Professional Documents
Culture Documents
المصطفى طايل
االختصاص:
إذا ترتب على الفعل الواحد المسؤوليتان الجنائية والمدنية ،أمكن رفع الدعوى المدنية أمام
المحاكم الجنائية التي تنظر في الدعوى الجنائية.
وقف الدعوى:
إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية ،ثم رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية،
يتم وقف الدعوى األولى حتى يتم الفصل في الثانية ،وذلك تطبيقا لمبدأ أن الجنائي يعقل المدني.
حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية:
إذا أصدرت المحكمة الجنائية حكمها بالعقوبة ،فإن المحكمة المدنية ال يجوز لها أن تنفي الخطأ
بعد ذلك عن الفعل الذي اعتبرته المحكمة الجنائية جريمة ثبت وقوعها.
أما إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة فإن ذلك ال يمنع القاضي المدني من إمكانية الحكم
بالتعويض على أساس الخطأ المدني.
التمييز بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية التعاقدية:
الفوارق بين المسؤولية التقصيرية و المسؤولية التعاقدية.
تختلف المسؤولية التعا قدية عن المسؤولية التقصيرية في كثير من األحكام وأهمها:
درجة الخطأ: -1
في المسؤولية التعاقدية نميز بين ما إذا كان االلتزام بتحقيق غاية كمسؤولية الناقل باألجر فإن
المسؤولية تكون قائمة عند عدم تحقق النتيجة ولو لم يثبت في حقه أي خطأ مادي مادام لم يثبت السبب
األجنبي أما إذا كان االلتزام ببذل عناية ،كمسؤولية الطبيب أو المحامي ،فإن الخطأ يقاس بمعيار
الرجل العادي ،فال تقوم المسؤولية عن الخطأ اليسير الذي ال يمكن تجنبه .أما المسئولية التقصيرية فهي
تقوم دائما على الخطأ مهما كان يسيرا أو تافها .
اإلثبات: -2
في المسؤولية التعا قدية يتحمل المدين عبء إثبات أنه قام بتنفيذ التزامه العقدي .أما في المسؤولية
التقصيرية فيتحمل الدائن عبء إثبات أن المدين قد خرق التزامه القانوني بعدم اإلضرار بالغير.
اإلعذار: -3
يشترط الستحقاق التعويض في المسؤولية التعاقدية إعذار المدين .أما في المسؤولية التقصيرية
فال يشترط هذااإلعذار.
مدى التعويض عن الضرر: -4
يشمل التعويض عن الضرر في المسؤولية التعاقدية الضرر المباشر المتوقع و يشمل استثناء
الضرر غير المتوقع .أما في المسؤولية التقصيرية فيشمل التعويض الضرر المباشر المتوقع وغير
المتوقع ولو كان الخطأ يسيرا.
اإلعفاء االتفاقي من المسؤولية: -5
يجوز مبدئيا االتفاقفي المسؤولية التعاقدية على اإلعفاء من المسؤولية كما سنرى الحقا ،بينما ال
يجوز االتفاق على ذلك في المسؤولية التقصيرية ولو كان الخطأ يسيرا.
التضامن: -6
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
رغم تعدد المسؤولين في المسؤولية التعاقدية ،فال تضامن بينهم إال باتفاق أو بنص في القانون،
أما في المسؤولية التقصيرية فإن تعدد المسؤولين يؤدي إلى تضامنهم بنص القانون.
نطاق المسؤولية: -7
وبسبب هذه الفروق الجوهرية بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية التعاقدية ،يجب تحديد
نطاق المسؤولية التعا قدية ،أما نطاق المسؤولية التقصيرية فيشمل كل ما ال يدخل في المسؤولية التعاقدية.
التقادم -8
تتقادم الدعوى الناشئة عن المسؤولية التقصيرية بانقضاء خمس سنوات تبدأ من تاريخ علم
المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسؤول عنه أو بمضي عشرون سنة من يوم وقوع العمل غير
المشروع ،أما مدة التقادم في المسؤولية التعاقدية حددت كقاعدة عامة في خمسة عشر سنة ،إالإن
هذهالقاعدة تردعليها استثناءات تختلف باختالف المقتضيات القانونية التي أبرمت العقود طبقا ألحكامها.
االختصاص القضائي: -9
بالنسبة للمسؤولية التعاقدية فإن محكمة المدعى عليه تكون هي صاحبة االختصاص ،ما لم يتفق
الطرفان على خالف ذلك ،أو عين القانون المحكمة المختصة للبت في ذلك ،أما بالنسبة للمسؤولية
التقصيرية فالمحكمة المختصة هي محكمة المدعى عليه طبقا للقاعدة المسطرية التي تستوجب سعي
المدعي إلى المدعى عليه في محكمته ،كما قد تكون المحكمة ذات اإلختصاص هي محكمة المكان الذي
وقع فيه العمل غير المشروع المنشئ لاللتزام.وذلك مع إمكان رفع الدعوى المدنية عن التعويض كدعوى
مدنية تابعة أمام المحكمة الزجرية التي تبت في الدعوى العمومية.
-10األهلية:
تستلزم المسؤولية التعاقدية توافر أهلية األداء التي يفرضها القانون الذي يحكم التصرف لكونه
يتطلب اإلرادة ،أما المسؤولية التقصيرية فتتطلب مجرد التمييز ،بل أنه يمكن مساءلة غير المميز عن
التعويض إذا لم يوجد مسؤول عنه أو تعذر الحصول من المسؤول عن التعويض .
الجمع والخيار بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية.
قد تتوافر في الفعل الواحد شروط المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية معا ،كالمكتري الذي
يرتكب إهماال يترتب عليه تلفا بالعين المكتراة ،فيكون بذلك قد أخلبالتزامه التعاقدي بالمحافظة على هذه
العين مما يرتب مسؤوليته التعا قدية ،كما يكون فيه إخالل بالتزام قانوني بعدم اإلضرار بالغير فتتوافر
بذلك شروط المسؤولية التقصيرية وعندئذ يثار التساؤل عن مدى إمكانية جمع المضرور بين نوعي
المسؤولية المدنية ،وهما المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية .
ال زالت هذه المسألة موضوع خالف بين الفقه القانوني والقضاء ،و الرأي الراجح في ذلك أنه ال
يجوز الجمع بين دعوى المسؤولية التعا قدية ودعوى المسؤولية التقصيرية معا للمطالبة بتعويض طبقا لكل
منهما ،فال يمكن للمضرور أن يطالب بتعويض الضرر الواحد عن الفعل الواحد مرتين إذ أن التعويض
يقدر حسب حجم الضرر الذي أصاب المضرور من الفعل الضار والقول بخالف ذلك يجعل المضرور
يعوض مرتين.
أما ما يتعلق بالخيار بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية ،عندما تتوافر في الفعل
الضار شروط المسؤولية الت عاقدية والمسؤولية التقصيرية في اآلن نفسه ،فهو موضوع تتجاذبه عدة أراء
حول مدى إمكانية قبول االختيار بين الدعويين حسبما يراه المضرور محققا لمصلحته.
ال زالت هذه المسألة محل خالف في الفقه والقضاء المقارن ،فيذهب البعض إلى أن المدين لم
يعرف الدائن إال عن طريق العقد المبرم بينهما ،فالعقد وحده هو الذي يحكم العالقة الناتجة عنه بما في
ذلك التعويض عن اإلخالل ببنوده.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
وأن العقد من شأنه أن يحدد التزام المدين بالتنفيذ وبالتعويض ،وهذا هو ما توافقت عليه إرادة
الطرفين ،فاختيار أحد المتعاقدين للدعوى المسؤولية التقصيرية دون دعوى المسؤولية التعاقدية فيه
مصادرة للعقد المبني أصال على توافق اإلرادتين.
ويذهب رأي آخر إلى جواز الخياربين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية إذا توافرت
شروطهما في ذات الوقت ،فليس هناك نص قانونييمنع المضرور من التمسك
بدعوى المسؤولية التقصيرية رغم توافر شروط دعوى المسؤولية التعاقدية ،وهذا الرأي هو الذي
أخد به القضاء في معظم البلدان التي تأثرت بالمدرسة الجرمانية
أما موقف التشريع المغربي ،من مسألة الخيار من عدمه بين الدعويين التقصيرية والتعاقدية،
فليس هناك نص صريح يسمح أو يستبعد إمكانية لجوء المضرور إلى االختيار .غير أنه يمكن حسب أحد
الفقه عن طريق التوسع في تفسير الفصل 468من قانون االلتزامات والعقود المغربي التوصل إلى القول
بجواز الخيار بين الدعويين ،فهذا النص قد يسمح بالحق في االختيار بين الدعويين ،بحيث إذا اختار
المدعى إحداهما ثم خسرها لسبب من األسباب ،كعدم توافر شروطها أو تقادمها ،جاز له أن يرجع إلى
الدعوى األخرى للمطالبة بحقه في التعويض.
الرأي فيما أعتقد أن هذا النص القانوني ال ينطبق على مسألة الخيار بين الدعويين التقصيرية
والتعاقدية لكون أن قانون االلتزامات والعقود المغربي أوردالفصل 468منه عند الحديث عن تأويل
االتفاقات بمعنى وجود عقد بين طرفين ،إضافة إلى أن هذا الفصل ذكر بعد الحديث عن ضرورة تبني
التفسير الضيق للعقد عندالتنازل عن الحقمما يوضح لنا أن األمر يتعلق بمسألة الخيار بين دعويين محلهما
النزاعات المتعلقة بالعقدليس إال ،والقول بخالف ذلك فيه تجاوز إلرادة الطرفين في إنشاء العقد وااللتزام
بمقتضياته.
أحكام المسؤولية عن العمل الشخصي.
القاعة العامة أن كل شخصي مسؤوال عن تصرفاته وأعماله ،وأن كل خطأ من جانبه قد يعرضه
للمساءلة القانونية عند حدوث ضرر للضحية ،مما يتبين أنه ال تقوم المسؤولية بغير الخطأ والضرر
والعالقة السببية بينهما ،فوجود األركان الثالثة للمسؤولية يترتب عنه أثارتتمثل في تعويض المتضرر
عن الضرر الذي أصابه من الفعل غير المشروع من خالل رفع دعوى المسؤولية أمام أنظار المحكمة
المختصة.
لذلك سنعمد إلى بحث الخطأ التقصيري و الضرر والعالقة السببيةكأركان المسؤولية التقصيرية
في مطلب أول ،على أن نخصص المطلب الثاني آلثار المسؤولية.
أركان المسؤولية التقصيرية.
الفقرةاألول :الخطأ التقصيري.
يجمع أغلب الفقه على تعريف الخطأ في المسؤولية التقصيرية بأنه إخالل الشخص بالتزام قانوني
مع إدراكه لهذا اإلخالل.
وطبعا هذا االلتزام القانوني يتمثل في واجب عدم اإلضرار بالغير ،وكل إخالل به يعد تعديا على
حق الغير الذي يحميه القانون وهو ما يعبر عنه بالركن المادي في الخطأ ،كما أنه ليتحقق هذا اإلخالل ال
بد وأن يكون هذا الشخص مدركا للخير والشر وقادرا على االختيار بينهما ،ومع ذلك اختار اإلضرار
بالغير ،ويعبر عن هذا اإلدراك بالركن المعنوي في الخطأ،إلى جانب أن الخطأ التقصيري يمتاز بتنوعه
رغم عدم تأثيره في قيام المسؤولية التقصيرية من عدمه إال أن وجود الخطأ ال يرتب دوما المسؤولية
أنواع الخطأ.
الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
الخطأ العمدي ويسمي بالجرم وهو الذي تنصرف فيه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل وإحداث
ضرر للغير .ويشير الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود المغربي إلى هذا الخطأ بقوله " كل فعل
ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به القانون ،فأحدث ضررا ماديا أو معنويا
للغير." . . . ،
لذلك يتعين لقيام الخطأ العمدي توافر عنصرين يتمثل العنصر األول في انصراف النية أو القصد
إلى ارتكاب الفعل ،ولكن ليس معنى ذلك ضرورة أن يصدر الفعل عن تدبير أو تفكير سابق .فقد يكون
الفعل قد جاء عرضيا أو استمرار لعادة أو صفات ذاتية.
وال يكفي تعمد الفعل بل يجب أن يكون هذا الفعل غير مشروع ،فإذا كان الفعل مشروعا فال يعتبر تعمده
خطأ ولو تعمد فاعله األضرار بالغير.
ويتمثل العن صر الثاني للخطأ العمد في انصراف إرادة الفاعل إلى نتائج هذا الفعل وهي األضرار
بالغير .فتعمد الفعل نفسه ال يكفي للقول بالخطأ العمد إذا نتجت عنه أضرار غير مقصودة ولو كانت
متوقعة.
انصراف نية الفاعل إلى اإلضرار بالغير ال يلزم لتوافرها أن يكون الضرر محددا أو مقصودا
لذاته ،أو مؤكدا أو واقعا بالفعل ،أو يكون للفاعل مصلحة في إحداث الضرر أو أن يسعى إلى تحقيق
هدف معين ،بل يكفي أن تنصرف اإلرادة إلى أحداث ضرر ما.
ويقوم الخطأ العمد ولو لم يكن في استطاعة الفاعل إدراك مدى هذا الضرر ،أو كان الضرر تافها
أو كان المقصود من الضرر هو الوصول إلى هدف أخر.
أما الخطأ غير العمد ويسمى أيضا بشبه الجرم فهو كل خطأ يقع دون توافر نية اإلضرار بالغير،
وقد أشارالفصل 78من قانون االلتزامات والعقود المغربي إلى هذا النوع من الخطأ الذي يرتكب من
غير قصد إحداث الضرر ،فالخطأ غير العمد هو إذن الفعل أو الترك الذي يقع في غفلة من اإلرادة كالسهو
أو اإلهمال.
الخطأ اإليجابي والخطأ السلبي.
تعرض المشرع المغربي لهذين النوعين من الخطأ في الفصل 78من قانون االلتزامات والعقود
المغربي حيث اعتبر أن الخطأ اإليجابي يتمثل في فعل ما كان يجب على الشخص تركه .في حين أن
الخطأ السلبي يتمثل في الترك واالمتناع ،فيكون فعل المخطأ عمال سلبيا.
ومع ذلك فاعتبار الترك أو االمتناع خطأ تقصيريا موجبا للمسؤولية ،يستلزم ضرورة وجود
واجب قانوني امتنع المسؤول عن القيام به ،فإذا لم يكن هناك واجب أصال أو كان واجبا أخالقيا فقط فال
تترتب أية مسؤولية.
غير أن امتناع القاضي عن القيام بواجبه القانوني والمتمثل في الفصل في القضايا المعروضة
عليه ،يجعله منكرا للعدالة ومخال بمقتضيات منصبه التي تفرض عليه كما أكد على ذلك قانون المسطرة
المدنية ضرورة البث في كل قضية رفعت إلى المحكمة وعدم االمتناع عن اصدار حكم أو قرار في
القضايا المرفوعة إليها ،وإال كان معرضا للمسألة وترتيب المسؤولية ،وهو ما عبر عنه الفصل 81من
قانون االلتزامات والعقود المغربي حيث نص على أن "القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا
عن هذا اإلخالل تجاه الشخص المتضرر في الحاالت التي تجوز فيها مخاصمته" .
كما قد تكون مسؤولية الشخص المعنوي العام قائمة مادام الضرر ناتجا عن تسييره وعن األخطاء
المصلحية لموظفيه ،وهو ما نص عليه الفصل 79من قانون االلتزامات والعقود المغربي حيث اعتبر أن
" الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية
لمستخدميها" .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
وفي هذا اإلطار ذهب القضاء المغربي إلى ترتيب مسؤولية الدولة عن الضرر الذي لحق بسيارة
سقطت في انهيار بالطريق العام على أساس إخالل السلطات العامة بواجبها في صيانة الطرق العامة.
كما تكون الدولة مسؤولة عن إدارة مرافقها وهو ما أكد عليه قرار لقضاء النقض الذي جاء
فيه":إن امتناع رئيس المصلحة بالمديرية اإلقليمية بوزارة األشغال العمومية عن تنفيذ الحكم المعني،
يشكل خطأ من جانبه أثناء قيامه بعمله ،وقد ترتب عن هذا الخطأ أضرار لحقت بالمدعي ،تمثلت في
حرمانه من التعويض المحكوم له به واضطراره إلى االلتجاء إلى القضاء لرفع الدعوى الحالية وتكبد
مصاري ف في سبيل ذلك ،وحيث إن الدولة تعتبر مسؤولة عن األضرار التي تنشأ مباشرة عن تسيير أي
مرفق من مرافقها اإلدارية وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها طبقا لمقتضيات الفصل 79من قانون
االلتزامات والعقود." .
الخطأ الجسيم والخطأ اليسير.
ترجع فكرة الخطأ الجسيم الى القانون الروماني ،حيث عرفه الرومان بكونه ضرب من الحمق
الزائد .كما عرفه البعض عن طريق وصف الحالة النفسية لفاعله ،من خالل وصفه بالخطأ الذي ال يصدر
من أشد الناس غباء في شؤونهم الخاصة ،في حين اعتبر البعض الخطأ الجسيم بكونه "الخطأ الذي ال
يرتكبه الشخص قليل الذكاء والعناية أو الخطأ الذي ينم عن عدم فهم ما يدركه كل الناس"
كما يتجلى الخطأ الجسيم حسب الفقيه بوتييه في "عدم بذل العناية بشؤون الغير بصورة ال تصدر من
اقل الناس حرصا ً وأشدهم غباءفي شئونهم الخاصة ،وهذا الخطأ يتعارض مع مبدأ حسن النية".
إلى أن هناك مفهوما جديدا للخطأ الجسيم ،حاول تفادي التعاريف السابقة التي كانت تربطه بشخص األقل
ذكاء واألكثر غباء ،من خالل اعتبار كل إخالل بااللتزامات القانونية على قدر كبير من األهمية يعد خطأ
جسيما.
ويذهب الفقه إلى تحديد جسامة الخطأ بمدى توقع الضرر ،فالرجل المعتاد يأخذ في عين االعتبار
نتائج تصرفه وعلى األخص مدى الضرر الذي يمكن أن يترتب على سلوكه .فلكي نصف سلوك مرتكب
الفعل غير المشروع بأنه ارتكب خطأ جسيما يجب القول بأن الرجل المعتاد الذي وجد في نفس ظروفه
الخارجية كان يجب عليه أن يتصور مدى االنحراف الخطير في سلوكه وأن يتصور النتائج الضارة لفعله
كأمر قريب االحتمال ،وبذلك كلمازاد مدى توقع الضرر كلما زادت درجة جسامة الخطأ.
ومن تم يمكننا القول أنه إذا كان الرجل المعتاد الذي يوجد في نفس الظروف الخارجية للمسؤول
يتصور احتمال وقوع ضرر من تصرفه أو فعله ،فإننا نكون بصدد خطأ جسيم .بيد أننا نكون بصدد خطأ
يسير إذا كان انحراف مرتكب الفعل عن سلوك الرجل العادي انحرافا عاديا وبسيطا ،بحيث ال يثار لديه
أي احتمال بوقوع الضرر من فعله أو تصرفه.
وال يعتد بدرجة جسامة الخطأ في قيام المسؤولية ،ولكن يعتد به من لدن القاضي عند تقدير
التعويض المحكوم به لصالح الدائن ،وهو ما أكد عليهالفصل 92من قانون االلتزامات والعقود المغربي
حيث أوجب على المحكمة عند تقديرها للتعويض مراعاة جسامة الخطأ الذي ارتكبه المدين ومدى تدليسه
أيضا.
أركان الخطأ
الخطأ هو إخالل بالتزام قانوني مقترن بإدراك المسؤول بهذا اإلخالل ،وبذلك يقوم الخطأ على
ركنين :ركن مادي يتمثل في التعدي أي الفعل الذي يتمثل في اإلخالل بااللتزام القانوني ،وركن معنوي
يتمثل في اإلدراك
العنصر المادي.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
التعدي هو اإلخالل بالتزام قانوني ،ويمكن تحديد هذا االلتزام الذي يعد اإلخالل به خطأ تقصيريا
موجبا للمسؤولية إمابمخالفة االلتزامات القانونية ،وإما باالنحراف في سلوك الفرد ،أو بالتعسف في
استعمال الحق
مخالفة االلتزامات القانونية.
إذا كان االلتزام مفروضا على الشخص بموجب نص القانون ،كان اإلخالل به إخالال يرتب
ضررا للغير ،مما يرتب المسؤولية التقصيرية .ويستوي في هذا الشأن أن يكون نص القانون مما
يفرض القيام بعمل أو باالمتناع عن القيام عمل.
ولذلك يعد خطأ موجبا للمسؤولية التقصيرية إذا عمد شخص إلى قيادة سيارته بسرعة تجاوز
السرعة القانونية متى وقع ضرر للغير.
ويمكن القول أن ن ص القانون عن عمل معين معاقب على ارتكابه في قانون الجنائي يؤدي إلى قيام
واجب قانوني على الناس بعدم ارتكابه .فإذا أخل أحد بهذا االلتزام فإنه يكون ملزما بالتعويض المدني
اتجاه من لحقه ضررا من جراء ذلك ،إلى جانب تعرضه للعقوبة المنصوص عليها قانونا.
يجوز دائما المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن جرائم كالقتل والجرح والسب والقذف
وإفشاء األسرار ،وجرائم األموال كالسرقة وخيانة األمانة والنصب ،فضال عن مخالفات حوادث السير
من لدن الشخص المتضرر من الفعل.
وال يكفي النتفاء الخطأ في مثل هذه االلتزامات القانونية المقررة بنص القانون أن يثبت الشخص
أنه قد التزم بالواجب القانوني ومع ذلك وقع الضرر ،بل يذهب القضاء إلى ضرورة القيام بالواجب
القانوني الذي تحدده القوانين بطريقة تؤدي إلى عدم اإلضرار بالغير.
وقد ذكر المشرع المغربي ببعض الحاالت الخاصة للخطأ الموجبة لترتيب المسؤولية التقصيرية،
حيث نص الفصل 83من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن " :مجرد النصيحة أو التوصية ال
تترتب عليها مسؤولية صاحبها ،إال في الحاالت اآلتية:
- 1إذا أعطى النصيحة قصد خداع الطرف اآلخر؛
- 2إذا كان بسبب تدخله في المعاملة بحكم وظيفته ،قد ارتكب خطأ جسيما ،أي خطأ ما كان
ينبغي أن يرتكبه شخص في مركزه ،ونتج عن هذا الخطأ ضرر للطرف اآلخر؛
- 3إذا ضمن نتيجة المعاملة." .
يستشف من هذا الفصل إلى أن المشرع المغربي قد قرر عدم ترتيب المسؤولية على الشخص
الذي يقدم النصح أو التوصية فجعله كمبدأ عام .غير أنه في الحالة األولى يسأل الشخص اتجاه الطرف
اآلخر مادامت النصيحة ترمي إلى خداع الطرف وبذلك يمكن اعتباره من األخطاء العمدية.
أما في الحالة الثانية فنكون أمام خطأ جسيم ناتج عن تدخل الشخص في المعاملة بحكم وظيفته
وارتكابه لخطأ ما كان ينبغي أن يقع فيه شخص في مثل وضعه مما تسبب في ضرر للطرف اآلخر.
أما في الحالة الثالثة فنكون بصدد التزام بتحقيق نتيجة المعاملة ،مما يترتب على عدم تحققها
مسؤولية تعا قدية ال تقصيرية ألنها تقوم على اتفاق بين الطرفين يلتزم بمقتضاه مقدم النصيحة أو التوصية
بتحقيق نتيجة المعاملة.
كما رتب المشرع المغربي المسؤولية التقصيرية على المنافسة غير المشروعة ،حيث ذكر بعض
الوقائع التي يمكن أن تقع بها هذه المنافسة كاستعمال اسم أو عالمة تجارية تماثل تقريبا ما هو ثابت قانونا
لمؤسسة أو مصنع معروف من قبل ،أو لبلد يتمتع بشهرة عامة ،وذلك بكيفية من شأنها أن تجر الجمهور
إلى الخلط في شخصية الصانع أو في مصدر المنتوج ،أو كأن يضاف إلى اسم إحدى السلع عبارات
أخرى مماثلة تهدف إلى إيقاع الجمهور في الخطأ.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
و في هذا اإلطار نجد الفصل 84من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أنه
"يمكن أن يترتب التعويض على الوقائع التي تكون منافسة غير مشروعة ،وعلى سبيل المثال:
- 1استعمال اسم أو عالمة تجارية 1تماثل تقريبا ما هو ثابت قانونا لمؤسسة أو مصنع معروف
من قبل ،أو لبلد يتمتع بشهرة عامة ،وذلك بكيفية من شأنها أن تجر الجمهور إلى الغلط في شخصية
الصانع أو في مصدر المنتوج.
- 2استعمال عالمة أو لوحة أو كتابة أو الفتة أو أي رمز آخر يماثل أو يشابه ما سبق استعماله
على وجه قانوني سليم من تاجر أو صانع أو مؤسسة قائمة في نفس المكان يتجر في السلع المشابهة،
وذلك بكيفية من شأنها أن تؤدي إلى تحويل الزبناء عن شخص لصالح شخص آخر.
- 3أن تضاف إلى اسم إحدى السلع ألفاظ :صناعة كذا . . .أو وفقا لتركيب كذا . . .أو أي عبارة
أخرى مماثلة تهدف إلى إيقاع الجمهور في الغلط إما في طبيعة السلعة أو في أصلها.
- 4حمل الناس على االعتقاد أن شخصا قد حل محل مؤسسة معروفة من قبل أو أنه يمثلها،
وذلك بواسطة النشرات وغيرها من الوسائل." .
االنحراف في سلوك الفرد.
ال يقتصر الركن المادي للخطأ على حاالت اإلخالل بااللتزامات المفروضة بنصوص قانونية
فقط ،بل يمتد إلى انحراف الشخص في سلوكه وهو التعدي الذي يقع من فرد يجعل تصرفه مرتبا
ألضرار اتجاه الغير.
بيد أنه من الواجب التساؤل عن ضوابط االنحراف في سلوك الفرد ،فقد يتصور قياس هذا
االنحراف بمقياس ذاتي أو شخصي ،فيؤخذ الشخص بقدر ذكائه وفطنته وظروفه الذاتية ،ولكن مثل هذا
المعيار الذاتي يتطلب بحثا ذاتيا في االعتبارات النفسية لكل مسؤول على حدة وهو ما قد يصعب على
القاضي الوصول إليه.
ومن ناحية أخرى فإن هذا المعيار الشخصي يكون غير عادل ،إذ يؤدي إلى التشدد مع الشخص
الحازم و الحريص فال تغفر له أية هفوة ،وإلى التعامل مع الشخص المهمل على ما تعوده من إهمال.
ولذلك استقر الفقه والقضاء على األخذ بمعيار موضوعي مجرد ،فيطالب كل شخص في المجتمع
بان يسلك مع الغير مسلك الرجل العاقل المتزن الحريص في سلوكه على عدم األضرار بالغير .وهذا هو
معيار الرجل المعتاد الذي كان الرومان يطلقون عليه اصطالح 'رب األسرة العاقل'.
والرجل المعتاد هو رجل من أوساط الناس ومن نفس مهنة المسؤول ،فال هو حاد الذكاء وال هو
شديد الغباء ،ويوجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل الضار .ثم كذلك نتساءل
عما كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد إذا وجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل
الضار ،فإذا جاء سلوك المسؤول مطابقا لما كان يفعله الرجل المعتاد أو يزيد عليه في الحرص فال خطأ،
وإن كان سلوك المسؤول فيه تهاون عن مسلك الرجل المعتاد عد هذا السلوك خطأ ومرتبا للمسؤولية.
كما يجب أن يكون الرجل المعتاد من نفس مهنة مرتكب الفعل الضار بحيث نقيس سلوك الطبيب
على سلوك طبيب معتاد يوجد في نفس الظروف الخارجية للطبيب المدعى عليه ،ونقيس سلوك المهندس
بسلوك مهندس آخر عادي وهكذا. . .
ويعتد القاضي في تحديد سلوك الرجل المعتاد بالظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل
الضار ،ومن هذه الظروف الخارجية ظروف الزمان والمكان .كاالعتداد بوقت وقوع الفعل الضار وما
-1انظر المادة 69وما بعدما من مدونة التجارة بخصوص العنوان التجاري؛ انظر كذلك القانون رقم 97-17المتعلق
بحماية الملكية الصناعية.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
إذا كا ن نهارا أو ليال ،صيفا أو شتاء ،وما إذا كان الجو صحوا أو كانت الرؤية غير واضحة .وكذلك
األخذ بعين االعتبار مكان وقوع الفعل الضار ،وما إذا كان في المدينة أو القرية أو في أرض خالء ،ثم
مراعاة كون المكان مكتظ أو فارغ ،وكون الطريق ضيق أو متسع ،أو غير ذلك.
و بذلك إذا أصاب سائق سيارة أحد الراجلين فإنه يكون مخطئا إذا كان سلوكه أقل حرصا مما كان
يجب أن يفعله سائق معتاد يوجد في نفس ظروف الزمان والمكان التي وقع فيها الحادث.
بيد أنه ال يعتد القاضي في تقديره لسلوك مرتكب الفعل الضار بالظروف الذاتية أو الشخصية لهذا
الم سؤول أو المدعي عليه ،فهذه الظروف الذاتية تتعارض مع معيار الشخص المعتاد ،فال يجوز للمسؤول
أن يحتج بغبائه أو جهله ،وال بظروفه الصحية كالمرض أو العصبية أو ضعف البصر أو السمع ،وال
بمكان عيشهككونه من أهل القرية أو المدينة.
كذلك ال يعتد بظروف السن أو الجنس ألنها من الظروف الذاتية ،فيحاسب الحدث والكهل بما
كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد ،وتحاسب المرأة بما كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد على أنه إذا كان
العمل من أعمال النساء فتحاسب المرأة بما كان يجب أن تفعله امرأة معتادة.
التعسف في استعمال الحق.
يمنح القانون لصاحب الحق إمكانية استعمال السلطة التي يخولها له حقه ولو ترتب على ذلك
ضرر للغير ،ولذلك ال يسأل في سلوكه عما قد يصيب الغير من ضرر ألن فعله ال يعتبر خطأ.
ولكن يدق األمر أكثر إذا كان الشخص قد أضر بغيره ال متعديا وال متجاوزا حدود الحق ،بل
أثناء ممارسة حقه يستعمل السلطة التي يخولها له هذا الحق دون تجاوز.
اهتم الفقه اإلسالمي بهذه المسألة ،فصاغ لها نظرية مهمة وهي نظرية التعسف في استعمال
الحق ،أما الفقه الغربي فقد رفض مفهوم التعسف في استعمال الحق ردحا من الزمن تحت تأثير المذهب
الفردي الذي ينكر أي قيد على اإلنسان طالما لم يتجاوز حدود الحق ولو ترتب على ذلك ضرر بالغير،
ولكن مع تراجع المذهب الفردي أمام المذهب االجتماعي ،بدأ الفقه والقضاء يأخذ بنظرية التعسف في
استعمال الحق باعتبار أن الحق يجب أن يكون مقيدا في استعماله بالغرض االجتماعي الذي تقرر من
أجله.
ويكاد يجمع الفقه على أن التعسف في استعمال الحق هو تطبيق من تطبيقات المسؤولية
التقصيرية ،فالرجل المعتاد ال ينحرف بحقه إلى غرض غير مشروع وال يتعسف في استعمال حقه وال
يستعمله استعماال غير مشروع.
لم يذهب المشروع المغربي إلى اعتبار أي استعمال غير مألوف للحق تعسفا فيه مما يوجب
التعويض ،بل حدد الحاالت التي يمكن من خاللها اعتبار الشخص متعسفا في استعمال حقه.
ينص الفصل 94من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أنه " ال محل للمسؤولية المدنية،
إذا فعل شخص بغير قصد اإلضرار ما كان له الحق في فعله.
غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير ،وكان من
الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق ،فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم
يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو إليقافه." .
يستشف من الفصل أعاله أن صاحب الحق يعتبر متعسفا في استعمال حقه في حالتين:
إذا توافر قصد اإلضرار بالغير ،كان ذلك خطأ تقصيريا ولو كان صاحب الحق يستعمل حقه ،مع
ضرورة إثبات سوء نية المسؤول ،كما يقوم الخطأ ولو نتج عن العمل الضار منفعة عرضية لصاحب
الحق.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
يقوم الخطأ ا لتقصيري كذلك في حالة عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي
يصيب الغير .و يقدر ذلك بمعيار موضوعي ال بمعيار ذاتي.
إلى جانب الحالتين السابقتين في التعسف في استعمال الحق ،نجد كذلك اعتبار تجاوز الشخص
الحدود المألوفة في استعماله لحقه خطأ تقصيريا .وهو ما أخذ به المشرع المغربي من خالل الفصل92
من قانون االلتزامات والعقود المغربي ،بحيث بمفهوم المخالفة يستشف من هذا الفصل أنه يسمح للجيران
بطلب إزالة األضرار غير المألوفة الناتجة عن استعمال الشخص لحقه في حين ال يسمح لهم بطلب إزالة
األضرار الناشئة عن االلتزامات العادية للجوار.
الركن المعنوي في الخطأ.
ال يكفي لقيام الخطأ التقصيري توافر الركن المادي بحيث يكون الشخص متعديا في سلوكه ،بل
يشترط كذلك أن يكون هذا الشخص مدركا لهذا التعدي أي قادرا على التمييز بين الخير والشر ،وأنه
يستطيع تجنب الشر ومع ذلك لم يفعل ،فالمبدأ ال مجال للمسؤولية بدون تمييز.
نجد الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي مر معنا قد عبر بصراحة عن
ضرورة توافر شرط اإلدراك ،بحيث لكي تقوم مسؤولية الشخص عن األضرار الذي أحدثها بفعله أن
يكون هذا الفعل قد ارتكب عن بينة واختيار.
وقد تأكد ذلك أيضا في الفصلين 96و 97من قانون االلتزامات والعقود المغربي ،إذ نص
الفصل 96من هذا القانون على أن " القاصر عديم التمييز ال يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله.
ويطبق نفس الحكم على فاقد العقل ،بالنسبة إلى األفعال الحاصلة في حالة جنونه.
وبالعك س من ذلك يسأل القاصر عن الضرر الحاصل بفعله ،إذا كان له من التمييز الدرجة
الالزمة لتقدير نتائج أعماله." .
وبذلك ال يكون مخطئا من كان ال يستطيع التمييز أو االختيار بين الخير والشر كالصبي غير
المميز ،والمجنون ،بحيث ال يكون فاقد التمييز مسؤوال عن أعماله الضارة بالغير.
ولكن ال يجوز التمسك بعدم اإلدراك إذا كان انعدام التمييز أو اإلدراك راجعا إلى فعل المسؤول،
بمعنى أنه ال يجوز إعفاء الشخص من المسؤولية عن أعماله الضارة إذا صدرت منه بعد تناوله الخمر أو
أي مخدر آخر باختياره ،بيد أنه إذا فقد رشده بغير اختياره نتيجة مخدر أو مرض أو غيبوبة فال مجال
لترتيب المسؤولية عليه.
وهو ما نص عليه المشرع المغربي من خالل الفصل 93من قانون االلتزامات والعقود المغربي
الذي أعتبر أن " السكر ،إذا كان اختياريا ،ال يحول دون المسؤولية المدنية في االلتزامات الناشئة عن
الجرائم وأشباه ا لجرائم .وال مسؤولية مدنية إذا كان السكر غير اختياري ،وعلى المتا َبع إثبات هذه
الواقعة." .
ولإلشارة فإن اإلدراك ال يشترط في الشخص االعتباري ،بحيث تجوز مساءلته عن خطئه دون
قبول الدفع بأنه ال يملك القدرة النفسية على التمييز بين الخير والشر ،فاإلدراك المطلوب كركن في الخطأ
مقصور على اإلنسان باعتباره شخصا طبيعيا وهم ما يستشف من نص الفصل 77من قانون االلتزامات
والعقود المغربي الذي ينص على أن " كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار." . . .
حاالت انتفاء المسؤولية.
الدفاع الشرعي.
نصت الفقرة األولى من الفصل 95من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أنه " ال محل
للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي " . . .ثم أوضحت الفقرة الثانية من نفس الفصل أن حالة الدفاع
الشرعي" . . .هي تلك التي يجبر فيها الشخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه لنفسه أو
لماله أو لنفس الغير أو ماله." .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
يشترط العتبار التعدي مشروعا في حالة الدفاع الشرعي توافر شرطين أساسيين :يتمثل الشرط
األول في وجود خطر حال واقع على نفس المدافع أو ماله ،أو على نفس الغير أو ماله ،وكان دفع الخطر
من المدافع ال يحتمل التأجيل .وال يشترط وقوع الضرر بالفعل ،بل يكفي أن يكون قد وقع فعل يخشى منه
وقوع فعل التعدي.
أما الشرط الثاني يتجلى في كون الخطر الذي تعرض له المدافع أو غيره عمال غير مشروع في ذاته ،فال
يجوز لمن تعرض للقبض عليه بأمر قانوني أن يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه.
وإذا توافرت شروط الدفاع الشرعي بهذه الصورة ،التي ذكرنا سابقا ،يكون التعدي أو دفع
االعتداء عمال مشروعا فال تجوز مطالبة المدافع بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالطرف اآلخر.
ولإلشارة فإن أساس ذلك أن الشخص المعتاد يلجأ إلى الدفاع عن نفسه بالقدر الضروري لدفع
اإلعتداء إذا ما تعرض له ،فإذا تجاوز المدافع هذا القدر كان متعديا أو مخطئا ولكن مسؤوليته قد تكون
مخففة بالنظر إلى الخطأ الفادح من المعتدي.
إعطاء معلومات غير صحيحة للغير بحسن نية.
لم يرت ب المشرع المغربي على إعطاء معلومات غير صحيحة أية مسؤولية اتجاه الغير مادام مقدم
المعلومات حسن النية ،وليس له علم بعدم صحتها ،ثم أيضا مادام لم يرتكب أي خطأ جسيم أو خطأ يحمل
في طياته تهورا بالغا ،غير أن هذا مقرون بتوفر مجموعة من الشروط تتمثل في وجود مصلحة مشروعة
في الحصول على تلك المعلومات بالنسبة للمقدم والمتلقي لها ،وأن يكون من واجب المقدم نقل المعلومات
التي تصل اليه بسبب معامالته أو بمقتضى التزام قانوني.
أكد على كل ذلك الفصل 82من قانون االلتزامات والعقود المغربي بقوله إن " من يعطي بحسن نية ومن
غير خطأ جسيم أو تهور بالغ من جانبه ،بيانات وهو يجهل عدم صحتها ،ال يتحمل أي مسؤولية تجاه
الشخص الذي أعطيت له:
- 1إذا كانت له أو لمن تلقى البيانات مصلحة مشروعة في الحصول عليها؛
- 2إذا وجب عليه ،بسبب معامالته أو بمقتضى التزام قانوني ،أن ينقل البيانات التي وصلت إلى
علمه".
الضرر.
شروط الضرر المادي.
يعد الضرر المادي كل إخالل بمصلحة مالية مشروعة للمضرور ،ويشترط في هذا الضرر لكي
يكون محال للتعويض أن يتضمن :
اإلخالل المباشر بمصلحة مشروعة للمضرور.
يتحقق الضرر القابل للتعويض إذا أخل المسؤول بحق للمضرور سواء كان حقا ماليا أو حقا من
الحقوق اللصيقة بشخصيته ،فلكل إنسان الحق في السالمة في نفسه وجسمه ،فأي اعتداء على اإلنسان
يعد إخالال بحقه في السالمة يستوجب التعويض.
وليس من الضروري أن يكون اإلخالل واقعا على المضرور مباشرة ،بل قد يصاب شخص أخر
بالضرر نتيجة إلصابة الدائن ومع ذلك ليس هناك مانع من المطالبة بالتعويض.
وكذلك ليس من الالزم أن يكون اإلخالل واقعا على حق للمضرور ،بل يكفي أن يكون اإلخالل
واقعا على مصلحة مالية للمضرور قد ال ترقى إلى مرتبة الحق ،كما يجب أن تكون هذه المصلحة المالية
مشروعة.
أن يكون الضرر محققا.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
يشترط في الضرر الذي يقبل التعويض أن يكون محقق الوقوع بأن يكون قد وقع فعال ،أو أن
يكون محقق الوقوع في المستقبل.
بيد أنه إذا كان الضرر محتمل الوقوع في المستقبل أي أنه قد يقع وقد ال يقع فال يكون محال
لتعويض من لدن المدين.
لذلك هناك فرق بين الضرر المستقبل والضرر المحتمل ،فالضرر المستقبل كما رأينا هو ضرر
م حقق الوقوع في المستقبل ولذلك يكون محال للتعويض ،فإن اإلصابة في ذاتها ضرر حال ولكنها سوف
تؤدي حتما في المستقبل إلى عجزه عن مزاولة مهنته ،ولذلك فإنها محل للتعويض.
أما الضرر المحتمل فهو ضرر غير محقق ،وقد يقع وقد ال يقع ،فال يكون محال للتعويض إال إذا
وقع ف عال ،فإذا تصبب شخص في إحداث عيوب بمنزل لشخص أخرفهذه العيوب في ذاتها ضرر محقق،
أما ما قد يترتب عن العيوب من تهدم المنزل فهو ضرر محتمل ال محل لتعويضه إال إذا تهدم المنزل فعال
في المستقبل.
كما يختلف الضرر المحتمل ،الذي ال يقبل التعويض طالما كان محتمال ،عن الضرر الناتج من
فوات الفرصة ،فهذا الضرر األخير هو ضرر حال وليس ضرر محتمل فقط.
إمكانية تعويض الضرر المعنوي أو األدبي.
الضرر المعنوي أو األدبي هو الضرر غير المادي الذي يصيب الشخص في شعوره ،أو عاطفته
أو كرامته ،وقد يقترن الضرر األدبي بضرر مادي ،وقد يكون أدبيا خالصا ،فالضرر األدبي إذن هو
اإلخالل بمصلحة أدبية للمضرور.
قابلية الضرر المعنوي للتعويض.
ثار جدل كبير في الفقه حتى وقت قريب عن قابلية الضرر األدبي للتعويض بالمال ،فذهب الفقه
المعارض لتعويض الضرر األدبي إلى أن هذا النوع من الضرر ال يقبل التقييم بالمال ذلك أنه اعتداء على
الشخص كإنسان وليس على ذمته ،وال يوجد توازن بين التعويض والضرر األدبي ،فمثل هذا الضرر ال
يقبل اإلصالح.
ومن ناحية أخرى ،فإن إضفاء صفة التعويض على تعويض الضرر األدبي يتنافى مع قواعد
األخالق ،فال يمكن تعويض الضرر الذي يمس الشرف والكرامة بالمال ،ألن المضرور يطلب في الواقع
االنتقام من المدين وليس جبر الضرر بالمال ،وهذا ما يفسر صعوبة تقدير التعويض من لدن القاضي ،
إذ أنه يتعذر عليه تقدير مدى األلم الذي أصاب الدائن.
بيد أن الراجح في الفقه والقضاء يذهب على العكس من ذلك ويقرر قابلية الضرر األدبي
للتعويض ،بحيث يكون هذا التعويض تعويضا حقيقيا وليس عقوبة وال انتقاما من المسؤول عن الضرر.
ويمكن في جميع األحوال للقاضي التغلب على هذه الصعوبات بشيء من المالءمة التي تتطلبها
كل حالة على حدة.
ويذهب هذا الفقه أيضا إلى القول بأن التعويض ال يمثل دائما إعادة الحال إلى ما كانت عليه ،بل
إنه يعطي المضرور بديال عما أصابه من الضرر األدبي ،ولذلك فالضرر األدبي يقبل التعويض .فمن
أصيب في شرفه يعوض عن ذلك بما يرد اعتباره بين الناس ،وأن الحكم على المسؤول بتعويض ضئيل
كفيل برد اعتبار المضرور.
وقد كان القانون الروماني يقر التعويض عن الضرر األدبي في حاالت كثيرة ،وتاله في ذلك
القانون المدني الفرنسي القديم ولكنه اقتصر على تعويض الضرر األدبي الناجم عن المسؤولية التقصيرية
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
دون المسؤولية التعا قدية .أما القانون المدني الفرنسي الحديث فيتضمن نصوصا تتسم بالعمومية واإلطالق
مما يسمح بالتعويض عن الضرر األدبي سواء كان مترتبا عن المسؤولية التعاقدية أو التقصيرية.
أما المشرع المغربي فقد حسم هذا األمر من خالل قانون االلتزامات والعقود ،فنص صراحة في
الفصلين 77و 78على مسؤولية كل شخص عن الضرر المادي والمعنوي الذي يحدثه للغير .وقد أكد
القضاء المغربي منذ مدة بعيدة صالحية الضرر األدبي للتعويض ،إذ قررت محكمة االستئناف بالرباط
سنة 1964تعويض الضرر المعنوي الحاصل لالم بمناسبة مشاهدتها البنتها في حادثة سيارة وهي
ملطخة في دمائها ،ومصابة بجروح بليغة أدت إلى وفاتها.
الشخص المؤهل للمطالبة بالتعويض.
القاعدة أنه كل من لحقه ضرر أدبي سواء في شعوره أو عاطفته أو كرامته يحق له المطالبة
بتعويض عن هذا الضرر.
غير أنه إذا كان الفعل غير المشروع قد أدى إلى موت الشخص ،فإن تساؤال يطرح نفسه يتمثل
في مدى جواز الحكم بالتعويض ألقارب الميت عن األلم الذي أصابهم في شعورهم من جراء موت
قريبهم؟
أجاز المشرع المصري إمكانية التعويض عن الضرر األدبي ،كما حدد األشخاص الذين لهم الحق
في المطالبة بالتعويض عن الضرر األدبي في حالة الموت ،بحيث ال يجوز الحكم بالتعويض عن األلم
الناتج عن ذلك إال لألزواج واألقارب إلى الدرجة الثانية.
فطبقا للقانون المدني المصري ،يقتصر التعويض عن موت المصاب على الزوج واألقارب إلى
الدرجة الثانية ،غير أن القاضي ال يمنح تعويضا لهؤالء جميعا إذا وجدوا بل يعطي التعويض لمن أصابه
منهم ألما حقيقيا بموت المصاب.
وهذا التحديد قاصر على الضرر األدبي ،أما الضرر المادي مثل ضياع الحق في النفقة فال يتقيد
بهذا التحديد.
أما قانون االلتزامات والعقود المغربي فلم يعالج هذا الموضوع ،إنما ترك األمر لتقدير القاضي
الذي يحدد األشخاص المستحقين للتعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن وفاة المصاب .غير أن
المشرع المغربي من خالل الظهير المحدد للتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها العربات ذات المحرك
لسنة 1984قلص من قائمة األشخاص المستحقين لهذا التعويض وتم تحديدهم في زوج المصاب
وأصولهوفروعه من الدرجة األولى .
انتقال الحق في التعويض عن الضرر األدبي.
األصل أن الحق في التعويض الثابت للمضرور ذاته عن الضرر األدبي الذي لحقه هو حق
شخصي يقتصر مبدئيا على المضرور وحده وال ينتقل إلى غيره.
بيد أن المشرع المصري أجاز انتقال هذا الحق في حالتين اثنتين تتمثل األولى في ضرورة وجود
اتفاق بين المضرور و المسؤول عن ثبوت هذا الحق ومقداره .و تتجلى الثانية في كون المضرور قد سبق
وأن طالب بالتعويض عن الضرر األدبي أمام القضاء.
وهذا ما عبر عنه القانون المدني المصري حين الحديث عن الضرر المعنوي حيث نصت المادة
222على أنه " . . .ال يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إال إذا تحدد بمقتضى اتفاق ،أو طالب
الدائن به أمام القضاء".
مما يدل على أنه قبل االتفاق أو المطالبة القضائية ،ال ينتقل الحق في التعويض إلى أحد ،فإذا
مات المضرور قبل االتفاق مع المسؤول أو اللجوء إلى القضاء فال ينتقل الحق في التعويض إلى الورثة بل
يزول ذلك بموت المصاب.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
القانون المغربي لم يعالج هذا الموضوع ،بيد أن القضاء المغربي يميل إلى إعطاء الورثة الحق في
المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصاب موروثهم.
والحقيقة أن القضاء تبنى اجتهادا قضائيا مهما ساهم في سد النقص الحاصل على المستوى
التشريعي ،إذ أن الورثة لهم دون شك الحق في المطالبة بتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصابهم
بسبب موت موروثهم .إضافة إلى أن التعويض الذي قد يطالب به أحد الورثة عن موت الموروث ،ال
ينتقل إليه من هذا األخير ،بل ينشأ مباشرة من الفعل الضار الذي أصاب الوارث بسبب موت الموروث.
العالقة السببية بين الخطأ والضرر.
يتطلب لقيام المسؤولية التقصيرية ليس فقط وجود خطأ المدين ،وإصابة الدائن بالضرر وإنما
يتعين إضافة إلى ذلك وجود عالقة سببية بين الخطأ والضرر ،إال أنه أحيانا قد تنتفي هذه العالقة بوجود
سبب أجنبي ال يد للمدين فيه ،وفي أحيانا أخرى قد تتعدد األسباب .ممايصعب تحديد السبب المباشر في
وقوع الضرر ،كما أن األضرار قد تتعدد و تتعاقب مما يطرح حدود الخطأ في وقوعها
مفهوم عالقة السببية.
ال يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية ارتكاب الخطأ و وقوع الضرر بل يتعين إلى جانب ذلك أن
يكون هذا الخطأ قد سبب ضررا .فالشخص ال يسأل إال عن تعويض الضرر الناتج عن خطئه ال عن
سبب آخر.
وتعد العالقة السببية ركنا مستقال من أركان المسؤولية التقصيرية ،وبذلك ال تختلط بالخطأ الذي
يمكن أن يقوم بدون وجود رابطة السببية ،كما قد تقوم العالقة السببية دون قيام الخطأ.
أكد قانون االلتزامات والعقود المغربي في الفصلين 78 77على ضرورة وجود العالقة السببية
لقيام المسؤولية التقصيرية ،إذ يتعين على الدائن أن يثبت أن الخطأ هو السبب المباشر في حصول
الضرر لكي يتم الحكم له بالتعويض.
فإذا كان خطأ المسؤول أو المدعى عليه هو السبب الوحيد للضرر ،وكان هذا الضرر هو نتيجة
مباشرة ومألوفة لمثل هذا الخطأ ،فال تثير عالقة السببية صعوبة ما.
السبب األجنبي.
والسبب األجنبي هو كل سبب أجنبي عن المسؤول أو المدعى عليه ،يعدم عالقة السببية بين الخطأ
والضرر .وقد أشار الفصل 95من قانون االلتزامات و العقود المغربي إلى أن السبب األجنبي قد يكون
حادثا فجائيا أو قوة قاهرة ،وقد أضاف المشرع المصري إلى ذلك خطأ المضرور وخطأ الغير وهو ما
تضمنته المادة 165من القانون المدني .القوة القاهرة أوالحادث الفجائي.
حاول بعض الفقه الفرنسي التفرقة بين القوة القاهرة والحادث الفجائي ،فالقوة القاهرة هي الحادث
الذي يستحيل دفعه ،بينما الحادث الفجائي هو الحادث الذي ال يمكن توقعه .بيد أن هذا الرأي يخالف ما هو
متفق عليه من وجوب اجتماع صفتي استحالة الدفع وعدم إمكان التوقع في كل من القوة القاهرة والحادث
الفجائي.
ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى أن القوة القاهرة هي وحدها السبب األجنبي ألنها حادث خارجي عن
الشيء ،بينما الحادث الفجائي ال يعد سببا أجنبيا ألنه حادث داخلي.
لكن الفقه يذهب اليوم إلى عدم التمييز بين القوة القاهرة والحادث الفجائي فكالهما له نفس الشروط
ونفس اآلثار كسبب أجنبي.
كذلك لم يميز المشرع المغربي بين القوة القاهرة والحادث الفجائي ال من حيث شروطهما أو
آثارهما ،بل أنه أعتبرهما شيء واحدا من خالل الفصل 95من قانون االلتزامات والعقود من حيث عدم
ترتيب المسؤولية مادام ليس هناك فعل سابق أو مصاحب لهما يؤاخذ به المدعى عليه .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
هذا الموقف أخد به أيضا المشرع المصري في المادة 165السالفة الذكر من القانون المدني التي
تنص على أنه " إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه ،كحادث مفاجئ أو قوة
قاهرة ،كان غير ملزم بتعوي ض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك ".
بيد أنه ال بد من توافر شروط محددة في القوة القاهرة أوالحادث الفجائي العتباره سببا أجنبيا مانعا من
ترتيب المسؤولية ،تتمثل أوال في كون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي غير ممكن التوقع ،فإذا أمكن توقع
الحادث ولو استحال دفعه ال يكون ذلك قوة قاهرة أو حادثا فجائيا.
يجب أن يكون الحادث غير ممكن التوقع ال من جانب المدعى عليه فقط ،ولكن من جانب أشد الناس
يقظة ،فالمعيار هنا موضوعي بحيث ال يكتف فيه بالشخص العادي ،إذ يشترط في عدم التوقع أن يكون
مطلقا يستحيل معه على أ ي شخص أن يتوقع ما حدث مهما كانت درجته من اليقظة.
عدم إمكان التوقع في المسؤولية التقصيرية ،يكون وقت الحادث ذاته ،ففي هذا الوقت يمكن القول بأن
أركان المسؤولية التقصيرية قد اجتمعت أو تخلف أحدها ،أما في المسؤولية التعاقدية ،فعدم التوقع يكون
وقت إبرام العقد ولو أمكن توقع ذلك بعد التعاقد وقبل التنفيذ.
تتمثل ثانيا في كون القوة القاهرة أو الحادث فجائي مستحيل الدفع رغم عدم إمكانية توقعه ،واستحالة الدفع
هنا هي االستحالة المطلقة وذلك بالنسبة ألي شخص وجد في نفس ظروف المدعى عليه حيث ال يستطيع
أن يدفع الحادث.
ويذهب بع ض الفقه والقضاء إلى اشتراط أن يكونالحادث الفجائي أو القوة القاهرة ،حتى يمكن اعتباره
سببا أجنبيا يعفي المدعى عليه من المسؤولية ،حادثا خارجيا بالنسبة إلى المدين .فال يجوز للمدين اعتبار
المرض المفاجئ قوة قاهرة ألن هذا الحادث أمرا داخليا.
ولكن ما هو الحل إذا كان سبب الضرر راجعا إلى القوة القاهرة أو الحادث الفجائي باالشتراك مع
خطأ المدعي عليه؟
القاعدة أنه لكي يستفيد المدعى عليه من عدم ترتيب المسؤولية عليه أن يكون الحادث الفجائي أو
القوة القاهرة لم يسبقه أو يصطحبه فعل يؤاخذ به المدعى عليه ،غير أنه إذا تعددت األسباب وكان أحدهما
مستغرقا لألسباب األخرى ،فهو وحده الذي يرتب المسؤولية ،ويكون السبب مستغرقا لغيره من األسباب
إذا كان أشد منها جسامة ،أو كانت األسباب األخرى نتيجة له.
خطأ المضرور.
من المعلوم أنه إذا كان خطأ المسؤول هو وحده سبب الضرر فإنه يتحمل وحده بالمسؤولية،
وبالمقابل إذا كان خطأ المضرور هو وحده سبب الضرر فهو لوحده يتحمل نتيجة فعله.
بيد أنه إذا نسب إلى المضرور خطأ ساهم في حدوث الضرر إلى جانب خطأ المدعى عليه ،فهنا
يثار التساؤل عن مدى تأثير ذلك في مسؤولية المدعى عليه.
لم يتضمن قانون االلتزامات والعقود المغربي قواعد خاصة بهذا اإلشكال ،ولكن الفقه والقضاء
وضع في هذا الصدد ضوابط تستند إلى القواعد العامة .وتطبيقا لذلك يجب التفرقة بين فرضيتين :أن
يكون أحد الخطأين قد استغرق األخر ،أو أن يبقى كل من الخطأين مستقال عن األخر فنكون بصدد حالة
الخطأ المشترك.
في ما يتعلق بالفرضية األولى الخاصة باستغراق أحد الخطأين األخر بحيث ال يكون للخطأ األخر
أي أثر ،ويستغرق أحد الخطأين األخر إذا كان أحدهما عمدا واألخر غير عمد مثال ،أو كان أحد الخطأين
نتيجة لألخر.
في ما يخص الحالة األولى التي يكون فيها خطأ المسؤول عمدا و خطأ المضرور غير عمد،
يستغرق خطأ المسؤول العمدي خطأ المضرور غير العمد ،ويتحمل المسؤول بالمسؤولية كاملة.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
وإذا كان خطأ المضرور عمدا و خطأ المسؤول غير عمد ،استغرق خطأ المضرور خطأ
المسؤول ،وتحمل المضرور بالمسؤولية كاملة.
ثم إن تساؤل يثار حول رضا المضرور بما وقع عليه من ضرر فهل يخفف ذلك من مسؤولية
المدعى عليه .القاعدة أن علم المضرور بالضرر ورضائه به دون أن يريد ،ال يخفف من مسؤولية
المسؤول إال إذا كان هذا الرضا من جانب المضرور يعد في حد ذاته خطأ.
وكذلك تخفف مسؤولية المسؤول إذا كان المضرور عالما بالضرر راضيا به وهو يريده.
ففي جميع أحوال فإن رضا المضرور ال يستغرق خطأ المسؤول وإن كان يمكن أن يخفف من
مسؤولية هذا األخير.
أما في ما يخص الحالة الثانية التي يكون فيها خطأ المضرور نتيجة خطأ المدعى عليه ،فإن خطأ
المدعى عليه يستغرق خطأ المضرور ،ويصبح المدعى عليه هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة .وإذا كان
خطأ المسؤول نتيجة لخطأ المضرور ،فإن خطأ المضرور يستغرق خطأ المسؤول ،وال يتحمل المسؤول
بأي تعويض.
أما في ما يتعلق بالفرضية الثانية الخاصة بالخطأ المشترك حيث ال يستغرق أحد الخطأين األخر،
بل يبقى كل خطأ منهما متميزا ب ذاته مساهما في إحداث الضرر ،وبذلك يكون للضرر سببان أولهما خطأ
المدعى عليه و ثانيهما خطأ المضرور ،ويسمى هذا بالخطأ المشترك.
وفي هذه الحالة توزع المسؤولية بين المضرور و المدعى عليه ،حيث يتحمل كل منهما مسؤولية
حدوث الضرر مناصفة .أما أذا كان عدد المتسببين في الحادث يتجاوز اثنين قسمت المسؤولية بينهم
بالتساوي ،ولكن يجوز للقاضي أن يوزع المسؤولية بين المدعى عليه والمضرور حسب جسامة الخطأ
المرتكب من قبلهما.
وتطبق نفس القاعدة أيضا إذا كان كل من الطرفين مسؤوال ومضرورا في نفس الوقت ،ما لم يحكم
القاضي بنسبة أكبر يتحملها أحدهما نتيجة لجسامة خطئه.
خطأ الغير.
تنعدم مسؤولية المدعى عليه تلقائيا إذا كان خطأ الغير هو السبب الوحيد المنتج للضرر ،وبذلك
يتحمل هذا الغير المسؤولية كاملة .أما إذا كان الضرر راجعا إلى خطأ الغير وخطأ المدعى عليه في نفس
الوقت ،فإن ذلك يؤثر في مسؤولية المدعى عليه.
فإذا كان خطأ الغير عمدا وخطأ المدعى عليه غير ذلك ،استغرق خطأ الغير خطأ المدعى عليه
وتحمل الغير بالمسؤولية كاملة ،وإذا كان عكس ذلك تحمل المدعى عليه المسؤولية.
أما إذا كان الخطأ مشتركا بين المدعى عليه والغير فإنهما يكونان مسؤولين بالتضامن عن تعويض
المضرور وذلك تطبيقا للفصلين 99و 100من قانون االلتزامات والعقود المغربي.
تعدد األسباب.
إذا تعددت األسباب التي أحدثت الضرر دون أن يستغرق أحدهما لألخر ،فعندئذ يمكن القول
بتعادل األسباب التي ساهمت في إحداث الضرر ،فهل نعتد بهذه األسباب جميعا أو نختار أكثرها فعالية
في إحداث الضرر؟
لإلجابة على هذا التساؤل نستحضر نظريتان ،وهما :نظرية تكافؤ األسباب ،ونظرية السبب
المنتج.
في ما يخص نظرية تكافؤ األسباب ،فقد تبناها بعض الفقه األلماني ومضمونها أن كل سبب ساهم
في إحداث الضرر ولو كان سببا بعيدا يعتبر من األسباب التي أحدثت الضرر وال يجوز استبعاده ،ألنه لو
ألغينا هذا السبب لما حدث الضرر.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
فلو كان السائق يقود سيارته مسرعا ففوجئ بحفرة أقامها الغير على يمين الطريق بغير تحذير
فانحرف عنها فجأة فأصاب شخصا يسير بإهمال على يسار الطريق ،فلدينا ثالثة أسباب للحادث هي
سرعة السائق والحفرة في الطريق وخطأ المضرور الذي يسير بإهمال عبر الطريق .فكل هذه األسباب
متكافئة ألن غياب أحدها كان سيؤدي إلى عدم وقوع الحادث ،فيتعين إذن أن نعتبر السائق والغير
والمضرور كلهم مسؤولون.
أما في يخص نظرية السبب المنتج أو الفعال فقد انتقلت إلى الفقه الفرنسي من بعض الفقه
األلماني ،وتقضى هذه النظرية بأنه إذا تعددت األسباب ولم يستغرق أحدها الباقي ،فالعبرة ليست بكل
األسباب في وقت واحد بل باألسباب المنتجة أو الفعالة دون األسباب العارضة ،حقا أن كل األسباب أدت
إلى الضرر ولو غاب أحدهما لما تحقق الضرر ،إال أن السببية بهذا المعنى تعني السببية الطبيعية ،ونحن
يجب أن نعتد بالسببية القانونية ،وهذه األخيرة هي السبب المألوف الذي ينتج عنه الضرر في العادة .أما
السبب العارض فهو السبب الذي ال يؤدي عادة إلى مثل هذا الضرر ،فإن حدث منه الضرر كان ذلك
نتيجة غير مألوفة وغير عادية.
وإذا رجعنا إلى المثال أعاله يكون الحفر في الطريق بغير تحذير سببا منتجا للحادث ألن مثل هذا
العمل من شأنه عادة أن يؤدي إلى وقوع حوادث في الطريق .وكذلك تكون القيادة المسرعة للسائق سببا
منتجا في ذات الوقت ألنها تؤدي إلى التقليل من فرصة تفادي مفاجآت الطريق.أما سير الشخص على
يسار الطريق بغير مباالة فيكون سببا عارضا غير منتج ألن مثل هذا المسلك ال يؤدي عادة إلى انحراف
السيارة من اليمين إلى اليسار لتدوسه السيارة .وبذلك تقوم مسؤولية السائق ومحدث الحفرة لتعويض الدائن
عما أصابه من ضرر.
أما إذا قاد شخص سيارته في حالة سكر في الطريق فأصابه شخص أخر يسير بسيارة مسرعة،
فكال السببان منتجان ألن كل منهما يؤدي عادة إلى مثل هذا الحادث ،وهنا نكون بصدد خطأ مشترك.
ونظرية السبب المنتج هي النظرية الراجحة في الفقه والقضاء ،وهي التي تتفق مع أحكام القانون
المغربي ،إذ يلزم الفاعل بالتعويض إذا تبت أن الفعل هو السبب المباشر للضرر كما أكد على ذلك قانون
اإللتزامات والعقود المغربي.
وإلى جانب تعدد األسباب ،قد تتعدد األضرار و تتعاقب الناتجة عن الخطأ وفي هذه الحالة
نتساءل عن حدود مسؤولية المدعي عليه،ومن تم عن حدود التعويض عن الضرر المفروض على المدين.
تعدد األضرار وتعاقبها.
سبق وأن قلنا بأن من شروط التزام المدعى عليه بتعويض الضرر أن يكون هذا الضرر ناتجا
عن خطئه ،أو بعبارة أدق أن تكون هناك عالقة سببية بين خطأ المدعى عليه وبين الضرر الذي يدعيه
المضرور.
كما أشرنا إلى الحاالت التي تتعدد فيها أسباب الضرر ورأينا كيف نختار من بين هذه األسباب
السبب الحقيقي للضرر.
ولكن قد يثار إشكال آخر مرتبط بالعالقة السببية يتمثل في تعدد األضرار وتعاقبها .فسواء كان
السبب واحدا أو متعددا ،فقد تقوم سلسلة من األضرار بعضها مترتب على بعض ،ويكون أولها ناتج
مباشرة عن خطأ المدعى عليه ،مما يستدعي التساؤل عن مدى إلزامية المدعى عليه بتعويض هذه
األضرار المتعاقبة.
في المسؤولية التعاقدية كما سبقت اإلشارة إلى ذلك ال يسأل المدين إال عن األضرار المباشرة المتوقعة.
فال يسأل عن الضرر غير المباشر وهو الضرر الذي يكون نتيجة غير مألوفة لإلخالل بااللتزام التعاقدي،
وقد فسر الفقه ذلك بكونه ترجمة لحدود ما اتجهت إليه إرادة المدين عند التعاقد.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
غير أن االلتزام في المسؤولية التقصيرية ،كما نعلم ،ال يقوم على اإلرادة ،فهل يدل ذلك عن
التزام المدين بالتعويض ينصب على األضرار المباشرة وغير المباشرة.
استقر الرأي في الفقه على أن التزام المدين بالتعويض في المسؤولية التقصيرية ال يتعدى
األضرار المباشرة ،بحيث ال يلتزم بتعويض الضرر غير المباشر ،وأن أساس هذا الرأي هو انعدام
العالقة السببية بين خطأ المدين وبين األضرار غير المباشرة .والقاعدة أنه إذا انقطعت العالقة السببية
انقضت المسؤولية.
بالرجوع إلى المشرع المغربي نجده قد أخذ من خالل قانون االلتزامات والعقود بمعيار الضرر
المباشر ،إذ استلزم المشرع لتعويض الضرر أن تكون العالقة القائمة بين خطأ المدين وبين الضرر
عالقة مباشرة ،مما يدل على أن التعويض يكون مقصورا على الضرر المباشر دون الضرر غير
المباشر.
ينص الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن مرتكب الخطأ يكون ملزما
بالتعويض إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.وتم تأكيد على ذلك أيضا من
خالل الفصل 78من نفس القانون الذي ألزم المسؤول عن الخطأ بالتعويض الضرر إذا ثبت أن هذا
الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
و بذلك يكون الضرر مباشرا في المسؤولية التقصيرية إذا كان نتيجة طبيعية ومألوفة إلخالل
المدعى عليه بالتزامه القانوني بعدم اإلضرار بالغير.
أما إذا كنا بصدد سلسلة من األضرار المتعاقبة التي ترتب بعضها على بعض ،وكان أولها ناتجا
عن خطأ المدعى عليه ،فيجب أن تقف مسؤولية المدعى عليه عند األضرار المباشرة فقط ،أي أن
المدعى عليه ال يلزم إال بتعويض األضرار التي تكون نتيجة طبيعية ومألوفة لمثل هذا الخطأ.
أثار المسؤولية التقصيرية.
إذا توافرت أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما ،كان لزاما أن ترتب
هذه المسؤولية جزاء يتمثل في التعويض ،فإذا لم يصل المسؤول والمضرور إلى اتفاق بينهما ،فإن وسيلة
الحصول على التعويض هي اللجوء إلى القضاء بدعوى المسؤولية.
دعوى المسؤولية.
أطراف دعوى المسؤولية.
يعد المدعي ف ي دعوى المسؤولية هو الشخص المضرور من فعل الشخص اآلخر ،بحيث إذا كان
المدعي متمتعا بأهليته جاز له التقاضي كما أكد على ذلك قانون المسطرة المدنية ،أما إذا كان المضرور
قاصرا قام مقامه نائبه الشرعي .فال يحق لغير المضرور أن يطالب بالتعويض بغير موافقة المضرور أو
ب نص القانون .فإذا سكت المضرور عن المطالبة فليس لغير نائبه أن يطالب بالتعويض.
وينتقل الحق في التعويض عن الضرر المادي والمعنوي إلى الورثة بشرط أن يكون المضرور قد
رفع دعوى للمطالبة به قبل وفاته .ففي هذه الحالة يصبح التعويض عنصرا من عناصر التركة وينتقل إلى
الورثة.
أما إذا كان المضرور لم يرفع دعوى بالتعويض قبل وفاته .فمن المجمع عليه أن للورثة الحق في
المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي الذي لحق موروثهم في ذمته المالية .أما التعويض عن الضرر
المعنوي فاألصل أنه ال يجوز للورثة المطالبة به ألنه من الحقوق المتصلة بشخص المضرور.
وهذا التوجه هو الذي أخذ به القانون المدني المصري في المادة 222إذ قضت على أن التعويض
عن الضرر األدبي ال ينتقل إلى الغير إال إذا كان المضرور قد طالب به قضائيا قبل وفاته.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
أما أذا تع دد المتضررون من نفس الخطأ سواء كانت أضرارا مستقلة تجاه بعضها ،أو ناتجة عن
بعضها ،ففي هذه الحالة يحق لكل واحد من هؤالء المتضررين أن يرفع دعوى بطلب التعويض عن
الضرر الذي أصابه ،دون أن يتأثر حقه بمطالبة باقي المتضررين بحقوقهم أو تنازلهم عنها أو سكوتهم.
الم دعى عليه في دعوى المسؤولية هو المسؤول أو الملتزم بالتعويض وليس لزاما أن يكون
المسؤول أو الملتزم بالتعويض هو بذاته مرتكب الخطأ .ففي المسؤولية عن عمل الغير ،كما سنرى ،يكون
المدعي عليه المسؤول عن التعويض هو متولي الرقابة أو المتبوع .أما في المسؤولية عن العمل
الشخصي ،فالمسؤول أو الملتزم بالتعويض هو الشخص ذاته مرتكب الخطأ.
ولإلشارة فقط فإذا كان المسؤول ناقص األهلية أو عديمها وجهت الدعوى إلى نائبه القانوني .وإذا
توفي المسؤول وجهت الدعوى إ لى ورثته أو أحدهم ،وهذا هو ما أخذ به قانون االلتزامات والعقود
المغربي في فصله 105حيث نص على أنه " في الجريمة وشبه الجريمة ،تكون التركة ملزمة بنفس
التزامات الموروث".
إثبات الضرر.
يعلم من القواعد العامة ،أن عبء إثبات اإللتزام يقع على المدعي (الدائن) ،كما يحق أيضا للمدعى
عليه ( المدين) إثبات براءة ذمته ،والمدعي بصفته هو الشخص المضرور ،يتوجب عليه إثبات أركان
المسؤولية الثالث من خطأ وضرر ورابطة سببية بينهما.
ولإلشارة فإن عبء اإلثبات يختلف بحسب نوع المسؤولية ،إذ يقع عبء اإلثبات على المضرور
عندما يتعلق األمر بالمسؤولية عن العمل الشخصي .بينما أعفي المضرور من عبء اإلثبات حين أعتبر
الخطأ مفترضا في أنواع أخرى من المسؤولية كما سنرى الحقا.
ويقع على المدعى عليه بصفته المسؤول نفي الخطأ ،بإثبات أنه لم ينحرف في سلوكه عن سلوك
الرجل المعتاد ،إال في األحوال التي يقرر فيها القانون قرينة قانونية على قيام الخطأ ال تقبل إثبات العكس.
كما يقع على المدعي عبء إثبات الضرر الذي لحق به من جراء الفعل الضار ،بحيث إذا فشل في
إثباته فال يمكن الحديث عن التعويض.
ويقع أيضا على المدعي بصفته المضرور إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر .ومع ذلك
فمن الناحية العملية ،يكتفي المضرور بإثبات الخطأ و الضرر لتقوم قرينة على أن الخطأ هو سبب
الضرر.
وللمدعى عليه في جميع األحوال نفي عالقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات السبب األجنبي،
أي بإثبات أن السبب الوحيد للضرر هو خطأ المضرور أو خطأ الغير أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.
تقادم دعوى المسؤولية.
ينص الفصل 106من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن " دعوى التعويض من جراء
جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات ،باستثناء دعوى التعويض من جراء األضرار الناجمة
عن انفجار األلغام فإنها تتقادم بمضي خمس عشرة سنة ،وتبتدئ اآلجال المذكورة من الوقت الذي بلغ فيه
إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه .وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة
تبتدئ من وقت حدوث الضرر.".
يستخلص من الفصل أعاله أن دعوى المسؤولية التقصيرية تسقط بالتقادم بمضي خمس أو خمس
عشرة سنة حسب االحوال من تاريخ علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه ،أو
بانقضاء عشرين سنة من يوم حدوث الضرر.
انطالقا من اليوم األول الذي يعلم فيه المضرور بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه ،يبدأ التقادم
القصير ،بيد أنه إذا علم المضرور بأحد األمرين دون األخر فال يبدأ التقادم القصير .وإذا علم المضرور
وقت الحادث بالضرر وبالمسؤول عنه بدأ التقادم القصير من ذلك التاريخ.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
وفي جميع األحوال فإن دعوى المسؤولية التقصيرية تتقادم بمدي عشرين سنة من تاريخ حدوث
الضرر.
التعويض.
توافر األركان الثالث للمسؤولية ينشئ للمضرور الحق في تعويض عن الضرر الذي لحق به.
وهذا ما نصت عليه الفقرة األولى من الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود المغربي بقولها " :كل فعل
ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به القانون ،فأحدث ضررا ماديا أو معنويا
للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ،إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.
".
طرق التعويض.
التعويض النقدي.
وهو الصورة الغالبة للتعويض في دعوى المسؤولية التقصيرية ألن هذا النوع من التعويض قد
يصلح لجبر كل األضرار المادية واألدبية.
األصل أن يكون التعويض مبلغا نقديا معينا يعطى دفعة واحدة ،ولكن يجوز للقاضي تبعا
للظروف أن يحكم بتعويض مقسط أو في صورة إيراد مرتب مدى حياة المضرور ،كالحالة التي يصاب
فيها المضرور بعاهة مستديمة تقعده عن الكسب ،حيث يمكن للقاضي أن يحكم له بإيراد شهري مدى
حياته.
هذا ما أكد عليه المشرع المصري من خالل منح القاضي سلطة تقديرية تبعا لظروف كل قضية
في تعيين التعويض المناسب ،حيث نصت المادة 171من القانون المدني على أنه ":يعين القاضي طريقة
التعويض تبعا للظروف ويصح أن يكون التعويض مقسطا ً كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا ،ويجوز في
هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا." .
التعويض العيني.
هو ما يطلق عليه بعض الفقه بالتنفيذ العيني ،ويقصد به الوفاء باإللتزام عينا .ويعتبر المجال
الطبيعي للتنفيذ العيني هو اإللتزام التعاقدي .ولكن يمكن تصور هذا التعويض أيضا في المسؤولية
التقصيرية بإعادة الحال إلى ما كانت عليه ،فإذا بنى شخص في أرضه جدارا عاليا يقصد من ذلك منع
الضوء والهواء عن جاره ،وتوافرت شروط التعسف في استعمال الحق ،فهذه مسؤولية تقصيرية توجب
التعويض.
يجوز للقاضي في هذه الحالة أن يأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه بهدم هذا الجدار ،فيكون
ذلك تنفيذا عينيا لاللتزام الذي أخل به المسؤول وهو اإللتزام بعدم اإلضرار بالغير.
كما أن المشرع المصري أجاز للقاضي إلى جانب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ،الحكم بأداء
أمر معين له اتصال بالعمل الضار ،وهو ما أكدت عليه المادة 171من القانون المدني حيث نصت على
أنه . . .":يجوز للقاضي ،تبعا ً للظروف وبناء على طلب المضرور ،أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت
عليه ،أو أن يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع ،وذلك على سبيل التعويض." .
التعويض غير النقدي.
إذا تعذر التنفيذالعيني لم يكن أمام القاضي إال أن يحكم بالتعويض ،وكما قد يكون هذا التعويض
نقديا ،قد يكون غير نقدي .غيرأن هذا األخير قد يحقق للمضرور جبرا للضرر الذي لحق به من جراء
الفعل الضار.
نطاق التعويض.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
يجب أن يشمل التعويض كل الضرر الذي أصاب المضرور ،كما ينصرف الضرر إلى كل
األضرار المباشرة المتوقعة وغير المتوقعة ،وقد سبق القول أن الضرر المباشر هو الضرر الذي ينتج
بصفة مباشرة وبطريقة طبيعية ومألوفة لمثل الخطأ الذي ارتكبه المدعى عليه ،أما الضرر غير المباشر
فال يمكن تعويض عنه النتفاء الرابطة السببية بين الضرر و الخطأ.
وي شمل التعويض الخسارة التي لحقت المضرور وما حرم منه من نفع من جراء األضرار التي
لحقت به ،فالمشرع المغربي من خالل الفصل 98من قانون االلتزامات والعقود نص على أن " الضرر
في الجرائم وأشباه الجرائم ،هو الخسارة التي لحقت المدعي فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر
أو سيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به ،وكذلك ما حرم منه من نفع في
دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل." .
يستشف من هذاالفصل أن التعويض يشمل الضرر الحالي والضرر المستقبل ما دام محققا،
ويستوي في ذلك أن يكون الضرر ماديا أو معنويا .وال يقف التعويض عن الضرر الممثل في الخسارة
الواقعة فعال بل يشمل أيضا ما فات المضرور من كسب بسبب الضرر الذي لحق به.
ويجب على القاضي في تقديره للتعويض أن يأخذ بعين االعتبار مدى جسامة الخطأ المنسوب إلى
المسؤول ،ومن ذلك مراعاة ما إذا كان األمر يتعلق بضرر ناتج عن خطأ المدين ،أو بسبب تدليسه .وهو
ما قررهالفصل 98من قانون االلتزامات والعقودالمغربيإذ نص على أنه " :ويجب على المحكمة أن تقدر
األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن تدليسه".
تعدد المسؤولين عن التعويض.
غالبا ما يكون المسؤول عن الضرر شخصا منفردا ،غير أن ذلك ال يمنع من وجود تعدد في
المسؤولون عن العمل الضار.
وقد تضمن التشريع المغربي حالة تعدد المسؤولين من خالل ما نص عليه الفصل 99من قانون
االلتزامات والعقود حيث اعتبر أنه " :إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين ،كان كل
منهم مسؤوال بالتضامن عن النتائج ،دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعال أصليا." .
إ ن تعدد المسؤولين يجعلهم متضامنين تجاه المضرور .بحيث يجوز له الخيار بينالرجوع على
أحدهم بكل التعويض أو عليهم جميعا ،ولمن دفع منهم أكثر من نصيبه له أن يرجع بالقدر الزائد على باقي
المسؤولين.
كما نص الفصل 100من قانون االلتزامات والعقود المغربي على تطبيق الحكم المقرر في الفصل99
الوارد ذكره أعاله ،في حالة ما إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد الفاعل األصلي من بينهم،
أو في حالة تعذر تحديد النسبة التي ساهموا بها كل واحد منهم في حدوث في الضرر.
كما ذهب المشرع المصري من خالل القانون المدني إلى تأكيد على تضامن المسؤولين بتعويض عن
الضرر ،بحيث جعل مسؤوليتهم متساوية ما لم ير القاضي خالف ذلك بتعيين نصيب كل واحد منهم في
التعويض.
تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية.
يمكن لألشخاص أن تتوقع وقوع الضرر قبل حدوثه ،فيعمدوا إلى االتفاق على التعديل من أحكام
المسؤولية التقصيرية ،إما باإلعفاء أو التخفيف منها أو بالتشديد فيها.
اتجه القضاء الفرنسي والمصري إلى بطالن مثل هذه االتفاقات ،ألن أحكام المسؤولية التقصيرية
من النظام العام إذ أنها تقررت لحماية المتضررين من األفعال الضارة التي تتسم باالنحراف عن السلوك
العادي وهذا على خالف المسؤولية التعاقدية التي يجوز اإلعفاء منها إال في حالة الغش أوالخطأ الجسيم.
قد انتقد الفقه في فرنسا مسلك القضاء الذي يقضي ببطالن شروط اإلعفاء من المسؤولية
التقصيرية أوالتخفيف منها ،فبحسب هذا الفقه ليس في ذلك ما يخالف النظام العام.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
ومثل هذا الجدل الفقهي ال وجود له في الفقه والقضاء المغربي وذلك أمام النص الصريح للفصلين
77و 78من قانون االلتزامات والعقود المغربي ،فالفصل 77بعد أن نص في فقرته األولى على إلزام
المسؤول بتعويض الضرر الذي لحق بالمضرور ،أضاف بشكل صريح في فقرته الثانية على أن " كل
شرط مخالف لذلك يكون عديم األثر" ،وقد أكد على ذلك الفصل 78بنفس العبارات في فقرته الثانية،
مما يدل داللة واضحة ال تقبل التأويل ،على عدم جواز االتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية.
ولإلشارة فإن بطالن اإلتفاق على اإلعفاء من المسؤولية التقصيرية أو التخفيف منها ال يثار إال
بالنسبة لالتفاقات السابقة على تحقق المسؤولية .أما إذا وقع الفعل الضار فقد تحققت المسؤولية ،وقام
الحق في التعويض لصالح المضرور ،وعندئذ يكون االتفاق الحاصل بين المسؤول عن الضرر و
المضرور صحيحا ،بحيث يجوز إعفائه من التعويض أو التخفيف منه.
وبالرجوع إلى القرآن الكريم بصفته المصدر األول للتشريع اإلسالمي،نجد إمكانية تنازل
المضرور عن الحق في التعويض الذي عبر عنه الحق سبحانه وتعالى بالدية ،إذا يجوز ألهل الضحية أن
يضعوها بالتصدق على من لزمته دية قتيلهم ،مصداقا لقوله تعالىَ » :و َما َكانَ ِل ُمؤ ِم ٍن أَن َيقت ُ َل ُمؤ ِمنًا ِإ َال
عد ٍُوصدَقُوا فإِن َكانَ ِمن قَو ٍم َ سلَ َمةٌ ِإلَ ٰى أَه ِل ِه ِإ َال أَن َي َ طأ ً فَت َح ِر ُ
ير َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة َو ِد َيةٌ ُّم َ طأ ً َو َمن قَت َ َل ُمؤ ِمنًا َخ ََخ َ
سلَ َمةٌ ِإلَ ٰى أ َه ِل ِه َوت َح ِر ُ
ير اق فَ ِد َيةٌ ُّم َ
ير َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة َو ِإن َكانَ ِمن قَو ٍم َبينَكُم َو َبينَ ُهم ِميث َ ٌ لَكُم َوه َُو ُمؤ ِم ٌن فَت َح ِر ُ
ع ِلي ًما َح ِكي ًما «. ّللا َو َكانَ َ
ّللاُ َ ص َيا ُم شَه َري ِن ُمتَت َا ِب َعي ِن ت َو َبةً ِمنَ َ ِ َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة فَ َمن لَم َي ِجد فَ ِ
ال يسأل مدنيا عن فعله فإ ن الطفل يسأل تقصيريا عن فعله ابتداء من سن 12سنة ،ويحق للمضرور
مطالبته بالتعويض ولكن ال يجوز المطالبة بتعويضين أحدهما من الصغير واألخر من المكلف بالرقابة
ألن الضرر واحد في الحالتين .ويفضل المضرور عادة أن يطالب بتعويض عن سوء الرقابة نظرا لعدم
إعسار المدين المسؤول في هذه الحالة.
أقر المشرع المغربي بحلول الدولة في المسؤولية محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة
التابعي ن لها بالنسبة لألضرار التي يرتكبها األطفال والشباب أثناء تواجدهم تحت رعايتهم.
أساس مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة.
ال تقوم مسؤولية معلمي الشبيبة والرياضة على أساس الخطأ المفترض ،بل أن الفقرة الثانية من
الفصل 85مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي تخضع هذه المسؤولية للقواعد العامة في
المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي .وبذلك يجب على المضرور إثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو
اإلهمال من جانب المعلم أو المدرب باعتباره السبب في حصول الفعل الضار الصادر من الطفل أو الشاب
الذي هو تحت رعايته.
وبذلك يتعين إثبات الخطأ المسبب للضرر حتى يتمكن المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه من رفع
دعوى المسؤولية التقصيرية ضد الدولة باعتبارها مسؤولة عن الضرر أمام المحكمةاالبتدائية الموجود في
دائرتها المكان الذي وقع فيه الضرر.
و في إطار القانون المقارن ،فإن قانون االلتزامات والعقود الموريتاني أكد على أن مسؤولية المعلم
أو موظف الشبيبة والرياضة ال تتحقق أال إذا استطاع المضرور إثبات وجود إخالل بإلتزام الرقابة،وهو
ما عبرت عنه المادة 106من نفس القانون.
ولإلشارة فإن المشرع المغربي من خالل الفصل 85مكرر من قانون االلتزامات والعقود
المغربي قد أورد حكما خاصا لتقادم دعوى المسؤولية الخاصة بالمعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة ،إذ
قرر أن دعوى المسؤولية المرفوعة ضد الدولة تتقادم بمضي ثالث سنوات من ارتكاب الفعل الضار،
وذلك على خالف القواعد العامة في شأن المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي،إذ سبق وأن قلنا بأن
هذه األخيرة تتقادم بخمس سنوات في حالة علم المضرور بالضرر الواقع و بالمسؤول عنه ،و في جميع
األحوال تتقادم بمضي عشرين سنة ،مما يدل داللة واضحة ،في ما أعتقد ،على أن المشرع المغربي قد
أفرد لهذا النوع من المسؤولية معاملة خاصة بعيدة عن األصل الوارد في الفصل 106من قانون
اإللتزامات والعقود،مادامت الدعوى مرفوعة ضد الدولة،بحيث نجده قد قلص من مدة التقادم ،ثم جعله
ساريا من وقت حدوث الضرر بغض النظر عن علم المضرور بالضرر و بالمسؤول عنه.
مسؤولية المكلفين برقابة القصر ومختلي العقل ومتعلمي الحرف:
نص المشرع المغربي من خالل قانون وااللتزامات والعقود على أن الشخص يكون مسؤوال
عن الضرر الذي يحدثه بفعله ،و مسؤوال أيضا عن األضرار التي يحدثها األشخاص الذين هم تحت
رقابته.
مسؤولية المكلفين برقابة القصر.
أكد المشرع المغربي على مسؤولية المكلفين برقابة القصر من خالل الفقرة الثانية من الفصل
85من قانون االلتزامات والعقودعلى أن " األب فاألم بعد موته ،يسأالن عن الضرر الذي يحدثه
أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما" .
يستخلص من النص القانوني أعاله ،أن الفعل غير المشروعالذي يرتكبه القصر يسأل عنه األب
قيد حياته ،وذلك بصفته صاحب الوالية في األصل ،أما إذا مات األب حلت محله األم في واجب
اإلشراف والرقابة ،بحيث تصبح مسؤولة عن الضرر الذي يحدثه طفلها القاصر للغير.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
والقانون المغربي ال يرتب مسؤولية شخص أخر غير األب أو األم عن أخطاء أوالدهم القصر،
وذلك على عكس ما هو مق رر في القانون المدني المصري ،حيث يتحمل المسؤولية عن القاصر األقارب
الذين يقيم معهم القاصر ويسهرون على تربيته سواء كان األب أو األم أو الجد أو الجدة أو العم أو العمة أو
غيرهم من األقارب.
ويستشف من نص الفصل 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي أنه لقيام مسؤولية األب أو
األم يجب أن يكون القاصر ساكنا معهما.
وإذا بلغ القاصر سن الرشد تحرر من الرقابة حتى ولو كان ما زال في طور التعليم أو كان ما زال
يعيش في كنف والديه ،وبذلك ال يكون أحد مسؤوال عنه سواء كان ساكنا في البيت أو متواجدا في الحرفة.
بيد أنه إذا كان من بلغ سن الرشد مصابا بجنون أو عته ،تولى الرقابة عليه وليه أو الزوج أو
الزوجة أو من تنتقل إليه الرقابة.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
ومسؤولية رب الحرفة كمسؤولية المكلفين برقابة القصر أو المجانين تقوم على أساس الخطأ
المفترض القابل لإلثبات العكس .بحيث يكون مسؤوال إال إذا أثبت أنه بذل العناية الالزمة للحيلولة دون
وقوع الضرر ،وهو ما تضمنه الفصل 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي أكد على مسؤولية
أرباب الحرف إالإذا أثبتوا أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها.
أساس المسؤولية وإمكانية دفعها.
تقوم مسؤولية المكلفين بمراقبة األشخاص الذين هم في عهدتهم على أساس واحد وهو الخطأ
المفترض .فإذا صدر من المشمول بالرقابة ،سواء تعلق األمر بالقاصر ،أو بالمجنون ،أو بالمتعلم
لحرفة ،عمل غير مشروع ،فإن القانون يفترض أن المكلف بالرقابة قد قصر في رقابة المشمول برقابته
مما سبب ذلك ضررا للغير.
ولذلك تقوم مسؤولية المكلف بالرقابة على خطأ شخصي في جانبه ،فالمشرع المغربي يتخذ من
صدور العمل غير المشروع من المشمول بالرقابة قرينة على هذا الخطأ في جانب المكلف بالرقابة،
فيعفى المضرور من إثبات الخطأ ألننا بصدد خطأ مفترض.
كما أن افتراض الخطأ في جانب المكلف بالرقابة تقتضي حتما افتراض رابطة السببية بين هذا
الخطأ وبين العمل الضار الصادر من المشمول بالرقابة ،بحيث إذا لم تفترض هذه الرابطة السببية وطلب
من المضرور إثباتها ،لوقع على عاتقه إثبات خطأ المكلف بالرقابة.
فالخطأ مفترض والرابطة السببية مفترضة في مسؤولية المكلف بالرقابة عن العمل غير المشروع
الصادر من المشمول بالرقابة.
بيد أن افتراض الخطأ و العالقة السببية في جانب المكلف بالرقابة ليس افتراضا غير قابل إلثبات
العكس ،إذ أن المشرع المغربي في هذه الحالة أقام الخطأ المفترض بمقتضى قرينة بسيطة قابلة إلثبات
العكس ،إذ المكلف بالرقابة يمكنه نفي الخطأ المفترض في جانبه إن هو أثبت أنه لم يكن مقصرا في
مراقبة المش مول بالرقابة وأنه أحسن تأديبه وتربيته ولم يقصر في شيء من ذلك.
وفي هذا الصدد أكدت الفقرة الخامسة من الفصل 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي على
قيام مسؤولية المكلفين بمراقبة القاصرين و متعلمي الحرف إال إذا أثبت األب أو األم أو أرباب الحرفأنهم
لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الضار الذي أدى إلى هذه المسؤولية.
كما تقوم مسؤولية األب واألم وغيرهما من األقارب أو األزواج عن األضرار التي يحدثها
المجانين وغيرهم من مختلي العقل ،إذا توفر شرط السكن معهم رغم كونهم بالغين سن الرشد.
بيد أن هذه القرينة قابلة إلثبات العكس في حالة ما إذا أثبت المكلفين الرقابة أنهم قاموا بكل الرقابة
الضرورية على هؤالء األشخاص ،أو أنهم كانوا يجهلون خطورة مرضهم ،أو أن الفعل الضار قد وقع
نتيجة خطأ المتضرر.
وتسري أيضا أحكام قيام المسؤولية وإمكانية دفعها على من تحمل مسؤولية هؤالء األشخاص
بمقتضى عقد رعايتهم أو مراقبتهم.
ولذلك يجوز أيضا للمكلف بالرقابة أن يدفع عن نفسه المسؤولية بنفي عالقة السببية ما بين خطئه
المفترض والعمل غير المشروع الصادر من المشمول بالرقابة ،و يكون ذلك بإثبات المكلف بالرقابة أن
الضرر كان ال بد واقعا ولو قام بالتزامه بالرقابة بما ينبغي من العناية.
مسؤولية المتبوع عن فعل التابع.
أكد الفصل 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي على مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه
حيث نص على أن " :المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه
خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها." .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
يكون الخطأ واقعا حال تأدية الوظيفة إذا وقع منه وهو يقوم بعمل من أعمال الوظيفة ،وليس
الخطأ الصادر من التابع حال تأدية وظيفته مرادفا للخطأ الذي يقع منه في زمان ومكان الوظيفة إذا لم
يصدر منه وهو يقوم بعمل من أعمال الوظيفة.
ويستوي أن يكون الخطأ في تأدية الوظيفة قد وقع بأمر من المخدوم ،أو بغير أمر منه أو بغير
علم منه ولكن دون معارضة أو وقع الخطأ بالرغم من معارضة المخدوم ،فالخطأ في جميع هذه الحاالت
انحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي.
وتجدر اإلشارة إلى أن الخطأ يكون واقعا من التابع بسبب الوظيفة إذا لم يكن التابع يستطيع
ارتكاب هذا الخطأ لوال الوظيفة ،أو ما كان ليفكر فيه لوال الوظيفة.
وبقراءة لمضمون نص الفصل 85من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده قد اقتصر على مسؤولية
المتبوع في حالة الخطأ الذي يرتكبه تابعه في حال تأدية وظيفته ،غير أن بعض الفقه و االجتهاد القضاء
المغربي ذهب إلى اعتبار المتبوع مسؤوال أيضا عن الخطأ الذي يرتكبه التابع بسبب وظيفته.
وغني عن البيان أنه إذا لم يكن خطأ التابع قد وقع حال تأدية الوظيفة أو بسببها فإنه يكون خطأ
أجنبيا عن تأدية الوظيفة ،وال يكون محال لمساءلة المتبوع.
أساس مسؤولية المتبوع و إمكانية دفعها.
أساس مسؤولية المتبوع.
تعددت اآلراء في تحديد أساس مسؤولية المتبوع ،فذهب بعض الفقه إلى القول بأن أساس مسؤولية
المتبوع هو الخطأ المفترض في جانب المتبوع ،وهو خطأ في الرقابة على التابع أو في توجيهه أو خطأ
في اختياره .وهذا الخطأ مفترض افتراضا ال يقبل إثبات العكس.
على أن القول بذلك يمكن معه للمتبوع أن يتحلل من المسؤولية ويدفعها عنه بإثبات أن الضرر
كان البد واقعا ولو قام بواجب التوجيه والرقابة بما ينبغي من عناية،أي إذا نفى العالقة السببية بين الضرر
الذي وقع والخطأ المفترض في جانبه ،وهذا غير جائز بإجماع الفقه والقضاء.
ومن ناحية أخرى فالقول بأن خطأ المتبوع خطأ مفترض يؤدي إلى عدم مسؤولية المتبوع إذا كان
غير مميز حيث ال يتصور ارتكاب غير المميز للخطأ،وهذا أيضا غير جائز ألن المتبوع غير المميز
يتولى النيابة عنه نائبه ،وبالتالي يظل المتبوع ولو كان غير مميزمسؤوال عن خطأ تابعه .وهذا دليل آخر
على أن أساس مسؤولية المتبوع ال تقوم على أساس الخطأ المفترض.
وقد قال بعض الفقهاء بأن أساس مسؤولية المتبوع ليس هو الخطأ المفترض وإنما هو تحمل
التبعة .فالمتبوع ينتفع بنشاط تابعه ،فوجب أن يتحمل تبعة هذا النشاط ألن الغرم بالغنم وهذه النظرية
تسمح بمسؤولية المتبوع غير المميز ألنه يتحمل تبعة نشاط تابعه.
ومع ذلك فهذا الرأي يتعارض مع أحكام القانون التي تشترط وقوع خطأ من التابع لقيام مسؤولية
المتبوع .كما أن األخذ بنظرية التبعية يؤدي إلى امتناع رجوع المتبوع على تابعه بما دفعه من تعويض
وهذا يخالف القواعد القانونية المنظمة للمسؤولية.
بيد أن الرأي الغالب في الفقه الحديث يذهب إلى إقامة مسؤولية المتبوع على أساس فكرة الضمان
أو الكفالة .فالقانون هو الذي جعل المتبوع ضامنا وكفيال للتابع في التزامه تجاه المضرور بتعويض
الضرر الذي تسبب فيه بخطئه .وهذا هو الذي يفسر حق المتبوع في الرجوع على التابع بما أداه من
تعويض للمضرور.
إمكانية دفع مسؤولية المتبوع.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
تقوم مسؤولية المتبوع ،كما مر معنا ،إذا قامت مسؤولية التابع ،وتقوم مسؤولية هذا األخير إذا ارتكب
خطأ سواء كان خطأ شخصيا واجب اإلثبات ،أو كان خطأ مفترضا يقبل إثبات العكس ،أو خطأ مفترضا
غير قابل إلثبات العكس.
فإذا انتفى الخطأ في جانب التابع انتفت معه مسؤوليته ،وبالمحصلة ال تقوم مسؤولية المتبوع ،كما
أنه إذا استطاع التابع دفع المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب األجنبي فال محل لقيام مسؤولية المتبوع.
إن توافر أرك ان مسؤولية المتبوع من خالل قيام العالقة التبعية و بإرتكاب التابع خطأ حال تأدية
الوظيفة أو بسببها ،يجعل المتبوع ال يستطيع أن يدفع عن نفسه المسؤولية ،بخالف ما هو عليه الحال في
مسؤولية المكلف برقابة القصر أو المجانين وغيرهم من مختلى العقل التي سبق أن رأيناها .فمسؤولية
المتبوع تتميز بأنها ال تقبل إثبات العكس .فال يقبل من المتبوع أن يثبت أنه لم يقصر في الرقابة والتوجيه.
ومتى كانت مسؤولية المتبوع ال تقوم إال بقيام مسؤولية التابع ،فإن المسؤوليتان تقومان معا فال
تغني إحداهماعن األخرى.
ويستفاد من ذلك أن المضرور يجد نفسه أمام مسؤوالن ال مسؤوال واحدا،بحيث يستطيع
المضرور أن يطالب التابع بالتعويض كله أو يطالب به المتبوع أو يطالبهما معا بالتضامن.
وإذا رجع المضرور على المتبوع ،فللمتبوع أن يرجع بكل ما دفعه على تابعه وال يستطيع التابع
أن يحتج على المتبوع بأنه مسؤوال معه عن الضرر ،فهذه المسؤولية لم تتقرر إال لمصلحة المضرور،
فال يجوز للتابع أن يستفيد منها في مواجهة المتبوع.
وان كان هذا األمر لم يشر إليه المشرع المغربي بصفة صريحة في قانون االلتزامات والعقود،
فان المشرع المصري من خالل القانون المدني قد نص على ذلك في المادة 175حيث منحت " للمسئول
عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسئوال عن تعويض الضرر ." .بيد
أن المشرع الجزائري من خالل قانونه المدني ،ربط ذلك بضرورة وجود خطأ جسيم حتى يتمكن المتبوع
من الرجوع على تابعه.
ويستشف مما سبق قوله إلى أن المسؤولية عن فعل الغير ال تمنع المسؤولية الشخصية لهذا الغير
مرتكب الفعل الضار ،بل يمكن أن تقوم مسؤولية كل منهما جنبا إلى جنب ،بحيث إذا ارتكب العامل خطأ
ترتب عليه ضررا للغير ،حق للمضرور أن يطالب العامل و المشغل بالتعويض.
أحكام المسؤولية عن فعل األشياء .
ال يسأل الشخص عن الضرر الناتج عن خطئه الشخصي فحسب ،وال عن الضرر الناتج عن
خطأ الغير المشمولين برقابته و توجيهه أو عن تابعيه ،بل يسأل أيضا عن الضرر الناشئ عن األشياء
التي تكون تحت حارسته.
وثمة ثالث حاالت للمسؤولية عن فعل األشياء تناولها المشروع المغربي منالفصل 86إلى 90
من قانون االلتزامات والعقود وهي مسؤولية حارس الحيوان ومسؤولية حارس الشيء،ومسؤولية حارس
البناء
مسؤولية حارس الحيوان.
تناول المشرع المغربي مسؤولية حارس الحيوان حيث اعتبر أن" كل شخص يسأل عن الضرر
الذي تسبب فيه الحيوان الذي تحت حراسته ولو ضل هذا الحيوان أو تشرد ما لم يثبت:
- 1أنه اتخذ االحتياطات الالزمة لمنعه من إحداث الضرر أو لمراقبته.
- 2أو أن الحادثة نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المتضرر." .
شروط قيام المسؤولية عن فعل الحيوان.
تولي الشخص حراسة الحيوان.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
تتحقق مسؤولية حارس الحيوان متى أحدث هذا الحيوان ضررا للغير ،وهذا يقتضي وجود فعل
الصادر من الحيوان ،وأن يحدث هذا الفعل ضررا للغير
فعل الحيوان.
لكي تتحقق مسؤولية حارس الحيوان يجب أن يكون للحيوان دور إيجابي في تحقق الضرر ،مثال
ذلك أن ينطح الثور شخصا ،أو يركل الحصان أحد المارة ،أو يفترس الكلب أحد الجيران ،أو يلقي حيوان
بحجارة على أحد األشخاص.
بيد أنه ال يلزم االتصال المادي بين الحيوان وبين المصاب بالضرر ،للقيام مسؤولية حارس
الحيوان.
كما ينبغي التمييز بين فعل الحيوان وفعل اإلنسان ،بحيث في الفعل األول ال يكلف المضرور
بإثبات الخطأ ،بينما يكلف بذلك في الفعل الثاني طبقا للقواعد العامة.
فقد يقع الحادث من حيوان يمتطيه أو يقوده إنسان ،أو من فعل عربة يجرها حصان يقوده إنسان،
وقد كان القضاء الفرنسي يعد ذلكفي البداية من فعل اإلنسان ألنه هو الذي يقود الحيوان ،وهنا يجب إثبات
خطأ الحارس طبقا للقواعد العامة .إال أن القضاء الفرنسي تراجع بعد ذلك عن هذا االتجاه ،واعتبر أن
اإلصابة من فعل الحيوان ولو كان اإلنسان هو الذي يقوده أو يمتطيه.
وسبب القول بهذا التوجه هو أن الرابطة السببية في المسؤولية عن فعل الحيوان مفترضة .فإذا
وقع ضرر افترضنا أنه ناتج عن فعل الحيوان ال فعل اإلنسان .فالحيوان هو الذي أفلت من سيطرة
اإلنسان.
وهذا هو الرأي الراجح ،فالضرر الذي يحدثه حيوان يقوده أو يمتطيه إنسان ال يكون من فعل
اإلنسان إال إذا تعمد اإلنسان الضرر فأصبح الحيوان بمثابة آلة مسخرة في يده.
حدوث الضرر من فعل الحيوان.
تقوم مسؤولية حارس الحيوان مهما كان الضرر الذي يحدثه الحيوان للغير .وبذلك ال يشترط أن
يتمثل فعل الحيوان في جرح المضرور أو قتله ،وإنما تقوم مسؤولية حارس الحيوان مهما كانت طبيعة
الضرر ،حيث يعد من فعل الحيوان نقل العدوى من الحيوان إلى آخر أو إلى اإلنسان ،وإزعاج الجيران،
والفزع الذي يحدث آثارا نفسية أو مادية في اإلنسان.
ويعد حارس الحيوان كما نص على ذلك القانون المدني المصري مسؤوال عما يحدثه الحيوان من ضرر
للغير ،ولو ضل هذا الحيوان أو تسرب ،رغم أن الحارس قد ال يكون بضرورة مالكا للحيوان .وهو نفس
ما جاء في القانون المدني الفرنسي الذي نص في المادة 1243على أن:
"Le propriétaire d'un animal, ou celui qui s'en sert, pendant qu'il est à
son usage, est responsable du dommageque l'animal a causé, soit que
l'animal fût sous sa garde, soit qu'il fût égaré ou échappé. ".
أساس المسؤولية وإمكانية دفعها.
إن المسؤولية عن فعل الحيوان غير قائمة على التبعية وبغير خطأ وإال لتحمل المسؤولية مالك
الحيوان وليس حارسه ،ومن تم ال يمكن دفع المسؤولية الناتجة عن فعل الحيوان.
بيد أن الرأي الراجح في الفقه والقضاء يذهب إلى إقرار المسؤولية على أساس الخطأ في
الحراسة ،فالحارس يقع عليه التزام بحراسة الحيوان أي السيطرة عليه بطريقة تمنع إفالته منه واإلضرار
بالغير.
المشرع المغربي فقد جعل خطأ الحارس يقوم على قرينة بسيطة قابلة لإلثبات العكس ،إذ نص
الفصل 86من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن حارس الحيوان يستطيع التخلص من مسؤوليته
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
إذا أثبت أنه اتخذ جميع االحتياطات الالزمة لمنع الحيوان من إحداث الضرر أو لمراقبته ،أو أن الحادثة
ناتجة من حادث فجائي أو قوة قاهرة ،أو من خطأ المضرور .وبذلك تنتفي مسؤولية حارس الحيوان
مادامت العالقة السببية غير قائمة بين خطأحارس الحيوان والضرر.
مسؤولية حارس الشيء.
نظرية المسؤولية عن فعل األشياء.
يعود الفضل في صياغة نظرية المسؤولية عن فعل األشياء إلى القضاء الفرنسي ،فالتقنين المدني
الفرنسي الصادر سنة 1804نص في الفقرة األولى من المادة 1384على أن الشخص ال يسأل فقط عن
فعله الشخصي بل أيضا عن فعل األشخاص الذين يكون مسؤوال عنهم ،وعن فعل األشياء التي تكون في
حراسته.
كان االعتقاد السائد آنذاك أن ذلك ما هو في حقيقته إال ترجمةللتطبيقات الواردة في المواد المتعلقة
بالمسؤولية عن عمل األبناء والتالميذ وصبيان الحرفة وبالمسؤولية عن عمل التابع ،وعن تهدم البناء،
ومن فعل الحيوان .ولذلك كان ال يتم التعويض عن فعل الشيء ولكن عن الخطأ الشخصي الثابت في جانب
المدعى عليه.
ومع تزايد األضرار والحوادث بقيام النهضة الصناعية أصبح تطلب إثبات الخطأ الشخصي في
جانب المدعى عليه كثيرا ما يؤدي إلى حرمان المضرور من التعويض ألنه كان من السهل دائما نفي
الخطأ أو القول بأن سبب الحادث مجهول.
ولذلك عمد القضاء الفرنسي إلى القول بأن المادة 1384تتضمن قاعدة مستقلة خاصة بمسؤولية
الشخص عن األ شياء التي في حراسته .بحيث استقر الرأي على أن هذه المسؤولية تشمل األشياء
الخطيرة ،وأن الخطأ في جانب الحارس هو خطأ مفترض افتراضا ال يقبل إثبات العكس.
انعكس هذا التطور القضائي الفرنسي على توجه المشرع المغربي من خالل قانون االلتزامات
والعقود الذي أكد على أن كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء التي يحرسها ،إذا تبين أن
هذه األشياء هي السبب المباشر في حصول الضرر.
شروط مسؤولية حارس األشياء.
-تولي الشخص حراسة شيء.
المقصود بحراسة الشيء.
يعد حارس الشيء هو الشخص الذي يملك السيطرة الفعلية عليه ،فيتمكن بذلك من رقابة الشيء
وتوجيهه .وهذا هو ما أقرته محكمة االستئناف بالرباط في 20ديسمبر 1963بقولها أن " حارس الشيء
هو الذي يكون له استعماله ويعود إليه أمر التصرف فيه والرقابة عليه".
ولإلشارة فإن الحراسة ليست قرينة الملكية أو الحيازة أو اإلنتفاع ،بل هي قرينة السيطرة الفعلية
على الشيء.
األصل أن يكون المالك هو حارس الشيء ،فهو الذي يملك السيطرة الفعلية على الشيء بصفته مالكا،
وبذلك يعد هذا المبدأ قرينة لصالح المضرور ،ومع ذلك يجوز للمالك أن يثبت أن الحراسة كانت قد انتقلت
منه إلى شخص آخر وقت الحادث .بيد أن مجرد ترك المالك للشيء لمدة عارضة دون أن ينقل حراسته
إلى أحد ال ترفع عنه صفة الحارس ما دام في إمكانه مباشرة السيطرة الفعلية على الشيء وتوجيهه أو
إصدار التعليمات في شأنه.
وقد ينتقل الشيء من المالك إلى غيره بتصريح من المالك فإن كان هذا الغير يحوز الشيء لحساب
المالك ظلت الحراسة لهذا األخير .فال يعد التابع الذي يجوز الشيء المملوك لمشغله حارسا عليه .إذ أن
المتبوع مازال يملك السيطرة على الشيء وإعطاء األوامر بشأنه وذلك من خالل تابعه ،فال يحوز هنا
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
التابع الشيء لحساب نفسه ،بل يظل المتبوع حارسا ،بيد أنه إذا استخدم التابع الشيء لمصلحته الشخصية
ولحساب نفسه بموافقة من المالك أصبح حارسا.
إن انتقال الشيء من المالك إلى غيره بموافقة منه وكان الغير يحوز الشيء لحسابه ولمصلحته،
يتعين الرجوع في ذلك إلى االتفاق الذي نقل الشيء بموجبه ،فإن كان المالك قد تخلى بموجب العقد عن
سلطته في الرقابة والسيطرة إلى الغير الذي تلقى الشيء ،أصبح هذا األخير حارسا ،أما إذا احتفظ المالك
لنفسه بالسيطرة على الشيء ظلت الحراسة له رغم انتقال حيازة الشيء إلى الغير.
المقصود بالشيء.
المقصود بالشيء كل شيء مادي غير حي شرط أال تقوم المسؤولية عنه وفقا لنص خاص.
ولذلك يخرج عن األشياء المادية البناء الذي يتهدم وفقا للفصلين 89و 90من قانون االلتزامات
والعقود المغربي ،وكذلك الحيوان الحي حيث تقوم المسؤولية عنه وفقا للفصل 86من القانون نفسه.
والشيء الذي يعنيه الفصل 88السلف الذكر قد يكون منقوال كسيارة أو آلة ،وقد يكون عقارا
بطبيعته كالمباني في غير حالة تهدمها أو انهيارها بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء .وقد
يكون الشيء عقارا بالتخصيص .
أما بعض التشريعات المقارنة كالقانون المدني المصري تقصر المسؤولية على األشياء التي
يتطلب حراستها عناية خاصة لما يالزمها من خطر كاآلالت الميكانيكية .أما في ما يخص التشريع
المغربي فإن المسؤولية قائمة على كل األشياء المادية الخطرة وغير الخطرة والمنقوالت والعقارات.
-وقوع الضرر بفعل الشيء.
ال يكفي لقيام المسؤولية عن األشياء أن يتولى شخص حراسة شيء بل يجب أن يحدث هذا الشيء
ضررا بالغير.
ويكون الضرر ناتجا عن فعل الشيء سواء كان للشيء دورا إيجابيا في حدوث الضرر ،أو سواء
كان للشيء دور سلبيا بحيث أدى وجوده في وضع غير المألوف إلى حدوث الضرر.
غير أنه إذا كان دور الشيء سلبيا محضا وكان في مكانه الطبيعي فال يعد الضرر الناتج عنه من
فعل الشيء ،و بالمقابل يكون الضرر من فعل الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخال إيجابيا في حدوث
الضرر ،أو كان الشيء في وضع أو في حالة تسمح عادة بأن يحدث ضرر.
وغني عن البيان أنه ليس من الضروري أ ن يكون الضرر الناتج عن فعل الشيء قد حصل بناء
على اتصال مادي مباشر بين الشيء وبين المضرور ،بحيث يمكن أن يكون الضرر ناتجا عن فعل الشيء
رغم أي اتصال مادي.
أساس المسؤولية عن فعل الشيء وإمكانية دفعها.
إذا تحققت المسؤولية عن فعل األشياء باجتماع شرطيها ،بحيث كان المدعى عليه حارسا لشيء،
وحدث الضرر من فعل الشيء ،التزم هذا الحارس المكلف بالشيء بتعويض الغير عن هذا الضرر.
والرأي المعمول به في الفقه والقضاء الفرنسيين يذهب إلى أن أساس المسؤولية عن فعل األشياء
هو الخطأ الثابت المفترض ،فالحارس له السيطرة الفعلية على الشيء ،وفي إمكانه أن يراقب الشيء
ويوجهه بما يمنع اإلضرار بالغير.
فإذا وقع الضرر فذلك يدل على أن الشيء قد أفلت من سيطرة الحارس ،وهذا يعد خطأ في
الحراسة ،وتحقق الضرر من فعل الشيء هو دليل على الخطأ ،ولذلك قامت فكرة الخطأ المفترض
بمقتضى قرينة قاطعة غير قابلة إلثبات العكس.
وهذا ما أخذ به القانون المدني المصري في المادة 178منه التي ال تسمح للحارس بنفي الخطأ إال
بإثبات السبب األجنبي وهو إما أن يكون خطأ المضرور أو خطأ الغير أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
المشرع المغربي أيضا اتجه لألخذ بالخطأ المفترض غير القابل إلثبات العكس وهو ما يستشف
من الفصل 88من القانون االلتزامات والعقود المغربي الذي اعتبر قرينة خطأ الحارس قرينة غير قابلة
إلثبات عكسها ،بحيث ال تنتفي مسؤولية حارس الشيء إال إذا أثبت أوال أنه فعل ما كان ضروريا لمنع
الضرر ،ثم أثبت ثانيا أن هذا الضرر يرجع إما لظرف طارئ أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور.
مسؤولية حارس البناء.
شروط مسؤولية حارس البناء.
-تولي الشخص حراسة البناء.
المقصود بالحراسة:
يقصد ب حارس البناء هو من له السيطرة الفعلية على البناء ،فهو الذي يستطيع أن يتبين ما بالبناء
من عيوب وقدم وما يحتاجه هذا البناء من صيانة.
فيضع القانون على عاتق حارس البناء التزاما يتمثل في القيام بصيانة البناء وترميمه وتجديده
حتى ال ينهار فيحدث ضررا بالغير.
مالك البناء هو صاحب السيطرة الفعلية عليه مبدئيا ،ولكن يجوز للمالك أن يثبت انتقال الحراسة
منه إلى شخص آخر انتقلت إليه حيازة البناء.
وقد تنتقل الحراسة من المالك إلى الغير الذي انتقلت إليه حيازة البناء ،كما هو الشأن بالنسبة إلى
المنتفع والمرتهن رهن حيازة والحا ئز بنية التملك سواء كان حسن النية أو سيء النية.
وإذا تعدد مالك البناء على الشياع وكان البناء وحدة واحدة أمكن اعتبار المالك كلهم حراسا يرجع
عليهم المضرور بالتضامن أو يرجع على أحدهم.
وطبقا للفصل 89من قانون االلتزامات والعقود المغربي فإن حصول نزاع على الملكية بين عدة
أشخاص ،يجعل المسؤولية تنتقل إلى الحائز الفعلي للعقار.
المقصود بالبناء.
يعدالبناءمجموعة من المواد شيدها اإلنسان لتتصل باألرض اتصال قرار ،ويستوي أن يكون
البناء مثال من الصخر أو الحديد أو األخشاب أو الجير أو اإلسمنت .ويستوي أيضا أن يكون
الغرض من البناء هو إعداده للسكنى أو لتخزين البضائع أو إليواء الحيوان أو غير ذلك.
إذ يعد بناء المنازل والمخازن و اإلسطبالت ،بل ويعد بناء أيضا الحائط الثابت والتماثيل
واألعمدة التذكارية ،وكذلك يعد بناء القناطر والسدود واألنفاق تحت األرض ،كما تعتبر بناء كل ملحقات
البناء كاألشجار واآلالت المندمجة في البناء والتوابع األخرى المعتبرة عقارات بالتخصيص.
-وقوع الضرر بسبب تهدم البناء.
ال تقوم مسؤولية حارس البناء وفقا للفصل 89من قانون االلتزامات والعقود المغربي السابق
ذكره عن كل ضرر يكون للبناء دور في حدوثه ،بل تقتصر هذه المسؤولية عن الضرر الناتج عن تهدم
البناء بسبب القدم أو عدم الصيانة أو العيب في البناء.
بيد أن المشرع الفرنسي قد قصر أسباب تهدم البناء في عدم الصيانة أو العيب في البناء دون
إدخال حالة القدم ضمن األسباب الموجبة للمسؤولية ،خالف ما نص على ذلك قانون االلتزامات والعقود
المغربي ،وهو ما يستشف من المادة 1244من القانون المني الفرنسي التي نصت على أن :
"Le propriétaire d'un bâtiment est responsable du dommage causé par
sa ruine, lorsqu'elle est arrivée par une suite du défaut d'entretien ou par
" le vice de sa construction.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
ويقصد بالتهدم تفكك أجزاء البناء كلها أو بعضها وسقوطها مثال ذلك انهيار المبنى أو سقوط سقف
أو شرفة أو سلم .
أما إذا لم يكن هناك تهدم كلي أو جزئي للبناء فال محل ألعمال الفصل 89السالف ذكره ولو كان
الضرر آتيا من البناء.
ويجب أن ينجم الضرر عن تهدم البناء فعال ،ال عن مجرد أن يكون البناء مهدد بالسقوط ،فما دام
أن البناء لم يتهدم فعال كليا أو جزئيا فال محل إللزام الحارس بالتعويض ،بيد أنالفصل 90من قانون
االلتزامات والعقود ال مغربي يجيز لمالك العقار المجاور مطالبة جاره المالك باتخاذ تدابير وقائية في هذه
الحالة .بيد أنه يمكن للمحكمة في حالة عدم استجابة المالك أن تأذن للجار المهدد بالضرر باتخاذ هذه
التدابير لدرء الخطر على حساب المالك.
فالمشرع المغربي منح لمالك العقار وحده مادام مهددا بضرر يصيبه من جراء احتمال انهيار
البناء أن يطالب مالك العقار أو المسؤول عنه باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر ،وبذلك
لم يسمح المشرع المغربي لغير المالك المجاور من المطالبة باتخاذ التدابير الضرورية للحيلولة دون وقوع
الخطر ،ومن ذلك المكتري أو المرتهن ،مما يدفعنا إلى القول بضرورة إعادة صياغة هذا الفصل ليشمل
كل من كان مجاورا للبناء يخشى تهدمه حفاظا أوال على أرواح األبرياء ثم ثانيا أن بعض المالكين قد تكون
لهم نية سيئة في اإلحجام عن هذه المطالبة ،ثم ثالثا ليس كل المالكين متواجدين بعين المكان حيث يوجد
البناء الذي يخشى تهدمه.
أساس مسؤولية حارس البناءو إمكانية دفعها.
متى تهدم البناء كليا أو جزئيا فأحدث ضررا للغير ،وجب على هذا األخير أن يثبت أن المدعى
عليه حارس للبناء ،وأن الضرر قد نتج عن تهدم هذا البناء .فالفصل 89من قانون االلتزامات والعقود
المغربي لم يشير إلى إثبات إهمال معين من جانب حارس البناء ،بخالف ما هو مقرر في الفصل 85
بشأن حارس الحيوان.
لذلك فالمشرع المغربي تكفل بإقامة قرينة قانونية قاطعة غير قابلة إلثبات العكس مؤداها أن هناك
إهماال وخطأ من جانب حارس البناء يتمثل إما في عدم صيانة البناء أو ترميمه بسبب قدمه أو تدارك عيب
في تصميمه أو بنائه ،وبذلك ال يجوز لحارس البناء أن ينفي الخطأ عن نفسه بإثبات أن البناء كان ال يحتاج
إلى صيانة وأنه لم يكن قديما وليس به عيب أدى إلى تهدمه .فالخطأ هنا مفترض افتراضا ال يقبل إثبات
العكس .وهذا الخطأ المفترض هو سبب تهدم البناء فال يكلف المدعي بإثباته.
وقد ذهب أحد الفقه إلى القول بأن" مسؤولية حارس البناء قد تقوم على خطئه ،وقد تتحقق بعيدة
عن أي خطأ في جانبه ،لذلك نستصوب القول بأنها مسؤولية ال خطئية ،تقوم على أساس تحمل التبعة ." .
فإذا أراد الحارس أن يدفع المسؤولية عن نفسه ،فليس أمامه من سبيل إال نفي رابطة السببية بين
خطئه المفترض وحدوث الضرر ،بحيث يمكنه أن ينفي هذه السببية إذا قدم للمحكمة سببا آخر لتهدم البناء
غير اإلهمال في الصيانة أو القدم في البناء أو العيب فيه.
كما يجب أن يكون هذا السبب الذي يقدمه حارس البناء مؤديا إلى تهدم البناء ولو قام الحارس
بواجبه في الصيانة أو الترميم أو اإلصالح ،فعليه أن يقدم سببا أجنبيا يكفي بذاته لتهدم بناء جديد غير
معيب ال يحتاج إلى صيانة.
بيد أن التساؤل الذي أود طرحه في هذا الصدد يتمثل في مدى اعتبار األسباب الواردة في الفصل
89من قانون االلتزامات والعقود المغربي أسبابا واردة على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟وما هو
المقتضى القانوني الواجب التطبيق في حالة انهيار البناء خارج الحاالت الواردةفي الفصل 89أعاله؟.
بالرجوع إلى الفصل 88من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده يتحدث بصفة عامة عن
األشياء الجامدة التي يسأل عنها الشخص الحارس متى سببت ضررا ،بيد أن هذه الصيغة العامة سرعان
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
ما خصصها المشرع عند الحديث عن مسؤولية مالك البناء من خالل الفصل 89من قانون االلتزامات
والعقود المغربي ،مما يدل على أن المشرع أفرد مقتضيات خاصة بمالك البناء تم حدد الحاالت التي
يكون فيها هذا المالك مسؤوال أي بسبب قدم البناء أو عدم الصيانة أو عيب في البناء ،بمعنى أن غير هذه
الحاالت يرجع فيها إلى الفصل 88السالف الذكر.
ولإلشارة فإن الخطأ المفترض في جانب الحارس عن تهدم البناء ال يقوم عند وجود عالقة تعاقدية
بين حارس البناء والمضرور ،فالمسؤولية التعاقدية تمنع قيام المسؤولية التقصيرية كما قلنا آنفا.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
ومثال الموثق ،وبخصوص هذا األخير اعتبر قرار صادر عن قضاء النقض المغربي أن "مهمة الموثق
تتمثل في تحقيق نتيجة المعاملة ال حاصلة بكل تحديد والقيام باإلجراءات الكفيلة بإبرام العقد".
أما النوع الثاني فيتمثل في االلتزام ببذل عناية إذ إن المدين يكون ملزما ببذل العناية الالزمة في تنفيذ
التزامه ،بيد أنه غير ملزم بتحقيق النتيجة النهائية التي يسعى إليها الدائن ،و مثال ذلك أن الطبيب ال يلتزم
بشفاء المريض بل يلتزم ببذل عناية الالزمة لذلك ،إذ يكون الطبيب ملزما ببذل عنايته لتحقيق هدف
المريض وهو الشفاء ،ففي هذا النوع من االلتزام يجب على المدين أن يبذل مقدار معينا من العناية التي
يبذلها الشخص العادي ،و قد تزيد أو تقل هذه العناية طبقا لما يقرره ،القانون أو االتفاق و يكون المدين قد
نفذ التزامه التعاقدي إذا بذل العناية المطلوبة منه رغم أن الغاية أو الهدف من االلتزام لم يتحقق.
أما النوع الثالث واألخير من االلتزامات فيتعلق بااللتزام بالسالمة وهو التزام بضمان السالمة
بحيث يلزم المدين ب ممارسة سيطرة فعلية على كل العناصر التي يمكن أن تكون سببا في حدوث ضرر
للدائن المستفيد من المنتوج سواء كان سلعة أو خدمة ،وهو التزام بتحقيق نتيجة وليس بذل عناية ،ذهب
أحد الفقه إلى اعتبار االلتزام بالسالمة يتعين تنفيذه كما يتطلب االتفاق أو القانون ذلك بحيث ال يحتمل هذا
التنفيذ زيادة أو نقصانا ،كما أن تحقيق نتيجة السالمة غير قابلة للتجزئة.
وبذلك ال يمكن إعفاء المدين من التزامه بضمان سالمة الدائن إال إذا أثبت أن هذا الضرر سببه أجنبيا
كالقوة القاهرة أو خطأ الدائن.
الخطأ بفعل الغير أو بفعل الشيء.
إن تحقق الخطأ التعاقدي في المسؤولية عن فعل الغير ال يتأثر بكون عدم الوفاء راجع إلى فعل
شخص آخر غير المدين سواء كان هذا الشخص تابعا له أو نائبا عنه في تنفيذ بنود العقد ،بحيث إذا
كان عدم الوفاء بالتزام التعاقدي يعود إلى فعل أحد تابعي المدين أو إلى فعل شخص آخر أحله المدين محله
في تنفيذ االلتزام في حالة عقد مقاولة من الباطن مثال ،أو إلى فعل نائب عن المدين كالوصي أو القيم أو
الوكيل مثال ،فإن مسؤولية المدين عن فعل الغير تتحقق ،و ال يعد فعل هذا الغير من قبيل السبب
األجنبي بالنسبة للمدين إال إذا كان الغير أجنبيا ،ما لم يشترط المدين إعفاءه من المسؤولية الناجمة عن
خطأ من يشغلهم في تنفيذ التزامه.
أما في ما يتعلق بالمسؤولية التعا قدية عن األشياء فإن المدين يكون مسؤوال عن عدم تنفيذ العقد
متى كان تدخل إيجابي من شيء أفلت من حراسته ،وبذلك يكون مسؤوال عن خطئه التعاقدي ليس بفعله
الشخصي بل بفعل الشيء ويمكن أن يتحقق ذلك أوال في حالة تسليم المدين الشيء محل العقد للدائن،ثم
ثانيا يكون المدين مسؤوال عن إعادة الشيء محل العقد للدائن ،وثالثا عندما يقوم المدين بتنفيذ العقد عن
طريق استعماله شيئا يؤدي إلى إصابة الدائن ،وبذلك يكون المدين مسؤوال عن سالمة الدائن بمقتضى
العقد المبرم بينهما .
الضرر التعاقدي.
شروط الضرر التعاقدي وأنواعه.
شروط الضرر التعاقدي.
يعتد بالضرر سواء كان ماديا أو معنويا من أجل قيام المسؤولية التعاقدية إذا استجمع الشروط
التي يتطلبها القانون لذلك ،بحيث ينبغي أن يكون الضرر شخصيا ومباشرا ،أي أن الضرر قد لحق
بالدائن ،وجاء كنتيجة طبيعية لخطأ المدين المتمثل في عدم الوفاء بما التزام به،مادام ليس بإمكان الدائن
تجنبه ببذل جهد معقول .بخالف الضرر المباشر غير المتوقع الذي ال يعتبر نتيجة طبيعية مألوفة للخطأ.
كما ينبغي أن يكون الضرر متوقعا ،و يقصد به ذلك الضرر الذي يتوقعه الرجل العادي وقت
تعاقد ،وليس الذي توقعه المدين وقت إبرام العقد ،وبذلك يعتمد في تقديره على معيار مجرد و ليس معيار
ذاتي.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
بيد أنه في إطار المسؤولية التقصيرية كما سبق الحديث عن ذلك ،فان المدين يسأل عن الضرر
المباشر سواء كان متوقعا أو غير متوقع ،بخالف المسؤولية التعاقدية إذ أن المدين ال يسأل مبدئيا إال عن
الضرر المباشر المتوقع عادة وقت العقد ،تأسيسا على اإلرادة المعبر عنها من لدن المتعاقدين والتي
انصبت على االلتزام بما يمكن توقعه وقت التعاقد ،غير أنه إذا كان اإلخالل بااللتزام يعود إلى غش
المدين أو خطئه الجسيم ،كان مسؤوال عن الضرر المباشر سواء المتوقع منه أو غير المتوقع.
كما يتعين أن يكون الضرر محققا ،ويستوي في ذلك أن يكون حاال أو مستقبال ،غير أنه إذا كان
الضرر المستقبلي محتمل الوقوع فال محل لطلب التعويض عنه في الحال ،بل يتعين انتظار تحققه ،و
يعتبر الضرر محققا كل ما فات الدائن من كسب و ما لحقته من خسارة .
و أخير البد أن يصيب الضرر حقا أو مصلحة مشروعة للمضرور ،وأن يترتب عن هذا اإلخالل
خسارة فعلية للدائن و فوات الكسب الناتج عن عدم التزام المدين بتعهده ،وهو ما تضمنه الفصل 264من
قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أن ":الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية
وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بااللتزام .وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة
موكول لفطنة المحكمة ،التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه.
".
وتجدر اإلشارة إلى أنه أذا كانت المصلحة التي تم المساس بها غير مشروعة لمخالفتها للنظام العام
ولآلداب العامة ،فإن كل ضرر ناتج عن المساس بها ال يعتد به قانونا.
أنواع الضرر.
الضرر المادي.
هو الضرر الذي يصيب الدائن في ماله أو جسمه ،أي ذلك األذى الذي يلحق به خسارة حقيقية أو
يفوت عليه كسبا ،والضرر المادي هو الذي يمكن تقويمه بالنقود.
و بذلك فالضرر المادي هو كل خسارة أو أذى يصيب الشخص في ماله أو في جسمه كضياع
صفقة رابحة أو تفويت فرصة كسب مال عليه.
كما يقصد به الضرر الذي يمس بمصالح مالية داخلة ضمن الذمة المالية للمتضرر ،فينتقص
منها أو يعدمها ،كما يمس بالممتلكات فيعطلها أو يتلفها.
والضرر المادي هو الضرر الذي يمكن تقويمه بالنقود ،وهو أكثر شيوعا في المسؤولية التعاقدية
من الضرر المعنوي ،إذ يصيب الشخص في ذمته المالية أو في جسمه.
الضرر المعنوي.
هو الضرر الذي يصيب اإلنسان في مصلحة غير مادية ومثال ذلك الضرر الذي يصيب اإلنسان في
عاطفته أو سمعته نتيجة السب والقذف و اإلهانة ،وبذلك فإن الضرر المعنوي هو كل ما يصيب الجسم من
ألم أو يحدث فيه من تشويه ،كما قد يصيب الشرف و االعتبار وقد يلحق العاطفة والحنان والشعور.
يجد الضرر المعنوي تطبيقاته بشكل كبير في أطار المسؤولية التقصيرية بخالف وقوعه في
المسؤولية التعاقدية ،لكون العقد يقتضي إبرامه مبدئيا على شيء ذي قيمة مالية ،غير أنه قد تكون للدائن
مصلحة أدبية في تنفيذ العقد و يترتب على إخالل المدين بالتزامه حدوث ضرر أدبي.
نطاق التعويض عن الضرر التعاقدي.
ي تطلب الحصول على التعويض ضرورة أثبات الدائن لخطأ المدين المتمثل في عدم التنفيذ ،وللضرر الذي
لحقه من عدم تنفيذ المدين اللتزامه أو من تأخيره في القيام بتنفيذه.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
القاعدة العامة في التعويض هي أن الضرر المباشر المتوقع هو الذي يعتد به لترتيب المسؤولية
التعاقدية ،فالضرر غير مباشر ال يعوض عنه مطلقا سواء في المسؤولية التعاقدية أو في المسؤولية
التقصيرية ،فالتعويض في المسؤوليتين يكون عن الضرر المباشر فقط ،كما سبقت اإلشارة إلى ذلك عند
الحديث عن المسؤولية التقصيرية ،أما في المسؤولية التعاقدية فيقتصر التعويض على األضرار المباشرة
المتوقعة وقت التعاقد ما لم يرجع الضرر إلى غش المدين أو خطئه الجسيم ،فيكون مسؤوال عن األضرار
المتوقعة وغير المتوقعة .
ومن المعلوم أن التعويض يكون في الضرر الحال ،أما إذا لم يكن هناك ضرر فال مجال للحديث
عن التعويض ،بخالف الضرر المحقق الوقوع في المستقبل الذي نستطيع تقدير التعويض عنه في الحال.
أما إذا كان الضرر المستقبل المحقق الوقوع ال يستطاع تقدير التعويض عنه في الحال ،وجب
التريث حتى يعرف مدى الضرر ليتقاضى عنه تعويضا كافيا ،أما الضرر المحتمل فال يعوض عنه إال
عندما يقع.
أما ما يخص التعويض عن الضرر األدبي ،فقد ثار خالفا كبير في الفقه والقضاء الفرنسيين ،إذ
ذهب القضاء الفرنسي في بداية األمر إلى عدم تعويض عن الضرر األدبي لعدم إمكانية تقويمه بنقود ،كما
ذهب كذلك بعض الفقهاء إلى أن الضرر الم عنوي الذي يترتب وحده على اإلخالل بااللتزام تعاقدي ال
ينشيء حقا في التعويض عنه.
لم يشر المشرع المغربي صراحة إلى موضوع التعويض عن الضرر المعنوي ،بحكم عدم وضوح
نصوص قانون االلتزامات والعقود في نص صراحة إلى جواز التعويض ،وان كان القضاء المغربي قد
ذهب إلى األخذ بفكرة التعويض.
وبالرجوع إلى هذا القانون رغم عدم وضوحه نستشف إمكانية التعويض وذلك من خالل ما جاء في
الفقرة األولى من الفصل 264منه التي سمحت بتعويض الدائن عن كل خسارة حقيقية وما فاته من كسب،
ومن تم يمكن القول بأن الضرر الذي يمس االعتبار الشخصي قد يسبب خسارة حقيقية للدائن.
و بالرجوع إلى المشرع المصري نجده نص صراحة على تعويض الضرر المعنوي من خالل المادة
222من القانون المدني ،كما يستشف من القانون المدني الجزائري على أمكانية التعويض عن الضرر
المعنوي ،بحيث نصت المادة 176منه على أنه "إذا استحال على المدين أن ينفذ االلتزام عينا حكم عليه
بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ،ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب ال يد له فيه،
ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه." .
العالقة السببية بين الخطأو الضرر.
إثبات وجود العالقة السببية بين الخطأ والضرر.
يقع على الدائن -كما قلنا -عبء إثبات الرابطة السببية بين الخطأ التعاقدي والمتمثل في عدم تنفيذ
االلتزام و الضرر الذي لحقه من هذا الخطأ ،واثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر كركن من أركان
المسؤولية التعاقدية ،يخضع للقواعد العامة في مجال اإلثبات ،وبذلك يكون على الدائن إثبات ما يدعيه
من الضرر الالحق به نتيجة لخطأ المدين في عدم تنفيذ التزامه.
إن إثبات ذلك يجعل القرينة قائمة على وجود هذه العالقة السببية بين خطأ المدين والضرر الذي
أصيب به الدائن ،أما وجود العالقة السببية بين عدم تنفيذ االلتزام و سلوك المدين ،فهي مفترضة في نظر
المشرع الذي يفترض أن الخطأ راجع إلى سلوك المدين ،و على هذا األخير إذا كان يدعي خالف ذلك
أن يقوم بنفي السببية بين عدم التنفيذ و سلوكه ،وهو ما صرح به القانون المدني الكويتي الذي نص على
أن ه"عند تعذر تنفيذ االلتزام عينا ،أو التأخير فيه ،يجب على المدين تعويض الضرر الذي لحق الدائن
بسبب ذلك ،ما لم يثبت المدين أن عدم التنفيذ أو التأخير كان لسبب أجنبي ال يد له فيه." .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
الحديث عن المسؤولية التعاقدية يفرض وجود عقد بين الدائن والمدين ،و أن يكون هذا العقد
صحيحا ،أما إذا لم يكن عقد بين األطراف كأن يتضرر أحد األطراف في مرحلة سابقة على إبرام العقد،
أو إذا كان العقد غير موجود بين المسؤول و المضرور ،كأن يقدم أحدهما خدمة للثاني من باب اإلحسان
أو المجاملة ،فال مجال لقيام المسؤولية التعاقدية .
كما أنه ال مجال للحديث عن المسؤولية التعاقدية إذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال و تقرر
إبطاله ،أوفي حالة الضرر الذي يصيب األطراف بعد انقضاء الرابطة التعاقدية بسبب فسخها أو ألي سبب
آخر ،ومثال ذلك إفشاء المهندس ألسرار المصنع الذي كان يعمل فيه إلى مصنع منافس بعد انتهاء العقد
هي مسؤولية تقصيرية ال تعاقدية .إذ يبقى أمام الدائن سوى اللجوء إلى متابعة المدين طبقا ألحكام
المسؤولية التقصيرية.
وعلى العموم إذا كان العقد ينص على هذا االلتزام حتى بعد انتهاء العقد ،فإن المدين يكون مسؤوال
مسؤولية تعاقدية ،أما إذا كان القانونهو المصدر المباشر لهذا االلتزام ،فتترتب على عاتق المدين
مسؤولية تقصيرية .
كما يشترط كذلك أن يكون الضرر قد نتج عن اإلخالل بالتزام ناشئ عن العقد ،فإذا كان الضرر
الذي لحق أحد الطرفين قد نتج عن خطأ من الطرف األخر ال يعد إخالال بالتزام منشأه العقد فال تقوم
المسؤولية التعاقدية بل المسؤولية التقصيرية.
إخالل المدين بالتزامه التعاقدي.
إن وجود عقد صحيح تترتب عنه ضرورة التزام المدين بمقتضياته ،وإال حدث ضرر مباشر
للدائن ناتجة إخالل الطرف المدين بالتزاماته التعاقدية ،وهي التزامات وضعت وحددت من قبل
المتعاقدين ،وكذا التي أقرها القانون أو العرف باعتبارها من مستلزماته.
و بذلك يحق للدائن أن يتمسك بالمسؤولية التعاقدية عند اإلخالل بااللتزامات التي سطرها العقد
بصفة صريحة ،و أيضا التي تدخل في دائرة التعاقد باعتبارها من مستلزمات العملية التعاقدية طبقا
للمقتضيات القانونية واألحكام العرفية و كذا مبادئ العدالة و خصوصية المعاملة.
كما يمكن للمستفيد من تنفيذ العقد أن يدفع بالمسؤولية التعاقدية عند إخالل المدين بالتزاماته ،كما
هو شأن في االشتراط لمصلحة الغير بحيث يلتزم المتعهد في عقد االشتراط بتنفيذ التزاماته لفائدة المستفيد
،وهو ما تضمنه الفصل 34من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أنه ":وفي هذه
الحالة ينتج االشتراط أثره مباشرة لمصلحة الغير ،ويكون لهذا الغير الحق في أن يطلب باسمه من الواعد
تنفيذه وذلك ما لم يمنعه العقد من مباشرة هذه الدعوى أو علقت مباشرتها على شروط معينة".
تنفيذه لاللتزام ،أي إخالل المدين بالتزامه التعاقدي و المتمثل إما في عدم الوفاء أو تأخر في الوفاء ولو
بحسن نية ،أو في حالة التنفيذ المعيب لاللتزام .
كما يتعين احترام أجل دعوى المسؤولية التعاقدية والتي تضمنه الفصل 387من قانون
االلتزامات والعقود المغربي حيث نص على أن" كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بخمس عشرة
سنة ،فيما عدا االستثناءات الواردة فيما بعد ،واالستثناءات التي يقضي بها القانون في حاالت خاصة." .
وبذلك تتقادم دعوى المسؤولية التعاقدية بمرور خمسة عشر سنة تبتدئ من تاريخ إبرام العقد ،أال
أن هناك استثناءات ترد على هذا المبدأ بخصوص أجل التقادم كما هو الشأن بالنسبة للفصل الفصل 388
الذي تضمن أجال للتقادم تتمثل في خمس سنوات في ما يتعلق بدعوى التجار والموردين وأرباب المصانع
بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنهم.
كما قد يكون أجل التقادم محددا في سنتين عندما يتعلق األمر بدعوى األطباء والجراحين
والمولدين وأطباء األسنان والبياطرة من أجل ما يقومون به من زيارات ويؤدونه من عمليات ،وكذلك من
أجل ما يوردونه من أشياء وما يقدمونه من نقود ابتداء من تاريخ حصوله؛وبدعوى الصيادلة من أجل
األدوية التي يوردونها ،ابتداء من تاريخ توريدها؛وبدعوى المؤسسات الخاصة أو العامة المخصصة
لعالج األمراض البدنية أو العقلية أو لرعاية المرضى ،من أجل العالج المقدم منها لمرضاها والتوريدات
والمصروفات الحاصلة منها لهم ،ابتداء من تاريخ تقديم العالج أو حصول التوريدات؛وبدعوى المهندسين
المعماريين وغيرهم من المهن دسين والخبراء والمساحين من أجل مواصفاتهم أو عملياتهم والمصروفات
المقدمة منهم ابتداء من تاريخ تقديم المواصفة أو إتمام العمليات أو إجراء المصروفات؛وبدعوى التجار
والموردين وأرباب المصانع من أجل التوريدات المقدمة منهم لألفراد الستعمالهم الخاص؛و أخيرا بدعوى
الف الحين ومنتجي المواد األولية من أجل التوريدات المقدمة منهم ،إذا كانت قد استخدمت في األغراض
المنزلية للمدين ،وذلك ابتداء من يوم وقوع التوريدات.
كما قد يتمثل أجل التقادم طبقا للفصل 388المذكور بسنة ذات ثالثمائة وخمسة وستين يوما كلما
تعلق األمر بدعوى المعلمين واألساتذة وأصحاب المؤسسات المخصصة إلقامة التالميذ العامة منها
والخاصة ،من أجل أتعابهم المستحقة على تالميذهم وكذلك من أجل التوريدات المقدمة منهم إليهم ،وذلك
ابتداء من حلول األجل المحدد لدفع أتعابهم؛أوبدعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات
وغير ذلك من األداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل ،وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم
من أجل المبالغ التي يسبقونها لهم على أساس تلك الرابطة؛أو بدعوى العمال والمستخدمين والمتعلمين
والمتجولين ومندوبي التجارة والصناعة ،من أجل رواتبهم وعموالتهم ،وما أدوه من مصروفات بسبب
وظائفهم ،وما يستحقونه من عطلة سنوية مؤدى عنها أو ما يعوضها وذلك عن السنة الجارية وعند ثبوت
الحق في عطل مجتمعة ،عن السنة أو السنتين الماضيتين؛ أو بدعوى أرباب الحرف من أجل توريداتهم و
مياوماتهم وما أنفقوه بسبب خدماتهم؛أوبدعوى المخدوم أو رب العمل من أجل المبالغ المسبقة للعمال
والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين والمندوبين من أجورهم أو عموالتهم أو المبالغ التي أنفقوها بسبب
خدماتهم؛ أو بد عوى أصحاب الفنادق والمطاعم ،من أجل اإلقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم،
أو دعوى مكري المنقوالت من أجل أجرتها.
الحكم المترتب على دعوى المسؤولية التعاقدية.
ترمي أحكام المسؤولية التعاقدية في جوهرها إلى جبر الضرر الذي أصيب به الدائن نتيجة الخطأ
ال منسوب للمدين في إطار العالقة التعاقدية ،فالمحكمة المعروض عليها النزاع في إطار المسؤولية
التعاقدية ،متى تبت لها وقوع الضرر ،ألزمت المدعى عليه بصفته الطرف المتسبب في وقوع الضرر
بأداء التعويض المناسب للمدعي بصفته الطرف المتضرر.
وقد يكون هذا التعويض إصال حا للعيب أو الخلل الموجب للمسؤولية أو عبارة عن دفع تعويضات
نقدية للطرف المضرور إذا كان العيب أو الضرر مستعصيا عن اإلصالح.
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
وكما هو معلوم فإن مقدار التعويض يختلف باختالف حجم وخطورة الضرر الالحق بالشخص
المضرور .وباعتبار التعويض من األمور الواقعية ،فإن تقدير قيمته يرجع للسلطة التقديرية للقاضي
الموضوع ،ومن تم فإن المحكمة في تقديرها لقيمة التعويض ال تكون خاضعة لرقابة قضاء النقض سواء
بالنسبة للتعويضات النقدية أو العينية ،كما أن التعويض يعتبر من االلتزامات التبعية ال األصلية،
باعتباره محاولة لجبر الضرر الذي لحق الدائن وهو بذلك خارج عن التزامات األصلية أي انه يستند إلى
التزام أصلي مصدره العقد وجد سلفا تم اإلخالل به من قبل المدين.
و يشمل الحكم بالتعويض في دعوى المسؤولية التعاقدية كل األضرار و الخسائر التي لحقت
الدائن بصفته متضررا ،بحيث يشمل األضرار المباشرة من جهة ،والتي تيقنت المحكمة أنها واقعة ال
محال في المستقبل من جهة أخرى ،على اعتبار أن الضرر هو كل خسارة حقيقية أو تفويت فرصة
الكسب.
االتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التعاقدية.
تشديد أحكام المسؤولية التعاقدية.
يمكن لألطراف المتعاقدة اللجوء إلى التشديد في أحكام المسؤولية التعاقدية ،و ذلك بإدراج شرط
في العقد المبرم أو بإنشاء اتفاق مستقل عن العقد ،يقضي بمسؤولية المدين في حالة أو في أحوال تكون
فيها مسؤوليته غير واردة بموجب القواعد العامة.
حيث يمكن لألطراف االتفاق على مسؤولية المدين رغم أن قيام السبب األجنبي يجعل حدا
للعالقة القائمة بين خطأ المدين وبين الضرر الذي أصاب الدائن ،كما يمكن االتفاق على جعل التزام
المدين بتحقيق نتيجة ،رغم كونه في األصل ببذل عناية ،أو اتفاق األطراف المتعاقدة على تشديد في
التزام العناية التي يبذلها المدين.
وكمثال على الت شديد في أحكام المسؤولية التعاقدية ،االتفاق على اشتراط ضمان أعمال ال تدخل
ضمن األحكام العامة للضمان المفروضة على البائع ،أو إدراج شرط جزائي في العقد المبرم بين
األطراف يسمح بتقدير التعويض بطريقة جزافية.
واالتفاق على تشديد في أحكام المسؤولية جائز قانونا ،سواء في المسؤولية التعاقدية أو في
المسؤولية التقصيرية ،بيد أنه إذا كانت هذه األحكام الخاصة بتشديد المسؤولية سواء التعاقدية أو
التقصيرية يمكن االتفاق عليها ،إال أن شرط اإلعفاء أو التخفيف منها ال مجال له في أطار المسؤولية
التقصيرية.
اإلعفاء أو التخفيف من المسؤولية التعاقدية.
يعد الشرط المعفي من المسؤولية التعاقدية هو ذلك الشرط الذي ترفع بموجبه مسؤولية المدين،
وقـد عـرفه أحـد الفقه بأنه" :االتفاق على إعفاء المدين من التزامه بالتعويض عن الفعل الضار ومنع
مطالبته بالتعويض الذي تقضي به القواعد العامة ".
والقاعدة العامة عندغالبية الفقه تقضي بجواز االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية التعاقدية،
ويرجعون ذلك إلى كون هذه المسؤولية منشأها العقد ،وأن العقد وليد إرادة المتعاقدين ،فالرضا الصحيح
لألطراف المتعاقدة هو أساس المسؤولية التعاقدية ،ومادامت اإلرادة هي المنشئة لقواعد هذه المسؤولية،
فيمكن لألطراف أن تعدلها فيحدود ما يسمح به النظام العام والقانون .
وبذلك فالمشرع المغربي منع إبعاد أو التخفيف من المسؤولية إذا كانت تخالف أحكام الفصلين
749و 750من قانون االلتزامات والعقود ،وهذا ما أكد عليه الفصل 751منه الذي نص على أن كل
" كل االشتراطات أو االتفاقات التي تستهدف تخفيف أو إبعاد المسؤولية المقررة بمقتضى الفصلين 749
و 750على عاتق المخدومين أو أرباب األعمال تقع عديمة األثر." .
][Texte
محاضرات وحدة المسؤولية المدنية -ذ.المصطفى طايل
و لإلشارة فإن اإلعفاء من االلتزام ،يرافقه غالبا نقل االلتزام على عاتق المتعاقد اآلخر ،بحيث أذا
تم االتفاق على تحمله لاللتزام فال نكون أمام إعفاء من المسؤولية ،بل نكون أمام التزام متفق على تحميله
لذمة الطرف اآلخر ،فهذا األخير يمكنه في هذه الحالة أن يشترط إعفاءه من المسؤولية وليس العكس ،و
هذا اإلعفاء جائز مادام ليس هناك غش أو خطأالجسيم من لدن المدين.
ولإلعفاء من المسؤولية التعاقدية يتعين توافر ثالثة شروط كما أكد على ذلك أغلب الفقه ،ويتعلق
أولها بضرورة تحقق العلم التام بمضمون الشرط المتعلق باإلعفاء من لدن الدائن ،ثم ثانيها بأن يكون
المدين غير عالم بوجود مخاطر موجبة للضمان والمسؤولية ،ثم ثالثها أن يكون الشرط المعفي من
المسؤولية ال يمس بالصحة العامة للمواطنين ،وذلك ما أكد عليه المشرع المغربي في الفصل 13 -106
من قانون االلتزامات والعقود الذي نص على أنه ":تطبيقا ألحكام هذا الباب ،تعتبر باطلة كل
الشروط المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط
اإلعفاء منها." .
أما االتفاق على التخفيف من المسؤولية التعاقدية فيرمي إلى جعل مسؤولية المدين مخففة وقد
عرفه احد الباحثين بأنه" :االتفاق على إنقاص مدى التعويض".
في حين اتجه آخرون إلى تعريف شرط التخفيف من المسؤولية بذلك الشرط الذي بمقتضاه
"يخفض التعويض عن قدر الضرر الذي يستوجبه ،أو تنقص المـدة التـي فـي أثنائهـا يجـوز رفـع دعـوى
المسؤولية" ،إلى أن التخفيض في التعويض ،وإن كان يؤدي إلى تخفيف من المسؤولية كمآل نهـائي،
على اعتبار انه اتفاق ال يرد على المسؤولية مباشرة ،ال يصح القول بأنـه شـرط يعـدل فـي أحكامهـا،
فالتعويض نظام قانوني مستقل ،فيما اتفاقات المسؤولية هي اتفاقـات تـرد علـى المسؤولية ذاتها ،إذ يكون
المدين مسؤوال إذا تحققت أركان تلك المسؤولية ،لـيس بموجـب القواعد القانونية بل بموجب العقد ،أما
في ما يخص االتفاق على مدة أقل من المدة التي حددها القـانون ،فاألصل أن يجيز القانون االتفاق على
مدة أقل بنص خـاص ،ألن القاعدة تقضي بأن قواعد التقادم من النظام العام .وبذلك فالشرط المخفف في
المسؤولية التعاقدية هو عبارة عن بند في عقد ،أو اتفاق مستقل ،تخفف بموجبه مسؤولية المدين ،وذلك
بحصرها فـي جـزء مـن المسؤولية ،أو بالتخفيف في تقييم سلوك المدين بحيث ال يكون مطالبا بالعناية
التي يفرضها القواعد القانونية ،وإنما بالعناية التي نص عليهـا العقد ،وهي أقل مما تتطلبه هذه القواعد.
][Texte