You are on page 1of 22

‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬


‫‪THE STRUCTURE OF RHYTHM IN OLD ALGERIAN POETRY‬‬

‫‪‬‬
‫قاسم الشيخ‬
‫جامعة أحمد بن بلة وهران ‪( 2‬الجزائر) ‪chikhkacem02@gmail.com‬‬

‫تاريخ النشر‪0702/76/72 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪0702/70/70:‬‬ ‫تاريخ إلارسال‪0707/76/87 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬

‫يعد اإليقاع الركن األساس يف فن القول ‪ ،‬فهل هو مبعىن وقع أم أوقع ؟ فإن كان من وقع ‪ ،‬فهو ذلك الوقع اجلميل الذي يطرب‬
‫السمع و يبهج القلب ‪ ،‬أما إذا كان من أوقع فاملباغثة والالمنتظر ‪ ،‬مها من يصنعان فيه أجراس املوسيقى ‪ .‬و اللحن أنواع فماذا يعين عند‬
‫اللغويني ‪ ،‬وماذا يعين عند النحويني ‪ ،‬و ماذا يعين عند أهل العروض ؟‬
‫فهل هذه األحلان هي سيدة اإليقاع ‪ ،‬أم أ ّن اإليقاع قاعدة و قانون يلتزم هبما الشاعر و الناثر على السواء ؟‬
‫الكلمات المفتاحية ‪ :‬اإليقاع – شعر جزائري – رثاء و بكاء – اللحن – جرس موسيقي – اإلطراب – إلقاء و انشاد ‪.‬‬

‫‪ABSTRACT :‬‬
‫? ‪Rhythm is the basic element of the art of saying ; is it in the sense of to effect or to cause effect‬‬
‫‪If it is In the sense of “ to effect “ ; it means that beautiful impact that impresses hearing and‬‬
‫‪makes cheerfulness in the heart but if it is in the second sense “ to cause effect “ it means that music‬‬
‫‪bells are made by surprise and the unexpected.‬‬
‫‪There are several kinds of melodies ; so what it means for linguists ; for grammaticians and for‬‬
‫‪poem specialists ? are these melodies a basic pillar of rhythm or rhythm is rules and laws which‬‬
‫? ‪must be respected by poet and the prose writer‬‬
‫‪Keywords: rhythm ; Algerian poetry ; lamentation ; melody ; musical bell ; raptune ; declamation‬‬
‫‪and chanting .‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫الشعر نتاج البشرية اللّغوي ‪ ،‬وخمزون ثقافاهتا ومرياثها األديب ‪ ،‬و العرب على غرار األمم األخرى هلا مرياثها‬
‫عُ ّد ّ‬
‫الزاهي من شعر ونثر خطوط التّاريخ ‪ ،‬ومل حيفظه جتمال‪ ،‬بل كان لزاماَ أن حيفظ ‪ ،‬ويُكتب خبيوط من ذهب‪ ،‬ملا له من‬ ‫ّ‬
‫ميزات وخصائص منحته رفعة وزادته رونقا ‪ ،‬فلم يكن جمرد تنميق للحروف‪ ،‬وال ترجيع لألصوات‪ ،‬وإّّنا هو قالب‬

‫‪‬المؤلف المرسل‬
‫‪348‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫مجيل ‪ ،‬ومضمون أمجل ‪ ،‬فقد بين مرصوصا مصورا احلياة بدقة متناهية ‪ ،‬وكأنّه التقطها فوتوغرافيا‪ .‬فما وصلنا من املوروث‬
‫الشعر املتعارف عليها عند العرب وغريهم من األمم‪ ،‬لذلك كتب‬
‫لكل معايري ّ‬
‫األديب العريب كان واضح املعامل ‪ ،‬خاضعا ّ‬
‫له اخللد و البقاء ‪.‬‬
‫مر بع ّدة مراحل إىل أن نضج و اكتمل و استقام‪ ( .‬فإن نقادنا العرب يرهصون جمرد‬
‫الشعر اجلاهلي ّ‬
‫وال نكاد جنزم أ ّن ّ‬
‫الرجز‬
‫السجع إىل ّ‬
‫الشعر بدأ مبناجاة اآلهلة فيما يعرف بسجع الكهان‪ ،‬و تطور من ّ‬
‫ختمني ال يستند إىل توثيق – أ ّن ّ‬
‫املفردة فاملقطعات القصرية ‪ ،‬فالقصائد‬
‫السنني األبيات ّ‬
‫وترّن ‪ ،‬مث أنشدت مع ّ‬ ‫الرجز إىل حداء ّ‬ ‫بعدها ‪ ....‬حتول ّ‬
‫الطوال)‪.1‬‬
‫الزمان ‪ ،‬ف هو يساير العصر و يواكبه ‪ ،‬و ما دام موضوع احلديث اإليقاع يف الشعر‬
‫الشعر يف تطور كما يتطور ّ‬
‫استمر ّ‬
‫و ّ‬
‫فمن مثّ (اعترب من أرقى فنون األدب ‪ ،‬و أوسعها دائرة يف متثيل الطّبيعة و احلياة و اجملتمع لدى األمم مجيعا ‪ ،‬السيما يف‬
‫العصور الغابرة) ‪. 2‬‬
‫الشعر من أن يكون كالما موزونا مقفى‪ ،‬حيكمه ميزان وقافية‪ ،‬مؤديا معاين واضحة ‪.‬‬
‫فال يعدو ّ‬
‫وميكن أن نقول أ ّن اإليقاع هو ذاك النّغم املتّزن ‪ ،‬و امليزان املتجانس الّذي هتتز كفاته بتناسق تام‪ ،‬فال تسبق كفة‬
‫الصوتية الّيت تتناغم مع‬
‫أختها؛ حم ّققا موسيقى تستعذهبا النّفس و مييل إليها القلب ‪ " .‬فهو تسخري إمكانات اللّغة ّ‬
‫السواء ‪ ،‬إلحداث لون من االنسجام و التّماهي ترضخ النفس فتئن متتعا ‪ ،‬أو‬
‫بعضها البعض‪ ،‬تساويا و تناسبا على ّ‬
‫يثريها فتش ّده تعجبا‪ ،‬بلون من عدم التناسب – ليس تالعبا – إّّنا جتنبا لرتابة يأباها الطّبع القومي " ‪. 3‬‬
‫الشاعر جمرد شخص عادي كباقي أفراد القبيلة بل" اعترب‬
‫الشعر يف البيئة العربية و عظيم قيمته‪ ،‬مل يكن ّ‬
‫لعلو مرتبة ّ‬
‫و ّ‬
‫الرأي عنده يف البحث عن مراع جديدة ‪ ،‬و بكلمته تضرب اخليام‬
‫السلم وبطلها يف احلرب‪ ،‬يطلب ّ‬
‫نيب قومه وزعيمها يف ّ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫الشعراء املعاصرين " قيصر اخلوري "‬
‫السياق يقول أحد ّ‬
‫حتل " *‪ ،‬و يف هذا ّ‬
‫و ّ‬
‫ِّع ِر أ َْرفَعُ ُه ْم قَ ْدراً ‪. 5‬‬
‫وك الش ْ‬ ‫وش َو مإّنا ******* َرأَيْ ُ‬
‫ت ُملُ َ‬ ‫وك بالعُُر ِ‬
‫ت ُملُ ٌ‬
‫تَ َعالَ ْ‬
‫الشعرية القدمية بنمط تقليدي ثابت يف األوزان و القوايف ‪ ،‬ال يتعداه الشاعر‪ ،‬حمرتما وحدته‬‫كما متيزت القصائد ّ‬
‫العضوية‪ ،‬ناسجا قصيدته على أمواج حبر من البحور اخلليلية ‪.‬‬
‫الشعر آنئذ هالة قداسة جعلته ُحيفظ و يَتواتر ليصل إىل الالحق من األمم‪.‬‬
‫فقد اكتسى ّ‬

‫‪349‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫فأما عن أفضلية أيّهما ففي ذلك كالم ‪ ،‬وقد اجتمع النّاس على أن‬
‫وال يعدو كالم العرب أن يكون نظما أو نثرا ‪ّ "،‬‬
‫أقل جيّدا حمفوظا‪ .‬أل ّن يف أدناه من زينة الوزن و القافية ما يقارب به جيّد املنثور"‪ 6‬وهذا رأي‬
‫املنثور يف كالمهم أكثر ‪ ،‬و ّ‬
‫الشعر مبيزات عالية جتعله كال ّدر‪ ،‬فإن عُرض كان زينة ‪ ،‬و إن ُحفظ كان م ّدخرا و رزقا * ‪.‬‬
‫رآه ابن رشيق ‪ .‬وقد ُميّز ّ‬
‫الصاحلة وأوطاهنا‬
‫ولكثرة املنثور من الكالم احتاجت العرب إىل التّغين مبكارم أخالقها ‪ ،‬وطيب أعراقها ‪،‬وذكر أيامها ّ‬
‫الشيم ‪ ،‬فتومهوا‬
‫وتدل أبناءها على حسن ّ‬
‫ليهز أنفسهم إىل الكرم‪ّ ،‬‬ ‫النّازحة ‪ ،‬و فرساهنا األجناد ‪ ،‬ومسحائها األجواد ‪ّ ،‬‬
‫‪7‬‬
‫ألهنم شعروا به أي فطنوا ‪.‬‬
‫أعاريض جعلوها موازين الكالم ‪ ،‬فلما متّ هلم وزنه مسوه شعراً ‪ّ ،‬‬
‫الروح ‪ ،‬تدفع الكرمي للبذل و العطاء‪،‬‬
‫هتز ّ‬
‫الشعر غناء ‪ ،‬و الغناء ترديد وترجيع ‪ ،‬حلن وموسيقى تطرب النّفس و ّ‬
‫و ّ‬
‫الكف و العدول ‪ ،‬تشحد اهلمم وتستنهض األرواح‪.‬‬
‫الشجاع لإلقدام واإلقبال ‪ ،‬و اللّئيم على ّ‬
‫وتدفع ّ‬
‫للروح أن ترقص داخل اجلسد‪ ،‬وكيف للقلب‬
‫الشعر بذلك فكانت أوزانه قواعد األحلان ومعايري األوتار ‪ ،‬فكيف ّ‬
‫وقد متيّز ّ‬
‫الشعر سلطان وسطوة ‪ ،‬وقد صدق علي بن أيب طالب‬
‫يرتّن يف جوف الصدر ؟ لو مل تكن هلذه املوسيقى املنبعثة من ّ‬
‫أن ّ‬
‫‪8‬‬
‫(ض) حينما قال ‪ " :‬الشعر ميزان القول ‪".‬‬
‫فسمي " صنّاجة العرب " ‪.‬‬
‫تتغىن بشعر األعشى األكرب ّ‬
‫وكانت العرب ّ‬
‫قال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ِّع ٍر ِم ْ‬ ‫تَغَ من بِالشِّع ِر إِما ُكنْ ِ‬
‫ت قَائلَهٌ ****** إِ من الغنَاءَ هلَذاَ الش ْ‬
‫‪9‬‬
‫ض َم ُار‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪10‬‬
‫و الغناء ميزان و ترّّن و نغم‪ ،‬ال ينسجم ذلك إال مع الشعر ‪.‬‬
‫السالطني مغنني و مطربني يف‬
‫الشعر شعور‪ ،‬فال تتل ّذذ النّفس البشرية ّإال مبا يطرهبا و يلهيها ‪ ،‬وهلذا اختذ امللوك و ّ‬
‫و ّ‬
‫الشعر‪ ،‬قاله‬
‫الشعر اجلاهلي صنو الغناء‪ ،‬فرتبتهما واحدة وهدفهما واحد‪ ،‬فمن قال ّ‬
‫جمالسهم " وليس من شك يف أ ّن ّ‬
‫‪11‬‬
‫ليتغىن به‪" .‬‬
‫ّ‬
‫الشعر يقوم على الغنائية ‪ ،‬و الغناء مرتبط باللّحن واإليقاع ‪ ،‬و اللّحن يعتمد أساسا على الوزن‬
‫ويرى النّهشلي* ‪ :‬أ ّن ّ‬
‫الشعر اخلارجية منها والداخلية ‪ ،‬فالغناء مرتبط بال ّذات و ال ّذات مفعمة مبختلف العواطف‬
‫ال ّذي هو يف األصل موسيقى ّ‬
‫كل ذلك من خالل قوله ‪ ":‬ملا رأت العرب املنثور بنِّ مد *عليهم و يتفلت من بني أيديهم‪ ،‬ومل يكن هلم كتاب‬
‫و يتضح ّ‬
‫ّ‬
‫‪12‬‬
‫يتضمن أفعاهلم تدبّروا األوزان و األعاريض‪ ،‬فأخرجوا الكالم أحسن خمرج بأساليب الغناء‪.‬‬
‫فالشعر إخراج الكالم يف أحسن اهليئات ‪ ،‬فهو تناسب لفظي مع تناسق يف الكلمات ‪ ،‬فهو يف املنظور النّهشلي‪:‬‬
‫ّ‬
‫بالشرف‪ ،‬يبعث على االرتياح يف القلب‪ ،‬و جتذل به النّفوس؛ بفضل ما يتوفر عليه من وزن و قافية‬
‫يتسم ّ‬
‫كالم ّ‬

‫‪350‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫و غنائية‪ ،‬وحسن صياغة ويستخدم لشحذ األذهان و بعث النّخوة لدفع اهلمم وحلفظ املآثر و األجماد ‪،‬وبالتّايل فاملوسيقى‬
‫الشعر‪ ،‬و مها عنصران من عناصر تشكيلته الفنية األساسية ‪.‬‬
‫و اإليقاع مها من يصنعان الغنائيّة يف ّ‬
‫الصوتية ؟‬
‫إذن فما هو اإليقاع ؟ و هل لإليقاع سلطة على القيم ّ‬
‫الرتصيع ‪ ،‬التّصريع ‪ ،‬التّوشيح‬
‫فالتّوازي هو من يلعب ال ّدور األهم يف األشعار ‪ ،‬بدأ من الطّباق‪ ،‬فاملقابلة ‪ّ ،‬‬
‫فكل هذه العناصر ختضع لنظام الثّنائية فال تصح واحدة دون األخرى ‪ .‬وكلّها ظواهر بديعية‬
‫الرتديد‪ّ ،‬‬
‫التّورية ‪ ،‬والتّكرار‪ ،‬و ّ‬
‫حتكمها وظيفتا البناء و ال ّداللة ‪.‬‬
‫وإذا حاولنا حتديد مفهوم اإليقاع بناء على ما سبق فال يسعنا ّإال أن نرتكز على من سبقنا من الباحثني والعلماء عربا‬
‫حد أنّنا ال جند‬ ‫كانوا أو عجما‪ .‬فقد اجتمعوا على أ ّن هذا املفهوم " ُّ‬
‫يعد من أكثر املفاهيم غموضا قدميا وحديثا‪ ،‬إىل ِّ‬
‫اليوم تعريفا واضحا له " ‪ ، 13‬فال ميكن حتديد كنهه بوصف‪ ،‬فهو ظاهرة كونية انسجمت حركتها مع املخلوقات ‪ ،‬يف‬
‫تعاقب اللّيل و النّهار‪ ،‬يف تناسق األقمار و اجملرات‪ ،‬يف طبائع البشر‪ ،‬يف حركة الشمس والقمر حول األرض‪ .‬و " اإليقاع‬
‫فبني ضربات القلب انتظام ‪ ،‬وبني وحدات التّنفس‬ ‫على فرتات متساوية ‪ ،‬ظاهرة مألوفة يف طبيعة االنسان نفسه‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫فاإليقاع فطرة بشرية ُجبل عليها البشر ترّنوا بوجودها وتضجروا‬ ‫انتظام ‪ ،‬وبني النّوم و اليّقظة انتظام وهكذا ‪"....‬‬
‫بفقدها ‪.‬‬
‫الرقص‬
‫لعل أول استجابة للطّفل أو البدائي إزاء املوسيقى تكون استجابة إيقاعية‪ ،‬تتمثل يف نوع من التّمايل أو ّ‬‫و ّ‬
‫‪15‬‬
‫البسيط من إيقاع األنغام "‬
‫ويرى ( بنفيست )" أ ّن حركة األمواج يف ذهن البشر ولّد فكرة اإليقاع ‪ ،‬وهذا االكتشاف األساسي مثبت يف‬
‫املصطلح ذاته " ‪.16‬‬
‫الشعر فقط ‪،‬وإّّنا‬
‫وبالتّايل ندرك أ ّن اإليقاع معىن من معاين الكون الغيبية الكبرية ‪،‬فمن املستحيل أن حنصره يف إيقاع ّ‬
‫الشعري رفد بسيط يستمد قوته من حبر الكون األعظم ‪.‬‬
‫اإليقاع ّ‬
‫ويهتز هلا القلب‬
‫الروح وتطرب هلا النّفس ّ‬
‫بالراحة و املتعة‪ ،‬فتنجلب هلا ّ‬‫الشعري ظاهرة متنح احلواس شعورا ّ‬ ‫فاإليقاع ّ‬
‫فتعلق األذهان هبذه املعاين ‪ ،‬فاملوسيقى هي من جلبها ‪ ،‬و هو جوهر الفن‬
‫شص واملعىن صي ٌد ‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ويرسو هلا العقل ‪ ،‬وكأنّه‬
‫فبدونه يُلغى مفهوم اجلمال يف الفنون ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫" وهو ظاهرة قدمية عرفها اإلنسان يف حركة الكون املنتظمة أو املتعاقبة املتكررة أو املتآلفة املنسجمة‪ ،‬كما عرفها يف حركة‬
‫الكائنات من حوله ‪ ،‬قبل أن يعرفها يف تكوينه العضوي‪ .‬فأدرك أ ّهنا األساس الّذي يقوم عليه البناء الكوينّ‪ ،‬ليضمن حركة‬
‫‪17‬‬
‫الظواهر املادية مبا يوفره هلا من توازن وتناسب ونظام ‪" .‬‬
‫كل فن تولّد عنها اجلمال و الكمال ؟‪.‬‬
‫الشعر فقط ؟ أم هو ميزة ّ‬
‫و هل اإليقاع احلسن ميزة ختص ّ‬
‫كل قبيح‬
‫فالنّظام و االعتدال ميزة اإليقاع ‪ ،‬كما يرى ابن طباطبا ‪ " :‬وعلّة كل حسن مقبول االعتدال ‪ ،‬كما أ ّن علّة ّ‬
‫‪18‬‬
‫االضطراب "‪.‬‬
‫حب اجلميل املعتدل ونبذ القبيح املضطرب ‪.‬‬
‫والنّفس البشرية جمبولة على ّ‬
‫الشعر العريب لوجدنا أ ّن حادي العيس اجنذب إىل تلك األنغام الّيت تصدرها خفاف اإلبل‬
‫وإذا تتبعنا تاريخ بواكر ّ‬
‫الرياح أضفت موسيقى جديدة على كل‬
‫الرمل خطوة خطوة‪ ،‬ويطبعها هدوء وسكون الفيايف ‪ ،‬وإذا صفرت ّ‬
‫حينما تالمس ّ‬
‫ذلك‪ ،‬دفعت احلادي لينظم أراجيز جعلت اإلبل تزيد من سرعتها؛ فهذا التّناسق الطّبيعي يولد شاعرية هي جوهر‬
‫اجلمال ‪.‬‬
‫‪ -1‬اإليقاع في المفهوم الغربي ‪:‬‬
‫أشار الغرب إىل ماهية اإليقاع وهي تعين لديهم "ريتم " وهذا املصطلح يعين بلغة اليونان اجلريان و التّدفق ‪.19‬‬
‫الزمن‪ ،‬وأصبحت تعين يف املفهوم الفرنسي "املسافة"‪ .‬وهي املسافة املوسيقية ‪.‬‬
‫مث تغريت هذه املعاين مع ّ‬
‫وينسجم هذا املعىن مع ما جاء به " فانسان داندي " " بأ ّن اإليقاع هو انتظام وتناسب يف املسافة ‪ 20".‬وهي ماهية‬
‫تسريها أنظمة؛ فهي تتشكل على حسب األذواق و األمزجة‬ ‫اإليقاع الّيت ال حيكمها قانون وال حتدها مواثيق وال ّ‬
‫متجددة يف كل وقت و حني ‪ ،‬فاإلبداع خيضع لتموجات االنفعال فهو بني ش ّد و م ّد ‪ ،‬إذن فهو من وحي القلوب الّيت‬
‫هي بني أصابع خالقها حيركها كيفما يشاء ‪.‬‬
‫السماء ‪ ،‬فهو عصارة‬
‫مسوا يف ملكوت ّ‬
‫فاإليقاع فن ال يتنزل إالّ يف حمراب اجلمال ‪ ،‬يع ّد غوصا يف أعماق ال ّذات ‪ّ ،‬‬
‫ال ّذهن عندما ميتزج بالّروح فتجود القرحية بنوتات متناغمة ‪ ،‬تنبض حياة فتصدر حلنا فإيقاعا ساحرا مث مسفونية بديعة‬
‫التّمازج بني ثنائيات الكون الالمتناهية ‪.‬‬
‫وهذا اجلمال الّذي حيكم الكون يستشعره االنسان جبوارحه‪ ،‬بل يتعداه إىل كوامن ذاته وخبايا خياله ووجدانه‪ ،‬فيصري‬
‫متعة ال تقاوم ‪.‬‬
‫ويرى خليل أداة اليسوعي ‪ ":‬قد أطلقت لفظة اإليقاع أوال على وزن الغناء و إعالنه بالنّقر ‪ ،‬وقد خرجتها مبعىن‬
‫‪21‬‬
‫ودق الطّبول ‪".‬‬
‫الرقص ّ‬
‫الشعر و ّ‬
‫مايدعوه اليونان "ريتم" ‪ . .‬فاستعملتها يف ّ‬

‫‪352‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫للرتابة فيه‪ ،‬بل يتميز باملفاجأة سواء كانت صوتا أو سكتة‪،‬‬


‫ومن هذا يتضح لنا أ ّن اإليقاع نغم وأوزان ال جمال ّ‬
‫فالسكوت على فرتات متناسقة يعترب نغما و إيقاعا ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويرجع " كوليدج " اإليقاع إىل عاملني اثنني‪ :‬أوهلما التّوقع النّاشئ على تكرار وحدة موسيقية معينة‪ ،‬حبيث تعمل‬
‫على تشويق امللتقي‪ ،‬و ثانيهما املفاجأة أو خيبة الظّن الّيت تنشأ عن النّغمة املتوقعة و الّيت تولّد ال ّدهشة لدى املتلقي‪،‬‬
‫الرتابة هو ما يتولّد عنه اإليقاع ‪ ،‬قد يصيب هذا التّتابع توقع املتلقي كما قد خييّب ظنه‬
‫وهذا التّتابع للمقاطع البعيد عن ّ‬
‫‪22‬‬
‫السياق يرى ‪ " :‬ريتشاردز ‪ " :‬فيما يستنتج عن التّوقع سواء أكان ما نتوقع حدوثه حيدث بالفعل أو ال‬
‫ويف هذا ّ‬ ‫‪".‬‬
‫حيدث ‪ ،‬وعادة ما يكون التّوقع ال شعوريا‪ ،‬أل ّن تتابع املقاطع على حنو خاص يهيّئ ال ّذهن لتقبّل تتابع جديد من النّمط‬
‫‪23‬‬
‫السابق ‪".‬‬
‫ّ‬
‫فتقنية اإليقاع تتمثل يف االنتظام و االنسجام تارة‪ ،‬و يف املفاجأة وختييب الظّن تارة أخرى ‪.‬‬
‫الشعر جند اإليقاع يشمل مجيع الفنون جلماله ومتلكه النّفوس وأسرها‪ .‬يقول " ديوت –ه ‪ -‬باركر "‪ :‬ففي‬
‫"ففي ّ‬
‫الشعر جند األلفاظ ذاهتا من حيث هي جمرد أصوات ترتبط يف إيقاع و انسجام وقافية ونغم ‪ ،‬و يف التّصوير و العمارة جند‬
‫ّ‬
‫األشكال امللونة متكررة ‪ ،‬متقابلة ومتوازنة ‪ ،‬ومنتظمة يف إيقاع تعرب عن حاالت مبهمة‪ ،‬كما هو الشأن يف املوسيقى و‬
‫‪24‬‬
‫بدون هذه املوسيقى ال يكون فن مجيل ‪".‬‬
‫الصحيحة للعناصر املتشاهبة ‪ ،‬كما يشمل تكرار هذه العناصر ‪.‬‬
‫وعند" يوري لومثان" يشمل ظاهرة التّناوب ّ‬
‫‪ -2‬بنية اإليقاع ‪:‬‬
‫الرتاث‬
‫للشعر قائمة ّإال هبا‪ ،‬فهي اجلسد أو اهليكل الّذي حيمل املعاين‪ ،‬وهذه اللّفظة مل ترد يف ّ‬
‫أما البنية الّيت ال تقوم ّ‬
‫القدمي ّإال ناذرا‪ ،‬وقد أتى هبا "قدامة بن جعفر" وهو يتحدث عن شعر امرؤ القيس امللك الضليل يف قوله " فبنية هذا‬
‫الشعر على أ ّن ألفاظه مع قصدها قد أشري هبا إىل معان طوال ‪ 25 ".‬كما استعمل هذه اللّفظة يف مواطن خمتلفة من كتابه‬
‫ّ‬
‫" نقد الشعر " ‪.‬‬
‫الشكل الّذي يؤسس عليه الشاعر نظمه ‪ ،‬أو وضع‬
‫الشعر و أسلوب بنائه ‪ ،‬و ّ‬
‫وهو" يعين يف ذلك طريقة حوك ّ‬
‫الكلمات يف اإلطار العام للقصيدة‪ ،‬الوضع السليم املنتظم الالئق هبا ككلمة سيصبح هلا باالستعمال قيمة استعارية‬
‫‪26‬‬
‫و إحيائية جديدة ‪".‬‬

‫‪353‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫‪ -3‬اإليقاع في شعر ابن رشيق المسيلي ‪:‬‬


‫الشعر‪ ،‬وسنرى ذلك‬
‫بناء على ما سبق من تقدميات حول اإليقاع كمفهوم عام يف أنظمة الكون ومفهوم خاص يف ّ‬
‫ائري القدمي ‪.‬‬
‫الشعر اجلز ّ‬
‫أدق يف ّ‬
‫بصفة ّ‬
‫الشعرية‬
‫الصور ّ‬
‫كل شيء ‪ ،‬و إ ّن العنصر املوسيقي يفوق يف أمهيته املعاين و العواطف و ّ‬
‫الشعر موسيقى قبل ّ‬‫قيل " أ ّن ّ‬
‫الرمزي ؛ إحياء أكثر منه تعبريا لغويا‬
‫الشعر عند زعماء املذهب ّ‬
‫ذاهتا ‪ ،‬باعتبار أ ّن املوسيقى هي أقوى أداة لإلحياء ‪ ،‬و ّ‬
‫‪27‬‬
‫صرحيا واضحا ‪".‬‬
‫وتي ‪:‬‬
‫الص ّ‬
‫‪ -4‬اإليقاع ّ‬
‫الصويتّ ركن أساس‬
‫الفين ‪ ،‬و اإليقاع ّ‬
‫فالقصيدة تتشكل من حروف وأصوات و بانتظامها‪ ،‬و انسجامها يتكون العمل ّ‬
‫يف بنية اإليقاع العام‪ ،‬وتلعب القواعد النّحوية دورا هاما فيه‪ ،‬فال يستساغ يف اللّغة العربية الفصحى االبتداء بساكن أو‬
‫توايل ساكنني معا ‪ ،‬و احلركات و السكنات ال تكون ّإال بنسب متناغمة فهي تعمل على توفري النّوتات املوسيقية ‪ ،‬وال‬
‫الصدر‪،‬‬
‫الشعر و مي ّكن له حالوة يف ّ‬
‫فمما يزيد يف مجال ّ‬‫الشعر ذا وقع و استمالة ّإال إذا كان إلقاء و إنشادا " ّ‬
‫يكون ّ‬
‫‪28‬‬
‫حسن اإلنشاد وحالوة النّغمة ‪ ،‬و أن يكون قد عمد إىل معاين ّشعره و جعلها فيما يشاكلها من اللفظ ‪".‬‬
‫الشعر ال يقوم إالّ على‬
‫الصلة ّإال إذا ألقى شعره على مسمع ممدوحيه ‪ ،‬بل أ ّن ّ‬
‫الشاعر ليأخذ النّوال و ّ‬
‫ولذلك مل يكن ّ‬
‫إطراب السامع و استمالة فؤاده ‪ .‬وقد انتبه املعاصرون إىل هذه اخلاصية فسجلوا األشعار بأصوات أصحاهبا ك "نزار‬
‫حيسون مبا قالوا و ما نظموا ‪.‬‬
‫الشعراء هم وهم فقط من ّ‬
‫القباين" ‪ "،‬حممود درويش" ‪" ،‬مفدي زكرياء" وغريهم أل ّن هؤالء ّ‬
‫متفردة ال يعرفها إىل أصحاهبا ‪ ،‬لذلك متيز إنشادهم باجلمال الالمتناهي‪.‬‬
‫فاالنفعاالت و العواطف أحاسيس شخصية‪ّ ،‬‬
‫اخلاصة يف نفوس‬
‫الشعر فنّا قوليّا ‪ ،‬يؤثر بطريقته ّ‬
‫الشعرية على مجالية اإلمساع و اإلطراب ‪ ،‬حبيث يكون ّ‬
‫"وقد بنيت ّ‬
‫‪29‬‬
‫النّاس "‪.‬‬
‫حسان بن ثابت ‪:‬‬ ‫وقد قال ّ‬
‫س إِ ْن َكيِّ ًسا أ َْو ُُحْ َقا‬‫ضهُ ****** َعلَى امل َجالِ ِ‬ ‫الشعر لُ ُّ ِ‬ ‫و إِمّنَا ِ‬
‫ب امل ْرء يَ ْع ِر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإِ َن أَ ْش َعَر بَْيت أَنْ َ‬
‫‪30‬‬
‫ص َدقَا‬‫ال إذَا أَنْ َش ْدتَهُ َ‬ ‫يت يُ َق ُ‬
‫ت قَائلهُ *********** بَ ٌ‬
‫الشعر املادية ‪.‬‬
‫فاإللقاء و اإلنشاد قيمتان معنويتان يزيدان من قيمة ّ‬
‫الشاعرة و هي تلقي شعرها على من تريد التأثري فيه و‬
‫فاإلحياءات و اإلمياءات و احلركات العفوية الّيت تصدرها النفس ّ‬
‫عليه‪ ،‬وإن كانت تلقائية عفوية صادرة عن نفس شاعرة ‪ ،‬رمبا يكون هلا األثر احلسن اجلميل يف نفس املتلقي أكثر من‬
‫الشعر‪.‬‬
‫املعاين الّيت حيملها ّ‬

‫‪354‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫ويستعذب الكالم إذا كانت حروفه منسجمة و متآلفة متقاربة املخارج كما يرى قدامى النّقاد العرب من أمثال‬
‫اجلاحظ وعبد القاهر اجلرجاين ‪ .‬فاهتم العرب منذ القدمي بدراسة األصوات وصفاهتا ومدى قوة تأثريها على السامعني "‬
‫الصوت يف الغناء و احلداء أتت بالقافية مطلقة ‪ ،‬و مثلها من حروف امل ّد و اللّني يف حال‬
‫الرتّّن و م ّد ّ‬
‫فإذا أرادت العرب ّ‬
‫‪31‬‬
‫الرفع و النّصب و اخلّفض منونة أو بدون تنوين‪".‬‬
‫ّ‬
‫الشعر ما مل جيز يف غريه من تنوين ما ال ينون مثال ‪ ،‬قد ينون الفعل‪ ،‬بينما التّنوين صفة األمساء‬
‫وهلذا جاز يف ّ‬
‫الشعر العريب من‬
‫‪.....‬وقصارى ما نريد قوله هو ما جاء به كتاب املرشد إىل فهم أشعار العرب و صياغتها ‪ " :‬وهي أ ّن ّ‬
‫الصياغة مثّ إلقاء الكالم على صور خاصة من‬
‫الصناعة يقوم على األركان اآلتية ‪ :‬النّظم ‪ ،‬و اجلرس اللفظي ‪،‬و ّ‬
‫حيث ّ‬
‫مر األزمان و اختالف األمكنة ‪ ،‬وتؤثر فيها األفكار‬
‫األداء ‪ ،‬و بأساليب و مناهج متليها عوامل التقاليد و البيئة على ّ‬
‫املستحدثة ‪ ،‬و ما جيرى جمراها على دواعي التّغيري و التّجدد‪.‬‬
‫واملقصد من إيراد هذا القول هو كلمة اجلرس اللفظي و إلقاء الكالم ووقع األلفاظ على اآلذن؛ إذن فما فائدة‬
‫السامعني ‪ ،‬وما قيمة النّاي إذا مل تداعب‬‫الصولفيج إذا كانت نوتاته مبتوثة على ميزانه املوسيقي مامل تعزف و تطرب ّ‬
‫جوفه أنفاس العازف و تغلّق ثقوبه على فرتات متناغمة ‪ ،‬و ما قيمة القيتار إذا مل حترك األنامل أوتاره ‪ ،‬و ما قيمة ال ّدف‬
‫فالشعر هو األداة املوسيقية ‪ ،‬و اإللقاء و اإلنشاد هو روح املوسيقى و أثرها‬
‫إذا مل تضرب عليه األكف و األيادي ‪ّ ،‬‬
‫السحري يف النّفوس ‪ .‬فشعرية اإللقاء هي من تفعل فعلتها يف األفئدة فتسحر العقول وتستميل القلوب و تأخذ األلباب‬
‫ّ‬
‫الشعري ال يؤتى مثره ما مل تتوافر جمموعة من العناصر هي من تصنع اإليقاع و تضفي شاعرية على فن القول‬
‫‪ ،‬فاخلطاب ّ‬
‫فتنجلب هلا األمساع ‪ ،‬وختضع هلا القلوب ‪.‬‬
‫‪ –5‬اإليقاع الخارجي‪:‬‬
‫الروي ‪ ،‬الّذي حيدد و يّشكل‬
‫ّأما إذا انتقلنا إىل دراسة اإليقاع اخلارجي أو اإليقاع الثّابت فيجذر بنا دراسة حرف ّ‬
‫النّغم املوسيقى للقصيدة‪ .‬و أ ّن ّشاعرنا استعمل حرف النون و ما متيز به هذا احلرف من صفات ساعدته على بسط‬
‫نفوذه على نّغم احلزن‪ ،‬الّذي كان باديا على القصيدة ‪،‬مث القافية الّيت حتدد الوزن اإلمجايل هلا‪ ،‬و من مثة البحر الّذي‬
‫ترتسم عليه طريق التأليف و البناء و نسيج الكالم ‪ .‬فالبحر الكامل من ال ّدائرة الثّانية و الّيت تسمى املؤتلف جتتمع مع‬
‫الشعر ‪.‬‬
‫الوافر من حبور ّ‬

‫الشاعر هذا البحر إلكتمال تفعيالته و تشاهبها و هي على الوجه اآليت ‪:‬‬
‫ختري ّ‬
‫و قد ّ‬

‫متفاعلن متفاعلن متفاعلن ***************** متفاعلن متفاعلن متفاعلن‬


‫‪355‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫الشاعر يف هذه املقطوعة قد‬


‫الزحافات ما يعرتض البحور األخرى ‪ ،‬و قد الحظنا أ ّن ّ‬
‫و قد يعرتضها من العلل و ّ‬
‫الرخص املمكنة و مل يتعدى حدود الكامل و حدود تفعيالته‪ ،‬وهي ال ختلوا من أن تكون ‪ :‬متفاعلن وهو‬
‫كل ّ‬‫استعمل ّ‬
‫األصل و مستفعلن‪ :‬وهو املضمر بسكون الثواين أو مفاعلن ‪:‬وهو املوقوص بسقوط ثوانيه بعد سكوهنا أو مفتعلن ‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫و مبا أ ّن الغرض غرض ج ّد ال هزل فيه و ال كذب و ال تصنّع‬ ‫و هو املخزول فقد سقطت روابعه بعد سكون ثوانيه ‪.‬‬
‫‪ ،‬هو تعبري عن أمل و شعور إنساين حبث ‪ ،‬فمغادرة األوطان قهرا يؤمل النّفس و حيرق القلب ‪ ،‬و خاصة عندما يكون‬
‫ضمها صدر‬
‫حساسة كالّيت ّ‬
‫بالضياع ‪ .‬فاحلدث الّذي أَ َملم بالقريوان مل يكن سهال على نفس شاعرة مرهفة ّ‬
‫الفراق مرفوقا ّ‬
‫ابن رشيق املسيلي ‪.‬‬

‫السياسية و االجتماعية و العلمية و الثّقافية و قد برع يف رثاء‬


‫الشاعر يف قصيدته بكاء القريوان احلياة ّ‬
‫و لقد اختزل ّ‬
‫الشعر األندلسي و املغاريب ‪.‬‬
‫املدينة ( رثاء املدن ) هذا الغرض الّذي ظهر و اشتهر عند العرب السيما يف ّ‬
‫‪33‬‬
‫الروي حرف النون الّذي‬
‫مثال ذلك حرف ّ‬ ‫" إن معىن احلرف العريب هو صدى صوته يف الوجدان و النّفس "‬
‫يُسمع يف أنني املرضى يرتدد على شفاههم تعبريا عن اآلهات و اآلالم‪.‬‬
‫الشهرية "سوقا للحروف على مست املعىن املقصود و‬
‫و هو ما ورد يف النّظرية اللّغوية الفطرية يف مقولة ابن اجلين ّ‬
‫الغرض املراد " و األنني ألصق بالفطرة البشرية‪ ،‬و بالتّايل احلرف العريب هو وعاء من اخلصائص و املعاين‪ ،‬فالنون يف األنني‬
‫تعين كلمة مرض‪ ،‬و كلمة مرض تعين مجلة األحوال الّيت تعرتي املريض‪.‬‬
‫الصفات ال يستطيع القارئ أن يعي معانيها ما مل‬
‫و للنون مثال خاصية االنبثاق و النّفاذ و الصميميّة‪ ،‬و لكن هذه ّ‬
‫‪. 34‬‬
‫يعي العالقة بينها و بني معاين األلفاظ اليت تشارك يف تراكيبها‪ّ ،‬إال بعد تأمل هادئ عميق ومعاناة طويلة‬
‫بالرقة و‬
‫فإ ّن صوت احلرف يف اللّفظة العربية يصبح رمزا عن معىن‪ ،‬و من هذا نستنتج أ ّن حرف النّون يوحي ّ‬
‫الشاعر‪ ،‬فاختياره هلذا احلرف مل يكن اعتباطا بل‬
‫االستكانة‪ ،‬وهو أكثر تعبريا عن األمل و اخلشوع‪ ،‬وهنا تظهر عبقرية ّ‬
‫الروي احلرف األخري وكأنّه أيضا النّفس األخري ملدينة القريوان‪ ،‬ووروده بعد‬
‫بنية مبيّتة و سبق قصد ‪ .‬وخاصة وروده يف ّ‬
‫بالردف فالقافية مردوفة و الّذي يدل على موج موسيقى واضح صعودا مث نزوال‬
‫حرف اللّني واإلشباع األلف ما يسمى ّ‬
‫وعلو مرتبة القريوان وذيوع صيتها مث سقوطها و خراهبا وهي نفس‬
‫مسو وازدهار ورقي ّ‬
‫وهو اختيار صائب ألنّه يعرب عن ّ‬
‫القافية الّيت نظم هبا" أبو البقاء الرندي" قصيدته راثيا األندلس و الّيت مطلعها ‪:‬‬
‫يب الع ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نسا ُن‬
‫يش ا َ‬ ‫ص ا ُن ******* فَ َال يُغَُّر بِط ِ َ‬
‫ل ُك ِل َش ْيء إِ َذا َما تَ ّمَ نُ ْق َ‬
‫َزما ُن‬ ‫ِ‬
‫من َساءَتهُ أ َ‬
‫اهدتَ َها ُد َوٌل ******* َمن َسّرهُ َز ٌ‬ ‫ور َك َما َش َ‬ ‫هي األ ُُم ُ‬
‫حزا ٌن‬ ‫فَجائِع الدمه ِر أَن واع م نوع ةٌ ******* و للزم ِ‬
‫ات و أَ َ‬
‫ان َم َسمر ٌ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪356‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫وحرف امل ّد عندما يستعمل يف القافية يكون له صلة نفسية يف راحة القلب مب ّد النّفس ‪،‬وراحة األذن بطيب النّغم ‪ ،‬و‬
‫إعطاء النظّم من جتاوب اجلرس ماال يعطيه توايل احلروف و احلركات ‪. 35‬‬
‫الشاعر مل خيتم وال بيتا هبا حرصا منه على فقدها ومل‬
‫وكلمة قريوان حتمل نفس وزن أواخر أعجاز القصيدة ولكن ّ‬
‫يّوردها إالّ يف جوف القصيدة وكأنّه يريد أن يوحي لنا أ ّن القريوان بلد مصون كالبكر يف خدرها لن تصل إليها عني‬
‫كاشحة وال يد غاصبة ‪ّ .‬أما عن البحر فمن علل الكامل علّة القطع‪ ،‬و هو حذف ساكن الوتد األخري و تسكني ثانيه‪.‬‬
‫مبعىن حتوله عن األصل الّذي هو‪ :‬متفاعلن إىل متفاعل ‪ .‬و القطع أو االنقطاع و هو االبتعاد و االنفصال فلقد انقطع‬
‫الشاعر عن أرضه و بيئته األم و صار بعيدا عنها فلم يهنأ بالوطن اجلديد " الصقلية " و مل يستسغ بعده عن القريوان‪ ،‬و‬
‫ّ‬
‫كأ ّن كبده تقطعت و احرتقت باحرتاق هذه املدينة‪ ،‬و اشتد حزنه على ذاك البلد الّذي قضى فيه ما فاق األربعني سنة‪،‬‬
‫شّت امليادين الّذي ذهب هباء على يد مستهرت غيب قضى‬
‫و عن ذلك املوروث الثّقايف و املعمار اهلندسي و االزدهار يف ّ‬
‫على األخضر قبل اليابس بني ليلة و ضحاها ‪.‬‬
‫استمر دمار العبيديني على كامل تراب املغرب األوسط ما عرف باجلزائر فيما بعد ‪.‬‬
‫و ّ‬
‫صورلنا ذلك بعض شعراء اجلزائر أنداك من الّذين عايشوا احلدث من أمثال‪:‬‬
‫وقد ّ‬
‫الرستمية يف اجلزائر راثيا مدينة تاهرت بعد ختريبها فقال‪:‬‬ ‫الشاعر بكر بن ُحاد بن سهل الزنايت التاهريت املعاصر لل ّدولة ّ‬
‫اسونَا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ورونَا *********إنَا لَفي َغفلَة َع مما يُ َق ُ‬ ‫ُزرنَا َمنَازَل قَوم َملْ يَ ُز ُ‬
‫يمونَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل فَ َما يَ ْر ُجوا املُق ُ‬ ‫لَ ْو يَنط ُقو َن لَ َقالُوا المز َاد َوْحيَ ُك ْم ********* َح مل المرح ُ‬
‫عل قَ ٍوم الَ َميُوتُونَا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف بالدُّنْيَا فَ ْخٌر هبَا********* َوفعلُنَا ف ُ‬ ‫َج َح ُ‬ ‫وت أ ْ‬‫املَ ُ‬
‫فاآل َن فَاب ُكوا فَ َقد ح مق الب َكاء لَ ُكم ******** فاحل ِاملُو َن لِعر ِش ِ‬
‫اهلل بَا ُكونَا‬ ‫ٌ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬
‫‪36‬‬
‫َماذَا َع َسى تَ َنف ُع الدُّنيَا َجي َمعُ َه ا ********* لَ ْو َكا َن َمجم َع فِ َيها َكنْ َز قَ ُارونَا‬
‫الزاخرة والّيت كانت تسمى " املعصومة " و قد دمروها على‬ ‫وقد متّ تدمريها على يد العبيدين الّذين أحرقوا مكتبتها ّ‬
‫‪37‬‬
‫بكرة أبيها سنة ‪692‬ه‬
‫للصدفة ‪،‬فالنّون ذات إيقاعات خمتلفة‬
‫وقد جاءت قصيدة "بكر بن ُحاد التاهريت" نونية كذلك‪ ،‬وذلك مل يكن جماال ّ‬
‫يغلب عليها احلزن واألمل‪ ،‬و من صفاهتا اجلهر و االذالق ‪،‬كما جاءت موصولة بألف اإلشباع زيادة يف الصوت وإطالة‬
‫لألنني ‪ .‬وكانت تكفيه الفتحة دون األلف املزيدة " ومن العرب من يف لغته أن يقف على إشباع احلركة‪ ،‬فرتفع الضمة‬
‫‪38‬‬
‫واوا ‪ ،‬وجتر الكسرة ياء ‪ ،‬وتنصب الفتحة ألفا ‪ ،‬فينشد هذا كله موصوال من غري قصد غناء وال ترّن "‬

‫‪357‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫‪39‬‬
‫للشاعر أن يتحكم يف حبور‬ ‫و" البحر جيري حسب ألفاظه و لغته وفنه‪ ،‬ال األلفاظ جتري عليه ‪ " .‬وليس ّ‬
‫الزحافات ‪،‬فما هي ّإال أعراض و ليست أصال‪ ،‬فال يتصرف فيها مبلئ إرادته‪ .‬فهي غالبا‬
‫التّفعيالت ّإال من جهة العلل و ّ‬
‫الشاعر النّفسية ‪.‬‬
‫ما تكون عفوية تتماشى و حالة ّ‬
‫‪-6‬اإليقاع الداخلي‪:‬‬
‫سر‬
‫سر الفصاحة إىل القيم الصوتية وبذلك يكون قد انتبه إىل ّ‬
‫حيث أ ّن "ابن سنان اخلفاجي " قد أشار يف كتابه ‪ّ :‬‬
‫املوسيقى الداخلية ‪ .‬وال تعىن املوسيقى ما تعلق بالوزن و القافية فحسب و إّنا هناك نغم من نوع آخر يتعلق باالختيار‬
‫األمثل للكلمات و ما يالئمها من حروف وحركات‪ ،‬وهي ما يسمى باملوسيقى ال ّداخلية الّيت تشكلها األلفاظ و هبا‬
‫الشعراء ‪ .‬و بالتّايل فإ ّن " عالئق األصوات و املعاين و‬
‫كل ّ‬‫الشعراء فيما بينهم‪ ،‬أل ّن الوزن و القافية أمور يتقنها ّ‬
‫يتمايز ّ‬
‫الصور و طاقة الكالم اإلحيائية و ال ّذيول اليت جترها اإلحياءات وراءها من األصداء املتلونة املتعددة هذه كلّها موسيقى"‬
‫ّ‬
‫ومن هذا نفهم أ ّن اإليقاع ال ّداخلي يقوم على حركة املكونات ال ّداخلية للنّص‪ ،‬متمثال يف تراصف الكلمات وتراتبها‬
‫صويت إىل أبعد ح ّد ‪ ،‬فالكلمة تنتج موسيقى ملا حتمل من تناسق حروفها وميزان‬
‫املنطقي األمثل‪ .‬فاإليقاع ال ّداخلي إيقاع ّ‬
‫الفين له ال ّدور األهم يف‬
‫الصور البيانية ال ميكن إغفاهلا أبدا فالتّصوير ّ‬
‫حركاهتا وعالقتها مبا يسبق و ما يلي من أخواهتا ‪،‬و ّ‬
‫تثبيت ال ّدالالت يف خلق اجلوق املوسيقي املتحد ‪ ،‬فالثنائيات الّيت ترتكز عليها يف الطّباق و املقابلة و التّورية هي من‬
‫الشعر إيقاع ال عروض يقول نزار قباين ‪:‬‬
‫حتكم هذا النّوع من اإليقاع‪ ،‬أل ّن موسيقاه نابعة من ال ّداخل ‪ ،‬وكثريا ما تردد أ ّن ّ‬
‫‪40‬‬
‫و بالتّايل فالوزن ليس ّإال رافدا من حبر‬ ‫" العروض ليست سوى قطرة صغرية يف احمليط األكرب الّذي هو املوسيقى"‬
‫الشعراء من عناء‪ ،‬فهم مقيّدون هبا‪ ،‬وال‬
‫للشعر جتاوزها ‪ ،‬رغم ما تكبّد ّ‬
‫اإليقاع‪ ،‬و إن كانت للقافية سلطة ال ميكن ّ‬
‫ميكنهم تع ّدي فلك املعىن الّذي تدور حوله (ميزانا و ورويا ) ‪.‬‬
‫السهل‬
‫الشعر يفقد كثريا بالقافية‪ ،‬فليس من ّ‬
‫وقد حتدث يف هذا اجملال العديد من النّقاد قدامى واحملدثني‪ ،‬واعرتفوا أ ّن ّ‬
‫إجياد كلمة حتمل قافية معينة باملعىن املقصود يف آن واحد‪ ،‬وهلذا السبب حاول احملدثون خرق هذا النّظام فأتوا بالقصيدة‬
‫النثرية ‪.‬‬
‫ولن يكون للكالم يف هذا اجملال معىن ما مل يطبق على واقع قصيدة‪ ،‬ألنّه ال يتحقق لإليقاع قيمة ما مل يسمع و‬
‫للشعر جيذب املتلقي بسحره قبل أن تدرك معانيه ‪ ،‬و يف هذا املنحى يرى إبراهيم أنيس ‪:‬‬
‫يطرب سامعيه‪ ،‬و كونه وصفا ّ‬
‫‪41‬‬
‫الشعر يف احلقيقة ّإال كالما موسيقيا تنفعل ملوسيقاه و تتأثر القلوب ‪" .‬‬
‫الشعر موسيقى " فيقول ‪ " :‬ليس ّ‬
‫"أ ّن ّ‬
‫تسميته باملتحول‪ ،‬ألنّه‬
‫فاإليقاع ال ّداخلي – يقوم على املضامني و ما حتويه من توازي و تكرار‪ ،‬و الذي حيلو للكثريين ّ‬
‫الشعراء‪ ،‬فهو‬
‫متغري من ّشاعر إىل آخر‪ ،‬فهو حمكوم بقيم صوتية باطنية‪ ،‬ومعاين متفاوته القيمة‪ ،‬ختتلف باختالف أمزجة ّ‬

‫‪358‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫الشعر‪ ،‬وهو الّذي قال عنه "شوقي ضيف" أنّه ‪ " :‬موسيقى خفية تنبع‬
‫معيار التّمايز بينهم ‪،‬ال حتكمه قوانني و نواميس ّ‬
‫للشاعر أذنا ّداخلية وراء أذنه الظاهرة‬
‫الشاعر لكلماته ‪ ،‬و ما بينها من تالؤم يف احلروف و احلركات ‪ ،‬و كأ ّن ّ‬
‫من اختيار ّ‬
‫الشعراء " ‪ 42‬فهي األفكار الّيت‬
‫كل حرف و حركة بوضوح تام ‪ ،‬و هبذه املوسيقى اخلفية يتفاضل ّ‬
‫كل شكلة و ّ‬ ‫تسمع ّ‬
‫املتأمل سريع البديهة ‪،‬و‬
‫الشاعر فينسجها شعرا‪ ،‬فهي نابعة من ثقافته ‪،‬و سعة عقله‪ ،‬ودرجة فهمه ‪،‬فمنهم ّ‬
‫جتري يف خميلة ّ‬
‫قوي القرحية‪ ،‬و منهم املاجن الفاجر املستهرت ‪.‬‬
‫الرصني ّ‬
‫منهم ّ‬
‫الرنّة املوسيقيّة املنبعثة من فن القول‪ ،‬و الّيت عادة ما تنحصر بني الوزن و القافية و ما أصدرت من‬
‫و بعد احلديث عن ّ‬
‫دالالت و إحياءات ‪ ،‬سنحاول أن نستنبط دالالت الباطن من خالل دراسة اإليقاع الداخلي؛ فقصيدة" بكاء القريوان "‬
‫فالشاعر‬
‫الروي‪ ،‬فلقد تكرر املاضي من األفعال دون غريه‪ّ .‬‬ ‫توحي باحلزن و األسى و األسف‪ ،‬و شاهدنا ذلك يف حرف ّ‬
‫فعلوا بصيغة اجلمع‬ ‫ِ‬
‫يُصور ماضي القريوان متأسفا على حاضرها‪ ،‬و كان ميزان املاضي ال ّدائر يف أوائل القصيدة‪ ،‬فعلوا و َ‬
‫حل‬
‫يدل على الكثرة‪ ،‬و هو يعين كثرة النّخبة من العلماء الّذين كانت صناعتهم العلم و املعرفة‪ ،‬و انشغاهلم ّ‬ ‫الّذي ّ‬
‫األئمة و الفقهاء ‪ ،‬الّذين اشتغلوا بعبادة رهبم و زهدوا يف‬ ‫بث األحكام الفاصلة بينهم‪ .‬فهم ّ‬ ‫مشاكل العامة من النّاس ‪ ،‬و ّ‬
‫دنياهم‪ ،‬فعلموا أمورا جهلها أصحاب ال ّدنيا ‪ ،‬فبالتّقى يكون العلم " و اتم ُقوا اهلل َو يُ َعلِ ُم ُكم اهلل و اهلل بِ ُك ِّل َشْي ٍئ َعلِيم "‬
‫‪ 43‬داللة على تنوع العلوم و كثرهتا ‪ ،‬و األفعال كلّها تصف أهل القريوان ‪ ،‬كيف كان حاهلم يف دنياهم ‪ ،‬و كم الّيت‬
‫اُبتدأت هبا القصيدة ال ّدالة على العدد و تعين الكثرة‪ ،‬و يف صيغة اجلمع من وزن الفعل املاضي داللة على اإلجتماع و‬
‫رد مظلمة أو توضيح أمر استبهم ‪.‬‬
‫اإلحتاد الّذي ساد أهل القريوان‪ ،‬و يف مد يد العون للذين احتاجوا فتوة أو ّ‬
‫كل هذا كان يف املاضي‪ ،‬و أصبح اآلن خرابا و دمارا على أيدي سفلة غاصبني ‪.‬‬
‫و لكن ّ‬
‫و تبقى صيغة اجلمع دائما يف القصيدة كثرية الدوران يف األفعال كما يف األمساء ‪ ،‬فاألمساء معظمها مستخلصة من‬
‫دل على العافية و االستقرار الّلذان كانت تنعم هبما القريوان قبل هذا اهلجوم‬‫الصحيح ّ‬‫الصحيح ‪ ،‬فالفعل ّ‬ ‫الثّالثي ّ‬
‫فصريمها خرابا و دمار‪.‬‬
‫السافل الّذي أملّ هبا و بأهلها ّ‬
‫ّ‬

‫‪359‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫أوزان مختلفة‬ ‫و األجوف‬ ‫الثالثي الصحيح‬


‫اِبيّض – افتعل‬ ‫ساد‬ ‫كرم‬
‫ُ‬
‫عاون ‪-‬اتقى‬ ‫نال‬ ‫مشخ‬
‫حل‬
‫أسمر – م‬ ‫صان‬ ‫هذب‬
‫أعلن – تبتل‬ ‫طاع‬ ‫فضل‬
‫ُ‬
‫عمي‬ ‫مجع‬
‫ساءل – خاصم – تنازع – دجا‪-‬‬ ‫كشف‬
‫رأى‬ ‫قنت – فقه‬
‫هجر – طلب‬
‫فجر‬
‫دل على العلّة الّيت أصابت قلوب مواطين القريوان بسبب ما حلق هبا ‪،‬وقلب شاعرنا على‬
‫و ّأما األجوف معتل الوسط ّ‬
‫الصفات العالية‬
‫وجه اخلصوص ‪ ،‬و هذه اجملموعة من األفعال‪ ،‬استخلصت من االمساء الواردة يف القصيدة و ال ّدالة على ّ‬
‫األئمة هم سادة القوم و علّيتهم ‪،‬فهم القادة‬
‫باألئمة ‪،‬و ّ‬
‫اتصف هبا أهل القريوان ‪،‬فقد وصفهم ّ‬
‫السامية الّيت ّ‬
‫و األخالق ّ‬
‫الصواب يف أمور دينهم و دنياهم ‪.‬‬
‫الّذين يأخذون بنواصي النّاس إىل جادة ّ‬
‫تدل على الثّبوت و االستقرار ‪ ،‬فقد ثبت هذا اخلراب‬
‫كما أ ّن اجلمل االمسية كان دوراهنا واضحا يف القصيدة‪ ،‬و الّيت ّ‬
‫و صار رأي العيان‪ ،‬و أ ّن ذلك اجلمال و التّناسق الالمتناهي صار من املاضي الّذي ال وجود له اآلن ‪.‬‬
‫ّأما اجلمل الفعلية و الّيت ال يقل دوراهنا عن سابقتها وقد دلّت على التّجدد و التّحول‪ ،‬و تعين كيف صار أهل‬
‫حل مكاهنم أناس أغراب مهجة؛ ال دين‬
‫القريوان ‪ ،‬وكيف صار حاهلم‪ ،‬و تغري وضعهم ‪،‬فقد تشتتوا بعدما كانوا عصبة ‪،‬و ّ‬
‫الشيوخ و األطفال‪ ،‬طمسوا معامل املدينة ‪،‬حولوا اجلمال قبحا ‪،‬‬
‫ذحبوا ّ‬
‫هلم و ال أخالق‪ .‬استباحوا احملارم‪ ،‬ه ّدموا الصوامع‪ّ ،‬‬
‫الرقي احنطاطا ‪.‬‬
‫و ّ‬
‫الصور البيانية ‪ ،‬فكان للكناية األثر‬
‫الصوت يف القصيدة ‪ّ ،‬أما عن املعاين الّيت دلّت عليها ّ‬
‫هذا ما كان من جانب ّ‬
‫البارز ‪ ،‬داللة على شرف و كرم أهل البلدة و طيب و مسو أخالقهم‪ ،‬و ترفعهم عن كل دنيمة و سوء طبع ‪ ،‬استوى‬
‫الشرور للخلق ‪ ،‬هلم أيادي بيضاء مثلما هلم وجوه كذلك‪ ،‬متبحرين يف العلوم‪ .‬فاصتبغ ذلك‬
‫باطنهم بعلنهم ‪،‬ال يضمرون ّ‬
‫الرأي‪ ،‬فقهاء زهادا عباداً هنارا رهبانا متبتلني ليال ‪.‬‬
‫يف سلوكهم فقد كانوا سديدي ّ‬

‫‪360‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫واجملاز املرسل يف قوله األمور استبهمت و استغلقت‪ ،‬فاألمور الّيت تستبهم هي ليست ذوات و إّّنا البشر هم الّذين‬
‫ني لَِرِّهبِم " جماز مرسل‬‫يصعب عليهم فهمها فيلجأون إىل علمائهم وفقهائهم لفهمها و يف قوله ‪ " :‬هجروا امل ِ ِِ‬
‫ضاج َع قَانت َ‬
‫َ َُ َ‬
‫َ‬
‫فكل ما يقوم به القوم هو رجاء نوال ثواب اآلخرة ‪.‬‬
‫باعتبار ما سيكون‪ّ ،‬‬
‫التّكرار ‪:‬‬
‫فهذا التّوازي له أمهية بالغة يف توضيح معامل اإليقاع فهو عبارة عن " تكرار حيدث يف البنية النّحوية مع اختالف هذه‬
‫‪44‬‬
‫الشعري‪ ،‬وذلك ال يكون ّإال بسبب‬‫الصوتية له األثر البالغ يف انسجام النّص ّ‬
‫فتغري اللّفظ وثبات الوحدات ّ‬
‫ّ‬ ‫البنية "‬
‫التّكرار الّذي ينتج عنه التّوازي الّذي ينظّم هذا النّغم و يزيده رونقا‪ .‬فلقد بدأ شعره يف رثاء مدينته احملبوبة ب"كم"‬
‫أئمة – متعاونني –‬
‫العددية الدالّة على الكثرة ومل يزل وفيا هلا ‪ ،‬بقيت فواتح أبياته كلها دالّة على اجلمع يف قوله – ّ‬
‫علماء‪ .‬و صيغة اجلمع يف األفعال متوالية ‪ ،‬مجعوا هذبوا‪ ،‬كشفوا و األمثلة كثرية تتواىل لتحدث ذلك التوازي الّذي يضفي‬
‫على النّغم ال ّداخلي مجاال المتناهيا ‪.‬‬
‫ولك أن تقرأ أبيات القصيدة ‪ ،‬أداءا شعريا فتشهد بنفسك تلك التّموجات املوسيقيّة الّيت خيلقها تناسق األلفاظ و‬
‫الصويت اجلميل حيكم النّغم املتزن و هو الكفيل بأخذك إىل عامل اللّطيف عامل اجلمال املطلق‪،‬‬‫انتظام املعاين‪ ،‬فالوقع ّ‬
‫الشعري‪ ،‬و به تستقيم املوسيقى ‪ ،‬فهو داللة‬
‫فتنفعل ذاتك و يسحرك البيان‪ّ .‬أما التّكرار فهو ركيزة أساس يف البناء ّ‬
‫‪45‬‬
‫اللفظ على املعىن مرددا ‪.‬‬
‫ويكون يف احلرف كما يكون يف الكلمة و اجلملة شريطة أن يكون تأكيدا ملعىن واحد ‪.‬‬
‫حصة األسد‪ ،‬فكان دوراهنا مخسا وثالثني مرة وهي صوت جهوري متوسط مذلق‬
‫فقد كان للميم يف األبيات املدروسة ّ‬
‫شفوي املخرج ‪ ،‬وقد خيلق هذا احلرف متعة و ألفة لدى املتلقي‪ ،‬فقد تكرر يف هذا البيت أربع مرات مرتني يف الصدر و‬
‫مثلها يف العجز ‪.‬‬
‫اح ِهم ****** نِعم التِجا ِرةُ طَاعةُ الر ُْح ِ‬
‫ان ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الفردو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫س م ْن أ َْربَ ْ‬
‫َْجت ُروا هبَا ْ َ ْ َ‬
‫مضعفة‪ ،‬وكان ورودها‬ ‫ولقد جاءت امليم خمففة دالّة على اإلذالق و االنسياب إال استثناءا يف لفظ ِ‬
‫أئمة الّيت جاءت ّ‬
‫ّ‬
‫بأعداد خمتلفة يف الصدور و األعجاز ما جعل دوراهنا يضفي على القصيدة موسيقى هادئة منبعثة من نفس مكلومة ‪،‬‬
‫يعتصر قلبها دما و مآقيها دمعا ‪.‬‬
‫فتّكرار احلرف الواحد يف البيت الواحد من شأنه أن خيلق موسيقى منضبطة األنغام ‪ ،‬فإذا ما تكرر صوت احلرف كان‬
‫‪46‬‬
‫الروي وهو النّون و إن كان تعلقه‬
‫كأنّه نقرة تبعتها أخرى على نفس الوتر من نفس املكان ‪ .‬وجيدر بنا ذكر حرف ّ‬

‫‪361‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫تعلقا مباشرا بالقافية و الّيت تعترب من اإليقاعات الثّابتة ‪ّ ،‬إال أنّه عندما تكرر مع األلف وكال احلرفني جهوري فصار‬
‫اجلو نغما وموسيقى‪.‬‬
‫كأهنما اليدين الّلذين حيركان احلبل الّذي تقفز عليه األحلان أو األّنلتني الّلتني حتركان األوتار فتمألن ّ‬
‫ّ‬
‫ومن احلروف الّيت تكررت و كان لوجودها حضور حروف املد ( أ‪،‬و‪،‬ي) فهي حروف م ّد و لني إذا استوفت‬
‫الشروط ‪ ،‬فاحلرف املشبع يأخذ وقتا ليصدر و يلفظ ‪ ،‬و هلا دالالت خمتلفة قد يفهم من دوران األلف القوة و العلو و‬
‫ّ‬
‫الرفعة و السؤدد و السيادة‪ ،‬ومن الياء االنكسار و االستكانة و الذلة‪ ،‬ويف طول صدور هذه‬ ‫الشموخ‪ ،‬و من الواو ّ‬
‫األحرف من خمارجها مشبعة زمن يداعب األمساع أحلانا‬
‫الو ُجوهِ َش َو ِام ِخ اإلميَان‬
‫يض ُ‬‫َك ْم َكا َن فِ َيها ِم ْن كَِرِام َس َاد ٍة ******* بِ ِ‬
‫الصدر فهي مبثابة البالسم‪ ،‬الّيت خترج‬
‫و مبا أن هذه احلروف املدية حروف هوائية تسمح خبروج اهلواء من قفص ّ‬
‫الشاعر اآلالم الّيت يكابدها جراء مغادرته لوطنه عنوة ‪ ،‬وزوال ذلك السؤدد و‬
‫اهلواء زفرات و تأوهات ختفف عن ّ‬
‫اخلاصة من احلكام ‪.‬‬
‫السلطان من مرافقة العلماء و الفقهاء و ّ‬
‫ّ‬
‫فهي تأكيد للمعىن كما هي تأكيد لإليقاع و املوسيقى ‪.‬‬
‫‪ -7‬تكرار الكلمات ‪:‬‬
‫معىن يلمسه املتلقي يف سياق الكالم ‪ ،‬وهذا التّكرار يولّد مظهرا‬ ‫الشاعر كلمة فهو ينوي اإلشارة إىل ً‬ ‫كرر ّ‬ ‫فإذا ّ‬
‫موسيقيا يُلفت األذهان ويوقف العقول للتأمل‪ ،‬فقد تكرر لفظ التّبتل و لفظ التّجارة يف هذا املقام‪:‬‬
‫وإ َذا دجى اللَيل الب ِهيم رأَي تَ هم ******* متَبتِلِني تَبتُل الرْهب ِ‬
‫ان‬ ‫َُ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُْ َ ُ َْ ُْ‬
‫‪........................................................‬‬
‫اح ِهم ****** نِعم التِجا ِرةُ طَاعةُ الر ُْح ِ‬
‫ان ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الفردو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫س م ْن أ َْربَ ْ‬ ‫َْجت ُروا هبَا ْ َ ْ َ‬
‫وكأنّه يريد اإلشارة إىل أ ّن هؤالء القوم قد فهموا احلياة و فقهوا دينهم وعلموا أ ّن ال ّدنيا معرب لآلخرة فتاجروا جتارة‬
‫الرهبان و العباد‪ ،‬الّيت سلعتها التّبتل و التّعبد فلم يركنوا لل ّدنيا‪ ،‬ومل تلههم ملذاهتا ال سيما يف ذلك العصر‪ ،‬وقد بلغت‬
‫ّ‬
‫احلضارة اإلسالمية أوجها وتعلم النّاس أمور دينهم‪ ،‬و لعلّه يف هذه الومضة القصرية استطاع أن يصور لنا واقع احلياة‬
‫عامة يف القريوان ‪ ،‬بلد تعظم ساكنته العلماء و الفقهاء فكيف تكون حال عامتهم ؟‬
‫بصفة ّ‬
‫الرتاخيص العروضية الّيت كان يستعملها من حني‬ ‫وقد برع يف تنويع األساليب اإليقاعية يف شعره الّذي يُلمس من ّ‬
‫جو موسيقي يَنِ ّم عن احلزن‬
‫متعمدة فقد ساعدت يف خلق ّ‬ ‫الزحافات و العلّل و إن كانت غري ّ‬
‫آلخر يف قصيدته‪ ،‬فهذه ّ‬
‫الشاعر ‪ ،‬مصاحبة املعاين صحبة تدل على التّوافق و التّآلف ‪.‬‬
‫واألسى الّلذان كانا يعتصرمها قلب ّ‬

‫‪362‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫جر االمساء الّيت تدخل عليها‪ ،‬وهي تؤدي أيضا دورا بارزا يف ال ّداللة على‬
‫اجلر الّيت من دأهبا ّ‬
‫و من وجوه التّكرار حروف ّ‬
‫معاين مقصودة‪ ،‬لكنّها رّمبا تكون خفيّة قد ال يدركها املتلقي بسهولة ّإال إذا استعان مبعاين هذه احلروف ‪ ،‬و قد تكرر‬
‫دوراهنا يف املقطع األول من القصيدة املقدر بعشرة أبيات ثالثة عشر مرة‪ ،‬ليوضح لنا مكانة العامل و اإلمام يف اجملتمع‬
‫اجلارة (يف)والّيت من معانيها الظّرفية املكانية‪ ،‬فهؤالء العلماء هم سكان البلدة‬
‫القريواين‪ ،‬فكان استعمال الفاء ّ‬
‫ألهنا تضيف معاين األفعال قبلها إىل األمساء بعدها "‬
‫مسكنهم و ملبثهم فيهان‪ ،‬و من معاين أدوات اجلر اإلضافة" ّ‬
‫‪47‬‬
‫بالضمري املتصل اهلاء يف قوله " كم كان فيها " ( اهلاء ) و تعين القريوان‪.‬‬
‫فقد أضافت العلماء إىل البلدة املشار إليها ّ‬
‫‪48‬‬
‫و إن كان هذا املعىن يفهم منه لصوق‬ ‫وحرف الباء و الّذي يفيد معىن اإللصاق و قد ّأدى هذا املعىن جمازا‬
‫العلماء بالقريوان يف قوله مثال " جتروا هبا " هاء الضمري ( القريوان ) كما تؤدي الباء ٍ‬
‫معاين عديدة منها االستعانة فهؤالء‬
‫العامة‬
‫حل مشاكل ّ‬
‫العلماء كانوا مستعينني بالعلم و املعرفة الّيت درسوها يف بلدهتم ويف غريها من البالد العربية املسلمة يف ّ‬
‫اخلاصة على السواء ‪.‬‬
‫و ّ‬

‫‪-8‬خاتمة‪:‬‬
‫الصوتية‬
‫القراء و الباحثني بقصيدة ابن رشيق املسيلي يعود إىل بنائها احملكم الّذي متثل يف شبكة العالقات ّ‬
‫فإ ّن اهتمام ّ‬
‫الصرفية و الّلغوية ‪.‬‬
‫و ّ‬
‫فقد وظّف التّكرار يف القصيدة ألسباب ع ّدة منها ماهو نفسي و ما هو فين ‪ ،‬فللجانب النّفسي تأثري يف املتلقي أل ّن‬
‫الرثاء غرض ج ّد نابع من صميم الفؤاد‪،‬‬
‫ّ‬
‫لذلك جيد وقعا حسنا يف أفئدة املتلقني‪ ،‬و ّأما اجلانب الفين فال نلمس يف القصيدة اجلري وراء األلفاظ وال التّزاويق‬
‫الشاعر فرتمجها شعرا متناسق األنسجة على ّنط موسيقي موحد‪،‬‬ ‫الفنيّة ‪،‬بل تعابريه عفوية‪ ،‬تعرب عن جتربة قاسية عاناها ّ‬
‫الصدر مثّ تتباطأ يف العجز وهكذا‪ّ ،‬إال أ ّن امللموس يف ذلك هو بعده‬
‫حيسها القارئ تبدأ سريعة يف ّ‬
‫بذبذبات متناغمة ّ‬
‫املخل ‪ ،‬و كذلك أنّه اكتفى بتعداد احملاسن مث انتقل إىل وصف اخلراب الّذي طاهلا ‪ ،‬وال‬
‫الرتابة اململّة و التّكرار ّ‬
‫عن ّ‬
‫الروح اليائسة الّيت‬
‫وحيس املتلقي ّ‬
‫ّ‬ ‫نلمس يف ذلك حماولته شحن اهلمم أو إثارة النّفوس السرتجاع الفردوس املسلوب‪،‬‬
‫الزمان‪ ،‬فاكتفت بالتّأسي و األسف ولغة من ليس بيده حيلة و بذلك نلمس يف القصيدة‬ ‫حطمت معنوياهتا نوائب ّ‬
‫طغيان خطاب الضحية‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫الشاعر استطاع أن يصور لنا منحىن بياين قلمما يتمكن منه شاعر ‪ ،‬إذ ابتدأ بإيقاع‬
‫واجلميل يف القصيدة أيضا أ ّن ّ‬
‫الشعرية يف تصوير احلضارة‬
‫فجر مجيع طاقاته ّ‬‫صاخب نابض باحلركة مصورا احلياة جبميع مناحيها يف القريوان ‪ ،‬وقد ّ‬
‫الصعود الّذي بدأه وهو‬
‫الرقي و االزدهار مثّ ينزل بعد ذلك ّ‬
‫اإلسالمية يف بلده القريوان‪ ،‬و آثارها و سريها احلثيث حنو ّ‬
‫الروي صعودا حبرف اإلشباع‬
‫يصور اخلراب و أنواع التّساليط الّيت حلقت بالقريوان وبأهلها وهو نفس اإليقاع املوجود يف ّ‬
‫األلف مث نزوال إىل النّون حرف األنني وصوت املرضى و الضعفاء ‪.‬‬
‫وقد كان هذا من جانب املعاين ‪ ،‬و ما استخلصناه من خالل قراءاتنا اخلاصة ‪.‬‬
‫الشعرية مل تكن لتُقال ّإال‬
‫ّأما وقد أشرنا إىل وقع اإلنشاد و اإللقاء و دوره يف التأثري املباشر على املتلقي‪ ،‬فالقصيدة ّ‬
‫ألجل غرض ما ‪ّ ،‬إما إلفحام خصم ‪ ،‬أو لنوال صلة ‪ ،‬أو ألجل الظّهور و الربوز أمام األقران أو وسط القبيلة ‪ ،‬فالوقع‬
‫السحر الّذي يهيمن على األذهان‪ ،‬فتلني‬ ‫السامع و جيذبه‪ ،‬وهذا هو ّ‬ ‫احلسن الذي يرتكه اإللقاء على األمساع ‪،‬هو ما يش ّد ّ‬
‫النيب الكرمي (صلعم) يف قوله‪ " :‬إِ من ِم َن البَ يَاِن لَ ِس ْحَرا" هذا من جهة الوقع ‪ ،‬أما‬
‫و ختضع و ترضخ ‪ ،‬وذلك ما أشار إليه ّ‬
‫سر االجنذاب ‪ .‬فذلك اللّحن الّذي يعرفه أهل‬ ‫ما حيمله معىن اإليقاع ‪ ،‬فاإليقاع حلن ‪ ،‬و اللحن مجال ‪ ،‬و اجلمال ّ‬
‫بالسامعني فيجذهبم و‬
‫الشعراء ألنفسهم ‪ ،‬هو ما يوقع ّ‬
‫االختصاص كالّ يف جماله ‪ ،‬حنوا كان أو لغة وعروضا‪ ،‬والّذي جوزه ّ‬
‫تئن له األرواح ‪ .‬و اهلدف من الوقع و اإليقاع‬
‫يش ّدهم‪ ،‬و بالتّايل يسيطر على عقوهلم و أفئدهتم‪ ،‬فرتضخ له النّفوس و ّ‬
‫الشاعر هو منطقهم‪ ،‬و رأيه هو رأيهم‪ ،‬لكنه متيز عنهم بطريقة‬
‫واحد وهو التأثري و مشاركة النّاس عقوهلا‪ ،‬فريون منطق ّ‬
‫السر ّإال من كان هدف اخلطاب‬
‫سر وال يدرك هذا ّ‬ ‫إيصاله إليهم‪ ،‬يف حلّة يتعجبون منها و ينبهرون هبا ‪ ،‬فاإللقاء ّ‬
‫السالطني و أصحاب الشأن املدح و اإلطراء و هابت الذم و اهلجاء‪.‬‬‫املباشر‪ ،‬ولذلك أحبّت امللوك و ّ‬
‫‪ -9‬قائمة المصادر و المراجع ‪:‬‬
‫القرآن الكريم‪ :‬سورة البقرة اآلية ‪.682‬‬
‫المؤلفات‪:‬‬
‫‪ .2‬إبراهيم أنيس ‪،‬موسيقى الشعر‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية ‪ ،‬مصر‪ ، 2996 ،‬ط‪.6‬‬
‫‪ .6‬ابن األثري ‪ ،‬املثل السائر يف األدب الكاتب و الشاعر ‪ ،‬الدار البيضاء للطباعة و النشر ‪ ،‬مصر ج‪ ( ، 6‬د‪.‬ط ) (‬
‫د‪-‬ت ) ‪.‬‬
‫‪ .3‬ابن رشيق املسيلي ‪ ،‬العمدة ‪ ،‬باب اإلنشاد و ما ناسبه ‪ ،‬ج‪.6‬‬
‫‪ .4‬ابن طباطبا ‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح طه احلاجري ‪ ،‬حممد زغلول السالم ‪ ،‬املكتبة التجارية‪ ،2992 ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫‪ .9‬أبو احلسن أُحد بن حممد العروضي‪ ،‬اجلامع يف العروض و القوايف ‪،‬تح زهري غازي زاهد ‪ ،‬هالل ناجي ‪ ،‬دار‬
‫اجليل‪،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .2‬أبو احلسن علي بن رشيق املسيلي ‪ ،‬العمدة يف حماسن الشعر و آدابه و نقده ‪ ،‬تح عبد احلميد هنداوي ‪ ،‬املكتبة‬
‫العصرية ‪ ،‬صيدا بريوت ‪2466،‬ه ‪ 6002 /‬م ‪ ،‬ط‪ / ، 2‬بّنِّد ‪ :‬ما كان لفظه قليال و معناه جزيال ‪ ،‬املعجم‬
‫الوسيط‪.‬‬
‫‪ .7‬أبو علي احلسن بن رشيق ‪ ،‬العمدة يف حماسن الشعر و اآلدابه و نقده ‪،‬تح عبد احلميد هنداوي ‪،‬املكتبة العصرية‬
‫‪،‬صيدا بريوت‪ ،‬ط‪2،2466‬ه ‪6002/‬م ‪ *،‬ينظر‪ ،‬العمدة‪ ،‬رأي أبو احلسن علي بن رشيق املسيلي ‪.‬‬
‫‪ .8‬أبو علي احلسن بن رشيق ‪ ،‬العمدة‪،‬ج‪.6‬‬
‫‪ .9‬إحسان عباس ‪ ،‬خصائص احلروف و معانيها ‪ ،‬دراسة ‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب العرب ‪. 2998 ،‬‬
‫‪ .20‬إمساعيل عز الدين‪ ،‬األسس اجلمالية يف النقد األديب ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬مصر‪ ،2974 ،‬ط‪. 3‬‬
‫‪ .22‬تامر سلوم ‪،‬أسرار اإليقاع يف الشعر العريب ‪،‬دار املرساة للطباعة و النشر و التوزيع ‪،‬الالذقية – سوريا‪،2994 ،‬‬
‫ط‪. 2‬‬
‫‪ .26‬توفيق الزيدي ‪،‬مفهوم األدبية يف الرتاث النقدي‪ ،‬سراس للنشر‪ ،‬تونس ‪.2988‬‬
‫‪ .23‬د – ابتسام أُحد ُحدان ‪ ،‬األسس اجلمالية لإليقاع البالغي يف العصر العباسي‪ ،‬تح ‪ ،‬تد أُحد عبد اهلل فرهود ‪،‬‬
‫دار القلم العريب ‪ ،‬حلب سوريا ‪2997 ،‬م – ‪2428‬ه ‪،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .24‬د‪ -‬بشري خلدون ‪ ،‬احلركة النقدية على أيام ابن الرشيق املسيلي ‪ ،‬اجلزائر عاصمة الثقافة العربية‪.6007 ،‬‬
‫‪ .29‬د‪ .‬فؤاد زكرياء ‪ ،‬التعبري املوسيقى ‪ ،‬مكتبة ‪ ،‬مصر‪ 2980، ،‬ط‪. 2‬‬
‫‪ .22‬ريتشاردز ‪ ،‬مبادئ النقد األديب ‪ ،‬تر مصطفى بدوي ‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‪.2922 ،‬‬
‫‪ .27‬زكي جنيب حممود ‪ ،‬يف فلسفة النقد ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،2979 ،‬ط‪1 .،2‬‬
‫‪ .28‬سعيد أُحد غراب ‪ ،‬من روائع األدب العريب يف العصر اجلاهلي ‪ ،‬دار العلم و اإلميان ‪ ،‬داسوق مصر ‪،‬‬
‫‪6022‬م ‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫* قول املستشرق األملاين ‪ ":‬تيدور نولدكه "‬ ‫‪ .29‬شوقي ضيف ‪،‬تاريخ األدب العريب ‪ ،‬دار املعارف ‪،‬ط‪.، 6‬‬
‫‪ .60‬شوقي ضيف‪ ،‬يف النقد األديب ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬القاهرة‪ ،6004 ،‬ط‪. 9‬‬
‫‪ .62‬طاهر مكي ‪ ،‬امرؤ القيس دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪. 2928 ، 2‬‬

‫‪365‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫‪ .66‬عبد الكرمي النهشلي ‪ ،‬اختيار املمتع يف علم الشعر و عمله ‪ ،‬تح ‪ :‬حممود شاكر القطان ‪ ،‬طبع مبطابع اهليئة‬
‫املصرية العامة للكتاب ‪ ، 6002 ،‬ط‪ ، 6‬ج‪. 2‬‬
‫‪ .63‬قدامة بن جعفر ‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬تح عبد احلميد العبادي ‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ . ،2933 ،‬وهو الكتاب‬
‫املسمى‪ :‬الربهان يف وجوه البيان ملؤلفه اسحاق بن وهب و املنسوب خطأ لقدامة‪.‬‬
‫‪ .64‬جمدي وهبة ‪ ،‬معجم مصطلحات األدب ‪ ، 481 rythm‬مكتبة لبنان ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مادة ‪.2974‬‬
‫‪ .69‬حممد رمضان شاوش ‪ ،‬الدر الوقاد من شعر بكر بن ُحاد التاهريت ‪،‬سحب الطباعة الشعبية للجزائر ‪ ،‬صدر هذا‬
‫الكتاب عن وزارة الثقافة‪.‬‬
‫‪ .62‬حممد زكي العشماوي ‪ ،‬فلسفة اجلمال ‪ ،‬دار النهضة للطباعة و النشر ‪ ،‬بريوت‪1 .2982،‬‬
‫‪ .67‬حممد مقداد شكر قاسم ‪ ،‬البنية اإليقاعية يف الشعر اجلواهري ‪ ،‬دار الدجلة عمان ‪ ،‬األردن‪ ، 6020 ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ .68‬حممود عسريان حممد ‪ ،‬اإليقاع يف الشعر العريب ‪ ،‬شوقي ّنوذجا ‪ ،‬مكتبة بستان املعرفة اإلسكندرية مصر‪،‬‬
‫‪ ، 6027‬مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫‪ .69‬خمتار حبار ‪ ،‬اخلطاب األديب القدمي يف اجلزائر دراسة ببليوغرافيا ‪ ،‬منشورات خمترب احلطاب األديب يف اجلزائر‬
‫‪،‬جامعة وهران ‪ ،‬منشورات دار األديب ‪. 6007،‬‬
‫‪ .30‬مصطفى اجلوزو ‪ ،‬نظريات الشعر عند العرب ( اجلاهلية و عصر اإلسالم ) ‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪،‬‬
‫بريوت ‪ ، 2988 ،‬ص‪293‬‬
‫المجالت‪:‬‬
‫‪ .32‬األب أداة خليل اليسوعي ‪ ،‬اإليقاع يف الشعر العريب ‪،‬جملة فصول‪ ،‬م‪، 2‬غ‪. 2982، 8‬‬
‫‪- .36‬د‪/‬البلعبكي‪ ،‬معجم روائع احلكم و األقوال اخلالدة ‪ ،‬دار العلوم اخلالدة ‪ ،‬دار العلم للماليني ( مقال‪) -6 -‬‬
‫ط‪، 3‬فرباير ‪ ،6002‬الشعر والشعراء‪.‬‬
‫راجحة عبد السادة سليمان ‪ ،‬مالمح من مسات احلضارة يف شعر عدي بن زيد العبادي ‪ ،‬جملة كلية اآلداب‬ ‫‪.33‬‬
‫جامعة املستنصرية‪ ،‬العدد ‪. 202‬‬
‫‪ .34‬جمدي العقيلي ‪ ،‬السماع عند العرب ‪ ،‬منشورات رابطة خرجيي الدراسات العليا‪ ،‬ط ‪، 2‬ج‪.4‬‬
‫‪ .39‬حممود الفخوري‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬جملة الرتاث العريب ‪ ،‬إحتاد الكتاب العرب‪ ،‬العددان ‪ ،86/82‬رجب ذو القعدة‪،‬‬
‫‪. 6002‬‬
‫األطروحات‪:‬‬

‫‪366‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫‪ .32‬فاطمة الزايدي ‪ ،‬االتساق و االنسجام يف شعر رزاق حممود احلكيم‪ ،‬دراسته يف ديوان األرق ‪ ،‬دراسة مقدمة‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه علوم يف اللغة ‪ /‬اشراف د ‪ :‬عز الدين صحراوي ‪،‬كلية اآلداب و اللغات ‪ ،‬قسم اللغة العربية و‬
‫آداهبا ‪ ،‬جامعة باتنة ‪ ،‬اجلزائر‪.6023،‬‬
‫مراجع بالغة الفرنسية‬
‫‪37. Beneviste . problemes de linguistique génerale.ti.col.tel.gallimard..1986.‬‬

‫‪ -11‬الهوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬طاهر مكي ‪ ،‬امرؤ القيس دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ،2928 ، 2‬ص ‪. 283/286‬‬
‫‪ -2‬حممود الفخوري‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬جملة الرتاث العريب ‪ ،‬إحتاد الكتاب العرب‪ ،‬العددان ‪ ،86/82‬رجب ذو القعدة‪ 6002 ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪ -3‬حممود عسريان حممد ‪ ،‬اإليقاع يف الشعر العريب ‪ ،‬شوقي ّنوذجا ‪ ،‬مكتبة بستان املعرفة اإلسكندرية مصر‪ ، 6027 ،‬مقدمة الكتاب‪،‬‬
‫ص‪.6‬‬
‫* قول املستشرق األملاين ‪ ":‬تيدور نولدكه "‬ ‫‪ - 4‬شوقي ضيف ‪،‬تاريخ األدب العريب ‪.‬‬
‫‪- 5‬د‪/‬البلعبكي‪ ،‬معجم روائع احلكم و األقوال اخلالدة ‪ ،‬دار العلوم اخلالدة ‪ ،‬دار العلم للماليني ( مقال‪ ) -6 -‬ط‪، 3‬فرباير ‪،6002‬‬
‫الشعر والشعراء‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -6‬أبو علي احلسن بن رشيق ‪ ،‬العمدة يف حماسن الشعر و اآلدابه و نقده ‪،‬تح عبد احلميد هنداوي ‪،‬املكتبة العصرية ‪،‬صيدا بريوت‪،‬‬
‫ط‪2،2466‬ه ‪6002/‬م ‪ ،‬ص ‪ * 26‬ينظر‪ ،‬العمدة‪ ،‬رأي أبو احلسن علي بن رشيق املسيلي ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪ -7‬ابن رشيق املسيلي ‪ ،‬العمدة ‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫‪ -8‬املرجع نفسه ص‪28‬‬

‫‪-9‬ينظر أبو احلسن علي بن رشيق املسيلي ‪ ،‬العمدة يف حماسن الشعر و آدابه و نقده ‪ ،‬تح عبد احلميد هنداوي ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪،‬‬
‫صيدا بريوت ‪2466،‬ه ‪ 6002 /‬م ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ص‪ / 26‬بّنِّد ‪ :‬ما كان لفظه قليال و معناه جزيال ‪ ،‬املعجم الوسيط‬
‫‪ -10‬ابن رشيق املسيلي ‪ ،‬العمدة ‪ ،‬باب اإلنشاد و ما ناسبه ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص‪. 326‬‬
‫‪ -11‬سعيد أُحد غراب ‪ ،‬من روائع األدب العريب يف العصر اجلاهلي ‪ ،‬دار العلم و اإلميان ‪ ،‬داسوق مصر ‪6022 ،‬م ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ص‪. 66‬‬
‫‪- 12‬عبد الكرمي النهشلي ‪ ،‬اختيار املمتع يف علم الشعر و عمله ‪ ،‬تح ‪ :‬حممود شاكر القطان ‪ ،‬طبع مبطابع اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪،‬‬
‫‪ ، 6002‬ط‪ ، 6‬ج‪ ، 2‬ص‪.72‬‬
‫‪ -13‬توفيق الزيدي ‪،‬مفهوم األدبية يف الرتاث النقدي‪ ،‬سراس للنشر‪ ،‬تونس ‪ ، 2988‬ص ‪. 237‬‬
‫‪ -14‬زكي جنيب حممود ‪ ،‬يف فلسفة النقد ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،2979 ،‬ط‪ ،2‬ص ‪. 66‬‬

‫‪367‬‬
‫املجلد‪ 70 :‬عدد‪( 70:‬جوان‪ )0702‬الصفحة‪863-843:‬‬ ‫جسور املعرفة )‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫‪ -15‬د‪ .‬فؤاد زكرياء ‪ ،‬التعبري املوسيقى ‪ ،‬مكتبة ‪ ،‬مصر‪ 2980، ،‬ط‪ ،6‬ص ‪. 62‬‬
‫‪- 16‬ينظر ‪.beneviste . problemes de linguistique génerale.ti.col.tel.gallimard..1986.p327‬‬
‫‪ -17‬د – ابتسام أُحد ُحدان ‪ ،‬األسس اجلمالية لإليقاع البالغي يف العصر العباسي‪ ،‬تح ‪ ،‬تد أُحد عبد اهلل فرهود ‪ ،‬دار القلم العريب ‪،‬‬
‫حلب سوريا ‪2997 ،‬م – ‪2428‬ه ‪،‬ط‪ ، 2‬ص ‪. 27‬‬
‫‪ -18‬ابن طباطبا ‪ ،‬عيار الشعر‪ ،‬تح طه احلاجري ‪ ،‬حممد زغلول السالم ‪ ،‬املكتبة التجارية‪ ،2992 ،‬القاهرة ‪،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪19‬‬
‫ينظر‪ ،‬جمدي وهبة ‪ ،‬معجم مصطلحات األدب ‪ ،‬مكتبة لبنان ‪ ،‬بريوت ‪ 2974 ،‬مادة‪-481 rythm‬‬
‫‪ - 20‬جمدي العقيلي ‪ ،‬السماع عند العرب ‪ ،‬منشورات رابطة خرجيي الدراسات العليا‪ ،‬ط ‪، 2‬ج‪ ،4‬ص‪. 97‬‬
‫‪ -21‬األب أداة خليل اليسوعي ‪ ،‬اإليقاع يف الشعر العريب ‪،‬جملة فصول‪ ،‬م‪، 2‬غ‪، 2982، 8‬ص ‪229‬‬
‫‪ -22‬ينظر حممد زكي العشماوي ‪ ،‬فلسفة اجلمال ‪ ،‬دار النهضة للطباعة و النشر ‪ ،‬بريوت‪ ،2982،‬ص ‪.266‬‬
‫‪ -23‬ريتشاردز ‪ ،‬مبادئ النقد األديب ‪ ،‬تر مصطفى بدوي ‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‪ ،2922 ،‬ص ‪. 288‬‬
‫‪ - 24‬إمساعيل عز الدين‪ ،‬األسس اجلمالية يف النقد األديب ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬مصر‪ ،2974 ،‬ط‪ ، 3‬ص ‪. 227‬‬
‫‪ -25‬قدامة بن جعفر ‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تح كمال مصطفى ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬اخلاجني ‪ 2923 ،‬م ‪ ،‬ط‪ ، 3‬ص ‪. 292‬‬
‫‪ -26‬حممود عسران ‪،‬اإليقاع يف الشعر العريب ‪ ،‬شوقي ّنوذجا ‪ ،‬ص‪. 62‬‬
‫‪ -27‬د‪ -‬بشري خلدون ‪ ،‬احلركة النقدية على أيام ابن رشيق املسيلي ‪ ،‬اجلزائر عاصمة الثقافة العربية‪ ،6007 ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪ -28‬قدامة بن جعفر ‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬تح عبد احلميد العبادي ‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ ،2933 ،‬ص ‪ . 80‬وهو الكتاب املسمى ‪ :‬الربهان‬
‫يف وجوه البيان ملؤلفه اسحاق بن وهب و املنسوب خطأ لقدامة‪.‬‬
‫‪ -29‬تامر سلوم ‪،‬أسرار اإليقاع يف الشعر العريب ‪،‬دار املرساة للطباعة و النشر و التوزيع ‪،‬الالذقية – سوريا‪ ، 2994 ،‬ط‪،2‬ص ‪. 284‬‬
‫‪ -30‬مصطفى اجلوزو ‪ ،‬نظريات الشعر عند العرب ( اجلاهلية و عصر اإلسالم ) ‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪ ،‬بريوت ‪، 2988 ،‬‬
‫ص‪293‬‬
‫‪ -31‬ابن رشيق املسيلي ‪،‬العمدة‪،‬ص ‪. 322‬‬
‫‪ - 32‬ينظر‪ ،‬أبو احلسن أُحد بن حممد العروضي‪ ،‬اجلامع يف العروض و القوايف ‪،‬تح زهري غازي زاهد ‪ ،‬هالل ناجي ‪ ،‬دار اجليل‪،‬بريوت‪،‬‬
‫ص ‪. 269‬‬
‫‪- 33‬إحسان عباس ‪ ،‬خصائص احلروف و معانيها ‪ ،‬دراسة ‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب العرب ‪، 2998 ،‬ص ‪. 2‬‬
‫‪-34‬املصدر نفسه ص ‪68‬‬
‫‪-35‬املصدر نفسه ص‪.32‬‬

‫‪368‬‬
‫قاسم الشيخ‬ ‫بنية إلايقاع في الشعر الجزائري القديم ‪ -‬بكاء القيروان أنموذجا‪-‬‬

‫‪36‬حممد رمضان شاوش ‪ ،‬الدر الوقاد من شعر بكر بن ُحاد التاهريت ‪،‬سحب الطباعة الشعبية للجزائر ‪ ،‬صدر هذا الكتاب عن وزارة‬
‫الثقافة مبناسبة اجلزائر عاصمة الثقافة العربية ‪ ،6002‬ص ‪89‬‬
‫‪ - 37‬ينظر‪ ،‬خمتار حبار ‪ ،‬اخلطاب األديب القدمي يف اجلزائر دراسة ببليوغرافيا ‪ ،‬منشورات خمترب احلطاب األديب يف اجلزائر جامعة وهران ‪،‬‬
‫منشورات دار األديب ‪ ،6007،‬ص ‪. 80‬‬
‫‪ -38‬أبو علي احلسن بن رشيق ‪ ،‬العمدة‪،‬ج‪،6‬ص‪326‬‬
‫‪ -39‬راجحة عبد السادة سليمان ‪ ،‬مالمح من مسات احلضارة يف شعر عدي بن زيد العبادي ‪ ،‬جملة كلية اآلداب جامعة املستنصرية‪،‬‬
‫العدد ‪، 202‬ص ‪. 94‬‬

‫‪369‬‬

You might also like