Professional Documents
Culture Documents
عشت مع القرآن الكرمي ،ويف عامله منذ نعومة أظافري يف ال ُكتَّاب ،حىت
أمتمت حفظه يف سن الثانية عشرة ،وجودت قراءته سنة ،مث رافقت علومه يف
معاهد األزهر تسعة أعوام حىت الثانوية األزهرية .ويف اجلامعة شاء اهلل تعاىل أن
أختصص يف اللغات السامية ،فكانت العربية حاضرة مع علومها ويف صميمها
القرآن ولغته وبالغته ،مع دراسة كافية للغات سامية أخرى هي العربية واآلرامية
(السريانية) ومل يكن مثة نص يستحق الدراسة باللغة العربية قدر ما كان الكتاب
املسمى باملقدس بعهديه القدمي بالعربية واجلديد بالسريانية ،مدة أربع سنوات
جامعية يف معهد اللغات والرتمجة يف جامعة األزهر ..اليت خترجت فيها سنة
1973م ،وعينت هبا معيدا يف قسم الدراسات السامية ،مث أوفدين األزهر إىل
جامعة السوربون بباريس لدراسة هذه اللغات يف مرحلة الدكتوراه ،فاخرتت
موضوع "التعريف والتنكري وبناء اجلملة يف عربية العهد القدمي وعربية القرآن
الكرمي .دراسة لغوية تركيبية مقارنة".
املصطلح :ليس هذا البحث متخصصا يف الرتمجة فنا أو علما ..وليست هذه
مناقشة لتعريفات املعاجم العربية وغري العربية ملصطلح الرتمجة ،إمنا هي إشارة
عابرة للتذكرة؛ وألن األمر يتعلق برتمجة معاين القرآن الكرمي .والرتمجة والتفسري
مصطلحان مرتادفان متداخالن يف العربية ،ويف الفرنسية كذلك.
فماذا تقول املعاجم العربية عن "الرتمجة"؟
يقول ابن منظور يف "لسان العرب" :الرَّت مُج ان والرُت مجان -بفتح التاء
1
وضمها -املفسر ِلِّلسان ،ويف حديث هرقل :قال لرتمجانه ..والرتمجان بالضم
والفتح :هو الذي يرتجم الكالم أي ينقله من لغة إىل أخرى ،والرتمجان :املفسر،
()1
وقد ترمجه وترجم عنه"
ويقول الفريوزآبادي يف "القاموس احمليط"" :الرتمجان :املفسر ِلِّلسان ،وقد
()2
ترمجه وعنه".
وجاء يف "الصحاح"" :يقال :ترجم كالمه إذا فسَّره بلسان آخر ،والرتمجة:
()3
النقل من لغة إىل أخرى".
ويف "منت اللغة"" :ترجم كالمه :بََّينه وأوضحه ،وترجم الكتاب وترجم عنه:
()4
فسر بلسان آخر ،والرتمجان :الناقل الكالم من لغة ألخرى واملفسر للسان". َّ
فسر
ويف "تاج العروس"":الرتمجان" املفسر ِلِّلسان وقد ترمجه وترجم عنه إذا َّ
()5
كالمه بلسان آخر ،وقيل :نقله من لغة إىل أخرىˆ.
فسر كالمه بلسان آخر، ويف "البستان"" :ترجم اللسان وترجم عنه ترمجةَّ .
()6
وترجم الكالم بالعربية :نقله إليها".
ويف "املعجم الوسيط"" :وترجم الكالمَ :بَّينه ووضحه ˆ،وترجم كالم غريه،
()7
وعنه ،نقله إىل لغة أخرى".
وال يكاد املرء يستنتج من كل هذه اإلشارات ،إال أن الرتمجة نقل من لغة إىل
لغة أخرى غالبا ،وقد تكون البيان والتوضيح ،أعين التفسري.
2
إن الرتمجة تعين نقل حمت ˆˆوى النص إىل مس ˆˆتوى آخر داخل لغته األص ˆˆلية ،وهو
ما يطلق عليه"تفسري" ،ولكن إش ˆ ˆ ˆˆارة املع ˆ ˆ ˆˆاجم إليه سˆ ˆ ˆˆريعة .ف ˆ ˆ ˆˆإذا حاولنا التم ˆ ˆ ˆˆاس
تعريف الرتمجة والرتمجان مبعىن التفسري واملفسر فعلينا باحلديث النبوي:
"وأما العَْيلةُ ،فإن الساعة ال تقوم حىت يطوف أحدكم بصدقته ال جيد من
يقبلها منه ،مث لَيَ ِق َف َّن أحدكم بني يدي اهلل ،ليس بينه وبينه حجاب وال َترُْجمان
()1
يرتجم له".
مث جند يف أثر أيب مجرة:
()2
"كنت أترجم بني ابن عباس وبني الناس"
ويف أثر حممد بن احلسن:
()3
"ال بد للحاكم من مرتمجني"
ومبناسبة ذكر ابن عباس ،جتدر اإلشارة إىل أنه كان يسمى"ترمجان القرآن"
ويقال :إن "ابن مسعود هو الذي كان يوصف هبذه الصفة" .وال يتصور أن أياً
منهما كان يرتجم القرآن إىل لغة غري العربية وإمنا كان يفسره ،ويشرح غريب
كلماته باللغة العربية.
فإذا انتقلنا إىل املعاجم اإلجنليزية وجدناها تعرف الرتمجة على أهنا" :عملية
حتويل املفردات والرتاكيب والعبارات من لغة إىل أخرى مع احلفاظ على املعىن"
كما جند يف املوسوعة العاملية" :جيب على املرتجم أن حيلل أوالً النص األصلي
وأن حيدد شكله وماهيته ،أي جيب أن يعرف ما إذا كان هذا النص دينيا أم
تارخييا أم علمياً ،وأن يقوم بعد ذلك بتحديد األسلوب الذي من الواجب اتباعه
3
()1
يف الرتمجة".
أما موسوعة الروس الفرنسية ،فهي اليت تشري صراحة إىل أن كلمة ترمجة قد
تعين" :نقل اللفظ أو النص أو اللغة إىل لغة أخرى مع احلفاظ على املعىن ،وقد
أيضا إعادة كتابة النص يف لغته األصلية بشكل أوضح"(.)2 تعين كلمة ترمجة ً
وهي بذلك تتفق مع لسان العرب والقاموس احمليط ،ومع مفهوم احلديث
النبوي بأن الرتمجة تفسري واملرتجم مفسر.
وقبل الدخول إىل عامل القرآن الكرمي ،ما مفهوم عملية الرتمجة؟ إن الرتمجة
كانت ومازالت مهًّا ثقيال من مهوم حركة العقل العلمي يف احلضارات والثقافات
املختلفة..
إهنا عملية خلق أو إبداع فين ،تكاد تكون أكثر صعوبة من عملية التأليف
حرا يف اختيار مفرداته وتراكيبه وأسلوبه،أساسا ،ألن املؤلف ابتداء جيد نفسه ً
ً
يستطيع أن يعدل عن كلمة إىل أخرى ،وأن يرتك تركيبا لريجح آخر ،مث ينقح
أسلوبه كما حيلو له .أما املرتجم فهو أسري النص الذي يرتمجه ˆ،مقيد به وبكل ما
فيه ،ال حيق له أن يبتعد عنه ،إذ هو ملتزم باألمانة .وإذا افرتضنا أنه متمكن متام
التمكن أو على درجة منه يف لغة النص املرتجم ،فثمة قيود أخرى حتد من التزامه
الكامل بكل أبعاد هذا النص ووجوه تفاصيله يف لغته ،إذ جيد نفسه أمام اللغة
األخرى ˆ،اللغة املتلقية ،املرتجم إليها .وهي كما يقول املتمرسون يف هذا احلقل،
حقل الرتمجة"لغة سيدة" ال بد أن يتبعها ويلتزم أوامرها ونواهيها ˆ...إذ هي اليت
باألحرى الذي قد ال يعرف سيواجه هبا القارئ ،الذي قد ال يعرف إالَّ إياها ،أو ْ
شيئا عن لغة النص األصلية -اللغة املرسلة -املرتجم منها.
إن املرتجم يعيش عملية تواصل أو تعانق بني لغتني ،أي بني حضارتني
Lexicon Universal Encyclopaedia. Vol 2. p 90 )1(1
Encyclopédie Larousse. P. 512 )2(2
4
وثقافتني تتمايزان يف روحيهما ومشاعرمها وانفعاالهتما وسلوكهما.
عصرا ،حىت قدإهنا ح ًقا لعملية معقدة وشاقة ،بل إهنا ملعاناة تعصر املرتجم ً
مضطرا الرتكاب درجة من اخليانة إلحدى اللغتني ،بل هلما معاًˆ... ً جيد نفسه
ورمبا كان هذا سبب قوهلم "كل ترمجة خيانة" فإذا اختار هنجا ومنطًا للرتمجة فهو
حمصور بني صفتني تتجاذبانه ،مها األمانة واجلمال ..أمانة الرتمجة حيث جيتهد يف
حتميل النص يف اللغة املتلقية ،أكثر مما ميكن أن يتحمله النص يف اللغة املرسلة..
لغة النص األصلية ،ومجال الرتمجة يف اللغة املتلقية .ومها ال يتأتيان ح ًقا.
وال يستطيع باحث يف مثل ما حنن بصدده من مقام أن حيصر كل ما قيل عن
اهتماما
ً الرتمجة عند العرب قبل نشأة "دار احلكمة" حىت اليوم ،إذ لقيت منهم
كبريا ودرسوها دراسة مفصلة ،وانتهوا إىل أهنا تظل نسبية ،وال ميكن القول فيها ً
بالكمال التام.
وسوف حناول هنا أن نشري إشارات سريعة إىل آراء بعض علماء العرب ،يف
الرتمجة ،لغتها وطرائقها ومناهجها وصعوباهتا:
أوالً :من القدماء:
– 1نقل هباء الدين العاملي ( 1031هـ) عن صالح الدين الصفدي (ت
764هـ):
"أن للعرب يف ذلك طريقتني :األوىل :أن ينظر املرتجم إىل كل كلمة مفردة
من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من املعىن فيأيت الناقل بلفظة مفردةˆ من
الكلمات العربية ترادفها يف الداللة على ذلك املعىن فيثبتها ،وينتقل إىل اللغة
األخرى حىت يأيت على مجلة ما كان يريد تعريبه .واألخرى :أن يأيت اجلملة
فيحصل معناها يف ذهنه ،ويعرب عنها من اللغة األخرى جبملة تطابقها سواء
5
()1
ساوت األلفاظ أم خالفتها".
مثة مشكلة يف كالم الصفدي وهي يف عبارته :ينظر املرتجم إىل كل كلمة
من اللغة اليونانية فيأيت بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها يف الداللة ،ويف
عبارته :أن يأيت باجلملة فيحصل معناها يف ذهنه مث يعرب عنها من اللغة األخرى
جبملة تطابقها .إن الصفدي يتصور أن املفردة اليونانية هلا مفردةˆ مرادفة ،أي
متاما يف العربية وأن اجلملة ستكون هلا مجلة تطابقها.تساويها ً
فهل تتطابق اللغات؟
قد جند اإلجابة عن هذا السؤال فيما نقله أبو حيان التوحيدي عن نقد
السريايف الدقيق ترمجة يونس بن مىت إذ يقول له:
"جيب أن تعلم أن كل لغة من اللغات ال تطابق أي لغة أخرى من مجيع
جهاهتا ،حبدود صفاهتا وأمسائها وأفعاهلا وظروفها ،وتأليفها وتقدميها وتأخريها
()2
واستعاراهتا وحتقيقها".
وسوف نالحظ أن هذه املشكلة -مشكلة عدم التطابق التام بني اللغات
اإلنسانية من مجيع الوجوه -هي العقبة الكؤود اليت ُترْهق مرتجم معاين القرآن
الكرمي املتمكن من أمره عسرا ،كما سنحاول أن نربز ذلك يف حينه.
– 2فإذا وصلنا إىل اجلاحظ ،وكيف يرى املرتجم الذي جيب أن ميسك
مبقوديˆ لغتني يف وقت واحد ،جنده يقول يف"كتاب احليوان" إن "الرتمجان ال
أبدا ما قال احلكيم على خصائص معانيه ،وحقائق مذاهبه ،ودقائق يؤدي ً
اختصاراته ،وخفيات حدوده ،وال يقدر أن يوفيها حقوقها ،ويؤدي األمانة فيها،
ويقوم مبا يلزم الوكيل… وكيف يقدر على أدائها وتسليم معانيها واإلخبار عنها
على حقها وصدقها ،إال أن يكون يف العلم مبعانيها ،واستعمال تصاريف ألفاظها،
)?(1حممدˆ عبد اللطيف هريدي .فن الرتمجةˆ األدبية ص . 31
)?(2إبراهيم أنيس .داللة األلفاظ ص . 1976. 31ص . 71 ، 70مكتبة األجنلو مصرية.
6
وتأويالت خمارجها ،مثل مؤلف الكتاب وواضعه ،فمىت كان ابن البطريق ،وابن
ناعمة ،وابن قرة ،وابن فهريز ،وفيفيل ،وابن املقفع مثل أرسطا طاليس؟ ومىت
كان خالد( )1مثل أفالطون؟"(.)2
نستنتج من جممل كالم هؤالء أن إشكال الرتمجة ،أية ترمجة يكمن يف نقطتني
أساسيتني متداخلتني ومها:
-1استحالة تطابق اللغات ،أي استحالة تطابق اللغة املرسلة املرتجم عنها مع
اللغة املتلقية أي املرتجم إليها يف كل أبعادها وخصائصها.
-2استحالة تطابق املرتجم مع املؤلف مبدع النص األول ومنتجه.
وال بد أن نلمح هنا -وحنن مازلنا مل ندخل بعد إىل عامل ترمجة معاين
القرآن الكرمي -إىل عدة مالحظات ،عما ورد يف كالم الزيات وعزام
وغريمها ،وهي مالحظات ذات مغزىˆ كبري أمهها:
-مسألة نفوذ املرتجم إىل روح الكاتب ،أي املؤلف أو املبدع القاص أو
بشريا ،وال
بداعا ً الشاعر :فكيف بروح القرآن الكرمي وهو ليس كتابة وال ِإ ً
شعرا ؟!
قصا وال ً ً
-وكيف باندماج املرتجم فيمن يرتجم عنه؟ اندماج َمْن مبن؟ أو مباذا ؟
وكيف يشعر به ،بقلبه ،وينظر بعينه وينطق بلسانه؟
-وما حدود اللسان القرآين حىت نطالب املرتجم بالدخول إليها وإدراك
حميطها وأبعادها ؟
-مث كيف ميكن التوفيق بني شيء من أعماق هذه العربية القرآنية وهي لغة
خاصة غاية اخلصوص! وبني لغة كالفرنسية أو العربية (اللتني اطلعنا على
الرتمجات فيها) يف جمال املفردات ،وما تعين من مفاتيح حضارية نتاج تاريخ
)?(1يقصد :خالد بن يزيد بن معاوية.
)?(2اجلاحظ .كتاب احليوان. 76 ، 1/75 .
7
اللغة الطويل؟ وما حتمله املفردة من حيوية خاصة ،بإحيائها يف لغتها ويف
سياقها؟ مث يف جمال تأليف اجلملة وتركيبها ،مث يف نظم أساليبها وبالغتها
وألواهنا وظالهلا وحركتها يف تصوير البيئة والطبيعة والنفسية؟!
ثانيا :القرآن الكريم وترجمة معانيه
بنˆˆاء على ما ذكر من أن الرتمجة والتفسري متˆˆداخالن يف تعريفهمˆˆا ،وبنˆˆاء
على أن املرتجم مفسˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆر ،واملفسر مˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆرتجم ،ال بد لنا أن نشري إىل أن القˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆرآن
الكˆ ˆ ˆˆرمي كتˆ ˆ ˆˆاب اهلل وكالمه الˆ ˆ ˆˆذياَّل يَ ۡأتِي ِه ٱ ۡل ٰبَ ِط ُل ِم ۢن بَ ۡي ِن يَ َد ۡي ِه
يل ِّم ۡن َح ِك ٍيم َح ِم ٖيد ( ٤٢فصˆˆلتَ ) 42 :تحَˆ َّ ۡ
دد َواَل ِم ۡن َخلفِ ِهۦۖ تَ ِ
نز ٞ
وكمل ،ووضˆˆحت معامله قبل مفارقة النيب صˆˆلى اهلل عليه وسˆˆلم للˆˆدنيا، نصˆˆهُ ،
ولكن تفاس ˆˆريه وش ˆˆروحه ودراس ˆˆاته ب ˆˆدأت منذ نزول ˆˆه ،ومل تنته ومل تغلق حىت
ومْن عليها. يومنا هذا ،بل حىت يرث اهلل األرض َ
وهو منذ حلظة الوحي به ،وإىل أبد اآلبدين لن يتوقف عن اهلدى
ت َربِّي لَنَفِ َد ٱ ۡلبَ ۡح ُر ان ٱ ۡلبَ ۡح ُر ِم َد ٗادا لِّ َكلِ ٰ َم ِ
والعطاء:قُل لَّ ۡو َك َ
ت َربِّي َولَ ۡو ِج ۡئنَا بِ ِم ۡثلِ ِهۦ َم َد ٗدا ١٠٩ قَ ۡب َل َأن تَنفَ َد َكلِ ٰ َم ُ
ض ِمن َش َج َر ٍة َأ ۡق ٰلَ ٞم َوٱ ۡلبَ ۡح ُر (الكهفَ )109 :ولَ ۡو َأنَّ َما فِي ٱَأۡل ۡر ِ
ت ٱهَّلل ۚ ِ ِإ َّن ٱهَّلل َ يَ ُم ُّدهُۥ ِم ۢن بَ ۡع ِد ِهۦ َس ۡب َعةُ َأ ۡبح ُٖر َّما نَفِ َد ۡت َكلِ ٰ َم ُ
َع ِزي ٌز َح ِك ٞيم ( ٢٧لقمان .) 27 :هذه معجزته ،أو هذا هو جانب من
جوانب إعجازه ،وهو اتساعه وصالحه لكل جوانب احلياة مع اتساع الزمان
واملكان وتفاوهتما وتغايرمها.
محال أوجه ،أو هو كما قال علي رضي اهلل عنه" :إمنا هو سطر والقرآن َّ
()1
بني دفتني ال ينطق ،إمنا يتكلم به الرجال"
وقد اجتهد املفسرون ،ومازالوا جيتهدون يف حماوالت الغوص إىل بعض
8
ق ُكلِّ
أعماق حبره ،وأىَّن هلم؟ وهم مقيدون مبستوى علمهمَ ،وفَ ۡو َ
ِذي ِع ۡل ٍم َعلِ ٞيم ( ٧٦يوسف )76:ومقيدون بظروف عصورهم ومعطيات
احلياة يف جمتمعاهتم وبيئاهتم ،وال بد أن تستمر حماوالهتم وتتكرر ،ما دامت
شؤون احلياة الدنيا والعقل اإلنساين يف حالة حركة ال تنتهي ،وهم إن
واحدا. أجرا ً اجتهدوا فأصابوا نالوا أجرين ،وإن اجتهدوا فأخطؤوا نالوا ً
أفال حيق ذلك للمرتمجني املفسرين بلغات أخرى غري العربية ،إذ هم
حياولون التماس توضيح ما ميكنهم من بعض ما جيود به القرآن؟!ˆ
بلى إن هؤالء وأولئك حني يصيبون يساعدون أممهم وشعوهبم على
التماس سبل اهلداية من األبواب الصحيحة للقرآن ،وحني خيطئون فهم ال
يضرون القرآن ،ولن يضروه ولن يشوهوه ،بل هم يسيئون إىل عقوهلم
وعقول شعوهبم ،وهم يضروهنا بدرجات متفاوتة.
وكما متوت التفاسري الضˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆعيفة ،أو خيبو ضوءها أو ينتهي ،فكˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆذلك
الرتمجات الضˆˆعيفة والسˆˆيئة ،سˆˆواء أكˆˆانت عن عمد أم عن خطˆˆأ ،فهي تضˆˆيع
يف زوايا اإلمهال والنسيان ،ألهنا ضد قوانني األشˆياء ،وضد أصˆول العلم الˆذي
يطمح إىل التق ˆˆدم والتص ˆˆحيح ويطمح يف الوص ˆˆول إىل درجة من اليقني الق ˆˆائم
على أسس من العقل القˆ ˆ ˆˆومي.فََأ َّما ٱل َّزبَ ُد فَيَ ۡذهَبُ ُجفَ ٓاءٗۖ َوَأ َّما َما
ض ِربُ ٱهَّلل ُ ض َك ٰ َذلِ َ
ك يَ ۡ ث فِي ٱَأۡل ۡر ۚ ِ اس فَيَمۡ ُك ُ
يَنفَ ُع ٱلنَّ َ
ٱَأۡلمۡ ثَا َل ( ١٧الرعد.)17 ˆ:
و كما أن التفسري ال ميكن بˆ ˆˆأي حˆ ˆˆال من األحˆ ˆˆوال أن يبلغ درجة ما يف
الق ˆˆرآن يف وجه من وجوه ˆˆه ،فك ˆˆذلك الرتمجة لن ميكنها قط أن تبلغ مس ˆˆتوى
النص األص ˆˆلي الع ˆˆريب للق ˆˆرآن املبني .ولكن ه ˆˆذا لن يقف قط عقبة أم ˆˆام توجُّه
هˆˆؤالء وأولئك املسˆˆتمر والˆˆدائب حملاولة الوصˆˆول إىل أقصى درجة من القˆˆرب
9
من النص الكرمي.
علما بكل
ومن حياول التعرض لرتمجة معاين القرآن الكرمي ال بد أن حييط ً
أبعاد هذه اإلشكالية ،ومن جوانبها العديدة:
-اجلانب التارخيي ،أي ماكتب عنه ،من جواز الرتمجة أو حترميها
شرعا ،وهل كان ذلك خاصا بتالوة املرتجم يف الصالة ،أو بتالوته ً
عموما؟ ويف ذلك تفاصيل كثرية ودقيقة كتبها األئمة والفقهاء ً
واملرتمجون والباحثون ،منذ صدر اإلسالم ،أو منذ ظهور حركة الرتمجة
يف العصر العباسي .مث عادت املشكلة إىل الظهور بشكل أكثر حدة يف
الثالثينيات من القرن العشرين ،ودارت معركة حامية بني جانب القول
بالرفض والتحرمي ،وجانب القول جبواز الرتمجة بل بضرورهتا ،واجنلت
املعركة بفوز القائلني باجلواز أو حبتميته.
وميكننا أن ننقل ما انتهى إليه قول عاملني كبريين ممن أفاضوا يف ذلك
احلديث ،ومها الشيخ حممد مصطفى املراغي شيخ األزهر يف ذلك الوقت،
وحممد فريد وجدي.
يقول حممد فريد وجدي" :إن وضع القيود غري املعقولة يف مسألة نقل
قرونا
القرآن يقضي عليه هبزمية منكرة ،تقع نتائجها علينا وعلى أعقابنا ً
طويلة ،ومعناه صدُّه عن اجلوالن يف الدورة الفكرية العاملية مع غريه من
البت يف هذا الشأن
كتب األديان السابقة .وإن كل ما خيشى منه أن يوكل َّ
ملن ال يعرفون لغات أجنبية ،فيخيل إليهم أهنا لغات بربرية ،ختلو من
الزخارف اللفظية واملعنوية اليت ال توجد إال يف العربية.
وإن تعطيل القرآن عن الرتمجة احلرفية والزج به يف معرتك األفهام إىل
مقصورا على
ً أنصارا من األمم الغربية ،فصار
اليوم قضى عليه أال يكسب ً
10
األمم الشرقية اليت رضيت أن يكون حظها من دينها كحظ الببغاء .وال يعقل
أن توجد أداة لنشر اإلسالم تضارع القرآن ،وليس يف قدرة البشر أن يبتكروا
()1
أسلوبًا كأسلوبه جلذب العقول واألرواح".
وأما رأي الشيخ املراغي فهو يقوم على آراء كبار السابقني من علماء
اإلسالم ،وعلى رأسهم اإلمام أبو إسحاق الشاطيب .يقول املراغي" :أثبت
الشاطيب جواز الرتمجة وإمكاهنا بقوله :إن أهل اإلسالم أمجعوا على جواز
()2
تفسريه للعامة ،وهذا إمجاع منهم على جواز ترمجته".
واجلدير بالذكر أن املراغي نقل من آراء الشاطيب ما ميس اجلانب التقين،
الذي ميس فيما ميس البعد اللغوي ،وسوف نذكر شيًئا منه يف موضعه.
.ثالثا :خصوصية لغة القرآن
يقول الشيخ املراغي" :جيب على كل مسلم يعرف العربية ويفهمها أال
حييد عن قراءة النظم العريب إىل قراءة إحدى الرتمجات ،وال ميكن االدعاء بأن
النظم العريب يؤثر ،وتكون له لذة وطالوة عند جاوي أو فارسي أو تركي،
أو صيين ال يفهم العربية ،فاألمم اإلسالمية اليت ال تفهم العربية ليست اآلن
واقعة حتت تأثري طالوة النظم العريب ،حىت تكون قراءة الرتمجات مانعة عنهم
هذه الطالوة وهذا التأثري ،وعلى العكس فإن قراءة الرتمجات جتعلهم حيصلون
()3
على طالوة املعاين ولذهتا وتأثريها"
وأما اجلانب اآلخر :جانب الدالالت ،واملعاين فال بد أن يظل يف متناول
العلماء والعقالء من البشر ،إذ إن القرآن يف معانيه ونواهيه وأوامره
مجيعا ،كما يقول ويكرر هو ذاته عن نفسه. وتشريعاته متوجه للبشر ً
)?(1حممد فريد وجدي .األدلة العلميةˆ على جواز ترمجة القرآن ص 1936 ،21-16م.
)?(2حممد مصطفى املراغي .حبث يف ترمجة القرآن وأحكامها .مطبعة الرغائب1936 .م .
)?(3املراغي .مرجع سابق ص . 16
11
وتنقسم الدالالت إىل أصلية وتابعة ،وعن هذه األخرية وترمجتها يقول
املراغي" :إن االدعاء بأن القرآن الكرمي كله ال ميكن ترمجته ألنه معجز ،ادعاء
خاطئ ،بل احلق أن يقال :إنه ميكن ترمجته من ناحية الدالالت األصلية،
()1
ويستحيل ترمجته من ناحية الدالالت التابعة".
وإذا كان ما قاله املراغي رأيا له -أو نقال عن الشاطيب وغريه -قد ورد
يف سياق حوار ساخن -كما سبق أن ذكرنا -وصل إىل درجة معركة حامية
شرعا أو ال؟ جند أنفسنا
حول اجلانب الشرعي من مشكلة الرتمجة ،هل جتوز ً
اليوم يف حاجة ماسة إىل اسرتجاع كل ما قاله هو وغريه من علماء اإلسالم،
وأخريا باجلوانب التقنية
ً حوارا ساخنًا من نوع آخر ،يتعلق أوالًلندخل به ً
للرتمجة… ما ميكن ترمجته ،وما ال ميكن ،أو يقرب إىل درجة قريبة من
االستحالة ،وما سنحاول حصره أو تصنيفه حىت يتبني القارئ مواضع
الصعوبة فيتوخَّى احلذر ،ويتوقى الزلل ويأخذ الرتمجة بعني النسبية ،وحيكم
على درجة القرب أو البعد اليت يصل إليها املرتجم خالل عمله.
ومبا أننا ال ننتظر قط من عريب عارف بأصول اللسان العريب ومداخله
وخمارجه وأساليبه وبالغته أن يقرأ القرآن بلغة أعجمية ،اللهم إال للدراسة
والبحث ،جيب علينا أن ننظر إىل الرتمجة على أهنا موجهة لألعاجم ،أو من
يسمون باألجانب من غري أهل العربية .وهؤالء األعاجم بينهم اليوم عدد
ضخم من املسلمني ،وأعداد أكرب من غري املسلمني ،وهؤالء وأولئك هم
الذين نقصدهم ونتحدث عنهم -مع الشيخ املراغي -وعن عالقتهم بالقرآن
وبإعجازه ،فيما خيص قضية ترمجة معانيه" :وأريد اآلن أن أقول إن قراءة
()2
األعاجم للنظم العريب ال تدهلم على اإلعجاز ،فليس يف استطاعتهم فهمه".
)?(1املراغي .مرجع سابق ص . 7 ، 6
)?(2املراغي .مرجع سابق ص . 11 ، 10
12
بل إنه يذهب ،ونذهب معه إىل حقيقة أليمة ،ولكنها صارت واقعاً،
وهي أن العرب أنفسهم ورثة لسان البيان والفصاحة ،ومحلة القرآن البليغ
الفصيح املعجز مل يعودوا -يف أغلبهم -قادرين على تذوق اإلعجاز من
جانب النظم العريب ،مث يقول" :واألمم العربية اآلن ومن أزمان خلت ال
يفقهون اإلعجاز من النظم العريب .وقد انقضى عصر الذين أدركوا اإلعجاز
()1
عن طريق الذوق وآمنوا بالقرآن بسبب هذا اإلدراك".
وحنن ال خنشى إذن -خارج قضية اإلعجاز من النظم -أن يستحيل على
املرتجم أن جيتهد يف حتصيل املعاين األصلية ،مث يقول" :وقد كنا خناف لو أن
الرتمجة أذهبت من النص العريب علومه وأسراره ،ولكنها باقية معه لألمم
العربية ،وملن يريد من األمم األعجمية أن يقرأ النص العريب .وأيضا فإن
العلوم الطبيعية ،والتارخيية والفلسفية غري مرتبطة باأللفاظ ،بل هي مرتبطة
()2
مبعانيه".
راب ًعا :لغة الترجمة متوقفة على لغة الجمهور المتلقي
بلدا مثل فرنسا ،فيه ما يزيد على مخسني مليونا من البشر ،فيهم نسبة إن ً
جدا ،ولكنها موجودة على أي حال ،واألغلبية الكربى ممن من األمية قليلة ً
عاليا من مثقفني وعلماء وباحثني
جامعيا ً
ً ً
تعليما يعرفون الكتابة ،وممن َّتلقوا
ومفكرين ورجال إعالم وصحافة وأساتذة جامعات ˆ...كل هؤالء ليسوا
على مستوى ثقايف وال معريف واحد..
مث هناك طالب جامعات ختصصوا يف العربية وعلوم اإلسالم ..وحلديث
أقسام العربية وعلومها واإلسالم وحضارته يف فرنسا موضع آخر سنكتب
فيه.
)?( 1املراغي .مرجع سابق .ص 11 ، 10
)?( 2املراغي .مرجع سابق ص .11 ، 10
13
وبعد هذا هناك أربعة ماليني ونصف املليون من املسلمني يف فرنسا،
وهؤالء أغلبهم من األجيال اجلديدة للمهاجرين ،من أصل مغريب ومن البالد
اليت كانت مستعمرات لفرنسا وانتشر فيها اللسان الفرنسي .ومن بني
املسلمني يف فرنسا ما يربو على املليون من الفرنسيني أصالً ،من أحفاد
شارملان وديكارت ،لغتهم األم هي الفرنسية ،دخلوا اإلسالم وآمنوا بالقرآن،
ومنهم عدد كبري دخل اإلسالم من باب القرآن وأكثر هؤالء يسمون
أنفسهم "الفرنسيني املسلمني" وهم كلهم يقرؤون القرآن يف ترمجة فرنسية،
وعدد أكثر يدخل اإلسالم من باب املغرب العريب ،وبعضهم يدخله من
أبواب أخرى ˆ،ويغلب على الداخلني اإلسالم من الفرنسيني اآلتني من عامل
النصرانية أو اإلحلاد.
وقد مييل بعضهم إىل قراءة آيات القرآن اليت هلا صلة بالكتاب املقدس
بزعمهم ،وعلى األخص تلك اليت تتحدث عن السيدة مرمي البتول وابنها
السيد املسيح عليه السالم .ومن خالل حماضرات وندوات ودراسات جامعية
جندهم يقرؤون اآليات والسور اليت تتحدث عن األنبياء والرسل الذين ترد
أمساؤهم وقصصهم يف الكتاب املقدس بزعمهم ،ويف العهد القدمي والتوراة منه
على وجه اخلصوص ،وهم يضعون نصب أعينهم ما كانوا يعرفون قبل
إسالمهم ،عن هؤالء األنبياء والرسل يف الكتاب املقدس.
وأكثر املسلمني الفرنسيني مييلون إىل استفتاء األساتذة املتخصصني يف
علوم العربية واإلسالم يف اجلامعات واملعاهد ،قبل أن خيتاروا شراء ترمجة ما
من ترمجات معاين القرآن الكرمي.
عاما ،أو ما يقارب ربع القرنومن خالل معاشرة تزيد على عشرين ً
نستطيع أن نقسم ميل الفرنسيني -مسلمني وغري مسلمني -جتاه الرتمجات
14
كما يلي تقريبًا:
-1مييل املسلمون يف أغلبهم إىل ترمجة دونيس ماسون اليت راجعها
وصححها الشيخ صبحي الصاحل –رمحه اهلل -من خالل اجمللس األعلى
للشؤون اإلسالمية يف لبنان ،وهي ترمجة ذات لغة وسط ،أقرب إىل القارئ
املتوسط العام ..تتسم بالسهولة ،ونوع من املباشرة يف اللغة ،وعدم التعقيد،
وحماولة الرتكيز على املعىن العام للجملة القرآنية أو اآلية دون تركيز على
اجلوانب اللفظية أو البالغية أو األسلوبية.
-2مييل أكثر املسلمني ذوي األصول العربية أو اإلسالمية ،والذين
لديهم -يف الغالب -درجة من املعرفة باإلسالم والقرآن إىل قراءة ترمجة
الشيخ محيد اهلل ،وال خيفى أن تلك الرتمجة قد روجعت وصححت ونقحت
يف اململكة العربية السعودية ،ويبدو أثر تلك اجلهود يف درجة من الدقة
وحماولة االلتصاق بالنص القرآين وعدم ترمجة لفظ اجلاللة ،وإضافة مالحظات
يف احلواشي ترجع لبعض التفاسري .والشيخ محيد اهلل -أطال اهلل بقاءه -عامل
مدقق واع بالكثري من أبعاد القرآن ولغته ،وقد عرفناه خالل سين دراستنا يف
باريس ،وله مسامهات عظيمة يف الندوات الفرنسية والعاملية حول اإلسالم
وعلومه ،ويقول الكثري من القراء والنقاد :إن ترمجته أميل إىل احلرفية ،مما
جيعل القارئ الفرنسي الذي ال يعرف اللسان العريب املبني قد يشعر ببعض
الصعوبات يف فهم بعض الرتاكيب أو بعض اجلمل والعبارات؛ بسبب حرص
املرتجم على حتقيق درجة من االلتصاق -ما أمكن -بدقائق النص القرآين.
يفضل عدد أقل من السابقني -مسلمني وغري مسلمني -قراءة ترمجة ِّ -3
الشيخ محزة أبي بكر إمام جامع باريس السابق (ووالد اإلمام احلالي دليل أبي
بكر) ،وهي ترمجة تركز على تتبع التفاسري ،أي أهنا فعالً تفسريية أكثر منها
15
مباشرة مع النص القرآين الكرمي أو التصاقًا به ˆ...وهي مل تطبع -على حد
علمنا -إال يف طبعات أنيقة على ورق مصقول ثقيل ،وبغالف مثني ،ولذا
فهي غالية الثمن وغري متاحة إالَّ لنوعية خاصة من القراء من الناحية املالية
والقدرة الشرائية العالية .وهي من الرتمجات اليت مل نقرأها حىت اآلن قراءة
قريبا.
كاملة هبدف الدراسة ،ونتمىن أن يكون ذلك ً
-4ما زال عدد قليل آخر يقرأ ترمجة رجييس بالشري ،وقد كان مستعربًا
كبريا ،ومن املعدودين يف فرنسا ،ومن أكرب علماء العربية لغة وأدبًا ،وكان قد ً
أشعارا كثرية له إىل اللغة
أعد رسالته للدكتوراه عن املتنيب وشعره ،وترجم ً
الفرنسية ،ومازالت من أهم املراجع يف هذا اجملال .وقد خترج عليه عدد كبري
من الدارسني العرب الذين كتبوا رسائلهم يف جامعات باريس .وقد كان
حياول االهتمام باجلانب األديب من بني جوانب اللغة القرآنية.
ولغة رجييس بالشري يف ترمجته إذن على درجة كبرية من الرصانة
والصحة واألسلوب اجليد ،وإن كانت ترمجته شأن سائر الرتمجات ال ختلو
من عيوب وأخطاء حنوية على وجه اخلصوص ،وقد كنا اكتشفنا بعض ذلك
مبكرا يف زمن دراستنا للدكتوراه 1976م1987 -م ،ولعل هذه الرتمجة ً
ومشاكلها كانت من أهم األسباب األولية للتوجه حنو االهتمام بقراءة
الرتمجات الفرنسية ملعاين القرآن الكرمي قراءة لغوية متفحصة.
كثريا ،أو كادت تتالشى ويتالشى -5مثة ترمجة تراجعت قراءهتا ً
كبريا له كتب يفاحلديث عنها ،وهي ترمجة كازميري سكي ..وكان مستعربًا ً
كبريا من جملدين كبريين للعربية الفصحى والقدمية،معجما ًً العربية ،وترك
والسيما املسماة يف فرنسا l'arabe classiqueوهذا املعجم العريب
الفرنسي -على بعض عيوبه -من أجود املعاجم العربية الفرنسية حىت اآلن.
16
إن ترمجة كازمير سكي مليئة بالعيوب واألخطاء اليت تقرتب من درجة
الفحش ومن تلك العيوب اليت يتفرد هبا كازمير سكي ،أنه يدمج آيتني
كثريا من اآليات الطويلة إىلقصريتني أو أكثر يف آية واحدة ،كما أنه يقسم ً
وخمل ،يضلل القارئ الباحث الذي قد أكثر من آيتني ˆ..وهذا عيب خطري ّ
يبغي االستشهاد بآية قرآنية ،فلن جيدها يف مكاهنا الصحيح من السورة...
ناهيك عن إضرار غري مقبول قط من ناحية دينية؛ فإن عدد آيات السورة
وترتيبها وارد باتفاق وتواتر منذ عهد النبوة وحىت اليوم.
ومل جند من هنج هذا النهج من املرتمجني إالَّ مرتمجًا عربيا ً
واحدا هو
"يوسف ريبلني" الذي ترجم معاين القرآن الكرمي إىل لغته العربية منذ
أربعينيات القرن املاضي ،ورغم أنه وضع مقدمة يشري فيها إىل احرتامه للقرآن
الكرمي ورغبته يف ترمجة له قريبة من روحه(ومن الروح السامية)إالَّ أنه وقع
يف هذا اخلطأ الفادح فيما يتعلق برتقيم اآليات ،كما أنه أخطأ يف مواضع قليلة
يف فهم بعض اجلمل واملفردات ˆ،ونسي أو أسقط مفردات هامة ،ومجالً مل
ترتجم أصالً ،وله حواش حتاول ربط القرآن بالتوراة ،وال سيما يف آيات
قصص األنبياء ذات الشبه بالقصص التورايت ،ال نتفق معه قط فيها.
إالَّ أن يف الرتمجة بعض املزايا ،اليت قد تأيت بسبب اختياره لغة عربية ذات
أسلوب قريب من أسلوب التوراة جند فيها اجلملة الفعلية جبوار اجلملة
االمسية ،مما ال تتمتع به اللغات اهلندوأوربية ،وهو خاص باللغات السامية.
وكثريا ما يتقدم
ً وكذلك تقرتب مواضع الظروف وأماكنها يف الرتكيب،
اخلرب على املبتدأ ،أو يتصدر املفعول اجلملة أو يتقدم على الفاعل ،وكل ذلك
ميكن املرتجم من احلفاظ على نسق الرتكيب القرآين -قدر اإلمكان -يف
الرتمجة ذاهتا .مث إن هناك مفردات عربية مطابقة للمفردات العربية -وتلك
17
ظاهرة سامية عامة -إالّ أن هذا التشابه القريب من التطابق على مستوى
املفردات قد حيدث فخاخا يسقط فيها املرتجم ،ويضلل هبا القارئ ،إذ إن
تقارب اجلذور والكلمات يف النطق ،ال يقول عادة بالتقارب أو التطابق يف
املعىن ،فقد تكون الكلمة العربية والكلمة العربية شبه املطابقة هلا يف النطق
بعيدة عنها يف املعىن ُبعَْد ما بني العموم واخلصوص املطلق أو الوجهي أو ما
يشبه ذلك ،فالفعل "هلك" يطابق الفعل العريب ولكنه يف العربية يعين جمرد
الذهاب ،أما يف العربية فهو املوت أو اهلالك ،أو أكثر من ذلك ..ومثل ذلك
يقال يف كلمة "حلم" فهي يف العربية اخلبز ،أو كل ما يؤكل ،وهي يف العربية
كثريا.
ذات معىن أخص ً
إن الرتمجات العربية ملعاين القرآن الكرمي قليلة العدد ،وقراؤها أقل ،وهي
قد ال هتم املسلمني يف العامل ،إذ ال يوجد فرد واحد مسلم يتخذ العربية كأهنا
لغته األم( .)1بل إن القليل النادر من غري املسلمني يف العامل من يتكلم العربية
لغة أمّاً ،وغالب من يتحدث هبا هم يهود العامل .ولكن بعض الباحثني
والدارسني العرب املسلمني قد يتخذوهنا يف دراساهتم وحبوثهم كذلك،
وهؤالء جيب أن ينتبهوا لمشاكل هذه الرتمجة.
وسوف حناول ترمجة الدراسة التحليلية النقدية اليت نشرناها باللغة
الفرنسية ،يف جملة الدراسات العربية يف فرنسا وفيها رصد كثري من األخطاء.
-6هناك كذلك ترمجة أندريه شوراكي وهي ترمجة ذات مشاكل مجة،
ومن طبيعة خاصة ،وال بد أن نذكر هنا مبا أشرنا إليه يف الكثري من املناسبات
وكثري من املقاالت ،من أن املرتجم الذي كنا قد زودناه بقائمة طويلة من
التصحيح والتنبيه على األخطاء ،مل يتبع نصائحنا ومل يطبق تصحيحاتنا...
)?(1هذا الكالم فيه مبالغة؛ فرمبا يوجد من هداه اهلل لإلسالم ولغته العربية (اللجنة العلمية)ˆ.
18
ومن اجلدير بالذكر أن شوراكي يهودي من أصل جزائري عاش طفولته
وشبابه باجلزائر ،ولكنه ال جييد العربية الفصحى بدرجة تكفي للتعرض هلذا
العمل الضخم وتلك املسؤولية الصعبة مسؤولية ترمجة معاين القرآن الكرمي،
على عكس الفرنسية اليت يكتب هبا بلغة عالية دقيقة ،إذ تكاد تكون لغته
األم.
ولقد حاول شوراكي اإلفادة من معرفته اجليدة باللغة العربية ومن قراءته
وتفسريا فاستغل "املشرتك
ً وكتابته هبا ..ودراساته الدقيقة للتوراة لغة
السامي" الذي أشرنا إليه من مفردات مشرتكة بني اللغات السامية ،وبني
العربية والعربية ،وكأن لغة الرتمجة عنده متر مبرحلتني:
-مرحلة ذهنية يرتجم خالهلا معىن اآلية من العربية إىل العربية.
-مث مرحلة قلمية يرتجم فيها املفهوم الذي توصل إليه باللغة
الفرنسية ..وجيدر هنا كذلك أن نشري إىل أنه كان قد ترجم ما يسمونه
الكتاب املقدس والعهد القدمي منه على وجه اخلصوص من العربية إىل
الفرنسية ..وقد استقبله بابا الفاتيكان هبذه املناسبة ،ورغم أن ترمجته تلك
حتظى بدرجة ما من قبول القارئ الفرنسي العادي ،إالَّ أن األساتذة والعلماء
يف اجلامعة الفرنسية يتفقون باإلمجاع على سوء هذه الرتمجة الفرنسية ملا
يسمونه بالكتاب املقدس.
-7هناك ترمجة رينيه خوام ،وهو راهب يسوعي عاش يف مصر وكتب
كثريا عن اإلسالم واللغة العربية ،وهي -أي ترمجته -تعد من أحدث ً
الرتمجات اليت ظهرت بالفرنسية ،ومل نقرأها قراءة نقدية حىت اآلن فال حيق لنا
أن نطيل احلديث عنها.
-8نصل إىل ترمجة جاك بريك ،واليت مساها" :حماولة لرتمجة معاين
19
القرآن" .وحديثها ذو شجون ففيها الكثري من اجلودة والكثري من السوء..
وقد درسناها دراسة مفصلة بتكليف من اإلمام السابق لألزهر الشيخ جاد
تقريرا طويالً مفصالً باألخطاء
احلق علي جاد احلق رمحه اهلل .وكتبنا عنها ً
اليت قسمت تقسيما لغويا دقيقا وأرسلت إليه صورة من هذا التقرير وتلك
الدراسة ،وقد صحح الكثري من األخطاء( ،حوايل مائيت موضع) .ونبه على
ذلك يف الطبعة الثانية .وحنن نتكلم هنا على الرتمجة ذاهتا ،وليس على دراسة
بريك حول القرآن ،فهذه حتتاج إىل دراسة دقيقة نرجو أن نتمكن من إجنازها
قريبا.
ً
ولقد نشرنا يف جملة "اإلسالم يف فرنسا" العدد الرابع سنة 1998م باللغة
الفرنسية ذلك البحث الطويل مع ملف كامل ملا وجدنا من أخطاء .وقرأها
عدد كبري من أهل االختصاص ،وعقدت حوهلا ندوات يف باريس ،ويف
عموما وعلى لغة بريك
الرباط وتونس وطرابلس تكلمنا فيها على اإلشكالية ً
خصوصا.
ً
كان جاك بريك (ت 1996م) أستاذ العلوم العربية واإلسالمية يف واحد
عضوا يف أكثر
من أعرق املعاهد يف فرنسا ،وهو" الكوليج دو فرانس" وكان ً
من جممع لغوي عريب ،ومنها جممع القاهرة .وكان مناضالً ضد سياسة فرنسا
االستعمارية ،متعاط ًفا بل ملتزماً بنضال شعوب املغرب العريب من أجل
وكثريا ما سجنته فرنسا بسبب ذلك.
ً االستقالل،
وكان له مثل ذلك مع قضية فلسطني وشعبها العريب .درس العربية يف
عاما من
شبابه يف املغرب واجلزائر .وقد انقطع ما يقرب من مخسة عشر ً
حياته -على حد قوله -لدراسة القرآن وعلومه قبل اإلقدام على حماولة
ترمجته.
20
كثريا من الشعر العريب القدمي إىل اللغة
ويتوجه جاك بريك -الذي ترجم ً
الفرنسية ،ترمجة شهد له فيها باإلجادة -يف ترمجته معاين القرآن إىل مجهور
خاص ،مجهور ذي مستوى معريف ٍ
عال باللغة الفرنسية.
كثريا
وقد حاول أن يشحن لغة الرتمجة بشاعرية وأسلوب بليغ ،مما جعل ً
وكثريا من تالميذه العرب -األساتذة يف
ً من قرائه ومن عرفوه عن قرب،
فرنسا -يقولون إهنم يلقون صعوبات يف قراءة ترمجته.
شيئا ذا جدوى يف كتيب رهن النشر يف مصر حول ورمبا جيد القارئ ً
"إشكالية ترمجة معاين القرآن الكرمي ..دراسة نظرية وتطبيقية"..
وهي دراسة تستند إىل مراجع فرنسية ،حول توجهات االستشراق
اجلديد ،ونقد العقل الغريب لذاته فيما خيص موقفه من اإلسالم ،مث دراسة
نقدية للرتمجة ،وأساليب تصحيحها كتبناها يف مايو 2001م.
21
خامسا :ماذا يراعى في لغة الترجمة؟
أ -إشكالية مفردات خاصة.
لقد اتفقنا على أن لغة القرآن لغة عربية خاصة بالقرآن ˆ،فهو ال يقارن
بأي نص من العربية أو من غريها ،ونتفق كذلك على أن الرتمجة ،أية ترمجة
بأية لغة لن تضاهي نص القرآن الكرمي ،ولذا لن تصل الرتمجات إىل درجات
الكمال ،فالكمال لن يكون إالّ يف النص العريب املبني .ولذا فإن مقولة
دارسي الرتمجة قدميًا وحديثا ورغبتهم املثالية يف حماولة الوصول بالرتمجة-
عموما وليس ترمجة معاين القرآن -إىل أن يكون النص األصلي الرتمجة ً
وترمجته متطابقني ال ميكن أن يتحقق قط فيما خيص ترمجة معاين القرآن ،ولذا
فإن الشيخ املراغي كان قد اقرتح أن نسمي ما نقرأ باللغة األجنبية" :ترمجة
معاين القرآن" وليس ترمجة القرآن ،إذ إن هذا ال يعقل واحلالة هذه أن يسمى
قرآنا يف ذاته.
ً
ولذا فإن أكثر اجملتهدين يف جمال هذه الدراسات حول ترمجة معاين
القرآن الكرمي قد أصروا على أن تستنبط األحكام من النص األصلي العريب
وليس من الرتمجة ،كما أهنم قد أوصوا -كما رأينا من استعراض آرائهم-
بأن الرتمجة سترتكز على اجلهات األصلية ،املعاين األصلية ،وليس الفرعية ولذا
تبدو اإلجابة عن هذا السؤال :ماذا يراعى يف لغة الرتمجة؟ إجابة معقدة وبالغة
الدقة وال بد أن تصحبها احتياطات كثرية أمهها استقراء مالحظات أهل
البيان يف كل لغة يرتجم إليها القرآن عن موقفهم الشعوري والعقلي والقليب
معا إذ يقرؤون الرتمجة .ولكن هؤالء ومعهم املثقفون من القراء،مهما كان ً
موقفهم من قبول الرتمجة أو رفضها ودرجات القبول والرفض فلن يتسىن هلم
أن حيكموا ما داموا مل يقرؤوا النص العريب ،ومل يعرفوا وجوه إعجازه ،ولن
22
يستطيع أن يتصدى لتحديد درجة الرتمجة من اجلودة أو الرداءة إالّ عامل
مزدوج اللغة ضليع يف كلتا اللغتني عربية القرآن ،ولغة الرتمجة على قدم
وساق.
ولكن ال بد هنا أن حندد ما املقصود بعبارة "لغة الرتمجة"؟ وال بد أن
حناول حصرها أو رسم حدود هلا حتى ميكن الكالم عليها ،ورسم هذه
احلدود يتطلب منا التمييز بني جهتني يف نص القرآن العريب املبني سبق أن
أشرنا إليهما ،وقد حددمها الشاطيب يف "املوافقات" إذ يقول" :للغة العربية من
حيث هي ألفاظ دالة على معان نظران :أحدمها :من جهة كوهنا ألفاظًا
وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة وهي الداللة األصلية .والثاين :من
جهة كوهنا ألفاظًا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة وهي الداللة
()1
التابعة"
وقد اتفقنا معه على أن األوىل هي اجلهة اليت تشرتك فيها مجيع األلسنة،
وإليها تنتهي مقاصد املتكلمني ،فال ختتص بأمة دون أخرى ˆ،وأن اجلهة الثانية
ختتص باللسان العريب ،وهي تكمن يف اجلانب البالغي ،وهي أكرب مدار
لإلعجاز ،وتلك هي اليت ال ميكن أن ترتجم حسب قول الشاطيب ويتفق معه
يف ذلك ابن قتيبة.
ومعىن قول هؤالء أنه لن يرتجم القرآن كامالً قط أو أنه لن يرتجم منه
إال جانب الدالالت األصلية ،جانب املعاين اليت تشرتك فيها مجيع األلسنة،
وال ختتص هبا أمة دون أخرى ،فهل سننبه القارئ دائما على أنه لن جيد يف
الرتمجة كل ما يف القرآن ،بل بعضه؟ وإذا كان ال يعرف اللسان العريب ،فأين
سيجد هذا البعض اآلخر؟
23
وخصوصيات اللسان العريب ال تكمن يف جانب الرتكيب والبالغة
وحدمها مدار اإلعجاز ،بل قد يتطرق ذلك إىل عامل مفردات اللغة ،فإذا كان
يف العربية مفردات عامة هلا ما قد يوازيها يف مفردات اللغات البشرية مما هو
عام بني األمم وألسنتها ،فإن كثرياً من مفردات عربية القرآن قد يستعصي
على ذلك .أي قد ال جيد ما يوازيه يف اللغات اإلنسانية كلها ،فبعض
مفردات القرآن يعد مفاتيح حضارة العرب ،يعكس صور تقاليد عربية حبتة
جتاه الطبيعة ،وجتاه منط احلياة العربية قبل اإلسالم وإبان نزول الوحي ،ويف
كل لغة طائفة من املفردات مفاتيح حضارة اللغة ،فدرجات الربودة يف بالد
الثلج تتعدد مفرداهتا ،مبا يكون بني كل مفردة وأخرى من فروق دقيقة يف
املعىن ،تتقارب إىل درجة الرتادف وما هي مرتادفة ،والعربية قد ال جتد
مفردات دقيقة يف مستوى هذه املفردات نفسها من الدقة والفروق.
فإذا وردنا لغة القرآن ومفرداته وجدنا مثل هذا النوع من املفردات اليت
يصعب أن يوجد ما يوازيها يف مفردات اللغات املتلقية املرتجم إليها:
صيلَ ٖة َواَل َ ما َج َع َل ٱهَّلل ُ ِم ۢن بَ ِحي َر ٖة َواَل َسٓاِئبَ ٖة َواَل َو ِ
ب َوَأ ۡكثَ ُرهُمُۡون َعلَى ٱهَّلل ِ ٱ ۡل َك ِذ ۖ َ
ُوا يَ ۡفتَر َ
ين َكفَر ْ َح ٖام َو ٰلَ ِك َّن ٱلَّ ِذ َ
ون ( ١٠٣املائدة.)103 : اَل يَ ۡعقِلُ َ
انظر معنا إىل هذه املفردات وكيف تعامل معها املرتمجون ،وكيف
تعاملت معهم لغتهم اليت ينقلون إليها؟
الكلمات :حبرية -سائبة -وصيلة -حام.
24
كيف ترجم هذه الكلمات المترجم
آثرت السالمة ومل تشأ أن حتاول ترمجة كلمات ال مقابل -1دونيس ماسون
هلا قط يف أية لغة من لغات البشر ،وقد رمستها بالكتابة النطقية
Transcriptionومل نعثر على أية إشارة يف حاشية الصفحة
وال يف امللحق املخصص ،للتعليق على كل العبارات أو
الكلمات ذات الطبيعة اخلاصة .وال ندري كيف رأى مصحح
الرتمجة ذلك؟ مث إننا ال ندري كيف يفهم القارئ الفرنسي
الذي ال يعرف اللسان العريب املبني هذه املفردات؟
يتفق مع دونيس ماسون يف خط الكلمات املذكور -2محيد اهلل
بالكتابة النطقية أي الصوتية ،وإن كانا مل يتبعا -كالمها-
الكتابة الصوتية الصحيحة الكاملة ،وسوف نشري لذلك يف
هناية القائمة .ولكن محيد اهلل وضع حاشية يف أسفل الصفحة
شرح فيها هذه املفردات اخلاصة متفقا مع ما ذكره املفسرون،
وهو ال شك أنقذ القارئ من غموض وحرية أو جهل كان
سيقع فيه.
وضع الكلمات بنطقها العريب ،ونظراً لوجود الصاد -3ريفلني (مرتجم
واحلاء واحلركات الطويلة يف حروف العربية فإن كتابة عربي)
الكلمات صحيحة .ولكنه يف حاشية أسفل الصفحة أشار إىل
موقف العرب من البحرية والسائبة والوصيلة واحلام فقال:
"البحرية وغريها مما ذكر هي أمساء كان العرب يسمون هبا
من اإلبل أو الضأن اليت أجنبت هلم ،وكانوا يطلقوهنا ترعى
25
حرة وال ميسونها ،فال حيملون عليها وال يذحبوهنا ،وكانوا
يعلموهنا بعالمات ظاهرة متيزها؛ ليدلوا على أهنا نذرت
ألصنامهم » ولكنه مل حيدد كل مفردةˆ على حدة ،فظل
ناقصا.
شرحه ً
صور الكلمات -هو كذلك -كتابة صوتية وسجل يف -4جاك بريك
حاشية الصفحة قائال :هذه األمساء (أو التسميات) الغريبة
يقصد هبا حيوانات كانت ترىب طليقة ،إلظهار قوة حيوية
عظيمة ،والبحرية هي الناقة اليت أجنبت مخسة بطون ،والسائبة
هي تلك اليت كانت خمصصة خلدمة اآلهلة ،والوصيلة نعجة
كانت تنتج توائم ،واحلام مجل فحل أخصب ست مرات.
وقد برئت ساحته من الغموض.
وكانت الكتابة الصحيحة صوتيا حسب النظام املتفق عليه يف مثل هذه
احلالة:
bahīra, sā’iba, wasīla, hām.
فاحلاء ( hحتتها خط) والصˆ ˆ ˆ ˆˆاد كˆ ˆ ˆ ˆˆذلك ، sواحلركˆ ˆ ˆ ˆˆات الطويلة ، ā
.ī،ūفوق كل منها شرطة قصرية عالمة الطول ،وإال نطقت قصرية.
ومالحظتنا العامة على مثل هذا النوع من املفردات هو أن تكتب داخل
ترمجة معىن اآلية باحلروف الصوتية كما ذكرنا ،إذ هي مفردات ليس هلا مقابل
قط يف لغة غري العربية ،وال حىت يف اللغات السامية أخوات العربية ،ولذا جيب
على املرتجم أن يضع حاشية يف أسفل الصفحة ذاهتا حىت ال يرتك القارئ فريسة
للغموض وعدم الفهم .ولكن الحظنا أن بعضهم فعل ذلك وبعضهم مل يفعل،
وليس كل من أثبت أوضح كل اإليضاح.
26
ومثة نوع آخر من املفردات هلا فوق معناها املعجمي اللغوي معىن اصطالحي
إسالمي خاص ،وذلك مثل :صالة -زكاة -حج -عمرة -نسك -رفث-
طاغوت -خليفة -فرقان -بينة وبينات -أمر -دين وملة -قبلة -شعائر -فدية.
وال شك أن هلذه املفردات العربية القرآنية مقابالت يف اللغات األخرى ،ما
دام للناطقني هبذه اللغات دين ما من األديان ،وفيه عبادات وشرائع وشعائر
وطقوس ˆ،ولكن مع ذلك ،هلذه اللغات دين حيتوي على مفردات قد تبدو كهذه،
كثريا ما ينصرف ذهنه فور رؤيته هذه املفردات املصطلحات إىل أن فإن املرتجم ً
هذه الشعائر الواردة يف النص القرآين هي مثل شعائر دينه متاما أو مطابقة هلا،
ولكن الصالة يف النصرانية ،ويف اللغة الفرنسية على وجه اخلصوص هلا معىن أعم
وأمشل من معناها يف اإلسالم ،ولذا فاألفضل للمرتجم أن يثبت املفردة بالنطق
العريب ويضع جبانبها الكلمة املستعملة يف لغته ،مث يضع حاشية ينبه فيها على
الفرق ويشرح خصوصية املعىن العريب اإلسالمي ،ولو مرة واحدة لكل مفردةˆ..
أو أن يضع قائمة عامة يف أول الرتمجة يوضح فيها كل هذه املفردات اخلاصة
عموما .مث يضع
وفروقها الدقيقة عن املعاين يف اللغة الفرنسية أو اللغة املرتجم إليها ً
إشارة إحالة يف كل مرة ترد فيها الكلمة نفسها باملعىن نفسه.
وقد طبق محيد اهلل ذلك فيما خيص كلمة الصالة ،أما دونيس ماسون وجاك
بريك ،فلم يفعال.
وهناك مفردات قرآنية ترد يف القرآن الكرمي مبعنيني خمتلفني حسب السياق،
ومنها :األمانة التنـزيلَ ،نَّزل ،أنزل املثل ،الصبغة ،الكلمة ،القبلة.
األمانة :ترد يف القرآن الكرمي مبعنيني ،أحدمها :األمانة باملعىن السائر يف اللغة،
وهي أن يودع إنسان أخاه أمانة مدة من الزمن ،مث يسرتدها ،وهي الواردة يف
قوله تعإىل:
27
(البقرة2: ضا فَ ۡليَُؤ ِّد ٱلَّ ِذي ٱ ۡؤتُ ِم َن َأ ٰ َمنَتَهُۥ فَِإ ۡن َأ ِم َن بَ ۡع ُ
ض ُكم بَ ۡع ٗ
)83
واآلخر :األمانة ذات املعىن اخلاص ،والذي اختلف فيه املرتمجون ،وال بد أن
ضنَا ٱَأۡل َمانَةَ
خيتلف عن املعىن العام ،وهو الوارد يف قوله تعإىلِ :إنَّا َع َر ۡ
ض َوٱ ۡل ِجبَا ِل فََأبَ ۡي َن َأن يَ ۡح ِم ۡلنَهَا َوَأ ۡشفَ ۡق َن
ت َوٱَأۡل ۡر ِ َعلَى ٱل َّس ٰ َم ٰ َو ِ
جهُواٗل ( ٧٢األحزاب: وما َ ان ظَلُ ٗ ِم ۡنهَا َو َح َملَهَا ٱِإۡل ن ٰ َس ۖ ُن ِإنَّهُۥ َك َ
.) 72
ولننظر كيف تعامل املرتمجون مع "األمانة" وكˆ ˆ ˆˆذلك" :التنـزيلَ .نˆ ˆ ˆ َّˆزل .مثالً.
األمثال .كلمة .كلمته .قبلة".
الترجمـ ـ ـ ــة المترجــم
األمانةle dépôt : -1دونيس ماسون
28
الترجمـ ـ ـ ــة المترجــم
إليهم ،أو يفضلهم الختيار الرتمجة.
29
الترجمـ ـ ـ ــة المترجــم
مثل -أمثال: -1دونيس ماسون
نَارٗا( البقرة)17: َ مثَلُهُمۡ َك َمثَ ِل ٱلَّ ِذي ٱسۡتَوۡقَ َد
ils ressemblent à ceux qui ont allumé un
= feuيشبهون...
ِ ٱۡلَأمۡثَ َ
الۚ( النحلn )74: ض ِرب ْ
ُوا هَّلِل فَاَل تَ ۡ
.'attribuez donc pas des égaux à Dieu
َمثَ ٗلا( النحلDieu propose )75: ب ٱهَّلل ُ
ض َر َ
َ
en parabole
نَ ٗ
ارا ils َ مثَلُهُمۡ َك َمثَ ِل ٱلَّ ِذي ٱ ۡ
ستَوۡقَ َد -2محيد اهلل
= ressemblent à quelqu'un quiيشبهون.
ٱۡلَأمۡثَ َ ۚ
ال n'attribuez donc فَاَل تَضۡ ِرب ْ
ُوا هَّلِل ِ
.pas à Allah des semblables
َمثَلٗا ب ٱهَّلل ُ
ض َر َ
َ Allah propose en
parabole
30
(آل عمران )45:أي parole = verbe
أي أن املعىن القرآين يوافق املعىن النصراين يف العهد
اجلديد.
"بكلمة منه" une parole de sa partترمجة -2محيد اهلل
مباشرة.
...وكلمته et sa paroleترمجة مباشˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆرة مثل
سˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆابقتها .وحاشˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆية حتيل على حاشˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆية عن اآلية 39من
ص ِّد ۢقَا ِب َكلِ َم ٖة ِّم َن ٱهَّلل ِ :أي كلمة
الس ˆ ˆˆورة نفسˆ ˆ ˆˆها ُ م َ
اهلل أي أمر اهلل ،إشˆˆارة إىل املسˆˆيح عيسى بن مˆˆرمي الˆˆذي ولد
دون أب بأمر اهلل القائل :كن!
"بكلمة منه" d’une paroleمباشرة مثل محيد اهلل. -3جاك بريك
مع حاشية تقول :كلمة ..ولسنا هنا بعيدين عن
( verbeواملرتجم يقصد :ترمجة آية العهد اجلديد :يف
البدء كان الكلمة ،يف سياق احلديث عن السيد املسيح).
..وكلمته .sa parole :مع حاشية تقول :أهل
الكتاب هنا النصارى الذين يدعوهم القرآن إىل اختاذ موقف
وجها مجيالً لعقيدهتم فيما خيص املسيح بوصفه
حذر ،يربز ً
كلمة اهلل وروحه.
31
الترجمـ ـ ـ ــة المترجــم
قبلة -القبلة: -1دونيس ماسون
( البقرة.)143 : نت َعلَ ۡيهَٓا ٱ ۡلقِ ۡبلَةَ ٱلَّتِي ُك َ
ض ٰىهَ ۚا( البقرة.)144 : ك قِ ۡبلَ ٗة تَ ۡر َفَلَنُ َولِّيَنَّ َ
وا بُيُوتَ ُكمۡ قِ ۡبلَ ٗة ( يونس.)87 : َ وٱ ۡج َعلُ ْ
علَ ۡيهَٓا la qibla نت َ ٱ ۡلقِ ۡبلَةَ ٱلَّتِي ُك َ
بدون ذكر أي حاشية وقد وضع اللفظ العريب كما هو.
ض ٰىهَ ۚا
ك قِ ۡبلَ ٗة تَ ۡر َ
وكذلك فَلَنُ َولِّيَنَّ َ
أماَ :وٱ ۡج َعلُ ْ
وا بُيُوتَ ُكمۡ قِ ۡبلَ ٗة فقد ترمجت
disposez vos demeures les unes en face des
autres
ترمجت :متقابلة ،البيت يف مواجهة اآلخر.
(ومل تشر املرتمجة إىل مصدر هذه الرتمجة من التفاسري).
ووضعتˆ املرتمجة حاشية تقول :هذه الكلمة وهذا
السياق فسر بطرق خمتلفة ،عديدة.
ترجم اجلميع بـ la directionووضع جبوارها بني -2محيد اهلل
قوسني كلمة قبلة باحلروف الصوتية .ولكنه وضع حواشي
ثالثا -1 :القبلة اليت كنت عليها :القبلة :االجتاه الذي
يتوجه إليه يف إقامة الصالة يف السنة األوىل للهجرة كانت
بيت املقدس ،مث كانت بعد ذلك جتاه مكة.
-2التوجه إىل الكعبة كان إذن نوعا من الشهادة...
-3شرح لعبارة َ و َما ٱهَّلل ُ ِب ٰ َغفِ ٍل َع َّما يَ ۡع َملُ َ
ون
َ وٱ ۡج َعلُ ْ
وا بُيُوتَ ُكمۡ قِ ۡبلَ ٗة faites de vos
32
maisons
= un lieu de prièreاجعلوا بيوتكم مكانًا للصالة
(يقول الزخمشري :قبلة أي مساجد متوجهة حنو القبلة
وهي الكعبة...أن يتبوآ لقومهما بيوتًا وخيتاراها للعبادة)ˆ،
(ولكن ال توجد أية إشارة للزخمشري يف ترمجة محيد اهلل).
نت َعلَ ۡيهَٓا : la direction ٱ ۡلقِ ۡبلَةَ ٱلَّتِي ُك َ -3جاك بريك
=sur laquelle tu te règlaisاالجتاهˆ..
ض ٰىهَ ۚا ترمجت قبلة بـun … : ...قِ ۡبلَ ٗة تَ ۡر َ
( orientوهي تعين) :شرق .ولكن املرتجم وضع حاشية
لقبلة يف اآلية 143تقول :وهكذا صارت مكة مركز
العامل ،وهذا اإلميان…إخل (مث)…فيما خيص القبلة اجلديدة،
"التوجه".
َ وٱ ۡج َعلُ ْ
وا بُيُوتَ ُكمۡ قِ ۡبلَ ٗة qu'on s 'oriente
..sur
= vos demeuresفليكن التوجه إىل بيوتكم (يف
الصالة)!
إن دارسي الرتمجات اإلجنليزية ،واألملانية يف هذا النمط من املفˆردات ،قد الحظˆوا
نوعا من السˆقوط يف هˆوة املفˆردات املعجمية وأهنم كما يقˆول حممد أبو طˆالب
أن مثة ً
:
"اعتمدوا على املفردات املصفوفة بشكل ثنائي يف املعجم" (.)1
ولكن دراسة القوائم اليت استخرجناها من الرتمجات الفرنسية الثالث ،تظهر
33
لنا بوضوح أن هؤالء الدارسني قد عمموا مالحظتهم هذه فيما خيص املرتمجني
الفرنسيني ،فقد وجدنا غالبا أهنم-أو بعضهم -كانوا على درجة من احلذر
وحترِّي املعىن الصحيح.
إن بعض هؤالء املرتمجني الفرنسيني ،مثل جاك بريك يشعر بنوع من الرتدد إزاء
أخريا تفضيل
اختياره املفردة املناسبة من بني عدة مفردات ،ولذا نراه عندما يقرر ً
مفردة ما يف لغته الفرنسية ،يعلق يف حاشية أسفل الصفحة حماوالً تسويغ ذلك
مركزا على التفسري الذي رجع إليه ،وأحياناً على أسباب النـزول ،وقد
االختيارً ،
الحظنا خالل قراءتنا لتلك الشروح أو التنبيهات والتعليقات يف احلواشي ثالثة
أمور:
أوالً :الرتدد وعدم االرتياح الذي يذكره صراحة ،أو عدم الرضا التام،
أوتأكيده جانب املقاربة يف املعىن وعدم التطابق التام ،مثلما فعل يف ترمجة كلمة
"الغيب" يف اآلية الثالثة من سورة البقرة ،فعلى حني ترمجتها "ماسون" بالكلمة
الفرنسية املألوفة Mystèreدون مالحظات وال تعليقات ،وهي الكلمة األوىل
اليت تتبادر إىل ذهن أي قارئ .وعلى حني ترمجها محيد اهلل بـ =’invisible l
اخلفي ،غري املرئي .ووضع حاشية تقول" :كل ما ال نستطيع مالحظته أو معرفته،
بل كل ما ال نستطيع التحقق من وجوده يف املاضي أو يف احلاضر أو املستقبل".
فقد ترمجها بريك بكلمة Mystèreووضع حاشية بدأها بقوله" :إهنا ترمجة غري
مرضية" ،وأحال على تفسري الزخمشري –الذي يفضله غالبًا -وكذلك إىل تفسري
األلوسي.
ثانيا :الطموح إىل الوصول إىل درجة من التحديد والدقة يف املعىن-حسب
تصوره -يف مثل ترمجة املفردات" :حنيف" حيث يرتمجها بـcroyant originel
= املؤمن األصيل ،ويضع جبوارها كلمة "حنيف" بالكتابة الصوتية ،مث يضع
34
حاشية تقول" :فطرة طبيعية ،صلة بالفطرة" .ومثله يف "القصاص" = talion
مقابل "الدية" .وكذلك" :معروف" و "منكر" فاألوىل: convenable :
"متعارف عليه" وحاشية :مفهومˆ أخالقي بدون صبغة دينية .واألخرىblâma :
()1
bleوحاشية :مفهومˆ أخالقي بدون صبغة دينية.
ثالثا :حماولة احلفاظ على املعىن السياقي الدقيق ،باختياره كلمة فرنسية حتافظ
على املعىن "قبل االصطالح" مثل ترمجة كلمة "زكاة" بـ ،purificationواليت
تعين يف التعريف اللغوي الطهارة أو التطهري.
رابعˆ ˆˆا :حماولة االحتفˆ ˆˆاظ بدرجة من اجلانب البالغي ،باإلبقˆ ˆˆاء على اجملاز وإالّ
ص ۡب َغةَ ٱهَّلل ِ َو َم ۡن َأ ۡح َس ُن ِم َن فس ˆ ˆˆيكون املعىن تفسˆ ˆ ˆˆرييا ،يف مثل ترمجةِ :
ۖ
ص ۡب َغ ٗة( البقˆ ˆˆرة ، teinture de Dieu = )138 :فالكلمة الفرنس ˆˆية هي ٱهَّلل ِ ِ
املقابلة املباشˆ ˆˆرة "للصˆ ˆˆبغة" مبا فيها من معىن مباشر مˆ ˆˆادي ،ولكن نˆ ˆˆرى بˆ ˆˆالطبع أن
وض ˆ ˆ ˆ ˆˆعها يف الس ˆ ˆ ˆ ˆˆياق مع لفظ اجلاللة ال بد أن جتعل الق ˆ ˆ ˆ ˆˆارئ ينص ˆ ˆ ˆ ˆˆرف إىل املعىن
اجملازي ˆ،كما نفهم حنن يف العربية أن صˆ ˆˆبغة هنا ال تعين املعىن األول ،اللˆ ˆˆون ،وإمنا
الˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆدين وامللˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆة .ويتضح هˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆذا من قراءتنا ترمجة دونيس ماسˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆون هلذه الكلمة إذ
اختˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆارت كلمة onctionوهي بتˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆأثري من فهمها للعهد اجلديد ،فمعىن هˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆذه
الكلمة :نقطة الزيت اليت توضع على جبني الطفل ساعة تعميده يف الكنيسة ،وهذا
متامˆˆا ،وهو رمبا يفهم القˆˆارئ أن املقصˆˆود يف القˆˆرآن ،وعند املسˆˆلمني هو مثل هˆˆذا ً
غري صˆ ˆ ˆ ˆˆحيح .أما ترمجة محيد اهلل فهي " religionدين" وهو املعىن التفسˆ ˆ ˆ ˆˆريي.
ولˆ ˆˆذا فنحن نˆ ˆˆرى القˆ ˆˆارئ (املثقˆ ˆˆف) بالفرنسˆ ˆˆية يفهم أن حرفية كلمة (صˆ ˆˆبغة) هنا
لوضعها يف إطار اجملاز.
وحنن نضع يف هذا الضرب ترمجة لفظ "كلمة" يف احلديث عن املسيح عيسى
)?(1املعروف :اسم جامع لكل ما عرف حسنه ونفعه شرعاً وعقالً واملنكر عكسه( .تيسري الكرمي الرمحن
ص( .)14اللجنةˆ العلمية).
35
عليه السالم ،ولقد توافقت الرتمجات الثالث يف اختيار لفظة = paroleكلمة.
وإن كانت دونيس ماسون مل ترتك هلا حاشية تفسرها ،ولكن محيد اهلل ،فسَّرها
يف حاشية تقول :كلمة اهلل ،أمر اهلل ،إشارة إىل املسيح عيسى بن مرمي الذي ولد
دون أب ،بأمر اهلل القائل :كن!
كما وضع بريك احلاشية اليت أشرنا إليها واليت تقول .. :ولسنا هنا بعيدين
عن لفظة ( verbe...أي اليت وردت يف العهد اجلديد).
وعموما فقد الحظنا أن مشكلة ترمجة هذا النوع من املفردات باختيار مفردة ً
فرنسية دون أخرى ˆ،حتول هذا األمر إىل إشكالية معقدة ،ال يكاد املرتجم خيرج
فيه من مشكلة حىت يسقط يف أخرى ،فيظل هناك جانب مفقود ،يرجع إىل
اخلصوصيات الواضحة يف كثري من املفردات القرآنية ،ويبقى املرتجم العامل الواعي
حائرا ما بني الرتمجة املباشرة ،اليت حتصر معىن اجلملة كلها يف جهة واحدة من بني ً
جهاهتا املعقدة ،وبني اختيار مفردة مباشرة تنقل املعىن احلريف للكلمة ،حىت يصل
به إىل املعىن اجملازي يف العبارة أو اجلملة.
وأما لفظة أمي وأميون ،اليت يوصف هبا النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم
والعرب قبل اإلسالم ،فهي لفظة ذات مستويات داللية متعددة ،واملعىن السائد من
بني هذه املعاين ،واألول واملباشر هو" :الذي ال يعرف القراءة والكتابة" .ولكن
املرتمجني ،قد حيتارون بني كلمة فرنسية تؤدي هذا املعىن ،وبني كلمة تؤدي أحد
املعاين األخرى ،وهي" :الذي ليس له كتاب ،أي الوثنيني يف مقابل أهل
الكتاب".
وقد ترمجت ماسون األمي بـle Prophète qui ne sait ni lire ni :
= .écrireالنيب الذي ال يعرف القراءة وال الكتابة.
وواضح أن هذه العبارة مكتوبة بالفرنسية خبط ودرجة من احلرب ختالف باقي
36
واضحا أن
ً الرتمجة ..وقد وقعنا على كثري من مثل هذا يف ترمجة ماسون ،ويبدو
هذا تصحيح بعد حمو ترمجة أخرى كانت موجودة ،والدليل على ذلك أن هذه
العبارة مكتوبة بنفس الطريقة ودرجة احلرب يف اآليتني 158 ،157من سورة
األعراف وما بينهما من سطور مكتوب بالدرجة العادية).
وأما ترمجة "األميني" فإن ماسون ختتار هلا infidèlesوثنيني أو كافرين
(اجلمعة.)2 :
ومحيد اهلل قد اختار كلمة illettréللنيب األمي ،أي باملعىن املباشر أي الذي
ال يعرف القراءة وال الكتابة .وكلمة )= les gens sans livre (les arabes
أي الذين ال كتاب هلم (العرب).
أما بريك فقد جازف -كما يقول هو نفسه واختار عبارة le prophète
maternelترمجة حرفية باشتقاق كلمة أمي من ّأم ،وباملصادفة البحتة فإن
اشتقاق الصفة maternelمباشرة من ّ mèreأم.
ان ُأ َّم ٗة( النحل ) 12:بـ
كما ترجم من قبل" :أمة" ِإ َّن ِإ ۡب ٰ َر ِهي َم َك َ
= archétypeأي منوذج ومثال حيتذى .وقد وصف بريك حماولته يف الكلمة
جترؤ على الرتمجة ،ويف األخرى بأهنا مغامرة ˆ،أو خماطرة يف الرتمجة. األوىل بأهنا ُّ
ب -إشكالية تعابير جاهزة أو مسبوكة.
37
ون َأ ۡق ٰلَ َمهُمۡ - تَمۡ ِشي
ُوا لِلس َّۡل ِم- ي ُۡلقُ َ
َأ ُش َّدهُۥ أو يَ ۡبلُ َغ َأ ُش َّدهُۥَۚ - جنَح ْ
علَى ٱ ۡستِ ۡحيَ ٖٓاء. َ
وهذه التعابري العربية أو العربية القرآنية على وجه اخلصوص من خصوصيات
املعجم القرآين ،واليت يطلق عليها لغويو اليوم اسم "تعابري مسبوكة" أي ُم َعدَّة أو
جاهزة لالستخدام يف السياق كما هي ،وكما يسميها لغويو الغرب .idiomes
مثريا للسخرية أحيانًا أن وهذا الضرب من التعابري اليرتجم يف الواقع ،وقد يكون ً
يؤلف له املرتجم ألفاظًا مباشرة من لغته املرتجم إليها مث يضعها لفظًا جبوار لفظ.
أو قد ال يفهم القارئ أحياناً أي شيء ..وهذه التعابري القرآنية تعجز املرتجم
وتقف حجر عثرة يف طريقه .ومع أن يف كل لغة تعابريها ،إالَّ أن التعابري غالبًا ال
تتماثل يف اللغات املختلفة ،ألهنا قد تدخل يف باب اجملاز ،واملرتجم قد خيتصر
التعبري يف كلمة من اللغة املرتجم إليها قادرة على أداء املعىن ولكن ليس بكل
إحياءاته وخلفياته وألوانه وظالله .وهو إن وفق إىل ترمجة قريبة من احلرفية ،ونبه
القارئ الذي قد يستعني بالسياق ملدلول ما ،جنده ال يلتزم التعبري نفسه يف كل
املواضع اليت يرد فيها.
وسوف حناول أن جنوس خالل الرتمجات الثالث اليت اطلعنا عليها لنرى هذه
اإلشكالية.
-1اإلضافة أو التعبري اإلضايف:
أ -ابن السبيل( :البقرة .215 ،177:األنفال .41اإلسراء . 26الروم
) 38
الترجمة المترجم
= Voyageurاملسافر -1دونيس ماسون
نفس املفردة -2محيد اهلل
Au fils du chemin, aux enfants du
38
chemin, à l' enfant du chemin -3بريك
حرفيا ابن السبيل (الطريق) أبناء السبيل .ابن السبيل .
ب -حترير رقبة( :النساء . 92 :املائدة . 89اجملادلة ) 3
الترجمة المترجم
" = Affranchir un esclaveحترير عبد" -1دونيس ماسون
(يف كل املواضع).
= Libérer un ésclave quiconqueحترير -2محيد اهلل
عبد ،أي عبد
= .Affranchir un esclaveحترير عبد
= Libération d'une nuqueحترير رقبة -3جاك بريك
.Affranchir une nuque d' esclave
= حترير رقبة عبد
39
.Deux tensions d’arc -2محيد اهلل
.Deux tensions d’arc -3بريك
كثريا من التنوع واخللط إىل درجة من التخبط يف ترمجة هذه لقد الحظنا ً
واضحا ،وهو عدم وجود تعابري ً التعابري القرآنية ،ويبدو السبب األول يف ذلك
اجتهادا:
ً مذهبا أو اجتهد
مطابقة هلا يف اللغة الفرنسية ،فذهب كل مرتجم ً
أما التعبري أ" -ابن السبيل" :فلم جند مع ترمجته عند ماسون أي تعليق يف حاشية.
وقد وحدت اختيار كلمة "املسافر" يف مجيع املواضع .واختار محيد اهلل
الكلمة نفسها "مسافر" ولكن متيز مبيزتني مها :أنه وضع بني قوسني جبوار التعبري
داخل املنت عبارة »en détresse« :وهو ضائقة وإن كان مل يعمم ذلك يف كل
املواضع ،مع أن التعبري القرآين واحد ويف سياقات متماثلة .مث إنه تنبه لفارق
فجمع املفردة (مسافر) مبا يعين" أبناء السبيل املسافرون" حني وجدها مصحوبة
باجلمع (اليتامى واملساكني) ،وأفرد حني وجدها مصحوبة باملفرد:
(ذا القرىب واملسكني).
والواقع أننا مل نقرأ نسخة من ترمجة محيد اهلل قبل أن تصحح يف اململكة
العربية السعودية ،لنعرف هل كان هذا النوع من الدقة يف مراعاة السياق وارداً
ساسا ،أو أنه جاء من املراجعني واملصححني؟ وحنن يف كل األحوال حنمد منه أ ً
هذه الدقة المناسبة.
أما جاك بريك فقد اختˆار ترمجة املركب اإلضˆˆايف كلمة كلمˆˆة ،يتقبلها القˆˆارئ
الفرنسي ويفهمها ،ولكن له كذلك خصوصيتان :إحدامها :التنويع بني enfant,
filsوهو تنˆˆوع ال يضر بˆˆاملعىن ،فكلتامها تعين مع اإلضˆˆافة" :ابن" .واألخˆˆرى :أنه
مجع (ابن السˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆبيل) مˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆرة واحˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆدة مع مجع َ ذ ِوي ٱ ۡلقُ ۡربَ ٰى َوٱ ۡليَ ٰتَ َم ٰى
40
ٱل َّسبِ ِ
يل( البقرة.) 177: َوٱ ۡل َم ٰ َس ِك َ
ين َوٱ ۡب َن
وكان املفروض أن جيمع يف كل املواضع املشاهبة.
إن جاك بريك يتفرد يف ترمجة هذا التعبري -ويف كثري من مثله -مبيزة هي
حماولة احلفاظ على الناحية اجملازية البالغية ،فالتعبري "ابن السبيل" له ما ليس لكلمة
"املسافر" من معىن.
وأما التعبري بـ" :حترير رقبة" فقد وجدنا دونيس ماسون ختتار تعبري حترير عبد
affranchirلكل املواضع دون تفريق.
ووجدنا محيد اهلل يراوح بني املصدر affranchirواملصدر libérer
وكالمها يعنيان "التحرير" وإن كان األول أقوى داللة وفيه حركة .ولكنه ذكر
وأخريا وجدنا بريك عبد" ،وهو حاول إشاعة النكرة يف جنسها. أي ٍ مرة " ٍ
عبد ِّ
ً
خيتار -كما فعل يف ترمجة التعبري السابق( ،ابن السبيل) -ترمجة حرفية ،حتاول
احلفاظ على اجملاز ،فيرتجم بـ :حترير رقبة مؤمنة ،مث حترير رقبة ،حسب تنوع
اآليات ،وال يقول" :حترير عبد" ،ولكنه يرتجم أحيانا ،وكما رأينا بـ :حترير رقبة
عبد ،وهو يفضِّل املصدر affranchirعلى libérerواألول أقوى داللة كما
كثريا ما يؤكد يف حواشيه أنه يرغب يف احلفاظ على القرب من أشرنا .وهو ً
اجملاز.
وأما التعبري ج" -شق األنفس"؛ فإن كال من دونيس ماسون ومحيد اهلل قد
اختار له كلمة peineاليت تعين مشقة ،أو صعوبة ،أو أملا .بينما فضل بريك بناء
ً
تعبري آخر وليس كلمة واحدة وهو grand labeur des personnesوهو
حرفيا بإضافة "مشقة" إىل "أشخاص ،أنفس" .وإن كان صالحه تركيب مرتجم ً
يتوقف على اتفاق القراء يف اللغة الفرنسية على معناه دون جهد أو مشقة.
وفيما خيص التعبري :د"-قاب قوسني" ،فقد تفردت دونيس ماسون باختيار
41
، portées d'arcبينما اتفق محيد اهلل وجاك بريك يف اختيار ،tension d'arc
واألوىل أكثر دقة يف التعبري عن املسافة إالّ أن اآلخر (اختيار محيد اهلل وبريك)
حيمل الداللة على احلركة ،الضغط على القوس أثناء انطالقه .ولكن اجلميع
حاولوا بناء تركيب إضايف ومل يرتمجوا مبفردةˆ واحدة.
-2التعبري باجلار واجملرور :أ -عن بينة ،ب -على بصرية:
أ" -عن بينة" (األنفال) 42 :
الرتمجة املرتجم
= Pour une raison évidenteسبب بديهي أي -1دونيس ماسون
بني
= Sur preuveعن بينة ،دليل( ،مع حاشية وافية -2محيد اهلل
تشرح سبب البينة ،وهي انتصار املسلمني قليلي العدد
وإذن فمن هلك فقد هلك عن اختيار ،وعن بينة). -3جاك بريك
= Probanteمقنعة.
42
ومع هذا فقد تنبه كل من دونيس ماسون وجاك بريك للفرق الدقيق nuance
فرتمجت ماسون األوىل "بينة" بـ" :سبب بديهي أي بنّي " واألخرى "بصرية"
= en toute clairvoyanceبصرية تبصر .وكذلك جاك بريك األوىل
متاما مثل ماسون إالَّ أهنا
probanteمقنعة واألخرى بـً clairvoyance :
َّ
أكدت بإضافة "بكل" .وأما محيد اهلل ،فقد وجد أن التقارب أوضح فلم يفرق
كثريا بني ترمجة (بينة) ،وترمجة (بصرية) األوىل une preuveواألخرى ً
تأكدا .وإن كنا نرى املرتمجني preuve évidenteفدرجة البصرية عنده أكثر ً
اآلخرين متسكا بدرجة من القرب الشديد بني البصرية واشتقاقها من البصرˆ..
ووجدا كلمة فرنسية قريبة جدًّا ،فبني الرؤية والبصرية فرق يسري ،وهي ختتلف
عن البينة.
-3التعبري برتكيب املفعول املطلق املبني للنوع:
املفعˆˆول املطلق واسˆˆتخدامه يف الˆˆرتكيب اللغˆˆوي سˆˆلوك لغˆˆوي خˆˆاص باللغˆˆات
الس ˆ ˆˆامية ولكنه أك ˆ ˆˆثر اكتم ˆ ˆˆاال يف العربية وح ˆ ˆˆدها ،إذ هو مص ˆ ˆˆدر من لفظ الفعل
السˆ ˆ ˆ ˆˆابق عليه يف اجلملˆ ˆ ˆ ˆˆة ،وهو أحد املفاعيل اخلمسة املنصˆ ˆ ˆ ˆˆوبة ،يسˆ ˆ ˆ ˆˆتخدم لتأكيد
ون َك ۡي ٗدا احلدث أو لبيان نوعه وإيضاحه ،ومثال األول من القرآنِ:إنَّهُمۡ يَ ِكي ُد َ
(١٥الطارق )15:ومثال اآلخرَ :وقُل لَّهُ َما قَ ۡواٗل َك ِر ٗيما( اإلسراء.) 40 :
ˆريا ،فهو باإلضˆˆافة إىل قيمته يف املعىن وتˆˆأثريه وعربية القˆˆرآن تسˆˆتخدم ذلك كثˆ ً
يف تعميقˆˆه ،يضˆˆيف إىل نغمة النطق مجاالً فˆˆوق مجال ،وبخاصة عنˆˆدما يقع يف هناية
العبارة أو على رأس اآليˆة ،فيقف القˆارئ مجيل الصˆوت بˆألف إطالق ممدودة حلالة
النص ˆˆب ،تض ˆˆيف انس ˆˆيابًا مجيالً يبقى أث ˆˆره ط ˆˆويالً بعد انته ˆˆاء النطق ليفعل فعله يف
ُّون ٱ ۡل َم ا َل ُح ٗبّااث َأ ۡكاٗل لَّ ٗ ّما َ ١٩وتُ ِحب َ النفسَ :وتَ ۡأ ُكلُ َ
ون ٱلتُّ َر َ
ٓا َء َرب َُّك َج ٗ ّما َ ٢٠كٓاَّل ۖ ِإ َذا ُد َّك ِ
ت ٱَأۡل ۡرضُ َد ٗ ّكا َد ٗ ّكا َ ٢١و َج
43
ص ٗفّا ( ٢٢الفجˆˆر .)22 -19 :وغري مسˆˆموح للمˆˆرتجم قط أن ص ٗفّا َك َ َوٱ ۡل َملَ ُ
يسˆ ˆ ˆ ˆˆقطه من الرتمجة أو أن يهملˆ ˆ ˆ ˆˆه ...ولكن كيف يˆ ˆ ˆ ˆˆرتجم ولغة كالفرنسˆ ˆ ˆ ˆˆية -بل
واإلجنليزية واألملانية كˆ ˆ ˆˆذلك -ال متس هˆ ˆ ˆˆذا الضˆ ˆˆرب من التعبري؟ وكيف سˆ ˆ ˆˆيكون
الرتكيب يف الرتمجة إذا ترجم حرفيا؟
وسوف خنتار عينات منه نقسمها قسمني ،القسم املؤِّكد للحدث والقسم
املبني للنوع ،مث نستعرض الرتمجات الثالث موضع الدراسة ،لنرى كيف تصرفت
مع هذا وذاك؟
-1النوع األول:
44
Mon seigneur les reduira en -3يَن ِسفُهَا َربِّي نَ ۡس ٗفا ماسون
poudre (طه) 105
حييلها مسحوقا
Mon seigneur les محيد اهلل
disposera comme la
= poussièreيبعثرها كالغبار
(مثل محيد اهلل). بريك
= Décide clairementقرر -4فَٱ ۡفتَ ۡح بَ ۡينِي َوبَ ۡينَهُمۡ ماسون
بوضوح فَ ۡت ٗحا( الشعراء) 118:
متابعا:
ومن هذا القسم تعبريان يتكرر فيهما املفعول املطلق ً
ك ت ٱَأۡل ۡرضُ َد ٗ ّكا َد ٗ ّكا َ ٢١و َجٓا َء َربُّ َ
ك َوٱ ۡل َملَ ُ ِ ....إ َذا ُد َّك ِ
ص ٗفّا (٢٢الفجر ) 22 ، 21 :وقد ترمجتا كما يلي: ص ٗفّا َ
َ
45
= تعودquand la terre sera réduite en poudre : ماسون-1
مسحوقًا
= صفًّاrang par rang
.متاما
ً = ُدكت األرضcomplètement pulvérisée.. : محيد اهلل-2
= صفًّا صفًّاrang par rang..
la terre sera pilée jusqu à la .. : بريك-3
l'applatissement .. =ُد َّكت حىت تساوت
avec les angs en rangs صفًّا صفًّا
: النوع الثاين-2
46
للصالح (النساء)119:
47
احلديث إن التعابري املسبوكة أو اجلاهزة ،إما أن يكون هلا تعابري مقابلة يف
اللغات األخرى تستخدم يف مقامات مشاهبة أو ال ،وإالَّ فإن ترمجت ترمجة
معا ،فإهنا إما أن تكون ركيكة ،أو مثرية حرفية كلمة كلمة وركبت ً
لالستغراب ،أو ال معىن هلا على اإلطالق.
وإذا ك ˆˆانت حماوالت املرتجم فيما خيص املفع ˆˆول املطلق املبني للن ˆˆوع قد تصل
-بشق األنفس -إىل حتقيق درجة من التوفيق والنجˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆاح من حيث وجˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆ ˆˆود
الصˆˆفة بعد املصˆˆدر ،فˆˆإن وضع الصˆˆفة الفرنسˆˆية سˆˆوف يسˆˆاعد على فهم املعىن
أو درجة منˆ ˆ ˆ ˆه ..ولكن تظل اإلشˆ ˆ ˆ ˆˆكالية الكˆ ˆ ˆ ˆˆربى هي وضع مصˆ ˆ ˆ ˆˆدر من لفظ
الفعˆ ˆ ˆˆل ..ولˆ ˆ ˆˆذا يظل املفعˆ ˆ ˆˆول املطلق املؤكد أصˆ ˆ ˆˆعب ترمجة من غˆ ˆ ˆˆريه ويف ٍّ
كل
متامˆˆا ،كما فعلت صˆˆعوبة ومشˆˆقة .فˆˆإذا اضˆˆطر املرتجم إىل إسˆˆقاطه من الرتمجة ً
ك َك ۡيد ًۖا( يوس ˆˆف .) 5 :ظلت ماسون ومحيد اهلل يف املثال األول فَيَ ِكي ُد ْ
وا لَ َ
الرتمجة ناقصˆˆة ،وإذا حˆˆاول بˆˆريك أن يرتمجه حرفيˆˆا" :يكيˆˆدوا لك كيˆ ًˆدا"! فهي
قد تعˆ ˆ ˆد ركيكة يف ذوق الق ˆ ˆˆارئ الفرنس ˆ ˆˆي ،ورمبا يألفها ألنه يعلم أهنا مرتمجة
لتعبري من لغة أجنبية ،وتظل إذن أجنبية عنده.
مجعا"ورمبا ساعد التوكيد اللفظي "كلهم" انظر إىل ترمجة" :مجعناهم ً
معا" على حتقيق درجة من االقرتاب من املعىن احلقيقي للتعبري ،وأما والظرف " ً
محيد اهلل فقد قال" :مجعناهم كلهم" بإضافة التوكيد "كلهم" .وأما بريك فقد
حاول التمسك بوضع ما قد يشابه –من وجهة نظره -املفعول املطلق فقال:
كبريا" فاضطر لوضع "صفة" بعد لفظ "اجلمع" .ولكنه مع مجعا ً "مجعناهم ً
حرصه الشديد على ترمجة املفعول املطلق ،قد يضطر إىل وضع صفة بعده،
سببها أن اللغة الفرنسية قد تستخدم ما يشبه املفعول املطلق ،ولكنه غالبًا يف
تعبريات إجيابية مثل احلب والنجاح .ومع صفة بعده ،فيتحول آليًا إىل ما
48
يقابل "املبني للنوع" يف العربية ..فالفرنسية تقولje l'aime d'un :
عظيما .وال تقبل التعبري je l'aime =grand amourأحبه حبًّا ً
=d'un amourأحبه ُحبًّا ،بدون إضافة صفة .نقول بعد كل هذا :إن
متاما ،مثلما فعل يف
بريك أحيانًا يضطر إلسقاط املفعول املطلق من الرتمجة ً
ترمجة "ينسفها ريب نس ًفا" إذ ترمجها بـ :يبعثرها كالغبار.
وعندما يرتجم املرتجم باختيار فعل من غري لفظ املصدر ،فإن املفعول
املطلق يضيع ،وتتحول الرتمجة إىل مجلة فعلية من فعل وفاعل ومفعول به،
عظيما" حيث ترمجت ماسون مبا يعين: فوزا ً مثلما وجدنا يف ترمجة "فأفوز ً
عظيما ،ومثل ذلك تقريبا فعل محيد اهلل. فوزا ً أحقق لنفسي ً
وأما بريك فوجد فرصة ما أشرنا إليه من إمكان وضع املصدر أو ما
يقاربه بشرط وجود صفة بعده (يف العبارات اإلجيابية) فرتجم "فأفوز فوزاً
عظيما".
ً
وال ننسى أن هذا صح يف ترمجة منط املفعول املطلق املبني للنوع.
-5التعبري باجلملة الفعلية:
ال شك أن أية لغة حتاول أن ترد على لغة أخرى حتاورها من خالل
الرتمجة ،ولكن ال ينتظر منها أن ترد بالضرورةˆ بالطريقة نفسها وال مبعادالت
دقيقة مساوية ملا يف لغة األصل ومطابقة هلا.
وقد رأينا فيما سبق من حديث عن املفعول املطلق ،أن املرتجم حائر بني
أساسا ،وبني ترمجة حرفية كلمة كلمة ،قد تؤدي به إىل إسقاطه من الرتمجة ً
الركاكة يف الرتكيب والتعبري ،وبني الدوران حوله ،وقد حيوله إىل مجلة فعلية
كيدا" "يعدوا لك مكيدة" .ورأينا ما
بدالً من املفعول املطلق ،فتصري" :يكيدوا لك ً
يف ذلك من حتول أو احنراف عن املعىن األصلي أو عن كثري مما فيه .ولكن إسقاطه
49
متاما من الرتمجة ،أو ترمجته حرفيا يطرحان مشاكلˆ أخرى بني النقص والغموض.
ً
ولننظر اآلن إىل ترمجات التعبري باجلملة الفعلية:
الرتمجة املرتجم التعبري
Si Dieu dvait dispensé ماسون َ - 1ولَ ۡو بَ َسطَ
=largement Ses donsأتاح ق ٱهَّلل ُ ٱل ِّر ۡز َ
وسع.
العطاء باتساع= َّ (الشورى) 27 :
50
الرتمجة املرتجم التعبري
خرجتم للقتال يف سبيل اهلل.
Si vous vous lancez sur بريك
= ..le cheminإذا انطلقتم يف
سبيل اهلل.
À l exception de celui ق ماسونِ -4إاَّل َمن َسبَ َ
d'entre eux, contre qui la َعلَ ۡي ِه ٱ ۡلقَ ۡو ُل ِم ۡنهُمۡ ۖ
parole a déjà été (املؤمنون)27 :
= .prononcéeإال من نُطق عليه
القول.
(الرتمجة نفسها) محيد اهلل
Sauf celui d’entre eux بريك
qu’ a déjà exclu la
.sentance
= إال من استثناه القضاء (احلكم)
La parole prononcée ماسون ق َعلَ ۡيهَا
-5فَ َح َّ
contre elle se réalise ل ( اإلسراء)16 : ٱ ۡلقَ ۡو ُ
= حتققت ˆ،حقت عليها الكلمة
املنطوقة.
محيد اهلل = La parole s’avèreثبت
بريك عليها القول احملتوم .الذي ال مفر منه.
Lorsque la parole ماسون َ ۞ -6وِإ َذا َوقَ َع
tombera sur eux
ٱ ۡلقَ ۡو ُل َعلَ ۡي ِ
همۡ ( النمل:
= إذا القول وقع عليهم. )82
51
الرتمجة املرتجم التعبري
(الرتمجة نفسها) محيد اهلل
Quand tombera sur eux بريك
=la paroleإذا وقع القول عليهم.
الحظنا أن كلمة "الرزق" ختتلف ترمجتها ،أو تتنوع بني "العطاء"
و"املنح" فالعربية غنية مبا يشبه املرادفات ففيها العطاء واملنح ،أمَّا "الرزق" فله
كلمة خاصة إذ ال يتأتى من غري اهلل ،أما املنح والعطاء فأعم وأمشل .وكذلك
وسع" والفعل "أفاض" ولكن هذا غري الفعل "بسط" قد يقرتب منه الفعل " َّ
ذاك ،وإذن فالرتكيب "بسط الرزق" مسبوك أو مسكوك مبا خلفه من
إحياءات وخصوصيات اليؤديها تفكيكه إىل كلمات متجاورة.
كثريا من معىن الرتكيب القرآين ،ولكن ليس تؤدي الرتمجات اليت رأيناها ً
بتمامه وكماله ،وقل مثل ذلك يف "ضربتم يف األرض" ترمجت "سحتم،
تنقلتم ،جبتم" ،وليس هلا ما للفعل "ضرب" من وضوح احلركة بدب األقدام
على األرض .وكذلك "ضربتم يف سبيل اهلل" حيث ترجم املعىن مع جتاهل
الفعل "ضربتم" فوجدنا":تطوعتم يف سبيل اهلل" وال حتقق هذه الرتمجة دقة
الفعل "ضرب"وال تنقل احلركة فيه.
وقد أحس املرتمجون باختالف يف الرتكيب "ضربتم يف سبيل اهلل" عن
"ضربتم يف األرض" ملا يوحي به الرتكيب ضربتم من جهاد أو قتال؛ ولذا
ترمجت ماسون "تطوعتم" ،وترجم محيد اهلل "ضربتم للقتال" ،وترجم بريك
"انطلقتم" حماوالً احلفاظ على احلركة القوية والسريعة يف الفعل يف هذا
السياق.
أما التعبري "سبق القول" مع ما فيه من إجياز واضح وداللة خاصة بالفعل
52
سبق ،وما له من إحياءات باحلسم والنفوذ ،فقد ترجم غالبًا بعبارات واضحة
مفاد الرتمجات-كما رأينا" -نطق الطول تقرتب من عشر كلمات ،وكان ُ
واضحا دقي ًقا بني
ً القول" ،و"استثناء القول" .ومع ذلك الحظ املرتمجون فرقًا
"سبق القول" و "حق القول" فرتاوحت ترمجة "حق القول" بـ "ثبت القول
احملتوم" عند بريك ،و"حتقق القول" عند محيد اهلل وماسون .أما "وقع القول"
أصر املرتمجون الثالثة على التمسك حبرفية الفعل وقع إذ وجدوا لهفقد َّ
املعادل الدقيق يف اللغة الفرنسية ،وإن كان محيد اهلل وماسون قد اتبعا
الرتكيب الفرنسي للجملة االمسية" :إذا القول وقع عليهم" ،أما بريك فقد
حاول احلفاظ على اجلملة الفعلية بادئا بالفعل وإن كان منطق الرتكيب
الفرنسي قد حتم عليه تأخري الفاعل فجاءت عبارته" :إذا وقع عليهم القول".
ج -إشكالية النحو:
53
مثل هذه اجلملة من هذا الضرب من الرتكيب:
رفُونَهُۥ(األنعام)20 :ب يَ ۡع ِين َءاتَ ۡي ٰنَهُ ُم ٱ ۡل ِك ٰتَ َ
-1ٱلَّ ِذ َ
ر ۡونَهَ ۖا ( لقمان)10 :ت ِب َغ ۡي ِر َع َم ٖد تَ َ ق ٱل َّس ٰ َم ٰ َو َِ -2خلَ َ
سَأ ۡلتُ ُكم ِّم ۡن َأ ۡج ٖر فَهُ َو لَ ُكمۡ ۖ ( سبأ)47 : -3قُ ۡل َما َ
-4ٱل َّش ۡي ٰطَ ُن َس َّو َل لَهُمۡ َوَأمۡ لَ ٰى لَهُمۡ ( حممد)25 :
الرتمجة املرتجم الضمري
ترمجت" :يعرفونه :أي النيب" .وهي ماسون " 1يعرفونه"
ترمجة صحيحة.
حممدا" مثل محيد اهلل
ترجم" :يعرفون رسول اهلل ً
ترمجة ماسون وهي صحيحة كذلك. بريك
ترجم" :يعرفونه :أي الكتاب" .وهي
ماسون " 2تروهنا"
صحيحة كذلك.
ترمجت" :بغري عمد مرئية" وهي ترمجة محيد اهلل
صحيحة.
تˆ ˆˆرجم" :بغري عمد تسˆ ˆˆتطيعون رؤيتها"
أي العمد ،أي بغري عمد مرئية. بريك
ترجم" :تروهنا ،أي السماء" ،وهي " 3فهو لكم"
ماسون
ترمجة صحيحة كذلك.
ترمجت" :مل أسألكم عليه من أجر ،إنه
لكم!" فاعتربت "ما سألتكم" نفيا ،مث
قطعت ،وإذن فـ" :هو لكم" مجلة
استئنافية مثبتة .ووضعتˆ حاشية طويلة محيد اهلل
54
الرتمجة املرتجم الضمري
سنشري اليه. بريك
ترجم" :الذي سألتكم ....إنه لكم" " 4وأملى هلم".
فاعترب ما موصولة و "هو لكم" خربا. ماسون
ترجم" :مل أسألكم ....إنه لكم" فاعد
"ما" نافية مثلما فعلت ماسون.
الضمري املسترت يف الفعل أملى وهو محيد اهلل
فاعل ،ترمجته عائدا على "الشيطان"،
أي "الشيطان سول هلم وأملى هلم بريك
كذلك" .وهي ترمجة صحيحة.
ترجم مثل ترمجة ماسون ،وهي ترمجة
صحيحة كذلك.
ترجم" :الشيطان سول هلم ،واهلل أملى
هلم" وترمجته صحيحة كذلك.
الحظنا أن ماسون مل تضع حواشي إالَّ لرتمجة "ما سألتكم عليه من أجر فهو
لكم" تقول فيها" :مازال تفسري هذا السطر موضع شك ،هل تعين "هو" األجر؟
وإذن سيكون املعىن :خذوه إنه لكم ،أو جيب أن نتصور املعىن منصرفًا إىل رسالة
حممد ،وأهنا يف صاحل البشر؟".
أما اختياراهتا لعود الضمري الظاهر أو املسترت فهي صحيحة تقبلها التفاسري
بناء على الصالح الرتكي ـيب للجملة وإمكان فهم الضمري فيها.
والحظنا أن محيد اهلل يتفق معها غالبًا ،ولذا مل نعلق عليه هنا.
أما جاك بريك فقد ذهب مذهبًا آخر ،فالضمري يف الفعل (يعرفونه) يعود إىل
55
"الكتاب" أقرب مذكور ،وهو راجع إىل تفسري الزخمشري ˆ،واحلقيقة أن معيار
الفرق بني العود على "النيب" والعود على "الكتاب" يف اللغة الفرنسية ،دقيق
وسهل ،فلفظ "النيب" يف الفرنسية مذكر ،و "يعرفونه" ترتجم le connaisse
ولفظ الكتاب l'ecritureمؤنث ويعرفونه ترتجم .la connaisseوالفرق
أن الضمري يف العربية مذكر؛ ألن لفظي النيب والكتاب مذكران .وأما ترمجته
"الشيطان سول هلم ،واهلل أملى هلم" فهي ترمجة تستند إىل تفسري الزخمشريˆ.
وأخريا فإن املأخذ الوحيد الذي قد نأخذه على املرتمجني الثالثة ،هو عدم
ً
إشارة أي منهم للمعىن اآلخر بناء على التفسري اآلخر الذي يعكس االحتمال
اآلخر لفهم الضمري وعوده ،فهم يعرفونه يف إمكان واحد.
ثانيا :تركيب اجلملة ،النحو واإلعراب:
إذا كان بعض املستعربني يف الغرب ،قد فرحوا بوقوعهم على رأي قطرب
-تلميذ سيبويه -املتوفى سنة 206هـ ، ،الذي قال وحده باصطناع اإلعراب
وعدم أصالته يف العربية ،فاتبعوه ،وقالوا بإمكان نطق العربية دون اإلعراب ،فإن
هذا ال يصدق على عربية القرآن الكرمي قط ،بل وال على غريها ،وإذا كان
إبراهيم أنيس هو الوحيد من بني اللغويني العرب املعاصرين ،الذي تابع قطربًا
تصدوا
كبريا من علماء العربية املعاصرين قد َّ عددا ًواملستعربني على ذلك ،فإن ً
هلذا الزعم ،وأسقطوه باحلجج والرباهني اللغوية العلمية والتارخيية السليمة،
فاإلعراب الكامل بكل حاالته وتفاصيله ضروريˆ لفهم العربية الفصحى والعربية
وجرا يف
رفعا ونصبًا ًّالقدمية .وهو ظاهرة سامية قدمية ،بقيت آثار حاالته الثالث ً
األَكِدية ،يف نص قانون محورايب ،وبقيت منه حالة النصب يف عربية العهد القدمي، َ
ويف اآلرامية كذلكˆ..
وإذا كان اإلعراب واتباع قواعد النحو ضروريا وحامسًا يف القرآن الكرمي ،فإنه
56
من الدقة الدقيقة واألمهية القصوى مبكان لفهم بعض الرتاكيب القرآنية أكثر من
غريها ،فال ميكن فهم بعض الرتاكيب مثل:
ُن( البقرة)124 : ت فََأتَ َّمه ۖ َّ َ ۞وِإ ِذ ٱ ۡبتَلَ ٰ ٓى ِإ ۡب ٰ َر ِۧه َم َربُّهۥُ ِب َكلِ ٰ َم ٖ
ل ( ...البقرة)127 :ت َوِإ ۡس ٰ َم ِعي ُ اع َد ِم َن ٱ ۡلبَ ۡي ِ َ وِإ ۡذ يَ ۡرفَ ُع ِإ ۡب ٰ َر ِۧه ُم ٱ ۡلقَ َو ِ
ۗ
عبَا ِد ِه ٱ ۡل ُعلَ ٰ َٓمُؤ ْا( فاطر)28 : ِإنَّ َما يَ ۡخ َشى ٱهَّلل َ ِم ۡن ِ
ن ِب ٰهَ َذ ۚٓا ( يونس)68 ˆ:
ٰ
ِإ ۡن ِعن َد ُكم ِّمن س ُۡلطَ ۢ ِ
ى اَل يَتَّبِعُو ُكمۡۚ ( األعراف)193 : َ وِإن تَ ۡد ُعوهُمۡ ِإلَى ٱ ۡلهُ َد ٰ
ين( آل عمران)166 : َ ولِيَ ۡعلَ َم ٱ ۡل ُم ۡؤ ِمنِ َ
وا ( آل عمران)167 : ين نَافَقُ ۚ ْ َ ولِيَ ۡعلَ َم ٱلَّ ِذ َ
زَيتَهُۥۖ( آل عمران)192: ار فَقَ ۡد َأ ۡخ ۡ َ ربَّنَٓا ِإنَّ َك َمن ت ُۡد ِخ ِل ٱلنَّ َ
الرتمجة املرتجم
Lorsque son seigneur ماسون َ ۞ -1وِإ ِذ
=.éprouva Abrahamوإذ ابتلى ٱ ۡبتَلَ ٰ ٓى ِإ ۡب ٰ َر ِۧه َم َربُّهۥُ
براهيم.
ربُّهُ إ َ ت فََأتَ َّمه ۖ َُّنبِ َكلِ ٰ َم ٖ
(lorsque )et rappelle-toi محيد اهلل
ton seigneur eut éprouvé
( =Abrahamواذكر) إذ ربك ابتلى
إبراهيم. بريك
Lors Abraham, son
=seigneur l'éprouvaوإذ
إبراهيم ربه ابتاله ماسون َ -2وِإ ۡذ يَ ۡرفَ ُع
Abraham et Ismael ِإ ۡب ٰ َر ِۧه ُم ٱ ۡلقَ َوا ِع َد
=...élevaientإبراهيم وإمساعيل
محيد اهلل
يرفعانˆ...
57
الرتمجة املرتجم
مثل (ترمجة ماسون) .مع ذكر:
=quandعندما بريك
Et tandis qu'Abraham
élevait les assises avec
ِ -3إنَّ َما يَ ۡخ َشى
=l'aide d'Ismaelإبراهيم يرفع... ماسون ٱهَّلل َ ِم ۡن ِعبَا ِد ِه
مبساعدة إمساعيل. ۗ
ٱ ۡل ُعلَ ٰ َٓمُؤ ْا
Parmi les serviteurs de
Dieu les savants sont seul
=à le redouterمن بني عباد اهلل، محيد اهلل
العلماء وحدهم خيشونه.
بريك
"من بني عباده وحدهم العلماء خيشون
اهلل"
Mais seul craignent Dieu,
parmi ses adorateurs ceux ِ -4إ ۡن ِعن َد ُكم
ماسون
=qui connaissentإمنا خيشى اهلل
ِّمن س ُۡل ٰطَ ۢ ِن بِ ٰهَ َذ ۚٓا
من (بني) عباده أولئك الذين يعلمون.
محيد اهلل
Avez vous quelques
autorités pour parler ainsi
= هل لديكم سلطان لتقولوا ذلك.
بريك
Vous n'avez pour cela
=aucune preuveليس لديكم
َ -5وِإن تَ ۡد ُعوهُمۡ
على ذلك أي برهان.
ۚ
Vous n'avez pas la ....اَل يَتَّبِعُو ُكمۡ ماسون
58
الرتمجة املرتجم
moindre justification pour محيد اهلل
= ليس لديكم أي تسويغ.dire cela بريك
(برهان) على قولكم هذا
َولِيَ ۡعلَ َم -6
.= ترمجة عادية صحيحة ماسون
* ين َ ِٱ ۡل ُم ۡؤ ِمن
.= ترمجة عادية صحيحة
َ َولِيَ ۡعلَ َم ٱلَّ ِذ
ين
Si tu les conviais….ne
وا ْ ۚ ُنَافَق
pourraient vous suivre
.ˆ ال يتبعوكم...= وإن تدعوهم محيد اهلل
Afin qu ils reconnaissent
les croyants et afin qu'ils
reconnaissent les بريك
.= وليعلموا املؤمننيhypocrites
.وليعلموا الذين نافقوا
Afin qu'il distingue les ماسون
croyants et qu'il distingue َمن تُ ۡد ِخ ِل -7
.les hypocrites ٱلنَّا َر فَقَ ۡد َأ ۡخ َز ۡيتَهُۖۥ
= وليعلم املؤمنني وليعلم الذين نافقوا محيد اهلل
Que le sachent les croyants et
=que les hypocrites sachent
بريك
.وليعلم املؤمنون وليعلمه الذين نافقوا
Tu couvres d'approbres celui
=que tu introduis dans le feu
.إنك ختزي من تدخله النار
Quiconque que tu fais entrer
59
الرتمجة املرتجم
dans le feu, tu le couvres
= vraiment d'ignominieمن
دخل النار فقد أخزيته
C'est Toi qui fais entrer (le
coupable) dans le feu tu
=l'avais déjà mis à malإنك
أنت الذي (من) تُ ِ
دخل اجملرم النار وإذن
فقد أخزيته.
إن حركة اإلعراب تضمن وظيفة الكلمة يف اجلملة ،ولذا تتمتع اجلملة
العربية بدرجة من حرية التقدمي والتأخري وله يف النحو والبالغة دوره املؤثر يف
املعىن ،ولكن تقدمي املفعول به كما يف مجلة" :وإذ ابتلى ابراهيم ربُّه" سوف حيدث
مشكلة يف الرتمجة بال أدىن شك ،وانظر إىل سلوك املرتمجني ،وترتيب كلمات
اجلملة عندهم ،ماسون ترتجم "وإذ ربُّه ابتلى إبراهيم" ،الشك أنه ال خلل يف
احتفاظ كل من الفاعل واملفعول به بوظيفتهما ،ولكنها مل تستطع قط احلفاظ
على ترتيب قريب من النسق العريب ،وكذلك وضعت "ربُّه" بالضمري املتصل هبا
بعد الظرف مباشرة ودون مرجع هلذا الضمري سابق ،وهذا النسق مألوف يف
الفرنسية .وأما محيد اهلل ،فال ندري ملاذا حتول عن ضمري الغائب "ربُّه" إىل ضمري
املخاطب "ربُّك"؟ أما نسق مجلته فهو يشبه نسق مجلة ماسون"إذ ربك ابتلى
إبراهيم" ،وأما بريك فقد حافظ على ضمري الغائب ولكن ترتيبه "وإذ إبراهيم ربُّه
ابتاله" .وكل ذلك يدل على استحالة نقل الرتكيب العريب بدالالت إعرابه ونسق
كلماته .واملرتجم معذور وال شك فهذه حدود لغته وطاقاهتا.
مساعيل" بعد متام اجلملة
ُ براهيم القواعد من البيت وإ
مث إن الرتكيب "يرفع إ ُ
60
من فعل وفاعل ومفعول به مكون من مضاف ومضاف إليه ،ويعطف فاعالً
جديداً .وذلك غري وارد باللغة الفرنسية بأي حال من األحوال ،ولذا تراوحت
الرتمجات بني عطف الفاعل على الفاعل يف صدر اجلملة (وقد صارا مبتدأين
كعادة الفرنسية) إبراهيم وإمساعيل يرفعان القواعد ،مع إمهال "إذ" .كما يف ترمجة
ماسون ،أو مثل ذلك مع ذكر "إذ" كما فعل محيد اهلل .وبني حماولة للحفاظ على
النسق العريب يف الرتمجة الفرنسية وهذا ما فعله جاك بريك إذ ترجم" :وإذ إبراهيم
يرفع القواعد من البيت مبساعدة إمساعيل" ولكنه ليس حفاظًا كامالً ،إذ التسمح
به اللغة الفرنسية فكان ال بد فيها من تقدمي الفاعل على الفعل ،ولكن أكمل
اجلملة ،مث عطف الفاعل اآلخر ،ولكن قال "مبساعدة إمساعيل".
عباد ِه العلماءُ" أتعب املرتمجني فكان نسقه يف
والرتكيب "إمنا خيشى اهلل من ِ
ترمجة ماسون "من بني عباده العلماء وحدهم خيشونه" ويف ترمجة محيد اهلل ،كان
قريبًا من ذلك "من بني عباده ،وحدهم العلماء خيشون اهلل" ،وقريباً منه بريك
"… أولئك الذين يعلمون" (العلماء) ،فكان بريك األقرب إىل النسق العريب ويأيت
أخريا دونيس ماسون.
بعده محيد اهلل ،مث ً
وال ننسى بعد هذا كله ذوق القارئ الفرنسي ومستواه يف حتصيل هذا التغاير
واالختالف يف أنساق الرتاكيب يف لغته الفرنسية.
والرتكيب "إن عندكم من سلطان هبذا" حولته الرتمجة األوىل إىل أسلوب
إنشائي عن طريق صياغته باالستفهام "هل عندكم براهني (سلطان) على هذا
القول؟" وحاولت ترمجة محيد اهلل احلفاظ عليه فقالت "ليس عندكم على ذلك أي
جهدا أكرب إذ قال" ليس عندكم أدىن تسويغ (برهان)برهان" ،وبذل بريك ً
لقولكم هذا "وقد الحظ هذان األخريان أن النفي بـ "إ ْن" و "من" قوي وحاسم،
فأضاف األول إىل عبارته "أي" واآلخر" أدنى" فخرج النفي أقوى من النفي
61
العادي بـ"ليس" أو بـ"ما".
والرتكيب " ..وليعلم املؤمنني" والفاعل مسترت تقديره "هو" يعود إىل لفظ اجلاللة
حسب سياق اآلية و "املؤمنني" مفعول به.
وكان عدم الدقة يف إدراك حالة النصب يف املفعول به ،واستتار الفاعل
عد كل ومالحظة مرجعه ،سببًا يف خلط كبري لدى ترمجة ماسون وجاك بريك ،إذ َّ
منهما لفظ املؤمنني فاعال جملرد وقوعه يف النسق بعد الفعل (كما تقضي اللغة
الفرنسية) فرتمجت ماسون "وليعلم املؤمنون" و "ليعلم املنافقون" ،وكان بريك
عد ضمري قريبا جدًّا من ذلك فقال" :وليعلمه املؤمنون" و "ليعلمه املنافقون" ،و َّ
النصب املتصل بالفعل "يعلم" ضمري شأن يعود إىل حمتوى اجلملة السابقة .وكان
فاحشا ،مل يقع فيه محيد اهلل؛ إذ راعى النحو
هذا السلوك يف الرتمجتني خطأ ً
مراعاة تامة.
النار فقد أخزيتَهُ" ،فقد
تدخل َ وأما الرتكيب األخري وهو مجلة شرطية " ..من ِ
حولته دونيس ماسون يف ترمجتها إىل مجلة إثبات عادية إخبارية "إنك تغطي َّ
باخلزي من تدخله النار" ،وحاول بريك احلفاظ على صيغة الشرط "إنك أنت
الذي تدخل (اجملرم) النار :وإذن فقد أخزيته" ،واملشكلة هي فهم " َمن" على أهنا
اسم موصول ،مع أهنا يف الرتكيب القرآين شرطية ،وكانت أمام بريك قرينة حنوية
عد " َم ْن" شرطية أال وهي جواب الشرط "فقد أخزيته" ˆ...ولكنه مل تقوده إىل ِّ
يتنبه لذلك .وأما محيد اهلل فهو وحده الذي ترجم مجلة الشرط كما هي .بل
كثريا ما يهمله املرتمجون فيما يهملونالحظ وجود "قد" حرف التحقيق الذي ً
من أدوات التوكيد كما الحظنا عند أغلبهم.
62
:استنتاج أو كلمة أخيرة
-وكما بدأنا نعود ˆ...مل تكن حىت اآلن ترمجة كاملة تامة خالية من
العيوب اللغوية وغري اللغوية ،بل لن تكون قط ،سواء أقام هبا مسلمون
أم غري مسلمني:
فلكل بناؤها
-ألن اللغات اإلنسانية ال تتطابق وال تتكافأ مائة باملائةٍ ،
وروحها ووسائلها اخلاصة .ولذا فالرتمجة دوران حول النص ،وإذا كانت
الرتمجة األدبية من الصعوبة مبكان كما قال أكثر من تقدم ذكرهم يف هذا
البحث منذ اجلاحظ إىل اليوم ،وإذا كانت ترمجة الشعر مستحيلة ،فكيف
أكدهابرتمجة معاين القرآن؟ ولنقل ترمجة معاين القرآن األصلية اليت َّ
"الشاطيب" ومن بعده املراغي وهل ستحافظ ترمجة "املعاين" األصلية على
النسق اللغوي وما حيمل من تأثري يف هذه املعاين؟
-وهل نأخذ على املرتجم املخل إالَّ ما قصر عن حتصيله من بعض أصول
النص ،مث من عدم إدراك ما حتمله لغته املرتجم إليها من إمكانات؟ فماذا
نصنع إذا كانت اللغة املتلقية نفسها قاصرة ،بل غري مطابقة ،كما رأينا
يف استعراض ترمجات ثالث؟ وماذا عن مستوى القارئ املعريف بلغته هو
اليت يقرأ هبا الرتمجة؟ وهو كالقارئ العريب متفاوت يف درجات املعرفة
واحلس اللغوي والبالغي واألديب؟ يبقى على دارس الرتمجات أن جيري
نوعا من االستفتاء واالستقصاء على أرض الواقع اللغوي الفرنسي مثال؛ ً
ليحدد أنواع القراء وطبقاهتم وأسباب توجههم إىل قراءة القرآن يف
الرتمجة الفرنسية ،وهل هي قراءة إميان وعبادة؟ أو قراءة دراسة وحبث؟
وبأي عني يدخل إىل النص؟ وقد حاولنا اإلشارة لشيء من ذلك خالل
هذا البحث!
63
-إن ما كتب عن إشكالية ترمجة معاين القرآن الكرمي منذ عهد اجلاحظ إىل
عهد املراغي وقبله الشاطيب وبعده الزيات وغريه مل يرتجم حىت اآلن للغة
جدا من البحوث يف الفرنسية ،اللهم إال شذرات نادرة خلدمة قليل ً
فرنسا ،وحنن هنيب بالعرب املزدوجي اللغة أن يدخلوا هذا امليدان،
وسنحاول ترمجة ما نستطيع من ذلك إىل اللغة الفرنسية هنديه إىل
املرتمجني؛ ليكون نوعاً من الدليل املرشد املساعد لكل من حيب الدخول
إىل عامل ترمجة معاين القرآن بشيء من التنبه واحلرص ،وإدراك خطورة
األمر ،فاملكتبة الفرنسية شبه خالية من هذا النوع من الكتابات.
-وإذن فنحن ندعو إىل لقاءات وحوارات بيننا وبني املرتمجني ،بني
الباحثني العرب واملسلمني واملهتمني بشؤون ترمجة معاين القرآن الكرمي
ودراستها ونقدها ،وبني املرتمجني املمارسني ،ونؤكد أهنم ال يأنفون من
هذه اللقاءات وتلك احلوارات إال قليال منهم فأعرض عنهم.
-وقد يبلغ بنا الطموح -احملبب -درجة عالية فنحلم بإنشاء أقسام يف
كليات اآلداب وكليات الرتمجة يف بالدنا العربية اإلسالمية ،تتخصص
بهذا الضرب وحده من الرتمجة ،وترسل من أبنائها يف بعثات لدراسة
اللغات وآداهبا وتارخيها ،ولدراسة علم الرتمجة ومناهجه ومدارسه،
والرجوع إىل جامعاهتم ،ومجع أكرب عدد من ترمجات معاين القرآن،
لوضعها موضع البحث العلمي النقدي التحليلي ،ودراسة إشكاالهتا
واملسامهة يف حبوث أكادميية يف هذا احلقل ونشرها بلغات العامل املختلفة،
واإلعالن عن ذلك يف أقسام الدراسات العربية واإلسالمية ومراكز
البحث العلمي اللغوي واألديب يف جامعات الغرب ،وفتح جسور حوار
علمي حبثي حول هذه األمور ،قد يكون ذلك أكثر فائدة من الوقوف
64
عند حد احلصر والرصد لألخطاء دون دراسة ودون توجيه.
-وهذا اقرتاح نابع من جتربتنا الذاتية ،فلدينا سجالت بأخطاء عديدة عن
ترمجات فرنسية حاول بعض املرتمجني تداركها ،ومل نتمكن من االتصال
بالبعض اآلخر ،وكثري من األخطاء استخرجناه من ترمجات كانت قد
متت مراجعتها وتصحيحها من علماء وجهات إسالمية ،وإن ما قمنا
بقراءته وتصحيحه مازال قابال لقراءة وتصحيح.
-وقد حيتاج األمر إىل دراسات وحبوث يف تصحيح الرتمجات ذاهتا ..فقد
علما قائما بذاته يوازي علم الرتمجة،
يصبح التصحيح -يف رأيناً -
ويوازي عملية الرتمجة ذاهتا.
وعلى اهلل قصد السبيل
65
المراجع
اإلعجاز يف نظم القرآن :حممد سعيد شيخون.
األدلة العلمية على جواز ترمجة القرآن :حممد فريد وجدي.
ترمجة معاين القرآن إىل اللغة الفرنسية – جاك بريك ،الطبعة الثانية،
66
لسان العرب :ابن منظور.
مالحظات حول ترمجة القرآن :منشور يف جملة ترمجان.جملد ،8عدد،2
اكتوبر 1999م.
معجم منت اللغة :أمحد رضا.
املعجم الوسيط :جممع اللغة العربية.
- LEXICON UNIVERSAL ENCYCLOPADEDIA
- ENCYCLOPADEDIA LAROUSSE
67
فهرس الموضوعات
املراجع 67.........................................................................
68