمها لعلقمة.
نستطيع أف نفهم أف (الفحولة الشعرية) ىي أف يغلب شاعر شعراء آخرين يف موضوع اؽبجاء ،كىنا
فحبل جريئا قوينا على اؽبجاء،
نستحضر معاين القوة كالذكورة كالشدة كالشجاعة ،ىذه اؼبعاين تشكل شاعرا ٍ
يغلب خصومو ،كىنا نبلحظ أنو كما كاف مفهوـ الفحولة مأخوذا من البيئة البدكية الصحراكية ،فإف معناه
يتماشى مع طبيعة ىذه البيئة اليت هبب على الفرد فيها أف يكوف قويا شديدا سريعا شجاعا حىت يستطيع
الكر كالفر كالضرب كالطعن،
العيش كالتأقلم فيها ،كوبيلنا (اؽبجاء) على مبط من اغبياة قائم على الصراع ك ّْ
السب كالشتم (اؽبجوـ كاؽبجوـ اؼبضاد كإنو ؼبن اؼببلحظ من حكاية (حكومة أـ جندب) أف
كمن مث اؽبجاء ك ٌ
67
الفحولة ال تقتضي ىزيبة اػبصم فقط ،بل إ ٍذاللو بسىب أىلو ،كىذا ما حدث ألمرئ القيس ،فقد ىزمو
علقمة بن عبده يف اؼبعارضة الشعرية ،مث أخذ زكجتو فسمي (علقمة الفحل).
-الفحولة اقتدار كشدة كقوة كعنف ،كالفحولة الشعرية اليت تعٍت القدرة على اإلبداع تقًتف ّٔا
الفحولة دبعٌت (الذكورة كالضراب كاإلقباب).
كبعيدا عن اؼبعاجم نستطيع القوؿ إف مفهوـ الفحولة ييستعمل للشاعر الذم يتميز عن بقية
الشعراء ،فالشاعر الفحل ىو الذم اجتمعت لو قوة الشاعرية كالغلبة على بقية الشعراء كالتفوؽ عليهم ،ألنو
صاحب خصوبة فنية كفكرية ،يبتلك قدرة عالية على خلق النص الشعرم الذم يؤكد أسلوبو كال يشبو
النصوص األخرل.
كللتأكيد على أف الفحل ىو الشاعر اؼبتميز اؼبتفرد (العبقرم) نورد ىذا القوؿ للجاحظ "كالشعراء
لق،
عندىم أربع طبقات ،فأكؽبم :الفحل اػبنذيذ ،كاػبنذيذ ىو التاـ ( )...كدكف الفحل اػبنذيذ الشاعر اؼبيٍف ي
()1
كدكف ذلك الشاعر فقط ،كالرابع الشعركر"
فصفة (الفحل) َف يوصف ّٔا إال شاعر كاحد ىو اػبنذيذ كىو التٌاـ ،كبذلك قاؿ الكفوم" :الفحل:
()2
القوم من ذكور االبل ييشبو بو البليغ الكامل"
الشاعر الفحل لدى األصمعي :سأؿ السجستاين أستاذه األصمعي عن معٌت الشاعر الفحل
فأجابو" أف لو مزية على غَته كمزية الفحل على اغبقاؽ(*("(.)3كىذه اؼبزايا ىي ما يشكل معايَت الفحولة.
-اإلجادة:
كاالجادة ىي ما ييطلب من الشاعر عموما ،أما الفحل فيطلب منو "اإلجادة التامة كالكماؿ
كالعبقرية الفنية يف كل شعر الشاعر حبيث يصبح الشاعر مثبل أعلى فيما تتفتق عنو عبقريتو من إجادة يف
(-)1اعباحظ .البياف كالتبُت ،ج ،2تح :عبد السبلـ ؿبمد ىاركف ،مكتبة اػباقبي ،القاىرة ،ط 1998 ،7ـ ،ص .09
(-)2أبو البقاء الكفوم .الكليات ،تح :عدناف دركيش كؿبمد اؼبصرم ،مؤسسة الرسالة ،بَتكت ،ط 1998 ،1ـ ،ص .697
)*(–اغبقاؽ ىي اعبماؿ اليت دخلت يف السنة الرابعة كعند ذلك يتمكن من ركؤّا كربميلها.
(-)3األصمعي .فحولة الشعراء ،تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط 2005 ،1ـ ،ص .16
68
()1 التشابيو أك الًتاكيب أك األساليب الببلغية األخرل مع عدد ً
كاؼ من النماذج تتوفر فيها ىذه اإلجادة"
كأكؿ الفحوؿ الذم تتوفر فيو ىذه الصفة امرؤ القيس :أكؽبم كلهم يف اعبودة امرؤ القيس ،لو اغبظوة
() 2
السبق ،ككلهم أخذكا من قولو ،كاتبعوا مذاىبو"
ك ٌ
متفردا ،عبقرينا ،يبدع اؼبعٌت كيتفنن يف
كاف امرؤ القيس بالنسبة إُف النقاد العرب القدامى متميزا ،ن
التشكيل حىت َف يًتؾ ؼبن غبقو فرصة يف اإلبداع كاالبتكار ،فاعبميع آخذكف منو ،ينهلوف من نبعو ،سائركف
يف دربو ،متبعوف ؼبذىبو.
كىذا أحد اؼبعايَت اليت بسببها قاـ األصمعي بإقصاء عدد من الشعراء من زمرة الفحوؿ ،كذلك
بسبب غلبة صفة أخرل عليهم "فرجل مثل حامت قد يقوؿ قصائد كلكنو ُّ
يعد يف األجواد كال يسمى فحبلن
(.)3
ألف الشعر ال يغلب عليو ،ككذلك أشباه زيد اػبيل كعنًتة ،فإهنم فرساف يقولوف شعرا ،كحسب
كأف صفة الفحولة (الشعرية) البد أف تكوف طاغية يف شخصية الشاعر كال ذبتمع معها صفة
يغبقت ىذه الصفة بو ككانت سببنا يف خركجو من
أخرل ،فإذا اشتهر الشاعر بصفة غَت الشعرية ،أ ٍ
ؾبموعة الفحوؿ ،فعنًتة بن شداد مثبل فارس كليس فحبل ألف صفة الفركسية غالبة كطاغية عليو.
()4
كسئل عن حامت
ي ، كقد سئل األصمعي عن عركة بن الورد فأجاب شاعر كرًن كليس بفحل"
()5
الطائي فقاؿ" :حامت إمبا يعد بكرـ"
كينطبق ىذا الرأم على "خفاؼ بن ندبة كعنًتة كالزبرقاف بن بدر ،قاؿ ىؤالء أشعر الفرساف،
()6
كمثلهم عباس بن مرداس السلميَ ....ف يقل إهنم من الفحوؿ"
(-)1داكد سلوـ .النقد العريب القدًن بُت االستقراء كالتأليف ،مكتبة األندلس ،بغداد ،ط 1969 ،1ـ ،ص .197
(-)2األصمعي .ـ س ،ص .16
(-)3إحساف عباس .تاريخ النقد األديب عند العرب ،دار الشركؽ ،عماف ،ط 2006 ،4ـ ،ص .40
(-)4األصمعي .فحولة الشعراء ،ـ س ،ص .24
(-)5اؼبصدر نفسو ،ص .28
(-)6اؼبصدر نفسو ،ص .29
69
-تنوع اإلنتاج:
كيبدك أف ىذا اؼبقياس كاف شائعا يف مدرسة الكوفة ،فتأثر بو األصمعي لذلك أخرب تلميذه بأف
أحدا ( )...ألنو قاؿ يف كل عركض ،كركب كل قافية"(.)1
"أىل الكوفة ال يقدموف على األعشى ن
فالشاعر الفحل البد أف يكوف قادرا على القوؿ يف أغراض عديدة ،كيستعمل حبور الشعر
صبيعا ،كينوع يف قوايف شعره ،كقد قيل يف األعشى" ىو أمدحهم للملوؾ كأكصفهم للخمر ،كأغزرىم
يضا( ،)2لذلك قدمو صباعة من النقاد.
شعرا ،كأحسنهم قر ن
ن
-وفْرة االنتاج الشعري:
الشاعر الفحل ىو شاعر عزير االنتاج ،مثل الفحل اؼبنجب ،كالبد من توفر عدد معُت من
فحبل ،فقد تكوف القصيدة الواحدة دليبل على الفحولة لكنها ال تكفي
القصائد حىت يسمى الشاعر ٍ
ألف يسمى صاحبها فحبل مثل كعب بن سعد الغنوم "ليس من الفحوؿ إال يف اؼبرثية ،فإنو ليس يف
الدنيا مثلها"(.)3
كوبدد األصمعي حدِّا أدىن لعدد األبيات حىت يسمى الشاعر فحبل ،كىذا اغب ٌد ىو طبسة
فحبلن"( ،)4ك"لو قاؿ ثعلبو ابن
قلت :فاغبويدرة؟ قاؿ :لو قاؿ مثل قصيدتو طبس قصائد كاف ٍ
أبيات " :ي
()5
فحبلن"
ابن صعَت اؼبازين مثل قصيدتو طبسا كاف ٍ
كيكوف اغبد األقصى لعدد األبيات كالذم يصل بالشاعر إُف مرتبة الفحوؿ عشرين بيتا" :قلت:
اؽبجيمي؟ قاؿ :لوكاف قاؿ عشرين قصيدة غبق بالفحوؿ"(.)6
فأكس بن غلفاء ٍ
-األخالق الحميدة :ىبرج األصمعي عن إطار الشعرية إُف ما يتعلق بشخصية الشاعر ،كىو ىنا
70
يركز على الناحية االجتماعية ،كعبلقة الشاعر دبجتمعو كمستول تواصلو مع أفراد ىذا آّتمع ،فقد سألو
أبو حامت السجستاين عن شاعر اظبو الشماخ فأقر فحولتو ،لكنو نفى ىذه الفحولة عن أخي الشماخ على
الرغم من اعًتافو بأنو ال يقل عن الشماخ شاعرية ،إال أنو أفسد شعره دبا يهجو النٌاس ( ،)1ككأف مبالغة
فحبلن ،فاؽبجاء-إذف-
اؼبزرد أخي الشماخ كقصده إُف ىجاء الناس كانا سببا مباشرا يف أال يكوف ٍ
ّْ
ينفي عن الشاعر صفة (الكرًن) اليت كنا قد رصدناىا ضمن اؼبعاين اللغوية لكلمة (الفحل) إذ الكرًن
ىو اعبامع ألنواع اػبَت كالشرؼ كالفضائل ،كمن تعرض للناس باؽبجاء كاف دكف ىذه الفضائل.كما
أف الشاعر اؽبجاء ليس لو -حسب األصمعي -مزية على غَته من الشعراء حبسب مفهوـ الشاعر
الفحل ،ألف ال خَت كال شرؼ كال فضيلة فيما يقولو من شعر ،كمن مث فبل فائدة قد هبنيها منو
الشعراء أك أفراد آّتمع ،كفبا يعد ضمن ىذا اؼبقياس الذم يعتد بعبلقة الشاعر دبجتمعو ما يبكن أف
نسميو انتماء الشاعر إُف ؾبتمعو ،فالشعراء اؼبنبوذكف كاؼبطركدكف من قبائلهم اؼبغضوب عليهم
كالشعراء الصعاليك ال يبكن أف يسموا فحوال بل إهنم ليسوا فرسانا كذلك ألهنم ال يعدكف كوهنم
لصوصا" ،قلت :فسليك بن السلكة؟ قاؿ ليس من الفحوؿ كال من الفرساف ،كلكنو كاف من الذين
شرا ()...
يغزكف فيعدكف على أرجلهم فيختلسوف :قاؿ :كمثلو ابن براقة اؽبمذاين ( )...كتأبط ن
()2
كالشنفرل"
إف كصف الفحولة كصف يطلقو الناقد ،كىو فرد يعيش مع اعبماعة ،فبل يبكنو إذف أف يبنحو لشاعر
يجرب على العيش خارج اعبماعة.
اختار أك أ ٍ
-القوة:
71
()1
كالتشبيب بالنساء كصفة اػبمر كاػبيل كاغبركب كاالفتخار ،فإذا أدخلتو يف باب اػبَت الف"
يفًتض األصمعي أف شعر الفحوؿ (طريق الفحولة) ىو شعر األكائل ،الشعر اعباىلي ،ىو أف يقوؿ
الشاعر حبرية كعلى سجيتو ،دكف أف تقف يف طريق دفقو الشعورم حواجز ،مثل اغببلؿ كاغبراـ ،فالشعر إذا
اتصل بالدين كالشاعر إذا ازبذ سبيبل دينيا فىػ ىق ىد شعره بكارة التجربة كحرية القوؿ كمن مث فىػ ىق ىد القوة-الشعر
القوم ىو الذم ال سلطة للدين عليو .ألف سلطة قوية ،نافذة ،تعد بالثواب كالعقاب مثل سلطة الدين
ستقود الشعر إُف الليونة" ،كتفهم من سياؽ بعض آرائو أف الشاعر الفحل ىو من يصدر عن القول الفطرية،
ضت ىذه القول بتأثَت (اػبَت) ك (الصبلح) أك (الدين) الف الشعر ،ككأنو
اؼبرَّكضوى يف نفسو ،فإذا ما يرٍّيك ى
كغَت ى
()2
شعرا حقيقيا ،شأف الشعر اعباىلي"
يعٍت بقولو ىذا أنو بطل أف يكوف فى ٍحبلى ،أم ٍ
فقد الف شعر حساف بن ثابت-الذم كاف كصفو بأنو فحل -عندما دخل حساف يف اإلسبلـ
كظهرت ىذه الليونة يف اؼبراثي خاصة .كيصف األصمعي أبا دؤاد على الرغم من جاىليتو كإجادتو كشهرتو
فحبلى ،ككذلك قاؿ عن لبيد بن ربيعة أحد شعراء اؼبعلقات ككصفو بالصبلح
بأنو صاٌف لكنو ال يقوؿ عنو ٍ
كنفى عنو الفحولة ألنو أدرؾ اإلسبلـ كانقطع عن قوؿ الشعر.
-ثقافة الشاعر:
تقل ابن رشيق القَتكاين نصا لؤلصمعي يوضح فيو الشرط األكؿ لفحولة الشاعر ،كىو شرط ثقايف
كؾبموعة من اؼبكتسبات العلمية اليت تؤىل الشاعر لبلرتقاء إُف درجة (الفحل) :قاؿ األصمعي" :ال يصَت
الشاعر يف قريض الشعر فحبل حىت يركم أشعار العرب ،كيسمع إُف األخبار ،كيعرؼ اؼبعاين ،كتدكر يف
مسامعو األلفاظ ،كأكؿ ذلك أف يعمل العركض ،ليكوف ميزانا لو على قولو ،كالنٌحو ،ليصلح بو لسانو كليقيم بو
()3
إعرابو ،كالنٌسب كأيٌاـ الناس ،ليستعُت بذلك على معرفة اؼبناقب ك اؼبثالث كذكرنبا دبدح أك ذـ"
72
-اإلطار اللماني :تدؿ آراء األصمعي على أف اإلطار الزماين للفحولة الشعرية ،ىو عصر الشعر
السابق الذم استشهدناه بو على معيار القوة يف الفحولة حيث
األكؿ؛ أم اعباىلية ،كىذا ما أكده النص ٌ
()1
قاؿ" :كطريق الشعر ىو طريق الفحوؿ من مثل امرئ القيس كزىَت كالنابغة...اٍف
كسألو السجستاين عن جرير كالفرزدؽ كاألخطل فقاؿ ىؤالء لو كانوا يف اعباىلية كاف ؽبم شاف ،كال
)*( ()2
أقوؿ فيهم شيئا ألهنم إسبلميوف "
احدا ما قدمت
كقد ظبع األصمعي أبا عمرك بن العبلء يقوؿ " لو أدرؾ األخطل من اعباىلية يوما ك ن
عليو جاىليا كال إسبلمينا"(.)3
-االطار المكاني :يشًتط األصمعي يف الشاعر أف يكوف من البادية (بدكيا) حىت يكوف فى ٍحبلن،
حرصا منو على اللغة العربية السليمة اليت َف زبالطها لغة أىل اؼبدف فاحتفظت ببكارهتا
كردبا كاف ذلك ن
كأكليتها ،ككانت مطابقة لذكؽ العريب كطبعو.
سئل األصمعم عن عدم بن زيد فقاؿ إنو ليس فى ٍحبلن على الرغم من أنٌو كاف جاىليا ،إال أنو َف
يعش يف البادية ،إذ عاش يف اغبَتة كاتصل بكسرل كأجاد يف فنوف كثَتة من الشعر ،ككاف مقربا آلؿ اؼبنذر
يف اغبَتة "(.)4
كبسبب لغة عدم بن زيد اليت اختلطت بلغة أىل اؼبدف يف اغبَتة حبكم عملو مًتصبا لدل
فحبلن كَف بنسبو لئلناث ،سألت األصمعي عن عدم بن زيد:
كسرل نفى عنو األصمعي أف يكوف ى
أفحل ىو؟ فقاؿ :ليس بفحل كال أنثى ...ككاف يقوؿ :عدم كأبو دكاد ال تركم العرب أشعارنبا ألف
ه
()5
ألفاظهما ليست بنجدية"
73
ؾبرد قريب من
لبتم دبا قالو مصطفى اعبوزك بشأف الفحولة :ىي "مفهوـ نقدم يدؿ على تصور عاـ ٌ
معريف معمق كتفسَت لظاىرة أك ظواىر شعرية ،فمفهوـ الفحولة مدار
الرأم أك اغبكم ،ال على نظاـ ٌ
معٌت ٌ
آراء متفرقة تتوافق أحيانا كتتباعد أحيانا أخرل ح ٌد التناقض كتبدك يف األكثر نسبية ترتبط بالناقد يف عصره
كأسلوبو يف التفكَت"(.)1
(-)1مصطفى اعبوزك ،نظريات الشعر عند العرب ،ج ،2دار الطليعة ،بَتكت ،ط ،2002 ،1ص .14
74
المحاضرة السابعة:
نظرية عمود الشعر في النقد العربي القديم
معنى( العمود) لغةً:
قاؿ ابن منظور« :العمود اػبشبة القائمة يف كسط اػبباء ،كاعبمع أعمدة»(.)1
اصطالحا:
ً معنى (العمود)
كعمود الشعر العريب كاف طريقة النظم األكُف قبل أف تكوف حركة التحديث يف الشعر العريب القدًن.
يبيل كثَت من الباحثُت إُف أف أكؿ من استعمل مصطلح عمود الشعر كاف اآلمدم ( 370ق) يف
كتاب (اؼبوازنة) يف قولو عند اغبديث عن طريقة البحًتم( :كما فارؽ عمود الشعر اؼبعركؼ).
فإف ىذا التعبَت يواجهنا ألكؿ مرة ( ،)4ككاف اآلمدم قد أتى بكلمة (العمود) يف كتاب (اؼبوازنة)
75
كىو يؤكد اختبلؼ طريقة البحًتم عن طريقة أيب سباـ .فقرر سلفا بأف االختبلؼ بينهما ّْبُت ككاضح:
"كإف كاف كثَت من الناس قد جعلهما طبقة ،كذىب إُف اؼبساكاة بينهما ،كإهنما ؼبختلفاف ،ألف
البحًتم أعرايب الشعر ،مطبوع ،كعلى مذىب األكائل ،كما فارؽ عمود الشعر اؼبعركؼ" ( ،)1كيقصد
اآلمدم بعمود الشعر اؼبعركؼ ،طريقة العرب اؼبألوفة كاؼبتوارثة يف نظم القصيدة ،كىو يوضح ىذه
الطريقة عندما يبُت خصائص شعر البحًتم كالذين يفضلونو "من فضل البحًتم كنسبو إُف حبلكة
اللفظ ،كحسن التخلص ،ككضع الكبلـ يف مواضعو ،كصحة العبارة كقرب اؼبأتى ،كانكشاؼ اؼبعاين،
كىم الكتاب كاألعراب كالشعراء اؼبطبوعوف كأىل الببلغة" ( ،)2ك الشعراء اؼبطبوعوف يفضلوف شعر
البحًتم ألنو يشبو شعر األكائل ،القدماء الذين كانوا يقولوف الشعر على سجيتهم دكف تكلف أك
إقحاـ للصنعة ،أم يقولوف الشعر كما يبليو عليهم طبعهم األصيل الصايف.
كيتضح عمود الشعر حُت يصف اآلمدم شعر أيب سباـ حيث إذا قيلبت ىذه الصفات إُف ما
يعاكسها كاف عمود الشعر العريب اؼبعركؼ؛ فأبو سباـ شديد التكلف ،صاحب صنعة كيستكره
األلفاظ كاؼبعاين ،كشعره ال يشبو أشعار األكائل ،كال على طريقتهم ،ؼبا فيو من االستعارات البعيدة،
كاؼبعاين اؼبولدة ،فهو بأف يكوف يف حيز مسلم بن الوليد ،كمن حذا حذكه أحق كأشبو"(.)3
يرل إحساف عباس أف اآلمدم كاف يؤثر طريقة البحًتم كيبيل إليها ،كمن أجل ذلك جعلها "عمود
الشعر" كنسبها إُف األكائل كصرح بأنٌو من ىذا الفريق دكف مواربة"(.)4
نستطيع القوؿ إف اآلمدم أسس لفكرة "عمود الشعر" ككضع بذرة ىذه القضية يف كتابو الذم ألفو
ليوازف بُت شاعرين أحدنبا مطبوع ينظم على الطريقة العربية الكبلسيكية (البحًتم) ،كآخر ؾبدد يؤسس
للحداثة الشعرية العربية (أبو سباـ) ،كالنتيجة اليت لبرج ّٔا ىي أف (عمود الشعر) َف يكن يعٌت سول طريقة
الشعراء العرب القدامى (شعراء العصر اعباىلي) فما قالو ىؤالء الشعراء كالطريقة اليت قالوا ّٔا تيعد مرجعا
للنقاد إذا أرادكا اغبكم أك اؼبقارنة بُت شاعرين أك أكثر.
(-)1اآلمدم .اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم ،ج ،1تح :أضبد صقر ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،4ص .04
( -)2اؼبصدر نفسو ،ص ف.
( -)3اؼبصدر نفسو ،ص ص .5 ،4
(-)4إحساف عباس ،ـ س ،ص .148
76
كقد كاف لكتاب (اؼبوازنة) كفكرة (عمود الشعر) تأثَت كاضح يف النقد العريب ،كسيظهر اؼبصطلح مرة
أخرل لدل ناقد آخر صاحب مصنف يف النقد التطبيقي ،ىو علي بن عبد العزيز اعبرجاين ( 392ىػ) يف
كتاب (الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو).
كاف أبو اغبسن علي بن عبد العزيز اعبرجاين فبن تأثركا دبا كتبو اآلمدم يف موازنتو بُت أيب سباـ
كالبحًتم ،كقد أخفى مصدره كطمس على اسم اآلمدم كَف يذكره صراحة يف كتابة (الوساطة بُت اؼبتنيب
كخصومو) ،كمع ذلك فإف ىديٍن اعبرجاين لآلمدم كبَت ،ألنو قد سبثل آراءه حبذؽ ذكاء ،دكف أف يذكر
اآلمدم مرة كاحدة"(.)1
كقد تناكؿ اعبرجاين نقد اآلمدم آليب سباـ ،كمآخذه على لغتو كغوصو على اؼبعٌت ،كطلبو
لبلستعارات البعيدة كغَته من التعقيد كمستكره األلفاظ ككحشي الكبلـ ...فظهرت نظرية عمود الشعر
بشكلها النهائي ؿبددة يف أركاف ىي:
-3إصابو الوصف.
-4اؼبقاربة يف التشبيو.
-5الغزارة يف البديهة.
قاؿ اعبرجاين بعد أف أتى على نص ألحد األعراب" :ككانت العرب إمبا تفاصل بُت الشعراء يف
اعبودة كاغبسن بشرؼ اؼبعٌت كصحتو كجزالة اللفظ كاستقامتو ،كتسلم السبق فيو ؼبن كصف فأصاب ،كشبو
فقارب ،كبده فأغزر ،كؼبن كثرت سوائر أمثالو كشوارد أبياتو ،كَف تكن تعبأ بالتجنيس كاؼبطابقة ،كال ربفل
77
باإلبداع كاالستعارة إذا حصل ؽبا عمود الشعر كنظاـ القريض"(.)1
كيذىب احساف عباس إُف أف اعبرجاين رأل أف الصنعة البديعية ىي ما يبيز بُت (عمود الشعر) كبُت
الشعر الذم ال ىبضع ؽبذا العمود ،لذلك يكوف قد ضيق كثَتا من مسافة االختبلؼ كالبعد بُت ىذين
الطريقتُت ،يقوؿ اعبرجاين كقد كاف يقع ذلك (البديع) يف قصائدىا (العرب) ،كيتفق ؽبا يف البيت بعد
البيت على غَت تعمد كقصد ،فلما أفضى الشعر إُف احملدثُت ،كرأكا مواقع تلك األبيات من الغرابة كاغبسن،
كسبيزىا عن أخواهتا يف الرشاقة كاللطف ،تكلفوا االحتذاء عليها فسموه البديع ،فمن ؿبسن كمسيء ،كؿبمود
كمذموـ ،كمقتصد كمفرط"(.)2
يقر اعبرجاين أف عمود الشعر يتسع للبديع لكن يف غَت إسراؼ أك تكلف ،أما الذين قصدكا إُف
تكلفو كصنعتو فهم احملدثوف ،كعلى الرغم من ذلك فإهنم يف صنعتهم منقسموف بُت ؿبسن كمسيء أم إف
اعبرجاين ال يذـ الصنعة كال يرفضها من حيث ىي صنعة ،بل من حيث الشاعر الذم يبالغ يف استخدامها
فيفسد شعره ّٔا.
استعاف اؼبرزكقي باآلراء النقدية لكل من ابن طباطبا العلوم كقدامة بن جعفر ،كاآلمدم كالقاضي
اعبرجاين ،فكاف أف ظهرت عليو يديو نظرية الشعرية العربية ملخصة يف عمود الشعر ،ظهر ىذا كاضحا يف
اؼبقدمة (النقدية اليت صدر ّٔا شرحو على اختيار أيب سباـ اؼبعركؼ بديواف اغبماسة ،يقوؿ اؼبرزكقي بعد
استعراض اآلراء النقدية كالفركؽ بُت اؼبنثور كاؼبنظوـ" :فالواجب أف يتبُت ما ىو عمود الشعر اؼبعركؼ عند
العرب ،ليتميز تليد الصنعة من الطريف ،كقدًن نظاـ القريض من اغبديث ،كلتيػ ٍعرؼ مواطئ أقداـ اؼبختارين
أيضا فىػ ٍر يؽ ما بُت اؼبصنوع كاؼبطبوع ،كفضيلة األيت
فيما اختاركه ،كمراسم إقداـ اؼبزيفُت على ما زيفوه ،كييعلم ن
الصعب(.)3
األيب ٌ
السمح على ٌ
ٌ
( -)1علي بن عبد العزيز اعبرجاين .الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو ،تح :ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلى ؿبمد البجاكم ،اؼبكتبة العصرية،
بَتكت ،ط2006 ،1ـ ،ص .38
(-)2اعبرجاين .الوساطة ،ـ س ،ص .39
(-)3اؼبرزكقي .شرح ديواف اغبماسة ،مج ،1تح :أضبد أمُت كؿبمد عبد السبلـ ىاركف ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط 1991 ،1ـ ،ص ص
.08،09
78
ص ىد اؼبرزكقي العناصر األربعة اليت أثبتها اآلمدم ككضحها اعبرجاين كىي:
كقد ىر ى
-/1شرؼ اؼبعٌت كصحتو.
-/3اإلصابة يف الوصف.
-/4اؼبقاربة يف التشبيو.
كاستغٌت عن الغزارة يف البديهة ،كعن كثرة األمثاؿ السائرة كاألبيات الشاردة ،كع ٌد ىذا العنصر الثاين
متو نلدا عن اجتماع العناصر الثبلثة األكُف ،كقد استخلص ما زاده من نقد لقدامة ،كما أنو استخلص عيار
كل عنصر منها من احملصوؿ العاـ آّتمع من آراء اآلمدم كقدامة كاعبرجاين كابن طباطبا كردد قوؿ ابن أيب
عوف «أقساـ الشعر ثبلثة :مثل سائر كتشبيو نادر كاستعارة قريبة» فكانت صياغتو لعمود الشعر ىي خبلصة
اآلراء النقدية يف القرف الرابع ،على كبو َف يسبق إليو كال ذباكزه أحد من بعده(.)1
يقوؿ اؼبرزكقي يف صياغتو النهائية لعمود الشعر العريب« :إهنم كانوا وباكلوف شرؼ اؼبعٌت كصحتو،
كجزالة اللفظ كاستقامتو ،كاإلصابة يف الوصف -كمن اجتماع ىذه األسباب الثبلثة كثرت سوائر األمثاؿ،
كشوارد األبيات -كالتحاـ أجزاء النظم كالتئامها على زبَت من لذيذ الوزف ،كمناسبة اؼبستعار منو للمستعار
لو ،كمشاكلة اللفظ للمعٌت كشدة اقتضائهما للقافية حىت ال منافرة بينهما ،فهذه سبعة أبواب ىي عمود
الشعر ،كلكل باب منها معيار»(.)2
يرفضوي.
كاؼبعيار ىو اؼبيزاف كاؼبكياؿ كما ييقدر بو الشيء إذا عرض عليو فيقبلو أك ي
79
"-1فعيار اؼبعٌت أف ييعرض على العقل الصحيح كالفهم الثاقب ،فإذا انعطف عليو جنبتا ال ىقبوؿ
كاالصطفاء ،مستأنسا بقرائنو ،خرج كافيا ،كإال انتقص دبقدار شوبو ككحشتو"(.)1
عيار اؼبعٌت أف ييعرض على العقل الصحيح كالفهم الثاقب حىت ربصل اؼبوافقة على أنو معٌت شريف،
فالعقل إذا ىو اغبكم الذم يفصل يف صحة اؼبعٌت كخطئو ،فإذا قبلو العقل كاقتنع بو كاف مقبوال ،كإال
نقص دبقدار ما فيو من باطل كخطأ" ،كالعقل الصحيح وبكم على اؼبعٌت بعد أف يعرضو على كاقع اغبياة
حينا ،كعلى معارؼ العلم حينا آخر"(.)2
كاؼبعٌت الشريف ىو الذم يكوف "من أحاسن اؼبعاين اؼبستفادة من الكبلـ ،بأف يتلقى فهم السامع
اؼبعٌت مستغنيا بو يف استفادة الغرض الذم يفاد بو"(.)3
كىذا يعٍت أف اؼبعٌت الشريف من بُت صفاتو أف يصل إُف قلب السامع فيفهمو دكف اغباجة إُف
كسائط أخرل تقرب إليو الغرض اؼبستفاد ،كال يصاغ اؼبعٌت الشريف إال بتعاضد ثقافة الشاعر كدربتو على
الكبلـ البليغ كمعرفتو بأساليب العرب ،مع ذكقو كقدرتو على االبتكار ،أك براعتو يف ؿباكاة النصوص
السابقة كالنسج على منواؽبا" ،كمن أكرب أسباب شرؼ اؼبعٌت أف يكوف مبتكرا غَت مسبوؽ ،مث أف يكوف
بعضو مبتكرا كبعضو مسبوقا ،كدبقدار زيادة االبتكار فيو على اؼبسبوقية يدنو من الشرؼ(.)4
كاؼبعٌت الشريف ال يتعلق بالفضيلة كاؼبعاين اغبميدة ،إذ إنو لو كاف كذلك لسقط كثَت من شعر
اؽبجاء كالغزؿ كاػبمريات.
كأما صحة اؼبعٌت فهي أف "ال يكوف يف اؼبعٌت اضطراب أك سوء ترتيب أك انتقاض بعضو ببعض،
فيصَت اإلنشاء أك الًتسل أجوؼ(.)5
-عيار اللفظ الطبع كالركاية كاالستعماؿ ،فما سلم فبا يهجنو عند العرض عليها فهو اؼبختار
80
اؼبستقيم.
81
إفهامو
الشعرية كذبسيد اللوحات اؼبرتسمة يف خياؿ الشاعر الذم طيلب منو إُف جانب التأثَت يف اؼبتلقي ي
كذلك دكف أم تعقيدات معنوية ،كال سبيل إُف ذلك إال باؼبقاربة بُت حدكد التشبيو ،أم إنو كلما كاف
اؼبشبو كاؼبشبو بو قريبُت مشًتكُت يف الصفات كاف التشبيو قريبا ككانت الصورة أكضح ،ككاف كبلـ الشاعر
أبُت ،فأف يقوؿ الشاعر إف خد اغببيبة كرد ،فهذا تشبيو قريب الشًتاؾ اػبد كالورد يف النيضرة كاغبمرة
كاعبماؿ ،كألجل أف وبقق التشبيو غايتو البد أف يعرض على الفطنة كحسن التقدير ليكوف صادقا غَت قابل
كمبيننا ،يستخرج اؼبتلقي كجو اؼبشبو منو دكف أم ؾبهود.
مفهوما ي
ن للنقض ،قريبا
82
كاؼبشبو بو ،مث يكتفى فيو باالسم اؼبستعار ألنو اؼبنقوؿ عما كاف لو يف الوضع إُف اؼبستعار لو" ( .)1ربياكم
االستعارة بالفطنة كتيعرض على الذىن شأهنا شاف التشبيو ،كليس يطلب منها إال العمل على إيضاح
اؼبعٌت بأف يكوف اؼبشبو كاؼبشبو بو قريبُت متناسبُت ،ألنو كلما كاف طرفا التشبيو بعيدين كلما ىع يسر
على اؼبتلقي فهم االستعارة كمن مث تفسد عليو متعة تلقي القصيدة.
-عيار مشاكلة اللفظ اؼبعٌت كشدة اقتضائهما للقافية "طوؿ الدربة كدكاـ اؼبدارسة ،فإذا حكما
نبو ،كال زيادة فيها كال قصور ،ككاف اللفظ
حبسن التباس بعضهما ببعض ،ال جفاء يف خبلؽبا كال ٌ
لؤلخس ،فهو الربمء من العيب،
ٌ األخس
لؤلخص ،ك ٌ
ٌ مقسوما على رتب اؼبعاين :قد جعل األخص
كأما القافية فيجب أف تكوف كاؼبوعود بو اؼبنتظر ،يتشوفها اؼبعٌت حبقو كاللفظ بقسطو ،كإال كانت قلقة
يف مقرىا ،ؾبتلبو ؼبستغن عنها"(.)2
يتحدث اؼبرزكقي ىنا عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت ،إذ هبب أف تكوف عبلقة مناسبة ،كىذا يعٍت أف يعرب
عن اؼبعٌت باللفظ الذم يناسبو ،فإذا قاؿ الشاعر يف معٌت الرثاء كالغزؿ كاؼبديح اختار من األلفاظ ما يناسب
ىذه اؼبعاين الراقية كىي اليت يسميها اؼبرزكقي (اؼبعٌت الشريف) ،أما إذا قاؿ الشاعر يف اؽبجاء مثبل فقد
السب كالقذؼ.
كجب أف يكوف اللفظ مشأّا كفباثبل ؼبعاين اؽبجاء ك ٌ
الكماؿ ،كوبدث
ى القوؿ
أما القافية فيجب أف تكوف يمٍنتىظىرنة ،كاؼبوعود بو ،ليتم ّٔا اؼبعٌت كيستويف ّٔا ي
ّٔا االمتاع اؼبتأيت من الطرب ،فإذا مث ىذا ناؿ الشاعر بغيتو كحقق غرضو.
يقوؿ اؼبرزكقي" :فهذه اػبصاؿ عمود الشعر عند العرب ،فمن لزمها حب ٌقها كبٌت شعره عليها ،فهو
احملسن اؼبق ٌد يـ .كمن َف هبمعها كلها فبقدر يسهمتو منها يكوف نصيبو من التقدـ
عندىم اؼبفلق اؼبعظم ،ك ي
كاإلحساف ،كىذا إصباع مأخوذ بو كمتبع هنجو حىت اآلف".
()3
نستطيع القوؿ إف عمود الشعر العريب –حبسب اؼبرزكقي -يستند على ثبلث ركائز ىي ما يعود إُف
اللفظ كما يعود إُف األسلوب كما يعود إُف اػبياؿ" فالذم يتطلبو عمود الشعر يف اؼبعٌت أف يكوف شريفا
83
صحيحا مصيبنا ،كيف اللفظ أف يكوف جزال مشاكبلن للمعٌت اؼبراد؛ كيف األسلوب أف يكوف متبلئما موحد
ن
النسج متخَت الوزف ،يتطلب لفظو كمعناه القافية ،يتم ّٔا أداء اؼبعٌت ،كيف اػبياؿ قرب التشبيو ،كمناسبة
اؼبستعار منو للمستعار لو" (.)1
كيرل إحساف عباس أف القراء العرب أساؤكا فهم ىذه النظرية (نظرية عمود الشعر)؛ فقد ألصقوا ّٔا
هتمة ذبميد اغبركة الفنية العربية ،ككضع الشعر يف قالب جاىز غَت قابل للكسر أك التجاكز على الرغم من
أف اؼبرزكقي يف ذاتو َف يقل قوال حاظبا بوجوب اجتماع ىذه العناصر كلها يف الشعر ،بل إنو بُت أف تقدـ
الشاعر كإحسانو يتناسب مع مقدرتو على االلتزاـ ّٔذه العناصر (كىذا أمر عسَت)؛ لذلك يصعب أف نعثر
على الشاعر (اؼبقدـ احملسن) تبعا لنظرية العمود.
كعلى ىذا األساس نستطيع القوؿ" :إف نظرية (عمود الشعر) رحبة األكناؼ كاسعة اعبنبات ،كإنو
ال ىبرج منها شاعر عريب أبدا ،كإمبا زبرج قصيدة لشاعر أك أبيات يف كل قصيدة"(.)2
كلذلك ليس علينا أف كباكم ىذه النظرية خارج زماهنا كمتطلبات ثقافتها كمنطلقاهتا النقدية ،إذ إف
رفضها يعٍت ثورة كرفضا للشعر القدًن بأكملو.
84
المحاضرة الثامنة
قضية اللفظ والمعنى عند (ابن قتيبة) و(ابن طباطبا) و(قدامة بن جعفر)
مقدمة:
كاف لقضية (اللفظ كاؼبعٌت) اؼبكانة اؼبهمة يف البحث النقدم كالببلغي العربيُت ،بل إننا ال قبانب
الصواب إذا قلنا إهنا قضية النقد كالببلغة كالفلسفة كالنحو؛ إهنا إصباال قضية الًتاث .كلقد أكد كثَت من
النقاد اؼبعاصرين على أنبية ىذه القضية النقدية كعلى أهنا َف تكن حبثا طارئا ،أك فرعا عن أصل ،بل إهنا
كانت أـ القضايا؛ يقوؿ طارؽ النعماف« :يبثل زكج (اللفظ /اؼبعٌت) زكجا إشكاليا يف الًتاث على كبو عاـ.
كاللغوم كالببلغي كالنقدم ،على كجو اػبصوص .كيرجع ىذا الطابع اؼبشكل إُف ؾبموعة من األسباب
كالعوامل اؼبقًتنة بكيفية استخداـ طريف ىا الزكج كتعدد آّاالت اؼبعرفية اليت استخدـ فيها (.)1
كيقوؿ عبد العزيز عتيق(« :قضية اللفظ كاؼبعٌت) من قضايا النقد األديب اليت كانت كمازالت موضع
اىتماـ النٌقاد قديبا كحديثا ،على أساس أهنا من عناصر العمل األديب ،كمن اػبصائص اليت تؤخذ يف
االعتبار عند تقديره كاغبكم عليو» (.)2
كيرل ؿبمد عابد اعبابرم أف« :اؼبشكلة االيبستيمولوجية الرئيسية يف النظاـ اؼبعريف البياين ،أك على
األقل بلورتو كبقيت تغ ٌذيو منذ عصر التدكين إُف اليوـ ،ىي مشكلة الزكج :اللفظ/اؼبعٌت) (.)3
كيؤكد ؾبدم أضبد توفيق على أف ىذه القضية قد لقيت اىتماما شديدا من القدماء كاحملدثُت "حىت
يبدك أهنا القضية الكربل يف اػبطاب القدًن» (.)4
معنى القضية:
-القضية لغة :جاء يف لساف العرب البن منظور« :القضاء :اغبكم ( )...كاعبمع األقضية كالقضية
( _ )1طارؽ النعماف ،اللفظ كاؼبعٌت بُت األيديولوجيا كالتأسيس اؼبعريف للعلم ،مكتبة األقبلو اؼبصرية ،القاىرة ،دط ،2003 ،ص .07
( _ )2عبد العزيز عتيق ،تاريخ النٌقد األديب عند العرب ،دار النهضة العربية للطباعة كالنشر ،بَتكت ،ط 2ف ،1972ص .327-326
( _ )3ؿبمد عابد اعبابرم ،بنية العقل العريب (دراسة ربليلية نقدية لنظم اؼبعرفة يف الثقافة العربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بَتكت ،ط ،3
،2009ص .41
( _ )4ؾبدم أضبد توفيق ،مفهوـ اإلبداع الفٍت يف النٌقد العريب القدًن ،اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب ،دط ،1993 ،ص .301
85
مثلو ،كاعبمع القضايا ( )...كالقضايا :األحكاـ ،كاحدهتا قضية ( )...يقاؿ :قضى يقضي قضاء فهو قاض
إذا حكم كفصل» (.)1
القضية حبسب تعريف ابن منظور حكم كىي كذلك نزاع كاشتباؾ كفصاؿ يستدعي النطق باغبكم
للفصل بُت اؼبتنازعُت.
كجاء يف الكليات :قاؿ أئمة الشرع :القضاءي قطع اػبصومة أك قوؿ ملزـ صدر عن كالية (.)3
نستنتج أف القضية ىي موضوع جداؿ كنزاع بُت طرفُت أك ؾبموعة من األطراؼ يستوجب حكما
فصبل من طرؼ ىيئة عليا تتمثل يف سلطة القضاء.
كعلى احملور ذاتو دارت ثنائيات أخرل عرفت بالقضايا (قضايا النقد األديب القدًن) كىي عادة
ثنائيات تتسم باالصطراع كاؼبغالبة مثل (القدًن ،اعبديد) (اؼبعٌت ،الصنعة)( ،اؼبنظوـ ،اؼبنثور) اٍف
-المعنى لغة :قاؿ ابن منظور« :كمعٌت كل شيء ؿبنتو كحالو اليت يصَت إليها أمره ( )...كعنيت
ت ذلك يف معٌت كبلمو
أردت ،كمعٌت كبلـ كمعناتيو كمعنيٌتوي :مقصده ،كاالسم العناءي .يقاؿ عرفٍ ي
بالقوؿ كذا :ي
كمعناة كبلمو كيف معٌت كبلمو» (.)4
المعنى اصطالحا:
يذىب إدريس الناقورم إُف أ ٌف الداللة االصطبلحية للػمعٌت تكاد تنحصر يف قصد الشيء كظهوره أك
بركزه ،كمدلوؿ ىذا االصطبلح يف النقد العريب القدًن كاغبديث كاحد إذ ىو "اؼبضموف كالقصد كما وبتويو
اللفظ أك التعبَت عن أفكار كمشاعر .كىكذا عندما يطلق النقاد كلمة اؼبعٌت فإمبا يريدكف ّٔا يف الغالب
الغرض أك اؼبقصد أم ما يريد اؼبتكلم أف يثبتو أك ينفيو من كبلمو .كاؼبعٌت ّٔذا االستخداـ يرادؼ عندىم
86
آّردة اليت يتفنن اؼبنشئ يف صياغتها .مث يستخلصها اؼبتلقي من ؾبموع ما قالو اؼبنشئ" (.)1
الفكرة العامة ٌ
كىذا التعريف يتقارب إُف ح ٌد بعيد مع التعريف الوارد يف اؼبعجم اؼبفصل يف اللغة كاألدب حيث نقرأ:
اؼبعٌت إذف (فكرة) ك(داللة) مكتنزة يف (اللفظ) ك (التعبَت) كىي مقصد الكاتب أك الشاعر ،كمراده
من الكبلـ ،كقد يكوف ىذا اؼبعٌت كاضحا مباشرا تدؿ عليو الداللة اؼبرجعية (اؼبعجمية) للكلمة أك غَت
مباشر يستخلصو اؼبتلقي من ؾبموع الًتميزات كاإلشارات الواردة يف نص األديب.
كوباكؿ ؾبدم كىبة ككامل اؼبهندس إعطاء تعريف أكثر دقة للمعٌت ينطبق على الشعر كالنثر ،كىو
اؼبستمد من قراءة النٌص األديب قبل أف يرتبط ىذا اؼبعٌت بأم كظيفة ؽبذا النص:
اؼبعٌت ٌ
"كىناؾ أبسط تعريف للمدلوؿ أك اؼبعٌت ،ينطبق على الشعر كغَت الشعر ،كىو إيباء الرموز اللفظية
كعبلقتها النحوية إُف أشياء موجودة يف العاَف اػبارجي أك إُف أفكار ككجدانات مشًتكة بُت الناس صبيعا"(.)3
اللفظ:
اللفظ في اللغة :قاؿ ابن منظور" :اللفظ أف ترمي بشيء كاف يف فيك (فمك) كالفعل لفظ الشيء
يقاؿ :لفظت الشيء من فمي ألفظو لفظا رميتو" (.)4
كىو دبعٌت الكبلـ" :لفظ بالشيء يلفظ لفظا تكلٌم ( )...كلفظت بالكبلـ تلفظت بو ،أم تكلٌمت
مصدر" (.)5 ً
األلفاظ ،كىو يف األصل احد
بو .كاللفظ :ك ي
ه
اللفظ في االصطالح :ىو يف اصطبلح النحاة "ما من شأنو أف يصدر من الفم من اغبرؼ،
كاحدا ،أك أكثر ،أك هبرم عليو أحكامو كالعطف كاإلبداؿ ( )...كاللفظ على مصطلح أرباب اؼبعاين:
( _ )1إدريس الناقورم ،اؼبصطلح النقدم يف نقد الشعر ،دار النشر اؼبغربية ،الدار البيضاء (اؼبغرب) ،دط ،1982 ،ص .253
( _ )2إيبيل بديع يعقوب كميشاؿ عاصي ،اؼبعجم اؼبفصل يف اللغة كاألدب ،ج ،1دار العلم للمبليُت ،بَتكت ،ط ،1987 ،1ص.1172
( _ )3ؾبدم كىبة ككامل اؼبهندس ،معجم اؼبصطلحات العربية يف اللغة كاألدب ،مكتبة لبناف ،بَتكت ،ط ،1984 ،2ص .374
( _ )4ابن منظور ،لساف العرب ،مادة (لفظ)
( _ )5اؼبصدر نفسو ،اؼبادة نفسها.
87
عبارة عن صورة اؼبعٌت األكُف ال ٌداؿ على اؼبعٌت الثاين" ( .)1أم إف اللفظ ليس ما نطق بو لكنو معناه الذم
دؿ بو على اؼبعٌت الثاين.
ٌ
نستنتج أف اللفظ ىو كل ما يصدر من فم اإلنساف سواء أحرفا كاف أـ أكثر ذبرم عليو قواعد النٌحو
كيكوف مفردا ،كيكوف أكثر من ذلك فيتألف من األلفاظ نصوص ،يكوف ؽبذه األلفاظ معاف مباشرة ،أك
معاف غَت مباشرة ،يصل إليها القارئ بالتفسَت كالتأكيل إلدراؾ اؼبعٌت اؼبتضمن.
نشتة القضية:
نستطيع القوؿ إف أقدـ ما كصلنا من حديث صريح عن اللفظ كاؼبعٌت كالعبلقة بينهما كاف صحيفة
بشر بن اؼبعتمر اليت جاء فيها "خذ من نفسك ساعة نشاطك كفراغ بالك كإجابتها إيٌاؾ ،فإف قليل تلك
أحسن يف األظباع كأحلى يف الصدكر ،كأسلم من فاحش اػبطاء،
الساعة أكرـ جوىرا ،كأشرفا حسبا ،ك ي
ٌ
كغره ( )2من لفظ شريف معٌت بديع ( )...كإياؾ كالتوعر ،فإف التوعر يسلمك إُف ب لكل عُت ٌ كأجلى ى
حق اؼبعٌت الشريف اللفظ
التعقيد ،كيشُت ألفاظك .كمن أراغ معٌت كريبا فليلتمس لو لفظا كريبا ،فٌإف ٌ
الشريف" (.)3
كيرل بدكم طبانة أف بشر بن اؼبعتمر َف يتخذ يف نصو ىذا موقفا متحيزا ألحد طريف الثنائية ،كَف
يعل من شأف أحدنبا على حساب اآلخر ،لكنو نظر نظرة متوازنة إُف الكتابة األدبية –بصفة عامة -فجعل
أساسها ىذين الركنُت (اللفظ كاؼبعٌت) دكف اإلخبلؿ بقيمة أحدنبا أك الغض منو «كتلك ىي النظرة األ ٍىكُف،
كىي يف الوقت نفسو النظرة اؼبثلى إُف الفن األديب ،كما ينبغي أف يتوافر يف ركنيو من اعبودة ،ككجوب
رعايتها ،كاالىتماـ بكل منهما» (.)4
لقد أكرد اعباحظ صحيفة بشر بن اؼبعتمر يف كتاب البياف كالتبيُت ،كأبدل عناية كبَتة بقضية اللفظ
اؼبعٌت ،كلقد رأينا يف درس (مفهوـ الشعر) أنو أبدل اىتماما كبَتا باأللفاظ ذاىبا إُف أف الصنعة األدبية
عمادىا (الشكل) أك اللفظ كأف اؼبعاين مطركحة يف الطريق يعرفها العريب كالعجمي...اٍف كألف اعباحظ كاف
88
مهتما بدرس الفصاحة فإنو كاف بديهيا أف يوِف عناية للفظ يف ذاتو فيتكلم عن تنافر اغبركؼ كعيوب
النطق كمبلئمة األلفاظ كسباثلها ،غَت أف أضبد مطلوب يعًتض على الذين ظنوا أف اعباحظ يبيل إُف اللفظ
كل اإلنباؿ كاغبق أنو عيٍت
كل اؼبيل كأنٌو يهمل اؼبعٌت ٌ
كظن بعض الباحثُت أنٌو يبيل إُف اللٌفظ ٌ
دكف اؼبعٌت " ٌ
باؼبعٌت كما عيٍت باللفظ" (.)1
كال يكاد ىبلو مؤلف يف النٌقد كالببلغة من باب ـبصص للفظ كاؼبعٌت مهما كاف انتماء صاحبو
كتوجهو .كستعرؼ ىذه القضية طرحا كافيا كأكثر كعيا كإحاطة مع عبد القاىر اعبرجاين( 471ىػ) كنظريتو
يف النظم.
ك ٌأكؿ ما نبلحظو على ىذا التقسيم أف ابن قتيبة َف يق ٌدـ طرفا من طريف الثنائية (لفظ ،معٌت) على
سول بينهما ،كقسم ؽبما من
اآلخر ،كَف هبعل ألحدنبا الفضل يف صناعة فنية النص الشعرم ،بل إنو ٌ
الرداءة قسمة متساكية ،كليس مستغربا من ابن قتيبة أف ينحو ىذا اؼبنحى الوسط اؼبعتدؿ،
صفات اعبودة ك ٌ
كالخص بو قوما دكف
ٌ خاصة إذا ظبعناه يقوؿ" :كَف يقصر اهلل العلم كالشعر كالببلغة على زمن دكف زمن،
قوـ ،بل جعل ذلك مشًتكا مقسوما بُت عباده يف كل دىر" ( )3كألف ابن قتيبة عاش يف عصر شاع فيو شعر
اؼبولدين الذين تذىب عنايتهم إُف ربسُت الصياغة كذبويد العبارة ،فقد كاف من البديهي أف يسوم بُت
اللفظ كاؼبعٌت اتساقا مع قناعتو بأف جودة الشعر أمر كاقع يف كل العصور ،كأف اعبيد كالردمء موجودات يف
( _ )1أضبد مطلوب ،عبد القادر اعبرجاين ببلغتو كنقده ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت ،ط ،1973 ،1ص .92
( _ )2يراجع :ابن قتيبة ،الشعر كالشعراء ،ج ،1تح :أضبد ؿبمد شاكر ،دار اغبديث ،القاىرة ،د ط ،2006 ،ص ص .65
( _ )3اؼبصدر نفسو ،ص .64
89
كل زماف.
-اللفظ:
أ-اللفظ مفردا:
وبتفي ابن قتيبة باللفظ مفردا ،كمدل تأثَته يف النص الشعرم حبسب جودتو أك رداءتو معتقدا أ ٌف
لفظا كاحدا رديئا قادر على اغبط من قيمة النص الشعرم كامبل ،كمن مث قطع ال ٌدىشة اليت يعيشها اؼبتلقي
أثناء ظباعو أك قراءتو ؽبذا النص ،كيضرب ابن قتيبة مثاال عن ىذا التأثَت للفظ اؼبفرد بقصيدة عبرير أنشدىا
يف حضرة أحد خلفاء بٍت أمية الذم ىزتو جودة الشعر فتحفز كزحف إُف أف قاؿ جرير:
بوزعُ يا بغيرنا ىلئل ىال وتقول بوزعُ قد دببل على العصا
كىي ما يشكل صبلة أك ؾبموعة من اعبمل ،فقد اىتم ّٔا حُت أكرد الضرب الذم حسن لفظو دكف
أف يستفاد منو معٌت مهم ،كمثَّل لو باألبيات اؼبنسوبة ل يكثىَت عزة.
باألركان من ىو ماسل ومسل
ّ ولما قضينا من منًى كل حاجة
ّ
....اٍف
فقاؿ" :ىذه األلفاظ كما ترل ،أحسن شيء ـبارج كمطالع كمقاطع"(.)3
90
المعنى لدى ابن قتيبة:
إذا تأملنا التعريفات اليت أجراىا ابن قتيبة على اؼبعٌت كاللفظ ،مث قرأنا األمثلة اليت أكردىا لكل قسم
خرجنا بنتيجة مفادىا احتفاء ىذا الناقد باؼبعٌت الشعرم .كقولنا اؼبعٌت الشعرم ىو ما يفسره كصف النقاد
العرب القدامى للشعر اعبيد بالرائق كالكثَت اؼباء ،لذلك قبده يفرؽ يف معاين الشعراء أنفسهم ما كاف جيدا
لطيفا كما كاف عكس ذلك (معٌت دكف فائدة) مث إف الناقد يفرؽ بُت الشعر الذم ينظمو الشعراء كبُت
الشعر الذم ينظمو العلماء ألنو ليس فيو شيء "عن إظباح كسهولة" (.)1
كبالنسبة إُف معاين الشعراء ،قبد ابن قتيبة يركز على اؼبعٌت الذم نسميو (كونيا) أك اؼبعٌت اإلنساين
العاـ.
لذلك يكوف على اؼبعٌت أف يكوف (شعريا) مؤثرا كمدىشا كباعثا على االكبفاز كاالستفزاز .كلعل ىذا
ىو ما جعلو يفصل بُت مدلوؿ العبارة يف اللغة كمدلوؽبا يف الشعر ك "وبمل اؼبعٌت على غَت ما تقتضيو
ال ٌداللة الوضعية اؼبنطقية ،كىو ّٔذا الصنيع يساىم يف تأسيس منطق للشعر يغاير اؼبنطق الصورم احملدد
لعبلقة الكلمات كاألشياء"(.)2
قاؿ أبو ؿبمد :كال أرل ىذا عيبا ،كال اؼبثل اؼبضركب لو شكبل ،ألنٌو َف يرد بقولو" :حبك قاتلي"
القتل بعينو كإمبا أراد بو :أنٌو قد ٌبرح يب فكأنو قد قتلٍت كىذا كما يقوؿ القائل قتلتٍت اؼبرأة بد ٌؽبا كبعينها،
كقتلٍت فبلف بكبلمو" (.)3
كىنا نلحظ عدـ اعتداد ابن قتيبة بالداللة اؼبرجعية (اؼبعجمية) للكلمات ،لكنو ...يذىب إُف فهم
91
اؼبعٌت يف مستول أعلى ىو ما يسميو عبد القادر اعبرجاين الحقا (معٌت اؼبعٌت) كىو اؼبعٍت اػبفي الذم ال
اػبفي الكامن من خلف الداللة اؼببدئية للفظ.
يتوصل إليو القارئ إُف بعد معاناة كتأكيل بغية اكتشاؼ اؼبعٌت ٌ
اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا العلوي ( 327ىػ)
يقوؿ ابن طباطبا إف القصيدة إذا اجتمع فيها اؼبعٌت اغبكيم كاللفظ األنيق ،كانت قصيدة
كجعلت نثرا َف يؤثر ذلك يف جودة معانيها
ؿبكمة البناء متقنة قوية الركابط حىت إهنا إذا نيقضت ي
كجزالة ألفاظها "فمن األشعار أشعار ؿبكمة ،متقنة ،أنيقة األلفاظ ،حكيمة اؼبعاين ،عجيبة
كجعلت نثرا َف تبطل جودة معانيها ،كمل تفقد جزالة ألفاظها"(.)1
التأليف ،إذا نقضت ي
يلمح إُف عبلقة التناسب بُت جزالة اللفظ كجودة اؼبعٌت كسباسك بناء القصيدة
ككأف ابن طباطبا ٌ
كيف ىذا إشارة إُف كحدة القصيدة على أساس العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت.
كعن عبلقة اؼبعٌت باللفظ يقوؿ ابن طباطبا " :كللمعاين ألفاظ تشاكلها (تشبهها) فتحسن
فيها كتقبح يف غَتىا ،فهي ؽبا كاؼبعرض للجارية اغبسناء اليت تزداد حسنا يف بعض اؼبعارض دكف
بعض(.)2
كيقوؿ" :ككم من معرض حسن قد ابتذؿ على معٌت قبيح ألبسو ( )...ككم من حكمة غريبة
قد ازدريت لرثاثة كسوهتا ،كلو يجلبت يف غَت لباسها ذاؾ لكثر اؼبشَتكف إليها"(.)3
ي
كيواصل ابن طباطبا حديثو عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت فيقوؿ" :كإذ قالت اغبكماء إف للكبلـ
الواحد جسدا كركحا ،فجسده النطق كركحو معناه ،فواجب على صانع الشعر أف يصنعو صنعة
متقنة ،لطيفة مقبولة حسنة ،ؾبتلبة حملبة السامع لو كالناظر بعقلو إليو ،مستدعية لعشق اؼبتأمل يف
ؿباسنو ،كاؼبتفرس يف بدائعو ،فيحسو جسما كوبققو ركحا ،أم يتقنو لفظا ،كيبدعو معٌت"(.)4
(-)1ابن طباطبا العلوم ،عيار الشعر ،تح :عباس عبد الستار كنعيم زرزكر ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط 2005 ،2ـ ،ص .13
(-)2اؼبصدر نفسو ،ص .14
( -)3اؼبصدر نفسو ،ص ف
( -)4اؼبصدر نفسو ،ص .126
92
كنستطيع تلخيص العبلقة بُت اللفظ كاؼبعٌت لدل ابن طباطبا يف كوف اؼبعٌت يس ٍلطة تستدعي ما
يباثلها كيشأّها ليكتمل ؽبا اؼبعرض اغبسن كاغبضور القوم ،إف ىذا الشبيو كاؼبثاؿ ىو اللفظ الذم
لديو قوة التحسُت ،كقوة التقبيح أيضا ،فيكوف اؼبعٌت أقرب إُف (اعبارية اغبسناء) اليت يزداد حسنها
كضوحا يف الثياب اغبسنة ،كقد ىبفى حسنها يف ثبات أخرل.
كما يشبو ابن طباطبا الصلة بُت اؼبعٌت كاللفظ بالصلة بُت الركح كاعبسد ،فهما متبلزماف
اآلخر ضركرة.
اػبلل ى
كمًتابطاف إذا اختل أحدنبا ،يلحق ي
كيأخذ النقاد العرب احملدثوف على القدماء تشبيهم للفظ بالثوب ،يقوؿ مصطفى ناصف:
«مفهوـ الثوب أك الكساء كاضح يف عبارات اؼبتقدمُت من دارسي اللغة كاآلداب ،ىم يقولوف إف
اللفظ اغبسن كالثوب اغبسن ،كاللفظ القبيح كالثوب القبيح ،كيقولوف إف األلفاظ كسوة اؼبعاين،
األلفاظ ربسن اؼبعاين كما وبسن الثوب البسو ( )...األلفاظ إذف قوالب تنسكب فيها اؼبعاين،
كالكلمات كفقا ؽبذا اؼبنطق اؼبعيب ،موضوعةه إزاء أفكار :ككبن نرتب األلفاظ يف النطق على حسب
ترتيب اؼبعاين يف النفس"(.)1
كيؤكد ؿبمد زكي العشماكم "أف ىذه اؼبسألة قد ترددت كثَتا لدل النقاد العرب ،مسألة تشبيو
اللفظ اغبسن بالثوب اغبسن ،كاللفظ القبيح بالثوب القبيح كأف األلفاظ تيكسب اؼبعٌت ركنقا كّٔجة،
كما يكسب الثوب اغبسن صاحبو حسنا كصباالن"(.)2
غَت أننا نستطيع أف نبلحظ أف ابن طباطبا َف ينسب إُف اللفظ مسؤكلية ربسُت اؼبعٌت كإكسابو
الركنق كالبهاء ،لقد كاف نقادنا العرب القدامى دقيقُت يف اختيار العبارة كحذرين يف صياغتها حىت ال
ىبتل اؼبعٌت اؼبراد إيصالو إُف اؼبتلقي ،نبلحظ أف ابن طباطبا قد قاؿ إف اللفظ دبثابة اؼبعرض الذم يزيد
اعبارية اغبسناء حسنا .كىو يوضح فيقوؿ إنو كم من حكمة غريبة قد ازدريت (احتقرت) لرثاثة
كسوهتا ،كبالنسبة إُف اللفظ اغبسن فإنو ىو اآلخر ينتقص من حقو إذا جعل للمعٌت القبيح.
(-)1مصطفى ناصف ،نظرية اؼبعٌت يف الًتاث العريب ،دار األندلس للطباعة كالتسيَت كالتوزيع ،بَتكت ،دط ،دت ،ص .41
(-)2ؿبمد زكي العشماكم ،قضايا النقد األديب بُت القدًن كاغبديث ،دار النهضة العربية ،بَتكت ،دط1979 ،ـ ،ص .273
93
نستطيع أف مبيز –إذف -أف الفصل بُت اللفظ كاؼبعٌت مسألة غَت قائمة يف فكر ابن طباطبا
العلوم على الرغم من أف العملية الشعرية عنو ال تعدك أف تكوف صناعة عقلية خالصة ،فاغبسن كالقبح
كبلنبا صفتاف أصيلتاف قد تكوناف يف اؼبعٌت كما قد تكوناف يف اللفظ ،غَت أف ما يعٍت القوؿ
الشعرم كما ينسب إليو ىو اغبسن ال القبح ،إف ما يبقى خالدا على مر الزماف تتداكلو األجياؿ
كيتناقلو القراء ىو النص اعبميل ،كىذا النص اعبميل ىو الذم اجتمع فيو صباؿ اؼبعٌت (اعبارية اغبسناء)
كصباؿ اللفظ (اؼبعرض اغبسن) حىت يكوف اعبماؿ اؼبتولد من التقاء ىذين اعبميلُت (اللفظ كاؼبعٌت)
خالدا باقيا على مر الزمن ،كأنو اعبوىرة اليت ال تزيدىا القدامة إال قيمة كأصالة.
أما تشبيو اؼبعٌت بالركح ،كاللفظ باعبسد فإنو يلخص ىذه العملية اؼبعقدة للقوؿ الشعرم حىت أف
ابن طباطبا ينسب ىذا التشبيو إُف اغبكماء ،كىو الذم حاكؿ يف بدء كتابو تبسيط كتقنُت نظم الشعر
إذ جعلو صناعة مث إرادة ،مث بناء كاختيارا فقاؿ" :إذا أراد الشاعر بناء قصيدة ـبض اؼبعٌت الذم يريد
بناء الشعر عليو يف فكره نثرا ،كأعد لو ما يلبسو إيٌاه من األلفاظ اليت تطابقو ....اٍف(.)1
كعلى الرغم من ىذه العمليات اليت تبدك عقلية خالصة تتمتع دبساحة شاسعة من االختيار
كاالستبداؿ فإف عبلقة اللفظ باؼبعٌت أعقد فبا قد تبدك عليو ،إذ ىي كعبلقة الركح باعبسد حيث
تتعطل اؼبقاييس كتعجز األحكاـ ،إذ كيف يكوف اغبسن يف أحدنبا كما ىو أثره يف اآلخر؟ ككيف
ينظر الناظر فَتل اغبسن الذم ال يراه ناظر أخر؟كىل زبتل الركح كيصيبها العطب إذا غبق باعبسد
عطب ما ،كىل يفٌت اللفظ كما يفٌت اعبسد؟
يؤكد أضبد أضبد بدكم أف النقاد العرب احملدثُت قد سيطر عليهم كىم ظنوه حقيقة ،ىو أف
النقاد العرب القدامى قد انقسموا إُف ؾبموعتُت ،ؾبموعة تناصر اللفظ كأخرل تنتصر اؼبعٌت " :يىبيل
إِف أف كنبا كبَتا ملك على الباحثُت قلؤّم ،كتوارثوه فيما بينهم جيبل بعد جيل حىت أصبح ىذا
الوىم كأنو حقيقة مقررة ،يقرركهنا كيتناقلوهنا .ىذا الوىم الكبَت ىو تقسيمهم نقاد العرب قسمُت:
لفظيُت أك أنصار اللفظ ،هبعلونو كحده ىدؼ البليغ ،كيدعوف البلغاء إُف العناية بو كحده ،كيضعوف
94
اعباحظ على رأس ىذا الفريق .كمعنويُت أك أنصار اؼبعٌت ،هبعلوف لو اؼبكانة األكُف يف النص األديب،
كيأخذكف البلغاء بالغوص عليو ،كتتبعو ،كالبحث عنو ،كيضعوف على رأس ىذا الفريق عبد القاىر
اعبرجاين"(.)1
نعتقد أف ما يرمي إليو ابن طباطبا ىو عدـ ظباح الشاعر حبصوؿ (االنتهاؾ) من أحد الطرفُت
الذم قد يتسم بالقبح ،ألف ىذا االنتهاؾ سيخدش حسن الطرؼ اآلخر ،كمن مث فإف اػبلل سيبدك
كاضحا على النص الشعرم كىذا ما ييعطل حدكث الوظيفة الببلغية للنص أم عدـ التأثَت يف اؼبتلقي
كإمتاعة كإطرابو.
كإف عدـ السماح حبدكث ىذا (االنتهاؾ) ال يعٍت قدرة الشاعر على الفصل بُت اللفظ
كاؼبعٌت ،كذلك بدليل كجود ماال يوبصى من معرض حسن قد ابتذؿ على معٌت قبيح ألبسو ( )...ككم
من حكمة غريبة قد ازدريت لرثاثة كسوهتا"(.)2
غَت أف مثل ىذا القوؿ يبقى بعيدا عن القوؿ الشعرم الذم صفتو اغبسن كاعبماؿ.
تبدك مسألة اللفظ يف كتاب (نقد الشعر) كاضحة مبسوطة دكف تعقيد ،فحىت يبلغ الشعر
غاية اعبودة كجب أف يكوف اللفظ "ظبحا سهل ـبارج اغبركؼ من مواضعها ،عليو ركنق الفصاحة،
مع اػبلو من البشاعة"(.)3
اسل
سل باألركان من ُى َو َم ُ
وم ّ
َ حاجة
منى ُك ّل َ
َولَ ّما قضينَا من ً
لم ينظر الغادي اللي ىو رائل
َو ْ َو ُش ّدت على ُدىم المهاري ِر َحالُنا
(-)1أضبد أضبد بدكم ،أسس النقد األديب عند العرب ،هنضة مصر ،القاىرة ،دط ،1996 ،ص .357
(-)2ابن طباطبا ،عيار الشعر ،ص .14
(-)3قدامة بن جعفر ،نقد الشعر ،تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،دط ،دت ،ص .74
(-)4نفسو ،ص .77
95
َوس الل بتعناق المطي األَباطل األحاديث بينَ نَا
أخلنا بتطراف َ
كاؼببلحظ على األمثلة اليت أكردىا قدامة للتمثيل للفظ الذم صفتو اعبودة ،أهنا نصوص شعرية
فيها ما يبلغ مبلغ القصيدة من جهة عدد األبيات ،كمن مث فإف اللفظ الذم قصده ليس اللفظ اؼبفرد
كإمبا اللفظ اؼبركب "بدليل أنٌو ىَفٍ يعرض ألفاظا مفردة ،كَف يوازف بُت ما يرضاهي منها كما ينكره ،كما
فعل أكثر علماء الببلغة كالنقد الذين جعلوا للكلمة اؼبفردة نعوتا ،تكوف ّٔا فصيحة ،فإف فقدهتا
بىػعيدت عن الوصف بالفصاحة ،مث جعلوا للكبلـ أك الًتكيب نيعوتا اخرل ،إف فقدهتا َف توصف
بالفصاحة ،كإف كصفت ّٔا كلماهتا مفردة" (.)1
كالواقع أف النص الشعرم بنية متكاملة ال يبكنها أف ربدث التأثَت يف اؼبتلقي إال دبجموع
ألفاظها ،كال يبكن أف يبدك اعبماؿ فيها متناثرا حبسب صباؿ اللفظة الواحدة ،كإمبا يبدك يف اجتماع
ىذه األلفاظ كحسن توزيعها كضم الواحدة منها إُف األخرل.
-عيوب األلفاظ:
يكوف اللفظ –عند قدامة – معيبا إذا كاف "ملحونا كجاريا على غَت سبيل اإلعراب كاللغة
( )...كأف يرتكب الشاعر فيو ما ليس يستعمل كال يتكلم بو إال شاذا ،كذلك ىو اغبوشي" (.)2
يظم
ُ ش َى َم ْرجلة َخ ْل ُقها ل نحوهُ
بما أ َْرقَ لَ ْ حلفل
لرزم
الجن زنْ ْ
َبها من َو ْحي ّ فل ِم ْن تنوفيّو
ش َر ْ
وم َ
َ
"فبلغٍت أنو أنشد ابن األعرايب ىذه القصيدة فلما بىػلى ىغ إُف ىهنا قاؿ لو ابن األعرايب :إف كنت
جادا فحسبك اهلل" (.)3
ن
(-)1بدكم طبانة ،قدامة بن جعفر كالنقد األديب ،مكتبة األنلجو اؼبصرية ،القاىرة ،ط ،1969 ،3ص .193
(-)2قدامة بن جعفر ،نقد الشعر ،ـ س ،ص .172
(-)3اؼبصدر السابق ،ص .173
96
المعنى:
على الرغم من أف قدامة بدأ باللفظ فإف اؼبعٌت كاف قد أخذ جل اىتمامو ،كبدا موضوع اؼبعٌت
كاسعا عصيا على اغبصر ،لذلك بدأ قدامة بأىم صفة هبب توفرىا يف اؼبعٌت كىي أف يكوف "مواجها
للغرض اؼبقصود ،غَت عادؿ عن اؼبعٌت اؼبطلوب" ( ،)1كَف يوضح قدامة ما يريده من ىذه الصفة كال
أكرد أمثلة توضح كبلمو كتكشف عن غايتو؛ كعلى الرغم من عدـ الوضوح ىنا فإننا "نستطيع أف
نرجح من اتباع قدامة ىذا الكبلـ باغبديث يف فنوف الشعر أنو يريد أف على الشاعر إذا حاكؿ غرضا
صر الكبلـ فيو ،كال ىبرج عنو إُف غَته ،فإذا تكلم يف اؼبديح فلتكن كل معانيو
من األغراض أف يىػ ٍق ي
دائرة ىح ٍوؿ ىذا الغرض ال تتعداه" (.)2
غَت أننا ال نستطيع موافقة بدكم طبانة يف أف قدامة أراد من الشاعر أف " ال يأيت يف ىذا الغرض
دبعاف زبتص بغرض آخر كالوصف أك النسيب مثبل" ( ،)3ألف األمر ىنا يصبح متعلقا بينية القصيدة
العربية ،كال نظن أف قدامة قد قصد إُف ؿباكلة زعزعة ىذه البنية (مقدمة الطلل كالنسيب +الرحلة+
اؼبدح ...اٍف) فقدامة الناقد األديب يعرؼ صعوبة اؼبساس ّٔذه األسس اليت أصبحت راسخة يف بناء
القصيدة ،لكن نذىب إُف القوؿ بأف قدامة قصد إُف ( الغرض الرئيس) من القصيدة ،كذلك ألف
اؼبقدمة مهما كاف موضوعها تبقى بابا يلج منو القارئ إُف القصيدة.
كتأيت الصعوبة من "اؼبعٌت" إذ ما داـ اؼبنطق ىو األساس اؼبعتمد فبل بد من حصر اؼبعاين (على
قدر اإلمكاف) مث حصر الصفات السالبة كاؼبوجبة اليت قد تلحقها" (.)4
كوبدد قدامة اؼبعاين يف ستة أنواع ،ككل نوع فيو اعبيد كالردئ ،كؽبا سبع صفات ،ككل صفة منها
اؼبوجب بقابلو نقيضو السالب ،كقد اعًتؼ قدامة أف اؼبعاين الهناية ؽبا "لذلك رأيت أف أذكر منو صدرا
97
ينبئ عن نفسو ،كيكوف مثاال لغَته كعربة ؼبا َف أذكره ،كأف أجعل ذلك يف األعبلـ من أغراض الشعراء
( )1
كماىم عليو أكثر ىح ٍونما ،كعليو أشد ركما ،كىو :اؼبديح كاؽبجاء ،كالنٌسب ،كاؼبرائي ،كالوصف ،كالتشبيو"
كلكل غرض من ىذه األغراض ؾبموعة من اؼبعاين الرئيسة ال هبب أف يتجاكزىا الشاعر،
فاؼبديح مثبل ينحصر يف أربع صفات ىي (العقل كالشجاعة كالعدؿ كالعفة) كىذه كربل الفضائل اليت
يتفق عليها الناس صبيعا ،كتندرج ربت كل معٌت ؾبموعة من اؼبعاين الفرعية فالعقل هبمع (اؼبعرفة
كاغبياء كالسياسة كاغبلم) كىكذا ،كما أف ىذه األغراض قد يًتكب أحدىا مع اآلخر ،فينتج معٌت
جديد ،فإف العقل إذا تركب مع الشجاعة نتج الصرب يف اؼبلمات كنوازؿ اػبطوب...اٍف
كلكل غرض حسنات يف اؼبعاين كعيوب ،كاؼبعاين اعبيدة تتوفر فيها :صحة التقسيم ،صحة
التقابل ،صحة التفسَت ،التتميم ،اؼببالغة ،التكافؤ ،االلتفات ...كعيؤّا ىي عكس ىذه اغبسنات،
يشعب كيفرعي كيؤلف بُت العناصر كيصف قبحها كحسنها "كيف ىذا
ي كاليزاؿ قدامة ماضيا يف التقسيم
عما ٌادعاه -فهذه فلسفة
الكبلـ الطويل اؼبيمل ما يدؿ على طريقة قدامة يف نقد الشعر كبعده ٌ
أرسطاليسية كمزيج من اؼبنطق كاألخبلؽ اؼبعركفة عند اؼبعلم األكؿ" (.)2
نستنتج أف قدامة بن جعفر َف يكن قد صرح بانتمائو إُف أحد الفريقُت ،كإنو كاف يرل أف حسن
الشعر كجودتو متأتياف من تآلف اللفظ مع اؼبعٌت ،كأف اؼبعاين كلها ملك الشعراء يقولوف فيها صبيعا ،كألف
الشعر صناعة ،كألف أم صناعة ىي تشكيل للمادة ،كصنعة التجارة فهي تشكيل للخشب ،كصنة الصياغة
اليت ىي تشكيل للفضة ،فإف الشعر مادتو اؼبعٌت كعلى الشاعر أف هبود يف صورتو ألف الصورة ىي اليت سبنح
اؼبادة صباؽبا كحسنها ،كذلك إذا أجاد الشاعر يف منح اؼبعٌت صورة حسنة كاف الشعر كلو حسنا مهما
كانت صفة معناه من "الرفعة أك الضعة ،كالرفت كالنزاىة ،كالبذخ كالقناعة ،كاؼبدح كغَت ذلك من اؼبعاين
اغبميدة أك الذميمة" (.)3
كإُف جانب ىذه النظرية اعبمالية اػبالصة للشعر ،البعيدة عن األحكاـ األخبلقية ،فإننا نرل أنو لوال
98
االلتزاـ اؼبنطقي لقدامة يف (نقد الشعر) لكنا قد حصلنا على كتاب يف النقد األديب اػبالص ،كلكانت
نظريتو يف اللفظ كاؼبعٌت أقرب إُف الوضوح ،كأبعد عن ىذه التفريعات كالًتكيبات اليت ال تنتهي كال تنتهي
معها صفاهتا سوءا أك جودة.
99
المحاضرة التاسعة:
قضية اللفظ والمعنى عند نقاد المغرب واألندلس
-عبد الكريم النهشلي (405ى ):
ذكر ابن رشيق القَتكاين أف عبد الكرًن النهشلي كاف يرل أف التقدمة كالتفضيل يكوف للفظ على
اؼبعٌت كأنو كاف يؤثر اللفظ على اؼبعٌت يف شعره كسائر تآليفو كىو يقوؿ" :الكبلـ اعبزؿ أغٌت عن اؼبعاين
اللطيفة من اؼبعاين اللطيفة عن الكبلـ اعبزؿ"(.)1
كردبا رجع اعتداد النهشلي باللفظ دكف اؼبعٌت إُف طبيعتو اليت تتميز باحملدكدية من جهة اإلتياف
باؼبعاين اؼبخًتعة (اللطيفة) ،كقدرتو على استخداـ اللفظ اعبزؿ يف معرض اؼبعاين البسيطة القريبة "فمقدرة
النهشلي إمبا تأيت من جهة براعتو يف تأليف الكبلـ ،كترتيب األلفاظ ،حىت تؤدم اؼبعاين اليت يطرقها كىو
ينحو يف ذلك منحى الفخامة كاعبزالة ،شأنو يف ذلك شأف الشعراء الفحوؿ ،كتتجلى ىذه الظاىرة خباصة
يف موضوعات اؼبدح كاؽبجاء كالوصف اليت يبتاح فيها من معُت الشعر القدًن الذم يبتاز بقوة الكبلـ"(.)2
كنستدؿ على مدل اىتماـ النهشلي باللفظ اعبزؿ الفخم القوم مع بساطة اؼبعٌت ببعض قولو يف
كصف فيل.)3( :
الصمر
لمل كما لُمل ّ
ُمصبّرة ْ كطود جائل فوق أربع
يجيء ْ
(-)1ابن رشيق القَتكاين ،العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو ،ج ،1تح :توفيق النيفر كـبتار العبدم كصباؿ ضبادة ،آّمع التونسي للعلوـ
كاآلداب كالفنوف (بيت اغبكمة) ،تونس ،ط ،2009 ،1ص .225
(-)2أضبد يزف ،النقد األديب يف القَتكاف يف العهد الصنهاجي ،مكتبة اؼبعارؼ للنشر كالتوزيع ،الرباط ،دط1985 ،ـ ،ص .99
(-)3ابن فضل اهلل العمرم :مسالك األبصار يف فبالك األمصار ،ج ،17تح :كامل سليماف اعببورم ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط ،1
2010ـ ،ص .156
100
كبعد أف يعطي النهشلي رأيو اػباص يستعرض آراء بعض الكتاب اليت تدلنا على أف البعض كاف
يؤثر اؼبعٌت على اللفظ كيعده أكال كاللفظ الحقا بو ،كمنهم من َف ير تفاضبل بينهما فقاؿ باؼبساكاة
بينهما(.)1
َف يقل ابن رشيق بالفصل بُت اللفظ كاؼبعٌت ،بل اعتقد أهنما ركنا الشعر ال يقوـ إال ّٔما مرتبطُت
متعاضدين ،كذىب إُف أف أم خلل أك عطب يصيب أحدنبا يؤثر يف اآلخر فيمس اػبلل الشعر صبلة،
كردبا يكوف قد أخذ عن ابن طباطبا العلوم حيث نسب يف كتابو (عيار الشعر) قولةن ألىل الفكر مفادىا
أف اللفظ جسم ركحو اؼبعٌت فقاؿ" :اللفظ جسم ركحو اؼبعٌت كارتباطو بو كارتباط الركح باعبسم :يضعف
بضعفو ،كيقول بقوتو" ( .)2إهنا –إذف -عبلقة عضوية متينة ترتبط اؼبعٌت بلفظو ،دكف التورط يف االعًتاؼ
دبزية أحدنبا على اآلخر ،فكل منهما موجود بفضل اآلخر ،صحيح بفضل صحة اآلخر ،كضعيف ـبتل
كىجنة عليو ،كما يعرض لبعض
بضعف اآلخر ،فإذا "سلم اؼبعٌت كاختل بعض اللفظ كاف نقصا للشعر ي
األجساـ من العرج كالشلل كالعور كما أشبو ذلك من غَت أف تذىب الركح"(.)3
فاعبسم إذا اعتوره نقص كأصابو عطب ،ظهر ذلك النقص على الصورة العامة كاؽبيئة لصاحب
ذلك اعبسم ،فبانت الفركؽ بينو كبُت أصحاب األجساـ السليمة ،على أف ذلك ال يبكنو أف يلحق العطب
بالركح فهي سليمة صحيحة ،كإمبا نسمي صاحب ىذا اعبسم اؼبختل كالركح السليمة مشلوال ،أك مفلوجا،
أك أعور ....إُف غَت ذلك من التسميات اؼبتأتية من العلة البلحقة باعبسم ،كذلك شأف الشعر الذم سلم
معناه كاختل لفظو.
كيرل ابن رشيق أف أم اضطراب يف اؼبعٌت البد أف يظهر على اللفظ يكوف لو منو اغبظ األكفر؛
"كالذم يعرض األجساـ من اؼبرض دبرض األكراح"(.)4
كيرل أف اؼبعٌت يلحقو اػبلل من جهة اللفظ ككونو هبرم على غَت الواجب ،كالواجب يقصد منو
101
قواعد اللغة ،فإف األلفاظ إذا خالفت يف تركيبها مقتضيات اللغة كضوابطو ا ،كاختلت الصياغة كاضطربت
كاف ذلك عجزا يف التعبَت عن اؼبعٌت اؼبراد كإخبلال بو ،كنفهم من ىذا أف اؼبعٌت اغباصل يف النفس ال يبكنو
أف يكوف معيبا إال بعد أف يعرب عنو بصياغة زبالف قواعد اللغة.
كىنا نسجل مبلحظة على رأم ابن رشيق يف اللفظ كاؼبعٌت ،فنحن نقرأ لو أهنما كاعبسد كالركح أم
ال سبيل إُف االنفصاؿ بينهما ،كأف كل خلل يقع على أحدنبا ىو كاقع على اآلخر ضركرة ،لكننا نقرأ لو
كال قبد معٌت ىبتل إال من جهة اللفظ (.)1
كىذا ما كنا بصدد شرحو من أف اؼبعٌت ىنا غَت معيب كال يلحقو اػبلل كاالضطراب إال من جهة
اللفظ ،كىذا فصل كاضح بُت اؼبعٌت كلفظة ،كأف اؼبعٌت يبقى سليما صحيحا إُف أف يرتبط باأللفاظ اليت
جرت "على غَت الواجب" فيظهر عليو االضطراب.
كيتابع ابن رشيق " :فإذا اختل اؿ اؼبعٌت كلوي كفسد بقي اللفظ مواتا ال فائدة فيو كإف كاف حسن
الطبلكة يف السمع ،كما أف اؼبيت َف ينقص من شخصو شيء يف رأم العُت ،إال أنو ال ينتفع بو كال يفيد
فائدة" (.)2
كىنا يبدك اضطراب ابن رشيق كاضحا يف نظرتو إُف قضية اللفظ كاؼبعٌت ،فإذا كاف قد أكد أف اؼبعٌت
ال يأتيو اػبلل إال من جهة اللفظ ،فكيف تعكس جهة التأثَت ىنا ،فيصبح اللفظ ىو اؼبتأثر بفساد اؼبعٌت،
بل إف ىذا اللفظ يصبح ميتا ال ركح فيو كإف كاف حسن الطبلكة يف السمع ،كمن أين يأتيو حسن الطبلكة
كيستلذ يف السمع كىو فاسد ميت ال فائدة فيو.
يصح لو معٌت،
كنتأكد من اضطراب ابن رشيق حُت يقوؿ" :ككذلك إف اختل اللفظ كتبلشى َف ٌ
ألنا ال قبد ركحا يف غَت جسم البتة"(.)3
فما العبلقة بُت اختبلؿ اللفظ كىو موجود كتبلشيو هنائيا ،فهل معٌت االختبلؿ ىو التبلشي ،كإذا
تبلشي اللفظ كَف يعد لو كجود ،فأية قضية يتحدث فيها ابن رشيق؟ إال إذا كاف ىنا وبيلنا على (الصمت)
102
إذ إنو ماداـ اللفظ َف ىبرج إُف العلن ،كَف يظهر يف الوجود نطقا أك كتابة ،فبل معٌت إذف يعرب عنو.
كنتفق ىنا مع أضبد يزف الذم رأل أف "ابن رشيق َف وبكم كبلمو يف اؼبوضوع ،ذلك أننا قبد أنفسنا
إزاء ثبلثة مفاىيم :فهناؾ اللفظ كاؼبعٌت كالشعر ،مث إف ارتباط الركح باعبسد ارتباطا قاببل لبلنفصاـ ،فبا يدؿ
على أف الفكرة َف تكن ناضجة يف ذىن ابن رشيق" (.)1
كيرل ابن رشيق َّ
أف للناس (أم الشعراء) آراء كمذاىب فمنهم من:
فرقة تذىب إُف فخامة الكبلـ كجزالتو على مذىب العرب كقوؿ بشار:
كيرل ابن رشيق أف مثل ىذا الشعر ألٍيق بالفخر كأنسب ؼبدح اؼبلوؾ ،فإنو البد أف تيصاغ ىذه
اؼبواضيع باللفظ القوم الذم عليو سيماء الفخامة كالوجاىة حىت يؤدم اؼبعٌت كما هبب لو.
ىذ ـ مخ
ؼبع أبيض ٍ
فقالت :ي
ٍ ىكسامت ظـ أجرد شي
كقع ٍ
فقالت ي
ٍ ت
اخ ٍ
أص ى
ى
(.)2 قت إالٌ بػينرل يف يـب ٌدـ
ىكالىىرىم ٍ عرت إال عبرس يحليٌها
ذي ٍ ىكما
كيقوؿ ابن رشيق إف ىذا الشعر نسيب ،غَت أف الشاعر خالف اؼبراد ،فليس ىذا اللفظ اعبزؿ يعرب
بو عن الغزؿ كالنسيب كىو موضوع الرقة كاللٌُت؛ فإف الشاعر إذا تكلف الفخامة يف بعض اؼبواضع أك
"سلك طريق الصنعة أضر بنفسو كأتعب سامع شعره"(.)3
103
ككاف ذلك ؿبمودا على الرغم من الركاكة كاللُت اؼبفرط مثل قوؿ أيب العتاىية:
كيرل ابن رشيق أف مثل ىذا الشعر يف باب الغزؿ جيد ؿبمود كمطلوب(.)1
"كمنهم من يؤثر اؼبعٌت على اللفظ فيطلب صحتو ،كال يباِف حيث كقع من ىجنة اللفظ كقبحو
كخشونتو :كابن الركمي ،كأيب الطيب كمن شاكلهما :ىؤالء اؼبطبوعوف" ( ،)2فهذا فريق من الشعراء ال
يهمهم من الشعر إال اف يكوف معناه صحيحا ،مث ىم ال يعبؤكف بصفة األلفاظ ككيف ىي مهما كانت
خشنة أـ قبيحة أـ ىجينة ،كإنو لرأم عجيب من ابن رشيق يف ىذا الفريق من الشعراء الذم يقدـ للمتلقي
اؼبعٌت الصحيح يف معرض من ألفاظ ىجينة كقبيحة ،كاألعجب أنو يبثل ؽبذا الفريق بابن الركمي كاؼبتنيب،
كاألكثر عجبا أنو يصف ىذين الشاعرين كمن شاكلهما بأهنم مطبوعوف "كيبكن أف نأخذ عليو ىنا تسرعو
يف اغبكم ،ألف كبلمو ينطبق على بعض أشعار ىؤالء ال كلها ،قولو (ىؤالء اؼبطبوعوف) يبكن قبولو بالنسبة
إُف ابن الركمي ،أما اؼبتنيب فبل ألنو كاف (قطبا كبَتا يف مذىب التصنع) يتكلف البديع كيوظف الثقافات
اؼبختلفة يف شعره"(.)3
كيذىب ابن رشيق إُف أف الرأم الغالب على الناس يف قضية اللفظ كاؼبعٌت ىو تفضيل اللفظ على
اؼبعٌت" ،ظبعت بعض اغبذاؽ يقوؿ :قاؿ العلماء :اللفظ أغلى من اؼبعٌت شبنا كأعظم قيمة كأعز مطلبا ،فإف
اؼبعاين موجودة يف طباع الناس يستوم اعباىل فيها كاغباذؽ ،كلكن العمل على جودة األلفاظ ،كحسن
السبك كصحة التأليف"(.)4كليس ىذا سول قولة اعباحظ اؼبشهورة ،اؼبعاين مطركحة يف الطريق...اٍف.
كاؼبهم أف ابن رشيق قد حرص على عرض ـبتلف اآلراء يف قضية شائكة مثل قضية اللفظ كاؼبعٌت،
104
كىي القضية اليت َف ينتو اغبديث فيها منذ القدًن كصوال إُف عصرنا اغباِف.
كقد أبدل ابن رشيق كجهة نظره فأباف عن انتمائو إُف فريق يقدر األمور يف غَت مغاالة أك تطرؼ،
فكاف أف قدر لكل من اللفظ كاؼبعٌت قدرنبا كأكد أف العبلقة بينهما غَت قابلة للكسر ،فهما ركح كجسد
كال بقاء كال صبلح ألحدنبا إال ببقاء كصبلح اآلخر.
يكاد يتفق الباحثوف أف كتاب حازـ القرطاجٍت (منهاج البلغاء كسراج األدباء) ليس إال اعبزء اؼبتبقى
من الكتاب ،كأف شبة جزءا أكال منو ما يزاؿ مفقودا كيرجح أنو اعبزء الذم تكلم فيو حازـ عن األلفاظ،
ألف إحاالت حازـ نفسو تؤكد فرضية ضياع اعبزء األكؿ من كتابو "كقد تقدـ الكبلـ يف ما تكوف عليو
األلفاظ أنفسها كبالنظر إُف ىيآهتا كداللتها ككيفية مواقع تلك اؽبيئات بداللتها من النفوس"(.)1
كأما عن عبلقة اللفظ باؼبعٌت فهي عبلقة تبعية كمن أىم القواعد اليت يقررىا حازـ كيشًتطها يف
األلفاظ أف تكوف ـبتارة ،حسنة الداللة على اؼبعٌت ،تابعة لو.
كما أف أحسن األلفاظ ما عذب كَف يبتذؿ يف االستعماؿ كىو يرل أيضا "أف األلفاظ اؼبستعذبة
اؼبتوسطة يف االستعماؿ أحسن ما يستعمل يف الشعر ؼبناسبتها األظباع كالنفوس ،كحسن موقعها منها "كال
اتساعا حيث تضطره األكزاف كالقوايف"(.)2 الساقط إالَّ ي
تساؿبنا ك ن يستعمل الشاعر اغبوشي ك ٌ
يشًتط حازـ يف اللفظ أف يكوف عذبا كذلك غبسن موقع اللفظ العذب يف األظباع كيف النفوس،
حىت إف كاف معٌت ىذا اللفظ العذب غَت معركؼ" ،ألنو مع استعذابو قد يفسر معناه ،ؼبن ال يفهمو ما
يتصل بو من سائر العبارة ،كإف َف يكن يف الكبلـ ما يفسره َف يعوز أيضا كجداف مفسره لكونو فبا يعرفو
خاصة اعبمهور أك كثَت منهم كاإلتياف دبا ييعرؼ أحسن"(.)3
كبالنسبة إُف اؼبعاين فإف حازـ القرطاجٍت يؤكد على (عملية التأثَت) يف اؼبتلقي كما يسميو (ربريك
(-)1حازـ القرطاجي ،منهاج البلغاء كسراج األدباء ،تح :ؿبمد اغببيب بن اػبوجة ،دار الغرب اإلسبلمي ،بَتكت ،ط 2007 ،4ـ ،ص ص
.18 ،17
(-)2علي لغزيوم ،نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس مطبعة سايس ،فاس ،اؼبغرب ،ط 2007 ،1ـ ،ص .92
(-)3حازـ القرطاجٍت ،منهاج البلغاء ،ص .29
105
النفس)" :اؼبقصود بالشعر االحتياؿ يف ربريك النفس ؼبقتضى الكبلـ بإيقاعو منها ؿبل القبوؿ"(.)1
كمن أجل حدكث ىذه الغاية الوظيفية للشعر ،كاف البد أف تكوف اؼبعاين الشعرية ىي ما اشتدت
علقتو بأغراض اإلنساف ك"اشًتكت يف قبوؽبا (أك النفور منها) نفوس اػباصة كالعامة حبكم الفطرة أك العادة؛
كذلك أف ذبمع اؼبعاين بُت أف تكوف معركفة كمؤثرة يف آف معا ،أك أف تصبح مؤثرة بعد أف تعرؼ كأحسن
األشياء اليت ذبتمع فيها اؼبعرفة كالتأثَت معا ىي ما فطر الناس على استلذاذه أك التأَف منو"(.)2
كيؤكد حازـ على استثناء اؼبعاين اليت ال يبكنها ألحداث التأثَت يف نفس السامع كمن مث كجب
إقصاؤىا عن الشعر على الرغم من معرفة صبهور اؼبتلقُت ّٔا ،كىذه اؼبعاين ىي "اؼبتعلقة بصنائع أىل اؼبهن
لضفتها ،فإف غالب عباراهتم ال وبسن أف تستعار كيعرب ّٔا عن معاف تشبهها ألهنا مزيلة لطبلكة الكبلـ
كحسن موقعو من النفس"(.)3
كباإلضافة إُف معاين أىل الصناعة اليت ال ربدث أثرا يف نفس اؼبتلقي يقصي حازـ كذلك معاين
اؼبسائل العلمية ألف أكثر اعبمهور ال يعرفها ،فإف عرفها َف يستلذ ّٔا كَف يتأثر ّٔا.
سلك ابن خلدكف درب اعباحظ كقاؿ باؼبعاين اؼبطركحة يف تلك الدرب؛ يقوؿ" :اعلم أف صناعة
الكبلـ نظما كنثرا إمبا ىي يف األلفاظ ال يف اؼبعاين ،كإمبا اؼبعاين تبع ؽبا كىي أصل ،فالصانع الذم وباكؿ
( ،)4كنرل أف ابن ملكة الكبلـ يف النظم كالنثر ،إمبا وباكؽبا يف األلفاظ حبفظ أمثاؽبا من كبلـ العرب"
خلدكف ال يقصر قضية اللفظ كاؼبعٌت على الشعر إمبا هبعلها عامة شاملة لكل تأليف أديب سواء أشعرا كاف
أـ نثرا ،كىذا التأليف صناعة البد من حصوؿ اؼبلكة فيها أكال كال وبدث ىذا إال حبفظ كبلـ العرب،
صل ملكة اللساف يف النطق أما اؼبعاين فهي موجودة عند كل كاحد كيف طوع كل فكر
فاغبفظ ىو الذم يوب ٌ
منها ما يشاء كيرضى"(.)5
106
كألف اؼبعاين موجودة بالطبيعة يف كل فكر َف يكن وبتاج إُف تكلف الصناعة يف تأليفها ،أما إخراج
ىذه اؼبعاين من الفكر إُف الوجود اؼبعاين فهو ما وبتاج إُف الصناعة اليت يصَت بواسطتها الصانع إُف تأليف
الكبلـ للعبارة عن ىذه اؼبعاين.
كهبعل ابن خلدكف للكبلـ (نظما كنثرا) طبقات تًتاتب حسب تراتب اللفظ الذم يشبٌهو
بالقالب"كىو دبثابة القوالب للمعاين" ( ،)1كحبسب طبقية القوالب أك األكاين تكوف طبقية الكبلـ /النص
الصدؼ كالزجاج
األديب" ،فكما أف األكاين اليت ييغًتؼ ّٔا اؼباء من البحر منها آنية الذىب كالفضة ك ٌ
كاػبزؼ ،كاؼباء كاحد يف نفسو ،كزبتلف اعبودة يف األكاين اؼبملوءة باؼباء باختبلؼ جنسها ال باختبلؼ
اؼباء"( ،)2فاؼباء كاحد ال يتغَت (ماء البحر) غَت أف األكاين اليت يجعل فيها ـبتلفة ،لذلك فإف الناظر إذا رأل
األكاين رأل اؼباء كاحدا فيها صبيعا ،لكن اإلعجاب يكوف للهيئة كالصورة اؼبنظورة كىي اآلنية .كالبد أف آنية
الذىب ال تتساكل بآنية الزجاج أك اػبزؼ ،كذلك النصوص تتقاسم اؼبعاين اؼبوجودة يف الضمائر لكنها
زبتلف من حيث لغتها اليت تصنع ىذه الطبقية باختبلفها.
كىبتم ابن خلدكف كبلمو عن األلفاظ كاؼبعاين بقولو" :كاهلل يعلمكم ماَف تكونوا تعلموف" ( .)3كردبا
كاف اىتماـ ابن خلدكف بعملية التعلم كاعتقاده بأف األدب صناعة ىو ما أدل إُف تصوره أف اغبفظ
كالتكرار الذم وبصل ملكة نطق اللغة يف اللساف كفيل بأف هبعل من اؼبتعلم أديبا أك شاعرا على الرغم من
أنو ىو ذاتو يشكو من عدـ قدرتو على قوؿ الشعر على الرغم من ؿبفوظو من الشعر ككبلـ العرب.
كلبلص إُف نتيجة مفادىا أف نقاد األندلس كاؼبغرب كاف تفكَتىم متباينا فيما ىبص قضية اللفظ
كاؼبعٌت شأهنم شأف نقاد اؼبشرؽ ،فمنهم من اعتد باللفظ كرأل أف اؼبعاين تابعة لو ،كمنهم من اعتد باؼبعٌت،
كمنهم من رأل أف ال انفصاـ بينهما فهما يف عبلقة أشبو بعبلقة الركح باعبسد.
107
المحاضرة العاشرة:
الصدق في النقد العربي القديم
قضية ّ
قبل الولوج إُف درس الصدؽ يف الًتاث النقدم العريب ،هبدر بنا تبُت معٌت كلمة (الصدؽ) حىت
نفهم َف كاف الصدؽ قضية أثارت اعبدؿ ككاف من النقاد فريق ينافح عنها ،كآخر يقف ضدىا ،كآخر ردبا
رأل رأيا كسطا ىبرج الفريقُت األكلُت من مزالق الشطط كاؼببالغة ،سعيا للحفاظ على الصورة الناصعة للنص
الشعرم العريب الذم وبكي أحبلـ العريب كآمالو كرؤاه ككاقعو ،ككل مالو عبلقة بو مصداقا لقوؿ عمر ابن
اػبطاب (كاف الشعر علم قوـ َف يكن ؽبم علم أصح منو) .كقد كاف الشعر ديواف العرب كالبد أف لكلمة
الديواف عبلقة بفعل التدكين :فهل يدكف اإلنساف ما كاف متسما بالصدؽ فقط ،متصبل بالواقع ال يعدكه؟
أـ إف لديو موضوعات أخرل وبرص على تدكينها كتثبيتها حىت ال هترب من اؼبخيلة اػبصبة؟
الصدق في اللغة:
ّ -
كصدَّقو :قبل ً
ص ىداقنا ،ى
ص ٍدقنا كص ٍدقنا كتى ٍ
ص يد يؽ ى
قاؿ ابن منظور" :الص ٍد يؽ :نقيض الكذب ،صدؽ يى ٍ
اغبديث :أنبأهي بالصدؽ"(.)1
ى كص ىدقة
ٍقولوي ،ى
األمر:
كمصداؽ ٍ
الصبلبةٍ ،
صدؽ ٌ
كيضيف صاحب احملكم " :كاؼبصدؽ ،أيضا ،اغبد ( )...كاؼبى ٍ
الصلب من الرماح"(.)2
الص ٍدؽٌ :
حقيقتو ( )...ك ٌ
نقيض الكذب كضدُّه ،كأف تصدؽ يف حديثك معناه أف تأيت
الص ٍدؽ-إذف -يف حدّْه اللغوم ي
ّْ
بالصدؽ ،وبيلنا ىذا اؼبعٌت على (اإلظهار) ك(الكشف) ك(تقدًن الشيء كعرضو كما ىو دكف ؿباكلة حجبو
ّْ
أك إخفاء جزء منو) كأف تصدؽ اغبديث معناه أف تتحدث بالصدؽ ،كتقوؿ ما هبعل السامع يقبل
108
حديثك دكف أف يداخلو الشك ،ككأف اغبديث الصادؽ ىنا ىو اغبديث الواضح البُت.
يكوف اؼبعٌت اللغوم للصدؽ ىو أف تقدـ قولك خلوا من الكذب ،ظاىرا منكشفا ،فيقبلو منك
البُت ،اعباد ،الذم أكسبو
السامع دكف أف يشك فيو كلو أك بعضو كالكبلـ الصادؽ ىو الكبلـ اغبقيقي ّْ
بيانيو قوة كصبلبة ،فهو يستقر يف ذىن السامع كقلبو ،كوبقق مراده كيصل إُف غايتو اؼبرجوة.
كالصدؽ يف االصطبلح ىو أف يقوؿ اؼبرء فبل يكذب كيأيت باغبقيقة كما ىي .لكن الصدؽ يف النقد
العريب القدًن مثَّل قضية كآثار جدال فكاف أف قوبل الصدؽ بالكذب كمن مث نشأت قضية الصدؽ
كالكذب.
ظهرت ىذه القضية منذ القدًن ،كالبد أف القدماء قد قصدكا منها معاعبة الكبلـ كمدل اتصالو
بالواقع ،كاتصالو بو حبيث ال يبطل ىذا الكبلـ إذا رجع بو اؼبستمع إُف ما ىو كائن كمعاين ،كيرل
،1القاىرة ،ط ،3دت، ( -)1جبلؿ الدين السيوطي ،اؼبزىر يف علوـ اللغة كأنواعها ،تح :ؾبموعة من األساتذة ،مكتبة دار الًتاث ،ج
ص.335
109
الباحثوف أف ىذا اؼبقياس يف اغبكم على الكبلـ ،ظهر مع اػبطابة ،فقد كانوا يركف أف الصدؽ كالكذب من
صفات اػبطابة التصاؽبا بالسياسة كاغبكم ،كالسياسة كاغبكم بالدين ،كىذا االرتباط أضفى على اػبطابة
صفة الصدؽ الذم تقف عنده األخبلؽ كتتطلبو اؼبواصفات االجتماعية"(.)1
كعلى الرغم من أف اػبطابة كانت سبثل فنا نثريا مبجبل يف الًتاث العريب ،فإف الشعر كاف أرفع مكانة
منها ككاف التقدًن للشعراء ألف الشعر كاف أكثر قدرة على التعبَت عن اغبياة اعباىلية دبختلف مستوياهتا
لذلك يكصف الشعر بأنو (ديواف العرب) ،كال بد أف ىذا الديواف الذم كاف العريب يرجع إليو يف ـبتلف
اؼبناسبات ،ككلما دعت ضركرةَ ،ف يكن فيو إال ما كاف صادقا كحقيقيا ،غَت أف تطورا ما حدث يف مسَتة
ىذا الشعر حطو عن مكانتو األكُف؛ ذلك أنو َف يعد مرجعا يستأنس بو كديوانا ييرجع إليو؛ كاف ىذا التطور
أح ىك ىم ( )...مث رغب
أص ىح ك ٍ
ىو ظاىرة التكسب بالشعر" ،ككاف ىذا يف اعباىلية أكؿ ما نشأ الشعراء َّ
السنية،
الرغيبة كالعطايا َّ ً
اؼبلوؾ يف اصطناع الشعراء لما ىكجدكا يف الشعر من اؼبنافع ،فأعطوىم اؽببات ٌ
فدعاىم ذلك إُف أف خلطوا الباطل باغبق كشابوا الكذب بالصدؽ ،فقالوا يف اؼبمدكح فوؽ ما كاف فيو،
كقرظوه دبا ليس لو بأىل فنزلوا رتبة عن تلك الدرجة"(.)2
َّ
كحسب ىذا النص فقد كانت حاجة اؼبلوؾ إُف الشعراء كرغبة الشعراء يف اؼباؿ ىي ما أخل بصدؽ
الشعر العريب .إذ الشك أف اؼبمدكح َف يكن يطلب من الشاعر أف يتحدث عن صفاتو فحسب ،بل إنو كاف
يطلب منو أف هبعلو مثاال يًتفع عن الواقع كيبثل الصورة اليت ذبمع يف إطارىا الفضائل اليت سبجد اؼبمدكح كزبلد
ذكراه ،لذلك كاف على الشاعر أف (يكذب) كأال يلتزـ بقوؿ اغبقيقة اليت يعرفها اعبميع.
كيف اذباه مضاد رأل عمر بن اػبطاب رضي اهلل عنو أف شاعرية الشاعر ال تتم إال بالصدؽ كمن مث
(َّ .)3
إف ما أراده عمر بن اػبطاب فإف اؼبادح الذم ال يبدح الرجاؿ إال دبا فيهم ىو أشعر الشعراء
كصبهور من اؼبتلقُت العرب كاف الصدؽ الواقعي ،أم ذكر األحداث كما كقعت حقيقة حىت يوصف الشاعر
بأنو صادؽ ،كلكن ماذا كانت آراء الشعراء العرب ،ىل قبلوا ىذه الواقعية يف الشعر أـ إهنم أك بعضهم كاف
(-)1ؿبمد صايل ضبداف كعبد اؼبعطي مبر موسى كمعاذ السرطاكم .قضايا النقد األديب ،دار األمل للنشر كالتوزيع ،األردف ،ط 1990 ،1ـ،
ص .28
(-)2كليد قصاب ،النقد العريب القدًن نصوص يف االذباه اإلسبلمي كاػبلقي ،دار الفكر ،دمشق ،دط ،2005 ،ص .34
(-)3يراجع :ؿبمد بن سبلـ اعبمجي ،طبقات فحوؿ الشعراء ،ج ،1ص .63
110
لو رأم ـبالف؟
(.)1 بيت يقاؿ إذا أنشدتو صدقا كإف أ ٍشعر بيت أنت قائلو
ككاضح من معٌت البيت أف حساف بن ثابت يقف مع الصدؽ الواقعي ،كيعتقد أف أشعر بيت يقولو
الشاعر ،ىو ذلك البيت الذم اذا ظبعو اؼبتلقي شهد بصدؽ قائلو.
أما البحًتم فقد أطلق صرختة اؼبشهورة يعًتض ّٔا على ىذه اغبدكد اليت تضيق على الشعراء
كتسجنهم يف سجن الواقع.
يقف البحًتم ضد اؼبناطقة كاغبدكد اليت كضعوىا للشعراء ،كيعلن أف الشعر سبيلو ليس سبيل
اؼبنطق ،فإف كاف اؼبنطق يتسم بوضع اغبدكد ،فإف الشعر وبلق يف متسع من اغبرية ،كليس يطلب من
الشاعر أف يلتصق نصو حبدكد الواقع ،فبل يقوؿ إال ما ىو مقرر موجود يصادؽ عليو اؼبنطق ،بل إف الشعر
ؾبالو الكبلـ الذم إذا عرض على اؼبنطق َف يستطع إصدار حكم عليو.
أ-/صدؽ كاقعي يعرب عن الواقعة كالتجربة كما ىي يف الواقع كىبرب عنها كما ىي يف اغبقيقة.
ب-/صدؽ فٍت كىو "أصالة الكاتب يف تعبَته ( )...كىناؾ الكذب الفٍت ،الذم توجبو الصورة
الفنية كما اؼبدح التكسيب إال نوعا من ىذا ،ألف الصورة فيو غَت صادقة"(.)3
-ابن طباطبا العلوي ( 322ى ) :وبدد ابن طباطبا اؼبثل األخبلقية عند العرب كيوضح أف اؼبدح
كاؽبجاء يبٍت على ىذه اؼبثل مث يقوؿ" :كاستعملت العرب ىذه اػببلؿ كأضدادىا ،ككصفت ّٔا يف حاِف
(-)1ابن رشيق القَتكاين ،العمدة ،ج ،1ص ،207ككذلك عبد الرضبن الربقوقي ،شرح ديواف حساف بن ثابت ،اؼبطبعة الرضبانية ،القاىرة،
دط ،1929 ،ص .292
(-)2البحًتم ،ديواف البحًتم ،مج ،1تح :حسن كامل الصَتيف ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،3دت ،ص .209
(-)3ىند طو حسُت ،النظرية النقدية عند العرب ،منشورات كزارة الثقافة كاإلعبلـ ،بغداد ،دط1981 ،ـ ،ص .196
111
اؼبدح كاؽبجاء مع كصف ما ييستعد بو ؽبا كيتهيأ الستعمالو فيها ،كشعبت منها فنونا من القوؿ كضركبا من
األمثاؿ كصنوفا من التشبيهات ستجدىا على تفننها كاختبلؼ كجوىها يف االختيار الذم صبعناه ،فتسلك
يف ذلك مناىجهم ،كربتذل على مثاؽبم إف شاء اهلل تعاُف(.)1
يدعو ابن طباطبا الشعراء إُف التزاـ العرؼ كعدـ اػبركج عما أقرتو العرب لنفسها من اػببلؿ
كاػبصاؿ احملمودة ،فيمدح ّٔا ،كإف أراد اؽبجاء قصد إُف أضدادىا فاستعملها يف ىجائو.
يبدم ابن طباطبا اىتماما كبَتا بالصدؽ يف اؼبعاين"[ :فإذا كافقت ىذه اؼبعاين ىذه اغباالت
تضاعف حسن موقعها عند مستمعها" السيما إذا أيدت دبا هبلب القلوب من الصدؽ عن ذات النفس
كالتصريح دبا كاف يكتم منها كاالعًتاؼ باغبق يف صبيعها ،كيرل أف من أسباب حسن األشعار أف تودع
حكمة تألفها النفوس ،كترتاح لصدؽ القوؿ فيها ،كما أتت بو التجارب منها أك تضمن صفات صادقة
كتشبيهات موافقة كينصح الشاعر حُت يعمل شعره أف "يسوم أعضاءه كزنا ،كيعدؿ أجزاءه تأليفا ،كوبسن
صورتو إصابة كيكثر ركنقو اختصارا ،كيكرـ عنصره صدقا ،كحُت يتحدث عن تشبيهات معينة ظبتها
الصدؽ ،كيشرح لو التشبيهات الصادقة فيقوؿ« :ما كاف من التشبيو صادقا قلت يف كصفو كأنو أك قلت
ككذا ،كقارب الصدؽ قلت فيو :تراه أك زبالو أك تكاد"](.)2
كىذا النوع من الصدؽ الواقعي الذم يؤكد عليو ابن طباطبا ىو ما يسمى بالصدؽ الواقعي اػبارجي
كمثلو ما كاف قريبا من اغبقيقة حىت كإف عرض يف باب آّاز ،فيجب على الشاعر أف يتجنب اؼبعاين
البعيدة الغىلًقة ،كيقصد إُف ما كاف قريبا من اغبقيقة إذا تعلق األمر بآّاز كيستعمل "من االستعارات ما
يليق باؼبعاين اليت يأيت ّٔا"(.)3
(-)1ابن طباطبا العلوم ،عيار الشعر ،تح :عباس عبد الساتر ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط 2005 ،2ـ ،ص .19
(-)2عبد السبلـ عبد العاؿ ،نقد الشعر بُت ابن قتيبة كابن طباطبا ،دار الفكر العريب ،مطبعة دار القرآف ،القاىرة ،دط ،دت ،ص .281
(-)3ابن طباطبا ،مصدر سابق ،ص .123
112
(.)1 علي كال يقيٍت
أما ييبقى ٌ
تكلمت
فهذه اغبكاية كلها عن ناقتو من آّاز اؼبباعد للحقيقة ،كإمبا أراد الشاعر أف الناقة لو ٌ
ألعربت عن شكواىا دبثل ىذا القوؿ (.)2
ٍ
كتأكيدا على مذىبو يف كجوب التزاـ الشاعر للصدؽ ،يبنح ابن طباطبا للشاعر فسحة للتعبَت عن
دكاخل نفسو كما هبوؿ فيها من ـبتلف اؼبشاعر كما يتصل ّٔا من األحاسيس فيقوؿ" :كليس زبلو األشعار
قتص فيها أشياء ىي قائمة يف النفوس كالعقوؿ ،فيحسن العبارة عنها كإظهار ما يبكن يف الضمائر
من أف يي َّ
منها فيبتهج السامع ؼبا يرد عليو فبا قد عرفو طبعو كقبلو فهمو" (.)3
كما يتحدث عنو ابن طباطبا ىنا ىو الصدؽ الواقعي الداخلي أك النفسي لكننا نبلحظ أنو ال يفلت
قره منذ البداية إذ يكوف ما يبهج السامع من الشعر الذم يصف دكاخل النفس
من حدكد الصدؽ الذم يي ُّ
كعرفو طبعيو؛ أم ما كاف صادقا ألنو ال يقبل إالَّ الصدؽ" ،أك تودع حكمة تألفها
فهمو ى
ىو ما قبلو ي
النفوس ،كترتاح لصدؽ القوؿ فيها كما أتت بو التجارب منها أك تضمن صفات صادقة كتشبيهات موافقة،
()4
كأمثاال مطابقة تصاب ّٔا حقائقها ،كيلطف يف تقريب البعيد منها"
لبلص إُف أ ٌف ابن طباطبا قد أٌف على الصدؽ الواقعي يف اؼبعاين الشعرية اليت هبب أف تكوف على
عبلقة قوية بالعرؼ كما تعتقده العرب ،كحىت إذا تعلق األمر بالتعبَت عن التجربة النفسية كالقصد إُف
إحداث أثر يف نفس اؼبتلقي ال بد أف يكوف اؼبعٌت أقرب إُف اغبقيقة حىت إذا عرض على الفهم قبلو
كصدقو.
ربدث قدامة بن جعفر عن الصدؽ كالكذب يف الشعر حُت ذكر التناقص كأباح للشاعر أف يناقض
نفسو فيقوؿ يف اؼبعٌت كضده بشرط اف هبيد يف اغبالُت ،قاؿ قدامة" :كفبا هبب تقديبو أيضا أف مناقضة
الشاعر نفسو يف قصيدتُت أك كلمتُت بأف يصف شيئا كصفا حسنا مث يذمو بعد ذلك ذما حسنا بيٌنا ،غَت
113
منكر عليو ،كال معيب من فعلو ،إذا أحسن اؼبدح كالذـ ،بل ذلك عندم ي ٌدؿ على قوة الشاعر يف صناعتو
كاقتداره عليها" (. )1
نفهم من كبلـ قدامة أنو يقف إُف جانب الصدؽ الفٍت أم صدؽ التجربة اليت يصدر عنها الشاعر
يف اللحظة اليت ينظم فيها شعره .إف ىذا الصدؽ ىو ما يتيح للمتلقي أف يتأثر (كأف يقتنع أيضا) بشعر
الشاعر دكف أف يعنيو الصدؽ الواقعي أم دكف أف يهمو أف يكوف الشاعر قد عاين التجربة كعاشها كاقعيا،
يرد قدامة على منتقدم
كدكف أف يهمو إذا كاف الشاعر مؤمنا –كاقعيا -دبا يقولو .كيف دفاعو عن مذىبو ٌ
امرئ القيس حُت رأكا أنو ناقض نفسو حُت قاؿ:
من يل
ٌ كفاني ،ولم أطلب ،قل أسعى أل ْدنى معيشة
فَلو أن ما َ
المال
(-)1قدامة بن جعفر ،نقد الشعر ،تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،د ط ،د ت ،ص .66
(-)2نفسو ،ص 67ككذلك ديواف امرئ القيس كملحقاتو ،مج ،2شرح :أبو سعيد السكرم ،تح :أنور علياف أبو سويلم كؿبمد علي
الشوابكة ،مركز زايد للًتاث كالتاريخ ،اإلمارات العربية اؼبتحدة ،ط ،2000 ،1ص .360
(-)3ديواف امرئ القيس ،اؼبصدر السابق ،ص 580كاألقط :جنب يتخذ من لنب اإلبل خاصة ،كقاؿ احملققاف يف اؽبامش إف ىذا البيت َف
يركه األصمعي كزاده السكرم كراه آخركف ،كقد كاف األصمعي يقوؿ" :امرؤ القيس ملك ،كال أراه يقوؿ ىذا فكأنو أنكرىا" .يراجع:
الديواف ،ىامش التحقيق ،ص .580كنوافق األصمعي على إنكاره ىذا البيت؛ إذ كيف يتحدث ملك ابن ملك عن العنزة كضرعها كحلبها
مث يقوؿ إنو يقنع من الغٌت باعبنب كالسمن (راجع درس االنتحاؿ).
114
الرضى بدينء اؼبعيشة كأطرل يف موضع آخر القناعة كأخَت عن اكتفاء اإلنساف بشبعو كريو" (.)1
يبدأ قدامة يف توضيح عدـ التناقض بُت النصُت ،بل إهنما يشًتكاف يف اؼبعٌت ذاتو بزيادة يف النص
األكؿ ذلك أف امرأ القيس يقوؿ إنو لو كاف يسعى للمعيشة السهلة البسيطة لكفاه قليل من اؼباؿ ،كَف
يطلب شيئا آخر ،كىذا اؼبعٌت ىو نفسو معٌت النص الثاين الذم يقوؿ فيو إف اإلنساف يكفيو من الغٌت أف
يشبع كيرتوم .غَت أف النص األكؿ زاد بأف استدرؾ امرؤ القيس كأكضح أنو يسعى ّٓد مؤثل كال يكتفي
ألدىن معيشة.
مث يؤكد قدامة على أنو حىت لو كاف امرؤ القيس قد ناقض نفسو ألنو ال كجود لشرط يقضي بعدـ
مناقضة الشاعر لنفسو كقولو كبلما يتضاد مع كبلـ آخر ،ذلك ألف "الشاعر ليس يوصف بأف يكوف
صادقا .بل إمبا يراد منو إذا أخذ يف معٌت من اؼبعاين كائنا ما كاف أف هبيده يف كقتو اغباضر .ال أف ينسخ ما
قالو يف كقت آخر" (.)2
كإذف نستطيع القوؿ مع قدامة إنٌو ليس يطلب من الشاعر أف يكوف شعره سجبل للمبلحظات
كالنتائج العلمية اليت ال تتغَت ،بل إنو مسموح لو باالتساع كبقوؿ اؼبعٌت كضده شرط أف هبيد يف كل مرة
كيؤثر يف اؼبتلقي مهما كاف اؼبعٌت الذم يقولو فيو ،كمن ىذه اؼبعاين اليت ال ييعتد فيها بصدؽ الشاعر اؼبعٌت
الفاحش ،يقوؿ قدامة "كليس فحاشة اؼبعٌت يف نفسو فبا يزيل جودة الشعر فيو ،كما ال يعيب جودة التجارة
يف اػبشب مثبل رداءتو يف ذاتو" (.)3
ال كجود ؼبعٌت فاحش أك عفيف ،كال كجود ؼبعٌت رفيع أك كضيع ،إمبا اؼبعاين كلٌها مباح للشاعر القوؿ
الرفث كالنزاىة،
–كاف-من الرفعة كالضعة ،ك ٌ فيها بشرط بلوغ الغاية يف التجويد" :إذا شرع يف أم معٌت
كالبذخ كالقناعة ،كاؼبدح كغَت ذلك من اؼبعاين اغبميدة أك الذميمة ،أف يتوخى البلوغ من التجويد يف ذلك
إُف الغاية اؼبطلوبة" ( .)4كىنا يرفض قدامة مطالبة الشاعر بأف يكوف صادقا (الصدؽ الواقعي) كيقر الصدؽ
الفٍت ،كىو بذلك يوافق أبا بكر الصوِف ( 335ىػ) يف دفاعو عن أيب سباـ حُت اهتم بالكفر "كقد ٌادعى قوـ
115
ظننت أ ٌف كفرا ينقص من
عليو الكفر بل حققوه كجعلوا ذلك سببا للطٌعن على شعره كتقبيح حسنو ،كما ي
ضر ىؤالء األربعة ،الذين أصبع العلماء على أ ٌهنم أشعر الناس:
شعر ،كال أف إيبانا يزيد فيو ( )...ككذلك ما ٌ
ضرىم يف أنفسهم كال رأينا جريرا
امرأ القيس كالنابغة الذبياين كزىَتا كاألعشى ،كفرىم يف شعرىم ،كإمبا ٌ
كالفرزدؽ يتقدماف األخطل عند من يقدمهما عليو بإيباهنما ككفره » (.)1
قاؿ اآلمدم« :كقد ذكر بزرصبهر فضائل الكبلـ كرذائلو ،كبعض ذلك داخل يف الشعر فقاؿ :إ ٌف فضائل
الكبلـ طبس إف نقصت منها فضيلة كاحدة سقط فضل سائرىا كىي :أف يكوف الكبلـ صدقا ،كأف يقع موقع
االنتفاء بو ،كأف يتكلم بو يف حينو ،كأف وبسن تأليفو ،كأف يستعمل منو مقدار اغباجة"(.)2
كيعلق اآلمدم على كبلـ بزرصبهر (الذم كاف كزيرا ألحد أكاسرة الفرس) أف اؼبراد منو الكبلـ اؼبنثور
الذم زباطب بو اؼبلوؾ كـباطبة اؼبلوؾ تقتضي مراعاة مقاماهتم ،لكنو ال يراد بو الشاعر ألف الشاعر "ال
يطالب بأف يكوف قولو صدقا كال أف يوقعو موقع االنتفاع بو ،ألنو قد يقصد إُف أف يوقعو موقع الضرر ،كال
اف هبعل لو كقتا دكف كقت .كبقيت اػبلتاف األخرياف كنبا كاجبتاف يف شعر كل شاعر .كذلك أف وبسن
تأليفو كال يزيد فيو شيئا على قدر حاجتو" ( .)3كيرل ؿبمد مندكر أف اآلمدم "قصد بأف الشاعر ال يطلب
منو أف يكوف قولو صادقا أم ال يطلب منو الصدؽ الواقعي كإمبا "يكفي اف يكوف صادرا عن كاقع نفسي"
(.)4
غَت أف اآلمدم يبدك غَت مستوعب ؼبقولو «أعذب الشعر أكذبو» كاليت تعٌت أف أعذب الشعر
كأكثره مراعاة لشعور اؼبتلقي بلذة القراءة ما كاف مبنيا على التخييل ال على الكبلـ يف األخبار اؼبقررة
كالوقائع حيث يقوؿ يف نص للبحًتم:
116
يل
اَ َل التعادي دونو والتل ُ وح
َ أيا سكنا فات الفرا ُق بتنسو
"أراد كلفتمونا أف قبرم مقاييس الشعر على حدكد اؼبنطق ،كنأخذ نوفسنا فيو بالقوؿ احملقق حىت ال
ن ٌدعي إال ما يقوـ عليو من العقل برىاف يقطع بو كييلجئ إُف موجبو مع أف الشعر يكفي فيو التخييل
كالذىاب بالنفس إُف ما ترتاح إليو من التعليل" ( .)2ليس ىذا ىو الشعر –إذف -كلو كاف كذلك لكاف مثل
أم علم من العلوـ حيث ال تتقبل اغبقيقة إالٌ إذا سبت الربىنة على صحتها ،كقبل العقل ىذا الربىاف ،كإمبا
ؾباؿ الشعر ىو التخييل كالسماح للشاعر بأف وبلٌق يف ظباء اإلبداع ليقوؿ ما يؤثر يف النفوس كيبعث فيها
البهجة أك اغبزف ال أف يقوـ مقاـ آّادلُت.
117
البث كالفخر كاؼبباىاة ،كسائر اؼبقاصد كاألغراض ،كىناؾ هبد الشاعر سبيبل إُف أف يبدع
كال ٌذـ كالوصف ك ٌ
الصور كيعيد" (.)1
كيزيد ،كيبدئ يف اختيار ٌ
مر يف بيت حساف بن ثابت ،فَتل عبد القاىر
كأما عن القائلُت بأف «خَت الشعر أصدقو» كما ٌ
أهنم أعرضوا عن اإلغراؽ كاؼببالغة كآثركا التحقيق كالتصحيح ،كاعتماد ما يقبلو العقل كيصدقو إذ كاف مثل
ىذا الشعر بالنسبة إُف ىذا الفريق "شبره أحلى ،كأثره أبقى ،كفائدتو أظهر ،كحاصلو أكثر"(.)2
كلبرج بنتيجة مفادىا أف النقاد العرب القدامى مع تعظيمهم للحكمة كاحًتامهم للقوؿ الصائب
الذم يلقح العقوؿ كيسند اإلنساف يف خوضو لتجارب اغبياة دبا وبويو من خربات كعصارات ذبارب
الرجاؿ ،فإهنم كانوا على يقُت بأف الشعر إبداع كخلق كأنٌو كذلك كبلـ غَت عادم ذبوز فيو اؼببالغة كما
انصب حكم معظم نقادنا القدامى على النص من حيث ىو سبثيل للجماؿ كاغبسن ،كإُف
يتجاكزىا ،فقد ٌ
جانب ما قد يقدمو من حقائق كأخبار ،فإنو ال بد أف يبعث اؼبتلقي على االلبراط يف ذبربة صبالية فريدة
فيصنع ال ٌدىشة كالبهجة أك اغبزف كالشجن ،كال يكوف ذلك بالتزاـ ماىو حقيقي ككاقعي كأنٌو يف التاريخ أك
اعبغرافيا.
118
المحاضرة الحادية عشرة:
الموازانات النقدية
تمهيد:
تشَت اؼبوازنة من طريق قريب إُف معٌت الوزف كالكيل كمبلحظة رجحاف إحدل كفيت اؼبيزاف أك
اتفاقهما يف القيمة كاؼبقدار.
كليست ىذه اؼبوازنة دبا ربملو من اؼببلحظة كتسجيل الفوارؽ إال سلوكا إنسانيا ضاربا يف القدـ ،بل
حب اؼبفاضلة بُت الوسائل اليت ترمي إُف غرض كاحد ،كاؼبوازنة
الناس على ٌ
إنو فطرة يف اإلنساف ،فقد "فيطر ي
بُت األنواع اليت ترجع إُف أصل كاحد ،كقد ظهرت ىذه الفطرة جلية حُت ظهر الشعر كتبارل يف قرضو
الشعراء" (.)1
كَف تكن اؼبوازنة إالٌ ىذه اؼبفاضلة بُت الشعراء كاغبكم بتفضيل أحدىم على اآلخر /اآلخرين ،كقد
كاف ذلك يتم يف بيئات ـبتلفة منها قصور اغبكاـ كاؼبوسرين أصحاب النفوذ الذين يقصدىم الشعراء
مر بنا يف حكاية خيمة
بالقصائد اؼبدحية ،كاألسواؽ اليت يبنح فيها امتياز التحكيم ألحد الشعراء ،مثلما ٌ
النابغة النقدية.
كمنها اعبمهور اؼبتلقي الذم يستمع إُف القصيدتُت أك ؾبموع القصائد فيحكم لشاعر على حساب
آخر ،كمثل ىذه اؼبفاضلة مرت بنا يف قصة ربكيم (أـ جندب) زكج امرئ القيس ،كتغليب علقمة الفحل
عليو من الناحية الفنية.
(-)1زكي مبارؾ ،اؼبوازنة بُت الشعراء ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط 1ف 1993ـ ،ص .07
119
كاؼبوازنة سواء أمنهجا نقديا كانت أـ مفاضلة بُت الشعراء كاغبكم ألحدىم بأنو األفضل إطبلقا ،أك
فعل مسؤكؿ ككظيفة ؽبا كزهنا كمكانتها
أنو أفضل من شاعر آخر ،ليست عمبل متاحا ألم كاف ،إٌمبا ىي ه
يف أدب كثقافة أمة من األمم ،ألنو "يتميز ّٔا الردمء من اعبيٌد كتظهر ّٔا كجوه القوة كالضعف يف أساليب
البياف :فهي تتطلب ٌقوة يف األدب ،كبصرا دبناحي العرب يف التعبَت كمن ىناؾ كاف القدماء يتحاكموف إُف
النابغة ربت قبتو اغبمراء يف سوؽ عكاظ ،إذ كاف يف نظرىم أقدر الشعراء على كزف الكبلـ»(.)1
كما يهمنا يف ىذا اؼبقاـ ىو درس اؼبوازنات النقدية اليت تدخل فيما يسميو ؿبمد مندكر "النقد
اؼبنهجي" ،كقبل ىذا نعرؼ معٌت (اؼبوازنة).
الموازنة لغة:
قاؿ ابن منظور« :كزف ،الوزف :ركز الثٌقل كاػبٌفة ،الليث :الوزف ثػى ٍق يل شيء بشيء مثلو ( )...ككازنت
بُت الشيئُت موازنة ككزانا ،كىذا يوازف ىذا إذا كاف على زنتو أك كاف ؿباذيو ( )...كاؼبيزاف :العدؿ ،ككازنوي:
عادلو كقابلو»(. )2
أم
اؼبوازنة إذف متعلقة بالوزف ،كىو الكيل ،كزف شيء بشيء آخر يقابلو كيوضع بإزائو كالنظر إُف ٌ
منهما رجحت كفة اؼبيزاف أك إذا كانت الكفتاف متعادلتُت.
الموازنة اصطالحا:
«ىي اؼبفاضلة بُت شاعرين أك كاتبُت أك أديبُت أك أكثر للوصوؿ إُف حكم نقدم»(.)3
ك ٌأكؿ ما كصلنا من اؼبؤلفات النقدية العربية اليت اشتغلت باؼبوازانات النقدية ،ىو كتاب " الموازنة"
لآلمدي (370ى ) ،بل إف ىذا الكتاب جعل لو صاحبو اؼبوازنة عنوانا ليدؿ بو على منهجو ،كىبرب القارئ
عن الطريق اليت سلكها ،كالطريقة اليت ارتضاىا ليحكم بُت الطائيُت (أبو سباـ) ك(البحًتم).
قاؿ اآلمدم" :فأما أنا فلست أفصح بتفضيل أحدنبا على اآلخر ،كلكن أكزاف بُت قصيدة كقصيدة
من شعرنبا إذا اتٌفقنا يف الوزف كالقافية كإعراب القافية ،كبُت معٌت كمعٌت ،مث أقوؿ :أيهما أشعر يف تلك
120
القصدية كيف ذلك اؼبعٌت؟" (.)1
وب ٌدد اآلمدم منهجو كطريقتو يف اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كشعر البحًتم فطريقتو تعتمد على:
-عدـ إصدار حكم التفضيل ألم من الشاعرين ،كترؾ ىذه العملية للمتلقي كيشًتط يف ىذا
اؼبتلقي أال يكوف عاديا بسيطا بعيدا عن فبارسة العملية (النقدية) ،بل يكوف متلقيا (عاؼبا)؛ يقوؿ اآلمدم
لكل كاحد منهما إذا أحطت علما
بعد أف يوضح طريقتو" :مث احكم أنت حينئذ-إف شئت-على صبلة ما ٌ
الردم" (.)2
باعبيٌد ك ٌ
-تكوف اؼبوازنة دبقابلة قصيدتُت مشًتكتُت يف الوزف كالقافية كإعراب القافية.
-تكوف اؼبوازنة بُت اؼبعٌت كاؼبعٌت نفسو ليستنتج أم الشاعرين أشعر يف اؼبعٌت موضوع اؼبوازنة .كال
يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة إالٌ بعد أف يعضد رأيو بآراء غَته ،كينظر فيما قاؿ الذين كانوا قبلو ليزداد يقينا فيما
يذىب إليو؛ يقوؿ" :كأنا ابتدئ يذكر ما ظبعتو من احتجاج كل فرقة من أصحاب ىذين الشاعرين على
الفرقة األخرل ،عند زباصمهم يف تفضيل أحدنبا على اآلخر ،كما ينهاىا بعض على بعض لتتأمل ذلك،
لعل أف تعتقده" (.)3
كتزداد بصَتة كقوة يف حكمك إف شئت أف ربكم كاعتقادؾ فيما ٌ
كيسجل ؿبمد مندكر إعجابو دبنهج اآلمدم ،كيقوؿ إنو كانا بابا جديدا ـبالفا يف النقد العريب
القدًن ،كطريقة ف ٌذة يف التعامل مع النصوص األدبية" :كىذه ببل ريب نغمات جديدة يف تاريخ النقد
األديب" (.)4
كحبسب إحساف عباس فإف كتاب (اؼبوازنة) يبثل نقلة يف تاريخ النقد العريب ،إنٌو كثبةه "دبا اجتمع لو
من خصائص ال دبا حققو من نتائج .ذلك ألنو ارتفع عن سذاجة النقد القائم على اؼبفاضلة يوحي من
(الطبيعة) كحدىا دكف تعليل كاضح" (.)5
نماذج من الموازنة
(-)1اآلمدم ،اؼبوازنة ،تح :اؼبوازنة ،تح :السيد أضبد صقر ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،4دت ،ص .06
(-)2اآلمدم ،اؼبوازنة ،ص .06
(-)3اؼبصدر نفسو ،ص .06
(-)4ؿبمد مندكر ،النقد اؼبنهجي عند العرب ،هنضة مصر للطباعة كالنٌشر ،القاىرة ،د طن ،1996ص .99
(-)5إحساف عباس ،تاريخ النقد األديب عند العرب ،دار الشركؽ للنشر كالتوزيع ،عماف ،ط ،2006 ،4ص .145
121
بعد ذكر ؾبموعة من سرقات الشاعرين ،كصبلة من أخطائهما كاضطراباهتما كردكد على منتقديهما
يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة" :كأنا أذكر بإذف اهلل اآلف يف ىذا اعبزء أنواع اؼبعاين اليت يتفق فيها الطائياف؛
كأكزاف بُت اؼبعٌت كمعٌت كأقوؿ :أيهما أشعر يف ذلك اؼبعٌت بعينو" ( .)1كيبنح اآلمدم اؼبتلقي سلطة كاملة يف
إصدار األحكاـ كينصحو بعدـ انتظار حكمو النهائي اؼبطلق الذم لن ينطق بو ـبافة كقوع القارئ يف
التقليد دكف النظر كالتأمل" :فبل تطالبٍت أف أتع ٌدل ىذا إُف أف أفصح لك بأيهما أشعر عندم على
اإلطبلؽ؛ فإين غَت فاعل ذلك؛ ألنك إف قلٌدتٍت َف ربصل لك الفائدة بالتقليد"(. )2
كقبل أف يشرع اآلمدم يف اؼبوازنة يؤكد على أمرين اثنُت؛ أكؽبما أ ٌف الشعر ليس بنية شكلية فقط ،بل
ىو ؿبتول كمضموف كذلك (معٌت) كثاين ىذين األمرين ىو أ ٌف الناقد مهما كاف منهجيا فإنو ال يستطيع
التخلص من ذاتيتو كال التنصل من ميولو ،كإ ٌف ذلك ال وبدث إالٌ دبجاىدة النفس كـبالفة ىواىا.
يبدأ اآلمدم دبا بدأ بو الشعراء (حبكم العادة) من ذكر الديار كالبكاء على األطبلؿ ككصف الرسوـ
البالية:
اس(.)3
ما في وقوف ساعة من باس*** نقضي ذماما األربُع األَ ْد َر ِ
كقاؿ البحًتم:
122
كعهود صباىم كشبأّم كيتذكركف األحبة ،كما كاف من زمن مضى كانقضى أما البحًتم فهو ىبالف ىذا
اؼبسلك ،فيجعل الديار غاية كمقصدا كالبكاء عليها فعبل مقصودا؛ "مث إنٌا ما علمنا أحدا قصد دارا عفت
من شقة بعيدة؛ كاحدا كاف أك يف صباعة للتسليم عليها ،كاؼبسألة ؽبا ،مث انصرفوا راجعُت من حيث جاؤكا
فإف ىذا ما ظبع بو ،كال ىو من أغراضهم ،إذ ليس فيو جدكل ،كال يؤدم إُف فائدة» (.)1
كالفائدة كاعبدكل اليت يتحدث عنها اآلمدم غَت موجودتُت يف بيت البحًتم:
(. ) 2 تضرك وقفةُ في منلل
بل ما ّ ماذا علي من انتظار متيّم
فالبيت كإف كاف معناه يف الوقوؼ على األطبلؿ إال أنٌو ـبالف لعادات العرب ذلك أف "الذم ذكره
من االنتظار -كلن كاف مليحا يف اللفظ -فهو يف اؼبعٌت متكلٌف؛ ألف الواقف يف الدار ال ينتظر أمرا ،كإمبا
يقف ربسرا كتل ٌددا كربَتا" (.)3
كالفائدة اليت يقصدىا اآلمدم ،إمبا تقع يف بيت أيب سباـ ،إذ كانت عادة العرب أهنم إذا رحلوا
الصبا ،فحنوا إُف أكطاهنم ،كدعاىم اغبنُت إُف
كارربلوا كاقًتبوا من ديار األحبة ،تذكركا عهد الشباب ك ٌ
الوقوؼ على الديار القديبة ،كالبكاء عليها ،كالتسليم عليها كتكليمها كؿباكرهتا.
كإمبا يقع ىذا كلٌو يف (الوقفة الطللية) اليت يجعلت مقدمة للقصيدة العربية ،كذلك ألثرىا يف نفوس
اؼبتلقُت ،فهي تستدعي االنتباه ،كتستحوذ على االىتماـ ؼبا فيها من الوفاء بالعهد ،كتذكر الصبا ،كذكر
احملبوبة كتذكر عبلقتو ّٔا كالبكاء على ذىاب ذلك الزمن ،كىذا (الئط بالقلوب) كما قاؿ ابن قتيبة
(276ىػ) يف كتاب (الشعر كالشعراء).
كاؼببلحظ أ ٌف اآلمدم ال يصرح بأ ٌف البحًتم قد أخطأ .بل إننا قبده بعد اف يورد بيتا لو رأل النقاد
أنو قصد فيو إُف األطبلؿ كَف يكن ؾبتازا ،يدافع عنو كيلتمس لو األعذار ،ك"الوجو الذم جاء بو البحًتم
الرمة كجو غَت ىذه الوجوه ،كطريقة غَت ىذه الطرؽ ،كَف أقل
كربرز منو عنًتة كذك ٌ
يف الوقوؼ على ال ٌديار ٌ
قلت :إف اؼبعٌت غَت جيٌد" (.)4
إنٌو خطأ ،كإمبا ي
123
كيعد اآلمدم بأف القارئ لكتابو سيجد للبحًتم -يف معٌت الوقوؼ على ال ٌديار" -ما ىو أجود من
كل جيٌد"( ،)1كلسنا نشك يف أف ىذا (اعبيد) يشمل بيت أيب سباـ يف اؼبعٌت ذاتو.
يثبت اآلمدم ؾبموعة من ابتداءات البحًتم يف الوقوؼ على األطبلؿ اليت حكم مسبقا بأهنا «أجود
كل جيد» مث ىبرج إُف ىذه النتيجة" :فهذا ما ابتدآ بو من ذكر الوقوؼ ،كأجعلهما متكافئُت ،من أجل
من ٌ
براعة بييت البحًتم األكلُت)*( ،كأ ٌهنما أجود من سائر أبيات أيب سباـ ،كألف للبحًتم يف الباب التقصَت الذم
ذكرتو كليس أليب سباـ مثلو» (.)2
غَت اف كثَتا من النقاد قدامى كؿبدثُت يركف أنٌو َف يكن منصفا بُت الشاعرين ،كإف كاف قد ادعى
النصفة ،بل إنو يف مواضع كثَتة ظلم أبا سباـ يف أحكامو كذبٌت عليو (.)3
كيرل إحساف عباس أف اآلمدم كاف منحازا للبحًتم الذم َف ىبرج عن عمود الشعر كقاؿ كما كاف
()4
صرح ّٔذا االكبياز كاؼبيل حُت
يقوؿ القدماء ،ألجل ىذا كضح ابتعاد اآلمدم عن االنصاؼ بل إنو قد ٌ
قاؿ" :كاؼبطبوعوف كأىل الببلغة ال يكوف الفضل عندىم من جهة استقصاء اؼبعاين كاإلغراؽ يف الوصف؛
السبك
كإمبا يكوف الفضل عندىم يف اإلؼباـ باؼبعاين ،كأخذ العفو منها ،كما كانت األكائل تفعل مع جودة ٌ
كقرب اؼبأتى كالقوؿ يف ىذا قوؽبم ،كإليو أذىب (.)5
ايب الشعر ،مطبوع كعلى مذىب األكائل ،كما فارؽ عمود الشعر
ككاف اآلمدم ٌقرر أف البحًتم "أعر ٌ
124
اؼبعركؼ" ( .)1كأف أبا سباـ "شديد التكلف ،صاحب صنعة ،كيستكره األلفاظ كاؼبعاين ،كشعره ال يشبو
أشعار األكائل» ( .)2كإذا كاف اآلمدم يقرف البحًتم باؼبطبوعُت من الشعراء فإنو ال هبد من يقرف بو أبا
سباـ( )3من الشعراء احملدثُت الذين ينتموف إُف طبقتو.
كىنا يطرح إحساف عباس سؤاال مفاده« :إذا كاف أبو سباـ ال يقًتف بأحد من أبناء مذىبو كطبقتو
فهل من اؼبمكن إجراء اؼبوازنة بينو كبُت البحًتم؟ علما بأف البحًتم ( )4ليس من طبقة أيب سباما كال من
مذىبو يف الشعر .
كعلى الرغم من اؼبآخذ على كتاب (اؼبوازنة) فإنو يبقى "موازنة ،مدركسة ،مؤيدة بالتفصيبلت اليت
تلم باؼبعاين كاأللفاظ كاؼبوضوعات الشعرية بفركعها اؼبختلفة ،ككاف تعبَتا عن اؼبعاناة اليت ال تعرؼ الكلل
ٌ
يف استقصاء موضوع الدراسة من صبيع أطرافو ،كؽبذا جاء حبثا يف النقد كاضح اؼبنهج» (.)5
كإُف جانب كتاب اؼبوازنة لآلمدم ،ظهر كتاب آخر ال يقل قيمة عنو يف نظر النقاد ىو كتابو
(الوساطة) للقاضي اعبرجاين (392ىػ).
-الوساطة لغة:
قاؿ ابن منظور« :كسط الشيء ما بُت طرفيو ( )....كالتوسط بُت الناس :من الوساطة ،ككسط
الشيء :أعدلو»(. )6
الوساطة اصطالحا :ىي أف "يدخل الناقد بُت أطراؼ متنازعة ليحكم لواحد أك عبماعة منها .كقد
فعل القاضي اعبرجاين ذلك يف كتابة (الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومة) بعد أف رأل خصوـ الشاعر ينكركف لو
125
كل فضل"(. )1
احتل اؼبتنيب منزلة متميزة يف عصره ،كال يزاؿ وبافظ على ىذه اؼبكانة يف عصرنا اغباِف؛ فاألحباث
كال ٌدراسات ما تزاؿ تتخذه موضوعا ؽبا ،تبحث فيو كيف شعره كأنو كحده يبثل الًتاث الشعرم العريب كامبل،
كاغبق أف النقد يف القرف الرابع َف ينشغل بشاعر انشغالو باؼبتنيب كىذا دليل على أنٌو كاف يبثل ظاىرة.
كقد صنفت فيو كثَت من الكتب نذكر منها" :الرسالة اؼبوضحة يف ذكر سرقات اؼبتنيب كساقط شعره»
للحاسبي (اؼبتوىف 338ىػ) «كرسالة فيما كافق أرسطو من شعر اؼبتنيب» للحاسبي أيضا كرسالة أليب العباس
126
النٌامي (اؼبتوىف 371أك )399يف عيوب شعر اؼبتنيب ككاف النامي ىو شاعر سيف الدكلة األثَت قبل أف
األكؿ كرسالة الصاحب بن عباد (اؼبتوىف 385ىػ) يف (الكشف
يقدـ اؼبتنيب إُف ببلطو كيصبح ىو شاعره ٌ
عن مساكئ اؼبتنيب) ك الواضح يف مشكبلت شعر اؼبتنيب أليب القاسم األصفهاين ،ككتاب (اؼبنصف للشارؽ
كاؼبسركؽ يف بياف سرقات أيب الطيب اؼبتنيب البن كديع التنيسي (اؼبتوىف .)1(")393
تبُت القائمة اؼبذكورة أف خصوـ اؼبتنيب قد ذبندكا لوضع اؼبؤلفات بغية الطعن عليو كتعداد مثالبو
كأخطائو كتعداد سرقاتو ،كالزراية بو ،كىذا ما دعا القاضي اعبرجاين لوضع مؤلفو ،كالوقوؼ موقف اؼبتوسط
بُت اؼبتنيب كىؤالء اػبصوـ كاألعداء.
ابتدأ القاضي كساطتو دبقدمة يؤكد فيها أف اػبطأ صفة بشرية ال يؤاخذ العاَف أك الشاعر ّٔا ،لذلك
ذكر أخطاء اعباىليُت كأغبلطهم ،كذلك ألهنم يف نظر صبهور اؼبتلقُت يعدكف القدكة األكُف كاؼبثاؿ األعلى
يف الشعر.
يقوؿ اعبرجاين" :كدكنك ىذه الدكاكين اعباىلية كاإلسبلمية فانظر ىل ذبد فيها قصيدة تسلم من
بيت أك أكثر ال يبكن لعائب القدح فيو؛ ٌإما يف لفظو كنظمو ،أك ترتيبو اك تقسيمو ،أك معناه أك إعرابو؟ كلو
اغبجة ،لوجدت كثَتا من
ا ٌف أىل اعباىلية ج ٌدكا بالتقدـ ،كاعتقد النٌاس فيهم أ ٌهنم القدكة ،كاألعبلـ ك ٌ
أشعارىم معيبة مسًتذلة ،كمردكدة منفية" (.)2
كيبدأ القاضي اعبرجاين يف استعراض ؾبموعة من األبيات الشعرية للجاىلُت كاإلسبلميُت كيذكر
موضع اػبطأ كصوابو ،مث ما كاف يدكر من نقاشات بُت الركاة علماء اللغة كالشعراء ،كجهد النحاة يف
احتجاجهم للقدماء تعظيما للقدًن كاحًتاما لو .ككاف اعبرجاين ّٔذه اؼبقدمة يقوؿ إنٌو إذا كاف القدماء قد
أخطؤكا يف الشعر فإنو ال لوـ على اؼبتنيب إذا أخطأ.
كتشمل اؼبقدمة حديثا عن "تفاكت شعر الشعراء بتأثَت الطباع كاألمكنة يف ىذا الشعر رقة كجفاء،
(-)1علي عشرم زايد ،النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع ،مكتبة الشباب ،القاىرة ،ط ،1995 ،2ص. 152
(-)2علي بن عبد العزيز اعبرجاين ،الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو ،تح :ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي ؿبمد البجاكم ،الكتبة العصرية،
بَتكت ،ط ،2006 ،1ص .14
127
بل إف شعر الشاعر الواحد يتفاكت بُت اعبودة كالتكلف ،كما يف شعر أيب سباـ ،كؼبًا كاف لئلستعارة كالبديع
أثر يف أف يكوف الشعر طبيعيا أك متكلفا" ( )1كقد تناكؿ اعبرجاين ىذه اؼبوضوعات مع التمثيل ؽبا كتبياف
اغبسن كالقبح فيها.
يعد اؼبقدمة شرع القاضي اعبرجاين يف بسط موضوع اػبصومة كالقصد إُف اغبط من قيمة اؼبتنيب
كتعملت كصبعت أعوانك كاحتشدت، كإسقاط شعره صبلة« :كقد رأيتك -كفقك اهلل -ؼبٌا احتفلت ٌ
كتصفحت ىذا الديواف حرفا حرفا ،كاستعرضتو بيتا بيتا ،كقلٌبتو ظهرا كبطنا َف تزد على أحرؼ تلقطتها،
سبحلتهاٌ ،ادعيت يف بعضها الغلط كاللٌحن ،كيف أخرل االختبلؿ كاإلحالة ،ككصفت بعضا بالتعسف
كألفاظ ٌ
السمة إُف صبلة شعره،
كالغثاثة ،كبعضا بالضعف كالركاكة كبعضا بالتعدم يف االستعارة؛ مث تع ٌديت ّٔذه ٌ
اغبجة،
كعجلت باغبكم قبل استيفاء ٌ
فأسقطت القصيدة من أجل البيت ،كنفيت الديواف ألجل القصيدةٌ ،
كأبرمت القضاء قبل امتحاف الشهادة» ( .)2كبعد أف يبُت اعبرجاين أف اػبطأ يف أحكاـ اػبصوـ كاف مبعثو
بعدىم عن العدؿ كأخذ الكل باعبزء ،يشرع يف ضرب األمثلة من شعر أيب نواس كأيب سباـ ،مبينا أف الشاعر
الواحد يتفاكت يف شعره ،كأنو إذا كاف للكبار من الشعراء العرب أخطاؤىم إُف جانب قصائدىم البالغة
السخيف كاؼبعقد يف شعر
اعبودة ،فإف اؼبتنيب ىو اآلخر شاعر ىبطئ كيصيب ،كىنا "يورد اؼبؤلف كثَتا من ٌ
اؼبتنيب ،مث يتبعو باؼبختار من شعره ،كال ىبفى شيئا من مساكئو ،متناكال مسائل نقدية كثَتة يف التشبيو كقضية
اللفظ كاؼبعٌت مطيبل يف موضوع سرقة الشعر ،كاضعا األمر يف نصابو ،من ناحية ما يؤاخذ عليو الشاعر كما
السرقة ؽبم" (.)3
ال يؤاخذ عليو مبينا ما كقع على الشعراء من حيف يف نسبة ٌ
كأخَتا يشرع القاضي اعبرجاين يف الدفاع عن اؼبتنيب كىذا ما يبكن أف نسميو (النقد التطبيقي) يف
الوساطة الذم ٌبُت فيو أف ما عابو النقاد على شعر اؼبتنيب قد كجد يف أشعار القدماء كاإلسبلميُت ،متبعا يف
دفاعو منهج إيراد الشعر اؼبعيب كمناقشة النقاد فيو ،ملتزما سبيل اإلنصاؼ الذم وبتم عليو قبوؿ الرأم إذا
كرده كمناقشتو إذا كاف خطأ.
كاف صوابا ٌ
لقد قاـ منهج القاضي اعبرجاين يف كتاب الوساطة على مبدأ «اؼبقايسة» أم قياس األشباه كالنظائر،
(-)1أضبد أضبد بدكم ،أسس النقد عند العرب ،مرجع سابق ،ص .556
(-)2الوساطة ،ـ.س ،ص .77
(-)3أضبد أضبد بدكم ،أسس النقد ،ـ س ،ص .557
128
كيرل كثَت من النقاد أف (اؼبقايسة) كانت أفضل من (موازنة) اآلمدم ألهنا َف تعصم صاحبها من اؼبيل إُف
البحًتم كعمود الشعر ،كيذىب آخركف إُف َّ
أف (اؼبقايسة) اليت سار عليها القاضي اعبرجاين"ال زبلو من
مزالق كالتعميم كاإلّٔاـ اؼبنطقي كعدـ الوقوؼ على رأم قاطع ال سيما فيما ال يبكن االتفاؽ عليو بُت
النقاد ذكم األذكاؽ اؼبختلفة"(.)1
كقد اكتسب كتاب (الوساطة) قيمة نقدية كبَتة لكوف صاحبو حاكؿ التزاـ الركح العلمية ،كتتبع مبدأ
اغبياد كاؼبوضوعية يف مناقشة آراء اػبصوـ كتقريب كجهات النظر كربرم اغبقيقة ،كعلى الرغم من ىذه
القيمة فإنٌو إذا قورف بكتاب (اؼبوازنة) لآلمدم رجحت كفة األخَت؛ "ككبن بعد نضعو (اعبرجاين) يف اؼبرتبة
الثانية بعد اآلمدم ،كذلك ألف معظم آرائو العامة عن اغبقائق األدبية قد سبقو إليها صاحب اؼبوازنة ،الذم
نظنو قد أثر يف اعبرجاين تأثَتا قويا مث إف اآلمدم قد كتب كتابو كلٌو يف النقد اؼبوضوعي الدقيق اؼبفصل،
بينما صاحب الوساطة يكتفي بالدفاع اؼبنطقي عن شاعره ،كيورد لو األشعار اعبيدة يف مقابل الرديئة،
الرداءة»(.)2
كلكنو ال يبصرنا دبواضع اعبودة ك ٌ
كيبقى كتابا (اؼبوازنة) لآلمدم ،ك (الوساطة) للجرجاين من بُت أىم الكتب النقدية العربية خاصة
تلك اليت أكلت عناية للنقد التطبيقي ،كللموازنة بُت الشعراء بطريقة منهجية بعيدة عن سذاجة األحكاـ
التعميمية اليت ال تقدـ خدمة للشعر كال للشاعر .كتتضح قيمة ىذين الكتابُت من القضايا النقدية اليت
عوعبت بركح علمية خالصة إذ َف يقتصر صاحبا الكتابُت على اؼبوضوع احملدد لكنهما تعدياه إُف ؾبمل
القضايا النقدية يف عصرنبا كىذا ما هبعلهما مصدرين مهمُت يف دراسة النقد العريب القدًن.
(-)1أضبد مطلوب ،اذباىات النقد األديب يف القرف الرابع اؽبجرة ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت ،ط 1973 ،1ـ ،ص .276
(-)2ؿبمد مندكر ،النقد اؼبنهجي عند العرب ،ـ س ،ص .306
129
المحاضرة الثانية عشرة:
نظرية النظم في النقد العربي القديم
النظم في اللغة:
يعرؼ ابن منظور النظم على أنٌو« :التأليف ،نظمو ينظمو نظما كنظاما كنظٌمو فانتظم كتنظم
السلك ،كالتنظيم مثلو ،كمنو نظمت الشعر كنظٌمتو كنظم األمر على اؼبثىل.
كنظمت اللؤلؤ أم صبعتو يف ٌ
ى
ض ىم ٍمت بعضو إُف بعض فقد نظمتو (.)1
ككل شيء قرنتو بآخر أك ى
حسن كانتظم كبلمو كأمره .كليس ألمره نظاـ إذا َف
كيف أساس الببلغة« :نىظى ىم الكبلـ .كىذا نظم ه
تستقم طريقتو ( )...كىذاف البيتاف ينتظمهما معٌت كاحد» (.)2
النظم في االصطالح:
«النظم تعليق الكلم بعضها ببعض ،كجعل بعضهما بسبب من بعض ( )...كالنظم ىو كتابة الشعر،
130
سبر ّٔا القصيدة» (.)1
كقد كضع إزاء النثر ،كقد ربدث القدماء عن نظمو ككصفوا اؼبراحل اليت ٌ
نظرية النظم:
َف تكن فكرة النظم غريبة عن ال ٌدرسُت النقدم كالببلغي العربيُت ،إذ إهنا كانت موجودة تًتدد يف
الكتب كال ٌدراسات منذ ابن اؼبقفع ( 124ىػ) كصوال إُف القاضي أبو اغبسن عبد اعببار ( 415ىػ)؛ «فقد
كانت ىذه اللفظة شائعة منذ القرف الثاين اؽبجرم» (.)2
ككاف غرض ىؤالء الدارسُت ىو إثبات فكرة اإلعجاز كالبحث فيها كاإلجابة عن سؤاؿَ :ف كاف
القرآف الكرًن معجزا ككيف؟ ىل ىو معجز من حيث ألفاظو ،أـ ىل ىو معجز من حيث معانيو ،ىل
صرؼ اهلل تعاُف النٌاس على أف يأتوا دبثلو قبل أف يتحداىم بذلك (قوؿ النٌظاـ) أـ إف اهلل تعاُف هبعل يف
كل عصر من العصور رجبل يتبعو الناس كال يقدركف على فعل ما يفعلو كقوؿ ما يقولو (فكرة القاضي عبد
اعببٌار) إُف غَتىا من الفرضيات.
غَت أف رجبل اشتغل بالنحو ىو عبد القاىر اعبرجاين ( 471ىػ)« :سلكطريقا معاكسة ،حُت جعل
منطلقو فكرة اإلعجاز نفسها ،كعن ىذه الطريق أسهم يف توضيح مفهوـ الببلغة -على كبو َف ييسبق لو
مثيل -كما أسهم يف معاعبة كثَت من النظريات انتقد بو مع ٌدات جديدة من الفحص الدقيق التغلغل النافد
إُف بواطن األمور» (.)3
انطلق عبد القاىر يف حبثو من كوف القرآف معجزا لكنٌو تساءؿ من أين أتى ىذا اإلعجاز ،ىل ىو
من األلفاظ؟ كقد أجاب اعبرجاين باستحالة ذلك ألنو ال هبوز أف يكوف اإلعجاز يف الكلمة اؼبفردة ،كذلك
ألف " تقدير كونو فيها يؤدم إُف احملاؿ ،كىو أف تكوف األلفاظ اؼبفردة اليت ىي أكضاع اللغة ،قد حدث يف
مذاقة حركفها كأصدائها أكصاؼ َف تكن ،لتكوف تلك األكصاؼ فيها قبل نزكؿ القرآف كتكوف قد اختصت
السامعوف عليها إذا كانت متلوة يف القرآف ،ال هبدكف ؽبا تلك اؽبيئات
يف أنفسها ّٔيئات كصفات يسمعها ٌ
(-)1أضبد مطلوب .معجم مصطلحات النقد العريب القدًن ،مكتبة لبناف ناشركف ،بَتكت ،ط ،2001 ،1ص .429
(-)2حامت الضامن .نظرية النظم ،كزارة الثقافة كاإلعبلمي ،بغداد ،د ط ،1979 ،ص .24
(-)3إحساف عباس .تاريخ النقد األديب عند العرب ،ـ س ،ص .426
131
كالصفات" (.)1
ليس اإلعجاز يف األلفاظ-إذف ألهنا موجودة معركفة عند العرب قبل نزكؿ القرآف الكرًن.
كال يكوف اإلعجاز الذم رب ٌدل بو اهلل تعاُف العرب يف ترتيب السكنات كاغبركات أم يف اإليقاع ألف
فصل لربٌك كجاىر».
ذلك «ىبرج إُف ما تعاطاه مسيلمة من اغبماقة يف «إنا أعطيناؾ اعبماىرٌ ،
ك«الطاحنات طحنا» (.)2
كليس اإلعجاز يف االتياف بكبلـ لو مقاطع كفواصل ألنو ليس أكثر من مراعاة الوزف كإمبا "الفواصل
يف القرآف كالقوايف يف الشعر ،كقد علمنا اقتدارىم على القوايف كيف ىو" (.)3
كليس إعجاز القرآف يف أنٌو «َف يلتق يف حركفو ما يثقل على اللساف" (.)4
كاالستعارة ليست كجها من كجوه إعجاز القرآف ألنو لو كاف األمر كذلك ،لكانت لبعض آياتو
معجزة كبطل إعجاز ما َف يكن فيو استعارة (.)5
هبيب عبد القاىر أف اإلعجاز "َف يبق أف يكوف إالٌ يف النظم ( )...كإذا ثبت أنو يف "النٌظم"
ك"التأليف" ككنا قد علمنا اف ليس "النظم" شيئا غَت توخي معاين النٌحو كأحكامو فيما بُت الكلم» (.)6
كيوضح عبد القاىر معٌت (النظم) توضيحا أكثر تفصيبل فيقوؿ« :اعلم أف ليس (النظم) إالٌ أف تضع
كبلمك الوضع الذم يقتضيو (علم النحو) كتعمل على قوانينو كأصولو ،كتعرؼ مناىجو اليت هنجت فبل
الرسوـ اليت رظبت لك ،فبل زبٌل بشيء منها" (.)7
تزيغ عنها ،كربفظ ٌ
كمراعاة النحو كقوانينو ىو أف ينظر الناظم يف كل باب من أبواب النحو كفركقو ،مثل باب اػبرب،
(-)1عبد القاىر اعبرجاين .دالئل اإلعجاز ،تح :ؿبمود ؿبمد شاكر ،دار اؼبدين ،جدة ،ط ،1992 ،3ص .386
(-)2اؼبصدر نفسو ،ص .387
(-)3اؼبصدر السابق ،ص ف.
(-)4اؼبصدر نفسو ،ص .388
(-)5يراجع اؼبصدر نفسو ،ص .391
(-)6اؼبصدر نفسو ،ص ص .392 ،391
(-)7اؼبصدر نفسو ،ص .81
132
كباب الشرط ،كباب اغباؿ ،كالنعت ،كيف اغبركؼ كاعبمل كالتعريف كالتنكَت كالتقدًن كالتأخَت...اٍف ،حىت
ال يداخل اػبطأ النظم كال تضطرب الكلمات يف مواقعها كال تفسد العبلقات بينها بفساد كضعها حيث ال
تراعى قوانُت النحو كشركطو.
أمثلة:
كمن األمثلة اليت يسوقها اعبرجاين على فساد التأليف كالنظم حُت ىبطئ الشاعر يف إحبلؿ الكلمات
مواضعها
قوؿ الفرزدؽ:
حي أبُوه يقاربو
أبو ّأمو ٌّ وما مثلو في النّاس الّ مملّكا
كقوؿ اؼبتنيب:
السيوف عوامل
عمل ّ
من أنّها ُ وللا اسم أغطيّة العيُون جفوتها
كقولو:
اسل.
اغتسلل الغَ ُ
َ والماء أنل ذا الطّيب أنل ذا أصاب طيبوُ
كقوؿ أيب سبٌاـ:
(.)1 كاثنين ٍ
ثان ذ ُى َما في الغَار السماء ،ولم يكن
ثانيو في كبد ّ
كيف ىذه األمثلة كغَتىا من الشعر العريب ،نبلحظ أف اؼبتلقُت كصفوا ىذا النظم بالفساد كعابوا على
الشعراء ىذا اإلغماض كاإلغبلؽ اؼبتأيت من عدـ مراعاة قوانُت النحو اؼبتمثلة ىنا يف التقدًن كالتأخَت.
كإذا كاف النظم ىو اف توضع الكلمة جنب أختها مع مراعاة قوانُت النحو ،فإنو الب ٌد من التأكيد
على أف ال ميزة كال فضل للفظو يف ذاهتا ،ال يف جرسها كال يف داللتها كال تتفاضل األلفاظ بينها قبل أف
تدخل يف سياؽ معُت كتؤدم معٌت ما «كىل ذبد أحدا يقوؿ« :ىذه اللفظة فصيحة» إالٌ كىو يعترب مكاهنا
( .)2إف دخوؿ اللفظة يف من النٌظم كحسن مبلئمة معناىا ؼبعاين جاراهتا ،كفضل مؤانستها ألخواهتا»
133
سياؽ معُت ىو ما يتيح رؤيتها يف "نطاؽ من التبلؤـ أك عدـ التبلؤـ ،كىذا السياؽ ىو الذم وبدث
"تناسق الداللة" كيربز فيو "معٌت" على كجو يقتضيو العقل كيرتضيو كربط األلفاظ يف سياؽ يكوف كليد
الفكر ال ؿبالة ،كالفكر ال يضع لفظة إزاء أخرل ألنٌو يرل يف اللٌفظة نفسها ميزة فارقة كإمبا وبكم يوضعها
السياؽ نفسو»(.)1
ألف ؽبا معٌت كداللة حبسب ٌ
كألف األلفاظ ليس ؽبا فضل يف ذاهتا ،كال تتفاضل بينها بناء على ميزة لواحدة ليست لؤلخرل لكن
حبسب السياؽ كاؼببلءمة بينها ،فإف عبد القاىر يوجز نتيجة مؤداىا أف «الفضيلة كخبلفها يف مبلئمة مٌت
اللفظة ؼبعٌت اليت تليها كما أشبو ذلك ،فبٌا ال تعلق لو بصريح اللفظ» ( .)2ؽبذا كاف اؼبعٌت ىو اؼبقصود يف
النظم ليس األلفاظ يف ح ٌد ذاهتا ،إهنا العبلقات اليت تربط بينها حىت زبرج كبلما ذا معٌت فالعربة ليست يف
تعاِف األلفاظ يف النطق "أف تناسقت داللتها كتبلقت معانيها على الوجو الذم اقتضاه العقل"(.)3
كجد عبد القاىر اعبرجاين أمامو إرثا عظيما من مؤلفات اؼبتكلمُت معتزلة كأشاعرة ،كنقادا ،نظركا إُف
ثنائية اللفظ كاؼبعٌت بطرؽ ـبتلفة ككقف أحيانا كسيطا بُت الناقد كبُت جهور قرائو ،ليدفع هتمة كيساعد على
إفهامهم قضية أك قوال َف يستطيعوا فهمو ،كما فعل يف شأف قولو اعباحظ اؼبشهورة (اؼبعاين مطركحة يف
الطريق) فنجده "كجو رأم اعباحظ توجيها مبلئما ؼبا نعتقد أف اعباحظ رمى إليو :فمصطلح (معٌت) كما
استعملو اعباحظ ذك داللة دقيقة ،كىو يف رأم اعبرجاين إمبا يتحدث بو عن األدكات األكلية ،كتفسَتا
لذلك يقارف اعباحظ بُت الكبلـ كمادة الصائغ ،فهو يصنع من ال ٌذىب أك الفضة خاسبا ،فإذا أردت اغبكم
على صنعتو كجودهتا نظرت إُف اػبامت من حيث ىو خامت ،كَف تنظر إُف الفضة أك الذىب الذم صنع منو.
فهذه اؼبادة األكلية تشبو اؼبعٌت اؼبطركح (.)4
كىكذا قبد أف عبد القاىر اعبرجاين بذؿ جهده يف كسر ثنائية اللفظ والمعنى ،فقد أعمل فكره يف
الًتاث النقدم كالببلغي كخرج برأيو اػباص الذم ذبلٌت فيو أصالتو ،فاستحق أف يكوف قيمة فكرية تراثية
134
ؿبل التقدير كاإلجبلؿ ،كقمة شاـبة تربىن على عظمة تراثنا كثرائو ك"إنٌو لًتاث عظيم أف سبتلك يف
تبقى ٌ
النقد األديب اؼبنهجي كتابُت كاؼبوازنة كالوساطة كيف اؼبنهج اللغوم كتابا كدالئل اإلعجاز قبد فيو ٌأدؽ نقد
موضوعي تطبيقي كأعمقو»(. )1
شرؼ
الكبلـ ي
ى َف يوافق عبد القاىر اعبرجاين على الرأم القائل بًتجيح كفة اؼبعٌت كَف يتقبل أف يقدـ
معناه حىت إذا كانت الصياغة ركيكة؛ يقوؿ" :كمعلوـ أ ٌف سبيل الكبلـ سبيل التصوير كالصياغة ،كأ ٌف سبيل
الصوغ فيو كالفضة كالذىب يصاغ منهما خامت أك
يعرب عنو سبيل الشيء الذم يقع التصوير ك ٌ
اؼبعٌت الذم ٌ
سوار (.)2
ككاضح أف اىتماـ عبد القاىر اعبرجاين باللفظ ال يعٍت أنو ينتصر للفظ دكف اؼبعٌت ،لكنو من باب
سبسك بأنو كضع األلفاظ على ما ترتضيو قواعد
االحتفاؿ بفكرة اإلعجاز اليت ال تكوف إالٌ بالنظم الذم َّ
النحو كقوانينو.
كبعد أف اكتمل لعبد القاىر غرضو من تثبيت حقيقة أف اللغة يف شكل سياؽ ؾبموعة من الدالالت
كالفاعليات كاالرتباطات غَت اؼبنتهية ،أخذ يف تبياف خطأ االعتقاد باستقبلؿ اللفظ عن اؼبعٌت.
فالفكرة ال كجود ؽبا إالٌ إذا سبت صياغتها بواسطة اللفظ ،حىت إذا كانت ىذه الفكر حبيسة الذىن،
135
كَف يتم التعبَت عنها كإخراجها إُف عاَف احملسوس نطقا أك كتابة ك"كذلك اغباؿ يف األدب .فليس شبة فكر
سابق على التعبَت األديب ،فمىت ما نضجت التجربة كاإلحساس يف ذات األديب خرجت يف صورة لفظية،
ٌأما قبل اإلحساس للفظ فبل شيء ىناؾ" (.)1
النقد اللغوي :أدرؾ عبد القاىر أف اللغة ليست األلفاظ كلكنها العبلقات كالركابط اليت "نقيمها بُت
األشياء بفضل األدكات اللغوية ،كتلك الركابط ىي اؼبعاين اؼبختلفة اليت نعرب عنها ،كمن ىنا كانت أنبيتها
كما ؽبا من صدارة على األلفاظ» (.)2
كعند النظر يف ـبتلف آراء عبد القاىر اليت سبق ذكرىا يف ىذا الدرس ،نفهم أ ٌف مقياس النقد عند
عبد القاىر ىو (النظم) دبا ىو كضع األلفاظ حبسب ما يقتضيو علم النحو.
اللوق األدبي:
يقرر عبد القاىر اعبرجاين أ ٌف النٌاس متفاكتوف يف إحساسهم باعبماؿ كإدراؾ الببلغة كاغبسن يف
النصوص ،كىذا موضع يصعب فيو التعليم كاإلقناع أل ٌف اؼبزايا اليت ربتاج أف تعلمهم مكاهنا كتصور ؽبم
السامع ؽبا ،كربدث لو علما ّٔا ،حىت يكو
شأهنا ،أمور خفية ،كمعاف ركحانية ،أنت ال تستطيع أف تنبو ٌ
مهيئا إلدراكها ،كتكوف فيو طبيعة قابلة ؽبا ،كيكوف ؽبا ذكؽ كقروبة هبد ؽبما يف نفسو إحساسا بأ ٌف من
شأف ق الوجوه كالفركؽ أف تعرض فيها اؼبزيٌة على اعبملة ( .)4كتفهم من نص عبد القاىر أف على الذم
يتصدل لقراءة النصوص األدبية أف يكوف متذكقا ؽبا ألف بعض األمور ال تؤخذ بال ٌدرس كالتحصيل ،كأ ٌف
(-)1نفسو ،ص.326
(-)2ؿبمد مندكر .النقد اؼبنهجي ،ـ س ،ص .335
(-)3ؿبمد زكي عشماكم .قضايا النقد ،ـ س ،ص .340
( -)4عبد القاىر اعبرجاين .دالئل اإلعجاز ،ص .547
136
الناقد اغبق ال ب ٌد أف يتحلى دبلكة الذكؽ حىت يستطيع إدراؾ اعبماؿ ككضع يده على مزية التعابَت
كالًتاكيب كىو ّٔذا يعود إُف ما قرره أسبلفو النقاد الكبار مثل اآلمدم كاعبرجاين الذين ٌقرركا أف االحتكاـ
إُف الذكؽ السليم ىو اغبكم الفيصل يف نقد النصوص األدبية ،كيبُت عبد القاىر أف مأساة النقد كالنصوص
األدبية أف "ىذا اإلحساس (يقصد ذكؽ) قليل يف النٌاس"(.)1
الصورة:
ّ
الصورة عند عبد القاىر ىي ما تشكل من اجتماع اللٌفظ كاؼبعٌت إذ ال استقبلؿ ألحدنبا عن اآلخر،
كلتوضيح ىذه الصورة يشبهها بالصياغة أك الوشي مع اغبرص على التأكيد على التفاضل ،دبعٌت أننا يف
حاؿ تشبيهها بالصياغة فإنو يستقر يف الذىن إمكانية أف ال يكوف فرؽ بُت خامت كخامت ،كسوار كسوار يف
عمل الصائغُت .لكن يف حاؿ النظم يكوف الفرؽ موجودا كاضحا .ككلما كاف الفرؽ يف الصورة كبَتا ،كلما
تناىى النص األديب يف اعبودة كاعبماؿ ككاف معجزا ،كليثبت عبد القاىر فرضية الصورة أكرد مزدكجات من
األبيات حيث يتحد كل بيتُت يف اؼبعٌت لكنهما يتفاكتاف يف الصورة ،ك"يتجلى من ىذا كيف حاكؿ عبد
الصور-
القاىر أف يظل يف حبثو عن الصورة منسجما مع ؿباكلتو يف تبياف حقيقة اإلعجاز ،فالتفاكت يف ٌ
أم أثر
األديب درجة من التميز ال يلحقو فيها ٌ
مهما تتقارب -شيء ال يكاد يقف عند ح ٌد ،فإذا بلغ األثر ٌ
صح أف يسمى معجزا» (.)2
آخر ٌ
-معنى المعنى:
يقوؿ عبد القاىر« :الكبلـ على ضربُت :ضرب أنت تصل منو إُف الغرض بداللة اللفظ كحده،
كذلك إذا قصدت أف زبرب عن "زيد" مثبل باػبركج على اغبقيقة ،فقلت" :خرج زيد" كباالنطبلؽ عن
"عمرك" فقلت« :عمرك منطلق» كعلى ىذا القياس .كضرب آخر أنت ال تصل منو إُف الغرض بداللة
اللفظ كحده ،كلكن يدلك اللفظ على معناه الذم يقتضيو موضوعو يف اللغة ،مث ذبد لذلك اؼبعٌت داللة
137
ثانية تصل ّٔا إُف الغرض .كمدار ىذا األمر على "الكناية" ك"االستعارة" ك"التمثيل"» (.)1
كمعٌت كبلـ عبد القاىر أف النصوص األدبية ال تقدـ نفسها بلغة مباشرة كيومية للقارئ ،إهنا ليست
ذات لغة إخبارية تكتفي بأف تسلم نفسها لقارئها منذ القراءة األكُف ،فيفهم معناىا مباشرة؛ بل ال ب ٌد لو
حىت يصل إُف اؼبقصود ،كيكشف اؼبعٌت اؼبختفي خلف حجب
من قراءة أكُف كثانية يتدرج فيها يف الفهم ٌ
األكؿ" ،فهمنا عبارة ـبتصرة كىي أف تقوؿ" :اؼبعٌت" ك'معٌت اؼبعٌت" تعٍت باؼبعٌت اؼبفهوـ من
العبارة كاؼبعٌت ٌ
ظاىر اللفظ كالذم تصل إليو بظاىر اللفظ ،ك"معٌت اؼبعٌت" أف تعقل من اللفظ معٌت مث يفضى بك ذلك
اؼبعٌت إُف معٌت آخر» (.)2
فالقوؿ بأف امرأة نؤكـ الضحى ال يقصد منو معٌت ظاىر اللفظ كلكن معٌت اؼبعٌت الذم إف فتشنا عنو
كجدنا أنو امرأة مًتفة لديها من ىبدمها كيكفيها عناء العمل يف بيتها.
ككذلك إذا قلنا فبلف كثَت رماد القدرَ ،ف نقصد إُف ظاىر اللفظ كمعناه ،بل رمينا إُف ما خلف ىذا
األكؿ ،كفهمنا أنو رجل كرًن ذلك أ ٌف كرمو كترحيبو بالضيوؼ ،كإعداده الطعاـ للناس هبعلو يطهو
اؼبعٌت ٌ
كثَتا كالطهو يتطلب حطبا كنارا ،ككلما كثر األضياؼ ،ككثر الطبخ ،كثر اغبطب كالنار ،كمن مث كثر رماد
ىذه النار.
األكؿ بينما يبثل معٌت اؼبعٌت اؼبستول الفٍت للغة (الكناية ،االستعارة،
يبثل "اؼبعٌت" اؼبستول اؼبرجعي ٌ
التشبيو) ك"يف ىذه اؼبرحلة أيضا يكوف التفاكت يف الصورة أك الصياغة ألنو تفاكت يف ال ٌداللة اؼبعنوية ()...
كمن مرحلة اؼبعٌت يتكوف "علم اؼبعاين" كمن مرحلة "معٌت اؼبعٌت" هبيء علم البياف» (.)3
138
على السواء.
كل ىؤالء أسهموا بأدكاهتم يف البحث عن النص اعبميل ،كالبرطوا يف حركة دؤكب لتمييز اعبيٌد من
الردمء.
ٌ
نشتة النّقد البالغي في التراث العربي.
ال نستطيع أف كب ٌدد على كجو ال ٌدقة مىت كانت نشأة النقد الببلغي ،أك مىت امتزج النقد الببلغي
بالنقد األديب ،ذلك ألننا ال نستطيع ربديد نشأة النقد ذاتو لصعوبة ربديد زمن نشأة الشعر العريب الذم
ظهر معو النقد كسايره.
غَت أف الببلغة اليت كانت تبحث يف الطرائق اليت يكوف ّٔا الكبلـ صبيبل ،كترشد الشاعر إُف ىذه
الطرائق ال ب ٌد أف تكوف قد ظهرت مع الشعر أيضا أم قبل عصر التدكين كالتأليف ككضع اؼبصنفات؛
يقوؿ أمُت اػبوِف" :عاشت اؼبعارؼ البشرية اؼبختلفة؛ من علمية ،كفلسفية كفنية كغَتىا يف عقوؿ الناس
كعلى ألسنتهم كيف تفانبهم كتعاملهم ،قبل أف تعيش يف دراستهم كمدكناهتم .بل لعلها عاشت يف حاؽبا
األكُف زمنا طويبل ،كأثرت يف اغبياة أثرىا البعيد ،الذم ال تزاؿ بعد التدكين كالدراسة ربدثو كتؤثره يف أكثر
139
فكل أمة قد
من يتأثر ّٔا من دارسيها كمتعلميها .كالببلغة من بُت ىذه اؼبعارؼ خضعت ؽبذا النٌاموسٌ ،
كل ٌأمة قد ازبذت
التخَت مبلحظات ـبتلفة ،كما أ ٌف ٌ
زبَتت اعبيد من فنٌها القوِف ،كالحظت يف ىذا ٌ
ٌ
كتكوف،
كتدرب ٌ
تتخَت كربكمٌ ،
األساليب اؼبختلفة لتكوين القالة آّيدين كتدريبهم .كغربت دىرا طويبل ٌ
التخَت كطرائق التدريب كتدرسها دراسة منٌظمة (.)1
ٌ تدكف فيو طرائق
قبل أف تصل إُف دكر ٌ
كال ٌدالئل على كجود ىذا النشاط الببلغي أياـ اعباىلية موجودة متوافرة ربملها النٌصوص الشعرية
كاألدبية اليت كصلتنا من ذلك العصر فانتشار نصوص بعينها كركاجها يعٍت أ ٌهنا انتقيت من بُت نصوص
ظبي
الصنيع الذم ٌ أخرل ،لذلك كتب ؽبا االنتشار كالذيوع فالصحراء العربية كانت زاخرة أياـ اعباىلية ّٔذا ٌ
الركاج الكبَت بينهم ،ككانوا
السوؽ النٌافقة عندىم ،ك ٌ
للمتخَت من شعر كنثر ٌ
ٌ فيما بعد ببلغيٌا أك بيانيا .فكاف
ينتقدكف ما يسمعوف من شعر كنثر كيتخَتكف بعضو فيسَت كيذيع» (.)2
كيرل أضبد مطلوب أف ال ٌدليل على كجود الببلغة إُف جانب النقد منذ العصر اعباىلي ىو ىذه
ال ٌذخَتة البديعية اؼبوجودة يف النصوص األكُف (الشعر اعباىلي) ،كىذا ما يؤكد على أف ىذا الشعر َف يكن
لكل ذلك كمن غَت أف تكوف
الرقي كالكماؿ دكف أف يكوف ىناؾ "عقل مدبٌر ٌ
ليصل إُف تلك اغبالة من ٌ
عامة تعارؼ عليها الشعراء كاػبطباء كساركا عليها فيما نظموا أك قالوا"(.)3
ىناؾ أصوؿ ٌ
كاؼبؤكد أف اؼبصطلحات الببلغية َف تكن معركفة يف ذلك العصر القدًن ،لكن الفنوف كاألساليب
ربسن كبلمهم
الصور اليت زخر ّٔا شعر اؼبرحلة يبقى شاىدا على أ ٌف العرب قد عرفوا تلك الفنوف اليت ٌ
ك ٌ
كتزيٌنو" ،كمثل ىذه الفنوف كثَت يف شعر اؼبتقدمُت ،كمعٌت ذلك أف الشعراء كانوا ينزعوف منزعا فنيا تعارفوا
عليو ،كأهنم كانوا وبسوف دبا ؼبثل ىذه الفنوف من أثر يف الكبلـ كقيمة يف التعبَت " ( .)4كيسمى مطلوب ىذا
ال ٌدليل دليبل عقليٌا.
كال ٌدليل النٌقلي الشاىد على معرفة العرب ؽبذه الفنوف ىو ما نعرفو من تبجيل العرب للخطابة ،حىت
( _ )1أمُت اػبوِف .مناىج ذبديد يف النحو كالببلغة كالتفسَت كاألدب ،دار اؼبعرفة ،ط ،1961 ،1ص .95
140
إنٌو جاء زمن رفعوا مكانة اػبطيب على حساب الشاعر ،فكاف اػبطباء يفخركف خبطبهم كيعتزكف ببياهنم
كيركف أف ىذا البياف كفيل بأف وب ٌقق ؽبم اؼبنزلة الرفيعة بُت أقوامهم .كاعباحظ كتب البياف كالتبيُت ليكوف
صى ع ٌدة عيوب يف اػبطابة كمن مثٌ الببلغة ،كىذا ي ٌدؿ على أ ٌف العرب عرفوا
أح ى
يعلم العرب اػبطابة ك ٍ
كتابا ٌ
الببلغة كلوال ذلك ؼبا اىتدكا إُف مثل ىذه العيوب اليت ربوؿ دكف صباؿ اػبطبة كمن مث تقف عائقا يف سبيل
ربقيق أىدافها (.)1
ىذه اؼببلحظات النقدية ستصبح ؾبموعة من القوانُت اليت يتعلمها األديب من أجل استعماؽبا حرصا
نصو يف غاية اعبماؿ كاعبودة ،سيكوف ىذا ال ٌدرس ىو "الببلغة" اليت الزمت النقد مدة
على أف يكوف ٌ
طويلة من الزمن كَف تنفصل عنو إالٌ يف القرف اػبامس اؽبجرم عندما كتب عبد القاىر اعبرجاين ( 471ىػ)
كتابيو اؼبشهورين (أسرار الببلغة) ك (دالئل اإلعجاز).
كنقرأ كتاب اعباحظ ( 255ىػ) (البياف كالتبيُت) ،ككتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر ( 337ىػ)
ككتاب الصناعتُت أليب ىبلؿ العسكرم ( 395ىػ) فنجد الببلغة كالنٌقد متبلزمُت ،متمازجُت ،ككبلنبا يعٌت
بتقدًن اإلرشاد كالتوجيو لتخريج أدباء يعرفوف كيف يفرقوف بُت اغبسن كالقبيح .يقوؿ أبو ىبلؿ العسكرم
أخل
يف شأف الببلغة" :كؽبذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة ،كمناقب معركفة؛ منها أ ٌف صاحب العربية إذا ٌ
كعمى سائر
كفرط يف التماسو ،ففاتتو فضيلتو ،كعلقت بو رذيلة فوتو ،ع ٌفى على صبيع ؿباسنوٌ ،
بطلبوٌ ،
يفرؽ بُت كبلـ جيٌد كآخر ردمء ،كلفظ حسن ،كآخر قبيح ،كشعر نادر ،كآخر بارد، فضائلو ،ألنو إذا َف ٌ
باف جهلو ،كظهر نقصو"(.)2
مث يتجو أبو ىبلؿ إُف األدباء سواء أشعراء كانوا أـ كتابا ليقوؿ إف معرفة الببلغة سابقة على النظم
يبر ّٔذه اؼبعرفة ٌأكال كينظر يف قواعد الببلغة
كاإلنشاء ،كإف من راـ قوؿ الشعر أك كتابة رسالة ،عليو أف ٌ
الصفو بالكدر،
كفنوهنا؛ "كىو أيضا إذا أراد أف يصنع قصيدة أك ينشئ رسالة -كقد فاتو ىذا العلم-مزج ٌ
الوحشي العكر؛ فجعل نفسو مهزأة للجاىل ،كعربة للعاقل"(.)3
ٌ كخلط الغرر بالعيرر ،كاستعمل
141
الكاتب من اعبرأة على النظم كالشركع يف الكتابة دكف معرفة بعلم الببلغة
الشاعر ك ى
ى كوبذر العسكرم
ألف زبطي ىذا العلم سيدؿ القراء على جهلو كقصور فهمو ،ك "إذا أراد أيضا تصنيف كبلـ منثور ،أك
تأليف شعر منظوـ ،كزبطى ىذا العلم ساء اختياره لو ،كقبحت آثاره فيو؛ فأخذ الردمء اؼبرذكؿ ،كترؾ اعبيٌد
فدؿ على قصور فهمو ،كتأخر معرفتو كعلمو» (.)1
اؼبقبوؿٌ ،
نستطيع أف لبرج بنتائج من ىذه األقواؿ زبص عبلقة الببلغة بالنقد كعبلقتها بالنص األديب،
كعبلقتها بالقراء اؼبتلقُت.
األديب،
يتضح من كبلـ العسكرم أ ٌف الببلغة سابقة على النقد ،فبينما يأيت النٌقد بعد إنشاء النص ٌ
يقيٌمو كيبيز اعبيد من الردمء كيصدر األحكاـ ،تكوف الببلغة سابقة على خلق النصوص األدبية؛ فهي
موجود قببل ،تأخذ بيد األديب ترشده كتعلٌمو طرائق الكتابة كتدلٌو على صناعة األسلوب اعبميل اؼبميٌز،
لذلك فالببلغة سابقة معلمة كمرشدة.
ٌأما النقد فيأيت ليحلٌل النص الذم عملت الببلغة على تركيبو ،كىبلص إُف مواطن اغبسن كالقبح
ؾبردة كإمبا يكوف مع
فيو ،لذلك كنا قد قلنا يف احملاضرة األكُف إف التنظَت النٌقدم ال يأيت من أفكاره ٌ
النصوص األدبية يستنبط منها أحكاما نظرية.
هتتم الببلغة باألسلوب كطرائق القوؿ كمناحي تصرؼ األديب يف اؼبادة اليت يريد آداءىا فًتسم لو
هبمل ّٔا مادتو
هبمل لو طرؽ األداء كترشده إُف الكيفية اليت ٌ
طرؽ األداء ،كترشده إُف الكيفية اليت ٌ
كوبسنها .كمن مثٌ فالببلغة علم معتد بنفسو قائم بذاتو ،يرشد إُف طرؽ خلق نصوص تتسم باغبسن كاعبودة
أما النقد فهو يشتغل بالنصوص بعد أف زبرج إُف الوجود فيصدر عليها األحكاـ .الببلغة –إذف -ربرص
على إنتاج النص اعبيد ،أما النٌقد فيشتغل بالنصوص مهما كانت قيمتها.
142
للببلغة عبلقة مباشرة باؼبتلقُت ،فهي ربرص على أال يصل إليهم سول النص اعبيد ،اؼبدىش ،الذم
وبقق ؽبم اؼبتعة كاللذة يف أثناء القراءة أك االستماع ،كىي تعلم األديب مراعاة مقامات ىؤالء اؼبتلقُت
كاغبرص على أداء كظيفيت اإلببلغ كاإلمتاع ،كاإلفهاـ يف كل األحواؿ.
يرل بعض الباحثُت أ ٌف عبد اهلل بن اؼبعتز بوصفو شاعرا ككاتبا ،سبثل نصوصو مادة خصبة للدراسة
كالبحث ،خاصة إذا نظر إُف أساليبو يف التشبيو ،أما كتابة (البديع) فهو إضافة بالغة القيمة للمدرسة
األديب اػبالص؛ فعبد اهلل بن اؼبعتز "اػبليفة الشاعر اؼبؤلف الذم تعترب فبارستو األدبية
الببلغية يف اذباىها ٌ
ضم إُف ذلك الوقفة
الفعلية مادة قيمة يف اؼبيداف الببلغي ،فهو الذم تفرد تشبيهاتو بالنظر كالتحليل ،فإذا ٌ
اػباصة عند بعض صور التعبَت األديب وب ٌدث عنها يف مثل كتابة البديع ،فذلك ما وبسب للمدرسة األدبية
الببلغية يف فهمها كتارىبها"(. )1
كالبد من اإلشارة إُف أف عنواف الكتاب (البديع) ال يقصد منو البديع دبعناه الذم اصطلح عليو بعد
أف قي ٌسمت الببلغة إُف معاف كبياف كبديع .بل ىو "كقوؼ عند صور يف التعبَت عرفت ج ٌدة العناية ّٔا عند
ؿبدثيهم (الشعراء) كيف ٌأكؽبا االستعارة"(.)2
ك البديع ىو ما صنع على غَت منواؿ ،أم ما كاف ٌأكال كمبتدأ ،قاؿ ابن منظور" :بى ىدع الشيء يبدعيوي
بدعا كابتدعوي ،أنشأه كبدأه .كالبديع الب ٍدعي كاؼببتدع كأبدع الشاعر :جاء بالبديع"(.)3
كاف ىذا اؼبقصود بعنواف (البديع) أم الطرائق اليت استحدثها شعراء يف النظم الشعرم لذلك ظبٌوا
(احملدثُت) كاعبدير بالذكر أ ٌف ابن اؼبعتز كاف من أنصار (اؼبذىب البديعي) يف الشعر؛ ىذا اؼبذىب الذم
كاف يقوـ على "أساس االىتماـ بالتصوير الشعرم الطريف اؼببتكر اؼبعتمد على نوع من الغرابة كاعب ٌدة يف
143
صياغة الصور الببلغية اؼبألوفة من تشبيو كاستعارة كطباؽ كجناس" (.)1
كسبب تأليف الكتاب أف ابن اؼبعتز الحظ أف أبا سباـ قد جاكز حد االعتداؿ يف استعماؿ الصور
الببلغية الطريفة اؼببتكرة كخرج ّٔا عن حدكد اؼبعقوؿ ،كبالغ يف ذلك مبالغة كبَتة ،فأراد أف يبُت للقراء أف
البديع موجود يف كبلـ العرب كالشعراء اعباىلُت كاإلسبلميُت كاحملدثُت؛ "قد ق ٌدمنا يف كتابنا ىذا بعض ما
كجدنا يف القرآف كاللغة كأحاديث رسوؿ اهلل ككبلـ الصحابة كاألعراب كغَتىم كأشعار اؼبتقدمُت من
الكبلـ الذم ظبٌاه احملدثوف البديع لييعلم أف بشارا كأبا نواس ،كمن تقيلهم كسلك سبيلهم َف يسبقوا إُف ىذا
ظبي ّٔذا االسم فأعرب عنو كدؿ عليو مث إف حبيب بن
الفن ،كلكنٌو كثر يف أشعارىم فعرؼ يف زماهنم حىت ٌ
كتفرع فيو كأكثر منو فأحسن يف بعض ذلك كأساء يف
أكس الطائي من بعدىم شغف بو حىت غلبت عليو ٌ
بعض كتلك عقىب اإلفراط كشبرة االسراؼ"(.)2
قاـ ابن اؼبعتز حبصر فنوف البديع اؼبعركفة يف عصره كمثل لكل فن منها دبا يناسبو من كبلـ اهلل تعاُف
ككبلـ الرسوؿ كصحابتو ككبلـ األعراب ،كالشعراء منذ العصر اعباىلي كصوال إُف عصره ،ليقدـ الدليل
على أ ٌف ىذه الفنوف كانت معركفة مشهورة عند الناس كليست من ابتداع شعراء اغبداثة.
يقسم ابن اؼبعتز كتابة قسمُت ،أكؽبما البديع كثانيهما ؿباسن الكبلـ ،أما البديع فهو طبسة أقساـ
ىي:
/1االستعارة:
كىي عنده "استعارة الكلمة لشيء َف يعرؼ ّٔا من شيء قد عرؼ ّٔا مثل أـ الكتاب ،كمثل جناح
مخ العمل ،فلو كاف قاؿ (لب العمل) َف يكن بديعا".
الذؿ ،كمثل قوؿ القائل الفكرة ٌ
كمن أمثلة االستعارة يف الشعر العريب القدًن:
،2 ( _ )1علي عشرم زايد .النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع (اؼبصادر كالقضايا) ،مكتبة الشباب ،القاىرة ،ط
،1995ص .65
( _ )2عبد اهلل بن اؼبعتز .كتاب البديع ،تح :إغناطيوس كراتشكوفسكي ،دار اؼبسَتة ،بَتكت ،ط ،1982 ،3ص .09
144
وأردف أعجازا وناء بكلكل. لما تمطى بصبو
فقلل لو ّ
"ىذا كلو من االستعارة ألف الليل ال صلب لو كال عجز"(.)1
كيغلق ابن اؼبعتز باب االستعارة بذكر عيؤّا-كىذا صنيعو مع كل البديع-كعيؤّا ىي الغرابة كعدـ
لياقتها للمعٌت ،كؾبافاهتا للذكؽ ،ككذلك يبثل ؽبذه العيوب بالشعر ككبلـ القدماء.
/2التجنيس" :كىو أف ذبيء الكلمة ذبانس أخرل يف بيت شعر ككبلـ كؾبانستها ؽبا أف تشبهها يف
تأليف حركفها"( ،)2كقوؿ الشاعر:
أضاء لها من كوكب الح ّق آفلو جال ظلمات الظلم عن وجو ّأمة
/4رد أعجاز الكالم على ما تقدمها :كىو موافقة آخر كلمة فيو آخر كلمة يف نصفو ٌ
األكؿ مثل
قوؿ الشاعر:
بالرضى
الّ ّ يرضى الم ّ ىل من المج ُد ال يرضى بتن ترضى بتن
145
"كبلغنا أف إسحاؽ بن إبراىيم رأل حبيب الطائي ينشد ىذا كأمثالو عند اغبسن بن كىب فقاؿ:
ياىذا شددت على نفسك" (.)1
كسول ىذا من الفنوف يسميو ابن اؼبعتز (ؿباسن الكبلـ كالشعر) كيقوؿ إهنا كثَتة كالباب مفتوح ؼبن
ؿبسنا كىي (االلتفات ،االعًتاض ،الرجوع ،حسن اػبركج،
أراد أف يضيف إليها ،كيذكر منها ثبلثة عشر ٌ
تأكيد اؼبدح دبا يشبو ال ٌذـ ،ذباىل العارؼ ،اؽبزؿ الذم يراد بو اعبد ،حسن التضمُت ،التعريض كالكناية،
الصفة ،حسن التشبيو ،لزكـ ما ال يلزـ ،حسن االبتداء).
اإلفراط يف ٌ
مميلات كتاب البديع:
-دراسة فنوف البديع دراسة تطبيقية كاسعة تساعد على تكوين الذكؽ كتدعم الفكرة يف نفس القارئ
–يف دراستنا-أف ننبو على أف ابن اؼبعتز َف دبا اشتمل عليو من نصوص كثَتة ـبتلفة ،غَت أنو من اؼبفيد
يدرس فنوف البديع دراسة علمية ،ذلك ألف عصره َف تكن قد هتيأت لو مثل ىذه الدراسة إضافة إُف أنو
كاف أديبا شاعرا ألٌف كتابو ليؤكد على كجود ىذه الفنوف يف الكبلـ العريب صبلة قبل حركة التحديث
الشعرية.
األديب اػبالص كاػبلو التاـ من اؼبصطلحات العلمية كتقسيمات كتفريعات كحدكد اؼبناطقة.
-الطابع ٌ
-حصافة الذكؽ كسعة اإلطبلع كحسن االختيار.
يرل بعض الباحثُت أف كتاب البديع البن اؼبعتز أقرب إُف كتب االختيار اليت شاعت يف عصره غَت
أنٌو ىبتلف عنها يف كونو ليس قائما على اختيار النصوص حبسب أغراضها كمواضيعها ،لكن حبسب الفنوف
الرغم
البديعية موضوع الكتاب ،لذلك فإف قيمة الكتاب تكمن يف صبع ىذه الفنوف يف كتاب كاحد على ٌ
146
من كجودىا يف كتب سابقة (.)1
-لكن كتاب البديع لفت األنظار إُف إمكانية استقبلؿ ىذه الفنوف فيما بعد عندما حدث
االنفصاؿ بُت النقد كالببلغة يف القرف اػبامس.
-على الرغم من أ ٌف فكرة االختبلؼ بُت الببلغة كالنٌقد َف تكن قائمة يف ذىن ابن اؼبعتز ،فإ ٌف كتابو
كاف كتابا يف الببلغة بينما الكتب اليت ألٌفت يف عصره كاف تع ٌد كتبا نقدية ،بل "قد أصبح اؼبصطلح يف
ىذا القرف عنوانا على اذباه شعرم ذبديد كاف ؿبور صراع نقدم استمر طواؿ القرف الثالث كالرابع" (.)2
العريب القدًن كاف حركة دؤكبة ،متشعبة األطراؼ ،متعددة االذباىات ،حركة
كخبلصة األمر أف النقد ٌ
متطورة حبسب مقتضيات العصر كمعطياتو ،شارؾ فيها علماء كنقاد أفذاذ خلفوا مؤلفات مازالت ربتاج إُف
ال ٌدراسة كالبحث كالتنقَت ،كستبقى ؿبل فخر كاعتزاز .كستبقى النصوص األدبية ؿبل اىتماـ ال ينتهي.
147
خاتمة:
يف ختاـ ىذه اؼبطبوعة نسجل النقاط اآلتية:
َ-ف يكن النقد يف الًتاث العريب ترفا ،أك أقواال عابرة ،بل كاف نشاطا معرفيا ،بدأ شأنو شأف اؼبعرفة
جزئيا غَت معلل ،يبلحق ما تعلق بالنٌفس كأثار فيها البهجة أك الشجن ،كغَتىا من أحواؿ النفس الكثَتة،
السخط كىكذا كاف نبٌو منذ البداية سبييز اعبيد من الردمء.
فصنع اإلعجاب أك ٌ
العريب شفاىيا ،كذلك أمر طبيعي ،فاألدب كاف وبفظ مشافهة ،كال ب ٌد أف الشفاىية
-بدأ النقد ٌ
كانت نزعة متأصلة يف الثقافة العربية حبكم االفتقاد إُف كسائل كأدكات الكتابة .غَت أ ٌف ىذا النقد الذم
العريب بالفن كالثقافة ،كحرصو على
بدأ مع األدب رحلة تطوره كسايره فيها ،كاف أكرب دليل على عناية ٌ
حفظهما من النسياف ،كضبايتهما من الضياع.
السلب ،كَف
خلوا من بذرة اغبضارة ،كَف يكن نبٌو الغزك كالقتل ك ٌ
َف يكن العريب يف صحرائو اؼبمتدة ٌ
يكن يرربل باحثا عن مواطن الكؤل حامبل بيتو فوؽ ظهره ،بل كاف إنسانا عاديا يعيش يف اؼبدف (ما يسميو
ابن سبلـ القرل العربية) كيف الصحراء كالبوادم شأنو شأف اإلنساف اغبديث .ككاف يق ٌدر الثقافة كهبل الفن
(كإف َف يعرؼ ىذين اؼبصطلحُت).
إف ىذا االىتماـ كاإلجبلؿ للفن سيظهر يف كتب عديدة أنبها كتاب األغاين لؤلصفهاين يف القرف
مكونات ثقافتو ىو ما هبعلنا
الرابع؛ ىذا اإلصرار على ضباية اؼبعطيات الركحية لئلنساف كبعض ٌ
اؽبجرم ٌ
ندفع هتمة االنتحاؿ اليت أراد مرجليوث كطو حسُت إغباقها بالشعر العريب صبلة كتفصيبل ،كهبعلنا نطمئن
إُف ابن سبلـ اعبمحي كىو يقوؿ إنٌو علينا قبوؿ ما قبلو العلماء ،مع بقاء باب البحث مفتوحا على أم
حبث وبًتـ اإلنساف كينظر إليو باحًتاـ مهما كاف العصر أك العرؽ الذم ينتمي إليو.
148
-كاف الشعر ديواف العرب كعلم قوـ َف يكن ؽبم علم أصح منو ،لذلك نلحظ ىذا اإلصرار على
تعظيم شأنو ،كيؤكد ىذا فكرةى الفحولة اليت تقصي من ؾباؽبا كل من خالطتو صفة أخرل غَت صفة الشعر،
العبسي َف يكن
ٌ ككل من انتمى إُف غَت زماف كمكاف الشعر األكؿ ،فنحن ندىش حُت نعرؼ أف عنًتة
فحبل حبكم فكرة الفحولة .ككأف فكرة الفحولة تدعو إُف إنشاء مؤسسات ثقافية نبها األكؿ صقل موىبة
كل نشاط آخر حىت ال يكوف الشاعر إال شاعرا فقط ،كيكوف ىو ذاتو (قصيدة سبشي
الشعراء كعزؽبم عن ٌ
على األرض) ال ىبالطها كصف أك نعت آخر مهما ظبا أك عبل شأنو (الفركسية ،الكرـ...اٍف)
-أدرؾ نقادنا القدماء أنبية العوامل الكثَتة اؼبختلفة يف تكوين الشاعر (الزماف ،اؼبكاف ،العامل
النفسي )...كيظهر ىذا جليا يف طبقات فحوؿ الشعراء البن سبلـ اعبمحي الذم امتلك شجاعة
االعًتاؼ باالنتحاؿ كالوضع يف الشعر القدًن ،كدعا إُف أف يكوف النقد نشاطا متخصصا يقوـ بو أىلو ألنو
صناعة مثل باقي الصناعات.
-سجلت اؼبدكنات النقدية العربية القديبة خط سَت النقد العريب القدًن من األكلية الشفاىية إذ كاف
االعتماد على ال ٌذكؽ كالرأم الذايت ،إُف مرحلة النقد اؼبتخصص اؼبنهجي يف القرف الرابع مع مدكنات تعد
عبلمات مشرقة كمفخرة للنقد العريب عموما ،مثل اؼبوازنة كالوساطة كدالئل اإلعجاز...اٍف.
كل
-انضم إُف النشاط النقدم القدًن بيئات كثَتة ـبتلفة كاف نبٌها البحث يف النصوص األدبية ٌ
حبسب اذباىو (ببلغيوف ،متكلموف ،فبلسفة)...
-ما يزاؿ النقد العريب اغبديث موصوال بقديبو كال تزاؿ فكرة البحث عن النص اعبميل اؼبدىش قائمة
يف إيباف بأف كل زمن ال بد أف وبمل معو اعبديد اؼبغاير كاؼبختلف ،لذلك سيلحظ أبنائي الطلبة أنٌٍت ذبنبت
يف ىذه احملاضرات ذكر أم عصر من العصور السياسية العربية ،إذ إ ٌف نظرية التلقي تقوؿ بدراسة تاريخ
األدب حسب تلقي ىذا األدب ال حسب تقسيمات سياسية كربقيبات مفتعلة.
-يبثل الًتاث ركيزة مهمة يف حياة األمة ،كال ب ٌد من الرجوع إليو ،كإعادة قراءتو ،كمقابلتو دبعطيات
اغباضر من أجل االلبراط يف حركة التجديد كالتحديث ،كما اغبركة التحديثية اليت طالت الشعر العريب
149
بزعامة أيب سباـ ( 232ىػ) إالٌ دليل على أ ٌف الًتاث يف حاجة مستمرة إلعادة القراءة كإعادة النظر من أجل
التطوير كالتجديد ،كتلك سنة اغبياة اليت ال مهرب منها.
.1األصمعي .فحولة الشعراء ،تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط2005 ،1ـ.
.2اآلمدم .اؼبوازنة بُت شعر أيب سباـ كالبحًتم ،ج ،1تح :السيد أضبد صقر ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة،
ط ،4دت.
.3امرؤ القيس .ديواف امرئ القيس ،شرح :أبو سعيد السكرم ،تح :أنور علياف أبو سويلم كؿبمد علي
الشوابكة ،مركز زايد للًتاث كالتاريخ ،اإلمارات العربية اؼبتحدة ،ط2000 ،1
.4الباقبلين ،إعجاز القرآف ،تح :السيد أضبد صقر ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،دط ،دت.
.5اؿحبًتم .ديواف البحًتم ،مج ،1تح :حسن كامل الصَتيف ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،3دت.
.6أبو بكر الصوِف .أخبار أيب سباـ ،تح :خليل ؿبمود عساكر كآخركف ،منشورات دار اآلفاؽ اعبديدة،
بَتكت ،ط.1980 ،2
.7اؿثعاليب .يتيمة الدىر يف ؿباسن أىل العصر ،ج ،4تح :مقيد ؿبمد قميحة ،دار الكتب العلمية،
بَتكت ،ط.1983 ،1
.8اعباحظ .البياف كالتبُت ،تح :عبد السبلـ ؿبمد ىاركف ،مكتبة اػباقبي ،القاىرة ،ط1998 ،7ـ.
،2 .9اًفاحظ .اغبيواف ،تح :عبد السبلـ ؿبمد ىاركف ،شركة مصطفى البايب اغبليب ،القاىرة ،ط
.1965
150
جبلؿ الدين السيوطي ،اؼبزىر يف علوـ اللغة كأنواعها ،تح :ؾبموعة من األساتذة ،مكتبة .10
دار الًتاث ،ج ،1القاىرة ،ط ،3دت.
حازـ القرطاجٍت .منهاج البلغاء كسراج األدباء ،تح :ؿبمد اغببيب ابن اػبوجة ،دار الغرب .11
اإلسبلمي ،بَتكت ،ط.2007 ،4
حساف بن ثابت .ديواف حساف بن ثابت ،شرح :عبد الرضبن الربقوقي ،اؼبطبعة الرضبانية، .12
القاىرة ،دط.1929 ،
ابن خلدكف .مقدمة ابن خلدكف ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط2006 ،9ـ. .13
ابن رشيق القَتكاين .العمدة يف ؿباسن الشعر كآدابو ،تح :توفيق النيفر كـبتار العبيدم .14
كصباؿ ضبادة ،آّمع التونسي للعلوـ كاآلداب كالفنوف ،تونس ،دط.2009 ،
ابن سبلـ اعبمحي .طبقات فحوؿ الشعراء ،تح :ؿبمود ؿبمد شاكر ،دار اؼبدين ،جدة، .15
دط ،دت.
اؿصاحب بن عبَّاد .الكشف عن مساكئ شعر اؼبتنيب ،تح :الشيخ ؿبمد حسن آؿ ياسُت، .16
مكتبة النهضة ،بغداد ط.1965 ،1
ابن طباطبا العلوم .عيار الشعر ،تح :عبد العزيز بن ناصر اؼبانع ،دار العلوـ للطباعة .17
كالنشر ،الرياض ،دط.1985 ،
ابن طباطبا العلوم ،عيار الشعر ،تح :عباس عبد الستار كنعيم زرزكر ،دار الكتب .18
العلمية ،بَتكت ،ط2005 ،2ـ.
عبد القاىر اعبرجاين .دالئل اإلعجاز ،تح :ؿبمود ؿبمد شاكر ،مطبعة اؼبدين ،جدة، .19
ط.1992 ،3
عبد القاىر اعبرجاين ،أسرار الببلغة ،تح :ؿبمد رشيد رضا ،دار الكتب العلمية ،بَتكت، .20
ط.1988 ،1
عبد القاىر اعبرجاين ،أسرار الببلغة ،تح :ؿبمد رشيد رضا ،دار الكتب العلمية ،بَتكت، .21
ط.1988 ،1
،1تح :ؿبمود شاكر عبد الكرًن النهشلي .اختيار اؼبمتع يف علم الشعر كعملو ،ج .22
151
القطاف ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط.1983 ،1
عبد اهلل بن اؼبعتز .كتاب البديع ،تح :إغناطيوس كراتشكوفسكي ،دار اؼبسَتة ،بَتكت، .23
ط.1982 ،3
علم بن عبد العزيز .الوساطة بُت اؼبتنيب كخصومو ،تح :ؿبمد أبو الفضل إبراىيم كعلي .24
ؿبمد البجاكم ،اؼبكتبة العصرية ،بَتكت ،ط.2006 ،1
أبو اؿفرج األصفهاين .األغاين ،ج ،21تح :إحساف عباس كآخركف ،دار صادر ،بَتكت، .25
ط.2008 ،3
،17تح :كامل سليماف فضل اهلل العمرم :مسالك األبصار يف فبالك األمصار ،ج .26
اعببورم ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ط2010 ،1ـ
ابن قتيبة .الشعر كالشعراء ،تح :أضبد ؿبمد شاكر ،دار اغبديث ،القاىرة ،دط.2006 ، .27
قدامة بن جعفر .نقد الشعر ،تح :ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي ،دار الكتب العلمية ،بَتكت، .28
دط ،دت
اؿقرشي .صبهرة أشعار العرب ،تح :ؿبمد على البجاكم ،هنضة مصر ،القاىرة ،دط، .29
1981ـ.
اَفرزباين .اؼبوشح يف مآخذ العلماء على الشعراء ،تح :ؿبمد حسُت مشس الدين ،دار .30
الكتب العلمية ،بَتكت ،ط.1995 ،1
اَفرزكقي .شرح ديواف اغبماسة ،مج ،1تح :أضبد أمُت كؿبمد عبد السبلـ ىاركف ،دار .31
اعبيل ،بَتكت ،ط1991 ،1ـ
اَفىلهل .ديواف اؼبهلهل ،شرح كربقيق :أنطواف ؿبسن القواؿ ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط ،1 .32
.1995
اؿندًن .كتاب الفهرست ،ج ،1تح :رضا اؼبازندراين ،دار اؼبسَتة ،طهراف ،ط.1988 ،3 .33
أبو ىبلؿ العسكرم .كتاب الصناعتُت (الكتابة كالشعر) ،تح :علي ؿبمد البجاكم .34
كؿبمد أبو الفضل إبراىيم ،دار إحياء الكتب العربية ،ط.1952 ،1
السقا كآخركف ،دار اؼبعارؼ،
يوسف البديعي .الصبح عن حيثية اؼبتنيب ،تح :مصطفى ٌ .35
152
القاىرة ،ط ،3د ت.
ثانيا -المراجع
،1 أمُت اػبوِف .مناىج ذبديد يف النحو كالببلغة كالتفسَت كاألدب ،دار اؼبعرفة ،ط .36
.1961
إحساف عباس .تاريخ النٌقد األديب ،دار الشركؽ ،عماف ،ط.2006 ،1 .37
أضبد أضبد بدكم.أسس النقد األديب عند العرب ،هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع، .38
القاىرة ،دط1996 ،ـ.
أضبد مطلوب .البحث الببلغي عند العرب ،منشورات ،دار اعباحظ للنشر ،بغداد ،دط، .39
.1982
،1 أضبد مطلوب .عبد القاىر اعبرجاين ،ببلغتو كنقده ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت ،ط .40
.1973
أضبد مطلوب ،اذباىات النقد األديب يف القرف الرابع اؽبجرة ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت، .41
ط1973 ،1ـ.
،1 أضبد مطلوب ،عبد القادر اعبرجاين ببلغتو كنقده ،ككالة اؼبطبوعات ،الكويت ،ط .42
.1973
أضبد يزف .النقد األديب يف القَتكاف يف العهد الصنهاجي ،مكتبة اؼبعارؼ للنشر كالتوزيع، .43
الرباط ،دط1985 ،ـ.
إدريس الناقورم .اؼبصطلح النقدم يف نقد الشعر ،دراسة لغوية تارىبية نقدية ،دار النشر .44
اؼبغربية ،الدار البيضاء ،دط ،دت.
أدكنيس .الثابت كاحملوؿ ،ج ،2دار العودة ،بَتكت ،ط.1979 ،2 .45
153
بدكم طبانة .البياف العريب .دار اؼبنارة للنشر كالتوزيع ،ج ٌدة ،ط.1998 ،7 .46
،3 بدكم طبانة .قدامة بن جعفر كالنقد األديب ،.مكتبة األنلجو اؼبصرية ،القاىرة ،ط .47
.1969
جابر عصفور .مفهوـ الشعر –دراسة يف الًتاث النقدم ،اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب، .48
القاىرة ،ط.1995 ،5
حامت الضامن .نظرية النظم (تاريخ كتطور) ،منشورات ،كزارة الثقافية كاألعبلـ ،بغداد، .49
دط.1979 ،
صمود .التفكَت الببلغي عند العرب أسسو كتطوره إُف القرف السادس ،دار الكتاب
ضبادم ٌ .50
اعبديد ،ط.2010 ،3
،1 داكد سلوـ .النقد العريب القدًن بُت االستقراء كالتأليف ،مكتبة األندلس ،بغداد ،ط .51
.1969
ر.ببلشَت .تاريخ األدب العريب ،مج ،1تر :إبراىيم الكيبلين ،منشورات كزارة الثقافة، .52
دمشق ،دط.1973 ،
زكي مبارؾ .اؼبوازنة بُت الشعراء ،دار اعبيل ،بَتكت ،ط1ف 1993ـ. .53
سيد قطب .النقد األديب أصولو كمناىجو ،دار الشركؽ ،القاىرة ،ط.،2008 ،8 .54
شكيب أرسبلف .الشعر اعباىلي أمنحوؿ أـ صحيح النسبة ،تح :ؿبمد العبدة ،دار .55
الثقافة للجميع ،دمشق ،ط.1980 ،1
طارؽ النعماف .اللفظ كاؼبعٌت بُت األيديولوجيا كالتأسيس اؼبعريف للعلم ،مكتبة األقبلو .56
اؼبصرية ،القاىرة ،دط.2003 ،
طو أضبد إبراىيم .تاريخ النٌقد األديب عند العرب من العصر اعباىلي إُف القرف الرابع .57
اؽبجرم ،دار اغبكمة ،بَتكت ،دط ،دت.
طو حسُت .يف األدب اعباىلي .عبنة التأليف كالًتصبة كالنشر ،القاىرة ،ط ،3دت. .58
عادؿ الفرهبات .الشعراء اعباىليوف األكائل .دار اؼبشرؽ ،بَتكت ،ط.1994 ،1 .59
عبد السبلـ عبد العاؿ .نقد الشعر بُت ابن قتيبة كابن طباطبا ،دار الفكر العريب ،مطبعة .60
154
دار القرآف ،القاىرة ،دط ،دت.
عبد العزيز عتيق .تاريخ النٌقد األديب عند العرب ،دار النهضة العربية للطباعة كالنشر، .61
بَتكت ،ط2ف .1972
عبد اللطيف صويف .مدخل إُف علم الببليوغرافيا كاألعماؿ الببليوغرافية ،دار اؼبريخ للنشر، .62
الرياض ،دط.1995 ،
علي عشرم زايد .النقد األديب كالببلغة يف القرنُت الثالث كالرابع (اؼبصادر كالقضايا)، .63
مكتبة الشباب ،القاىرة ،ط.1995 ،2
،1 علي لغزيوم .نظرية الشعر كاؼبنهج النقدم يف األندلس ،مطبعة سايس ،فاس ،ط .64
.2007
عيسى علي العاكوب .التفكَت النقدم عند العرب ،دار الفكر اؼبعاصر ،بَتكت ،دار .65
الفكر ،دمشق ،ط.2005 ،4
قاسم مومٍت .نقد الشعر يف القرف الرابع اؽبجرم .دار الثقافة للطباعة كالنشر ،القاىرة، .66
دط.1983 ،
ماجدة ضبود .عبلقة النقد باإليداع االديب ،منشورات كزارة الثقافة ،دمشق ،دط.1997 ، .67
ؾبدم أضبد توفيق .مفهوـ اإلبداع الفٍت يف النٌقد العريب القدًن ،اؽبيئة اؼبصرية العامة .68
للكتاب ،دط.1993 ،
ؿبمد الطاىر بن عاشور .شرح اؼبقدمة األدبية لشرح اؼبرزكقي على ديواف اغبماسة أليب .69
سباـ ،تح :ياسر بن حامد اؼبطَتم ،مكتبة دار اؼبنهاج للنشر كالتوزيع ،الرياض ،ط1431 ،1ق.
ؿبمد رجب البيومي .موقف النٌقد األديب من الشعر اعباىلي ،مطبوعات جامعة اإلماـ
ٌ .70
ؿبمد بن سعود اإلسبلمية ،الرياض ،دط ،دت،
ٌ
ؿبمد زكي العشماكم .قضايا النقد األديب بُت القدًن كاغبديث ،دار النهضة العربية، .71
بَتكت ،دط1979 ،ـ.
ؿبمد صايل ضبداف كعبد اؼبعطي مبر موسى كمعاذ السرطاكم .قضايا النقد األديب ،دار .72
األمل للنشر كالتوزيع ،األردف ،ط1990 ،1ـ.
155
ؿبمد عابد اعبابرم .بنية العقل العريب (دراسة ربليلية نقدية لنظم اؼبعرفة يف الثقافة العربية، .73
مركز دراسات الوحدة العربية ،بَتكت ،ط.2009 ،3
ؿبمد عبد اؼبنعم خفاجي .ابن اؼبعتز كتراثو يف األدب كالنقد كالبياف ،دار اعبيل ،بَتكت، .74
دط.1991 ،
ؿبمد علي زكي الصباغ .الببلغة الشعرية يف كتاب البياف كالتبيُت للجاحظ ،اؼبكتبة
ٌ .75
العصرية ،بَتكت ،ط.1998 ،1
ؿبمد فريد كجدم.نقد كتاب الشعر اعباىلي ،مؤسسة ىنداكم للتعليم كالثقافة ،القاىرة، .76
دط ،دت.
ؿبمد مندكر .النقد اؼبنهجي عند العرب .هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع ،القاىرة، .77
دط.1996 ،
ؿبمد مندكر ،يف األدب كالنٌقد ،هنضة مصر للطباعة كالنشر كالتوزيع ،القاىرة ،دط ،دتا. .78
ؿبمود علي السماف .األدب اعباىلي كقضية االنتحاؿ فيو ،دكف ناشر.1995 ، .79
مصطفى اعبوزك ،نظريات الشعر عند العرب ،ج ،2دار الطليعة ،بَتكت ،ط.2002 ،1 .80
مصطفى زايد ،أثر اإلسبلـ يف ىذا الشعر العريب القدًن ،منشورات كلية اآلداب كالعلوـ .81
اإلنسانية ،كجدة.2010 ،
مصطفى ناصف .نظرية اؼبعٌت يف الًتاث العريب ،دار األندلس للطباعة كالتسيَت كالتوزيع، .82
بَتكت ،دط ،دت.
ناصر الدين األسد .مصادر الشعر اعباىلي كقيمتها التارىبية ،دار اؼبعارؼ ،القاىرة ،ط ،5 .83
.1978
ىند حسُت طو .النظرية النقدية عند العرب ،دار الرشيد للنشر ،منشورات كزارة الثقافة .84
كاإلعبلـ ،سلسلة دراسات ( ،)283بغداد.1981 ،
كليد قصاب .النقد العريب القدًن نصوص يف االذباه اإلسبلمي كاػبلقي ،دار الفكر، .85
دمشق ،دط.2005 ،
وبِت اعببورم .الشعر اعباىلي خصائصو كفنونو ،مؤسسة الرسالة ،بَتكت ،ط.1986 ،5 .86
156
يوسف اليوسف .مقاالت يف الشعر اعباىلي ،دار اغبقائق ،بَتكت ،ط.1985 ،4 .87
ابن سيده .احملكم كاحمليط األعظم .تح :مصطفى السقا كحسُت نصار ،معهد اؼبخطوطات .88
العربية ،جامعة الدكؿ العربية ،ط.1958 ،1
157
بَتكت ،ط.1984 ،2
فهرس الموضوعات
158
المحاضرة الثالثة:
النق د االنطباعي
23 أوال :معنى النَّقد االنطباعي
24 ثانيا :مجاالت النّقد االنطباعي
المحاضرة الرابعة:
مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة والمغاربة
31 أوال :مفهوم الشعر عند النقاد المشارقة
37 ثانيا :مفهوم الشعر عند النقاد المغاربة
المحاضرة المامسة:
قضية االنتحال وتتصيل الشعر العربي
42 بي القديم
أوال :االنتحال في النّقد العر ّ
50 ثانيا :االنتحال في دراسات المستشرقين
53 ثالثا :االنتحال في الدراسات العربية الحديثة
المحاضرة السادسة:
قضية الفحولة في النقد القديم
66 -الفحولة لُغة
67 -الفحولة اصطالحا
68 الشاعر الفحل لدى األصمعي
68 معايير الفحولة لدى األصمعي
73 اإلطار اللماني والمكاني للفحولة
المحاضرة السابعة:
نظرية عمود الشعر في النقد القديم
75 نشتة مصطلل (عمود الشعر)
75 عمود الشعر لدى اآلمدي ( 370ه)
77 عمود الشعر لدى القاضي الجرجاني (392ى )
78 عمود الشعر لدى المرزوقي ( 421ى )
159
المحاضرة الثامنة
قضية اللفظ والمعنى عند (ابن قتيبة) و(ابن طباطبا) و(قدامة بن جعفر)
85 معنى القضية
86 المعنى /اللفظ
89 آراء ابن قتيبة ( 270ى ) في اللفظ والمعنى
92 اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا العلوي ( 327ىػ)
95 اللفظ والمعنى عند قدامة بن جعفر ( 337ىػ)
المحاضرة التاسعة:
قضية اللفظ والمعنى عند نقاد المغرب واألندلس
100 -عبد الكريم النهشلي (405ى )
101 -ابن رشيق القيرواني (456ى )
105 -حازم القرطاجني (684ى )
106 -ابن خلدون (808ى )
المحاضرة العاشرة:
الصدق في النقد العربي القديم
قضية ّ
109 الصدق والكلب في النقد العربي القديم
111 قضية الصدق عند النقاد العرب
المحاضرة الحادية عشرة:
الموازانات النقدية
120 الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري لؤلمدي ( 370ه)
126 الوساطة بين المتنبي وخصومو :للقاضي الجرجاني (292ى )
المحاضرة الثانية عشرة:
نظرية النظم في النقد العربي القديم
130 نظرية النظم
131 أسئلة اإلعجاز عند عبد القاىر الجرجاني
134 قيمة نظرية النظم في النقد األدبي
160
المحاضرة الثالثة عشرة
البالغي
ّ النقد
139 نشتة النّقد البالغي في التراث العربي
142 نموذج عن النقد البالغي في التراث النقدي
144 البديع عند ابن المعتل
146 مميلات كتاب البديع
146 أىمية كتاب البديع وقيمتو
148 خاتمة
150 قائمة المصادر والمراجع
158 فهرس الموضوعات
161