Professional Documents
Culture Documents
نقد أدبي قديم 2
نقد أدبي قديم 2
محاضرة:
ضح :بياض أوال :الوضوح :ماهو معبر عنه من دون إبهام ،أو غموض .و َ
الو َ
الدهمان .والو ِ
اضح من اإلبل َ الليل ُّ ْ َ َ
اح و َهار الوض َ
الصبح .والعرب تسمي الن َ
ُّ
اضح ُّ
ضد يوضحه لك .والو ِ األبيض .واستوضحت األمر والكالم إذا سألتَه أن ِ
َ َ َ َْ
ِ
ال من الوضوح والظهور.
فع ٌ الخام ِل لوضوح حاله وظهوره ،ووض ٌ
اح ُّ
لقد كان الشعر العربي القديم في معظمه شعر وضوح وكان الخيال "يقف عند جدار
األشياء واألجزاء ،اليتعداها إلى األعماق والكليات ،هو خيال وصفي يستعيد صورة العالم
مثلما هي دون تغيير جذري أو ابتكار غريب أو بعث جديد .ولذلك يبقى الخيال مألوفا
متعقال ،واضحا".
1
مادة :النقد األدبي القديم 2
د /سمية الهادي السنة األولى ليسانس لغة وأدب عربي
ثم جاء العصر العباسي وبرزت الشكوى من صعوبة أو غموض أو إبهام بعض شعر تلك
المرحلة .وكان سبب ذلك أن "أشياء استجدت في العصر العباسي فأصابت بعض شعر
شعرائه ،وخصوصا أبا تمام بالغموض ،ومن هذه األشياء الفكر والثقافة ،ففي هذا العصر
ت ْر ِجمت عن الهنود والفرس واليونا ن معارف علمية وفكرية وفلسفية ،وفي هذا العصر كانت
مجالس للمحاورات والمناظرات الفكرية والمذهبية فخلق هذا مناخا ثقافيا واسعا عميقا شامال
اقترب منه بعض الشعراء وانغمس فيه آخرون" .هذا المناخ الثقافي الملون بتلك الثقافات
الواردة كانت له تأثيرات على الشعر العربي العباسي .والغموض الشعري هو أحد هذه
التأثيرات.
برزت قضية الوضوح و الغموض في النقد األدبي القديم بشكل واضح في العصر
العباسي مع ظهور مذهب الصنعة والبديع عند بعض المحدثين آنذاك .وكان أبو تمام ْأب َرَزهم
فهو شاعر يميل إلى الغموض وتعقيد المعنى ،واستعمال الغريب من األلفاظ فتنبه النقاد إلى
هذا الغموض" .ولكن حديث القدماء عن الغموض حديث مفرق متناثر في دراسات المفسرين
واألصوليين ،واللغويين ،والنحاة ،والبالغيين .كما كانت عناية القدماء بالتطبيق في دراستهم
لهذه الظاهرة ،أكثر من عنايتهم بالتنظير"
وتعددت المصطلحات الدالة على الغموض باختالف العلماء بين لغويين وبالغيين ونحاة
وكانت من هذه المصطلحات :الخفاء والوحشي ،والمستغلق ،والمعاظلة ،والمبهم ،والغريب
واللبس ،والبعيد...إلخ من مصطلحات و ِظفت عند الحديث على ماجاء غامضا من كالم
العرب .
2
مادة :النقد األدبي القديم 2
د /سمية الهادي السنة األولى ليسانس لغة وأدب عربي
"وكما تعددت المصطلحات الدالة على الغموض عندهم اختلفت األسباب التي عزوا إليها
غموض المعنى وإبهامه ،فكانت أحيانا بسبب من البنية الصوتية للكلمة والكالم ،أو بسبب
من تعقد التركيب النحوي ،أو بعد اإلستعارة و التشبيه و استغالقهما ،أو وضعهما وضعا لم
يألفه عمود الشعر العربي".
واهتمام النقد بقضية الوضوح والغموض في العصر العباسي ال يعني غياب جذور
للقضية في العصر الجاهلي ،حيث كان الشاعر العربي يحرص في الجاهلية على تقديم
معاني أشعاره في قوالب وعبارات فصيحة بليغة تضمن الوضوح لمتلقيها ولعل بعض الشواهد
ذم الغموض وقد
النقدية التي حفظتها كتب النقد القديم تشير إلى اهتمام العرب بالوضوح و ِ
أورد صاحب الموشح أن النابغة الذبياني قال للنعمان بن المنذر:
وتستمر صفة الوضوح في الشعر وتصبح مطلبا من مطالب النقد في صدر اإلسالم ُّ
فيعد
عمر بن الخطاب رضي هللا عنه زهي ار بن أبي سلمى أشعر الشعراء ألنه ":ال يعاظل بين
الكالم ،وال يتبع حوشيه ،وال يمدح الرجل إال بما فيه" فزهير أشعر الشعراء ألنه ال يداخل بين
الحوشي من
ُّ مكونات العبارة ،واليستخدم غريب األلفاظ ،فالمعاظلة و صفة الوحشي أو
األلفاظ تنطبق على الغامض من الشعر.
3
مادة :النقد األدبي القديم 2
د /سمية الهادي السنة األولى ليسانس لغة وأدب عربي
الخطابة حيث قال " :وكن في ثالث منازل فإن أولى الثالث :أن يكون لفظك رشيقا عذبا
معناك ظاه ًار مكشوًفا وقريبا معروفا" .
َ ال ويكون
وفخما سه ً
ً
وذكر ابن رشيق في كتاب العمدة أن الرماني يرى بوجود ضربين من التشبيه ،تشبيه
حسن وتشبيه قبيح ،فالتشبيه الحسن هو الذي يخرج األغمض إلى األوضح "
ُّ
وعد أبو هالل العسكري في كتابه الصناعتين ميل بعض الشعراء إلى الغموض عج از عن
اإلفصاح ويقول في ذلك " :فأما من أراد اإلبانة في مديح ،أو ٍ
غزل ،أو صفة شيء فأتى
ٍ
بإغالق دل ذلك على عجزه عن اإلبانة ،وقصوره عن اإلفصاح".
ويفرِق عبد القاهر الجرجاني بين الغموض المحمود وبين التعقيد ،فالشعر الجيد في نظره
هو ما تميز بنوع من الغموض ينجلي بعد التأمل وطلب المعاني وإعمال الفكر" .ومن
نيل بعد الطلب له أو اإلشتياق إليه ،ومعاناة الحنين نحوه،
المركوز في الطبع أن الشيء إذا َ
كان نيله أحلى وبالمزية أولى ،فكان موقعه من النفس أجل وألطف".
أما التعقيد المذموم فهو ما أتعب الذهن والفكر من دون فائدة "ألجل أن اللفظ لم ي َرت ْب
الترتيب الذي بمثله تحصل الداللة على الغرض ،حتى احتاج السامع إلى أن يطلب المعنى
بالحيلة".
أما حازم القرطاجني فإنه "يقر أن بعض أنواع الغموض ال بد أن يتوفر في الشعر مثل اللغز
والكناية ،واإلشارات إلى األحداث الماضية والقصص مما يتطلب من القارئ ثقافة خاصة" .
وي ِ
فصل حازم القرطاجني في أوجه الغموض وأسبابه فمنها ما يرجع إلى المعاني أنفسها،
ومنها مايرجع إلى األلفاظ والعبارات المدلول بها على المعنى ومنها ما يرجع إلى المعاني
واأللفاظ معا" .
1ـــ غموض بسبب المعنى :يرى حازم أن الغموض في المعنى يأتي ألسباب عدة منها:
4
مادة :النقد األدبي القديم 2
د /سمية الهادي السنة األولى ليسانس لغة وأدب عربي
ف الفهم عنها طول الكالم بعدها. ـ ـ ــ أن يكون المعنى مبنيا على مقدمة في الكالم َ
ص َر َ
ـ ـ ـ أن يكون الكالم متضمنا معنى علميا أو خب ار تاريخيا أو يكون مضمنا إشارة إلى مثل أو
بيت فت َشكل هذه اإلشارات جزءا من أجزاء المعنى مما يعني الجهل بها غموض المعنى أو
جزء منه .
ـ ـ ـ أن يكون المعنى على سبيل الكناية ،ولكن المستوى الحقيقي للغة ال يدل بوضوح على
ذلك.
ـ ـ أن يكون التعبير عن المعنى غير دقيق نتيجة داللة الكلمات على معنى آخر شبيه
بالمعنى المراد.
2ـ ـ أن يقع في الكالم تقديم وتأخير ،أو يتخالف وضع اإلسناد فيصير الكالم مقلوبا.
3ـ ـ أن يقع بين بعض العبارة وما يرجع إليها فصل بقافية أو سجع فتخفى جهة التطالب بين
الكالمين.
5
مادة :النقد األدبي القديم 2
د /سمية الهادي السنة األولى ليسانس لغة وأدب عربي
وبالرغم من قبول الغموض في بعض المواضع فإن القرطاجني على العموم منحاز إلى
الوضوح فنراه "يصف للشاعر حيال يستطيع أن ي ِ
خفف بها من درجة الغموض في شعره أو
يزيلها ،فإذا كان المعنى نفسه دقيقا وجب على الشاعر أن يؤديه بأبسط عبارة أو أن يقرن
ينص باعتماد القصص
انتصار منه للوضوح ُّ
ًا المعنى بما يناسبه من األمور التوضيحية .و
المشهورة حتى ال تكتسي اإلشارات بالغموض ،وينصح الشاعر أن يبتعد عن العبارات
المتعلقة بصنائع أهل المهن أو العبارات الدالة على المعاني العلمية "
ويتفق حازم القرطاجني بهذا مع معظم النقاد القدامى الذين أروا في وضوح المعاني السبيل
األمثل لوصولها إلى المتلقي ،وبينوا أن الوضوح ال يتنا َفى مع الخيال والتصوير واستخدام
اإلشارة والرمز .فالوضوح اليعني السطحية أبدا وإنما األمر مرده إلى الطريقة التي تقدم بها
هذه اإلشارات والرموز واإلستعارات.
6