Professional Documents
Culture Documents
�أمثـال العـرب
حكمة وبالغة وأدب
ومن احلكايات التي تواترت عنه �أن �أوالد املدينة اجتمعوا حوله
يغيظونه وي�سخرون منه ف�أراد التخ ّل�ص منهم فقال لهم� :إن يف دار
فالن عر�س ًا ووليمة فاذهبوا �إليه ،فتفرقوا عنه ،فت�أمل يف قوله
-28-
فحدثته نف�سه �أنه رمبا كان ما قاله للأوالد �صحيح ًا فراح يجري
وراءهم.
وذهب �أ�شعب يوم ًا مع ابنه لوليمة فالحظ �أن ابنه كان ي�شرب
كثري ًا من املاء فلكزه م�ؤنب ًا وقال له« :ويحك �أمامك كل هذا الطعام
ومتلأ معدتك باملاء» .فقال له ابنه�« :إمنا �أ�شرب املاء بعد كل لقمة
لأزيحها و�أف�سح املجال للقمة �أخرى ،ت�أمل �أ�شعب يف ذلك فلكز ابنه
ثانية وقال (ويحك) تعرف هذا ومل تخربين به».
حب الطمع ،يظهر �أنه هو بدوره ورثه وكما �أورث �أ�شعب ابنه ّ
عن �أمه ،فقد قال� :إنه وهب له غالم فجاء به �إىل بيته وخ�شي �أن
يقول لها �إنه هدية له فتموت فرح ًا ،ف�س�ألته عنه فقال :هو (غني)،
فقالت :وما غني؟ فقال :الم ،فقالت :وما الم؟ فقال� :ألف .فقالت:
وما �ألف؟ فقال :ميم ،قالت :وما ميم؟ فقال :وهب يل غالم ،فغ�شي
أقطع احلروف ملاتت!. عليها فرح ًا ،فقال :ولو مل � ّ
)16اع ِقل وتو ّكل:
منحنا اهلل تعاىل العقل ،لنف ّكر كثري ًا قبل البدء ب�أي عمل� ..إن
التفكري ال�سليم يقود �إىل الطريق ال�صحيح ،ويج ّنب الإن�سان الوقوع
يف اخلط�أ ،وقدمي ًا رددت العرب املثل امل�شهور :اعقل وتو ّكل….
وحكايته �أن �أعرابي ًا م ّر ب�إحدى املدن وهو يف طريق �سفره ،وكان
امل�ؤذن ينادي لل�صالة ..فرتك الأعرابي ناقته يف الطريق ،ودخل
�إىل امل�سجد لي�ؤ ّدي الفري�ضة ،وقد ر�أى رجل امل�شهد فقال له:
-29-
� -أال تخ�شى يا �أخي �أن ت�شرد ناقتك و�أنت يف امل�سجد؟
�أجاب الأعرابي :لقد تركتها متوك ًال على اهلل..
هز الرجل بر�أ�سه وعاد يقول :ا�سمع مني ..اربط ناقتك بجذع
تلك ال�شجرة ،ثم ادخل متو ّك ًال على اهلل� ..أ ّما �أن ترتكها ح ّرة وتغيب
عنها ،فلي�س يف ذلك حكمة ،ولعلك لن جتدها عند خروجك من
امل�سجد..
مل ي�ستمع الأعرابي لن�صح الرجل ،وترك ناقته يف الطريق ،ودخل
لل�صالة ،وما هي غري دقائق حتى �شردت الناقة وابتعدت غائبة عن
و�شما ًال ،ويبحث عن ناقتهالأنظار ،خرج الأعرابي وراح يتلفت مينة ِ
هنا وهناك دون جدوى ،ف�ضرب كف ًا بكف وهو يقول ب�أ�سف:
-ليتني عقلتها وتو ّكلت
و�صارت العبارة مث ًال يردده النا�س على كل من يعتزم �أمر ًا
فيقولون له :اع ِقل وتو ّك ْل!..
� )17أعيا من باقل:
تع ّد الفطنة والفرا�سة من ف�ضائل ال�شخ�صية العربية ،وقد ُعرف
من �أذكياء العرب طائفة من النابهني احلكماء ،ومنهم «�إيا�س بن
وح�سن احلكم على معاوية املُزين» الذي ُ�ض ِرب املثل به يف الذكاء ُ
الأمور ،فقيل «�أزكن من �إيا�س» وباملقابل ُع ّد الغباء والتب ّلد الذهني
-30-
ف�ضرب املثل يف العي ،برجل من �سمات �ضعف ال�شخ�صية والتخ ّلفُ ،
وحكيت عنه حكايات كثرية من قبيلة «ربيعة» بلغ يف ُحم ِقه ح ّد ًا كبري ًا ُ
حتى ُ�ضرب به املثل فقيل�« :أعيا من باقل».
ومن تلك احلكايات� ،أنه ا�شرتى يوم ًا ظبي ًا ب�أحد ع�شر درهم ًا،
الظبي؟ فما كان منه �إالف�سئل :بكم ا�شرتيت ّ بقوم ُ
ويف طريقه م ّر ٍ
�أن م ّد ك ّفيه و�أخرج ل�سانهُ ،يريد �أن يقول� :أحد ع�شر درهم ًا ،ف�أفلت
الظبي من حتت �إبطه و�شرد بال رجعة! ّ
� )18أُ ِكلتُ يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض:
ت�ص ُّد �أ�ش َّد الأخطار ،والتعاون �أ�سا�س �صلب يف
الوحدة قوة منيعة ُ
بناء الوطن.
لقد تغلبت �أمتنا العربية على �أعدائها حني واجهتهم �ص ّف ًا
واحد ًا ،وبالعك�س فقد �سارت �إىل ال�ضعف والتخ ّلف حني تفرقت
ج�سد املثل العربي هذه ال�صورة فقيل: كلمتها وتب ّددت وحدتها ،وقد ّ
«�أُ ِكلت يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض»
عن هذا املثل تروي احلكاية� :أنه كانت تعي�ش يف �إحدى الغابات
ثالثة من الثريان :الأول لونه �أحمر والثاين �أ�سود والثالث �أبي�ض.
أح�س باجلوع وكان يعي�ش بالقرب منها �أ�سد مفرت�س ،يفكر كلما � ّ
يف افرتا�سها� ،إال �أ ّنه كان يخ�شاها ،لأنها كانت تعي�ش مع ًا متعاونة
وك�أنها ثور واحد ال ثالثة!.
-31-
فكر الأ�سد يف طريقة الفرتا�س الثريان ،وبعد انتظار اقرتب من
الثورين الأحمر والأ�سود وانفرد بهما وقال مت�ص ّنع ًا اللطف:
� -إن وجود الثور الأبي�ض بيننا ُي�ضرنا كثري ًا ،فلونه الأبي�ض
اجلميل يجذب احليوانات الأخرى �إليه ويجعلها حتبه وت�صادقه
وتبتعد ع ّنا ،فلو �أكلتُه لكان يف ذلك خري يل ولكم.
فقال الثوران الأحمر والأ�سود� :صدقتُ ..ك ْله و�أ ِرحنا منه!
فهجم الأ�سد على الثور الأبي�ض ليفرت�سه ،ف�صرخ الثور وطلب
ال ّنجدة وامل�ساعدة من �صديقيه الثورين الآخرين ،ولكنهما مل يلتفتا
�إليه ومل ُينجداه ..و�أكله الأ�سد.
-32-
وم ّرت الأيام ،وجاع الأ�سد ،فقرر �أن يفرت�س ثور ًا �آخر ،فاقرتب من
الثور الأحمر وانفرد به ،مت�صنع ًا مزيد ًا من اللطف والأدب وقال له:
ف�سد علينا املكان ،فلونه الأ�سود قبيح ،يخيف � -إن الثور الأ�سود ُي ِ
احليوانات الأخرى ،ويجعلها تبتعد ع ّنا ،فلو تَركتني �آ ُك ُله ل ْ
أقبلت
علينا تلك احليوانات وع�شنا جميع ًا مع ًا يف هناء و�سرور.
فوافقه الثور الأحمر على ما قال ،وهجم الأ�سد على الثور الأ�سود
وافرت�سه ،وهو ينظر �إىل زميله الثور الأحمر ،ع ّله ينقذه ولكن الثور
الأحمر كان م�شيح ًا بنظره بعيد ًا عنه ،وك�أن ما يحدث لي�س �أمر ًا
يعنيه.
-33-
وهكذا مل يبق يف املكان �سوى الثور الأحمر والأ�سد ،وكان من
الطبيعي �أن يجوع الأ�سد من جديد ،فنظر �إىل الثور الأحمر واقرتب
منه قائ ًال:
-الآن ..بعد �أن �أ�صبحت وحيد ًا �أيها الثور الأحمر� ..س�آكلك ولن
ت�ستطيع الفرار مني ،ولن يحميك مني �أي ثور �آخر!
حينئذ �أدرك الثور الأحمر �أن الأ�سد قد خدعه ،فقال نادم ًا وهو
بني �أنياب الأ�سد:
� -أُ ِك ُلت يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض!
� )19أال من ي�شرتي َ�س َهر ًا ِب َن ْو ٍم:
احلميرَ ي.
قالوا� :إن �أول من قال هذا املثل ذو رعني ِ
وذلك �أن ِحميرَ تفرقت عن ملكها ح�سان ،وخالفت �أمره ل�سوء
�سريته فيهم ،ومالوا �إىل �أخيه عمرو ،وحملوه على قتل �أخيه ح�سان
ورغبوه يف املُلك ،ووعدوه ُح�سن الطاعة و�أ�شاروا عليه بذلكَّ ،
وامل�ؤازرة ،فنهاه ذو رعني عن قتل �أخيه ،وعلم �أنه �إن قتل �أخاه ندم
ونفر()19عنه النوم وانتق�ض عليه �أموره ،و�أنه �سيعاقب الذي �أ�شار
عليه بذلك ،ويعرف غ�شهم له.
فلما ر�أى ذو رعني �أنه ال يقبل ذلك منه وخ�شي العواقب ،قال
�شعر ًا وكتبه يف �صحيفة وختم عليه بخامت عمرو وقال :هذه وديعة يل
( )1نفر منه:هجره.
-34-
عندك �إىل �أن �أطلبها منك ،ف�أخذها عمرو ودفعها �إىل خازنه و�أمره
برفعها �إىل اخلزانة واالحتفاظ بها �إىل �أن ي�س�أل عنها .فلما قتل
و�س ِّلط عليه ال�سهر.
�أخاه وجل�س مكانه يف امللكُ ،منع منه النومُ ،
منجم ًا
فلما ا�شتد ذلك عليه مل َي َدع باليمن طبيب ًا وال كاهن ًا وال ّ
وال ع ّراف ًا �إال جمعهم ثم �أخربهم بق�صته و�شكا �إليهم ما به .فقالوا
له :ما قتل رجل �أخاه �أو ذا رحم منه على نحو ما قتلت �أخاك �إال
�أ�صابه ال�سهر و ُمنع منه النوم .فلما قالوا له ذلك� ،أقبل على من
�أ�شار عليه بقتل �أخيه و�ساعده عليه فقتلهم حتى �أفناهم .فلما و�صل
�إىل ذي رعني فقال له� :أيها امللك �إن يل عندك براءة مما تريد �أن
ت�صنع بي ،قال :وما براءتك و�أمانك؟ قالُ :م ْر خازنك �أن يخرج
ال�صحيفة التي ا�ستودعتكما يوم كذا وكذا! ف�أمر خازنه ف�أخرجها
فنظر �إىل خامته عليها ثم ف�ضها ف�إذا فيها:
�سعي���د م���ن يبي���ت قري���ر ع�ي�ن �أال م���ن ي�ش�ت�ري �سه���راً بن���وم
فمع���ذرة الإل���ه ل���ذي رع�ي�ن ف�أم���ا حِ م�َي�رَ غ���درت وخان���ت
ثم قال له� :أيها امللك ،قد نهيتك عن قتل �أخيك وعلمت �أنك �إن
فعلت ذلك �أ�صابك الذي قد �أ�صابك فكتبت هذين البيتني براءة يل
عندك مما علمت �أنك �ست�صنع مبن �أ�شار عليك بقتل �أخيك ،فقبل
ذلك منه وعفا عنه و�أح�سن جائزته.
و ُي�ضرب هذا ملن غمط( )20النعمة وكره العافية.
( )1غمط� :أنكر.
-35-
� )20إنَّ غد ًا لناظره قريب:
يعمل النا�س جاهدين لتحقيق �أمانيهم ،وخري معني على بلوغ
الهدف الت�أنيّ وال�صرب يف �إجناز العمل على �أف�ضل وجه ،وعدم
الت�س ّرع لتحقيق النتائج يف �أقرب فر�صة ..وقد �ضرب العرب مث ًال
يف هذا املعنى ،فقيل� :إن غد ًا لناظره قريب..
قال الرواة �إن «النعمان بن املنذر» ملك احلرية ،خرج يوم ًا
لل�صيد فتاه يف ال�صحراء و�ض ّل طريقه ،جل�أ �إىل خيمة كانت
من�صوبة بال�صحراء ،كانت لرجل من طيء يدعى «حنظلة»� ،آواه
هم النعمان بالرحيل و�أكرمه وهو اليعرف �أنه امللك النعمان! وحني ّ
قال للرجل:
-يا �أخا طيء ...اطلب ما ت�شاء ف�أنا امللك النعمان
فقال الرجل� :أفعل �إن �شاء اهلل!
ودارت الأيام ،و�أ�صابت الرجل نكبة و�ساءت �أحواله ،فذهب
�إىل النعمان ،وت�صادف �أنه و�صل ق�صر النعمان يف يوم ب�ؤ�سه (�أي
يف اليوم الذي يت�شاءم منه) ويقتل فيه �أول من ي�صادفه ،فلما ر�آه
النعمان قال له� - :أفال جئتني يا طائي يف يوم غري هذا اليوم.
فقال حنظلة الطائي :وما يف هذا اليوم يا موالي ..لقد قلت لك
حني �أردتني �أن �أطلب ما �أ�شاء منك� ،أفعل �إن �شاء اهلل ،وها قد �شاء
اهلل �أن �آتيك و�أطلب منك اليوم.
-36-
فقال النعمان - :واهلل لو ر�أيت يف يومي هذا� ،أول ما ر�أيت،
قابو�س ابني ما ترددت يف قتله ،فهذا يوم ب�ؤ�سي! فاطلب ما �شاء لك
قبل �أن �أقتلك ،ف�أنت مقتول ال حمالة.
-فوجئ حنظلة بهذا امل�صري واعرتاه ه ٌّم عظيم ،فخاطب
النعمان:
«�إذا كان ال ُب ّد من قتلي ف� ّأجلني حتى �أُو ّدع �أهلي ،و�أ�ؤمنهم ،ثم
�أعود �إليك»..
قال امللك :ال �أفعل هذا �إال �إذا �ضمنك �أحد.
تل ّفت حنظلة حوله يبحث ع ّمن ي�ضمنه ،وهنا �أ�سرع رجل ُيدعى:
(قراد بن �أجدع) ،وقال للملك� :أنا �أ�ضمنه يا موالي.
�أجاب امللك :لديك مهلة عام واحد تعود بعده ،و�أمر له بخم�سمئة
توجه بها �إىل �أهله..
ناقةّ ،
..دارت الأيام ،وانتهت مهلة العام ،ومل يبق غري يوم واحد
حني ا�ستدعى النعمان �ضامن حنظلةُ ،قراد بن �أجدع وقال له� :إن
�صاحبك الذي �ضمنته مل ي ُعد �إىل الآن ،وما �أظنك �إال هالك ًا غد ًا.
لناظره قريب يا موالي.. قال قراد� :إن غد ًا ِ
وحان اليوم ومل يظهر حلنظلة �أثر ،ف�أمر امللك بقتل قراد..
جلندوم ّرت �ساعات النهار ثقيلة و ُقبيل غروب ال�شم�س ته ّي�أ ا ُ
لقتل الرجل ،لكن يف اللحظة الأخرية ظهر �شبح يدنو مثري ًا ال ّرمال،
فتج ّمع احل�ضور وتقدموا نحو الفار�س القادم ف�إذا به حنظلة
الطائي ،د ُِه�ش النا�س وارتفعت �أ�صواتهم� :إنه حنظلة.
-37-
�س�أل امللك النعمان حنظلة :ما الذي جعلك تعود بعد خال�صك
من القتل؟
رد حنظلة :الوفاء بالوعد يا موالي..
التفت النعمان �صوب قراد و�س�أله :و�أنت كيف �ضمنته ،وكان
يمُ كن �أن ُتقتل مكانه؟
�أجاب قراد :حتى ال ُيقال �إن �أهل املروءة ماتوا يا موالي.
ت�أ ّمل النعمان وفكر قلي ًال ،ثم قال :واهلل ما �أدري �أ ُيهما �أكرم
و�أكرث وفا ًء ،وواهلل ال �أكون �أق ّل وفا ًء منهما ..و�ألغى امللك القتل
يف ذلك اليوم كعادته ،و�أبطل عاد ًة ذميمة ُع ِرف بها ،وعفا عن
الرجلني.
أجن َز ٌّ
حر ما َو َعد: َ � )21
الكندي ل�صخر بن نه�شل، قاله «احلرث بن عمرو» �آكل املرار ِ
وكان د َّله على غنيمة على �أن يعطيه ُخم�سها ،فقبل �صخر ووعد.
فد ّله احلرث على �أنا�س من اليمن ف�أغار عليهم بقومه فظفروا
وغنموا فلما ان�صرفوا قال له احلرث� :أنجَ زَ ح ٌر ما وعد .وما زال
�صخر بقومه حتى ا�ضطرهم �إىل تقدمي خم�س الغنيمة للحرث.
للحر �إذا وعد ب�شيء فعل ،واملعنى التحري�ض ي�ضرب هذا املثل ُ
على الإجناز.
-38-
� )22أندم من ال ُك�سعي:
يع ّد الإن�سان لكل عمل يعتزم القيام به� ،أ�سباب النجاح :اخلطة
ال�سليمة ،والو�سائل املُعينة ،ثم يتوكل على اهلل ،ومي�ضي لإجناز
ورا�ض عن �أي نتيجة يبلغها ،فال يعرف عمله ،وهو �سعيد ِب َ�سعيه ٍ
الندم �إىل قلبه �سبي ًال ،لكنّ يف النا�س من يتوقف عند �أول عقبة
ُيواجهها ،ويغرق يف الندامة والإحباط ِلي�صد َُق فيه املثل القائل:
«�أندم من ال ُك َ�سعي»..
وتوجه لل�صيد
وتقول احلكاية �إن «الك�سعي» ج ّهز قو�سه و�سهامهّ ،
يف البادية ،وكمن يف ركن ت ّلة يرتقب ،وقد م ّر قبيل الليل قطيع من
الإبل ،فتهي�أ له الرجل ،و�أخذ يرميها ب�سهامه واحد ًا بعد �آخر ،وكان
ال�سهم يخرتق كل واحدة ثم يخرج لي�ضرب ال�صخر ويقدح ناره،
وهو يظن يف كل مرة �أنه �أخط�أ ومل َي�صد �شيئ ًا ،فما كان منه وقد
ا�شتد غيظه �إال �أن ك�سر قو�سه وبات ليلته حزين ًا..
...م�ضت فرتة طلع الفجر بعدها ،وتن ّبه «الك�سعي» لريى خم�س ًا
من النوق �صرعى بجانب التل و�سهامه م�ض ّرجة بدمائها ،فندم على
ما �صنع بقو�سهّ ،
وع�ض على �أ�صابعه وهو ير ّدد:
ت���ط���ا ِوعُ���ن���ي �إذاً َل���ق���ت���ل���تُ نف�سي «ندِ ْم���ت ندام��� ًة ل���و �أن نف�س���ي
...وهكذا ذهبت حكايته مث ًال فيقولون« :فالن �أندم من
الك�سعي».
-39-
� )23أوفى من ال�سموءل:
الوفاء من ال�سجايا التي طبع عليها العرب و ُرويت ب�ش�أنه حكايات
عديدة وقيلت فيه �أمثال كثرية .من ذلك قولهم «وعد احلر دين» و
«امل�ؤمن �إذا عاهد وفى».
�إن من �أ�شهر الأمثلة القدمية قول العرب «�أوفى من ال�سموءل»،
وهو ال�سموءل بن حيان بن عادياء.
�أما �سر َ�ضرب املثل بوفائه فيعود �إىل ق�صته مع ال�شاعر امرئ
القي�س وهي �أن ال�شاعر ملا �أراد اللحاق بقي�صر طلب ًا للنجدة� ،أودع
دروعه وحاجياته عند ال�سموءل ثم رحل .وملا �سمع �أحد ملوك ال�شام
توجه �إىل ال�سموءل مطالب ًا بت�سليمه ودائعه،
مبوت امرئ القي�سّ ،
فامتنع ال�سموءل ،وكان له ابن خارج احل�صن ف�أم�سك به امللك ثم
�صاح بوالده قائ ًال« :هذا ابنك يف يدي وقد علمت �أن امر�أ القي�س
ابن عمي ومن ع�شريتي ،و�أنا �أحق مبرياثه ،ف�إن دفعت �إيل الدروع
فبها و�إال ذبحت ابنك» ،ف�أبى ال�سموءل �أن ي�ستجيب لطلبه وقال
«لي�س �إىل دفع الدروع �سبيل فا�صنع ما �أنت �صانع».
فذبح امللك ابن ال�سموءل وهو ينظر �إليه وانتظر ال�سموءل حتى
جاء ورثة امرئ القي�س فدفع �إليهم دروعه ،وكان ال�سموءل �شاعر ًا
فقال يف ذلك:
�إذا م������ا خ��������ان �أق��������������وام وف����ي����تُ وفي���تُ ب����أدرع الكن���دي �إين
-40-
وال واهلل �أغ�������������� ُد ُر م�����ا م�شيتُ وق��������ال��������وا �إن�����������ه ك�����ن�����ز رغ����ي����ب
�سجل ال�شاعر الأع�شى ذلك الأمر يف �أ�شعار له قال فيها:
وقد ّ
يف جحفل( )1ك�سواد الليل ج ّرار كن كال�سموءل �إذ طاف الهُمام به
ف���اخ�ّت�رّْ وم���ا ف��ي��ه��م��ا ح���ظ ملختا ِر فقال :غ��د ٌر و ُث��ك ٌ��ل �أن��ت بينهما
فاختار مكرمة الدنيا على العار فقال :ال �أ�شرتي عاراً مبكرمة
-43-
-لو �أزيل هذا القالب من مكانه ،انهار الق�صر كله دفعة واحدة..
�س�أل امللك :وهل يعرف �أحد غريك هذا ال�سر؟
قال املهند�س� :أنا و�أنت فقط يا موالي ،و�أطلق �ضحكة �سعادة
كبرية..
هنا �أمر «النعمان» بقذف «�سنمار» من �أعلى البناء ،فتهاوى �إىل
الأر�ض هالك ًا ،وقال امللك يف �س ّره:
-الآن لن يكون يف العامل ق�صر مثيل للخورنق �أبد ًا..
وذهب احلادث مث ًال فقالوا« :جزاء �سنمار» ..وهو ي�ضرب لكل
من يتنكر للمعروف ويجزي بالإ�ساءة الإح�سان.
)26جزاء جمري �أم عامر:
امل�ؤمن ال�صادق هو من يعامل النا�س ب�أخالق الإ�سالم ،ف�إن
جل�ؤوا �إليه حماهم ،و�إن وقعوا ب�ضيق �أجندهم ،ولكن يف النا�س من
�ضعف �إميانه ،وغلب عليه طمعه ،فخان �أمانته ،وتنكر للمعروف.
تقول احلكاية� :إن قوم ًا خرجوا �إىل ال�صيد يف يوم حار ،وقد
عر�ضت لهم «�أم عامر» وهي ال�ضبع ،فطردوها و�أتعبتهم حتى جل�أت
�إىل ِخباء �أعرابي فاحتمته فخرج عليهم الأعرابي وقال :ما �ش�أنكم؟
قالوا� :صيدنا وطريدتنا ،فقال :كال والذي نف�سي بيده ال ت�صلون
دمت قائم ًا و�سيفي بيدي .فرجعوا وتركوه ،وقام هو �إىل
�إليها ما ُ
-44-
غنمه فحلبها و�أ�سقاها ما ًء فق ّربه منها ف�أقبلت ت ِلغ()21مرة يف هذا
ومرة يف هذا حتى عا�شت وا�سرتاحت و�أمنت على نف�سها ،ولكن ما
كاد الليل يخيم ،ويخلد الأعرابي �إىل النوم حتى وثبت ال�ضبع عليه
وبقرت بطنه و�شربت دمه وتركته وفرت هاربة.
ح�ضر ابن عم الأعرابي �صباح ًا ف�إذا هو ممزق وم�ض ّرج بدمه،
فبحث عن مو�ضع ال�ضبع فلم َي َرها ،فقال :غرميتي واهلل ف�أخذ قو�سه
و�سهامه وحلق بها وما توقف حتى �أدركها فقتلها ،وهو ير ّدد:
ري �أم عامر
يالقي الذي القى مجُ ُ «ومن ي�صنع املعروف يف غري �أهله
بها حم�ض �أل��ب��انِ اللِقا ِح الدرائ ِر �أدام لها حني ا�ستجارت بقربه
َف������ َرت������ ُه ب�����أن����ي����اب ل���ه���ا و�أظ������افِ������ ِر و�أ�س َم َنها حتى �إذا م��ا تكاملتْ
املعروف يف غري �شاكِر» َ بدا ي�صن ُع َف ُقللذوياملعروفهذاجزا ُء َمن
عر َف َق ْد َره:
)44لن يهلك امر�ؤ َ
�أول من قال ذلك حكيم العرب «�أكثم بن �صيفي» يف و�صية كتب
بها �إىل قبيلة طيء ،كتب �إليهم:
�أو�صيكم بتقوى اهلل ،و�صلة الرحم ،وعليكم باخليل ف�أكرموها،
ف�إنها ح�صون العرب ،وال ت�ضعوا رقاب الإبل يف غري حقها ،ف�إن فيها
-61-
ثمن الكرمية ،ورقاء الدم ،وب�ألبانها يتحف الكبري ويغذى ال�صغري،
ولو �أن الإبل ُك ّلفت الطحن لطحنت ،ولن يهلك امر�ؤ عرف قدره،
والعدم عدم العقل ال عدم املال ،و َلرج ٌل خري من �ألف رجل ،ومن
عتب على الدهر طالت معتبته ،ومن ر�ضي بال ِق�سمة طابت معي�شته،
و�آفة الر�أي الهوى ،والعادة �أملك ،واحلاجة مع املحبة خري من
البغ�ض مع الغنى ،والدنيا دول ،فما كان لك �أتاك على �ضعفك ،وما
كان عليك مل تدفعه بقوتك ،واحل�سد داء لي�س له دواء ،وقبل الرمي
احللم ،خري تمُلأ الكنائن( ،)25الندامة مع ال�سفاهة ،دعامة العقل ِ
الأمور مغبة ال�صرب ،من يزُر غ ّب ًا()26يزدد ح ّب ًا ،التغرير()27مفتاح
()28
عي
الب�ؤ�س ،من التواين والعجز نتجت الهلكة ،لكل �شيء �ضراوةُّ ،
وترك ما فت ُ ال�صمت �أح�سن من عي املنطق ،احلزم حفظ ما ُك ِّل َ
الظنة ،من � َ
أحلف يف امل�س�ألة ُكفيت ،كثري التن�صح يهجم على كثري ِ
َث ُقل ،من �س�أل فوق قدره ا�ستحق احلرمان ،الرفق يمُ ن ،وا َ
خل ْرق
�ش�ؤم ،خري ال�سخاء ما وافق احلاجة ،وخري العفو ما كان بعد القدرة،
فكانت تلك جمموعة �أمثال يف خطاب واحد.
ُي�ضرب املثل للرجل ّ
يحط �أمره وي�ص ّغر قدره.
( )1الكنائن :جمع كنانة (جعبة ال�سهام)..
( )2غ ّب ًا -زيادة يوم وانقطاع يوم..
( )3التغرير :اخلداع..
( )4العي :العجز واجلهل.
-62-
)45ما وراءك يا ِع َ�صام؟
ف�ضل» �إن �أول من قال ذلك «احلارث بن عمرو» ملك قال «املُ ّ
كندة ،وذلك �أنه ملا بلغه جمال ابنة «عوف ابن حملم ال�شيباين»
وكمالها وقوة عقلها ،دعا امر�أة من كندةُ ،يقال لها ِ«ع�صام» ،ذات
عقل ول�سان و�أدب وبيان ،وقال لها :اذهبي حتى تعلمي يل ِع َلم ابنة
عوف.
فم�ضت حتى انتهت �إىل �أمها ،وهي «�أمامة بنت احلارث»،
قدمت له ،ف�أر�سلت �أمامة �إىل ابنتها وقالت� :أي بنية، ف�أعلمتها ما ِ
إليك فال ت�سرتي عنها �شيئ ًا �إن �أرادت هذه خالتك �أتتك لتنظر � ِ
النظر من وجه �أو خلق ،وناطقيها �إن ا�ستنطقتك.
فدخلت �إليها فنظرت �إىل ما مل تر قط مثله ،فخرجت من
عندها .ثم انطلقت �إىل احلارث فلما ر�آها مقبلة قال لها« :ما
وراءك يا ع�صام؟» قالت� :ص َّرح املخ�ض29عن الزبد ،ر�أيت عرو�س ًا ِ
كاملر�آة امل�صقولة ،يزينها �شعر حالك ك�أذناب اخليل� ،إن �أر�س َلتْه
م�شطته قلت :عناقيد جالها الوابل� ،أي «املطر ِخلتَه ال�سال�سل ،و�إن ّ
اخلفيف» ،ولها حاجبان ك�أمنا ُخطا بقلم� ،أو ُ�س ِّو َدا بفحم ،تق َّو�سا على
مثل عني ظبية عبهرة ،30بينهما �أنف كحد ال�سيف ال�صنيع؛ ح ّفت به
وجنتان كالأرجوان ،يف بيا�ض كاجلمان �شق فيه فم كاخلامت ،لذيذ
( )1املخ�ض :حركة اللنب..
( )2عبهرة :وا�سعة.
-63-
املبت�سم ،فيه ثنايا غر ذات �أ�شر ،تق َّلب فيه ل�سان ذو ف�صاحة وبيان،
بعقل وافر ،وجواب حا�ضر.
ف�أر�سل امللك �إىل �أبيها فخطبها فزوجها �إياه وبعث ب�صداقها،
فج ِّهزت فلما جا�ؤوا ليحملوها �إىل زوجها ،قالت لها �أمها� :أي بنية ُ
�إن الو�صية لو تركت لف�ضل �أدب ُتر َكت لذلك منك ،ولكنها تذكرة
للغافل ومعونة للعاقل ،ولو �أن امر�أة ا�ستغنت عن الزوج لغنى �أبويها،
كنت �أغنى النا�س عنه ،ولكن الن�ساء للرجال و�شدة حاجتهما �إليها ِ
جت� ،إىل وكر مل تعرفيه ،وقرين ُخ ِلقن ،وخ َّل ِ
فت الع�ش الذي فيه َد َر ِ
مل ت�ألفيه ،ف�أ�صبح مبلكه عليك رقيب ًا ومليك ًا ،فكوين له �أمة يكن لك
عبد ًا و�شيك ًا.
لك ذخر ًا وذكر ًا :ال�صحبة
يا بنية ،احملي عني ع�شر خ�صال ،تكن ِ
بالقناعة ،واملعا�شرة بح�سن ال�سمع والطاعة ،والتع ّهد ملوقع عينه،
والتف ّقد ملو�ضع �أنفه ،فال تقع عينه منك على قبيح ،وال ي�شم منك
�إال �أطيب ريح ،والكحل �أح�سن احل�سن ،واملاء �أطيب الطيب املفقود،
والتع ّهد لوقت طعامه ،والهدوء عنه عند منامه ،ف�إن حرارة اجلو
ملهبة ،وتنغي�ص النوم مغ�ضبة ،واالحتفاظ ببيته وماله ،واالرعاء
على نف�سه وح�شمه وعياله ،ف�إن االحتفاظ باملال ح�سن التقدير،
واالرعاء( )31على العيال واحل�شم جميل ح�سن التدبري ،وال تف�شي له
( )1االرعاء :الرعاية.
-64-
�سر ًا ،وال تع�صي له �أمر ًا ،ف�إنك �إن � ِ
أف�شيت �س ّره مل ت�أمني غدره ،و�إن
رت(� )32صدره.
أوغ ِع�صيت �أمرهَ � ،
ِ
ثم اتقي مع ذلك الفرح �إن كان ترح ًا ،واالكتئاب عنده �إن كان
فرح ًا ،ف�إن اخل�صلة الأوىل من التق�صري والثانية من التكدير،
وكوين �أ�شد ما تكونني له �إعظام ًا يكن �أ�شد ما يكون لك �إكرام ًا،
و�أ�شد ما تكونني له موافقة ،يكن �أطول ما تكونني له مرافقة ،واعلمي
أنك ال ت�صلني �إىل ما حتبني حتى ت�ؤثري ر�ضاه على ر�ضاك ،وهواه � ِ
على هواك ،يف ما �أحببت وكرهت ،واهلل َيخري لك.
فعظم موقعها منه ،وولدت له امللوك ف�س ّلمت �إليهُ ،فح ِملتُ ، ُ
ال�سبعة الذين ملكوا بعده اليمن.
)46املقادير ت�صيرّ العي خطيب ًا:
ُو ِ�صف رجل باجلهل عند احلجاج وايل العراق ،وكانت له �إليه
حاجة ،فقال احلجاج يف نف�سه :لأختربنه .ف�س�أله حني دخل عليه،
�أع�صامي �أنت �أم عظامي؟.
َ
بنف�سك� ،أم تفتخر ب�آبائك الذين �صاروا فت �أنت
يريد �أ�ش ُر َ
عظام ًا؟ فقال الرجل:
«�أنا ع�صامي وعظامي».
فقال احلجاج« :هذا �أف�ضل النا�س ،وق�ضى حاجته وزاده ،ومكث
(� )1أوغرت� :أغرته باحلقد.
-65-
عنده م ّدة ،ثم اكت�شف الوايل �أن الرجل �أجهل النا�س ،فقال له:
«ت�صدقني و�إال قتلتك» فقال له« :قل ما بدا لك و�أ�صدقك».
قال« :كيف �أجبتني مبا �أجبت ملا �س�ألتك عما �س�ألت؟»
قال له« :واهلل مل �أعلم �أع�صامي خري �أم عظامي ،فخ�شيت �أن
�أقول �أحدهما ف�أخطئ ،فقلت� :أقول كليهما ف�إن �ضرين �أحدهما
نفعني الآخر».
وكان احلجاج ظن �أنه �أراد بكالمه ،افتخر بنف�سي لف�ضلي
وب�آبائي ل�شرفهم .فقال احلجاج عند ذلك« :املقادير ت�صيرّ العي
خطيب ًا» فذهبت مث ًال.
ع�صام �س ّودت ع�صام ًا:
ٍ َ )47نف�س
يعت ّز النا�س ويفاخرون باملُج ّد املثابر الذي ي�ضع هدف ًا حلياته،
ويعمل باجتهاد لبلوغه ،معتمد ًا على عزميته ون�شاطه ،وباملقابل
املهم َل املتخاذل الذي يريد بلوغ غايته بغري �سعي �أو
يزدري النا�س ِ
مي املجتهد جهد ،معتمد ًا على مكانة �أهله ووجاهة �آبائه ،وقد ُ�س َ
و�سمي املتقاع�س عظامي ًا لأنهالناجح ع�صامي ًا لأنه يتّكل على نف�سهُ ،
يتعاظم بف�ضل الآخرين ،وقد جرى يف ذلك مثل عربي يقول« :نف�س
ع�صام �س ّودت ع�صام ًا» ،وتروي احلكاية �أنه كان للنعمان بن املنذر
ٍ
�أ�شهر ملوك احلرية يف العراق ،حاجب معروف بالعزمية والف�صاحة
و�سداد الر�أي ،وقد بلغ من نباهته� ،أنه �أ�صبح ملك ًا بعد «النعمان»
رغم �أنه مل يكن من �أ�سرة عريقة ،عظيمة اجلاه...
-66-
ويف ذلك قال ال�شاعر «النابغة الذبياين»:
وع���� ّل����م����ت����ه ال������ك������ ّر والإق��������دام��������ا ن��ف��� ُ��س ع�����ص��ا ٍم ����س��� َّودتْ عِ �صاماً
ح����ت����ى ع���ل��ا وج�����������اوز الأق������وام������ا و�������ص���ّي��رّ ت������ه م����� ِل�����ك�����اً هُ ����م����ام����ا
�شن طبقة:
)48وافق ٌّ
يتعارف النا�س ويتقاربون� ،سعي ًا وراء عالقة �إن�سانية متميزة،
ويتحقق هذا الهدف حني يجد كل طرف لدى الطرف الآخر نظرة
متماثلة للأ�شياء ،وفهم ًا م�شرتك ًا للأمور ..ي�صبح الطرفان عندها
ك ًال واحد ًا متكام ًال ومتوافق ًا ..وقد �ضربت العرب املثل يف هذا
فقيل« :وافق �شن طبقة».
و�أ�صل هذا املثل� ،أن رج ًال من دهاة العرب وعقالئهم ،يدعى
«�شن» قال ذات يوم :واهلل لأط ّو َفن بالبالد حتى �أجد امر�أة مثلي
�أتزوجها!
وبينما هو ي�سري� ،إذا به ي�صادف رج ًال ف�س�أله� - :إىل �أين تذهب؟
فقال الرجل� :إىل مو�ضع كذا ..وكان هو نف�س املو�ضع الذي يق�صده
�شن ،فا�صطحبا ووا�صال م�سريهما ،ثم �س�أله:
� -أحتملني �أم �أحملك؟ فر ّد الرجل :ما �أعجبك؟� ..أنا راكب و�أنت
راكب ،فكيف �أحملك �أو حتملني؟! ف�سكت �شن ،حتى �إذا م ّرا بزرع
قد ُح ِ�صد� ،س�أل �شن� :أترى هذا الزرع �أُ ِكل �أم ال؟ فقال له الرجل:
-67-
يا جاهل ..ترى نبت ًا حم�صود ًا ،فتقول �أُ ِك َل �أم ال؟
ف�سكت �شن ،حتى �إذا و�صال �إىل املو�ضع الذي يق�صدانه،
ف�صادفتهما فيه جنازة ،ف�س�أل �شن� - :أترى �صاحب هذا النع�ش
حي �أو ميت؟ فقال له الرجل - :ما ر�أيت �أجهل منك ..ترى اجلنازة
فت�س�أل عن �صاحبها �أهو ميت �أم حي؟! ف�سكت �شن ،و�أراد �أن مي�ضي
حلال �سبيله ويفارقه ،ولكن الرجل �أبى و�أ�صر �أن مي�ضي معه �إىل
منزله ،فم�ضى �شن معه ،وكان للرجل بنت تدعى طبقة ،ملا دخل
عليها �أبوها� ،س�ألته عن �ضيفه ،ف�شكا �إليها جهله ،وح ّدثها عن
كالمه الغريب ،فقالت:
-68-
أبت ،ما هذا بجاهل ،فقوله� :أحتملني �أم �أحملك� ،أراد به: -يا � ِ
�أحت ّدثني �أو �أح ّدثك ،حتى نقطع الطريق ،وقوله� :أترى هذا الزرع
�أُ ِكل �أم ال� ،أراد به :هل باعه �أهله ف�أكلوا بثمنه �أم ال .و�أما قوله عن
اجلنازة و�س�ؤاله عن �صاحبها ،ف�أراد به :هل ترك امليت من يعقبه
فيحيا بذكره �أم مل يرتك �أحد ًا؟.
فخرج الرجل من عند ابنته ،وجل�س مع �شن ،وحادثه �ساعة ،ثم
قال له:
أف�سر لك ما قد �س�ألتني عنه �أثناء م�سريتنا؟. � -أحتب �أن � ّ
فف�سره الرجل .فقال �شن :ما هذا ف�سره!َّ ، فقال �شن :نعمِّ ..
بكالمك ..ف�أخربين عن �صاحبه.
ف�سر كالمه الغريب هي ابنته طبقة، ف�أخربه الرجل ب�أن من َّ
فعرف �شن ب�أنه قد وجد املر�أة التي على �شاكلته ،فخطبها من �أبيها،
وتزوجها وحملها �إىل �أهله.
وملا ر�أوها وعرفوا الق�صة ،قالوا :وافق �شن طبقة ،و�صار قولهم
مث ًال ُي�ضرب لل�شيئني املتماثلني �أو املتّفقني متام االتفاق.
***
-73-
�أ�سماء ُت�ضرب بها الأمثال
***
-75-
امل�صـــادر