Professional Documents
Culture Documents
محاضرات النقد القديم مع الافواج 01-05
محاضرات النقد القديم مع الافواج 01-05
1
وهذا ما عبر عنه ابن األثير بقوله" :فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ،ورفقوا
حواشيها وصقلوا أطرافها ،فال تظن أن العناية إذ ذاك هي باأللفاظ فقط بل هي خدمة منهم
للمعاني ،ونظير ذلك إبراز صورة الحسناء في الحلل الموشية ،واألثواب المحبرة ،فإنا قد نجد من
المعاني الفاخرة ما يشوه من حسنه بذادة لفظه وسوء العبارة عنه" ،1أو كما عبر ابن رشيق عن
طرفي هذه المعادلة بقوله" :اللفظ جسم وروحه المعنى وارتباطه به كارتباط الجسم بالروح".2
وبناء على ما سبق فإن النقاد القدامى لم يختلفوا في التأكيد على مجموعة من المقاييس
التي يجب أن تتوفر في اللفظ والمعنى وهي كما يلي:
مقاييس اللفظ:
اشترط النقاد العرب القدامى جملة من المعايير الفنية التي يجب أن تتوفر في اللفظ حتى
يعتد بفصاحته ،وقد قسموا تلك الشروط إلى قسمين ،منها ما يتعلق باللفظة الواحدة على
انفرادها ،ومنها ما يجب أن يتحقق بعضها إلى بعض.3
فأما الشرط األول:
فمن أهمها ما يلي:
-1أن تكون اللفظة مؤلفة من حروف متباعدة المخارج وعلة ذلك أنهم يرون أن
الحروف ،وهي أصوات تجري من السمع مجرى األلوان من البصر وان هذه االلوان المتباينة
حين تجمع تكون في المنظر أحسن ،وعلى هذا القياس كانت العلة في حسن تأليف اللفظة من
الحروف المتباعدة ،ومن أمثلة هذا الشرط إنكارهم لكلمة "هعخع" ذات الداللة المعروفة عندهم
بسبب تأليفها من حروف حلقية ،فصعب نطقها بسبب تقارب حروفها.
-2أن تكون اللفظة غير وحشية من غريب اللغة من ذلك ما يروى عن أبى علقمة
النحوي ،قوله" :ما لكم تتكأكؤون" و "افرنقعوا" من غريب اللغة.
ابن األثير ،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر،ج ، 2تج :أحمد الحوفي و بدوي طبانة ،ط ،1دار 1
ينظر محمد صايل حمدان ،قضايا النقد القديم ،ص .121 3
2
-3أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح ،ومثال ذلك قول الشاعر:
وصديقي من إذا صافى قسط *** شرطي األنصاف إن قيل اشترط
أراد الشاعر "قسط ع دل ،وليس األمر كذلك ،وإنما يقال :أقسط إذا عدل ،وقسط إذا جار
لقوله تعالى:
﴿وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا﴾.1
ومن هذا القيل ،التصرف في صياغة اللفظة تصرفا يتنافى مع العرف اللغوي السليم ،ومن
األمثلة:
-كأن يتصرف في اللفظة على سبيل الزيادة فيها ،كقوله الشاعر:
نفي الدراهيم تنقاد الصياريف. *** تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
يريد "الدراهم" والصياريف.
ومن ذلك إظهار التضعيف في اللفظة كقول الشاعر:
أني أجود األقوام وإن ضننوا. *** مهال أعاذل قد جربت من خلقي
والصحيح "ضنوا".
فقد صدف كلمة جبريل:
أو منع الصرف مما ينصرف ،كقول الشاعر:
يفوقان مررداس في مجمع. *** وما كان حصن وال حابس
فمنع الصرف عن "مرداس".
ومنه حذف األعراب للضرورة ،كقول الشاعر:
إثما من هللا وال واغل. *** فاليوم أشرب غير مستحقب
يريد أشرب.
ومنه مد المقصور ،أو قصر الممدود كقول الشاعر:
فال فقر يدوم وال غناء. *** سيغنيني الذي أغناك عني
ينظر داود غطاسنة وحسين راضي ،قضايا النقد العربي قديمها وحديثها ،مكتبة الثقافة ،عمان ،األردن ،ط ،1111 ،1ص .40-11 1
4
بارزة الجفن عين مخنوق. *** كأنما عينه إذا نظرت
فإن عين المخنوق تكون جاحظة ،وال يوصف األسد بجحوظ العين بل بغؤورها.
ب -ومن األخطاء المخالفة للتاريخ ،قول زهير بن أبي سلمي.
كأحمر عاد ثم تنتج فتفطم. فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ****
ألن المشؤوم هو أحمر ثمود ال عاد.
ج -ومن الخطأ اللغوي ،قول البحتري:
حيوت الغمام بين بكر وأيم. شق عليه الريح كل عشية ****
األيم من ليست بكرا.
واألغلب أن الخطأ في المعاني الشعرية ،يعود إلى جهل الشاعر بالحقائق التي يوردها،
ومن ثم كان واجبا عليه أن يكون متمكنا من الثقافة الالزمة حتى ال يقع في أي لون من
األخطاء المشار إليها آنفا.
-2المعنى وأغراض الشعر:
يرى النقاد العرب أن التعبير الشعري الجميل هو الذي يراعي فيه الشاعر مناسبة المعنى
للعرض الشعري المقصود.
وقد نبه النقاد العرب إلى ضرورة مراعاة معاني تلك األغراض عند تناولها من قبل الشعراء
فجاءت توجيهاتهم كاآلتي:
أ -المديح :فقد أروا ان المعاني المتعلقة بهذا الغرض ،والتي يجب أن يكون موضع
اهتمام الشعراء هي اإلشادة بالفضائل اإلنسانية ،ال الصفات الجسمية وال األمور العرضية.
ومن هذا القبيل قول زهير بن أبي سلمى:
ولكنه قد يهلك المال نائله. أخي ثقة ال تهلك الخمر ماله ***
فوصف الممدوح بالعفة ،لقلة لمعانه في اللذات وأنه ال ينفد ماله فيها ،وبالسخاء إلهالكه
ماله في النوال ميله إلى ذلك اللذات.
5
ب -الهجاء :وهو ضد المديح ،وذلك يعني أن الهجاء ينبغي أن يكون سبب انتفاء تلك
الفضائل فيمن يتوجه إليه الشاعر بالهجاء.
ج -الرثاء :ليس بين هذا الغرض والمديح فرق سوى أن ينكر الشاعر في اللفظ ما يدل
أنه لميت ،مثل كان أو قضى نحبه ،أو تولى أو ما أشبه ذلك من األلفاظ الدالة على الرحيل
عن هذا العالم.
ومن الشواهد الشعرية الجميلة على هذا الغرض قول الشاعر:
أيتها النفس أجملي جزعا *** إن الذي تحذرين قد وقعا
*** والنجدة و الباس وأندى جمعا. إن الذي جمع السماحة
*** الظن كأن قد رأى وقد سمعا. األلمعي الذي يظن ذلك
د -الوصف :وهو ذكر الشيء كما فيه من األحوال والهيئات وأحسن الشعراء من أثر في
شعره بأكثر المعاني التي يتركب منها الموصوف ،ثم بأظهرها فيه وأهمها ،ومن الشواهد الشعرية
المعبرة عن هذا الغرض قول يزيد بن مالك الغامدي يصف فعل سنابك الخيل في األرض:
عجاجا وبالحزان نار الحباحب *** يثرن سهل األرض مما يدنسه
والمعنى أن ما اقتدح من شرر النار في الهواء من تصادم الحجارة كالحباحب المضيئة
في حالة طيرانها ليال.
ه -الغزل :رأى النقاد العرب القدامى أن أهم المعاني المتعلقة بهذا الغرض ،أ يتحقق فيه
معاني الصدق وتتصف بالدقة وليس الخشونة ،كما في قول الشاعر:
*** إذا سمعت عنه شكوا تراسله. يود بأن يمسي سقيما لعلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
*** لتحمد يوما عند ليلى شمائله و يهتز للمعروف في طلب العال
وهذا من أحسن ما قيل في الغزل ،وذلك أن الشاعر قد أبان عن عظم وجد ،فجعل أيسر
سبيل إلى أن يشفى من سقم الهوى يكون بالمراسلة ،كما أبان عن أعظم منه شديد لهذه
المحبوبة ،حيث لم يرض لنفسه كونه سجينها األول حتى احتاج إلى أن يتكلف سجايا مكتسبة
يتزين بها عنده وهذه غاية المحبة.
6
-3المعنى واألخالق:
منذ أن وجد الشعر انقسم النقاد العرب إلى فريقين ،وسيظلون منقسمين ما دام في الحياة
خير وشر وفضيلة ورذيلة.
أما الفريق األول فيرى أن الشعر ينبغي أن يراعي األخالق وأن يتضمن من المعاني ما
يتحقق به سمو اإلنسان والحياة.
وأما الفريق الثاني فيرى أصحابه أن المقياس الخلقي ال دخل له في تقويم الشعر ،وأن
للشاعر الحق كل الحق في أن يعبر عن أحاسيسه سواء أوافق الخلق أم خالفه ،بل وذهب
الري من النقاد إلى ما هو ابعد من ذلك حين أروا أن الشعر ال يكون جميال إال
أصحاب هذا أ
إذا حاد عن األخالق ،وال يخفى ما في الدعوى من مبالغة كبيرة ألن عصور األدب زاخرة
بالشعر الخالد الذي تتعانق فيه األساليب الجميلة مع المعاني السامية.
7
يعد عبد القادر الجرجاني ( ت 091ه) رائدا في نظرية النظم في تراثنا النقدي
والبالغي ،ومما ساعده على ذلك اطالعه على جهود النقاد والبالغيين من قبله ،كالجاحظ
والقاضي عبد الجبار و الباقالني فضال أنه عن أنه كان نحويا ومتكلما ،وكان فيما يظهر
مطلعا اطالعا جديدا على ما ترجم ولخص من آثار الفكر اليوناني ،كما كان مطلعا على
المناقشات التي دارت بين النقاد المحافظين بما فيهم من مثمر وعقيم".1
وقد تبلورت نظرية عبد القادر الجرجاني في النظم من خالل دالئل اإلعجاز ،واستمد
عناصرها من أسلوب القرآن الكريم المعجز لعالم البشر وغير البشر عامة ،بأن يأتوا ولو بسورة
من مثله ،وللعرب أهل القصاصة والبالغة خاصة.
ظواهر لغوية شكلت النظرية:
وقد تحددت مالمح نظرية النظم بصورتها المتكاملة بعد أن وقف الجرجاني على مجموعة
من الظواهر اللغوية ،وناقشها مناقشة العالم الخبير ،فاتضح بعد أن وقف على كل منها أنها في
مجموعها أو أقل في تأليفها يكمن سر اإلعجاز األسلوبي للقرآن الكريم وتكمن "نظرية النظم".
ومن أهم تلك الظواهر التي تناولها الجرجاني وقادته إلى بلورة نظرية النظم ما يلي:
-1أن العرب قد وظفوا األلفاظ توظيفا غير مجانب للتوظيف القرآني لها ،باستثناء
تغييرات ليست بالكثيرة في بعض الكلمات كالصالة والزكاة والصيام وغيرها ،وعلى هذا األساس
فإن عبد القاهر الجرجاني ال يقر للنقاد والبالغيين الذين ذهبوا إلى االهتمام كالجاحظ اهتماما
مبالغا فيه إلى الحد الذي تعاملوا فيها مع المعاني بصورة تكاد تكون ثانوية ،بدعوى أنها معلومة
لدى كل الناس على اختالف ديانتهم وتفاوت مستوياتهم ،كما صنع الجاحظ ،وجعلوا منها
المصدر األوحد لبالغة الكالم ،فيرى أن األلفاظ تابعة للمعاني ،كما يرى أنه ال يتصور أن
تعرف للقاهر موضوعا من غير أن تعرف معناه ،وال أن تتوخى في األلفاظ من حيث هي ألفاظ
تركيبا منظما ،وإنما تتوخى الترتيب في المعاني وتعمل الفكر هناك ،فإن تم لك أتبعتها األلفاظ
و قفوت بها آثارها ،وذلك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك لم تحتج إلى أن تستأنف فك ار
8
في ترتيب األلفاظ بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني وتابعة لها والحقة بها ،وأن العلم
بمواقع المعاني في النفس علم بمواقع األلفاظ الدالة عليها في النطق".1
-1وإذا كانت األلفاظ تابعة للمعاني فإن المعاني بمعزل عن األلفاظ ليست جديدة على
اللغة ،ولذلك نرى عبد القاهر الجرجاني في معرض حديثه عن بالغة الشعر ،يهاجم أصحاب
المعنى المقابلين ألصحاب اللفظ ،فيقول" :واعلم أن الداء الدوي والذي أعيا أمره في هذا الباب
ط من قدم الشعر بمعناه ،فأنت تراه ال يقدم شع ار حتى يكون أودع حكمة وأدبا واشتمل على
َغَل ٌ
تشبيه غريب ومعنى نادر ...وأعلم أنا وإن كنا اتبعنا العرف والعادة وما يهجس في الضمير
وما عليه العامة أرانا ذلك أن الصواب معهم وأن التحويل ينبغي أن يكون مع المعنى فإن األمر
بالضد إذا جئنا إلى الحقائق وإلى ما عليه المحصلون.2
-4ثم ناقش الجرجاني قضية اإليقاع الذي يتشكل من خالل حركات األسلوب وسكناته،
وال تخلو منه السور القرآنية كما هو معلوم ،ولكن عبد القاهر الجرجاني ال يرى اإليقاع جديدا،
ألنه معروف على مستوى الشعر في القوافي ،وعلى مستوى النثر في السجع ،كما أنه بعض
مدعي النبوة حاولوا تقليد القرآن فوظفوا ألفاظه بطريقة أسلوبية سخيفة كقول مسيلمة الكذاب" :
إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر" مقلدا قوله تعالى﴿ :إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك
وانحر﴾.3
-0ثم تأتي مسألة الغرابة في األلفاظ والتي يرفض الجرجاني ان تكون سببا لإلعجاز
القرآني ،ألن القرآن الكريم غير قائم على هذا اللون من األسلوب ،ولو كان كذلك لما عجز
العرب عن مجاراته في ذلك ،فضال عن أن الذوق والعرف يميالن إلى السهولة ال إلى الغرابة.4
9
-5ويتطرق عبد القاهر الجرجاني لمسألة خفة النظر بالقرآن الكريم على اللسان ،وانه
لذلك كان معج از فيقتدها ،ألن كالم من ال نصيب له من العلم القليل او الكثير سهل على
اللسان.1
وبعد أن ينتهي عبد القاهر عن مناقشة هذه الظواهر اللغوية واحدة واحدة ينتهي إلى هذه
الخالصة التي تمثل سر اإلعجاز في القرآن الكريم وبها يتحدد نظرية النظم فيقول" :إذا امتنع
ذلك لم يبق إال أن يكون اإلعجاز في النظم والتأليف ألنه ليس من بعد ما أبطلنا أن يكون فيه
إال النظم".2
10
المحاضرة : 10قضية الوضوح والغموض:
المفهوم والظهور:
إن من مقاييس النقاد العرب القدامى ،الوضوح والغموض ،وهذه القضية ال يشك أحد انها
مرتبطة باللفظ والمعنى ،ولعلها لم تكن تشغل النقاد قبل ظهور أبي تمام ،فقد كان الشعراء قبل
ظهور أبي تمام يسيرون على عمود الشعر العربي ،وعلى سنن الشعراء الجاهليين ،وعندما
ظهر أبو تمام أخذ يذيع في الناس شع ار يمثل ظاهرة جديدة هي ظاهرة استخدام ألوان البديع في
شعره".1
ويراد بوضوح المعنى ان يكون الكالم ظاهر الداللة على المعنى المراد ويكون واضحا إذا
جاء عن طريق ألفاظ دقيقة في معناها ،ثم ركب بعضها بجوار بعض تركيبا ترضى عنه قواعد
النحو واال يطول الفصل بين أركان الجملة بأن ينافي الخبر عن المبتدأ مثال أو جواب الشرط
فعله ،وأن يقتصر في استخدام المحسنات البديعية فإن فقد شرط من الشروط السابقة خفي
المعنى ،ولم يتضح المراد بالكالم ،واتسمت العبارة بالتعقيد ،فوضوح المعنى مقياس من مقاييس
جودة الشعر ،2ومعنى ذلك أن خالف ما ذكر في بيان هذه الشروط الواجب توفرها في األسلوب
الشعري سمي بالغموض المرفوض فنيا من قبل النقاد العرب القدامى ويطلبها بكلفة ويأخذها
بقوة ،3أضف إلى ذلك أن أبا تمام مغرما بالمعاني الغريبة التي يصعب إدراكها بسهولة وقد
انتقده بسبب ذلك الهيام القاضي الجرجاني بقوله" :بعد أن عاب عليه توظيفه لأللفاظ الغريبة"،
ولم يرض بهاتين الخلتين حتى احتلت المعاني الغامضة وقصد األغراض الخفية فاحتمل كل
غث ثقيل وأرصد لها األفكار بكل سبيل ،فصار هذا الحسن من شعره إذا قرع السمع لم يضل
إلى القلب إال بعد إتعاب الفكر وكذا الخاطر".4
11
ومن الشواهد النقدية التي سجلها النقاد العرب القدامى على أبى تمام أنهم عابوا عليه مما
عابوا عليه.
أ -قوله:
أضجحت هذا األنام من خرقك. *** يا دهر قوم من أخدعيك فقد
فقد علق اآلمدي على هذا البيت "و أشباه هذا مما تتبعته وجدته كما ترى مع غثاثة هذه
األلفاظ جعل للدهر أخدعا.1
ب -وقوله:
عنه فلم تتحون جسمه الكمد. *** خان الصفاء أخ خان الزمان أخا
فقد علق اآلمدي على هذا البيت قائال" :فانظر إلى أكثر ألفاظ هذا البيت وهي سبع
كلمات آخرها قوله عنه ما شد تشبتها بعضها ببعض ،وما أقبح ما اعتمده من إدخال ألفاظ في
البيت من أجل ما يشبهها ،وهو خان و يتخون وقوله أخ وأخا فإذا تأملت المعنى مع ما أفسده
من اللفظ لم تجد له حالوة وال فيه كبير فائدة".2
ج -كما عاب اآلمدي عبر الموقف للمحسنات البديعية من قبل ابن تمام ،والمتمثل في
التجنيس الرديء ،وذلك في قوله.3
عهدي غدت مهجورة ما تعهد. *** حييت بل سقيت من معهودة
12
المحاضرة : 10قضية السرقات األدبية:
تعد قضية السرقات األدبية من القضايا الكبرى التي عالجها النقاد العرب القدامى،
وتشعبت فيها آراؤهم وتنوعت واتفقت واختلفت ،وارتباط هذه القضية باللفظ والمعنى أمر ال شك
فيه وال خالف حوله بين النقاد ،وذلك ألن الحديث عن السرقات حين يثار ،ال ينصرف إال إلى
لونيها المعروفي اللفظي والمعنوي.
ومن النقاد القدامى ا لذين تناولوا قضية السرقات ابن األثير في كتابه المثل السائر ،فقال
في شأنها أعلم أن علماء البيان قد تكلموا في السرقات الشعرية فأكثروا ،وكنت قد ألفت فيها
كتابا وقسمته إلى ثالث أقسام نسخا وسلخا و مسخا ،أما النسخ فهو أخذ اللفظ والمعنى برمته
من غير زيادة عليه مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب ،وأما السلخ فهو أخذ بعض المعنى ،مأخوذة
ذلك من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم المسلوخ ،وأما المسخ فهو إحالة المعنى إلى ما
دونه ،مأخوذا ذلك من مسخ اآلدميين قردة".1
ولعلنا ال نجانب الصواب إذا أقررنا بأن القاضي الجرجاني كان من أبرز النقاد القدماء
الذين دعوا إلى أخذ الحيطة قبل اتهام هذا المبدع وذلك بالسرقة ،وخاصة فيما يتعلق بلونها
المعنوي ،وفي ذلك يقول" :ومتى أنصفت علمت أن أهل عصرنا ثم العصر الذي بعدنا أقرب
فيه إلى المعذرة وأبعد من المذمة ،ألن من تقدمنا قد استغرق المعاني وسبق إليها وأتى على
معظمها ،وإنما يحصل على بقايا إما أن تكون تركت رغبة عنها واستهانة بها ،أو لبعد مطلبها
واعتياص وتعذر الوصول إليها ،ومتى أجهد أحدنا نفسه وأعمل فكره وأثقب خاطره وذهنه في
تحصيل معنى يظنه غريبا مبتدعا ،ونظم بيتا يحسبه فردا مخترعا ثم تصفح الدواوين لم يخطئه
أن يجده بعينه أو يجد له مثاال يغض من حسنه ،ولهذا السبب أخطر على نفسي وال أرى لغيري
بد الحكم على شاعر بالسرقة".2
ابن األثير ،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،ج ،3ص .222 1
13
أنواعها:
أ -السرقات اللفظية :وفي هذا النوع يجدر التذكير بوجاهة ما أشار إليه القاضي
الجرجاني آنفا ،إال أن هذا الناقد لم يخبرنا عن سر ذلك التوافق األسلوبي العجيب بين شاعر
متأخر وآخر متقدم في بيت شعري ،ال يغير المتأخر فيه األحرف الروي ،كهذا البيت لطرفة:
يقولون ال تهلك أسر وتجلد وقوفا بها صحبي علي مطيهم ***
وبيت امرئ القيس:
يقولون ال تهلك أسر وتحمل *** وقوفا بها صحبي علي مطيهم
إال أن يكون سرقة واضحة المعالم.1
وعليه فإن مثل هذا النوع من التطابق بين بعض الشعراء المتقدمين والمتأخرين في شواهد
شعرية يعينها ،يصعب تفسيره بغير السرقة.
ومن وقفوا على السرقات الشعرية عماد الدين األصفهاني في كتابه (جريدة القصر وجريدة
العصر) ،قصد جملة من الشواهد سرقة الشعراء شعر غيرهم ،كقوله بأن ابن مكنسة قد اغار في
بيته الذي يقول فيه:
يفعل بالغصن نسيم الراح. *** راح وفعل الراح فيه كما
على بيت خالدا الكاتب.
كفعل نسيم الريح في الغصن الغصن.2 *** وراح وفعل الراح في حركاته
ب -السرقات المعنوية :ويراد به اخذ المعنى دون اللفظ ،وهذا النوع أدق ،والجزم به
صعب مثلما نبه إليه القاضي الجرجاني قبل قليل ،بسبب شيوع المعاني بين عامة الناس فضال
عن المبدعين ،ولذلك رأينا بعض النقاد العرب القدامى مثل ابن األثير عالج هذا النوع من
السرقات فينبه في أمرين عكس المعنى إلى ضده ال يدخل في النسخ والمسخ والسلخ.3
محمد زغلول سالم ،تاريخ النقد األدبي ،دار المعارف ،القاهرة ،1691 ،ص .70 1
ينظر :عماد الدين األصفهاني ،جريدة القصر وجريدة العصر ،ج ،تج محمد بهجت االثري وجميل سعيد ،مطبعة المجمع 2
14
ومن هذا القبيل ما أشار إليه الدكتور محمد منذر على قول جرير:
أتعدل أحسابا كراما حماتها *** بأحسابكم إني إلى هللا راجع
بانه لم يسرقها من بيت الفرزدق الذي يقول فيه:
بأحسابنا إني إلى هللا راجع. *** أتعدل أحسابا لنا ما حماتها
وإنما هو من قبيل ما يسمى بالقلب إذ يأخذ الشاعر قول اآلخرين فيحاكيه".1
وهذا الذي أشار إليه محمد منذر ،يذكرنا بما يسمى في النقد األدبي الحديث بالتأثير
والتأثر بين المبدعين عامة والشعراء ومنهم على وجه الخصوص والذي تنتجه الثقافة بلونيها
األدبي وغير األدبي ،وهي ثقافة ال غنى عنها ألي مبدع ،ألنها هي التي تغذي موهبته ،فيدخل
بهذا اإلعجاز ،فيما يمكن تسميته بالتشابه وال يسمى سرقة.
وتذكرنا إشارة محمد منذور هذه ،بما كان لقدامة بن جعفر من فضل السبق ،مثلما نبه
إليه الدكتور جابر عصفور ،2حين نظر إلى المعنى ،ال ألنه قديم أو حديث وغنما باعتباره من
حيث الصياغة جيدا أو رديئا ،فيجوز أن يكون حسن جيد غير طريف وال غريب ،وطريف
غريب غير حسن وال جيد.3
ينظر محمد منذور ،النقد المنهجي عند العرب ،نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،2006 ،ص .371 1
ينظر :جابر عصفور :مفهوم الشعر دراسة في التراث النقدي ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط ،)1653( 3 2
ص .53
قدامة بن جعفر ،نقد الشعر ،ص .53 3
15
المحاضرة : 10المؤثرات األجنبية في النقد العربي:
كيف حدثت تلك المؤثرات:
شهد العالم العربي تشكل حضارته ،بأبعادها المادية واألدبية في العصر العباسي ،وقد
ساهمت في صياغتها شعوب متعددة كانت لها حضارات قبل ذلك ،دخلت في دين اإلسالم،
كما ساعد على ظهور تلك الحضارة اإلسالمية عامل آخر ال يمكن إغفاله في هذا السياق ،وهو
عامل الترجمة إلى العربية من ثقافات وعلوم وفنون وآداب األمم األخرى ،وإعادة صياغته تلك
الترجمات بما يتوافق والخصائص الذاتية لألمة اإلسالمية.
ففي ميدان النقد األدبي ،عرفت في العالم العربي ترجمة لكتاب الخطابة ألرسطو ،وشرحه
الفارابي (ت ،) 336كما ترجم (كتاب الشعر) للفيلسوف اليوناني المشار إليه ،وقام بترجمته
أسحق بن حنين (ت 265ه) ،وأعاد ترجمته متي بن يونس (ت )325وقد وافقت معرفة النقاد
العرب القدامى بالكتابين عهد تبلور مسائل النقد األدبي ،وال يبعد أن يكون الجاحظ قد تأثر في
فكرة كتابه "البيان والتبيان" وبعض مباحثه النظرية ،بكتاب (الخطابة) ،وكتب أرسطو األخرى
المنطقية.1
"وقد كان الرأي المساند إلى وقت هو أن العرب لم يتأثروا بكتاب الشعر على اإلطالق،
مع ترجيحهم انهم تأثروا بكتاب الخطابة وبعض الباحثين جزم بهذا ،اعتمادا أن القسم الثالث من
كتاب الخطابة وهو الخاص باألسلوب ،يتناول مباحث شبيهة بمباحث البالغة العربية ،ولكننا
ال نفتقر إلى المقارنات الدقيق ة التي تثبت حقيقة هذا التأثر وتبين مداه ،اما كتاب الشعر فقد
أمكن بأنه ترك أث ار قويا في النقد العربي.2
من مظاهر التأثير األجنبي في النقد الغربي:
إن من مظاهر التأثير النقدي األرسطي في النقد العربي القديم ذلك الذي يتبدى في كتابي
اثنين من النقاد العرب القدامى وهما نقد الشعر لقدامة بن جعفر ،ومنهاج البلغاء لحازم
16
الق رطاجني ،فأما ما يتعلق بتلك الجوانب من المظاهر في كل الكتابين ،فنبرزها ولو بشكل
مختصر فيما يلي:
في الكتاب األول :الذي يتكون من ثالث فصول ،يبدأ بتعريف الشعر فيقول" :الشعر قول
موزون ومقفى يدل على معنى ،ثم يفصل الكالم بما يدل على تأثره بالمنطق األرسطي"فقولنا :
قول دال على أصل الكالم الذي هو بمنزلة الجنس للشعر ،وقولنا :موزون يفصله ليس
بموزون ،إذا كان من القول موزون وغير موزون ،وقولنا مقفى بين ما له من الكالم الموزون
قواف ،وبين ما ال قوافي له وال مقاطع ،وقولنا :يدل على معنى يفصل ما جرى من القول على
قافية ووزن مع داللة على معنى مما جرى على ذلك من غير داللة على معنى ،فإنه لو أراد
مريد أن يعمل من ذلك شيئا كثي ار على هذه الجهة ،ألمكنه ،وما تعذر عليه".1
فقدامة بن جعفر تأثر في تعريفه للشعر ،بشكل عام ،بتعريف أرسطو للمأساة ،إذ وجدوه
ملما بجميع العناصر التي تتكون منها ،كما وجده يفصل الحديث في عنصر من عناصرها وقد
جرى في اثره ،وضمن تعريف الشعر جميع العناصر التي تتكون منها بحسب ما يرى ،وهي
تشتمل على اللفظ والمعنى والقافية ،ثم نراه يسترسل في ذلك يتحدث عن ائتالف اللفظ والوزن،
وائتالف المعنى والقافية ،في جميع األحوال ،إما وجوبا أو جودة أو رداءة.2
وفي حديثه عن حد الشعر ،يقول" :لما كان هذا الحد مأخوذا من جنس الشعر العام له
وفصوله التي تحده عن غيره ،كانت هذا الجنس والفصول ،كما يوجد في كل محدود معاني
حده ،الن اإلنسان مثال ،يجد بأنه حي ناطق ميت ،فمعنى الحياة التي هي جنس لإلنسان،
موجود في اإلنسان ،وهو التحرك والحس ،وكذلك معنى النطق الذي هو فصله مما ليس بناطق
موجود فيه ،وهو التخيل والذكر والفكر ،ومعنى الموت الذي في حد اإلنسان هو قبول بطالن
الحركة ،فكذلك معنى اللفظ الذي هو جنس للشعر موجود فيه ،وهو حروف خارجة بالصورة
كتواطؤ عليها ،وكذلك معنى الوزن ومعنى التقفية ،ومعنى ما يدل عليه اللفظ.3
قصي الحسين ،النقد األدبي ومدارسه عند العرب ،ص .106- 105 2
17
ويبدو من خالل هذا الحديث" :أن قدامة بن جعفر كان قد وقع تحت تأثير المنطق
األرسطي ،خصوصا لجهة ما ورد عنده عن الحدود والتعريفات واألجزاء التي تتكون منها:
الجنس والفواصل التي تصور جوهر ما تعرفه ،وسائر العناصر التي يتألف منها".1
في الكتاب الثاني :وهو منهاج البلغاء لحازم القرطاجني وفيه يظهر التأثير اليوناني على
أتم صورة ،وهو قمة من قمم النقد في اللغة العربية ،فصاحبه قد اطلع على خير ثمار النقد
العربي إلى عهده ( ت 951ه) ،ذلك أنه يشير إلى آراء الجاحظ و قدامة و اآلمدي وغيرهم،
وإذا اورد شيئا من كالمهم فهو ينظمه في دقة وعناية ،ثم يناقشه او يوازن بينه وبين غيره ،أو
يشرحه ويبسطه في قوة واقتدار ،وربما ولد من الفكرة القديمة أفكار جديدة قمة ثم هو ،وإن
غلبت على كتابه صفة البحث النظري ،واسع األفق في استشهاده بالشعر يختار نماذجه من
جميع عصور الشعر العربي.2
ويظهر التأثير اليوناني من بين ما يظهر في حديث حازم القرطاجني عن التخيل
والمحاكاة ومعروف أن أرسطو يقرر في كتاب الشعر أن الفن كله أنواع من المحاكاة ،أما
التخيل ،فهو التخيل فه و الترجمة التي قدمها والفالسفة العرب ال صالح "المحاكاة" األرسطي،
وقد تأثر حازم تأث ار شديدا بشروح هؤالء الفالسفة لكتاب الشعر.3
18
المحاضرة : 10أثر المعتزلة في النقد األدبي:
للمعتزلة اثر ال يمكن إنكاره في إغناء النقد العربي القديم "ولقد توجه المتكلمون والمعتزلة
خاصة إلى األدب ينظرون فيه و يتبينون طرائق العربية في األداء لتعينهم على فهم النص
القرآني فهما سليما أوال ،وليستطيعوا تأدية مقاالتهم وحججهم وإقناع خصومهم ثانيا ،غير أنه
كان يعنيهم من الشعر المعنى العقلي وما يؤديه الشعر من معرفة ،فلم يكن الشعر عندهم غاية
يقفون عندها ،ويسعون إلى أن يكتشفوا ما يميزه من ضروب النشاط اإلنساني األخرى ...فلقد
تأكد لذي النقاد الفصل بين اللفظ والمعنى ،وفهموا المعنى على أنه حكمة حسنة أو قول
صالح ،أي أن المعنى العقلي الواضح ...وال ريب أن هذا تحكم في الشعر ،وال ريب أن في
اإلنسان ملكات أخرى غير العقل يصدر منها الشعر ...غير أن هذا الفهم لم يؤثر من كان
على ذوق رفيع كالجاحظ".1
من نماذجه:
وقد ساهم الجاحظ بقوة ،من خالل مقوالته التي بثها في كتابيه (البيان والتبيان)
و (الحيوان) في الدفع بالنقد األدبي العربي نحو العلمية ،ويكفي ان جملة مما عالجه من قضايا
نقدية ،ال تزال محل اهتمام النقاد ،لكونه قد أقامها على النظر العقلي السديد الذي عرف به
المعتزلة عامة والجاحظ منهم خاصة.
ومن أشهر تلك القضايا التي طرحها الجاحظ ما يلي:
-1انتصاره للشعر المحدث ،فقد تصدى بقوة للمناهضين لهذا الشعر" :وقد رأيت أناسا
يبهجون أشعار المولدين ،ويسقطون من رواها ،ولم أر ذلك قط إال في رواية الشعر غير بضير
بجوهر ما يروى أولو كان له بصر لعرف موضع الجيد ممن كان ،وفي أي زمان كان".2
وهو كذلك ينحاز إلى مقياس الجودة الفنية التي ينبغي أن تكون هي الفيصل.
19
-2أن الشعر عنده صناعة ،وإذا كان الجاحظ يرجح اللفظ على المعنى ،فهو ال ينفك
يشير إلى أن الشعر صناعة ،وأن هذه الصناعة ال تتحقق إال بتوفره على جملة من العناصر
األساسية ،فإلى جانب اللفظ وإن المعنى تابع له كما هو معروف عنه" ،فإنما الشأن في إقامة
الوزن وتخيير الوزن اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما
الشعر صناعة ،وضرب من النسج ،وجنس من التصوير".1
-3وإذا كان الجاحظ منحا از إلى األلفاظ ،فليس معنى أنه يقبل من الشاعر أن يوظف
ألفاظ سوقية أو وحشية بدعوى الدقة والتهذيب وفي ذلك يقول" :فالقصد من ذلك أن تتجنب
السوقي والوحشي ،وال تجعل همك في تهذيب األلفاظ وشغلك في التخلص في غرائب المعنى،
وفي االقتصاد بالغ ،وفي التوسط مجانبة للوعرة وخروج في سبيل من ال يحاسب نفسه".2
-1نقده الواضح للدارسين للشعر من جوانب جزئية كصنيع النحويين والرواة ،فيقول" :
ولم ار غاية النحويين إال كل شعر فيه أعراب ولم أر غاية رواة األشعار إال كل شعر فيه
غريب أو معنى يحتاج إلى استخراج ولم أر غاية رواة األخبار إال كل شعر فيه الشاهد
والمثل".3
20
المحاضرة : 10قضايا النقد عند الفالسفة:
أثر الفكر الفلسفي وتجلياته النقدية:
مما ال خالف حوله بين الدارسين ،أن الفكر الفلسفي أث ار ال ينكر في النقد األدبي القديم،
ويتجلى هذا األثر في القضايا النقدية اآلتية:
األولى/
وتتمثل في قضية اللفظ والمعنى ،التي اهتم بها النقاد العرب القدامى ،مثلما رأينا سابقا،
أينما اهتمام ،واختلفوا حولها من حيث أيهما أولى بالتقديم اللفظ أو المعنى ،األمر الذي يجعلنا
نتذكر تلك الثنائية التي تبارز حولها الفالسفة قديما وحديثا ،وهي ثنائية الروح والمادة.
ويتضح هذا الطرح الذي تشتم منه تلك الثنائية عند بشير بن المعتمر حيث يقول" :ومن
أراد معنى كريما فليلتمس لفظا كريما فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف".1
وتبرز هذه الثنائية أكثر عند العتابي في قوله:
"األلفاظ أجساد والمعاني أرواح ،وإنما تراها بعيون القلب ،فإذا قدمت منها مؤخ ار أو أخذت
منها مقدما ،أفسدت الصورة وغيرت المعنى ،كما حول رأس إلى موضع يد أو يد إلى موضع
رجل لتحولت الخلقة وتغيرت الحلية".2
الثانية/
وهي قضية الصدق والكذب ،فقد جاء في المعجم الفلسفي ،ان "الصدق ضد الكذب ،وهو
مطابقة الكالم للواقع بحسب اعتقاد المتكلم ،ومعنى ذلك أن الصدق الخبر شرطين :احدهما
مطابقا للواقع واآلخر مطابقته العتقاد المتكلم ،فإذا كان الكالم مطابقا للواقع ،ولم يكن مطابقا
العتقاد المتكلم ،أو كان مطابقا العتقاد المتكلم لم يكن مطابقا للواقع لم يكن تام الصدق،
فالصدق التام إذن هو المطابقة للواقع واالعتقاد معا".3
الصناعتين ،أبو هالل العسكري ،تحقيق علي محمد بجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم ،الناشر :عيسى البابلي الحلبي 2
21
إن هذا المعنى الذي عالجه المعجم الفلسفي ،هو المعنى المتعلق بالفكر ،وشتان ما بينه
وبين المعنى الفني للصدق ،إذ أن المعنى في الفكر ال يكون صادقا إال إذا طابق الواقع ،ونقل
إلينا اعتقاد المتكلم ،ولكن المعنى في العمل الفني يخرج إلى الوجود وقد أسبغ عليه المبدع من
عواطفه ما ال يجعله مطابقا للواقع بالضرورة.
وعلى هذا األساس نجد هذه الرؤية الفنية لقضية الصدق والكذب في دراسات المفكرين
والفالسفة العرب القدامى ،كابي الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب ،حين يقول:
"وللشاعر ان يقصد في الوصف والتشبيه أو المدح أو الذم ،وله ان يبالغ ،وله أن يسرف حتى
قوله المحال ويضاهيه ،وليس من المحبب تحسن السرف والكذب واإلحالة في شيء من فنون
القول إال في الشعر".1
الثالثة/
وتتمثل في بنية القصيدة الشعرية التي تطورت ،فبعد أن كانت في العصر الجاهلي قائمة
على تعدد الموضوعات ،حتى صارت نمطا متبعا من قبل الشعراء في العصرين التاليين،
اإلسالمي واألموي ،ولكن مع مجيء العصر العباسي رأينا النقاد ذوي الفكر الثاقب ،يدعون إلى
النظر في تلك النية ،وتحقيق الوحدة في القصيدة العربية سواء على مستوى الموضوع المعالج
أو من حيث طريقة صياغة هذا الموضوع.
وممن حاول أن يجد مبر ار فكريا ونفسيا لبنية القصيدة الجاهلية القائمة على تعدد
الموضوعات ،ابن قتيبة ،وفي ذلك يقول" :إن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والمدن
واآلثار ،فتبكى واشتكى وخاطب الربع ،واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سببا لذكر أهلها الضائعين
عنها ،ثم وصل ذلك بالنسيب ،فشكى أشد الوحدة و الم الفراق وفرط الصبابة والشوق ،ليميل
نحو القلوب ،ألن قريب من النفوس ال نط بالقلوب ،فإذا علم بأنه قد استوثق من اإلصغاء إليه
أبو الحسين ابن وهب الكاتب ،البرهان في وجوه البيان ،تحقيق :أحمد مطلوب وخديجة الحديثي ،بغداد ،ط ،1697 ،1ص 1
.156
22
واالستماع له ،عقب بإيجاب الحقوق ،فرحل في شعره وشكا النصيب والسهر ،فإذا عزم أنه قد
أوجب على صاحبه حق الرجاء ،و ذمامة التأميل ،بدأ في المديح فبعته على المكافأة".1
ويعد الجاحظ من أشهر النقاد الذين أروا أن بنية القصيدة العربية شكلها الجاهلي لم يعد
مستمنا نما من الناحية الفنية ،ودعا صراحة إلى إعادة النظر في بنيتها ،وطرح رؤية في ذلك
قائال" :ذو أجود الشعر ما رأيته متالح األجزاء سهل المخارج ،فتعلم بذلك انه قد أفرغ إفراغا
وسبك سبكا واحدا".2
23
المحاضرة : 10مفهوم النثر في التراث النقدي:
للعرب القدامى اهتمام بالنثر ،ولكنه ليس بالدرجة نفسها من اهتمامهم بالشعر" ،ففي حين
أمعنوا في بحث الشعر من جميع نواحيه تفصيال وتدقيقا إلى حد اإلفراط أحيانا ،أو تتبعوا القرآن
درسا ال باعتباره من النثر ،ولكن بصفته اث ار متفردا منقطع النظير ال يخضع للتصنيف فإننا ال
نراهم عرضوا للنثر بصفته فنا قائما بنفسه يستحق ،بكل جدارة ومشروعية ،مثل العناية الفائقة
التي أولها للشعر".1
مفهوم النثر في مقابل الشعر:
وبالرغم من ذلك االهتمام غير المتكافئ بين فني النثر والشعر النقدي العربي القديم ،فقد
وف أولئك النقا د عند مفهوم النثر وبينوه ،مثلما بينوا مفهوم الشعر وأول ما يصادفنا في تعريفهم
للنثر ،أنهم يسمون النثر كالما في مقابل الشعر ،2أو الكالم البديع ،أي النثر الفني ،في مقابل
الشعر البديع ،3وإن كان بعضهم يدرج النثر تحت عنوان الكالم الذي يدخل فيه الشعر والنثر
كالقاضي الجرجاني .4
كما نجد أن أبا هالل العسكري يستعمل مصطلح الكتابة للداللة على النثر ،وذلك في وسم
كتابه ب ـ (الصناعتين الكتابة والشعر ،ولعل هذا الذي نراه عند أبى هالل العسكري مرده إلى أن
"نقادنا القدامى لم يفرقوا بين ما هو "شفهي" من أجناس الخطاب النثري ،وبين ما هو كتابي،
اللهم إال ما قام به الجاحظ ،وتبعه في ذلك ابن وهب ،حينما أسس للخطابة حسا شفهيا يراعي
فيه المقام".5
البشير المجدوب ،حول مفهوم النثر الفني عند العرب القدامى ،الدار العربية للكتاب ،طرابلس ،ليبيا ،1652 ،ص .06 1
ابن النديم ،الفهرست ،دار المعرفة ،بيروت ،ط ،1667 ،2ص .166 2
ينظر ابن المعتز ،كتاب البديع ،شرح وتحقيق عرفان مطرجي ،مؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت ،لبنان ،ط ،2001 ،1ص 3
.16
ينظر :القاضي الجرجاني ،الوساطة بين المتنبي وخصومه ،ص .112 4
مصطفى البشير قط ،مفهوم النثر الفني وأجناسه في النثر العربي القديم ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2000 ،ص 5
73
24
النثر لغة:
وردت كلمة النثر في معاجم اللغة بمعان كثيرة ،ولكنها متقاربة من حيث الداللة ،فقد
جاءت في لسان العرب" :النثر نثرك الشيء بيدك ترمي به متفرقا مثل :نثر الجوز واللوز
والسكر ،وكذلك نثر الحب إذا بذر".1
وتناولها الفيروز آبادي في قاموسه بالمعز ذاته فقال" :نثر الشيء ينثره ،وينثرها نثرا،
ونثارا ،رماه متفرقا كنشره ونتثر وتناثره ،والنثاره ،والنثر بالتحريك ما تناثر منه".2
فكلمة النثر تعني الشيء المبعثر ،وتلك سمة أساسية في النثر األدبي ،الذي يتميز عن
الكالم العادي بخصائصه الفنية.
فكلمة النثر ،تعني الشيء المبعثر ،وتلك سمة أساسية في النثر األدبي ،الذي يتميز عن
الكالم العادي بخصائصه الفنية ،تجعله يختلف عن الشعر ،ويكمن بين الفنين من بين ما يكمن
في الوزن المالزم للشعر دون النثر ،و أن كان في النثر نوع من اإليقاع الذي ال يرقى بطبيعة
الحال إلى اإليقاع الشعري.
النثر في االصطالح:
تناول النقاد العرب القدامى لفظة "النثر" في االصطالح باعتبارها دالة على فن النثر غير
المنظوم الذي يقابل فن الشعر المنظوم ،ومن النقاد العرب الذين نصوا على ذلك ابن وهب
الكاتب في قوله" :واعلم أن سائر العبارة في كالم العرب إما أن يكون منظوما ،أو منثورا،
والمنظوم هو الشعر ،والمنثور هو الكالم" ،3ويتفق ابن وهب هنا ،مع القاضي الجرجاني ،مثلما
رأينا آنفا ،في إطالق مصطلح الكالم على النثر األدبي ،وأما عن أسلوب النثر األدبي في
التنظير األدبي القديم فقد قال عنه صاحب الصناعتين" :يحسن سالسته ،وسهولته ونصاعته
وتخير لفظه وإصابة معناه ،وجودة مطالعه ،ولين مقاطعه ،واستواء تقاسمه وتعادل أطرافه،
ابن منظور ،لسان العرب ،ج ،3إعداد وتصنيف يوسف خياط ،بيروت ،لبنان ،د ت ،ص .635 1
الفيروز آبادي ،المحيط ،ج ،2دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1666 ،1ص .226 2
25
وتشبه أعجازه ببواديه ،وموافقة مآخره بمباديه ،مع قلة ضروراته ،بل عدمها أصال حتى ال يكون
أثر".1
في األلفاظ ا
قضية المنظوم والمنثور:
إن الحديث عن المنظوم والمنثور في التراث النقدي العربي يدفعنا إلى ضرورة الحديث
عنها من خالل جملة من العناوين الهامة التي كانت حاضرة في التنظير النقدي العربي القديم.
أيهما اسبق في الظهور:
حاول النقا د العرب القدامى البت في تلك اإلشكالية المتمثلة في أيهما أسبق في الظهور،
الشعر أو النثر؟ بالرغم من أن اإلجابة ،حتى لو كانت حاسمة ،ال تقدم وال تؤخر في حقيقة أن
األدب قائم النهاية على ركيزتي الشعر والنثر.
وممن حاول اإلجابة على السؤال ،نجد كال من أبى عبد الكريم النهشلي (ت ،)103وأبو
بكر محمد الطيب الباقالني (ت ،)103فأما النهشلي ،فيرى أن "أصل الكالم منثور "2وأما
الباقالني فيتفق مع هذا الرأي في أسبقية النثر ،وان الناس حين سمعوا الشعر استحسنوه
واستطابوه و أروا أنه تألفه األسماع وتقبله النفوس ،تتبعوه من بعد وتعلموه".3
صعوبة حظ النثر:
ومثلما تعرض الشعر للضياع بفعل عوادي الزمن ،فقد حدث األمر نفسه مع النثر ،وربما
أكثر ،وذلك لصعوبة حفظ النثر مقارنة بالشعر ،الن في هذا األخير إيقاعا يساعد على ذلك.
وقد أقر النقاد من هذه القضية بهذا الذي نقله الجاحظ في كتابه البيان والتبيان عن عبد
الصمد بن الفضل الرقاشي الذي قال" :ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت
به من جيد الموزون ،فلم يحفظ من المنثور عشره ،وال ضاع من الموزون عشره" ،4وهذا ما
أبو عبد الكريم النهشلي القيرواني ،الممتع في صنعة الشعر ،تحقيق عباس عبد الساتر ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان، 2
26
ذهب إليه أبو عمرو بن العالء أيضا في قوله" :ما انتهى إليكم مما قالت العرب إال اقله" ،1وما
قالته العرب يشمل الشعر والنثر معا.
المفاضلة بينهما:
اهتم النقاد القدامى بقضية المفاضلة بين المنظوم والمنثور أيما اهتمام ،وانقسموا إلى
قسمين ،انحاز كل منهما إلى أحد الجنسين:
القسم األول :يتمثل فيمن فضل النثر على الشعر ،ومن رموز هذا القسم نجد الجاحظ
الذي قال" :وكان الشاعر أرفع قد ار من الخطيب ،وهم إليه أحوج لرد مآثرهم عليهم وتذكيرهم
2
بأيامهم ،فلما نثر الشعر ،صار أعظم قد ار من الشاعر"
وقبل الجاحظ قال أبو عمرو بن العالء" :كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب
لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم ،ويهول على عدوهم ومن غزاهم،
و يهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم ،ويهابهم شاعر غيرهم ،فلما كثر الشعر
والشعراء ،واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة ،وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب
عندهم فوق الشاعر" ،3ويقدم المرزوقي ثالثة أدلة على أفضلية النثر على الشعر ،هما:
األول /أن ملوك العرب "قبل اإلسالم وبعده كانوا يتبجحون بالخطابة واالفتتان بها،
وبعيونها أكمل أسباب الرياسة ،وأفضل آالت الزعامة".4
الثاني" /أنهم اتخذوا الشعر مكسبة وتجارة ،وتوصلوا به إلى السوق كما توصلوا إلى
العلية ،وتعرضوا ألعراض الناس ،فوصفوا اللئيم عند الطمع فيه بصفة الكريم ،والكريم عند
تأخر صلته بصفة اللئيم".5
أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي ،شرح ديوان الحماسة ،ج ،1ص .19 4
27
الثالث" /كما كان زمن النبي صلى هللا عليه وسلم زمن الفصاحة والبيان ،جعل هللا
معجزته من حسن ما كان يعولون به وأشرافه ،فتحداهم بالقرآن كالما منثو ار ال شع ار منظوما".1
وأما ابن عبد ربه فيستحضر غن المثل فيراه اشرف أجناس الكالم ،ويستدل على ذلك بما
ورد في القرآن الكريم وفي كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من أمثال".2
القسم الثاني:
يمثل المدافعين عن الشعر ،عدد كثير من النقاد القدامى ،كالمبرد الذي يرى أن فضل
الشعر ال ينكر ،ألن شروط البالغة إذا توفرت في الشعر والنثر معا ،فإن الشاعر أفضل ألنه
أتى بمثل ما أتى به صاحبه وزاد موزونا وقافية".3
وقدم ابن رشيق القيرواني مجموعة من األدلة على فضل الشعر على النثر وهي:
-1أن الشعر يمتاز بنظمه ،فشتان ما بين المنظوم والمنثور ألن كل منظوم أحسن من
كل منظور ،من جنسه في معترف العادة ،أال ترى أن الدار وهو أخو اللفظ ونسيبه وإليه يقاس
وله يشبه ،إذا كان منثو ار ألم يؤمن عليه ولم ينتفع به في الباب الذي له كسب ،ومن أجله
انتحب ،وإن كان أعلى قد ار عليه وأعلى ثمنا فإذا نظم كان أصون له من االبتذال وأظهر لحسنه
فإذا أخذه يسلك الوزن وعقد القافية تألفت أشتاته وزاد وجب فرائده".4
-2وإذا كان المرزوقي قد فضل النثر على الشعر الن القرآن من جنسه كما قال سابقا،
فإن نزول القرآن ،إنما كان لقوم أسمى ما كانوا يعتزون به هو الشعر ،فعجزوا عن اإلتيان
بمثله.
ينظر ابن عبد ربه ،العقد الفريد ،ج ،3القاهرة ،1663 ،ص .93 2
3الكالعي ،احكام صنعة الكالم ،تحقيق محمد رضوان الداية ،دار الثقافة ،بيروت ،لبنان ،ط ،1651 ،9ص .612
ابن رشيق القيرواني ،العمدة في صناعة الشعر ونقده ،ج ،1ص .6- 1 4
28
-3وإذا كان النثر سابقا في النشأة على الشعر "وكان بمكارم أخالقها وطيب أعراقها،
فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكالم ،فلما تم لهم وزنه سموه شع ار ألنهم شعروا به أي
فظنوا".1
-1وإذا كانت هناك بعض الشعراء يمدحون السوقة ،مثلما يقول أصحاب القسم األول،
فإن رشيق يعلق على ذلك بقوله" :وكما تجد من يمدح السوقه في الشعراء ،فكذلك تجد للسوقه
كتابا وللتجار الباعة في زماننا هذا وقبله".2
29
المحاضرة : 10النقد وقضية اإلعجاز:
أهمية هذه القضية:
من الظواهر الكبرى التي تأسس في حضنها النقد األدبي العربي وأغنته أيما غناء ،ظاهرة
القرآن الكريم ،فمن المعروف تاريخيا أن العرب حين سمعوا القرآن تملكنهم الدهشة ،وأخنوا سحر
بيانه وما تحمله من معان ال نظير لها في الجمال والروعة ،فأقروا بالعجز عن مجاراته بعد أن
تحداهم عن اإلتيان بمثله أو بعشر سور من سورة ،بل سورة واحدة.
وهكذا برزت في حياة العرب األدبية والنقدية ظاهرتان "منذ بدء الدعوة اإلسالمية :أوالها
هذا الكتاب العربي المبين الذي تمت له الصدارة على كل ما أنتج العرب وينتجون من أدب
وبيان ،والذي هو في الوقت نفسه دستور الحياة ،وميزان السلوك واألصل األول للتشريع ،ومن
الطبيعي ان ت تجه أذهان المسلمين أول ما تتجه إلى العناية بهذا النص ،الشرح ألفظه وتفسير
آياته وتعرف أساليبه ،وتبين مغازيه واستنباط األحكام منه ،وكثير من هذه النواحي يدخل في
صميم ما نسميه وتسميته اآلداب األخرى (نقد األدب) ،وإن لنا تأدب مع القرآن الكريم نفضل له
اسما آخر من األسماء التي أطلقتها الثقافة العربية على هذه الدراسات ،ولعل هذا كان من
األسباب التي حدت بعلماء المسلمين ممن ألفوا في صناعة األدب إلى العذول عن لفظ (النقد)
لما تتضمنه من ذكر المحاسن والمساوئ وإصدار الحكم على النص المفقود ،أما الظاهرة الثانية
التي حدث مع اإل سالم على الحياة األدبية النقدية عند العرب ،فهي ظاهرة اإلعجاز البالغي،
وقيام الرسالة السماوية عليه ،وهي ظاهرة لم تعرفها اآلداب األخرى ،ومن الطبيعي كذلك أن
يشغل علماء العربية بها ،وان يستعملوا أذهانهم وعبقرياتهم في دراستها ،وان يستعينوا على هذه
الدراسة بكل ما يلزمها من أدوات ،وبكل ما يستحدثون من مناهج وثقافات ،وظاهر أنها في
صميمها دراسة نقدية من الطراز األول ،فهي تعتمد على بحث األساليب وتعمق أسرار البالغة
والموازنة بين ألوان الكالم الرفيع".1
1محمد زغلول سالم ،أثر القرآن في تطور النقد العربي ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،3د ت ،ص .10-6
30
حافز على العناية
ا ولما كان هذا شأن القرآن الكريم العربية ،كان من المنطقي أن يكون
بكثير من فروع العلم ،التي يمكن ان تعين على فهم هذا الكتاب وإدراك أس ارره ،والتاريخ يحدثنا
ان هنا كان شأن القرآن من الثقافة العربية اإلسالمية ،وأن دراسات القرآن كانت العامل األكبر
في العناية بتدوين اللغة وجمع الشعر ورواته الفصيح ،وبحث طرائق اللغة في التعبير ،وأساليبها
في البيان ،باإلضافة إلى موجات التأليف النقدي عند العرب التي تأثرت بأسلوب القرآن
المعجز"،1وخدمت النقد األدبي خدمة جليلة.
مصنفات نقدية تأسست على قضية اإلعجاز:
ومن المؤلفات النقدية التي كان القرآن الكريم هو الباعث عليها ،باعتبارها تأسست على
قضية اإلعجاز األسلوبي في القرآن ،فكشفت عن جماله الفني الرائع وخدمت النقد األدبي
وأغنته ،نذكر منها ما يلي:
* تأويل مشكل القرآن البن قتيبة الدينوري ،ومجاز القرآن ألبي عبيدة بن المثنى ،وبيان
إعجاز القرآن للحطابي ،ونظم القرآن للنظام ،والحجة في تثبيت النبوة ألبي عثمان الجاحظ،
ونظم القرآن ألبي بكر عبد هللا بن أبي داود السجستاني ،ونظم القرآن البن األخشيد أحمد بن
علي ،وإعجاز القرآن ونظمه وتأليفه لمحمد بن يزيد الواسطي ،و النكت في إعجاز القرآن ألبي
الحسن الرماني ،وإعجاز القرآن للباقالني ،ودالئل اإلعجاز لعبد القاهر الجرجاني.
31
المحاضرة : 10قضية التأويل بين القديم والجديد:
مفهومه:
تعد قضية التأويل من القضايا الهامة التي أثارت وتثير الكثير من النقاش بين الباحثين
في شتى مناحي الحياة الفكرية واألدبية والنقدية.
إن العناية بقضية التأويل قديما وحديثا ،ما كان لها أن تكون لوال ارتباط المصطلح
التأويل ،بالمعنى وإشكاالته ،وتوزعه بين خطابين :خطاب الدين بجوهره النقي الصحيح وخطاب
األدب ببنيويته المنقحة على الحياة.1
وألن التأويل يرتكز في حضوره على قيام اللغة على بعدي الحقيقة والمجاز ،فإنه يتأسس،
كما ذهب إلى ذلك ابن رشد ،على نقل اللفظ من داللته الحقيقية إلى الحقيقية إلى داللته
2
المجازية من غير أن يدخل بطبيعة اللغة العربية في التجوز.
من وجوه التأويل النقدي القديم:
يتضمن النص األدبي من وجهة النظر النقدية على الكثير من الدالالت ،مما ساعد
ويساعد على العديد من القراءات ،وفتح ويفتح النقاد وجوها من التأويل.
فمن ضروب التأويل للنص األدبي في تراثنا القديم ما جاء في كتاب الوساطة للقاضي
وبنفسي فخرت ال بجدودي *** الجرجاني لبيت المتنبي :ما بقومي شرفت بل شرفوا بي
فقال :فختم القول بأنه ال شرف له بآبائه.
وهذا هجو صحيح ،وقد رأيت من يعتذ ر له فيزعم أنه أراد :ما شرفت فقد بآبائي ،أي ليس
مفاخرة غير األبوة ،وفي مناقب سوى الحبيب ،وباب التأويل واسع المقاصد معينة ،وإنما سيشهد
بالظاهر ويتبع باللفظ".3
وعقب ابن رشيق القيرواني على وصف امرئ القيس لفرسه:
كجلمود صغر حطه السيل من عل *** مكر مفر مقيل مدبر معا
ينظر :فاضل عبود التميمي ،قراءة في كتاب (التأويل في النقد العربي). 1
ينظر :عاطف العراقي الموسوعة الفلسفية (آلهة تأويل) ،معهد النماء ،ط ،1659 ،1ص .207 2
32
بعد أن ذكر أكثر من تفسير له قائال" :يقول الشاعر بيتا يتسع فيه التأويل ،فيأتي كل
واحد بمعنى ،وإنما 1يقع ذلك الحتمال اللفظ وقوته ،واتساع المعنى".
ولما كانت الصياغة اللغوية هي التي تحدد تأويل النص األدبي ،فقد وضع اآلمدي قاعدة
هامة لقضية التأويل ،تتمثل في قوله" :ليس العمل على نية المتكلم وإنما العمل على توجيه
معاني ألفاظه"2
وهذه القاعدة على وجازتها تستنبط منها مجموعة من األحكام المتعلقة منها.3
-1أن النص األدبي وحده هو الذي يكشف داللته المعنوية ،ومنه وحده تستنبط األحكام
والمفاهيم وبذلك يحتفظ النص ،بما تعطيه معاني ألفاظه ،بهيبته ومكانته وسلطاته ،وال يتعدى
عليه معتد .
-2أن فكرة (المعنى في بطن القائل) كما يقول بعضهم غير صحيحة دائما ألن الناقد ال
يعول على نوايا المتكلم ،وهو غير قادر على ذلك أصال ،فالنوايا ال يعلمها إال عالم السرائر ،ثم
إن الناقد ليس عرافا وال قارئ فنجان ،وإنما هو معلق يقوم بنشاطه النقدي الذي تمليه لغة النص
وطبيعة ألفاظه وعباراته.
-3أن سلطان المتلقي منضبط محكوم بداللة ألفاظه وعباراته ،ليس سلطانا مطلقا يجعل
القارئ يؤول النص كما يشاء حتى ليقول له ما لم يقل أو ينطقه بما لم ينطق.
-1أن عب ارة اآلمدي النقدية ال تنكر ما يمكن أن يحمله النص من دالالت متعددة،
ولكنها تجعل ذلك نابعا من النص وليس بما يحمل عليه حمال أو يكره عليه إكراها ،استجابة
لسلطان القارئ الذي يزعم انه هو الذي يمتلكه ،إن المعنى كامن في النص والقارئ هو الذي
يستنبطه ،ولن يستنبطه إال القارئ المتمرس ،وبهذا فقط نحترم طرفين من أطراف المعادلة
األدبية وهما النص والقارئ وال نستهن بأحدهما ،او نسقطه انحياز للطرف اآلخر.
ابن رشيق القيرواني ،العمدة في صناعة الشعر ونقده ،ج ،2ص .61 1
33
-6إن االحتكام إلى النص ال تعني تحريره "من سياق مبدعه ،أو تجريده من السياق
االجتماعي أو التاريخي الذي ظهر فيه ،ألن هذا الخارج قد يكون في أحيان غير قليلة جزءا
من الداخل أو يساعد على إضاعة هذا الداخل وقد تكون "معاني ألفاظه" التي يجبل عليها
اآلمدي محكومة بهذا الخارج وآخذة أبعادها من خالله فقد يكون الخارج ،وما أكثر الشواهد على
ذلك ،هو الذي شكلها على هذا النحو أو ذاك فأصبح جزءا من داللتها.
من وجوه التأويل النقدي الجديد:
إن المتابع للقراءات النقدية العربية المعاصرة للتراث النقدي العربي ،يالحظ من بين ما
يالحظه سكوتها "على مسألة المنهج الذي يحكم تلك القراءات وعلى الرغم من أن دارسي التراث
األدبي والنقدي من أمثال طه حسين قد مهدوا لفتح نقاش واسع في هذا المجال بمالحظاتهم
الثقافية ،إال أن سيطرة النزعة المدرسية لعقود قد أخمدت تلك الجذوة.1
وبالرغم من هذه المالحظة ،فإننا نسجل لتلك القراءات جملة من النتائج المضيئة على
طريق السعي المتالك منهج نقدي عربي ،وهي نتائج نابعة من اطالع اصحابها العميق على
التراث العربي النقدي من جهة ،ومن معرفتهم بمناهج النقد العربي من جهة ثانية ،من تلك
النتائج:2
-1ما ذهب إليه بعض النقاد المعاصرين ،ومنهم زكي العشماوي ،إلى أن النقاد الغربيين
توصلوا إلى ما توصلوا إليه عن طريق اطالعهم على النقد العربي القديم فالحظوا شواهد تكشف
عن به كبير بين ما انتهى إليه عبد القاهر الجرجاني في موضوع داللة األلفاظ وارتباطها
بعضها ببعض ،بما انتهى إليه كثير من النقاد المحدثين مثل ريتشاردز على سبيل المثال ال
الحصر.
-2ما انتهى إليه بعض النقد في العصر الحديث ،ومنهم محمد منذور ،بأن تأثير عبد
القاهر الجرجاني بمقوالته الرائدة في الفكر النقدي الغربي ال يمكن إغفالها ،بل وذهب إلى ابعد
2المرجع نفسه.
34
من ذلك حين أعلن أن منهج هذا الناقد العربي القديم هو المنهج المعتبر اليوم في العالم
الغربي ،ولكن لسوء الحظ لم يفهم عبد القاهر على وجهه ،وال استغل كما ينبغي.
-3ما توصل إليه بعض نقادنا العرب المعاصرين مثال كمال أبو ديب ،الذي درس عبد
القاهر الجرجاني من زوايا متعددة ،ولكن ما يجمع بين زوايا النظر تلك هي الطريقة التي تقوم
على وضع التراث النقدي في سياق الوعي النقدي المعاصر ،ومن هنا راح أبو ديب يطبق
قراءته للصورة الفنية عند الجرجاني على مقاطع شعرية لشعراء معاصرين من أمثال بدر شاكر
السياب و آدونسي وسامي مهدي ،وعبد المعطي حجازي وغيرهم ليثبت أن نظرية الجرجاني في
الصورة أداة ناجعة لمقارنة النص الشعري الحديث ،وللوصول إلى أن الجرجاني جزء من
الحاضر النقدي ،وذلك من خالل المقارنة بين تصور الجرجاني لطبيعة الصورة وبين تصور
(رومان جاكسبون) فينتصر للجرجاني.
35
المحاضرة : 01البعد النقدي للشروح:
أهمية هذا البعد:
برزت الحاجة إلى شرح الشعر عامة والشعر القديم خاصة بسبب الطبيعة اللغوية لهذا
الشعر ،وذلك الن الشاعر حين يقوم بصياغة تجربته الشعرية ينحاز إلى البعد الثاني للغة وهو
البعد المجازي ،أضف إلى ذلك أن خياله كثي ار ما يدفعه إلى التصرف في لغته بطريقة ال تكون
سهلة الفهم على السامع أو القارئ ،فيكون الشرح من قبل أهله من النقاد مطلب ال بديل عنه
وحاجة ال يمكن االستغناء عنها ،ومن كانت الشروح لشعرنا القديم.
تطور شروح الشعر القديم:
ترافقت شروح الشعر العربي القديم مع روايته ،حيث كشف المصادر النقدية واألدبية أن
الرواة وبخاصة في العصر الجاهلي ،كثي ار ما كانوا يقفون أمام بعض الظواهر اللغوية لذلك
الشعر بالعبارات ال األلفاظ ،ألن األلفاظ معروفة معانيها لديهم ،فيتناولونها بالشرح ،ثم تطورت
تلك الشروح ،فظهرت مصنفات تصدت لتفسير الشعر القديم عامة والمعلقات منه خاصة.
ففي العصر الجاهلي ،ذلك خطأ أول ما نالحظه في قضية الشروح ،أنه غلب عليها طابع
الجزئية بمعنى انها اهتمت بتوضيح العبارات التي ال يعرف حقيقتها المعنوية إال صاحب
التجربة الشعرية أو راويها الذي كان مالزما للشاعر وعارفا بالسياقات المختلفة التي أحاطت
بطرفي المعادلة اإلبداعية الشعر والشاعر من ذلك ما روى البطليوسي في معرض شرحه لبيت
امرئ القيس:
كرك ألمين على نابل *** يطعنهم سلكي ومخلوقة
قائال" :وتحدث األصمعي عن أبى عمرو وقال :كنت اسأل منذ ثالثين سنة عن هذا
البيت فلم أ جد أحد يعلمه حتى رأيت أعرابيا بالبادية ،فسألته عنه ففسره لي ،وقال الحجاج:
حدثتني عمتي وكانت من بحر دارم ،قالت :مررت بنابل تناوله الرسن لؤاما و ظها ار فما رأيت
أسرع منه".1
شرح ديوان امرئ القيس ،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،3ص .116 1
36
فهذه الرواية تشير إلى أن الغموض الذي أثار السائلة ليس له عالقة كاأللفاظ المفردة
وإنما معنى العبارة "كرك ألمين ،فجاء شرحها من قبل صحبها فاطمأنت".
وعلى هذا المنوال تصادفت الكثير من الشواهد في مصادر األدب والتي كانت تدور حول
شرح معاني بعض العبارات الغامضة ألن لها عالقة بتجارب الشاعر الخاصة ،فال يعرفها إال
هو أو من له عالقة كالراوي لشعره مثال.
وفي عصر صدر اإلسالم تتواصل الصيغة الجريئة لتلك الشروح ،من ذلك ما روى أن
زوج النبي صلى هللا عليه وسلم سودة بنت زمعة قد أشدت في محضر عائشة وحفصة شع ار
ورد فيه هذا المقطع (عدي وتيم تبتغي من تحالف) ،ففهمت عائشة وحفصة أن فيه تعريضا
بهما ،ألن عائشة تيمية وحفصة عدوية ،فدخل النبي صلى هللا عليه وسلم بعد أن علم بالخبر
فقال لهن" :يا ويلكن ،ليس في عديكن وتيمكن قبل هذا ،غنما قيل في عدي تميم وتميم ميم".1
فهذا الشرح يكشف عن جانب مهم في الشعر وهو المناسبة التي تساعد على إزاحة
الغموض حيث نتعرف عليها.
وبعد صدر اإلسالم ،تطورت الشروح ،وبخاصة في العصر العباسي ،فتصدت لتفسير
القصائد الطوال ولم تكتف بشرح العبارات المبهمة في هذه القصيدة أو تلك.
ومن أقدم تلك الشروح التي وصلتنا تلك النسخة التي لم تمتد إليها عوادي الزمن فتغير بها
كما غيرت الكثير من المصنفات النفسية ،وهي نسخة أبي سعيد الضرير وأبى جابرن والتي
تعود في أصلها إلى أوائل القرن الثالث الهجري 2ويتصدر هذه النسخة عنوان (كتاب فيه شرح
القصائد السبع ،شرحها أبو سعيد و أبو جابر).
وقد ترك االسمان من دون تجديد لالسم الكامل لكن في متن الكتاب نجد عبارة (قال أبو
سعيد الضرير).3
عبد الكريم الخطابي ،إعجاز القرآن ،دار المعرفة ،بيروت ،لبنان ،1676 ،ص .01 1
2سليمان الشطي ،المعلقات وعيون العصور ،من سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،شوال 1132ه ،سبتمبر ،2010ص 16
3سليمان الشطي ،المرجع نفسهن ص .17
37
وأما عن منهج أبي سعيد في نسخته هذه والذي "سار من تبعه على منهجه مع إضافة
بعض المعلومات األخرى البسيطة ،هو أن أبا سعيد ال يخرج عن الخط العام للشراح العرب
من بعده في إثبات المعنى العام مع اإلعراب واللغة واألحداث التاريخية ،لكنه يتميز عن هؤالء
بأن هذا الشارح وألنه ينتمي إلى عصر أقدم من بقية الشراح تميزت نسخته بنوع من التوازن
واالختصار في المعلومات وعدم الميل في بسط آراء اآلخرين".1
وال يمثل شرح أبي سعيد هذا االنجاز الوحيد في القرن الثالث ،بل ظهرت شروح أخرى
هامة كشرح ابن السكيت (ت 211ه) للقصائد السبع الجاهلية ،وشرح ابن النحاس لديوان
طرفه وديوان األعسر وزهير ،إلى جانب ديوان النابغة.2
ومع بزوغ فجر القرن الرابع الهجري استوت "الشروح نشاطا متكامال بعد أن توافرت صورة
واضحة للشعر الموثق الذي يسره الرواة والعلماء وصناع الدواوين والمجموعات الشعرية ورافقت
هذا الشعر عشرات بل مئات من المالحظات من لغة ونحو وأخبار وخالفات في التأويل
والتفسير".3
ومن أشهر شروح هذا القرن:
-شرح ابن األنباري (ت 325ه) الموسم بـ ـ شرح القصائد الطوال الجاهليات"
-شرح أبى جعفر النحاس (ت 335ه).
38
المحاضرة : 00نظرية الموشح في ميزان النقد:
النشأة واألهمية:
ظهر فن الموشح في بيئة األندلسي الجميلة ،فتناوله النقاد القدامى والمحدثون بالنقد
والتحليلي وانتهوا إلى جملة من النتائج لخصها الناقد الدكتور أحمد مقبل محمد المنصوري في
1
رسالته األكاديمية الموسومة بـ ـ "الموشحات األندلسية بين ناقديها قديما وحديثا" فيما يلي:
األولى /خطأ بعض الدارسين مثل الدكتور سيد غازي في مقدمة (ديوان الموشحات
األندلسية) والدكتور زكريا عناني في كتابه (الموشحات األندلسية) وهم يتناولون الموشح باعتباره
لونا شعريا ال شأن له بالنقد ،وسبب خطئهم أنهم:
أ -لم يقفوا على النصوص األدبية والنقدية من مصادر األدب التي تؤيد ما ذهبوا إليه.
ب -لم يسردوا نصوصا أشار إليها سردا كامال حتى يكون حكمهم معتبرا.
الثانية /أن النقاد العرب القدامى اتفقوا على أن الموشحات فن أندلسي خالص ،وأن
الوشاح بإرادته جعل لغتها م ركبة من بين ما هي مركبة من ألفاظ ما هي مركبة ،من ألفاظ
عامية وعجمية منتقاة من البيئة التي كان يعيشها ،وبحسب ما كان يجيد من تلك اللغة الدارجة،
ألن هذه األلفاظ فعلت فعلتها في خلق الموشحة ككل ،وال ألنها أثرت في ابتكار الموشحة.
الثالثة/أن الموشح عربي األصل ال ألن هناك نماذج في الجاهلية أو األموي أو العباسي،
ولكنه عربي الن الحضارة العربية اإلسالمية في األندلس هي التي ظهر فيها هذا الفن ،فالفضل
في بروز فن الموشحات ال يعود إلى مؤثرات من هنا وهناك وإنما الفضل لحضارتنا بعد أن
انصهرت فيها الكثير من العوامل وأنتجت هذا الفن بنكهته العربية اإلسالمية .
الرابعة/أن إشارات األقدمين كابن بسام إلى خروج الموشح عن أوزان العرب ،أو أسرة ابن
سناء الملك إلى أن الكرم الغفير منه ال دخل ألوزان العرب فيه ،فهجمت خطأ وكان من نتائج
وحديثا قديما ناقديها بين األندلسية الموشحات محمد المنصوري، مقبل أحمد 1ينظر:
www.startins.com.f.aspx!t=292399432
39
هذا المفهوم الخاطئ اعتبارها داخلة في أوزان غير عربية ،علما أن االختالف بين ،واالتكاء
على وزن عجمي أثر في الوشاحين أمر مستبعد جدا الن الثقافة األدبية التي تربى عليها
األندلسيون شعراء ووشاحين سواء أكانت دماؤهم عربية أم مهجنة هي ثقافة عربية ،ولم نسمع
بشعر آخر كان متداوال آنذاك ،وإال ما سر سكوت المصادر عن ذلك.
الخامسة /أن قافية الموشح وتفعيالته عربية ،وبعض من أوزانه خليلي ووزنه اآلخر عربي
مولد من المألوف ،وليس هناك شع ار آخر أو وزن في الموشح ذي الثقافة العربية األصيلة،
وخروج بعضه عن األوزان المألوفة ال يعني خروجه عن أوزان العرب وال دخوله في أوزان
العجم ،حيث أن إمكانيات الوزن العربي واسعة ،ومنها شكل الوشاح أوزانا عديدة ،ليست موافقة
للمألوف ولكنها ليست خارجة عن أفق الوزن العربي.
السادسة /إن ادعاء بعض المحدثين بأن األوزان غير المألوفة كانت لوشاحين غير
عرب ،فلما قلدهم العرب بنوها على وزنهم ادعاء مردود جملة وتفصيال ،ألنه نابع من جهل
أوائل الوشاحين كابن ماء السماء والرمادي وابن عبد ربه ،الذين كانت ثقافتهم عربية أصيلة.
السابعة /أن النقد القديم للموشحات اتسم باالنطباعية والعموم واإليجاز في طابعه العام،
وفي طابعه الخاص كانت ....منه مالمح الموضوعية والجمالية ،لكن ذلك ورد في ظل الطابع
العام.
الثامنة /عن المادة النقدية للموشحات شكلت شذرات متفرقة في كتب التراجم واألدب،
ألنها لم تكون مختصة بهذا الفن دون سواه.
التاسعة /أن النقاد المحدثين كانوا أوسع أفقا من القدماء بحكم ما وفد على ساحتهم
الثقافية عانة واألدبية خاصة من روافد متنوعة ،مع هذا فإن إشارات األقدمين ال يمكن أن تهمل
مما يجعل العالقة بين القديم والحديث عالقة تواصل ،ولتمام لما بداه األولون.
40
المحاضرة : 02قضايا النقد عند حازم القرطاجنين ابن رشد وابن خلدون.
تناول نقاد األندلس والمغرب قضايا النقد األدبي بالدراسة والتحليل ،كحازم القرطاجني وابن
حزم وابن رشد ،وابن خلدون ،ولم يختلفوا كثي ار عما انتهى إليه النقاد المشارقة كما أنه ال يخفى
أننا كنا قد تحدثنا عن اإلسهامات التي سجلها بعض هؤالء الذين أشرت إليهم كحازم
القرطاجني ،وابن خلدون ،في حديثنا سابقا عن قضايا النقاد عند النقاد العرب ،وبخاصة في
المحاضرة التاسعة من محاضرات الفصل الدراسي األول ،واعني بها قضية اللفظ والمعنى عند
نقاد األندلسي والمغرب ،ولكن ذلك الحديث ال يمنع من الوقوف على قضايا النقد عند كل ناقد
من النقاد المشار إليهم ،على أن يكون التركيز على ما لم يتناول من تلك القضايا.
فأما حازم القرطاجني فبعد أن انحسر النقد األدبي في المشرق العربي بعد عبد القاهر
الجرجاني ،وآلت البالغة العربية إلى قواعد جامدة ،تحفظ وتؤدي ،وال نصيب لحافظها ومؤديها
من ابتكار ظهر حازم القرطاجني في بالد المغرب العربي الذي أراد أن يعيد إلى النقد مجده
وسيادته بعد أن ألم بالثقافة العربية ،وعلم بما انتهى إليه من ثقافة اليونان.1
فمن القضايا النقدية التي تناولها حازم القرطاجني ما يلي:
-1مفهومه للشعر :فإذا كان النقاد العرب القدامى في المشرق قد عرفوا الشعر ،مثلما
سبق اإلشارة إليه في محاضرة سابقة ،بأنه الكالم الموزون المقفى الدال على معنى فابن حزم قد
أضاف إلى هذا التعريف عنص ار جديدا يتمثل في الخيال ،وفي ذلك يقول" :الشعر كالم مخيل
موزون ،مختص في لسان العرب بزيادة التقفية إلى ذلك ،والتباهي من مقدمات مخيلة صادقة
كانت أو كاذبة ،ال يشترط فيها بما هي شعر غير التخيل .2
وال يختلف ناقدان في كل اآلداب على ما للخيال من دور محوري في صهر العناصر
المكونة للعملية اإلبداعية وإخراجها في شكل جديد ،مما يضفي على العمل االدبي جمال ال
يخفى.
ينظر سعيد عدنان ،االتجاهات الفلسفية في النقد األدبي ،ص .61 1
41
-2وظيفة الشعر عنده :وإما عن الرسالة التي يؤديها العمل الشعري ،فيقول عنها" :أن
يحبب إلى ما قصد تحبب به إليها ،ويكره إليها ما قصد تكريهه ،لتحمل بذلك على طلبه ،أو
الهرب منه ،بما يتضمن من حسن تخيل له ،ومحاكاة مستقلة بنفسها أو مقصودة بحسن هيأة
تأليف الكالم أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك".
وللشعر إذن عند حازم وظيفة أخالقية تتمثل في تحقيق السمو األخالقي للمتلقي عن
طريق هذا العنصر الذي رأيناه في مفهومه للشعر وهو التخيل ،أي أن يحقق وظيفته شعريا.
وأما ابن حزم األندلسي ،فيعد من الشخصيات البارزة في التاريخ اإلسالمي عامة
واألندلسي خاصة ،ممن جمعوا بين العلم كالدين والفكر واألدب والنقد ،ولذلك وجدناه يدلي بآرائه
ويسجل مواقفه هامة في ميدان النقد وقضاياه ،من ذلك أن رؤيته للشعر قد حددهما من خالل
عنصريها اللذين ال يكون إال بهما أي األلفاظ والمعاني:
أ -فأما على مستوى األلفاظ ،فإنه يرفض التوظيف المبالغ فيه للمجاز ،رغم ما للغة
المجازية من أهمية في تشكيل البنية الشعرية بمعنى أنه يدعو إلى عدم المغاالة في ذلك.1
ب -ينحاز ابن حزم إلى النقاد العرب الذين ال يرون أن "أن أجود الشعر أكذبه" فيرى أن
الصدق الواقعي واألخالقي في شديد األهمية في العمل الشعري ،وهذا االنحياز ليس باألمر
الغريب على ابن حزم العالم والفقيه.2
وأما تلك القضايا عند ابن رشد :فإنها ال تختلف عن رؤية الناقدين السابقين حيث أنه
يرى:
)1أن للخيال أهمية في تشكيل الشعر ،وذلك من خالل مالحظته للشعر العربي الذي
ارتكز في بنائه الفني على هذا العنصر الهام ،فيقول :وتصرف العرب والمحدثة في الخيال
متفنن ،وأنحاء استعمال له كثير".3
1ينظر :ابن حزم ،طوق الحمامة في األلفة واآلالف ،تحقيق حسن كامل الصيرفي ،المكتبة التجارية الكبرى ،القاهرة،1650 ،
ص .321
ينظر :حسان عباس ،تاريخ األدب األندلسي ،ج ،1دار الشروق ،األردن ،ط ،1667 ،1ص ،370وما بعدها. 2
3ابن رشد ،تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر ،تحقيق سليم سالم ،القاهرة ،1671 ،ص .115
42
)2اهتمامه بالبعد األ خالقي في الشعر وبأهميته في السمو في النفوس وتحقيق سعادة
اإلنسان ،ولذلك فإن ابن رشد يرفض شعر الغزل الداعي إلى التهتك والفساد ،فيقول عنه" :ذلك
أن النوع الذي يسمونه النسيب إنما هو حث على الفسوق" ،1ويشير في هذا السياق إلى القرآن
الكريم قد نحى .....على الشعر العربي الجاهلي سبب خلوه من الكثير من الفضائل
األخالقية.2
وأما ابن خلدون /فقد استطاع أن يسجل بصمته جميلة في قضية من أهم قضايا النقد
األدبي ،وهي قضية العالقة بين الشعر والدين ،وذلك حين أقر بأن الشعر بحاجة إلى خيال
يعالج المعاني التي ال يدركها كل الناس ،وال يعرفها إال الخاصة منهم ،وان الدين بمعانيه
األساسية يعرفها الخاصة والعامة ،ولذلك فإن معالجتها إبداعيا أمر ال يطبقه من الشعراء إال من
أوتي نصيبا من العبقرية غير معهود ،فيقول" :وهذا كان الشعر في الربانيات و النبويات قليل
اإلجادة في الغالب ،وال يحذق إال الفحول وفي القليل على العسر ،ألن معانيها متداولة بين
الجمهور ،فتصير مبتذلة لذلك".3
فنالحظ من خالل هذا النص أن ابن خلدون:
-1لم يرفض من حيث المبدأ المعالجة اإلبداعية للموضوعات الدينية التي يعرفها جمهور
الناس ،ولم ير هذه المعالجة تتنافى واإلبداع القائم على الخيال والحرية الفنية ،وهو بهذا الطرح
ال يرى أي تناقض بين اإلبداع الشعري والدين.
-2رغم الموضوع الذي أشار إليها ال تحتمل أي قدر من التحليق في عالم الخيال
الشعري ،فإنها لم يسد باب اإلبداع فيها على كل الشعراء ،بل يرى أن نف ار من الشعراء الكبار
بمقدورهم الولوج إلى تلك الموضوعات وتحقيق اإلقناع اإلبداعي فيها.
الشعر ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،الدار المصرية للتأليف والترجمة ،القاهرة ،1699 ،ص .97 1
43
المحاضرة : 00تراجم أعالم النقد في األندلس والمغرب.
ابن شهيد /1هو أبو عامر احمد بن عبد الملك بن شهيد ( 352ه 129-ه) ،ولد في
قرطبة ألسرة مرموقة كان أفرادها يتولون بعض المناصب الهامة في الدولة األموية ،فجده
عيسى بن ش هيد كان حاجبا لألمير عبد الرحمن بن الحكم ،وجده أحمد بن عبد الملك كان من
قادة الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين هللا ومن وزرائه ،وهو أول من تسمى بذي الو ازرتين في
األندلس ،كما كان أبوه عبد الملك من وزراء الخليفة هشام المؤيد باهلل ،عرف ابن شهيد ببالغته
وشعره ،ولكن نثره كان أكبر من شعره ،فقد ألف عددا من التصانيف ،من اشهرها (رسالة التوابع
والزوابع) ،وقد عرف باطالعه الواسع في ميدان الثقافة واالدب ،وكانت بينه وبين ابن حزم
مكتبات.
ابن حزم /2هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي ( 169-351ه)،
شاعر وكاتب وفقيه ،ولد بقرطبة وكان يلقب بالفقيه ،عمرت حياته في صباه بالدرس والتحصيل
العلمي ،أخذ عن يحي بن مسعود والفقه عن الشافعي عن شيوخ قرطبة /نشأ شافعي المذهب ثم
انتقل إلى المذهب الظاهري حتى عرف بابن حزم الظاهري ،أثرى المكتبة العربية بمؤلفات في
مختلف المعرفة من أشهرها الفضل في الممل واألهواء والنحل ،وطوق الحمامة ،وجمهرة أسباب
العرب ،والسر في مداواة النفوس واألحكام في أصول األحكام والمحكى.
حازم القرطاجني/3هو حازم بن محمد حازم القرطاجني ( 951-905ه) كان شاع ار
وأديبا وناقدا ،ولد في قرطاجنة ،وإليها ينسب ،نشأ في أسرة ذات علم ودين ،فأبوه كان فقيها
عالما وقد عني بولده فوجهه إلى طلب العلم مبكرا ،فبعد أن حفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة
والكتابة ،تردد على حلقات العلم ،ولزم (أب علي السلوين) شيخ علماء العربية في عصره ،ثم
انتقل إلى مراكش ،ولبت فيها زمنا ليتركها بعد ذلك ويمم وجهه إلى تونس ،وكان من آثاره
النقدية ،كتاب منهاج البلغاء وسراج األدباء ،الذي مزج فيه بين قواعد النقد األدبي والبالغة عند
44
العرب ،وقواعدهما عند اليونان ،كما كان لحازم كتب أخرى فقد معظمها مثل" :التجنيس" و
"القوافي" ومنظومة نحوية تعليمية ،ونشر عثمان الكعاك ديوانه الشعري في بيروت سنة
( ) 1691-1351ثم استدرك محمد الحبيب بن الخوجة علي الديوان ،فضمنه عدة قصائد لم
ترد في طبعته السابقة وذلك (1362ه ) 1672-ظل حازم القرطاجني في تونس محاطا بكل
عناية وتقدير من حكام الدولة الحفصية حتى توفي سنة (951ه1256-م).
خــــاتمة:
لقد حاولت هذه الم طبوعة ،التي تناولت مجموعة من مفردات مقياس النقد األدبي القديم
لطلبة السنة األولى ، LMDأن تصل إلى فهم للنقد العربي القديم ،من خالل تتبع مسار النقد
خالل عدة عصور مختلفة يظهر من خاللها أثر التطور الذي أصاب ها ،مما يساهم في فهم
الظواهر النقدية .ومن خالل دروس هذه المطبوعة أمكننا استخالص هذه النتائج:
-النقد حكم يستند إلى مقايي س معينة وبالتالي فهو ليس نصا مقدسا ال يقبل التغيير ،وإنما هو
توالد وخلق للدالالت في الجودة واإلبداع تتبع مسيرة األدب.
-النقد العربي مر بمراحل ثالث حتى القرن الرابع الهجري ،مرحل النشأة من العصر الجاهلي
حتى القرن الثاني ،وهي تمثل النقد االنطباعي التأثري البحت ولم تؤلف مصنفات تعالج قضايا
النقد وكانت األحكام النقدية في معظمها غير معللة ،وإذا ما انتقلنا إلى القرن الثالث الهجري،
تصادفنا رغبة قوية تنزع إلى الموضوعية وتبنى نقدا مرجعيته القيم الفكرية المستقلة بعيدة عن
الذاتية ،وهذا يتماشى مع طبيعة العصر ،وأول ناقد دعا إلى ذلك ابن سالم الجمحي الذي أرسى
قواعد المفاضلة ،وأثبت قضية الوضع (االنتحال) وتصدى لها.
-وفي هذا القرن ظهرت المحاولة األولى لتحديد مفهوم الشعر ،أما مرحلة النضوج فهي تمتد
من أول القرن الرابع حتى آخر القرن الخامس ،وهنا نميز اتجاهين للنقاد.
االتجاه األول :أراد أن يعلى من شأن المنطق ،وتوسع في التقنين والتعقيد من أمثال قدامة بن
جعفر الذي حول النقد إلى معادالت عسيرة ،ومنهم من اهتم بالشكل واللفظ اهتماما بالغا كابن
رشيق وأبي هالل العسكري ،ولكن ا لنقلة النوعية جاءت من االتجاه الثاني الذي كان ينظر إلى
45
الفن نظرة صادقة ،فتوصلوا إلى نتائج ال بأس بها كاآلمدي والقاضي .الجرجاني ومن بعدهم
عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم.
-بعد القرن الخامس دخل النقد مرحلة الجمود إلى أن جاء ابن األثير صاحب كتاب المثل
ا لسائر في أدب الكتاب والشاعر ،ولكن كتابه لم يأت بالجديد وإنما جمع مالحظات موروثة،
وبعده ظهر ناقد أندلسي وهو حازم القرطاجني ،فكانت له إضافات في النقد والبالغة.
-أما على مستوى القضايا المدروسة في هذه المطبوعة ،فخلصنا إلى أن مفهوم الشعر لم
يتضح إال عند الفالسفة المسلمين من أمثال ابن سينا والفارابي باإلضافة إلى حازم القرطاجني،
ألنه تأثر كذلك بنظرية المحاكاة ألرسطو.
-وبخصوص قضية االنتحال فقد اهتم بها ابن سالم وعالجها وتصدى لها بمنهج علمي ،ثم
تبعه في ذلك النقاد.
-أما قضية عمود الشعر فقد تمت معالمها عند المرزوقي الذي أرسى أركانها السبعة وخلقت
فسحة للشعراء من بعده ،ونأتي لقضية اللفظ والمعنى التي انقسم النقاد فيها إلى ثالث فئات فئة
تنتصر للفظ وفئة تنتصر للمعنى وفئة تقول بائتالف اللفظ والمعنى ،ولما جاء عبد القاهر
الجرجاني رأى أن اللفظ ال يكون معزوال عن المعنى ،وإنما متالحمان وهذا ما يتحقق في نظريته
التي سماها النظم.
-أما قضية الموازنات فقد بدأت بابن سالم في مفاضلته بين الشعراء ولكنها وصلت إلى مرحلة
النضج عند اآلمدي في كتابه الموازنة الذي اعتمد على مقاييس محددة في موازنته بين أبي تمام
والبحتري ،ووضع شروطا للموازنة بين شاعرين وهي:
-اتفاقهما في المعاني ،اتفاقهما في األلفاظ ،اتفاقهما في الوزن.
وفي األخير فهذه الدروس ال تعدو أن تكون خطوة يستعين بها طلبتنا األعزاء في ولوج عالم
النقد العربي القديم ومحاولة تنير لهم الدرب ،وباهلل التوفيق .
46