You are on page 1of 16

‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫الصورة الفنية واإلبداع الشعري ‪:‬عند ابن رشيق القيرواني ‪.‬‬

‫شرفاوي نورية‬
‫جامعة وهران ‪ 1‬أمحد بن بلة‬

‫ملخص‪:‬‬
‫إن ما يفصل حدود اللغة األدبية عن حدود اللغة العادية‪ ،‬وخيرجها من نطاقها التخاطيب املألوف إىل نطاق‬
‫فين تتجاوز فيه احملدود إىل الالحمدود هو البالغة وقوالبها الفنية ‪ ،‬فتنتقل اللغة من منطها القاموسي التقليدي‬
‫إىل فضاءات جديدة حني تضطلع بوظيفة مجالية شعرية تأثريية تتميز هبا النصوص األدبية خاصة‪.‬‬

‫‪ -‬فما هو مفهومها؟ وماهي قوالبها الفنية؟‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫محلت هذه الكلمة "البالغة" مدلوالت متعددة عرب عصور أدبية خمتلفة‪ ،‬جتاذبتها تيارات متباينة أحدها تيار‬
‫األدباء واملواهب يف الشعر والنثر ابتداء من اجلاحظ وابن املعتز يف القرن الثالث حىت ابن األثري وصالح الصفدي‬
‫يف القرنني السابع والثامن‪ .‬اآلخر متثله مجاعة املنطق والفلسفة‪ ،‬والعلوم العقلية ومعظمهم ممن سعى خملصا لتقدمي‬
‫البالغة إىل غري أبنائها من املسلمني للتعريف باألسلوب القرآين بغية وهدفا‪ .‬هناك‪ ،‬إذن تفرع يقع بني البالغة‬
‫احملضة والبالغة املعقلنة واليت متثّلتها أسيقة املنطق و حقول الفلسفة‪ ،‬والعلوم التجريدية‪ ،‬فالتشبيه على سبيل‬
‫التمثيل هو فاحتة التصوير تتداوله بالتنازع بني اجلمالية البدئية و الفلسفة والسيميائية ‪.‬‬

‫ولو ذهبنا لنتقصى مفهومها يف الرتاث النقدي العريب القدمي جندها تكاد تتقارب عند أغلب هؤالء‪.‬‬

‫فها هو أبو هالل العسكري يرى أهنا مسيت كذلك؛ "ألهنا تنهي املعى إىل قلب السامع فيفهمه"‪ 1‬فيتمكن‬
‫السامع من املعى كتمكنه يف نفس الشاعر ولكن "مع صورة مقبولة ومعرض حسن "‪.2‬‬

‫‪52‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫فاملعى وحده غري كاف ما مل تكن األلفاظ سهلة عذبة سليمة من التكلف لتبلغ اهلذر الزائد‬
‫على قدر احلاجة وال تنقص نقصانا يقف دون الغاية‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫كقول البحرتي‬

‫‪ -‬والشعر ملح تكفي إشارته وليس باهلذر طولت لتخصبه‬

‫وأنشد املربد يصف خطيبا‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪ -‬طبيب بداء فنون الكال م يعى يوما ومل يهذر‬

‫فالبليغ هو من جيتين من األلفاظ نوارها‪ ،‬ومن املعاين مثارها‪.‬‬

‫قال فيه املتنيب البن العميد‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫وقطفت أنت القول ملا نورا‬ ‫‪ -‬قطف الرجال القول قبل نباته‬

‫فيكون بذلك النظر يف صناعة البالغة من جهة " ما يكون عليه اللفظ الدال على الصورة الذهنية‬
‫يف نفسه من جهة‪ ،‬وما يكون عليه بالنسبة إىل موقعه من النفوس من جهة هياته وداللته"‪.6‬‬

‫ولكن لن يتحقق ذاك مامل يكن الكالم فصيحا فكثريا هم النقاد الذين ربطوا بني البالغة‬
‫والفصاحة حىت أن الشعر ال يكون بليغا إال إذا "صادف شروط الفصاحة وأبدع إذا تضمن أسباب‬
‫البالغة"‪.7‬‬

‫فإذا أخذنا بالقول إن الفصاحة هي اإلظهار منطلقا من قول العرب "أفصح الصبح"‪ 8‬إذا‬
‫أضاء و "أفصح اللنب" إذا اجنلت عنه رغوته فإن البالغة والفصاحة ترجعان إىل معى واحد وإن اختلف‬
‫أصالمها؛ " ألن كل واحد منهما إمنا هو اإلبانة واإلظهار له"‪.‬‬

‫فال يسبق لفظه معناه‪ ،‬وال معناه لفظه‪ ،‬فال يكون لفظه إىل مسعك أسبق من معناه إىل قلبك "‪.9‬‬

‫‪53‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫ومنهم من حصرها يف " اإلجياز " ‪ 10‬فالبالغة هي " أن خيرج الرجل بعباراته كل ما يف نفسه وال يسمى‬
‫البليغ بليغا إال إذا مجع املعى الكثري يف اللفظ القليل "‪.11‬‬

‫فمن أغفلها فقد أغفل حسن التأليف وبراعة الرتكيب حني يقول أبو هالل العسكري ( يف‬
‫القرن الرابع) " إذا أغفل علم البالغة مل يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة وما خصه اهلل به من حسن‬
‫التأليف وبراعة الرتكيب وما شحنه به من اإلجياز"‪.12‬‬

‫ومعى ذلك أنه جيمع املعى الكثري يف اللفظ القليل ولعله رأي استقر له جمموعة من العلماء‬
‫أمثال اخلليل بن أمحد وقدامة‪ ،‬وابن عبد ربه‪ ،‬واجلاحظ والعتايب وغريهم ولكننا قد نصادف آراء نقدية أخرى‬
‫أعطت للبالغة وجهة أخرى فها هو ابن رشيق يربطها مبدى جناح املتكلم يف إقناع السامع بقلب احلقائق‬
‫احلق يف‬
‫على غري ماهي عليه يف الواقع فيقول على لسان أستاذه عبد الكرمي‪" :‬حسن البالغة أن يصور ّ‬
‫احلق "‪.13‬‬
‫صورة الباطل والباطل يف صورة ّ‬
‫وهبذا تكون البالغة هي خروج من الواقع إىل اخليال وهذا ما يعرف يف النقد" بالعدول "‬
‫فيتحول التعبري العادي إىل تعبري فين قادر على "خلق اجلمال من جمموع جانبني كل منهما ال يكتفي بذاته‬
‫"‪.14‬‬

‫ومن هنا أعطي للشعر تعريف بأنه "عدول عن طريق اخليال الذي يوحد بني املشاعر املتضادة ويعدل منها‬
‫حبيث تصري نتاج مفاعالت "‪.15‬‬

‫رغم اختالف الناس الشديد يف درجة تبصرهم إال أن اخليال قادر على حتقيق هذا التوحد"‬
‫فكيف يتحقق ذلك؟‬

‫إن احملاكاة هي من أكثر نظريات الفكر اليوناين اليت أثرت يف الفكر النقدي العريب املتجسدة‬
‫يف فكر التخيل كونه القوة اخلالقة يف إبداع أي نص فال يوسم النص بالشعرية ما مل يتوفر فيه اخليال وإن‬
‫كان خاليا من الوزن‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫" فكثري هم اخلطباء الذين هلم من طبائعهم قوة على األقاويل الشعرية‪ ،‬فيستعمل الواحد منهم‬
‫احملاكاة أزيد من شأن اخلطابة أن تستعمله (‪ )..‬فيكون قوله ذلك عند كثري من الناس خطبة بالغة‪ ،‬وإمنا‬
‫هو يف احلقيقة قول شعري قد عدل به طريق اخلطابة إىل طريق الشعر"‪.16‬‬

‫فالتخيل الشعري بالنسبة للفالسفة املسلمني يشمل جل أشكال البالغة احملصورة يف البيان‬
‫باختالف أشكاله من جماز وتشبيه‪ ،‬واستعارة وكناية‪....،‬اخل‪.‬‬

‫فالصفة الشعرية " إمنا متد باعها وتنشر شعاعها ويتسع ميداهنا وتتفرع أفناهنا حيث يعتمد‬
‫االتساع والتخييل " ‪.17‬‬

‫إذ إنه هو "احملرك األساسي للسلوك اإلنساين يف االجتاه الذي يقتضيه ذلك الدور الذي يفرتض‬
‫للشعر أن يؤديه يف اجملتمع اإلنساين الفاضل" ‪.18‬‬
‫‪19‬‬
‫الشيء الذي‬ ‫فتتحول املاهيات اجملردة إىل عامل حمسوس حيث " يقلب السمع بصرا"‬
‫كرسه ابن رشيق حني جعل " الشعر إال أقله راجع إىل باب الوصف‪ ،‬وال سبيل إىل حصره واستقصائه وهو‬
‫مناسب للتشبيه متمثل عليه"‪.19‬‬
‫‪20‬‬
‫وقد مثله قول النابغة اجلعدي حني وصف الذئب الذي افرتس جؤذرا ( من الطويل)‬

‫أخو قنص ميسي ويصبح مفطرا‬ ‫‪ -‬فبات يذكيـ ـ ـ ـ ـه بغري حدي ـدة‬
‫أصـ ـاب مكان القلب منه فـفرفـرا‬ ‫‪ -‬إذا ما رأى منه كراعا حتركت‬

‫واعتبارا من أ ّن "أصل الوصف الكشف واإلظهار "‪ 21‬فقد تشكلت صورة جسدت اجملرد يف‬
‫شكل حمسوس مما جعلها واضحة بعيدة عن التعمية والغموض فاكتسبت بذلك اللغة الشعرية خاصية‬
‫الرتاسل والتداخل بني األلفاظ واملعاين املنزاحة يرافق ذلك تراسل يف احلواس لذلك عد ابن رشيق" األلفاظ‬
‫يف األمساع كالصورة يف األبصار " ‪.22‬‬

‫‪55‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫فنجده قد مثل املعى بالصورة واللفظ بالكسوة" فإن مل تقابل الصورة احلسناء مبا يشاكلها ويليق هبا من‬
‫اللباس فقد خبست حقها‪ ،‬وتضاءلت يف عني مبصرها " ‪ 23‬وهو نفسه ما وصل إليه النقد احلديث حني عد‬
‫" الشعر يكتب للعني مثلما يكتب لألذن "‪.24‬‬

‫لذلك قيل‪ " :‬الرسم شعر صامت والشعر صورة ناطقة"‪ 22‬وفيه يقول إبراهيم بن العباس الصويل‬
‫‪22‬‬ ‫( من الوافر)‬

‫يكون حجاب رؤيتك اجلفون‬ ‫‪ -‬أراك فال أرد الطرف كيال‬


‫ملا استقصت حماسنك العيون‬ ‫‪ -‬ولو أين نظرت بكل عني‬

‫لذلك قال اجلرجاين عن الصورة إهنا ما نراه بأبصارنا "‪ "22‬متثيل قياس ملا نعلمه بعقولنا على‬
‫الذي نراه بأبصارنا‪.‬‬

‫فصناعة الشعر بذلك تقوم أصال على "التخييل " ال يعد الشعر شعرا من حيث هو صدق وال‬
‫من حيث هو الكذب ‪،‬بل من حيث هو كالم خميل" ‪ 22‬لذلك يرى الزخمشري "أن التخيل يرفع اخلطاب من‬
‫مستوى الكالم العادي وجيعله قائما على متثيل املعى وتصويره للحسن فيتجاوز اآلليات البالغية لينبين على‬
‫نوع من املزاوجة حىت كأنه " ال يستعمل ال على جهة احلقيقة وال على جهة اجملاز "‪.33‬‬

‫قصد هذا ع ّد اجملاز إيهاما يف نظر بعض النقاد أمثال "حازم القرطاجين "وعبد القاهر اجلرجاين؛‬
‫ليصبح املتلقي بذلك ومهيا والشعرية عندئذ تكمن يف التخييل دون املعاين؛ " ألنه ال فرق يف املعاين أو‬
‫األغراض الشعرية سواء أكانت مألوفة أم غري مألوفة وإمنا الفرق كل الفرق يف مكمن الفنية يف هذا املعى أو‬
‫ذاك وهو القدرة على اإليهام باملعاين "‪.31‬‬

‫الشيء الذي جيعلنا ال ننفي الشعرية عن النثر ‪،‬فهي صفة "ال تتوفر إال بوجود احملاكاة وإن افتقد الوزن مسي‬
‫قوال شعريا "‪.32‬‬

‫‪56‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫ال ميكن يف أي حال من األحوال أن حنصرها فقط يف التخييل تلك أخطاء البالغة القدمية اليت‬
‫ذهبت يف تصوير اخليال "ضربا من املهارة واحليلة واملخادعة وذلك أن اخليال الشعري ال يبين صورا يتأتى‬
‫حتليلها مبقارنة عناصرها بالواقع اخلارجي ‪،‬فالصورة دائما ذات كيان نفسي وواقع فين ليس هو الواقع املعتاد‬
‫يف غلظة وخشونة ‪،‬وقد تبني أن هذا الواقع الفين يتهيأ بفضل ما مساه "منكوفسكي" ميكانيزم الروغان‬
‫والتملص حيمل الواقع على الالواقع ويرسيه ماهية الالماهية"‪.33‬‬

‫ولكن كيف يقوم الشاعر بعمله التخيلي؟ وهل تنحصر صفات ذلك العمل يف االستحضار أو االستفادة‬
‫فحسب أم أهنا تتجاوز ذلك على إعادة تشكيل املدركات‪ ،‬وبناء عامل متميز يف جدته وتركيبه ؟‬

‫و ماهو الدور أو التأثري الذي حيدثه الشعر يف خميلة املتلقي؟‬

‫أسئلة طرحها بعض النقاد أمثال "جابر عصفور " حماولني الكشف عن أسرار هذه العملية الفنية ومدى‬
‫تقبل املتلقي هلا وملاذا أصبحت الشعرية تتوقف على مدى هذه اإلثارة التخيلية‪.‬‬

‫بداية نسلم أن الشاعر إنسان يتميز بأنه ختلق فيه القوة املتخيلة شديدة جدا (‪ )....‬حىت أهنا‬
‫ال تستويل عليها احلواس وال تقصيها املصورة وتكون النفس أيضا قوية ال يبطل التفاهتا إىل العقل ‪ ،‬ويقبل‬
‫العقل انصباهبا اىل احلواس "‪.34‬‬

‫ليصبح الشعر " عمال ختيليّا يتم يف رعاية العقل "‪ 33‬يهدف إىل غاية تتمثل يف حتقيق إثارة‬
‫ختيلية تفضي باملتلقي إىل وقفة سلوكية خاصة "فإذا حتقق ذلك حقق الشعر غرضه "‪.32‬‬

‫وال يتأتى للشاعر ذلك إال إذا جتاوز حرفية األشياء ودالالهتا الوضعية ليعيد بقوة خميلته‬
‫وبراعته خلقها وتشكيلها يف واقع مجايل جديد يعكس قدرة الشاعر الفنية وطبيعة تفاعل ذاته باحلياة‬
‫وإحساسه هبا‪.‬‬

‫فيستطيع أن يؤلف بني الصور ليعيد تشكيلها ولذلك كان التخيل مقالب لكلمة (‬
‫‪ ) imaginati‬وهي رؤية سبق وأن حتدث عنها جابر عصفور يف دراسته للصورة الفنية‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫فيصري التخيل السمة املميزة لألدب واليت تكسبه صفة الشعرية ولذلك كان هو أصل الصورة‬
‫الفنية؛ ألنه "القوة الرؤياوية اليت تستشف ما وراء الواقع فيما حتتضن الواقع "‪.32‬‬

‫فالصورة الفنية هي اجملال الذي حيقق تشكيل تلك املدركات يف عامل متميز لقد كان اجلاحظ سبّاقا يف‬
‫حتديد معناها حيث قال‪ ":‬إمنا الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير "‪ 32‬وهو ما عرب عنه‬
‫‪32‬‬ ‫اجلرجاين بقوله‪" :‬واعلم أ ّن قولنا " الصورة" إمنا هو متثيل وقياس ملا نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا"‬
‫" السمع بصرا"‪.43‬‬ ‫فتقلب الصورة‬

‫وهنا إشارة من ابن رشيق إىل دور املتلقي يف اندماجه يف الصورة املبتكرة وهي تتنقل من وسط جمرد إىل‬
‫وسط معيش وبأنه بذلك جيعل املتلقي مشرتكا يف خلق الصورة الشعرية‪.‬‬

‫لذلك عد "أحسن الوصف ما نعت به الشيء حىت يكاد ميثله عيانا للسامع ‪ 41‬وقد استشهد بقول‬
‫كتناجم يصف طاووسا مات له‬

‫‪42‬‬ ‫_جثل الذنايب كان سندسه زرت عليه موشية العلم‬

‫_مث مشى مشية العروس فمن مستظرف معجب ومبتسم‬

‫فتمثل بذلك املوصوف يف قلب سامعه وهذا ما جعلنا نصف الوصف هنا بأنه قائم بذاته باعتبار أن‬
‫الوصف هو الكشف واإلظهار‪.‬‬

‫فهي عند جل النقاد القدامى تعبري عجزت عنه الكلمات وهي نقطة يتفق فيها النقد احلديث مع‬
‫القدمي حني عد "رونيه ويليك" أ ّن الشعر يكتب للعني مثلما يكتب لألذن"‪.44‬‬

‫فاحملدثون يتفقون إذا مع ابن رشيق يف حسية الصورة وجودهتا اإلبداعية‪ ،‬حيث تكون عاملا فنيا‬
‫حمسوسا يقرب البعيد من ذهنية املتلقي‪ ،‬وجيسد اإلحساس احلقيقي للذات الشاعرة فيربز اخلفي من الشعور‬
‫يف قالب حسي تتحقق فيه أدبية هذا النص أو ذاك‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫يقول يف هذا املنوال "إبراهيم بن العباس الصويل متغزال " من الوافر‪:‬‬

‫‪43‬‬ ‫_أراك فال أرد الطرف كيال يكون حجاب رؤيتك اجلفون‬

‫فاملهم هنا ليس املعاين اليت يهدف إليها فحسب بل "يف الصورة اليت خترج منها هذه املعاين"‪ 42‬ولن‬
‫يتأتى ذلك إال باتساع شعور الشاعر باحلياة وبكافة موجوداهتا حيث تنشأ الصورة حني "يتسع الشعور‬
‫باجتماعية احلياة حىت تشمل املوجودات "‪ 42‬فتتكون الصورة حبسب فكرته هو ال حبسب واقعها ذاته‬
‫فيخضعها لتشكيله "‪.42‬‬

‫وملا كانت الصورة عنصرا مهما من عناصر اإلبداع الشعري ووسيلته املتميزة‪ ،‬أصبح من الضروري وصفها‬
‫بطبيعة متغرية ملا يطرأ من تبدل يف القيم والتقاليد الشعرية ‪.‬‬

‫فإذا ما تكررت ملرات عديدة فإهنا تتحول إىل منط لدى شاعر بعينه وبالتايل فإن ذكر "أي واحد‬
‫منها يستدعي يف الذهن بقية الصور اليت تدخل يف هذا النمط وهذا ما مساه نورمان فريدمان "الصورة الرامزة‬
‫""‪ 42‬فاحنصرت الصورة هبذا الشكل يف تصورات ال متنحها إال مسة زخرفية تزيينية أو شارحة حتليلية‪.‬‬

‫بيد أهنا أصبحت "قيمة يف ذاهتا" ‪ 33‬فأصبح بذلك "الشعر هو الصورة والصورة هي الشعر وكان‬
‫حيث أهنا ال تقوم إال على أساس متني من اخليال‬ ‫‪31‬‬ ‫على النقد أن يواكبها يف طبيعتها اجلديدة هذه‬
‫الشعري نفسه؛ ألهنا " أداة اخليال ووسيلته ومادته اهلامة اليت ميارس هبا من خالل فاعليته ونشاطه "‪ 32‬ولعله‬
‫اعرتاف حبرية وحق الشاعر يف إعادة تشكيل املدركات "ليست مدركة فحسب من قبل ‪ 33‬وملا كانت الصورة‬
‫عنصرا مهما من عناصر اإلبداع الشعري ووسيلته املتميزة ‪،‬كان البد هلا من أن تكون موجبة "فالصورة جتيء‬
‫باردة ال حياة فيها وال نبض الفتقادها الروح الشعري الذي يقوم على أساس اإلحياء‪.54‬‬

‫فما جيعل للشعر روحا هو اإلحياء لذلك قال اجلاحظ يف حيوانه '' فهو جماز الحتماله وجه‬
‫التأويل "‪.33‬‬

‫‪59‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫فكلما كان الوصف مباشرا اتصفت الصورة بالضعف لبعدها عن اإلحيائية "فالوصف املباشر‬
‫يضعف الصورة ‪.32‬‬

‫فتأخذ العبارة جماال دالليا واسعا يهيئ للمتلقي الفرصة يف اختيار ما يشاء من املدلوالت لكل‬
‫مدلول تغري منطقي مقبول عنده فيصبح " النص واحدا واملعاين مجلة "‪.32‬‬

‫فكلما تعالت اللغة على الواقع وجتاوزته كانت تستحق صفة اللغة الشعرية " فهي الواقع الذي يتجاوز‬
‫الواقع إن معناها كله هو يف رفضها الزمن املباشر "‪. 32‬‬

‫فتحمل الصورة بعدا إحيائيا ويتفتح فيها أكثر من وجه وبعد وبدا من املنطقي أن تتصف‬
‫بصفات جديدة تتناسب وما يطرأ من تب ّدل يف القيم والتقاليد الشعرية؛ ألهنا وبكل بساطة " عملية إدراك‬
‫حتيط فيها الذات املتأملة علما بصورة املوضوع املركبة املستقلة "‪.32‬‬

‫هذا وقد يطول بنا األمر لو رحنا نتتبع املنابع اليت شاركت يف تشكيل مفهوم ما بني الدراسات‬
‫األدبية والنقدية وما بني علم النفس واألستطيقا ولكن ما ميكن جزمه هو أن الصورة الشعرية غدت عمادة‬
‫النص األديب وركيزته األساسية بنياهتا املختلفة اليت مل جيد الشعراء بديال عنها فلعلها أوىل تلك البنيات‬
‫التصويرية اليت عرفها الشاعر القدمي "‪.‬‬

‫اجملاز ‪:‬‬

‫إنه من أهم األبواب اليت جال فيها النقد العريب قدميا وحديثا حيث يعد اجلاحظ هو أول من‬
‫اصطلحه فقال إن اجملاز مفخرة العرب يف لغتهم وبه وبأشباهه اتسعت "‪.23‬‬

‫فلوال اجملاز لظلت اللغة العربية خمتلفة ليس هلا قدرة على التكيف مع ما يتدافع يف فكر املبدع من‬
‫أفكار ‪ ،‬ومع ما جييش يف نفسه من معان و مشاعر فبه أصبح للغة قدرة على امتصاص املفاهيم اجلديدة‬
‫فهو الوحيد املعرب عن املطلوب "يؤثره باالستعمال دون غريه مؤكدا ذلك بعدد من األمثلة "من ذلك قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫‪21‬‬ ‫سألتين عن أناس أكلوا شرب الدهر عليهم و أكل‬

‫واجملاز يف االصطالح القدمي "هو عبارة عن جتاوز احلقيقة فإن املراد منه أن يأيت املتكلم بكلمة يستعملها يف‬
‫غري ما وضعت له يف احلقيقة يف أصل اللغة "‪ 22‬وهذا عكس للحقيقة " احلقيقة هي اللفظ الدال على‬
‫موضوعه األصلي ‪ ،‬واحلقيقة اللغوية هي حقيقة األلفاظ يف داللتها على املعاين "‪. 23‬‬

‫وتكاد ال ختتلف رؤية النقد القدمي يف نظرهتم للحقيقة فهي "كل كلمة أريد هبا ما وقعت له يف‬
‫‪.‬وابن رشيق مل يكن بتفكريه هذا‬ ‫‪24‬‬ ‫وضع واضح وإن شئت قلت مواضعة "وقوعا ال يستند فيه اىل غريه‬
‫مبنأى عمن سبقه من النقاد فعد اجملاز فخرا للعرب فهو "دليل الفصاحة و رأس البالغة وبه بانت لغتها عن‬
‫سائر اللغات "‪. 23‬‬

‫فقد جتاوز ابن رشيق بذلك املستوى الداليل واإليقاعي املوسيقي يف حتديد أدبية النص إىل أبعاد‬
‫أخرى قائمة على اجملاز ‪ 22‬حيث يسمى الشيء "باسم ما قاربه أو كان منه بسبب " وقد مثل ذلك جرير‬
‫بن عطية‪:‬‬

‫إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه و إن كانوا غضابا '‬

‫لذلك عد ابن رشيق " الشعر إال أقله راجعا اىل باب الوصف وال سبيل إىل حصره واستقصائه وهو مناسب‬
‫ويتبني من ذلك أن عناية ابن رشيق باجملاز املبنية على ما يثريه من مفارقة داللية‬ ‫‪22‬‬ ‫للتشبيه مشتمل عليه‬
‫خاصة يف حالة االنتقال اللغوي من املواضعات املعروفة إىل أخرى مستحدثة تفتح للمتلقي أفقا متكنه من‬
‫فك البعد التخيلي هلذه الصورة أو تلك فاجملاز ال يتجاوز اللغة العادية فحسب‪ ،‬بل يتجاوز الواقع الذي‬
‫أنشأها‪ ،‬فالشاعر ال يتكلم مثل كل الناس بل له القدرة على اإلتيان "مبعى خمرتع يف لفظ بديع " وهو بذلك‬
‫قد حاز "على قصب السبق "‪.‬‬

‫‪22‬‬‫الشيء الذي أكده العقاد‪ :‬حيث ع ّد "اجملاز هو األداة الكربى من أدوات التعبري الشعري "‬

‫فالشعر فعال ال يكون شعرا إال إذا " متيز بالطبيعة اجملازية املكثفة ‪.22‬‬
‫‪61‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫فكلما كان املعى ممثال" فإنك حتتاج إىل طلبه فيتحرك خاطرك حنوه وتتشوق إىل نيله " ومن املذكور يف‬
‫الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو االشتياق إليه ومعاناة احلنني حنوه‪ ،‬كان نيله أحلى وباملزية أوىل‪،‬‬
‫فكان موقعه من النفس أحل وألطف "‪.23‬‬

‫فالكلمات بأوضاعها القاموسية اجلامدة ال تنتظر منها الشعرية " إمنا تنتج هذه األخرية خبروج الكلمات عن‬
‫طبيعتها املتواضع عليها إىل طبيعة جمازية جديدة ليكون هذا اخلروج خلقا ملا يسمى بالفجوة " ‪.21‬‬

‫فجوهر العملية األدبية رهني هبذه املرحلة (الرتكيب) املعلقة أصال على تصوير اجملاز "فطرافة األداء‬
‫والعدول عن املألوف واالحنراف املنظم احملسوب على اللغة العادية يبتدئ من خالل اجملاز والتصوير‬
‫واستحداث العالقات بني مكوناهتا الرتكيبية "‪ 22‬لذا عد اجملاز اجلانب املتحرك من اللغة الذي بإمكانه أن‬
‫وهذا ما جعل اجملاز أبلغ‬ ‫‪23‬‬ ‫حيتوي حركة احلضارة؛ " ألن املعاين إمنا اتسعت التساع الناس يف الدنيا "‬
‫من احلقيقة ‪.24‬‬

‫و قد ال ختتلف الرؤية احلديثة للمجاز عن رؤية البالغة العربية القدمية فهم جيمعون أ ّن العربية هي لغة‬
‫اجملاز؛ " ألهنا جتاوزت بتعبريات اجملاز حدود الصورة احملسوسة إىل حدود املعاين الذهنية اجملردة‪ ،‬وينبغي‬
‫للشاعر إذا طبق ذلك أن يراعي هذا اجلانب يف الصورة وأال يغفله ‪ 23‬فالصورة الشعرية ليست يف حقيقتها‬
‫اجملاز وهذا ما توصلت إليه بشرى موسى صاحل يف دراستها للصورة الشعرية يف النقد العريب‪.‬‬

‫وقد نصادف بعض املصطلحات يف النقد احلديث تلتقي حول مفهوم اجملاز مثل ‪ :‬العدول‪ ،‬التحويل‪،‬‬
‫االحنراف‪ ،‬االتساع‪ ،‬االنزياح ولكنها مجيعا تلتقي " حول مفهوم واحد تقريبا هو العدول عن األصل إىل‬
‫الفرع " ‪ 22‬حبسب ما يتوفر من االحنراف وحبسب ما تتحقق الشعرية املنشودة فيسمى الشيء باسم ما‬
‫قاربه أو كان منه بسبب"‪.‬‬

‫فتبتعد اللغة عن سطحيتها لتتحول إىل " صياغة قائمة على االحنراف مما يوفر هلا خصوصية متيزها عن‬
‫غريها من أنواع الرتكيب اللغوي "‪. 22‬فالنص األديب مفتوح على احتماالت متعددة وقراءات خمتلفة لذا‬

‫‪62‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫كان على املبدع أن خيفي معناه ويلبسه مبعان أخرى فيسلك طريق االتساع الذي حيقق للخطاب أدبية‬
‫من خالل تلك االحتمالية اليت ختلق لنا نصوصا ومعاين ثانوية ما كان للمبدع األول ليحلم هبا أو لتخطر‬
‫بباله هذه النصوص‪.‬‬

‫تفطن هلا النقد احلديث ومساها " بالنص احملتمل " الذي ميثل التعدد الداليل للوحدات األخرى للخطاب‬
‫" ‪ 22‬فتحطم اللغة العادية من أجل إعادة بنائها على مستوى أعلى تكون فيه مشحونة بالتصوير؛ ليصبح‬
‫‪22‬‬ ‫النص أوسع جماال والنفس به أعلق ولذلك ربط اجملاز بالتأويل " فهو جماز الحتماله وجه التأويل "‬
‫يقضي النص األديب على قانون املواضعة بفضل اجملاز؛ ألن املواضعة تقوم على حتقيق عملية التوصيل‬
‫واإلفهام من قبل استخدام اللفظ على احلقيقة يف النثر بينما يقوم الشعر باستخدامه اخلاص للفظ عن‬
‫طريق تعويض أو حتوير ‪ déviation‬عن الداللة املتعارف على مواضعتها إىل استخدام جمازي "‪.23‬‬

‫والتعريض يطلق الكالم ليشري إىل غري املعى احلقيقي ويفهم من خالل السياق األصلي فهو يقابل‬
‫االتساع الذي يعتمد قائله على املفاجأة والتضليل أو اإليهام فتصبح اللغة غاية وليست وسيلة وهو ما‬
‫عرف باالنزياح أو بالعدول عند األسلوبيني فيتعامل املتلقي حينئذ مع النص باعتباره حيمل معى خفيا‬
‫ليصبح التحويل واالحنراف القصدي هو نواة الصورة وسرها؛ ألن من شأهنا أن تضفي على األثر األديب‬
‫قيمة كانت حمجوبة من قبل عن األنظار وإذا كانت هذه القيمة تتمثل يف شيء فإهنا تتمثل يف جتاوز‬
‫املعى احلريف الكلي للرتكيب" ورغم أن الشعر العريب القدمي كان مسخرا يف الغالب بالوظائف اخلطابية إال‬
‫أن ابن رشيق مل يغفل " صفته اجلوهرية وهي االنزياح " ‪.‬‬

‫ميكن إسقاط هذه الرؤية احلداثية على نقد ابن رشيق حني حتدث عن االتساع وما يوفره من‬
‫تأويالت‪.‬‬

‫"ذلك أن يقول الشاعر بيتا يتسع فيه التأويل‪ ،‬فيأيت كل واحد مبعى وإمنا يقع ذلك الحتمال اللفظ و‬
‫قوته واتساع املعى "‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫ومن ذلك بيت " امرئ القيس " ‪.‬‬

‫كجلمود صخر حطه السيل من عل‬ ‫_ مكر مفر مقبل مدبر معا‬

‫إننا نالحظ املعاين جد متباينة الحتمال اللفظ مدلوالت متعددة وسعت املعى فيه فرتى اإلقبال واإلدبار‬
‫الفر أيضا يف الوقت ذاته " وقال بعض من فسره من‬
‫للكر و ّ‬
‫قد متا يف وقت واحد وهو يراه أنه يصلح ّ‬
‫احملدثني‪ ،‬واعرتض على نفسه واحتج ملا يوجد عيانا‪.‬‬

‫منثله باجللمود املنحدر من قمة فإنك ظهره يف النصبة على احلال اليت ترى فيها بطنه وهو مقبل إليك "‬
‫كما شبه يف سرعته وشدة جريته بصخر عظيم حطه السيل من أعلى اجلبل فيكون شديد السرعة فكيف‬
‫إذا أعانته قوة السيل من ورائه ؟‬

‫وكذلك معى قوله "كجلمود صخر حطه السيل من عل " إمنا هو الصالبة؛ ألن الصخر عندهم كلما‬
‫كان أظهر للشمس والريح كان أصلب " ‪.‬‬

‫وهكذا تعددت القراءات والتأويالت مقرتنة مبدى قدرة التخيل عند املتلقي كرؤيته الظهر والبطن يف‬
‫حالة اإلقبال يف آن واحد وهذا ما أكده ابن رشيق حني قال " ولعل هذا ما مر قط بامرئ القيس وال‬
‫خطر يف ومهه وال وقع يف خلده وال روعه " و هو ما أشرنا إليه سابقا ‪.‬‬

‫ما ال هنمل أن " خروج تشكيل الصورة إىل داللتها الشعورية أو النفسية أدى إىل التقريب بني الرمز‬
‫والصورة و ترادف مفهوميهما " ‪.‬‬

‫لذلك فضل ابن رشيق التعريض على التصريح‪.‬‬

‫" التساع الظن يف األول وشدة تعلق النفس باجملاز وباملراوغة يف الكالم‪ ،‬وبالبحث عن معرفة املعى‬
‫وطلب حقيقته خبالف التصريح الذي يكون باأللفاظ احلقيقية "‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫وهو ما ذهب إليه اجلرجاين فـ "صور املعاين ال تتغري بنقلها من لفظ إىل لفظ حىت يكون هناك اتساع‬
‫وجماز وحىت ال يراد من األلفاظ ظواهر ما وضعت له يف اللغة ولكن يشار مبعانيها إىل معان أخرى " ‪.‬‬

‫فيبتعد النص عن الدقة حيث متنح احلقائق عن التكشف؛ ألن ذلك من شأن املواضعة " فيقول‬
‫املتكلم قوال ال يتسع فيه التأويل وقيل هو توجه اللفظ الواحد اىل معنيني اثنني (‪ )...‬والشريطة يف هذا‬
‫النوع هو تقادم االحتماالت أحد التأويلني خرج عن جنس االتساع " فيتالشى بذلك كل تأويل هش "‪.‬‬

‫فيتم يف وقت واحد ضياع املعى والعثور عليه‪.‬‬

‫فاجملاز بنية نصية متد اللغة الشعرية أدبيتها وهو ما جعل ابن رشيق يعده يف كثري من الكالم أبلغ من‬
‫احلقيقة وأحسن موقعا من القلوب واألمساع وعليه فقد أصبح اجملاز هو اآللية البالغية الوحيدة اليت متنح‬
‫الشعر خصوصية حيث يفتح آفاقا جديدة غري اليت تتمتع هبا الكلمات‪.‬‬

‫اهلوامش ‪:‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري‪ ،‬الصناعتني‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪ -‬اآلمدي‪ ،‬املوازنة‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق القريواين‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪/ 1‬ص ‪.242‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.242-242‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -‬حازم القرطاجي‪ ،‬منهاج البلغاء‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -‬أبو بكر الباقالين‪ ،‬إعجاز القرآن‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري‪ ،‬الصناعتني‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -‬اجلاحظ‪ ،‬البيان والتبيني‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.113‬‬

‫‪.13‬‬
‫‪ -‬أكثم بن صيفي‪ ،‬مجهرة خطب العرب‪ ،‬ج‪ / 1‬ص ‪.32‬‬
‫‪.11‬‬
‫‪ -‬أمينة حممد مجال الدين‪ ،‬النويري‪.‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري‪ ،‬الصناعتني‪ ،‬املقدمة‪.‬‬
‫‪.13‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ / 1‬ص ‪.143‬‬
‫‪.14‬‬
‫‪ -‬مصطفى ناصف‪ ،‬الصورة األدبية‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪.13‬‬
‫‪ -‬مصطفى السعدين‪ ،‬العدول‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -‬أبو نصر الفارايب‪ ،‬كتاب الشعر‪ ،‬ص ص‪.23–22‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -‬ألفت كمال الرويب‪ ،‬نظرية الشعر عند الفالسفة املسلمني‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق القريواين‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.223‬‬
‫‪65‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫‪.23‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪.21‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪.224‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪.24‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬رنيه ديليك وواسنت وارين‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق القريواين‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ /2‬ص ‪.223‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪.224‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪.31‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬رنيه ديليك وواسنت وارين‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬عاطف جودة نصر‪ ،‬اخليال‪ :‬مفهوماته ووظائفه‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪.34‬‬
‫‪ -‬ابن سينا‪ ،‬كتاب الشفاء‪ ،‬القسم اخلاص بالنفس‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬أدونيس‪ ،‬زمن الشعر‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬اجلاحظ‪ ،‬احليوان‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬ط‪ 3‬بريوت ‪ ،1222‬ج‪ /3‬ص‪.132‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ط‪ /2‬ص ‪.323‬‬
‫‪.43‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ /2‬ص ‪.223‬‬
‫‪.41‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ج‪ /2‬ص ‪.224‬‬
‫‪.42‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬باب الوصف‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫‪.43‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪.44‬‬
‫‪ -‬رونيه ويليه وواسنت وارين‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪.43‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ /2‬ص ‪.132‬‬
‫‪.42‬‬
‫‪ -‬عز الدين إمساعيل‪ ،‬األسس اجلمالية يف النقد العريب‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪.42‬‬
‫‪ -‬مصطفى ناصف‪ ،‬الصورة األدبية‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪.42‬‬
‫‪ -‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية يف الرتاث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪.42‬‬
‫‪ -‬علي البطل‪ ،‬الصورة يف الشعر العريب حىت آخر القرن الثاين اهلجري‪ :‬دراسة يف أصوهلا وتطورها‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬بشرى موسى صاحل‪ ،‬الصورة الشعرية‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪.31‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪.34‬‬
‫‪ -‬عبد الكرمي راضية‪ ،‬شعر الشيخ عبد القادر رشيد الناصري دراسة حتليلية‪ ،‬ص‬
‫‪.33‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.222‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬غنيمي هالل‪ ،‬النقد األديب احلديث‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬حممد عبد العظيم‪ ،‬يف ماهية النص الشعري‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬أدونيس‪ ،‬زمن الشعر‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ -‬زكرياء إبراهيم‪ ،‬مشكلة الفن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬اجلاحظ‪ ،‬احليوان‪ ،‬ج‪ /3‬ص ‪.422‬‬

‫‪66‬‬
‫العدد‪/03 :‬سبتمبر‪0000‬‬ ‫‪ ISSN: 1112-7015‬املجلد‪03 :‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪67 - 50 :‬‬
‫‪EISSN: 2602-5973‬‬
‫سيميائيات‬

‫‪.21‬‬
‫‪ -‬علي حممد سلطاين‪ ،‬مع البالغة العربية يف تارخيها ص ‪.23‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬ابن حجة احلموي‪ ،‬خزانة األدب‪ ،‬ج‪/ 2‬ص ‪.443‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬ابن األثري‪ ،‬املثل السائر‪ ،‬ج‪/1‬ص ص‪.132 -133‬‬
‫‪.24‬‬
‫‪ -‬بدوي طبانة‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.223‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ج‪/2‬ص‪.224‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬عباس حممود العقاد‪ ،‬اللغة الشاعرة‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬الشيخ بوقربة‪ ،‬مفهوم الشعر يف الرتاث النقدي املغاريب‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪.21‬‬
‫‪ -‬كمال أبو ديب‪ ،‬يف الشعرية‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬صالح رزق‪ ،‬أدبية النص‪ ،‬ص ‪.213 -214‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪/ 2‬ص ‪.232‬‬
‫‪.24‬‬
‫‪ -‬طه مصطفى أوكرشه‪ ،‬أصول النقد األديب‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬العقاد‪ ،‬اللغة الشاعرة‪ ،‬القاهرة ‪ ،1222‬ص‪.12‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬مصطفى السعدين‪ ،‬العدول‪ :‬أسلوب تراثي يف نقد الشعر‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1223 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬عاطف جودة نصر‪ ،‬النص الشعري ومشكالت التغيري‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬جوليا كريستيفا‪ ،‬علم النص‪ ،‬ترمجة فريد الزاهي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار توبقال للنشر‪ ،‬املغرب ‪ ،1222‬ص‪.33‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ج‪ / 1‬ص ‪. 222‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -‬حممد لطفي اليوسفي‪ ،‬الشعر والشعرية‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪67‬‬

You might also like