Professional Documents
Culture Documents
1
توصيف املادة:
يستهدف مقرر مادة الجرح والتعديل املوجه لطلبة الفصل الثالث شعبة الدراسات اإلسالمية منح الطلبة
فكرة واضحة عن علم الجرح والتعديل باعتباره العلم الذي يتناول أحوال الرواة من حيث توثيقهم أو تضعيفهم
بألفاظ مخصوصة لها مدلوالت ومراتب عند العلماء ،والتمييز بين من تقبل روايته ومن ترد وفق مجموعة من
الشروط والضوابط ،والتعرف على املنهج الذي سلكه أهل الصنعة الحديثية في الحكم على سند الحديث من
حيث القوة أو الضعف.
محاوراملادة:
املحوراألول :علم الجرح والتعديل جدل النشأة والتاريخ
املحورالثاني :طرق الجرح والتعديل وشروطه
املحورالثالث :ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبه
املحورالرابع :التجريح بالبدعة وضوابطه
املحورالخامس :منهاج املحدثين في دراسة سند الحديث النبوي
املحورالسادس :عدالة الصحابة ~ ومنهجهم في التثبت من الحديث ورو ايته
املحورالسابع :التصنيف في الجرح والتعديل.
مالحظة:
املطلوب من الطلبة التوسع في دراسة املادة من خالل تعميق البحث والتحليل فيما يتعلق بماهية علم
الجرح والتعديل ونشأته ،ومشروعيته وطرقه وألفاظه.
2
بعض مصادرومراجع علم الجرح والتعديل
-معرفة الرجال ليحيى بن معين233( .ه)
-الجرح والتعديل البن أبي حاتم الرازي 327(.ه)
-الثقات البن حبان ( 354ه)
-املجروحين البن حبان ( 354ه)
-الكامل في ضعفاء الرجال البن عدي365( .ه)
-الكفاية لإلمام الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي (ت463 :ه)
-لسان امليزان البن حجر العسقالني 852( .ه)
-الجرح والتعديل ملحمد جمال الدين بن محمد القاسمي الدمشقي (املتوفى1332 :هـ)
-الرفع والتكميل في الجرح والتعديل لإلمام أبي الحسنات محمد عبدالحي اللكنوي الهندي .تحقيق عبد
الفتاح أبو غدة طبعة دار السالم1304(.ه)
-املنهج اإلسالمي في الجرح والتعديل للدكتور فاروق حمادة
-امليسر في علم الجرح والتعديل سيد عبد املاجد الغوري
3
املبحث األول :علم الجرح والتعديل جدل النشأة واملشروعية
املطلب األول :مفهوم الجرح والتعديل
أ :الجرح
الجرح في اللغة :مصدر من جرحه يجرحه ،إذا أحدث فيه جرحا وهو التأثير في الجسم بالسالح ونحوه ،يقال:
ٌ
صاص﴾ (املائدة ،آ )45 :ويأتي أيضا ﴿و ْال ُج ُر َ
وح ِق جرحه جرحا إذا أثر فيه وهو جرح حس ي ،ومنه قوله تعالىَ :
الن َه ِار ﴾ (األنعام ،آ )60 :ويكون الجرح معنويا فيقال :جرحه بمعنى اكتسب ،كقوله تعالىَ ﴿ :و َي ْع َل ُم َما َج َر ْح ُت ْم ب َّ
ِ
1
بلسانه أي :شتمه ،وسبه ،و جرح الحاكم الشاهد إذا عثر منه على ما تسقط به عدالته ،من كذب وغيره.
وفي اصطالح املحدثين :الطعن في الراوي بما يخل بعدالته أو ضبطه ، 2وقيل :هو وصف متى التحق بالراوي،
والشاهد سقط االعتبار بقوله ،وبطل العمل به.
ب :التعديل
َ
لشاهد زكاه ووصفه بالعدالة العدل لغة خالف الجور والظلم ،ويفيد القصد والتوسط في األمورَّ ،
وعدل ا
املرض ُّي ،قوله وحكمه ،قال تعالى﴿ :وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ (الطالق ،آ)2 :
واإلنسان العدلِ :
ُ َ
واصطالحا :هو عدم ظهور ما يخل ب ِدين الراوي ومروءته ،فيقبل لذلك ُ
خبره وشهادته إذا توفرت فيه بقية ِ
الشروط الالزمة في أهلية األداء ،والعدالة في اصطالح املحدثين :وصف متى التحق بالراوي والشاهد اعتبر قولهما
3
وأخذ به ،وعرفت أيضا بأنها تزكية الراوي بأنه عدل أو ضابط.
وعلى هذا فعلم الجرح والتعديل :هو العلم الذي يبحث عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة ،وعن
مراتب تلك األلفاظ لقبول روايتهم أو ردها ،أو نقول :هو العلم الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث قبو ُل
روايتهم أو ر ُّدها .قال ابن األثير ":الجرح :وصف متى التحق بالراوي والشاهد سقط االعتبار بقوله ،وبطل العمل
ُ َ به ،والتعديل :وصف متى التحق بهما ُ
4
اعت ِب َر قولهما وأ ِخذ به".
ب :أقسام علم الجرح والتعديل
ينقسم علم الجرح والتعديل إلى قسمين:
-نظري :وهو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنبني عليها معرفة الرواة الذين تقبل رواياتهم أو ترد ،ومراتبهم في
ذلك.
-تطبيقي :غايته إنزال كل ر ٍاو منزلته التي يستحقها من القبول وعدمه.
1أخرجه اإلمام أحمد في مسند الشاميين ،حديث املقدام بن معدي كرب ،رقم )410 /28( 17174
6
-1صيانة للدين:
بذب الكذب والغلط عن سيد املرسلين كما قال يحيى بن سعيد القطان في الذين ترك حديثهم ":ألن يكون
هؤالء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول هللا ﷺ ,يقول :لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب " 1ولوال
جهود هؤالء األعالم ورحالتهم في طلب األسانيد ومعرفة رجالها لظهرت البدع واستولى الدجالون على أمور الدين
2
وأدخلوا فيه ما هو منه براء ،وقد قيل لعبد هللا بن املبارك هذه األحاديث املوضوعة .قال :تعيش لها الجهابدة.
-2أساس تكوين عالم الشرع:
فال يسمى عاملا من ال دراية له بطرق الجرح والتعديل ،قال الزركش ي ":أما الفقهاء فاسم املحدث عندهم ال
يطلق إال على من حفظ سند الحديث وعلم رجاله وجرحهم دون املقتصر على السماع" ،3وقد أعانهم قرب العهد
بالرواة ومن يعرفهم على دقة املعرفة والتمييز بين حالي الراوي أو أحواله التي عرضت نتيجة أسفار أو تغيرات في
نظام حياته مثل والية قضاء أو منصب أو اعتراض مرض أو نازلة أثرت في حفظه...أو غير ذلك ،فقدموا للعالم
دراسة وافية عن رجال الحديث ال يعرف التاريخ مثلها ألمة من األمم ،و هذا االهتمام بالرواة ،وهو ما يعرف
باالهتمام باإلسناد ،هو ما يتردد على ألسنة كثير من املحدثين بقولهم :اإلسناد ،وفضائل اإلسناد ،واإلسناد من
خصائص األمة املحمدية ،ونحو ذلك .
:3اإلسهام في تحقيق وحدة األمة اإلسالمية :فلوال هذا العلم لتمزقت األمة اإلسالمية آر ٌاء ضالة وراء أهواء
الوضاعين املضلين ،فكان في روايات الثقات واملقبولين ما يجمع كلمة املسلمين.
:4من أعظم أبواب النصيحة :فعلم الجرح والتعديل يجمع جوانب النصح كلها الواردة في حديث رسول هللا
4
ﷺ« :هلل ،ولرسوله ،ولكتابه ،وألئمة املسلمين ،وعامتهم»
املطلب الرابع :فوائد علم الجرح والتعديل
إضافة ملا ذكرناه في أهمية علم الجرح والتعديل فإن لهذا العلم ثمرات عدة ،من بينها:
ُّ
وممن يجب التوقف فيه. ممن يجب َقبول خبره ،وممن يجب ر ُّدهَّ ،
الرواة َّ
رواية ُّ
-معرفة ما وقع من ِ
ِ
ُ
التساهل في نقلها. -تمييز الوقائع التاريخية الصحيحة من غيرها ،بسبب غلبة
-التشجيع على التزام منهج التقص ي والتحري بالبينة والبرهان وفقا لقاعدة ":إن كنت ناقال فالصحة ،أو مدعيا
ص ِاد ِق َين ﴾ (البقرة ،آ)111 : فالدليل" مصداقا لقوله تعالى ُ ﴿ :ق ْل َه ُاتوا ُب ْر َه َان ُك ْم إ ْن ُك ْن ُت ْم َ
ِ
ُّ ُّ
والتأمل ،والنظر والبحث. -التحرر من سلطان التقليد املذموم وإحياء فريضة التفكر
7
َّ
-ر ُّد خبر الفاسق ،والكذاب ،والكافر من باب ْأولى.
املتعلقة ببعض الصحابة ،ورد بعض الشبه التي أثيرت عنهم مما وضعه ُ
أهل البدع ِ -ـ معرفة بعض الوقائع
واألهواء.
املطلب الخامس :نشأة علم الجرح والتعديل
إن علم الجرح والتعديل من العلوم التي تفردت بها األمة اإلسالمية عن سائر األمم ،وتميزت بتأسيسه وإنشائه
ووضع شروطه وضوابطه ،وقد نشأ علم الجرح والتعديل من عهد الصحابة الكرام ،ثم قوي واشتد في القرن
األول والثاني ،وامتد واتسع وبدأ يتكامل في القرن الثالث والرابع .فقد هيأ هللا رجاال صالحين مصلحين سألوا عن
الرواة ،وتتبعوهم في مختلف أحوال حياتهم العلمية وعرفوا جميع أحوالهم ،وبحثوا أشد البحث حتى عرفوا
األحفظ فاألحفظ ،واألضبط فاألضبط ،مجالسة ملا فوقه ممن كان أقل مجالسة .إلى جانب ما ورد عن الرسول
ﷺ ،فقد وصلنا كثير من أقوال الصحابة في هذا الباب ،وتكلم بعد الصحابة في الرجال التابعون وأتباعهم وأهل
ً ُ
العلم من بعدهم ،وكانوا يبينون أحوال الرواة َوي ْن ُق ُد َونهم ُوي َع ِدل َونهم حسبة هلل ،وخدمة للشريعة.
أ :الجرح والتعديل في القرآن الكريم
الجرح:
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم في ذم الكافرين واملنافقين كقوله تعالى ﴿ :والكافرون هم الظاملون﴾(البقرة ،آ:
،)171وآيات في ذم أفراد بعينهم من الكافرين كقوله تعالى في الوليد بن املغيرة ﴿:ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت
له ماال ممدودا﴾ (املدثر ،آ ،)26 – 11 :وقال سبحانه في شأن املنافقين ﴿:إن املنافقين يخادعون هللا وهو
خادعهم﴾ ( النساء ،آ )142 :كما ذم أفرادا بعينهم كقوله تعالى ﴿ :والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾ ( النور
)11،
التعديل
8
ب :الجرح والتعديل في الحديث النبوي الشريف
الجرح
األحاديث في ذم الكفار واملنافقين كثيرة منها قوله ﷺ في بعض فرق الخوارج « :يقرؤون القرآن ليس
قراءتكم إلى قراءتهم بش يء وال صالتكم بش يء وال صيامكم إلى صيامهم بش يء يقرؤون القرآن يحسبونه لهم
وهو عليهم ال تجاوز صالتهم تراقيهم ، 1».ومنها أحاديث في ذم بعض الجفاة كقوله ﷺ« :ائذنوا له فلبئس أخو
2
العشيرة».
التعديل
ثبتت أحاديث كثيرة في تعديل الصحابة جملة واحدة كقوله ﷺ"خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ،ثم
معنى
َ َ
مي ُن ُه ش َه َادت ُه" 3ويؤكد ابن مسعود الذين يلونهم ،ثم يجئ قوم َت ْسب ُق َش َه َاد ُة َأ َحدهم َيم َي ُ
نه َ
وي
ِ ِ ِ ِ ِ
ً
الحديث قائال" :إن هللا نظر فى قلوب العباد ،فوجد قلب محمد خير قلوب العباد ،فاصطفاه لنفسه
وابتعثه برسالته ،ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ،فجعلهم
5
يقاتلون عن دينه " 4يقول اإلمام اآلمدى رحمه هللا " :واختيار هللا ال يكون ملن ليس بعدل ". وزراء نبيه
أضف إلى ذلك أحاديث في فضل أفراد من الصحابة ،مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحديث في
البشارة بالجنة للعشرة واحدا واحدا...وغير ذلك كثير مما هو مذكور في أبواب الفضائل من كتب
الحديث .كقوله ﷺ في عبد هللا بن عمر ":نعم الرجل عبد هللا لو كان يقيم من الليل فيكثر"
ج :الجرح والتعديل عند الصحابة
َّ
عموما ،وعلم الجرح والتعديل َّ
خاصة ،فكانوا -رض ي هللا ً تكلم في علوم ُّ
السنة ُيعتبر أصحاب النبي ﷺ َّأول َمن
َّ
عنهم َّ -يتخذون الضوابط الالزمة لصيانة حديث رسول هللا ﷺ ،ولذلك تثبتوا فيما ُينقل إليهم ،فال يقبلونه إال
شهرا لسماع حديث رسول هللا ﷺ ،ومنهم من صحب النبي -ﷺ -على ِم ْل ِء بطنه، أحدهم يسافر ً بشاهد ،وكان ُ
حتى َ
يجمع ما استطاع من حديث رسول هللا -ﷺ
1أخرجه مسلم في كتاب الزكاة ،باب :التحريض على قتال الخوارج ،رقم114 /3 ،1066 :
2أخرجه البخاري في األدب ،باب :لم يكن النبي فاحشا وال متفحشا13 -12 /8 ،
3أخرجه اإلمام البخارى في كتاب فضائل الصحابة ،باب فضائل أصحاب النبى ،ومن صحب النبى أو رآه من املسلمين فهو من أصحابه رقم:
5/7 ،3651و اإلمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة رض ي هللا عنهم ،باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رقم ،2533من حديث
ابن مسعود رض ي هللا عنه 324/8 ،ت محمد فؤاد عبد الباقي د إحياء التراث العربي بيروت.
4أخرجه اإلمام أحمد فى مسند عبد هللا بن مسعود رض ي هللا عنه ،رقم )84 /6( 3600 :تعليق شعيب األرنؤوط (ط1421/1:هـ 2001 -م) مؤسسة
الرسالة ،بيروت.وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله موثقون 178/1 .مكتبة القدس ي ،القاهرة.
5اآلمدى ،اإلحكام فى أصول األحكام.82/2 .
9
ُ َّ
الج َّدة في
فقصته مع َ الص ِديق -رض ي هللا عنه َّ -أول َمن فتش عن الرجال من الصحابة،1
وقد كان أبو بكر ِ
طلب ميراثها مشهورة .2فقد جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رض ي هللا عنه تسأله امليراث ،فسأل الصحابة،
فأجابه املغيرة بن شعبة بأنها ترث السدس عن رسول هللا ﷺ ،فطلب منه أن يأتيه بشاهد ،فشهد معه محمد بن
مسلمة.
ثم كان بعده عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه ،فعن أبي سعيد الخدري قال" :كنا في مجلس عند أبي بن كعب
ً
فزعا أو مذعو ًرا) حتى وقف فقال :أنشدكم هللا!! هل سمع ٌ ً
أحد منكم فأتى أبو موس ى األشعري مغضبا (وفي رواية
ُ
رسول هللا ﷺيقول" :اإلستئذان ثالث ،فإن أذن لك وإال فارجع؟ قال :أبي وما ذاك؟! قال :استأذنت على عمر بن
الخطاب أمس ثالث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ،ثم جئته اليوم ،فدخلت عليه ،فأخبرته أني جئت باألمس
ً
حينئذ في شغل .فلو استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال :استأذنت
ٍ فسلمت ثالثا ،ثم انصرفت .قال قد سمعناك ونحن
كما سمعت رسول هللا ﷺ ،قال :فوهللا ألوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا؟ فقال أبي بن
ً ُ
كعب :فوهللا ال يقوم معك إال أحدثنا سنا .قم يا أبا سعيد .فقمت حتى أتيت عمر ،فقلت :قد سمعت رسول هللا
ﷺيقول هذا".3
بل لقد كان عمر ـ كما يقول اإلمام الذهبي" :هو الذي َس َّن للمحدثين التثبت في النقل" 4ـ يعني أنه حرص على
إشاعة هذه السنة وتعليمها .وقال الذهبي :وهو ـ يعني أن عمر أحب أن يتأكد عنده خبر أبي موس ى بقول صاحب
آخر .ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ،وفي ذلك حض على تكثير
طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم ،إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم.5
يدل داللة واضحة على َّأن التحري في رواية
جرا ،وهذا ُّ ثم بعده علي بن أبي طالب - 6رض ي هللا عنهما َّ -
فهلم ًّ
مبكرة.
الرجال قد بدأ في فترة ِ
الحديث والسؤال والتفتيش عن ِ
َ َّ وهناك من صغار الصحابة ً
أيضا َمن َج َرح ً
انتشرت الفتن ،وظهر أصحاب األهواء ،منهم
ِ عددا من الرواة ملا ِ
عبدهللا بن عباس -رض ي هللا عنهما.
كعب العدوي إلى ابن عباس،روى اإلمام مسلم في مقدمة صحيحه بإسناده إلى مجاهد َّأنه قال" :جاء بشير بن ْ
عباس ال يأذن لحديثه ،وال ينظرحدث ،ويقول :قال رسول هللا -ﷺ -قال رسو ُل هللا -ﷺ -فجعل ابن َّ ُ
فجعل ي ِ
أحدثك عن رسول هللا -ﷺ -وال تسمع! فقال ابن
عباس ،ما لي ال أراك تسمع لحديثي؟ ِ إليه ،فقال )بشير) :يا ابن َّ
العوام ،وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ،وسليمان بن يسار. بن زيد بن ثابت ،وعروة بن الزبير بن َّ
2 َ ُّ فجدوا في ِح ْفظ ُّ
ُّ
الدين ،ودعوة املسلمين".
السنن ،والرحلة فيها ،والتفتيش عنها ،والتفقه فيها ،ول ِزموا ِ
ه :الجرح والتعديل بعد التابعين
منذ أواخر عصر التابعين فما بعد طالت األسانيد وتشعبت وابتعد الناس عن فطرة الحفظ والضبط التي
عرف بها جيل الصحابة واألكثر الغالب من التابعين فكثر الضعفاء واملخلطون واملغفلون وظهرت رؤوس فرق
عديدة منحرفة وفرق تشعبت فكثرة الجرأة على أحاديث رسول هللا ﷺ ،فزادت الحاجة إلى العناية بتبيين أحوال
الرواة ،وبالغ العلماء في البحث والتحري حتى لوكان الرجل ال يروي إال حديثا واحدا سجلوا اسمه وبينوا حكمه،
قال الذهبي ":فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق
3
والتضعيف"
و :من مشاهيرأئمة الجرح والتعديل
اشتهر من علماء الجرح والتعديل أئمة هم مصادر ملن جمع الكتب في أحوال الرواة نذكر من بينهم:
:1شعبة بن الحجاج أمير املؤمنين في الحديث (ت 160 :ه) :وهو أول من تجرد وتفرغ للكالم في الرواة ،وكان
شديد التحري والتقص ي ،وهو من املتشددين في الجرح ،وكان له أثر في مسيرة طالب العلم لشدة حمالته على
17
يقول ابن الصالح في مقدمته « :أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون
عدال ضابطا ملا يرويه .وتفصيله :أن يكون مسلما.
بالغا.
-عاقال.
-ساملا من أسباب الفسق وخوارم املروءة
-متيقظا غير مغفل.
-حافظا إن حدث من حفظه.
-ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه.
-وإن كان يحدث باملعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عاملا بما يحيل املعاني وهللا أعلم( .ص )212:هل هذه
الشروط تشترط في تحمل الحديث (السماع القراءة اإلجازة املناولة الكتابة أو املكاتبة اإلعالم الوجادة الوصية)أم
تشترط في األداء
-اإلسالم والبلوغ يشترطان في أداء الحديث وليسا بشرطين عند التحمل بمعنى أن الكافر قد يتحمل الحديث،
ولكن ال يقبل منه إال بعد إسالمه والشاهد هنا حديث جبير بن مطعمَ « :وم َّما علم َأن َّ
الص َح ِابي تحمله ِفي َحال ِ
ْ َ ثم َر َو ُاه بعد إ ْس َالمه َحديث ُج َبير بن مطعم َأنه سمع َّ
الن ِبي صلى هللا َعل ْي ِه َوسلم ْيق َرأ ِفي املغرب بالطور َو ُه َو كفر َّْال ْ
ِ ِ
َ ْ َ َ ُ الش ْي َخان َو َك َ
َّ
فداء أ َس َارى بدر قبل أن يسلم َو ِفي ِر َو َاية لل ُبخ ِاري َوذ ِل َك أول َما وقر ان قد َج َاء ِفي ِ َح ِديث أخرجه
قلبي» املقنع في علوم الحديث ()288 /1 ي ف ان ْاإل َ
يم
ِ ِ ِ
دل هذا أن الكافر قد يتحمل في كفره ثم يؤديه بعد إسالمه
التنوخي
عن سعيد بن أبي راشد قال :لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بحمص ،وكان جارا لي
شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قرب ،فقلت أال تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ،ورسالة رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم إلى هرقل؟ فقال :بلى ،قدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي إلى
هرقل ،فلما أن جاءه كتاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دعا قسيس ي الروم ،وبطارقتها ،ثم أغلق عليه ،وعليهم
بابا ،فقال :قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم ،وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثالث خصال يدعوني إلى أن أتبعه على دينه،
أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا ،واألرض أرضنا ،أو نلقي إليه الحرب ،وهللا لقد عرفتم فيما تقرؤون من
الكتب ،ليأخذن ما تحت قدمي ،فهلم نتبعه على دينه ،أو نعطيه مالنا على أرضنا ،فنخروا نخرة رجل واحد ،حتى
خرجوا من برانسهم وقالوا :تدعونا إلى أن ندع النصرانية ،أو نكون عبيدا ألعرابي جاء من الحجاز)416 /24( ،
رواية الصبي:
18
تحمل صغار الصحابة في صباهم وأدوا بعد بلوغهم :القاض ي عياض صاحب اإلملاع إلى معرفة أصول الرواية
وتقييد السماع جعل تحمل الصبي في خمس سنين ودليله حديث محمود بن الربيع أخرجه البخاري في صحيحه
عقلت مجة مجها النبي صلى هللا عليه وسلم في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين.
أخبار الحسن والحسين ،النعمان بن بشير توفي الرسول صلى هللا عليه وسلم وهو لم يتجاوز الثامنة ،ومن أهم
أحاديثه إن الحالل بين وإن الحرام بين ...وأخبار كثير من الصحابة كذلك.
َ َ َ ََ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ
اح ف ِإ ْن آن ْس ُت ْم ِم ْن ُه ْمالنك
البلوغ والعقل هما مناط التكليف الشرعي ،قال تعالى« :وابتلوا اليتامى حتى ِإذا بلغوا ِ
َ َ َ ْ َ َ
ُرش ًدا ف ْادف ُعوا ِإل ْي ِه ْم أ ْم َوال ُه ْم » (النساء ،آ)5:
السالمة من خوارم املروءة:
املروءة :االنسانية وتمام الرجولية ،قيل لألحنف بن قيس دلني على املروءة« :عليك بالخلق الفسيح والكف عن
القبيح» وجماعها العقل ،فال دين ملن ال عقل له،
خوارم املروءة األكل في الطريق ،كثرة الكالم ،كثرة املزاح...،
الضبط:
ضبط الش يء إذا حفظه بالحزم ،والرجل ضابط أي حازم ،متيقض والضبط إتقان ما يحفظه الراوي،
وهو قسمان :ضبط الكتاب وضبط الصدر ،فضبط الصدر أن يكون الراوي يقضا غير مغفل ،يحفظ ما علمه
ويثبته ،وكيع بن الجراح الرؤاس ي كان يلقب بالتنين حتى سأله بعضهم عن ذوات الحفظ فقال ترك املعاص ي ما
جربت معه أنفع للحفظ ،وضبط الكتاب :صيانته من أيدي السوء .واختلف العلماء في سن التمييز ،7 ، 5ومنهم
من قال إذا فرق بين الدرهم والدينار ،وخالصة القول في ذلك أن يفهم الخطاب ورد الجواب فهو مميز
السالمة من الفسق:
وهو كل أمر مخالف للشرع وللطاعة ومنه الفويسقة وهي الفأرة إذا خرجت من جحرها ومن الفسق (:البدعة
والكذب والسفه ) وقد ضعف كثير من املحدثين بسبب فسقهم وفي القولة املأثورة ملالك ال تأخذ العلم من أربعة
وذكر من بينهم «ال تأخذ من سفيه معلن للسفه» ،وقال مسلم« :خبر الفاسق غير مقبول ألن الفاسق ليس
عدال» ومثاله :محمد بن مناذر :قال عنه يحيى بن معين « :رجل سوء كان يشبب بالنساء ».سؤاالت الجنيد عن
يحيى بن معين حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،وعبد الرزاق ،أخبرنا إسرائيل ،عن سماك بن حرب ،عن
عبد الرحمن بن عبد هللا بن مسعود ،عن أبيه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،أنه قال -قال عبد الرزاق :سمعت
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،يقول « :نضر هللا امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ،فرب مبلغ أحفظ له
من سامع» أخرجه اإلمام أحمد في مسند عبد هللا بن مسعود ،رقم )221 /7( 4157 :حديث صحيح ،وهذا إسناد
حسن إن صح سماع عبد الرحمن بن عبد هللا بن مسعود لهذا الحديث من أبيه ،وبقية رجاله ثقات رجال
19
الشيخين غير سماك بن حرب ،فحديثه ال يرقى إلى الصحة ،وأخرج له البخاري تعليقا .إسرائيل :هو ابن يونس
بن أبي إسحاق السبيعي.
ما يخرج باشتراط العدالة:
الكافر ،الفاسق ،الصبي ،الكذاب ،املتهم بالكذب ،واملبتدع على تفصيل ،السفيه ،املجنون.
ما يخرج باشتراط الضبط:
كثرة الوهم ،سوء الحفظ ،كثرة املخالفة ،فحش الغلط ،شدة الغفلة ،تساهل الراوي في مقابلة مرويه ،جهل
الراوي بمدلوالت األلفاظ
ما الذي يخرج باشتراط العدالة والضبط معا؟
مجهول العين ،املبهم ،مجهول الحال ،املستور
الوهم:
الغلط في رواية الحديث ،كرفع املوقوف ،ووصل املرسل (الذي سقط منه الصحابي) ،ونحو ذلك .وشاهده قول
َْ
الحافظ ابن حجر " :وأما من َح َدث منه القلب على سبيل الوهم ،فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في
الكتب املصنفة في العلل ».نزهة النظر البن حجر
كثرة املخالفة:
رواية الراوي للحديث على وجه مغاير ملا رواه غيره من الرواة ،في سند الحديث أو متنه .فإن كان الراوي ثقة كان
ً ً ً
الحديث شاذا ،وإن كان الراوي ضعيفا كان الحديث منكرا .وشاهده قول الحافظ ابن حجر " :وإن وقعت
املخالفة له مع الضعف ،فالراجح ُيقال له املعروف ،ومقابله يقال له املنكر "نزهة النظر البن حجر ص- 78 :فتح
املغيث للسخاوي128/1 ،
كثرة الغفلة:
والت ُّيقظ .وشاهده قول اإلمام البقاعي " :وأما مطلق القبول
حفظَّ ، وسهو يعتري اإلنسان من َّقلة َّ
الت ُّ ٌ ذهو ٌل،
ِ
املبيح لالحتجاج ،فيكفي في ناقله مطلق اليقظة ،من غير أن يشترط في يقظته نفي الغفلة عنه ،فلو كان فيه
غفلة يسيرة لم يخرجه عن مطلق القبول ".املقدمة البن الصالح ،ص 93
فحش الغلط:
وصف للراوي يدل على ضعف حفظه الشديد .وهو قريب من ألفاظ املرتبة الرابعة من مراتب الجرح ،التي ال
ُيحتج وال ُيعتبر بأحاديث أصحابها .وشاهده قول الحافظ ابن حجر " :وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب ال تخفى .
فقولهم :متروك ،أو :ساقط ،أو :فاحش الغلط ،أو :منكر الحديث ،أشد من قولهم :ضعيف ،أو :ليس
بالقوي ،أو :فيه مقال ».نزهة النظر البن حجر ،ص 136
20
التساهل في املقابلة:
التهاون في عرض النسخة التي كتبها الراوي على الشيخ الذي سمع منه الحديث ،أو على أصل الشيخ ،أو على
الع ْرض ،أو ْاملُ َعا َ َ
ضة .وشاهده قول اإلمام نسخة أخرى مصححة ،للتأكد من سالمتها من األخطاء ُ .وت َّ
سمى َ
ر
الرامهرمزي " :والحديث ال يضبط إال بالكتاب ،ثم باملقابلة ،واملدارسة ،والتعهد ،والتحفظ ،واملذاكرة ،والسؤال،
والفحص عن الناقلين ،والتفقه بما نقلوه «.املحدث الفاصل للرامهرمزي ،ص ،385:املقدمة البن الصالح ،ص
،192:فتح املغيث للسخاوي76/3 ،
21
املبحث الثاني :طرق الجرح والتعديل وشروطه
املطلب األول :طرق الجرح والتعديل
أرس ى علماؤنا مجموعة من الطرق إلثبات الجرح والتعديل نذكرأهمها:
أوال :االستفاضة.
فمن اشتهر بين أهل الصنعة الحديثية بالعدالة استغنى عن بينة تثبت عدالته ،مثل :اإلمام مالك ،وشعبة،
وسفيان الثوري ،وسفيان بن عيينة ،وعبد هللا بن املبارك ،ووكيع ،وأحمد بن حنبل.
وقد ُس ِئل اإلمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه ،فقال " :مثل إسحاق ُيسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام
من أئمة املسلمين 1".وحكم الجرح فيما سبق كالتعديل.
ثانيا :شهادة معدلين أو جارحين
ً
قياسا على الشهادة ،حيث يشترط في تزكية الشاهد اثنان .مصداقا لقوله تعالى ﴿ :وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾
ثالثا :شهادة معدل أو جارح واحد
وهو الرأي املختار الذي رجحه الخطيب البغدادي وابن الصالح وغيرهما ،واستدلوا على ذلك بأن العدد لم
ً طريق واحد) قد يكون َّ
صحيحا ،فإذا كان كذلك، يشترط في قبول الخبر ،فإن الحديث الغريب (أي الذي جاء من ٍ
فال يشترط في جرح الراوي أو تعديله أكثر من معدل أو جارح واحد .2قال ابن حجر ":تقبل التزكية ...ولومن واحد
على األصح ".ومثال ذلك:
أحمد بن نفيل السكوني ،روى عنه النسائي وقال فيه :ال بأس به ،قال الذهبي :مجهول ،تعقبه ابن حجر في
التهذيب بقوله ":بل هو معروف يكفيه رواية النسائي عنه ،قال في التقريب ":صدوق ،واملالحظ أن ابن حجر
اعتمد قول النسائي مع أنه يتابع عليه.
ً
قياسا على الجرح والتعديل في وقد خالف بعض العلماء فقالوا :ال يثبت التعديل والجرح إال باثنين،
منصفا ً
كاشفا ً واملعدل ،والتي من شأنها أن تجعل حكمه الشهادات 3،لذا البد من توافر شروط معينة في الجارح
ِ
عن حال الراوي.
ََ َ َ ُ َ ْ َُ َ ْ َ ْ
الذك ِر ِإ ْن ك ْن ُت ْم ال ت ْعل ُمون ﴾)النحل ،(43 :قال ابن حجر في"نزهة النظر "وينبغي قال هللا -تعالى ﴿ -:فاسألوا أهل ِ
جرح َمن أفرط فيه؛ فجرح بما ال يقتض ي ر َّد حديث متيقظ ،فال ُيقبل ْ َّ ُ
أال يقبل الجرح والتعديل إال ِمن عدل ِ
3 تزكية َمن أخذ َّ ُ ُ
بمجرد الظاهر؛ فأطلق التزكية". املحدث ،كما ال تقبل
ِ
أحدا بغير ثبت ،كان كاملُثبت ً
حكما عدل ً الجرح والتعديل ،فإ َّنه إن َّ التساهل في ْ ُ املتكلم في هذا الفن منوليحذر ِ
ً
يظن أنه كذب ،وإن جرح بغير ُّ
تحرز ،أقدم على حديثا ،وهو ُّ فيخش ى عليه أن يدخل في ُزمرة َمن روى ليس بثابتُ ،
ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عا ُ ه ً
أبدا. الطعن في مسلم بريء من ذلكَ ، ْ
ر
ثانيا :اإلملام بأسباب ْ
الجرح والتعديل ،واإلنصاف
اتفق العلماء على عدم قبول الكالم في الرواة الصادر عمن يجهل أسباب الجرح والتزكية ،قال تاج الدين السبكي:
"من ال يكون عاملا بأسبابهما -أي الجرح والتعديل -ال يقبالن منه ال بإطالق وال بتقييد" 4وقال بدر الدين بن
جماعة" :من ال يكون عاملًا باألسباب ،ال ُيقبل منه ْ
جر ٌح وال تعديل ،ال باإلطالق وال بالتقييد".5 ِ
ُّ
التعصب والهوى ،وامليل إلى الدنيا. ثالثا :نبذ
ً املتقدمين سالم من هذا ً َ ً
غالبا ،وتارة من املخالفة في ِ واآلفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغ َرض الفاسد ،وكالم
ُ ً كثيرا ً ٌ
موجود ً
إطالق الجرح بذلك.6 قديما وحديثا ،وال ينبغي العقائد ،وهو
23
رابعا :العلم بلغة العرب
فالعلم بكالم العرب يجعل املجرح مدركا أن هذا اللفظ يجرح أو ال يجرح ،فال يضع اللفظ لغير معناه ،وال يجرح
بنقله لفظا هو غير جارح ،وإال وقع في الخلط والغلط.
املطلب الثالث :قواعد الجرح والتعديل
القاعدة األولى :ال يقبل الجرح والتعديل إال ممن توفرت فيه الشروط
َّ
اختل بعض شروط الجارح واملعدل ال يقبل الجرح والتعديل إال ممن توفرت فيه الشروط التي سبق ذكرها فإن
لم يقبل جرحه وال تعديله ،ولذلك صور منها:
ً
مجروحا: -1أن يكون الجارح نفسه
فال يقبل الجرح والتعديل ممن هو مجروح ساقط العدالة ،ففي الحديث« :أال ال تجوز شهادة الخائن وال الخائنة
وال ذي غمر على أخيه وال املوقوف على حد» 1ومثال ذلك ما ذكره ابن حجر في التهذيب في أحمد بن شبيب
الحبطي البصري ،بعد أن نقل توثيقه عن أبي حاتم ،وأهل العراق ،وابن حبان ،قال :وقال أبو الفتح األزدي:
2 منكر الحديث غير مرض ي ،قلت (ابن حجر) :لم يلتفت ٌ
أحد إلى هذا القول ،بل األزدي غير مرض ي.
-2أن ال يكون الجارح من املتشددين الذين يجرحون الراوي بأدنى جرح:
إن مجرد الكالم في الرجل ال يعني أنه مجروح ساقط العدالة ،مردود الرواية أو الشهادة ،ولو اعتبرنا ذلك لذهب
ُ
معظم السنة ،إذ لم يسلم من كالم الناس إال من عصمه هللا ،وما سلم فاضل من طاعن ،ولذلك خ ِرج في
ُُ
الصحيحين لخلق ممن تك ِلم فيهم منهم جعفر بن سليمان الضبعي ،والحارث ابن عبد هللا اإليادي ،وخالد بن
مخلد القطواني وغيرهم.
ومثال ذلك ما ذكره اإلمام الذهبي في امليزان في محمد بن الفضل السدوس ي شيخ اإلمام البخاري امللقب بعارم،
بعد أن ذكر توثيق الدارقطني له ،قال :قلت (الذهبي) :فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله،
فأين هذا القول من قول ابن حبان...في عارم" :اختلط في آخر عمره ،وتغير حديثه حتى كان ال يدري ما يحدث به،
ُ
فوقع في حديثه املناكير الكثيرة ،فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه املتأخرون فإذا لم يعرف هذا من هذا ت ِرك
ً
حديثا ً
منكرا ،فأين ما زعم 3؟ الكل وال يحتج بش يء منها" ،قلت (الذهبي) :ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له
القاعدة الثانية :أن يكون الجرح م َّ
فس ًرا
فال يقبل الجرح إال َّ
مفسرا الختالف الناس فيما يجرح وما ال يجرح ،.فقد يتكلم بعضهم في الرواة بما ال يوجب
ً
الرد تأويال أو جهال ،فيطلق جرحا مردودا ال يثبت اعتقادا منه أنه مجرح ،أو تشددا منه بحيث َي ْغ ِمز الراوي
32
املبحث الرابع :التجريح بالبدعة وضوابطه
املطلب األول :تعريف البدعة و أقسامها و أنواعها
:1تعريف البدعة
البدعة في اللغة مصدر (بدع) ويتجاذبها أصالن:
-ابتداء الش يء وصنعه ال عن مثال ،قال هللا تعالي﴿ :بديع السموات واالرض﴾ (البقرة ،آ )117 :أي مبدعها
ُ ْ َ ُ ُ ْ ً
عا ِم ْن ُّ
الر ُس ِل ﴾ (األحقاف ،آ)9 : وموجدها على غير مثال سابق ،وقول هللا تعالى﴿ :قل ما كنت ِبد
-اإلكالل ،واالنقطاع ،يقال أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السير بإكالل أوظلع كأنه جعل انقطاعها عما
كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا ،أي أنشاء أمرا خارج عما اعتيد منها.1
وهذا املعنى ينطبق على االبتداع في دين هللا ،إذ البدعة ظلع واعوجاج في نفس صاحبها وفي عمله .وذلك بإتباع
الهوى؛ ولذلك سمي أهل البدع أهل األهواء ،ألنهم اتبعوا أهواءهم ،وما تشتهيه أنفسهم ،وما تمليه عقولهم،
البدعة في االصطالح:
سلفا ً
وخلفا في تعريف البدعةً ،
تبعا الختالف تصورهم ملاهية البدعة ،وتنوع مشاربهم، اختلفت عبا ات الناس ً
ر
ً
تعريفا للبدعة يتالءم مع مسلكه ،وهناك من التبس فالذي تلبس ببدعة عملية أو اعتقاديه ،يحاول أن يضع
ً
ملتبسا، عليه فهم بعض النصوص الوا دة في السنة والبدعة فوضع ً
تعريفا ر
قال اإلمام ألشاطبي :ـ رحمه هللا ـ "فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية" .2يقصد
بالسلوك عليها املبالغة في التعبد هلل سبحانه.
و عرفها السخاوي بقوله « :هي ما أحدث على غير مثال متقدم ،فيشمل املحمود و املذموم ،و لكنها خصت شرعا
3
باملذموم مما هو خالف املعروف»
محمود الطحان« :قيل الحدث في الدين بعد اإلكمال ،أو ما استحدث بعد النبي صلي هللا عليه وسلم من
4
األهواء واألعمال ».
:2أقسام البدعة و أنواعها
تنقسم البدعة إلى بدعة قوليه كأذكار املبتدعة التي تخالف الشريعة ،وبدعة عملية وهي ما كانت خالف العمل
الشرعي كالزيادة في عدد الصلوات واملخالفة في هيئة الحج ،وبناء على ذلك فإن أصحاب البدع يقسمون باعتبار
بدعهم.
/1التقيد وإليضاح ملقدمة بن الصالح ومعه ذيل املصباح 127ملحمد راغب الطباخ
/2املوقظة ص 41للحافظ الذهبي طبعة املكتبة اإلسالمية القاهرة
37
املبحث الخامس :منهاج املحدثين في دراسة سند الحديث النبوي
منهاج املحدثين في دراسة السند هو تلك الخطوات املنهجية التي يسلكها املحدث للحكم على األخبار،
وفائدتها بالنسبة لطلبتنا هو االطالع على أهم منهج في العلوم اإلنسانية في التدقيق والتمحيص ،ثم التدريب
على التعامل مع األخبار بطريقة حديثية ،والتمكن من الصناعة الحديثية ،وغايتنا في ذلك اإلسهام في
صياغة عقلية علمية منهجية تحليلية.
-كتابة الحديث -تخريج الحديث من مظانه -الترجمة للرواة -دراسة أقوال املحدثين في الرواة -دراسة
صيغ التحمل واألداء -الحكم على سند الحديث -فقه الحديث
-املطلب األول :كتابة الحديث
تعد مرحلة كتابة النص من أصعب املراحل ،ألنها نقطة االنطالق ،والنص هو املوجه ،فال علم بدون
نص .النص هو الكلمة التي تصوغ أفكارنا وتبني سلوكنا ،لذلك تحتاج إلى التدقيق والتوثيق والتصحيح .فال
كتابة دون تمكن من اللسان ،ودون الوثوق بامللكة اللغوية املكتسبة عن طريق القراءة ،والكتابة التنفك عن
أمانة النقل السليم للكلمات والحروف ،وتصحيح النطق والكالم ،وعزو النص إلى مصادره دون تحريف
للكالم عن مواضعه.
وتهدف الكتابة في هذه الخطوة إلى التمكن من النص أوال ،فالكتابة خطوة في الفهم ،ودرجة في الحفظ،
وإسهام في كسب العلم ونشره ،والنص في هذه الحال سنة متبعة ،يبني املرجعية ،ويقوم السير ،ويهدي إلى
سواء السبيل.
-املطلب الثاني :تخريج الحديث من مظانه
تكمن أهمية تخريج الحديث من مظانه في كونها تعطي فرصة للباحث على االطالع على املصنفات الحديثية
املختلفة ،فيوثق الخبر أوال ،ويطلع على حجم وروده في السنة ثانيا ،ويوسع مداركه العلمية ثالثا.
ويجد الباحث بغيته في هذه املرحلة في املصنفات الحديثية املختلفة ،سواء املصنفة على األبواب الفقهية
كاملوطإ ،أو املصنفة على طريق املسانيد كمسند الحميدي ،أو املعاجم والعلل واألطراف والزوائد وغيرها.
يقول الشيخ الطحان رحمة هللا عليه في مصنفه أصول التخريج( :التخريج لغة :اجتماع أمرين متضادين في ش يء
واحد ،ويطلق على معان)1(:االستنباط ( )2التدريب ( )3التوجيه .
ومنه قول املحدثين (هذا حديث عرف مخرجه أي :موضع خروجه) ويطلق التخريج عند املحدثين بمعنى إبراز
الحديث للناس بذكر مخرجه ،أي :رجال إسناده ،ويطلق بمعنى إخراج الحديث من بطون الكتب ،ويطلق بمعنى
الداللة على مصادر الحديث األصلية وهو املشتهر.
ً
اصطالحا :الداللة على موضع الحديث في مصادره األصلية التي أخرجته بسنده ،ثم بيان مرتبته عند الحاجة.
كصحيح البخاري ومسلم ،وغيرها من كتب التفسير كالطبري واألم للشافعي ،وأما الجامع الصغير ،ورياض
38
الصالحين وبلوغ املرام ،فال ْ
يعتبرن من املصادر األصلية ،إنما هي لبيان األحكام الفقهية ،ولبيان صحة الحديث
من ضعفه).
وأشهركتب التخريج:
(-تخريج أحاديث املهذب ) ألبي إسحاق الشيرازي ،تصنيف :محمد بن موس ى الحازمي ( 584ه)ـ
(-تخريج أحاديث املختصر الكبير) البن الحاجب ،تصنيف :محمد بن أحمد بن عبد الهادي املقدس ي ()844ه ـ
( -نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ) للمرغيناي ،تصنيف :عبد هللا بن يوسف الزيلعي (762هـ )
(-تخريج أحاديث الكشاف ) للزمخشري ،للحافظ الزيلعي .
(-البدر املنير لتخريج األحاديث واآلثار الواقعة في الشرح الكبير) للرافعي ،تصنيف:عمر بن امللقن ( )804ه ـ
(-املغنى عن حمل األسفار في األسفار في تخريج مما في األحياء من األخبار) لعبد الرحيم العراقي() 806
كل باب ) للحافظ العراقي .
(-تخريج األحاديث التي يشير إليها الترمذي في ِ
(-التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير ) للرافعي ،تصنيف :ابن حجر العسقالني()852ه ـ
(-الدراية في تخريج أحاديث الهداية ) البن حجر العسقالني.
(-تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي) تصنيف :عبد الرؤوف بن علي ُ
املناوي ( ) 1031هــ.
ـ أنواع املصنفات في الحديث النبوي:
-الجوامع :الجامع كل كتاب يجمع فيه مؤلفه جميع األبواب من العقائد والعبادات واملعامالت والسير
واملناقب والرقاق والفتن وأخبار يوم القيامة مثل " الجامع الصحيح للبخاري ".
-املسانيد :املسند كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة من غير النظر إلى املوضوع الذي يتعلق
فيه الحديث :مثل " مسند اإلمام أحمد بن حنبل ".
ً
-السنن :وهي الكتب املصنفة على أبواب الفقه ،لتكون مصدرا للفقهاء في استنباط األحكام ،وتختلف عن
الجوامع بأنها ال يوجد فيها ما يتعلق بالعقائد والسير واملناقب وما إلى ذلك ،بل هي مقصورة على أبواب الفقه
وأحاديث األحكام ،مثل "سنن أبي داود".
ً
-املعاجم :املعجم كل كتاب جمع فيه مؤلفه الحديث مرتبا على أسماء شيوخه على ترتيب حروف الهجاء
ً
غالبا ،مثل " املعاجم الثالثة " الطبراني ،وهي املعجم الكبير واألوسط والصغير.
-العلل :كتب العلل هي الكتب املشتملة على األحاديث املعلولة مع بيان عللها ،وذلك مثل " العلل البن أبي
حاتم " و " العلل للدارقطني".
جمع فيه ما يتعلق ُ
-األجزاء :الجزء كل كتاب صغير ج ِمع فيه مرويات راو واحد من رواة الحديث ،أو ِ
بموضوع واحد على سبيل االستقصاء ،مثل "جزء رفع اليدين في الصالة " للبخاري.
39
-األطراف :كل كتاب ذكر فيه مصنفه طرف كل حديث الذي يدل على بقيته ،ثم يذكر أسانيد كل متن من
ً
املتون إما مستوعبا أو مقيدا لها ببعض الكتب ،مثل " تحفة األشراف بمعرفة األطراف " للمزي.
-املستدركات :املستدرك كل كتاب جمع فيه مؤلفه األحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاتته على
شرطه ،مثل " املستدرك على الصحيحين " ألبي عبدهللا الحاكم.
-املستخرجات :املستخرج كل كتاب خرج فيه مؤلفه أحاديث كتاب لغيره من املؤلفين بأسانيد لنفسه من
غير طريق املؤلف األول ،وربما اجتمع معه في شيخه أو من فوقه مثل " املستخرج على الصحيحين " ألبي
ُ
ن َع ْيم األصبهاني.
-املطلب الثالث :ترجمة الرواة
علم التراجم أو علم تراجم الرجال ،هو العلم الذي يتناول سير حياة األعالم من الناس عبر العصور
املختلفة ،وهو علم دقيق يبحث في أحوال الشخصيات واألفراد من الناس الذين تركوا آثارا في املجتمع
ويتناول هذا العلم كافة طبقات الناس من األنبياء والخلفاء وامللوك واألمراء والقادة والعلماء في شتى
املجاالت والفقهاء واألدباء والشعراء والفالسفة وغيرهم .ويهتم بذكر حياتهم الشخصية ،ومواقفهم وأثرهم
في الحياة وتأثيرهم ويعتبر علم التراجم عموما فرعا من فروع علم التاريخ.
اهتم املسلمون بعلم التراجم اهتماما كبيرا ،وقد بدأت العناية بهذا العلم عندهم بعد عهد الرسول محمد
بن عبد هللا بزمن يسير ،حيث حرص العلماء على حماية وصيانة املصدر الثاني من مصادر التشريع في اإلسالم،
وهو الحديث النبوي ،حرصوا على صيانته من الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس .فنشأ هذا العلم
كقاعدة في تلقي األخبار عن الناس وباألخص فيما يتعلق بالحديث النبوي أوال ومن ثم اآلثار املروية
عن الصحابة والتابعين وباقي طبقات العلماء خصوصا والناس عموما.
وجاءت عبارات األئمة في بيان أهمية معرفة الرواة صريحة وواضحة ،وكان من األهمية بمكان البحث في نواح
ُ
تفصيلية من حياة الراوي ،ونواح استنتاجية (تستنتج من حديثه وطريقته في التحديث) .ومن مباحث هذا العلم:
معرفة تاريخ ميالد الراوي ،وتاريخ طلبه للعلم ،وممن سمع في ِس ِن ِي طلبه العلم ،ومن هم الشيوخ الذين يحدث
ً ً
عنهم (من منهم حدث عنه سماعا ،ومن دلس عنه شيئا من الحديث ،أو أرسل عنه) ،وما مدة مالزمته لكل شيخ
من شيوخه ،وكيف كان ذاك ،وكم سمع منه من األحاديث واآلثار ،وكم روى عنه بعد ذلك؛ وهل في شيوخه كثير
من الضعفاء واملجاهيل؟ ورحالته العلمية وما سمع بها من الحديث ،أو ما حدث به؛ ومتى حدث ،وكيف كان
ٌ
سماع أم عرض؛ ومن املستملون والوراقون الذين استخدمهم؟) ،وكيف كان يحدث؟ (من حفظه ،أم من كتابه؛
ِ
ُ إقبال الناس عليه ،وكم كان عدد الحاضرين عنده؟ وما هي األوهام التي وقع فيهاَّ ،
والسقطات التي أخذت عليه؟
40
ً ً ً
ثم أخالق الراوي وعبادته ومهنته؛ وهل كان يأخذ أجرا على التحديث؟ وهل كان ِ
عسرا في التحديث ،أم سمحا
ً
بعلمه ،أم متساهال ...؟.1
وقد اهتم علماؤنا رحمة هللا تعالى عليهم بخدمة هذا العلم والتمييز بين الثقات والضعفاء ،ففي
الضعفاء ليحيى بن معين وأبي زرعة الرازي وللبخاري في كبير وصغير ،والنسائي وأبي حفص الفالس ،وألبي أحمد
بن عدي في كامله ،وهو أكمل الكتب املصنفة قبله وأجلها ،ولكنه توسع لذكر كل من تكلم فيه وإن كان ثقة
;ولذا ال يحسن أن يقال :الكامل .للناقصين ،وذيل عليه أبو الفضل ابن طاهر في تكملة الكامل ،وألبي جعفر
العقيلي وهو مفيد ،وأبي حاتم بن حبان وأبي الحسن الدارقطني وأبي زكريا الساجي ،وأبي عبد هللا الحاكم وأبي
الفتح األزدي وأبي علي بن السكن وأبي الفرج بن الجوزي ،واختصره الذهبي ،بل وذيل عليه في تصنيفين وجمع
معظمهما في ميزانه فجاء كتابا نفيسا عليه معول من جاء بعده ،مع أنه تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه
ولو كان ثقة ،ولكنه التزم أن ال يذكر أحدا من الصحابة وال األئمة املتبوعين ،وقد ذيل عليه املصنف في مجلد ،
والتقط شيخنا منه من ليس في تهذيب الكمال وضم إليه ما فاته من الرواة والتتمات ،مع انتقاد وتحقيق في
كتاب سماه ( لسان امليزان ) مما كتبته وأخذته عنه وعم النفع به ،بل له كتابان آخران هما ( تقويم اللسان) و (
تحرير امليزان ).
كما أن للذهبي في الضعفاء مختصرا سماه (املغني) ،وآخر سماه (الضعفاء واملتروكين) ،وذيل عليه والتقط
بعضهم من الضعفاء الوضاعين فقط ،وبعضهم املدلسين كما مض ى في بابيهما ،وبعضهم املختلطين كما سيأتي
بعد .
وفي الثقات ألبي حاتم بن حبان وهو أحفلها ،لكنه يدرج فيهم من زالت جهالة عينه ،بل ومن لم يرو عنه إال
واحد ،ولم يظهر فيه جرح كما سلف في الصحيح الزائد على الصحيحين ،وفي مجهول العين أيضا ،وذلك غير
كاف في التوثيق عند الجمهور ،وربما يذكر فيهم من أدخله في الضعفاء ; إما سهوا أو غير ذلك
ونحوه تخريج الحاكم في مستدركه لجماعة ،وحكمه على األسانيد الذين هم فيها بالصحة ،مع ذكر إياهم في
كتابه في ( الضعفاء ) ،وقطع بترك الرواية عنهم واملنع من االحتجاج بهم ; ألنه ثبت عنده جرحهم ،وللعجلي وابن
شاهين ،وأبي العرب التميمي ،ومن املتأخرين الشمس محمد بن أيبك السروجي لكنه لم يكمل ،وجد
منه األحمدون فقط في مجلد ،وأفرد شيخنا الثقات ممن ليس في التهذيب وما كمل أيضا ،وللذهبي معرفة الرواة
املتكلم فيهم بما ال يوجب الرد إلى غيرها من الكتب املشتملة على الثقات والضعفاء جميعا ; كتاريخ أبي بكر بن
أبي خيثمة ،وهو كثير الفوائد ،و(الطبقات) البن سعد ،و(التمييز) للنسائي وغيرها مما ذكر بعضه في آداب
الطالب ،وللعماد ابن كثير التكميل في معرفة الثقات والضعفاء واملجاهيل) ،جمع فيه بين
-1التنكيل ص 75-67
-2فتح املغيث ص 351
43
والراوية بطريق القراءة على الشيخ رواية صحيحة بال خالف في جميع الصور املذكورة إال ما حكي عن بعض
من ال يعتد به من املتشددين ،واختلفوا في رتبتها على ثالثة أقوال.
-مساوية للسماع :روي عن مالك والبخاري ،ومعظم علماء الحجاز والكوفة.
أدني من السماع :روي عن جمهور أهل املشرق " وهو الصحيح ". -
-أعلى من السماع :روي عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب ،ورواية عن مالك.
واألحوط في األداء أن يقول " :قرأت على فالن " أو " قرئ عليه وأنا أسمع َّ
فأقر به" ،ويجوز :بعبارات السماع
مقيدة بلفظ القراءة كـ " حدثنا قراءة عليه " ،والشائع الذي عليه كثير من املحدثين :إطالق لفظ " أخبرنا "
فقط دون غيرها.
-3اإلجازة:
اإلذن بالرواية لفظا أو كتابة ،وصورتها أن يقول الشيخ ألحد طالبه ":أجزت لك أن تروي عني صحيح
البخاري’’ ،وهي أنواع:
-1أن يجيز الشيخ معينا ملعين :كأجزتك صحيح البخاري ،وهذا النوع أعلى أنواع اإلجازة املجردة عن املناولة.
-2أن يجيز معينا بغير معين :كأجزتك رواية مسموعاتي .
-3أن يجيز غير معين بغير معين :كأجزتك أهل زماني رواية مسموعاتي .
-4أن يجيز بمجهول أو ملجهول :كأجزتك كتاب السنن ،وهو يروي عددا من السنن ،أو أجزت ملحمد بن
خالد الدمشقي ،وهناك جماعة مشتركون في هذا االسم.
َ ً
للم ْعدوم :فإما أن تكون ت َبعا ملوجود ،كأجزت لفالن ولم يولد له ،وإما أن تكون ملعدوم استقالال
-5اإلجازة َ
،كأجزت ملن يولد لفالن .
والصحيح الذي عليه الجمهور واستقر عليه العمل جواز الراوية والعمل بالنوع األول ،وأبطلها جماعات
من العلماء ،وهو أحدي الروايتين عن الشافعي.
وأما بقية األنواع فالخالف في جوازها أشد وأكثر ،وعلى كل حال فالتحمل والرواية بهذا الطريق ( أي اإلجازة )
تحمل هزيل ما ينبغي التساهل فيه.
ويقال في األداء " :أجاز لي فالن " ،ويجوز :بعبارات السماع والقراءة مقيدة مثل " حدثنا إجازة " أو " أخبرنا
إجازة " ،واشتهر عن املتأخرين " :أنبأنا " واختاره صاحب كتاب " الوجازة ".
-4املناولة:
ً
املناولة نوعان :مقرونة باإلجازة ،وهي أعلي أنواع اإلجازة مطلقا .ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب
ً
كتابه ويقول له :هذا روايتي عن فالن فاروه عني ،ثم يبقيه معه تمليكا أو إعارة لينسخه .ومجردة عن اإلجازة:
وصورتها أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابه مقتصرا على قوله هذا سماعي.
44
واملحدثون على جواز الرواية باملناولة املقرونة باإلجازة ،وهي أدني مرتبة من السماع والقراءة على الشيخ.
وأما املجردة عن اإلجازة :فال تجوز الرواية بها على الصحيح.
واألفضل أن يقال في األداء "ناولني" أو " ناولني " وأجاز لي " إن كانت املناولة مقرونة باإلجازة ،ويجوز بعبارات
السماع والقراءة مقيدة مثل " حدثنا مناولة " أو " أخبرنا مناولة وإجازة".
-5الكتابة:
وصورتها أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر أو غائب بخطه أو أمره ،وهي نوعان :مقرونة باإلجازة كأجزتك ما
كتبت لك أو إليك ونحو ذلك ،والرواية بها صحيحة ،وهي في الصحة والقوة كاملناولة املقرونة.ومجردة عن
اإلجازة كأن يكتب له بعض األحاديث ويرسلها له ،وال يجيزه بروايتها .ومنع الرواية بها قوم ،وأجازها آخرون ،
والصحيح الجواز عند أهل الحديث إلشهارها بمعني اإلجازة ،ويصرح في األداء بلفظ الكتابة :كقولك" كتب
إلي فالن ” أو حدثني فالن أو اخبرني كتابة
-6اإلعـ ـ ـ ـ ــالم:
وصورته أن يخبر الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه ،وكثير من أصحاب الحديث
والفقه واألصول على الجواز ،وقال قوم بعدم الجواز ألنه قد يعلم الشيخ أن هذا الحديث روايته لكن ال
تجوز روايته لخلل فيه ،ولو أجازه بروايته جازت روايته .ويؤدى فيها بلفظ" أعلمني شيخي بكذا "
-7الوص ـ ــية:
وصورتها أن يوص ي الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب من كتبه التي يرويها .أجاز الرواية بها بعض
السلف ،والصواب عدم الجواز .ويقال في األداء "أوص ى إلي فالن بكذا " أو " حدثني فالن وصية ".
-8الوج ـ ـ ـ ــادة:
وصورتها أن يجد الطالب أحاديث بخط شيخ يرويها ،يعرفه الطالب ،وليس له سماع منه وال إجازة .والرواية
بالوجادة من باب باملنقطع ،لكن فيها نوع اتصال ،ويقال فيها " وجدت بخط فالن أو قرأت بخط فالن كذا "
ثم يسوق اإلسناد واملتن.
املطلب السادس :الحكم على سند الحديث
التصحيح والتضعيف نوع من االجتهاد قائم على البحث والنظر ،واستقصاء أقوال األئمة ،والتوفيق بين
املتعارض منها وترجيح الراجح ،ومعرفة املتابعات والشواهد ،والنظر في العلل وغير ذلك.
ومثل هذا يجب أن يكون من يتصدى له على جانب من العلم واملعرفة واالطالع على أنواع من العلوم ،كقواعد
الجرح والتعديل وما يتعلق بذلك ،ومعرفة أحوال الرواة ،واصطالحات املحدثين ،وألفاظهم ،ومسالكهم في الحكم
على الرواة واألحاديث ،والعلم بطرق التخريج ،ودراسة األسانيد ،وكيفية النظر في العلل مع اإلملام بأصول الفقه
وخاصة ما يتعلق بالتعارض والترجيح ونحوه.
45
وخالل هذه املرحلة يجب حسن استثمار ثالث معطيات:
-أوال :معطيات التخريج ،فهي تمكننا من معرفة حجم ورود الحديث ،ومدى قوته وانتشاره في مصنفات
املحدثين.
-ثانيا :معطيات تراجم الرواة ،وهي تعيننا على التوصل إلى اكتشاف عدالة وضبط الرواة ،ولذلك اليجب
إغفال أي معطى في التعديل أو التجريح ،وال تقديمه بصيغة إنشائية ،بل تحليله ومناقشته في ضوء ما
درسته من قواعد الجرح والتعديل.
-ثالثا :معطيات الكتابة ،أي من حيث النظر إلى صيغ التحديث واألداء ،فهي مؤثرة في الحكم ،أي من
حيث االتصال واالنقطاع ،مع شرح النتائج في ضوء ما درسته من نصوص ابن الصالح ،ونسبة كل
صيغة في األداء إلى أمها في التحمل ،وبيان الشروط في العنعنة واألنأنة وغيرهما.
املطلب السابع :فقه الحديث
إذا كانت معرفة الرجال نصف العلم فإن التفقه في معانيه نصفه اآلخر كما يقول علي بن املديني،
وتفتتح هذه الخطوة بشرح مبسط للحديث استفادة من بعض الشروح املعتبرة ،ثم بعد ذلك استنباط
األحكام وتخريج القواعد املتضمنة وشحها شرحا مختصرا ،يظهر قدرة الشارح على الفهم ،وتمكنه من
معطيات النص.
قال أمير املحدثين وسيد الفقهاء اإلمام البخاري رحمه هللا" :فعليك بالفقه الذي ُيمكنك تعلمه وأنت في
قار ساكن ،ال تحتاج إلى بعد األسفار ووطء الديار ،وركوب البحار ،وهو مع ذا ثمرة الحديث .وليس بيتك ٌّ
1
ثواب الفقيه بدون ثواب املحدث في اآلخرة ،وال عزه بأقل من ِعز املحدث".
أّ :
الصحابي لغة.
مصدر صحب فهو صاحب ،والصحبة :املعاشرة واملالزمة ،ويطلق على من حصل له مجالسة ورؤية.
ُ ً ً
وص ْح َبة :عاشره .وهم :أصحاب وأصاحيب -جاء في القاموس املحيط":صحبه كسمعه صحابة ويكسر
1
الصحبة والزمه". واس َت ْ
ص َح َب ُه :دعاه إلى ُّ وص ْحبْ ، حابة َ حابة وص َ وص ْحبان وصحاب َ
وص َ ُ
ِ
والص ْحب جمعَّ ص ْحبة بالضمَ ، ص َح ُبه ُ
"صح َبه َي ْ َ
وصحابة بالفتح ،وصاحبه عاشره، -وقال ابن منظورِ :
واس َت ْ َ َ ُ
ص َح َب الرجل دعاه ِإلى وص ْحبان.قالْ : صاحيب ُ
ُ الصاحب ...قال:والصاحب املعاشر...والجمع أصحاب وأ
ً
2
الص ْحبة ،وكل ما الزم شيئا فقد استصحبه". ُّ
-وفي املصباح املنير"واألصل في هذا اإلطالق ملن حصل له رؤية ومجالسة ،ووراء ذلك شروط لألصوليين،
اب الشافعيَ ،وأ ْ
ص َح ُ
اب أبي حنيفة ،وكل ويطلق مجازا على من تمذهب بمذهب من مذاهب األئمة ،فيقالَ :أ ْ
ص َح ُ
ٍ
ْ َ ْ َ َ ُ 3
ش يء الزم شيئا فقد استصحبه".
ً بّ :
الصحابي اصطالحا.
اختلفت عبارات املحدثين واألصوليين في تعريف الصحابي على مذاهب ثالثة:
1القاموس املحيط ملجد الدين الفيروز آبادي ،مادة (ص ح ب) ( ،)104/1ت :مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف :محمد نعيم
ُ
العرقسوس ي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت (ط1426/8 :هـ 2005م).
2لسان العرب ملحمد بن مكرم ابن منظور ،مادة (ص ح ب) ( ،)519/1د :صادر بيروت( ،ط 1414 /3:هـ)
3املصباح املنير في غريب الشرح الكبير للفيومي ،مادة( :ص ح ب) ( )333/1املكتبة العلمية ،بيروت (ط)1987 :
47
وصحبه ولو ساعة ،سواء روى عنه أو لم يرو عنه، -املذهب األول :يرى أن الصحابي هو من رأى النبي
وسواء اختص به اختصاص املصحوب أو لم يختص ،وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك:
،أو رآه من املسلمين فهو من أصحابه 1".قال ابن حجر عرفه البخاري فقال":ومن صحب النبي
معلقا":وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح...والذي جزم به البخاري هو قول أحمد وجمهور املحدثين 2".وأكد
مؤمنا به ،ومات على ذلك في اإلصابة بقوله":وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي :من لقي النبي
اإلسالم ،فيدخل فيمن لقيه:من طالت مجالسته أو قصرت ،ومن روى عنه أو لم يرو ،ومن غزا معه أو لم يغز،
ومن رآه رؤية ولم يجالسه ،ومن لم يره لعارض كالعمى 3".ووافقه على ذلك بعض األصوليين كاإلمام ابن
6
حزم4،واآلمدي 5،وابن قدامة.
-املذهب الثاني :يعتبر أن الصحابي هو من رأى النبي ،واختص به اختصاص املصحوب متبعا إياه مدة
7
يثبت بها إطالق صاحب فالن عليه عرفا بال تحديد ملقدار تلك الصحبة ،وهو اختيار جمهور األصوليين.
ً
-املذهب الثالث :يعتبر أن الصحابي هو من صحب النبي سنة أو سنتين ،أو غزا معه غزوة أو غزوتين ،وهو
11
قول سعيد بن املسيب نسبه إليه العراقي 8،وابن حجر 9،والطوفي10،والشوكاني.
وفي ذلك يقول العراقي في ألفيته:
ً
رائي النبي مسلما ذو صحبة *** وقيل :إن طالت ولم يـثبت
12 ً
وقيل :من أقام عاما أو غ ـ ـزا *** معه وذا البن املسيب عزا
واإلمام مالك رحمه هللا يأخذ بتعريف املحدثين حسب ما نقله عنه ابن تيمية في الفتاوى":وقال مالك :من
صحب رسول هللا سنة أو شهرا أو يوما أو رآه مؤمنا به فهو من أصحابه ،له من الصحبة بقدر ذلك ،وذلك أن
( )2/5ت د مصطفى ديب البغا ،د :ابن كثير اليمامة، ،باب فضائل أصحاب النبي 1الجامع الصحيح لإلمام البخاري،كتاب أصحاب النبي
ط.1987/3:
2فتح الباري شرح صحيح البخاري ،البن حجر العسقالني ( )5/7ت :محمد فؤاد عبد الباقي ،د املعرفة بيروت ،ط س1379 :هـ
3اإلصابة في تمييز الصحابة البن حجر العسقالني ( )158/1د :الكتب العلمية ،بيروت ،ط.1995/1:
4اإلحكام في أصول األحكام البن حزم القرطبي ( )89/2ت:الشيخ أحمد محمد شاكر ،د :اآلفاق الجديدة ،بيروت.
5اإلحكام في أصول األحكام لآلمدي ( )113-112/1ت :سيد الجميلي ،د :الكتاب العربي ،بيروت( ،ط.)1404/1:
6روضة الناظر وجنة املناظر البن قدامة املقدس ي ( )119/1ت:د عبد العزيز عبد الرحمن السعيد ،جامعة اإلمام محمد بن سعود الرياض،
ط1399/2:هـ.
7املستصفى من علم األصول ألبي حامد الغزالي ( )309/1ت:محمد األشقر ،مؤسسة الرسالة بيروت ،ط1417/2:هـ 1997م -فواتح الرحموت بشرح
مسلم الثبوت للكنوي ( )196/2د:الكتب العلمية ،بيروت.
8التبصرة والتذكرة املشهورة باأللفية للعراقي (ص )164:ت:العربي الفرياطي ،د:املنهاج ،الرياض( ،ط1428/2:هـ)
9فتح الباري البن حجر ()4 /7
10شرح مختصر الروضة لنجم الدين الطوفي ( )185/2ت :عبد هللا بن عبد املحسن التركي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت( ،ط1407/1:هـ1987م)
11إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول للشوكاني ( )189/1ت:أبو مصعب محمد سعيد البدري ،مؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت،
(ط1995/6:م)
12البيتان رقم 786 :و 787من ألفية العراقي (ص)164:
48
لفظ الصحبة جنس تحته أنواع ،يقال :صحبه شهرا وساعة وقد بين في هذا الحديث أن حكم الصحبة يتعلق
1
بمن رآه مؤمنا به فإنه البد من هذا".
بعد ذكر املذاهب في تعريف الصحابي ،ومواقف أهل العلم منها ،يبقى السؤال موضوع النقاش :من هو
الصحابي الذي تحقق فيه شرط العدالة؟ هل هو الصحابي الذي لقي النبي ولو ساعة ً
بناء على تعريف
دون غيرهم. جمهور املحدثين ،أم أن العدالة مقتصرة على املجتهدين من أصحاب رسول هللا
املطلب الثاني :عدالة الصحابة
ال تتحقق العدالة في الراوي عند املحدثين إال إذا اتصف بصفات خمس :اإلسالم ،والبلوغ ،والعقل ،والسالمة
من أسباب الفسق ،وخوارم املروءة 2.وهي صفات اجتمعت كلها في صحابة رسول هللا ،فهم رض ي هللا عنهم
جمعوا بين قوة اإليمان ،والتزام التقوى ،واملروءة ،وسمو األخالق والترفع عن سفاسف األمور ،كما لم يؤثر عنهم
أبدا أنهم تعمدوا الكذب على رسول هللا .
ومما ينبغي التنبيه إليه أن العدالة ال تفيد العصمة ،فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم ،فهم رض ي هللا
عنهم يعرض لهم ما يعرض لسائر البشر من املعاص ي أو السهو أو الغلط ،قال اإلمام األبيارى رحمه هللا ":واعلم
أنا لسنا نعني بعدالة كل واحد من الصحابة أن العصمة له ثابتة ،واملعصية مستحيلة ،وإنما نريد أن الرواية منه
مقبولة من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة ،وطلب التزكية ،إال أن يثبت ارتكاب ما يقدح في العدالة ،ولم
حتى يثبت بطريق صحيح ما يثبت ذلك ،والحمد هلل ،فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول هللا
يقدح فيه .وال التفات إلى ما يذكره أصحاب السير من األخبار ،فإن أكثرها ضعيفة .بل يتثبت الناظر حتى يصح
3
عنده النقل بالطرق الصحاح من أهل هذا الفن" .
1مجموع الفتاوى البن تيمية ( )298/20ت:عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،مجمع امللك فهد ،املدينة النبوية ،ط س1416:هـ.
2فتح املغيث بشرح ألفية الحديث لشمس الدين السخاوي ( )317 – 315/3ت:علي حسين علي ،مكتبة السنة مصر ،ط1424 /1:هـ 2003 -م-.
توضيح األفكار ملعاني تنقيح األنظار ملحمد بن إسماعيل الصنعاني ( )118 – 114/2ت :أبو عبد الرحمن صالح بن محمد بن عويضة ،د :الكتب
العلمية ,بيروت ،ط1417 /1:هـ1997-م.
3التحقيق والبيان في شرح البرهان في أصول الفقه لعلي بن إسماعيل األبياري ( )709/2ت :علي بن عبد الرحمن بسام الجزائري ،د :الضياء ،الكويت،
ط 1434 /1:هـ 2013 -م.
49
ُ ْ ُ ُّ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َّ ٰ ٰ َ َ ََُ َ ْ َ َْ َ
ظ َف ْ
ٱلصـ ِل َحـ ِت ٱس َت َو ٰى َعل ٰى ُسو ِق ِه يع ِجب ٱلزراع ِلي ِغيظ ِب ِهم ٱلكفار وعد ٱّلِل ٱل ِذين ءامنوا وع ِملوا فآزره فٱستغل
ً ْ ً َ ً
ِم ْن ُهم َّمغ ِف َرة َوأ ْجرا َع ِظيما﴾(الفتح،آ)29:
ومن السنة قوله عليه الصالة والسالم « :خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم يجئ قوم -
مرفوعا" :إن هللا تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته 1 ».ويؤكد هذا املعنى ما روي عن ابن مسعود
خير قلوب العباد ،فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ،ثم نظر في نظر في قلوب العباد ،فوجد قلب محمد
2
يقاتلون عن دينه". قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ،فجعلهم وزراء نبيه
3
يقول اإلمام اآلمدى رحمه هللا" :واختيار هللا ال يكون ملن ليس بعدل".
أضف إلى ذلك أن األمة قد أجمعت على تعديل الصحابة رض ي هللا عنهم أجمعين ،يقول الخطيب -
البغدادي رحمه هللا" :إنه لو لم يرد من هللا عز وجل ورسوله فيهم ش يء مما ذكرناه ،ألوجبت الحال التي كانوا عليها
من الهجرة ،والجهاد ،والنصرة ،وبذل املهج ،واألموال ،وقتل اآلباء واألوالد ،واملناصحة في الدين ،وقوة اإليمان
واليقين :القطع على عدالتهم ،واالعتقاد لنزاهتهم ،وأنهم أفضل من جميع املعدلين واملزكين ،الذين يجيئون من
بعدهم أبد اآلبدين .هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء 4".وقال ابن الصالح " :للصحابة
بأسرهم خصيصة ،وهي أنه ال يسأل عن عدالة أحد منهم ،بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على اإلطالق معدلين
بنصوص الكتاب ،والسنة ،وإجماع من يعتد به في اإلجماع من األمة 5".واألمر نفسه ذكره القرطبي":فالصحابة
كلهم عدول أولياء هللا تعالى وأصفياؤه وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله ،هذا مذهب أهل السنة والذي عليه
6
الجماعة من أئمة هذه األمة".
هذه النصوص شاهدة على ثبوت العدالة لجميعهم دون التفرقة بين من طالت صحبته وغيره ،أو من بلغ رتبة
االجتهاد منهم ومن قصر عنها.
1أخرجه اإلمام البخارى في كتاب فضائل الصحابة ،باب فضائل أصحاب النبى ،ومن صحب النبى أو رآه من املسلمين فهو من أصحابه ،رقم:
،)5/7( 3651واإلمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة رض ي هللا عنهم ،باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ،رقم ،2533:من حديث
ابن مسعود رض ي هللا عنه )324/8( ،ت :محمد فؤاد عبد الباقي ،د إحياء التراث العربي ،بيروت.
رقم )84 /6( 3600 :تعليق شعيب األرنؤوط ،مؤسسة الرسالة ،بيروت، 2إسناده حسن ،أخرجه اإلمام أحمد في مسند عبد هللا بن مسعود
(ط1421/1:هـ 2001م) ،وقال الهيثمى في مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله موثقون )178/1( .مكتبة القدس ي ،القاهرة.
3اإلحكام في أصول األحكام لآلمدي ()82/2
4الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص )96 :ت :أبو عبد هللا السورقي وإبراهيم حمدي املدني ،املكتبة العلمية ،املدينة املنورة.
5مقدمة ابن الصالح (ص )176:ت :نور الدين عتر ،دار الفكر ،سوريا ،ط1406/1:هـ 1986 -م
6الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد هللا القرطبي ( )299 /16ت :هشام سمير البخاري ،د :عالم الكتب ،الرياض ،ط1423 /1:هـ
50
املطلب الثالث :دفع الشبهات عن عدالة الصحابة.
لقد اتخذ بعض أدعياء العلم الطعن في حملة األحاديث ورواة السنن من صحابة رسول هللا وسيلة للطعن في
السنة وإسقاط الثقة بها ،فشككوا في عدالتهم ،واتهموا منهجهم في نقل الحديث وروايته بالوهن والضعف،
والهدف من ذلك كله زعزعة ثقة املسلمين بسنة نبيهم ،وتقويض أصول دينهم ،وفي هذا املطلب سأعرض ألهم
هذه الشبه مجليا لوهنها وتهافتها.
أوال :اتهام الصحابة رضوان هللا عليهم بالنفاق.
يتهم بعض الطاعنين في السنة ومن بينهم محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة النبوية 1صحابة رسول
َُ
هللا بالنفاق مستدلين بما ورد في القرآن الكريم من آيات تتحدث عن النفاق كقوله تعالىَ ﴿ :و ِم َّم ْن َح ْولك ْم ِم َن
َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ َْ َ َ ُ ََ
النف ِاق ال ت ْعل ُم ُه ْم ن ْح ُن ن ْعل ُم ُه ْم َس ُن َع ِذ ُب ُه ْم َم َّرت ْي ِن ث َّم ُي َر ُّدون ِإلى َعذاب
اب منا ِفقون و ِمن أه ِل امل ِدين ِة م َردوا على ِ
األعر ِ
قال: َع ِظ ٍيم﴾(التوبة،آ )101:وحملوها على صحابة رسول هللا ،وأيدوا ذلك بحديث جابر بن عبد هللا
َ
فضة الج ْع َرانة 2منصرفه من حنين .وفى ثوب بالل «أتى عبد هللا بن ذى الخويصرة التميمى رسول هللا ِب ِ
ورسول هللا يقبض منها ،يعط ي الناس .فقال :يا محمد اعدل .قال" :ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد
دعني يا رسول هللا فأقتل هذا املنافق .فقال: خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ".فقال عمر بن الخطاب
َ
"معاذ هللا! أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابي .إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن ال يجاوز حناجرهم .يمرقون
أطلق لفظ منافق على منه كما يمرق السهم من الرمية4»3.ووجه الشبهة في الحديث حسب زعمهم أن عمر
صحابي من صحابة رسول هللا ،مما يقدح في عدالتهم ،وهي شبهة مردودة من وجوه عدة نذكر من بينها:
َ َ َ
ال ل ُه -لفظ الصحبة في الحديث ورد بمعناه اللغوي وليس االصطالحي ،يشهد لذلك قوله تعالى﴿:ق
صاح ُب ُه َو ُه َو ُي َحاو ُر ُه َأ َك َف ْر َت ب َّالذي َخ َل َق َك م ْن ُت َراب ُث َّم م ْن ُن ْط َفة ُث َّم َس َّو َ
اك َر ُجال﴾(الكهف،آ )37:فالصحبة في َ
ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
اآلية هي صحبة الزمان واملكان ال صحبة اإليمان ،وكذلك الصحبة في الحديث الشريف النتفاء شرط اإليمان
والتصديق عن املنافقين ،قال ابن حجر رحمه هللا ":وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي :من لقي النبي
مؤمنا به ،ومات على اإلسالم...ويخرج بقيد «اإليمان» من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة
5
أخرى".
1أضواء على السنة ملحمود أبو رية (ص )356 ،354 :د املعارف ،القاهرة.
2الجعرانة :موضع معروف بين مكة والطائف ،فتح الباري البن حجر ()98 /1
ً
سريعا في الرمية وخرج ،ولم يعلق به من -3الرمية :هي الطريدة التي يرميها الصائد ،وهي كل دابة مرمية ،ونقول :يمرق السهم من الرمية :يعنى أنه مر مرا
الفرث والدم ش يء ،فشبه خروجهم من الدين ولم يتعلق منه ش يء بخروج ذلك السهم .شرح صحيح البخارى البن بطال ( )592 /8ت :أبو تميم ياسر
بن إبراهيم ،مكتبة الرشد ،الرياض ،ط1423/2:هـ 2003 -م،
4أخرجه مسلم في كتاب الزكاة ،باب ذكر الخوارج وصفاتهم ،رقم)171 -170/4( 1063 :
5اإلصابة في تمييز الصحابة البن حجر ()158 /1
51
صفة النفاق على من صدر منه فعل نفاق وإن كان مؤمنا في الحقيقة من شدة غيرته إطالق عمر -
يقره أو يرده بحسب الحالة واملوقف ،يؤكد هذا أن عمر أطلق هذا الوصف على على الدين ،وقد كان النبي
أناس كانوا منافقين فعال كما في حالة ذي الخويصرة ،دل على ذلك قول النبي «:إن هذا وأصحابه يقرؤون
القرآن ال يجاوز حناجرهم .يمرقون منه كما يمرق السهم من َّ
الرمية 1».كما أطلقها على أناس بريئين منها ،فصحح
لعمر« :إنه شهد بدرا ،وما يدريك لعل كما حدث في قصة حاطب بن أبي بلتعة ،حيث قال النبي له النبي
هللا اطلع على من شهد بدرا ،قال :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم 2».يقول ابن تيمية رحمه هللا ":قد تحصل
للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ،وال يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي
بلتعة ملا كاتب املشركين ببعض أخبار النبي ... ،فكان عمر متأوال في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها 3".أما
أنه كان يعلم املنافقين بأعيانهم فال ،بل كان يسأل حذيفة عن نفسه ،ألن حذيفة هو الوحيد الذي أعلمه النبي
بأسماء املنافقين.
املنافقون لم يكونوا مجهولي ن في مجتمع الصحابة الكرام ،وإنما كانوا معلومين إما بأعيانهم أو بأوصافهم -
التي ذكرها هللا عز جل في سورة التوبة ،فأين هذه الفئة املنافقة ممن أثبت هللا لهم في كتابه نقيض صفات
املنافقين ،حيث أخبر عن رضاه عنهم من فوق سبع سماوات وجعلهم خير أمة أخرجت للناس.
ثانيا :شبهة استحالل الصحابة دم بعضهم البعض
اتخذ أدعياء العلم 4من األحداث التاريخية العصيبة التي مرت بالصحابة في موقعتي الجمل وصفين مادة
ً
دسمة للطعن في دين الصحابة وعدالتهم مستدلين بقوله «:ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب
«:سباب املسلم فسوق وقتاله كفر 6».وزعموا أن الصحابة استحل بعضهم دماء بعض في بعض 5».وقوله
صفين والجمل.
والحقيقة أن ال حجة لهم في الحديث ،وال في الفتن التي وقعت بين سلفنا الصالح رضوان هللا عليهم أجمعين:
1سبق تخريجه.
2أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ،باب الجاسوس ،رقم)59 /4( 3007 :
3مجموع الفتاوى البن تيمية ()523 /7
4ومن بينهم :طه حسين في كتابه":الفتنة الكبرى (عثمان) (ص )170:د املعارف القاهرة ،وأحمد حسين يعقوب في نظرية عدالة الصحابة (ص)53:
مركز األبحاث العقائدية إيران ،و محمود أبو رية في أضواء على السنة النبوية (ص)354 :
ً
5أخرجه البخارى في كتاب الفتن ،باب قول النبى ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ،رقم ،)29/13( 7080:ومسلم في كتاب
ً
اإليمان ،باب بيان معنى قول النبى ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ،رقم )332/1( 65:من حديث جرير بن عبد هللا رض ي هللا
عنه.
6أخرجه البخارى في كتاب اإليمان ،باب خوف املؤمن من أن يحبط عمله وهو ال يشعر ،رقم )135/1( ،48 :ومسلم في كتاب اإليمان،باب:بيان قول
النبى سباب املسلم فسوق وقتاله كفر ،رقم )330/1( 64 :من حديث ابن مسعود رض ي هللا عنه.
52
فقوله " :ال ترجعوا بعدي" .بصيغة التحذير من قتال املؤمن ،وإطالق الكفر على قتال املؤمن محمول -
على معاني متعددة ،من بينها املبالغة في النهي من ذلك لينزجر السامع عن اإلقدام عليه وليس ظاهر اللفظ
ً
مرادا ،أو أنه على سبيل التشبيه ألن ذلك فعل الكافر .واملعنى ال تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل
ً 1
بعضهم بعضا.
كما أن ما جرى بين الصحابة رض ي هللا عنهم من قتال لم يكن عن استحالل له حتى يحمل الحديث على -
ظاهره وأن قتالهم كفر ،فقد سمى هللا املؤمنين إخوة ووصفهم باإليمان مع وجود االقتتال بينهم ،والبغي من
َ ُْ َ بعضهم على بعض .قال تعالىَ ﴿ :وإ ْن َطائ َف َتان م َن ْاملُ ْؤمن َين ْاق َت َت ُلوا َف َأ ْ
ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ف ِإ ْن َب َغ ْت ِإ ْح َد ُاه َما َعلى األ ْخ َرى ِِ ِ ِ ِ ِ
َّ َ ْ ُ ْ َ َّ َّ ُ ْ َ ْ ْ يء إ َلى َأ ْمر َّللا فإن ف َاءت فأ ْ
َ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ُ َّ َ ْ َ َّ َ َ
ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ِبال َعد ِل َوأق ِسطوا ِإن َّللا ُي ِح ُّب املق ِس ِطين ِإن َما ِ ِ ِ فقا ِتلوا ال ِتي تب ِغي حتى ت ِف ِ
َ ْ ُ ْ ُ َن ْ َ ٌ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ ُ
َّللا ل َعلك ْم ت ْر َح ُمون﴾(الحجرات،آ )10-9يقول اإلمام ابن تيمية املؤ ِمنو ِإخوة فأص ِلحوا بين أخويكم واتقوا
ال يخلوا :إما أن يكونوا عصاة ،أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين ،وعلى رحمه هللا" :والذين قاتلوا اإلمام علي
كل تقدير ،فهذا ال يقدح في إيمانهم ،وال في عدالتهم ،وال يمنعهم الجنة ،بما سبق من تصريح القرآن الكريم ،من
تسميتهم إخوة ،ووصفهم بأنهم مؤمنون 2".ولهذا اتفق أهل السنة على أنه ال تفسق واحدة من الطائفتين ،وإن
قالوا في إحداهما أنهم كانوا بغاة ،يقول اإلمام اآلمدي رحمه هللا ":فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن
على أحسن حال ،وإن كان ذلك إنما ملا أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه ،وأنه أوفق
3
للدين وأصلح للمسلمين".
أضف إلى ذلك أن جمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن والخوض فيها كما قال محمد بن -
4
عشرة آالف فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثالثين". سيرين" :هاجت الفتنة وأصحاب رسول هللا
يتبين مما سبق أن كل فريق من الصحابة اجتهد ،وعلى تقدير اإلصابة أو الخطأ في االجتهاد فإن الشهادة
5
والرواية من الفريقين ال تكون مردودة ،إما بتقدير اإلصابة فظاهر ،وإما بتقدير الخطأ مع االجتهاد فباإلجماع.
يقول اإلمام الجوينى رحمه هللا":أما التوقف في تعديل كل نفر من الذين البسوا الفتن ،وخاضوا املحن ،ومتضمن
هذا االنكفاف عن الرواية عنهم ،فهذا باطل من دين األمة ،وإجماع العلماء على تحسين الظن بهم ،وردهم إلى ما
1البرهان في أصول الفقه لعبد امللك الجويني ( )242 -241/1ت :صالح بن محمد بن عويضة ،د :الكتب العلمية بيروت( ،ط 1418/1:هـ 1997-م)
، 2فتح املغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي للسخاوى ()96/3
3حديث منكر ،أخرجه ابن عدى في الكامل ( ،)1371/4وفى إسناده(:صالح بن حيان القرش ى) وقد ضعفه املحدثون ،كما تراه في ترجمته فى :الجرح
والتعديل ( )398/4رقم ،1739 :واملجروحين البن حبان ( ،)365/1وقد تتبع األستاذ عبد الفتاح أبو غدة هذا الحديث برواياته املتعددة في كتابه
"ملحات من تاريخ السنة" تحت عنوان "بطالن األحاديث الدالة على وجود الكذب على النبى في حياته (ص )65 – 56 :مكتبة املطبوعات اإلسالمية،
حلب ،ط1404 /1:هـ 1984م،
4منهج نقد املتن عند علماء الحديث لصالح الدين األدلبي (ص )40 :د اآلفاق الجديدة ،بيروت.
5السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ملصطفى السباعي ( )75 /1املكتب اإلسالمي ،بيروت(،ط 1402 /3:هـ 1982 -م)
54
وقد اتهم املستشرقون الرعيل األول من الصحابة بوضع األحاديث ،يقول جولد تسيهر":وال نستطيع أن نعزو
األحاديث املوضوعة لألجيال املتأخرة وحدها بل هناك أحاديث عليها طابع القدم ،وهذه إما قالها الرسول ،أو هي
1
من عمل رجال اإلسالم القدامى".
وقد تابعهم في ذلك مجموعة من تالمذتهم ومنهم أبو رية الذي طالب بوضع الصحابة في ميزان الجرح والتعديل
كما يوضع غيرهم ،فقال":أوجب العلماء البحث عن رواة الحديث فجرحوا من جرحوا ،وعدلوا من عدلوا ،وهم
على حق في ذلك إذ ال يصح أن يؤخذ قول أي إنسان مهما كان بغير تمحيص وتحقيق ونقد ،وعلى أنهم قد جعلوا
جرح الرواة وتعديلهم واجبا تطبيقه على كل راو مهما كان قدره ،فإنهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة فلم
يتجاوزوها ،إذ اعتبروهم جميعا عدوال ال يجوز عليهم نقد ،وال يتجه إليهم تجريح ،ومن قولهم في ذلك :إن
بساطهم قد طوي ،ومن العجيب أنهم يقفون هذا املوقف ،على حين أن الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضهم
بعضا 2".واستدلوا بحديث بريدة السابق ،ودعموا موقفهم بروايات أخرى فيها تخطئة بعض الصحابة لبعضهم،
ً ً
واستشهادهم بذلك على أنهم كانوا يشكون في صدق بعضهم بعضا ،وأنهم كانوا ِ
يكذب بعضهم بعضا.
وعلى فرض صحة هذه الروايات فليس فيها ما يطعن في عدالة الصحابة رض ي هللا عنهم ،إذ كان معهم
منافقون ،فال يبعد أن يكون الرجل الوارد في تلك الروايات واحد من املنافقين ،وبذلك قال اإلمام ابن حزم رحمه
يكذب عليه هللا ،فبعد أن روى الحديث السابق من رواية بريدة رض ي هللا عنه ،قال" :فهذا من كان في عصره
كما ترى ،فال يقبل إال من سمى وعرف فضله 3".وقبل ذكره للحديث قال" :وقد كان في املدينة في عصره عليه
ً
السالم منافقون بنص القرآن ،وكان بها أيضا من ال ترض ى حاله "كهيت" املخنث الذي أمر عليه السالم بنفيه،
4
والحكم ابن أبى العاص الطريد وغيرهما ،فليس هؤالء ممن يقع عليهم اسم الصحابة".
وكيف يمكننا أن نجوز اتهام الصحابة العدول الثقات بالكذب وعشرات من اآليات القرآنية ،وعشرات أخرى
من األحاديث النبوية تزكيهم وتصفهم بالصدق ،واإلخالص ،والتقوى؟
بل إنه كما يقول الدكتور السباعى رحمه هللا تعالى" :ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول هللا
الذين فدوا الرسول بأرواحهم وأموالهم وهجروا في سبيل اإلسالم أوطانهم وأقرباءهم ،وامتزج حب هللا وخوفه
مهما كانت بدمائهم ولحومهم :ليس من السهل أن نتصور هؤالء األصحاب يقدمون على الكذب على رسول هللا
5
الدواعي إلى ذلك".
1العقيدة والشريعة في اإلسالم إلجناتس جولدتسيهر ،ترجمة محمد يوسف موس ى وعبد العزيز عبد الحق ،وعلي حسين عبد القادر( ،ص )50-49 :د:
الكتب الحديثة ،القاهرة ،ط1959 /1:م،
2أضواء على السنة النبوية ملحمود أبو رية (ص)315:
3السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ملصطفى السباعى (ص)76 :
4اإلحكام في أصول األحكام البن حزم ()83 /2
5السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ملصطفى السباعى (ص)93 :
55
بالكذب في الرواية. رابعا :اتهام أبي هريرة
أخذ عدد من دعاة حرية الفكر التشكيك في مرويات أبي هريرة مطية للطعن في السنة النبوية جملة
وتفصيال ،باعتبار أن أبا هريرة من املكثرين في الرواية عن رسول هللا ،وحجتهم في ذلك أن الصحابة أنفسهم
هدده بالنفي لكثرة روايته للحديث ،وكذلك عثمان وعلي وعائشة وابن قد جرموه وشكوا في مروياته ،فعمر
مسعود رض ي هللا عنهم أجمعين ،وهذه الشبه يرد عليها من وجوه.
ما يرد من ألفاظ التك ذيب على ألسنة بعضهم ،فإنما هو تخطئة بعضهم لبعض ،وبيان ما وقع فيه -
بعضهم من وهم الكالم ،وهو بهذا املعنى ال يعصم منه أحد ،ال من الصحابة ،وال ممن دونهم ،ومنه أن الزبير بن
ً
يحدث ،فجعل يقول كلما سمع حديثا" :كذب…صدق…كذب ،فسأل عروة العوام ،استمع إلى أبي هريرة
فال شك فيه، ابنه :يا أبت ما قولك :صدق …كذب .قال :يا بني أما أن يكون سمع هذه األحاديث من رسول هللا
ولكن منها ما يضعه على مواضعه ،ومنها ما وضعه على غير مواضعه 1".فالكذب هنا معناه التخطئة في فهم بعض
األحاديث ،ووضعها في غير محل االستشهاد كما صرح الزبير بن العوام ،فعدالة أبي هريرة بين الصحابة معلومة
ومكانته مصانة.
بين -استدراكات الصحابة على بعضهم البعض ال تعد تكذيبا ،ألنهم يتفاوتون في روايتهم عن النبى
ً
يغيب عنه آخرون ،فينفرد الحاضرون بما لم يسمعه مكثر ومقل ،يحضر بعضهم مجلسا للرسول
املتخلفون ،حتى يبلغوا به فيما بعد ،يشهد لذلك ما رواه الحاكم عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن البراء
،كانت لنا ضيعة وأشغال ،ولكن الناس لم يكونوا قال«:ليس كلنا كان يسمع حديث النبى بن عازب
يكذبون ،فيحدث الشاهد الغائب 2 ».ومن هذا القبيل كتاب "اإلجابة إليراد ما استدركته عائشة على الصحابة "
لإلمام بدر الدين الزركش ى.
خامسا :الطعن في عدالة غيراملجتهدين من الصحابة.
قصر البعض العدالة على املجتهدين من صحابة رسول هللا دون غيرهم ،بهدف الطعن في السنة النبوية
الشريفة لقلة املجتهدين من صحابة رسول هللا ،واستدلوا بما نسب لإلمام الغزالي رحمه هللا":لم يكن في الصحابة
من املجتهدين إال قليل وهم الخلفاء األربعة ،والعبادلة ،وزيد بن ثابت ،ومعاذ بن جبل ،ومن عرف منهم الرجوع
إليه من غير نكير 3".وهذه الشبهة مردودة من وجوه عدة ،أذكر من بينها:
1البداية والنهاية البن كثير ( )112 /8د :الفكر ،بيروت ،ط 1407/1:هـ 1986 -م
2حديث صحيح على شرط الشيخين ،أخرجه الحاكم في املستدرك كتاب العلم ،باب فضل توقير العالم ،رقم )216/1( 438 :وقال ":هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ،ولم يخرجاه ومحمد بن سالم وابنه عبد هللا محتج بهما ،فأما صحيفة إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق فقد أخرجها
البخاري في الجامع الصحيح ".ت:مصطفى عبد القادر عطا ،د :الكتب العلمية،بيروت ،ط1411 /1:ه – 1990م.
3العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم البن الوزير ( )24 /2ت :شعيب األرنؤوط ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1415/3:هـ1994-م.
56
أوال :كثرة املجتهدين من الصحابة. -
إن الصحابة املجتهدين كانوا كثرة ،ولم يكونوا قلة ،على عكس ما نقل عن اإلمام الغزالي ،وقد أشار ابن حزم
رحمه هللا إلى أن الفتيا نقلت عن مائة واثنين وأربعين رجال من الصحابة ،وعن عشرين امرأة منهم 1.واملتصفح
لكتب الفقه يجد أن فتاوى فقهاء الصحابة أثرت إلى حد كبير في اختيارات أصحاب املذاهب ،بل إن قول
2
الصحابي االجتهادي اعتبر من مصادر التشريع عند عدد منهم ،ومن بينهم اإلمام مالك رحمه هللا.
ثانيا :قدرة الصحابة على الفهم واإلدراك. -
لقد نزل القرآن بلغة العرب ولسانهم جاريا على معهودهم في الكالم ،فكل من كان من لسان العرب متمكنا
كان للقرآن أشد فهما ،وأحسن إدراكا ،وال يعلم أحد أفصح لسانا وال أقوم خطابا من أهل القرون األولى وخاصة
صحابة رسول هللا ،فإنهم عرب فصحاء لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم ،فهم أعرف في فهم
الكتاب والسنة من غيرهم ،فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة .أضف إلى
ذلك مباشرتهم للوقائع والنوازل ،وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة ،فهم أقعد في فهم القرائن الحالية ،وأعرف
بأسباب التنزيل ،ويدركون ما ال يدركه غيرهم بسبب ذلك ،والشاهد يرى ما ال يرى الغائب ،فمتى جاء عنهم تقييد
3
بعض املطلقات أو تخصيص بعض العمومات فالعمل عليه صواب.
ثالثا :االجتهاد ليس شرطا في العدالة ،فقد تقدم تعريف العدالة ،واالجتهاد ليس شرطا في تحققها. -
تبين من خالل هذا املبحث وهن وضعف الشبه التي وجهت للنيل من عدالة الصحابة رض ي هللا عنهم
وأرضاهم ،وهي تدل على حقد دفين على اإلسالم ونواته األولى التي ساهمت إلى حد كبير في نشره والحفاظ على
تعاليمه ،وأنتقل في املبحث املوالي لبيان معالم املنهج الذي سلكه الصحابة في تلقي الحديث النبوي الشريف
وروايته زمن الخالفة الراشدة لنقتفي أثرهم في الحفاظ على ثوابت هويتنا ومقوماتنا الحضارية.
املطلب الرابع :وسائل الصحابة في تلقي الحديث النبوي الشريف.
وحاملي لقد استشعر الصحابة رض ي هللا عنهم عظم األمانة واملسؤولية التي أنيطت بهم ،فهم ورثة النبي
رسالته من بعده إلى اآلفاق ،بغية إخراج العباد من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور اإليمان والتوحيد ،وانتشالهم
من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،يدل على ذلك حرصهم الشديد على أن اليفوتهم ش يء من كالم رسول هللا
2شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص ،)445:ت:طه عبد الرؤوف سعد ،شركة الطباعة الفنية املتحدة( ،ط 1393/1:هـ 1973 -م)
3املوافقات في أصول الشريعة إلبراهيم بن موس ى اللخمي الغرناطي الشاطبي املالكي ( )337/3ت :عبد هللا دراز ،د:املعرفة بيروت -.ترتيب املدارك
وتقريب املسالك ملعرفة أعالم مذهب مالك للقاض ي عياض بن موس ى اليحصبي ( )58/1ت :ابن تاويت الطنجي ،مطبعة فضالة ،املحمدية1965 .،م
57
حتى يبلغوه كما سمعوه ،وهذا املبحث يتغيى بيان أهم الوسائل التي أعملوها في سبيل تلقي الحديث النبوي
الشريف.
أوال :السماع املباشروالسؤال عند عدم الفهم.
،فعن عمر بن مع جاره حيث كانا يتناوبان في حضور مجالس رسول هللا يشهد لذلك قصة عمر
أنه قال«:كنت أنا وجار لي من األنصار من بني أمية بن زيد – وهي من عوالي املدينة – وكنا نتناوب الخطاب
ً ً
النزول على رسول هللا ،ينزل يوما وأنزل يوما ،فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ،وإذا نزل فعل
مثل ذلك 1».وكما هو معلوم فإن التلقي املباشر من أقوى وسائل اإلخبار ،لذلك حرص جميعهم على نيل فضل
السماع املباشر من النبي حتى النساء كانت لديهن همة عالية في ذلك ،فقد روى البخاري عن أبي سعيد
ً ً
قال«:قالت النساء للنبي :غلبنا عليك الرجال ،فاجعل لنا يوما من نفسك ،فوعدهن يوما لقيهن فيه ،فوعظهن
ً
تقدم ثالثة من ولدها إال كان لها حجابا من النار .فقالت امرأة:
وأمرهن ،فكان فيما قال لهن :ما منكن امرأة ِ
2
واثنتين ،فقال :واثنتين».
ولم تقتصر همة الصحابة رضوان هللا عليهم على سماع الحديث فقط ،بل سمت إلى فهمه ،واستيعابه،
عما أشكل عليهم أولم يفهموه ،وقد كانت هذه األسئلة سببا في حفظ كثير وتبليغه ،لذلك كانوا يسألون النبي
على النبي ،ليتوثق في وفود ضمام بن ثعلبة من العلم ونقله إلى األمة كافة ،من ذلك حديث أنس
إلى قومه ،حيث قال ضمام للنبي «:يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك من نقل الرسول الذي أرسله النبي
هللا .قال :فمن خلق األرض؟ قال :هللا .قال: تزعم أن هللا أرسلك؟ قال :صدق .قال :فمن خلق السماء؟ قال
فمن نصب هذه الجبال ،وجعل فيها ما جعل؟ قال :هللا .قال :فبالذي خلق السماء وخلق األرض ونصب هذه
الجبال آهلل أرسلك؟ قال :نعم .قال :وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا ،وليلتنا ،قال« :صدق» ،قال:
فبالذي أرسلك ،آهلل أمرك بهذا؟ قال« :نعم» ،قال :وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ،قال« :صدق» ،قال:
فبالذي أرسلك ،آهلل أمرك بهذا؟ قال« :نعم» ،قال :وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ،قال:
«صدق» ،قال :فبالذي أرسلك ،آهلل أمرك بهذا؟ قال« :نعم» ،قال :وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع
إليه سبيال ،قال« :صدق» ،قال :ثم ولى ،قال :والذي بعثك بالحق ،ال أزيد عليهن ،وال أنقص منهن ،فقال النبي :
3
«لئن صدق ليدخلن الجنة»
3أخرجه اإلمام البخاري في كتاب العلم ،باب ما جاء في العلم .وقوله تعالى( :وقل رب زدني علما) (طه )114 :رقم )22/1( 63:واإلمام مسلم في كتاب
اإليمان ،باب في بيان اإليمان باهلل وشرائع الدين ،رقم )41 /1( 12 :واللفظ ملسلم .
58
ثانيا :الحفظ واملذاكرة
كان الصحابة رض ي هللا عنهم أحرص الناس على حفظ السنة وضبطها ،إليمانهم بأن ما يحدثهم به رسول هللا
لم يكن بهدف التسلية أو الترف الفكري ،وإنما إنما هو وحي من عند هللا تعالى ،فسماعهم من رسول هللا
في حديثه األثر الواضح في تمكين كان للتحمل والتعلم والحفظ والتدوين والتبليغ ،كما كان ألسلوب النبي
السامعين من حفظه وتدبره ،إذ تميز بالهدوء واألناة ،وقصر جمله وإعادتها عدة مرات ،تقول أم املؤمنين عائشة
حديثا لو عده العاد ألحصاه 1».وقالت ًً
أيضا« :ما كان رسول هللا يسرد سردكم رض ي هللا عنها«:كان يحدث
2
هذا ،ولكنه كان يتكلم بكالم يبينه فصل يحفظه من جلس إليه».
كما حرصوا رض ي هللا عنهم على مذاكرة الحديث النبوي الشريف رغبة منهم في سماع ما لم يسمعوه مباشرة
من رسول هللا ،أو فهم ما أشكل عليهم من دقائق الحديث مما يمكنهم من التحليل واستنباط األحكام منه .ومن
ذلك ما رواه ابن عباس رض ي هللا عنهما ،قال « :جلست إلى عمر بن الخطاب فقال :يا ابن عباس إذا اشتبه على
الرجل في صالته فلم يدر أزاد أم نقص؟ قلت :وهللا يا أمير املؤمنين ،ما أدري ما سمعت في ذلك شيئا فقال عمر:
وهللا ما أدري ،قال :فبينما نحن على ذلك إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال :ما هذا الذي تذاكران؟ فقال له
يقول":إذا صلى أحدكم فشك في عمر :ذكرنا الرجل يشك في صالته كيف يصنع ،فقال :سمعت رسول هللا
صالته ،فإن شك في الواحدة واالثنتين ،فليجعلهما واحدة ،وإن شك في االثنتين والثالث ،فليجعلهما اثنتين ،وإن
شك في الثالث واألربع ،فليجعلهما ثالثا ،حتى يكون الوهم في الزيادة ،ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ،ثم
3
يسلم».
قال«:تذاكروا كما وجه الصحابة رض ي هللا عنهم طالب العلم إلى املذاكرة وشجعوهم عليها فعن علي
5 4
هذا الحديث ،وتزاوروا ،فإنكم إن ال تفعلوا ،يدرس ».
رقم )190/4( 3567 :واإلمام مسلم في كتاب الزهد والرقائق ،باب :التثبت في الحديث وحكم 1أوردها البخاري في كتاب املناقب ،باب :صفة النبي
كتابة العلم ،رقم)2298 /4( 2493 :
2أخرجه الترمذي في أبواب املناقب ،باب في كالم النبي رقم )600 /5( 3639 :وقال«:هذا حديث حسن صحيح ال نعرفه إال من حديث الزهري ،وقد
رواه يونس بن يزيد ،عن الزهري»
3حديث حسن لغيره ،أخرجه اإلمام أحمد في مسند عبد الرحمن بن عوف رض ي هللا عنه ،رقم)210 /3( 1677 :
4يدرس :يمحى ،يقال :درس األثر يدرس دروسا ،أو درسه الريح تدرسه درسا ،أي :محته .تهذيب اللغة لألزهري ( )251 /12ت :محمد عوض مرعب ،د:
إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط2001 /1:م،
5حديث صحيح اإلسناد ،أخرجه الدارمي في سننه باب :مذاكرة العلم ،رقم )488 /1( 650 :ت :حسين سليم أسد الداراني ،د املغني للنشر والتوزيع،
اململكة العربية السعودية ،ط 1412/1:هـ 2000 -م
59
ثالثا :كتابة الحديث.
من املعلوم أن التدوين الرسمي للحديث النبوي الشريف لم يتم إال في القرن الثاني الهجري ،لكن هذا ال يعني
أن الصحابة لم يكتبوا شيئا من الحديث ،فقد ثبت أنه كان لبعضهم صحائف يدونون فيها كالم رسول هللا ،
وهذا ما أكده عدد من العلماء واملحققين.
1
ومن بينهم الدكتور مصطفى السباعي رحمه هللا الذي حاول التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة،
واإلذن بها 2،إذ حمل أحاديث النهي على أنه نهي عن التدوين الرسمي لها كما كان يدون القرآن ،وأما اإلذن فهو
محمول على السماح بتدوين نصوص من السنة لظروف ومالبسات خاصة أو لبعض الصحابة الذين كانوا
3
يكتبون السنة ألنفسهم.
نجد: ومن الصحائف التي كتبها الصحابة رض ي هللا عنهم في حياة النبي
-الصحيفة الصادقة :التي كتبها عبد هللا بن عمرو بن العاص ،وقد انتقلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو بن
شعيب ،وأخرج اإلمام أحمد في مسند عبد هللا بن عمرو من كتابه املسند قسما كبيرا من أحاديث هذه الصحيفة
4
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
-صحيفة علي بن أبي طالب :وهي صحيفة صغيرة تشتمل على العقل -أي مقادير الديات -وعلى أحكام فكاك
األسير ،وقد أخرج نبأها البخاري وغيره عن أبي جحيفة قال :قلت هل عندكم كتاب؟ قال :ال ،إال كتاب هللا ،أو
فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة .قال قلت :فما في هذه الصحيفة؟ قال العقل ،وفكاك األسير،
5
وأن ال يقتل مسلم بكافر.
-صحيفة سعد بن عبادة :فقد أخرج الترمذي في سننه ،عن ابن سعد بن عبادة قوله :وجدنا في كتاب سعد أن
6
قض ى باليمين والشاهد. النبي
عن رسول هللا « :ال تكتبوا عني ،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» .أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق ،باب: 1عن أبي سعيد الخدري
التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ،رقم)2298 /4( 3004 :
قال« :ما من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني ،إال ما كان من عبد هللا بن عمرو ،فإنه كان يكتب وال 2عن أبي هريرة
أكتب» أخرجه البخاري في كتاب العلم ،باب :كتابة العلم ،رقم)34 /1( 113 :
3السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ملصطفى السباعي ()61 /1
4أخرجها اإلمام أحمد في مسند املكثرين من الصحابة ،مسند عبد هللا بن عمرو بن العاص)7 /11(،
5أخرجه اإلمام البخاري في كتاب العلم ،باب :كتابة العلم ،رقم)33 /1( 111 :
6أخرجه الترمذي في أبواب األحكام،باب:ما جاء في القضاء باليمين مع الشاهد،رقم)20/3(1343:وقال:حديث حسن غريب
60
إلى ملوك وأمراء عصره يدعوهم فيها إلى اإلسالم :ككتابه إلى هرقل ملك الروم ،وإلى املقوقس بمصر، -كتبه
إضافة إلى عقوده ومعاهداته التي أبرمها مع الكفار :كصلح الحديبية ،وصلح تبوك ،وصحيفة املعاهدة التي
1 ُ
أبرمت في املدينة بين املسلمين وبين من جاورهم من اليهود.
مما يدفع الشبهة التي يتداولها وغير ذلك مما كتب في عهده ،وهو كاف إلثبات تواتر الكتابة في عهده
بعض املشككين في السنة النبوية املشرفة والطاعنين في كتب الحديث الصحيح ،بأنها غير موثقه ومشكوك في
صحة ما ورد فيها من أحاديث لبعد زمان تدوينها ،وهي شبهة باطلة ولم يكن لها أي أساس علمي أو تاريخي.
املطلب الخامس :منهج الصحابة في التوثق من صحة الحديث زمن الخالفة الراشدة
ً
بتبليغ حديثه ملن بعدهم حتى يبقى محفوظا وحتى ال لقد تواتر لدى الصحابة رض ي هللا عنهم أمر النبي
تضيع السنة النبوية ،فعن سماك بن حرب ،قال :سمعت عبد الرحمن بن عبد هللا بن مسعود ،يحدث عن أبيه،
قال« :سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول :نضر هللا 2امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع ،فرب مبلغ أوعى
من الكذب عليه ،حيث قال عليه الصالة والسالم«:من من سامع 3»..كما بلغهم التحذير الشديد لرسول هللا
كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار 4».ففهموا من ذلك أنه البد من الحيطة الشديدة في قبول ما يضاف
من اآلخرين ،وقد ازدادت الحاجة إلى التوثق والتأكد من الحديث بعد وفاته ،ولذلك تجلت لنا زمن إليه
الخالفة الراشدة صورة من التثبت القائم على أسس متينة كانت النواة األولى ملا يسمى باملنهج العلمي في قبول
رواية األخبار ،وتتلخص سمات منهجهم رض ي هللا عنهم فيما يلي:
أوال :التثبت والتحري
في كما رأيناه سلفا مع حديث أنس اتخذ الصحابة رض ي هللا عنهم منهج التثبت من الحديث في حياته
وفود ضمام بن ثعلبة ،وساروا على نفس النهج زمن الخالفة الراشدة ،وكان أول من احتاط في قبول األخبار أبو
تلتمس أن َّ
تورث بكر الصديق ،فقد روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر
فقال « :ما لك في كتاب هللا ش يء ،وما لك في سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ش يء ،فارجعي حتى أسأل
1أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ،باب كتاب النبي صلى هللا عليه وسلم إلى كسرى وقيصر ،رقم )8/6( 4424 :وابن أبي شيبة في املصنف،
كتاب املغازي ،باب :ما ذكر في كتب النبي عليه السالم وبعوثه ،رقم )346/7( 36628:ت:كمال يوسف الحوت ،مكتبة الرشد ،الرياض ،ط1409 /1:
2نضر هللا :تفيد الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة يقال بتخفيف الضاد وتثقيلها وأجودهما التخفيف ،معالم السنن للخطابي( )187/4املطبعة
العلمية ،حلب.ط 1351 /1:هـ 1932 -م،
3حديث حسن صحيح ،أخرجه الترمذي في أبواب العلم ،باب :ما جاء في الحث على تبليغ السماع ،رقم )331/4( 2657 :ت أحمد شاكر ،د :إحياء
التراث بيروت .واإلمام أحمد في مسند املكثرين من الصحابة ،مسند عبد هللا بن مسعود ،رقم )221/7( 4157 :وابن ماجة في كتاب :اإليمان وفضائل
الصحابة والعلم ،باب :من بلغ علما ،رقم)85 /1( 232 :
4أخرجه اإلمام البخاري في كتاب الجنائز ،باب :ما يكره من النياحة على امليت ،رقم )80/2( 1291:واإلمام مسلم في باب :التحذير من الكذب على
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،رقم)10/1( 3 :
61
الناس ،فسأل الناس فقال املغيرة بن شعبة«:حضرت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأعطاها السدس ».فقال
أبو بكر :هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة األنصاري ،فقال مثل ما قال املغيرة بن شعبة ،فأنفذه لها أبو
1
بكر».
قال«:كنا في ومن ذلك أيضا قصة عمر مع أبي موس ى األشعري رض ي هللا عنهما ،فعن أبي سعيد الخدري
مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موس ى األشعري مغضبا (وفي رواية فزعا أو مذعورا) حتى وقف فقال :أنشدكم
ُ
هللا! هل سمع أحد منكم رسول هللا يقول" :اإلستئذان ثالث ،فإن أذن لك وإال فارجع؟ قال :أبي وما ذاك؟ قال:
استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثالث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ،ثم جئته اليوم ،فدخلت عليه ،فأخبرته
ً
أني جئت باألمس فسلمت ثالثا ،ثم انصرفت .قال قد سمعناك ونحن حينئذ في شغل .فلو استأذنت حتى يؤذن
لك؟ قال :استأذنت كما سمعت رسول هللا .قال :فوهللا ألوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على
ُ
هذا؟ فقال أبي بن كعب :فوهللا ال يقوم معك إال أحدثنا سنا .قم يا أبا سعيد .فقمت حتى أتيت عمر ،فقلت :قد
2
يقول هذا». سمعت رسول هللا
ثانيا :االحتياط في التحديث
يعتبر عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه من أشد الصحابة احتياطا في التحديث وتحذيرا من اإلكثار في الرواية،
ً ً
يقول اإلمام ابن قتيبة" :كان عمر أيضا شديدا على من أكثر الرواية ،أو أتى بخبر في الحكم ال شاهد عليه ،وكان
يأمرهم بأن يقلوا الرواية ،يريد بذلك أال يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من املنافق
والفاجر واألعرابي ،وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول هللا ـ كأبي بكر ،والزبير ،وأبي عبيدة،
ً ُّ
والعباس بن عبد املطلب ـ يقلون الرواية عنه ،بل كان بعضهم ال يكاد يروي شيئا ،كسعيد بن زيد بن عمرو بن
3
نفيل ،وهو أحد العشرة املشهود لهم بالجنة".
ثالثا :العناية باإلسناد
من وسائل الصحابة في التأكد من صحة السنة النبوية عنايتهم باإلسناد ،حيث استعملوا العبارات التي تفيد
مزيدا من التوثق في الرواية ،كقول أبي عمرو الشيباني«:حدثني صاحب هذه الدار ،وأشار إلى دار عبد هللا قال:
:أي األعمال أحب إلى هللا؟ قال« :الصالة على وقتها» قلت :ثم أي؟ قال« :ثم بر الوالدين» سألت رسول هللا
قلت :ثم أي؟ قال« :ثم الجهاد في سبيل هللا» قال :حدثني بهن ولو استزدته لزادني 4».فإشارة الراوي إلى دار عبد
1حديث حسن صحيح ،أخرجه الترمذي في أبواب الفرائض ،باب :ماجاء في ميراث الجدة ،رقم )420 /4( 2101 :والنسائي في السنن الكبرى ،كتاب
الفرائض باب :ذكر الجدات واألجداد ومقادير نصيبهم ،رقم)111 /6( 6306 :
2أخرجه البخاري في كتاب االستئذان ،باب :التسليم واالستئذان ثالثا ،رقم ،)54/8( 6245:ومسلم في كتاب اآلداب ،باب:االستئذان ،رقم/3( 2153 :
)1694واللفظ ملسلم.
3تأويل مختلف الحديث البن قتيبة (ص )30:املكتب االسالمي ،بيروت ،ط1419/2:هـ 1999 -م
4أخرجه مسلم في كتاب اإليمان ،باب :بيان كون اإليمان باهلل تعالى من أفضل األعمال ،رقم)90 /1( 85 :
62
من باب التأكيد على نقله عن ابن مسعود ،قال ابن دقيق العيد ":قوله " حدثني صاحب هللا بن مسعود
هذه الدار " دليل على أن اإلشارة يكتفى بها عن التصريح باالسم ،وتنزل منزلته إذا كانت معينة للمشار إليه،
1
مميزة عن غيره"..
ومن ذلك ما رواه السائب بن يزيد ابن أخت نمر ،أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد هللا بن السعدي
أخبره :أنه قدم على عمر بن الخطاب في خالفته ،فقال له عمر«:ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعماال،
فإذا أعطيت العمالة 2كرهتها ،فقلت :بلى ،فقال عمر :فما تريد إلى ذلك ،قلت :إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير،
وأريد أن تكون عمالتي صدقة على املسلمين ،قال عمر :ال تفعل ،فإني كنت أردت الذي أردت ،فكان رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم يعطيني العطاء ،فأقول :أعطه أفقر إليه مني ،حتى أعطاني مرة ماال ،فقلت :أعطه أفقر
إليه مني ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم« :خذه ،فتموله ،وتصدق به ،فما جاءك من هذا املال وأنت غير
مشرف وال سائل فخذه ،وإال فال تتبعه نفسك 3».واملالحظ في هذا الحديث أن أربعة من الصحابة كل منهم يروي
عن اآلخر ،حيث لم يكتف كل واحد بما سمعه ولم يرفعه مباشرة إلى رسول هللا ،وإنما بين الطريق الذي وصل
إليه به الحديث.
وهذا ما أكده اإلمام النووي في شرحه للحديث بقوله ":هذا الحديث فيه أربعة صحابيون يروي بعضهم عن
بعض وهم عمر وابن السعدي وحويطب والسائب رض ي هللا عنهم ،وقد جاءت جملة من األحاديث فيها أربعة
4
صحابيون يروي بعضهم عن بعض".
رابعا :نقد متن الحديث
كان للصحابة رضوان هللا عليهم فضل السبق في وضع الضوابط األساسية التي يمكن بواسطتها الحكم على
متن الحديث النبوي إذا استدعى النظر ذلك ،ومن بين أهم هذه الضوابط أذكر:
عرض السنة على القرآن الكريم: أ-
القرآن الكريم هو املصدر األول والسنة النبوية خادمة وشارحة له ،وال يمكن للفرع أن يخالف األصل أو
يناقضه ،فإذا ما وجد تعارض بين ظاهر القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ،فال يعدو أن يكون تعارضا
ظاهريا غير حقيقي ،يمكن أن ينشأ عن أسباب أخرى كخطإ الراوي أو سهوه ،أو عدم فهم املراد من اللفظ.
وقد أعمل الصحابة الكرام هذا الضابط في نقد متن الحديث والحكم عليه ،ومن بينهم عمر بن الخطاب
في رفضه لخبر فاطمة بنت قيس في نفقة املبتوتة حيث شهدت عند عمر بن الخطاب أنها كانت مطلقة
1ابن دقيق العيد ،إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ( )162 /1مطبعة السنة املحمدية.
2العمالة :األجرة ،وفيه بيان جواز أخذ العامل األجرة بقدر مثل عمله فيما يتواله من األمر.امعالم السنن للخطابي ()7 /3
3أخرجه البخاري في كتاب :األحكام ،باب :رزق الحكام والعاملين عليها ،رقم )68/9( 7163:ومسلم في كتاب :الزكاة ،باب :إباحة األخذ ملن أعطي من غير
مسألة وال إشراف ،رقم )723 /2( 1045 :واللفظ للبخاري.
4شرح النووي على مسلم ()136 /7
63
َ
نفقة وال سكنا ،فرد شهادتها وقال":الندع كتاب هللا -يقصد قوله تعالى﴿ال الثالث فلم يجعل لها رسول هللا
ُت ْخر ُج ُ
وه َّن ِم ْن ُب ُي ِوت ِه َّن ﴾ (الطالق،آ - )1:وال سنة نبينا لقول امرأة ال ندري لعلها حفظت أو نسيت 1".وكذلك ما ِ
روي عن أم املؤمنين عائشة رض ي هللا عنها في رفضها لخبر عمر وابنه عب د هللا في حديث "تعذيب امليت ببكاء أهله
2
عليه" حيث قالت" :يغفر هللا ألبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نس ي أو أخطأ".
ب -عرض السنة على السنة:
ً
كما تم نفي وجود التعارض بين السنة الصحيحة والقرآن الكريم .أيضا ننفي وجود تعارض حقيقي بين
حديثان بإسنادين األحاديث النبوية الصحيحة ،قال اإلمام ابن خزيمة" :ال أعرف أنه روي عن رسول هللا
3
صحيحين متضادان ،فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما".
وقد اعتمد الصحابة هذا الضابط كأساس من أسس توثيق السنة ،وتمييز الصحيح من غيره ،يشهد لذلك
ما أخرجه الترمذي عن سليمان بن يسار ،أن أبا هريرة ،وابن عباس ،وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا املتوفى
عنها زوجها الحامل تضع عند وفاة زوجها ،فقال ابن عباس :تعتد آخر األجلين ،وقال أبو سلمة :بل تحل حين
تضع ،وقال أبو هريرة :أنا مع ابن أخي ،يعني أبا سلمة ،فأرسلوا إلى أم سلمة زوج النبي صلى هللا عليه وسلم،
فقالت :قد وضعت سبيعة األسلمية بعد وفاة زوجها بيسير ،فاستفتت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «فأمرها
4
أن تتزوج».
خامسا :استحالف الراوي على روايته
ً
متحريا في األخذ بالحديث ،حيث أنه يستحلف من وهذا ما اشتهر به اإلمام علي كرم هللا وجهه ،فقد كان
ً
يحدثه ،وروى عنه أنه قال" :كنت إذا سمعت من رسول هللا حديثا ،نفعني هللا بما شاء أن ينفعني منه ،وكان
إذا حدثني عنه غيره استحلفته ،فإذا حلف صدقته ،وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال :سمعت رسول هللا
5 َّ ً
يقول« :ما من عبد مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر هللا إال غفر له».
الذي كان يحلف لتالميذه وهو يحدثهم عن رسول هللا ،وهو غير متهم، وكذلك عبد هللا بن مسعود
فقد أخرج البخاري بسنده إلى عبد هللا بن مسعود قوله«:وهللا الذي ال إله غيره ،ما أنزلت سورة من كتاب هللا إال
1أخرجه مسلم في كتاب الطالق ،باب املطلقة ثالثا ال نفقة لها ،رقم.)1114/2( 1480 :
2أخرجه مسلم في كتاب الجنائز ،باب :امليت يعذب ببكاء أهله عليه ،رقم)643 /2( 932 :
3الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص.)432 :
4حديث حسن صحيح ،أخرجه الترمذي في كتاب النكاح ،باب :ما جاء في الحامل املتوفى عنها زوجها تضع ،رقم)490 /3( 1194:
5أخرجه الترمذي في أبواب تفسير القرآن ،باب :ومن سورة آل عمران ،رقم )78 /5( 3006 :وقال ":هذا حديث قد رواه شعبة ،وغير واحد عن عثمان بن
املغيرة ،فرفعوه ،ورواه مسعر ،وسفيان ،عن عثمان بن املغيرة ،فلم يرفعاه ".وقال األلباني :حديث حسن.
64
أنا أعلم أين أنزلت ،وال أنزلت آية من كتاب هللا إال أنا أعلم فيم أنزلت ،ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب هللا،
1
تبلغه اإلبل لركبت إليه».
سادسا :اختبارالراوي
للتأكد من ضبط حفظه وصحة روايته ،فإذا سمعوا من أحدهم حديثا ،فإنهم كانوا يختبرونه مرة أخرى
قال:حدثنا سعيد بن تليد ،حدثني ابن وهب ،حدثني عبد الرحمن بن ليوازنوا بين الروايتين ،فعن عروة
يقول: شريح ،وغيره عن أبي األسود ،عن عروة ،قال :حج علينا عبد هللا بن عمرو فسمعته يقول :سمعت النبي
« إن هللا ال ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ،ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ،فيبقى ناس جهال،
يستفتون فيفتون برأيهم ،فيضلون ويضلون» ،فحدثت به عائشة زوج النبي ،ثم إن عبد هللا بن عمرو حج بعد
فقالت :يا ابن أختي انطلق إلى عبد هللا فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه ،فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما
2
حدثني ،فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت :وهللا لقد حفظ عبد هللا بن عمرو".
هذه بعض معالم منهج الصحابة رضوان هللا عليهم في التوثق من صحة رواية الحديث زمن الخالفة الراشدة،
وهذا ليس بغريب عن تالميذ املدرسة املحمدية فقد كانوا مصابيح ينشرون العلم والنور ،ويدعون للتثبت
من أقوال وتصرفات. واالحتراز واليقظة في كل ما ينسب إلى رسول هللا
1أخرجه البخاري في كتاب :فضائل القرآن ،باب :القراء من أصحاب النبي ،رقم)186 /6( 5002 :
2أخرجه البخاري في كتاب :االعتصام بالكتاب والسنة ،باب :ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ،رقم)100 /9( 7307 :
65
املبحث السابع :التصنيف في الجرح والتعديل.
ً
إن املؤلفات في هذا امليدان كثيرة جدا؛ ولذلك فإن الناظر في عناوينها فقط ليندهش أمام هذه الكثرة الوافرة.
ويقف مندهشا أيضا أمام ما فيها من ضبط وتدقيق في التعريف بالرواة وبأحوالهم وغير ذلك .لقد وضعت هذه
املؤلفات في تاريخ الفكر اإلسالمي واإلنساني مسالك للنظر وقواعد للنقد ومثاال للنقد العلمي النزيه .ولم تكن
أبدا مجرد حشد ألسماء األعالم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ...و"إنما هو اتجاه يؤكد أن كل فكرة إنما
1
تتكون وفقا التجاهات الرجال الذين يحملونها"يحملها رجال ،وأن هذه الفكرة َّ
يمكن أن نجمل كتب الرجال في قسمين كبيرين :قسم مباشر في أحوال الرواة ،وقسم غير مباشر :فأما األول
ففيه أنواع ثالثة:
أ -كتب الثقات ،وهي خاصة بأسماء الثقات من الرواة ،ككتاب "الثقات واملتثبتون" لإلمام علي بن املديني،
و"الثقات" ألحمد بن عبد هللا بن صالح البستي (ت )261:و"الثقات" البن شاهين ،و"الثقات" البن حبان.
ب -كتب الضعفاء واملتروكين ،وهي خاصة بأسماء املجروحين لبيان أحوالهم ،ككتاب "الضعفاء واملتروكين"
لإلمام يحيى بن سعيد القطان ، 2وكتاب "الضعفاء" ألبي الحسن املدائني ( ، )?225و"الضعفاء" ليحيى بن معين،
و"الضعفاء" لعلي بن املديني ،و"الضعفاء واملتروكين" ألبي زرعة الرازي ،و"الضعفاء الكبير" لإلمام البخاري،
و"الضعفاء" لإلمام الدارقطني ...
ج -كتب جامعة بين الثقات والضعفاء ،منها:
-كتب التواريخ ،أي تواريخ املحدثين ،كـ"التاريخ" لإلمام عبد هللا بن املبارك ،و"التاريخ" ليحيى بن معين،
و"التاريخ" البن املديني ،و"التاريخ" ألحمد
ابن حنبل ،و"التاريخ الكبير" للبخاري ،و"املعرفة والتاريخ" ليعقوب الفسوي ،و"التاريخ الكبير" البن أبي
خيثمة ...
-كتب الجرح والتعديل ومعرفة الرجال ،كـ"معرفة الرجال" ليحيى بن معين ،و"العلل والرجال" ألحمد بن
حنبل ،و"الجرح والتعديل" للجوزجاني ،و"الجرح والتعديل" ألحمد بن صالح العجلي ،و"الجرح والتعديل"
للعقيلي ،و"الجرح والتعديل" البن أبي حاتم الرازي... ،
هذا باإلضافة إلى كتب أخرى أفردت لبيان أحوال رواة مخصوصين ككتب املدلسين ،وكتب املختلطين ،وكتب
املعمرين ...
وأما القسم الثاني ،فعبارة عن كتب مساعدة ال تعنى ببيان أحوال الرواة مباشرة ،إنما تعنى بطبقات الرواة
وأسمائهم وأنسابهم وكناهم وغير ذلك مما يبين شخص الراوي ال حاله ،ومن هذه الكتب:
1مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب للدكتور شرف الدين علي الراجحي ص 284
2ذكره له اإلمام الذهبي في سير أعالم النبالء.183/9 ،
66
-كتب الطبقات ،كـ"طبقات ابن سعد" ،و"طبقات ابن خياط".
وكتب اإلخوة واألخوات من الرواة والعلماء ،وكتب األقران ،وكتب رواية األكابر عن األصاغر ،وكتب رواية
اآلباء عن األبناء ،ورواية األبناء عن اآلباء ،وكتب املبهمات ،وكتب من ذكر بنعوت متعددة.
-ومنها كتب األسماء والكنى ،واملتفق واملفترق ،واملؤتلف واملختلف ،إلى غير ذلك من أنواع الدراسات واألبحاث
املبينة لشخص الراوي 1،وهو أمر ينم عن ضبط وتدقيق نقاد الحديث منذ القرن األول ،وعن شمول أبحاثهم
لكل ما يتوصل به إلى معرفة شخص الراوي وتحديده من جميع النواحي الزمانية واملكانية واالسمية ...
1انظر معرفة علوم الحديث ص ... 183-152 :ومقدمة ابن الصالح والرسالة املستطرفة ص ... 122-120-114 :وكتاب الحطة في ذكر الصحاح الستة
للسيد حسن القنوجي ص ... 93-92-91 :وكتاب املنهج اإلسالمي في الجرح والتعديل لشيخنا الدكتور فاروق حمادة حفظه هللا.
67