You are on page 1of 18

‫التفكير الفني‬

‫وتفسير التاريخ عند أبي تمام والمتنبي‬


‫من خالل قصيدتين لهما من شعر الجهاد اإلسالمي‬

‫يالحظ أن النظرية النقدية فيما خيص أغراض الشعر عند العرب‪ -‬يف كثري من أجزائها‪ -‬نظرية أخالقية؛ ذلك ألهنا تشرتط لكل غرض شعري‬
‫النهشلي شيخ ابن رشيق القريواين‪" ،‬العادة عند العرب أن الشاعر هو املتغزل‬
‫ّ‬ ‫شروطا أخالقية‪ ،‬حىت ما يسمى بالغزل عندهم‪ .‬قال عنه عبدالكرمي‬
‫املتماوت‪ ،‬وعادة العجم أن جيعلوا املرأة هي الطالبة والراغبة املخاطبة‪ ،‬وهذا دليل كرم النحيزة يف العرب وغريهتا على احلرم"(‪ .)1‬ولذلك عيب‬
‫على عمر بن أيب ربيعة تصويره املرأة حمبة له‪ ،‬تسعى وراءه‪ ،‬ألن املرأة يف شعر الغزل عند العرب "إمنا توصف بأهنا مطلوبة ممتنعة"(‪ ،)2‬كذلك مل‬
‫يقبل اإلسالم التغزل مبعنّي فإنه ال حيل(‪ .)3‬وكان أفضل الغزل عند النقاد‪ -‬مثل قدامة بن جعفر‪ -‬ما يصور املوقف النفسي للشاعر‪ ،‬ال ما يق ّدم‬
‫الصفات املاديّة للمحبوبة‪.‬‬
‫وال جنانب احلقيقة إذا قلنا إن شعر املدح عند العرب‪ -‬يف كثري منه‪ -‬حيقق أهدافا أخالقية‪ ،‬ذلك ألنه يصور املثل العليا اليت جيب أن يتحلى هبا‬
‫الفرد يف سعيه جتاه الكمال يف إطار اجملتمع العريب‪ .‬أي أن شعر املدح يصور اجلوانب اإلجيابية من شخصية البطل يف اجملتمع العريب‪ ،‬ولذلك كان‬
‫أفضله عند النقاد ما يكون بوصف املمدوح بالفضائل األخالقية يف اجملتمع اإلسالمي؛ كالعقل والعفة والعدل والشجاعة والكرم(‪ .)4‬أما الصفات‬
‫اجلسدية فتأتى أمهيتها من داللتها على صفات نفسية وأخالقية لدى من يتصف هبا‪ .‬ويكون املدح هبذه الفضائل األخالقية إعالء هلا‪ ،‬وتأكيداً على‬
‫أمهية التمسك هبا‪ ،‬عن طريق عرضها وتقدمي مناذج بشرية متخلقة† هبا‪ .‬قال أبو متام الطائي‪:‬‬
‫املكارم(‪)5‬‬
‫ُ‬ ‫أين تُؤتَى‬
‫درى …‪ ..‬بغاةُ العُال من َ‬
‫الشعر ما َ‬
‫ِخالل سنَّها ُ‬
‫ولوال ُ‬
‫وال أمهية ملا يقال من احتواء شعر املدح على امللق والنفاق‪ ،‬فمثل هذه الدوافع مما يصعب اإلمساك به علمياً‪ ،‬وإمنا كان يؤخذ أصحاهبا بالوحي يف‬
‫زمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولنا ظواهر الناس وأما سرائرهم فموكولة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬كما ذكر عمر بن اخلطاب رضى اهلل عنه(‬
‫‪.)6‬‬
‫وإذا كان قد ورد من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي رواه املقداد "إذا رأيتم املداحني فاحثوا يف وجوههم الرتاب"‪ )7(،‬فإن احلافظ‬
‫ابن حجر العسقالين (ت‪852‬هـ) قد ذكر يف شرح صحيح البخاري أن العلماء قد ذكروا أن املراد به "من ميدح الناس يف وجوههم بالباطل"‪،‬‬
‫حيث‬
‫وقال عمر‪ :‬املدح هو الذبح‪ ،‬قال وأما من مدح مبا فيه فال يدخل يف النهى فقد مدح صلى اهلل عليه وسلم يف الشعر واخلطب واملخاطبة ومل ُ‬
‫يف وجه مادحه ترابا(‪.)8‬‬
‫وقال اإلمام حمىي الدين النووي (ت‪676‬هـ) يف شرحه لصحيح مسلم† تعليقاً على احلديث السابق الذي أورده يف (باب النهى عن املدح إذا كان‬
‫فيه إفراط‪ ،‬وخيف منه فتنة على املمدوح) قال النووي‪" :‬ذكر مسلم يف هذا الباب األحاديث الواردة يف النهى عن املدح‪ ،‬وقد جاءت أحاديث‬
‫كثرية يف الصحيحني باملدح يف الوجه‪ .‬قال العلماء‪ :‬وطريقة اجلمع بينها أن النهى حممول على اجملازفة يف املدح والزيادة يف األوصاف‪ ،‬أو على من‬
‫خياف عليه فتنة من إعجاب وحنوه إذا مسع املدح‪ ،‬أما من ال خياف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته‪ ،‬فال هنى يف مدحه يف وجهه إذا‬
‫مل يكن فيه جمازفة‪ ،‬بل إن كان حيصل بذلك مصلحة† كنشطة للخري واالزدياد منه أو الدوام عليه‪ ،‬أو االقتداء به كان مستحباً‪ .‬واهلل أعلم"(‪.)9‬‬
‫وجعل احلافظ ابن حجر العسقالين أيضاً من الشعر اجلائز "ما خال عن هجو‪ ،‬وعن اإلغراق يف املدح والكذب احملض (‪ ،")10‬وذكر أن ما كان‬
‫كذباً وفحشاً فهو مذموم(†‪.)11‬‬
‫وكذلك جعل النقاد العرب "خري اهلجاء ما تنشده العذراء يف خدرها فال يقبح مبثلها (‪ ،")12‬وقال خلف األمحر‪" ،‬أشد اهلجاء أعفه وأصدقه (‬
‫‪.")13‬‬
‫وإذا كان شعر املدح يصور املالمح اإلجيابية لشخصية† البطل يف اجملتمع العريب‪ ،‬فإن اهلجاء يصور املالمح السلبية هلا‪ ،‬ويكشف عن الرذائل اليت‬
‫جيب أن حيذرها العريب‪.‬‬
‫وليس هناك ما هو أدل على أخالقية الشعر العريب من قول الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إن من الشعر حكمة (‪ .")14‬الذي شرحه‬
‫احلافظ املباركفوري (ت‪1353‬هـ) يف كتابه "حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي" بقوله‪" :‬قوله (إن من الشعر حكمة) أي قوالً صادقاً مطابقاً‬
‫للحق‪ ،‬وقيل أصل احلكمة املنع‪ ،‬فاملعىن أن من الشعر كالماً نافعاً مينع من السفه (‪.")15‬‬
‫وذلك فضالً على ما استقر يف التفكري النقدي عند العرب‪ ،‬من أن كثرياً مما ال يسوغ يف الكالم يسوغ يف الشعر‪ ،‬ويكتسب قبوالً‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قوهلم‪" :‬ليس ألحد من الناس أن يطري نفسه وميدحها‪ ..‬إال أن يكون شاعراً‪ ،‬فإن ذلك جائز له يف الشعر‪ ،‬غري معيب عليه (‪ ")16‬أي أن احملاكاة‬
‫حتسن القبيح‪ ،‬فما كان قبيحاً قبل الشعر يصبح فيه‪ -‬بفضل احملاكاة‪ -‬سائغاً مقبوالً(‪.)17‬وهكذا نرى أن‬ ‫يف الشعر‪ -‬كما ذكر أرسطو من قبل‪ّ -‬‬
‫النظرية النقدية‪ -‬فيما خيص األغراض الشعرية عند العرب‪ -‬يف جمملها‪ -‬نظرية أخالقية‪ .‬األمر الذي ميكن معه ارتياد آفاق جديدة من البحث‬
‫والدراسة هلا‪-.‬يكتسب شعر املدح يف العصر العباسي أبعاداً ثانية عندما ميعن يف وصف الوقائع التارخيية اليت تتصل باملمدوح‪ ،‬وينقل لنا صوراً‬
‫واضحة املالمح ملعارك العصر‪ ،‬اليت كانت يف الغالب جهاداً من املسلمني ألعدائهم كالروم على وجه اخلصوص‪ ،‬لذلك ال نغلو إذا وصفنا عدداً‬
‫من قصائد الشعراء العباسيني بأهنا من شعر اجلهاد اإلسالمي‪.‬‬
‫وشعر اجلهاد من أهم أغراض الشعر اإلسالمي‪ -‬يف رأينا‪ -‬ذلك ملا للجهاد من أمهية متميزة يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأمهية مماثلة يف حياة املسلمني‪،‬‬
‫ال ندلل عليهما لوضوحهما يف أذهان أكثر الناس‪.‬‬
‫وال نعين بتسجيل الشعر يف العصر العباسي للوقائع التارخيية أن الشعر فيه قد حتول تأرخياً‪ ،‬فذلك جماله (النظم) التعليمي‪ .‬وإمنا نعين أن الشعر فضالً‬
‫على قيمته األدبية يُضيف إليها قيمة أخرى تارخيية‪ ،‬فليس الشعر رصداً حرفياً للواقع‪ ،‬وإمنا رؤية فنية له وإعادة إنتاج ألحداثه‪ ،‬وقدمياً قال أرسطو‬
‫(ليست احملاكاة رواية األمور كما وقعت فعالً‪ ،‬بل رواية ما ميكن أن يقع‪ ..‬فلو كتب تاريخ هريودتوس شعراً لظل تارخياً‪ ،‬ألنه يروي ما وقع‬
‫ألشخاص معينني‪ ،‬فهو جزئي يروي ما هو خاص بأفراد‪ ،‬على حني مواضيع الشعر كلية عامة‪ .‬وليست أمساء األشخاص يف الشعر إال رموزاً كلية‬
‫لنماذج بشرية‪ ،‬حىت لو كانت هذه األمساء تارخيية ألن وقائع التاريخ ذريعة الفنان) (‪ .)18‬أي أن هدف الشاعر إمنا يكون فنياً يف املرتبة األوىل‪،‬‬
‫وتكون حماكاته للطبيعة ووسائلها مضيفة إليها ومكملة† هلا‪ ،‬تكشف عن (املعاين اإلنسانية وقضاياها الكلية اليت تبني عنها احلوادث املسوقة يف‬
‫حكاية الشعر‪ ،‬فالشعر هبذا‪ -‬كما قال أرسطو‪ -‬أوفر حظاً‪ -‬يف الفلسفة‪ †-‬من التاريخ) (‪.)19‬‬
‫وتتحول قصائد أيب متام الطائي يف مدح القائد العريب أيب سعيد الثغري الطائي‪ ،‬ويف مدح اخلليفة العباسي املعتصم‪ ،‬كما تتحول مدائح أيب الطيب‬
‫املتنيب لسيف الدولة احلمداين إىل مالحم أو فصول من مالحم‪ ،‬تصور جهاد املسلمني للروم‪ †،‬خيتار فيها الشاعر من عناصر احلادثة التارخيية ما‬
‫حيتاج إليه فنياً لتشكيل جتربته الشعرية‪ .‬وال بأس‪ -‬هنا‪ -‬يف أن تكون لنا حنن العرب مالحم نابعة من ظروفنا‪ ،‬وال بأس يف أن تكون لنا‬
‫اصطالحاتنا النقدية اليت تستمد حمتواها من تارخينا الثقايف والفكري‪.‬خنتار للكشف† عن مبىن التفكري الفين عند أيب متام‪ ،‬ورؤيته يف تفسري التاريخ‬
‫عمورية من أرض الروم يف رمضان† عام ‪223‬هـ كما‬ ‫قصيدته البائية املشهورة† اليت مدح هبا اخلليفة العباسي املعتصم (‪179‬هـ ‪227‬هـ) عندما فتح ّ‬
‫قيل‪ -‬تلبية لنداء املرأة العربية املسلمة اليت استغاثت به‪ :‬وامعتصماه‪.‬‬
‫يالحظ أن التفكري الفين أليب متام يف هذه القصيدة‪ -‬ورمبا يف كثري من شعره يعتمد‪ -‬أساساً‪ -‬على بنية التضاد‪ ،‬حىت لتنبين قصيدته على عدد من‬
‫الثنائيات املتضادة‪ ،‬تؤدي هذه الثنائيات‪ -‬مبا تكتنزه من توتر وتناقض‪ ،‬ومبا تشري إليه من نشاط عقلي وإتكاء ذهين‪ -‬دورها يف تصوير أبعاد‬
‫الصراع الذي حتمله القصيدة على حنو يركز عليه قبل أي شيء غريه‪.‬‬
‫يفتتح أبو متام قصيدته قائالً‪:‬‬
‫ِ†‬
‫واللعب‬ ‫اجلد‬ ‫الكتب ……‪ ..‬يف حدِّه ُّ‬
‫احلد بني ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أصدق أنباءً من‬
‫ُ‬ ‫السيف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والريب‬ ‫الشك‬
‫الصحائف يف ……‪ ..‬متوهنن جالءُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫سود‬
‫الصفائح ال ُ‬
‫ِ‬ ‫بيض‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشهب‬ ‫ِ‬
‫السبعة‬ ‫األرماح المعةً ……‪ ..‬بني اخلميسني ال يف‬ ‫ِ‬ ‫والعلم يف ُش ِ‬
‫هب‬ ‫ُ‬
‫األيام جمفلةً ……‪ ..‬عنهن يف صف ِر األصفا ِر أو ِ‬
‫رجب‬ ‫عجائباً زعموا َ‬
‫وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ……‪ ..‬إذا بدا الكوكب الغريب ذو ِ‬
‫الذنب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منقلبِ‬
‫†‬ ‫غري‬
‫األبرج العليا مرتبةً ……‪ ..‬ما كان منقلباً أو َ‬ ‫َ‬ ‫وصريوا‬
‫فلك منها ويف ِ‬
‫قطب‬ ‫يقضو َن باألم ِر عنها وهي غافلةُ ……‪ ..‬ما دار يف ٍ‬
‫َ‬
‫فيتمثل مدخل أيب متام إىل القصيدة يف حتديد موقفه من ثنائية متضادة مطروحة حلل املشكلة التارخيية الراهنة وقتذاك‪ .‬تلك الثنائية طرفاها‬
‫املتضادان‪ :‬السيف × الكتب‪ ،‬وتتوزع الثنائيات املطروحة يف األبيات التالية عليهما من أجل جالء حقيقة كل منهما وما صدقاهتا‪ ،‬على النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫السيف × الكتب والنجوم اجلد × اللعب‬
‫الصدق × اللعب اجلالء × الزخرف‬
‫بيض الصفائح × سود الصحائف‬
‫شهب األرماح × السبعة الشهب‬
‫فإذا بنا أمام ثنائية طرفاها‪:‬‬
‫إسالمي مفرداته (القوة من الرمي بالرماح غريها‪ -‬الصدق‪ -‬اجلد)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حل‬
‫أ‪ّ -‬‬
‫الثرة إذا تذكرنا سياقاهتا يف القرآن الكرمي‪ -‬هي‬
‫حل غري إسالمي مستمد من الالمعقول† الذي حياربه اإلسالم؛ مفرداته تتكشف دالالهتا ّ‬ ‫ب‪ّ -‬‬
‫احلل األول منذ‬
‫السود‪ -‬النجوم‪ ،‬وهي تسبح يف أفالكها بريئة مما خيرصون)‪.‬وقد اختار أبو متام ّ‬ ‫(الزخرف‪ -‬الكذب‪ -‬اللعب (اللهو)‪ -‬الصحف ُّ‬
‫مفتتح قصيدته‪.‬ويرتتب على هذا التقابل الرئيس بني هذه األضداد‪ ،‬أن ميتد به الشاعر ليستعمله حني يستطرد للحديث† عن الطرف املنفي املرفوض‬
‫منه يف هذه الثنائية وهو الطرف الثاين‪ :‬فأحاديث املنجمني‪ :‬ليست بنبع وال غرب‪ ،‬واألبرج العليا منها‪ :‬ما كان منقلباً أو غري منقلب‪ .‬حىت ليمكن‬
‫فهم قوله‪( :‬ما دار يف فلك منها ويف قطب) على ضوء مقولة† التضاد‪ .‬وقد بدأ الشاعر بالطرف الثاين املنفي من هذه الثنائية‪ ،‬ليعمل على نفيه‬
‫واستبعاده من أجل أن يتفرغ للطرف األول الذي هو موضوع القصيدة يف احلقيقة‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ب‬‫فتح الفتوح تعاىل أن حيي َط به …… نظم من الشع ِر أو نثر من اخلُطَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫األرض يف أثواهبا ال ُق ُشبِ‬ ‫……وتربز‬ ‫ِ‬
‫أبواب السماء له‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فتح تُفتح ُ‬ ‫ٌ‬
‫ب‬ ‫انصرفت ……منك املىن ُح َّفالً معسولةَ† احلَلَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫عمورية‬
‫يوم وقعة ّ‬
‫يا َ‬
‫ب‬‫صبَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ودار الشرك يف َ‬ ‫……واملشركني َ‬
‫َ‬ ‫ص َع ٍد‬ ‫ِ‬
‫أبقيت جد بين اإلسالم يف َ‬
‫كل ٍأم منهم ِ‬
‫وأب‬ ‫ُّأم هلم لورجوا أن تُفتَدى جعلوا ……ِفداءها َّ‬
‫ب‬‫وصدت صدوداً عن أيب َك ِر ِ‬ ‫ْ‬ ‫وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ……كسرى‬
‫كف حادثه ……وال ترقت إليها مهةُ الن ِ‬
‫ُّوب‬ ‫بكر فما افرتعتها ّ‬
‫……شابت نواصي الليايل وهي مل ِ‬
‫تشب‬ ‫ْ‬ ‫من عهد إسكندر أو قبل تلك قد‬
‫ِ‬
‫احلقب‬ ‫ِ‬
‫البخيلة كانت زبدةَ‬ ‫……خمض‬ ‫حىت إذا خمض اهلل السنني هلا‬
‫َ‬
‫ب‬‫أتتهم الكربة السوداء سادرة ……منها وكان امسُها فراجة ال ُكر ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫والر َح ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫غودرت وحشةَ الساحات ُّ‬ ‫جرى هلا الفأل برحاً يوم أنقره ……إذ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫اجلرب‬ ‫اخلراب هلا أعدى من‬ ‫ملا رأت أختها باألمس قد خربت ……كان‬
‫ُ‬
‫كم بني حيطاهنا من فارس بطل ……قاين الذوائب من آين ٍدم س ِ‬
‫رب‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫خمتضب‬ ‫ِ‬
‫واإلسالم‬ ‫بسنة السيف واخلطى من دمه ……ال ِ‬
‫سنة الدي ِن‬
‫ويالحظ أن الشاعر كلما توغل يف موضوع قصيدته‪ ،‬وازدادت محاسته ملا يعاين أو يصف منه‪ ،‬عليه ازداد توغله يف طريق الصناعة الفنية‪ ،‬لكن من‬
‫خالل ما اعتمده منذ بداية القصيدة من مبىن التضاد‪ ،‬ويصل يف هذا اجلزء من القصيدة من خالل التضاد إىل ما ميكن عده ضرباً من التناقض أو‬
‫التعارض الظاهري (‪ )20()paradox‬فهذا الفتح الذي يبدو أعلى من أن حييط به طرفا األدب‪ -‬الشعر والنثر‪ ،‬وبينهما تضاد‪ -‬رمبا كان أوىل‬
‫بالفهم† االجتاه إىل القول باستحقاقه أن خيلد يف الشعر والنثر‪ .‬ذلك الفتح الذي حتتفل به كل من السماء واألرض‪ -‬ومها طرفا ثنائية أيضاً‪-‬‬
‫بطريقتها اخلاصة‪ ،‬فتتفتح السماء بالعطاء‪ ،‬وتتشقق األرض بالعطاء الناتج عن عطاء السماء‪ ،‬وتأخذ زينتها‪ ،‬ومن هذا التعانق الذي حيدثه الشاعر‬
‫بني السماء واألرض تنثال املعاين الروحية املصاحبة هلذا الفتح اليت تشعها كلمة الفتح ابتداء‪.‬‬
‫عمورية بأن يصور املىن فيه (حفالً معسولة احللب) مث يسلب ذلك كله بقوله‪ :‬انصرفت‪ .‬وعندما جيعل‬ ‫ويتبدى التناقض من خالل وصفه يوم وقعة ّ‬
‫عمورية وهي‬ ‫عمورية أماً هلم يف ّدوهنا بكل أم وأب (ومها طرفا ثنائية أيضاً) مث ينفي كل ذلك عنهم بقوله‪ :‬لو رجوا أن تفتدي‪.‬وعندما جيعل ّ‬ ‫ّ‬
‫فراجة الكرب عندهم مدخالً للكربة السوداء إليهم‪ ،‬وعندما يأتيها‪ -‬من الفأل البارح‪ -‬الذي يتمسكون به لولعهم بالتكهن والتنجيم جلاهليتهم‪-‬‬
‫عمورية بأهنم كلهم (فارس بطل) مث يسلب هذا الوصف كل جدوى أو فاعلية‪،‬‬ ‫اخلراب والوحشة‪ .‬وأوضح من ذلك أن يصف جنود الروم يف ّ‬
‫عندما خيرب عنهم بأهنم كلهم‪ -‬يف هذه املعركة‪( -‬قاين الذوائب من آين دم سرب)‪ ،‬خمتضب بدمه من سنة السيف‪ ،‬ال من سنة اإلسالم يف خضاب‬
‫الشيب باحلنّاء‪ .‬أي أن الشاعر مازال متمسكاً ببنية التضاد لكنه يعقدها شيئاً فشيئاً مع تصاعد املوقف وتعقد جو املعركة يف هذه القصيدة‪ .‬فكان‬
‫اكتشافه التناقض الظاهري (‪ )paradox‬وسيلة فنية اعتمد عليها يف تشكيل جتربته أو صناعة قصيدته يف هذا املقطع من قصيدته على وجه‬
‫اخلصوص‪ ،‬وإن سقطت منه أشياء يف سائر القصيدة مثال قوله‪:‬بصرت بالراحة الكربى فلم ترها …… تنال إال على جسر من التعب‬
‫وغريه من أبيات القصيدة‪ ،‬األمر الذي يرجع إىل ولع أيب متام ببنية التضاد‪.‬‬
‫عمورية أماً بكراً! متنعت على الفرس كما صدت عن العرب‪ -‬وهذه ثنائيات متضادة أيضاً‪ -‬برزة (أي حيية‬ ‫تطل صورة ّ‬‫ومن أثناء هذا املقطع ُ‬
‫ومتربجة) شابت هلا الليايل‪ ،‬وهي مل تشب‪ .‬ياهلا من أنثى عجيبة! تدخر عفافها للمعتصم!† يستعني الشاعر على تصويرها فضالً على الكلمات‬
‫عمورية‬ ‫املتضادة‪ ،‬بالكلمات األضداد مثل‪ :‬الفأل‪ -‬برحا‪ -‬برزة‪ ،..‬حيث ُّ‬
‫تدل كل كلمة بنفسها على معنيني متضادين يف وقت واحد‪ .‬لعل تصوير ّ‬
‫يف صورة األنثى اخلالدة اليت جتمع طريف احلياة أو النقيضني‪ ،‬ضرباً من التناسب يف الصنعة الفنية‪ -‬يتفق مع ما يذكره الشاعر يف املقطع التايل من‬
‫تضحية املعتصم بنسائه وعاجل لذته مبثل قوله‪:‬‬
‫ب‬‫رد العر ِ‬‫ِ‬
‫ورضاب اخلُ ُُ‬ ‫َ‬ ‫كأس الكرى‬‫هرقت له …‪َ ..‬‬ ‫َ‬ ‫لبيت صوتاً زبطرياً‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلصب‬ ‫هِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عداك َحُّر الثغو ِر املستضامة عن …‪ .‬برد الثغو ِر وعن سلسا ا‬
‫ُ‬
‫فقد اختار املعتصم الثغور‪ /‬احلرب‪ ،‬على الثغور‪ /‬النساء‪ ،‬فاختار احلرب واملشقة على الربد واللذة‪ .‬وكانت تضحيته هذه من أجل األنثى اخلالدة‬
‫عمورية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كان هذا التشخيص للمدينة يف صورة األنثى له ما يربره من توظيف فين فإن له أيضاً ما يدعمه يف الذهنية العربية‪ ،‬فاملدن‪ -‬لدينا حنن العرب‪-‬‬
‫نساء‪ ،‬بل ونساء أبكار أيضاً‪ -‬عرائس (فحائل عروس الشمال‪ ،‬وجدة عروس البحر األمحر‪ -‬واإلسكندرية عروس البحر األبيض‪ -‬واملنيا عروس‬
‫الصعيد‪ -‬وهكذا تتعدد العرائس؛ فالعقلية العربية تستسيغ فكرة تعدد الزوجات!) ولعل ذلك الربط بني املدينة واألنوثة‪ -‬خاصة يف هذا النص الذي‬
‫عمورية املدينة املفتوحة للمعتصم‪ -‬يرجع إىل ارتباط البطولة لدينا حنن العرب‪ -‬كوراثة ثقافية تارخيية إن جاز التعبري عن العصور‬ ‫يدور حول ّ‬
‫العربية األوىل‪ -‬بالرحلة والسفر‪ ،‬متاما كما ترتبط لدينا أيضاً‪ -‬كوراثة عن تلك العصور‪ †-‬بالفحولة‪ †،‬ومن تلك االستعماالت الواضحة الداللة‪ ،‬ما‬
‫كانت تطلقه العرب على الشاعر املتميز‪ -‬أي البطل يف جمال الشعر‪ -‬من وصف (الشاعر الفحل)‪ .‬كذلك كانت تضحية املعتصم† السابقة من أجل‬
‫إحراز نساء الروم‪ .‬فقد حاول أبو متام تصوير عظمة انتصار املسلمني بكثرة ما حازوه من سىب رومي‪ .‬يقول الشاعر‪:‬واحلرب قائمةٌ يف ٍ‬
‫مأزق جلج‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الركب‬ ‫القيام به صغراً على‬
‫…‪ ..‬جتثو ُ‬
‫عارض ِ‬
‫شنب‬ ‫ٍ‬ ‫يل حتت سناها من سنا قم ِر …‪ ..‬وحتت عارضها من‬ ‫ِ‬
‫كم ن َ‬
‫العذراء من ِ‬
‫سبب‬ ‫ِ‬ ‫الرقاب هبا …‪ ..‬إىل املخ ّدرة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫كم كان يف قطع‬
‫هتتز يف ِ‬
‫كثب‬ ‫ضب ُ‬ ‫هتتز من قُ ٍ‬ ‫قضب اهلندي ُمصلتة† …‪ُ ..‬‬ ‫أحرزت ُ‬ ‫ْ‬ ‫كم‬
‫ب‬‫بالبيض أتراباً من احلُ ُج ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحق‬
‫رجعت …‪َّ ..‬‬ ‫ْ‬ ‫بيض إذا انتضيت من حجبِها‬ ‫ٌ‬
‫واإلسالم واحلسبِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خليفةَ اهلل جازي اهللُ سعيَك عن …‪ ..‬جرثومة الدي ِن‬ ‫ِ‬
‫وعلى الرغم من أن الشاعر ابتدأ هذه الصورة† اليت استطرد إليها عن السيب الذي حازه املسلمون معتمداً على التضاد يف البيت األول منها بقوله‬
‫(جتثو القيام به‪ )...‬إال أنه أضاف إليه ضروباً من التكرار اللفظي عن طريق اجلناس (قضب وقضب‪ -‬بيض وبيض) ورد اإلعجاز على الصدور†‬
‫(أسباب وسبب‪ -‬بيض وبيض‪ -‬من حجبها واحلجب)‪.‬‬
‫ومن خالل هذا اجلو الديين الذي تتنفس فيه القصيدة‪ ،‬والذي سنوضحه مفصالً فيما بعد إن شاء اهلل‪ ،‬والذي يشري إليه البيت األخري من هذا‬
‫املقطع‪ ،‬ميكن عد صورة النساء السبايا تلميحاً مل جيرؤ الشاعر على التصريح به عما كان ينتظر املعتصم وجنوده من أجر ملن يستشهد منهم يف‬
‫هذه املوقعة‪ ،‬أو هي إشارة إىل أجر اجملاهدين عجلت هلم منه يف الدنيا البشرى مبا ينتظرهم من جزيل األجر يف اآلخرة‪ ،‬ويف هذا السياق تشع‬
‫كلمة أتراباً‪ -‬إذا قُرئت على أهنا متييز‪ -‬لكلمة† البيض يف البيت قبل األخري‪ -‬دالالت دينية لورودها يف سياق احلديث عن احلور العني‪ ،‬وذلك يف‬
‫قوله تعاىل (إنا أنشأناهن إنشاء* فجعلناهن أبكاراً* عرباً أترابا* ألصحاب اليمني) سورة الواقعة‪ :‬اآليات ‪.38 -35‬‬
‫مما يرشح هلذا االحتمال الذي قدمناه لتفسري هذه الصورة† يف القصيدة‪ ،‬خاصة وأن الشاعر قد قدم املصاحب اللفظي املعهود هلذه الكلمة (أتراباً)‬
‫يف البيت السابق‪:‬‬
‫ب‬ ‫رد العر ِ‬‫ِ‬
‫ورضاب اخلُ ُُ‬ ‫َ‬ ‫كأس الكرى‬‫هرقت لهُ …‪َ ..‬‬ ‫َ‬ ‫لبيت صوتأ زبطرياً‬
‫مث تكون نقلة فنية من الشاعر حنو تعقيد الصورة† من خالل بنية التضاد تتساوق مع توغله يف القصيدة‪ ،‬يف املقطع التايل‪ :‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬
‫واخلشب‬ ‫ذليل الصخ ِر‬ ‫ِ‬
‫املؤمنني هبا …‪ ..‬للنار يوماً َ‬
‫َ‬ ‫تركت أمريُ‬ ‫َ‬ ‫لقد‬
‫صبح من ِ‬
‫اللهب‬ ‫ضحى …‪ ..‬يشلهُ وسطَها ٌ‬ ‫هبيم ِ‬
‫الليل وهو‬
‫ً‬ ‫غادرت فيها َ‬ ‫َ‬
‫رغبت …‪ ..‬عن لوهنا وكأ ّن الشمس مل ِ‬
‫تغب‬ ‫ْ‬ ‫جالبيب الدجى‬ ‫حىت َّ‬
‫كأن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫شحب‬ ‫ض َح ًى‬ ‫ضوء من النا ِر والظلماء عاكفةٌ …‪ ..‬وظلمةٌ† من دخ ٍ‬
‫ان يف ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫أفلت …‪ ..‬والشمس واجبة من ذا ومل جتبِ‬ ‫فالشمس طالعة من ذا وقد ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الغمام هلا …‪ ..‬عن يوم هيجاء منها طاه ٍر ِ‬
‫جنب‬ ‫تصرح الدهر تصريح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تغرب على ِ‬
‫عزب‬ ‫ومل‬ ‫ٍ‬
‫بأهل‬ ‫مل تطل ِع الشمس فيه يوم ذاك على …‪ٍ ..‬‬
‫بان‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يطيف به …‪ ..‬غيال ُن أهبى ريب من ربعها اخلربِ‬ ‫ربع ميةَ معموراً ُ‬
‫ً‬ ‫ما ُ‬
‫خجل …‪ ..‬أشهى إىل ناظري من ِّخدها ِ‬
‫الرتب‬ ‫أدمني من ٍ‬ ‫اخلدود وقد َ‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫كل حس ٍن بدا أو منظ ٍر ِ‬
‫عجب‬ ‫مساجةٌ غنيت منا العيو ُن هبا …‪ ..‬عن ِ‬
‫ِ†‬
‫منقلب‬ ‫منقلب تبقى عواقبه …‪ ..‬جاءت بشاشته من س ِ‬
‫وء‬ ‫ٍ†‬ ‫وحسن‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ويالحظ أن التقنية اجلديدة اليت يستعملها أبو متام من التضاد يف هذا املقطع هي ما أمساه الشاعر (بنوافر األضداد) الذي يشتمل فيه البيت على‬
‫وصفني متضادين‪ ،‬األمر الذي الحظه وأشار إليه‪ -‬من قبل‪ -‬أستاذنا الدكتور شوقي ضيف‪ ،‬وذكر له عدداً من األمثلة منها قول أيب متام‪:‬‬
‫فيظلم‬ ‫ِ‬
‫وتسرب يف الضياء ُ‬ ‫ُ‬ ‫بيضاء تسري يف الظالم فيكتسي …‪ ..‬نوراً‬
‫الذي يعلق عليه بقوله‪" :‬أرأيت إىل هذا التضاد وهذا الضياء املظلم؟ إن حقائق األشياء تتغري يف شعر أيب متام على هذه الصورة† اليت نرى فيها‬
‫الضياء املظلم‪"...‬‬
‫ومنها قول أيب متام يف وصف الشراب‪:‬‬
‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫جوهر‬ ‫ِ‬
‫جهميةُ األوصاف إال أهنم …‪ ..‬قد لَقبوها َ‬
‫الذي يعلق عليه الدكتور شوقي ضيف بقوله‪( :‬فهي جهمية أي ليس هلا اسم‪ ،‬ألن األمساء يف رأي جهم بن صفوان تطلق على اجلواهر‬
‫واألعراض‪" ..‬فقد رقت‪ -‬كما ذكر التربيزي‪ -‬حىت كادت خترج من أن تكون عرضاً أو جوهراً أو أن تسمى شيئاً إال أهنا لفخامة شأهنا لقبت‬
‫جوهر األشياء" فهي مسماة وغري مسماة يف الوقت نفسه) (‪.)21‬‬
‫وعندما ننظر يف أبيات هذا املقطع من القصيدة‪ ،‬فإننا نالحظ يف البيت الثاين أن هبيم الليل قد حتول إىل ضحى‪ ،‬وأن ذلك الظالم يطرده من قلب‬
‫عمورية صبح لكنه من اللهب‪( ،‬فجمع بني الرتك والطرد وبني ظلمة الليل والصبح فطابق بني موضعني (‪ .))22‬فهناك ظالم لكنه ليس بظالم فقد‬ ‫ّ‬
‫حتول إىل ضحى‪ ،‬وهناك صبح لكنه ليس بصباح حقيقي فإنه من هلب‪ .‬والصورة† يف البيت التايل استطراد لتفسري السابقة؛ فالدجى وهو قائم‬
‫موجود كأنه رغب عن جالبيبه فهو حياول تبديلها‪ ،‬وكأن الشمس‪ -‬وهي غري موجودة‪ -‬قائمة مل تذهب‪ .‬ويف البيت الرابع يقدم صورتني ملشهد‬
‫واحد تبدوان متناقضتني ألول وهلة‪ :‬ضوء من النار حياول تبديد الظالم العاكف على املدينة‪ ،‬وظلمة† من الدخان تذهب لون الضحى وتشحب‬
‫ضياءه‪ ،‬فيغالبه الظالم ‪ ,‬والبيت اخلامس تفسري هلذه الصورة† واستطراد هلا‪ ،‬فبعد ما ذكره ترى مشساً طالعة يف الليل مع أن الشمس احلقيقية قد‬
‫عمورية‪ ،‬فيصيبها بيوم طاهر جنب‪،‬‬ ‫ذهبت‪ .‬وترى ظلمة يف النهار مع أن الوقت ضحى‪ .‬ويف البيت السادس يتكشف الدهر ويتجسد موقفه إزاء ّ‬
‫عمورية‪ ،‬الذي مل تطلع مشسه على بان بأهله من الروم إذ قتل‪ ،‬ويف‬ ‫يفسر الشاعر حقيقة اليوم يف البيت التايل له؛ مبا يذكره من مفارقة حيدثها يوم ّ‬
‫املقابل مل تغرب على عزب من املسلمني إذ أنكحتهم رماحهم سبايا الروم‪.‬مث يعمق أبو متام املفارقة‪ -‬من خالل توظيف الرتاث‪ -‬عندما جيعل‬
‫فعمورية† حمبوبة‪ ،‬تزداد مع‬‫عمورية‪ -‬غاية يف البهاء! فيقرنه بربع مية معموراً يطيف به ذو الرمة تقديساً وشوقاً‪ ،‬ويفضله عليه‪ّ .‬‬ ‫ربعها اخلرب‪ -‬أي ّ‬
‫عمورية امرأة كانت عصية مشوساً قبل املعتصم‪ ،‬يراها أبو متام‪ -‬يف البيت التاسع‪ -‬من خالل‬ ‫اخلراب حسناً! ويف سياق احلب‪ ،‬وتناسباً مع تصويره ّ‬
‫مشهد اخلراب الذي تلذذ به سادياً‪ -‬امرأة لصق خدها‪ -‬وكانت تصعره يف ذي قبل‪ -‬بالرتاب‪ ،‬ومشهدها‪ -‬ذليلة لصقت† بالدقعاء‪ -‬أشهى لديه‬
‫من مشهد خدود احلسان وقد أدمني من خجل‪ .‬وشتان ما بني املشهدين‪ ،‬ولكن الشاعر يصنع شعره من خالل الصور املتقابلة؛ املتناقضة‬
‫واملتفارقة! وإن كان يعرتف يف بيت تقريري بأن منظرها مسج يف احلقيقة‪ ،‬لكنه يستقبله استقباالً مفارقاً ملا يناسبه إذ يستلذه! فيجمع بني نوافر‬
‫األضداد أيضاً‪ .‬وخيتم هذا املقطع بالتضاد أو التقابل الواضح بني حسن املنقلب† لدى املسلمني‪ †،‬الذي جاء من سوء املنقلب لدى الروم‪.‬‬
‫وهكذا نرى أبا متام قد أوغل يف كتابة قصيدته من خالل ما أمسته البالغة العربية الطباق‪ ،‬وبلغ يف تعقيده‪ ،‬فتدرج إىل استخدام التناقض الظاهري‬
‫‪ paradox‬مث إىل استخدام نوافر األضداد‪.‬واعتماد أيب متام على فن املطابقة من البالغة العربية أمر قد الحظه القدماء‪ ،‬وعلله بعض احملدثني؛ فقد‬
‫ذكر أستاذنا الدكتور شوقي ضيف‪:‬‬
‫(وإن من يدرس أبا متام يرى هذه األضداد متصلة† بأخالقه‪ ،‬فهو تارة كرمي جداً‪ ،‬وتارة خبيل جداً‪ ،‬وهو تارة متدين وتارة ملحد مسرف يف إحلاده)‬
‫(‪ .)24‬فيعلل ولع أيب متام بفن املطابقة يف شعره بطبيعة أخالقه القائمة على التضاد‪ .‬أي أن بنية التضاد تعد أساساً ألخالق أيب متام وفنه على‬
‫السواء‪.‬‬
‫ونضيف إىل ما قاله القدماء والدكتور شوقي ضيف التأكيد على أن هناك مصدراً مهماً نقرتح إفادة أيب متام منه‪ -‬يف هذا الصدد‪ -‬حبكم ثقافته‬
‫الواسعة (‪ )25‬وبفعل اجلو الديين الذي يتنفس فيه شعره يف اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬ذلك املصدر† هو القرآن الكرمي‪.‬‬
‫فقد استعمل القرآن الكرمي‪ -‬كما الحظ البالغيون القدماء ابتداء بابن املعتز ت ‪296‬هـ يف كتاب البديع‪ ..‬بصفة عامة الطباق‪ .‬ونالحظ أن هناك‬
‫من السور املكية القصرية اليت تبدأ بالقسم سوراً اعتمدت بنية التضاد أساساً ملبناها يتغلغل خطاهبا على سبيل املثال‪ :‬سورة الليل يقول اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل‪:‬‬
‫والليل إذا يغشى‪ /‬والنهار إذا جتلى‪ /‬وما خلق الذكر واألنثى‪ /‬إن سعيكم لشىت‪ /‬فأما من أعطى واتقى‪ /‬وصدق باحلسىن‪ /‬فسنيسره لليسرى‪ /‬وأما‬
‫من خبل واستغىن‪ /‬وكذب باحلسىن‪ /‬فسنيسره للعسرى‪ /‬وما يغين عنه ماله إذا تردى‪ /‬إن علينا للهدى‪ /‬وإن لنا لآلخرة واألوىل‪ /‬فأنذرتكم ناراً‬
‫تلظى‪ /‬ال يصالها إال األشقى‪ /‬الذي كذب وتوىل‪ /‬وسيجنبها األتقى‪/‬الذي يؤيت ماله يتزكى‪ /‬وما ألحد عنده من نعمة جتزى‪ /‬إال ابتغاء وجه ربه‬
‫األعلى‪ /‬ولسوف† يرضى)‬
‫ويف هذه السورة الكرمية جند أنفسنا إزاء ثنائيات متضادة متتابعة تشمل شىت اجملاالت‪:‬‬
‫‪ -1‬من ظواهر الطبيعة‪ :‬الليل × والنهار ‪ -‬يغشى × جتلى‪ -2.‬من البشر واخللق‪ :‬الذكر × واألنثى‪.‬‬
‫‪ -3‬من أعمال البشر‪ :‬أعطى × خبل‪ -‬اتقى × استغىن‪ -‬صدق × كذب‪ -4.‬من حساب اهلل وجمازاته‪ :‬احلسىن × العسرى‪ -‬اآلخرة × األوىل‪-‬‬
‫سيجنبها األتقى × يصالها األشقى‪.‬‬
‫وهكذا تتابع الثنائيات واحملصلة‪ :‬أن تثبت اآليات الكرمية هلل سبحانه وتعاىل اخللق واألمر‪.‬‬
‫وتعمق التقابل بني الكفر واإلميان الذي هو قسمة طبيعية شأن الليل والنهار‪ ،‬وترتب على هذه القسمة يف السلوك‪ :‬األشقى × واألتقى قسمة يف‬
‫اجلزاء اجلنة × والنار‪.‬‬
‫وهذه الثنائيات هي ما نلتقي به يف سورة مكية قصرية أخرى مبدوءة بالقسم أيضاً هي سورة الشمس‪ :‬يقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(والشمس وضحاها‪ .‬والقمر إذا تالها‪ .‬والنهار إذا جالها‪ .‬والليل إذا يغشاها‪ .‬والسماء وما بناها‪ .‬واألرض وما طحاها‪ .‬ونفس وما سواها‪.‬‬
‫فأهلمها فجورها وتقواها‪ .‬قد أفلح من زكاها‪ .‬وقد خاب من دساها‪ .‬كذبت مثود بطغواها‪ .‬إذ انبعث أشقاها‪ .‬فقال هلم رسول اهلل ناقة اهلل‬
‫وسقياها‪ .‬فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم رهبم بذنبهم فسواها‪ .‬وال خياف عقباها‪ ).‬صدق اهلل العظيم‪ .‬فتطالعنا الثنائيات اآلتية اليت تتغلغل يف أثناء‬
‫الكون‪ ،‬وجماالت اخللق‪ ،‬واجلزاء‪:‬‬
‫‪ -1‬من ظواهر الطبيعة اليت تشهد بوجود اخلالق سبحانه ووحدانيته‪:‬‬
‫الشمس × القمر‬
‫النهار × الليل‬
‫السماء × األرض‬
‫جالها × يغشاها‬
‫وهذه القسمة تعادل القسمة إىل إميان × وكفر‪ ،‬فمن السماء النور واهلداية وعلى األرض البشر والظالم‪ ،‬والبد أن تتعانق السماء واألرض ليعم‬
‫اخلري ويتحقق جمتمع اللّه‪.‬‬
‫‪ -2‬النفس البشرية اليت سواها اخلالق سبحانه‪:‬‬
‫فجورها × تقواها دساها × زكاها‬
‫‪ -3‬اجلزاء واحملاسبة‪ :‬خاب × أفلح‬
‫‪ -4‬مثال رجل السماء واهلداية‪ ،‬ومثال رجل األرض والضالل‪:‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم × أشقاها‬
‫وهكذا تتتابع الثنائيات لتكون هلا احملصلة السابقة نفسها من إثبات اخللق واألمر هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وتعميق التقابل بني الكفر واإلميان على‬
‫مستوى السلوك وعلى مستوى اجلزاء على السواء‪.‬‬
‫وتتأكد من خالل تلك الثنائيات‪ -‬القسمة اجلديدة أو الثنائية اجلديدة اليت أتى هبا اإلسالم وهي احلياة الدنيا واآلخرة اليت ينقسم موقف اإلنسان‬
‫فيها ثنائياً أيضاً إىل مؤمن وكافر‪ ،‬فينقسم جزاؤه تبعاً لذلك إىل اجلنة والنار‪ .‬هذه الثنائيات اإلسالمية‪ :‬الدنيا × اآلخرة‪ ،‬الكافر × املؤمن‪ ،‬اجلنة ×‬
‫النار‪ ،‬قسمة جديدة على عقل العريب اجلاهلي الذي مل يكن يعرف سوى قسمة ثنائية واحدة هي احلياة × املوت فقط‪.‬‬
‫وحري بنا‪ -‬وحنن ندرس شعر اجلهاد اإلسالمي الذي يتضمن هذه القسمة اإلسالمية اجلديدة أن نعقد الصلة بينه وبني القرآن الكرمي الذي أتى‬
‫هبذه القسمة اليت متثلها الشاعر اإلسالمي احلقيقي وأقام تفكريه الفين وفق معطياهتا‪.‬‬
‫يرشح هلذه النتيجة ما سنذكره اآلن من متثل أيب متام‪ -‬يف هذه القصيدة للتفسري اإلسالمي للتاريخ الذي أتى به القرآن الكرمي‪.‬بدر من أيب متام يف‬
‫قصيدته البائية اليت ندرسها هنا‪ ،‬ما ميكن أن نعده تفسرياً للواقعة التارخيية أو احلدث التارخيي وبياناً ملكوناهتما أو عناصرمها‪.‬من ذلك قوله‪:‬‬
‫ض ِ†‬
‫ب‬ ‫السمر وال ُق ُ‬ ‫العواقب بني ُّ‬‫ُ‬ ‫أعص ٍر كمنت …‪ ..‬له‬ ‫الكفر كم من ُ‬ ‫يعلم ُ‬ ‫لو ُ‬
‫ِ‬
‫مرتغب‬ ‫باهلل منتقم …‪ ..‬هلل مرتقب يف اهلل‬ ‫تدبري معتص ٍم ِ‬
‫ُ‬
‫روح حُم تجبِ‬ ‫ومطعم النصر مل تكهم أسنتهُ …‪ ..‬يوماً وال ُحجبت عن ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرعب‬ ‫جيش من‬ ‫يغز قوماً ومل ينهد إىل بلد …‪ ..‬إال تقدمه ٌ‬ ‫مل ُ‬
‫جحفل ِ‬
‫جلب‬ ‫ٍ‬ ‫لو مل يقد َجحفالً يوم الوغى لغدا …‪ ..‬من نفسه وحدها يف‬
‫اهلل مل ِ‬
‫يصب‬ ‫رمى بك اهلل برجيها فه ّدمها …‪ ..‬ولو رمى بك غري ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫املعقل األشبِ‬‫فتاح باب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واثقني هبا …‪ ..‬واهللُ م ُ‬ ‫َ‬ ‫من بعد ما أشبوها‬
‫ماء ومن شج ِر‬ ‫بيض ومن ِر …‪ ..‬دلوا احلياتني من ٍ‬ ‫إن احلمامني من ٍ‬
‫مُسُ‬
‫ِ‬
‫احلصب‬ ‫برد الثغو ِر وعن سلساهلا‬ ‫املستضامة عن …‪ِ ..‬‬‫ِ‬ ‫عداك َحُّر الثغو ِر‬
‫أجبت بغ ِري السيف مل ِ‬
‫جتب‬ ‫أجبته معلناً بالسيف منصلتاً …‪ ..‬ولو َ‬
‫ِ‬
‫والطنب‬ ‫ِ‬
‫األوتاد‬ ‫عرج على‬ ‫ِ‬
‫عمود الشرك ُمنعفراً …‪ ..‬ومل تُ ْ‬ ‫تركت َ‬ ‫َ‬ ‫حىت‬
‫ِ‬
‫احلرب‬ ‫واحلرب مشتقة املعىن من‬ ‫ني توفلس …‪..‬‬ ‫احلرب رأي الع ِ‬ ‫ملا رأى‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واحلدب‬ ‫البحر ذو التيار‬ ‫ِ‬
‫يصرف باألموال جريتها …‪ ..‬فعزه ُ‬ ‫ُ‬ ‫غداً‬
‫ِ‬
‫مكتسب‬ ‫حمتسب الغزو‬ ‫ٍ‬ ‫الوقور به …‪ ..‬عن غزو‬ ‫األرض‬
‫ُ‬ ‫هيهات ُزع ِزعت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫صخب‬ ‫اخلطى منط َقهُ …‪ ..‬بسكتة حتتها األحشاءُ يف‬ ‫أجلم‬
‫ُّ‬ ‫وىّل وقد َ‬
‫حيتث أجنى مطاياه من ِ‬
‫اهلرب‬ ‫رف الردى ومضى …‪ُ ..‬‬ ‫أحذى قرابينه ِص َ‬
‫ِ‬
‫الطرب‬ ‫اخلوف ال من ِخ ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫األرض يشرفه …‪ ..‬من ِخ ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫بيفاع‬
‫موكالً ِ‬
‫ِ‬
‫واحلسب‬ ‫ِ‬
‫واإلسالم‬ ‫ِ‬
‫جرثومة الدي ِن‬ ‫سعيك عن …‪..‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫خليفةَ اهلل جازي اهللُ‬
‫ال إال على جسر من ِ‬
‫التعب‬ ‫رت بالراحة الكربى فلم ترها …‪ُ ..‬تنَ ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫بَ ُ‬
‫ِ†‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫منقضب‬ ‫إن كان بني صروف الده ِر من رحم …‪ ..‬موصولة أو ذمام غريُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فبني ِ‬
‫النسب‬ ‫صرت هبا …‪ ..‬وبني أيام بد ٍر ُ‬
‫أقرب‬ ‫أيامك الاليت نُ َ‬
‫ونقف أوالً عند تفسريه للحادثة التارخيبة فنراه تفسرياً إسالمياً للتاريخ تبدو مالحمه منذ البيت األول الذي حتدث فيه عن عاقبة الكفر اليت كانت‬
‫حتمية وإن تأجلت‪ .‬والبيت الثاين الذي جيعل املعتصم† باهلل يدبر من أجل أن ينتقم من الروم باهلل وهلل‪ ،‬يراقب اهلل ويرجو ما عند اهلل‪.‬ويف البيت‬
‫(مطْ َعم النصر) بصيغة اسم املفعول أي مرزوقه من اهلل سبحانه‬
‫الثالث حتدث عن انتصار املعتصم الذي يتم يف إطار من رزق اهلل ومشيئته فهو ُ‬
‫وتعاىل الذي جاهد املعتصم يف سبيله كما بدا من البيت السابق‪ .‬وقوله (مطعم النصر) يف سياق اجلهاد يف سبيل اهلل ميكن أن ميثل تناصاً مع‬
‫سياقات قرآنية متعددة‪ ،‬منها قول اهلل تعاىل‪ " :‬قل أغري اهلل أختذ ولياً فاطر السموات واألرض وهو يطعم وال يطعم " األنعام ‪.14‬وقوله تعاىل‪-‬‬
‫على لسان إبراهيم عليه السالم‪" -‬الذي خلقين فهو يهدين والذي هو يطعمين ويسقني" الشعراء‪ .79‬حيث يرد يف اآلية األوىل اإلطعام مسنداً إىل‬
‫تناصاً مع قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم (نصرت‬ ‫اهلل اخلالق مرتبطاً بالنصر ويف الثانية يرد مرتبطاً باهلداية‪.‬ويف البيت الرابع حيدث الشاعر ّ‬
‫بالرعب‪ -‬ويف رواية‪ :‬مسرية شهر) (‪ .)26‬وال يفعل الشاعر ذلك من قبيل املبالغات يف املدح اليت يتومهها بعض قراء الشعر ويهربون إىل القول هبا‬
‫عندما يعجزون عن استكناه أسرار الشعر‪ ،‬وإمنا هي تعبري فين نراه متساوقاً مع ما سيعقده الشاعر من صلة بني هذه الغزوة وبني غزوة بدر الكربى‬
‫عمورية من خالل هذا االقرتان‪.‬ويف البيت السادس‬ ‫اليت كانت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مبا تشعه من دالالت روحية ثرة تكتسبها موقعة ّ‬
‫تناص آخر مع آية قرآنية كرمية هي قول اهلل تعاىل‪ " :‬وما رميت إذ رميت ولكن اهلل رمى " األنفال ‪ .17‬ويقصد الشاعر من وراء هذه العالقة مع‬
‫نص اآلية الكرمية أن يظهر عمل املعتصم† هذا من خالل مشيئة اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬األمر الذي يزيد معىن توفيق اهلل له ويقرتب يف هذا البيت من‬
‫معىن التسليط الذي تذكره اآلية الكرمية (ولكن اهلل يسلط رسله على من يشاء واهلل على كل شىء قدير) احلشر ‪ .6‬وورد أيضاً يف قوله تعاىل‬
‫(ولو شاء اهلل لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) النساء ‪.90‬‬
‫ويكرر الشاعر يف البيت السابع إسناد الفتح إىل اهلل سبحانه‪ ،‬ومل يبق أبو متام للمعتصم من دور ميدح به أو من معىن مدحي خيص ذاته سوى قوله‪:‬‬
‫جحفل ِ‬
‫جلب‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه وحدها يف‬
‫يوم الوغى لغدا ‪ ......‬من َ‬ ‫لو مل ي ْقد جحفالً َ‬
‫وعندما أراد أن يثبت له أنه من نفسه ورباطة جأشه يف جحفل‪ ،‬جاء نفيه‪ -‬يف مطلع البيت‪ -‬بعد الشرط مثبتاً أنه كان يقود يف هذه املعركة‬
‫جحفالً حقيقياً‪ .‬كما أن الشاعر ملا أراد أن يظهر املعتصم ممدوحاً بشخصه دون جيشه فذكر أن غزوه غزو حمتسب ال غزو مكتسب جاء قوله‬
‫(غزو حمتسب) يظهر املعتصم† من خالل معان روحية‪ ،‬تنكر فيها الذات احتساباً وتتالشى وسط التماس األجر من اهلل‪ .‬خبالف غزو املكتسب‬
‫الذي تظهر فيه ذاته األنانية ذات البطولة املستعلنة اليت حتاول الكسب املادي‪ .‬وملا حاول الشاعر أن يؤكد املعىن املدحي السابق وأن يظهره يف‬
‫سياق حكمة عامة جاء قوله يدمج شخصية املعتصم يف شخصية جنوده ويذيبها فيها بدالًمن أن يكرس متييزه وذلك يف قوله التايل‪:‬‬
‫ِ‬
‫السلب‬ ‫ِ‬
‫املسلوب ال‬ ‫ِ‬
‫الكريهة يف‬ ‫أسود ِ‬
‫الغيل مهتُها َيوم‬ ‫األسود َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫مما يرجح لدينا انشغال الشاعر مبعاين اجلهاد والفتح قبل انشغاله مبعاين املدح وشخصية املمدوح‪.‬‬
‫هذا مع مالحظة أن استطراده لذكر شخصية ملك الروم الذي يستكمل به عناصر الواقعة التارخيية أو مالمح املعركة‪ ،‬والذي استخدم فيه مقدرته‬
‫التصويرية لرسم صورة كاريكاتريية مضحكة وساخرة مللك الروم‪ ،‬هذا التصوير‪ -‬أظنه‪ -‬خيدم شخصية املعتصم† ويرسم أشياء من مالحمها عن‬
‫طريق تقدمي النموذج السليب أو النموذج الضد‪ ،‬ولكن هذه املالمح املستخلصة† ختدم اجلانب اإلنساين من شخصية املعتصم† قبل أن ختدم اجلانب‬
‫البطويل منها‪ ،‬وتعلي من قيم اجلهاد اإلسالمي فاملعتصم حيتسب جهاده ال يكتسب به يف مقابل ملك الروم الذي يفرق األموال ليحفظ نفسه‬
‫وينجو هبا‪ .‬وإذا كان ملك الروم يضحي جبنده بل بأخلص املقربني إليه‪ ،‬فإن املعتصم† مع جنوده حيافظ عليهم ويقاتل هبم‪ ،‬ومههم العدو ال الغنائم‪.‬‬
‫مث يعود ليؤكد إسالمية هذه الغزوة‪ ،‬فاملعتصم (خليفة اهلل) ينفذ مشيئته وجهاده سعي مشكور† يدافع به عن الدين واإلسالم‪ ،‬وكذلك عندما جيعل‬
‫لعمورية‪ ،‬وغزوة بدر صلة رحم ونسب‪ ،‬واإلسالم يؤكد على أمهية صلة الرحم ويدعمها‪ .‬ويالحظ أن الشاعر يف كل القصيدة‬ ‫بني هذه الغزوة ّ‬
‫ويف البيت األخري‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫النسب‬ ‫‪......‬وبني أيام بد ٍر ُ‬
‫أقرب‬ ‫صرت هبا‬
‫أيامك الاليت نُ َ‬
‫فبني َ‬
‫على وجه اخلصوص يبدو أبو متام مقتصد† اً يف أوصاف املدح مغايراً ملألوف الشعراء يف املبالغة‪ ،‬فال ينسب إىل املعتصم† النصر أو جيعله من عند‬
‫نفسه‪ ،‬بل جيعله من عند اهلل سبحانه وتعاىل‪ .‬مما يؤكد ما قررناه من قبل من التزامه التفسري اإلسالمي للتاريخ الذي اليغفل اجلانب الغييب بل يقدره‬
‫حق قدره‪ ،‬ويربز عمل اإلنسان وجهده واضحاً من خالل مشيئة إهلية كلية سابقة وشاملة ونافذة وعلم رباين ال خيفى عليه شيء يف األرض وال يف‬
‫السماء‪ .‬يتجلى هذا املعىن للتفسري اإلسالمي للتاريخ (‪ )27‬من خالل آيات قرآنية كرمية متعددة منها قوله تعاىل‪ " :‬لقد صدقكم اهلل وعده إذ‬
‫حتسوهنم بإذنه " آل عمران ‪152‬‬
‫وقوله تعاىل " فأتاهم اهلل من حيث مل حيتسبوا وقذف يف قلوهبم الرعب خيربون بيوهتم بأيديهم وأيدي املؤمنني" احلشر‪.2‬‬
‫وقوله تعاىل‪ " :‬قاتلوهم يعذهبم اهلل بأيديكم وخيزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنني " التوبة ‪ .11‬إىل آخر هذه اآليات الكرمية اليت‬
‫تبدو فيها إرادة البشر متضمنة يف إرادة إهلية أمشل يف تناسق تام‪ .‬ومما سبق يبدو لنا أبو متام من خالل هذه القصيدة شاعراً إسالمياً حقيقياً يستقي‬
‫من القرآن الكرمي أدواته الفنية اليت يشكل هبا جتربته الشعرية متمثلة يف بنية التضاد‪ ،‬كما يستمد من القرآن الكرمي رؤيته يف تفسري التاريخ‪.‬ونلجأ‬
‫إىل املوازنة بني قصيدة أيب متام السابقة وقصيدة للمتنيب لنحقق هدفني‬
‫‪ -1‬تأكيد ما سبق أن قررناه بصدد أيب متام‪ ،‬فالتباين يكشف عن املالمح املميزة لكل منهما‪.‬‬
‫‪ -2‬الكشف‪ -‬الذي وعدنا بتحقيقه عن مبىن التفكري الفين ووجهة نظر املتنيب يف تفسري التاريخ من خالل هذه العينة من شعره‪ .‬لتكون† اخلطوة‬
‫املقبلة حبثاً شامالً هلذه القضية يف كل النتاج الشعري هلذين الشاعرين الكبريين‪.‬‬
‫ويالحظ‪ -‬فيما حنن بصدده‪ -‬أن هناك تأثرياً متبادالً وتراسالً أو بعبارة أمشل وأدق عالقة جدلية بني تفسري الشاعر للتاريخ وبني مبىن التفكري الفين‬
‫يف شعره‪ ،‬ونبدأ أوالً بالبحث عن بنية يقوم عليها التفكري الفين للمتنيب يف هذه القصيدة‪:‬تشكل الذات حموراً فنياً لبنية التفكري الفين يف شعر املتنيب‬
‫فتبدأ قصيدة احلرب املختارة له وهي مما قاله يف مدح سيف الدولة احلمداين بغناء حزين لذاته يقول فيه‪:‬‬
‫طويل‬
‫وليل العاشقني ُ‬ ‫طوال ُ‬
‫شكول …‪ٌ ..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ليايل بعد الظاعنني‬
‫سبيل‬
‫ينب يل البدر الذي الأريده …‪ ..‬وخيفني بدراً ما إليه ُ‬
‫محول‬
‫وما عشت من بعد األحبة سلوةً …‪ ..‬ولكنين للنائبات ُ‬
‫رحيل‬
‫ُ‬ ‫وإن رحيالً واحداً حال بيننا …‪ ..‬ويف املوت من بعد الرحيل‬
‫وقبول‬
‫شم الروح أدىن إليكم …‪ ..‬فال برحتين روضةٌ ُ‬ ‫إذا كان ُ‬
‫نزول‬
‫احلبيب ُ‬‫ِ‬ ‫باملاء إال تذكراً …‪ٍ ..‬‬
‫ملاء به أهل‬ ‫وما شرقي ِ‬
‫وصول‬
‫ُ‬ ‫حيرمه ملع األسنة فوقه …‪ ..‬فليس لظمآن إليه‬
‫دليل‬
‫أما يف النجوم السائرات وغريها …‪ ..‬لعيين على ضوء الصباح ُ‬
‫وحنول‬
‫ُ‬ ‫أمل ير هذا الليل عينيك رؤييت …‪ ..‬فتظهر فيه رقةٌ‬
‫قتيل‬ ‫لقيت بدرب ِ‬
‫والليل فيه ُ‬
‫ُ‬ ‫القلة الفجر لقية …‪ ..‬شفت كبدي‬
‫رسول‬
‫ُ‬ ‫والشمس منك‬
‫ُ‬ ‫ويوماً كأن احلسن فيه عالمةٌ …‪ ..‬بعثت هبا‬
‫ذحول‬
‫ُ‬ ‫سيف الدولة أثار عاشق …‪ ..‬وال طلبت عند الظالم‬ ‫وماقبل ِ‬
‫وهتول‬
‫غريبة …‪ ..‬تروق على استغراهبا ُ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ولكنه يأيت ِ‬

‫ويالحظ ابتداء أن الشاعر مشغول هبموم شخصية هلا وجود على مستوى الواقع يشري إليها اجلزء األخري من قصيدته الذي نذكره اآلن قبل أن‬
‫نتحدث عنها على مستوى الفن يف مقدمته‪ †.‬يقول املتنيب قبيل هناية قصيدته‪:‬‬
‫مقول‬
‫السابق اهلادي إىل ما أقوله …‪ ..‬إذا القول قبل القائلني ُ‬‫ُ‬ ‫أنا‬
‫أصول‬
‫أصول وال لقائليه ُ‬ ‫الناس فيما يريبين …‪ٌ ..‬‬ ‫وما ِ‬
‫لكالم ِ‬
‫احلب للفىت …‪ ..‬وأهدأُ واألفكار يف ُ‬
‫جتول‬ ‫يوجب َ‬
‫ُ‬ ‫أُعادي على ما‬
‫حيول‬
‫احلساد داو فإنه …‪ ..‬إذا حل يف قلب فليس ُ‬ ‫ِ‬ ‫سوى وجع‬
‫وتفيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وال تطمعن من حاسد يف مودة …‪ ..‬وإن كنت تبديها مل ُ‬
‫قليل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وإنا لنلقي† احلادثات بأنفس …‪ ..‬كثريُ الرزايا عندهن ُ‬
‫وعقول‬
‫ُ‬ ‫أعراض لنا‬
‫ٌ‬ ‫جسومنا …‪ ..‬وتسلم‬ ‫تصاب ُ‬
‫َ‬ ‫يهون علينا أن‬
‫فهذا اخلتام يكشف لنا أن املتنىب على مستوى الواقع كان يعاين مشكلة† يف جملس الدولة لعلها تتعلق بأصالة شعره‪ -‬وهو سر وجوده وكل كيانه‬
‫الذي ميثل به يف جملس الدولة وميارس دوره فيه‪ -‬ولذلك يؤكد يف البيت األول سبقه وابتكاره لشعره دون غريه من الشعراء ممن يكرر شعر غريه‪.‬‬
‫ذات أصول‪ ،‬وينفي عن نفسه يف البيت الثالث أن يكون فيه ما يعاب‪،‬‬ ‫ويدفع يف البيت الثاين اهتامات وجهت إليه ويصفها بأهنا‪ -‬كقائليها‪ -‬غري ِ‬
‫ُ‬
‫وحياول أن يظهر‪ -‬كعادته‪ -‬عدم اكرتاثه خبصومه‪ ،‬الذين يطعن يف موقفهم ويشكك يف أمهية أقواهلم أهنا صادرة عن احلُساد‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫تظاهره بعدم االكرتاث بأعدائه‪ ،‬وأنه ال يطلب عون سيف الدولة عليهم‪ ،‬إال أن هذا التظاهر يتضمن رغبة واستمداداً لعون† سيف الدولة على‬
‫كبتهم‪ ،‬ويربر تظاهره بعدم االستمداد لعون† سيف الدولة‪ ،‬بأن احلسد من أعدائه دائم ال حمالة ألنه ثابت على شخصيته ال يغادرها‪ ،‬كما يربره‬
‫بقوة نفسه اليت يصغر عندها كبري الرزايا‪ ،‬فإنه حيرص على عرضه وكرامته وال يبايل مبا يصيبه من مشقة وجهد أو خسارة مادية‪ ،‬ولكن إحلاحه‬
‫على ذكر احلساد‪ -‬مرتني يف بيتني متتاليني‪ -‬يكشف عن شقائه هبم‪.‬‬
‫وإذا كان املتنيب قد عرب تعبرياً صرحياً عن مشكلته يف جملس سيف الدولة يف ختام قصيدته‪ ،‬فقد قدم هذه املشكلة من خالل معادالت فنية يف‬
‫مقدمة القصيدة‪.‬‬
‫وتتمحور الصور الشعرية يف املقدمة‪ -‬وهي متنامية‪ -‬حول ذات الشاعر‪ -‬ويتشكل بناؤها من خالل طرح املوضوعي واختيار ما خيص الذات منه‪.‬‬
‫ففي البيت األول‪ :‬جند ليل اآلخرين‪ -‬وإن كانوا هنا للمماثلة عاشقني‪ -‬ليالً طويالً‪ ،‬ويف املقابل جند ليله اخلاص يتحول إىل ليال شكول‪ ،‬والليل‪-‬‬
‫كما يف لسان العرب‪( -‬واحد مبعىن مجع‪ ،‬ولكنه مجع على ليال)‪ ،‬والشكول املتماثلة‪ ،‬املتشاهبة اليت ال ترمي‪ ،‬مث يؤكد ذلك بوصفها بقوله‪ :‬طوال‪.‬‬
‫أي أن ما خيصه من حال العشاق ال مياثلهم فيه‪ ،‬بل يزيد عليهم فيه‪.‬‬
‫ويبدو األمر أكثر وضوحاً يف البيت الثاين‪ ،‬الذي يظهر فيه بدر اآلخرين الذي ال يريده‪ ،‬ولكن الشاعر إمنا يريد بدر ذاته‪ ،‬وإذا كان بدر اآلخرين‬
‫واضحاً ظاهراً‪ ،‬فإن البدر اخلاص بالشاعر خمفي‪ ،‬ال يستطيع الشاعر إليه سبيالً‪ .‬وحيمل التعبري بالنفي‪ :‬ما إليه سبيالً‪ .‬إحساس الشاعر باليأس احلاد‬
‫منه‪.‬‬
‫ومع البيت الثالث البد من النظر إىل املسكوت عنه يف اخلطاب مقارناً باملعلن فيه لتبني قسمة األشياء بني الذايت واملوضوعي‪ .‬فاملعلن يف اخلطاب‬
‫هو القسم الذايت‪ :‬وما عشت من بعد األحبة سلوة واملسكوت عنه هو املوضوعي‪ :‬أي عاش غريي بعد األحبة سلوة وعلى ذلك فالعيش يف هذا‬
‫البيت‪ -‬عيشان‪ :-‬عيش اآلخرين وهو سلوة؛ وعيش الشاعر‪ ،‬أو عيشه الذايت‪ :‬وهو حَت ّم ٌل للنائبات وتصرب عليها‪.‬ونتبع نفس املنهج مع البيت الرابع‬
‫فإذا املعلن عنه يف خطابه‪ :‬هو القسم الذايت‪ :‬وإن رحيالً واحداً حال بيننا واملسكوت عنه هو املوضوعي‪ :‬فغريه يعاين رحيالً واحد اً وعلى ذلك‬
‫فالشاعر يعاين رحيالً بعده رحيل واحملصلة حرمان دائم من احملبوبة‪ .‬فنرى غزل املتنيب يطارده املوت ويقبع يف خلفية صورته‪ ،‬ويبقى‪ -‬وفق آليات‬
‫الشفاهية وإنشاد الشعر‪ -‬سائداً باقياً يف األذهان بعد إنتهاء حلظة الغزل‪ .‬فاحملبوبة كأهنا حياة تسلمه إىل املوت عندما تفتقد‪ .‬وجو احلرمان الذي‬
‫كان يتنفس فيه غزله جعله يرتبط باملوت‪ .‬وغريب أن يؤدي الغزل لدى املتنيب وكأنه رثاء‪ -‬إىل التأمل يف مشكلة املوت‪ .‬من ذلك قوله من‬
‫قصيدته‪( :‬ما لنا كلنا جو يا رسول‪!)...‬‬
‫ِ‬
‫حتول‬
‫حال ُ‬ ‫سن الوجوه ٌ‬ ‫زودينا من ُحس ِن وجهك مادا …‪َ ..‬م ُ‬
‫فح ُ‬ ‫ّ‬
‫قليل‬
‫املقام فيها ُ‬
‫صلك يف هذه الدن …‪ ..‬يا فإ ّن َ‬ ‫وصلينا نَ َ‬
‫احلمول‬
‫ُ‬ ‫تشوق‬
‫ُ‬ ‫من رآها بعينها شاقه القط …‪ ..‬ا ُن فيها كما‬
‫ويشرح اليازجي البيت األخري بقوله‪( :‬يريد أن املقيم يف الدنيا على وشك ختليتها والرحيل عنها‪ ،‬فمن رآها بعينها أي من صور نفسه يف مكاهنا‬
‫ورأى أهلها على أهبة فراقها شاقه النظر إليهم‪ ،‬كما يشوقه النظر إىل محول الراحلني) العرف الطيب ص ‪ .457‬وهكذا يقود الغزل‪ -‬احملروم‪-‬‬
‫عند املتنيب إىل املوت!‬
‫واملاء‪ -‬وله وجوده املوضوعي عند اآلخرين حيث تنبين عليه حياهتم‪ -‬يتحول عند املتنيب إىل ماء يغص به وال يسيغه كغريه فيحرم منه أوتتسع‬
‫صورته فيصبح املاء الذي تنزل به احملبوبة اليت حرم منها‪ .‬وورود احملبوبة يف هذا السياق يساوي بينها وبني املاء وهي صورة عربية جاهلية جندها يف‬
‫رحلة الظعائن عند زهري يف معلقته† على سبيل املثال حيث ارتباط وجود احملبوبة باملاء وهي صورة من واقع احلياة العربية‪ ،‬لكنها دخلت الفن‬
‫وسكنت الشعر‪ .‬واملاء‪ /‬احملبوبة يف البيت السابع الذي استطرد فيه الشاعر إىل التغزل باألسنة واملنعة يتفرد موقف الشاعر منه فهو الظمآن الذي‬
‫حيرم منه ولتقدمي اخلرب واجلار واجملرور املتعلقني به دوره يف تأبيد نفيه عنه واستبعاد األمل فيه متاماً وتأكيد حرمانه‪.‬‬
‫والنجوم السائرات لديه‪ -‬خبالف اآلخرين‪ -‬ال تشكل هادياً يهدي عينيه إىل ضوء الصباح‪ ،‬ويؤدي قوله (وغريها) دوره يف تأكيد معىن النفي‬
‫الذي يلصقه بالنجوم السائرات‪ .‬ويكون حديثه عن الليل والنجوم والصباح مث عن الفجر معرباً عن تناسب أجزاء الصناعة فضالً على ما حتمله من‬
‫دالالت نفسية‪ .‬وكذلك رؤية احملبوب‪ :‬ال تصيب اآلخر وهو‪ -‬هنا‪ -‬الليل بشيء لكنها تصيب املتنيب بالرقة والنحول‪ .‬وهذه الصور وإن كان فيها‬
‫قدر باهظ من الوعي‪ ،‬فإن دالالهتا النفسية ما زالت قادرة على اإلشعاع‪.‬‬
‫تلك كانت حاله قبل سيف الدولة أو قبل حرب سيف الدولة أما بعدمها أي بعد سيف الدولة‪ /‬احلرب‪ ،‬فاملتنيب‪ :‬يلتقي الفجر‪ ،‬ويتحول الليل‪ -‬مبا‬
‫له من دالالت مشعة يف نفس املتنيب‪ -‬إىل قتيل‪ ،‬واحملصلة شفاء نفس الشاعر مما كانت جتد وحل مشكالته‪ .‬وعندما يستطرد املتنيب إىل إكمال‬
‫الصورة السابقة فيتحدث عن يوم املعركة فإن الالفت للنظر إليه أن يبدأ وصل الشاعر حملبوبته هبذا اليوم فرتسل إليه عالمة منها هي احلسن كما‬
‫ترسل الشمس رسوالً منها‪ ،‬وكأن مشكالت الشاعر من الظالم ومن احلرمان من حمبوبته ذات البدر مرة وذات الشمس مرة أخرى قد حلت مع‬
‫يوم حرب سيف الدولة‪ .‬ولذلك شعر املتنيب أنه نسب إىل سيف الدولة أشياء مل تكن تنسب إىل أحد من قبله؛ فقد نسب إليه أنه ثأر للشاعر‬
‫العاشق! وأنه ثأر له من الظالم أيضاً!‪.‬‬
‫وعندما يفيق املتنيب من هذه األجواء النفسية ليدخل يف أجواء الوعي واملدح يربر ذلك‪ -‬على عادة الشعراء يف املدح‪ -‬مبا يسمى حسن التخلص أو‬
‫اخلروج الذي يثبت فيه لسيف الدولة القدرة† على فعل اخلوارق والغرائب بقوله‪:‬‬
‫ولكنه يأيت بكل غريبة …‪ ..‬تروق على استغراهبا وهتول‬
‫ويتخذ من هذا البيت سبباً يلج منه إىل عامل املديح‪ .‬أي أن فن املتنيب يف هذه القصيدة‪ -‬ورمبا يف كل شعره‪ -‬يتخذ من الذات حموراً يدور عليه‪،‬‬
‫حيور ظواهر الطبيعة واألشياء ليعرب عن قسمه منها أو نصيبه أو اختياره الذايت ولذلك ال نعجب إذا وجدنا القصيدة‪ -‬على الرغم من كوهنا نصاً‬ ‫ّ‬
‫شعرياً يف احلرب‪ -‬تدور حول ذاتني‪ :‬ذات املتنيب أوالً مث ذات سيف الدولة‪ .‬هذا مع استخدامه يف هذا السياق الذايت أدوات فنية جزئية من البالغة‬
‫التقليدية‪ ،‬تأيت يف مقدمتها† ألوان التكرار اللفظي وقليل من املطابقة والتشبيه‪ ،‬ولكنها ال متثل اختياره إمنا كان اختياره‪ -‬الذي أوضحناه‪ -‬أن يدير‬
‫األشياء حول ذاته‪.‬‬
‫ميتد املتنيب بطريقته يف التفكري الفين إىل تفسري الواقعة التارخيية بل إن قلب هذه القضية يكون أكثر إصابة للحقيقية‪ †،‬إذ أن تفسريه البطويل للواقعة‬
‫التارخيية‪ ،‬وله دوافعه املتعددة لديه ومنها اعتداده بذاته قد الزمه يف كل ما صدر عنه من شعر‪ ،‬وترك أثره يف طريقته الفنية وبنائه للصورة الشعرية‪.‬‬
‫ويالحظ هبذا الصدد‪ -‬أي تفسري الواقعة التارخيية‪ -‬اعتناق املتنيب للتفسري البطويل أو الفردي للتاريخ‪ ،‬الذي جيعل الفرد‪ -‬بعيداً عن سياقات بيئته‪،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية والثقافية‪ -‬قادراً على صنع احلادثة التارخيية وتوجيه عجلة التاريخ يف فردية واستبداد تأمني‪.‬‬
‫ولعل اعتناق املتنيب هلذا الضرب من التفسري للتاريخ‪ -‬الذي سنعرض األدلة عليه من شعره‪ -‬يرجع إىل ما يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتداده الشديد بذاته وثقته بقدرهتا على الفعل وإحساسه بالتفرد مما يؤدي إىل إغرتابه يف كثري من شعره‪ ،‬ونظراً لشهرة هذا األمر سنورد عليه‬
‫أمثلة قليلة منها قوله يف قصيدته‪ :‬واحر قلباه‬
‫قدم‬
‫اجلمع ممن ضم جملسنا …‪ ..‬بأنين خري من تسعى به ُ‬ ‫سيعلم ُ‬‫ُ‬
‫صمم‬
‫أنا الذي نظر األعمى إىل أديب …‪ ..‬وأمسعت كلمايت من به ُ‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫احلسود‬ ‫ظ‬
‫ومسام العدا وغي ُ‬ ‫ِ‬
‫ورب القوايف …‪ُ ..‬‬ ‫رب الندى ُّ‬ ‫أنا ت ُ‬
‫أمة تداركها اهلل …‪ ..‬غريب كصا ٍحل يف ِ‬
‫مثود‬ ‫أنا يف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وقوله‪:‬‬
‫باآلمال من أريب …‪ ..‬وال القناعةُ باإلقالل من شيمي‬‫ِ‬ ‫التعلل‬
‫ليس ُ‬
‫بنات الده ِر ترتكين …‪ ..‬حىت َّ‬
‫تسد عليها طرقَها مهمي‬ ‫أظن ِ‬‫وال ُّ‬
‫صمة الصم ِم‬
‫النصل مين مثل مضربه …‪ ..‬وينجلي خربي عن ّ‬ ‫ُ‬ ‫سيصحب‬
‫ُ‬
‫ساق على ِ‬
‫قدم‬ ‫اخليل سامهةً …‪ ..‬احلرب أقوم من ٍ‬ ‫ألتركن وجوه ِ‬
‫َ‬
‫ومن حديث املتنيب عن ذاته وقدراته قوله‪:‬‬
‫طوال الردينيات يقصفها دمى …‪ ..‬وبيض السرجييات يقطعها حلمي‬
‫األرض من خربيت هبا …‪ ..‬كأين بىن اإلسكندر َّ‬
‫السد من عزمي‬ ‫َ‬ ‫دحوت‬
‫ُ‬ ‫كأين‬
‫وقوله‪:‬‬
‫اخليل مشرفة اهلوادي‬ ‫أفكر يف معاقرة املنايا …‪ِ ..‬‬
‫وقود ِ‬
‫زعيم للقنا اخلطى عزمي …‪ ..‬بسفك دم احلواضر والبوادي‬
‫إىل غري ذلك من الكثرة الكاثرة من أبيات شعره‪.‬‬
‫‪ -2‬عالقة املتنيب بالتشيع‪ :‬وأمر نشأته يف بيئة شيعية بالكوفة‪ ،‬واهتامه باعتناق مذاهبهم كالقرمطية مشهور‪ †،‬حتدث عنه طه حسني يف كتابه (مع‬
‫املتنيب)‪ ،‬وحتدث عنه حممود شاكر يف كتابه (املتنيب)‪.‬‬
‫والشيعية مسئولة‪ -‬إىل حد كبري‪ -‬عن إشاعة هذا التفسري البطويل للتاريخ‪ ،‬مبا قالت به من فكرة اإلمامة (ودورها يف إقامة العدل وتصحيح التاريخ‬
‫بوصفها لطفاً من اهلل تعاىل) (‪ )28‬فاإلمامة‪ -‬عندهم‪( -‬لطف من اهلل ومن مث جيب على اهلل تعاىل نصب اإلمام أي تعيينه‪ ،‬ألنه املعصوم† الذي‬
‫حيفظ الشرائع وحيرسها ويردع عن الفساد وحيث على الصالح) (‪ .)29‬وقد ردد املتنيب عقائد الشيعة يف اإلمامة يف شعر صباه‪ ،‬من ذلك ما قاله‬
‫(وهو يف املكتب ميدح رجالً وأراد أن يستكشفه عن مذهبه)‪)30(.‬يا أيها امللك املص ّفى جوهراً …‪..‬من ذات ذي امللكوت أمسى من مسا‬
‫علم ما لن يُ َعلَما‬
‫تعلم َ‬‫…‪..‬فتكاد ُ‬
‫ُ‬ ‫نور تظاهر فيك ال هوتيه‬ ‫ٌ‬
‫ويهم فيك إذا نطقت فصاحةً …‪..‬من كل عض ٍو منك أن يتكلَّما‬ ‫ُّ‬
‫(العرف الطيب ص ‪)11‬‬
‫وقال املتنيب يف مدح حممد بن زريق الطرسوسي‪:‬‬
‫آية …‪..‬تنفي الظنون وتفسد التقييسا‬ ‫تصور غاية يف ٍ‬
‫بشر َّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لو كان ذو القرنني أعمل رأيه …‪..‬ملا أتى الظلمات صرن مشوساَ‬
‫أو كان صادف رأس عازر سيفه …‪..‬يف يوم معركة ألعيا عيسى‬
‫جاز فيه موسى‬ ‫انشق حىت َ‬ ‫مثل ميينه …‪..‬ما ّ‬ ‫ِ‬
‫أو كان جلُّ البحر َ‬
‫بدت فصار العاملون جموسا‬ ‫ِ‬
‫للنريان ضوءُ جبينه …‪..‬عُ ْ‬ ‫أو كان‬
‫ملا مسعت به مسعت بواحد …‪..‬ورأيته فرأيت منه مخيسا‬
‫(العرف الطيب ص ‪)53‬‬

‫ونقف عند البيت األول من هذا املثال الثاين ففيه جند عقيدة الشيعة يف اإلمام املعصوم‪ .‬قال الشارح‪( :‬يقول إن اهلل صوره بشراً وجعله غاية للناس‬
‫تنتهي إليها كماالهتم بأسرها‪ .‬وكان ذلك اخللق يف آية من خوارق العادات تنتفي هبا ظنون الناس فيه‪ ،‬فال تقع على حقيقة كنهه ويفسد قياسهم‬
‫له بغريه ألن الشيء إمنا يقاس مبثله وال مثل له) (‪.)31‬‬
‫ونقف عند البيت األخري الذي يشري يف رأينا إىل تطور هذه العقيدة الدينية الشيعية الغالية إىل ضرب من التفكري الفين لدى املتنيب‪ ،‬عندما تتحول‬
‫من موقف واختيار ومعىن عقدي إىل معىن مدحي مفرط‪ ،‬وقد وقف الشراح عند انتهائه يف جمال املدح ومل يربطوه ببدايته العقيدية املسرفة؛ قال‬
‫الشارح يف تفسريه‪( :‬إنه يقوم بنفسه مقام اجليش ويغين غناءه) (‪.)32‬‬
‫ونرى خالفاً البن الرشيق يف العمدة أن العقيدة الشيعية الغالية اليت عرفها املتنيب كثقافة ورمبا اعتنقها يف صباه كعقيدة كانت الباب الذي وجل منه‬
‫املتنيب إىل الغلو يف معاين املدح ال ما ذهب إليه ابن الرشيق من العكس‪ :‬أي أن الغلو واإلفراط يف رأيه قد ّأديا باملتنيب إىل هذا الصدام مع العقيدة‬
‫اإلسالمية‪)33( .‬‬
‫الغلو يف معاين املدح قوله‪:‬‬
‫ومما أفرط فيه من املدح على النحو الذي يؤكد ما ذكرناه من تدرجه من الغلو يف العقيدة إىل ّ‬
‫لو كان علمك باإلله مقسماً …‪..‬يف الناس ما بعث اإلله رسوال‬
‫لو كان لفظك فيهم ما أنزل الـ …‪..‬فرقان والتوراة واإلجنيال‬
‫لو كان ما تعطيهم من قبل أن …‪..‬تعطيهم مل يعرفوا التأميال‬
‫فلقد ُع ِرفت وما عُ ِرفت حقيقةً …‪..‬ولقد ُج ِهلت وما ُج ِهلت مُخُوال‬
‫اجلياد صهيال‬‫احلمام تغنياً …‪..‬ومبا جتشمها ُ‬ ‫نطقت بسؤددك َ‬
‫ومن مبالغاته اليت تدرج إليها من العقيدة الغالية إىل املدح بقوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫القمران‬ ‫مذموم† بكل لسان …‪ ..‬ولو كان من أعدائك‬ ‫عدوك‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫اهلذيان‬ ‫ضرب من‬ ‫ِ‬
‫…‪..‬كالم العدا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫سر يف عُالَك وإمنا‬ ‫وهلل ٌ‬
‫أبغضت سعيه …‪..‬لعوقه شيءٌ عن الدوران‬ ‫َ‬ ‫الدوار‬
‫الفلك ُ‬ ‫لو ُ‬
‫وقد امتد اعتناق املتنيب لفكرة البطل‪ /‬الفرد الناجتة لديه عن املصدرين السابقني إىل آرائه السياسية الواضحة يف مثل قوله‪:‬‬
‫عجم‬
‫عرب ملوكها ُ‬ ‫…‪..‬تفلح ٌ‬
‫ُ‬ ‫الناس بامللوك وما‬ ‫وإمنا ُ‬
‫ذمم‬
‫عهود هلم وال ُ‬ ‫حسب …‪..‬وال ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أدب عندهم وال‬ ‫ال ٌ‬
‫غنم‬ ‫ٍ‬ ‫بكل ٍ‬
‫أمم …‪..‬ترعى بعبد كأهنا ُ‬ ‫أرض وطئتُها ٌ‬
‫وال يهمنا من هذه األبيات أن نشري إىل عروبيته وإمنا يهمنا أن نشري إىل إعالئه لدور† الفرد يف صناعة التاريخ وتشكيل مصري اجلماعة‪ ،‬فالناس‬
‫بامللوك‪ ،‬وامللك األعجمي عبد يرعى غنماً‪.‬‬
‫نقف عند القصيدة موضوع دراستنا لنكشف عن رأيه يف تفسري التاريخ الذي عددناه‪ -‬فيما سبق‪ -‬امتداداً لتفكريه الفين أو ذا عالقة جدلية به‬
‫يقول املتنيب‪:‬‬
‫خيول‬
‫السهام ُ‬‫َ‬ ‫اجلياد إىل العِدا …‪..‬وما علموا أن‬ ‫الدرب باجلُرد َ‬ ‫َ‬ ‫رمى‬
‫ونصول‬
‫ُ‬ ‫‪..‬حبران لبتها قناً‬‫عرضت له َّ‬ ‫ْ‬ ‫وما هي إال خطرةٌ‬
‫ثقيل‬ ‫ِ‬
‫‪..‬بأرعن وطءُ املوت فيه ُ‬ ‫َ‬ ‫مهومه‬
‫هم أمضى َ‬ ‫مهام إذا ما َّ‬‫ٌ‬
‫تقيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الركض يف كل بلدة …‪..‬إذا عرست فيها فليس ُ‬ ‫ُ‬ ‫وخيل براها‬
‫ورعيل‬ ‫كل ٍ‬
‫طود رايةٌ‬ ‫…‪..‬علت َّ‬ ‫ٍ‬
‫وصنجة‬ ‫فلما جتلى من َدلُوك‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫غسيل‬ ‫مكان بالسيوف‬ ‫احلديد عليهم …‪..‬فكل ِ‬ ‫َ‬ ‫سحائب ميطُرن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كفيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫…‪..‬بكل جني ٍع مل ختضهُ ُ‬ ‫جنيع القوم خوضاً كأنّه‬ ‫فخاضت َ‬
‫ذليل‬ ‫ٍ ِ‬
‫…‪..‬وكل عزيز لألمري ُ‬ ‫ُ‬ ‫وبنت حبصن الران رزحى من الوجى‬
‫فلول‬
‫سيف ما خاله ُ‬ ‫نفس ما خاله ماللة …‪..‬ويف كل ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ويف ِ‬
‫جليل‬ ‫ِ‬
‫خطب يف البالد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫لبسن الدجى فيها إىل أرض مرعش …‪..‬وللروم‬
‫فضول‬ ‫كل العاملني‬ ‫جيشه …‪..‬دروا أن َّ‬ ‫وحده قبل ِ‬
‫ُ‬ ‫فلما رأوه َ ُ‬
‫اخلط عنه قصريةٌ …‪..‬وأن َ ِ‬ ‫وأن رماح ِ‬
‫كليل‬
‫حديد اهلند عنه ُ‬ ‫َّ َ‬
‫جزيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل العطاء ُ‬ ‫صدر احلصان وسي َفه …‪..‬فىت بأسهُ ُ‬ ‫فأوردهم َ‬
‫خبيل‬ ‫ِ‬
‫جواد على العالت باملال كله …‪..‬ولكنه بالدارعني ُ‬
‫ٌ‬
‫سهول‬
‫ُ‬ ‫البيض فيه‬ ‫ٍ‬
‫…‪..‬بضرب حزو ُن ِ‬ ‫فودع قتالهم وشيّع فلَّهم‬
‫َّ‬
‫كبول‬
‫تعجب …‪..‬وإن كان يف ساقيه منه ُ‬
‫ٌ‬ ‫قسطنطني منه‬
‫َ‬ ‫على ِ‬
‫قلب‬
‫تسيل‬
‫جنوت بإحدى مهجتيك جرحيةً …‪..‬وخلّفت إحدى مهجتيك ُ‬ ‫َ‬
‫أكول‬
‫شروب للجيوش ُ‬ ‫ٌ‬ ‫…‪..‬على‬
‫ٌّ‬ ‫أغركم طول اجليوش وعرضها‬
‫فيل‬
‫تكن لليث إال فريسة …‪..‬غذاه ومل ينفعك أنك ُ‬ ‫إذا مل ْ‬
‫تصول‬
‫كيف ُ‬ ‫األيام َ‬
‫األيام أبصرن صولةُ …‪..‬فقد علّم َ‬‫وإن تكن ُ‬
‫صقيل‬
‫ُ‬ ‫سم مواضياً …‪ ..‬فإنك ماضي الشفرتني‬ ‫ملوك مل تُ ُ‬
‫فدتك ٌ‬
‫وطبول‬ ‫بوقات هلا‬ ‫لدولة …‪..‬ففي ِ‬
‫الناس‬ ‫الناس سيفاً ٍ‬
‫بعض ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫إذا كان ُ‬
‫فنلتقي يف هذه األبيات بثالثة عناصر متجاورة ومتفاعلة هي‪ :‬سيف الدولة وهو القائد واملمدوح‪ ،‬والعنصر الثاين‪ :‬جيش سيف الدولة‪ ،‬والعنصر‬
‫الثالث هو عدو سيف الدولة‪ :‬قسطنطني ابن الدمستق‪ .‬ويالحظ ابتداء أن هذه العناصر الثالثة تصب كلها يف تيار إعالء العنصر األول (سيف‬
‫الدولة) ومتجيده على النحو الذي يؤكد انتحاء املتنيب‪ -‬يف هذه القصيدة‪ -‬حنو ما يسمى التفسري البطويل أو الفردي للتاريخ وذلك على النحو‬
‫التايل؛ مع مالحظة صعوبة الفصل التام بني ما خيص كل عنصر من العناصر الثالثة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬سيف الدولةنراه يف البيت األول فاعالً (رمى الدرب باجلرد اجلياد إىل العدا) وينسب إليه الفضل يف حدوث حركة االجتياح اليت حصلت‬
‫يكيل له صفات املدح‬
‫من املسلمني لبالد الروم‪( :‬فما هي إال خطرة عرضت له‪ )..‬فالفعل التارخيي رهن خبطرات سيف الدولة! ويف البيت الثالث ُ‬
‫اليت جتعل منه قادراً على الفعل‪( :‬مهام إذا ما هم‪ )..‬فإنه ميضي مهه بواسطة جيشه القوي ذي الوطأة الثقيلة وكذلك بواسطة خيله‪ .‬وعندما‬
‫يتحدث عن حركة اجليش وانتقاله من مكان استوىل عليه إىل آخر‪ ،‬يسند الفاعلية إىل سيف الدولة فلما جتلى عن دلوك وصنجة‪ )...‬حىت عندما‬
‫ختوض خيول املسلمني يف املعركة يف دم األعداء قد يسند إىل سيف الدولة أنه بكل جنيع مل ختضه كفيل‪.‬‬
‫ويف البيت احلادي عشر يقرر على لسان الروم أن سيف الدولة جيش مبفرده قبل جيشه وأن الناس بعده فضول‪ .‬وجيعله يف البيت الثاين عشر أقدر‬
‫على الفعل من الرماح والسيوف فالرماح عنه قصرية والسيوف عنه كليلة‪ ،‬وهذه الصورة† سبق أن وصف املتنيب مبثلها نفسه‪:‬‬
‫طوال الردينيات يقصفها دمى …‪ ..‬وبيض السرجييات يقطعها حلمى‬
‫وورد مثلها يف مدح أحد العلويني من شعر صباه‪:‬‬
‫ياليت يل ضربة أتيح هلا …‪..‬كما أتيحت له حممدها‬
‫أثر فيها ويف احلديد وما …‪..‬أثر يف وجهه ُمه ّذدها‬

‫ويف البيت الثالث عشر يشري إىل أنه لقى أعداءه بنفسه وقتلهم حبد سيفه وجعل صدر فرسه مورداً ألسلحتهم (‪ )34‬كما ساوى الشاعر بني‬
‫(ودع قتالهم وشيّع‬ ‫شجاعة سيف الدولة وعطائه؛ فهو (فىت بأسه مثل العطاء جزيل)‪.‬مث ينسب إليه يف البيت اخلامس عشر كل بطولة يف املعركة ّ‬
‫فلهم)‪ .‬وينسب إليه يف البيت العشرين أن له صوالً علّم األيام كيف تصول‪ .‬مث يوظف اسم سيف الدولة يف مدحه عندما جيعله امساً على مسمى‬
‫تسم بامسه ألهنا ليست هلا صفات السيف ومضاؤه‪ .‬ويكمل الصورة يف البيت التايل‪ -‬وهو البيت الثاين والعشرون من أبياته اليت‬
‫وأن امللوك مل ّ‬
‫أوردناها‪ -‬عندما يقارن بني ممدوحه وغريه من امللوك فممدوحه سيف للدولة فاعل مؤثر قاطع وأعداؤه طبول وأبواق ال يغنون غناءه وال يؤثرون‬
‫تأثريه‪.‬‬
‫والعنصر الثاين‪ :‬جيش سيف الدولةواحلديث عنه يكشف عن قوته (سحائب ميطرن احلديد عليهم‪ )...‬لكنه يسلبه الفاعلية‪ -‬يف الغالب‪ -‬ويسندها‬
‫إىل سيف الدولة كما سبق أن أشرنا يف مثل قوله (رمى الدرب باجلرد اجلياد‪ )...‬وعندما أسند الفاعلية يف حتركات اجليش إىل سيف الدولة (فلما‬
‫كرت‪ -‬رعن بنا‪ -‬طلعن† عليهم) جنده يعتمد‬ ‫جتلى من دلوك وصنجة‪ )...‬حىت عندما يتحدث عن اخليل باألفعال املاضية املناسبة للسرد (خاضت‪ّ -‬‬
‫يف هذه األفعال على معىن السرد ال معىن الفاعلية‪ .‬فجيش سيف الدولة وكذلك خيله كلها وسيلة إلنفاذ مهته فهو وحده دون جيشه اهلمام‪.‬‬
‫ويالحظ إصرار املتنيب على نسبة الفضل إىل سيف الدولة على الرغم من جيشه حىت لتبدو بينه وبني جيشه عالقة عدائية جتعله يصر على إتعاب‬
‫عرست فيها فليس تقيلوأوضح منه‬ ‫جيشه لينفذ سيف الدولة مهته على الرغم من جيشه مثال ذلك قوله‪:‬وخيل براها الركض يف كل بلدة …‪..‬إذا ّ‬
‫قوله‪:‬‬
‫وبنت حبصن الران رزحى من الوحى …‪..‬وكل عزيز لألمري ذليل فخيله متعبة إلنفاذ مهته ليس ذلك فقط فإمنا هي قد ذلت له ضمن من أو ما ذل‬
‫له‪ ،‬فكأهنا تساوت مع أعدائه فإهنا قد تعرضت إلذالله هلا‪ .‬وهذه الصورة† مما تكرر شعره يف سيف الدولة مثال قوله يف قصيدة (على قدر أهل‬
‫العزم تأيت العزائم‪:)..‬‬
‫اخلضارم‬ ‫اجليوش‬ ‫اجليش مهَّهُ …‪..‬وقد عجزت عنه‬ ‫ِ‬
‫الدولة‬ ‫سيف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يكلف ُ‬ ‫ُ‬
‫الضراغم‬
‫ُ‬ ‫عند نفسه …‪..‬وذلك ما ال تدعيه‬ ‫عند ِ‬
‫الناس ما َ‬ ‫ويطلب َ‬
‫ُ‬
‫فسيف الدولة يتعب جيشه أوالً ألنه يكلفه حتقيق مهومه وطموحاته تلك اليت ال تقدر على حتقيقها اجليوش الكثيفة الكثرية فكيف جبيشه الواحد‪،‬‬
‫مرة ثانية عندما يطالبهم بأن يرتفعوا إىل مستوى شجاعته تلك اليت ال ترتفع إىل درجة إدعائها األسود الضراغم فضالً‬ ‫كما يتعب جنوده ورعيته ّ‬
‫على فعل مثلها فكيف بالبشر من جيشه وجنوده ورعيته‪.‬‬
‫كل ما سبق فضالً على ما وصف به سيف الدولة يف هذه القصيدة من أنه عند أعدائه أو يف رأيهم جيش يف نفسه قبل جيشه وال حيتاج مع ذلك‬ ‫ُّ‬
‫إىل أحد بقوله‪:‬‬
‫فضول‬
‫ُ‬ ‫فلما رأوه وحده قبل جيشه …‪ ..‬دروا أن كل العاملني‬
‫أال ميثل هذا اعتداء على قدر جيشه وفاعليته من إجالء إعالء ذات سيف الدولة ونسبة القدرة† على الفعل التارخيي إىل شخصيته البطولية املتفردة‪.‬‬
‫والعنصر الثالث‪:‬أعداء املسلمني أو اجليش الذي كان حيارب املسلمني ويالحظ ابتداء غياب اجليش عن الساحة إال يف سياق متجيد سيف الدولة‪:‬‬
‫(فلما رأوه وحده قبل جيشه‪( )...‬فأوردهم صدر احلصان وسيفه) (أغركم‪ )..‬ويستعمل بدالً منهم مللء الفراغ أو الفضاء اخلاص هبم يف لوحة‬
‫املعركة شخصية قسطنطني مما يشري إىل عناية املتنيب بالذوات املفردة ابتداء بذات الشاعر ومروراً بذات سيف الدولة وانتهاء بذات قسطنطني‪.‬‬
‫األمر الناتج يف رأينا عن اعتناقه للتفسري البطويل للتاريخ الذي يسند الفعل إىل األفراد منفردين عن بيئاهتم وجمتمعاهتم‪.‬‬
‫ويكون استدعاؤه لشخصية† ابن الدمستق وسيلة لتأكيد ما نسبه إىل سيف الدولة‪ ،‬فابن الدمستق النموذج الضد‪ -‬أو الوجه السليب‪ ،‬الذي يرتتب‬
‫على استحضاره استحضار شخصية سيف الدولة منوذج البطل يف القصيدة يقول‪:‬‬
‫على قلب قسطنطني منه تعجب …‪..‬وإن كان يف ساقيه منه كبول‬
‫فيل‬ ‫ِ‬
‫إذا مل تكن لليث إال فريسة …‪..‬غذاه ومل ينفعك أنك ُ‬
‫فابن الدمستق نصيبه يف البيت األول‪ -‬التعجب والكبول ونصيب سيف الدولة أن يكون موضع التعجب وباعثه كما أنه واضع الكبول يف ساقي‬
‫امللك عدوه واالنتصار على العظيم عظيم أيضاً‪ .‬ويف البيت الثاين يصبح نصيب ابن الدمستق‪ -‬وهو يف األساس حمور األبيات‪ -‬أن يكون فريسة‬
‫سهلة ال تدافع عن نفسها على حني يكون سيف الدولة الذي ذكره عن طريق التداعي له صورة الليث القادر على الفعل فابن الدمستق هو‬
‫النموذج احلاضر‪ /‬الغائب وسيف لدولة هو البطل احلاضر دائماً‪ .‬وإن كان استطراد املتنيب إىل استيفاء مالمح الصورة الفنية يف البيت يؤكد على‬
‫حرفيتها وجيعل ابن الدمستق‪ -‬إذ كان سيف الدولة أسداً‪ -‬جيعله فيالً فتبدو املقابلة مضحكة مثرية للسخرية من املتنيب‪ ،‬وهذا نفسه ما تعانيه‬
‫الصورة الفنية اليت يتضمنها قوله‪:‬‬
‫علي شروب للجيوش أكول‬ ‫أغركم طول اجليوش وعرضها …‪ّ ..‬‬
‫فيؤدي به حرصه على نسبة الفعل التارخيي إىل سيف الدولة إىل هذا االستطراد واحلرص على حرفية الصورة وحتقيق التناسب بني طرفيها مما يفضي‬
‫علي شروب‪ ،‬للجيوش‪ ،‬أكول هلا‪ ،‬مث ماذا بعد!‬ ‫يف النهاية إىل هذه الصورة† املضحكة املثرية للسخرية من املتنيب‪ّ :‬‬
‫وهكذا تصلح مقولة† الذاتية أو ثيمة الذات لتفسري فن املتنيب وتأرخيه ففي الفن تشغله ذاته ويف التأريخ تشغله ذات سيف الدولة‪ .‬وتكون سائر‬
‫عناصر الفن بل الواقعة التارخيية من‪ :‬اجليش املسلم‪ -‬جيش الروم‪ -‬قائد الروم‪ -‬وصف املعركة مسخرة من أجل تأكيد بطولة الذات املفردة اليت‬
‫شغل هبا الشاعر‪.‬اهلوامش‪ .1،2‬ابن رشيق القريواين ت ‪463‬هـ‪ :‬العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ونقده حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ -‬دار‬
‫اجليل بريوت‪ -‬الطبعة اخلامسة ‪ .1981 -1401‬ج ‪ 2‬ص ‪.124‬‬
‫‪ .3‬صفاء الضوي‪ .‬إحالة القارئ باختصار فتح الباري‪ .‬للحافظ بن حجر العسقالين ت ‪ .852‬دار ابن اجلوزي‪ -‬الرياض‪ -‬الطبعة األوىل‬
‫‪ -1993 -1414‬اجلزء الرابع‪ :‬ص ‪.493‬‬
‫‪ .4‬ابن رشيق القريواين‪ :‬العمدة ج ‪ 2‬ص ‪.131‬‬
‫‪ .5‬اخلطيب التربيزي ت ‪ :502‬شرح ديوان أيب متام‪ -‬نشر؛ راجي األمسر‪ -‬دار الكتاب العريب‪ -‬بريوت الطبعة الثانية ‪ 1994 -1414‬ج‪2‬ص‬
‫‪.89‬‬
‫‪ .6‬اإلمام أبو زكريا حميي الدين النووي ت‪ :676‬رياض الصاحلني‪ -‬حتقيق‪ :‬مجاعة من العلماء بإشراف زهري الشاويش‪ -‬ختريج حممد ناصر الدين‬
‫األلباين‪ -‬نشر املكتب اإلسالمي‪ -‬بريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪ .1992 -1412‬باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إىل اهلل تعاىل ص‬
‫‪.198 ،196‬‬
‫‪ .7‬اإلمام أبو زكريا حميي الدين النووي ت‪ :676‬شرح صحيح مسلم† ط‪ .‬دار اخلري بريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪ -1494 -1414‬اجلزء السادس‬
‫عشر ص ‪.418‬‬
‫‪ .8‬إحتاف القارئ‪ :‬ج‪ 4‬ص‪ .460‬وقد استجاد عمر بن اخلطاب (رضي اهلل عنه) شعر زهري وفضله على الشعراء ألنه كان ميدح الرجل مبا فيه‪.‬‬
‫العمدة ج‪ 1‬ص‪.98‬‬
‫‪ .9‬شرح صحيح مسلم‪ :‬ج‪ 16‬ص‪.417‬‬
‫‪ .10‬احتاف القارئ‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.493‬‬
‫‪ .11‬املصدر السابق‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪.493‬‬
‫‪ .12‬العمدة ج‪ 2‬ص ‪.170‬‬
‫‪ .13‬العمدة ج‪ 2‬ص‪.171‬‬
‫‪ .14‬احتاف القارئ‪ .‬ج‪ 2‬ص ‪.491‬‬
‫‪ .15‬احلافظ أبو العال حممد املباركفوري ت‪ :1353‬حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بريوت‪ -‬الطبعة األوىل‪-1410‬‬
‫‪ 1990‬اجلزء الثامن ص ‪.110‬‬
‫‪ .16‬العمدة ج‪ 1‬ص‪.25‬‬
‫‪ .17‬د‪ .‬حممد الغنيمي هالل‪ :‬النقد األديب احلديث‪ -‬دار العودة‪ -‬بريوت‪ .1987 -‬ص‪.57‬‬
‫‪ .18‬املرجع السابق ص‪.56‬‬
‫‪ .19‬نفسه ص‪.62‬‬
‫‪ .20‬د‪ .‬نصرت عبد الرمحن‪ :‬النقد األديب احلديث ص ‪ 62‬مكتبة األقصى‪ -‬عمان ‪ -1979‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ .21‬د‪ .‬شوقي ضيف‪ :‬الفن ومذاهبه يف الشعر العريب‪ -‬دار املعارف مبصر‪ -‬الطبعة التاسعة‪ .‬ص ‪ 2 ،1‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .22‬شرح ديوان أيب متام ج‪ 1‬ص‪.39‬‬
‫‪ .23‬اآلمدي أبو القاسم احلسن بن بشر ت‪ 370‬هـ‪ -‬املوازنة بني شعر أيب متام والبحرتي‪ .‬حتقيق حممد حمي الدين عبد احلميد‪-‬دار املسرية‪-‬‬
‫بريوت الطبعة اخلامسة ‪ .1987‬ص‪.257‬‬
‫‪ .24‬د‪ .‬شوقي ضيف‪ :‬الفن ومذاهبه يف الشعر العريب‪ ،‬ص ‪252‬‬
‫‪ .25‬د‪ .‬شوقي ضيف‪ :‬العصر العباسي األول‪ -‬دار املعارف مبصر‪ .‬الطبعة السادسة ص ‪.276‬‬
‫‪ .26‬اإلمام احلافظ أبو احلسني مسلم† بن احلجاج ت ‪ .261‬صحيح مسلم‪ -‬ترتيب حممد فؤاد عبد الباقي‪ -‬دار اخلري بريوت‪ -‬الطبعة األوىل‬
‫‪ .1994 -1414‬احلديث رقم ‪ 523 ،521‬واإلمام احلافظ أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل البخاري ت ‪ 256‬هـ‪ -‬صحيح البخاري الطبعة‬
‫الثالثة‪ -‬الدار السلفية القاهرة احلديث رقم ‪.2997 ،335‬‬
‫‪ .27‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ :‬التفسري اإلسالمي للتاريخ‪ -‬بريوت‪ -‬دار العلم للماليني ط‪1983 -4‬م‪ .‬ص‪.138‬‬
‫‪ .28‬د‪ .‬عفت الشرقاوي‪ :‬يف فلسفة† احلضارة اإلسالمية‪ .‬دار النهضة العربية بريوت ص ‪.382‬‬
‫‪ .29‬املرجع السابق ص‪ -385‬والرأي للحلّى املصطفوي الشيعي يف كتابه كشف املراد يف شرح جتريد االعتقاد ط‪ .‬قم‪ .‬ص‪.288‬‬
‫‪ .30‬الشيخ ناصيف اليازجي‪ :‬العرف الطيب يف شرح ديوان أيب الطيب‪ .‬الطبعة الثانية‪ -‬دار القلم‪-‬بريوت‪ -‬ص‪.10‬‬
‫‪ .31‬املصدر السابق ص‪53‬‬
‫‪ .32‬نفسه ص‪.53‬‬
‫‪ .33‬العمدة ج‪ 2‬ص ‪.63‬‬
‫‪ .34‬العرف الطيب ص ‪.373‬‬

You might also like