You are on page 1of 81

‫�أمثــال العــرب‬

‫حكمة وبالغة و�أدب‬


‫‪-1-‬‬
-2-
‫حممد مروان مراد‬

‫�أمثـال العـرب‬
‫حكمة وبالغة وأدب‬

‫اهليئة العامة السورية للكتاب ‪ -‬منشورات الطفل‬


‫وزارة الثقافة ‪ -‬دمشق ‪2014‬م‬
‫‪-3-‬‬
-4-
‫املقـدمـــة‪..‬‬

‫املثل هو القول امل�أثور واملوجز‪ ،‬وهو اللفظ اجلميل والبليغ‬


‫ال�سائر على �أل�سنة النا�س‪ ،‬وهو خال�صة جتارب ل�شعوب منذ‬
‫القِدم‪ ،‬وقد �صيغت ب�ألفاظ ج ّذابة‪ ،‬وعبارات ر�شيقة‪ ،‬ي�سهل‬
‫ال بعد جيل‪.‬‬‫حفظها فيتناقلها النا�س جي ً‬
‫وجتتمع يف املثل �أربع خ�صائ�ص‪� :‬إيجاز اللفظ‪ ،‬و�إ�صابة‬
‫املعنى‪ ،‬وجمال ال ّت�شبيه وجودة الكناية‪ .‬وللعديد من الأمثال‬
‫حوادث م�شهورة‪� ،‬أو حكايات طريفة‪.‬‬
‫ا�شتهر �أجدادنا العرب بهذا الوجه الأدبي‪ ،‬لإدراكهم �أن‬
‫�أف�ضل الكالم ما �أغنى قليله عن كثريه‪ ،‬و�أن الإيجاز هو‬
‫قمة البالغة الأدبية‪ ،‬وهكذا ف�إن تراثنا الأدبي العربـي‬
‫حافل بالأقوال احلكيمة املوجزة التي ا�شتملت علـى ال ّتوجيه‬
‫والإر�شاد‪ ،‬والأخبـار واحلكايات والنوادر والكثري من احلِ َكم‪.‬‬
‫وقد اخرتنا من كتب الأمثال العربية جمموعة م�ستمدّة‬
‫من تراثنا‪ ،‬ومن جتارب �أ�سالفنا والتي جتمع املعرفة واحلكمة‬
‫واملتعة‪ ،‬لن�ستفيد منها ونتابع على طريق اخلري والف�ضائل‬
‫الإن�سانية‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
-6-
‫الأمثال العربية‪ ...‬حكمة وبالغة و�أدب‬

‫لكل �أمة يف العامل �أمثالها اخلا�صة‪ ،‬وهي خال�صة جتارب الآباء‬


‫والأجداد‪ ،‬تنطوي على حقائق وحكم �إن�سانية رائعة‪ ،‬واملثل‪� :‬صورة‬
‫جميلة من �صور الأدب االجتماعي للأمة‪ ،‬وهو دليل على �أخالق‬
‫النا�س وعاداتهم‪ ،‬وهو عبارة حمكمة ي�ؤيد بها املتك ّلم حديثه‪ ،‬يقول‬
‫العرب‪ :‬يجتمع يف املثل �أربعة ال جتتمع يف غريه من الكالم‪� :‬إيجاز‬
‫اللفظ‪ ،‬و�إ�صابة املعنى‪ ،‬وجودة الكناية(‪ ،)1‬ونهاية البالغة(‪.)2‬‬
‫* املثل يف اللغة‪ :‬هو ال�شبيه‪ ،‬وامل ْثل والقول ال�سائر‪ ،‬وقال ابن عبد‬
‫ربه يف كتاب الأمثال العربية‪�« :‬إن الأمثال هي و�شي الكالم‪ ،‬وجوهر‬
‫اللفظ‪� ،‬أنقى من ال�شعر‪ ،‬و�أ�شرف من اخلطابة‪ ،‬مل َي ِ�س ْر �شيء �سريها‬
‫عم عمومها‪ ،‬حتى قيل‪ْ �( :‬أ�س ُري من َم َثل)»‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫* غاية الأمثال و�أهدافها‪ :‬انت�شرت الأمثال العربية وا�ستق ّرت‬
‫معي بلفظ غري �صريح يف الداللة عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكناية‪ :‬التعبري عن �شيء نّ‬
‫(‪ )2‬البالغة‪ :‬الف�صاحة‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
‫يف الذاكرة ب�سبب بالغتها و�إيجازها‪ ،‬ويرجع ت�أثري املثل يف احلياة‬
‫وال�سلوك �إىل �أ�سلوبه املميز من حيث د ّقة التعبري‪ ،‬والت�صوير البليغ‪،‬‬
‫مما ي�ؤكد �أن خري الكالم ما ق ّل َّ‬
‫ودل‪ ،‬كما �أن اتباع �أ�سلوب احلكاية‬
‫تو�ص حري�ص ًا»‪،‬‬
‫واحلوار جعل من املثل حكاية يف كلمتني كقولهم‪« :‬ال ِّ‬
‫ولي�ست الأمثال م�صدر �إمتاع وت�سلية وح�سب بل هي قيمة �أخالقية‬
‫تتج ّلى فيها العالقات االجتماعية والقيم الثقافية‪ ،‬فمن الناحية‬
‫الأخالقية ف�إن للمثل �سلطة على الفرد واملجتمع‪ ،‬فهو ال�ضمري‬
‫يح�ض على اخلري وال�صالح والتّهذيب‪ ،‬كقول املثل‪:‬‬ ‫اخلفي الذي ّ‬
‫«العجلة من ال�شيطان» �أو «من �أ ّمنك ال تخنه ولو كنت خ ّوان ًا»‪،‬‬
‫ومن الناحية االجتماعية �أكدت الأمثال دورها الفاعل يف البيئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬يقول املثل‪ :‬العاقل خ�صيم نف�سه‪� ،‬أي �أنه يحا�سب نف�سه‬
‫ويق ّيم ت�صرفاته‪ .‬ك�شكل من ممار�سة اجتماعية �سليمة‪ ،‬وقول املثل‪:‬‬
‫يحب ال�سري وفقه يف تعاملنا‬
‫«الكلمة احللوة �صدقة» ت�شري �إىل منهج ّ‬
‫مع الآخرين‪..‬‬
‫وللأمثال وظيفة ترفيهية تزين الكالم وجتعله �أ�شبه باملحاورة‬
‫الطريفة‪..‬‬
‫* تدوين املثل‪ :‬الأمثلة قدمية يف احل�ضارات‪ ،‬فقد جمع امل�صريون‬
‫القدماء الأمثال قبل ‪� 2500‬سنة قبل امليالد‪ ،‬وعرف ال�سومريون دور‬
‫الأمثال يف التوجيه والرتبية فجعلوها و�سيلة لتعليم �أبنائهم القواعد‬
‫ال�سلوكية ال�سليمة‪ ،‬وكتبوها يف �ألواحهم‪.‬‬
‫‪-8-‬‬
‫وعرفت الأمثال يف ق�صائد �شعراء الع�صر اجلاهلي‪ ،‬حيث‬
‫�أو�ضحت مقدرتهم اللغوية‪ ،‬وتب ّدى االهتمام بالأمثال يف الع�صر‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬حيث اتّبع الر�سول الكرمي «�صلى اهلل عليه و�سلم»‪،‬‬
‫احلكم امل�أثورة‪ ،‬وبقي‬‫�أ�سلوب الأمثال يف �أحاديثه ال�شريفة‪ ،‬وترديده ِ‬
‫االهتمام بها طوال عهد اخللفاء الرا�شدين‪ ،‬كان «عمر بن اخلطاب»‬
‫ر�ضي اهلل عنه – يردد‪ :‬ع ّلموا �أوالدكم الفرو�سية والقوة‪ ،‬و َر ّووهم ما‬
‫�سار من ا َمل َثل‪ ،‬وما ُح َ�سن من ال�شعر»‪..‬‬
‫�إال �أن العناية البالغة بالأمثال ظهرت يف العهد العبا�سي‪ ،‬حني‬
‫تن ّبه اللغويون والأدباء �إىل �ضرورة حفظ تراث العرب من الأمثال‬
‫واحلكم‪ ،‬الذي مي ّثل الهوية القومية لأية �أمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قام كثري من اللغويني العرب بجمع الأمثال و�شرحها يف كتب‬
‫للمف�ضل ال�ضبي‪ ،‬و«جممع‬ ‫ّ‬ ‫خا�صة من �أ�شهرها‪�« :‬أمثال العرب»‬
‫الأمثال» للميداين‪ ،‬قد احتوى على �أكرث من �ستة �آالف َمثل‪ ،‬وكتاب‬
‫«جمهرة الأمثال» لأبي هالل الع�سكري‪ ،‬وكتاب الأمثال لأبي عبيدة‬
‫البغدادي‪ ،‬و«امل�ستق�صي يف الأمثال» للزخم�شري‪ ،‬وغريها(‪..)3‬‬
‫�أمثال العرب ‪ /‬حكمة وبالغة و�أدب‪:‬‬
‫* ي�ضم هذا الكتاب جمموعة من (‪ )50‬مث ً‬
‫ال من �أمثال العرب‪،‬‬
‫فيها احلكمة والتوجيه الرتبوي‪ ،‬من خالل املواقف واحلكايات‬
‫(‪� )1‬أعالم اللغة والنحو والأدب (�أ�شهر من �أ ّلف يف الأمثال)‬
‫‪-9-‬‬
‫التي كانت حمورها‪ ،‬وقد �أُدرِجت على ترتيب احلروف الهجائية‪،‬‬
‫كي ي�سهُل على القارئ الو�صول �إليها‪.‬‬
‫‪� )1‬أبخل من مادر‪:‬‬
‫و�سجل التاريخ‬‫ُعرف العرب طوال عهودهم بالكرم واجلود‪ّ ،‬‬
‫حكايات رائعة عن �سخاء العرب‪ ،‬و�أ�شار لهم بالإعجاب والتقدير‪،‬‬
‫وباملقابل كان البخل طبع ًا مذموم ًا‪ ،‬يزدريه النا�س‪ ،‬ويتربمون‬
‫بالبخيل‪ ،‬و�ضربوا املثل بقولهم‪� :‬أبخل من مادر‪ ..‬وهو رجل من قبيلة‬
‫«هالل بن عامر بن �صع�صعة» يحكون عنه‪� :‬أنه �سقى يوم ًا �إب َله‪ ،‬وبقي‬
‫ماء قليل يف �أ�سفل احلو�ض‪ ،‬فخلطه بطني وع ّكره ُبخ ًال �أن ُي�شرب‬
‫منه بعده‪.‬‬
‫‪� )2‬أب�صر من زرقاء اليمامة‪:‬‬
‫«ط َ�سم» يف منطقة اليمامة‪ ،‬جنوب اجلزيرة العربية‬ ‫عا�شت قبيلة َ‬
‫وقد ا�شتهرت فيها «زرقاء» ابنة �شيخ القبيلة‪ ،‬بح ّدة الب�صر والقدرة‬
‫على الر�ؤية من م�سرية ثالثة �أيام‪ .‬و ُيحكى �أن «زرقاء» �صعدت يوم ًا‬
‫�إىل ربوة عالية‪ ،‬و�أر�سلت ب�صرها يف الأفق‪ ،‬لتفاج�أ ب�أمر عجيب‪..‬‬
‫كانت �أ�شجار كثيفة تتحرك من بعيد‪ ،‬ومن خلفها فر�سان �أ�شداء‬
‫يتخ ّفون ويتقدمون باجتاه م�ضارب القبيلة‪ .‬و�سرعان ما ارتفعت‬
‫�صيحات «زرقاء» عالي ًا‪ :‬يا قوم‪ ..‬هبوا �إىل �سالحكم‪ ،‬ف�إن الأعداء‬
‫‪-10-‬‬
‫على م�سافة �أيام‪ ...‬وكان ذلك الهتاف كافي ًا لتنبيه الرجال‪،‬‬
‫وا�ستعدادهم للدفاع عن �أر�ضهم بقوة وثبات‪..‬‬
‫حني اقرتب الأعداء من �أر�ض القبيلة‪ّ ،‬‬
‫انق�ض فر�سانها من‬
‫خمائبهم وت�ص ّدوا لهم بجر�أة وب�سالة‪ ،‬وكان «لزرقاء اليمامة»‬
‫الف�ضل الأول يف انت�صارهم وهزمية الأعداء‪.‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم ت�ضرب العرب املثل بح ّدة ب�صرها فيقولون‪:‬‬
‫فالن «�أب�صر من زرقاء اليمامة»‪.‬‬
‫‪� )3‬أبلغ من ق�س بن �ساعدة‪:‬‬
‫عرف العرب طوال تاريخهم باحلكمة و�سداد ال ّر�أي‪ ..‬ونبغت‬
‫كوكبة من خطبائهم‪ ،‬الذين ا�شتهروا بالبالغة والف�صاحة و�سحر‬
‫البيان‪� ..‬س�أل اخلليفة الأموي عبد امللك بن مروان جل�ساءه يوم ًا‪:‬‬
‫من �أخطب النا�س‪ ،‬ف�أطرقوا بغري جواب‪ ،‬فقال اخلليفة‪� :‬إنه ق�س بن‬
‫�ساعدة من «�إياد»‪.‬‬
‫وكان «ق�س بن �ساعدة الإيادي» �أحكم حكماء العرب‪ ،‬و�أعقل و�أبلغ‬
‫من ُ�سمع به‪�ُ ،‬ضرب فيه املثل بالبالغة وف�صاحة اخلطاب‪ ،‬ومما ُروي‬
‫عن ��ه �أنه كان ي ِفد على قي�صر ال ��روم‪ ،‬ف�س�أله يوم ًا‪ :‬ما � ُ‬
‫أف�ضل العقل؟‬
‫ف�أجاب‪ :‬معرفة املرء بنف�سه‪ ،‬فقال‪ :‬فما �أف�ض ُل العلم؟ قال‪ :‬وقوف املرء‬
‫عند علمه‪ ،‬ف�س�أله من جديد‪ :‬فما �أف�ضل املروءة؟ قال َق ُ�س‪ :‬ا�ستبقاء‬
‫املرء ماء وجهه‪ ،‬ف�س�أله‪ :‬فما �أف�ضل املال؟ ف�أجاب‪ :‬ما ُق�ضي به احلقوق‪.‬‬
‫‪-11-‬‬
‫‪ )4‬اثنان ال ي�شبعان‪ :‬طالب علم وطالب مال‪:‬‬
‫قاله الإمام علي ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وهو ُي�ضرب للذي ال يكف عن‬
‫حت�صيل العلم �أو املال‪.‬‬
‫ونحن �إذا ت�أملنا الأمثال واحلكم التي ورثناها عن القرون‬
‫املا�ضية جند �أن كثري ًا منها بعيد عن طبيعة احلياة يف هذا الع�صر‪،‬‬
‫و�أ�سباب ذلك كثرية فمنها ما كان مرتبط ًا بالبيئة التي ظهر فيها‬
‫ا َمل َثل‪ ،‬فال يكون له معناه الوا�ضح بالن�سبة للإن�سانية يف خمتلف‬
‫البيئات‪ ،‬ومنها ما كان مرتبط ًا مبفاهيم خلقية �أو اجتماعية عفا‬
‫عليها الزمن و�أ�صبح غري ذي �أهمية‪ ،‬بعد زوال هذه القيم التي نبع‬
‫منها وارتبط بها‪ .‬ومنها ما كان قد ظهر يف ع�صر �شاع فيه االنحراف‬
‫فجاء منحرف ًا عن الق�صد‪ .‬ومنها ما كان وليد ًا لظروف خا�صة م ّر‬
‫بها قائل احلكمة و�إال فمن منا اليوم يتقبل مثل هذا النعيم الذي‬
‫عبرّ عنه قول املتن ّبي‪:‬‬
‫�شيم(‪ )1‬النفو�س ف�إن جت ْد‬ ‫والظل ُم من ِ‬
‫ذا ع��������� َّف��������� ٍة ف�����ل�����ع����� َّل�����ه ال َي ْ‬
‫�������ظ������� ِل������� ُم‬
‫فاملتن ّبي قد ترك لظروفه اخلا�صة و�أطماعه �أن مُتلي عليه هذه‬
‫احلكمة ومل يتج ّرد يف نظرته �إىل الأمور من �أهوائه‪.‬‬

‫(‪� )1‬شيم‪� :‬أخالق‪.‬‬


‫‪-12-‬‬
‫‪� )5‬أجود من حامت‪:‬‬
‫من يق ّلب �صحائف التاريخ العربي‪ ،‬تده�شه ال�صفات الأخالقية‬
‫التي حت ّلى بها العرب طوال عهودهم‪ ،‬ويف جملة هذه ال�صفات‬
‫ال�سامية‪ :‬الكرم الذي ُجبلت عليه نف�س العربي‪ ،‬فافتخر به وع ّده‬
‫خلق ًا رفيع ًا‪ ،‬لقد انت�شرت حكايات الكرم التي ع ّرفت النا�س بالأجواد‬
‫امل�شهورين الذين �ضربوا املثل يف العطاء اخليرّ ‪ ،‬واالندفاع ِل َعون‬
‫الآخرين بر�ضى وحمبة ووفاء‪ ..‬ذكر التاريخ من الأجواد‪:‬‬
‫و�أ�شهر ه�ؤالء كان‪« :‬حامت الطائي» وهو‪« :‬حامت بن عبد اهلل»‬
‫ال�شاعر املقدام‪ ،‬والكرمي الذي مل ُيعرف �أجود منه يف تاريخ العرب‪،‬‬
‫عا�ش يف اجلاهلية وكان �إذا قاتل َغ َلب‪ ،‬و�إن غ ِنم َو َهب‪ ،‬و�إن �أَ َ�سر‬
‫عفا‪ ،‬و�إذا �سابق حاز َق َ�صب َ‬
‫ال�سبق‪..‬‬
‫تروى عن جود «الطائي» حكايات كثرية‪ ،‬فقد كان ال ينام وجاره‬
‫ً (‪)4‬‬
‫جوعان‪ ،‬وال ي�أمن وي�ستقر وغريه يبيت يف العراء‪ ،‬و ُيحكى �أن قحطا‬
‫�أ�صاب القوم يف �سنة جمدبة‪ ،‬و�ضرب النا�س اجلوع والفقر‪ ،‬وبات‬
‫حامت نف�سه و�أوالده بال طعام‪ ،‬وفيما هو ذات يوم يفكر يف �ضائقة‬
‫النا�س‪� ،‬إذا ب�صوت يهتف من بعيد‪:‬‬
‫‪ -‬يا حامت‪� ،‬أتيتك من عند �صبية جياع ومن لهم غريك؟‬
‫�أجاب الطائي وقد ر�أى امر�أة ه ّدها الهزال‪� :‬أح�ضري �صبيتك‬
‫فواهلل �سي�شبعون عندي‪..‬‬
‫(‪ )1‬قحط‪ :‬جفاف‬
‫‪-13-‬‬
-14-
‫�س�ألت املر�أة‪ :‬كيف و�صبيانك جائعون يبكون؟‬
‫وهب �إىل فر�سه الأ�صيلة‪ ،‬فذبحها و�أ�شعل النار‬‫تب�سم حامت ّ‬
‫‪ّ ...‬‬
‫وراح ي�شوي ويو ّزع الطعام على ال�صغار والكبار حتى �أكلوا و�شبعوا‬
‫وهم يرددون عبارات احلمد والثناء لهذا الفار�س اجلواد‪ ،‬الذي‬
‫�أ�صبح ا�سمه مرادف ًا لل�سخاء‪ ،‬ومث ًال ُي�ضرب لكل كرمي ي�ضحي مبا‬
‫ميلك لي�سعد النا�س ويخ ّفف �ضائقة كل مع�سر وحمتاج‪.‬‬
‫هكذا يبقى الكرمي حمط تقدير النا�س واعتزازهم يف حني‬
‫ينبذون البخيل وين�صرفون عنه ليعي�ش وحيد ًا ممقوت ًا‪..‬‬
‫‪� )6‬أحلم من الأحنف‪:‬‬
‫احللم ف�ضيلة �سامية يتّ�صف بها ذو العقل الراجح‬‫اعترب العرب ِ‬
‫وال ِفكر ال�سديد(‪ ،)5‬فاحلليم مت�سامح يحب العفو‪ ،‬ويحاكم الأمور‬
‫بوعي وتد ّبر‪ ،‬يرتيث عند الغ�ضب وي�ضبط غيظه كي ال يكون ت�صرفه‬
‫ال�سريع م�سيئا ً للآخرين‪ ،‬فال تنفع الندامة بعده وقد �ضرب العرب‬
‫املثل يف «الأحنف بن قي�س» فقيل‪� :‬أحلم من الأحنف‪..‬‬
‫‪ -‬هو «الأحنف بن قي�س» وا�سمه «�صخر» من بني متيم‪.‬‬
‫«ح َنف(‪� »)6‬أي َم ْ�سل‪ ،‬ف ُع ِرف به‪ ،‬وقد ا�شتهر ِ‬
‫باحللم وعزة النف�س‪،‬‬ ‫َ‬
‫«ومن‬
‫تذه ُب الهيبة» َ‬
‫واحلكمة والف�ضل‪ ،‬ومن �أقواله‪« :‬كرثة املزاح ِ‬
‫عرف به»‪.‬‬ ‫�أكثرَ من �شيء ِ‬
‫(‪ )1‬ال�سديد‪ :‬ال�صائب ال�سليم‪.‬‬
‫(‪ )2‬حنف‪ :‬اعوجاج الرجل �إىل داخل‪.‬‬
‫‪-15-‬‬
‫و«ال�س�ؤدد كرم الأخالق وح�سن الفعل»‪ ،‬وقال‪ :‬ثالث ما �أقولهن‬
‫دخل‬‫�إال ليعترب معترب‪« :‬ال �أخلف جلي�سي بغري ما �أح�ضر به‪ ،‬وال �أُ ِ‬
‫نف�سي فيما ال مدخل يل فيه‪ ،‬وال �آتي ال�سلطان �أو ير�سل �إ ّ‬
‫يل»‪.‬‬
‫وقال له رجل‪ :‬يا �أبا بحر‪ُ ،‬د َّلني على حممدة بغري مرزئة(‪ )7‬قال‪:‬‬
‫«اخللق ال�سجيح(‪ ،)8‬والكف عن القبيح‪ ،‬واعلم �أن �أدوى(‪ )9‬الداء‬
‫الل�سان البذيء واخللق الرديء»‪.‬‬
‫و�أبلغ رجل الوايل م�صعب ًا عن رجل �شيئ ًا‪ ،‬ف�أتاه الرجل يعتذر‪،‬‬
‫فقال الوايل‪ :‬الذي ب َّلغنيه ثقة‪ ،‬فقال الأحنف‪ :‬كال �أيها الأمري‪ ،‬ف�إن‬
‫الثقة ال ُيب ّلغ‪.‬‬
‫احللم‪ ،‬قيل‪:‬‬ ‫و�سئل هل ر�أيت �أحلم منك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وتعلمت منه ِ‬
‫ومن هو؟ قال‪ :‬قي�س بن عا�صم املنقري‪ ،‬حيث ح�ضرته يوم ًا‪ ،‬وهو‬
‫يح ّدثنا‪ ،‬فجا�ؤوا بابن له قتيل‪ ،‬وابن عم له كتيف‪ ،‬فقالوا‪� :‬إن هذا‬
‫قتل ابنك هذا‪ ،‬فلم يقطع حديثه‪ ،‬حتى �إذا فرغ من احلديث التفت‬
‫�إليهم فقال‪:‬‬
‫«�أين ابني فالن؟ فجاءه‪ :‬فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬قم �إىل ابن عمك ف�أط ِلقه‪،‬‬
‫و�إىل �أخيك فادفنه‪ ،‬و�إىل �أم القتيل ف�أعطها ناقة ف�إنها غريبة لعلها‬
‫ت�سلو عنه» ثم اتك�أ على �شقه الأي�سر و�أن�ش�أ يقول‪:‬‬
‫(‪ )1‬مرزئة‪ :‬نقي�صة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال�سجيع‪ :‬اللني ال�سهل‪.‬‬
‫(‪� )3‬أدوى الداء‪� :‬أكرثه هالك ًا‪.‬‬
‫‪-16-‬‬
‫دن����س يف ِّن���ده (‪ )1‬وال �أَ َف���ن‬
‫(‪)2‬‬
‫«و�إين امر�ؤ ال يعرتي خلقي‬
‫والغ�صن ينبت حوله الغ�صن‬ ‫م���ن منق���ر م���ن بي���ت مكرمة‬
‫بي�ض الوجوه م�صاقع(‪ُ )3‬ل ُ�سن‬ ‫خطب���اء ح�ي�ن يق���وم قائله���م‬
‫وه���م حل�س���ن ج���واره فط���ن‬ ‫ال يفطن���ون لعي���ب جاره���م‬
‫‪� )7‬أحمق من ه َبنّقه‪:‬‬
‫الفطن َمن‬‫الذكاء‪ ،‬من �أروع ال�سجايا(‪ )4‬الإن�سانية‪ ،‬والذكي ِ‬
‫ي�ستخدم عقله للحكم على الأمور حكم ًا �سليم ًا‪ ،‬وال ُيقدم على‬
‫ت�ص ّرف قبل تد ّبر عواقبه‪ ،‬وعك�س الذكي‪ :‬الأحمق‪ ،‬الذي حتكمه‬
‫التب�صر‪ ،‬فال يتقن �صنع ًا وال يحرز جناح ًا‪ ،‬وقد قيل يف‬
‫الغفلة وقلة ّ‬
‫املثل العربي‪�« :‬أحمق من هب ّنقة» وهو يزيد بن ثروان من قبيلة قي�س‪،‬‬
‫أعرف بها نف�سي‪ ،‬ف�إين‬‫كانت له حلية طويلة‪ ،‬ف�سئل عنها فقال‪ :‬ل َ‬
‫�أخ�شى �أن �أخبل عن نف�سي‪ ،‬وكان مرة نائم ًا‪ ،‬ف�أخذ �أخوه قالدته‬
‫فلب�سها‪ ،‬فلما �صحا ور�أى قالدته يف عنق �أخيه قال‪ :‬يا �أخي �أنت �أنا‪،‬‬
‫فمن �أنا؟ و�ض ّل له مرة بعري‪ ،‬فراح ينادي‪ :‬من وجد بعريي ور ّده فهو‬
‫ف�سئل‪ :‬لمِ َ تطلب �إذ ًا؟ قال‪ :‬ف�أين حالوة ال ُوجدان؟ ومن حكاياته‬
‫له‪ُ ،‬‬
‫(‪ )1‬يف ّنده‪ُ :‬يك ّذبه‪.‬‬
‫(‪� )2‬أ َفن‪� :‬ضعف يف الر�أي‪.‬‬
‫(‪ )3‬م�صاقع‪ :‬بلغاء‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال�سجايا‪ :‬ال�صفات‪.‬‬
‫‪-17-‬‬
‫�أنه حني كان يرعى غنمه‪ ،‬يرتك ال�سمان منها ترعى الع�شب‪ ،‬و ُيبعد‬
‫ف�سد ما �أ�صلح اهلل وال �أُ�ص ِلح‬
‫الهزيلة‪ ،‬فلما ُ�سئل عن ال�سبب قال‪ :‬ال �أُ ِ‬
‫أف�سد اهلل‪.‬‬
‫ما � َ‬
‫‪�)8‬أخطب من �سحبان‪:‬‬
‫راق من فنون الأدب العربي‪ ،‬وحتفل امل�ؤلفات الأدبية‬
‫اخلطابة فن ٍ‬
‫العربية بروائع �أجنزها املتقدمون يف هذا الباب املتم ّيز‪ ،‬الذي يدل‬
‫على ثقافة وا�سعة‪ ،‬ولغة ف�صيحة‪ ،‬وجتربة حكيمة‪ ،‬وقد كان يف‬
‫مقدمة من ذاع �صيتهم يف هذا امليدان اخلطيب املخ�ضرم «�سحبان‬
‫بن وائل» الذي �أ�سلم زمن النبي الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وعا�ش‬
‫فرتة عند «معاوية بن �أبي �سفيان» بدم�شق‪ ،‬وقيل‪� :‬إنه كان يتوك�أ على‬
‫‪-18-‬‬
‫ع�صا �إذا خطب‪ ،‬وال ُيعيد كلمة‪ ،‬وال يتنحنح وال يتوقف‪ ،‬واعتمد يف‬
‫خطبه على العبارات الق�صرية التي تت�ضمن حكم ًا �صاحلة لل�شيوع‪،‬‬
‫وذكر �أنه دخل‬
‫أخطب من ُ�سحبان‪ِ ،‬‬
‫وقد �ضربت العرب املثل به فقيل‪ُ � :‬‬
‫على معاوية يوم ًا وعنده خطباء القبائل‪ ،‬فلما ر�أوه خرجوا لعلمهم‬
‫بق�صورهم عنه فقال‪:‬‬
‫قلت‪� :‬أما بعد‪� ،‬أين خطيبها‬
‫لقد علم احلي اليمانون �أنني �إذا ُ‬
‫اخطب‪ ،‬فطلب ع�صا‪ ،‬فقالوا‪ :‬وما ت�صنع بها‬ ‫فقال له معاوية‪ُ :‬‬
‫و�أنت بح�ضرة �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬ف�أجاب‪ :‬وما كان ي�صنع مو�سى بها‪ ،‬وهو‬
‫يخاطب ر ّبه؟ ف�أعطوه ع�صا‪ ،‬ف�أم�سك بها و�شرع يخطب من الظهر‬
‫أنت‬
‫�إىل �صالة الع�صر ما تنحنح وال َ�س َعل‪ ،‬وال توقف‪ ،‬فقال معاوية‪َ � :‬‬
‫�أخطب العرب‪ ،‬فقال �سحبان‪:‬بل �أخطب الإن�س واجلن‪.‬‬
‫و«�سحبان» هو �أول من قال‪� :‬أما بعد‪ ،‬و�أول من توك�أ على ع�صا‪،‬‬
‫و�أول من �آمن بالبعث من اجلاهلية‪.‬‬
‫‪� )9‬أخلف من عرقوب‪:‬‬
‫ا�شتهر العرب منذ عهد ما قبل الإ�سالم بالعديد من ال�سجايا‬
‫ودل ذلك على رفعة العربي‪ ،‬و�سمو نف�سه‪ ،‬ا ّت�صف العربي‬ ‫الكرمية‪ّ ،‬‬
‫بالوفاء بالوعد‪ ،‬وهي �صفة الإن�سان ال�صادق الويف‪ ،‬وملا جاء الإ�سالم‬
‫�أ ّكد على هذه ال�صفة الإن�سانية الراقية‪ ،‬ودعا للتح ّلي بها يف �سائر‬
‫املعامالت‪ ،‬يقول احلديث النبوي ال�شريف‪« :‬امل�ؤمن �إذا ح َّدث �صدق‪،‬‬
‫‪-19-‬‬
‫و�إذا وعد وفى‪ ،‬و�إذا ائت ُمن �أ ّدى الأمانة» ولكن يف النا�س املنحرف‬
‫املتج ّرد من مكارم الأخالق‪ ،‬املخلف للوعد‪ ،‬الذي ُي�س ّوف ومياطل حتى‬
‫يتحلل من وعده‪ ،‬وهو جدير ب�أن يح ّقره املجتمع‪ ،‬وينبذه النا�س‪...‬‬
‫قال العرب يف �أمثالهم‪ :‬مواعيد عرقوب‪ ..‬و«عرقوب» رجل من‬
‫فقراء العرب‪ ،‬جاء �إليه �أخوه يوم ًا ي�س�أله العون‪ :‬ويطلب زاد ًا‪ ،‬فقال‬
‫عرقوب‪:‬‬
‫‪ -‬انظر يا �أخي‪� ..‬إذا �أطلعت(‪ )10‬هذه النخلة فلك «طلعها» فلما‬
‫�أط َلعت فع ًال �أتاه على املوعد‪ ،‬فقال عرقوب‪ :‬دعها حتى ت�صري بلح ًا‪..‬‬
‫فلما �أبلحت جاء �أخوه يف املوعد من جديد فقال عرقوب‪ :‬دعها حتى‬
‫ت�صريزهر ًا»‪ ،‬و�صارت النخلة زهر ًا ف�أتاه‪ ،‬وهنا قال له «عرقوب»‪:‬‬
‫دعها حتى ت�صري ُرطب ًا‪ ..‬فلما �أرطبت‪ ،‬و�صل �أخوه يطلب العون فقال‬
‫له على الفور‪ :‬دعها حتى ت�صري متر ًا‪ ...‬و�صرب الأخ م�ضطر ًا حتى‬
‫�أ�صبح احلمل متر ًا‪ ..‬فما كان من عرقوب �إال �أن �صعد النخلة لي ًال‪،‬‬
‫وجنى ثمارها‪ ،‬دون �أن يعطي �أخاه �شيئ ًا‪..‬‬
‫و�سمع النا�س باحلكاية‪ ،‬فرددوا‪� :‬إنها مواعيد عرقوب‪ ،‬وذهبت‬
‫العبارة مث ًال ُي�ضرب لكل من يخلف الوعد وال ينجزه‪..‬‬
‫مواعي���د عرق���وب �أخ���اه بيرثب‬ ‫���دت وكان ا ُ‬
‫خلل���ف من���ك �سجية‬ ‫وع َ‬

‫(‪� )1‬أطلعت‪ :‬ظهر ثمرها‪.‬‬


‫‪-20-‬‬
‫‪� )10‬أروغ من ثعلب‪:‬‬
‫عرف عنه املراوغة‬ ‫واخلداع بالثعلب‪� ،‬إذ ِ‬‫ُ�ضرب املثل يف املكر ِ‬
‫واحليلة لي�صل �إىل غايته‪ ،‬فقيل‪�« :‬أروغ من ثعلب» وتروي احلكاية‬
‫�أن الثعلب �إذا جاع ومل ي�صل �إىل �صيد ي�أكله‪ ،‬ا�ستلقى على ظهره‬
‫حتط عليه – ِلي ُه َّب‬
‫ونفخ بطنه‪ ،‬فتح�سبه الطيور م ّيت ًا‪ ،‬فما تلبث �أن ّ‬
‫هو ومي�سك بعنقها»‪ ..‬ويحكون �أن ثعلب ًا كثرُ ت الرباغيث يف فروته‬
‫و�ضايقته‪ ،‬فحمل قطعة �صوف بفمه و�أتى �إىل نهر و�أدخل �ساقيه يف‬
‫املاء‪ ،‬فانتقلت الرباغيث من رجليه �إىل �أعاله‪ ،‬وما زال يدخل ببدنه‬
‫يف املاء حتى جتمعت الرباغيث كلها يف ر�أ�سه‪ ،‬ف�أدخله يف املاء لتجتمع‬
‫الرباغيث يف ال�صوفة‪ ،‬فريميها ويثب �إىل ال�ضفة ناجي ًا بنف�سه‪.‬‬
‫‪� )11‬أزكن من �إيا�س‪:‬‬
‫خلق اهلل الإن�سان يف �أح�سن تكوين‪ ،‬ووهبه عق ًال راجح ًا‪ ،‬يد ُّله‬
‫الفطن من‬ ‫على ال�صواب‪ ،‬وير�شده �إىل العمل املفيد‪ ،‬والزكن(‪ِ )11‬‬
‫ويوجه فكره ليكت�شف ما‬ ‫ي�ستخدم عقله ليتعرف �إىل بواطن الأمور‪ّ ،‬‬
‫ال يراه الآخرون‪ ،‬وقد ا�شتهر عدد كبري من �أعالم العرب بالذكاء‪،‬‬
‫و�سجل التاريخ حكاياتهم‪ ،‬ومن بينهم القا�ضي �إيا�س‪..‬‬
‫ّ‬
‫زكن ًا‪ ،‬توىل‬ ‫إيا�س بن معاوية بن ُم ّرة املُزين قا�ضي ًا فائق ًا ِ‬
‫كان � ُ‬
‫ق�ضاء الب�صرة �سنة لعمر بن عبد العزيز ومن نوادره الكثرية التي‬
‫(‪ )1‬الزكن‪ :‬الفطنة‪.‬‬
‫‪-21-‬‬
‫ُعرف بها �أنه �سمع ُنباح كلب مل َي َره‪ ،‬فقال‪ :‬هذا نباح كلب مربوط‬
‫على �شفري بئر‪ .‬وكان كما قال‪� :‬س�ألوه عن ذلك ف�أجاب‪� :‬سمعت عند‬
‫ُنباحه دو ّي ًا من مكان واحد‪ ،‬ثم �سمعت بعده �صدىً يجيبه‪ ،‬فعلمت‬
‫�أنه عند بئر‪.‬‬
‫وقيل‪� :‬إنه ر�أى �أثر اعتالف بعري‪ ،‬فقال هذا بعري � ْأع َور‪ ،‬فنظروا‬
‫فكان كما قال وقد عرف لأنه َو َجد اعتالفه من جهة واحدة‪.‬‬
‫ومن �أخباره �أي�ض ًا �أنه ر�أى قوم ًا ي�أكلون متر ًا ويلقون النوى‬
‫متفرق ًا‪ ،‬فر�أى الذباب يجتمع يف مو�ضع من التمر‪ ،‬وال يقرب مو�ضع ًا‬
‫�آخر‪ ،‬فقال �إيا�س‪� :‬إن يف هذا املو�ضع حية‪ ،‬فنظروا فوجدوا الأمر‬
‫كما قال‪ ،‬فقيل له‪ :‬من �أين علمت؟ قال‪ :‬ر�أيت الذباب ال يقرب هذا‬
‫�سم فقلت حية‪.‬‬ ‫املو�ضع‪ ،‬فقلت‪َ :‬ي ِجدن ريح ّ‬
‫والطريف �أنه نظر �إىل ديك َي ْن ُقر وال يقرقر‪ ،‬فقال هذا َه ِرم‪ ،‬لأن‬
‫ال�شاب �إذا َو َج َد حب ًا نقره وقرقر لتجتمع الدجاج �إليه‪.‬‬
‫(‪)12‬‬
‫فجحد‬
‫وذكر عن �أحد �أحكامه‪� ،‬أن رجلني احتكما �إليه يف مال َ‬
‫املطلوب �إليه املال‪ ،‬فقال للطالب‪� :‬أين دفعت �إليه املال‪ ،‬فقال‪ :‬عند‬
‫�شجرة يف مكان كذا‪ ،‬فطلب منه الذهاب �إىل ذلك املو�ضع لعله‬
‫يو�ضح له �سبب ًا‪ ،‬فم�ضى‬ ‫يتذكر كيف كان �أمر هذا املال ولعل اهلل ّ‬
‫وح َب�س اخل�صم‪ ،‬بعد �ساعة قال �إيا�س‪� :‬أترى خ�صمك قد‬ ‫الرجل َ‬
‫بلغ مو�ضع ال�شجرة؟ قال‪ :‬ال بعد �ساعة‪ ،‬قال‪ :‬قم يا عدو اهلل‪� ،‬أنت‬
‫خائن‪ ،‬فاحتفظ به حتى �أقر ورد املال‪.‬‬
‫(‪ )1‬جحد‪� :‬أنكر‪.‬‬
‫‪-22-‬‬
‫وذكر بع�ض ال�شعراء �إيا�س ًا يف �شعره فلم ي�ستقم له �أن يذكر‬
‫بالزكن فو�ضع مكانه الذكاء فقال‪:‬‬
‫يف حِ ْلم �أح َن َف يف ذكاء �إيا�س‬ ‫�إقدا ُم َع ْمرو يف َ�س َماحِ ة حامت‬

‫‪� )12‬أ�سو�أ القول الإفراط‪:‬‬


‫يف �أحاديث النبي الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم قوله‪َ :‬من كثرُ‬
‫�سقطه كثرُ كذبه‪ ،‬وكرثت ذنوبه‪..‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫�سقطه(‪ ،)13‬ومن كثرُ‬ ‫كالمه كثرُ‬
‫فكانت النار �أوىل به‪.‬‬
‫وقال عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه للأحنف بن قي�س‪:‬‬
‫يا �أحنف من كثرُ �ضحكه ق ّل ْت هيبتُه‪ ،‬ومن مزَ ح ْ‬
‫ا�ست ُِخ ّف به‪َ ،‬ومن‬
‫�سقطه‪ ،‬وق ّل حيا�ؤه‪ ،‬وق ّل ورعه‪ ،‬ومات قلبه‪ .‬وهكذا‬‫ُ‬ ‫كثرُ كالمه كثرُ‬
‫نرى �أن الإفراط مذموم يف كل �شيء‪.‬‬
‫جاء يف الرتاث الأدبي العربي‪ :‬خالل(‪)14‬اخلري لها مقادير ف�إذا‬
‫خرجت عنها ا�ستحالت‪ ،‬فاحلياء ح�سن ف�إذا جاوز املقدار �صار‬
‫عجز ًا‪ ،‬وال�شجاعة ح�سنة ف�إذا جاوزت املقدار �صارت تهور ًا‪ ،‬والق�صد‬
‫ح�سن ف�إذا جاوز املقدار غدا بخ ًال‪ ،‬وقالت احلكمة العربية‪�« :‬إمنا‬
‫لك �أذنان ول�سان واحد ليكون ا�ستماعك �ضعف كالمك» وقال‬ ‫ُج ِعلت َ‬
‫امر�ؤ القي�س‪:‬‬
‫(‪ )1‬ال�سقط‪ :‬اخلط�أ والزلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬خالل‪� :‬صفات‪.‬‬
‫‪-23-‬‬
‫فلي����س عل���ى �ش���يء �س���واه بخ��� ّزان»‬ ‫«�إذا املرء مل يخزِن عليه ل�سا َنه‬

‫‪� )13‬أ�ش�أم من الب�سو�س‪:‬‬


‫بجد ويبني حياة ي�سودها الأمن وال�سالم‪،‬‬ ‫ُخ ِلق الإن�سان ليعمل ٍّ‬
‫ويحقق �أحالمه مز ّود ًا بالأمل والتفا�ؤل‪ ،‬لكن يف النا�س من ينظر‬
‫�إىل ما حوله من جمال وفرح من خالل منظار �أ�سود‪ ،‬فتكتئب روحه‪،‬‬
‫وتتملكه املخاوف‪ ..‬ديننا احلنيف دعا �إىل التفا�ؤل والإقبال على‬
‫احلياة بر�ضى واطمئنان‪ ،‬ونهى عن الت�شا�ؤم الذي يقود �صاحبه يف‬
‫طريق م�سدودة مل ّبدة بالظالم‪.‬‬
‫�ضرب العرب مث ًال للت�شا�ؤم بقولهم‪�« :‬أ�ش�أم من الب�سو�س» وتقول‬
‫احلكاية‪:‬‬
‫«الب�سو�س» هي بنت منقذ التميمية‪ ،‬وخالة ج�سا�س بن مرة‬
‫البكري‪ ..‬وذات يوم كانت الب�سو�س ترعى ناقتها يف �أر�ض «كليب‬
‫بن وائل التغلبي» فما كان منه �إال �أن رمى الناقة ب�سهم وقتلها‪..‬‬
‫ف�صرخت الب�سو�س م�ستنجدة بج�سا�س فجاء وقتل «كليب ًا»‪ ،‬ف�أغ�ضب‬
‫ذلك �أخوه «املهلهل» فقام يطلب ث�أر كليب‪ ..‬وا�شتعلت احلرب بني‬
‫القبيلتني‪ :‬بكر وتغلب‪ ،‬وا�ستمرت �أربعني �سنة متوا�صلة‪ ،‬وكانت‬
‫ال�سبب فيها «الب�سو�س» التي �ضرب بها املثل يف ال�ش�ؤم‪ ،‬و�صار ُيقال‪:‬‬
‫فالن �أ�ش�أم من الب�سو�س‪.‬‬
‫‪-24-‬‬
‫‪� )14‬أ�شر�س من الذئب‪:‬‬
‫«�أ�شر�س من الذئب» واحد من �أمثلة عديدة قيلت يف الذئب كناية‬
‫عن ال�شرا�سة والعدوانية و�سوء الطبع‪ ،‬وكانت العرب تقول‪�« :‬أظلم‬
‫من الذئب» و«م�ستودع الذئب �أظلم»‪ ،‬و«كاف�أه مكاف�أة الذئب»‪.‬‬
‫ُيع ّرف «حميط املحيط»(‪ )15‬الذئب ب�أنه‪« :‬كلب الرب وهو حيوان‬
‫وختْل(‪�)16‬شديد قلما يخطئ يف‬ ‫كثري اخلبث ذو غارات وخ�صومات َ‬
‫و�سمي ذئب ًا لأنه يذهب ويجي‪� ،‬أو لأنه �إذا ُط ِرد من وجه‬ ‫وثبته‪ ،‬قيل ُ‬
‫جاء من وجه �آخر»‪.‬‬
‫وهناك حكايات كثرية عن ظلم الذئب‪ ،‬منها حكاية الذئب‬
‫واحلمل‪ ،‬وهي �أن ذئب ًا ر�أى حم ًال ي�شرب املاء من جدول‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫�إنك ت ّعكر علي املاء‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف �أع ّكر عليك و�أنا يف هذا اجلانب‬
‫و�أنت يف اجلانب الآخر؟ قال له‪ :‬لقد ع َّكرتَ َّ‬
‫علي املاء يف ال�سنة‬
‫املا�ضية‪ ،‬فقال له‪� :‬أنا َح َمل �صغري ومل �أكن قد ُولدت بعد يف ال�سنة‬
‫املا�ضية‪ ،‬قال له‪� :‬إذ ًا ف�أخوك �أو �أبوك هو الذي ع ّكر علي املاء‪ ،‬وهجم‬
‫عليه و�أكله‪.‬‬
‫وقد وردت �أ�شعار كثرية و�شهرية يف و�صف الذئب والإ�شارة �إىل‬
‫طبيعته‪ ،‬منها الأبيات التي تروي حكاية ذلك الإعرابي الذي وجد‬
‫جرو ذئب ف�أ�شفق عليه و�أخذه معه وراح يربيه مع ِ�سخاله ير�ضع من‬
‫(‪ )1‬حميط املحيط‪ :‬قامو�س يف العربية للفريوزبادي‪.‬‬
‫(‪ )2‬ختل‪ :‬مكر‪.‬‬
‫‪-25-‬‬
‫�شب وكرب هجم عليها‬
‫ال�سخلة(‪)17‬الأم‪ ،‬وعا�ش على هذا احلال فلما ّ‬
‫وافرت�سها‪ ،‬فقال فيه الإعرابي تلك الأبيات ال�شهرية‪:‬‬
‫ون���������س����وان����ا و�أن�����������ت ل����ه����م رب���ي���ب‬ ‫«فِر�ستَ �شويهتي وفجعتَ طف ً‬
‫ال‬
‫ف����م����ا �أدراك �أن �أب����������اك ذي�����ب؟‬ ‫ن�ش� َأت مع ال�سخال و�أن��ت طفل‬
‫ف��ل��ي�����س مب�����ص��ل��ح ط���ب���ع���اً �أدي�������ب»‬ ‫�إذا ك����ان ال���ط���ب���اع ط���ب���اع �سوء‬

‫‪� )15‬أطمع من �أ�شعب‪:‬‬


‫القناعة من �أجمل ال�صفات الإن�سانية‪ ،‬والقنوع مبا ُكتب له من‬
‫رزق يف احلياة‪ ،‬حمبوب من اجلميع‪ ،‬جدير باحرتامهم‪ ،‬وعك�سه‬
‫الط ّماع الذي ي�سعى وراء املغامن ويلهث للح�صول على كل ما‬
‫وال�صد‬
‫الذم واال�ستنكار‪ّ ،‬‬ ‫ي�ستطيع �أن ي�صل �إليه بغري جهد‪ ،‬فيلقى َّ‬
‫و�ضرب «�أ�شعب» الطماع مث ًال فقالت العرب‪� :‬أطمع من‬ ‫وال�سخرية‪ُ ..‬‬
‫�أ�شعب‪ ،‬وتذكر احلكاية �أن �أ�شعب �سئل يوم ًا �إذا كان هناك �أحد �أطمع‬
‫منه فقال‪« :‬نعم‪ ،‬كلب تبعني �أربعة �أميال لأنه ر�آين �أم�ضغ الل ّبان»‬
‫وتن�صب‪.‬‬
‫ومنه جاء قول احلريري‪ :‬ال تكن ك�أ�شعب فتتعب َ‬
‫وهو �أ�شعب بن جبري و�أمه �أم اجللندح‪ ،‬كان �أبوه موىل‪18‬لعبد اهلل‬
‫بن الزبري و�أمه موالة �أ�سماء بنت �أبي بكر‪ ،‬ودخل يف خدمة عثمان بن‬
‫عفان ر�ضي اهلل عنهم‪ ،‬وكان ح�سن ال�صوت حا�ضر النكتة اجتمعت‬
‫فيه كل �صفات املن ّكت املحرتف ف�أهلته ل�سلوك التط ّفل‪.‬‬
‫(‪ )1‬ال�سخلة‪� :‬صغرية ال�شاة‪.‬‬
‫(‪ )2‬املوىل‪ :‬العبد‪.‬‬
‫‪-26-‬‬
‫رويت عن طمعه نكات كثرية‪� ،‬س�أله �سائل‪ :‬ما بلغ من طمعك‬
‫فقال‪« :‬ما نظرت قط �إىل اثنني يف جنازة يت�ساران �إال قدرت �أنّ‬
‫امليت قد �أو�صى يل من ماله ب�شيء‪ ،‬وما �أدخل �أحد يده يف كمه �إال‬
‫ظننته �سيعطيني �شيئ ًا‪ ،‬ومر �أ�شعب بفخاري يعمل طبق ًا فقال له‪:‬‬
‫و�سعت فيه‪ .‬فقال له الفخاري‪ :‬و َمل ذلك؟ فقال‪« :‬ع�سى �أن‬ ‫ليتك َّ‬
‫ُيهدى �إ َّ‬
‫يل فيه �شيء»‪.‬‬
‫وقد فاج�أ بع�ض �صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهم‬
‫‪-27-‬‬
‫ي�أكلون ال�سمك‪ ،‬ف�س�ألهم ماذا ت�أكلون؟ ف�أزمعوا على التخ ّل�ص منه‬
‫فقالوا‪« :‬ن�أكل �سمك ًا م�سموم ًا» فانق�ض على الطبق وهو يقول‪« :‬ال‬
‫حتلو احلياة لأحد بعد موت �صحابة ر�سول اهلل»‪.‬‬
‫وخرج �أ�شعب من بيته يوم ًا فوجد دينار ًا يف الطريق‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا‬
‫�أ�شعب عليك �أن تعلن عنه كما يتطلب ال�شرع فا�شرتى بالدينار �إزار ًا‬
‫وراح يعلن عن الإزار يف الطريق «من �أ�ضاع هذا فليتقدم‪ ،‬فلم يتقدم‬
‫�أحد فعاد �إىل �صحبه وقال مل يظهر �صاحب الدينار»‪.‬‬

‫ومن احلكايات التي تواترت عنه �أن �أوالد املدينة اجتمعوا حوله‬
‫يغيظونه وي�سخرون منه ف�أراد التخ ّل�ص منهم فقال لهم‪� :‬إن يف دار‬
‫فالن عر�س ًا ووليمة فاذهبوا �إليه‪ ،‬فتفرقوا عنه‪ ،‬فت�أمل يف قوله‬
‫‪-28-‬‬
‫فحدثته نف�سه �أنه رمبا كان ما قاله للأوالد �صحيح ًا فراح يجري‬
‫وراءهم‪.‬‬
‫وذهب �أ�شعب يوم ًا مع ابنه لوليمة فالحظ �أن ابنه كان ي�شرب‬
‫كثري ًا من املاء فلكزه م�ؤنب ًا وقال له‪« :‬ويحك �أمامك كل هذا الطعام‬
‫ومتلأ معدتك باملاء»‪ .‬فقال له ابنه‪�« :‬إمنا �أ�شرب املاء بعد كل لقمة‬
‫لأزيحها و�أف�سح املجال للقمة �أخرى‪ ،‬ت�أمل �أ�شعب يف ذلك فلكز ابنه‬
‫ثانية وقال (ويحك) تعرف هذا ومل تخربين به»‪.‬‬
‫حب الطمع‪ ،‬يظهر �أنه هو بدوره ورثه‬ ‫وكما �أورث �أ�شعب ابنه ّ‬
‫عن �أمه‪ ،‬فقد قال‪� :‬إنه وهب له غالم فجاء به �إىل بيته وخ�شي �أن‬
‫يقول لها �إنه هدية له فتموت فرح ًا‪ ،‬ف�س�ألته عنه فقال‪ :‬هو (غني)‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬وما غني؟ فقال‪ :‬الم‪ ،‬فقالت‪ :‬وما الم؟ فقال‪� :‬ألف‪ .‬فقالت‪:‬‬
‫وما �ألف؟ فقال‪ :‬ميم‪ ،‬قالت‪ :‬وما ميم؟ فقال‪ :‬وهب يل غالم‪ ،‬فغ�شي‬
‫أقطع احلروف ملاتت!‪.‬‬ ‫عليها فرح ًا‪ ،‬فقال‪ :‬ولو مل � ّ‬
‫‪ )16‬اع ِقل وتو ّكل‪:‬‬
‫منحنا اهلل تعاىل العقل‪ ،‬لنف ّكر كثري ًا قبل البدء ب�أي عمل‪� ..‬إن‬
‫التفكري ال�سليم يقود �إىل الطريق ال�صحيح‪ ،‬ويج ّنب الإن�سان الوقوع‬
‫يف اخلط�أ‪ ،‬وقدمي ًا رددت العرب املثل امل�شهور‪ :‬اعقل وتو ّكل…‪.‬‬
‫وحكايته �أن �أعرابي ًا م ّر ب�إحدى املدن وهو يف طريق �سفره‪ ،‬وكان‬
‫امل�ؤذن ينادي لل�صالة‪ ..‬فرتك الأعرابي ناقته يف الطريق‪ ،‬ودخل‬
‫�إىل امل�سجد لي�ؤ ّدي الفري�ضة‪ ،‬وقد ر�أى رجل امل�شهد فقال له‪:‬‬
‫‪-29-‬‬
‫‪� -‬أال تخ�شى يا �أخي �أن ت�شرد ناقتك و�أنت يف امل�سجد؟‬
‫�أجاب الأعرابي‪ :‬لقد تركتها متوك ًال على اهلل‪..‬‬
‫هز الرجل بر�أ�سه وعاد يقول‪ :‬ا�سمع مني‪ ..‬اربط ناقتك بجذع‬
‫تلك ال�شجرة‪ ،‬ثم ادخل متو ّك ًال على اهلل‪� ..‬أ ّما �أن ترتكها ح ّرة وتغيب‬
‫عنها‪ ،‬فلي�س يف ذلك حكمة‪ ،‬ولعلك لن جتدها عند خروجك من‬
‫امل�سجد‪..‬‬
‫مل ي�ستمع الأعرابي لن�صح الرجل‪ ،‬وترك ناقته يف الطريق‪ ،‬ودخل‬
‫لل�صالة‪ ،‬وما هي غري دقائق حتى �شردت الناقة وابتعدت غائبة عن‬
‫و�شما ًال‪ ،‬ويبحث عن ناقته‬‫الأنظار‪ ،‬خرج الأعرابي وراح يتلفت مينة ِ‬
‫هنا وهناك دون جدوى‪ ،‬ف�ضرب كف ًا بكف وهو يقول ب�أ�سف‪:‬‬
‫‪ -‬ليتني عقلتها وتو ّكلت‬
‫و�صارت العبارة مث ًال يردده النا�س على كل من يعتزم �أمر ًا‬
‫فيقولون له‪ :‬اع ِقل وتو ّك ْل!‪..‬‬
‫‪� )17‬أعيا من باقل‪:‬‬
‫تع ّد الفطنة والفرا�سة من ف�ضائل ال�شخ�صية العربية‪ ،‬وقد ُعرف‬
‫من �أذكياء العرب طائفة من النابهني احلكماء‪ ،‬ومنهم «�إيا�س بن‬
‫وح�سن احلكم على‬ ‫معاوية املُزين» الذي ُ�ض ِرب املثل به يف الذكاء ُ‬
‫الأمور‪ ،‬فقيل «�أزكن من �إيا�س» وباملقابل ُع ّد الغباء والتب ّلد الذهني‬
‫‪-30-‬‬
‫ف�ضرب املثل يف العي‪ ،‬برجل‬ ‫من �سمات �ضعف ال�شخ�صية والتخ ّلف‪ُ ،‬‬
‫وحكيت عنه حكايات كثرية‬ ‫من قبيلة «ربيعة» بلغ يف ُحم ِقه ح ّد ًا كبري ًا ُ‬
‫حتى ُ�ضرب به املثل فقيل‪�« :‬أعيا من باقل»‪.‬‬
‫ومن تلك احلكايات‪� ،‬أنه ا�شرتى يوم ًا ظبي ًا ب�أحد ع�شر درهم ًا‪،‬‬
‫الظبي؟ فما كان منه �إال‬‫ف�سئل‪ :‬بكم ا�شرتيت ّ‬ ‫بقوم ُ‬
‫ويف طريقه م ّر ٍ‬
‫�أن م ّد ك ّفيه و�أخرج ل�سانه‪ُ ،‬يريد �أن يقول‪� :‬أحد ع�شر درهم ًا‪ ،‬ف�أفلت‬
‫الظبي من حتت �إبطه و�شرد بال رجعة!‬ ‫ّ‬
‫‪� )18‬أُ ِكلتُ يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض‪:‬‬
‫ت�ص ُّد �أ�ش َّد الأخطار‪ ،‬والتعاون �أ�سا�س �صلب يف‬
‫الوحدة قوة منيعة ُ‬
‫بناء الوطن‪.‬‬
‫لقد تغلبت �أمتنا العربية على �أعدائها حني واجهتهم �ص ّف ًا‬
‫واحد ًا‪ ،‬وبالعك�س فقد �سارت �إىل ال�ضعف والتخ ّلف حني تفرقت‬
‫ج�سد املثل العربي هذه ال�صورة فقيل‪:‬‬ ‫كلمتها وتب ّددت وحدتها‪ ،‬وقد ّ‬
‫«�أُ ِكلت يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض»‬
‫عن هذا املثل تروي احلكاية‪� :‬أنه كانت تعي�ش يف �إحدى الغابات‬
‫ثالثة من الثريان‪ :‬الأول لونه �أحمر والثاين �أ�سود والثالث �أبي�ض‪.‬‬
‫أح�س باجلوع‬ ‫وكان يعي�ش بالقرب منها �أ�سد مفرت�س‪ ،‬يفكر كلما � ّ‬
‫يف افرتا�سها‪� ،‬إال �أ ّنه كان يخ�شاها‪ ،‬لأنها كانت تعي�ش مع ًا متعاونة‬
‫وك�أنها ثور واحد ال ثالثة!‪.‬‬
‫‪-31-‬‬
‫فكر الأ�سد يف طريقة الفرتا�س الثريان‪ ،‬وبعد انتظار اقرتب من‬
‫الثورين الأحمر والأ�سود وانفرد بهما وقال مت�ص ّنع ًا اللطف‪:‬‬
‫‪� -‬إن وجود الثور الأبي�ض بيننا ُي�ضرنا كثري ًا‪ ،‬فلونه الأبي�ض‬
‫اجلميل يجذب احليوانات الأخرى �إليه ويجعلها حتبه وت�صادقه‬
‫وتبتعد ع ّنا‪ ،‬فلو �أكلتُه لكان يف ذلك خري يل ولكم‪.‬‬
‫فقال الثوران الأحمر والأ�سود‪� :‬صدقت‪ُ ..‬ك ْله و�أ ِرحنا منه!‬
‫فهجم الأ�سد على الثور الأبي�ض ليفرت�سه‪ ،‬ف�صرخ الثور وطلب‬
‫ال ّنجدة وامل�ساعدة من �صديقيه الثورين الآخرين‪ ،‬ولكنهما مل يلتفتا‬
‫�إليه ومل ُينجداه‪ ..‬و�أكله الأ�سد‪.‬‬
‫‪-32-‬‬
‫وم ّرت الأيام‪ ،‬وجاع الأ�سد‪ ،‬فقرر �أن يفرت�س ثور ًا �آخر‪ ،‬فاقرتب من‬
‫الثور الأحمر وانفرد به‪ ،‬مت�صنع ًا مزيد ًا من اللطف والأدب وقال له‪:‬‬
‫ف�سد علينا املكان‪ ،‬فلونه الأ�سود قبيح‪ ،‬يخيف‬ ‫‪� -‬إن الثور الأ�سود ُي ِ‬
‫احليوانات الأخرى‪ ،‬ويجعلها تبتعد ع ّنا‪ ،‬فلو تَركتني �آ ُك ُله ل ْ‬
‫أقبلت‬
‫علينا تلك احليوانات وع�شنا جميع ًا مع ًا يف هناء و�سرور‪.‬‬
‫فوافقه الثور الأحمر على ما قال‪ ،‬وهجم الأ�سد على الثور الأ�سود‬
‫وافرت�سه‪ ،‬وهو ينظر �إىل زميله الثور الأحمر‪ ،‬ع ّله ينقذه ولكن الثور‬
‫الأحمر كان م�شيح ًا بنظره بعيد ًا عنه‪ ،‬وك�أن ما يحدث لي�س �أمر ًا‬
‫يعنيه‪.‬‬
‫‪-33-‬‬
‫وهكذا مل يبق يف املكان �سوى الثور الأحمر والأ�سد‪ ،‬وكان من‬
‫الطبيعي �أن يجوع الأ�سد من جديد‪ ،‬فنظر �إىل الثور الأحمر واقرتب‬
‫منه قائ ًال‪:‬‬
‫‪ -‬الآن‪ ..‬بعد �أن �أ�صبحت وحيد ًا �أيها الثور الأحمر‪� ..‬س�آكلك ولن‬
‫ت�ستطيع الفرار مني‪ ،‬ولن يحميك مني �أي ثور �آخر!‬
‫حينئذ �أدرك الثور الأحمر �أن الأ�سد قد خدعه‪ ،‬فقال نادم ًا وهو‬
‫بني �أنياب الأ�سد‪:‬‬
‫‪� -‬أُ ِك ُلت يوم �أُ ِكل الثور الأبي�ض!‬
‫‪� )19‬أال من ي�شرتي َ�س َهر ًا ِب َن ْو ٍم‪:‬‬
‫احلميرَ ي‪.‬‬
‫قالوا‪� :‬إن �أول من قال هذا املثل ذو رعني ِ‬
‫وذلك �أن ِحميرَ تفرقت عن ملكها ح�سان‪ ،‬وخالفت �أمره ل�سوء‬
‫�سريته فيهم‪ ،‬ومالوا �إىل �أخيه عمرو‪ ،‬وحملوه على قتل �أخيه ح�سان‬
‫ورغبوه يف املُلك‪ ،‬ووعدوه ُح�سن الطاعة‬ ‫و�أ�شاروا عليه بذلك‪َّ ،‬‬
‫وامل�ؤازرة‪ ،‬فنهاه ذو رعني عن قتل �أخيه‪ ،‬وعلم �أنه �إن قتل �أخاه ندم‬
‫ونفر(‪)19‬عنه النوم وانتق�ض عليه �أموره‪ ،‬و�أنه �سيعاقب الذي �أ�شار‬
‫عليه بذلك‪ ،‬ويعرف غ�شهم له‪.‬‬
‫فلما ر�أى ذو رعني �أنه ال يقبل ذلك منه وخ�شي العواقب‪ ،‬قال‬
‫�شعر ًا وكتبه يف �صحيفة وختم عليه بخامت عمرو وقال‪ :‬هذه وديعة يل‬
‫(‪ )1‬نفر منه‪:‬هجره‪.‬‬
‫‪-34-‬‬
‫عندك �إىل �أن �أطلبها منك‪ ،‬ف�أخذها عمرو ودفعها �إىل خازنه و�أمره‬
‫برفعها �إىل اخلزانة واالحتفاظ بها �إىل �أن ي�س�أل عنها‪ .‬فلما قتل‬
‫و�س ِّلط عليه ال�سهر‪.‬‬
‫�أخاه وجل�س مكانه يف امللك‪ُ ،‬منع منه النوم‪ُ ،‬‬
‫منجم ًا‬
‫فلما ا�شتد ذلك عليه مل َي َدع باليمن طبيب ًا وال كاهن ًا وال ّ‬
‫وال ع ّراف ًا �إال جمعهم ثم �أخربهم بق�صته و�شكا �إليهم ما به‪ .‬فقالوا‬
‫له‪ :‬ما قتل رجل �أخاه �أو ذا رحم منه على نحو ما قتلت �أخاك �إال‬
‫�أ�صابه ال�سهر و ُمنع منه النوم‪ .‬فلما قالوا له ذلك‪� ،‬أقبل على من‬
‫�أ�شار عليه بقتل �أخيه و�ساعده عليه فقتلهم حتى �أفناهم‪ .‬فلما و�صل‬
‫�إىل ذي رعني فقال له‪� :‬أيها امللك �إن يل عندك براءة مما تريد �أن‬
‫ت�صنع بي‪ ،‬قال‪ :‬وما براءتك و�أمانك؟ قال‪ُ :‬م ْر خازنك �أن يخرج‬
‫ال�صحيفة التي ا�ستودعتكما يوم كذا وكذا! ف�أمر خازنه ف�أخرجها‬
‫فنظر �إىل خامته عليها ثم ف�ضها ف�إذا فيها‪:‬‬
‫�سعي���د م���ن يبي���ت قري���ر ع�ي�ن‬ ‫�أال م���ن ي�ش�ت�ري �سه���راً بن���وم‬
‫فمع���ذرة الإل���ه ل���ذي رع�ي�ن‬ ‫ف�أم���ا حِ م�َي�رَ غ���درت وخان���ت‬
‫ثم قال له‪� :‬أيها امللك‪ ،‬قد نهيتك عن قتل �أخيك وعلمت �أنك �إن‬
‫فعلت ذلك �أ�صابك الذي قد �أ�صابك فكتبت هذين البيتني براءة يل‬
‫عندك مما علمت �أنك �ست�صنع مبن �أ�شار عليك بقتل �أخيك‪ ،‬فقبل‬
‫ذلك منه وعفا عنه و�أح�سن جائزته‪.‬‬
‫و ُي�ضرب هذا ملن غمط(‪ )20‬النعمة وكره العافية‪.‬‬
‫(‪ )1‬غمط‪� :‬أنكر‪.‬‬
‫‪-35-‬‬
‫‪� )20‬إنَّ غد ًا لناظره قريب‪:‬‬
‫يعمل النا�س جاهدين لتحقيق �أمانيهم‪ ،‬وخري معني على بلوغ‬
‫الهدف الت�أنيّ وال�صرب يف �إجناز العمل على �أف�ضل وجه‪ ،‬وعدم‬
‫الت�س ّرع لتحقيق النتائج يف �أقرب فر�صة‪ ..‬وقد �ضرب العرب مث ًال‬
‫يف هذا املعنى‪ ،‬فقيل‪� :‬إن غد ًا لناظره قريب‪..‬‬
‫قال الرواة �إن «النعمان بن املنذر» ملك احلرية‪ ،‬خرج يوم ًا‬
‫لل�صيد فتاه يف ال�صحراء و�ض ّل طريقه‪ ،‬جل�أ �إىل خيمة كانت‬
‫من�صوبة بال�صحراء‪ ،‬كانت لرجل من طيء يدعى «حنظلة»‪� ،‬آواه‬
‫هم النعمان بالرحيل‬ ‫و�أكرمه وهو اليعرف �أنه امللك النعمان! وحني ّ‬
‫قال للرجل‪:‬‬
‫‪ -‬يا �أخا طيء‪ ...‬اطلب ما ت�شاء ف�أنا امللك النعمان‬
‫فقال الرجل‪� :‬أفعل �إن �شاء اهلل!‬
‫ودارت الأيام‪ ،‬و�أ�صابت الرجل نكبة و�ساءت �أحواله‪ ،‬فذهب‬
‫�إىل النعمان‪ ،‬وت�صادف �أنه و�صل ق�صر النعمان يف يوم ب�ؤ�سه (�أي‬
‫يف اليوم الذي يت�شاءم منه) ويقتل فيه �أول من ي�صادفه‪ ،‬فلما ر�آه‬
‫النعمان قال له‪� - :‬أفال جئتني يا طائي يف يوم غري هذا اليوم‪.‬‬
‫فقال حنظلة الطائي‪ :‬وما يف هذا اليوم يا موالي‪ ..‬لقد قلت لك‬
‫حني �أردتني �أن �أطلب ما �أ�شاء منك‪� ،‬أفعل �إن �شاء اهلل‪ ،‬وها قد �شاء‬
‫اهلل �أن �آتيك و�أطلب منك اليوم‪.‬‬
‫‪-36-‬‬
‫فقال النعمان‪ - :‬واهلل لو ر�أيت يف يومي هذا‪� ،‬أول ما ر�أيت‪،‬‬
‫قابو�س ابني ما ترددت يف قتله‪ ،‬فهذا يوم ب�ؤ�سي! فاطلب ما �شاء لك‬
‫قبل �أن �أقتلك‪ ،‬ف�أنت مقتول ال حمالة‪.‬‬
‫‪ -‬فوجئ حنظلة بهذا امل�صري واعرتاه ه ٌّم عظيم‪ ،‬فخاطب‬
‫النعمان‪:‬‬
‫«�إذا كان ال ُب ّد من قتلي ف� ّأجلني حتى �أُو ّدع �أهلي‪ ،‬و�أ�ؤمنهم‪ ،‬ثم‬
‫�أعود �إليك»‪..‬‬
‫قال امللك‪ :‬ال �أفعل هذا �إال �إذا �ضمنك �أحد‪.‬‬
‫تل ّفت حنظلة حوله يبحث ع ّمن ي�ضمنه‪ ،‬وهنا �أ�سرع رجل ُيدعى‪:‬‬
‫(قراد بن �أجدع)‪ ،‬وقال للملك‪� :‬أنا �أ�ضمنه يا موالي‪.‬‬
‫�أجاب امللك‪ :‬لديك مهلة عام واحد تعود بعده‪ ،‬و�أمر له بخم�سمئة‬
‫توجه بها �إىل �أهله‪..‬‬
‫ناقة‪ّ ،‬‬
‫‪ ..‬دارت الأيام‪ ،‬وانتهت مهلة العام‪ ،‬ومل يبق غري يوم واحد‬
‫حني ا�ستدعى النعمان �ضامن حنظلة‪ُ ،‬قراد بن �أجدع وقال له‪� :‬إن‬
‫�صاحبك الذي �ضمنته مل ي ُعد �إىل الآن‪ ،‬وما �أظنك �إال هالك ًا غد ًا‪.‬‬
‫لناظره قريب يا موالي‪..‬‬ ‫قال قراد‪� :‬إن غد ًا ِ‬
‫وحان اليوم ومل يظهر حلنظلة �أثر‪ ،‬ف�أمر امللك بقتل قراد‪..‬‬
‫جلند‬‫وم ّرت �ساعات النهار ثقيلة و ُقبيل غروب ال�شم�س ته ّي�أ ا ُ‬
‫لقتل الرجل‪ ،‬لكن يف اللحظة الأخرية ظهر �شبح يدنو مثري ًا ال ّرمال‪،‬‬
‫فتج ّمع احل�ضور وتقدموا نحو الفار�س القادم ف�إذا به حنظلة‬
‫الطائي‪ ،‬د ُِه�ش النا�س وارتفعت �أ�صواتهم‪� :‬إنه حنظلة‪.‬‬
‫‪-37-‬‬
‫�س�أل امللك النعمان حنظلة‪ :‬ما الذي جعلك تعود بعد خال�صك‬
‫من القتل؟‬
‫رد حنظلة‪ :‬الوفاء بالوعد يا موالي‪..‬‬
‫التفت النعمان �صوب قراد و�س�أله‪ :‬و�أنت كيف �ضمنته‪ ،‬وكان‬
‫يمُ كن �أن ُتقتل مكانه؟‬
‫�أجاب قراد‪ :‬حتى ال ُيقال �إن �أهل املروءة ماتوا يا موالي‪.‬‬
‫ت�أ ّمل النعمان وفكر قلي ًال‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل ما �أدري �أ ُيهما �أكرم‬
‫و�أكرث وفا ًء‪ ،‬وواهلل ال �أكون �أق ّل وفا ًء منهما‪ ..‬و�ألغى امللك القتل‬
‫يف ذلك اليوم كعادته‪ ،‬و�أبطل عاد ًة ذميمة ُع ِرف بها‪ ،‬وعفا عن‬
‫الرجلني‪.‬‬

‫أجن َز ٌّ‬
‫حر ما َو َعد‪:‬‬ ‫‪َ � )21‬‬
‫الكندي ل�صخر بن نه�شل‪،‬‬ ‫قاله «احلرث بن عمرو» �آكل املرار ِ‬
‫وكان د َّله على غنيمة على �أن يعطيه ُخم�سها‪ ،‬فقبل �صخر ووعد‪.‬‬
‫فد ّله احلرث على �أنا�س من اليمن ف�أغار عليهم بقومه فظفروا‬
‫وغنموا فلما ان�صرفوا قال له احلرث‪� :‬أنجَ زَ ح ٌر ما وعد‪ .‬وما زال‬
‫�صخر بقومه حتى ا�ضطرهم �إىل تقدمي خم�س الغنيمة للحرث‪.‬‬
‫للحر �إذا وعد ب�شيء فعل‪ ،‬واملعنى التحري�ض‬ ‫ي�ضرب هذا املثل ُ‬
‫على الإجناز‪.‬‬
‫‪-38-‬‬
‫‪� )22‬أندم من ال ُك�سعي‪:‬‬
‫يع ّد الإن�سان لكل عمل يعتزم القيام به‪� ،‬أ�سباب النجاح‪ :‬اخلطة‬
‫ال�سليمة‪ ،‬والو�سائل املُعينة‪ ،‬ثم يتوكل على اهلل‪ ،‬ومي�ضي لإجناز‬
‫ورا�ض عن �أي نتيجة يبلغها‪ ،‬فال يعرف‬ ‫عمله‪ ،‬وهو �سعيد ِب َ�سعيه ٍ‬
‫الندم �إىل قلبه �سبي ًال‪ ،‬لكنّ يف النا�س من يتوقف عند �أول عقبة‬
‫ُيواجهها‪ ،‬ويغرق يف الندامة والإحباط ِلي�صد َُق فيه املثل القائل‪:‬‬
‫«�أندم من ال ُك َ�سعي»‪..‬‬
‫وتوجه لل�صيد‬
‫وتقول احلكاية �إن «الك�سعي» ج ّهز قو�سه و�سهامه‪ّ ،‬‬
‫يف البادية‪ ،‬وكمن يف ركن ت ّلة يرتقب‪ ،‬وقد م ّر قبيل الليل قطيع من‬
‫الإبل‪ ،‬فتهي�أ له الرجل‪ ،‬و�أخذ يرميها ب�سهامه واحد ًا بعد �آخر‪ ،‬وكان‬
‫ال�سهم يخرتق كل واحدة ثم يخرج لي�ضرب ال�صخر ويقدح ناره‪،‬‬
‫وهو يظن يف كل مرة �أنه �أخط�أ ومل َي�صد �شيئ ًا‪ ،‬فما كان منه وقد‬
‫ا�شتد غيظه �إال �أن ك�سر قو�سه وبات ليلته حزين ًا‪..‬‬
‫‪ ...‬م�ضت فرتة طلع الفجر بعدها‪ ،‬وتن ّبه «الك�سعي» لريى خم�س ًا‬
‫من النوق �صرعى بجانب التل و�سهامه م�ض ّرجة بدمائها‪ ،‬فندم على‬
‫ما �صنع بقو�سه‪ّ ،‬‬
‫وع�ض على �أ�صابعه وهو ير ّدد‪:‬‬
‫ت���ط���ا ِوعُ���ن���ي �إذاً َل���ق���ت���ل���تُ نف�سي‬ ‫«ندِ ْم���ت ندام��� ًة ل���و �أن نف�س���ي‬
‫‪ ...‬وهكذا ذهبت حكايته مث ًال فيقولون‪« :‬فالن �أندم من‬
‫الك�سعي»‪.‬‬
‫‪-39-‬‬
‫‪� )23‬أوفى من ال�سموءل‪:‬‬
‫الوفاء من ال�سجايا التي طبع عليها العرب و ُرويت ب�ش�أنه حكايات‬
‫عديدة وقيلت فيه �أمثال كثرية‪ .‬من ذلك قولهم «وعد احلر دين» و‬
‫«امل�ؤمن �إذا عاهد وفى»‪.‬‬
‫�إن من �أ�شهر الأمثلة القدمية قول العرب «�أوفى من ال�سموءل»‪،‬‬
‫وهو ال�سموءل بن حيان بن عادياء‪.‬‬
‫�أما �سر َ�ضرب املثل بوفائه فيعود �إىل ق�صته مع ال�شاعر امرئ‬
‫القي�س وهي �أن ال�شاعر ملا �أراد اللحاق بقي�صر طلب ًا للنجدة‪� ،‬أودع‬
‫دروعه وحاجياته عند ال�سموءل ثم رحل‪ .‬وملا �سمع �أحد ملوك ال�شام‬
‫توجه �إىل ال�سموءل مطالب ًا بت�سليمه ودائعه‪،‬‬
‫مبوت امرئ القي�س‪ّ ،‬‬
‫فامتنع ال�سموءل‪ ،‬وكان له ابن خارج احل�صن ف�أم�سك به امللك ثم‬
‫�صاح بوالده قائ ًال‪« :‬هذا ابنك يف يدي وقد علمت �أن امر�أ القي�س‬
‫ابن عمي ومن ع�شريتي‪ ،‬و�أنا �أحق مبرياثه‪ ،‬ف�إن دفعت �إيل الدروع‬
‫فبها و�إال ذبحت ابنك»‪ ،‬ف�أبى ال�سموءل �أن ي�ستجيب لطلبه وقال‬
‫«لي�س �إىل دفع الدروع �سبيل فا�صنع ما �أنت �صانع»‪.‬‬
‫فذبح امللك ابن ال�سموءل وهو ينظر �إليه وانتظر ال�سموءل حتى‬
‫جاء ورثة امرئ القي�س فدفع �إليهم دروعه‪ ،‬وكان ال�سموءل �شاعر ًا‬
‫فقال يف ذلك‪:‬‬
‫�إذا م������ا خ��������ان �أق��������������وام وف����ي����تُ‬ ‫وفي���تُ ب����أدرع الكن���دي �إين‬
‫‪-40-‬‬
‫وال واهلل �أغ�������������� ُد ُر م�����ا م�شيتُ‬ ‫وق��������ال��������وا �إن�����������ه ك�����ن�����ز رغ����ي����ب‬
‫�سجل ال�شاعر الأع�شى ذلك الأمر يف �أ�شعار له قال فيها‪:‬‬
‫وقد ّ‬
‫يف جحفل(‪ )1‬ك�سواد الليل ج ّرار‬ ‫كن كال�سموءل �إذ طاف الهُمام به‬
‫ف���اخ�ّت�رّْ وم���ا ف��ي��ه��م��ا ح���ظ ملختا ِر‬ ‫فقال‪ :‬غ��د ٌر و ُث��ك ٌ��ل �أن��ت بينهما‬
‫فاختار مكرمة الدنيا على العار‬ ‫فقال‪ :‬ال �أ�شرتي عاراً مبكرمة‬

‫‪ )24‬ت�سمع باملعيدي‪ ،‬خري من �أن تراه‪:‬‬


‫معي‪ ،‬علينا �أو ًال �أن نتع ّرف �إىل‬
‫حينما نريد �أن نحكم على �شخ�ص نّ‬
‫�أفكاره و�صفاته الأخالقية‪ ،‬وال نكتفي باحلكم عليه من خالل �صورته‬
‫ملخ�ص املثل العربي املعروف‪ :‬ت�سمع‬ ‫ومظهره اخلارجي‪ ..‬وهذا هو ّ‬
‫باملعيدي‪ ،‬خري من �أن تراه‪..‬‬
‫عرف بالف�صاحة والكرم والعطف على‬ ‫واملعيدي‪� :‬أعرابي حكيم‪ِ ،‬‬
‫باحللم والت�سامح‪ ،‬وعزة النف�س والهمة و�صدق‬ ‫الفقراء‪ ،‬واتّ�صف ِ‬
‫العمل‪ ،‬لهذا ذاع �صيته بني العرب‪ ،‬وا�شتهرت �صفاته احلميدة‪ ،‬حتى‬
‫و�صل خربه �إىل امللك‪ ،‬فطلبه للتع ّرف عليه‪.‬‬
‫و�صل «املعيدي» �إىل الق�صر‪ ،‬ومثل بني يدي امللك حميي ًا‪ ،‬فما كاد‬
‫امللك ينظر �إليه‪ ،‬حتى بانت على وجهه عالمات اال�ستنكار وال�ضجر‪..‬‬
‫لأن املعيدي برغم ما ُع ِرف من ف�صاحته وه ّمته‪ ،‬كان دميم الوجه‪،‬‬
‫(‪ )1‬جحفل ‪ :‬اجلي�ش الكبري ‪.‬‬
‫‪-41-‬‬
‫من ّفر الطلعة‪ ،‬وه ّز امللك بر�أ�سه با�ستخفاف وقال‪« :‬ت�سمع باملعيدي‬
‫خري من �أن تراه»‪.‬‬
‫ف�سارع الأعرابي يجيب ب�شجاعة‪ :‬لي�س الرجل يا موالي مبنظره‬
‫بح�سن طلعته‪ ،‬و�إمنا هو ب�أ�صغريه‪ :‬قلبه ول�سانه‪..‬‬ ‫وو�سامته‪ ،‬وال ُ‬
‫كانت العبارة جميلة‪ ،‬ونالت تقدير امللك‪ ،‬ولهذا بادر لالعتذار‬
‫بكلمات رقيقة‪ ،‬وق ّرب الأعرابي متّخذ ًا منه �صاحب ًا و�أني�س ًا‪.‬‬
‫و�صارت عبارة «ت�سمع باملعيدي خري من �أن تراه» مث ًال ُيقال لكل‬
‫�شخ�ص له خمرب و�سمعة طيبة‪ ،‬ولي�س له مظهر يق ّربه �إىل النا�س‪.‬‬
‫‪ )25‬جزاء �سنمار‪:‬‬
‫من �أ�سمى مكارم الأخالق العرفان بجميل الآخرين‪ ،‬والوفاء‬
‫ل�صنيعهم النبيل‪ ،‬عا�ش العربي على مدى التاريخ حم�سن ًا ال يعرف‬
‫نكران اجلميل‪ ،‬ويبادل الإح�سان بالإح�سان‪ ..‬ولكن يف النا�س من‬
‫يتنكر للمعروف‪ ،‬ويقابل الإح�سان بالإ�ساءة‪ ،‬في�ضرب فيه املثل‬
‫فيقولون‪ :‬جزاه جزاء �سنمار‪.‬‬
‫وتقول حكاية املثل �أنه كان «النعمان بن املنذر» ملك ًا على «احلرية»‬
‫يف العراق‪ ،‬وقد �أعلن يوم ًا عن م�سابقة لبناء ق�صر منيف‪ ،‬فتقدم‬
‫املهند�سون بعرو�ضهم‪ ،‬وفاز من بينهم مهند�س رومي الأ�صل ا�سمه‬
‫«�سنمار»‪..‬‬
‫‪-42-‬‬
‫ا�ستغرق البناء �سنات‪ ،‬ويف النهاية تعاىل الق�صر �شاخم ًا �ضخم ًا‬
‫�أطلق عليه امللك ا�سم «اخلورنق»‪ ،‬وكان يوم االفتتاح منا�سبة عظيمة‬
‫دعي �إليها الأ�شراف والعلماء‪ ..‬وراح «النعمان» يطوف يف �أرجاء‬
‫الق�صر مع املهند�س «�سنمار» الذي �شرح للملك تفا�صيل البناء‬
‫بفخر واعتزاز‪.‬‬
‫قال «النعمان» وهو يبدي �إعجابه‪ :‬لقد �أجنزت عم ًال باهر ًا‬
‫حق ًا‪ .‬فامتلأ املهند�س زهو ًا و�أجاب‪� :‬إن يف الق�صر �أعجوبة خارقة‬
‫يا موالي‪ ..‬و�أ�شار �إىل قالب من الآجر (الطوب) يف جدار الواجهة‬
‫الرئي�سية للق�صر‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬

‫‪-43-‬‬
‫‪ -‬لو �أزيل هذا القالب من مكانه‪ ،‬انهار الق�صر كله دفعة واحدة‪..‬‬
‫�س�أل امللك‪ :‬وهل يعرف �أحد غريك هذا ال�سر؟‬
‫قال املهند�س‪� :‬أنا و�أنت فقط يا موالي‪ ،‬و�أطلق �ضحكة �سعادة‬
‫كبرية‪..‬‬
‫هنا �أمر «النعمان» بقذف «�سنمار» من �أعلى البناء‪ ،‬فتهاوى �إىل‬
‫الأر�ض هالك ًا‪ ،‬وقال امللك يف �س ّره‪:‬‬
‫‪ -‬الآن لن يكون يف العامل ق�صر مثيل للخورنق �أبد ًا‪..‬‬
‫وذهب احلادث مث ًال فقالوا‪« :‬جزاء �سنمار»‪ ..‬وهو ي�ضرب لكل‬
‫من يتنكر للمعروف ويجزي بالإ�ساءة الإح�سان‪.‬‬
‫‪)26‬جزاء جمري �أم عامر‪:‬‬
‫امل�ؤمن ال�صادق هو من يعامل النا�س ب�أخالق الإ�سالم‪ ،‬ف�إن‬
‫جل�ؤوا �إليه حماهم‪ ،‬و�إن وقعوا ب�ضيق �أجندهم‪ ،‬ولكن يف النا�س من‬
‫�ضعف �إميانه‪ ،‬وغلب عليه طمعه‪ ،‬فخان �أمانته‪ ،‬وتنكر للمعروف‪.‬‬
‫تقول احلكاية‪� :‬إن قوم ًا خرجوا �إىل ال�صيد يف يوم حار‪ ،‬وقد‬
‫عر�ضت لهم «�أم عامر» وهي ال�ضبع‪ ،‬فطردوها و�أتعبتهم حتى جل�أت‬
‫�إىل ِخباء �أعرابي فاحتمته فخرج عليهم الأعرابي وقال‪ :‬ما �ش�أنكم؟‬
‫قالوا‪� :‬صيدنا وطريدتنا‪ ،‬فقال‪ :‬كال والذي نف�سي بيده ال ت�صلون‬
‫دمت قائم ًا و�سيفي بيدي‪ .‬فرجعوا وتركوه‪ ،‬وقام هو �إىل‬
‫�إليها ما ُ‬
‫‪-44-‬‬
‫غنمه فحلبها و�أ�سقاها ما ًء فق ّربه منها ف�أقبلت ت ِلغ(‪)21‬مرة يف هذا‬
‫ومرة يف هذا حتى عا�شت وا�سرتاحت و�أمنت على نف�سها‪ ،‬ولكن ما‬
‫كاد الليل يخيم‪ ،‬ويخلد الأعرابي �إىل النوم حتى وثبت ال�ضبع عليه‬
‫وبقرت بطنه و�شربت دمه وتركته وفرت هاربة‪.‬‬
‫ح�ضر ابن عم الأعرابي �صباح ًا ف�إذا هو ممزق وم�ض ّرج بدمه‪،‬‬
‫فبحث عن مو�ضع ال�ضبع فلم َي َرها‪ ،‬فقال‪ :‬غرميتي واهلل ف�أخذ قو�سه‬
‫و�سهامه وحلق بها وما توقف حتى �أدركها فقتلها‪ ،‬وهو ير ّدد‪:‬‬
‫ري �أم عامر‬
‫يالقي الذي القى مجُ ُ‬ ‫«ومن ي�صنع املعروف يف غري �أهله‬
‫بها حم�ض �أل��ب��انِ اللِقا ِح الدرائ ِر‬ ‫�أدام لها حني ا�ستجارت بقربه‬
‫َف������ َرت������ ُه ب�����أن����ي����اب ل���ه���ا و�أظ������افِ������ ِر‬ ‫و�أ�س َم َنها حتى �إذا م��ا تكاملتْ‬
‫املعروف يف غري �شاكِر»‬ ‫َ‬ ‫بدا ي�صن ُع‬ ‫َف ُقللذوياملعروفهذاجزا ُء َمن‬

‫‪�)27‬أ�سمع جعجعة وال �أرى ِطحن ًا‪:‬‬


‫ينفر النا�س ممن يوهم اجلميع بعزمه على �أداء عمل كبري‪،‬‬
‫و�إجناز م�شروع غري م�سبوق‪ ،‬فيط ّبل له ويز ّمر زمن ًا‪ ،‬ثم يتبني �أن‬
‫ذلك كله مل يكن غري �ضجة فارغة لن تثمر �شيئ ًا‪ ..‬وقد �أ�شار املثل‬
‫العربي �إليه فقيل‪�« :‬أ�سم ُع جعجعة وال �أرى ِطحن ًا»‪� ..‬أي �أن الرحى‬
‫(حجارة الطاحون) الفارغة تدور‪ ،‬ومتلأ الدنيا جعجعتها وال نرى‬
‫نتيجة ملا تطحنه‪..‬‬
‫(‪ )1‬تلغ‪ :‬ت�شرب‪.‬‬
‫‪-45-‬‬
‫‪ )28‬احلديث ذو �شجون(‪:)22‬‬
‫جمع الباحثون يف اللغة والأدب �أمثال العرب امل�شهورة التي‬
‫فجرت‬ ‫�ص ّورت بعبارات وخربة مواقف و�أحداث ًا يف حياة النا�س‪ّ ،‬‬
‫تلك الأمثال على الأل�سنة لتعبرّ عن مواقف جديدة مماثلة‪ ،‬وتت َّبع‬
‫الباحثون حكايات تلك الأمثال يف م�صادرها‪ ،‬وحت َّروا دوافعها‪،‬‬
‫وج َلوا املنا�سبات التي قيلت فيها‪ ،‬ومن الطريف �أن حكاية واحدة‬
‫ا�شتملت على ثالثة �أمثال دفعة واحدة �أولها «�أ�سعد �أم �سعيد؟»‬
‫«�س َبق ال�سيف ال َعذل»‪..‬‬
‫وثانيها «احلديث ذو �شجون‪ ،‬والثالث‪َ :‬‬
‫وتذكر احلكاية �أن �أعرابي َا من « ُم�ضر» وهو «�ضبة بن �أد بن‬
‫طابخة» كان له ابنان �سعد و�سعيد‪ ،‬فهربت �إبل ل�ضبة حتت الليل‪،‬‬
‫فوجه ابنيه يف طلبها فتفرقا‪ ،‬فوجدها �سعد فر ّدها‪ ،‬وم�ضى �سعيد‬
‫يف طلبها فلقيه احلارث بن كعب‪ ،‬وكان على الغالم ُبردان‪ ،‬ف�س�أله‬
‫احلارث �إياهما ف�أبى عليه‪ ،‬فقتله‪ ،‬و�أخذ ُبرديه‪ ،‬فكان �ضبة �إذ �أم�سى‬
‫فر�أى حتت الليل �سواد ًا قال‪� :‬أ�سعد �أم �سعيد؟ فذهب قوله مث ًال‬
‫ُي�ضرب يف النجاح واخليبة‪.‬‬
‫فمكث �ضبة بذلك �إىل �أن حج فو�صل �إىل «عكاظ» فلقي فيها‬
‫احلارث بن كعب‪ ،‬ور�أى عليه بردي ابنه �سعيد‪ ،‬فعرفهما‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫«هل �أنت خمربي ما هذان البرُ دان اللذان عليك؟» قال‪« :‬بلى‪ ،‬لقيت‬
‫علي فقتلته‪ ،‬و�أخذت ُبرديه‬ ‫غالم ًا وهما عليه ف�س�ألته �إياهما ف�أبى ّ‬
‫(‪� )1‬شجون‪� :‬أمل وحزن‪.‬‬
‫‪-46-‬‬
‫هذين»‪ .‬فقال �ض ّبة‪« :‬ب�سيفك هذا؟» قال‪« :‬نعم»‪ ،‬فقال‪« :‬ف�أعطنيه‬
‫�أنظر �إليه ف�إين �أظنه �صارم ًا» ف�أعطاه احلارث �سيفه‪ ،‬فلما �أخذه من‬
‫يده هزه وقال‪« :‬احلديث ذو �شجون» ثم �ضربه به حتى قتله‪ ،‬فقيل‬
‫له‪« :‬يا �ض َّبة �أيف ال�شهر احلرام؟» فقال‪�« :‬سبق ال�سيف ْ‬
‫العذل» فهو‬
‫�أول من قال هذه الأمثال الثالثة‪ .‬قال الفرزدق‪:‬‬
‫ك�ضبة �إذ ق���ال‪ :‬احل��دي��ث �شجون‬ ‫وال ت�أم َّ‬
‫نن احلرب �إ َّن ا�ستِعا َرها‬

‫‪ )29‬خال لك اجل ّو فبي�ضي و�صفِّري‪:‬‬


‫ُي�ضرب يف احلاجة عندما يتمكن منها �صاحبها فيظفر بال�شيء‬
‫«ط َرفة» ال�شاعر اجلاهلي يف معر�ض‬ ‫الذي يريده‪ ،‬وهذا املثل قاله َ‬
‫�أبيات �شعرية ُيخاطب فيها ُقنربة (طائر) كان ن�صب لها فخ ًا‬
‫لي�صطادها فلم ُيفلح وملا رجع ثانية وجد القنابر يلقطن َ‬
‫احل َّب ُوهنَّ‬
‫يرتعن(‪�)23‬ساملات فقال مما قاله‪:‬‬
‫خال ل��كِ اجل��و فبي�ضي وا�صفري‬ ‫«ي������ا ل�����ك م�����ن ق����ن��ب�رة مبعمر‬
‫ق��د رح��ل ال�����ص�� ّي��اد عنك ف�أب�شري‬ ‫ون��� ّق���ري م���ا ���ش��ئ��ت �أن ُتن ِّقري‬

‫‪ُ )30‬ر َّب رمية من غري رام‪:‬‬


‫ي�سعى النا�س جاهدين لتحقيق �أمانيهم‪ ،‬ويت�سابق اجلميع لبلوغ‬
‫الأهداف املن�شودة يف احلياة‪ ،‬فيهم من يبلغ الهدف ويحقق النجاح‬
‫(‪ )1‬يرتعن‪ :‬يتجولن وينعمن‪.‬‬
‫‪-47-‬‬
‫وفيهم من يف�شل فيعود لل�سعي من جديد‪ ...‬وحتد ُُث يف هذا ال�سياق‬
‫مفارقات‪� ،‬إذ قد يحقق �أحدهم غاية دون جهد‪ ،‬وينجح دون �أن‬
‫يخطط لها يف حني قد يخون احلظ �آخر بعد جهد جهيد‪.‬‬
‫رب رمية من غري‬ ‫عبرّ املثل العربي عن هذه املفارقة فقيل‪ّ :‬‬
‫رام‪ ..‬وعن حكاية هذا املثل قيل‪� :‬إن احلكم بن عبد يغوث من بني‬
‫منقر‪ ،‬الذي كان من �أمهر رماة زمانه‪� ،‬أق�سم ذات يوم لي�صيدنَّ‬
‫مهاة (بقرة وح�شية) ويذبحها لي�أكل منها �أهله و�أ�صحابه – واملهاة‬
‫الطليقة يف ال�صحراء يكون ا�صطيادها �صعب ًا‪.‬‬
‫فحمل قو�سه و�سهامه وخرج �إىل ال�صيد‪ ،‬ولكنه مل يفلح فيما‬
‫عزم عليه‪ ،‬ورجع مكتئب ًا وحزين ًا‪ ،‬وبات ليلته يف هم وغم‪ ..‬وملا �أ�صبح‬
‫ال�صباح خرج �إىل قومه وقال لهم‪ :‬واهلل لأقتلن نف�سي �أ�سف ًا �إن مل‬
‫�أ�صدها اليوم‪ .‬فقال له �أخوه‪ :‬ه ّون على نف�سك واذبح مكانها ع�شر ًا‬
‫من الإبل‪ ،‬وال تقتل نف�سك‪ ،‬فقال له‪ :‬ال والالت والعزى‪ ،‬ال �أظلم‬
‫قاعدة و�أترك نافرة‪ ،‬ثم قال له ابنه‪ :‬يا �أبت خذين معك �أ�ساعدك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وما يفيدين من خائف و�ضعيف! ف�ضحك الولد وقال‪� :‬إن مل‬
‫�أ�صدها و�أذبحها‪ ،‬فاذبحني مكانها‪.‬‬
‫وانطلقا يف ال�صحراء �إىل �أن ملحا مهاة على البعد‪ ،‬فتناول احلكم‬
‫قو�سه و�شد �سهمه ورماها‪ ،‬ولكنه �أخط�أها‪ ..‬وملحا بعدها مهاة �أخرى‬
‫أبت �أعطني‬ ‫فرماها احلكم‪ ،‬ولكنه �أخط�أها �أي�ض ًا‪ ،‬فقال االبن‪ :‬يا � ِ‬
‫القو�س‪ ،‬ف�أعطاه ورماها‪ ،‬فلم يخطئها‪.‬‬
‫‪-48-‬‬
‫رام‪.‬‬
‫رب رمية من غري ٍ‬ ‫فقال الأب‪ّ :‬‬
‫و�صار ما قاله مث ًال ي�ضرب للمخطئ الذي ي�صيب �أحيان ًا‪،‬‬
‫وللم�سيء الذي يح�سن �أحيان ًا‪.‬‬
‫‪ )31‬رجع بخفي حنني‪:‬‬
‫ي�سعى الإن�سان يف احلياة جم ّد ًا �صبور ًا لبلوغ �أهداف �سامية‬
‫ح ّددها لنف�سه‪ ،‬وال ب ّد له �أخري ًا �أن ي�صل ويقطف ثمرة جهده و�سعيه‪،‬‬
‫لكنَّ يف النا�س من يخطئ الت�ص ّرف‪ ،‬ويرجع بعد طول م�شقة خائب ًا‬
‫�صفر اليدين‪ ،‬وقد �ضرب العرب املثل يف هذا احلال‪ ،‬فقيل‪ :‬رجع‬
‫بخفي حنني‪..‬‬
‫وهو مثل عربي قدمي ُي�ضرب ملن خاب يف �سعيه وعاد �إىل داره‬
‫كما خرج منها‪ ،‬ولهذا املثل ق�صة طريفة تقول‪� :‬إن رج ًال �إ�سكافي ًا‬
‫يدعى (حنني) �أراد �أن يبيع خف ًا من �صنعه لأحد الأعراب‪،‬‬
‫فاعرت�ض الأعرابي على ثمن اخلف وزادت معار�ضته حتى غ�ضب‬
‫(حنني) و�صمم على ال�سخرية من الأعرابي والكيد له‪ ،‬وقد كان‬
‫يعرف الطريق التي ي�سلكها الأعرابي يف الذهاب والإياب‪.‬‬
‫فق�صد تلك الطريق وبيده خفان‪ ..‬و�ضع �أحدهما يف و�سط‬
‫الطريق وو�ضع الآخر على م�سافة بعيدة من اخلف الأول‪ ،‬واختب�أ‬
‫(حنني) يف مكان قريب‪.‬‬
‫‪-49-‬‬
‫وعندما م ّر الأعرابي ر�أى اخلف الأول وقال‪ :‬ما �أ�شبه هذا اخلف‬
‫بخف حنني‪ ،‬هذا الرجل اللعني‪ ،‬وترك الأعرابي اخلف وا�ستم ّر يف‬
‫�سريه حتى ر�أى اخلف الآخر‪ ،‬فندم على تركه للخف الأول‪ ،‬وعقل‬
‫ناقته و�أخذ اخلف يف يده وذهب �إىل مكان اخلف الأول لع ّله يعرث‬
‫عليه وينعم باخلفني‪ ،‬وهنا ظهر حنني من خمبئه وامتطى ناقة‬
‫الأعرابي مبا عليها من �أمتعة وانطلق بها م�سرع ًا‪.‬‬
‫وملا عاد الأعرابي مل يجد ناقته فا�ضطر �أن يذهب �إىل �أهله على‬
‫قدميه‪ ..‬وعندما و�صل �إليهم �س�ألوه مباذا �أتيت من �سفرك؟ فقال‬
‫يف ح�سرة (رجعت بخفي حنني) و�صار هذا القول مث ًال ُي�ضرب ملن‬
‫يرجع خائب ًا من �سفره‪.‬‬
‫‪ )32‬ال�شجاعة �صرب �ساعة‪:‬‬
‫ينهمك النا�س يف �إجناز املهام املوكلة �إليهم‪ ،‬فيهم من يعمل‬
‫بد�أب وحما�س وعزمية و�صرب‪ ،‬حتى يبلغ الهدف‪ ،‬ويحقق عم ًال‬
‫متميز ًا جدير ًا بالتقدير‪ ،‬وفيهم من تث ِقله املهمة‪ ،‬ويتهيب امل�شقة‪،‬‬
‫فيقوم بالعمل مت�س ّرع ًا‪ُ ،‬يريد �إجنازه ب�أي �شكل‪ ،‬وب�أهون و�سيلة‪،‬‬
‫ونفا ِد �صرب‪ ،‬فال يح�صد غري اال�ستهجان‪ ،‬وقد ّ‬
‫خل�ص املثل العربي‬
‫هذا املوقف فقيل‪ :‬ال�شجاعة �صرب �ساعة‪..‬‬
‫عن �أ�صل حكاية هذا املثل‪ ،‬قيل �أن رج ًال �س�أل عنرتة العب�سي‪،‬‬
‫الفار�س العربي ال�شهري‪ :‬كيف �صرت بط ًال يهابك كل فر�سان العرب‬
‫‪-50-‬‬
‫و�شجعانهم‪ ،‬فقال عنرتة‪ :‬ال�سر يف ذلك �أنني �أ�صرب على املكاره �أكرث‬
‫منهم‪ ،‬و�أ�صمد يف وجه خ�صمي بدون تر ّدد‪ ،‬فقال له‪ :‬وكيف يكون‬
‫وع�ض ك ّل‬
‫لتع�ضه‪ّ .‬‬‫أع�ضه وخذ �إ�صبعي ّ‬ ‫ذلك؟ قال‪ :‬هات �إ�صبعك ل ّ‬
‫منهما �إ�صبع الآخر‪ ،‬ومل يلبث الرجل �أن �صاح من الأمل‪ .‬وهنا قال‬
‫حت �أنا من الأمل‪ ،‬لأنني‬
‫ل�ص ُ‬‫عنرتة‪� :‬أر�أيت‪ ..‬لو �أنك �صربتَ قلي ًال‪ِ ،‬‬
‫ت�أملت مثلك‪ ،‬ولكنني �صربت �أكرث منك‪ ...‬وال�شجاعة �صرب �ساعة!‪..‬‬
‫و�صار ما قاله عنرتة مث ًال ُي�ضرب يف معر�ض احلث على ال�صرب‬
‫واحتمال املكاره‪.‬‬
‫وجدير بالذكر �أن عنرتة ي�ضرب به املثل يف ال�شجاعة فيقال‬
‫(�أ�شجع من عنرتة)‪.‬‬
‫‪� )33‬صحيفة امل َتل ِّم�س‪:‬‬
‫«ط َرفة بن‬‫«املتلم�س» �شاعر عربي َو َفد مع ابن �أخته ال�شاعر َ‬
‫العبد» على ملك احلرية «عمرو بن هند»‪ ،‬فق ّربهما وجعلهما من‬
‫خا�صته‪ ،‬وكانا ي�صحبانه �إىل ال�صيد‪ ،‬ف�إذا خلد �إىل الراحة َج َل�سا‬
‫يف انتظاره‪ ،‬ومير وقت طويل قبل �أن ي�أذن لهما بلقائه‪..‬‬
‫ف�ضجر «طرفة» وهجاه ب�أبيات �شعرية‪ ..‬فلما و�صلت �إىل امللك‬
‫غ�ضب وقرر اخلال�ص من ال�شاعرين‪ ،‬فقال لهما‪ :‬ال بد و�أنكما يف‬
‫�شوق لأهلكما‪ ،‬فقاال‪ :‬نعم‪ ..‬فما كان منه �إال �أن كتب لهما �صحيفتني‬
‫وختمهما‪ ،‬وقال‪ :‬اذهبا �إىل وايل البحرين‪ ،‬فقد �أمرته �أن يكرمكما‬
‫‪-51-‬‬
‫فرحال متّج َهني �إىل البحرين‪ ،‬وم ّرا يف‬ ‫ويخ�صكما بجوائز‪َ ..‬‬ ‫ّ‬
‫طريقهما ب�شيخ‪ ،‬فدفع له «املتلم�س» خطاب امللك ليقر�أه له‪ ،‬ف�إذا به‬
‫«ط َرفة» فرف�ض �أن يفتح‬‫الأمر بقتله‪ ،‬فما كان منه �إال �أن مزّقه‪� ..‬أما َ‬
‫مغ ّلف ر�سالته ووا�صل رحلته �إىل البحرين‪ ،‬حيث �س ّلم واليها كتاب‬
‫امللك عمرو‪ ،‬وقام الوايل بقتل «طرفة» تنفيذ ًا لأمره‪ ،‬وقد قيل يف‬
‫املثل العربي‪« :‬مثل �صحيفة املتل ّم�س» و ُي�ضرب ملن ي�سعى بنف�سه �إىل‬
‫الهالك وال�شقاء‪..‬‬
‫وراح ال�شاعر «امللت ّم�س» يردد بعد ذلك‪:‬‬
‫ن���ب����أٌ ف��ت�����ص��د ُق��ه��م ب َ‬
‫�����ذاك الأن ُف�س‬ ‫َمن ُمبل ِغ ال�شعراء عن �أخ َويهم‬
‫وجن����ا ح������ذا ِر ����ش���روره���ا املُتل ّم�س‬ ‫�أودىالذيعلِقال�صحيفةمنهما‬

‫‪ )34‬ال�صيف‪� ..‬ض ّيعت اللنب‪..‬‬


‫وهبنا اهلل تعاىل ِنعم ًا كثرية ال تحُ �صى‪ّ ،‬‬
‫ووجهنا �إىل االنتفاع‬
‫بها بحكمة وتع ّقل ودون تبذير‪ ،‬حتى ال نفقدها ونتح�سر عليها عند‬
‫زوالها‪ ،‬ومن حكايات العرب اجلميلة �أن �أعرابي ًا عا�ش مع زوجته‬
‫جف يف ال�صيف‪ ،‬وق ّل‬
‫يف نعمة وخري وفري‪ ..‬ولكن ما لبث الزرع �أن ّ‬
‫الع�شب‪ ،‬و�ضاق الرزق‪ ،‬ومل جتد املر�أة ذلك اخلري الذي تع ّودت‬
‫عليه‪ ،‬ف�ضجرت باحلياة‪ ،‬و�أكرثت ال�شكوى‪ ،‬وما لبثت �أن فارقت‬
‫زوجها عائدة �إىل �أهلها‪..‬‬
‫‪-52-‬‬
‫ومل يطل الوقت حتى كان ال�شتاء قد �أقبل من جديد‪ ،‬ومنا الزرع‪،‬‬
‫وجرى املاء يف الوديان‪ ،‬وبد�أت ال ِنعاج والنوق تعطي لبن ًا غزير ًا‪،‬‬
‫وهنا �أر�سلت الزوجة تطلب من زوجها بع�ض اللنب‪ ،‬فكان جوابه‬
‫أنت �ض ّيعته يف ال�صيف‪ ،‬فال تطلبيه‬ ‫عت اللنب» � ِ‬ ‫َ‬
‫«ال�صيف �ض ّي ِ‬ ‫فور ًا‪:‬‬
‫يف ال�شتاء‪ ..‬و�أ�صبحت العبارة مث ًال ير ّدده النا�س‪ ،‬لكل من يجحد‬
‫النعمة حني تكون يف يديه‪ ،‬ف�إذا زالت عاد يطلبها ويتمنى �أن ميلكها‬
‫من جديد‪.‬‬

‫‪« )35‬عادت حليمة لعادتها القدمية»‬


‫ُيقال هذا املثل ملن يرتك طبع ًا �أو عادة كانت به‪ ،‬ثم يعود لها مرة‬
‫�أخرى‪ ،‬ويعتقد �أن �صاحبة هذا املثل هي حليمة زوجة حامت الطائي‬
‫الذي ُعرف بكرمه وا�شتهر ب�سخائه‪ ،‬وباملقابل ُعرفت هي ببخلها‪،‬‬
‫�سمن �إىل الطبخ �أخذت امللعقة ترجتف يف‬ ‫فكانت �إذا �أرادت �إ�ضافة ٍ‬
‫يدها( كناية عن �شدة بخلها)‪ ،‬وكان هذا الطبع يزعج زوجها حامت‪،‬‬
‫ف�أراد �أن يع ّلمها الكرم فقال لها‪� :‬إن الأولني كانوا يقولون �إن املر�أة‬
‫كلما و�ضعت ملعقة من ال�سمن يف ِح َّلة الطبخ زاد اهلل بعمرها يوم ًا‪،‬‬
‫ف�أخذت حليمة تزيد مالعق ال�سمن يف الطبخ ف�أ�صبح طعامها �شهي ًا‬
‫وتعودت يدها على ال�سخاء‪ ،‬و�شاء اهلل �أن يفجعها بابنها الوحيد‬
‫‪-53-‬‬
‫الذي كانت حتبه ح ّب ًا ج ّم ًا‪ ،‬حتى متنت املوت لنف�سها‪ ،‬ومل تعد راغبة‬
‫يف العمر الطويل بعد موت ولدها‪ ،‬ف�أخذت تق ّلل من و�ضع ال�سمن‬
‫يف الطبخ‪ ،‬حتى ينق�ص عمرها ومتوت‪ ،‬فقيل حينها‪ :‬عادت حليمة‬
‫لعادتها القدمية‪.‬‬

‫‪ )36‬على �أهلها َج َنت براق�ش‪:‬‬


‫كثري ًا ما يقدم املرء على عمل‪ ،‬تعود نتيجته بال�ضرر عليه وعلى‬
‫�أهله‪..‬‬
‫‪-54-‬‬
‫وقد �ضرب العرب املثل يف هذا الت�ص ّرف‪ ،‬فقيل‪ :‬على �أهلها َج َنت‬
‫براق�ش»‪ ،‬وتقول احلكاية �إن جماعة هربوا من �أعدائهم‪ ،‬وكانت لهم‬
‫كلبة ُيقال لها‪ :‬براق�ش‪ ،‬وفيما هم مرحتلون لي ًال نبحت الكلبة‪ ،‬ف�سمع‬
‫الأعداء نباحها‪ ،‬فك ُّروا عليهم و�أم�سكوا بهم‪ ،‬وبذلك َج َنت «براق�ش»‬
‫عليهم و�صارت مث ًال لل�ش�ؤم‪.‬‬
‫�ص َبي�ص‪:‬‬
‫‪ )37‬يف َح ْي َ‬
‫من الأقوال ال�شائعة التي مل تذهب بني النا�س مث ًال وح�سب بل‬
‫والت�صقت �أي�ض ًا بقائلها فاكت�سب �صيته منها حتى �أ�صبح يعرف‬
‫ا�سمه بها‪ ،‬القول الذائع‪« ،‬يف حي�ص بي�ص» ويق�صد باملثل و�صف �أي‬
‫حالة مت�أزمة �أو م�ضطربة‪ ،‬ويرجع املثل �إىل ال�شاعر �أبي الفوار�س‬
‫�سعد بن حممد البغدادي‪ ،‬واملعروف �أي�ض ًا بابن ال�صيفي‪ ،‬وكان‬
‫هذا ال�شاعر قد خرج من بيته ف�صادف جمهرة من النا�س يف جلبة‬
‫وا�ضطراب وهيجان‪ ،‬فقال مت�سائ ًال‪« :‬ما للنا�س يف حي�ص بي�ص»‬
‫كان و�صف ًا ال تتوقع �سواه من �شاعر عارف‪ ،‬الت�صقت الكلمات به‬
‫فن�سي النا�س البغدادي وابن ال�صيفي و�أبا الفوار�س وراحوا ي�سمونه‬
‫بكل �إيجاز وداللة با�سم «حي�ص بي�ص»‪.‬‬
‫ُيق�صد لغوي ًا بكلمة «حي�ص» املغالبة واملراوغة والفرار‪ ،‬وبكلمة‬
‫«بي�ص» ال�شدة وال�ضيق‪ ،‬و ُيلفظ املثل بعدة �صيغ‪� ،‬إما بك�سر احلاء‬
‫والباءوك�سر ال�صاد �أو فتحها‪ ،‬و�أما بفتح احلاء والباء وك�سر ال�صاد‬
‫�أو فتحها‪ ،‬وحا�ص با�ص اختالط ال حمي�ص عنه‪.‬‬
‫‪-55-‬‬
‫و ُيعد حي�ص بي�ص من كبار ال�شعراء وله �أبيات ذائعة ال�صيت‬
‫ذهب بع�ضها مث ًال‪ ،‬كقول القائلني‪« :‬كل �إناء مبا فيه ين�ضح» وهذا‬
‫من �أبيات بليغة يف الفخر‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫فلما ملكتم ���س��ال ب��ال��دم��ع �أبطح‬ ‫َملَكنا فكان العفو منا �سجية‬
‫عَد َونا على الأ�سرى منُنُّ ون�صفح‬ ‫وح�� َّل��ل�� ُت�� ُم قتل الأ����س���ارى وطاملا‬
‫وك�����ل �إن��������اء ب����ال����ذي ف���ي���ه ين�ضح‬ ‫فح�س ُب ُكم ه��ذا ال��ت��ف��اوت بيننا‬ ‫َ‬

‫‪ )38‬قطعت جهيزة قول كل خطيب‪:‬‬


‫فيما يدور احلوار بني النا�س حول مو�ضوع معني‪ ،‬تختلف فيه‬
‫وجهات النظر‪ ،‬يتناهى خرب مفاجئ يح�سم اجلدال وي�ضع حد ًا‬
‫له‪ ،‬فيغدو التوا�صل فيه بغري فائدة‪ ،‬وي�صدق املثل العربي القائل‪:‬‬
‫«قطعت جهيزة قول كل خطيب»‪..‬‬
‫وتذكر احلكاية �أن رج ًال من �إحدى الع�شائر قتل رج ًال من ع�شرية‬
‫�أخرى‪ ،‬فا�ضطربت الأمور‪ ،‬و�ساد الغ�ضب‪ ،‬وكاد الأمر �أن يتحول �إىل‬
‫�صراع �شديد‪ ،‬ومواجهة قا�سية‪ ،‬لوال �أن �شيخ القبيلة الثانية دعا‬
‫الطرفني �إىل التع ّقل والهدوء والتفاو�ض لإحقاق احلق و�إبرام ال�صلح‪،‬‬
‫وفيما ا�ستغرق اجلميع يف نقا�ش وجدال وا�سرت�ضاء لأهل القتيل‪،‬‬
‫دخلت �أعرابية ت�سمى «جهيزة» و�أعلنت �أن �أخ القتيل ظ ِفر بالقاتل‬
‫و�أجهز عليه‪ ،‬ف�ضرب اجلميع كف ًا بكف‪ ،‬وقال �شيخ القبيلة‪« :‬قطعت‬
‫جهيزة قول كل خطيب» �أي مل يبق �أي جمال للحديث والنقا�ش‪..‬‬
‫‪-56-‬‬
‫‪ )39‬كل فتاة ب�أبيها معجبة‪:‬‬
‫يجتمع النا�س يف �أحاديثهم على تقييم الآخرين‪ ،‬وعر�ض �صفاتهم‬
‫املميزة‪ ،‬وحتديد منزلتهم يف املجتمع‪ ،‬ولكن الإن�سان بطبيعته يرى‬
‫ُّ‬
‫فيغ�ض عن‬ ‫يف �أهله و�أقربائه ا َمل َثل الأعلى يف اخلري وال�صالح‪،‬‬
‫معايبهم‪ ،‬ويتباهى مفاخر ًا مب�آثرهم‪ ،‬وقد �ضربت العرب املثل يف‬
‫ذلك فقالوا‪ :‬كل فتاة ب�أبيها معجبة‪.‬‬
‫‪ -‬جل�ست «العجفاء بنت علقمة ال�سعدي» وكانت ف�صيحة من‬
‫مع�شبة خ�صبة‬ ‫ف�صحاء اجلاهلية مع ن�سوة من قومها يف رو�ضة ّ‬
‫مورفة‪ ،‬فقلن‪� :‬أي الن�ساء �أف�ضل؟ قالت �إحداهن‪ :‬اخلرود – �أي‬
‫العذراء احليية‪ ،‬والودود‪ ،‬والولود»‪ .‬وقالت الأخرى‪« :‬بل خريهن‪:‬‬
‫ذات الغناء‪ ،‬وطيب الثناء‪ ،‬و�شدة احلياء»‪ ،‬وقالت الثالثة‪« :‬بل‬
‫خريهن ال�سموع‪ ،‬اجلموع النفوع غري املنوع»‪ .‬وقالت الرابعة‪« :‬بل‬
‫خريهن اجلامعة لأهلها‪ ،‬الوادعة الرافعة‪ ،‬ال الوا�ضعة‪ ،‬ثم قلن‪:‬‬
‫ف�أي الرجال �أف�ضل؟ قالت �إحداهن‪« :‬خريهم احلظي الر�ضي غري‬
‫اخلطال وال التبال» ‪� -‬أي لي�س بخي ًال وال حقود ًا – قالت الثانية‪« :‬بل‬
‫خريهم ال�سيد الكرمي – �صاحب احل�سب العميم‪ ،‬واملجد القدمي»‪.‬‬
‫يغي احلرة‪،‬‬ ‫وقالت الثالثة‪« :‬بل خريهم ال�سخي الويف الذي ال ِّرَ‬
‫وال يتّخذ ال�ضرة» عندئذ قالت الرابعة �صائحة‪« :‬و�أبيكن‪� ،‬إن يف �أبي‬
‫‪-57-‬‬
‫َل َنعت ُكنَّ ‪ :‬كرم الأخالق‪ ،‬وال�صدق عند التالق‪ ،‬والفلج – الفوز –‬
‫عند ال�سباق‪ ،‬ويحمده �أهل ال ِّرفاق‪.‬‬
‫عندئذ قالت «العجفاء بنت علقمة ال�سعدي»‪( :‬كل فتاة ب�أبيها‬
‫معجبة) ف�صارت مث ًال‪.‬‬
‫التعرف‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪ )40‬ال َت ِ‬
‫هرف مبا‬
‫يف النا�س من ُي�سارع �إىل احلكم على الآخرين دون تدقيق وتر ّيث‪،‬‬
‫�سرفون باملديح والثناء‬ ‫ومن خالل تعامل �آين و�سطحي‪ ،‬وكثري ًا ما ُي ِ‬
‫قبل التع ّرف �إىل �سلوكهم‪ ،‬ونواياهم‪ ،‬فتكون العاقبة خذالن ًا وندامة‪،‬‬
‫ولكن بعد فوات الأوان‪.‬‬
‫تعرف» وال َهرف‪:‬‬ ‫تهرف مبا ال ِ‬ ‫وقد قالت العرب يف امل َثل‪« :‬ال ِ‬
‫الإطناب يف املديح‪.‬‬
‫وكان اخلليفة «عمر بن اخلطاب» ر�ضي اهلل عنه �أول من قال‬
‫قدم عليه رجل يف طلب‪ ،‬فقال عمر له‪ :‬ال �أعرفك فائتني‬ ‫ا َمل َثل‪� ،‬إذ ِ‬
‫مبن يعرفك‪ ،‬فم�ضى الرجل و�أح�ضر رج ًال من م�سلمي املدينة‪،‬‬
‫ف�س�أله عمر عن الرجل‪ ،‬فقال املديني يف حقه خري ًا‪ ،‬و�أ�سرف يف‬
‫الثناء عليه‪ ،‬فعاد عمر ي�س�أله‪ :‬هل عاملتَه؟ قال املديني‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�أ�صاحبتَه يف �سفر طويل؟ قال املديني‪ :‬اللهم ال‪ ،‬فبادر عمر يقول‪:‬‬
‫والتفت للرجل قائ ًال‪ :‬ائ ِتني‬
‫َ‬ ‫إنك ما عرفته‪،‬‬‫تعرف‪َ � ..‬‬
‫تهرف مبا ال ِ‬‫فال ِ‬
‫مبن يعرفك حق ًا!‪.‬‬
‫‪-58-‬‬
‫‪ )41‬ال يف ال ِعيرْ ِ وال يف النَّفري‪:‬‬
‫�أول من قال العبارة «�أبو �سفيان بن حرب» زعيم بني �أمية‪ ،‬وذلك‬
‫�أنه ملا �أقبل بعري قري�ش‪ ،‬وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قد‬
‫حتي ان�صرافها من ال�شام فندب امل�سلمني للخروج معه‪ ،‬و�أقبل �أبو‬ ‫نَّ‬
‫�سفيان حتى دنا من املدينة‪ ،‬وقد خاف خوف ًا �شديد ًا فقال ملجدي بن‬
‫عمرو‪ :‬هل �أح�س�ست من �أحد من �أ�صحاب حممد؟ فقال‪ :‬ما ر�أيت‬
‫من �أحد �أُ ِنكره �إال راكبني �أتيا هذا املكان‪ ،‬و�أ�شار له �إىل مكان ُع ّدي‬
‫وب�سب�س َع ْي َني ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ف�أخذ �أبو �سفيان‬
‫�أبعار ًا من بعرييهما ففتَّها ف�إذا فيها نوى‪ ،‬فقال‪ :‬عالئف يرثب‪ ،‬هذه‬
‫ف�ساح َل(‪)24‬بها‪ ،‬وترك بدر ًا ي�سار ًا‪،‬‬
‫عيون حممد‪ ،‬ف�ضرب وجوه ِعريه َ‬
‫وقد كان بعث �إىل قري�ش حني َف َ�صل من ال�شام يخربهم مبا يخافه‬
‫من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ف�أقبلت قري�ش من مكة‪ ،‬ف�أر�سل‬
‫�إليهم �أبو �سفيان يخربهم �أنه قد �أحرز العري‪ ،‬وي�أمرهم بالرجوع‪،‬‬
‫ف�أبت قري�ش �أن ترجع ورجعت بنو زهرة من ثنية �أجدى‪ ،‬عدلوا �إىل‬
‫ال�ساحل من�صرفني �إىل مكة‪ ،‬ف�صادفهم �أبو �سفيان‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني‬
‫زهرة «ال يف العري وال يف النفري»‪ .‬قالوا‪� :‬أنت �أر�سلت �إىل قري�ش �أن‬
‫ترجع وم�ضت قري�ش �إىل بدر‪ ،‬فواقعهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم‪ ،‬ف�أظفره اهلل تعاىل بهم‪ ،‬ومل ي�شهد بدر ًا من امل�شركني من‬
‫بني زهرة �أحد‪.‬‬
‫(‪� )1‬ساحل بها‪ :‬وجهها نحو ال�ساحل‪.‬‬
‫‪-59-‬‬
‫‪ )42‬ال ُيلدغ امل�ؤمن من ُجحر مرتني‪:‬‬
‫�أعطى العرب العامل الأمثلة يف رفعة ال�سلوك و�سمو التعامل‪،‬‬
‫و�أنكروا اخلداع واملكر‪ ،‬وحاربوا املخادع الذي ميعن يف ال�شر والأذى‪،‬‬
‫وحر�صوا على نبذه واحلذر منه‪ ،‬وقد قيل يف ذلك‪« :‬ال ُيلدغ امل�ؤمن‬
‫من ُجحر مرتني»‪.‬‬
‫قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هذا املثل‪ ،‬وعن حكايته ذكر رواة‬
‫الأحاديث النبوية �أن امل�سلمني بعد �أن انت�صروا على امل�شركني يف‬
‫غزوة بدر‪ ،‬و�أ�سروا عدد ًا كبري ًا منهم‪ ،‬طلب «�أبو عزة» ال�شاعر –‬
‫وهو �أحد امل�شركني – من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أن يعفو عنه‪،‬‬
‫�شاكي ًا �إليه فقر حاله وكرثة عياله‪ ،‬ف�أ�شفق عليه النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم وعفا عنه بغري فداء على �أال يعود �إىل قتال امل�سلمني مرة‬
‫�أخرى‪.‬‬
‫ولكن الرجل عاد وا�شرتك مع الكفار وامل�شركني يف قتال امل�سلمني‬
‫يف غزوة �أحد‪ ،‬ومرة �أخرى وقع �أ�سري ًا‪ ،‬فطلب من النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم �أن ُمينَّ عليه ويعفو عنه كما عفا عنه يوم بدر‪ .‬ولكن‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم رف�ض طلبه‪ ،‬و�أمر «عا�صم بن ثابت» �أن‬
‫ي�ضرب عنقه بعدما قال له‪ :‬ال ُيلدغ امل�ؤمن من ُجحر مرتني‪.‬‬
‫و�صار ذلك القول مث ًال من �أمثال العرب‪ُ ،‬ي�ضرب ملن يريد �أن‬
‫يخدع �إن�سان ًا يف �أمر خدعه فيه من قبل‪.‬‬
‫‪-60-‬‬
‫‪ )43‬لذي احلِلم ُت َ‬
‫قر ُع الع�صا‪:‬‬
‫الن�صح للنا�س وتوجيههم �إىل اخلري من �أرقى �سجايا العرب‪،‬‬
‫و ُت َبذل الن�صيحة للأحبة من غري منٍّ وال انتظار جلزاء‪ ،‬فتق ّوم‬
‫اخلط�أ‪ ،‬وتتدارك الزلل‪ ،‬وتَهدي لل�صالح‪ ،‬والن�صح يكون تارة‬
‫بالقدوة‪ ،‬والكلمة الطيبة‪ ،‬وتارة باللفتة العابرة‪ ،‬وعند العرب كانت‬
‫ن�صح و ُين َّبه �إىل الأنفع والأ�صلح‪ُ « ،‬ق ِرعت‬ ‫ُتقرع الع�صا‪ ،‬فقالوا ملن ُي َ‬
‫له الع�صا» فذهبت العبارة مث ًال‪.‬‬
‫تقول احلكاية �أن «عامر بن الظرب» �أحد ح ّكام العرب‪ ،‬كان قد‬
‫وخ ِرف‪ ،‬و�صار يخطئ يف حكمه‪ ،‬فقال لقومه‪ :‬اجعلوا يل �أمارة‬ ‫� َأ�سنَّ َ‬
‫�أنتبه بها حتى �أعود �إىل ال�صواب‪ ،‬وكان يجل�س ُق ّدام بيته‪ ،‬ويجعل‬
‫ابنه يف البيت ومعه ع�صا‪ ،‬ف�إذا �أخط�أ قرع ابنه الع�صا فيتن ّبه ويرجع‬
‫�إىل ال�صواب‪.‬‬

‫عر َف َق ْد َره‪:‬‬
‫‪ )44‬لن يهلك امر�ؤ َ‬
‫�أول من قال ذلك حكيم العرب «�أكثم بن �صيفي» يف و�صية كتب‬
‫بها �إىل قبيلة طيء‪ ،‬كتب �إليهم‪:‬‬
‫�أو�صيكم بتقوى اهلل‪ ،‬و�صلة الرحم‪ ،‬وعليكم باخليل ف�أكرموها‪،‬‬
‫ف�إنها ح�صون العرب‪ ،‬وال ت�ضعوا رقاب الإبل يف غري حقها‪ ،‬ف�إن فيها‬
‫‪-61-‬‬
‫ثمن الكرمية‪ ،‬ورقاء الدم‪ ،‬وب�ألبانها يتحف الكبري ويغذى ال�صغري‪،‬‬
‫ولو �أن الإبل ُك ّلفت الطحن لطحنت‪ ،‬ولن يهلك امر�ؤ عرف قدره‪،‬‬
‫والعدم عدم العقل ال عدم املال‪ ،‬و َلرج ٌل خري من �ألف رجل‪ ،‬ومن‬
‫عتب على الدهر طالت معتبته‪ ،‬ومن ر�ضي بال ِق�سمة طابت معي�شته‪،‬‬
‫و�آفة الر�أي الهوى‪ ،‬والعادة �أملك‪ ،‬واحلاجة مع املحبة خري من‬
‫البغ�ض مع الغنى‪ ،‬والدنيا دول‪ ،‬فما كان لك �أتاك على �ضعفك‪ ،‬وما‬
‫كان عليك مل تدفعه بقوتك‪ ،‬واحل�سد داء لي�س له دواء‪ ،‬وقبل الرمي‬
‫احللم‪ ،‬خري‬ ‫تمُلأ الكنائن(‪ ،)25‬الندامة مع ال�سفاهة‪ ،‬دعامة العقل ِ‬
‫الأمور مغبة ال�صرب‪ ،‬من يزُر غ ّب ًا(‪)26‬يزدد ح ّب ًا‪ ،‬التغرير(‪)27‬مفتاح‬
‫(‪)28‬‬
‫عي‬
‫الب�ؤ�س‪ ،‬من التواين والعجز نتجت الهلكة‪ ،‬لكل �شيء �ضراوة‪ُّ ،‬‬
‫وترك ما‬ ‫فت ُ‬ ‫ال�صمت �أح�سن من عي املنطق‪ ،‬احلزم حفظ ما ُك ِّل َ‬
‫الظنة‪ ،‬من � َ‬
‫أحلف يف امل�س�ألة‬ ‫ُكفيت‪ ،‬كثري التن�صح يهجم على كثري ِ‬
‫َث ُقل‪ ،‬من �س�أل فوق قدره ا�ستحق احلرمان‪ ،‬الرفق يمُ ن‪ ،‬وا َ‬
‫خل ْرق‬
‫�ش�ؤم‪ ،‬خري ال�سخاء ما وافق احلاجة‪ ،‬وخري العفو ما كان بعد القدرة‪،‬‬
‫فكانت تلك جمموعة �أمثال يف خطاب واحد‪.‬‬
‫ُي�ضرب املثل للرجل ّ‬
‫يحط �أمره وي�ص ّغر قدره‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكنائن‪ :‬جمع كنانة (جعبة ال�سهام)‪..‬‬
‫(‪ )2‬غ ّب ًا‪ -‬زيادة يوم وانقطاع يوم‪..‬‬
‫(‪ )3‬التغرير‪ :‬اخلداع‪..‬‬
‫(‪ )4‬العي‪ :‬العجز واجلهل‪.‬‬
‫‪-62-‬‬
‫‪ )45‬ما وراءك يا ِع َ�صام؟‬
‫ف�ضل» �إن �أول من قال ذلك «احلارث بن عمرو» ملك‬ ‫قال «املُ ّ‬
‫كندة‪ ،‬وذلك �أنه ملا بلغه جمال ابنة «عوف ابن حملم ال�شيباين»‬
‫وكمالها وقوة عقلها‪ ،‬دعا امر�أة من كندة‪ُ ،‬يقال لها ِ«ع�صام»‪ ،‬ذات‬
‫عقل ول�سان و�أدب وبيان‪ ،‬وقال لها‪ :‬اذهبي حتى تعلمي يل ِع َلم ابنة‬
‫عوف‪.‬‬
‫فم�ضت حتى انتهت �إىل �أمها‪ ،‬وهي «�أمامة بنت احلارث»‪،‬‬
‫قدمت له‪ ،‬ف�أر�سلت �أمامة �إىل ابنتها وقالت‪� :‬أي بنية‪،‬‬ ‫ف�أعلمتها ما ِ‬
‫إليك فال ت�سرتي عنها �شيئ ًا �إن �أرادت‬ ‫هذه خالتك �أتتك لتنظر � ِ‬
‫النظر من وجه �أو خلق‪ ،‬وناطقيها �إن ا�ستنطقتك‪.‬‬
‫فدخلت �إليها فنظرت �إىل ما مل تر قط مثله‪ ،‬فخرجت من‬
‫عندها‪ .‬ثم انطلقت �إىل احلارث فلما ر�آها مقبلة قال لها‪« :‬ما‬
‫وراءك يا ع�صام؟» قالت‪� :‬ص َّرح املخ�ض‪29‬عن الزبد‪ ،‬ر�أيت عرو�س ًا‬ ‫ِ‬
‫كاملر�آة امل�صقولة‪ ،‬يزينها �شعر حالك ك�أذناب اخليل‪� ،‬إن �أر�س َلتْه‬
‫م�شطته قلت‪ :‬عناقيد جالها الوابل‪� ،‬أي «املطر‬ ‫ِخلتَه ال�سال�سل‪ ،‬و�إن ّ‬
‫اخلفيف»‪ ،‬ولها حاجبان ك�أمنا ُخطا بقلم‪� ،‬أو ُ�س ِّو َدا بفحم‪ ،‬تق َّو�سا على‬
‫مثل عني ظبية عبهرة‪ ،30‬بينهما �أنف كحد ال�سيف ال�صنيع؛ ح ّفت به‬
‫وجنتان كالأرجوان‪ ،‬يف بيا�ض كاجلمان �شق فيه فم كاخلامت‪ ،‬لذيذ‬
‫(‪ )1‬املخ�ض‪ :‬حركة اللنب‪..‬‬
‫(‪ )2‬عبهرة‪ :‬وا�سعة‪.‬‬
‫‪-63-‬‬
‫املبت�سم‪ ،‬فيه ثنايا غر ذات �أ�شر‪ ،‬تق َّلب فيه ل�سان ذو ف�صاحة وبيان‪،‬‬
‫بعقل وافر‪ ،‬وجواب حا�ضر‪.‬‬
‫ف�أر�سل امللك �إىل �أبيها فخطبها فزوجها �إياه وبعث ب�صداقها‪،‬‬
‫فج ِّهزت فلما جا�ؤوا ليحملوها �إىل زوجها‪ ،‬قالت لها �أمها‪� :‬أي بنية‬ ‫ُ‬
‫�إن الو�صية لو تركت لف�ضل �أدب ُتر َكت لذلك منك‪ ،‬ولكنها تذكرة‬
‫للغافل ومعونة للعاقل‪ ،‬ولو �أن امر�أة ا�ستغنت عن الزوج لغنى �أبويها‪،‬‬
‫كنت �أغنى النا�س عنه‪ ،‬ولكن الن�ساء للرجال‬ ‫و�شدة حاجتهما �إليها ِ‬
‫جت‪� ،‬إىل وكر مل تعرفيه‪ ،‬وقرين‬ ‫ُخ ِلقن‪ ،‬وخ َّل ِ‬
‫فت الع�ش الذي فيه َد َر ِ‬
‫مل ت�ألفيه‪ ،‬ف�أ�صبح مبلكه عليك رقيب ًا ومليك ًا‪ ،‬فكوين له �أمة يكن لك‬
‫عبد ًا و�شيك ًا‪.‬‬
‫لك ذخر ًا وذكر ًا‪ :‬ال�صحبة‬
‫يا بنية‪ ،‬احملي عني ع�شر خ�صال‪ ،‬تكن ِ‬
‫بالقناعة‪ ،‬واملعا�شرة بح�سن ال�سمع والطاعة‪ ،‬والتع ّهد ملوقع عينه‪،‬‬
‫والتف ّقد ملو�ضع �أنفه‪ ،‬فال تقع عينه منك على قبيح‪ ،‬وال ي�شم منك‬
‫�إال �أطيب ريح‪ ،‬والكحل �أح�سن احل�سن‪ ،‬واملاء �أطيب الطيب املفقود‪،‬‬
‫والتع ّهد لوقت طعامه‪ ،‬والهدوء عنه عند منامه‪ ،‬ف�إن حرارة اجلو‬
‫ملهبة‪ ،‬وتنغي�ص النوم مغ�ضبة‪ ،‬واالحتفاظ ببيته وماله‪ ،‬واالرعاء‬
‫على نف�سه وح�شمه وعياله‪ ،‬ف�إن االحتفاظ باملال ح�سن التقدير‪،‬‬
‫واالرعاء(‪ )31‬على العيال واحل�شم جميل ح�سن التدبري‪ ،‬وال تف�شي له‬
‫(‪ )1‬االرعاء‪ :‬الرعاية‪.‬‬
‫‪-64-‬‬
‫�سر ًا‪ ،‬وال تع�صي له �أمر ًا‪ ،‬ف�إنك �إن � ِ‬
‫أف�شيت �س ّره مل ت�أمني غدره‪ ،‬و�إن‬
‫رت(‪� )32‬صدره‪.‬‬
‫أوغ ِ‬‫ع�صيت �أمره‪َ � ،‬‬
‫ِ‬
‫ثم اتقي مع ذلك الفرح �إن كان ترح ًا‪ ،‬واالكتئاب عنده �إن كان‬
‫فرح ًا‪ ،‬ف�إن اخل�صلة الأوىل من التق�صري والثانية من التكدير‪،‬‬
‫وكوين �أ�شد ما تكونني له �إعظام ًا يكن �أ�شد ما يكون لك �إكرام ًا‪،‬‬
‫و�أ�شد ما تكونني له موافقة‪ ،‬يكن �أطول ما تكونني له مرافقة‪ ،‬واعلمي‬
‫أنك ال ت�صلني �إىل ما حتبني حتى ت�ؤثري ر�ضاه على ر�ضاك‪ ،‬وهواه‬ ‫� ِ‬
‫على هواك‪ ،‬يف ما �أحببت وكرهت‪ ،‬واهلل َيخري لك‪.‬‬
‫فعظم موقعها منه‪ ،‬وولدت له امللوك‬ ‫ف�س ّلمت �إليه‪ُ ،‬‬‫فح ِملت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ال�سبعة الذين ملكوا بعده اليمن‪.‬‬
‫‪ )46‬املقادير ت�صيرّ العي خطيب ًا‪:‬‬
‫ُو ِ�صف رجل باجلهل عند احلجاج وايل العراق‪ ،‬وكانت له �إليه‬
‫حاجة‪ ،‬فقال احلجاج يف نف�سه‪ :‬لأختربنه‪ .‬ف�س�أله حني دخل عليه‪،‬‬
‫�أع�صامي �أنت �أم عظامي؟‪.‬‬
‫َ‬
‫بنف�سك‪� ،‬أم تفتخر ب�آبائك الذين �صاروا‬ ‫فت �أنت‬
‫يريد �أ�ش ُر َ‬
‫عظام ًا؟ فقال الرجل‪:‬‬
‫«�أنا ع�صامي وعظامي»‪.‬‬
‫فقال احلجاج‪« :‬هذا �أف�ضل النا�س‪ ،‬وق�ضى حاجته وزاده‪ ،‬ومكث‬
‫(‪� )1‬أوغرت‪� :‬أغرته باحلقد‪.‬‬
‫‪-65-‬‬
‫عنده م ّدة‪ ،‬ثم اكت�شف الوايل �أن الرجل �أجهل النا�س‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫«ت�صدقني و�إال قتلتك» فقال له‪« :‬قل ما بدا لك و�أ�صدقك»‪.‬‬
‫قال‪« :‬كيف �أجبتني مبا �أجبت ملا �س�ألتك عما �س�ألت؟»‬
‫قال له‪« :‬واهلل مل �أعلم �أع�صامي خري �أم عظامي‪ ،‬فخ�شيت �أن‬
‫�أقول �أحدهما ف�أخطئ‪ ،‬فقلت‪� :‬أقول كليهما ف�إن �ضرين �أحدهما‬
‫نفعني الآخر»‪.‬‬
‫وكان احلجاج ظن �أنه �أراد بكالمه‪ ،‬افتخر بنف�سي لف�ضلي‬
‫وب�آبائي ل�شرفهم‪ .‬فقال احلجاج عند ذلك‪« :‬املقادير ت�صيرّ العي‬
‫خطيب ًا» فذهبت مث ًال‪.‬‬
‫ع�صام �س ّودت ع�صام ًا‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫‪َ )47‬نف�س‬
‫يعت ّز النا�س ويفاخرون باملُج ّد املثابر الذي ي�ضع هدف ًا حلياته‪،‬‬
‫ويعمل باجتهاد لبلوغه‪ ،‬معتمد ًا على عزميته ون�شاطه‪ ،‬وباملقابل‬
‫املهم َل املتخاذل الذي يريد بلوغ غايته بغري �سعي �أو‬
‫يزدري النا�س ِ‬
‫مي املجتهد‬ ‫جهد‪ ،‬معتمد ًا على مكانة �أهله ووجاهة �آبائه‪ ،‬وقد ُ�س َ‬
‫و�سمي املتقاع�س عظامي ًا لأنه‬‫الناجح ع�صامي ًا لأنه يتّكل على نف�سه‪ُ ،‬‬
‫يتعاظم بف�ضل الآخرين‪ ،‬وقد جرى يف ذلك مثل عربي يقول‪« :‬نف�س‬
‫ع�صام �س ّودت ع�صام ًا»‪ ،‬وتروي احلكاية �أنه كان للنعمان بن املنذر‬
‫ٍ‬
‫�أ�شهر ملوك احلرية يف العراق‪ ،‬حاجب معروف بالعزمية والف�صاحة‬
‫و�سداد الر�أي‪ ،‬وقد بلغ من نباهته‪� ،‬أنه �أ�صبح ملك ًا بعد «النعمان»‬
‫رغم �أنه مل يكن من �أ�سرة عريقة‪ ،‬عظيمة اجلاه‪...‬‬
‫‪-66-‬‬
‫ويف ذلك قال ال�شاعر «النابغة الذبياين»‪:‬‬
‫وع���� ّل����م����ت����ه ال������ك������ ّر والإق��������دام��������ا‬ ‫ن��ف��� ُ��س ع�����ص��ا ٍم ����س��� َّودتْ عِ �صاماً‬
‫ح����ت����ى ع���ل��ا وج�����������اوز الأق������وام������ا‬ ‫و�������ص���ّي��رّ ت������ه م����� ِل�����ك�����اً هُ ����م����ام����ا‬

‫�شن طبقة‪:‬‬
‫‪ )48‬وافق ٌّ‬
‫يتعارف النا�س ويتقاربون‪� ،‬سعي ًا وراء عالقة �إن�سانية متميزة‪،‬‬
‫ويتحقق هذا الهدف حني يجد كل طرف لدى الطرف الآخر نظرة‬
‫متماثلة للأ�شياء‪ ،‬وفهم ًا م�شرتك ًا للأمور‪ ..‬ي�صبح الطرفان عندها‬
‫ك ًال واحد ًا متكام ًال ومتوافق ًا‪ ..‬وقد �ضربت العرب املثل يف هذا‬
‫فقيل‪« :‬وافق �شن طبقة»‪.‬‬
‫و�أ�صل هذا املثل‪� ،‬أن رج ًال من دهاة العرب وعقالئهم‪ ،‬يدعى‬
‫«�شن» قال ذات يوم‪ :‬واهلل لأط ّو َفن بالبالد حتى �أجد امر�أة مثلي‬
‫�أتزوجها!‬
‫وبينما هو ي�سري‪� ،‬إذا به ي�صادف رج ًال ف�س�أله‪� - :‬إىل �أين تذهب؟‬
‫فقال الرجل‪� :‬إىل مو�ضع كذا‪ ..‬وكان هو نف�س املو�ضع الذي يق�صده‬
‫�شن‪ ،‬فا�صطحبا ووا�صال م�سريهما‪ ،‬ثم �س�أله‪:‬‬
‫‪� -‬أحتملني �أم �أحملك؟ فر ّد الرجل‪ :‬ما �أعجبك؟‪� ..‬أنا راكب و�أنت‬
‫راكب‪ ،‬فكيف �أحملك �أو حتملني؟! ف�سكت �شن‪ ،‬حتى �إذا م ّرا بزرع‬
‫قد ُح ِ�صد‪� ،‬س�أل �شن‪� :‬أترى هذا الزرع �أُ ِكل �أم ال؟ فقال له الرجل‪:‬‬
‫‪-67-‬‬
‫يا جاهل‪ ..‬ترى نبت ًا حم�صود ًا‪ ،‬فتقول �أُ ِك َل �أم ال؟‬
‫ف�سكت �شن‪ ،‬حتى �إذا و�صال �إىل املو�ضع الذي يق�صدانه‪،‬‬
‫ف�صادفتهما فيه جنازة‪ ،‬ف�س�أل �شن‪� - :‬أترى �صاحب هذا النع�ش‬
‫حي �أو ميت؟ فقال له الرجل‪ - :‬ما ر�أيت �أجهل منك‪ ..‬ترى اجلنازة‬
‫فت�س�أل عن �صاحبها �أهو ميت �أم حي؟! ف�سكت �شن‪ ،‬و�أراد �أن مي�ضي‬
‫حلال �سبيله ويفارقه‪ ،‬ولكن الرجل �أبى و�أ�صر �أن مي�ضي معه �إىل‬
‫منزله‪ ،‬فم�ضى �شن معه‪ ،‬وكان للرجل بنت تدعى طبقة‪ ،‬ملا دخل‬
‫عليها �أبوها‪� ،‬س�ألته عن �ضيفه‪ ،‬ف�شكا �إليها جهله‪ ،‬وح ّدثها عن‬
‫كالمه الغريب‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫‪-68-‬‬
‫أبت‪ ،‬ما هذا بجاهل‪ ،‬فقوله‪� :‬أحتملني �أم �أحملك‪� ،‬أراد به‪:‬‬ ‫‪ -‬يا � ِ‬
‫�أحت ّدثني �أو �أح ّدثك‪ ،‬حتى نقطع الطريق‪ ،‬وقوله‪� :‬أترى هذا الزرع‬
‫�أُ ِكل �أم ال‪� ،‬أراد به‪ :‬هل باعه �أهله ف�أكلوا بثمنه �أم ال‪ .‬و�أما قوله عن‬
‫اجلنازة و�س�ؤاله عن �صاحبها‪ ،‬ف�أراد به‪ :‬هل ترك امليت من يعقبه‬
‫فيحيا بذكره �أم مل يرتك �أحد ًا؟‪.‬‬
‫فخرج الرجل من عند ابنته‪ ،‬وجل�س مع �شن‪ ،‬وحادثه �ساعة‪ ،‬ثم‬
‫قال له‪:‬‬
‫أف�سر لك ما قد �س�ألتني عنه �أثناء م�سريتنا؟‪.‬‬ ‫‪� -‬أحتب �أن � ّ‬
‫فف�سره الرجل‪ .‬فقال �شن‪ :‬ما هذا‬ ‫ف�سره!‪َّ ،‬‬ ‫فقال �شن‪ :‬نعم‪ِّ ..‬‬
‫بكالمك‪ ..‬ف�أخربين عن �صاحبه‪.‬‬
‫ف�سر كالمه الغريب هي ابنته طبقة‪،‬‬ ‫ف�أخربه الرجل ب�أن من َّ‬
‫فعرف �شن ب�أنه قد وجد املر�أة التي على �شاكلته‪ ،‬فخطبها من �أبيها‪،‬‬
‫وتزوجها وحملها �إىل �أهله‪.‬‬
‫وملا ر�أوها وعرفوا الق�صة‪ ،‬قالوا‪ :‬وافق �شن طبقة‪ ،‬و�صار قولهم‬
‫مث ًال ُي�ضرب لل�شيئني املتماثلني �أو املتّفقني متام االتفاق‪.‬‬

‫‪ )49‬ويل لل�شجي من اخللي‪:‬‬


‫ال�شجي هو الرجل احلزين وامل�شغول بالهموم‪ ،‬واخللي هو عك�س‬
‫ذلك‪� ،‬أي من خال من هموم ال�شجي‪ ،‬واملعنى وا�ضح يف هذا املثل‬
‫‪-69-‬‬
‫و ُيقال �أحيان ًا «ما يلقى ال�شجي من اخللي» ويف ذلك جاء قول‬
‫ال�شاعر‪:‬‬
‫ف���ي���ا وي������ل ال�������ش���ج���ي م����ن اخللي‬ ‫�أُ َذ ُّل ����ص���ب���اب���ة وي���ت���ي���ه عجبا‬
‫�أما �أ�صل هذا املثل القدمي ف ُي�س َند �إىل «�أكثم بن �صيفي التميمي»‬
‫ح�سب رواية املدائني‪ ،‬قال‪� :‬إنه ملا ظهر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫ودعا النا�س �إىل الإ�سالم‪ ،‬بعث «�أكثم بن �صيفي» ابنه حبي�ش ًا َّ‬
‫ليطلع‬
‫على هذا الأمر ويخرب �أباه مبا وجد‪ ،‬ففعل و�أتاه باخلرب‪ ،‬فجمع �أكثم‬
‫قومه من بني متيم وخاطبهم قائ ًال‪:‬‬
‫«يا بني متيم‪ ،‬ال حت�سبوين �سفيه ًا ف�إنه من ي�سمع َي َخل �أن ال�سفيه‬
‫يوهن َمن فوقه و ُيث ِّب ْت َمن دونه‪� ،‬إن ابني �شا َف َه هذا الرجل م�شافهة‬
‫ِ‬
‫و�أتاين بخربه وكتابه ي�أمر فيه باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬وي�أخذ‬
‫فيه مبحا�سن الأخالق‪ ،‬ويدعو �إىل توحيد اهلل تعاىل وخلع الأوثان‬
‫احللف بالنريان‪ ،‬وقد عرف ذوو الر�أي منكم �أن الف�ضل يف‬ ‫وترك َ‬
‫ما يدعو �إليه و�أن الر�أي ترك ما ينهى عنهُ‪� ،‬إن �أحق النا�س مبعونة‬
‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وم�ساعدته على �أمره �أنتم‪ ،‬ف�إن يكن‬
‫الذي يدعو �إليه حق ًا فهو لكم دون النا�س‪ ،‬و�إن يكن باط ًال كنتم �أحق‬
‫النا�س بالكف عنه وبالت�سرت عليه‪ ،‬وقد كان �أ�سقف جنران يح ّدث‬
‫ب�صفته‪ ،‬وكان «�سفيان بن جما�شع» يح ّدث به قبله‪ ،‬و�سمى ابنه‬
‫حممد ًا‪ ،‬فكونوا يف �أمره �أو ًال وال تكونوا �آخر ًا‪ .‬ائتوا طائعني قبل �أن‬
‫‪-70-‬‬
‫ت�أتوا كارهني‪� .‬إن الذي يدعو �إليه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم لو‬
‫مل يكن دين ًا كان يف �أخالق النا�س ح�سن ًا‪� ،‬أطيعوين واتبعوا �أمري‪.‬‬
‫�أ�س�أل لكم �أ�شياء ال تنزع منكم �أبد ًا و�أ�صبحتم �أعز حي يف العرب‪،‬‬
‫و�أكرثهم عدد ًا و�أو�سعهم دار ًا‪ ،‬ف�إين �أرى �أمر ًا ال يجتبيه عزيز �إال‬
‫ذل‪ ،‬وال يلزمه ذليل �إال عز‪� .‬إن الأول مل يدع للآخر �شيئ ًا‪ ،‬وهذا �أمر‬
‫له ما بعده‪ ،‬من �سبق �إليه غمر املعايل واقتدى به التايل‪ ،‬والعزمية‬
‫حزم‪ ،‬واالختالف عجز»‪.‬‬
‫انتهى من كالمه فتوجه «مالك بن نويرة» لل�سامعني وقال‬
‫خرف �شيخكم‪ ،‬ف�أجابه �أكثم قائ ًال‪« :‬ويل لل�شجي من‬ ‫معرت�ض ًا‪« :‬قد ِ‬
‫اخللي‪ ،‬ولهفي على �أمر مل �أ�شهده ومل ي�سعني» و�أر�سلها بذلك مث ًال‪.‬‬
‫‪ )50‬يداك �أ ْو َك َتا و ُف َ‬
‫وك َن َفخ‪:‬‬
‫ال�سقاء (قربة املاء) �إذا �ش ّده‪� ،‬أ�صله �أن قوم ًا‬
‫ُيقال‪� :‬أوكى ر�أ�س ِ‬
‫�أرادوا �أن يعربوا خليج ًا من البحر‪ ،‬فجعلوا ينفخون �أ�سقيتهم ثم‬
‫يعربون عليها‪.‬‬
‫فعمد رجل منهم ف�أق َّل النفخ و�أ�ضعف الربط‪ ،‬فلما تو�سط املاء‬
‫�أخذ الهواء يخرج من ال�سقاء حتى مل يبق فيه �شيء‪ ،‬وغ�شيه املوت‪،‬‬
‫فنادى رج ًال من �أ�صحابه‪ :‬يا فالن �إين قد هلكت‪ .‬فقال‪« :‬ما ذنبي؟‬
‫يداك �أوكتا وفوك نفخ»‪ .‬فذهب مث ًال يف الترب�ؤ مما كان ال�سبب يف‬
‫هالك �أو خ�سارة‪.‬‬
‫‪-71-‬‬
‫طائفة من �أمثال العرب‬

‫‪ -‬املرء ب�أ�صغريه‪ :‬الأ�صغران هما‪ :‬القلب والل�سان‪� ،‬أي حت�سن حال‬


‫املرء �إن َح ُ�سنا‪.‬‬
‫‪ -‬ال تن َه عن خلق وت�أتي مثله‪� :‬أي ال ت�أمر برتك �شيء وتفعله‪.‬‬
‫إياك �أعني وا�سمعي يا جارة‪ُ :‬ي�ضرب ملن يتكلم بكالم ويريد به‬ ‫‪ِ �-‬‬
‫�شيئ ًا غريه‪.‬‬
‫‪ -‬خري الأمور �أو�سطها‪ :‬ي�ضرب لالعتدال يف الت�ص ّرف وعدم‬
‫التط ّرف‪.‬‬
‫‪ -‬رب �أخ لك مل تلده �أمك‪ :‬يعني ال�صديق الذي يحبك ويعينك‬
‫ب�صدق‪..‬‬
‫‪ -‬ال ت�ؤخر عمل اليوم �إىل غد‪ :‬الت�أجيل خ�سران‪ ،‬وهدر للوقت بغري‬
‫نفع‪.‬‬
‫‪� -‬أخوك من َ�ص َدقك‪ ،‬ال من َ�ص ّدقك‪ ،‬وتعني �أخوك احلقيقي هو من‬
‫ن�صحك ولي�س َمن جاراك ووافق هواك‪.‬‬
‫‪-72-‬‬
‫‪ -‬اجلار قبل الدار‪ ،‬والرفيق قبل الطريق‪ُ :‬ي�ضرب يف الن�صح‬
‫لالختيار ال�صحيح للجار والرفيق‪.‬‬
‫وجد‪ :‬كل عمل مثمر‪ ،‬وج ّد �صادق نتيجته الفالح‬ ‫‪ -‬من ج ّد َ‬
‫والنجاح‪.‬‬
‫‪ -‬خري الكالم ما قل ودل‪ :‬الإيجاز يف القول دليل املقدرة والثقة‬
‫بالنف�س‪.‬‬
‫ر�شد �إىل اخلري له جزاء فاعله‪.‬‬
‫‪ -‬الدال على اخلري كفاعله‪ :‬من ُي ِ‬
‫‪ -‬عند االمتحان ُيكرم املرء �أو ُيهان‪ُ :‬يعرف قدر املرء بعد االختبار‪.‬‬

‫***‬

‫‪-73-‬‬
‫�أ�سماء ُت�ضرب بها الأمثال‬

‫‪ -‬ق�س بن �ساعدة‪ُ ،‬ي�ضرب به املثل يف البالغة واخلطابة ف ُيقال �أبلغ‬


‫من ق�س‪.‬‬
‫‪ -‬لقمان‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف احلكمة ف ُيقال �أحكم من لقمان‪.‬‬
‫‪ -‬املعيدي‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف القبح ف ُيقال ت�سمع باملعيدي خري من‬
‫�أن تراه‪.‬‬
‫‪ -‬عرقوب‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف خلف املواعيد ف ُيقال مواعيد‬
‫عرقوب‪.‬‬
‫‪ -‬حنني‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف الرجوع باخليبة ف ُيقال رجع بخفي‬
‫حنني‪.‬‬
‫‪ -‬ال�شنفرى‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف �سرعة العدو‪ ..‬ف ُيقال (�أعدى من‬
‫ال�شنفرى)‪.‬‬
‫‪� -‬أ�شعب‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف الطمع ف ُيقال �أطمع من �أ�شعب‪.‬‬
‫‪ -‬ال�سموءل‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف الوفاء ف ُيقال �أوفى من ال�سموءل‪.‬‬
‫‪-74-‬‬
‫‪� -‬سنمار‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف مقابلة الإح�سان بالإ�ساءة ف ُيقال جزاء‬
‫�سنمار‪.‬‬
‫‪ -‬زرقاء اليمامة‪ُ :‬ي�ضرب بها املثل يف قوة الب�صر ف ُيقال �أب�صر من‬
‫زرقاء اليمامة‪.‬‬
‫احللم ف ُيقال �أحلم من‬
‫‪ -‬الأحنف بن قي�س‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف ِ‬
‫الأحنف‪.‬‬
‫‪ -‬الك�سعي‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف الندم ف ُيقال �أندم من ال ُك�سعي‪.‬‬
‫‪ -‬ه ّبنقة‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف احلمق ف ُيقال �أحمق من هبنقة‪.‬‬
‫‪ -‬حامت الطائي‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف اجلود والكرم ف ُيقال �أجود من‬
‫حامت‪.‬‬
‫‪� -‬سحبان وائل‪ُ :‬ي�ضرب به املثل يف الف�صاحة ف ُيقال �أف�صح من‬
‫�سحبان وائل‪.‬‬

‫***‬

‫‪-75-‬‬
‫امل�صـــادر‬

‫‪ -‬جممع الأمثال – �أبو الف�ضل �أحمد بن حممد امليداين – دار‬


‫اجليل – بريوت ‪.1996‬‬
‫‪ -‬معجم الأمثال العربية‪ :‬خري الدين �شم�سي با�شا – مركز امللك‬
‫في�صل للدرا�سات الإ�سالمية الريا�ض ‪.1997‬‬
‫‪ -‬امل�ستق�صى يف �أمثال العرب – الزخم�شري – دار الكتب العلمية‬
‫– بريوت ‪.1987‬‬
‫‪ -‬مو�سوعة �أمثال العرب – د‪� .‬إميل بديع يعقوب – دار اجليل –‬
‫بريوت ‪.1995‬‬
‫‪ -‬ق�ص�ص وحكايات الأمثال العربية – �أحمد عطيات – دار حمورابي‬
‫للن�شر – ع ّمان ‪.2007‬‬
‫‪� -‬أروع ما قيل يف الأمثال – د‪ .‬يحيى �شامي – دار الفكر – بريوت‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ -‬جواهر البيان العربي – حممد مروان مراد – دار ال�شرق للطباعة‬
‫والن�شر – دم�شق ‪.2007‬‬
‫‪-76-‬‬
‫حممد مروان مراد‬

‫‪ -‬باحث يف الأدب‪� ،‬إعالمي و�شاعر‪.‬‬


‫‪ -‬مد ّر�س التاريخ يف ثانويات دم�شق – الكويت من ‪.1994 – 1955‬‬
‫‪ -‬عمل يف ال�صحافة والإعالم – وبحوثه يف الأدب والتاريخ من�شورة‬
‫يف ال�صحافة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬حما�ضر يف املراكز الثقافية واملنتديات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬من م�ؤلفاته‪« :‬االرادة تقهر ال�صعاب» ‪« -‬من جواهر البيان‬
‫العربي» ‪« -‬مبدعون يف ذاكرة الوطن» ‪«-‬دم�شق‪� ...‬سجل الإبداع‬
‫الفكري» ‪« -‬القد�س‪ ...‬جوهرة القلب ال�سليبة» ‪�« -‬ضياء على‬
‫الطريق»‪.‬‬
‫‪ -‬حاز جائزة ال�شعر العربي – الكويت ‪ – 1982‬جائزة ق�صة الطفل‬
‫العربي‪� -‬أبو ظبي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬ع�ضو احتاد الكتّاب العرب – املنتدى االجتماعي – اجلمعية‬
‫اجلغرافية – النادي العربي – جمعية �أ�صدقاء دم�شق – الهالل‬
‫الأحمر العربي ال�سوري‪.‬‬
‫‪-77-‬‬
‫�صدر من �سل�سلة كتاب �أ�سامة ال�شهري‬
‫املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬ ‫الرقم‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫حنن جزء من هذا الكون‬ ‫‪1‬‬
‫حممد قرانيا‬ ‫دمشق‬ ‫‪2‬‬
‫ترمجة‪ :‬فريوز نيوف‬ ‫األشرعة احلمراء‬ ‫‪3‬‬
‫ترمجة‪ :‬قاسم طوير‬ ‫مملكة ماري‬ ‫‪4‬‬
‫خمتارات من أسامة‬ ‫‪5‬‬
‫د‪ .‬هشام احلالق‬ ‫القدس ناقص‬ ‫‪6‬‬
‫حسن بالل‬ ‫الذرة‬ ‫‪7‬‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫العلم يدهشنا‬ ‫‪8‬‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫مملكة إيبال‬ ‫‪9‬‬
‫طه الزوزو‬ ‫البيئة‪ :‬الطبيعة واإلنسان‬ ‫‪10‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫قصة الكون واحلياة واإلنسان‬ ‫‪11‬‬
‫عبد اهلل عبد‬ ‫ربيع كاذب‬ ‫‪12‬‬
‫حممد املصري‬ ‫صفحات من تاريخ املوسيقا‬ ‫‪13‬‬
‫ترمجة‪ :‬أنطوانيت القس‬ ‫األمري السعيد‬ ‫‪14‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫قصة اخرتاع األرقام‬ ‫‪15‬‬
‫د‪ .‬غزوان زركلي‬ ‫الصوت والزمن‬ ‫‪16‬‬
‫هنادي زرقة‬ ‫حشرات يف بيتك وحديقتك‬ ‫‪17‬‬
‫د‪ .‬ريم منصور األطرش‬ ‫طريق احلرير‬ ‫‪18‬‬
‫أويس الشريف‬ ‫احلاسوب‬ ‫‪19‬‬
‫‪-78-‬‬
‫فلزات (سيليكون‪/‬كوارتز‪/‬حرير‬
‫د‪ .‬حممد عبود‬
‫صناعي)‬ ‫‪20‬‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫الثقوب الكونية السوداء‬ ‫‪21‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫الفسيفساء‬ ‫‪22‬‬
‫د‪ .‬تغريد شعبان‬ ‫فن النحت يف العصر القديم‬ ‫‪23‬‬
‫د‪ .‬حممد عبود‬ ‫التلوث النفطي‬ ‫‪24‬‬
‫هنادي زرقة‬ ‫احملميات الطبيعية‬ ‫‪25‬‬
‫خمتارات من حكايات إيسوب‬ ‫‪26‬‬
‫حيوانات املروج والغابات‬
‫حممد مروان مراد‬
‫ناقص‬ ‫‪27‬‬
‫جهاد سالمة األشقر‬ ‫قصة الالسلكي‬ ‫‪28‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫أوغاريت‬ ‫‪29‬‬
‫د‪ .‬تغريد شعبان‬ ‫ممالك سورية القدمية‬ ‫‪30‬‬
‫نزار مصطفى كحلة‬ ‫التخدير واالنعاش عرب التاريخ‬ ‫‪31‬‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫أساطري يونانية‬ ‫‪32‬‬
‫دلدار فلمز‬ ‫تاريخ الرسم‬ ‫‪33‬‬
‫د‪ .‬عبري عيسى‬ ‫النفايات الصلبة‬ ‫‪34‬‬
‫حممد دنيا‬ ‫الفينيقيون وأساطريهم‬ ‫‪35‬‬
‫فليز فوق العادة‬ ‫الرياضيات علم وفن‬ ‫‪36‬‬
‫د‪ .‬سرياؤوس حممد‬ ‫اجلراثيم والبيئة‬ ‫‪37‬‬
‫ترمجة‪ :‬د‪ .‬نبيل احلفار‬ ‫حكايات األخوين غريم‬ ‫‪38‬‬
‫حسن عز الدين بالل‬ ‫النانو وتطبيقاته‬ ‫‪39‬‬
‫‪-79-‬‬
‫حممد دنيا‬ ‫غزو الفضاء‬ ‫‪40‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫على دروب القرى املنسية‬ ‫‪41‬‬
‫حممد مروان مراد‬ ‫أعالم الكشف واالخرتاع‬ ‫‪42‬‬
‫د‪ .‬هشام احلالق‬ ‫قرطاج‬ ‫‪43‬‬
‫حممد دنيا‬ ‫أساطري من اليابان‬ ‫‪44‬‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫أوليات علم الفلك‬ ‫‪45‬‬
‫هيسم جادو أبوسعيد‬ ‫نشوء احلياة‬ ‫‪46‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫املايا‬ ‫‪47‬‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫فراشات وأحالم‬ ‫‪48‬‬
‫العلماء العرب رواد النهضة العربية حممد مروان مراد‬ ‫‪49‬‬
‫حسن عز الدين بالل‬ ‫اهلندسة الوراثية وتطبيقاهتا‬ ‫‪50‬‬
‫من حكايات ألف ليلة وليلة‬ ‫‪51‬‬
‫د‪ .‬بسام جاموس‬ ‫مملكة قطنا‬ ‫‪52‬‬
‫حممد حسام الشاالتي‬ ‫تعرف على الرياضات اجلوية‬ ‫‪53‬‬
‫جوان جان‬ ‫قصة املسرح‬ ‫‪54‬‬
‫براعم الطفولة ترسم‬ ‫‪55‬‬
‫ادريس مراد‬ ‫من عامل األوركسرتا‬ ‫‪56‬‬
‫أمحد عكيدي‬ ‫محاة مدينة أبي الفداء‬ ‫‪57‬‬
‫د‪ .‬هشام احلالق‬ ‫كيف حنل مشكالتنا‬ ‫‪58‬‬
‫ترمجة‪ :‬مرينا أوغالنيان‬ ‫الغيلم احملبوب‬ ‫‪59‬‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫طروادة من األسطورة إىل االستكشاف‬ ‫‪60‬‬
‫‪-80-‬‬

You might also like