You are on page 1of 18

‫توظيف الجسد في شعر الخنساء‬

‫دراسة في الداللة اللسانية‬


‫األستاذ عمر لحسن‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‬
‫جامعة) عنابة ‪ -‬الجزائر‬
‫‪ -‬المقدمة) ‪:‬‬
‫تعد اخلنساء من أبرز الشعراء العرب الذين سخروا شعرهم لقضية واحدة ‪ ،‬حيث‬
‫كتبت ديوانا يفوق عدد أبياته األلف بيت ‪ ،‬خصصته لرثاء أخيها صخرا ‪ ،‬الذي قتل يف‬
‫إحدى املعارك اليت كان يشارك فيها مع باقي أفراد قبيلته (بين ُسليم) وإن كتبت بعض‬
‫األبيات ترثي فيها أخا آخر غري صخر (معاوية) ‪ ،‬ورمبا مل يكن شقيقها ‪ .‬إن ما كتبته من‬
‫مر العصور مضرب املثل يف صدق القرحية وبالغة احلزن ‪ ،‬مما جعل أحد‬ ‫شعر ظل على ّ‬
‫املستشرقني يقول فيها ‪ « :‬ولكننا_ جند فيها [ يف قصائدها ] على قصرها ‪ ...‬حزنا أبلغ‬
‫صدقا » (‪. )1‬‬
‫ال مراء يف أن حبث اجملال الداليل للجسد ذو فائدة مزدوجة ‪ :‬فهو يعكس الصورة‬
‫احلضارية للعصر اجلاهلي‪ ،‬ويربز صورة للعالقات االجتماعية اليت كانت سائدة يف العصر‬
‫اجلاهلي ‪ ،‬مما يعطي وصفا للحياة من خالل دراسة مظهر من مظاهر هذه احلياة اليت‬
‫وردت يف ديوان اخلنساء ‪ ،‬وهو اجلسد ‪ ،‬حيث يعطي وصفا دقيقا للفرد من خالل األمساء‬
‫اليت يعطيها لنفسه والصفات اليت يتصف هبا‪ ،‬ومن هنا تربز صورة الفرد املثايل يف العصر‬
‫اجلاهلي ‪ .‬مث إن حبث هذا اجملال الداليل يعد من جهة أخرى لبنة يف حبث اجملال الداليل‬
‫لإلنسان وحياته االجتماعية يف الشعر اجلاهلي خاصة والشعر العريب عامة‪ ،‬والتطور الذي‬
‫ميكن مالحظته عرب املراحل الزمنية املختلفة‪ ،‬على ألفاظ هذا اجملال ودالالهتا املختلفة‪.‬‬
‫مفهوم الداللة) ‪:‬‬
‫‪ -1‬لغة‪:‬‬
‫جاء يف املعاجم العربية أن الداللة من مادة (د ل ل)‪ ،‬نقول‪ « :‬أدل عليه‬
‫وتدلل ‪ :‬البسط ‪ ،‬وقال ابن دريد ‪ :‬أدل عليه وثق حمبته فأفرط عليه » (‪ . )2‬كما يقال‪:‬‬
‫«دل عليه وإليه داللة‪ :‬أرشد‪ .‬ويقال دله على الطريق وحنوه‪ :‬سدده إليه‪ ،‬فهو دال‪،‬‬
‫واملفعول‪ _:‬مدلول عليه وإليه‪ ،‬واجلمع‪ :‬دالئل ودالالت » (‪ . )3‬فالداللة ‪ -‬لغة ‪ -‬تعين‬
‫اإلرشاد والتوجيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬اصطالحا‪:‬‬
‫عرض لتعريف الداللة كل من علماء األصول و اللغويني ‪ ،‬فقد جاءت عند‬
‫التهانوي يف قوله ‪ « :‬الداللة بفتح الدال هي على ما اصطلح عليه أهل امليزان واألصول‬
‫العربية واملناظرة ‪ ،‬أن يكون_ الشيء حبالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر (‪)....‬‬
‫والشيء األول يسمى داال ‪ ،‬والشيء اآلخر يسمى مدلوال‪ .‬واملطلوب بالشيئني ما يعم‬
‫اللفظ وغريه » (‪ . )4‬أما الشريف اجلرجاين ‪ ،‬فذكر تعريف األصوليني للداللة ‪ ،‬فقال ‪« :‬‬
‫داللة اللفظ على املعىن باصطالح علماء األصول حمصورة يف عبارة النص‪ ،‬وإشارة النص ‪،‬‬
‫واقتضاء النص » (‪ ، )5‬وهي عندهم « كون اللفظ حبيث إذا أرسل علم منه املعىن للعلم‬
‫بوضع ذلك اللفظ هلذا املعىن» (‪. )6‬‬
‫أما ابن خلدون‪ ،‬فذكر الداللة يف حديثه عن علم البيان‪ _،‬يف قوله ‪ « :‬هذا العلم‬
‫حادث يف اللغة‪ ،‬بعد علم العربية اللغة‪ ،‬وهو من العلوم اللسانية‪ ،‬ألنه متعلق باأللفاظ وما‬
‫تفيده‪ ،‬ويقصد هبا الداللة عليه من املعاين » (‪ . )7‬وذكر ابن جين هذا املصطلح يف‬
‫"اخلصائص" يف باب مساه "الداللة اللفظية والصناعية_ واملعنوية"‪ _،‬ليدل به على املعىن (‪. )8‬‬
‫أما ابن فارس‪ ،‬فقد تعرض ملصطلح "املعىن"‪ ،‬واعتربه مرادفا ملصطلح الداللة‪ ،‬حيث قال‪« :‬‬
‫وقال قوم ‪ :‬اشتقاق_ املعىن من اإلظهار‪ ،‬يقال‪ :‬عنت_ القرية إذا مل حتفظ املاء‪ ،‬بل أظهرته‪.‬‬
‫وحكى ابن السكيت ‪:‬مل تعن من عنت تعين ‪ ،‬فإن كان هذا املراد باملعين الشيء الذي‬
‫يفيد اللفظ‪ .‬كما يقال‪ :‬مل تعن هذه األرض‪ ،‬أي مل تفد » (‪. )9‬‬
‫أما احملدثون_ من اللسانيني ‪ ،‬فركزوا على تعريف العلم الذي يهتم بدراسة املعىن‬
‫والداللة ‪ -‬علم الداللة‪ -‬حيث يعرفه بيري جريو بقوله ‪ « :‬دراسة املعىن‪ ،‬أو ذلك الفرع‬
‫الذي يدرس الشروط الواجب توافرها يف الرمز‪ ،‬حىت يكون_ قادرا على محل املعىن» (‪.)10‬‬
‫أما حلمي خليل‪ ،‬فريى أنه «ذلك الفرع من العلم الذي يتناول نظرية املعىن ودراسة‬
‫املفردات » (‪ . )11‬ويعرفه حممود السعران قائال ‪ « :‬علم الداللة أو دراسة املعىن فرع من‬
‫فروع علم اللغة‪ ،‬وهو غاية الدراسات الصوتية والنحوية والقاموسية » (‪ . )12‬وقد جاء‬
‫تعريفه عند أمحد نعيم الكراعني يف قوله ‪ « :‬هو الفرع الذي يبحث يف استخراج قوانني‬
‫املعىن العام ‪ ،‬وهو املعن_ى ‪ ...‬خيصص اجلزء األكرب منها املتابعة_ تطورات الداللة وتغريها »‬
‫(‪. )13‬‬

‫‪ -‬أنواع الدالالت) ‪:‬‬


‫من املباحث اللغوية اهلامة اليت أثارت اللسانيات احلديثة ‪ ،‬عرب الدرس الداليل ‪،‬‬
‫بناء على العالقات اليت جتمع بني الدال واملدلول ‪ ،‬مبحث أنواع الدالالت ‪ ،‬فإذا كان‬
‫حتديد معىن الكلمة يتم بالرجوع إىل املعجمات اللغوية ‪ ،‬فإن ذلك ال ميكن أن ينسحب‬
‫على مجيع الكلمات اليت ترد مفردة أو يف سياق ‪ ،‬لذلك ميز اللغويون بني دالالت كثرية ‪،‬‬
‫أمهها (‪: )14‬‬
‫‪ -1‬الداللة األساسية_ أو التصورية_ ‪ :‬وهو املعىن الذي حتمله الوحدة املعجمية حينما‬
‫ترد مفردة‪.‬‬
‫‪ -2‬املعىن اإلضايف أو الثانوي‪ :‬وهو معىن زائد على املعىن األساسي يدرك من‬
‫خالل سياق اجلملة‪.‬‬
‫‪ -3‬املعىن األسلويب‪ :‬وهو الذي حيدد قيم تعبريية ختص الثقافة أو االجتماع‪.‬‬
‫‪ -4‬املعىن النفسي‪ _:‬وهو الذي يعكس الدالالت النفسية للفرد املتكلم ويظهر ذلك‬
‫بوضوح يف كتابات األدباء وأشعار الشعراء اليت تنعكس_ فيها املعاين النفسية لألدب أو‬
‫الشعر بصورة واضحة اجتاه األلفاظ و املفاهيم املتباينة (‪. )15‬‬
‫‪ -5‬املعىن اإلحيائي‪ _:‬وهو ذلك النوع من املعىن الذي يتصل بالكلمات ذات القدرة‬
‫على اإلحياء نظرا إىل شفافيتها (‪. )16‬‬
‫وترى صفية مطهري أن للداللة اإلحيائية_ « أمهية بالغة‪ ،‬وذلك يف كونه يعمل على‬
‫استنباط الداللة الكامنة يف املفردة اللغوية ملا تؤديه هذه األخرية من وظائف ‪ ،‬حبيث‬
‫يستشف قدرهتا على اإلحياء بناء على ما تتميز به من شفافية معينة » (‪. )17‬‬
‫أما علماء األصول‪ ،‬فقسما الدالالت اعتمادا على معايري أخرى‪ ،‬ترتكز على‬
‫إدراك طبيعة_ العالقة بني قطيب الفعل الداليل (الدال واملدلول) ‪ ،‬وهو ال خيرج عن ثالث ‪:‬‬
‫اعتبار العرف ‪ ،‬أو اعتبار الطبيعة_ ‪ ،‬أو اعتبار العقل ‪ .‬وعلى ذلك فالداللة إما عرفية ‪ ،‬أو‬
‫طبيعية_ ‪ ،‬أو عقلية ‪ .‬وأخضع علماء الداللة تصنيف الدالالت بناء على أداء السياق للمعىن‬
‫‪ « ،‬فالكالم إما يساق ليدل على متام معناه‪ ،‬وإما أن يساق ليدل على بعض معناه ‪ ،‬وإما‬
‫أن يساق ليدل على معىن آخر خارج عن معناه إال أنه الزم له عقال أو عرفا » (‪. )18‬‬
‫وبذلك تكون_ الدالالت ثالثة أصناف ‪ :‬داللة املطابقة ‪ ،‬وداللة التضمن ‪ ،‬وداللة االلتزام‪،‬‬
‫وتندرج هذه الدالالت ضمن داللة عامة هي الداللة الوضعية_ ‪ ،‬وهي بدورها قسم من‬
‫أقسام الداللة اللفظية ‪ .‬وبناء على ذلك ‪ ،‬فأقسام الداللة تتفرع إىل ستة أصناف ‪ ،‬ميكن‬
‫متثيلها فيما يلي ‪:‬‬

‫الداللة‬

‫غري لفظية‬ ‫لفظية‬

‫طبيعية‬ ‫عقلية‬ ‫وضعية‬ ‫طبيعية‬ ‫وضعية‬ ‫عقلية‬

‫التزام‬ ‫مطابقة‪ :‬تضمن‬ ‫‪ -‬نظرية الحقول الداللية)‬


‫ظهرت فكرة تقسيم املادة اللغوية اليت حيتويها معجم اللغة حسب ما تقتضيه_‬
‫التجربة اإلنسانية_ على يد علماء األنثربولوجيا ‪ ،‬فقد كانوا يريدون معرفة اجملتمعات‬
‫البدائية من خالل خمتلف اجملاالت اليت تكوهنا اللغة ‪ ،‬ويعد حقل القرابة أهم ما استقطب_‬
‫اهتمامهم ‪ ،‬وهو الذي يضم ألفاظا مثل ‪ :‬أب ‪ ،‬أم ‪ ،‬جد ‪ ،‬جدة ‪ ...‬مث انتقلت_ هذه‬
‫الفكرة إىل اللسانيات املعاصرة ‪ ،‬واحلقل الداليل ‪ champs Sémantique‬أو احلقل‬
‫املعجمي ‪ champs lexical‬هو جمموعة من الكلمات ترتبط داللتها ‪ ،‬وتوضع عادة حتت‬
‫لفظ عام جيمعها ‪ ،‬ويعرفه جورج مونان بأنه «جمموعة من املفاهيم تنبين على عالئق‬
‫لسانية مشرتكة‪ ،‬وميكن هلا أن تكون_ بنية من بين النظام اللساين » (‪ .)19‬كحقل األلوان ‪،‬‬
‫وحقل القرابة العائلية ‪ ،‬وحقل القرابة العائلية ‪ ،‬وحقل احليوان_ ‪ ،‬وحقل الزمان ‪ ...‬وما إىل‬
‫ذلك ‪ .‬وهكذا ‪ ،‬فإن احلقل الداليل يتكون من جمموعة من املعاين أو الكلمات املتقاربة اليت‬
‫تتميز بوجود عناصر أو مالمح داللية مشرتكة‪ ،‬حىت تكتسب_ الكلمة معناها يف عالقاهتا‬
‫بالكلمات األخرى داخل احلقل ‪ ،‬ألن الكلمة ال معىن هلا مبفردها ‪ ،‬بل يتحدد معناها‬
‫ببحثها مع أقل الكلمات ال إليها يف إطار جمموعة واحدة (‪ ،)20‬وعلى هذا األساس « فإن‬
‫الكلمات ال تشكل وحدة مستقلة ‪ ،‬بل إن بعض اللغويني يرفض أو ينكر أن يتم اكتساب‬
‫اللغة يف شكل كلمات مفردة ‪ ،‬أو يكون_ املتكلم واعيا بالكلمات منعزلة أثناء عملية‬
‫الكالم ‪ .‬وإذا بدا له ذلك يف بداية األمر ‪ ،‬فإن االكتساب يكون_ انطالقا من تركيب مقدر‬
‫أو مضمر أو حمذوف تفهم ضمنه الكلمة اليت تعلمها الفرد » (‪ . )21‬وهو ما عرب عنه‬
‫فندريس يف قوله ‪ « :‬إن الذهن مييل دائما إىل مجع الكلمات وإىل اكتشاف عرى جديدة‬
‫جتمع بينها فالكلمات تتثبت_ دائما بعائلة لغوية » (‪. )22‬‬
‫وهذا يعين أن مجع الكلمات يف جمموعات يعد من خصائص العقل اإلنساين ‪ ،‬الذي‬
‫من طبيعته_ امليل إىل التصنيف والبحث عن العالقة اليت تكون_ أجزاء هذه اجملموعة أو تلك‬
‫(‪)23‬‬
‫‪ ،‬ويرى ليونز (‬ ‫حىت يتسىن هلا فهمها ووضع قوانينها‪ ،‬مث احلكم عليها واالستنتاج‬
‫‪ « )Lyons‬أننا نفهم معىن الكلمة بالنظر إىل حمصلة عالقاهتا بالكلمات األخرى وصلتها‬
‫باملفهوم العام ‪ ،‬وعلى هذا األساس يكون_ فهم معىن الكلمة ‪ ،‬بفهم جمموعة الكلمات ذات‬
‫الصلة هبا دالليا » (‪ ، )24‬وتعد نظرية احلقول الداللية حديثة النشأة نسبيا ‪ ،‬وتدخل يف إطار‬
‫التيار البنوي ‪ ،‬حيث يعد احلقل مبثابة البنية الصغرى‪ ،‬ويرى علماء اللسانيات أن فكرة‬
‫احلقول الداللية مل تتبلور إال يف الثالثينات_ من القرن العشرين ‪ ،‬ويعود الفضل يف ذلك إىل‬
‫سوسري‪ ،‬الذي كان قد وضع اللبنة التأسيسية األوىل هلذا املبحث ‪ ،‬حينما أومأ مسبقا إىل‬
‫"وجود عالئق داللية بني املداخل املعجمية بإمكاهنا أن تصنف النظام اللساين إىل جمموعة‬
‫من األنساق خيتلف بعضها عن بعض ‪ ،‬وهو ما يسميه بالعالئق الرتتيبية (‪rapports‬‬
‫‪ ، )associatifs‬وتبعه يف ذلك جمموعة من العلماء ‪ ،‬وخباصة إسبان_ )‪،Ispen)) (1924‬‬
‫وجولس )‪ ،Jolles (1934‬وبروتسينغ )‪ ، Porzig (1934‬وترييه )‪، Trier (1934‬‬
‫وكان من أهم تطبيقاهتم املبكرة_ دراسة تربية لأللفاظ الفكرية يف اللغة األملانية الوسيطة ‪.‬‬
‫وتقوم هذه النظرية على أساس تصنيف املداخل املعجمية تصنيفا بنيويا_ ‪ ،‬وفق‬
‫عالقات مشرتكة ومتنوعة_ كالرتادف واالشرتاك_ والتقاطع واجملاز واالحتواء ‪ ،‬ومن بني أهم‬
‫احلقول اليت نالت عناية اللغويني حقل األلوان ‪ ،‬غري أنه مل يدرس باعتباره_ ظاهرة طبيعية_ ‪،‬‬
‫بل على أساس املعاين اليت حتملها يف كل جمتمع ‪ ،‬لتتنوع_ بعد ذلك احلقول ‪ ،‬مثل ‪ :‬حقل‬
‫ألفاظ القرابة ‪ ،‬حقل النبات ‪ ،‬حقل املطبخ ‪...‬اخل ‪ ،‬واحلديث عن نشأة هذه النظرية عند‬
‫الغرب ال يقلل من جهود اللغويني العرب القدامى الذين حاولوا منذ فرتة مبكرة من تاريخ‬
‫الدرس اللغوي عندهم تأليف املعاجم على طريقة احلقول ‪ ،‬وهو ما يسمى عندهم مبعاجم‬
‫املوضوعات أو الرسائل اللغوية ‪ ،‬منها كتاب اخليل وخلق اإلنسان لقطرب ‪ ،‬فساق هؤالء‬
‫اللغويون الكثري من احلقول الداللية املستنبطة من البيئة على شكل معجمات خاصة تغطي‬
‫جماالت خمتلفة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬خلق اإلنسان ‪ :‬وظهر يف هذا احلقل جمموعة من الكتب ألفها كل من النضر‬
‫ابن مشيل‪ ،‬وقطرب ‪ ،‬وأيب عبيدة ‪ ،‬واألصمعي ‪ ،‬وأيب حامت السجستاين ‪.‬‬
‫‪ -2‬اخليل ‪ :‬أبو عبيدة ‪ ،‬واألصمعي ‪.‬‬
‫‪ -3‬احلشرات ‪ :‬ألف فيها أبو عبيدة كتاب احليات والعقارب ‪ ،‬واألصمعي كتاب‬
‫النحل‪....‬‬
‫(‪)25‬‬
‫‪ -4‬النبات ‪ :‬النضر بن مشيل ‪....‬‬
‫وفوق هذا ‪ ،‬فقد ألف كل من الثعاليب ( فقه اللغة ) وابن سيدة ( املخصص )‬
‫معجما كامال‪ ،‬صنفت املادة فيه حسب احلقول الداللية ‪ ،‬الذي تكون_ فيه الكلمات‬
‫وبعض مشتقاهتا جيمعها معىن مشرتك ‪ « ،‬وكان ابن فارس رائدا يف هذا امليدان_ عندما‬
‫ألف معجمه "مقاييس اللغة" على الطريقة االشتقاقية_ » (‪ . )26‬فكل هذا العدد الكبري من‬
‫املؤلفات العلمية ينم عن إحساس علمي ثاقب ‪ ،‬ووعي فريد يف عصرهم‪.‬‬

‫‪ -‬التحليل الداللي) ‪:‬‬


‫تقوم هذه الدراسة على أساس توزيع الكلمات إىل جماالت داللية (‪ )27‬كربى وفق‬
‫املوضوعات اليت تتوزعها‪ ،‬مث تصنيف كل جمال إىل جمموعات داللية صغرى‪ ،‬تدل كل‬
‫جمموعة على جزء من املوضوع الذي مسي بامسه اجملال الداليل ‪ .‬وهذا التصنيف مل يأت‬
‫من العدم‪ ،‬أو من وجهة نظر فلسفية نظرية‪ ،‬وإمنا هو نابع من الداللة املعجمية والسياقية‬
‫لأللفاظ اليت تضمنها ديوان اخلنساء ‪ .‬وقد اخرتنا يف هذا املقال دراسة األلفاظ الدالة على‬
‫اجلسد اليت وردت يف ديوان اخلنساء ‪.‬‬
‫ويعتمد التحليل داخل اجملموعات على إبراز القضايا الداللية املختلفة‪ ،‬من ترادف‬
‫وتضاد‪ ،‬واشرتاك لفظي وتعدد املعىن كما حياول البحث إبراز السياق اللغوي والسياق غري‬
‫اللغوي (االجتماعي)‪ ،‬وعموم الداللة خصوصيتها‪ ،‬مع التمييز بني الداللة املباشرة_ والداللة‬
‫غري املباشرة‪ _،‬حيث إن الشاعرة كثريا ما تستعمل اللفظة استعماال غري مباشر ‪ ،‬فتنقلها إىل‬
‫معىن جمازي لغرض معني‪.‬‬
‫وقد اس__تفاد ه__ذا البحث من جه__ود العلم__اء الق__دامى_ من أمث__ال ابن س__يده يف كتابه‬
‫"املخص_ _ _ _ __ص" والثع_ _ _ _ __اليب يف كتابه " فقه اللغة وسر العربي_ _ _ _ __ة"‪ ،‬باإلض_ _ _ _ __افة إىل بعض الكتب‬
‫والرس __ائل احلديثة ن __ذكر من بينها بش __كل خ __اص رس __الة مص __طفى إب __راهيم علي اليت حتمل‬
‫عن_وان_ " البنية اللغوية لش_عر ع_روة بن ال_ورد"‪ ،‬وهي رس_الة ماجس_تري ناقش_ها جبامعة الق_اهرة‬
‫سنة ‪ 1978‬بإشراف الدكتور حممود فهمي حجازي‪.‬‬
‫اس _ _ __تخدمت الش_ _ _ __اعرة ثالثا وثالثني كلمة للداللة على جسم اإلنس_ _ _ __ان‪ ،‬نس_ _ __تطيع‬
‫توزيعها إىل ثالثة جمموعات ‪ :‬الرأس‪ ،‬اجلسم‪ ،‬داخل اجلسم ‪.‬‬

‫‪ -1‬الرأس‪:‬‬
‫اش __تملت ه __ذه اجملموعة على ال __رأس وما حيتويه من أج __زاء وج __اءت األلف __اظ التالية_‬
‫للداللة عليه__ا‪ :‬رأس‪ ،‬عني‪ ،‬م__آقي‪ ،‬حن__در العني‪ ،‬م__دامع‪ ،‬خ__د‪ ،‬وج__ه‪ ،‬حمي__ا‪ ،‬ص__فيحة الوج__ه‪،‬‬
‫شدق‪ ،‬لسان‪ ،‬أنف‪ ،‬مسمع ‪.‬‬
‫وردت كلمة رأس مرتني يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫بعاقبة فإن الصرب خي ــر من النعلني والرأس احلليــق‬
‫(‪) 2‬‬
‫إن الزمان وما ينفي له عجب أبقى لنا ذنبا واستؤصل الرأس‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 173‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 155‬‬ ‫‪2‬‬


‫دلت كلمة رأس يف ال _ _ __بني األول على ه _ _ __ذا اجلزء من اجلسم داللة مباش _ _ __رة‪ ،‬حيث‬
‫تق_ _ __ول الش_ _ __اعرة إن الصرب على ما أص_ _ __يبت به عند فقد أخيها خري من اختاذ النعلني وحلق‬
‫ال __رأس‪ ،‬ويب __دو أهنا ع __ادة جاهلي __ة‪ ،‬حيث ك __انت املرأة حني تفقد عزي __زا حتلق رأس __ها وتضع‬
‫نعليها يف يدها وتضرب وجهها ‪ ،‬وكأنه حمرم عليها أن تزين نفسها ‪. ،‬‬
‫أما يف البني الثاين‪ ،‬فجاءت الداللة جمازي__ة‪ ،‬حيث تقصد الش__اعرة ب__الرأس علو املرتبة‬
‫والس__يادة‪ ،‬إذ تق __ول إن ال __دهر ال يأخذ من الرج __ال إال الش __ريف والس__يد‪ ،‬وي__رتك األذن __اب؛‬
‫أي سواد البشر‪.‬‬
‫ج _ __اءت كلمة عني مثان ومخسني م_ _ __رة بني اإلف_ _ __راد والتثنية_ واجلم_ _ __ع‪ ،‬وقد رك _ __زت‬
‫الش __اعرة يف اس __تعمال ه __ذه الكلمة على وظيفة البك __اء‪ ،‬وأمهلت وظيفة_ الرؤية اليت تق __وم هبا‬
‫كذلك‪ ،‬تقول اخلنساء‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫يا عني مالك ال تبكني تسكابا إذا راب دهر وكان الدهر ريابا‬
‫(‪) 2‬‬
‫عيين جودا بدمع منكما جودا جودا وال تعدا يف اليوم موعدا‬
‫(‪) 3‬‬
‫وأوجع من كان ال يوجــع‬ ‫فمثل حبييب أبكى العيــون‬
‫(‪) 4‬‬
‫نصبت للقوم فيه قصد أعينهم مثل الشهاب وهم شىت عباديد‬
‫فالش_ __اعرة اس_ __تعملت كلمة عني يف األبي_ __ات الس_ __ابقة بص_ __يغ خمتلف_ __ة‪ ،‬مف_ __ردة مثن_ __اة_‬
‫وجمموع_ __ة‪ ،‬وقد رك_ __زت ‪ -‬كما قلنا من قبل ‪ -‬على وظيفة_ البك_ __اء اليت تق_ __وم هبا العني‪ ،‬إذ‬
‫املق _ _ __ام_ أو الس_ _ __ياق ال _ _ __ذي وردت فيه هو احلزن‪ ،‬وهك_ _ __ذا فقد ج _ _ __اءت داللة ه _ _ __ذه الكلمة‬
‫مباشرة‪ ،‬دون اخلروج عن معناها الوضعي‪.‬‬
‫وردت كلمة مآقي مرة واحدة للداللة على العني‪ ،‬يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫ما إن جف هلا من ذكره مآقي‬ ‫تبكي لفرقته عني مفجعة‬
‫كما وردت الكلمة نفسها يف صيغة أخرى هي آماق يف قوله‪:‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 01‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 165‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 182‬‬ ‫‪5‬‬


‫(‪) 1‬‬
‫فيبكي بعني ما جيف سجومها مهول ترى آماقها الدهر تدمع‬
‫دلت ه_ _ __ذه الكلمة اليت وردت على ص _ _ __يغتني خمتلف _ _ __تني‪ ،‬على العني الباكي_ _ __ة‪ ،‬رغم‬
‫كوهنا تدل يف احلقيقة_ على جزء من العني‪ ،‬وذلك من باب داللة اجلزء على الكل‪.‬‬
‫ج __اءت كلمة حن __در العني للداللة على املعىن نفس __ه‪ ،‬رغم كوهنا ك __ذلك ت __دل على‬
‫جزء من العني أي احلدقة تقول الشاعرة‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫طرفت حندر عيين بعكيك_ ذرفة‬
‫واستعملت الشاعرة للداللة على العني‪ ،‬جزءا آخر منها هو املدامع يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ترى الشم الغطارف من سليم يبل ندى مدامعها حلاها‬
‫وهكذا نالحظ أن العني أخذت مكانة بارزة يف شعر اخلنس__اء‪ ،‬فباإلض__افة إىل الع__دد‬
‫الكبري من األبي_ __ات اليت وردت فيها ه_ __ذه اللفظ_ __ة‪ ،‬اس_ __تعملت ألفاظا أخ_ __رى هي يف احلقيقة_‬
‫أجزاء من العني للداللة على هذا املعىن‪ ،‬حمولة داللة هذه األلفاظ من اجلزء إىل الكل‪.‬‬
‫أما لفظة اخلذ فقد وردت للداللة على جانب الوجه‪ ،‬حيث تقول‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫كأن عيين لذكراه إذا خذرت فيض يسيل على اخلدين مدرار‬
‫(‪) 5‬‬
‫فوق خدي وكفة‬ ‫فدموع العني مين‬
‫من خالل الس _ _ __ياق اللغ_ _ __وي ال_ _ __ذي ج_ _ __اءت ه _ _ __ذه الكلم _ _ __ة‪ ،‬يتضح لنا أهنا ارتبطت‬
‫بالبك__اء‪ ،‬إذ اخلد هو ال__ذي تس__يل عليه ال__دموع عند خروجها من العني تش__به يف ذلك النهر‬
‫الذي تصب فيه املياه_ فور خروجها من ينابيع اجلبال‪.‬‬
‫جاءت كلمة وجه مثاين مرات للداللة على ما يواجهنا من رأس اإلنسان‪.‬‬
‫(‪) 6‬‬
‫بورك هذا هاديا من دليل‬ ‫دل على معروفه وجهه‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 163‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 251‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 189‬‬ ‫‪6‬‬


‫(‪) 7‬‬
‫كصخر أو معاوية بن عمر إذا كانت وجوه القوم سودا‬
‫إن الوج__ه‪ ،‬حسب الش__اعرة هو ال__ذي يظهر ما يكنه اإلنس__ان يف نفس__ه‪ ،‬ففي ال__بيت‬
‫يك_ __ون_ وجه ص_ __خر دليال على حبه للمع_ __روف‪ ،‬وذلك باالبتس _ __امة والبشاشة_ اليت يظهر هبا‬
‫أمام الضيوف والفقراء‪ ،‬أما يف البيت_ الثاين فإن س__واد الوجه داللة على الفقر واجلوع وهبذا‬
‫تكون هذه الكلمة قد جاءت ذات داللة جمازية‪.‬‬
‫استعملت كلمتان أخريان للداللة على معىن الوجه مها احمليا‪ ،‬وصفيحة الوجه‪.‬‬
‫تقول الشاعرة‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫الر ْو ِع ِم ْس َع ُار‬
‫وب َغ َدا َة َّ‬‫ج ْل ٌد مَجِ يل الْمحيَّا َك ِامل ورِعٌ ولِْلحر ِ‬
‫َ ُُ‬ ‫ٌَ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫ومضى على غلوائه جيري‬ ‫برزت صفيحة الوجه والده‬
‫الكلمت_ _ _ _ _ __ان حميا وص_ _ _ _ _ __فيحة الوجه حتمالن الداللة نفس_ _ _ _ _ __ها اليت حتملها كلمة الوجه‬
‫ونس_ _ _ _ __تطيع اعتبارمها_ مرادف_ _ _ _ __ان هلا‪ ،‬رغم أن الكلمة الثانية_ ت_ _ _ _ __دل على ج_ _ _ _ __زء من الوجه أي‬
‫ظاهره‪.‬‬
‫ومن األج _ __زاء األخ _ __رى من ال _ __رأس اليت ذكرهتا الش _ __اعرة الش _ __دق ال _ __ذي ي _ __دل على‬
‫جانب الفم‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫عدا مل تنه عدوته بزجر‬ ‫هريت الشدق رئبال إذا‬
‫الش__اعرة هن__ا‪ ،‬تش__به أخاها باألسد من حيث بعض الص__فات اجلس__دية‪ ،‬إذ تق__ول أن‬
‫شدقه مشقوق وأن له مشية تشبه مشية األسد‪.‬‬
‫جاءت أيضا كلمة لسان يف قوهلا‪:‬‬
‫يد ال ُفو ِاد َذلِيق اللِّس ِ‬ ‫ِ‬
‫جُيَا ِري املََقا ِر َ‬
‫(‪) 5‬‬
‫ض َْأمثَاهَلَا‬ ‫ان‬ ‫ُ َ‬ ‫َحد ُ َ‬
‫اس_ __تعملت ه_ __ذه الكلمة اس_ __تعماال جمازي_ __ا‪ ،‬إذ تقصد الوظيفة الكالمية اليت يق __وم هبا‬
‫اللسان‪ .‬حيث تقول إن صخرا يس__تطيع مواجهة أي موقف مع أعدائ__ه‪ ،‬ف__إذا اس__تدعى األمر‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 139‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬ ‫‪5‬‬


‫الشجاعة فهو حديد الفؤاد‪ ،‬وإذا استدعى القدرة على الكالم_ واخلطاب__ة‪ ،‬فهو ذليق اللس__ان‪،‬‬
‫قادر على قول الشعر والنثر وأن يتفوق على من يواجهه يف الفصاحة والفريض ‪.‬‬
‫اش __تملت ه __ذه اجملموعة أيضا على كلمة أنف ال __ذي ي __دل على حاسة الشم وكلمة‬
‫مسمع اليت تقصد هبا حاسة السمع أي األذن‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ع ِمْنها ُك ُّل َأنِ ٍ‬
‫ف َو َم ْس َم ِع‬ ‫ِ‬ ‫ض ِ‬‫ك سلَيم قَضُّها بَِق ِ‬
‫َو ُجد َ َ‬ ‫يض َها‬ ‫فَ َدتْ َ ُ ْ ٌ َ‬
‫فجدع األنف واألذن كان يعترب عيبا يف اجلاهلية‪ ،‬س__واء أص__اب احلي__وان أو اإلنس__ان_‬
‫حىت إهنم إذا أرادوا الدعاء على اإلنسان قالوا‪:‬‬
‫جدعا وعقرا‪ ،‬فكأن_ اخلنساء تقول أن قومها بين سليم مستعدون لف__داء‪ ،‬حىت حتمل‬
‫جدع األنف واألذن أي قطعهما‪.‬‬
‫‪ -2‬اجلسم‪:‬‬
‫اش__تملت ه__ذه اجملموعة على األلف__اظ الدالة على ب__اقي أج__زاء اجلسم اخلارجية وهي‪:‬‬
‫ذراع‪ ،‬ساعد‪ ،‬يد‪ ،‬كف‪ ،‬أنامل‪ ،‬بناء‪ ،‬صدر‪ ،‬حنر‪ ،‬جوانح‪ ،‬مظهر‪ ،‬جناح‪.‬‬
‫وردت كلمة ذراع مرة واحدة يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫عبل الذراعني قد ختشى بديهته له سالحان أنياب وأظفار‬
‫ووردت للمعىن نفسه كلمة ساد يف قول الشاعرة‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫بساعديه كلوم غري جتليب‬ ‫ومن أسري بال شكر جزاك به‬
‫إن كلمة ذراع اس __تعملت جمازا‪ ،‬إذ ال تقصد منها الش __اعرة أن ت __بني هيئة ال __ذراعني‬
‫وإمنا ه__ذا الش__كل رمز للق__وة والص__البة وهو نفسه ال__ذي نستش__فه من الكلمة س__اعد‪ ،‬إذ أن‬
‫األسري الذي ساعده صخر جمروح الساعدين‪ ،‬أي أنه عدمي الق__وة‪ ،‬ال يس__تطيع محل الس__الح‬
‫ألن املساعدة_ أيضا رمز للقوة‪.‬‬
‫ج_ _ _ __اءت كلمة يد ست م_ _ _ __رات‪ ،‬وهي العضو_ ال_ _ _ __ذي يق_ _ _ __وم بوظيفة القبض_ واألخذ‬
‫والعطاء‪ ،‬وهنا مسيت األعمال اليدوية‪ ،‬وتقول الشاعرة‪:‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 164‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪3‬‬


‫(‪) 4‬‬
‫بذلت يدي اليمني له فشلت‬ ‫لو أن الكف تقبل يف فداء‬
‫(‪) 2‬‬
‫ومل يبلغ ثنائي حيث حلت‬ ‫فلم ينزع وما قصرت يداه‬
‫إن كلمة يد ذات دالل_ __تني خمتلف _ __تني يف البي_ __تني الس _ __ابقني‪ ،‬ف _ __إذا ك_ __انت ذات داللة‬
‫مباش __رة يف ال __بيت األول‪ ،‬إذ تق __ول أهنا مس __تعدة على ب __ذل ي __دها ف __داءا ألخيه __ا‪ ،‬فإهنا ذات‬
‫داللة جمازية يف ال __بيت الث __اين‪ ،‬إذ تعرب عن البخل بقصر الي __د‪ ،‬حيث أن القصر أو الط __ول ال‬
‫يغري يف اليد ش _ __يئا وإمنا هو كناية على ك _ __ثرة اجلود والعط _ __اء أو قلتهم _ __ا‪ ،‬ودلت على ك_ __ثرة‬
‫العطاء يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫جليل األيادي ال ينهنه بالزجر‬ ‫لقد كان يف كل األمور مهذبا‬
‫استعملت كلمة كف تسع مرات دلت فيها على اجلزء املنبسط_ يف اليد يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫ترجى نواال من نوالك بل ــت‬ ‫وكنت إذا كف أتتك عدمية‬
‫(‪) 5‬‬
‫تعم هبا بل سيب كفيك أجـزل‬ ‫بأفضل سيبا من يديك ونعمة‬
‫(‪) 6‬‬
‫جتود فما جيف ثرى نداها‬ ‫له كف يشد هبا وكف‬
‫وهكذا نالحظ هنا ك__ذلك أن الش__اعرة اس__تعملت ه__ذه الكلمة إلب__راز داللة جمازي__ة‪،‬‬
‫إذ تعرب عن ثالثة مع _ __ان خمتلف _ __ة‪ ،‬ففي ال _ __بيت األول‪ ،‬ع _ __ربت عن الفق _ __راء واحملت _ __اجني ال_ __ذين‬
‫يقص__دون أخاها ب__الكف العدمية‪ ،‬أما ال__بيت_ الث__اين‪ ،‬فإهنا ع__ربت عن اجلود والك__رم ب__الكف‪،‬‬
‫أي الشد وهو رمز الق __وة واجلود والعط __اء‪ ،‬ومن هن __ا‪ ،‬نق __ول أن كلمة كف ج __اءت مرادفة‬
‫لكلمة يد‪.‬‬
‫وردت كذلك كلمة أنامل‪ ،‬أي أطراف األصابع يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫جم فواضله تندى أنامله كالبدر جيلو وال خيفى على الساري‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 186‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 250‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 136‬‬ ‫‪7‬‬


‫الداللة هنا ك_ __ذلك جمازي_ __ة‪ ،‬إذ املقص_ __ود من األنامل كامل الي_ __د‪ ،‬أي أن اجلزء ي __دل‬
‫على الك _ __ل‪ ،‬وإال ك _ __ان ص _ __خرا خبيال‪ ،‬حيث أن اجلود ال _ __ذي يقدمه بأنامله يك _ __ون_ أقل من‬
‫اجلود الذي يقدمه بكامل يده‪.‬‬
‫جاءت ضمن هذه اجملموعة كلمة صدر‪ ،‬استعملتها اخلنساء سبع مرات‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫طعنا جبائفة لدى الصــدر‬ ‫القى ربيعة الوغا فأصابـه‬
‫(‪) 2‬‬
‫أفرج هم صدري بالقريـض‬ ‫فقد أصبحت بعد فىت حليم‬
‫(‪) 3‬‬
‫وضاق باملعروف صدر البخيل‬ ‫وال سعال إذا جيت ــدي‬
‫خيتلف معىن كلمة ص __در املس __تعمل يف ال __بيت األول‪ ،‬عن املعىن املس __تعمل يف البي __تني‬
‫الت __اليني‪ ،‬حيث تتكلم يف ال __بيت_ األول عن املس __توى_ اخلارجي امللم __وس من الص __در‪ ،‬أما يف‬
‫البي __تني اآلخ __رين‪ ،‬ف __املعىن خمتل __ف‪ ،‬إذ هي مرادفة للنفس‪ ،‬ألن اإلحس __اس ب __احلزن أو بالبخل‬
‫غري حمدد املوطن‪ ،‬رمبا أعترب الص_ __در حمال للحاس_ __دين‪ ،‬نتيجة النقب_ __اض أو االنش_ __راح ال_ __ذي‬
‫حيس به اإلنسان عندما يصيبه إحساس قوي‪.‬‬
‫وردت كلمة النحور للداللة على الصدر يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫حنورنا مبدى الذبائح‬ ‫فكأمنا أم لزم ــان‬
‫ف_ _ __النحر هو موضع ال_ _ __ذبح‪ ،‬وهو يف احلقيقة_ معىن خيص احلي_ _ __وان‪ _،‬ألن عملية النحر‬
‫للحي __وان‪ ،‬ولكنه عم ليش __مل اإلنس __ان‪ _،‬ف __املعىن إذا انتقل من اخلص __وص إىل العم __وم ج __اءت‬
‫كلمة ظهر مرة واحدة للداللة على اجلهة اخللفية املوازية للصدر‪.‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫ال ينهض الدهر بعبء ثقيل‬ ‫ليس خيب مانع ظهره‬
‫إن الشاعرة ال تقصد أن صخرا قادر على محل األثقال فوق ظهره‪ ،‬فهذه أعم__ال ال‬
‫يقوم هبا السيد‪ ،‬إمنا املعىن جمازي‪ ،‬إذ املقصود أن صخرا قادر على حتمل األم__ور اليت يكلف‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 133‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 157‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪5‬‬


‫هبا رجل يف مك_ _ _ _ __روه مثل احلرب والك_ _ _ _ __رم‪ ،‬ومحاية اجلريان‪... ،‬إخل‪ .‬فالتحمل هنا معن _ _ __وي‬
‫وليس ماديا‪.‬‬
‫وردت كلمة جناح للداللة على عضد اإلنسان يف قوهلا‪:‬‬
‫ِ‬ ‫د َّق عظْ ِمي وهاض ِميِّن جنَ ِ‬
‫ص ْخ ٍر فَ َما ُأط ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫احا‬
‫يق َبَر َ‬ ‫ك َ‬‫ُه ْل ُ‬ ‫احي‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ‬
‫إن كسر اجلن __اح ال __ذي تع __اين منه الش __اعرة ليس حقيقي __ا‪ ،‬وإمنا هو كناية عن احلالة النفس __ية_‬
‫اليت وص_لت إليها الش_اعرة بعد م_وت أخيها وهي حالة تع_رتي اإلنس_ان عند الض_يق وفق_دان‬
‫كل قوة‪.‬‬
‫آخر كلمة وردت ضمن هذه اجملموعة هي كلمة اجلوانح اليت تدل على األضالع‪:‬‬
‫ِ (‪) 2‬‬
‫ِم َن اجلََوى َبنْي َ اجلََوان ِح‬ ‫الش َفاءُ‬
‫البُ َكاءُ ُه َو ِّ‬
‫كأن احلزن على صخر حتول إىل داء سكن بني جواحنها ال يشفيه سوى البكاء‪.‬‬
‫‪ -3‬داخل اجلسم‪:‬‬
‫اشتملت هذه اجملموعة على األعضاء املوج__ودة داخل ج__وف اإلنس__ان‪ _،‬وقد ذك__رت‬
‫خلنساء منها‪ :‬فؤاد‪ ،‬قلب‪ ،‬نياط اجلوف‪ ،‬الدم‪ ،‬النجيع‪ ،‬الفوار‪ ،‬مزيدة عظم‪.‬‬
‫وردت كلمة فؤاد سبع مرات نذكر منها‪:‬‬
‫ِ (‪) 3‬‬
‫ص ْدعٌ َغْي ُر َم ْشعُوب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإيِّن ذَ َك ْرتُهُ َواللَّْي ُل ُم ْعتَ ِكٌر‬
‫فَفي ُفَؤ ادي َ‬
‫يد ال ُف ِاد ذَلِيق اللِّس ِ‬ ‫ِ‬
‫جُيَا ِري املََقا ِر َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ض َْأمثَاهَلَا‬ ‫ان‬ ‫ُ َ‬ ‫َحد ُ َؤ‬
‫مل تستخدم الشاعرة كلمة فؤاد يف البيتني السابقني للداللة على القلب أي املستوى_‬
‫املادي‪ ،‬وإمنا كناية عن ش__يء آخ__ر‪ ،‬حيث ج__اءت يف ال__بيت_ األول كناية على ش__دة احلزن‪،‬‬
‫إذ تق __ول إن احلزن ال __ذي أص __اهبا ج __راء فقد أخيها قد أح__دث يف قلبها تص __دعا وانش __قاقا ال‬
‫ميكن صدعه وإصالحه ‪ .‬ويف البيت_ الثاين‪ ،‬على الصرب والشجاعة أمام املخاطر‪.‬‬
‫ج_ __اءت كلمة قلب إح_ __دى عشر م_ __رة‪ ،‬اس_ __تعملت فيها مرادفة لكلمة ف_ __ؤاد‪ ،‬تق __ول‬
‫الشاعرة‪:‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪) 1‬‬
‫َت ْق َد ُح يِف َق ْليِب َش ًجا َكالشَِّرا ِر‬ ‫ت َتبَا ِرحيُ َها‬ ‫يَا لَ ْو َعةً بَاتَ ْ‬
‫ص ْخ ِر الن ََّدى َو َما ا ْن َفطََر ال َق ْل ُ‬ ‫ص ْخ ٍر َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ب َحىَّت َت َعَّزى‬ ‫َفبَلٌّ َعلَى َ‬
‫فاس_ __تعمال كلمة القلب يف كال البي_ __تني ك_ __ان جمازيا إذ دل على ش_ __دة احلزن‪ ،‬ذلك‬
‫أن اإلنسان عن__دما يص__اب جبلل حيس ك__أن قلبه يتفطر ويتش__قق‪ ،‬كما اس__تعملت كلمة قلب‬
‫للداللة على الشجاعة والقوة_ يف قوهلا‪:‬‬
‫ِ (‪) 3‬‬
‫اب َغرْيِ َخ َّوار‬ ‫ض ِم مر َّكبا يِف نِص ٍ‬ ‫قَ ْد ُكْنت حَتْ ِمل َق ْلبا َغير مهتَ ِ‬
‫َ ُ ً َْ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َُ ً‬
‫ومن الكلم__ات اليت وردت ض__من ه__ذه اجملموع__ة‪ :‬ني__اط اجلوف‪ ،‬ف__وار‪ ،‬مزب__دة‪ ،‬وقد‬
‫وردت يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫ف َف َّو َارا‬ ‫اط اجلو ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يش ِمْن َها ُف َويْ َق الثَّ ْد ِي ُم ْزبِ َدةً‬ ‫ِ‬
‫َتتَابُ ًعا م ْن نيَ َْ‬ ‫جَت ُ‬
‫تصف الشاعرة يف هذا البيت_ مصرع أخيها‪ ،‬بعد أن طعن يف ص__دره‪ ،‬فتق__ول أن ال__دم خيرج‬
‫بسرعة وغزارة فوق ثديه‪ ،‬مما جعله زبدا بسبب فورانه‪ ،‬ويعود هذا الفوران والتت__ابع إىل أن‬
‫الطعنة أص __ابت ني __اط قلبه أي الع __روق اليت حتمل القلب‪ ،‬وهي أك __ثر األم __اكن من اإلنس __ان_‬
‫دما‪ ،‬فكلمتا مزبدة وفوران صفتان للدم‪.‬‬
‫استعملت اخلنساء كلمة الدم مرتني دلت على السائل الذي هو سر احلياة يف قوهلا‪:‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫بللت من الدم أكفاهلا‬ ‫تطاعنها فإذا أدبرت‬
‫(‪) 6‬‬
‫مهاهم أبطال قليل فتورها‬ ‫أهل هبا وكف الدماء وردعها‬
‫إن الس__ياق ال__ذي وردت فيه ه__ذه الكلمة هو احلرب والتقات__ل‪ _،‬حيث يك__ثر يف ه__ذه‬
‫الظروف سيالن الدم‪ ،‬فهي تقول أن أكفال الدواب والناس قد ابتلت من ك__ثرة ال__دم ال__ذي‬
‫يس __يل فوقه __ا‪ ،‬أما يف ال __بيت_ فتق __ول‪ ،‬أن ال __دماء هلا س __يالن_ املط __ر‪ ،‬وه __ذه كناية على ك __ثرة‬
‫املوتى_ واجلرحى يف املعركة‪.‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 131‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 146‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 209‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 140‬‬ ‫‪6‬‬


‫وجاء للمعىن نفسه كلمة النجيع يف قوهلا‪:‬‬
‫َك ِمرج ِل طَبَّ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ِر ًيعا مَيُ ُّج النَّج َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ور‬
‫ني َي ُف ُ‬
‫اخة ح َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫َفُي ْل َقى َ‬
‫ف_ __النجيع هنا مرادفة لكلمة ال_ __دم‪ ،‬وهي يف خروجها الس_ __ريع وفوراهنا تش_ __به الق_ __در‬
‫الكبري عندما توضع على النار وتغلي‪.‬‬
‫وآخر كلمة يف ه _ __ذه اجملموعة هي العظم‪ ،‬حيث وردت ست م _ __رات دلت على ما‬
‫يبقى من اإلنسان_ بعد موته يف قوهلا‪:‬‬
‫ِ (‪) 2‬‬
‫وحهُ بِغَ ِزي ِر امل ْز ِن َهطَّال‬
‫َ‬ ‫َو ُر‬ ‫ض ِرحيًا َج َّن ْ‬
‫َأعظُ َمه‬
‫ُ‬ ‫َس َقى اِإل لَهُ َ‬
‫ُ‬
‫كما دلت على معان جمازية يف قوهلا‪:‬‬
‫ِ‬ ‫د َّق عظْ ِمي وهاض ِميِّن جنَ ِ‬
‫ص ْخ ٍر فَ َما ُأط ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫احا‬
‫يق َبَر َ‬ ‫ك َ‬ ‫احي ُه ْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫اك َعانِيَ ٍة لِْل َعظْ ِم َجبَّ ُار‬
‫اغيَ ٍ_ة فَ َّك ُ‬‫اغي ٍة م ْلجُأ طَ ِ‬ ‫ِ‬
‫حَنَّ ُار َر َ َ َ‬
‫فكلمة عظم يف ه__ذين البي__تني ليست مقص__ودة يف ذاهتا‪ ،‬حيث إن الش__اعرة مل تصب‬
‫حقيقة بكسر عظمه__ا‪ ،‬كما ال نتص__ور أن يك__ون_ أخوه__ا‪ ،‬ذلك احملارب الش__جاع‪ ،‬والك__رمي‬
‫اجلواد منش__غل ب__الطب ويق__وم جبرب العظ__ام املكس__ورة‪ ،‬ل__ذا ف__املعىن املقص__ود يف ال__بيت األول‪،‬‬
‫هو فق _ __دان الش _ __اعرة لقواها_ وإرادهتا عند مساع خرب م _ __وت أخيه _ __ا‪ ،‬أما يف ال _ __بيت_ الث _ __اين‪،‬‬
‫فاملقصود هو أن صخرا يساعد احملتاج الذي كسرت املصائب_ شوكته‪.‬‬

‫‪ -‬الخاتمة ‪:‬‬
‫يالحظ املتأمل يف األلف_ __اظ الس_ __ابقة وال_ __دالالت اليت اس_ __تعملت ألجلها والس_ __ياقات‬
‫اليت وردت فيها‪ ،‬االستنتاجات التالية‪_:‬‬
‫‪ - 1‬إن أغلب ه_ __ذه األلف_ __اظ مل تس_ __تعمل للداللة املباش_ __رة أو الداللة الرئيس_ __ية اليت‬
‫وشعت هلا‪ ،‬وإمنا جاءت دالالهتا جمازية‪ ،‬إذ استعملت للداللة على شيء خمتلف‪.‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 136‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪ - 2‬تنقسم السياقات اليت وردت فيها هذه األلفاظ إىل قسمني‪ :‬قسم يتعلق‬
‫بالش __اعرة‪ ،‬وهو ال __ذي يص __ور حالتها النفس __ية بعد م __وت أخيها ص __خر‪ ،‬فقد س __امهت ه __ذه‬
‫األلف _ __اظ يف وصف ش _ __دة حزهنا وأس _ __اها‪ ،‬إما بإعطائنا وص _ __فا خارجي _ __ا‪ ،‬ك _ __الرأس احللي_ __ق‪،‬‬
‫والعي_ _ __ون الباكية_ والعي_ _ __ون اليت تس_ _ __يل على اخلدين‪ ،‬أو بوصف ما حتس به داخليا من تفطر‬
‫الف __ؤاد وذوب __ان القلب وكسر اجلن __اح‪ ،‬فه __ذه األلف __اظ كلها تض __افرت لتص __ور لنا ما تقاس __يه‬
‫تصويرا رائعا‪.‬‬
‫وقسم يتعلق بصخر ويهدف إىل تصوير صفتني من أهم صفاته‪ :‬اجلود والقوة‪ _،‬ومها‬
‫من اخلص __ائص اليت جيب أن ميت __از هبما الرجل إذا أراد أن يك __ون س __يدا يف قوم __ه‪ .‬فاأللف __اظ‬
‫مثل الس__اعد والكف واألنامل والوجه ج_اءت لتعرب عن وف_رة عطائ__ه‪ ،‬وعن حبه هلذا العط__اء‬
‫حيث يقابل الضيف أو املسكني بوجه بشوش‪ ،‬أي أنه يعطى عن طيب خ_اطر‪ ،‬أما األلف_اظ‬
‫مثل الف_ __ؤاد والكف والس_ __اعد وال_ __ذراع والص_ __در والش_ __دق وال_ __دم‪ ،‬ف_ __بينت قوته يف القت_ __ال‬
‫وشجاعته أمام األبطال‪.‬‬
‫وميكن التعبري عن هذه املالحظات باجلدول التايل ‪:‬‬

‫ألفاظ) مشتركة بينهما‬ ‫ألفاظ) خاصة بصخر‬ ‫ألفاظ خاصة بالخنساء‬


‫الرأس‬ ‫‪-‬‬ ‫الوجه‬ ‫‪-‬‬ ‫العني‬ ‫‪-‬‬
‫الكف‬ ‫‪-‬‬ ‫احمليا‬ ‫‪-‬‬ ‫املدامع‬ ‫‪-‬‬
‫الصدر‬ ‫‪-‬‬ ‫صفيحة الوجه‬ ‫‪-‬‬ ‫حندر العني‬ ‫‪-‬‬
‫القلب‬ ‫‪-‬‬ ‫الذراع‬ ‫‪-‬‬ ‫اخلد‬ ‫‪-‬‬
‫الفؤاد‬ ‫‪-‬‬ ‫األنامل‬ ‫‪-‬‬ ‫اجلوانح‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬العظم‬ ‫الساعد‬ ‫‪-‬‬ ‫النحور‬ ‫‪-‬‬
‫الدم‬ ‫‪-‬‬ ‫األنف‬ ‫‪-‬‬
‫النجيع‬ ‫‪-‬‬ ‫املسمع‬ ‫‪-‬‬
‫الشدق‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬املآقي‬
‫‪ -‬اللسان‬
‫وه__ذا يعين أن األلف__اظ ال__واردة يف ه__ذا احلقل يتجاذهبا موض__وعان_ كب__ريان ‪ ،‬بني م _ ّد‬
‫وج __زر ‪ ،‬تتق __اطع أحيانا وتتباعد أحيانا أخ __رى ‪ ،‬وميكن التعبري عن ه __ذا من خالل الش __كل‬
‫التايل ‪:‬‬
‫العني ‪ -‬املآقي‬
‫اجلوانح ‪ -‬النحور ‪ -‬املدامع‬
‫األنف ‪ -‬حندر العني ‪ -‬املسمع ‪ -‬اخلد‬

‫الرأس ‪ -‬القلب‬
‫الكف ‪ -‬الفؤاد‬
‫الصدر ‪ -‬العظم‬
‫الوجه ‪ -‬احمليا ‪ -‬صفيحة الوجه‬
‫الذراع ‪ -‬األنامل ‪ -‬الساعد ‪ -‬الدم‬
‫النجيع ‪ -‬الشدق ‪ -‬اللسان‬

‫وميكن أن ينس_ __حب ه_ __ذا على كل احلق_ __ول اليت اش_ __تمل عليها ديواهنا ‪ ،‬إذ تن __اولت_‬
‫أكرب نس __بة منه موض __وعا واح __دا ‪ ،‬هو رث __اء ص __خر ‪ ،‬وذلك بوصف حاهلا بعد م __وت ه __ذا‬
‫الفقيد العزيز ‪ ،‬وذكر صفاته ومآثره ‪.‬‬

‫املصادر واملراجع ‪:‬‬

You might also like