You are on page 1of 39

‫مدخل إلى علم البالغة‬

‫د‪ .‬زبيدة الشتيوي‬

‫‪ -1‬البالغة اصطالحا‬

‫البالغة علم من علوم العربية ‪-‬بعد أن كان فنا له أصوله و أدواته‪- 1‬قطع مراحل تاريخية طويلة قبل أن‬
‫يستقر علما متميزا ‪ ،‬مستقال بمؤلفاته و مؤلفيه منذ وضع فيه السكاكي ‪2‬كتابه الشهير المفتاح ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ظل هذا العلم – وحتى يوم الناس هذا‪ -‬يحمل بين طياته سمات علوم أخرى نشأ على هامشها ‪ ،‬ونما‬
‫وتطور في كنفها ‪ .3‬وهو علم حادث بعد علم العربية واللغة ‪،‬وهو أيضا من العلوم اللسانية ألنه متعلق‬
‫باأللفاظ وما تفيده‪ ،‬و يُقصد بها الداللة عليه من المعاني‪ ،‬وذلك أن األمور التي يقصد المتكلم بها إفادة‬
‫السامع من كالمه‪ ،‬هي إما تصور مفردات تُسند و يُسند إليها‪ ،‬و يفضي بعضها إلى بعض و الدالة على‬
‫هذه هي المفردات من األسماء و األفعال والحروف‪ ،‬وإما تمييز المسندات من المسند إليه و األزمنة ‪،‬و‬
‫يُدل عليها بتغير الحر كات من اإلعراب وأبنية الكلمات ‪،‬وهذه كلها هي صناعة النحو و يبقى من األمور‬
‫المكتنفات بالواقعات المحتاجات للداللة أحوا ُل المتخاطبين أو الفاعلين وما يقتضيه حال الفعل وهو محتاج‬
‫إلى الداللة عليه ألنه من تمام اإلفادة ‪ .‬وإذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية اإلفادة في كالمه وإذا لم يشتمل‬
‫على شيء منها فليس من جنس كالم العرب فإن كالمهم واسع ولكل مقام عندهم مقال يُختص به بعد‬
‫كمال اإلعراب و اإلبانة ‪. 4‬‬

‫يظهر من كالم ابن خلدون أن كثيرا من مسائل النحو هي من خاصة علم المعاني ‪،‬والكثير من مسائل‬
‫المعاني هي من خاصة الدرس النحوي ‪ ،‬مثل الخبر و اإلنشاء ‪ ،‬وأحوال اإلسناد الخبري ‪ ،‬وأحوال‬
‫متعلقات الفعل ‪ ،‬والفصل والوصل ‪ ،‬والقصر ‪ ،‬وغيره من المسائل ‪..‬‬

‫لقد جعل ابن خلدون‪ 5‬علم البالغة قسيم علم البيان الذي مداره البحث عن الداللة التي للهيئات و األحوال‬
‫والمقامات ‪ ،‬وهو على ثالثة أصناف ‪ :‬الصنف األول يُبحث فيه عن هذه الهيئات و األحوال التي تُطابق‬
‫باللفظ جميع مقتضيات الحال و يسمى علم البالغة ‪ ،‬والصنف الثاني يُبحث فيه عن الداللة على الالزم‬

‫‪ - 1‬انظر مثال كتاب الدكتور شوقي ضيف" البالغة تطور وتاريخ" ‪ .‬طبعة دار المعارف ط ‪3‬السنة‪1965:‬‬

‫‪ - 2‬هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي ‪ .‬ولد عام ‪555‬ه في خوارزم و توفي بقرية الكندي‬
‫من قرى الماليع عام ‪ 626‬ه ‪ .‬من أهم أعماله كتاب مفتاح العلوم وهو مطبوع ‪،‬وتم شرحه مرات عديدة ‪ ،‬أشهر تالخيصه هو " تلخيص المفتاح "‬
‫لإلمام العالمة جالل الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب بجامع دمشق (‪1267‬هأو ‪1268‬ه – ‪1383‬ه)‪.‬‬

‫‪ 3‬انظر مؤلف الدكتور محمد عابد الجابري " بنية العقل العربي " دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية ‪ .‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية ‪ .‬ط ‪ 1‬بتاريخ ‪1986‬‬

‫‪ - 4‬مقدمة عبد الرحمن بن خلدون من باب علم البيان ص ‪ 550‬طبعة دار القلم ‪ .‬الطبعة الحادية عشرة بتاريخ ‪ 1992‬بيروت لبنان‬

‫‪ - 5‬ابن خلدون هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون أبو زيد ولي الدين الحضرمي االشبيلي ‪1332‬ه‪1406-‬ه‪ ،‬من أشهر علماء الغرب اإلسالمي ‪،‬‬
‫ومؤلفاته من أهم مصادر الفكر اإلنساني العالمي ‪ ،‬أشهرها على اإلطالق كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر‬
‫ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬والمعروف اختصارا بتاريخ ابن خلدون الذي يبدأ بالمقدمة التي تحوي جميع العلوم التي برز فيها‬
‫المسلمون إلى حدود القرن الثامن الهجري والموافق للقرن الرابع عشر الميالدي ‪ .‬ترجمت المقدمة إلى لغات عالمية كثيرة جدا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اللفظي و ملزومه وهي االستعارة والكناية ويسمى علم البيان و ألحقوا بهما صنفا آخر وهو النظر في‬
‫تزيين الكالم و تحسينه بنوع من التنميق إما بسجع يفصله أو تجنيس يشابه بين ألفاظه أو ترصيع يَقطع‬
‫أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه الشتراك اللفظ بينهما و أمثال ذلك ويسمى عندهم‬
‫علم البديع ‪ .‬وأطلق على األصناف الثالثة عند المحدثين اسم البيان وهو اسم الصنف الثاني ألن األقدمين‬
‫أول من تكلموا فيه ثم تالحقت مسائل الفن واحدة بعد األخرى وكتب فيها جعفر بن يحيى و الجاحظ و‬
‫قدامة و أمثالهم إمالءات غير وافية فيها ثم لم تزل مسائل الفن تكمل شيئا فشيئا إلى أن محص السكاكي‬
‫زبدته و هذب مسائله و رتب أبوابه (‪ )...‬و ألف كتابه المسمى بالمفتاح في النحو والتصريف والبيان‬
‫فجعل هذا الفن من بعض أجزائه وأخذه المتأخرون من كتابه ولخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا‬
‫العهد كما فعله السكاكي في كتاب التبيان وابن مالك في كتاب المصباح وجالل الدين القزويني في كتاب‬
‫اإليضاح ثم التلخيص وهو أصغر حجما من اإليضاح ‪.6‬‬

‫ليس بعيدا عن هذا الفهم ‪ ،‬يقدم لنا الخطيب القزويني تعريفا دقيقا للبالغة ‪ ،‬بعد التمييز بينها وبين‬
‫الفصاحة ‪ ،‬ليخلص في النهاية إلى أن البالغة محصورة في المعاني والبيان‪.‬‬

‫يقول القزويني ‪ ":‬وللناس في تفسير الفصاحة والبالغة أقوال مختلفة ‪ ،‬لم أجد –فيما بلغني منها – ما‬
‫يصلح لتعريفهما به ‪ ،‬وال ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكالم وكون الموصوف بهما‬
‫المتكلم ؛ فاألولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما باالعتبارين ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬

‫كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين ‪:‬‬

‫أحدهما الكالم ‪ ،‬كما في قولك " قصيدة فصيحة ‪ ،‬أو بليغة " و " رسالة فصيحة أو بليغة " ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬المتكلم ‪ ،‬كما في قولك " شاعر فصيح ‪ ،‬أو بليغ " و " كاتب فصيح ‪ ،‬أو بليغ " ‪.‬‬

‫والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد ‪ ،‬فيقال ‪ " :‬كلمة فصيحة " و ال يقال ‪ " :‬كلمة بليغة " ‪.‬‬

‫أما فصاحة المفرد ‪ ،‬فهي خلوصه من تنافر الحروف ‪ ،‬والغرابة ‪ ،‬ومخالفة القياس اللغوي ‪.‬‬

‫في حين أن البالغة نوعان ‪ :‬بالغة كالم ‪ ،‬وبالغة متكلم ‪.‬‬

‫أما بالغة الكالم فهي ‪ ":‬مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته " ‪.7‬‬

‫وإذا كانت داللة مقتضى الحال مختلفة ‪ ،‬فكذلك هي مقامات الكالم إذ هي متفاوتة ‪ ،‬ألن مقام التنكير‬
‫يباين مقام التعريف ‪ ،‬ومقام اإلطالق يباين مقام التقييد ‪ ،‬ومقام التقديم يباين مقام التأخير ‪ ،‬ومقام الذكر‬
‫يباين مقام الحذف ‪ ،‬ومقام القصر يباين مقام خالفه ‪ ،‬ومقام الفصل يباين مقام الوصل ‪ ،‬ومقام اإليجاز‬
‫يباين مقام اإلطناب و المساواة ‪ ،‬وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي ‪.‬‬

‫وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪...‬‬

‫‪ 6‬ن‪ -‬المقدمة ص ‪552‬‬

‫‪ - 7‬اإليضاح للقزويني ص ‪ 13‬وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين ‪ .‬منشورات دار الكتب العلمية ‪ .‬بيروت لبنان ط ‪2003. 1‬‬

‫‪2‬‬
‫وارتفاع شأن الكالم في الحسن والقبح بمطابقته لالعتبار المناسب ‪ ،‬وانحطاطه بعدم مطابقته له ‪.‬‬

‫فمقتضى الحال هو االعتبار المناسب‪. 8‬‬

‫ويذهب القزويني إلى أن ما يعنيه بتطبيق الكالم على مقتضى الحال ‪ ،‬هو ما يدعوه عبد القاهر‬
‫الجرجاني ب "النظم " حين يقول ‪ ":‬النظم تأخي معاني النحو فيما بين الكلم على حسب األغراض التي‬
‫يصاغ لها الكالم ‪.‬‬

‫فالبالغة صفة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى عند التركيب ‪ .‬وكثيرا ما يسمى ذلك فصاحة أيضا‪،‬‬
‫وهو مراد الشيخ عبد القاهر بما يكرره في" دالئل اإلعجاز" من أن الفصاحة صفة راجعة إلى المعنى‬
‫دون اللفظ ؛ كقوله في أثناء فصل منه ‪ :‬علمتَ أن الفصاحة والبالغة وسائر ما يجري في طريقهما‬
‫أوصاف راجعة إلى المعاني ‪ ،‬وإلى ما يدل عليه باأللفاظ ‪ ،‬دون األلفاظ أنفسها ‪.‬‬

‫وإنما قلنا مراده ألنه صرح في مواضع من " دالئل اإلعجاز" بأن فضيلة الكالم للفظ ‪ ،‬ال لمعناه ‪ ،‬منها‬
‫أنه َح ِكي قول َمن ذهب إلى عكس ذلك فقال ‪ :‬فأنت تراه ال يقدم شعرا حتى يكون قد أودع حكمة أو أدبا‬
‫أو اشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :‬و األمر بالضد إذا جئنا الى الحقائق وما عليه المحصلون ألنا ال نرى متقدما في علم البالغة‬
‫ُمبَرزا في شأوها إال وهو يُنكر هذا الرأي ‪.9‬‬

‫هذا عن بالغة الكالم ‪ ،‬أما بالغة المتكلم عند القزويني فهي ملكة يُقتدر بها على تأليف كالم بليغ ‪.‬‬

‫يقول ‪ ":‬لقد علم بما ذكرنا أمران ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن كل بليغ – كالما كان أو متكلما – فصيح ‪ ،‬وليس كل‬
‫فصيح بليغا ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن البالغة في الكالم مرجعها إلى االحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ‪ ،‬والى تمييز‬
‫الكالم الفصيح عن غيره ‪ ،‬والثاني – يعني التمييز‪ -‬منه ما يتبين في علم متن اللغة ‪ ،‬أو في التصريف‪،‬‬
‫أو النحو ‪ ،‬أو يُدرك بالحس ‪ ،‬وهو ما عدا التعقيد المعنوي ‪.‬‬

‫وما يُحترز به عن األول – أعني الخطأ –هو علم المعاني ‪.‬‬

‫وما يحترز به عن الثاني – أعني التعقيد المعنوي‪ -‬هو علم البيان‬

‫وما يُعرف به وجوه تحسين الكالم – بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته – هو علم‬
‫المعاني‪.‬‬

‫وكثير من الناس يسمي الجميع " علم البيان " ‪، 10‬وبعضهم يسمي األول "علم المعاني "‪ ،‬والثاني‬
‫‪11‬‬
‫والثالث "علم البيان " والثالثة " علم البديع "‪.‬‬

‫‪ - 8‬نفسه ص ‪20‬‬

‫‪ - 9‬المصدر نفسه ص ‪21‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2‬البالغة لغة‬

‫البالغة مشتقة من الجذر اللغوي الثالثي لفعل "بلغ "‪ ،‬إذ نقول في قاموس اللغة العربية ‪:‬‬

‫بَلَ َغ يَ ْبلُ ُغ بلوغا و بالغة و تعني َو َ‬


‫ص َل و انتهى ‪ ،‬و أبلغه هو إبالغا و بلغه تبليغا ؛ وقول أبي قيس بن‬
‫ت السلمي ‪:‬‬ ‫األ ْسلَ ٍ‬

‫مهال ! فقد أ َ ْبلَ ْغتَ أسماعي‬ ‫قالت ‪ ،‬ولم ت َقصد ِلقي ِل الخنى‬

‫إنما هو من ذلك أي قد انت َ َهيْتَ فيه و أن َعمْتَ ‪ .‬وتَبل َغ بالشيء ‪ :‬وصل الى مراده ‪ ،‬وبلغ مبلغ فالن و‬
‫َم ْبلَغَت َه‪ .‬وفي حديث االستسقاء ‪ :‬واجعل ما أ َ ْنزَ ْلتَ لنا قوة وبالغا إلى حين ؛البالغ ‪ :‬ما يُتبلغ به ويُتوصل‬
‫إلى الشيء المطلوب ‪ .‬والبالغ ما بلغك ‪ .‬والبالغ ‪ :‬الكفاية ؛ ومنه قول الراجز ‪:‬‬

‫الم ْعدة بالدباغ‬


‫باكر ِ‬
‫و ِ‬ ‫ت َزَ جْ من دنياك بالبالغ‬

‫وتقول ‪ :‬له في هذا بالغ و بُلغة و تبلغ أي كفاية ‪ ،‬وبلغتُ الرسالة ‪ .‬والبالغ ‪ :‬اإلبالغ وفي التنزيل ‪ :‬إال‬
‫بالغا من هللا ورساالته ‪ ،‬أي ال أجد منجى إال أن أُب ِلغ عن هللا ما أرسلت به ‪ .‬واإلبالغ ‪ :‬اإليصال ‪،‬‬
‫وكذلك التبليغ ‪ ،‬واإلسم منه البالغ ‪ ،‬وبلغت الرسالة ‪ .‬في التهذيب ‪ :‬يقال بلغت القوم بالغا اسم يقوم مقام‬
‫التبليغ ‪ .‬وفي الحديث ‪ :‬كل رافعة َرفَعَت عنا من البالغ ْفليُبَ ِل ْغ عنا ‪ ،‬يروى بفتح الباء وكسرها ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫المبلغين ‪ ،‬و أبلغته و بلغته بمعنى واحد ‪ ،‬و إن كانت الرواية من البالغ بفتح الباء فله وجهان ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أراد من‬
‫أحدهما أن البالغ ما بلغ من القرآن و ال سنن ‪ ،‬والوجه اآلخر من ذوي البالغ أي الذين بلغونا يعني ذوي‬
‫ط ْيتُه عطاء ‪ ،‬أما الكسر فقال الهروي ‪ :‬أراه من‬ ‫التبليغ ‪ ،‬فأقام االسم مقام المصدر الحقيقي كما تقول أ َ ْع َ‬
‫المبالغين في التبليغ ‪ ،‬بالغ يبالغ مبالغة و ِبالغا إذا اجتهد في األمر ‪ ،‬والمعنى في الحديث ‪ :‬كل جماعة أو‬
‫فلتبلغ ْ‬
‫ولتَحْ ِك ‪.‬‬ ‫نفس تُبَ ِلغ عنا و تذيع ما نقوله ِ‬
‫وأما قوله عز وجل ‪ :‬هذا بالغ للناس و ليُنذَروا به ‪ ،‬أي أنزلناه ليُنذَر الناس به ‪ .‬وبلغ الفارس إذا مد يده‬
‫بعنان فرسه ليزيد في جريه ‪ .‬وبلغ الغالم ‪ :‬احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه و التكليف ‪ ،‬وكذلك بلغت‬
‫الجارية ‪ .‬التهذيب ‪ :‬بلغ الصبي و الجارية إذا أدركا ‪ ،‬وهما بالغان ‪ .‬وقال الشافعي في كتاب النكاح ‪:‬‬
‫جارية بالغ ‪ ،‬بغير هاء ‪ ،‬هكذا روى األزهري عن عبد الملك بن الربيع عنه ‪ ،‬قال األزهري ‪ :‬والشافعي‬
‫فصيح حجة في اللغة ‪ ،‬قال ‪ :‬وسمعت فصحاء العرب يقولون جارية بالغ ‪ ،‬وهكذا قولهم امرأة عاشق و‬
‫لحية ناصل ‪ ،‬قال ‪ :‬ولو قال قائل جارية بالغة لم يكن خطأ ألنه األصل‪.‬‬

‫وبلَغتُ المكان بلوغا ‪ :‬وصلتُ إليه و كذلك إذا شارفت عليه ؛ ومنه قوله تعالى ‪ :‬فإذا بلغن أ َ َجلَهن ‪ ،‬أي‬
‫قاربنه ‪ .‬وبلغ النبت ‪ :‬انتهى ‪.‬‬

‫‪- 10‬وهذا ديدن العالمة ابن خلدون على سبيل المثال‪.‬‬

‫‪ - 11‬اإليضاح للقزويني ص ‪22‬‬

‫‪4‬‬
‫(‪ )...‬الى أن يقول ‪ ،‬والبالغة ‪ :‬الفصاحة ‪ .‬وال َب ْلغ وال ِب ْلغ ‪ :‬البليغ من الرجال ‪ .‬ورجل بليغ و ب ْلغ و ِب ْلغ ‪:‬‬
‫حسن الكالم فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كُ ْنه ما في قلبه ‪ ،‬والجمع بُلَغَاء ‪ ،‬وقد بَلُغ ‪ ،‬بالضم ‪ ،‬بالغة أي‬
‫صار بليغا ‪ .‬وقول بليغ ‪ :‬بالغ وقد بلُغ ‪ .‬والبالغات ‪ :‬كالوشايات ‪.‬‬

‫والبِ ْلغَن‪ :‬البالغة ؛ عن السيرافي ‪ ،‬ومثل به سيبويه ‪ .‬وال ِب ْلغن أيضا ‪ :‬النمام ؛ عن كراع ‪ .‬والبلغن ‪ :‬الذي‬
‫بعضهم حديث بعض ‪ .‬وتبلغ به مرضه ‪ :‬اشتد ‪.‬‬ ‫يُ َب ِلغ للناس ِ‬
‫وبلغ به البلغين ‪ ،‬بكسر الباء وفتح الالم وتخفيفها ؛ عن األعرابي ‪ ،‬إذا استقصى في في شتمه وأذاه ‪.‬‬
‫والبُلَغين وال ِبلَغين ‪ .‬الداهية ‪ :‬وفي الحديث ‪ :‬أن عائشة قالت ألمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬حين‬
‫أخذت يوم الجمل ‪ :‬قد بَلَ ْغتَ منا البُلَ ِغينَ ؛ معناه أن الحرب قد جهدتنا وبلغت منا كل مبلغ ‪ ،‬يروى بكسر‬
‫الباء وضمها مع فتح الالم ‪ ،‬وهو مثل ‪ ،‬معناه بلغت منا كل مبلغ ‪ ،‬يروى بكسر الباء وضمها مع فتح‬
‫الالم ‪ ،‬وهو مثل ‪ ،‬معناه بلغت منا كل مبلغ ‪ .‬وقال أبو عبيد في قولها قد بلغت منا البلغين ‪ :‬إنه مثل قولهم‬
‫لقيت منا الب َُر ِحين و األ ْق َو ِرين ‪ ،‬وكل هذا من الدواهي‪ ،‬قال ابن األثير ‪ :‬واألصل فيه كأنه قيل ‪ :‬خطب‬
‫مبرح ‪ ،‬ثم جمعا على السالمة إيذانا بأن الخطوب في شدة‬ ‫بُلَغ و ِب َلغ أي بليغ ‪ ،‬وأمر ب َُرح و ِب َرح أي ِ‬
‫نكايتها بمنزلة العقالء الذين لهم قصد و تعمد ‪.‬‬

‫وبالغ فالن في أمري إذا لم يقصر فيه ‪ .‬والب ُْلغة ‪ :‬ما يتبلغ به من العيش ‪ ،‬زاد األزهري ‪ :‬وال فضل فيه ‪.‬‬

‫وتبلغ بكذا أي اكتفى به ‪ .‬و بلغ الشيب في رأسه ‪ :‬ظهر أول ما يظهر ‪ ،‬وقد ذكرت في العين المهملة ‪،‬‬
‫قال‪ :‬وزعم البصريون أن ابن األعرابي صحف في نوادره فقال مكان بلع بلغ الشيب ‪ ،‬فلما قيل له أنه‬
‫تصحيف قال ‪ :‬بلع و بلغ ‪ .‬قال أبو بكر الصولي ‪ :‬وقرىء يوما عن أبي العباس ثعلب و أنا حاضر هذا ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬الذي أكتب بلغ ‪ ،‬كذا قال بالغين معجمة ‪.‬‬

‫سيْر يُدرج على السية حيث‬‫وال َبا ِلغَاء ‪ :‬األ َك ِارعُ في لغة أهل المدينة ‪ ،‬وهي بالفارسية بايْها ‪ .‬والتبلغة ‪َ :‬‬
‫الوت َر ؛ حكاه أبو حنيفة جعل التبلغة اسما كالتودية‬
‫الوتَر ثالث مرار أو أربعا لكي يثبُت َ‬ ‫انتهى طرف َ‬
‫والتنهية ليس بمصدر ‪ ،‬فتفهمه‪.‬‬

‫‪ -3‬البالغة تطور وتاريخ‬

‫من الصعوبة بمكان محاولة التصدي لرصد المسار العام لتطور التأليف البالغي ‪ ،‬وهذه المشقة ال ترتد‬
‫إلى مجرد طول الحقبة الزمنية التي قطعها البحث البالغي والذي ينيف على االثني عشر قرنا فحسب ‪،‬‬
‫وإنما ترتد قبل ذل ك إلى أن تطور البحث البالغي لم يأخذ دائما مسارا تاريخيا مستقيما مطردا و منتظما‪.‬‬
‫ولكنه أيضا كان يسير في اتجاه خطوط متعرجة و متشابكة لم تكن لتتوازى إال لتنقطع ‪،‬و تلتقي لكي‬
‫تتفرق ‪ .‬هذا و مما ال شك فيه أن البالغة العربية قبل أن تتحدد بالشكل الذي ثبتتها عليه مدرسة‬
‫السكاكي‪،‬و بعد أن استقرت علما مستقال ‪ ،‬كانت في بدايتها األولى عبارة عن مالحظات بيانية ساقها‬
‫شعراء و أدباء ما عرف تاريخيا "بالعصر الجاهلي "‪ ،‬حين كانوا يقفون عند اختيار األلفاظ والمعاني‬
‫والصور في دواوينهم الشعرية‪ ،‬ويبدون تقييما فنيا بين الفينة واألخرى على بعض الصور الواردة في‬
‫قصائد فطاحلة الشعر الجاهلي ‪ ،‬الذين أوتوا من اللسن والفصاحة والقدرة على صوغ الكالم في‬
‫تصاوير بيانية أعربوا فيها عن مقدرة عجيبة على امتالك البالغة وحسن البيان ‪ .‬والدليل على ذلك أن‬
‫النبي محمد كما روي عنه‪ ،‬أنه حين استمع إلى إحدى خطبهم قال ‪ ":‬إن من البيان لسحرا " ‪ .‬ومن‬
‫‪5‬‬
‫أسطع األدلة على حذقهم صنعة الكالم وقوة العارضة في الحجاج والجدل وبراعة القريض أن كانت‬
‫معجزة النبي و حجته القاطعة لهم أن دعاهم إلى معارضة القرآن في بالغته الباهرة و المذهلة‪.‬‬

‫ولقد ترك شعراء "الجاهلية" تراثا رائعا يصور بمنتهى الرونق فصاحة منطقهم وقوة عارضتهم ‪ ،‬وكيف‬
‫كانوا يتأتون للكالم ‪ ،‬حتى يبلغوا منه ما كانوا يريدون من استمالة القلوب و األسماع ‪ .‬ولقد أحس بذلك‬
‫الجاحظ فقال عنهم في البيان والتبيين ‪ ":‬لم نرهم يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة‬
‫طوال الخطب ‪ ..‬وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير و مهمات األمور ميثوا (ذللوا) الكالم‬
‫اف و أ ُ ْد ِخل ال ِك َ‬
‫ير وقام على ال َخالص أبرزوه ُم َحككا‬ ‫في صدورهم و قيدوه على أنفسهم ‪ ،‬فإذا قومه الثِقَ ُ‬
‫منقحا و مصفى من األدناس مهذبا"‪. 12‬‬

‫كما كانوا ينقحون قصائدهم بالتماس المعنى المصيب و اختيار اللفظ المناسب وصون الكالم عما يفسده‬
‫ويهجنه ‪ ،‬بالصبر على القصيدة حوال كامال غرض إحكامها و تخليصها مما قد يشوب لفظها أو معناها ‪.‬‬

‫ولقد وصف الجاحظ ذلك في بيانه بالقول ‪ ":‬من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حوال‬
‫يقلب فيها رأيه‪ ،‬اتهاما لعقله ‪ ،‬وتتبعا‬ ‫كريتا (كامال) و زمنا طويال يُردِد فيها نظره ‪ ،‬ويجيل فيها عقله و ِ‬
‫على نفسه ‪ ،‬فيجعل عقله زماما على رأيه ‪ ،‬ورأيه ِعيارا على شعره ‪ ...‬وكانوا يسمون تلك القصائد‬
‫الحوليات و ال ُمقَل َدات و المنقحات وال ُمح َك َمات ‪ ،‬ليصير قائلها فحال خنذيذا و شاعرا ُم ْف ِلقا "‪. 13‬‬

‫ومن أجل ذلك صرح الحطيئة ‪ ":‬خير الشعر ال َحولي ال ُمحكك " ‪ .‬وقال األصمعي ‪ ":‬زهير ابن أبي‬
‫سلمى ‪ ،‬والحطيئة و أشباههما عبيد الشعر " ‪ .‬وكذلك كلُّ من جود في جميع شعره ووقف عند كل بيت‬
‫قاله ‪ ،‬وأعاد فيه النظر حتى يُخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة ‪ .‬وكان يقال ‪ :‬لوال أن الشعر‬
‫قد كان استعبدهم و استفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف و أصحاب الصنعة ‪ ،‬ومن يلتمس قهر‬
‫الكالم ‪ ،‬واغتصاب األلفاظ ‪ ،‬لذهبوا مذهب المطبوعين ‪ ،‬الذين تأتيهم المعاني سهوا و َر ْهوا ‪ ،‬وتنثال‬
‫عليهم األلفاظ انثياال " ‪.14‬‬

‫يبدو و اضحا للعيان أن العرب عرفوا بما ال يدع مجاال للشك ‪ ،‬كثيرا من األحكام النقدية ‪ ،‬وطرائق‬
‫الصنعة ‪ ،‬وأطراف البالغة ‪ ،‬كما خبروا األساليب المختلفة و الصور البيانية التي كانت تضفي على ما‬
‫يقولون حسن رونق و بديع رصف و جودة سبك ‪ ،‬و ساقوا أقواال عن البالغة ليس بالمعنى التعبيري فقط‬
‫بل بالمعنى الفني أيضا ‪ .‬وأصدق تعبير عن ذلك هو وصف القرآن العرب بأنهم أصحاب بيان ‪ ،‬جاء في‬
‫محكم الذكر ‪ ":‬الرحمان ‪ ،‬علم القرآن ‪ ،‬خلق اإلنسان ‪ ،‬علمه البيان "‪ .15‬و أيضا ‪ ":‬ومن الناس من‬
‫يعجبك قوله في الحياة الدنيا " ‪.16‬‬

‫‪ - 12‬البيان والتبيين ج‪ 2‬ص ‪14‬‬

‫‪ - 13‬البيان والتبيين ج‪ 2‬ص ‪ . 9‬الجاحظ ‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‬

‫‪ - 14‬البيان والتبيين ج ‪ 2‬ص ‪13‬‬

‫‪-‬الرحمن اآليات ‪1‬و ‪ 2‬و ‪ 3‬و‪4‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ - 16‬البقرة ‪ .‬اآلية ‪204‬‬

‫‪6‬‬
‫نبت عناية العرب بهذا الفن بعد ظهور اإل سالم وازدادت ‪ ،‬وكان نزول القرآن في حد ذاته حدثا بالغيا‬
‫عظيما ‪، 17‬ألن إيمان العربي حكم نقدي أدركه بذوقه السليم وفطرته الصافية وخبرته الطويلة ‪،‬وأيضا‬
‫بفضل ما نهج القرآن و رسوله من طرق الفصاحة والبالغة ‪.‬‬

‫وال شك أن أقوال النبي محمد صلعم و أحاديثه وكالمه ‪ ،‬كانت مما لم يسبقه إليها عربي ‪ ،‬و ال شاركه‬
‫فيها أعجمي ‪ ،‬ولم تُدع ألحد وال ادعاها أحد ‪ ،‬ولقد وصف الجاحظ كالمه صلعم قائال ‪ ":‬قَل عدد حروفه‬
‫و كثر عدد معانيه ‪ ،‬وجل عن الصنعة ‪ ،‬ونُ ِزه عن التكلف ‪ ،‬وكان كما قال هللا تبارك ةتعالى ‪ ":‬قل يا‬
‫محمد ‪ " :‬وما أنا منَ المتكلفين " ‪ .‬فكيف وقد عاب التشديق ‪،‬وجانَب أصحاب التقعيب ‪ ،‬واستعمل‬
‫المبسوط في موضع البسط ‪ ،‬والمقصور في موضع القصر ‪ ،‬و هجر الغريب الوحشي ‪ ،‬ور ِغب عن‬
‫الهجين السوقي ‪ ،‬فلم ينطق إال عن ميراث حكمة ‪ ،‬ولم يتكلم إال بكالم قد ُحف بالعصمة ‪ ،‬وشُيِد بالتأييد ‪،‬‬
‫و يُسر بالتوفيق‪.‬‬

‫وهو الكالم الذي ألقى عليه هللا المحبة ‪ ،‬وغشاه بالقَبُول ‪ ،‬وجمع له بين المهابة والحالوة ‪ ،‬وبين حسن‬
‫اإلفهام ‪ ،‬وقلة عدد الكالم مع استغنائع عن إعادته وقل ِة حاجة السامع إلى معاودته ‪ .‬لم تسقط له كلمة ‪،‬‬
‫وال زلت له به قدم ‪ ،‬وال بارت له حجة ‪ ،‬ولم يقم له خصم ‪ ،‬وال أفحمه خطيب ‪ ،‬بل يبذ الخطب الطوال‬
‫بالكلم القصار وال يلتمس إسكات الخصم إال بما يعرفه الخصم ‪ ،‬وال يحتج إال بالصدق و ال يطلب الفَ ْل َح‬
‫عجل ‪،‬‬ ‫يلمز ‪ ،‬وال يبطئ وال َي َ‬
‫يهمز وال ِ‬ ‫بالخالبة ‪ ،‬وال يستعمل المواربة ‪ ،‬وال ِ‬
‫إال بالحق ‪ ،‬وال يستعين ِ‬
‫صر‪ ،‬ثم لم يسمع الناس بكالم قط أعم نفعا‪ ،‬وال أ ْق َ‬
‫ص َد لفظا ‪ ،‬وال أعدل وزنا ‪ ،‬وال‬ ‫وال يُسهب وال يَحْ َ‬
‫أجمل مذهبا ‪ ،‬وال أكرم مطلبا ‪ ،‬وال أحسن موقعا ‪ ،‬وال أسهل مخرجا ‪ ،‬و ال أفصح معنى ‪ ،‬وال أبين في‬
‫فحوى ‪ ،‬من كالمه صلعم كثيرا "‪. 18‬‬

‫ولمن أراد التعرف على بالغة الرسول ‪ ،‬فليعرج على كتب الصحاح وأعمال المحدثين و أخبار العلماء و‬
‫كتاب سيرته‪ ،‬وإلى مظان أصحاب المذاهب الكبرى في اإلسالم ‪.‬‬

‫لقد أضفت أحاديث الرسول على العرب بالغة جديدة ‪ ،‬بحيث استضاءوا في خطاباتهم بخطابة النبي و‬
‫بآي القرآن الكريم ‪ .‬و كان صحابة الرسول ومنهم عمر بن الخطاب الذي روي عنه أنه سمع رجال ينشد‪:‬‬

‫خير ُموقِ ِد‬ ‫تج ْد َ‬


‫خير نار عندها ُ‬ ‫متى تأْته تعشو إلى ضوء ناره‬
‫‪19‬‬
‫فأجابه ‪ :‬ذاك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫و لقد ذكر الجاحظ في باب العيوب الداخلة على البيان مثاال على بالغة عمر بن الخطاب‪ ،‬وفيها أنه‬
‫ضبَطُ ذلك إال‬
‫كان يستطيع أن يُخرج الضاد من أي ِشدقيه شاء ‪،‬حيث ال يستطيع األيمنُ و األعسر و األ َ ْ‬
‫باالستكراه الشديد‪ ، 20‬و كان عمر ال يُبارى فصاحة وبالغة ‪ .‬وذكر قدامة بن جعفر أنه كان يستمع إلى‬

‫‪ - 17‬قولة الدكتور أحمد مطلوب في كتابه ‪":‬البحث البالغي عند العرب " ص ‪ .17‬منشورات دار الجاحظ للنشر‪ .‬بغداد الجمهورية العراقية ‪1982‬‬

‫‪ - 18‬البيان والتبيين ج ‪ 2‬ص ‪18-17‬‬

‫‪ - 19‬نفسه ج ‪ 2‬ص ‪29‬‬

‫‪ - 20‬البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪62‬‬

‫‪7‬‬
‫الشعر و يبدي رأيه فيه ‪ ،‬فقد قال مثال في شعر زهير بن أبي سلمى "أنه ال يتبع حوشي الكالم " و " أنه‬
‫‪21‬‬
‫كان ال يُعاظل بين الكالم "‬

‫عرض لرجل معه ثوب ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أتبيع الثوب ؟‬ ‫كذلك كان أبو بكر الصديق ‪ ،‬فمما يروى عنه أيضا أنه َ‬
‫فأجابه ‪:‬ال ‪ ،‬عافاك هللا ‪ .‬و تأذى أبو بكر مما يوهمه ظاهر اللفظ ‪ ،‬إذ قد يُظن أن النفي ُمسلط على‬
‫‪22‬‬ ‫الدعاء‪ ، ،‬فقال له ‪ ":‬لقد علمتم لو كنتم تعلمون ‪ْ ،‬‬
‫قل‪ :‬ال و عافاك هللا "‬

‫بعد انتهاء الخالفة الراشدة بمقتل كل من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬ظهر الخالف الشديد بين‬
‫المسلمين حول والية األمر – وإن كان الخالف بدأ بعد موت الرسول مباشرة ‪ ، -‬طفت على السطح‬
‫الصراعات المذهبية ‪ ،‬و ظهرت األحزاب السياسية ‪ ،‬فكان الشيعة والخوارج و القدرية والمرجئة و‬
‫الجهمية ‪ ،‬وفي مثل هذه األجواء س تزدهر الخطابة و تروج رواجا كاسحا ‪ ،‬فيعمد كل حزب أو فريق إلى‬
‫االستعانة بها كسالح أيديولوجي و إعالمي خطير الستمالة اآلخرين لصفهم و تعبئتهم ‪ ،‬واالنتقاص من‬
‫خصومهم المذهبيين ‪ .‬ولقد ساعدت عوامل كثيرة أخرى على نضج الخطابة ‪ ،‬منها احتدام الجدل بين‬
‫الفرق الدينية ‪ ،‬وتعدد الوفود على الخلفاء والوالة ‪ ،‬وقيام بعض الوعاظ بالخطابة في المساجد ‪ ،‬منذ‬
‫نصبهم معاوية لهذا الغرض ‪ ،‬فأقبل البلغاء على القرآن يحفظونه ويدرسونه ‪ ،‬فنمت الثقافة اللغوية و‬
‫‪23‬‬
‫األدبية في تلك الحقبة ‪ ،‬وعني بحفظ ما خلفه السلف ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن هذه الخالفات السياسية كانت في األصل تحركها دوافع اجتماعية ‪ ،‬اقتصادية أو‬
‫طائفية ‪ ،‬إال أنها وجدت في النص الديني ‪ ،‬بفضل مطاوعة اللغة العربية وانفتاحها ‪ ،‬ما تتخذ منه سندا أو‬
‫غطاء ‪.24‬فصار القرآن ركيزة أساسية لتبرير الخطاب السياسي و مرجعا يستقى منه لضمان المشروعية‬
‫السياسية لهذه األ حزاب التي اتخذت من الخطابة – كما قلنا – سالحها االيديولوجي‪.‬‬

‫نما العقل العربي نموا واسعا منذ بداية العصر األموي ‪ ،‬فكان طبيعيا أن ينمو النظر في بالغة الكالم و‬
‫أن تكثر المالحظات المتصلة بحسن البيان خاصة في مجال الخطابة‪.‬‬

‫ومما ساعد على ازدهار هذا الفن ‪ ،‬أنه كانت تعقد مجالس من أجل التباري في الخطابة وحيازة قصب‬
‫السبق فيها ‪ ،‬وغالبا ما كان يدعى الخطيب إلى االرتجال ليختبر مقدار بيانه ‪ ،‬وقوة جنانه ‪ ،‬وحضور‬
‫بديهته ‪ ،‬ونهوض حجته ‪ .‬و كمثال على سرعة البديهة قول صحار العبدي الذي راع معاوية بخطابته بعد‬
‫أن سأله هذا األخير ‪ :‬ما ت َعُ ُّدونَ البالغةَ فيكم ؟ قال ‪ :‬اإليجاز ‪ ،‬فقال له معاوية ‪ :‬وما اإليجاز؟ ‪ ،‬قال‬
‫‪25‬‬
‫تجيب فال تُبطئ وتقو َل فال ت ُخطئ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ص َحا ُر ‪ :‬أن‬
‫ُ‬

‫‪ - 21‬نقد الشعر ‪ .‬قدامة بن جعفر ص ‪196‬‬

‫‪ - 22‬البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪261‬‬

‫‪ - 23‬فن الخطابة د‪ .‬أحمد الحوفي ص ‪213‬‬

‫‪ - 24‬تكوين العقل العربي الدكتور محمد عابد الجابري ص ‪76-75‬‬

‫‪ - 25‬البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪96‬‬

‫‪8‬‬
‫لقد أحس العربي بسلطة اللغة العربية و اعتبر السلطة التي لها عليه تعبيرا ليس فقط عن قوتها ‪ ،‬بل عن‬
‫قوته هو أيضا ألنه الوحيد الذي يستطيع االستجابة لهذه اللغة واالرتفاع إلى مستوى التعبير البياني الرفيع‬
‫الذي تتميز به ‪ ، 26‬بامتالك آلليات الحجاج و قلب الحقائق ‪ .‬ولقد ذكر الجاحظ قوال لمالك بن دينار في‬
‫حق الحجاج بن يوسف الثقفي ‪ ،‬بعدما ذكر خطبته الرهيبة التي يتوعد فيها أهل العراق ‪ ":‬ربما سمعت‬
‫الحجاج يخطب ‪ ،‬يذكر ما صنعه به أهل العراق و ما صنع بهم ‪ ،‬فيقع في نفسي أنهم يظلمونه و أنه‬
‫صادق ‪ ،‬لبيانه و حسن تخلصه بالحجج ‪ .27‬ويقول عنه أيضا ‪ ":‬ما رأيت أحدا أَ ْبيَنَ من الحجاج ‪ ،‬إن كان‬
‫لَ َي ْرقى المنبر فيذكر إحسانه إلى أهل العراق ‪ ،‬و صفحه عنهم و إساءتهم إليه ‪ ،‬حتى أقول في نفسي ‪ :‬إني‬
‫‪28‬‬
‫ألحسبه صادقا ‪ ،‬وإني ألظنهم ظالمين له "‬

‫ذكر الجاحظ قائمة طويلة لخطباء هذه المرحلة التاريخية ‪ ،‬منهم زياد بن أبيه ‪29‬وهو أحد أشهر والة بني‬
‫أمية ‪ ،‬و سحبان وائل ‪ ، 30‬كما ذكر جملة من خطباء الوعظ و يأتي على رأس القائمة غيالن الدمشقي‬
‫والحسن البصري وواصل بن عطاء ‪ .‬ولشدة إعجاب أدباء العصر العباسي بهؤالء الخطباء ‪ ،‬أن واحدا‬
‫منهم وهو عبيد هللا بن الحسن‪ -‬حسب رواية أبي الحسن المدائني ‪ -‬حين وفد على الخليفة المهدي معزيا‬
‫ومهنئا ‪ ،‬أعد له كالما ‪ ،‬فبلغه أن الناس قد أعجبهم كالمه ‪،‬فقال لشيبة بن شيبة ‪ :‬إني وهللا ما ألتفت إلى‬
‫هؤالء ‪ ،‬ولكن سل لي أبا عبيد هللا الكاتب عنه ‪ ،‬فسأله فقال ‪ :‬ما أحسن ما تكلم به ! على أنه أخذ مواعظ‬
‫الحسن ‪ ،‬ورسائل غيالن ‪ ،‬فلقح بينهما كالما ‪.31‬‬

‫ولم يفت الجاحظ إبداء انبهاره ببالغة واصل بن عطاء و إعجابه بذكائه في التعامل مع اللغة ‪ ،‬وكيف أنه‬
‫ف به ِم ْن فاحش اللثَغ ‪ ،‬لتحققه من أن البيان ال يتم إال بسهولة‬
‫أسقط استعمال الراء في كالمه لما عُ ِر َ‬
‫‪32‬‬
‫المخرج وجهارة المنطق ‪ ،‬وتكميل الحروف و إقامة الوزن ‪.‬‬

‫ساق الجاحظ في بيانه أيضا جردا لما يستحسنه الناس في خطب الخطباء يوم الحفل ‪ ،‬والكالم يوم‬
‫الكالم البها َء والوقار ‪ ،‬والرقة وسلس‬
‫َ‬ ‫ال َجمع وهو أن تكون موشاة بآي القرآن ‪ ،‬ألن ذلك ما يورث‬
‫الموقع‪ .‬ومن طريف ما ساقه من مالحظات الناس ما رواه الهيثم بن عدي عن عمران بن حطان إذ‬
‫ط ْبت ُ َها عند زياد – أو عند زياد‪ -‬فأُعجب ِب َها الناس ‪ ،‬و َ‬
‫ش ِه َدهَا عمي و أبي ‪ ،‬ثم‬ ‫قال ‪ ":‬إن أول خطبة َخ َ‬
‫إني مررت ببعض المجالس ‪ ،‬فسمعت رجال يقول لبعضهم ‪ :‬هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته‬
‫شيء من القرآن " ‪ 33‬؛ كما أبدى خلفاء بني أمية أيضا مالحظاتهم البالغية على شعر الشعراء‪،‬‬

‫‪ - 26‬تكوين العقل العربي ص ‪75‬‬

‫‪ - 27‬البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪394‬‬

‫‪ - 28‬البيان والتبيين ج ‪ 2‬ص ‪269‬‬

‫‪ - 29‬البيان والتبيين ج ‪ 2‬ص ‪65‬‬

‫‪ - 30‬نفسه ج‪ 1‬ص ‪348‬‬

‫‪ - 31‬نفسه ج ‪ 1‬ص ‪295‬‬

‫‪ - 32‬نفسه ج ‪ 1‬ص ‪14‬‬

‫‪ - 33‬البيان والتبيين ج ‪1‬ص ‪114‬‬

‫‪9‬‬
‫بحيث عقدوا المجالس و استمعوا إلى الشعراء و علقوا على بعض ما سمعوه ‪ ،‬ومن ذلك أن عبيد هللا بن‬
‫قيس الرقيات أنشد عبد الملك بن مروان قصيدته التي يقول فيها ‪:‬‬

‫على جبين كأنه الذهب‬ ‫َيأت ِلق التاج فوق َم ْف َرقِه‬

‫فلما سمع عبد الملك ذلك غضب وقال له ‪ :‬قد قلت في مصعب بن الزبير ‪:‬‬

‫ه تجلت عن وجهه الظلماء‬ ‫إنما مصعب شهاب من الل‬

‫فأعطيته المدح بكشف الغم و جالء الظلم ‪ ،‬وأعطيتني من المدح ما ال فخر فيه ‪ ،‬وهو اعتدال التاج فوق‬
‫جبيني الذي هو كالذهب في النضارة ‪ .‬وهذه المالحظة الدقيقة ألهمت قدامة بن جعفر فكرة أن المديح‬
‫‪34‬‬
‫ينبغي أن يكون بالفضائل النفسية ال بأوصاف الجسم وما يتصل بها من الحسن والزينة والبهاء ‪.‬‬

‫وشهد القرن الثاني للهجرة حركة أدبية واسعة ‪ ،‬وكانت الحواضر تتمخض عن نهضة علمية كبيرة ‪،‬‬
‫ورأى هذا القرن كثيرا من تعريفات البالغة من ذلك قول الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ " :‬كل ما أدى إلى‬
‫قضاء الحاجة فهو بالغة ‪ ،‬فإن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقا و لتلك الحال وفقا ‪ ،‬و آخر كالمك‬
‫ألوله مشابها و موارده لمصادره موازنا فافعل "‪ 35‬وقوله ‪ " :‬البالغة كلمة تكشف عن البقية "‪ 36‬وقوله ‪":‬‬
‫البالغة ما قَ ُرب طرفاه و بَعُ َد منتهاه "‪ . 37‬وبدأت الكتب تظهر ومن ذلك كتاب " المعاني " ل ُمؤ ِرج‬
‫السدوسي ‪38‬و كتاب الفصاحة ألبي حاتم السجستاني‪ 39‬و غيرها ‪.‬‬

‫تطور البالغة في هذا القرن يرجع إلى تطور النثر والشعر مع تطور الحياة العقلية والحضارية ‪، ،‬ومنها‬
‫ما يعود إلى نشوء طائفتين من المعلمين ‪ ،‬عنيت إحداهما باللغة والشعر ‪ ،‬وعنيت األخرى بالخطابة‬
‫والمناظرة و إحكام األدلة ودقة التعبير و روعته ‪ .40‬إن تطور الشعر والنثر في العصر العباسي األول‬
‫يعود باألساس إلى الفرس والموالي الذين برعوا في اللغة العربية و تفننوا في أساليبها واتخذوها وسيلتهم‬
‫للتعبير بها عن عقولهم و مشاعرهم ‪ .‬فظهر النثر العلمي الخالص ‪ ،‬فمنه األدبي ‪ ،‬ومنه السياسي ومنه‬
‫الفلسفي ‪ .‬وعرفت حركة الترجمة أوجها في هذه المرحلة ‪ ،‬فتُرجمت كتب األدب الفارسي مثل كليلة‬
‫ودمنة و ترجمت أجزاء من أعمال أرسطو و على رأسها كتبه في المنطق المعروفة باألرغانون ‪،‬‬
‫وأسست دار الحكمة ‪ ،‬و عكف المترجمون من السريان و اليونان و األرمن والفرس و الهنود على‬
‫ترجمة تراثهم الح ضاري و نقله إلى اللغة العربية ‪ ،‬ومن بين النصوص الهامة التي نقلت الى العربية‬

‫‪ - 34‬يُنظر فيه كتاب نقد الشعر لقدامة ص ‪ 214‬و كتاب الصناعتين ألبي هالل العسكري ص ‪98‬‬

‫‪- 35‬طبقات فحول الشعراء ابن سالم الجمحي تحقيق محمود شاكر ‪ .‬القاهرة ‪1974‬‬

‫‪ - 36‬الطراز ‪ .‬يحيى بن حمزة العلوي ‪ ،‬القاهرة ‪1914‬‬

‫‪ - 37‬عبد القاهر الجرجاني – بالغته و نقده‪ -‬الدكتور أحمد مطلوب ‪ .‬بيروت ‪1973‬‬

‫‪ - 38‬انظر وفيات األعيان البن خلكان تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت ‪ 1977‬ج ‪ 5‬ص ‪304‬‬

‫‪ - 39‬أبو حاتم السجستاني عالم اللغة والقراءات من مشاهير علماء البصرة ‪ ،‬أخذ عن األصمعي ‪ .‬من تالمذته المبرد وابن دريد ‪،‬من أهم مؤلفاته‬
‫إعراب القرآن ‪ ،‬كتاب اإلدغام ‪ ،‬الفصاحة ‪ ،‬المذكر والمؤنث ‪ ،‬المقصور والممدود ‪ ،‬اختالف المصاحف ‪ ،‬غريب القرآن وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪ - 40‬البالغة تطور وتاريخ د‪ .‬شوقي ضيف ص ‪ 19‬طبعة دار المعارف الطبعة الثالثة ‪1965‬‬

‫‪10‬‬
‫أجزاء من البالغة عند الهنود والفرس واليونان ‪ .‬ورغم إصرار الجاحظ على أن البالغة هي شأن‬
‫عربي خالص لم يُسبق إليه ‪ ،‬حين قال في موضع من البيان والتبيين أن " البديع " وهو لفظ كان يطلق‬
‫لذلك العهد على وجوه البالغة كلها ‪ ،‬هو شأن خاص بالعرب مقصور عليهم ‪ ،‬وأن سواهم من شعوب‬
‫األرض كان يجهله جهال مطلقا ‪ ،41‬وأن اليونان لم يظهر فيهم من يستحق أن يسمى خطيبا ‪ ،‬رغم‬
‫زعامتهم في علم الفلسفة ؛ وأن "أرسطو بكئ اللسان غير موصوف بالبيان مع علمه بتمييز الكالم و‬
‫تفصيله ومعانيه و خصائصه" ثم يقول ‪ ":‬وهم يزعمون أن جالينوس كان أنطق الناس ‪ ،‬ولم يذكروه‬
‫بالخطابة وال بهذا الجنس من البالغة "‪42‬؛ إال أنه ما لبث أن ذكر في الجزء األول من كتابه السابق‬
‫الذكر تصورات "األعاجم" عن البالغة حين قال ‪ ":‬قيل للفارسي ‪ :‬ما البالغة؟ قال ‪ :‬معرفة الفصل من‬
‫الوصل‪ .‬وقيل لليوناني ‪ :‬ما البالغة ؟ قال ‪ :‬تصحيح األقسام و اختيار الكالم ‪ .‬وقيل للرومي ‪ :‬ما البالغة؟‬
‫قال ‪ :‬حسن االقتضاب عند البداهة ‪ ،‬والغزارة يوم اإلطالة ‪ .‬وقيل للهندي ‪ :‬ما البالغة؟ قال ‪ :‬وضوح‬
‫البصر بالحجة ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الداللة و انتهاز الفرصة و حسن اإلشارة ‪ .‬وقال بعض أهل الهند ‪ُ :‬جماع البالغة‬
‫والمعرفة بمواضع الفرصة ‪ .‬ثم قال ‪ :‬ومن البصر بالحجة ‪ ،‬والمعرفة بمواضع الفرصة ‪ ،‬أن تدع‬
‫أوعر طريقة ‪ .‬وربما كان اإلضراب عنها صفحا أبل َغ‬ ‫َ‬ ‫اإلفصاح بها إلى الكناية عنها ‪ ،‬إذا كان اإلفصاح‬
‫في الد َرك ‪ ،‬وأحق بالظفر ‪ .‬قال ‪ :‬وقال مرة ‪ :‬جماع البالغة التماس حسن الموقع ‪ ،‬والمعرفة بساعات‬
‫غ ُمض ‪ ،‬وبما ش ََرد عليك من اللفظ أو تعذ َر ‪.43‬‬
‫الخَرق بما التبس من المعاني أو َ‬
‫َ‬ ‫القول ‪ ،‬وقلة‬

‫ويسوق الجاحظ رواية عن بالغة الهند قوال عن معمر ‪ ،‬أبو األشعث حين ت َ َوج َه هذا األخير بالسؤال ل َب ْهلَة‬
‫ب يحيى بن خالد أطباء الهند ‪ ،‬مثل َم ْن َكة و با َ‪ْ .‬ي َك ْر و قِ ْلبِ َر ْقلو و ِس ْن ِدبَا ْذ وفالن وفالن ‪ :‬ما‬
‫أيام اجْ ت َ َل َ‬
‫الهندي َ‬
‫البالغة عند الهند ؟ قال بَ ْهلَة ‪ :‬عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة ‪ ،‬ولكن ال أُحسن ترجمتها لك ‪ ،‬ولم أعالج‬
‫هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها ‪ ،‬وتلخيص لطائف معانيها ‪.‬‬

‫قال أبو األشعث ‪ :‬فلقيتُ بتلك الصحيفة التراجمة فإذا فيها ‪ :‬أول البالغة اجتماع آلة البالغة ‪ .‬وذلك أن‬
‫ط الجأش ‪ ،‬ساكن الجوارح ‪ ،‬قليل اللحظ ‪ ،‬متخير اللفظ ‪ ،‬ال يكلم سيد األ َمة بكالم األ َ َمة‬ ‫الخطيب راب َ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫سوقة ‪ .‬ويكونَ في قُواه فضل التصرف في كل طبقة ‪ ،‬وال يدقق المعاني كل التدقيق‬ ‫وال الملوك بكالم ال ُّ‬
‫صفيها كل التصفية ‪ ،‬وال يهذبها غاية التهذيب ‪ ،‬وال يفع َل ذلك حتى‬ ‫‪ ،‬وال ينقح األلفاظ كل التنقيح ‪ ،‬وال يُ َ‬
‫صادف حكيما ‪ ،‬أو فيلسوفا عليما ‪ ،‬ومن قد تعود حذف فضول الكالم ‪ ،‬وإسقاط مشتركات األلفاظ ‪ ،‬وقد‬ ‫َ‬ ‫يُ‬
‫نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة ‪ ،‬ال على جهة االعتراض والتصفح ‪ ،‬وعلى وجه‬
‫حق المعنى أن يكون االسم له ِطبقا ‪ ،‬وتلك الحال له َو ْفقا ‪،‬‬ ‫التظرف ‪ .‬قال ‪ :‬ومن ِع ْل ِم ِ‬ ‫ُّ‬ ‫االستطراف و‬
‫مضمنا ‪ ،‬ويكونَ مع ذلك ذاكرا‬ ‫ِ‬ ‫مقصرا ‪ ،‬وال مشتركا ‪ ،‬وال‬ ‫ويكون االسم له ال فاضال وال مفضوال ‪ ،‬وال ِ‬
‫عقَ َد عليه أول كالمه ‪ ،‬ويكون تصفحه لمصادره ‪ ،‬في وزن تصفحه لموارده ‪ ،‬ويكونَ لفظه مو ِنقا ‪،‬‬ ‫لما َ‬
‫و ِل َهول تلك المقامات معاودا ‪ .‬ومدار األمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم ‪ ،‬والحمل عليهم على أقدار‬
‫ف معه أداته ‪ ،‬ويكون في التهمة لنفسه معتدال ‪ ،‬وفي حسن الظن بها‬ ‫منازلهم ‪ ،‬وأن تُواتيه آالت ُه ‪ ،‬وتتصر َ‬
‫ع َها ذِلة المظلومين‪ ،‬وإن تجاوز الحق‬ ‫مقتصدا ؛ فإنه إن تجاوز مقدار الحق في التُّهمة لنفسه ظلمها ‪ ،‬فأ َ ْو َد َ‬

‫‪ - 41‬البيان و التبيين ج ‪ 3‬ص ‪212‬‬

‫‪ - 42‬البيان والتبيين ج‪ 3‬ص ‪12‬‬

‫‪ - 43‬البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪88‬‬

‫‪11‬‬
‫في مقدار ُحسن الظن بها ‪ ،‬آ َمنَ َها فأودعها تهاونَ اآلمنين ‪ .‬ولكل ذلك مقدار من الشغل ‪ ،‬ولكل شغل مقدار‬
‫من الوهن ‪ ،‬ولكل وهن مقدار من الجهل ‪. 44‬‬

‫هذه المعرفة العامة ب بالغة الهند التي ال تكاد تتجاوز مجموعة إرشادات ال قواعد أساسية في البالغة‪ ،‬ال‬
‫يمكن سحبها على معرفة العرب ببالغة اليونان وخاصة كتب المعلم األول أرسطو‪ ،‬وكتابه "الخطابة‬
‫‪"45‬أو ريطوريقا ضمن مجموعة األورغانون ‪ .‬وكما هو معلوم ‪ ،‬هذا الكتاب دخل إلى التراث العربي‬
‫قرابة القرن الثالث الهجري‪ ،‬و قد تحدث عنه ابن النديم في " الفهرست" ‪ ،‬حين ذكر ناقلَه الى العربية‬
‫وهو إسحاق بن حنين ‪ ،‬ثم نقله ابراهيم بن عبد هللا الكاتب النصراني ‪ ،‬وفسره الفارابي ‪ ،‬وقد اطلع عليه‬
‫ابن النديم الذي وصفه بأنه نحو مائة ورقة حسب خط أحمد بن الطيب ‪. 46‬وإذا شكك الدكتور طه حسين‬
‫‪ 47‬في معرفة الجاحظ بأرسطو و بكتابه الخطابة ‪ ،‬وأنه ال يكاد يعرف سوى تعريفه المشهور" اإلنسان‬
‫حي ناطق" ‪ ،‬فهذا ال يقف حجة على عدم تأثير أرسطو في تصور البالغة على أول مؤسس للبالغة‬
‫العربية ‪ ،‬إذا علمنا أن شخصية الجاحظ البيانية تكاد تكون منعدمة في كتابه البيان والتبيين ‪ ،‬لكنها‬
‫حاضرة في مؤلفاته األخرى التي ال عالقة مباشرة لها مع البالغة مثل كتاب الحيوان‪ .48‬و الجاحظ من‬
‫أكثر العلماء تأثرا بأرسطو ‪ ،‬وأقرب المؤلفين صلة باليونان و بالغتهم و كتبهم‪ ،‬وعلى رأسها كتب المعلم‬
‫األول ‪ ،‬ر غم إصرار مجموعة من الباحثين على أطروحة خلو بيان الجاحظ من بالغة اليونان ‪.‬‬

‫لقد عني العرب منذ القرن الثاني بصناعة الكالم عناية شديدة ‪ ،‬ومرد ذلك صراع األحزاب السياسية التي‬
‫تكونت في اثنين من كبريات الحواضر اإلسالمية لذلك العهد ‪ ،‬وهما البصرة والكوفة‪،‬نتج عنه تحول إلى‬
‫عقيدة نظرية ‪ ،‬ثم ظهور حركة فكرية بالمساجد التي تحولت إلى مدارس يؤمها علماء قرعت إليهم النعال‬
‫لمعرفة علوم اللغة والنحو والحديث و الفقه وعلم الكالم و أخبار السير و التاريخ و المغازي و علم‬
‫التاريخ و علم األديان‪ .‬و جلس إلى هؤالء العلماء األفذاذ جماعات من الناس ‪ ،‬فيهم اليهودي و النصراني‬
‫ومن هو على عقيدة الصابئة المندائية‪،‬أو من اليعاقبة أو النساطرة ‪ ،‬أو من الفرس أتباع زرادشت ‪،‬‬
‫و الزنادقة و المزادكة و طوائف المسلمين ‪ ،‬من شيعة ومعتزلة و قدرية و مرجئة و معطلة وغيرهم ‪،‬‬
‫بل و فسح المجال أيضا للمالحدة ليدلوا بدلوهم في هذه الحركة الجديدة ‪ .‬وأ ُ ِس َ‬
‫س للجدل والمناظرة ‪ ،‬و ال‬
‫شك أن من يتصدى لهما عليه أن يكون موفور الحظ من وضوح العبارة ‪ ،‬وظهور الحجة ‪ ،‬وخفة الروح‬
‫‪ ،‬والقدرة على اإلفهام‪ ،‬والخلو من العيوب التي تعيق الخطابة سواء من حيث الكالم ‪ ،‬أو من حيث الهيئة‬
‫واإلشارة‪.‬‬

‫‪ - 44‬نفسه ج ‪ 1‬ص ‪93-92‬‬

‫‪ - 45‬انظر تلخيص الخطابة البن رشد ‪ .‬حققه وقدم له د‪ .‬عبد الرحمن بدوي ‪ .‬الناشر وكالة المطبوعات للكويت ودار القلم بيروت ‪1959 .‬م‬

‫‪ - 46‬الفهرست ‪ .‬ابن النديم المجلد الثاني ص ‪ . 165-164‬قابله على أصله ‪،‬أيمن فؤاد سيد‪ .‬لندن ‪،‬مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي‪ .‬نسخة‬
‫مؤرشفة عن األصل ‪.Archived from the original‬‬

‫‪ - 47‬انظر مقدمة كتاب البرهان في وجوه البيان إلسحاق بن ابراهيم بن سليمان بن وهب‪ .‬تحت عنوان ‪ :‬تمهيد في البيان العربي للدكتور طه‬
‫حسين ص ‪ . 3‬والكتاب نسب خطأ إلى قدامة بن جعفر و أعطي عنوانا خاطئا بدو ره ورد على الشكل التالي ‪ :‬نقد النثر ‪.‬‬

‫‪ - 48‬انظر كتاب الحيوان للجاحظ ‪ ،‬ويقع في عشرة أجزاء ‪ .‬قام بشرحه و تحقيقه الدكتور عبد السالم محمد هارون ‪ .‬الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪1384‬ه‪1965/‬م‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ونحن نذكر الجدل و الخطاب السجالي السائد في هذه المرحلة ‪ ،‬ال تفوتنا اإلشارة إلى أول مؤسسي‬
‫البالغة العربية ومؤثلي أصولها ‪ ،‬وهم فرقة المعتزلة الذين أسسوا للدرس البالغي ‪ ،‬وسخروا البالغة‬
‫لصالح مذهبهم ومبادئهم ؛ كما عُرف ذلك مع الجاحظ وعمرو بن عبيد‪ 49‬و بشر بن المعتمر صاحب‬
‫الصحيفة المشهورة باسمه‪ ،50‬وهؤالء من أوائل الفرقة الكالمية ‪ ،‬ثم مع الرماني‪ 51‬والقاضي عبد‬
‫الجبار‪ 52‬وهما من يمثل مرحلة االرتقاء داخل الفرقة‪،‬إلى أن ازدهرت وبلغت شأوا بعيدا من النضج‬
‫والنمو مع أعمال الزمخشري‪ 53‬وجهوده في الدرس البالغي ‪ ،‬وخاصة في عمليه " أساس البالغة" و‬
‫تفسيره القائم على الرأي والمعروف ب"الكشاف" ‪.‬‬

‫والمعروف على المعتزلة أنهم كانوا جهابذة الفصاحة العربية غير مدافعين ‪ ،‬و أكثر العلماء المسلمين‬
‫تأثرا بالفكر اليوناني ‪ ،‬و أكبرهم معرفة ببيانه ‪،‬كما كانوا من أشد المدافعين عن القرآن و أعتى‬
‫العلماء على طبقات الملحدين و المشككين في صدقية الدعوة اإلسالمية ‪.‬وألجل ذلك برعوا في طرائق‬
‫القول و أسسوا لمسائل البالغة و قضايا البيان محاولة منهم للرد عليهم و مقارعة الحجة بالحجة و تفنيد‬
‫القول بالدليل القاطع و االستدالل الصحيح ‪ ،‬ولهذا احتاجوا إلى الفلسفة اليونانية وإلى منطق أرسطو ‪.‬‬

‫‪ - 49‬انظر فيه تاريخ بغداد ج ‪ 14‬ص ‪ 83‬ترجمة ‪ 6652‬و أنساب األشراف للبالذري ج‪ 4‬ص ‪ ، 234‬و مروج الذهب للمسعودي ج‪ 2‬ص ‪288‬‬
‫ووفيات األعيان البن خلكان ‪ ،‬وعيون األخبار ج‪ 1‬ص ‪، 308‬والكامل البن األثير ص ‪546‬ج ‪ 1‬وذكره الجاحظ بالبيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪ 114‬و‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ . 23‬توفي بمران عام ‪144‬ه ورثاه الخليفة المنصور العباسي ‪.‬‬

‫‪ - 50‬انظر فيه الصحيفة التي نقلها عنه الجاحظ في البيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪ . 135‬وبشر بن المعتمر ‪ ،‬صاحب البشرية ‪ ،‬انتهت إليه رياسة‬
‫المعتزلة ببغداد ‪ ،‬توفي عام ‪210‬ه ‪ :‬لسان الميزان ج‪ 2‬ص ‪ 33‬والملل والنحل ج ‪ 1‬ص ‪ ، 81‬المواقف ‪ 622‬و مفاتيح العلوم ‪ ، 19‬والفرق بين‬
‫الفرق ‪ 141‬و اعتقادات الرازي ‪ 42‬والحيوان لجاحظ ج ‪297 -6 248‬‬

‫‪ - 51‬أبو الحسن الرماني علي بن عيسى بن عبد هللا الرماني ‪296‬ه‪ 384 -‬ه ‪ ،‬هو مفسر و متكلم معتزلي و نحوي متبحر في علوم اللغة والفقه‬
‫والكالم و الفلك ‪ ،‬ألف قرابة مائة كتاب ‪ ،‬عاصر أبي علي السيرافي وأبي علي الفارسي ‪ ،‬له الجامع في القرآن ‪ ،‬وشرح سيبويه وشرح األصول‬
‫ألبي بكر السراج و شرح الموجز للسراج أيضا و شرح الجمل له ‪ ،‬واالشتقاق الكبير واالشتقاق المستخرج و الحروف و االيجاز و المبتدأ في‬
‫النحو و الخالف بين النحويين و شرح مسائل األخفش الكبير والصغير ‪ ،‬والخالف بين سيبويه والمبرد ونكت سيبويه و" جوامع العلم في‬
‫التوحيد"أدب الجدل و أصول الجدل و الرد على الدهرية و أدلة التوحيد و المعرفة و الصفات والعلوم وغيرها كثير ‪ .‬وكان يمزج النحو‬
‫بالمنطق‪ ،‬من أشهر تالميذه أبو حيان التوحيدي ‪ .‬انظر فيه نزهة األلباب في طبقات األدباء ألبي البركات األنباري تحقيق إبراهيم السامرائي‬
‫منشورات مكتبة المنار ط ‪ 1985 3‬مجلد ‪ 1‬ص ‪ 235-233‬و األعالم للزركلي المجلد ‪ 6‬ط الخامسة ‪ 2002‬ص ‪ 317‬و تاريخ العلماء النحويين‬
‫تحقيق عبد الفتاح الحلو ‪ .‬هجر للطباعة والنشر القاهرة ط ‪ 1992‬ص ‪ 31-30‬و معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة دار إحياء التراث العربي‬
‫بيروت المجلد السابع ص ‪.162‬‬

‫‪ - 52‬عبد الجبار ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل ‪ ،‬من شيوخ المعتزلة ويلقب بقاضي القضاة ‪ ،‬له تصانيف كثيرة أشهرها المغني في‬
‫أبواب التوحيد والعدل ويقع في عشرين جزءا ‪ ،‬وهو مما أماله على تالميذه و لم يكتبه ببنانه ‪ ،‬ضاعت منه أجزاء كثيرة ‪ ،‬وعثر منه حتى اآلن‬
‫على ‪ 14‬جزءا ‪ ،‬واألجزاء المطبوعة هي ‪ . 20 -17-16-15 -14-13-12-11-8-7-6-5-4‬عثرت البعثة المصرية على أجزائه باليمن عام ‪---‬‬
‫‪ ، 1952‬والجزء األخير من الكتاب يختص باإلمامة وهو الذي نقضه الشيخ المرتضى و أسماه الشافي و طبع في مجلد كبير ‪ ،‬ولخصه الشيخ‬
‫الط وسي و أسماه تلخيص الشافي طبع في جزئين ‪ .‬انظر فيه سير أعالم النبالء الطبقة ‪ 22‬ج ‪ 17‬ص ‪ 245‬تثبيت دالئل النبوة وهو ترجمة للقاضي‬
‫عبد الجبار من تأليفه دار المصطفى شبرا ‪ ، 2010‬بحوث في الملل والنحل آلية هللا الشيخ جعفر السبحاني ج ‪ 3‬ص ‪ 270 -263‬والملل والنحل‬
‫للشهرستاني ‪.‬‬

‫‪ - 53‬جار هللا أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة واآلداب ومن كبار علماء‬
‫المعتزلة ولد في زمخشر سنة ‪467‬ه وتوفي عام ‪538‬ه ‪ .‬من مؤلفاته في اللغة والبالغة كتاب ‪ :‬أساس البالغة و المستقصى في المثال ‪ ،‬و الفائق‬
‫في غريب الحديث ‪ ،‬ومقدمة األدب و هو قاموس من العربية للفارسية‪ ،‬و القسطاس في علم العروض ‪،‬و المفصل في صناعة اإلعراب ‪ ،‬أما أشهر‬
‫تفاسيره وهو التفسير المعروف بالكشاف ‪ .‬ويظل عماله "أساس البالغة" و "الكشاف" من أنفس ما كتب جار هللا الزمخشري ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يقول الدكتور طه حسين ‪ ":‬لقد أنشأ متكلمو المعتزلة هذا البيان ‪ ،‬إن صح هذا التعبير ‪ ،‬وتعهدوه ‪ ،‬وقلما‬
‫كان يفلت من بين أيديهم ‪ .‬وقد بقي أقرب إلى األدب منه إلى الفلسفة ما بقي أولئك المتكلمون يدرسون‬
‫األدب العربي و ينهلون من موارده العذبة ‪ .‬فلما أصبحوا أكثر اشتغاال بالفلسفة منهم باألدب ‪ ،‬أصبح‬
‫بيانهم أقرب إلى الفلسفة منه إلى األدب ؛ ولذلك لم يكن عبد القاهر الجرجاني عندما وضع في القرن‬
‫الخامس كتاب( أسرار البالغة ) المعتبرة غرة كتب البيان العربي إال فيلسوفا يجيد شرح أرسطو‬
‫والتعليق عليه "‪ . 54‬وفعال ساهم اشتغال المعتزلة بالفلسفة وبعلم الكالم في تجاوزهم لمالحظات اللغويين‬
‫الظاهرية التي ال تتعمق في المعاني ‪ ،‬وال تكشف عما وراء اللفظ من داللة ‪ ،‬فاتجهوا إلى دراسة‬
‫األسلوب ؛ فكانوا بذلك أقدر الناس على تفهم دقائق "النظم" ‪ ،‬وأعلمهم بمستويات الفصاحة والبيان ‪،‬‬
‫لتنوع ثقافتهم ‪ ،‬فكانوا بحق أول من وضع قواعد البالغة و أول من بسط مباحثها المنهجية ‪.‬‬

‫ولعل خير ما أثر عن المعتزلة في البالغة حتى أوائل القرن الثالث صحيفة بشر بن المعتمر المتوفى عام‬
‫‪210‬ه ‪ ،‬وكما أشرنا إلى ذلك سابقا ‪ ،‬فقد رواها الجاحظ في البيان والتبيين تامة غير منقوصة‪.55‬‬

‫لقد أولى المعتزلة البالغة عناية خاصة ‪ ،‬ورأوا فيها وجها قويا من وجوه فهم اإلعجاز القرآني ‪ ،‬ألنهم‬
‫كانوا يرون بأن القرآن نزل على أهل البالغة و الفصاحة ‪ ،‬فإذا ببالغة هذا الكتاب تقطع قول كل بليغ ‪،‬‬
‫وفصاحته تربو على فصاحة كل فصيح‪ .‬وعليه يتركز الجهد البالغي للمعتزلة في البحث عن إعجاز‬
‫القرآن ‪ ،‬علما أنهم اعتبروا بالغة القرآن من جنس البالغة البشرية ‪ ،‬وإن كانت في الطبقة العليا ‪،‬انطالقا‬
‫من دراستهم لطبقات البالغة‪ 56 .‬لهذا اعتبر المعتزلة البالغة المعجزة هي تلك التي يكون أساسها اإلبانة‬
‫ثم اإلمتاع ‪ ،‬وهذه الخاصية هي أساس اإلعجاز البالغي للكتاب المقدس ( القرآن)‪.‬‬

‫ففي تفسير قوله تعالى ‪ " :‬طسم‪.‬تلك آيات الكتاب المبين" يقول الزمخشري ‪:‬الكتاب المبين ‪ :‬الظاهر‬
‫إعجازه و صحة أنه من عند هللا ‪ ،‬والمراد به السورة أو القرآن ‪ ،‬والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف‬
‫المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين"‪ . 57‬لقد ربط الزمخشري بين معنى اإلبانة وما يتطلبه من اإلظهار‬
‫والتبيين و التوضيح و بين اإلعجاز ‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس اعتبر الرماني "البيان" أحد الوجوه التي يظهر من خاللها إعجاز القرآن ‪ ،‬وعليه‬
‫يعرف البيان على الشكل التالي ‪ ":‬اإلحضار لما يظهر به تميز الشيء من غيره في اإلدراك " ‪، 58‬‬
‫ويرى الرماني أيضا " بأن القرآن كله في نهاية حسن البيان"‪ . 59‬أي أن القرآن حاز التفوق لفظا ومعنى‬
‫وصورة ‪ ،‬وهو ألجل كل هذا معجز ‪ .‬وبرها ن إعجازه هو خاصية لغته العربية‪ ،‬والقرآن في حد ذاته‬

‫‪ - 54‬من مقدمة كتاب نقد النثر المنسوب خطأ إلى قدامة بن جعفر ‪ ،‬تحت عنوان ‪ ":‬تمهيد في البيان العربي " ص ‪14‬‬

‫‪ - 55‬البيان والتبيين ج ‪1‬ص ‪135‬‬

‫‪ - 56‬انظر الكشاف للزمخشري ج ‪ 2‬ص ‪ 440‬و المغني للقاضي عبد الجبار ج ‪ 15‬ص ‪187‬و ‪ ،204‬والبيان والتبيين ج ‪ 1‬ص ‪ 75‬و ‪ ،113‬و‬
‫‪.161‬‬

‫‪ - 57‬الكشاف ج ‪2‬ص ‪440‬‬

‫‪ - 58‬الرماني ‪ :‬النكت في إعجاز القرآن ص ‪69‬‬

‫‪ - 59‬نفسه ص‪99‬‬

‫‪14‬‬
‫نزل على قوم صناعتهم البالغة ‪ ،‬لهذا تحداهم أن يأتوا بمثل بيانه وبالغته‪ ،‬وعليه تكون عربية للقرآن‬
‫هي مقياس اإلبانة التي وقع فيها التحدي ‪.‬وإذا كانت اإلبانة هي األساس البالغي األول عند المعتزلة في‬
‫دراسة اإلعجاز القرآني ‪ ،‬إال أن هناك أساس ثاني يتداخل معها ‪ ،‬بحيث ال يمكن فصلها عنه ‪ ،‬وهو ما‬
‫كان يعرف عندهم ب"حسن األداء" الذي جعله الرماني قسيم اإلبانة لتحقيق البالغة ‪ ،‬عندما يعرفها‬
‫بأنها" إيصال المعنى إلى القلب في حسن صورة من اللفظ"‪. 60‬‬

‫والرماني بهذا التعريف للبالغة يقرر أن للبالغة أساسين ‪ :‬أولهما (إيصال المعنى) وهو اإلبانة ‪ ،‬والثاني‬
‫(حسن صورة اللفظ ) ويعني به حسن األداء أو جودة الصياغة‪ .‬ويعادل الرماني بين اللفظ الجميل‬
‫والمعنى الجميل في تحقق البالغة ‪ ،‬وال يقدم اللفظ على المعنى " ليست البالغة بتحقيق اللفظ على‬
‫المعنى ‪ ،‬ألنه قد يحقق اللفظ على المعنى ‪ ،‬وهو غث مستكره ‪ ،‬ونافر متكلف "‪. 61‬‬

‫يظهر من هذه التعريفات لبالغة القرآن عند المعتزلة أنها هي نفسها األسس البالغية لكالم البشر ‪ ،‬وأن‬
‫معايير الجمال في النص القرآني لفظا ومعنى وصورة هي ذاتها معايير الجمال في أي نص أدبي ‪،‬ويمتح‬
‫هذا التصور من األصول النظرية لإلعتزال والتي تقوم على القول بنظرية " خلق القرآن" و التي تعد‬
‫أحد الركائز الخمسة لعقيدتهم‪ .‬لهذا اعتبر القاضي عبد الجبار أن كالم هللا " من جنس الكالم المعقول في‬
‫الشاهد" ‪.62‬‬

‫ويستعمل المعتزلة المبدأ الثاني في عقيدتهم الكالمية وهي نظرية العدل اإللهي ‪ ،‬في مناقشة قضية‬
‫اإلعجاز القرآني وتحدي القرآن البشر على أن يأتوا بمثل آياته ‪ .‬يرى الزمخشري على أنه إذا كان هللا‬
‫سبحانه وتعالى قد تحدى الناس أن يأتوا بمثل القرآن فإنه من العدل أن يكون الناس قدروا على مثله ‪،‬‬
‫وإال فهو كلفهم أن يأتوا بمثله مع عدم دخول ذلك في نطاق قدرتهم ‪ ،‬لكان ذلك تكليفا بما ال يُق َدرعليه ‪،‬‬
‫وهو يخالف أصل العدل ‪ ،63‬وعليه تكون بالغة القرآن من جنس ما يُق َدر عليه ‪ ،‬إال أنها من طبقة عليا‬
‫من طبقات البالغة كماعرفها الرماني ‪.‬‬

‫لقد أعطى المعتزلة قيمة كبيرة للفظ (األداء) على حساب المعنى ‪ ،‬وذلك لدعم اإلعجاز القرآني ‪ ،‬وهذا‬
‫يتفق مع مذهبيتهم الكالمية ‪ ،‬ألنهم كانوا مضطرين للقول بذلك خدمة للقرآن وضدا على من كان يطعن‬
‫فيه وال يعترف بفضل المعاني فيه ‪ ،‬ألن هذه المعاني يستوي فيها الشاعر والكاتب و العالم و كاتب‬
‫الحكمة ‪ ،‬لهذا قال الجاحظ أن القرآن معجز في نظمه و تأليفه ‪ ،‬وأن الفضل للشكل دون أن يقصد الحط‬
‫من قدر المعاني أو التنكر لها‪ . 64‬وتعبر عن هذا الرأي جملة الجاحظ الشهيرة ‪ " :‬المعاني مطروحة في‬
‫الطريق ‪ ،‬يعرفها العجمي و العربي والبدوي والقروي ‪ ،‬و إنما الشأن في إقامة الوزن ‪ ،‬وتخير اللفظ ‪،‬‬

‫‪ - 60‬نفسه ص ‪69‬‬

‫‪ - 61‬نفس الكتاب ونفس الصفحة ‪.‬‬

‫‪ - 62‬المغني في أبواب التوحيد والعدل ‪ .‬القاضي عبد الجبار ج ‪ 7‬ص ‪23‬‬

‫‪ - 63‬نفسه ج ‪ 15‬ص ‪187‬‬

‫‪ - 64‬التراث النقدي والبالغي للمعتزلة ‪ .‬د‪ .‬وليد قصاب ص ‪397‬‬

‫‪15‬‬
‫وسهولة المخرج ‪ ،‬وكثرة الماء ‪ ،‬وفي صحة الطبع‪ ،‬وجودة السبك ‪،‬فإنما الشعر صناعة وضرب من‬
‫‪65‬‬
‫النسج و جنس من التصوير"‬

‫يمثل ارتباط علم الكالم االعتزالي بالفلسفة اليونانية أحد أنضج الصور في تقدم التنظير البالغي عند‬
‫العرب ‪ .‬والشك أن تأثير الفلسفة على منظري البالغة في هذا العصر‪ -‬و جلهم من المعتزلة‪ -‬كان‬
‫ِل َي ْلقَى معارضة شديدة من قبل دعاة البالغة العربية الخالصة ‪ ،‬رغم محاولة الجاحظ المزاوجة بين‬
‫األصيل و الدخيل ‪ .‬ولقد تجلى هذا الصراع بوضوح عند طائفة الشعراء في ذلكم الصراع التاريخي‬
‫بين أنصار القديم و يمثله البحتري‪ ،‬وأنصار الجديد الذي يمثله أبو تمام المسرف في استعمال البديع و‬
‫االستعارة البعيدة و فلسفي الكالم ‪ ،‬وأصدق بيت شعري يمثل هذه الحالة قول البحتري ‪:‬‬

‫والشعر يُغني عن صدقه كذبهْ‬ ‫كل ْفتمونا حدو َد منط____قكم‬

‫سبب ْه‬ ‫منطق ما نوعه وما‬ ‫ولم يكن ذو القروح يلهج بال‬

‫كذلك تفرق ال ُكت اب على نفس الطريقة التي توزع عليها الشعراء ‪ ،‬فكان هناك كتاب حافظوا على الطريقة‬
‫القديمة في الكتابة ‪ ،‬وكان هناك آخرون بالغوا في التفلسف و تعمقوا في معانيهم و أخيلتهم ‪ ،‬و أهملوا‬
‫التثقف بأساليب العربية ووجوه استخدامها ‪ ،‬مما جعل ابن قتيبة ينعى عليهم في كتابه "أدب الكاتب"‬
‫إهمالهم النظر في اللغة و تعلقهم بالفلسفة و المنطق و علم النجوم والحديث عن الكون و الفساد و سمع‬
‫الكيان و الكيفية و الكمية و الجوهر و العرض و رأس الخط النقطة و النقطة ال تنقسم ‪.66‬‬

‫لهذا نتفهم دعوة الجاحظ إلى الوقوف موقف الوسط بين هذين المذهبين المتعارضين‪ ،‬فال هو يسرف‬
‫في التجديد وال هو يسرف في المحافظة ‪،‬وذلك بتكييف البالغة اليونانية مع روح البالغة العربية و‬
‫خصائصها الذاتية ‪.‬‬

‫ورغم الخصومة بين الطرفين ‪ :‬دعاة المحافظة من جهة و دعاة استعمال الفلسفة و اآلراء البالغية‬
‫األرسطية ‪ ،‬إال أن هذا أسفر عن نشاط بالغي ثر ‪ ،‬فلقد عكف دعاة الفلسفة على نقل بعض مختصرات‬
‫أرسطو في الخطابة والشعر ‪ ،‬رغم أنهم لم يفهموا من أرسطو إال ما قاله في" العبارة "‪ ،‬ولم يلحظوا أي‬
‫فارق بين ما هو( شعر) وما هو خطابة ‪ ،‬وكل ما يفرق عندهم بين الشعر والنثر إنما هو الوزن والقافية‪.‬‬
‫ولما كان لهذين علم خاص هو العروض فقد أصبح النثر والشعر عندهم متساوي الخط من (العبارة) فما‬
‫يقولونه عن أحدهما يقولونه عن اآلخر ؛ وقواعد البالغة التي يطبقونها على النثر ‪ ،‬تنطبق عندهم على‬
‫‪67‬‬
‫الشعر ‪ ،‬وإن يكن ثم فارق ‪ ،‬فهو في الواقع أمر تقديري‪.‬‬

‫يعضد طه حسين هذا الطرح بتقديم مثال على جهل المسلمين لكالم أرسطو ‪ ،‬خاصة كتابه "كتاب‬
‫الشعر"‪ ،‬نص قدامة بن جعفر المعروف ب " نقد الشعر" ‪ ،‬فبعد ما عرض مقولة "قدامة " الشهيرة في‬
‫تعريف الشعر بأنه( قول موزون مقفى يدل على معنى ) يعقب عليها قائال ‪ :‬إذا كانت هذه العبارة تدل‬

‫‪ - 65‬كتاب الحيوان ج ‪ 3‬ص ‪132-131‬‬

‫‪ - 66‬نقال عن كتاب الدكتور شوقي ضيف " البالغة تطور وتاريخ" ص ‪ ،65‬وينظر فيه أيضا كتاب أدب الكاتب البن قتيبة ص ‪. 3‬‬

‫‪ - 67‬تمهيد في البيان العربي ‪ .‬طه حسين ص ‪16‬‬

‫‪16‬‬
‫على منتهى التفكير الفلسفي ‪ ،‬فهي من غير شك ال تفيد أن المؤلف فهم (كتاب الشعر)‪ ،‬أو أنه على أقل‬
‫تقدير ينقل عنه ‪ ،‬ذلك بأن أرسطو ينحو بالالئمة في كتابه هذا على من يسمون الكالم المنظوم شعرا ‪،‬‬
‫وعنده أن الوزن و المعنى وحدهما ال يكفيان في تكوين الشعر ‪. 68‬‬

‫حتى ولو كان تعريف قدامة للشعر في منتهى التفكير الفلسفي ‪ ،‬فالدكتور طه حسين ال يرى فيه أن قدامة‬
‫فَ ِه َم جيدا "كتاب الشعر" ألريسطو ‪ ،‬أو أنه كان حقيقة ينقل عنه ‪ ،‬بحيث ال يجد أثرا لنظرية المحاكاة التي‬
‫تعد جوهر كتاب الشعر ألرسطو ‪ ،‬ويحاول تعليل ذلك بأمرين ‪ :‬إما أن قدامة لم يطلع على كتاب أرسطو‬
‫هذا ألنه لم يكن تُرجم بعد إلى العربية ‪ ،‬أو أنه قد طلع على األصل اليوناني أو على ترجمة سريانية له ‪،‬‬
‫فلم يتيسر له فهمه‪ .‬في حين كان قدامة أكثر اضطالعا على "كتاب الخطابة " ألرسطو ‪ ،‬وفهم كل ما‬
‫ورد في القسم الخاص ب (العبارة) عن التشبيه ‪ ،‬والمجاز ‪ ،‬والمقابلة ‪ ،‬والفصول ‪ ،‬مع معرفة تامة‬
‫عرف بما ف ِهم في كتابه (نقد الشعر) وذلك عندما يبين كيف‬‫بالفصل المتعلق باألخالق و االنفعاالت ‪ ،‬ثم َ‬
‫يكون المديح و كيف يكون الهجاء ‪ .‬وقد أنفق قدامة مجهودا طريفا في رد سائر الفنون الشعرية إلى‬
‫المديح والهجاء ليُخضعَها كلها لنظرية أرسطو المتعلقة ب(المنافرات) ‪ ،‬فليس الرثاء عنده إال مديحا ‪ ،‬و‬
‫إذا ينبغ ي أن تستعمل فيه قواعد المديح ‪ ،‬مع مالحظة أن يكون الفعل ماضيا ال مضارعا ‪ ،‬فال يقال (إنه‬
‫شجاع) أو (إنه جواد) ‪ ،‬ولكن (كان شجاعا) و (كان جوادا) ‪ .‬وكذلك الشأن في معاتبة األصدقاء‬
‫والشكوى منهم فهي نوع من الهجاء ‪ ،‬وكل ما في األمر أنه ينبغي أن يختار الشاعر من المعاني واأللفاظ‬
‫ما يستعطف به المحبوب و يستميله ‪ .‬وهنا نلحظ أثر النظرية األرسطية التي تقول بوجوب المالءمة بين‬
‫‪69‬‬
‫الخطبة وبين حال المخاطب‪.‬‬

‫كما استغل قدامة نظرية الغلو التي أجازها أرسطو للشعراء رغم قوله ب(الحد األوسط)‪ ،‬ويراها قدامة‬
‫شرطا لفحولة الشعر ‪ ،‬و ينحى بال الئمة على من يطالب الشعراء بتوخي الصدق ‪ ،‬و التقيد‬
‫باألخالق‪.‬ولقد أحصى قدامة في كتابه "نقد الشعر" عشرين نوعا من البديع ‪.‬‬

‫ومهما يكن من سوء تصريف لكالم أرسطو أو انضباط لمنطقه في تحديد المعايير البالغية ‪ ،‬إال أن هذا‬
‫المعسكر كان له أعداء حملوا على عاتقهم عب ء الدفاع عن حصونهم إزاء هجمات المتفلسفين المتكررة ‪،‬‬
‫و لعل كتاب ابن ال معتز المعروف بكتاب البديع إال مثال ساطع على الحملة المضادة التي شنها‬
‫المحافظون ضد أفكار المتفلسفة ‪ ،‬حين اعتبر ابن المعتز بأن ما يُك ِثر منه المحدثون مما يسمى بديعا‬
‫موجود من قديم في القرآن والحديث وكالم الجاهليين واإلسالميين ‪ . 70‬وإذا أردنا توضيح المقال ‪،‬‬
‫فقدامة‪ 71‬يمثل دعاة الفلسفة وابن المعتز يمثل التيار المحافظ ‪ ،‬ولقد ساهم عمل هذين الرجلين في ظهور‬

‫‪ - 68‬نفسه ص‪17‬‬

‫‪ - 69‬تمهيد في البيان العربي ‪ .‬د‪ .‬طه حسين ص ‪18‬‬

‫‪ - 70‬للتوسع انظر كتاب شوقي ضيف البالغة تطور وتاريخ ص ‪.27‬‬

‫‪ - 71‬هو أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي المتوفى عام ‪337‬ه ببغداد‪ .‬وهو من أصل مسيحي ‪ ،‬أسلم على يد الخليفة العباسي‬
‫المكتفي باهلل ‪ ،‬وقدامة مضرب المثل في البيان والفصاحة والبالغة ‪ ،‬وكان من كبار الفالسفة و من أبرز المهتمين بالمنطق ‪ ،‬و براعته في هذا‬
‫الميدان هي التي جعلت منه ألمع من استعمل األورغانون على الشعر ‪ ،‬ويبدو ذلك جليا في كتابه الشهير "نقد الشعر" ‪ .‬ومما يعرف أيضا على ابن‬
‫المعتز أنه كان من السباقين إلى الكتابة في علم البديع بعد ابن المعتز الخليفة عاتر الحظ ‪ .‬وكان قدامة ضمن المجلس الذي أعده الوزير الفضل بن‬
‫جعفر بن الفرات في تينك المناظرة الشهيرة التي جمعت كال من النحوي أبي علي السيرافي و المنطقي الشهير متى بن يونس سنة ‪320‬ه ‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫أعمال الحقة استثمرت جيدا اصطالحاتهما ‪ ،‬وعلى سبيل المثال نذكر منها كتاب "الصناعتين" ألبي‬
‫هالل العسكري ‪ ،‬وأهمية هذا الكتاب تتجلى في أن صاحبه استعان في تأليفه بجل ما كتب سابقوه ممن‬
‫عالجوا مثل موضوعه ‪ ،‬كابن سالم الجمحي وكتابه طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬و الجاحظ في البيان والتبيين‬
‫‪ ،‬وابن قتيبة في أدب الكاتب‪ ،‬وابن المعتز في البديع ‪ ،‬وقدامة وكتابه نقد الشعر ‪ ،‬واآلمدي و كتابه‬
‫الموازنة ‪ .‬يقول محققا هذا الكتاب في مقدمته ‪ " :‬وقد استطاع أبو هالل أن يعرض لنا زبدة هذه الكتب‬
‫في كتابه حتى إنه ليجعلنا نكاد نستغني عنها جميعا "‪.72‬‬

‫ولقد رفع العسكري درجة علم البالغة إلى المرتبة الثانية بعد معرفة هللا قائال ‪ ":‬إن أحق العلوم بالتعلم ‪،‬‬
‫وأوالها بالتحفظ – بعد المعرفة باهلل جل ثناؤه‪ -‬علم البالغة ‪ ،‬ومعرفةُ الفصاحة ‪ ،‬الذي به يعرف إعجاز‬
‫ق بالحق ‪ ،‬الهادي إلى سبيل الرشد ‪ ،‬المدلو ِل به على صدق الرسالة وصحة‬ ‫كتاب هللا تعالى ‪ ،‬الناط ِ‬
‫النبوة‪ ،‬التي رفعت أعالم الحق ‪ ،‬وأقامت منار الدين ‪ ،‬و أزالت شُبَهَ الكُفر ببراهينها ‪ ،‬وهتكت حجب‬
‫الشك بيقينها ‪ ، ،‬وقد علمنا أن اإلنسان إذا أغفل علم البالغة ‪ ،‬وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه‬
‫بإعجاز القرآن من جهة ما خصه هللا به من حسن التأليف ‪ ،‬وبراعة التركيب ‪ ،‬وما شحنه به من اإليجاز‬
‫البديع ‪ ،‬واالختصار اللطيف ؛ وضمنه من الحالوة ‪ ،‬وجلله من رونق الطالوة ‪ ،‬مع سهولة َك ِل ِمه‬
‫وجزالتها ‪ ،‬وعذوبتها وسالستها ‪ ،‬إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها ‪ ،‬وتحيرت عقولهم‬
‫فيها"‪. 73‬‬

‫تصرف لفظها ‪ ،‬والقول في الفصاحة وما‬ ‫ُّ‬ ‫ثم أبان عن موضوع البالغة لغة ‪ ،‬مع ذكر ما يجري معه من‬
‫يتشعب من ه ‪ ،‬قائال ‪:‬البالغة من قولهم ‪ :‬بلغتُ الغاية إذا انتهيت إليها و بلغتُها غيري ‪ .‬ومبلغ الشيء ‪:‬‬
‫منتهاه ‪ .‬والمبالغة في الشيء ‪:‬االنتهاء إلى غايته ‪ .‬فسميت البالغة بالغة ألنها تُنهي المعنى إلى قلب‬
‫السامع فيَفه ُمه ‪ .‬وسميت الب ُْلغَة ب ُْلغة ألنك تتبلغ بها ‪ ،‬فتنتهي بك إلى ما فوقها ‪ ،‬وهي البالغ أيضا ‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫الدنيا بالغ ؛ ألنها تؤديك إلى اآلخرة ‪ .‬والبالغ أيضا ‪ :‬التبليغ ‪ ،‬في قول هللا عز وجل ‪" :‬هذا بالغ للناس"‬
‫أي تبليغ ‪ .‬و يقال ‪ ،‬بَلُ َغ الرجل بالغة ؛ إذا صار بليغا ‪ .‬كما يقال َنبُ َل نبالة ؛ إذا صار نبيال ‪ .‬وكالم بليغ‬
‫ووجْز‪ .‬ورجل بِلغ (بالكسر)‪ :‬يبلغ ما يريد ‪ .‬وفي َمثَل لهم "أحمق بِلغ" ‪.‬‬ ‫و بَلغ (بالفتح )‪ ،‬كما يقال وجيز َ‬
‫ويقال ‪ :‬أبلغتُ في الكالم إذا أتيت بالبالغة فيه ‪ .‬كما تقول ‪ :‬أبرحتُ إذا أتيتُ بالب َُر َحاء ‪ ،‬وهو األمر‬
‫الجسيم ‪ .‬والبالغة من صفة الكالم ال من صفة المتكلم ‪ .‬فلهذا ال يجوز أن يسمى هللا عز وجل بأنه بليغ ؛‬
‫إذ ال يجوز أن يوصف كان موضوعها الكالم ‪ .‬وتسميتنا المتكلم بأنه بليغ توسع ‪ .‬وحقيقتُه أن كال َمه بليغ‬
‫‪ ،‬كما تقول ‪ :‬فالن رجل محكم ‪ ،‬وتعني أن أفعاله محكمة‪.74‬‬

‫والمناظرة سجلها كتاب أبي حيان التوحيدي الشهير "اإلمتاع والمؤانسة"‪ .‬من أهم أعمال قدامة كتاب "نقد الشعر" ‪ ،‬وكتاب صناعة الكتابة وكتاب‬
‫السياسة المنسوب ألريسطو ‪ ،‬وهو من كتبه الضائعة اليوم ‪ .‬وكتاب " جواهر األلفاظ" ‪ .‬انظر عنه وفيات األعيان البن خلكان ‪.‬‬

‫‪ - 72‬من مقدمة كتاب " كتاب الصناعتين الكتابة والشعر " تصنيف ‪ :‬أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل العسكري ‪ .‬تحقيق ‪ :‬علي محمد البجاوي‬
‫و محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ .‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية بتاريخ ‪1371‬ه‪1952 /‬م ‪.‬‬

‫‪ - 73‬كتاب الصناعتين ص ‪1‬‬

‫‪ - 74‬كتاب الصناعتين ص ‪6‬‬

‫‪18‬‬
‫ثم عرف البالغة بأنها " ك ُّل ما ت ُ َب ِل ُغ به قلب السامع فت ُ َم ِك ُنه في نفسه َكت َ َم ُّك ِنه في نفسك ‪ ،‬مع صورة‬
‫ط البالغة ‪" :‬أن يكون المعنى مفهوما واللفظ مقبوال"‪. 76‬‬ ‫مقبولة ومعرض حسن"‪ . 75‬و جعل شر َ‬

‫وإذا أردنا أن نلخص ما قاله العسكري عن البالغة والفصاحة ‪ ،‬نجد أن فيه رأيين‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن الفصاحة والبالغة ترجعان إلى معنى واحد و إن اختلف أصالهما ‪ ،‬ألن كل واحد منهما إنما‬
‫هو اإلبانة عن المعنى و اإلظهار له ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن الفصاحة والبالغة مختلفان ‪ ،‬ذلك أن الفصاحة تما ُم آلة البيان فهي مقصورة على اللفظ ‪،‬‬
‫ألن اآللة تتعلق باللفظ دون المعنى ‪ ،‬والبالغة إنما هي إنهاء المعنى إلى القلب فكأنها مقصورة على‬
‫المعنى ‪.77‬‬

‫وكيف ما كان الحال ‪ ،‬ورغم الخصومة التاريخية بين أنصار البيان والبالغة العربية الخالصة‪ ،‬وبين‬
‫دعاة استعمال البالغة اليونانية الذين عاشا ردحا طويال من الزمن متجاورين دون أن يسعيا إلى التالقي‬
‫و االتفاق ‪ ،‬شهد تاريخ البالغة ميالد لحظة جديدة تحقق فيها التوفيق بين التيارين ‪ ،‬عكستها بجالء تجربة‬
‫العالمة الكبير عبد القاهر الجرجاني‪ . 78‬وإذا كان الجاحظ مؤسس البيان العربي دون منازع ‪ ،‬فإن عبد‬
‫القاهر الجرجاني هو مؤسس قواعد النظر في علم بالغة األ َ ْل ِسنَ ِة عامة ‪ ،‬وبالغة اللسان العربي خاصة‬
‫‪ .79‬و ألجل هذا الغرض ألف كتابيه اللذين يعتبران بحق أذخر ما كتب في البيان العربي وهما "أسرار‬
‫البالغة" و" دالئل اإلعجاز" ‪.‬‬

‫َظريت َْي علمي المعاني و البيان بطريقة علمية دقيقة ‪ .‬ولقد عقد الجرجاني‬
‫وضع عبد القاهرالجرجاني ن ِ‬
‫لنظرية علم المعاني كتابه األول "دالئل اإلعجاز"‪ ، 80‬أما نظرية البيان فخص بها كتابه " أسرار‬
‫البالغة"‪. 81‬وهذان الكتابان أصالن جليالن في البالغة ‪ ،‬لم يسبقهما سابق ممن كتب في البالغة ‪،‬وجدير‬

‫‪ - 75‬نفسه ص ‪10‬‬

‫‪ - 76‬الفقرة األخيرة من ص ‪10‬‬

‫‪- 77‬كتاب الصناعتين ص ‪8‬‬

‫‪ - 78‬هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمان بن محمد الجرجاني (‪400‬ه؟ ‪ /‬أو‪471‬ه؟ ‪474-‬ه ) والمكنى بالنحوي ‪ ،‬من أصل فارسي ‪ ،‬ولد ببلدة‬
‫جرجان من بالد فارس ‪ ،‬وهي إحدى المدن المشهورة بين طبرستان و خراسان ‪ ،‬كان الجرجاني فقيها شافعيا و متكلما أشعريا ‪ ،‬لزم أبا الحسين‬
‫محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت أبي علي الفارسي ‪ ،‬وأخذ عنه علم النحو ‪،‬والفارسي كما هو معلوم من أئمة النحاة ‪ .‬ولعل صدور كتاب‬
‫"العوامل المائة" كان من أهم نتائج هذه العالقة التي ربطت بين الجرجاني والفارسي (أبو الحسين) ‪ .‬عرف عبد القاهر بعلم البالغة وبزغ نجمه‬
‫فيها ودوت شهرته في اآلفاق بها ‪.‬‬

‫‪ - 79‬من كالم محقق كتابي ‪ :‬دالئل اإلعجاز و أسرار البالغة العالمة محمود محمد شاكر (أبو فهد) ‪ .‬انظر مقدمة كتاب أسرار البالغة لعبد‬
‫القاهر الجرجاني ص ‪. 3‬‬

‫‪ - 80‬كتاب دالئل اإلعجاز ‪ :‬تأليف الشيخ اإلمام أبي بكر ‪ ،‬عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي المتوفى سنة ‪471‬ه أو ‪474‬ه‪.‬‬

‫قرأه و علق عليه أبو فهد محمود محمد شاكر‪ .‬الناشر مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع ومطبعة المدني (المؤسسة السعودية بمصر) بتاريخ‬
‫)‪1404‬ه‪1984 /‬م )‪.‬‬

‫‪ - 81‬كتاب أسرار البالغة تأليف الشيخ أبي بكر ‪ ،‬عبد القاهر الجرجاني النحوي ‪ .‬قرأه وعلق عليه (أبو فهد) محمود محمد شاكر ‪ .‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫المدني بجدة (‪1412‬ه‪1991 /‬م) مصر الجديدة ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بالذكر القول أنه لم تكن إلى زمن عبد القاهر قد استقرت بعد قسمة البالغة إلى علومها الثالثة‪ :‬المعاني‬
‫و البيان والبديع ‪ .‬ففي فاتحة مصنفه " دالئل اإلعجاز" ‪ ،‬وضمن باب "بيان فضل العلم"؛ نجد الجرجاني‬
‫س َخ أصال‪ ،‬و‬‫يطلق على مباحثه فيه صفة المباحث البيانية ‪ ،‬حيث يقول فيها ‪ :‬ثم إنك ال ترى علما هو أْر َ‬
‫وأعذب وردا ‪ ،‬وأكرم نتاجا ‪ ،‬و أنور سراجا ‪ ،‬من علم البيان ‪ ،‬الذي لواله‬ ‫َ‬ ‫سقَ فرعا ‪ ،‬و أحلى جنى ‪،‬‬ ‫أ َ ْب َ‬
‫ويلفُظ الدُّر‪ ،‬وينفث السحر ‪ ،‬ويقري الشهد ‪ ،‬ويُريك بدائع‬ ‫الوشي ‪ ،‬ويصوغ الحلي ‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ل ْم ت ََر لسانا يَ ُحوكُ‬
‫من الزهَر‪ ،‬و يَجْ نيك ال ُح ْل َو اليانع َمن الث َمر ‪ ،‬والذي لوال ت َ َح ِفيه بالعلوم ‪ ،‬وعنايتُه بها ‪ ،‬وتصويره إياها ‪،‬‬
‫لَ َب ِق َيت ْ كامنة مستورة ‪ ،‬ولَ َما است َ َب ْنتَ لها ي َد الدهر صورة‪ ،‬والستمر ِ‬
‫السرار بأهلتها ‪ ،‬واستولى الخفاء‬
‫صرها االستقصاء‪.82‬‬‫على جملتها ‪ ،‬إلى فوائد ال يُدركها اإلحصاء ‪ ،‬ومحاسن ال يح ُ‬
‫أكيد أن عبد القاهر ضمنَ كتابه هذا مسائل المجاز واالستعارة والكناية والتشبيه ‪ ،‬ولكنه إنما فعل ذلك بين‬
‫تضاعيف تفسيره لنظرية النظم التي هي مدار الك ِل ِم في كتابه هذا ‪ ،‬والتي منها استخرج أبواب علم‬
‫المعاني ؛ وهكذا تأتي المصطلحات التالية ‪ :‬الفصاحة والبالغة والبيان والبراعة مترادفة فيما بينها ‪ ،‬وال‬
‫تكاد تبدو الحدود واضحة فيها ‪ ،‬كما أن استعماالتها لم تأخذ بعد معانيها الدقيقة التي ستعرف بها فيما بعد‬
‫مع السكاكي ‪ .‬يقول الجرجاني ‪ ":‬ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلما ُء في معنى "الفصاحة"‪،‬‬
‫و "البالغة"‪ ،‬و"البيان" و"البراعة" ‪ ،‬وفي بيان المغزى من هذه العبارات ‪ ،‬وتفسير المراد بها ‪ ،‬فأجد‬
‫ب ‪ ،‬وموضع‬ ‫ىء ِليُطلَ َ‬
‫بعض ذلك كالر مز واإليماء ‪ ،‬واإلشارة في خفاء ‪ ،‬و بعضه كالتنبيه على مكان ال َخبِ ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ُخر َج ‪ ،‬وكما يُفتح لك الطريق إلى المطلوب لتسلكه ‪ ،‬وتوضع لك القاعدة لتب ِن َ‬ ‫الدفين ليُبحث عنه في َ‬
‫عليها‪ .‬ووجدتُ المعول على أن ههنا نظما وترتيبا ‪ ،‬وتأليفا وتركيبا ‪ ،‬وصياغة وتصويرا ‪ ،‬ونسجا‬
‫وتحبيرا ‪ ،‬وأن سبيل هذه المعاني في الكالم الذي هي مجاز فيه ‪ ،‬سبيلها في األشياء التي هي حقيقة فيها‪،‬‬
‫التأليف ‪ ،‬والنس ُج النس َج ‪ ،‬والصياغةُ الصياغةَ ‪ ،‬ثم يعظم‬ ‫َ‬ ‫والتأليف‬
‫ُ‬ ‫النظم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ضل هناك النظ ُم‬‫وأنه كما يف ُ‬
‫والمجانس له درجات كثيرة ‪ ،‬وحتى تتفاوتَ القي ُم‬ ‫َ‬ ‫نظيره‬
‫َ‬ ‫الفضل ‪ ،‬وتكثر المزية ‪ ،‬حتى يفوقَ الشي ُء‬
‫التفاوتَ الشديد ‪ ،‬كذلك يفضل بعض الكالم بعضا ‪ ،‬ويتقدم منه الشي ُء الشي َء ‪ ،‬ثم يزداد فضلُه ذلك‬
‫ويترقى منزلة فوق منزلة ‪ ،‬ويعلو مرقبا بعد مرقب ‪ ،‬ويُستأنف له غاية بعد غاية ‪ ،‬حتى ينتهي إلى حيث‬
‫تنقطع األطماع ‪ ،‬وتحْ َس ُر الظنون ‪ ،‬وتسقط القوى ‪ ،‬وتستوي األقدام في العجز‪ 83 .‬ومعناه اقتران كلمة‬
‫البيان بكلمة الفصاحة ونظيرتها البالغة و األخرى البراعة دون تمييز وكأنها جميعا تحمل داللة واحدة ‪،‬‬
‫ثم أنها ال تعود إلى اللفظ وإنما ترجع إلى النظم و كيفية الصياغة وصورها وخصائصها ‪ ،‬واللفظة‬
‫المفردة من حيث هي لفظة ال وزن لها في فصاحة أو في بيان أو بالغة إال بحسب مكانها من النظم و‬
‫حسن مالءمة معناها لمعاني جاراتها و فضل مؤانستها ألخواتها ‪.‬‬

‫والتداخل ذاته لحق كتاب "أسرار البالغة" المقتصر كله على البيان ‪ ،‬و مسألتين من علم البديع وهما ‪:‬‬
‫الجناس و السجع ‪ ،‬حيث نجده يتكلم عن االستعارة باعتبارها قسما من أقسام علم البديع ‪ ،‬تماما كما فعل‬
‫سلفه ابن المعتز‪ ،‬يقول الجرجاني ‪ ":‬وأما التطبيق واالستعارة وسائر أقسام البديع ‪ ،‬فال شبهة أن ال ُحسن‬
‫يعرف االستعارة على هذه الشاكلة‪:‬‬ ‫الكالم بهما إال من جهة المعاني خاصة ‪ "...‬ثم ِ‬
‫َ‬ ‫والقبح ال يعترض‬

‫‪ - 82‬دالئل اإلعجاز ص ‪5‬و ‪. 6‬‬

‫‪ - 83‬دالئل اإلعجاز ص ‪ 34‬و ‪35‬‬

‫‪20‬‬
‫أما االستعارة ‪ ،‬فهي ضرب من التشبيه ‪ ،‬ونمط من التمثيل ‪ ،‬والتشبيه قياس ‪ ،‬والقياس يجري فيما تعيه‬
‫القلوب ‪ ،‬وتدركه العقول ‪ .‬وتُستفتى فيه األفهام و األذهان ‪ ،‬ال األسماع و اآلذان ‪ ،84‬ثم يتبعها مباشرة‬
‫بتعريف دقيق للتطبيق (الطباق) ويقول فيه ‪ :‬أما التطبيق ‪ ،‬فأمره أ َ ْبيَنُ ‪ ،‬وكونه معنويا أجلى و أظهر ‪،‬‬
‫فهو مقابلة الشيء بضده ‪ ،‬والتضاد بين األلفاظ المركبة محال ‪.85...‬‬

‫وعليه يرى الجرجاني بأن علوم البالغة هي علم واحد تتشعب مباحثه ‪ ،‬وسمى في الدالئل علم المعاني‬
‫‪86‬‬
‫باسم "النظم" وهو اصطالح كان يشيع في بيئة األشاعرة ‪ ،‬إذ كانوا يعللون إعجاز القرآن بنظمه‬
‫"الص ْرفة" التي قال بها المعتزلة ‪ ،‬أي أن هللا صرف العرب عن‬
‫ِ‬ ‫‪،‬ونظرية النظم تأتي مقابل مفهوم‬
‫مضاهاة القرآن ‪ ،‬وهذا ما دفع الجرجاني إلى القول بأن إعجاز القرآن في فصاحته وبالغته ‪ ،‬بمعنى‬
‫آخر‪ :‬إعجاز القرآن في نظمه ‪ .‬والنظم عند الجرجاني يقوم على حسن الصياغة و توخي معاني "النحو"‪،‬‬
‫والنظر إلى عالقة اللفظ بالمعنى من وجهة لغوية في إطار التحامهما و اندماجهما ‪ ،‬وعرف قيمة اللفظ‬
‫في النظم ‪ ،‬وطريقة تصوير المعاني على حقيقتها ‪ ،‬في إطار الجمع بين اللفظ و المعنى و التسوية بين‬
‫بين خصائصهما ‪ ،‬و رأى أن اللفظ جسد ‪ ،‬والمعنى روح يرتكز على حسن الصياغة و على دقة‬
‫التصوير ‪ ،‬وال فصل بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬وذهب تبعا لذلك أن الفصاحة ليست صفة للفظ من حيث هو‬
‫لفظ مجرد ‪ ،‬وإنما من خالل نظمه مع ما صاحبه وماجاوره من ألفاظ من خالل عملية النظم ‪ ،‬كما أن‬
‫قيمة المعاني تبرز من خالل مبدأ التصوير الذي شرحه في كتابيه سابقي الذكر‪ ،‬مع احترام لمعاني النحو‬
‫‪ ،‬ولهذا ربط بين علمي البيان و المعاني ربطا وثيقا حين ذهب إلى أن جمال االستعارة إنما يأتي بعد أن‬
‫ت وجوه المعاني من تقديم وتأخير و تعريف وتنكير و إسناد و عموم وخصوص وإطالق و تقييد‬ ‫كملَ ْ‬
‫است ُ ِ‬
‫و فصل مما تضمه أبواب علم المعاني ‪.‬‬

‫يتبين من هذا العرض حول نظرية النظم أن عبد القاهر الجرجاني استفاد من سابقيه العرب كالجاحظ‬
‫وقدامة و غيره ‪ ،‬لكنه استفاد أكثر مما نقله ابن سينا عن (كتاب العبارة) ألرسطو ‪ ،‬وقرأه جيدا ودرسه‬
‫دراسة نقد وتمحيص‪ .‬وأهم مراجعة قام بها الجرجاني تلك التي طالت مفهومي " الحقيقة" و "المجاز"‪.‬‬
‫تبين للجرجاني بأن تحديد القدماء لمفهوم المجاز مضطرب وغير مستقيم ‪ ،‬فانبرى يوضح مبهمه ويجلو‬
‫غامضه ‪ .‬وذهب إلى أن المجاز على ضربين ‪ :‬مجاز من طريق اللغة ‪ ،‬ومجاز من طريق المعنى‬
‫والمعقول ‪( :‬مجاز لغوي و مجاز عقلي) يقول عبد القاهر ‪ ":‬فإذا وصفنا بالمجاز الكلمة المفردة كقولنا "‬
‫اليد مجاز في النعمة " و " األسد مجاز في اإلنسان وكل ما ليس بالسبع المعروف "‪ ،‬كان حكما أجريناه‬
‫على ما جرى عليه من طريق اللغة ‪ ،‬ألنا أردنا أن المتكلم قد جاز باللفظة أصلها الذي وقعت له ابتداء‬
‫في اللغة ‪ ،‬وأوقعها على غير ذلك ‪ ،‬إما تشبيها ‪ ،‬وإما لصلة ومالبسة بين ما ما نقلها إليه وما نقلها عنه‪.‬‬

‫ومتى وصفنا بالمجاز الجملة من الكالم ‪ ،‬كان مجازا من طريق المعقول دون اللغة ‪ ،‬وذلك أن األوصاف‬
‫الالحقة للجمل من حيث هي جمل ال يصح ردها إلى اللغة ‪ ،‬وال وجهَ لنسبتها إلى واضعها ‪ ،‬ألن التأليف‬
‫هو إسناد فعل إلى اسم ‪ ،‬أو اسم إلى اسم ‪ ،‬وذلك شيء يحصل بقصد المتكلم ‪ ،‬فال يصير "ضرب" خبرا‬

‫‪ - 84‬أسرار البالغة ص ‪50‬‬

‫‪ - 85‬نفس المصدر ونفس الصفحة‬

‫‪ - 86‬البالغة تطور وتاريخ ص ‪161‬‬

‫‪21‬‬
‫عن" زيد " بواضع اللغة ‪ ،‬بل بمن قصد إثبات الضرب فعال له ‪ ،‬وهكذا ‪ " :‬ليضربْ زيد" ‪ ،‬ال يكون‬
‫أمرا لزيد باللغة ‪ ،‬وال " اضرب" أمرا للرجل الذي تخاطبه و تقبل عليه من بين كل من يصح خطابه‬
‫باللغة ‪ ،‬بل بك أيها المتكلم ‪ .‬فالذي يعود الى واضع اللغة ‪ ،‬أن " ضرب" إلثبات الضرب ‪ ،‬وليس إلثبات‬
‫الخروج ‪ ،‬وأنه إلثباته في زمان ماضي ‪ ،‬وليس إلثباته في زمان مستقبل ‪.‬فأما تعيين من يُثبت له ‪،‬‬
‫فيتعلق بمن أراد ذلك من ال ُمخ ِب ِرين باألمور ‪ ،‬والمعبرين عن ودائع الصدور ‪ ،‬و الكاشفين عن المقاصد‬
‫والدعاوى ‪ ،‬صادقة كانت تلك الدعاوى أو كاذبة و ُمجراة على صحتها ‪ ،‬أو مزالة عن مكانها من‬
‫الحقيقة وجهتها ومطلقة بحسب ما تأ ذن فيه العقول و ترسمه أو معدوال بها عن مراسمها نظما لها في‬
‫سبيل التخييل ‪ ،‬وسلوكا بها في مذهب التأويل ‪. 87 .‬‬

‫ثم قسم المجاز اللغوي إلى نوعين ‪ :‬أحدهما يقوم على التشبيه ‪ ،‬أما اآلخر فعبارة عن كل لفظ استعمل‬
‫مكان لفظ آخر لصلة بينهما ‪ .‬والمجاز الذي تكلم عنه أرسطو هو ذلك الذي يجيز إطالق اسم الجنس على‬
‫النوع ‪ ،‬واسم النوع على الجنس ‪ ،‬واسم النوع على نوع آخر‪ . 88‬ومجاز أرسطو هذا هو ما يسميه عبد‬
‫القاهر (مجازا مرسال) ‪ ،‬و أما المجاز الذي يقوم على التشبيه ‪ ،‬والذي يقابله عند أرسطو ب (الصورة)‬
‫فيسميه عبد القاهر (استعارة) وهو لفظ كان القدماء يطلقونه على المجاز بكافة أنواعه ‪ .‬يقول الدكتور طه‬
‫حسين ‪ ":‬تعمق عبد القاهر الجرجاني في دراسة التشبيه والمجاز تعمقا لم يسبق إليه ‪ ،‬ولكن من غير أن‬
‫‪89‬‬
‫يخرج بحال من الحدود التي رسمها أرسطو "‬

‫أما المجاز العقلي (الاللغوي) فهواكتشاف عبد القاهر ‪ ":‬فإذا قلنا مثال ؛ " خط أحسن مما وشاه الربيع" أو‬
‫" صنعه الربيع" كنا قد ادعينا في ظاهر اللفظ أن للربيع فعال أو صنعا ‪ ،‬أو أنه شارك الحي القادر في‬
‫صحة الفعل منه ‪ ،‬وذلك تجوز من حيث المعقول ال من حيث اللغة ‪ ،‬ألنه إن قلنا ‪" :‬إنه مجاز من حيث‬
‫اللغة" صرنا كأنا نقول ‪ :‬إن اللغة هي التي أوجبت أن يختص الفعل بالحي القادر دون الجماد ‪ ،‬وإنها لو‬
‫والصبغ والتحسين ‪ ،‬لكان ما هو مجاز‬
‫ِ‬ ‫َح َك َمت بأن الجماد يصح منه الفعل و الصنع والوشي والتزيين ‪،‬‬
‫صل ‪ ،‬وذلك محال‪ .90‬وال يعدم الجرجاني‬ ‫اآلن حقيقة‪،‬و لعاد ما هو اآلن متأول ‪ ،‬معدودا فيما هو حق مح ًّ‬
‫جهدا في سبر أغوار هذا المجاز الذي ابتكره ‪ ،‬بالتوسع في تحديده و تمييزه عن المجاز المعروف ‪.‬‬

‫أما كتاب دالئل اإلعجاز وكما رأينا قبال حاول فيه الجرجاني إثبات إعجاز القرآن جامعا فيه بين‬
‫الزوجين البيانيين (اللفظ والمعنى) إذ رأى أن إعجاز القرآن ليس في جمال لفظه فقط ‪ ،‬أو في روعة‬
‫معانيه وفرادتها ‪ ،‬بل هي في نظم كالمه ‪ ،‬أي في أسلوبه ‪ ،‬وألجل ذلك سيضطر عبد القاهر إلى دراسة‬
‫(الجملة) منفردة ومتصلة ‪ ،‬ويسوقه المقام إلى دراسة أهمية حروف العطف ‪ ،‬وقيمة اإليجاز واإلطناب ‪،‬‬
‫وضرورة مطابقة الكالم لمقتضى الحال ‪ .‬وبهذا يكون قد وضع أساس علم المعاني الشهير‪.‬‬

‫يقول طه حسين ‪ ":‬وال يسع من يقرأ دالئل اإلعجاز إال أن يعترف بما أنفق عبد القاهر من جهد صادق‬
‫‪ ،‬خصب ‪ ،‬في التأليف بين قواعد النحو العربي وبين آراء أرسطو العامة في الجملة ‪ ،‬واألسلوب ‪،‬‬
‫‪ - 87‬أسرار البالغة ص ‪409-408‬‬

‫‪ - 88‬انظر فيه إيساغوجي ألرسطو‬

‫‪ - 89‬انظر تمهيد في البيان العربي‬

‫‪ - 90‬أسرار البالغة ‪439‬‬

‫‪22‬‬
‫والفصول ‪ .‬وقد وفق عبد القاهر فيما حاول توفيقا يدعو إلى اإلعجاب ‪ .‬وإذا كان الجاحظ هو واضع‬
‫أساس البيان العربي حقا فعبد القاهر هو الذي رفع قواعده و أحكم بنيانه" ‪. 91‬‬

‫تمثل مرحلة عبد القاهر فترة ازدهار الدراسات البالغية ‪ ،‬لكن الذين أتوا بعده أغرقوا أنفسهم في علم‬
‫الفلسفة وعلم الكالم وعلم المنطق ‪ ،‬و تسربت مناهج وحدود وتفريعات هذه العلوم إلى علم البالغة ‪،‬‬
‫وسيطرت النزعة العقلية ‪،‬خاصة بعد جنوح األدب إلى الجمود و التقليد ‪ ،‬وسيطرت األقيسة المنطقية‬
‫والتفريعات الهندسية و أضحت البالغة مجرد قواعد جافة وجامدة ‪ ،‬ولعل أصدق مثال على هذا القول‬
‫كتاب السكاكي المعروف " مفتاح العلوم" ‪.‬‬

‫يعد هذا المصدر إيذانا بتوقف البحث البالغي ‪ ،‬ألن الذين أتوا بعده اقتصرت أعمالهم على الشرح‬
‫والتوضيح و التلخيص والتفسير لما كتبه هؤالء أمثال القزويني والتفتازاني‪. 92‬فمن هو السكاكي وماذا‬
‫عرض في كتابه المفتاح من مسائل البالغة ؟‬

‫السكاكي‪ 93‬هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي( ‪555‬ه‪-‬مابين ‪623‬أو ‪627‬ه)‬
‫من أهل خوارزم ‪ ،‬وهو إمام في العربية والمعاني والبيان واألدب والعروض والشعر وعلم الكالم والفقه‬
‫والفلسفة وعلم المنطق ‪ .‬ولقد اشتهر السكاكي في عصره شهرة واسعة ‪ ،‬حتى قال عنه ياقوت الحموي ‪":‬‬
‫هو فقي ه متكلم متفنن في علوم شتى ‪ ،‬وهو أحد أفاضل العصر الذين سارت بذكرهم الركبان "‪. 94‬‬

‫لقد كان لتأثير المنطق دور كبير في سريان العقلية المنطقية المنظمة على أعماله‪ ،‬وخاصة على غرة‬
‫عها للتقعيد ‪ ،‬كما هو‬
‫مصنفاته " المفتاح" ‪ ،‬ولقد حاول بإيعاز منه تقنينَ البالغة العربية و تبوي َبها وإخضا َ‬
‫النحو والصرف والعروض ‪.‬‬

‫قسم السكاكي "المفتاح" إلى ثالثة أقسام أساسية‪:‬‬

‫القسم األول منه يضم قضايا علم الصرف وما يتصل به مثل االشتقاق الصغير والكبير واألكبر ‪.‬‬

‫القسم الثاني منه خصصه السكاكي لعلم النحو‪.‬‬

‫القسم الثالث يضم مباحث علم البيان و علم المعاني ‪ ،‬ولقد أضاف السكاكي في هذا القسم بعض نظراته‬
‫في الفصاحة والبالغة و مسائل البديع ‪ ،‬من محسنات بديعية لفظية ومعنوية ‪ .‬ووجد أن علم المعاني‬
‫يحتاج من ينظر فيه إلى الوقوف على الحد و االستدالل ولهذا كان البد من الوقوف على علم المنطق ‪،‬‬
‫وفعال أفرد في هذا القسم مبحثا خصصه لمسائل المنطق و قضاياه ‪ .‬كذلك فعل مع المعاني والبيان ‪،‬‬

‫‪ - 91‬تمهيد في البيان العربي طه حسين‬

‫‪ - 92‬انظر شرح مفتاح العلوم ‪ ،‬شرح القسم الثالث من مفتاح العلوم للعالمة مسعود بن عمر التفتازاني ‪ .‬مخطوطة رقم ‪the digital 1426‬‬
‫‪public library of America / Harvard university‬‬

‫‪ - 93‬انظر في ترجمته كتاب معجم األدباء لياقوت الحموي ج ‪ 20‬ص ‪ ، 59‬والسبكي في طبقات الشافعية بترجمة ابن القفال ج ‪ 3‬ص ‪، 199‬‬
‫وشذرات الذهب ج ‪ 5‬ص ‪ 122‬وكتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي ص ‪ ، 301‬ولب األلباب في تحرير األنساب للسيوطي ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 137‬طبعة ليدن ‪.‬‬

‫‪ - 94‬معجم البلدان ج ‪ 20‬ص ‪ 59‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫حين الحظ أن هذين العلمين يحتاجان إلى علمي العروض و القافية ‪ ،‬فأفرد لهما المبحث األخير من‬
‫الكتاب ‪ .‬وبذلك يكون كتاب "المفتاح" كتابا جامعا مانعا لعلوم الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق‬
‫والعروض و القوافي ‪ .‬ولقد أشر على هذا التجميع حين قال ‪ ":‬وما ضمنت جميع ذلك في كتابي هذا إال‬
‫بعد ما ميزت البعض عن البعض التمييزَ المناسب ولخصت الكالم على حسب مقتضى المقام هنالك ‪،‬‬
‫ومهدت لكل من ذلك أصوال الئقة و أوردت حججا مناسبة ‪ ،‬وقررت ما صادفت من آراء السلف –قدس‬
‫احتملت من التقرير ‪ ،‬مع اإلرشاد إلى ضروب مباحث قل ْ‬
‫ت عناية السلف بها وإيراد‬ ‫ْ‬ ‫هللا أرواحهم‪ -‬بقدر ما‬
‫لطائف مقننة ما فتق أحد بها َرتْق أذن " ‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫وعليه ‪ ،‬قسم السكاكي البالغة إلى علمين متميزين هما ‪ :‬علم المعاني وعلم البيان –كما رأينا‪ ، -‬ومن ثم‬
‫حصر مو ضوعات كل علم حصرا منطقيا ‪ ،‬وألحق بهما البديع الذي عده وجوها يؤتى بها لتزيين الكالم ‪،‬‬
‫وأدخل األساليب الكالمية والفلسفية في معالجة القضايا وأسرف في اإليجاز ‪ .‬وقسم الثاني البالغة أو‬
‫البيان إلى الصناعة اللفظية وهي األلفاظ وبعض فنون البديع كالسجع ‪ ،‬والتجنيس ‪ ،‬والترصيع ‪ ،‬ولزوم‬
‫ما ال يلزم ‪ ،‬والموازنة ‪ ،‬واختالف صيغ األلفاظ واتفاقها ‪ ،‬والمعاظلة اللفظية ‪ ،‬والمنافرة بين األلفاظ في‬
‫السبك ‪ .‬والصناعة المعنوية وهي االستعارة ‪ ،‬والتشبيه ‪ ،‬والتجريد ‪ ،‬وااللتفات ‪ ،‬واإليجاز ‪ ،‬واإلطناب ‪،‬‬
‫‪96‬‬
‫والتكرير ‪ ،‬والكناية ‪ ،‬والتضمين ‪ ،‬والسرقات وغيرها ‪.‬‬

‫وفي هذا القسم الخاص بالبالغة من كتاب المفتاح ‪ ،‬سوف يفصل السكاكي بين علوم البالغة الثالثة على‬
‫نحو حاسم ألول مرة في تاريخ البالغة ‪ ،‬على الرغم من أنه لم يجعل علم البديع علما مستقال بذاته‬
‫وقسيما لعلمي المعاني والبيان ‪ ،‬بل تحدث عن المحسنات البديعية في أعقاب دراسته المنطقية للمعاني‬
‫والبيان ‪ ،‬إذ هو عنده –أي البديع‪ -‬ليس سوى " وجوه مخصوصة كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين‬
‫الكالم ‪ ،‬وهو عنده قسمان ‪ :‬قسم يرجع إلى المعنى ‪ ،‬وقسم يرجع إلى اللفظ ‪ . "97‬وبهذا يكون السكاكي‬
‫قد قدم للعلماء الذين أتوا بعده الصيغة النهائية للكتابة حول علم البالغة ‪ ،‬جامعا لما كان متناثرا عند‬
‫سابقيه من مسائل البالغة ‪ ،‬منظما إياها تنظيما محكما ‪ ،‬وضابطا لقواعدها ضبطا منطقيا ‪ ،‬لتبحره في‬
‫هذا العلم و ما يتطلبه من قدرة هائلة على التعليل والتسبيب و التجريد والتحديد والتعريف والتقسيم‬
‫والتفريع و التشعيب والسبر والتقويم واالستدالل ‪ ،‬وترتيب المقدمات وإحكام المقاييس و تصحيح‬
‫البراهين ‪ .‬وبهذا تتحول البالغة عند السكاكي إلى علم دقيق بكل ما تحمل الجملة من معنى ‪ ،‬علم له‬
‫قوانين وقواعد مضبوطة ‪ ،‬خاض ع لسلطة المنطق و أصوله ومنهجه الصارم ‪ ،‬وهذا ما عابه ويعيبه اليوم‬
‫المشتغلون بالبالغة في عمل السكاكي ‪ ،‬إذ يرونه جعل من البالغة مجموعة من القواعد والقوانين‬
‫الصارمة‪ ،‬خالية من كل جمالية ‪ ،‬وبعيدة عن الفنية ‪ ،‬وخارجة عن الوظيفة األصلية للبالغة ‪ ،‬والتي‬
‫هي تربية الذوق على الجمال و إحكام الملكة األدبية ‪ ،‬وكأنها لم تعد فنا من فنون الجمال ‪ ،‬وإنما أصبحت‬
‫علما من علوم اللغة مع يداخلها من الفلسفة والمنطق و تقديمه للمقدمات واستنتاجه للنتائج‪.‬‬

‫‪ - 95‬مفتاح العلوم ص ‪ ، 6‬ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم زرزور ‪ .‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪ .‬الطبعة األولى ‪1403‬ه‪1984-‬م‬
‫الطبعة الثانية ‪1407‬ه‪1987 -‬م‪ .‬م‬

‫‪ - 96‬البحث البالغي عند العرب الدكتور أحمد مطلوب ص ‪69‬‬

‫‪ - 97‬انظر الصفحة ‪ 423‬من المفتاح ‪ .‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ ،‬ضبط وتعليق نعيم زرزور‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫من مرجعيات المفتاح ‪ ،‬كتاب " دالئل اإلعجاز" و "أسرار البالغة" لعبد القاهر الجرجاني‪ ،‬وكذا "‬
‫الكشاف" للزمخشري و تلخيص الفخر الرازي ‪ .‬لكنه حاد عن تصور الجرجاني للبالغة في قوله‬
‫بالنظم‪،‬والوقوف على حسن األلفاظ وجمالها الحسي ‪ ،‬والنظر إلى الصور البيانية من المجاز والكناية‬
‫واالستعارة ليؤكد أن جمالها ال يرجع إلى مدلوالتها ومضامينها ‪ ،‬وإنما يرجع إلى المعاني اإلضافية التي‬
‫يالحظها الحاذق البصير في تراكيب العب ارات وخصائص نظمها وصور نسقها وسياقها ‪ ،‬ناظرا إليها‬
‫كعلم يجب أن يخضع للصرامة العلمية ‪ ،‬باالنضباط للقواعد و االمتثال لشرط المعرفة المضبوطة ‪.‬‬

‫رتب السكاكي علوم البالغة الثالثة على الشكل التالي ‪ :‬بدأ أوال بعلم المعاني ‪ ،‬ثم أتبعه بعلم البيان و‬
‫أنهاه بالمحسنات البديعية ‪ .‬وإذا درج علماء البالغة بعده على التمهيد لدراسة العلوم الثالثة بمقدمة تتناول‬
‫الحديث عن "الفصاحة" و "البالغة" فإن السكاكي عرض له بعدما أنهى كالمه عن البيان ‪ ،‬وقبل أن‬
‫يشرع في الحديث عن الوجوه المخصوصة التي يصار إليها قصد تحسين الكالم ‪ ،‬و نقصد بذلك كالمه‬
‫عن البديع ‪.‬‬

‫عرف السكاكي علم المعاني وعلم البيان ‪ ،‬وأبان حدهما وكشف عن ماهيتهما والغرض منهما بصيغة‬
‫الزالت إلى اليوم يعتمدها علماء البالغة ‪ ،‬ال تكاد تخرج عن التعريف الدقيق الذي وضعه لهما في‬
‫المفتاح ‪ .‬فهو مثال حين يعرف علم المعاني يقول عنه ‪ ":‬اعلم أن علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب‬
‫الكالم في اإلفادة ‪ ،‬وما يتصل بها من اإلستحسان وغيره ‪ ،‬ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق‬
‫الكالم على ما يقتضي الحال ذكره ؛ وأعني بتراكيب الكالم التراكيب الصادرة عمن له فضل تمييز‬
‫ومعرفة ‪ ،‬وهي تراكيب البلغاء ‪ ،‬ال الصادرة عمن سواهم ‪ ،‬لنزولها في صناعة البالغة منزلة أصوات‬
‫حيوانات تصدر عن محالها بحسب ما يتفق ‪ ،‬وأعني بخاصية التراكيب ‪ :‬ما يسبق منه إلى الفهم عند‬
‫سماع ذلك التركيب ‪ ،‬جاريا مجرى الالزم له ‪ ،‬لكونه صادرا عن البليغ ‪ ،‬ال لنفس ذلك التركيب من‬
‫حيث هو هو ‪ ،‬أو الزما له هوهو حينا ‪ ،‬وأعني بالفهم ؛ فهم ذي الفطرة السليمة ‪ ،‬مثل ما يسبق إلى فهمك‬
‫من تركيب ‪ :‬إن زيد منطلق ؛ إذا سمعته عن العارف بصياغة الكالم ‪ ،‬من أن يكون مقصودا به نفي‬
‫الشك ‪ ،‬أو رد االنكار ‪ ،‬أو من تركيب ‪ :‬زيد منطلق من أنه يلزم مجرد القصد إلى اإلخبار ‪ ،‬أو من نحو ‪:‬‬
‫منطلق ‪ ،‬بترك المسند إليه ‪ ،‬من أنه يلزم أن يكون المطلوب به وجه االختصار مع إفادة لطيفة مما يلوح‬
‫بها مقامها ‪ .‬وكذا إذا لفظ بالمسند إليه ‪ ،‬وهكذا إذا عُ ِرف أو نُ ِكر‪ ،‬أو قُيد أو أطلق ‪ ،‬أو قُ ِد َم أو أ ُ ِخر ‪ ،‬على‬
‫ما يطلعك على جميع ذلك شيئا فشيئا مساق الكالم في العلمين بإذن هللا تعالى "‪. 98‬‬

‫كذلك فعل في تحديده لعلم البيان حين عرفه على الشكل التالي "‪ :‬هو معرفة إيراد المعنى الواحد في‬
‫طرق مختلفة ‪ ،‬بالزيادة في وضوح الداللة عليه ‪ ،‬وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في‬
‫مطابقة الكالم لتمام المراد منه ‪ ،‬وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى‬
‫س من كالمه ‪ُ ،‬مفت ِقر إلى هذين العلمين كل االفتقار ‪ ،‬فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو‬ ‫وت َقَد َ‬
‫فيهما راجل ‪ ،‬ولما كان علم البيان شعبة من علم المعاني ال تنفصل عنه إال بزيادة اعتبار ‪ ،‬جرى منه‬
‫مجرى المركب من المفرد ‪ ،‬ال جرم آثرنا تأخيره "‪. 99‬‬

‫‪ - 98‬مفتاح العلوم ص ‪161‬‬

‫‪ - 99‬نفسه ص ‪162‬‬

‫‪25‬‬
‫بعد هذا التمهيد الدال على ماهية علم المعاني والبيان ‪ ،‬قسم السكاكي الجزء الثالث من "المفتاح"‪،‬‬
‫والخاص بالبالغة إلى فصلين ‪ :‬وعقد الفصل األول لضبط معاقد علم المعاني والكالم عليه ‪ ،‬مستهال‬
‫بتمهيد متبوع بآراء العلماء في الخبر والطلب ‪ ،‬وهذا الفصل ينقسم إلى قانونين ‪ :‬القانون األول ويخص‬
‫الخبر ومتعلقاته من "لكل مقام مقال" ‪ ،‬وفنون الخبر ‪ .‬وفي مبحث فنون الخبر تطرق السكاكي لفنون‬
‫ثالثة مرتبطة بالخبر ‪.‬‬

‫‪ -1‬الفن األول في تفصيل اعتبارات اإلسناد الخبري ‪ ،‬ويضم مسألتين ‪ :‬الخبر الطلبي والخبر اإلنكاري‪.‬‬

‫‪ -2‬الفن الثاني في تفصيل اعتبارات المسند إليه ‪ ،‬وبه المسائل التالية ‪:‬‬

‫_طي ذكر المسند إليه‬

‫_إثبات المسند إليه‬

‫_المسند إليه معرفة‬

‫_المسند إليه ضميرا‬

‫_ المسند إليه علما‬

‫_المسند إليه اسما موصوال‬

‫_المسند إليه اسم إشارة‬

‫_ تعريف المسند إليه بالالم‬

‫_تعريف المسند إليه باإلضافة‬

‫_المسند إليه معرفة موصوفة‬

‫_ تأكيد المسند إليه‬

‫_ بيان وتفسير المسند إليه‬

‫_البدل عن المسند إليه‬

‫_عطف المسند إليه‬

‫_ فصل المسند إليه‬

‫_تنكير المسند إليه‬

‫_ تقديم المسند إليه على المسند‬

‫_تأخير المسند إليه على المسند‬

‫‪26‬‬
‫_قصر المسند إليه على المسند‬

‫‪ -3‬أما الفن الثالث ففيه تفصيل العتبارات المسند ويضم المسائل التالية‪:‬‬

‫_ ترك المسند‬

‫_ ذكر المسند‬

‫_إفراد المسند‬

‫_متى يكون المسند فعال ؟‬

‫تقييد المسند‬

‫_ ترك تقييد المسند‬

‫_متى يكون المسند اسما ؟‬

‫_ متى يكون المسند منكرا؟‬

‫_تخصيص المسند‬

‫_ ترك تخصيص المسند‬

‫_ متى يكون المسند اسما معرفا ؟‬

‫_ متى يكون المسند جملة ؟‬

‫_تأخير المسند‬

‫_ تقديم المسند‬

‫وفي الفصل الثاني المتعلق باعتبارات الفعل ومتعلقاته ‪ ،‬فلقد ضمنه السكاكي المسائل التالية ‪:‬‬

‫_ ترك الفعل‬

‫_ إثبات الفعل‬

‫_ترك مفعوله‬

‫_ إضمار فعل الفاعل‬

‫_التقديم والتأخير مع الفعل ‪ ،‬وفيه أنواع ثالثة مع تقييد الفعل ‪.‬‬

‫أما الفن الرابع ففيه الفصل ‪ ،‬والوصل ‪ ،‬واإليجاز‪ ،‬و اإلطناب ‪ .‬بعد تحديد السكاكي للفصل يتبعه‬
‫بالعطف ‪ ،‬والقطع ‪ ،‬واإلبدال ‪ ،‬واإليضاح والتبيين ‪ ،‬وكمال االنقطاع ‪ ،‬والبدل ‪ ،‬والتقرير و التأكيد ‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫واالنقطاع ‪ ،‬والحال و أصله ‪ ،‬والظرف‪ ،‬واإليجاز‪ ،‬و اإلطناب ‪ ،‬واالختصار ‪ ،‬والتمييز ‪ ،‬ومراتب‬
‫الكالم البليغ ‪ ،‬واالستعارة ‪.‬‬

‫داخل هذا الباب يعقد السكاكي فصال في بيان القصر ومعناه ‪ ،‬وطرقه ‪ ،‬وحكم "ال" العاطفة ‪ ،‬والقصر‬
‫بين الفاعل والمفعول ‪ ،‬والقصر بين المفعولين ‪ ،‬والقصر بين ذي الحال والحال ‪ ،‬ثم مستلزمات "إال"‪،‬‬
‫وحكم "إنما " وحكم "غير"‪.‬‬

‫أما القانون الثاني من علم المعاني وهو قانون الطلب ‪ ،‬استهله السكاكي بمقدمة ‪ ،‬وفيه نوعان ‪ ،‬ويضم‬
‫خمسة أبواب وهي على التوالي ‪:‬‬

‫_ الباب األول في التمني‬

‫_ الباب الثاني في االستفهام‬

‫_الباب الثالث في األمر‬

‫_الباب الرابع في النهي‬

‫_الباب الخامس في النداء‬

‫أما الفصل الثاني المخصص لعلم البيان ‪ ،‬فلقد قسمه السكاكي إلى أصول ثالثة ‪:‬‬

‫األصل األول للتشبيه ‪،‬واألصل الثاني للمجاز ‪ ،‬واألصل الثالث للكناية ‪.‬‬

‫ثم عكف على تقسيم كل أصل من هذه األصول بطريقة نموذجية ‪ ،‬فقسم األصل األول وهو التشبيه إلى‬
‫أنواع خمسة‪:‬‬

‫_ النوع األول " طرفا التشبيه" ‪ ،‬والنوع الثاني "وجه التشبيه" ‪ ،‬والنوع الثالث " وجه التشبيه واحدا "‬
‫والرابع "وجه التشبيه غير واحد" ‪ ،‬والخامس " وجه التشبيه ليس واحدا وليس في حكم الواحد"‪.‬‬

‫ثم نظر في الغرض من التشبيه ‪ ،‬وحصر أغراضا أربعة ‪:‬‬

‫أ‪-‬الغرض العائد إلى المشبه‬

‫ب‪ -‬الغرض العائد إلى المشبه إليه‬

‫ج‪ -‬تساوي طرفي التشبيه ‪ :‬المشبه والمشبه به‬

‫د‪ -‬التشبيه التمثيلي‬

‫وفصل القول فيه بالحديث عن أحوال التشبيه ‪ ،‬وفيه ذكر أسباب قرب التشبيه ‪ ،‬وأسباب بعد التشبيه‬
‫وغرائبه ‪ ،‬وقبول التشبيه ‪ ،‬ورد التشبيه ‪.‬‬

‫أما األصل الثاني من علم البيان فهو مخصص للمجاز ‪ ،‬ويضم فصوال خمسة ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -‬الفصل األول خصصه للمجاز اللغوي غير المفيد ‪ ،‬والفصل الثاني للمجاز اللغوي المفيد والخالي‬
‫من المبالغة في التشبيه ‪ ،‬والفصل الثالث لالستعارة ‪ ،‬والفصل الرابع للمجاز اللغوي الراجع إلى‬
‫حكم الكلمة ‪ ،‬والفصل الخامس للمجاز العقلي ‪.‬‬

‫وال يقف السكاكي عند حدود تفريع هذا األصل إلى مجموعة فروع ‪ ،‬و إنما يسترسل في تشعيب هذه‬
‫الفروع إلى مجموعة من الشعب ‪ .‬فيقسم االستعارة ‪ ،‬التي تمثل الفصل الثالث من فصول المجاز إلى‬
‫مجموعة من األقسام ‪:‬‬

‫_ القسم األول يخص االستعارة التصريحية ‪ ،‬والتي يسميها السكاكي باالستعارة المصرح بها‬
‫التحقيقة مع القطع ‪.‬‬

‫_ القسم الثاني لالستعارة التخييلية ‪.‬‬

‫_القسم الثالث في االستعارة المصرح بها المحتملة التحقيق والتخييل ‪.‬‬

‫_ القسم الرابع في االستعارة بالكناية‬

‫_ القسم الخامس في االستعارة اآلصلية‬

‫_ القسم السادس في االستعارة التبعية وتضم االستعارة ب"لعل"‪ ،‬واالستعارة ب"الالم"‪ ،‬واالستعارة‬
‫ب"ربما" ‪ ،‬وقرينة االستعارة التبعية ‪.‬‬

‫_ القسم السابع والثامن في تجريد االستعارة وترشيحها ‪.‬‬

‫أما الفصل عبار لا فمخصص للمجاز اللغوي الراجع إلى حكم الكلمة في الكالم ‪ ،‬والفصل الخامس في‬
‫المجاز العقلي ‪ ،‬وفيه وجوه استعمال المجاز العقلي ‪ ،‬وصور المجاز العقلي ‪ ،‬والحقيقة العقلية‪،‬‬
‫وأقسام المجاز‪.‬‬

‫أما األصل الثالث من علم البيان وهو "الكناية "‪ ،‬فلقد قسمه السكاكي إلى أقسام ثالثة ‪:‬‬

‫_ القسم األول في الكناية المطلوب بها نفس الموصوف‬

‫_ القسم الثاني في الكناية المطلوب الثاني بها نفس الصفة‬

‫_القسم الثالث في الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف‬

‫ثم تعرض ألنواع الكناية ‪ ،‬وخلص الى تعريف البالغة والفصاحة في نهاية حديثه عن علم البيان ‪،‬‬
‫ولم يتبع طريقة أسالفه في اتخاذ هذه التعاريف توطئة للكتابة في علم البالغة ‪ .‬و أنهى الفصل بتحديد‬
‫‪100‬‬
‫البديع ‪ ،‬مميزا فيه بين نوعين من البديع ‪ :‬البديع المعنوي والبديع اللفظي ‪.‬‬

‫‪ - 100‬انظر فيه الفهرسة التي وضعها السكاكي لهذه األبواب في كتابه "المفتاح" ‪ .‬تحقيق علي زرزور‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وجاء حديثه عن البديع في أعقاب كالمه عن الفصاحة ‪ ،‬وهو عنده –أي البديع‪ -‬ال يندرج في البالغة‬
‫‪ ،‬وما يتصل بها من اإلعجاز القرآني ‪ .‬وهو بذلك يتابع الزمخشري في مقدمة الكشاف حين قال ‪":‬‬
‫إن بالغة القرآن ال يدرك حقيقتها إال من بلغ الغاية في معرفة علمي المعاني والبيان ‪ ، 101‬مخرجا‬
‫بذلك علم البديع ومعتبرا إياه ذيال لل ِع ْل َم ْي ِن ‪.‬‬

‫وعلى خطى الفخر الرازي والزمخشري ‪ ،‬لم يدخل السكاكي المحسنات في البالغة ‪ ،‬بل فصلها‬
‫فصال تاما ‪ 102 .‬ولكي يؤكد هذا الفصل جعلها من باب الفصاحة كما ألمعنا إلى ذلك ونحن نعدد‬
‫أبواب الفصل الثالث من كتاب مفتاح العلوم ‪ ،‬في القسم المخصص للمعاني والبيان ‪ ،‬ثم قسمها كما‬
‫رأينا إلى نوعين ‪ ،‬قسم يعود إلى اللفظ وقسم يعود إلى المعنى ‪.‬‬

‫أما المحسنات المعنوية التي تطرق إليها السكاكي فهي ‪ :‬المطابقة ‪ ،‬والمقابلة ‪ ،‬والمشاكلة ‪ ،‬ومراعاة‬
‫النظير ‪ ،‬والمزاوجة ‪ ،‬واللف والنشر ‪ ،‬والجمع ‪ ،‬والتفريق ‪ ،‬والتقسيم ‪ ،‬والجمع مع التفريق ‪ ،‬والجمع‬
‫مع التقسيم ‪ ،‬والجمع مع التفريق والتقسيم ‪ ،‬واإلبهام ‪ ،‬وتأكيد المدح بما يشبه الذم ‪ ،‬والتوجيه ‪،‬‬
‫وسوق المعلوم مساق غيره ‪ ،‬واالستتباع ‪ ،‬واالعتراض ‪ ،‬وااللتفات ‪ ،‬وتقليل اللفظ وال تقليله مما‬
‫يدخل في بعض صور اإليجاز واإلطناب ‪.‬‬

‫أما المحسنات اللفظية التي تكلم عنها فهي ‪ :‬التجنيس ‪ ،‬واالشتقاق ‪ ،‬ورد العجز على الصدر ‪ ،‬والقلب‬
‫‪ ،‬والسجع ‪ ،‬والترصيع ‪.‬‬

‫وبه ينهي السكاكي الفصل الثالث الخاص بالبالغة ‪ ،‬بعدما عرف المعاني والبيان وألحقهما‬
‫بالفصاحة‪ ،‬وأنهى الفصل بالمحسنات البديعية ‪.‬‬

‫لقد عاب كثير من دارسي البالغة على السكاكي صرامة منهجه وكثرة تقسيماته ‪ ، ،‬وكيف بالغ في‬
‫هذه التقسيمات التي أردفها بتفريعات و تشعبات شتى ‪ ،‬وتعريفات ال تعد وتحصى ‪ ،‬وهيمنة المنطق‬
‫والفلسفة على كل ما َحب َر و َحر َر ‪ ،‬وخلوه من القيم الجمالية ‪ ،‬و غياب وظيفة هذه القيم في إيصال‬
‫الداللة إلى المتلقي ‪ ،‬لكن واقع الحال يبين بجالء كيف أن السكاكي ضبط مادته النظرية في قالب‬
‫صلب ومتماسك ال يأتيه الخلل من بين يديه وال من خلفه ‪ ،‬تماما كما كان يفعل المناطقة وأهل‬
‫البرهان‪ ،‬وهذا ‪-‬في نظرنا ‪-‬ال يعيب السكاكي في شيء ‪ .‬ورغم إصرار الكثيرين على االعتراض‬
‫على خلو مادته العلمية من الذوق الجمالي إال أنهم عكفوا عليه يدرسونه آناء الليل وأطراف النهار ‪،‬‬
‫ووضعوا على سفره شروحات عديدة و تالخيص و تفاسير ال تعد وال تحصى‪ ، 103‬وال زال إلى‬
‫اليوم معتمد البالغيين ال يحيدون عن تقسيماته وال يبرحون تفريعاته ‪.‬‬

‫‪ - 101‬انظر مقدمة الكشاف للزمخشري‬

‫‪ - 102‬انظر في ذلك كتاب شوقي ضيف البالغة تطور وتاريخ ص ‪ ، 312‬و باب البديع في مفتاح العلوم للسكاكي‪.‬‬

‫‪ - 103‬انظر فيه شرح قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي ‪ ،‬وشمس الدين محمد بن مظفر الخطيبي ‪ ،‬وناصر الدين الترمذي المعاصر‬
‫للشيرازي ‪ ،‬وعماد الدين يحيى بن أحمد الكاشي المتوفى عام ‪745‬ه ‪ ،‬وسعد الدين بن مسعود التفتازاني‪ ،‬والسيد الشريف علي بن محمد‬
‫الجرجاني المتوفى ‪816‬ه‪1413 /‬م ‪ ،‬الموسوم بالمصباح ‪ ،‬والخطيب القزويني في إيضاحه ‪ ،‬والصعيدي في بغية االيضاح ‪ ،‬ونظام الدين حسن بن‬
‫محمد العرج النيسابوري من علماء رأس المائة التاسعة ‪ ،‬له حاشية على المفتاح‪ .‬ثم حسام الدين الكاتي القاضي المعروف بقاضي الروم ‪ ،‬ثم‬
‫سيف الدين األبهري المتوفى في حدود سنة ‪700‬ه‪1300/‬م ‪ ،‬و شرح موالنا سلطان شاه وهو كشرح السيد الشريف ‪ .‬ثم شمس الدين محمد بن‬
‫مظفر الخلخالي المتوفى عام ‪745‬ه‪1344/‬م ‪ ،‬ثم الخطيب اليمني ‪ .‬وشرحه أيضا أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبري زادة وكتب حاشية‬
‫‪30‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬

‫‪ -‬القرآن الكريم برواية ورش‬

‫‪ -‬أدب الكاتب من تأليف أبي محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري ‪ .‬شرحه وقدم له األستاذ‬
‫علي ناعور ‪ .‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪ .‬الناشر ‪:‬دار المعرفة ‪.‬‬

‫‪ -‬أسرار البالغة تأليف الشيخ أبي بكر عبد القاهر الجرجاني ‪ .‬قرأه وعلق عليه أبو فهد محمود‬
‫محمد شاكر ‪ .‬الناشر دار المدني بجدة (‪1412‬ه‪1991 /‬م)‪ .‬مصر الجديدة‬

‫‪ -‬اإلمتاع والمؤانسة ألبي حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي‪ .‬تحقيق هيثم خليفة‬
‫الطعيمي ‪ .‬سنة النشر ‪1424‬ه‪2004/‬م‪ .‬المكتبة العصرية بيروت لبنان‬

‫‪ -‬أنساب األشراف ألحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَالَذُري من تحقيق سهيل زكار ورياض‬
‫زركلي ‪ .‬سنة النشر ‪ .1977‬عدد المجلدات ‪ .13‬توزيع مكتبة بحوث ودراسات دار الفكر ‪.‬‬
‫توجد منه مخطوطتان فقط بالعالم ‪ ،‬واحدة بأستنبول والثانية بالرباط‪.‬‬

‫‪ -‬إيساغوجي هو كتاب لفورفوريوس الصوري الذي وضعه في القرن الثالث الميالدي و أضافه‬
‫إلى الكتب الثمانية للمنطق التي وضعها أرسطو تحت اسم األوغانون ‪ .‬وهو يعتبر مدخال للمنطق‬
‫األرسطي ‪ .‬أشهر المتون العربية عليه تلك التي وضعها أثير الدين األبهري تحت عنوان ‪ :‬متن‬
‫إيساغوجي في المنطق ‪ .‬نسخ الكتاب أحمد بن الحاج صالح في ربيع األول من عام ‪1265‬ه‬
‫‪1849/‬م‪ .‬وهو من مقتنيات مال قاسم أفندي المفتي ‪ .‬رتبه حديثا وبشكل مبسط جدا محمد بن‬
‫عبد الرحمن بن علي الشهري‪ ،‬موجود على الشبكة العنكبوتية ‪.‬‬

‫على أوائل شرح السيد ‪ ،‬توفي عام ‪962‬ه‪1555 /‬م ‪ .‬والمولى محيي الدين محمد بن مصطفى ال ُم َحشِي المعروف بشيخ زادة المتوفى عام ‪951‬ه‪/‬‬
‫‪1544‬م‪ ،‬وجمال الدين محمد بن احمد الشريشي المتوفى عام ‪769‬ه‪1368/‬م‪ .‬وابن شيخ العوينة زين الدين علي بن الحسين الموصلي الشافعي‬
‫المتوفى سنة ‪755‬ه‪1354 /‬م‪ .‬واختصره بدر الدين محمد بن محمد بن مالك الدمشقي المتوفى سنة ‪686‬ه‪1287 /‬م وسماه المصباح في اختصار‬
‫المفتاح ‪ .‬ونظمه أبو عبد هللا محمد بن عبد الرحمن الضرير المراكشي و شرحه في ضوء الصباح على ترجيز المصباح ‪ ،‬ثم اختصر هذا‬
‫المختصر بدر الدين محمد بن يعقوب الحموي المعروف بابن النحوية وسماه ‪ :‬ضوء المصباح وشرحه في مجلدين ‪ ،‬توفي عام ‪718‬ه‪1414/‬م‪ .‬كما‬
‫لخص القسم الثالث من المفتاح شمس الدين ‪ ،‬جالل الدين محمد بن عبد ا لرحمن بن عمر القزويني الشافعي المعروف بخطيب دمشق المولود سنة‬
‫‪666‬ه‪ 1286 /‬م وسماه تلخيص المفتاح ‪ ،‬وهذا الكتاب مطبوع عدة مرات ثم اختصر تلخيص المفتاح في كتاب اإليضاح فالقى قبوال وانتشارا‬
‫واسعا ‪ ،‬وطبع أكثر من مرة ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬اإليضاح للقزويني ‪ .‬وضع حواشيه ابراهيم شمس الدين ‪ .‬منشورات دار الكتب العلمية ‪ .‬بيروت‬
‫لبنان ط ‪ 1‬بتاريخ ‪2003‬‬

‫‪ -‬البرهان في وجوه البيان ألبي إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب والموضوع تحت عنوان‬
‫خاطئ ‪ :‬كتاب نقد النثر ألبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي ‪ .‬المكتبة العلمية بيروت‬
‫لبنان ‪1440‬ه‪1980 /‬م ‪ ،‬يطلب من دار الباز المروة مكة المكرمة ‪.‬‬

‫‪ -‬البحث البالغي عند العرب للدكتور أحمد مطلوب ‪ .‬منشورات دار الجاحظ ‪ .‬بغداد ‪ .‬الجمهورية‬
‫العراقية ‪1980 .‬م‪.‬‬

‫‪ -‬بحوث في الملل والنحل للفقيه المحقق آية هللا الشيخ جعفر السبحاني ‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق قم‬
‫إيران ‪ .‬الطبعة األولى ‪1427‬ه‪ .‬يقع الكتاب في ثمانية أجزاء ‪.‬‬

‫‪ -‬البالغة تطور وتاريخ للدكتور شوقي ضيف ‪ .‬طبعة دار المعارف ‪ .‬الطبعة الثالثة ‪ .‬سنة الطبع‬
‫‪1965‬‬

‫‪ -‬بنية العقل العربي (دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية) للدكتور محمد بن عابد‬
‫الجابري ‪ .‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ .‬الطبعة األولى بتاريخ ‪.1986‬‬

‫‪ -‬البيان والتبيين ألبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي ‪ ،‬الشهير بالجاحظ ‪ .‬تحقيق ‪:‬‬
‫الدكتور عبد السالم هارون ‪ ،‬الناشر ‪ :‬مكتبة الخانجي بالقاهرة ‪ ،‬عدد المجلدات أربعة ‪ .‬الطبعة‬
‫السابعة‬

‫‪ -‬تاريخ بغداد أو تاريخ مدينة السالم ألحمد بن علي بن ثابت البغدادي (أبو بكر) المعروف‬
‫بالخطيب ‪ .‬المحقق بشار عواد معروف ‪ .‬دار الغرب اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ العلماء النحويين من البصريين و الكوفيين وغيرهم ‪ .‬ألبي المحاسن المفضل بن محمد بن‬
‫مسعر التنوخي المعري المتوفى عام ‪424‬ه ‪ :‬تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ‪ .‬الناشر ‪:‬‬
‫هجر للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1992‬م ‪ .‬عدد أجزائه ‪ :‬واحد‬

‫‪ -‬تثبيت دالئل النبوة للقاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني األسد أبادي ‪ ،‬أبو‬
‫الحسين المعتزلي المتوفى عام ‪415‬ه ‪ .‬الناشر دار المصطفى شبرا القاهرة ‪ .‬عدد األجزاء ‪2‬‬

‫‪ -‬التراث النقدي والبالغي للمعتزلة حتى نهاية القرن السادس الهجري ‪ ،‬للدكتوروليد قصاب ‪ .‬نشر‬
‫وتوزيع ‪ :‬دار الثقافة الدوحة ‪ .‬قطر‬

‫‪ -‬تكوين العقل ا لعربي للدكتور محمد عابد الجابري‪ ،‬وهو العمل األول للجابري في سلسلة نقد‬
‫العقل العربي‪ ،‬الطبعة الرابعة عشرة ‪ .‬الناشر‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ .‬تاريخ النشر‬
‫‪ . 2014‬مجلد واحد ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬تلخيص الخطابة البن رشد ‪ .‬حققه وقدم له د‪ .‬عبد الرحمن بدوي ‪ .‬الناشر ‪ :‬وكالة المطبوعات‬
‫للكويت ودار القلم ‪ .‬بيروت ‪1959‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬تلخيص السياسة البن رشد ‪ ،‬تحقيق حسن مجيد العبيدي و فاطمة كاظم الذهبي ‪ .‬الناشر ‪ :‬دار‬
‫الطليعة للطباعة والنشر ‪ .‬الطبعة الثانية ‪.‬‬

‫‪ -‬الحيوان للجاحظ ‪ .‬شرح و تحقيق عبد السالم هارون ‪ .‬الطبعة الثانية ‪1384‬ه‪1965 /‬م‪.‬‬

‫‪ -‬دالئل اإلعجاز ألبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي ‪ .‬قرأه وعلق‬
‫عليه أبو فهد محمود محمد شاكر‪ .‬مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع ومطبعة المدني‬
‫(المؤسسة السعودية بمصر) بتاريخ ‪1404‬ه‪1984 /‬م‪.‬‬

‫‪ -‬شرح مفتاح العلوم (شرح القسم الثالث من مفتاح العلوم للسكاكي) من إنجاز مسعود بن عمر‬
‫التفتازاني ‪ .‬مخطوطة رقم ‪ . 1426‬المصدر‪the digital library of America l Harvard :‬‬
‫‪university : online‬‬

‫‪ -‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب لعبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العكري الحنبلي (أبو‬
‫الفالح) المحقق ‪ :‬عبد القادر األرناؤوط و محمود األرناؤوط ‪ ،‬الناشر ‪ :‬دار ابن كثير ‪ .‬سنة‬
‫النشر ‪1406‬ه‪1986 /‬م الطبعة األولى ‪ .‬عدد المجلدات ‪10‬‬

‫‪ -‬طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ‪ ،‬تحقيق محمود محمد الطناحي ‪ ،‬وعبد الفتاح الحلو ‪.‬‬
‫الناشر فيصل عيسى البابي الحلبي ‪ .‬سنة النشر ‪ .1964‬عدد المجلدات ‪10‬‬

‫‪ -‬طبقات فحول الشعراء البن سالم الجمحي ‪ .‬تحقيق محمود محمد شاكر القاهرة ‪ . 1974‬الناشر‬
‫دار المدني ‪ .‬عدد المجلدات ‪2‬‬

‫‪ -‬الطراز المتضمن ألسرار البالغة وعلوم حقائق اإلعجاز لإلمام يحيى بن حمزة بن علي بن‬
‫إبراهيم العلوي (أمير المؤمنين) ‪ .‬طبعة مطبعة المقتطف بمصر ‪ . 1914‬الجزء الثالث من‬
‫الكتاب ‪ .‬ملكية جامعة تورنتو بكندا ‪ .‬نسخة مصورة وموجودة على الشبكة العنكبوتية ‪.‬‬

‫‪ -‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين لإلمام فخر الدين الرازي ‪ .‬مراجعة وتحليل علي سامي‬
‫النشار ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ .‬بدون تاريخ‬

‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني –بالغته ونقده‪ -‬للدكتور أحمد مطلوب ‪ .‬بيروت ‪.1973‬‬

‫‪ -‬عيون األخبار ألبي محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري ‪ .‬الناشر دار الكتب المصرية ‪.‬‬
‫دار الكتاب العربي ‪ .‬سنة النشر ‪ .1925‬عدد المجلدات أربعة ‪.‬‬

‫‪ -‬الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ‪ ،‬تحقيق محمد الخشت ‪ .‬الناشر ‪ :‬مكتبة ابن سينا للنشر‬
‫والتوزيع والتصوير ‪ .‬غير مفهرس ‪.‬عدد مجلداته واحد ‪.‬‬

‫‪ -‬فن الخطابة للدكتور أحمد محمد الحوفي ‪ .‬دار النهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ‪1985 .‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -‬الفهرست في أخبار العلماء المصنفين من القدماء والمحدثين و أسماء كتبهم ‪ .‬البن النديم (أبو‬
‫الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق )‪ .‬المحقق ‪ :‬رضا تجدد المازنداري ‪ .‬عدد‬
‫مجلداته واحد ‪ .‬واعتمدنا على التي قابلها على األصل ‪ :‬أيمن فؤاد سيد ‪ .‬لندن ‪ .‬مؤسسة الفرقان‬
‫للتراث اإلسالمي ‪ .‬نسخة مؤرشفة عن األصل ‪.‬‬

‫‪ -‬الفوائد البهية في تراجم الحنفية لمحمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي (أبو الحسنات ) ‪ .‬المحقق ‪:‬‬
‫محمد بدر الدين أبو فراس النعساني ‪ .‬الناشر ‪ :‬مطبعة السعادة ‪ .‬سنة النشر ‪1324‬ه ‪.‬الطبعة‬
‫األولى ‪ .‬عدد مجلداته ‪ :‬واحد‬

‫‪ -‬الكامل في التاريخ لعلي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ‪ ،‬أبو الحسن‬
‫عز الدين ابن األثير ‪ .‬المحقق ‪ :‬أبو الفداء عبد هللا القاضي ‪ .‬الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪1407‬ه‬
‫‪1987 /‬م ‪ .‬عدد المجلدات ‪ . 11‬الطبعة األولى‪.‬‬

‫‪ -‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ألبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار هللا‪.‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي بيروت ‪ .‬الطبعة الثالثة ‪ .‬عدد أجزائه أربعة ‪.‬‬

‫‪ -‬كتاب الصناعتين ألبي هالل العسكري (أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل العسكري ‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار إحياء الكتب العربية ‪،‬‬
‫بتاريخ ‪1371‬ه‪1952 /‬م‬

‫‪ -‬لب األلباب في تحرير األنساب لجالل الدين السيوطي ‪ .‬تحقيق محمد أحمد عبد العزيز و أشرف‬
‫أحمد عبد العزيز ‪. .‬عام ‪ .1840‬عن طبعة ليدن ‪(.‬نسخة مصورة على النت)‬

‫‪ -‬لسان الميزان ألبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقالني ‪ .‬المحقق ‪ :‬دائرة‬
‫المعارف النظامية ‪ ،‬الهند الناشر ‪ :‬مؤسسة األعلمي لمطبوعات بيروت –لبنان الطبعة الثانية‬
‫‪1390‬ه‪1971 /‬م‪ .‬عدد أجزائه ‪7‬‬

‫‪ -‬مروج الذهب ومعادن الجوهر ألبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى عام‬
‫‪346‬ه ‪ .‬تحقيق ‪ :‬أسعد داغر ‪ .‬عدد األجزاء ‪ .4‬الناشر ‪ :‬دار الهجرة –قم ‪ .‬تاريخ النشر‬
‫‪1409‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬معجم البلدان لألديب الشاعر الشيخ اإلمام ‪ ،‬أبو عبد هللا ياقوت بن عبد هللا الحموي الرومي‬
‫البغدادي المشهور بياقوت الحموي ‪ .‬الناشر ‪ :‬دار صادر ‪ .‬سنة النشر ‪1993 :‬م ‪ .‬عدد المجلدات‬
‫‪5:‬‬

‫‪ -‬معجم المؤلفين (وتراجم مصنفي الكتب العربية) لعمر رضا كحالة ‪ .‬دار إحياء التراث العربي‬
‫بيروت ‪ .‬الناشر ‪ :‬مكتبة المثنى‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬المغني في أبواب التوحيد والعدل ‪ .‬إمالء القاضي أبي الحسن عبد الجبار األسدآبادي ‪ .‬تحقيق‬
‫توفيق الطويل ‪ .‬راجعه الدكتور إبراهيم مدكور بإشراف الدكتور طه حسين ‪ .‬يقع في ‪ 16‬جزءا‬
‫لم تصلنا كاملة ‪ .‬وأعادت نشره دار بيضون ‪ .‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ .‬طبعة ‪. 2012‬‬

‫‪ -‬مفتاح العلوم ألبي يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي ‪ .‬ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه‬
‫نعيم زرزور ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ .‬الطبعة الثانية ‪1407‬ه‪1987 /‬م‪ .‬عدد صفحاته ‪ 628‬صفحة‪.‬‬

‫‪ -‬المقدمة لعبد الرحمن بن خلدون ‪ .‬الطبعة ‪1413 ،11‬ه ‪ . 1992 /‬دار القلم بيروت لبنان ‪.‬‬

‫‪ -‬الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني أبو الفتح ‪ .‬تحقيق أحمد فهمي محمد ‪ .‬الناشر ‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ .‬سنة النشر ‪1413 :‬ه‪1992 /‬م‪ .‬الطبعة الثانية وعدد مجلداتها ‪1‬‬

‫‪ -‬نزهة األلباب في طبقات األدباء ألبي البركات األنباري‪ .‬تحقيق ‪ :‬ابراهيم السامرائي ‪ .‬منشورات‬
‫مكتبة المنار ‪ .‬الطبعة الثالثة ‪.1985 .‬‬

‫‪ -‬نقد الشعر لقدامة بن جعفر ‪ .‬مطبعة الجوانب قسطنطينية ‪ .‬سنة النشر ‪ 1302‬ه‪ .‬عدد المجلدات‪1:‬‬

‫‪ -‬نقد النثر أو كتاب البيان لقدامة ابن جعفر تمهيد ‪ :‬طه حسين ‪ .‬تحقيق العبادي ‪ .‬تصوير دار‬
‫الكتب العلمية ‪ ،‬اتضح فيما بعد أنه كتاب البرهان في وجوه البيان ألبي الحسين اسحاق بن‬
‫ابراهيم بن سليمان بن وهب ‪.‬‬

‫‪ -‬النكت في إعجاز القرآن لعلي بن عيسى بن علي بن عبد هللا (أبو الحسن الرماني المعتزلي)‪.‬‬

‫منشور ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآن (سلسلة ذخائر العرب) ‪ . 16‬محمد خلف هللا ‪ ،‬د‪ .‬محمد‬
‫زغلول سالم ‪ .‬طبعة دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1976‬م‪.‬‬

‫‪ -‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ألحمد بن محمد بن ابراهيم بن أبي بكر ابن خلكان القضاة‬
‫البرمكي اإلربلي (أبو العباس) ‪ .‬تحقيق ‪ :‬الدكتور‪ :‬إحسان عباس ‪ .‬الناشر ‪ :‬دار صادر بيروت ‪.‬‬
‫سنة النشر‪ .1972 :‬عدد المجلدات ‪8:‬‬

‫‪35‬‬
36
37
38
39

You might also like