Professional Documents
Culture Documents
الادب الشعبي المغاربي
الادب الشعبي المغاربي
األمثال الشعبية من أكثر األشكال التعبيرية األدبية الشعبية انتشارا وشيوعا وال تخلوا منها أي ة أم ة
من األمم فهي مرآة عاكسة لمشاعر الشعوب على اختالف طبقاتها وانتماءاتها وهي أيضا تحسيد لمختلف
تصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها في صور حية ودالالت إنسانية شاملة من خالل ما تتس م ب ه من
خصائص ومميزات فهي بذلك تعتبر الذاكرة الحي ة للش عوب ألنه ا س ريعة الت داول واالنتش ار وتنق ل من
جيل إلى آخر ،ومن لغة إلى أخرى عبر مختلف األزمنة واألمكنة ،بإضافة إلى اتسامها باإليج از وجم ال
اللفظ والكثافة في المعاني ،لذلك عدت وعاء األمم ومخزون تجاربه ا ،كم ا أنه ا أيض ا وس يلة من وس ائل
حفظ التجارب والحكم لتنتقل من جيل إلى آخر ،وبناء على هذا فاألمثال الشعبية بهذه المكانة شغلت العديد
من األدباء والحكماء والبالغيين والفالسفة وبذلوا جهدا كب يرا في العناي ة به ا من خالل جمعه ا وش رحها
وإعطاء تعاريف مختلفة لها.
تعريف المثل الشعبي : .1
تعريف المثل في اللغة: أ-
لقد أولى العلماء كلمة ":مثل" عناية فائقة وأعطوها عدة تعاريف تتفق كلها على عدة معان أهمه ا :
الشبه ،النظير ،العبرة ،الحجة ،الصفة...الخ .وأهم هذه التعاريف نذكر :
يعرفه ابن منظور بقوله« :المثل مأخوذ من الجذر الثالثي :م-ث-ل
مثل -بكسر الميم -كلمة تسوية ،يقال :هذا مثله ،ومثل ه -ب الفتح -ش بهه وش بهه بمع نى؛ ق ال ابن
بري( :الفرق بين المماثلة والمساواة أن المساواة تك ون بين المختلفين في الجنس والمتفقين ،ألن التس اوي
هو التكافؤ في المقدار ال يزيد وال ينقص ،وأما المماثلون إال في المتفقين تقول :نحوه كنحوه وفقهه كفقه ه
ولوله كلونه فإذا قيل :هو مثله على اإلطالق فمعناه أنه يسد مسدده ،وإذا قيل هو مثل ه في ك ذا فه و مس او
له في جهة دون جهة».
المثل في االصطالح: ب-
اختلفت تعاريف المثل وتنوعت حسب رأي ك ل ك اتب باعتب اره -المث ل -جنس ا أدبي ا قائم ا بذات ه
كاألجناس األدبية األخرى (من قص ة ،ورواي ة ،ورس الة ،مقال ة ،وش عر) ل ذلك ع ني ب ه علم اء البالغ ة
واللغة وأعطوه تعاريف عدة منها:
يعرفه المبرد يقوله« :المثل مأخوذ من المثال وهو قول سائر يشبه به حال الثاني باألول ،واألصل
فيه التشبيه ،فقولهم« :مثل بين يديه إذا انتصب» ،معن اه أش به الص ورة المنتص بة ،وفالن أمث ل من فالن
أي أشبه بما له الفضل ،فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال األول ،قال كعب بن زهير :
وما مواعيدها إال األباطيل كانت مواعد عرقوب بها مثال
قهوا عيد عرقوب علم لكل ما يصلح من المواعيد
فالكالم إذا جعل مثال كان أوضح للمنطق وأنق للسمع وأوسع لشعوب الحديث».
ويعرفه عبد المجيد قطامش بقوله« :المثل ق ول م وجز س ائر ،ص الب في المع نى ،تش به ب ه حال ة
حادثة بحالة سالفة»
كما يعرفه أحمد أمين بقوله« :إن كلمة مثل مأخوذة من قولك ه ذا مث ل الش يء ومثل ه كم ا تق ول :
شبهه وشبهه األن األصل فيه التشبيه ،ثم جعلت كل حكمة سائرة مثال.
ويرى غيرهم أن الكلمة مأخوذة من العبرية ففيها كلمة "مثل" تدل على هذا المعنى أوس ع من ه فهم
يطلقوها على الحكمة السائرة ،وعلى الحكاية القصيرة ذات المعزى ،وعلى األساطير»
فهذه التعاريف كلها تركز على خاص ية الش به ،وهن اك من رك ز في تعريف ه للمث ل على الخاص ية
الجمالية التي يتميز بها المثل ،يقول ابن عبد ربه في هذا الصدد« :األمث ال وش يء الكالم وج وهر اللفظ
أبقى وحلي المعاني والتي تخيرتها العرب وقدمتها العجم ،ونطق بها في كل زمان وعلى ك ل لس ان ،فهي
من الشعر وأشرف من الخطابة ،ولم يسر شيء مسيرها وال عم عمومها حتى قيل أيسر من مثل».
وقال الشاعر:
يعرفه الجاهل والخابر ما أنت إال مثل سائر
فمن خالل هذا التعريف يتضح لنا قيمة المثل وسعة استعماله منذ القدم حتى يومنا هذا.
ويعرفه ابن السكيت نقال عن الميداني بقوله« :المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ،ويواف ق معن اه
معنى ذلك اللفظ شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره».
وهناك من ركز في تعريفه على خاصية "قصر المثل" يق ول الس يوطي في ه ذا الج انب «والمث ل
جملة مقتضبة من أصلها ،أو مرسلة بذاتها ،فتتسم بالقبول وتشتهر بالتداول فتنقل عما وردت فيه ،إلى كل
ما يصح قصده بها ،من غير تغيير بلحقها في لفظها ،وعما يوجبه الظاهر إلى أشباهه من المع اني فل ذلك
تضرب وإن جهلت أسبابها التي خرجت عنها».
ما يمكن قوله أن التعاريف مهما تعددت وتن وعت ح ول المث ل واختل ف البالغي ون واللغوي ون في
تعاريفهم للمثل إال أن الكل يشير إلى أهمية هذا النوع األدبي ودوره في حياة الناس
تعريف المثل الشعبي: ج-
يتكون المث ل الش عبي من لفظين :مث ل وش عبي ،ولق د تمت اإلش ارة في العنص ر الس ابق إلى كلمة
"مثل" في اللغة واالصطالح ،وستتم اإلشارة في هذا العنصر كلمة" شعب".
لفظة مشتقة من لفظ "شعب" يق ول ابن منظ ور« :والش عب ش عب ال رأس ،وهو ش أنه ال ذي يض م
قبائله ،وفي الرأس أربع قبائل.
كلمة شعبي والشعب القبيلة العظيمة ،وقيل الحي العظيم يتشعب من القبيلة وقي ل ه و القبيل ة نفس ها
والجمع شعوب والشعب أو القبائل الذي ينتسبون إليه أي يجمعهم ويضمهم.
والشعب :القبائل وحكى ابن الكلبي عن أبي ه :الش عب أك بر من القبيل ة ،ثم الفص يلة ،ثم العم ارة ثم
العصارة ،ثم الفخذ ».
أما محمد سعيدي فاعتبر أن كلمة الشعب من أكثر األلفاظ تعقيدا و يختلف مدلولها من ميدان آلخ ر
ومن باحث آلخر يقول في ذلك« :أن الشعبي غير الشعبوي وغير الشعوبي ،فالش عبي م ا اتص ل اتص اال
وثيقا بالشعب إما في شكله أو مضمونه ،وأي ممارسة اتص فت بالش عبية تع ني أنه ا من إنت اج الش عب أو
أنها ملك للشعب».
وهذا يتضح لنا أن "كلمة "شعب تضم المجتمع ما فيه.
والمثل الشعبي باعتباره إنتاج كافة الشعوب واألجيال الس ابقة وص فوة أق والهم وعص ارة أفك ارهم
عبر التاريخ اإلنساني ،فقد اهتم العديد من الباحثين بدراسته وإعط اء تع اريف مختلف ة ل ه ،وأول تعري ف
هو تعريف األستاذ التلي بن الشيخ يقول« :المثل عبارة عن جملة أو أكثر تعتمد السجع وتستهدف الحكمة
والموعظة ...المثل الشعبي تفطير لقصة أو حكاي ة ،وال يمكن معرفت ه إال بع د معرف ة القص ة أو الحكاي ة
التي يعبر المثل عن مضمونها».
فالتلي بن الشيخ ربط تعريف المثل الشعبي بالقصة واعتبره كملخص له ا ،وال يمكن أن تع رف م ا
يقصده المثل إال من خالل معرفة قصته التي انبثق عنها.
أما األستاذ أحمد رشدي صالح فإنه يعتبر المث ل الش عبي من أكم ل النم اذج على عبقري ة الفالحين
وبالغتهم ...« :وبعض ها كالمث ل واللغ ز يعت بره الفولكلوري ون من أكم ل النم اذج دالل ة على عبقرية
الفالحين وبالغتهم».
أما نبيلة إبراهيم في تعريفها للمثل الشعبي تنقل لنا تعريف الش يخ محم د رض ا الش بيبي في تقديم ه
لكتاب األمثال البغدادية للشيخ جالل الحنفي يقول األس تاذ محم د رض ا « :األمث ال في ك ل ق وم خالص ة
تجاربهم ومحصول خبرتهم ،وهي أقوال تدل على إصابة المحز ،وتطبيق المفصل ،هذا من ناحية المعنى
أما من ناحية المبنى فإن المثل الشرود يتميز عن غيره من الكالم باإليجاز ولطف الكناية وجمال البالغ ة
وحقائق واقعية بعيدة البعد كله عن الوهم والخيال ،ومن هنا تتميز األمثال عن األقاويل الشعرية».
أما األستاذ أحمد أمين فلقد عرف المثل الشعبي بقوله« :المثل الشعبي نوع من أن واع األدب يمت از
بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه ،وجودة الكتابة وال تكاد تخلو منه أمة من األمم ومزية األمثال
أنها تنبع من كل طبقات الشعب».
واألمثال الشعبية جزء من األدب الشعبي الغني بالمادة التراثية واإلبداعية « واألمثال الشعبية جزء
من األدب وض رب من ض روبه اإلبداعي ة ،وهي أيض ا مح ال زاخ ر ب القيم الحض ارية واالجتماعي ة
للشعوب».
وهناك من وجد صعوبة كبيرة في إعطاء تعريف للمثل الشعبي مثل األس تاذ أحم د رغب يق ول في
تعريفه للمثل« :المثل قول وجيز يعبر عن خالصة تجربة ،مصدره كامل الطبقات الش عبية يتم يز بحس ن
الكتابة وجودة التشبيه له طابع تعليمي ويرقى على لغة التواصل العادي».
فهذا التعريف ينظر للمثل الشعبي بأنه قول وحيز حام ل لخالص ة تج ارب الش عوب ل ه خص ائص
تميزه عن غيره ،هدفه تعليمي وله لغة خاصة ترقى عن لغة الحياة اليومية.
وعليه فمهما اختلفت التعاريف حول المثل الشعبي وتعددت فكلها تنف ق على أن ه ذا الجنس األدبي
يعبر عن مختلف الشعوب ويحاول نقل تجارها لآلخرين.
الفرق بين المثل والحكمة : .2
كثيرة هي المصطلحات والمفاهيم التي تتداخل وتتش ابك فيم ا بينه ا مج رد ذك ر واح دة منه ا ل ذلك
يجب تحديد كل مصطلح وإعط اء مفه وم ل ه ،وتحدي د خصائص ه والف رق بين ه وبين المص طلحات ال تي
تتداخل معه.
من بين هذه المصطلحات التي تتداخل في هذا البحث مصطلحي "الحكمة والمث ل الش عبي" ،إذا م ا
هو الفرق بينهما؟ وما هي مواطن التداخل؟.
هناك العديد من الباحثين من اتفق على أن هاذين المصطلحين يحمالن نفس المعنى وهناك من أك د
على استقاللية كل منها عن اآلخر ،فالدارسون اتفقوا على أن المثل يقوم على أساس التشبيه:
«المثل أساسه التشبيه وما يقع في حكمه أمن وجوه بالغية ،فإذا وحدت عبارات تتفق مع المثل في
اإلنجاز والشيوع وصوع العبارة ،وتختلف عنه من حيث اس تعمالها بمعناه ا الح ربي ،وال تعتم د بالت الي
على التشبيه ،وعلى ما يقع في حكمه من وجهة نظر بالغي ة ،اعت برت أق وال س ائرة أم ا الحكم ة فه دفها
إصابة المعنى وترمي إلى التعليم ،ويكون إنتاجها وش يوعها بين الخاص ة ،تق وم على التجري د وتس تدعي
التأمل وهي اكثر قبيلة للتعميم ».
فبورايو ي رى أن المث ل الش عبي يختل ف عن الحكم ة باعتب ار أن المث ل يق وم على التش بيه ،بينم ا
الحكمة هي أهم منه وتعبير كخالصة تجربة تحكيم ما تصدر عن فئة معينة من الناس.
من بين أوجه االختالف أيضا أن للمثل مورد ومضرب عكس الحكمة ،فالمورد هو القصة األصلية
التي أطلق فيها المثل ألول مرة ،والمضرب هو الحال أو القصة أو الظرف المشابه للقصة األصلية.
كذلك يمتار المثل عن الحكم ة في اس تعمالنا ل ه في حال ة من ح االت اإلنس ان «فنص ره عن حال ة
غض ب أو اس تهزاء ،أو ث ورة أو تص حيح اعوج اج...الخ ،بخالف المحكم ة ال تي ال تك ون إلى للتوجي ه
األخالقي».
إضافة إلى ذلك يقول عبد الحميد بن هدوقة في مقدمة مصنفه األمثال الش عبية أن الف رق بين المث ل
والحكمة يكمل من حيث الداللة في األبعاد االجتماعية التي يعبر عنها المثل« :يبدو لنا بالرغم من الترابط
والتالحم الواضح بين المثل والحكمة والقول السائر ،إال أن هناك بعض الفرق ،فالحكم ة تض من موعظ ة
أو نصيحة أو عبرة مثل قول اإلمام علي بن أبي طالب «عمرات البلدان بحب األوطان» ،بينما المث ل ق د
انتقم ذلك وقد ال يتضمن .فعندما يتمث ل الرج ل الش عبي به ذا المث ل« :راحت ح وابي وعش ور» ،فه و ال
ينصح وال يقرر ،وإنما يصور ذهاب أمواله فيما ال غناء فيه كما ذهبت أم وال الن اس في العه د العثم اني
بين الجبايات والزكوات ...و لما اس تخلص الس امع من مثل ه :أن حال ة الم واطن لم تتغ ير بتغ ير النظ ام
السياسي واالجتماعي ...فالمثل هناك قابل لكث ير من ال دالالت الش تماله على مقوم ات المث ل الكام ل من
تشبيه ،وإيجاز ،وبالغة وسهولة التصاق بالذاكرة ...ومن ثمة فه و ألص ق بالحي اة الش عبية ،وأص دق من
الحكمة في تصوير حياة المجموعة المتداول بين أفرادها في سرائهم وضرائهم ،وأنواع العالق ات القائم ة
بينهم ،والمثل العليا التي يشتركون في تقديسها ،في حقبة معينة من الزمن.» ...
فالمثل هنا ال يهدف إلى التعليم والتوجيه حس ب رأي ه بق در م ا ي رمي إلى تص وير تجرب ة إنس انية
عاشها اإلنسان بكل تفاصيلها ،والحكم ة ق د تحم ل دالالت يص عب على اإلنس ان الع ادي فهمه ا ومعرف ة
معناها
إضافة إلى ما سبق توجد فروق أخرى بين المثل والحكمة:
أن أسلوب للكل دائما موجز ،عكس أسلوب الحكمة الذي قد يطول نسبيا. -
سهولة انتشار وتداول المثل الشعبي على عكس الحكمة ال تي يص عب فهم بعض معانيه ا خاص ة -
عند اإلنسان العادي البسيط.
المثل يحمل معنيين ،معنا ظاهرا واآلخر باطنا وأما المعنى الظاهر فهو حدث من أحداث التاريخ -
أو ما إلى ذلك أما الباطن فمرجعه إلى الحكم ة واإلرش اد في حين المحكم ة تفي د معن ا واح د من
نهي وإرشاد وحكمة.
المثل بصدر عن عامة الناس وعند مختلف طبقات الشعب ،بخالف الحكمة التي ال تصدر إال عن -
طبقة معينة من الناس.
هذه هي أوجه االختالف بينهما ،أما أوجه االتفاق بينهما فتتمثل في:
الهدف من كليهما هو توجيه سلوك الفرد ومحاول ة إص الحه «ومن المالح ظ أن المث ل والحكم ة
(المأثورة) يكادان أن يكونا شيئا واحدا ،هدفهما تعليمي Didacticوهو الوع ظ وتقري ر أص ول
قضايا السلوك وقواعد المعرفة ،والمعتقدات ،والتشريع الشعبي والمبادئ الفني ة وال دول إلى آخ ر
ه ذه المن احي المختلف ة من النش اط اإلنس اني» ،فه و يش ترك معه ا في إص الح الف رد وتوجيه ه
وإرشاده.
يلتقي المثل مع الحكمة في إنجاز العبارة فيس هل ت داولها وانتش ارها بين الن اس يق ول أب و الهالل
العسكري في جمهرته لألمثال« :ثم جعل كل حكمة س ائرة مثال وق د ي أتي القائ ل بم ا يحس ن من
الكالم أن يتمثل به إال أنه ال يتفق أن يسير فال يكون مثال».
«فالحكمة هنا نوعان ن وع بس ير ويعش و فيص بح مثال ،ون وع ال يتهي أ ل ه ذل ك فال يس مى مثال».
كالهما تلخيص التجربة سابقة سواء فردية أو جماعية« :األقوال والحكم المأثورة تتفقان مع المثل الشعبي
في كونها ترجع جميعا إلى اهتمام روحي واحد ،وهو التجارب الفردية ال تي يعيش ها الن اس وتتلخص في
تلك األقوال الموجزة الحكيمة ،ولذلك فإن هذه األقوال المأثورة تنفصل عن العمل الفني لتعيش بمفردها
أحقابا طويلة».
وعليه فالمثل الشعبي والحكمة مهما اختلفا أو انفقا فكالهما يعبران عن تجارب اإلنس ان ويح اوالن
من خاللها إصالح الفرد وتوجيهه نحو األفضل.
خصائص وميزات المثل الشعبي: .3
يمت از المث ل الش عبي كغ يره من األش كال التعبيري ة الش عبية األخ رى بالعدي د من الخص ائص
والمميزات التي اختلف الباحثون كل واحد يعرضها حسب كل منطق لديه.
أول ما نشير إليه في عده الخصائص المثل ابن المقفع يقول في هذا الصدد« :إذا جعل الكالم مثال،
كان أوضح للمنطق وأنق للس مع ،وأس ع لش عوب الح ديث» ،فمن خالل قول ه يتض ح لن ا أن للمث ل ثالث
خصائص أساسية هي :وضوح المعنى ،وجمال األداء وعموم الداللة.
وهناك من حصرها في هذه الخصائص يقول ":أبو عبيد القاسم بن سالم" في تعريفه للممثل وذك ر
خصائصه« :هذا كتاب األمثال ،وهي حكمة العرب في الجاهلية واإلسالم ،وبما كانت تع ارض كالمه ا ،
فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غ ير تص ريح ،فيجتم ع له ا ب ذلك ثالث خالل :إيج از
اللفظ ،وإصابة المعنى ،وحسن التشبيه ».
أما ابن عبد ربه فيشير إلى خاصية الشيوع والتداول في المثل الشعبي واألمث ال هي وش يء الكالم
وجوهر اللفظ وحلي المعاني ،والتي تخيرتها الع رب وق دمتها العجم ،ونط ق به ا في ك ل زم ان على ك ل
لسان فهي أبقى من الشعر ،وأشرف من الخطابة ،لم يسر شيء مسيرها وال عم عمومها» ،فهنا ابن عب د
ربه جعل المثل أحسن نوع أدبي وفضله على ب اقي الفن ون التعبيري ة األخ رى وال أح د يق وم مقام ه ،أم ا
األستاذة نبيلة إبراهيم فلقد لخصت خصائص المثل فيما يلي :
المثل خالصة التجارب ومحصول الحيرة.
المثل يحتوي على معنى يصيب التجربة والفكر في الصميم.
المثل يتمثل فيه اإلنجاز وحمال البالغة.
ومن خصائصه أيضا التعبير عن الواقع بطريقة غير مباشرة« :والمثل ال يعبر عن الوق ائع بش كل
مباشر ،وإنما يمثل لها تمثيال عبر صورة أو قصة ما ،لذلك كان كل مثل في جملته إشارة تحيل إلى معنى
أبعد».
كذلك من خصائص المثل الشعبي استخدامه صيغة اإلف راد بك ثرة وخصوص ا اس م الموص ول وال
يستخدم صيغة الجمع إال قليال « :إن المثل الشعبي أهم من النثر والقصة ،وأقرب إلى الصدق في التعب ير
عن الظ واهر االجتماعي ة ،ألن ه ال يهتم بالظ اهرة في ح د ذاته ا ،وإنم ا يهتم بالس لوكيات الكامن ة وراء
الظاهرة ،لهذا يالحظ أن المثل الشعبي يستخدم صيغة اإلف راد بك ثرة ،وخصوص ا اس م الموص ول "اللي"
وال يستخدم صيغة الجمع إال قليال وتعليل هذه الظاهرة واضح ،إذ ليس هن اك قض ية اجتماعي ة في ط رح
المثل ،وإنما هناك دواف ع س لوكية ،تنطب ق على الجماع ة ك أفراد ال كجماع ة» ،وفي ه ذا ي رى التلى بن
الشيخ أن استعمال اسم الموصول "اللي" معناه الذي أو التي عند صياغة المثل الشعبي '':اللي ماهو لي ك
يعييك" فهو عام ينطبق على كل الناس وال يقصد به شخص معين.
إضافة إلى ذلك توجد خاصية التناقض الظاهري أو التعدد في الموضوع الواحد ...«:تعدد األمثال
الشعبية في موضوع واحد بطريقة تبدو في الطاهر وكأن التع دد يحم ل في أحض انه تناقض ا ص ريحا في
رؤية المثل الشعبي مثل قولهم "خوك خوك ال يغرك صاحبك" ،وق ولهم "خ وك من وات اك ،م وش خ وك
من أمك وباباك"» ،فاألول يعني القرابة ،والثاني يعني الصداقة التي تجدها في المواقف الصعبة.
«فاألمثال الشعبية تتماشى ومنطلقات األمثال في التعبير ذلك أن المثل رصد للس لوك اإلنس اني في
حاالت ومواقف متغيرة ،وليس رصدا لقضية ذات موضوع ووضع اجتماعي محدد».
وظائف المثل الشعبي : .4
يتميز المثل الش عبي باإليج از والكثاف ة في المع اني والدق ة في التعب ير وه ذا م ا جعل ه من األك ثر
األنواع األدبية الشعبية انتشارا وتداوال بين مختلف طبق ات المجتم ع من خالل رص د تجارب ه والتع رض
لها بهذه الكلمة الموجزة المؤدية للغرض المطلوب ،فهو بذلك يؤدي عدة وظائف في حياة الفرد حسب كل
موقف أو موضوع يواجهه ،ومن أهم هذه الوظائف كما استخلصها عبد الحميد بورايو في كتاب ه "األدب
الشعبي الجزائري" في تحليله لمقدمة قادة بوت ارن األمث ال الش عبية الجزائري ة هي :الوظيف ة التواص لية،
اإلقناعية ،التشبيهية ،الترفيهية...الخ.
أهمية ودور المثل الشعبي : .5
إن المثل الشعبي من خالل انتشاره الواسع الكبير بين أوساط الناس أصبحت له أهمي ة ودور كب ير
في حياتنا لما يحتويه المثل من دالالت اجتماعية وسياسية وعقائدية واقتصادية .فهو ب ذلك يعت بر كوس يلة
يعبر بها اإلنسان عن مختلف تجاربه .وعليه فأهمية ودور المثل الشعبي يكمالن في :
األمثال الشعبية تمثل عراقة الشعوب وجذورها وأصولها تحمل اإلرث الحضاري ال ذي ج اء لن ا
بمجموعة من القيم والقواعد واألخالق والمبادئ التي يجب أن يسير عليها الفرد.
التعبير عن مختلف طبقات الشعب وكل الفئات وليست فئة معينة ،كما أن ه يت ابع مختل ف مراح ل
نمو اإلنسان منذ نعوم ة أظ افره إلى مرحل ة الش يخوخة ويع بر عنه ا ،ك ذلك يع الج ك ل القض ايا
والمشاكل التي يتعرض لها الفرد في حياته بكل تناقضاتها وتعقيداتها.
األمثال الشعبية تعين الفرد على الفهم وتنمي قدرته على فهم المقص ود« :فلألمث ال أهمي ة ك برى
في حياة الش عوب ،فهي في مقدم ة كنوزه ا الفكري ة ،يجلب االهتم ام وتوض ح المقص ود ،وتث ير
الخيال وتعين على الفهم ،فتتمت ع النفس والفك ر والمش اعر ،وتعكس ع ادات أص حابها وس لوكهم
وأخالقهم وتقاليدهم بقلة لفظها وكثرة معانيها التي تعبر عما تكنه الشعوب في أعماقها » .
استعمال المثل الشعبي طريقة اإلرشاد يضع اإلنسان أمام حاالت سلوكية معينة وي ترك ل ه حري ة
التطبيق« :المثل يستعمل طريقة اإلرشاد فيضعك أمام حاالت س لوكية معين ة ،وي ترك ل ك حري ة
تطبيق ما تريد ،مما ال تريد ،فلو سمعنا المثل القائل "اللي أعطى كلت على رقبتو" ،أو كم ا يق ال
في الجزائر "الكلمة كي البارود إذا خ رج م ا ي رجعش" ليس في ه ذين المثلين إك راه وال توجي ه
إنما هناك حالة سلوكية لفاضلة من وفى بوعده كان صورة للفضيلة واألخالق الحميدة.»...
وللمثل أيضا دورا كبيرا في الجانب النفسي ،فعندما يتع رض اإلنس ان في حيات ه لص دمات أليم ة
فيجد نفسه محبطا ويائسا من الحي اة أو فاق دا لألم ل فالمث ل الش عبي من خالل ذل ك يس اعده على
إيجاد الحلول وتهدئته ،واللجوء إليه والتخفيف عنه ،فعندما يصيب اإلنسان شيء ما أول م ا يق ال
له هذا المثل الشعبي الكثير التداول واالنتشار في الوس ط الجزائ ري "كاتب ة "أو "المكت وب" ،من
أجل التخفيف عنه وأن ما أصابه هو مقدر ومكتوب من هللا ،كما يقال" :شدة ونزول" ،بمع نى أن
هذه الشدة نزول وتحل مشاكلها مع الوقت ال داعيا للقلق والجزع.
يس تحوذ المث ل الش عبي على ش عبية كب يرة ،فه و يس تخدم في ك ل مناس بة ،فتح ده حاض ر عن د
السياس يين في خطبهم ،وفي الخطب الديني ة ،ك ذلك عن د األدب اء في ش عرهم وفي نش رهم ،وفي
حياتنا اليومية نوظفه دون أن تشعر به سواء لالستشهاد أو للتوجيه أو لتحسين الكالم.
وللمثل الشعبي أيضا دورا كب ير في تحس يد المع نى وتوض يحه ،ل ذلك اهتم الع رب والعلم اء ب ه
واستحضروه في كل مناسبة تحتاج إلى شرح وإفهام.
« ...ولض رب الع رب األمث ال واستحض ار المث ل والنظ ائر ش أن ليس ب الخفي في إب راز حبي ات
المعاني ،ورفع األستار عن الحقائق ،حتى تربك المتخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرض المتيقن
والغالب كأنه شاهد ،وفيه تبكيت للخصم األلد ،وقمع لسورة الج امع األبي ،وألم ر م ا أك ثر هللا في كتاب ه
المبين وفي سائر كتبه أمثاله ،وفشت في كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وكالم األنبياء والحكماء».
واألمثال الشعبية تعبر عن مصائرنا عكس األنواع الشعبية األخ رى ل ذلك نلج أ إليه ا« :إنن ا نعيش
جزءا من مصائرنا في عالم األمثال ولعل ما يفسر لنا استعمالنا الدائم لألمثال ،على عكس األنواع األدبي ة
الشعبية األخرى مثل األسطورة والحكاية الشعبية واأللغاز وغير ذلك ،فاألمثال الش عبية بالنس بة لن ا ع الم
هادئ نركن إليه حينما نود أن نتجنب التفكير الطويل في نتائج تجربتنا» .كما أنها تعمل على سن القوانين
والقواعد التي تنظم العالقات بين الناس.
إضافة على ذلك للمثل الشعبي دورا هاما أيضا يتمث ل في توظي ف األدب اء والكت اب الع رب للمث ل
الشعبي في قصصهم ورواياتهم ،وهذا ما يعرف باسم "التضمين" أو "التناص" ،وتذكر على سبيل المث ال
من األدباء الجزائريين الذين وظفوا األمثال الشعبية في رواياتهم الروائي المش هور "الط اهر وط ار" من
خالل روايته "الالز" «ففي رواية "الالز" للطاهر وطار بلغ عدد األمثال الشعبية بما أحد عشر
الخاتمة :
األمثال الشعبية من أكثر األنواع األدبية الشعبية المتداولة بين الناس نظرا لما تحمله في طياتها من
دالالت فهي مرآة عاكسة لحياة الشعوب بمختلف طبقاتها .ولقد اتفق الكت اب واألدب اء على أن المث ل ي دل
على عدة معاني أهمها :الشبه والنظير والعبرة .وأن المثل جنس أدبي هام لذلك ج اء في أرقى النص وص
األدبية –القران الكريم – وورد في عدة مواضع وبأوجه مختلفة.
مهما اختلفت التعاريف حول المثل الش عبي فهي تتف ق كله ا على أن ه جنس أدبي حي مت داول عن د
سكان العالم أجمع فهو يعبر عن مختلف تجارهم ومرآة عاكسة لحياتهم ،وهذا ما جعل العدي د من األدب اء
والكتاب يوظفونه في أعمالهم األدبية ويولونه عناية خاصة .كما أن العديد من الكتاب الجزائريين وضعوا
عدة مصنفات لها وقاموا بجمعها وترتيبها كل واحد حسب منهجه ال ذي ي راه مناس با ل ذلك من بينهم :أبي
شنب وجعكوز مسعود وقادة بوتارن وغ يرهم .تعت بر األمث ال الش عبية كقواع د وس لوكيات ص الحة لك ل
زمان وفي كل مكان لتوعية الفرد وتنشئته.