Professional Documents
Culture Documents
1
وقد َبَّي ن الدكتور عبدالفتاح الشين:
أن الزمخشري لم يميز بين علمي المعاني والبيان ولم يجعل لكل منها مباحثه الخاصة واستقالله الذي يشخصه كما ذكر
الباحث لدرجة أنه لم يذكر اسم علم المعاني على مسألة بالغية من المسائل التي تنطوي تحته على كثرة ما عرض منها،
كذلك أطلق الصنعة البديعية على بعض مسائل علم البيان.
وإحقاًقا للحق ،ووضع األمر في نصابه ،نستعرض نص الجرجاني في أول كالمه بشرح كتاب المفتاح للسكاكي:
قال المصنف:
"اعلم أن علم العربية المسمى بعلم األدب :علم يحترز عن الخلل في كالم العرب لفًظ ا أو كتابة وينقسم على ما صرحوا
به إلى اثني عشر قسًم ا منها أصول وفروع.
أما األصول فالبحث فيها إما عن المفردات ،فعلم اللغة ،أو من حيث صورها ومبنياتها فعلم الصرف ،أو من حيث
انتساب بعضها من بعض باألصالة والفرعية فعلم االشتقاق ،وإما عن المركبات على اإلطالق ،فأما باعتبار بنياتها
التركيبية وتأديتها لمعانيها األصلية فعلم النحو ،أو باعتبار إفادتها لمعنا مغايرة ألصل المعنى فعلم المعاني ،أو باعتبار
بنية تلك اإلفادة في مراتب الوضوح فعلم البيان ،وإما عن المركبات الموزونة فأما من حيث وزنها فعلم العروض ،أو
من حيث أواخر أبياتها فعلم القوافي.
وأما الفروع ،فالبحث فيها إما أن يتعلق بنقوش الكتابة فعلم الخط ،أو يختص بالمنظوم فالعلم المسمى بقرض الشعر،
أو بالمنثور فعلم انشاء النثر من الخطب والرسائل ،وما ال يختص بشيء منها فعلم المحاضرات ،ومنه الخطب
والرسائل ،وما ال يختص بشيء منها فعلم المحاضرات ،ومنه التواريخ ،وأما البديع فقد جعلوه ذياًل لعلمي المعاني
والبيان ال قسما برأسه".
2
وقد ناقش الدكتور عبدالفتاح الشين ما ذكره الدكتور شوقي من أن الزمخشري جعل البديع ذيال لعلمي البالغة ،وأن
السكاكي متأثر به في ذلك.
فقد أخذ هذا االدعاء من الجرجاني في قوله:
"وأما البديع فقد جعلوه ذيال لعلمي المعاني والبيان ال قسما برأسه".
فكيف يصح أن ينسب ذلك الزمخشري وليس في النص ذكر له إطالًقا؟
وكيف يجعل الباحيث الضمير في "جعلوه" عائدا على الزمخشري ،وهو لم يتقدم في الذكر وال في العهد؟
ثم من أين للباحث هذا الحكم الذي حمله على الزمخشري حمال وهو منه براء؟
وبخصوص أن السكاكي تأثر به ،كيف يصح هذا الحكم مع أن السكاكين يثبت عنه أنه جعل البديع ذياًل لعلمي البالغة،
وإنما الثابت عنه كما تنطق به آثاره ،أنه أول من أطلق علم المعاني على المباحث التي بحثها فيه ،وأول من أطلق على
مباحث التشبيه والمجاز والكناية علم البيان وتركهما على هذا الوجه من التحديد والضبط.
3
رابًع ا :وكذلك الكالم نفسه في وضوح الداللة ،البد أن تكون الصورة هي التي طلبت المحسن البديعي ،كما أن المعنى هو
الذي يطلبه ،حتى ال يزول ،وإنما إذا راعينا هذا يكون المحسن البديعي طبيعيا عفويا وليس مصطنًع ا ومتكلًفا ،وأصح
دليل على دفع هذا االتهام عن الخطيب القزويني أنه رتب علوم البالغة الثالثة هذا الترتيب ألنه ال غنى لعلم البيان عن
علم المعاني ،وال غنى لعلم البديع عن علم المعاني والبيان ،وهل معنى ترتيب البيان في القسم الثاني أنه تابع وذيل للقسم
األول؟
أظن أن هذا االتهام الذي ُألِص َق بالخطيب القزويني هو بريء منه.
خامًس ا :ودليل آخر على براءة الخطيب من إلصاق هذا االتهام به ،أنه استشهد بكثير من اآليات القرآنية للمحسنات
المعنوية واللفظية ،فهل معنى هذا أنه قطع أن هذه المحسنات البديعية القرآنية زينة وعرضية؟
والجواب أنه استشهد بها وبَّين بالغتها وقيمتها الفنية ،فال يستطيع المعنى واالستغناء عنها.
فعلوم البالغة الثالثة ال غنى لبعضها عن بعض ،فهي مكملة لبعضها فال نستطيع االستغناء عن بعضها وأخذ بعضها،
فعلم المعاني بمثابة الرأس من الجسم ،وعلم البيان بمثابة الجسم وعلم البديع بمثابة األطراف فكلها كالجسد الواحد ،حتى
تستطيع أن تحكم على نص من النصوص فال بد أن يكون في تصورك هذا الجسم المتكامل الذي هو أساس البالغة
ومحوة النظم.
فالبديع ليس ذياًل لعلمي البيان والمعاني ،وال أدري لمن مرجع الضمير في (جعلوه) وال أستطيع أن ألحق هذه التهمة
بأناس لم يصرح بأسمائهم.
وألن العقل هو الذي يحكم ويقول كلمته الصائبة ،ولهذا نتعرض للبديع بين الذاتية والعرضية حتى نتعرف على آراء
العلماء ونتعايش في هذا القضية المهمة التي أخذت اهتماًما كبيًر ا عند البالغيين.
================================================================
4
﴿تطور البديع وأصالته﴾:
يقال إن الشاعر مسلم بن الوليد أول من أطلق اسم البديع على هذا الفن.
ثم تطورت هذه الكلمة في العصر العباسي ،وكانت تعني كل صورة غريبة أو طريفة لدى الشعراء العباسيين،
(كأبي تمام) ،ولكنه أفرط في استخدام البديع ،ومنهم من اعتدل في استخدام البديع (كالُبحتري وابن المعتز).
وذكر الجاحظ في كتابة البيان والتبيين:
أن الرواة كانوا أول من أطلق وصف البديع على الشعر الذي تميز بجماله وجودة صياغته.
واستدل بقول األشهب بن ُرميلة أحد الشعراء المخضرمين:
َو َما َخ ْيُر َك ٍّف اَل َتُنوُء ِبَساِع ْد *** ُهْم َساِع ُد الَّدْه ِر اَّلِذ ي ُيَّتَقى ِبْه
قال الجاحظ :قوله (ُهْم َساِع ُد الَّدْه ِر ) إنما هو مثل وهو الذي يسميه الرواة (البديع) وهو يقصره على العرب.
يقول" :والبديع مقصور على العرب ،ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كل لسان ،والراعي كثير البديع في
شعره ،وبشار حسن البديع ،والعَّت ابي يذهب في شعره مذهب بشار".
ثم ترى عبد هللا بن المعتز يخطو الخطوة األولى بتأليفه كتاب البديع عام ( 296هـ) وُيعد هذا المصدر أول محاولة
علمية منهجية منظمة في هذا الميدان.
فهو أول كتاب في العربية يحمل هذا االسم ،وكان الباعث على تأليفه ،ما شاع في عصره من العناية بالقيم الصوتية:
جرًس ا وإيقاًعا ،والرد على من زعم أنه صاحب هذا المذهب البديعي ومنهم بشار ومن تبعه.
فجاء في كتابه البديع للرد على تلك الدعوى ،ليثبت أن ما ادعاه المحدثون ،وسمعوه بديًع ا ،موجود من قديم في القرآن
الكريم ،واللغة والحديث الشريف وكالم العرب في العصرين الجاهلي واإلسالمي وليس وليد عصر بشار ومن تبعه من
الشعراء ،وال فضل لهم في ابتكاره وإن كانوا لهم صفة إكثاره وتصنعه.
يقول في مقدمة كتابه (البديع):
"قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن الكريم واللغة وأحاديث الرسول وكالم الصحابة واألعراب
وغيرهم ،وأشعار المتقدمين من الكالم الذي سماه المحدثون (البديع) ليعلم أن بشاًر ا ومسلًم ا وأبو نواس ومن سلك
سبيلهم ،لم يسبقوا إلى هذا الفن ،ولكنه كثر في أشعارهم ،فعرف في زمانهم حتى سمى بهذا االسم ،فأعرب عنه ودل
عليه ،ثم إن حبيب بن أوس الطائي شغف به حتى غلب عليه ،وتفرع فيه وأكثر منه ،فأحسن في بعض ذلك ،وأساء
في بعض ،وتلك عقبى اإلفراط ،وثمرة اإلسراف".
5
وابن المعتز يذكر في كتابه أنه أول من نظم وجمع فنون البديع فيقول:
"وما جمع فنون البديع وال سبقني إليه أحد".
وقد قسم كتابه قسمين:
محاسن )2
:البديع)1
:الكالم
:ويحتوي على ثالثة عشر نوًع ا
س /لماذا قسم ابن المعتز كتابه إلى قسمين اختص أحدهما باسم البديع واختص الثاني باسم محاسن الشعر أو الكالم؟
6
فتجد ابن المعتز ترك حرية االختيار للناظر في هذه الفنون فمن أحب أن يلتزم ويقتصر على القسم األول فله حرية
االختيار ،ومن أخذ عني القسم الثاني وزاد عليه فله ذلك ،ولهذا كثر الولوع بالبديع في هذا العصر وكثرت األلوان
البديعية.
وكان ممن أضاف :معاصره (ُقدامه بن جعفر). o
فقد اهتدى إلى أنواع جديدة في كتابه (نقد الشعر) منها:
(الترجيح ،الغلو ،صحة التقسيم ،صحة المقابالت ،صحة التفسير ،اإلشارة ،اإلرداف ،التمثيل ،اإليغال ،وغيرها.)..
فقد اتفق مع ابن المعتز في سبعة أنواع وانفرد بعشرين.
وابتكر (أبو هالل العسكري) زيادة على ما سبق ستة أنواع ،وأطلق كلمة "البديع" على أنواع أخرج منها: o
(التشبيه ،اإليجاز ،اإلطناب ،السجع ،االزدواج ،بينما عد االستعارة والمجاز من البديع).
ثم ترى (ابن رشيق) في القرن الخامس الهجري وله كتاب (العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده) واعتنى بالبديع o
وأخذ منه نصيًبا كبيًر ا من البحث والدراسة ،ولهذا أورد في كتابه تسعة وعشرين نوًعا.
وظلت كلمة "البديع" تتسع لكل أنواع علوم البالغة ،عند علماء البالغة ،أمثال( :ابن سنان ،عبد القاهر) فقد أطلق
"البديع" على :التشبيه والتمثيل واالستعارة والتطبيق.
ويعتبر (السكاكي) أول من أطلق علم المعاني على المباحث التي ذكرت فيه.
وأول من أطلق على مباحث التشبيه والمجاز والكناية اسم "علم البيان".
وأول من حكم على "علم البيان" بأنه متنزل من "علم المعاني" منزلة المركب من المفرد.
وأول من أطلق اسم "علم البديع" على المحسنات هو( :بدر الدين بن مالك).
وبذلك مهد الطريق للخطيب القزويني ألن تصبح البالغة بهذا التقسيم المعروف إلى يومنا هذا.
فقام الخطيب القزويني بالخطوة األخيرة في كتابه اإليضاح واكتمل القسم الثالث على يديه فعرفه بقوله:
"هو علم ُيعرف به وجوه تحسين الكالم بعد رعاية تطبيقه ووضوح الداللة".
7
ويقول أحد البالغيين المحدثين :أن الخطيب القزويني لم يقف بالبديع عند هذا الحد ،بل قصره على ألوان خاصة ،وفصله
فصاًل كاماًل عن أخويه المعاني والبيان ،وأصبحت البالغة في عرف الخطيب ومن نحا نحوه محصورة في علم المعاني
والبيان.
واستدل بنص الخطيب في تلخيص المفتاح ،يقول:
"إن البالغة في الكالم مرجعها إلى االحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ،وإلى تمييز الكالم الفصيح من غيره،
وتمييز الكالم منه ما يكون في علم متن اللغة ،أو التصريف ،أو النحو ،أو يدرك بالحِّس ،وهو ماعدا التعقيد المعنوي،
وما يحترز به عن الخطأ هو علم المعاني ،وما يحترز به عن التعقيد المعنوي هو علم البيان ،وما ُيعرف به وجوه
التحسين هو علم البديع".
وقد اتهم بعض العلماء الخطيب القزويني أنه جعل البديع من المعاني والبيان بمنزلة التابع من المتبوع.
واختلف العلماء ،فمنهم من فسر تعريف الخطير – (بعد رعاية تطبيقه ووضوح الداللة) – أنه عد البديع من توابع
البالغة المقصورة على علمي (المعاني والبيان).
وممن عارض الخطيب معلنا أن تحسين (البديع) ذاتي وليس عرضيا( ،البهاء السبكي).
فقد قال معلقا على تعريف الخطيب:
"يحتمل أن يراد بعد معرفة رعاية تطبيقه ووضوح الداللة ،ويكون المراد :هو قواعد ُيعرف بها وجوه التحسين
ووجوه التطبيق والوضوح ومعرفة التطبيق والوضوح فيكون المعاني والبيان جزأين للبديع ،ويحتمل أنه قواعد يعرف
بها بعد معرفة التطبيق والوضوح ووجوه التحسين ،فال يكون المعاني والبيان جزأين للبديع ،بل مقدمتين له ،وقد
صرحوا بأن المراد هو األول ،وفي استخراجه من منطوق عبارة المصنف عسر ،ألنك إذا قلت :عرفت زيدا بعد
معرفتي لعمرو ،فالمخبر به معرفة زيد مقيدة بسبق معرفة عمرو ،ال معرفة زيد وعمرو".
ووافق أبو جعفر الغرناطي (البهاء السبكي) قال في مقدمة شرح بديعية ابن جابر األندلسي بعد شرح التعريف:
فتحصل من هذا أن العلم بوجو الكالم ال يسمى بديًع ا إال بشرطين:
)1أن يكون ذلك الكالم مطابًق ا لمقتضى الحال.
)2أن تكون كيفية طرق داللته معلومة الوضوح والخفاء.
فالشرط األول هو علم المعاني ،والشرط الثاني هو علم البيان ،فلو عدم الشرطان أو أحدهما من الكالم لم يكن العلم
بوجوه تحسين ذلك الكالم بديًع ا".
8
وتصور لو أن الخطيب عَّر ف علم البديع وقال هو علم يعرف به وجوه تحسسين الكالم ،وسكت لكان هذا إدانة له أن
تحسين البديع عرضي وليس ذاتًيا ،ألن أي تأليف كالم سواء كان شعرا أم نثًر ا ال بد من مراعاة الفصاحة في مفرداته
والبالغة في تراكيبه سواء أكان معانًيا أم بياًن ا أم بديًع ا.
وأتم ما قيل في ذلك هو ما ذكره اإلمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دالئل اإلعجاز) ،إذ جعل من التحسين الذاتي،
التقسيم ،والمزاوجة وجعلهما مع التشبيه المتعدد من باب النظم الذي يتحد في الوضع ويدق في الصنع.
وتأثر الفخر الرازي باإلمام عبد القاهر الجرجاني ونحوه وأكمل هذه النظرة ،وأدخل في هذا الباب كثيًر ا من أنواع البديع
من( :مطابقة ،ومقابلة ،واعتراض ،والتفات واقتباس ،وتلميح ،ولف ،ونشر ،وإيهام ،وتورية إلى غير ذلك مما ذكره) هذا
وألحف أن حسن وجمال األلفاظ في تعلقها بالمعاني واتصالها بالتراكيب.
ويؤكد اإلمام عبد القاهر أن الحسن ال يكون للفظ ذاته من غير نظر إلى المعنى بقوله:
إنك ال تستحسن تجانس اللفظتين إال إذا كان موقع معنييهما من العقل موقعا حميًد ا ،ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى
بعيًد ا ،أتراك استضعفت تجنيس أبي تمام في قوله:
*** ِفيِه الُّظُنوُن َ :أَم ْذ َهٌب َأْم ُم ْذ َهٌب َذَهَبْت ِبَم ْذ َهِبِه الَّسَماَح ُة َفاْل َتَو ْت
واستحسنت تجنيس القائل:
َح َّتى َنَج ا ِم ْن َخ ْو ِفِه َو َما َنَج ا
وقول المحدث:
َأْو َدَع اِني َأُم ْت ِبَما َأْو َدَع اِني *** َناِظ َر اُه ِفيَما َج َنى َناِظ َر اُه
ألمر يرجع إلى اللفظ ،أم ألنك رأيت الفائدة ضُع َفت عند األول وقويت في الثاني؟
ورأيتك لم يزدك بمذهب وُمذهب على أن أسمعك حروًفا مكررة ،تروم لها فائدة فال تجُد ها إاَّل مجهولة منكرة ،ورأيت
اآلخر قد أعاد عليك اللفظة ،كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ،ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها ،فبهذه
السريرة صار التجنيس ،وخصوًص ا المستوفى منه ،المتفق في الصورة من ُح َلى الشعر ،ومذكوًر ا في أقسام البديع ،فقد
تبين لك أن ما ُيعَط ى من التجنيس من الفضلية أمر لم يتم إال بنصرة المعنى إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه ُمستحَس ن،
ولما ُو ِج َد فيه إال معيب مستهَج ن.
وهكذا يتبين من نص اإلمام عبد القاهر ،واستشهاده بلون من ألوان البديع كنموذج يحتذى به ،أن الجناس يعيد اللفظة كأنه
يخدع عن الفائدة وقد وفاها وأعطاها وكما ذكر البهاء السبكي أنه يجذب إمالة السامع وإصغاءه وكان هذا هو قصد
البالغيين وهدفهم ،وهذا أكبر دليل على أنه من صميم البالغة ،ومن دواعي مقتضى الحال يقول اإلمام عبد القاهر:
"وعلى الجملة فإنك ال تجد تجنيًس ا مقبواًل وال َسَج ًع ا حسًن ا حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وَس اق نحَو ه،
وحتى تجده ال تبتغي به بَد اًل ،وال تِج د عنه ِح َو اًل ،ومن هنا كان أحلى تجنيس تسمعه وأعاله ،وأحقه بالحسن وأواله،
وما وقع من غير قصد من المتكلم إلى اجتالبه ،وتأُّهب لطلبه".
9
وعلى هذا فالبديع يحتل مكانة رفيعة من البالغة ،وهو أصل من أصولها ،له مكانته البالغية كالمعاني والبيان ،وإليك
بعض الشواهد القرآنية المشتملة على ألوان البديع ليستقر في ذهنك تأكيد ذاتية البديع:
قوله تعالىَ﴿ :و َيْو َم َتُقوُم الَّساَع ُة ُيْقِس ُم اْلُم ْج ِرُم وَن َم ا َلِبُثوا َغ ْيَر َس اَع ٍة﴾.
فالجناس هنا بين (ساعة) األولى بمعنى يوم القيامة ،و (ساعة) الثانية بمعنى المدة الزمنية.
فأنت تجد أن المعنى هنا هو الذي طلب التجنيس ورام حوله واستدعاه ،ولهذا كان مقبواًل بليًغ ا أثر في السامع كأنه
يخدعك عن الفائدة ،وبهذا أحسن الزيادة ووفاها ،كما أن هذا التجنيس يحدث ميال إلى اإلصغاء واالستشراف إلى المعنى
المقصود وتلك هي البالغة.
ومثل الجناس السجع ،قوله تعالىَ﴿ :و الُّض حى (َ )1و الَّلْيِل ِإَذ ا َسَج ى (َ )2م ا َو َّدَعَك َرُّبَك َو َم ا َقَلى (َ )3و َلآْل ِخ َر ُة َخ ْيٌر َلَك
ِم َن اُأْلوَلى﴾.
فمفعول (َق َلى) محذوف لرعاية الفاصلة في (َس َج ى) األولى.
فجاء السجع ألجل المعنى ،والمعنى هو الذي طلبه واستدعاه ،ألن المعنى هو الذي استدعى حذف مفعول (َق َلى) ال مجرد
تحقيق السجع؛ ألن المفعول المحذوف تقديره :وما قالك ،أي :وما تركك يا محمد ﷺ ،ف ُح ِذ َف المف عول وهو كاف
عل نس ه
الُم َخ اَط ب ﷺ؛ حت ى لا ي ق ع الترك وال جر على الض مي ر العائ د علي ه ﷺ ،وهذ ا معن ى أ رق من ال ي م ال ي ل.
ومثال الطباق ،قوله تعالىُ﴿ :هَو اَأْلَّو ُل َو اآْل ِخ ُر َو الَظاِهُر َو اْلَباِط ُن ﴾.
أي األول قبل كل شيء بال بداية ،واآلخر بعد كل شيء بال نهاية ،والظاهر باألدلة عليه ،والباطن عن إدارك الحواس.
فجمع بين األول واآلخر طباق بين الظاهر والباطن.
ومثال المقابلة ،قوله تعالىِ﴿ :إَّن اَأْلْبَر اَر َلِفي َنِع يٍم (َ )13وِإَّن اْلُفَّج اَر َلِفي َج ِح يٍم ﴾.
ومثال المبالغة المقبولة ،قوله تعالىَ﴿ :يَك اُد َز ْيُتَها ُيِض يُء َو َلْو َلْم َتْم َسْسُه َناٌر ﴾.
فإضاءة الزيت من غير نار كإضاءة المصباح محال عقال وعادة ،ولكن قرب هذا بقوله (يكاد) أفادت أن المحال لم يقع.
يقول الشيخ الدسوقي:
"المبالغ فيه إضاءة الزيت كإضاءة المصباح من غير نار ،وال شك أن إضاءة الزيت إضاءة كإضاءة المصباح من غير
نار ،وال شك أن إضاء الزيت إضاءة كإضاءة المصباح محال عقال وعادة ،وحيث قيل (يكاد يضيء) ،أفاد أن المحال لم
يقع ،ولكن قرب من الوقوع مبالغة".
10
ومثال ألسلوب اللف والنشر ،قوله تعالىَ﴿ :و ِم ْن َرْح َم ِتِه َج َعَل َلُك ُم الَّلْيل َو الَّنَهاَر ِلَتْس ُكُنوا ِفيِه َو ِلَتْبَتُغوا ِم ْن َفْض ِله َو َلَعَّلُك ْم
َتْش ُك ُروَن ﴾.
فاآلية الكريمة ُتبِّين وُتوِّضح رحمة من رحمات هللا الكثيرة ،التي قد ال يدركها اإلنسان بحسه من كثرة رؤيتها والتعود
عليها ،فاهلل تعالى يذكرنا بهذه الرحمة وهي فائدة من فوائد خلق الليل والنهار وهي السكون والهدوء والحركة واالبتغاء.
فقد جمع بين الليل والنهار على التفصيل ،ثم ذكر ما لليل وهو السكون فيه ،وما للنهار وهو االبتغاء من فضله على
الترتيب.
يقول هالل العسكري مؤكدا جمال النظم القرآني:
"فجعل السكون لليل وابتغاء الفضل للنهار ،فهو في غاية الحسن".
ومثال صحة التقسيم ،قوله تعالىُ﴿ :هَو اَّلِذ ي ُيِريُك ُم اْلَبْر َق َخ ْو ًفا َو َطَم ًعا﴾.
فرؤية البرق ليس فيها إال الخوف من الصواعق ،والطمع في األمطار ،فقدم الخوف على الطمع ألسباب ،منها:
أن الخوف يقع من أول برقة أما الطمع ال يأتي إال بعد تتابع البرقات.
وكذلك يأتي الفرج والفرح بعد الشدة ،فيكون تأثيره ووقعه أحلى وأجمل.
قال أبو هالل العسكري:
"وهذا أحسن تقسيم؛ ألن الناس عند رؤية البرق بين خائف وطامع ليس فيهم ثالث".
11
﴿منزلة المعنى في علم البديع﴾:
حين ُيذكر لفظ البديع ينصرف الذهن إلى الزخرف اللفظي ،أو األلوان واألشكال المرئية والمسموعة ،وهذا األمر تراه في
كتابات القدماء والمحدثين على السواء.
لكن الحقيقة أن أئمة البالغيين ما قصدوا إلى إهدار جانب المعنى في المحسنات اللفظية ،كما أنهم لم يهدروا جانب اللفظ
في المحسنات المعنوية؛ ألن العرب تهتم باأللفاظ فتصلحها ،وتهذبها ،وتراعيها ،وتالحظ أحكامها بالشعر تارة ،وبالُحكم
تارة أخرى ،واألسجاع التي تلتزمها ،وتتكلف استمرارها ،ومع ذلك فإن المعنى أقوى عندها ،وأكرم عليها ،وأفخم قدًر ا
في نفوسها.
يقول ابن جني تحت عنوان (باب في الَّر د على من اَّد عى على العرب عنايتها باأللفاظ وإغفالها المعاني):
"اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها وأعالها وأنزهها وإذ تأملته عرفت منه وبه ما يؤنقك ويذهب
في االستحسان له كل مذهب بك ،وذلك أن العرب كما ُتْع َن ى بألفاظها فُتصلحها وتهذبها وتراعيها وتالحظ أحكامها
بالشعر تارة وبالُخ َط ِب ُأْخ َر ى وباألسماع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأفخم
َقْد ًر ا في نفوسها ،فأول ذلك عنايتها بألفاظها فإنها لَّم ا كانت ُع نوان معانيها وطريقها إلى إظهار أغراضها ومراميها
أصلحوها ورتبوها وبالغوا في تحبيرها وتحسينها ليكون ذلك أوقع لها في السمع وأذهب بها في الداللة على القصد أال
ترى أن المَث ل إذا كان مسجوًع ا لم تأنس النفس وبه وال أِنقت لمستمعه ،وإذا كان كذلك لم تحفظه ،وإذا لم تحفظه لم
تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له ،وجيء به من أجله".
وكذلك الحال ليس هناك حسن يرجع فقط إلى المعنى دون وجود دور لأللفاظ ،وإنما قيل محسن معنوي ،ألن الحسن
يظهر للوهلة األولى في تناسب المعنى ،أو تقابله ،أو جمعه ،أو تقسيمه.
فالحسن حين يضيء أوال في األلفاظ فهي محسنات لفظية ،وحيث يبرق أوال في المعاني فهي محسنات معنوية ،فالتقسيم
إلى لفظية ومعنوية كما يقول أستاذنا محمود توفيق – منظور فيه إلى االستهالل ،ال جانب االشتمال.
كما أن الحسن في األلفاظ تابع للحسن في المعاني ،وهذا ما أكده السكاكي في المفتاح بل إنه زاد على ذلك فضم بعض
المحسنات البديعية إلى علم المعاني ،وهذا يجعلك تعجب ممن اتهموه بإخراج البديع من البالغة.
================================================================
12
﴿مكانة النغم في البالغة العربية﴾:
في الوقت الذي تجد فيه البعض يحرم الموسيقى ،ويعتبرها المقصود من قوله تعالى:
﴿َو ِم َن الَّناِس َم ْن َيْشَتَر ى َلْه َو اْلَح ِد يِث ِلُيِض َّل َعْن َس ِبيِل ِهللا ِبَغْيِر ِع ْلٍم َو َيَّتِخ َذ َها ُهُز ًو ا ُأوَلِئَك َلُهْم َع َذ اٌب ُمِهيٌن ﴾.
فهي عندهم وسيلة إضالل ،وحبل من حبائل الشيطان ،وعالمة َت ِس م َص احبها بالفسق والفجور ،تجد البعض اآلخر يعتبرها
علما نافًع ا وشفاء من األمراض ،ووسيلة لزيادة اإلنتاج.
ويظل المسلم في حيرة من هذا التناقض حيث ال وساطة بين الفريقين ،بل ال توجد منطقة منزوعة السالح يمكن االلتقاء
فيها بينهما ،ولما كان علم البالغة علما معنًيا بالنص وفهم المقصود منه كان ال بد من عرض األمر عليه ليتبين للجميع
أوال المقصود بالموسيقى حتى نفهم النص الشرعي في ضوء هذا المفهوم ،لقد قسم العالمة الكندي األلحان إلى عدة أقسام
في كتابه :المصوتات الوترية من ذات الوتر الواحد إلى ذات العشر األوتار.
وقال" :إن منها ما يكون للطرب ،أو إثارة الحماسة ،ومنها ما يكون للبكاء والحزن والنوح والشجوى".
ويقول طاشُك ْبرى زاده في كتابه (علم الموسيقى):
"ولذلك يستعملون النغم تارة في األفراح والحروب وعالج المرض وتارة في المآتم وبيوت العبادة".
وال تعجب حين ترى لكل أمة موسيقاها ولحونها وإيقاعاتها ،وحين ترجع إلى الفنون األدبية ال تجدها تبعد عن الموسيقى
بل تلتقي بها في خطوط كثيرة ،فهناك تعانق بين أنواع الفن المختلفة (الرسم – الشعر – الموسيقى – القصة – المسرحية
– وغيرها.)..
فأكاد أرى خيًط ا واحًد ا يربط كل ذلك ،وهو أثره الذي يتركه في المتلقى ،وإذا حاولت البحث عن سبب هذا األثر المانع
لوجدت أنه التآلف ،والتمازج ،والتناغم ،والتوافق ،واأللفة التي يتركها الفن في النفس ،والنفس البشرية تميل إلى ذلك
جدا وتستعذبه ،وتهفو إليه ،وترتاح له ،وكلما زادت درجة التآلف زاد انجذاب النفس إليه ،تماما مثل األرواح التي تتآلف
حين تتعارف ،وعندها يحدث اإلمتاع ،وتتكامل اللذة.
إنها المطابقة التي تحدث عنها البالغيون ،إن البالغة مطابقة ،والمطابقة تعارف وتآلف وتناغم ،بين الكالم ومقتضى
الحال.
فالركن الذي تستند إليه البالغة العربية هو التناغم بين الكالم واألحوال ،أو بين اللفظ والمستمع ،أو بين المرسل
والمستقبل.
والموسيقى ال تعدو كل ذلك بل هي :تقطيع األصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعا عند
قطعة فيكون نغمة ،ثم تؤلف بين تلك النغمات على نسب متفاوتة فيلذ سماعها ،فالموسيقى أصوات ،ولها نسب معينة
منتظمة ،ثم يضم بعضها إلى بعض حتى يؤلف من بينها قطعا موسيقية فتحدث الجمال والمتعة.
وتلك هي أركان البالغة العربية ،كلمات تركب بنسب معينة فيحدث بينها عالقات بين اللفظ واللفظ ،وبين اللفظ والسياق،
وبين اللفظ والمقام ،وهذا النسيج يحدث ضربا في اللذة واإلمتاع ،ولو أردت أن تضع عبارة جامعة بين البالغة
والموسيقى لقلت( :حسن التناسب).
13
لقد قرأ الفراء قول هللا تعالىَ﴿ :أِئَذ ا ُك َّنا ِع َظاًم ا َنِخ َر ًة﴾.
متفرًد ا في قراءة أهل المدينة والحجاز والبصرة بزنة (َف ِعلة) ،وجاءت قراءة عامة قراء الكوفة على زنةَ( :ف اِع لة =
ناِخرة) ،مشاكلة للفواصل قبلها ،ويبين الفراء أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قرأ (ناخرة).
وأن ابن عباس رضي هللا عنهما قرأ (َن ِخرة) و (َن اِخَر ة) ثم يقول عن (ناخرة) إنها أجود الوجهين في القراءة؛ ألن اآليات
باأللف ،أال ترى أن (ناخرة) مع (الحافرة) و (الساهرة) أشبه بمجيء التنزيل ،و (الناخرة) و (النخرة) سواء في المعنى
بمنزلة (الطامع) و (الطمع) و (الباخل) و (البخل) ،وقد فَّر ق بعض المفسرين بينهما ،فقال:
(النخرة = البالية) ،و (الناخرة = العظم المجوف الذي تمر فيه الريح فينخر).
يقول األستاذ محمود توفيق:
(لتنظر في قوله" :أجود الوجهين في القراءة؛ ألن اآليات باأللف ...فهذا منه إعالء لعطاء التوافق في إيقاع النغم في
الصورة الصوتية لأليات ،وقد يحسب ناظر أن هذا من رد القراءات أو المفاضلة بينهما والقول بالتفاوت في بالغة
القرآن الكريم".
لو نظرت في مقال (الفراء) لرأيت أنه يقول" :أجود الوجهين" فهو لم يحكم بصحة أحدهما هنا دون اآلخر ،بل قرر أن
قراءة (ناخرة) أجود بقيوض المعنى على القلب من قراءة (نخرة) أي أن الصورة الصوتية لقراءة (ناخرة) يتوافد منها
على القلب من المعاني أجودها بما حملته من االنسجام في الجرس واإليقاع ،وهذا ما ال يمكن أن تدفعه ،وال سيما أنه
يذهب إلى أن المعنى المتعقل من (ناخرة ،ونخرة) سواء ،فلم يبق إال ما يتوافد عليك من األثر االنطباعي من الصورة
الصوتية المتناغمة مع ما سبقها وما تالها).
فالنغم واإليقاع رافد من روافد البيان العربي ،رغم الزعم بأن النغم والموسيقى ال مجال لها في البالغة العربية ،مع أنك
لو حللت مصطلح اإليقاع ،أو مفهوم النغم لوجدت أنه في أصله يدور حول التناسب واالنسجام بين األشياء ،وإذا كان
النغم هو االنسجام والتناسب فأين نضع مثال :السجع ،أو الجناس ،أو مراعاة النظير ،أو المشاكلة إن لم يكن ذلك كله من
باب التناسب واالنسجام؟ فارتباط البالغة عامة ،والبديع خاصة بالنغم واإليقاع ،سواء منه اإليقاع المعنوي القائم على
التشابه بين األغراض والمقاصد ،أمر ال ينبغي الجدال فيه.
والذي يواظب على مصاحبة البيان العربي شعًر ا ونثًر ا يوقن بأن النغم واإليقاع هو السمة البارزة في اللسان العربي،
وأن اهتمام العربي بالمعنى يسبقه اهتمامه بالجملة اإليقاعية التي تنقل له هذا المعنى ،وأن العربي يسمع قبل أن يتدبر ،بل
إن السمع عنده هو الباب الواسع الذي يفتح له معلقات المعاني ،فتراه يفهم المعنى من خالل الصوت ،والعرب تسمي
األشياء بأسماء ما يكون فيها من أصوات مثل (الوغى) وهي في األصل صوت قعقعة السالح ونحوه ،بل إن الصوت
ليحكي لك في الكلمة الواحدة مراحل الفعل الواحد المتعدد ،وراجع معي صوت الفعل (اجتثت) وهو يرسم لك المراحل
الزمنية المتتابعة الجتثاث الشجرة من األرض ،حيث يصور لك المقطع الصوتي األول من الكلمة (اْج ) صوت تقطع
الجذور من باطن األرض ،ثم يرسم المقطع الصوتي الثاني (تث) حركة السقوط المدوي من األعلى إلى األسفل ،وما
يصاحب ذلك من تداخل األصوات الكامن في حرف الثاء ،ثم يرسم لك المقطع الصوتي الثالث (ثْت ) مشهد االرتطام
العنيف باألرض والذي يعقبه سكوت.
14
وهكذا أردت أن أبين لك قيمة الصوت واإليقاع في البيان العربي ،يقول أستاذنا وهو يستعرض القيمة الصوتية في التفكير
البالغي عند السابقين.
مجمل القول( :إن التفكير البالغي قديًما وحديًث ا قد كانت له عناية كريمة بالقيم الصوتية المكونة من الجرس واإليقاع على
اختالف مساحتهما ومنهاجهما ،وكانت عنايتهم به منُسولًة من عنايتهم بالمعاني وصورها ومناهج الداللة عليها ومسالكها
إلى النفوس حاملة إليها تلك المعاني ،ولعل تبيان "الرماني" جوهر البالغة بقوله:
"إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ".
يسلك تلك الحقيقة في قلبك ويقررها فيه.
فالجرس واإليقاع هو أول ما يسترعي انتباه المستمع ،وإن لم يستطع لظلمة جهالة أو عجمة أن يدرك شيئا من المعنى
المتعقل ،ولهذا تجد العامة ممن ال يعرفون من علم العربية شيئا يرغبون في اإلصغاء إلى الترتيل الحسن ،وقد ينفعلون
لتوقيعه ،انفعااًل قد ال يتجاوب مع ما يحمل هذا اإليقاع من المعنى المتعقل ،فتراه يهتف يكلمة اإلعجاب في مقام ترهيب
وإنذار تنخلع له قلوب العارفين ،وما هو بالذي هتف إعجاًبا لما تضمنه من ترهيب وإنذار ،فهو به جهول ،وإنما هتف
لجرس وإيقاعه ،وذلك ما يدركه حسه الفظري.
================================================================
15