You are on page 1of 43

‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.

‬المصطفى طايل‬

‫أ هم الفوارق بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية‪.‬‬


‫تختلف المسؤولية الجنائية عن المسؤولية المدنية بفارقين أساسين هما‪.‬‬
‫الفارق األول يتمثل في كون المسؤولية الجنائية تقوم على أن هناك ضررا أصاب المجتمع ‪ ،‬أما‬
‫المسؤولية المدنية فتقوم على أن هناك ضررا أصاب الفرد ‪ ،‬ويترتب على ذلك النتائج التالية‪:‬‬
‫يتمثل الجزاء في المسؤولية الجنائية في العقوبة التي توقع على الجاني‪ ،‬أما الجزاء في المسؤولية‬
‫المدنية فيتمثل في التعويض‪.‬‬
‫النيابة العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع هي التي ت طالب بالجزاء في المسؤولية الجنائية ‪ ،‬أما الذي‬
‫يطالب بالجزاء في المسؤولية المدنية فهو المضرور نفسه‪.‬‬
‫ال يجوز مبدئيا الصلح وال التنازل في المسؤولية الجنائية ألن الحق فيها يعود للمجتمع‪ ،‬أما في‬
‫المسؤولية المدنية فيجوز الصلح والتنازل ألن الحق فيها يعود للفرد‪.‬‬
‫الهدف من المسؤولية الجنائية هو عقاب الجاني بعقوبة سالبة للحرية و(أو) الغرامة‪ ،‬ولذلك تتأثر‬
‫العقوبة بمدى جسامة الفعل الجنائي‪ ،‬أما المسؤولية المدنية فتهتم بالمضرور وبذلك فهي ال تتأثر بمدى‬
‫جسامة الخطأ‪.‬‬
‫أما الفارق الثاني فيتعلق بالمبدأ الراسخ في القانون الجنائي وهو أنه ال جريمة وال عقوبة إال‬
‫بنص ويترتب على ذلك أن المسؤولية الجنائية ال تقوم إال بارتكاب فعل يعده القانون جريمة‪ ،‬وال توقع عن‬
‫هذا الفعل إال العقوبة التي حددها المشرع مسبقا كأصل‪.‬‬
‫أما المسؤولية المدنية فال تقوم بارتكاب أفعال محددة سلفا‪ ،‬ولكن المشرع يكتفي بشأنها بوضع‬
‫مبدأ عام أساسه أن كل انحراف عن السلوك المألوف سبب ضررا للغير يؤدي إلى إلزام مرتكبه‬
‫بالتعويض‪.‬‬

‫اجتماع المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية في الفعل الواحد‪.‬‬


‫يترتب على االختالف بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية‪ ،‬أن الفعل قد يرتب إحدى‬
‫المسؤوليتين دون األخرى‪ ،‬وقد يرتب المسؤوليتين معا‪.‬‬
‫فقد يرتب الفعل المسؤولية الجنائية دون المسؤولية المدنية‪ ،‬إذا توافرت أركان الجريمة ولم تلحق‬
‫ضررا بشخص معين ‪.‬‬
‫وقد يرتب الفعل المسؤولية المدنية دون المسؤولية الجنائية‪ ،‬إذا توافرت أركان المسؤولية المدنية‬
‫دون أن يدخل الفعل ضمن األعمال المعاقب عليها في القانون الجنائي‪.‬‬
‫بيد أنه قد تجتمع المسؤوليتان المدنية والجنائية في الفعل الواحد ‪ ،‬إذا تقرر عنه عقوبة جنائية‪،‬‬
‫ويترتب عنه في نفس الوقت ضررا يستوجب تعويضا‪.‬‬
‫فإذا ترتب عن الفعل الواحد قيام المسؤوليتان المدنية والجنائية فإن المسؤولية الجنائية بحكم أنها‬
‫حق للمجتمع تؤثر في المسؤولية المدنية بحكم أنها حق للفرد‪ ،‬ويظهر ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫التقادم‪:‬‬
‫القاعدة أن دعوى التعويض المدنية تسقط بمضي خمس سنوات أو خمسة عشر سنة بحسب‬
‫األحوال من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بالضر ومن هو المسؤول عنه أو بانقضاء عشرين سنة من‬
‫وقت حدوث الضرر وهو ما نص عليه الفصل ‪ 106‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬
‫بيد أنه إذا كان الفعل يعد جريمة جنائية‪ ،‬وكانت الدعوى الجنائية تسقط قبل انقضاء المواعيد‬
‫المذكورة‪ ،‬فإن دعوى التعويض المدنية ال تسقط بسقوط الدعوى الجنائية‪.‬‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫االختصاص‪:‬‬
‫إذا ترتب على الفعل الواحد المسؤوليتان الجنائية والمدنية‪ ،‬أمكن رفع الدعوى المدنية أمام‬
‫المحاكم الجنائية التي تنظر في الدعوى الجنائية‪.‬‬
‫وقف الدعوى‪:‬‬
‫إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية‪ ،‬ثم رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية‪،‬‬
‫يتم وقف الدعوى األولى حتى يتم الفصل في الثانية‪ ،‬وذلك تطبيقا لمبدأ أن الجنائي يعقل المدني‪.‬‬
‫حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية‪:‬‬
‫إذا أصدرت المحكمة الجنائية حكمها بالعقوبة‪ ،‬فإن المحكمة المدنية ال يجوز لها أن تنفي الخطأ‬
‫بعد ذلك عن الفعل الذي اعتبرته المحكمة الجنائية جريمة ثبت وقوعها‪.‬‬
‫أما إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة فإن ذلك ال يمنع القاضي المدني من إمكانية الحكم‬
‫بالتعويض على أساس الخطأ المدني‪.‬‬
‫التمييز بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية التعاقدية‪:‬‬
‫الفوارق بين المسؤولية التقصيرية و المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫تختلف المسؤولية التعا قدية عن المسؤولية التقصيرية في كثير من األحكام وأهمها‪:‬‬
‫درجة الخطأ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫في المسؤولية التعاقدية نميز بين ما إذا كان االلتزام بتحقيق غاية كمسؤولية الناقل باألجر فإن‬
‫المسؤولية تكون قائمة عند عدم تحقق النتيجة ولو لم يثبت في حقه أي خطأ مادي مادام لم يثبت السبب‬
‫األجنبي أما إذا كان االلتزام ببذل عناية ‪ ،‬كمسؤولية الطبيب أو المحامي‪ ،‬فإن الخطأ يقاس بمعيار‬
‫الرجل العادي ‪ ،‬فال تقوم المسؤولية عن الخطأ اليسير الذي ال يمكن تجنبه‪ .‬أما المسئولية التقصيرية فهي‬
‫تقوم دائما على الخطأ مهما كان يسيرا أو تافها ‪.‬‬

‫اإلثبات‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫في المسؤولية التعا قدية يتحمل المدين عبء إثبات أنه قام بتنفيذ التزامه العقدي‪ .‬أما في المسؤولية‬
‫التقصيرية فيتحمل الدائن عبء إثبات أن المدين قد خرق التزامه القانوني بعدم اإلضرار بالغير‪.‬‬
‫اإلعذار‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يشترط الستحقاق التعويض في المسؤولية التعاقدية إعذار المدين‪ .‬أما في المسؤولية التقصيرية‬
‫فال يشترط هذااإلعذار‪.‬‬
‫مدى التعويض عن الضرر‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫يشمل التعويض عن الضرر في المسؤولية التعاقدية الضرر المباشر المتوقع و يشمل استثناء‬
‫الضرر غير المتوقع ‪.‬أما في المسؤولية التقصيرية فيشمل التعويض الضرر المباشر المتوقع وغير‬
‫المتوقع ولو كان الخطأ يسيرا‪.‬‬
‫اإلعفاء االتفاقي من المسؤولية‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫يجوز مبدئيا االتفاقفي المسؤولية التعاقدية على اإلعفاء من المسؤولية كما سنرى الحقا‪ ،‬بينما ال‬
‫يجوز االتفاق على ذلك في المسؤولية التقصيرية ولو كان الخطأ يسيرا‪.‬‬
‫التضامن‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫رغم تعدد المسؤولين في المسؤولية التعاقدية‪ ،‬فال تضامن بينهم إال باتفاق أو بنص في القانون‪،‬‬
‫أما في المسؤولية التقصيرية فإن تعدد المسؤولين يؤدي إلى تضامنهم بنص القانون‪.‬‬
‫نطاق المسؤولية‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫وبسبب هذه الفروق الجوهرية بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية التعاقدية‪ ،‬يجب تحديد‬
‫نطاق المسؤولية التعا قدية‪ ،‬أما نطاق المسؤولية التقصيرية فيشمل كل ما ال يدخل في المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫التقادم‬ ‫‪-8‬‬
‫تتقادم الدعوى الناشئة عن المسؤولية التقصيرية بانقضاء خمس سنوات تبدأ من تاريخ علم‬
‫المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسؤول عنه أو بمضي عشرون سنة من يوم وقوع العمل غير‬
‫المشروع ‪ ،‬أما مدة التقادم في المسؤولية التعاقدية حددت كقاعدة عامة في خمسة عشر سنة‪ ،‬إالإن‬
‫هذهالقاعدة تردعليها استثناءات تختلف باختالف المقتضيات القانونية التي أبرمت العقود طبقا ألحكامها‪.‬‬
‫االختصاص القضائي‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫بالنسبة للمسؤولية التعاقدية فإن محكمة المدعى عليه تكون هي صاحبة االختصاص ‪ ،‬ما لم يتفق‬
‫الطرفان على خالف ذلك‪ ،‬أو عين القانون المحكمة المختصة للبت في ذلك‪ ،‬أما بالنسبة للمسؤولية‬
‫التقصيرية فالمحكمة المختصة هي محكمة المدعى عليه طبقا للقاعدة المسطرية التي تستوجب سعي‬
‫المدعي إلى المدعى عليه في محكمته‪ ،‬كما قد تكون المحكمة ذات اإلختصاص هي محكمة المكان الذي‬
‫وقع فيه العمل غير المشروع المنشئ لاللتزام‪.‬وذلك مع إمكان رفع الدعوى المدنية عن التعويض كدعوى‬
‫مدنية تابعة أمام المحكمة الزجرية التي تبت في الدعوى العمومية‪.‬‬
‫‪ -10‬األهلية‪:‬‬
‫تستلزم المسؤولية التعاقدية توافر أهلية األداء التي يفرضها القانون الذي يحكم التصرف لكونه‬
‫يتطلب اإلرادة‪ ،‬أما المسؤولية التقصيرية فتتطلب مجرد التمييز‪ ،‬بل أنه يمكن مساءلة غير المميز عن‬
‫التعويض إذا لم يوجد مسؤول عنه أو تعذر الحصول من المسؤول عن التعويض ‪.‬‬
‫الجمع والخيار بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫قد تتوافر في الفعل الواحد شروط المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية معا‪ ،‬كالمكتري الذي‬
‫يرتكب إهماال يترتب عليه تلفا بالعين المكتراة‪ ،‬فيكون بذلك قد أخلبالتزامه التعاقدي بالمحافظة على هذه‬
‫العين مما يرتب مسؤوليته التعا قدية‪ ،‬كما يكون فيه إخالل بالتزام قانوني بعدم اإلضرار بالغير فتتوافر‬
‫بذلك شروط المسؤولية التقصيرية وعندئذ يثار التساؤل عن مدى إمكانية جمع المضرور بين نوعي‬
‫المسؤولية المدنية‪ ،‬وهما المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية ‪.‬‬
‫ال زالت هذه المسألة موضوع خالف بين الفقه القانوني والقضاء ‪ ،‬و الرأي الراجح في ذلك أنه ال‬
‫يجوز الجمع بين دعوى المسؤولية التعا قدية ودعوى المسؤولية التقصيرية معا للمطالبة بتعويض طبقا لكل‬
‫منهما‪ ،‬فال يمكن للمضرور أن يطالب بتعويض الضرر الواحد عن الفعل الواحد مرتين إذ أن التعويض‬
‫يقدر حسب حجم الضرر الذي أصاب المضرور من الفعل الضار والقول بخالف ذلك يجعل المضرور‬
‫يعوض مرتين‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بالخيار بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية‪ ،‬عندما تتوافر في الفعل‬
‫الضار شروط المسؤولية الت عاقدية والمسؤولية التقصيرية في اآلن نفسه‪ ،‬فهو موضوع تتجاذبه عدة أراء‬
‫حول مدى إمكانية قبول االختيار بين الدعويين حسبما يراه المضرور محققا لمصلحته‪.‬‬
‫ال زالت هذه المسألة محل خالف في الفقه والقضاء المقارن‪ ،‬فيذهب البعض إلى أن المدين لم‬
‫يعرف الدائن إال عن طريق العقد المبرم بينهما‪ ،‬فالعقد وحده هو الذي يحكم العالقة الناتجة عنه بما في‬
‫ذلك التعويض عن اإلخالل ببنوده‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫وأن العقد من شأنه أن يحدد التزام المدين بالتنفيذ وبالتعويض‪ ،‬وهذا هو ما توافقت عليه إرادة‬
‫الطرفين‪ ،‬فاختيار أحد المتعاقدين للدعوى المسؤولية التقصيرية دون دعوى المسؤولية التعاقدية فيه‬
‫مصادرة للعقد المبني أصال على توافق اإلرادتين‪.‬‬
‫ويذهب رأي آخر إلى جواز الخياربين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية إذا توافرت‬
‫شروطهما في ذات الوقت‪ ،‬فليس هناك نص قانونييمنع المضرور من التمسك‬
‫بدعوى المسؤولية التقصيرية رغم توافر شروط دعوى المسؤولية التعاقدية‪ ،‬وهذا الرأي هو الذي‬
‫أخد به القضاء في معظم البلدان التي تأثرت بالمدرسة الجرمانية‬
‫أما موقف التشريع المغربي‪ ،‬من مسألة الخيار من عدمه بين الدعويين التقصيرية والتعاقدية‪،‬‬
‫فليس هناك نص صريح يسمح أو يستبعد إمكانية لجوء المضرور إلى االختيار‪ .‬غير أنه يمكن حسب أحد‬
‫الفقه عن طريق التوسع في تفسير الفصل ‪468‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي التوصل إلى القول‬
‫بجواز الخيار بين الدعويين‪ ،‬فهذا النص قد يسمح بالحق في االختيار بين الدعويين‪ ،‬بحيث إذا اختار‬
‫المدعى إحداهما ثم خسرها لسبب من األسباب‪ ،‬كعدم توافر شروطها أو تقادمها‪ ،‬جاز له أن يرجع إلى‬
‫الدعوى األخرى للمطالبة بحقه في التعويض‪.‬‬
‫الرأي فيما أعتقد أن هذا النص القانوني ال ينطبق على مسألة الخيار بين الدعويين التقصيرية‬
‫والتعاقدية لكون أن قانون االلتزامات والعقود المغربي أوردالفصل ‪ 468‬منه عند الحديث عن تأويل‬
‫االتفاقات بمعنى وجود عقد بين طرفين‪ ،‬إضافة إلى أن هذا الفصل ذكر بعد الحديث عن ضرورة تبني‬
‫التفسير الضيق للعقد عندالتنازل عن الحقمما يوضح لنا أن األمر يتعلق بمسألة الخيار بين دعويين محلهما‬
‫النزاعات المتعلقة بالعقدليس إال ‪ ،‬والقول بخالف ذلك فيه تجاوز إلرادة الطرفين في إنشاء العقد وااللتزام‬
‫بمقتضياته‪.‬‬
‫أحكام المسؤولية عن العمل الشخصي‪.‬‬
‫القاعة العامة أن كل شخصي مسؤوال عن تصرفاته وأعماله‪ ،‬وأن كل خطأ من جانبه قد يعرضه‬
‫للمساءلة القانونية عند حدوث ضرر للضحية‪ ،‬مما يتبين أنه ال تقوم المسؤولية بغير الخطأ والضرر‬
‫والعالقة السببية بينهما‪ ،‬فوجود األركان الثالثة للمسؤولية يترتب عنه أثارتتمثل في تعويض المتضرر‬
‫عن الضرر الذي أصابه من الفعل غير المشروع من خالل رفع دعوى المسؤولية أمام أنظار المحكمة‬
‫المختصة‪.‬‬
‫لذلك سنعمد إلى بحث الخطأ التقصيري و الضرر والعالقة السببيةكأركان المسؤولية التقصيرية‬
‫في مطلب أول‪ ،‬على أن نخصص المطلب الثاني آلثار المسؤولية‪.‬‬
‫أركان المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫الفقرةاألول‪ :‬الخطأ التقصيري‪.‬‬
‫يجمع أغلب الفقه على تعريف الخطأ في المسؤولية التقصيرية بأنه إخالل الشخص بالتزام قانوني‬
‫مع إدراكه لهذا اإلخالل‪.‬‬
‫وطبعا هذا االلتزام القانوني يتمثل في واجب عدم اإلضرار بالغير‪ ،‬وكل إخالل به يعد تعديا على‬
‫حق الغير الذي يحميه القانون وهو ما يعبر عنه بالركن المادي في الخطأ‪ ،‬كما أنه ليتحقق هذا اإلخالل ال‬
‫بد وأن يكون هذا الشخص مدركا للخير والشر وقادرا على االختيار بينهما‪ ،‬ومع ذلك اختار اإلضرار‬
‫بالغير‪ ،‬ويعبر عن هذا اإلدراك بالركن المعنوي في الخطأ‪،‬إلى جانب أن الخطأ التقصيري يمتاز بتنوعه‬
‫رغم عدم تأثيره في قيام المسؤولية التقصيرية من عدمه إال أن وجود الخطأ ال يرتب دوما المسؤولية‬
‫أنواع الخطأ‪.‬‬
‫الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫الخطأ العمدي ويسمي بالجرم وهو الذي تنصرف فيه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل وإحداث‬
‫ضرر للغير‪ .‬ويشير الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي إلى هذا الخطأ بقوله " كل فعل‬
‫ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح له به القانون‪ ،‬فأحدث ضررا ماديا أو معنويا‬
‫للغير‪." . . . ،‬‬
‫لذلك يتعين لقيام الخطأ العمدي توافر عنصرين يتمثل العنصر األول في انصراف النية أو القصد‬
‫إلى ارتكاب الفعل ‪ ،‬ولكن ليس معنى ذلك ضرورة أن يصدر الفعل عن تدبير أو تفكير سابق‪ .‬فقد يكون‬
‫الفعل قد جاء عرضيا أو استمرار لعادة أو صفات ذاتية‪.‬‬
‫وال يكفي تعمد الفعل بل يجب أن يكون هذا الفعل غير مشروع ‪ ،‬فإذا كان الفعل مشروعا فال يعتبر تعمده‬
‫خطأ ولو تعمد فاعله األضرار بالغير‪.‬‬
‫ويتمثل العن صر الثاني للخطأ العمد في انصراف إرادة الفاعل إلى نتائج هذا الفعل وهي األضرار‬
‫بالغير‪ .‬فتعمد الفعل نفسه ال يكفي للقول بالخطأ العمد إذا نتجت عنه أضرار غير مقصودة ولو كانت‬
‫متوقعة‪.‬‬
‫انصراف نية الفاعل إلى اإلضرار بالغير ال يلزم لتوافرها أن يكون الضرر محددا أو مقصودا‬
‫لذاته ‪ ،‬أو مؤكدا أو واقعا بالفعل ‪ ،‬أو يكون للفاعل مصلحة في إحداث الضرر أو أن يسعى إلى تحقيق‬
‫هدف معين‪ ،‬بل يكفي أن تنصرف اإلرادة إلى أحداث ضرر ما‪.‬‬
‫ويقوم الخطأ العمد ولو لم يكن في استطاعة الفاعل إدراك مدى هذا الضرر‪ ،‬أو كان الضرر تافها‬
‫أو كان المقصود من الضرر هو الوصول إلى هدف أخر‪.‬‬
‫أما الخطأ غير العمد ويسمى أيضا بشبه الجرم فهو كل خطأ يقع دون توافر نية اإلضرار بالغير‪،‬‬
‫وقد أشارالفصل ‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي إلى هذا النوع من الخطأ الذي يرتكب من‬
‫غير قصد إحداث الضرر‪ ،‬فالخطأ غير العمد هو إذن الفعل أو الترك الذي يقع في غفلة من اإلرادة كالسهو‬
‫أو اإلهمال‪.‬‬
‫الخطأ اإليجابي والخطأ السلبي‪.‬‬
‫تعرض المشرع المغربي لهذين النوعين من الخطأ في الفصل ‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي حيث اعتبر أن الخطأ اإليجابي يتمثل في فعل ما كان يجب على الشخص تركه‪ .‬في حين أن‬
‫الخطأ السلبي يتمثل في الترك واالمتناع‪ ،‬فيكون فعل المخطأ عمال سلبيا‪.‬‬
‫ومع ذلك فاعتبار الترك أو االمتناع خطأ تقصيريا موجبا للمسؤولية‪ ،‬يستلزم ضرورة وجود‬
‫واجب قانوني امتنع المسؤول عن القيام به‪ ،‬فإذا لم يكن هناك واجب أصال أو كان واجبا أخالقيا فقط فال‬
‫تترتب أية مسؤولية‪.‬‬
‫غير أن امتناع القاضي عن القيام بواجبه القانوني والمتمثل في الفصل في القضايا المعروضة‬
‫عليه‪ ،‬يجعله منكرا للعدالة ومخال بمقتضيات منصبه التي تفرض عليه كما أكد على ذلك قانون المسطرة‬
‫المدنية ضرورة البث في كل قضية رفعت إلى المحكمة وعدم االمتناع عن اصدار حكم أو قرار في‬
‫القضايا المرفوعة إليها‪ ،‬وإال كان معرضا للمسألة وترتيب المسؤولية‪ ،‬وهو ما عبر عنه الفصل ‪ 81‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود المغربي حيث نص على أن "القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا‬
‫عن هذا اإلخالل تجاه الشخص المتضرر في الحاالت التي تجوز فيها مخاصمته‪" .‬‬
‫كما قد تكون مسؤولية الشخص المعنوي العام قائمة مادام الضرر ناتجا عن تسييره وعن األخطاء‬
‫المصلحية لموظفيه‪ ،‬وهو ما نص عليه الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي حيث اعتبر أن‬
‫" الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية‬
‫لمستخدميها‪" .‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫وفي هذا اإلطار ذهب القضاء المغربي إلى ترتيب مسؤولية الدولة عن الضرر الذي لحق بسيارة‬
‫سقطت في انهيار بالطريق العام على أساس إخالل السلطات العامة بواجبها في صيانة الطرق العامة‪.‬‬
‫كما تكون الدولة مسؤولة عن إدارة مرافقها وهو ما أكد عليه قرار لقضاء النقض الذي جاء‬
‫فيه‪":‬إن امتناع رئيس المصلحة بالمديرية اإلقليمية بوزارة األشغال العمومية عن تنفيذ الحكم المعني‪،‬‬
‫يشكل خطأ من جانبه أثناء قيامه بعمله‪ ،‬وقد ترتب عن هذا الخطأ أضرار لحقت بالمدعي‪ ،‬تمثلت في‬
‫حرمانه من التعويض المحكوم له به واضطراره إلى االلتجاء إلى القضاء لرفع الدعوى الحالية وتكبد‬
‫مصاري ف في سبيل ذلك‪ ،‬وحيث إن الدولة تعتبر مسؤولة عن األضرار التي تنشأ مباشرة عن تسيير أي‬
‫مرفق من مرافقها اإلدارية وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 79‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪." .‬‬
‫الخطأ الجسيم والخطأ اليسير‪.‬‬
‫ترجع فكرة الخطأ الجسيم الى القانون الروماني ‪ ،‬حيث عرفه الرومان بكونه ضرب من الحمق‬
‫الزائد‪ .‬كما عرفه البعض عن طريق وصف الحالة النفسية لفاعله‪ ،‬من خالل وصفه بالخطأ الذي ال يصدر‬
‫من أشد الناس غباء في شؤونهم الخاصة‪ ،‬في حين اعتبر البعض الخطأ الجسيم بكونه "الخطأ الذي ال‬
‫يرتكبه الشخص قليل الذكاء والعناية أو الخطأ الذي ينم عن عدم فهم ما يدركه كل الناس"‬
‫كما يتجلى الخطأ الجسيم حسب الفقيه بوتييه في "عدم بذل العناية بشؤون الغير بصورة ال تصدر من‬
‫اقل الناس حرصا ً وأشدهم غباءفي شئونهم الخاصة‪ ،‬وهذا الخطأ يتعارض مع مبدأ حسن النية"‪.‬‬
‫إلى أن هناك مفهوما جديدا للخطأ الجسيم‪ ،‬حاول تفادي التعاريف السابقة التي كانت تربطه بشخص األقل‬
‫ذكاء واألكثر غباء‪ ،‬من خالل اعتبار كل إخالل بااللتزامات القانونية على قدر كبير من األهمية يعد خطأ‬
‫جسيما‪.‬‬
‫ويذهب الفقه إلى تحديد جسامة الخطأ بمدى توقع الضرر‪ ،‬فالرجل المعتاد يأخذ في عين االعتبار‬
‫نتائج تصرفه وعلى األخص مدى الضرر الذي يمكن أن يترتب على سلوكه‪ .‬فلكي نصف سلوك مرتكب‬
‫الفعل غير المشروع بأنه ارتكب خطأ جسيما يجب القول بأن الرجل المعتاد الذي وجد في نفس ظروفه‬
‫الخارجية كان يجب عليه أن يتصور مدى االنحراف الخطير في سلوكه وأن يتصور النتائج الضارة لفعله‬
‫كأمر قريب االحتمال‪ ،‬وبذلك كلمازاد مدى توقع الضرر كلما زادت درجة جسامة الخطأ‪.‬‬
‫ومن تم يمكننا القول أنه إذا كان الرجل المعتاد الذي يوجد في نفس الظروف الخارجية للمسؤول‬
‫يتصور احتمال وقوع ضرر من تصرفه أو فعله‪ ،‬فإننا نكون بصدد خطأ جسيم‪ .‬بيد أننا نكون بصدد خطأ‬
‫يسير إذا كان انحراف مرتكب الفعل عن سلوك الرجل العادي انحرافا عاديا وبسيطا‪ ،‬بحيث ال يثار لديه‬
‫أي احتمال بوقوع الضرر من فعله أو تصرفه‪.‬‬
‫وال يعتد بدرجة جسامة الخطأ في قيام المسؤولية‪ ،‬ولكن يعتد به من لدن القاضي عند تقدير‬
‫التعويض المحكوم به لصالح الدائن‪ ،‬وهو ما أكد عليهالفصل ‪ 92‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫حيث أوجب على المحكمة عند تقديرها للتعويض مراعاة جسامة الخطأ الذي ارتكبه المدين ومدى تدليسه‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أركان الخطأ‬
‫الخطأ هو إخالل بالتزام قانوني مقترن بإدراك المسؤول بهذا اإلخالل‪ ،‬وبذلك يقوم الخطأ على‬
‫ركنين‪ :‬ركن مادي يتمثل في التعدي أي الفعل الذي يتمثل في اإلخالل بااللتزام القانوني‪ ،‬وركن معنوي‬
‫يتمثل في اإلدراك‬
‫العنصر المادي‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫التعدي هو اإلخالل بالتزام قانوني‪ ،‬ويمكن تحديد هذا االلتزام الذي يعد اإلخالل به خطأ تقصيريا‬
‫موجبا للمسؤولية إمابمخالفة االلتزامات القانونية ‪ ،‬وإما باالنحراف في سلوك الفرد ‪ ،‬أو بالتعسف في‬
‫استعمال الحق‬
‫مخالفة االلتزامات القانونية‪.‬‬
‫إذا كان االلتزام مفروضا على الشخص بموجب نص القانون‪ ،‬كان اإلخالل به إخالال يرتب‬
‫ضررا للغير‪ ،‬مما يرتب المسؤولية التقصيرية‪ .‬ويستوي في هذا الشأن أن يكون نص القانون مما‬
‫يفرض القيام بعمل أو باالمتناع عن القيام عمل‪.‬‬
‫ولذلك يعد خطأ موجبا للمسؤولية التقصيرية إذا عمد شخص إلى قيادة سيارته بسرعة تجاوز‬
‫السرعة القانونية متى وقع ضرر للغير‪.‬‬
‫ويمكن القول أن ن ص القانون عن عمل معين معاقب على ارتكابه في قانون الجنائي يؤدي إلى قيام‬
‫واجب قانوني على الناس بعدم ارتكابه‪ .‬فإذا أخل أحد بهذا االلتزام فإنه يكون ملزما بالتعويض المدني‬
‫اتجاه من لحقه ضررا من جراء ذلك‪ ،‬إلى جانب تعرضه للعقوبة المنصوص عليها قانونا‪.‬‬
‫يجوز دائما المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن جرائم كالقتل والجرح والسب والقذف‬
‫وإفشاء األسرار‪ ،‬وجرائم األموال كالسرقة وخيانة األمانة والنصب‪ ،‬فضال عن مخالفات حوادث السير‬
‫من لدن الشخص المتضرر من الفعل‪.‬‬
‫وال يكفي النتفاء الخطأ في مثل هذه االلتزامات القانونية المقررة بنص القانون أن يثبت الشخص‬
‫أنه قد التزم بالواجب القانوني ومع ذلك وقع الضرر‪ ،‬بل يذهب القضاء إلى ضرورة القيام بالواجب‬
‫القانوني الذي تحدده القوانين بطريقة تؤدي إلى عدم اإلضرار بالغير‪.‬‬
‫وقد ذكر المشرع المغربي ببعض الحاالت الخاصة للخطأ الموجبة لترتيب المسؤولية التقصيرية‪،‬‬
‫حيث نص الفصل ‪ 83‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن‪ " :‬مجرد النصيحة أو التوصية ال‬
‫تترتب عليها مسؤولية صاحبها‪ ،‬إال في الحاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا أعطى النصيحة قصد خداع الطرف اآلخر؛‬
‫‪ - 2‬إذا كان بسبب تدخله في المعاملة بحكم وظيفته‪ ،‬قد ارتكب خطأ جسيما‪ ،‬أي خطأ ما كان‬
‫ينبغي أن يرتكبه شخص في مركزه‪ ،‬ونتج عن هذا الخطأ ضرر للطرف اآلخر؛‬
‫‪ - 3‬إذا ضمن نتيجة المعاملة‪." .‬‬
‫يستشف من هذا الفصل إلى أن المشرع المغربي قد قرر عدم ترتيب المسؤولية على الشخص‬
‫الذي يقدم النصح أو التوصية فجعله كمبدأ عام‪ .‬غير أنه في الحالة األولى يسأل الشخص اتجاه الطرف‬
‫اآلخر مادامت النصيحة ترمي إلى خداع الطرف وبذلك يمكن اعتباره من األخطاء العمدية‪.‬‬
‫أما في الحالة الثانية فنكون أمام خطأ جسيم ناتج عن تدخل الشخص في المعاملة بحكم وظيفته‬
‫وارتكابه لخطأ ما كان ينبغي أن يقع فيه شخص في مثل وضعه مما تسبب في ضرر للطرف اآلخر‪.‬‬
‫أما في الحالة الثالثة فنكون بصدد التزام بتحقيق نتيجة المعاملة‪ ،‬مما يترتب على عدم تحققها‬
‫مسؤولية تعا قدية ال تقصيرية ألنها تقوم على اتفاق بين الطرفين يلتزم بمقتضاه مقدم النصيحة أو التوصية‬
‫بتحقيق نتيجة المعاملة‪.‬‬
‫كما رتب المشرع المغربي المسؤولية التقصيرية على المنافسة غير المشروعة‪ ،‬حيث ذكر بعض‬
‫الوقائع التي يمكن أن تقع بها هذه المنافسة كاستعمال اسم أو عالمة تجارية تماثل تقريبا ما هو ثابت قانونا‬
‫لمؤسسة أو مصنع معروف من قبل‪ ،‬أو لبلد يتمتع بشهرة عامة‪ ،‬وذلك بكيفية من شأنها أن تجر الجمهور‬
‫إلى الخلط في شخصية الصانع أو في مصدر المنتوج‪ ،‬أو كأن يضاف إلى اسم إحدى السلع عبارات‬
‫أخرى مماثلة تهدف إلى إيقاع الجمهور في الخطأ‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫و في هذا اإلطار نجد الفصل ‪ 84‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أنه‬
‫"يمكن أن يترتب التعويض على الوقائع التي تكون منافسة غير مشروعة‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ - 1‬استعمال اسم أو عالمة تجارية‪ 1‬تماثل تقريبا ما هو ثابت قانونا لمؤسسة أو مصنع معروف‬
‫من قبل‪ ،‬أو لبلد يتمتع بشهرة عامة‪ ،‬وذلك بكيفية من شأنها أن تجر الجمهور إلى الغلط في شخصية‬
‫الصانع أو في مصدر المنتوج‪.‬‬
‫‪ - 2‬استعمال عالمة أو لوحة أو كتابة أو الفتة أو أي رمز آخر يماثل أو يشابه ما سبق استعماله‬
‫على وجه قانوني سليم من تاجر أو صانع أو مؤسسة قائمة في نفس المكان يتجر في السلع المشابهة‪،‬‬
‫وذلك بكيفية من شأنها أن تؤدي إلى تحويل الزبناء عن شخص لصالح شخص آخر‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تضاف إلى اسم إحدى السلع ألفاظ‪ :‬صناعة كذا‪ . . .‬أو وفقا لتركيب كذا‪ . . .‬أو أي عبارة‬
‫أخرى مماثلة تهدف إلى إيقاع الجمهور في الغلط إما في طبيعة السلعة أو في أصلها‪.‬‬
‫‪ - 4‬حمل الناس على االعتقاد أن شخصا قد حل محل مؤسسة معروفة من قبل أو أنه يمثلها‪،‬‬
‫وذلك بواسطة النشرات وغيرها من الوسائل‪." .‬‬
‫االنحراف في سلوك الفرد‪.‬‬
‫ال يقتصر الركن المادي للخطأ على حاالت اإلخالل بااللتزامات المفروضة بنصوص قانونية‬
‫فقط‪ ،‬بل يمتد إلى انحراف الشخص في سلوكه وهو التعدي الذي يقع من فرد يجعل تصرفه مرتبا‬
‫ألضرار اتجاه الغير‪.‬‬
‫بيد أنه من الواجب التساؤل عن ضوابط االنحراف في سلوك الفرد‪ ،‬فقد يتصور قياس هذا‬
‫االنحراف بمقياس ذاتي أو شخصي‪ ،‬فيؤخذ الشخص بقدر ذكائه وفطنته وظروفه الذاتية‪ ،‬ولكن مثل هذا‬
‫المعيار الذاتي يتطلب بحثا ذاتيا في االعتبارات النفسية لكل مسؤول على حدة وهو ما قد يصعب على‬
‫القاضي الوصول إليه‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن هذا المعيار الشخصي يكون غير عادل‪ ،‬إذ يؤدي إلى التشدد مع الشخص‬
‫الحازم و الحريص فال تغفر له أية هفوة‪ ،‬وإلى التعامل مع الشخص المهمل على ما تعوده من إهمال‪.‬‬
‫ولذلك استقر الفقه والقضاء على األخذ بمعيار موضوعي مجرد‪ ،‬فيطالب كل شخص في المجتمع‬
‫بان يسلك مع الغير مسلك الرجل العاقل المتزن الحريص في سلوكه على عدم األضرار بالغير‪ .‬وهذا هو‬
‫معيار الرجل المعتاد الذي كان الرومان يطلقون عليه اصطالح 'رب األسرة العاقل'‪.‬‬
‫والرجل المعتاد هو رجل من أوساط الناس ومن نفس مهنة المسؤول‪ ،‬فال هو حاد الذكاء وال هو‬
‫شديد الغباء‪ ،‬ويوجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل الضار‪ .‬ثم كذلك نتساءل‬
‫عما كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد إذا وجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل‬
‫الضار‪ ،‬فإذا جاء سلوك المسؤول مطابقا لما كان يفعله الرجل المعتاد أو يزيد عليه في الحرص فال خطأ‪،‬‬
‫وإن كان سلوك المسؤول فيه تهاون عن مسلك الرجل المعتاد عد هذا السلوك خطأ ومرتبا للمسؤولية‪.‬‬
‫كما يجب أن يكون الرجل المعتاد من نفس مهنة مرتكب الفعل الضار بحيث نقيس سلوك الطبيب‬
‫على سلوك طبيب معتاد يوجد في نفس الظروف الخارجية للطبيب المدعى عليه‪ ،‬ونقيس سلوك المهندس‬
‫بسلوك مهندس آخر عادي وهكذا‪. . .‬‬
‫ويعتد القاضي في تحديد سلوك الرجل المعتاد بالظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل‬
‫الضار‪ ،‬ومن هذه الظروف الخارجية ظروف الزمان والمكان‪ .‬كاالعتداد بوقت وقوع الفعل الضار وما‬

‫‪ -1‬انظر المادة ‪ 69‬وما بعدما من مدونة التجارة بخصوص العنوان التجاري؛ انظر كذلك القانون رقم ‪ 97-17‬المتعلق‬
‫بحماية الملكية الصناعية‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫إذا كا ن نهارا أو ليال‪ ،‬صيفا أو شتاء‪ ،‬وما إذا كان الجو صحوا أو كانت الرؤية غير واضحة‪ .‬وكذلك‬
‫األخذ بعين االعتبار مكان وقوع الفعل الضار‪ ،‬وما إذا كان في المدينة أو القرية أو في أرض خالء‪ ،‬ثم‬
‫مراعاة كون المكان مكتظ أو فارغ‪ ،‬وكون الطريق ضيق أو متسع‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫و بذلك إذا أصاب سائق سيارة أحد الراجلين فإنه يكون مخطئا إذا كان سلوكه أقل حرصا مما كان‬
‫يجب أن يفعله سائق معتاد يوجد في نفس ظروف الزمان والمكان التي وقع فيها الحادث‪.‬‬
‫بيد أنه ال يعتد القاضي في تقديره لسلوك مرتكب الفعل الضار بالظروف الذاتية أو الشخصية لهذا‬
‫الم سؤول أو المدعي عليه‪ ،‬فهذه الظروف الذاتية تتعارض مع معيار الشخص المعتاد‪ ،‬فال يجوز للمسؤول‬
‫أن يحتج بغبائه أو جهله‪ ،‬وال بظروفه الصحية كالمرض أو العصبية أو ضعف البصر أو السمع‪ ،‬وال‬
‫بمكان عيشهككونه من أهل القرية أو المدينة‪.‬‬
‫كذلك ال يعتد بظروف السن أو الجنس ألنها من الظروف الذاتية‪ ،‬فيحاسب الحدث والكهل بما‬
‫كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد‪ ،‬وتحاسب المرأة بما كان يجب أن يفعله الرجل المعتاد على أنه إذا كان‬
‫العمل من أعمال النساء فتحاسب المرأة بما كان يجب أن تفعله امرأة معتادة‪.‬‬
‫التعسف في استعمال الحق‪.‬‬
‫يمنح القانون لصاحب الحق إمكانية استعمال السلطة التي يخولها له حقه ولو ترتب على ذلك‬
‫ضرر للغير‪ ،‬ولذلك ال يسأل في سلوكه عما قد يصيب الغير من ضرر ألن فعله ال يعتبر خطأ‪.‬‬
‫ولكن يدق األمر أكثر إذا كان الشخص قد أضر بغيره ال متعديا وال متجاوزا حدود الحق‪ ،‬بل‬
‫أثناء ممارسة حقه يستعمل السلطة التي يخولها له هذا الحق دون تجاوز‪.‬‬
‫اهتم الفقه اإلسالمي بهذه المسألة‪ ،‬فصاغ لها نظرية مهمة وهي نظرية التعسف في استعمال‬
‫الحق‪ ،‬أما الفقه الغربي فقد رفض مفهوم التعسف في استعمال الحق ردحا من الزمن تحت تأثير المذهب‬
‫الفردي الذي ينكر أي قيد على اإلنسان طالما لم يتجاوز حدود الحق ولو ترتب على ذلك ضرر بالغير‪،‬‬
‫ولكن مع تراجع المذهب الفردي أمام المذهب االجتماعي‪ ،‬بدأ الفقه والقضاء يأخذ بنظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق باعتبار أن الحق يجب أن يكون مقيدا في استعماله بالغرض االجتماعي الذي تقرر من‬
‫أجله‪.‬‬
‫ويكاد يجمع الفقه على أن التعسف في استعمال الحق هو تطبيق من تطبيقات المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬فالرجل المعتاد ال ينحرف بحقه إلى غرض غير مشروع وال يتعسف في استعمال حقه وال‬
‫يستعمله استعماال غير مشروع‪.‬‬
‫لم يذهب المشروع المغربي إلى اعتبار أي استعمال غير مألوف للحق تعسفا فيه مما يوجب‬
‫التعويض‪ ،‬بل حدد الحاالت التي يمكن من خاللها اعتبار الشخص متعسفا في استعمال حقه‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 94‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أنه " ال محل للمسؤولية المدنية‪،‬‬
‫إذا فعل شخص بغير قصد اإلضرار ما كان له الحق في فعله‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير‪ ،‬وكان من‬
‫الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق‪ ،‬فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم‬
‫يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو إليقافه‪." .‬‬
‫يستشف من الفصل أعاله أن صاحب الحق يعتبر متعسفا في استعمال حقه في حالتين‪:‬‬
‫إذا توافر قصد اإلضرار بالغير‪ ،‬كان ذلك خطأ تقصيريا ولو كان صاحب الحق يستعمل حقه‪ ،‬مع‬
‫ضرورة إثبات سوء نية المسؤول ‪،‬كما يقوم الخطأ ولو نتج عن العمل الضار منفعة عرضية لصاحب‬
‫الحق‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫يقوم الخطأ ا لتقصيري كذلك في حالة عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي‬
‫يصيب الغير‪ .‬و يقدر ذلك بمعيار موضوعي ال بمعيار ذاتي‪.‬‬
‫إلى جانب الحالتين السابقتين في التعسف في استعمال الحق ‪ ،‬نجد كذلك اعتبار تجاوز الشخص‬
‫الحدود المألوفة في استعماله لحقه خطأ تقصيريا‪ .‬وهو ما أخذ به المشرع المغربي من خالل الفصل‪92‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬بحيث بمفهوم المخالفة يستشف من هذا الفصل أنه يسمح للجيران‬
‫بطلب إزالة األضرار غير المألوفة الناتجة عن استعمال الشخص لحقه في حين ال يسمح لهم بطلب إزالة‬
‫األضرار الناشئة عن االلتزامات العادية للجوار‪.‬‬
‫الركن المعنوي في الخطأ‪.‬‬
‫ال يكفي لقيام الخطأ التقصيري توافر الركن المادي بحيث يكون الشخص متعديا في سلوكه‪ ،‬بل‬
‫يشترط كذلك أن يكون هذا الشخص مدركا لهذا التعدي أي قادرا على التمييز بين الخير والشر‪ ،‬وأنه‬
‫يستطيع تجنب الشر ومع ذلك لم يفعل‪ ،‬فالمبدأ ال مجال للمسؤولية بدون تمييز‪.‬‬
‫نجد الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي مر معنا قد عبر بصراحة عن‬
‫ضرورة توافر شرط اإلدراك‪ ،‬بحيث لكي تقوم مسؤولية الشخص عن األضرار الذي أحدثها بفعله أن‬
‫يكون هذا الفعل قد ارتكب عن بينة واختيار‪.‬‬
‫وقد تأكد ذلك أيضا في الفصلين ‪ 96‬و ‪ 97‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬إذ نص‬
‫الفصل ‪ 96‬من هذا القانون على أن " القاصر عديم التمييز ال يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله‪.‬‬
‫ويطبق نفس الحكم على فاقد العقل‪ ،‬بالنسبة إلى األفعال الحاصلة في حالة جنونه‪.‬‬
‫وبالعك س من ذلك يسأل القاصر عن الضرر الحاصل بفعله‪ ،‬إذا كان له من التمييز الدرجة‬
‫الالزمة لتقدير نتائج أعماله‪." .‬‬
‫وبذلك ال يكون مخطئا من كان ال يستطيع التمييز أو االختيار بين الخير والشر كالصبي غير‬
‫المميز‪ ،‬والمجنون‪ ،‬بحيث ال يكون فاقد التمييز مسؤوال عن أعماله الضارة بالغير‪.‬‬
‫ولكن ال يجوز التمسك بعدم اإلدراك إذا كان انعدام التمييز أو اإلدراك راجعا إلى فعل المسؤول‪،‬‬
‫بمعنى أنه ال يجوز إعفاء الشخص من المسؤولية عن أعماله الضارة إذا صدرت منه بعد تناوله الخمر أو‬
‫أي مخدر آخر باختياره‪ ،‬بيد أنه إذا فقد رشده بغير اختياره نتيجة مخدر أو مرض أو غيبوبة فال مجال‬
‫لترتيب المسؤولية عليه‪.‬‬
‫وهو ما نص عليه المشرع المغربي من خالل الفصل ‪ 93‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫الذي أعتبر أن " السكر‪ ،‬إذا كان اختياريا‪ ،‬ال يحول دون المسؤولية المدنية في االلتزامات الناشئة عن‬
‫الجرائم وأشباه ا لجرائم‪ .‬وال مسؤولية مدنية إذا كان السكر غير اختياري‪ ،‬وعلى المتا َبع إثبات هذه‬
‫الواقعة‪." .‬‬
‫ولإلشارة فإن اإلدراك ال يشترط في الشخص االعتباري‪ ،‬بحيث تجوز مساءلته عن خطئه دون‬
‫قبول الدفع بأنه ال يملك القدرة النفسية على التمييز بين الخير والشر‪ ،‬فاإلدراك المطلوب كركن في الخطأ‬
‫مقصور على اإلنسان باعتباره شخصا طبيعيا وهم ما يستشف من نص الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي الذي ينص على أن " كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪." . . .‬‬
‫حاالت انتفاء المسؤولية‪.‬‬
‫الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫نصت الفقرة األولى من الفصل‪ 95‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أنه " ال محل‬
‫للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي‪ " . . .‬ثم أوضحت الفقرة الثانية من نفس الفصل أن حالة الدفاع‬
‫الشرعي"‪ . . .‬هي تلك التي يجبر فيها الشخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه لنفسه أو‬
‫لماله أو لنفس الغير أو ماله‪." .‬‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫يشترط العتبار التعدي مشروعا في حالة الدفاع الشرعي توافر شرطين أساسيين‪ :‬يتمثل الشرط‬
‫األول في وجود خطر حال واقع على نفس المدافع أو ماله‪ ،‬أو على نفس الغير أو ماله‪ ،‬وكان دفع الخطر‬
‫من المدافع ال يحتمل التأجيل‪ .‬وال يشترط وقوع الضرر بالفعل‪ ،‬بل يكفي أن يكون قد وقع فعل يخشى منه‬
‫وقوع فعل التعدي‪.‬‬
‫أما الشرط الثاني يتجلى في كون الخطر الذي تعرض له المدافع أو غيره عمال غير مشروع في ذاته‪ ،‬فال‬
‫يجوز لمن تعرض للقبض عليه بأمر قانوني أن يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه‪.‬‬
‫وإذا توافرت شروط الدفاع الشرعي بهذه الصورة‪ ،‬التي ذكرنا سابقا‪ ،‬يكون التعدي أو دفع‬
‫االعتداء عمال مشروعا فال تجوز مطالبة المدافع بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالطرف اآلخر‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن أساس ذلك أن الشخص المعتاد يلجأ إلى الدفاع عن نفسه بالقدر الضروري لدفع‬
‫اإلعتداء إذا ما تعرض له‪ ،‬فإذا تجاوز المدافع هذا القدر كان متعديا أو مخطئا ولكن مسؤوليته قد تكون‬
‫مخففة بالنظر إلى الخطأ الفادح من المعتدي‪.‬‬
‫إعطاء معلومات غير صحيحة للغير بحسن نية‪.‬‬
‫لم يرت ب المشرع المغربي على إعطاء معلومات غير صحيحة أية مسؤولية اتجاه الغير مادام مقدم‬
‫المعلومات حسن النية‪ ،‬وليس له علم بعدم صحتها‪ ،‬ثم أيضا مادام لم يرتكب أي خطأ جسيم أو خطأ يحمل‬
‫في طياته تهورا بالغا‪ ،‬غير أن هذا مقرون بتوفر مجموعة من الشروط تتمثل في وجود مصلحة مشروعة‬
‫في الحصول على تلك المعلومات بالنسبة للمقدم والمتلقي لها‪ ،‬وأن يكون من واجب المقدم نقل المعلومات‬
‫التي تصل اليه بسبب معامالته أو بمقتضى التزام قانوني‪.‬‬
‫أكد على كل ذلك الفصل ‪ 82‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي بقوله إن " من يعطي بحسن نية ومن‬
‫غير خطأ جسيم أو تهور بالغ من جانبه‪ ،‬بيانات وهو يجهل عدم صحتها‪ ،‬ال يتحمل أي مسؤولية تجاه‬
‫الشخص الذي أعطيت له‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا كانت له أو لمن تلقى البيانات مصلحة مشروعة في الحصول عليها؛‬
‫‪ - 2‬إذا وجب عليه‪ ،‬بسبب معامالته أو بمقتضى التزام قانوني‪ ،‬أن ينقل البيانات التي وصلت إلى‬
‫علمه"‪.‬‬
‫الضرر‪.‬‬
‫شروط الضرر المادي‪.‬‬
‫يعد الضرر المادي كل إخالل بمصلحة مالية مشروعة للمضرور‪ ،‬ويشترط في هذا الضرر لكي‬
‫يكون محال للتعويض أن يتضمن ‪:‬‬
‫اإلخالل المباشر بمصلحة مشروعة للمضرور‪.‬‬
‫يتحقق الضرر القابل للتعويض إذا أخل المسؤول بحق للمضرور سواء كان حقا ماليا أو حقا من‬
‫الحقوق اللصيقة بشخصيته‪ ،‬فلكل إنسان الحق في السالمة في نفسه وجسمه ‪ ،‬فأي اعتداء على اإلنسان‬
‫يعد إخالال بحقه في السالمة يستوجب التعويض‪.‬‬
‫وليس من الضروري أن يكون اإلخالل واقعا على المضرور مباشرة‪ ،‬بل قد يصاب شخص أخر‬
‫بالضرر نتيجة إلصابة الدائن ومع ذلك ليس هناك مانع من المطالبة بالتعويض‪.‬‬
‫وكذلك ليس من الالزم أن يكون اإلخالل واقعا على حق للمضرور‪ ،‬بل يكفي أن يكون اإلخالل‬
‫واقعا على مصلحة مالية للمضرور قد ال ترقى إلى مرتبة الحق‪ ،‬كما يجب أن تكون هذه المصلحة المالية‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫أن يكون الضرر محققا‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫يشترط في الضرر الذي يقبل التعويض أن يكون محقق الوقوع بأن يكون قد وقع فعال‪ ،‬أو أن‬
‫يكون محقق الوقوع في المستقبل‪.‬‬
‫بيد أنه إذا كان الضرر محتمل الوقوع في المستقبل أي أنه قد يقع وقد ال يقع فال يكون محال‬
‫لتعويض من لدن المدين‪.‬‬
‫لذلك هناك فرق بين الضرر المستقبل والضرر المحتمل‪ ،‬فالضرر المستقبل كما رأينا هو ضرر‬
‫م حقق الوقوع في المستقبل ولذلك يكون محال للتعويض‪ ،‬فإن اإلصابة في ذاتها ضرر حال ولكنها سوف‬
‫تؤدي حتما في المستقبل إلى عجزه عن مزاولة مهنته‪ ،‬ولذلك فإنها محل للتعويض‪.‬‬
‫أما الضرر المحتمل فهو ضرر غير محقق‪ ،‬وقد يقع وقد ال يقع‪ ،‬فال يكون محال للتعويض إال إذا‬
‫وقع ف عال‪ ،‬فإذا تصبب شخص في إحداث عيوب بمنزل لشخص أخرفهذه العيوب في ذاتها ضرر محقق‪،‬‬
‫أما ما قد يترتب عن العيوب من تهدم المنزل فهو ضرر محتمل ال محل لتعويضه إال إذا تهدم المنزل فعال‬
‫في المستقبل‪.‬‬
‫كما يختلف الضرر المحتمل‪ ،‬الذي ال يقبل التعويض طالما كان محتمال‪ ،‬عن الضرر الناتج من‬
‫فوات الفرصة‪ ،‬فهذا الضرر األخير هو ضرر حال وليس ضرر محتمل فقط‪.‬‬
‫إمكانية تعويض الضرر المعنوي أو األدبي‪.‬‬
‫الضرر المعنوي أو األدبي هو الضرر غير المادي الذي يصيب الشخص في شعوره‪ ،‬أو عاطفته‬
‫أو كرامته‪ ،‬وقد يقترن الضرر األدبي بضرر مادي‪ ،‬وقد يكون أدبيا خالصا‪ ،‬فالضرر األدبي إذن هو‬
‫اإلخالل بمصلحة أدبية للمضرور‪.‬‬
‫قابلية الضرر المعنوي للتعويض‪.‬‬
‫ثار جدل كبير في الفقه حتى وقت قريب عن قابلية الضرر األدبي للتعويض بالمال‪ ،‬فذهب الفقه‬
‫المعارض لتعويض الضرر األدبي إلى أن هذا النوع من الضرر ال يقبل التقييم بالمال ذلك أنه اعتداء على‬
‫الشخص كإنسان وليس على ذمته‪ ،‬وال يوجد توازن بين التعويض والضرر األدبي‪ ،‬فمثل هذا الضرر ال‬
‫يقبل اإلصالح‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن إضفاء صفة التعويض على تعويض الضرر األدبي يتنافى مع قواعد‬
‫األخالق‪ ،‬فال يمكن تعويض الضرر الذي يمس الشرف والكرامة بالمال‪ ،‬ألن المضرور يطلب في الواقع‬
‫االنتقام من المدين وليس جبر الضرر بالمال‪ ،‬وهذا ما يفسر صعوبة تقدير التعويض من لدن القاضي ‪،‬‬
‫إذ أنه يتعذر عليه تقدير مدى األلم الذي أصاب الدائن‪.‬‬
‫بيد أن الراجح في الفقه والقضاء يذهب على العكس من ذلك ويقرر قابلية الضرر األدبي‬
‫للتعويض‪ ،‬بحيث يكون هذا التعويض تعويضا حقيقيا وليس عقوبة وال انتقاما من المسؤول عن الضرر‪.‬‬

‫ويمكن في جميع األحوال للقاضي التغلب على هذه الصعوبات بشيء من المالءمة التي تتطلبها‬
‫كل حالة على حدة‪.‬‬
‫ويذهب هذا الفقه أيضا إلى القول بأن التعويض ال يمثل دائما إعادة الحال إلى ما كانت عليه‪ ،‬بل‬
‫إنه يعطي المضرور بديال عما أصابه من الضرر األدبي‪ ،‬ولذلك فالضرر األدبي يقبل التعويض‪ .‬فمن‬
‫أصيب في شرفه يعوض عن ذلك بما يرد اعتباره بين الناس‪ ،‬وأن الحكم على المسؤول بتعويض ضئيل‬
‫كفيل برد اعتبار المضرور‪.‬‬
‫وقد كان القانون الروماني يقر التعويض عن الضرر األدبي في حاالت كثيرة‪ ،‬وتاله في ذلك‬
‫القانون المدني الفرنسي القديم ولكنه اقتصر على تعويض الضرر األدبي الناجم عن المسؤولية التقصيرية‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫دون المسؤولية التعا قدية‪ .‬أما القانون المدني الفرنسي الحديث فيتضمن نصوصا تتسم بالعمومية واإلطالق‬
‫مما يسمح بالتعويض عن الضرر األدبي سواء كان مترتبا عن المسؤولية التعاقدية أو التقصيرية‪.‬‬
‫أما المشرع المغربي فقد حسم هذا األمر من خالل قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬فنص صراحة في‬
‫الفصلين ‪77‬و ‪ 78‬على مسؤولية كل شخص عن الضرر المادي والمعنوي الذي يحدثه للغير‪ .‬وقد أكد‬
‫القضاء المغربي منذ مدة بعيدة صالحية الضرر األدبي للتعويض‪ ،‬إذ قررت محكمة االستئناف بالرباط‬
‫سنة ‪ 1964‬تعويض الضرر المعنوي الحاصل لالم بمناسبة مشاهدتها البنتها في حادثة سيارة وهي‬
‫ملطخة في دمائها‪ ،‬ومصابة بجروح بليغة أدت إلى وفاتها‪.‬‬
‫الشخص المؤهل للمطالبة بالتعويض‪.‬‬
‫القاعدة أنه كل من لحقه ضرر أدبي سواء في شعوره أو عاطفته أو كرامته يحق له المطالبة‬
‫بتعويض عن هذا الضرر‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان الفعل غير المشروع قد أدى إلى موت الشخص‪ ،‬فإن تساؤال يطرح نفسه يتمثل‬
‫في مدى جواز الحكم بالتعويض ألقارب الميت عن األلم الذي أصابهم في شعورهم من جراء موت‬
‫قريبهم؟‬
‫أجاز المشرع المصري إمكانية التعويض عن الضرر األدبي‪ ،‬كما حدد األشخاص الذين لهم الحق‬
‫في المطالبة بالتعويض عن الضرر األدبي في حالة الموت‪ ،‬بحيث ال يجوز الحكم بالتعويض عن األلم‬
‫الناتج عن ذلك إال لألزواج واألقارب إلى الدرجة الثانية‪.‬‬
‫فطبقا للقانون المدني المصري‪ ،‬يقتصر التعويض عن موت المصاب على الزوج واألقارب إلى‬
‫الدرجة الثانية‪ ،‬غير أن القاضي ال يمنح تعويضا لهؤالء جميعا إذا وجدوا بل يعطي التعويض لمن أصابه‬
‫منهم ألما حقيقيا بموت المصاب‪.‬‬
‫وهذا التحديد قاصر على الضرر األدبي‪ ،‬أما الضرر المادي مثل ضياع الحق في النفقة فال يتقيد‬
‫بهذا التحديد‪.‬‬
‫أما قانون االلتزامات والعقود المغربي فلم يعالج هذا الموضوع‪ ،‬إنما ترك األمر لتقدير القاضي‬
‫الذي يحدد األشخاص المستحقين للتعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن وفاة المصاب‪ .‬غير أن‬
‫المشرع المغربي من خالل الظهير المحدد للتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها العربات ذات المحرك‬
‫لسنة‪ 1984‬قلص من قائمة األشخاص المستحقين لهذا التعويض وتم تحديدهم في زوج المصاب‬
‫وأصولهوفروعه من الدرجة األولى ‪.‬‬
‫انتقال الحق في التعويض عن الضرر األدبي‪.‬‬
‫األصل أن الحق في التعويض الثابت للمضرور ذاته عن الضرر األدبي الذي لحقه هو حق‬
‫شخصي يقتصر مبدئيا على المضرور وحده وال ينتقل إلى غيره‪.‬‬
‫بيد أن المشرع المصري أجاز انتقال هذا الحق في حالتين اثنتين تتمثل األولى في ضرورة وجود‬
‫اتفاق بين المضرور و المسؤول عن ثبوت هذا الحق ومقداره‪ .‬و تتجلى الثانية في كون المضرور قد سبق‬
‫وأن طالب بالتعويض عن الضرر األدبي أمام القضاء‪.‬‬
‫وهذا ما عبر عنه القانون المدني المصري حين الحديث عن الضرر المعنوي حيث نصت المادة‬
‫‪ 222‬على أنه "‪ . . .‬ال يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إال إذا تحدد بمقتضى اتفاق‪ ،‬أو طالب‬
‫الدائن به أمام القضاء"‪.‬‬
‫مما يدل على أنه قبل االتفاق أو المطالبة القضائية‪ ،‬ال ينتقل الحق في التعويض إلى أحد‪ ،‬فإذا‬
‫مات المضرور قبل االتفاق مع المسؤول أو اللجوء إلى القضاء فال ينتقل الحق في التعويض إلى الورثة بل‬
‫يزول ذلك بموت المصاب‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫القانون المغربي لم يعالج هذا الموضوع‪ ،‬بيد أن القضاء المغربي يميل إلى إعطاء الورثة الحق في‬
‫المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصاب موروثهم‪.‬‬
‫والحقيقة أن القضاء تبنى اجتهادا قضائيا مهما ساهم في سد النقص الحاصل على المستوى‬
‫التشريعي‪ ،‬إذ أن الورثة لهم دون شك الحق في المطالبة بتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصابهم‬
‫بسبب موت موروثهم‪ .‬إضافة إلى أن التعويض الذي قد يطالب به أحد الورثة عن موت الموروث‪ ،‬ال‬
‫ينتقل إليه من هذا األخير‪ ،‬بل ينشأ مباشرة من الفعل الضار الذي أصاب الوارث بسبب موت الموروث‪.‬‬
‫العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪.‬‬
‫يتطلب لقيام المسؤولية التقصيرية ليس فقط وجود خطأ المدين‪ ،‬وإصابة الدائن بالضرر وإنما‬
‫يتعين إضافة إلى ذلك وجود عالقة سببية بين الخطأ والضرر‪ ،‬إال أنه أحيانا قد تنتفي هذه العالقة بوجود‬
‫سبب أجنبي ال يد للمدين فيه‪ ،‬وفي أحيانا أخرى قد تتعدد األسباب ‪.‬ممايصعب تحديد السبب المباشر في‬
‫وقوع الضرر‪ ،‬كما أن األضرار قد تتعدد و تتعاقب مما يطرح حدود الخطأ في وقوعها‬
‫مفهوم عالقة السببية‪.‬‬
‫ال يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية ارتكاب الخطأ و وقوع الضرر بل يتعين إلى جانب ذلك أن‬
‫يكون هذا الخطأ قد سبب ضررا‪ .‬فالشخص ال يسأل إال عن تعويض الضرر الناتج عن خطئه ال عن‬
‫سبب آخر‪.‬‬
‫وتعد العالقة السببية ركنا مستقال من أركان المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وبذلك ال تختلط بالخطأ الذي‬
‫يمكن أن يقوم بدون وجود رابطة السببية‪ ،‬كما قد تقوم العالقة السببية دون قيام الخطأ‪.‬‬
‫أكد قانون االلتزامات والعقود المغربي في الفصلين ‪ 78 77‬على ضرورة وجود العالقة السببية‬
‫لقيام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬إذ يتعين على الدائن أن يثبت أن الخطأ هو السبب المباشر في حصول‬
‫الضرر لكي يتم الحكم له بالتعويض‪.‬‬
‫فإذا كان خطأ المسؤول أو المدعى عليه هو السبب الوحيد للضرر‪ ،‬وكان هذا الضرر هو نتيجة‬
‫مباشرة ومألوفة لمثل هذا الخطأ‪ ،‬فال تثير عالقة السببية صعوبة ما‪.‬‬
‫السبب األجنبي‪.‬‬
‫والسبب األجنبي هو كل سبب أجنبي عن المسؤول أو المدعى عليه‪ ،‬يعدم عالقة السببية بين الخطأ‬
‫والضرر‪ .‬وقد أشار الفصل ‪ 95‬من قانون االلتزامات و العقود المغربي إلى أن السبب األجنبي قد يكون‬
‫حادثا فجائيا أو قوة قاهرة‪ ،‬وقد أضاف المشرع المصري إلى ذلك خطأ المضرور وخطأ الغير وهو ما‬
‫تضمنته المادة ‪ 165‬من القانون المدني‪ .‬القوة القاهرة أوالحادث الفجائي‪.‬‬
‫حاول بعض الفقه الفرنسي التفرقة بين القوة القاهرة والحادث الفجائي‪ ،‬فالقوة القاهرة هي الحادث‬
‫الذي يستحيل دفعه‪ ،‬بينما الحادث الفجائي هو الحادث الذي ال يمكن توقعه‪ .‬بيد أن هذا الرأي يخالف ما هو‬
‫متفق عليه من وجوب اجتماع صفتي استحالة الدفع وعدم إمكان التوقع في كل من القوة القاهرة والحادث‬
‫الفجائي‪.‬‬
‫ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى أن القوة القاهرة هي وحدها السبب األجنبي ألنها حادث خارجي عن‬
‫الشيء ‪ ،‬بينما الحادث الفجائي ال يعد سببا أجنبيا ألنه حادث داخلي‪.‬‬
‫لكن الفقه يذهب اليوم إلى عدم التمييز بين القوة القاهرة والحادث الفجائي فكالهما له نفس الشروط‬
‫ونفس اآلثار كسبب أجنبي‪.‬‬
‫كذلك لم يميز المشرع المغربي بين القوة القاهرة والحادث الفجائي ال من حيث شروطهما أو‬
‫آثارهما ‪ ،‬بل أنه أعتبرهما شيء واحدا من خالل الفصل ‪ 95‬من قانون االلتزامات والعقود من حيث عدم‬
‫ترتيب المسؤولية مادام ليس هناك فعل سابق أو مصاحب لهما يؤاخذ به المدعى عليه ‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫هذا الموقف أخد به أيضا المشرع المصري في المادة ‪ 165‬السالفة الذكر من القانون المدني التي‬
‫تنص على أنه " إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه‪ ،‬كحادث مفاجئ أو قوة‬
‫قاهرة ‪ ،‬كان غير ملزم بتعوي ض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك "‪.‬‬
‫بيد أنه ال بد من توافر شروط محددة في القوة القاهرة أوالحادث الفجائي العتباره سببا أجنبيا مانعا من‬
‫ترتيب المسؤولية ‪ ،‬تتمثل أوال في كون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي غير ممكن التوقع‪ ،‬فإذا أمكن توقع‬
‫الحادث ولو استحال دفعه ال يكون ذلك قوة قاهرة أو حادثا فجائيا‪.‬‬
‫يجب أن يكون الحادث غير ممكن التوقع ال من جانب المدعى عليه فقط‪ ،‬ولكن من جانب أشد الناس‬
‫يقظة‪ ،‬فالمعيار هنا موضوعي بحيث ال يكتف فيه بالشخص العادي‪ ،‬إذ يشترط في عدم التوقع أن يكون‬
‫مطلقا يستحيل معه على أ ي شخص أن يتوقع ما حدث مهما كانت درجته من اليقظة‪.‬‬
‫عدم إمكان التوقع في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬يكون وقت الحادث ذاته‪ ،‬ففي هذا الوقت يمكن القول بأن‬
‫أركان المسؤولية التقصيرية قد اجتمعت أو تخلف أحدها‪ ،‬أما في المسؤولية التعاقدية‪ ،‬فعدم التوقع يكون‬
‫وقت إبرام العقد ولو أمكن توقع ذلك بعد التعاقد وقبل التنفيذ‪.‬‬
‫تتمثل ثانيا في كون القوة القاهرة أو الحادث فجائي مستحيل الدفع رغم عدم إمكانية توقعه‪ ،‬واستحالة الدفع‬
‫هنا هي االستحالة المطلقة وذلك بالنسبة ألي شخص وجد في نفس ظروف المدعى عليه حيث ال يستطيع‬
‫أن يدفع الحادث‪.‬‬
‫ويذهب بع ض الفقه والقضاء إلى اشتراط أن يكونالحادث الفجائي أو القوة القاهرة‪ ،‬حتى يمكن اعتباره‬
‫سببا أجنبيا يعفي المدعى عليه من المسؤولية‪ ،‬حادثا خارجيا بالنسبة إلى المدين‪ .‬فال يجوز للمدين اعتبار‬
‫المرض المفاجئ قوة قاهرة ألن هذا الحادث أمرا داخليا‪.‬‬
‫ولكن ما هو الحل إذا كان سبب الضرر راجعا إلى القوة القاهرة أو الحادث الفجائي باالشتراك مع‬
‫خطأ المدعي عليه؟‬
‫القاعدة أنه لكي يستفيد المدعى عليه من عدم ترتيب المسؤولية عليه أن يكون الحادث الفجائي أو‬
‫القوة القاهرة لم يسبقه أو يصطحبه فعل يؤاخذ به المدعى عليه‪ ،‬غير أنه إذا تعددت األسباب وكان أحدهما‬
‫مستغرقا لألسباب األخرى‪ ،‬فهو وحده الذي يرتب المسؤولية‪ ،‬ويكون السبب مستغرقا لغيره من األسباب‬
‫إذا كان أشد منها جسامة‪ ،‬أو كانت األسباب األخرى نتيجة له‪.‬‬
‫خطأ المضرور‪.‬‬
‫من المعلوم أنه إذا كان خطأ المسؤول هو وحده سبب الضرر فإنه يتحمل وحده بالمسؤولية‪،‬‬
‫وبالمقابل إذا كان خطأ المضرور هو وحده سبب الضرر فهو لوحده يتحمل نتيجة فعله‪.‬‬
‫بيد أنه إذا نسب إلى المضرور خطأ ساهم في حدوث الضرر إلى جانب خطأ المدعى عليه‪ ،‬فهنا‬
‫يثار التساؤل عن مدى تأثير ذلك في مسؤولية المدعى عليه‪.‬‬
‫لم يتضمن قانون االلتزامات والعقود المغربي قواعد خاصة بهذا اإلشكال‪ ،‬ولكن الفقه والقضاء‬
‫وضع في هذا الصدد ضوابط تستند إلى القواعد العامة‪ .‬وتطبيقا لذلك يجب التفرقة بين فرضيتين‪ :‬أن‬
‫يكون أحد الخطأين قد استغرق األخر‪ ،‬أو أن يبقى كل من الخطأين مستقال عن األخر فنكون بصدد حالة‬
‫الخطأ المشترك‪.‬‬
‫في ما يتعلق بالفرضية األولى الخاصة باستغراق أحد الخطأين األخر بحيث ال يكون للخطأ األخر‬
‫أي أثر‪ ،‬ويستغرق أحد الخطأين األخر إذا كان أحدهما عمدا واألخر غير عمد مثال‪ ،‬أو كان أحد الخطأين‬
‫نتيجة لألخر‪.‬‬
‫في ما يخص الحالة األولى التي يكون فيها خطأ المسؤول عمدا و خطأ المضرور غير عمد‪،‬‬
‫يستغرق خطأ المسؤول العمدي خطأ المضرور غير العمد‪ ،‬ويتحمل المسؤول بالمسؤولية كاملة‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫وإذا كان خطأ المضرور عمدا و خطأ المسؤول غير عمد‪ ،‬استغرق خطأ المضرور خطأ‬
‫المسؤول‪ ،‬وتحمل المضرور بالمسؤولية كاملة‪.‬‬
‫ثم إن تساؤل يثار حول رضا المضرور بما وقع عليه من ضرر فهل يخفف ذلك من مسؤولية‬
‫المدعى عليه‪ .‬القاعدة أن علم المضرور بالضرر ورضائه به دون أن يريد‪ ،‬ال يخفف من مسؤولية‬
‫المسؤول إال إذا كان هذا الرضا من جانب المضرور يعد في حد ذاته خطأ‪.‬‬
‫وكذلك تخفف مسؤولية المسؤول إذا كان المضرور عالما بالضرر راضيا به وهو يريده‪.‬‬
‫ففي جميع أحوال فإن رضا المضرور ال يستغرق خطأ المسؤول وإن كان يمكن أن يخفف من‬
‫مسؤولية هذا األخير‪.‬‬
‫أما في ما يخص الحالة الثانية التي يكون فيها خطأ المضرور نتيجة خطأ المدعى عليه‪ ،‬فإن خطأ‬
‫المدعى عليه يستغرق خطأ المضرور‪ ،‬ويصبح المدعى عليه هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة‪ .‬وإذا كان‬
‫خطأ المسؤول نتيجة لخطأ المضرور‪ ،‬فإن خطأ المضرور يستغرق خطأ المسؤول‪ ،‬وال يتحمل المسؤول‬
‫بأي تعويض‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق بالفرضية الثانية الخاصة بالخطأ المشترك حيث ال يستغرق أحد الخطأين األخر‪،‬‬
‫بل يبقى كل خطأ منهما متميزا ب ذاته مساهما في إحداث الضرر‪ ،‬وبذلك يكون للضرر سببان أولهما خطأ‬
‫المدعى عليه و ثانيهما خطأ المضرور‪ ،‬ويسمى هذا بالخطأ المشترك‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة توزع المسؤولية بين المضرور و المدعى عليه‪ ،‬حيث يتحمل كل منهما مسؤولية‬
‫حدوث الضرر مناصفة‪ .‬أما أذا كان عدد المتسببين في الحادث يتجاوز اثنين قسمت المسؤولية بينهم‬
‫بالتساوي‪ ،‬ولكن يجوز للقاضي أن يوزع المسؤولية بين المدعى عليه والمضرور حسب جسامة الخطأ‬
‫المرتكب من قبلهما‪.‬‬
‫وتطبق نفس القاعدة أيضا إذا كان كل من الطرفين مسؤوال ومضرورا في نفس الوقت‪ ،‬ما لم يحكم‬
‫القاضي بنسبة أكبر يتحملها أحدهما نتيجة لجسامة خطئه‪.‬‬
‫خطأ الغير‪.‬‬
‫تنعدم مسؤولية المدعى عليه تلقائيا إذا كان خطأ الغير هو السبب الوحيد المنتج للضرر‪ ،‬وبذلك‬
‫يتحمل هذا الغير المسؤولية كاملة‪ .‬أما إذا كان الضرر راجعا إلى خطأ الغير وخطأ المدعى عليه في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬فإن ذلك يؤثر في مسؤولية المدعى عليه‪.‬‬
‫فإذا كان خطأ الغير عمدا وخطأ المدعى عليه غير ذلك‪ ،‬استغرق خطأ الغير خطأ المدعى عليه‬
‫وتحمل الغير بالمسؤولية كاملة‪ ،‬وإذا كان عكس ذلك تحمل المدعى عليه المسؤولية‪.‬‬
‫أما إذا كان الخطأ مشتركا بين المدعى عليه والغير فإنهما يكونان مسؤولين بالتضامن عن تعويض‬
‫المضرور وذلك تطبيقا للفصلين ‪ 99‬و ‪ 100‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬
‫تعدد األسباب‪.‬‬
‫إذا تعددت األسباب التي أحدثت الضرر دون أن يستغرق أحدهما لألخر‪ ،‬فعندئذ يمكن القول‬
‫بتعادل األسباب التي ساهمت في إحداث الضرر‪ ،‬فهل نعتد بهذه األسباب جميعا أو نختار أكثرها فعالية‬
‫في إحداث الضرر؟‬
‫لإلجابة على هذا التساؤل نستحضر نظريتان‪ ،‬وهما‪ :‬نظرية تكافؤ األسباب‪ ،‬ونظرية السبب‬
‫المنتج‪.‬‬
‫في ما يخص نظرية تكافؤ األسباب‪ ،‬فقد تبناها بعض الفقه األلماني ومضمونها أن كل سبب ساهم‬
‫في إحداث الضرر ولو كان سببا بعيدا يعتبر من األسباب التي أحدثت الضرر وال يجوز استبعاده‪ ،‬ألنه لو‬
‫ألغينا هذا السبب لما حدث الضرر‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫فلو كان السائق يقود سيارته مسرعا ففوجئ بحفرة أقامها الغير على يمين الطريق بغير تحذير‬
‫فانحرف عنها فجأة فأصاب شخصا يسير بإهمال على يسار الطريق ‪ ،‬فلدينا ثالثة أسباب للحادث هي‬
‫سرعة السائق والحفرة في الطريق وخطأ المضرور الذي يسير بإهمال عبر الطريق‪ .‬فكل هذه األسباب‬
‫متكافئة ألن غياب أحدها كان سيؤدي إلى عدم وقوع الحادث‪ ،‬فيتعين إذن أن نعتبر السائق والغير‬
‫والمضرور كلهم مسؤولون‪.‬‬
‫أما في يخص نظرية السبب المنتج أو الفعال فقد انتقلت إلى الفقه الفرنسي من بعض الفقه‬
‫األلماني‪ ،‬وتقضى هذه النظرية بأنه إذا تعددت األسباب ولم يستغرق أحدها الباقي‪ ،‬فالعبرة ليست بكل‬
‫األسباب في وقت واحد بل باألسباب المنتجة أو الفعالة دون األسباب العارضة‪ ،‬حقا أن كل األسباب أدت‬
‫إلى الضرر ولو غاب أحدهما لما تحقق الضرر‪ ،‬إال أن السببية بهذا المعنى تعني السببية الطبيعية‪ ،‬ونحن‬
‫يجب أن نعتد بالسببية القانونية‪ ،‬وهذه األخيرة هي السبب المألوف الذي ينتج عنه الضرر في العادة‪ .‬أما‬
‫السبب العارض فهو السبب الذي ال يؤدي عادة إلى مثل هذا الضرر‪ ،‬فإن حدث منه الضرر كان ذلك‬
‫نتيجة غير مألوفة وغير عادية‪.‬‬
‫وإذا رجعنا إلى المثال أعاله يكون الحفر في الطريق بغير تحذير سببا منتجا للحادث ألن مثل هذا‬
‫العمل من شأنه عادة أن يؤدي إلى وقوع حوادث في الطريق‪ .‬وكذلك تكون القيادة المسرعة للسائق سببا‬
‫منتجا في ذات الوقت ألنها تؤدي إلى التقليل من فرصة تفادي مفاجآت الطريق‪.‬أما سير الشخص على‬
‫يسار الطريق بغير مباالة فيكون سببا عارضا غير منتج ألن مثل هذا المسلك ال يؤدي عادة إلى انحراف‬
‫السيارة من اليمين إلى اليسار لتدوسه السيارة‪ .‬وبذلك تقوم مسؤولية السائق ومحدث الحفرة لتعويض الدائن‬
‫عما أصابه من ضرر‪.‬‬
‫أما إذا قاد شخص سيارته في حالة سكر في الطريق فأصابه شخص أخر يسير بسيارة مسرعة‪،‬‬
‫فكال السببان منتجان ألن كل منهما يؤدي عادة إلى مثل هذا الحادث‪ ،‬وهنا نكون بصدد خطأ مشترك‪.‬‬
‫ونظرية السبب المنتج هي النظرية الراجحة في الفقه والقضاء‪ ،‬وهي التي تتفق مع أحكام القانون‬
‫المغربي‪ ،‬إذ يلزم الفاعل بالتعويض إذا تبت أن الفعل هو السبب المباشر للضرر كما أكد على ذلك قانون‬
‫اإللتزامات والعقود المغربي‪.‬‬
‫وإلى جانب تعدد األسباب‪ ،‬قد تتعدد األضرار و تتعاقب الناتجة عن الخطأ وفي هذه الحالة‬
‫نتساءل عن حدود مسؤولية المدعي عليه‪،‬ومن تم عن حدود التعويض عن الضرر المفروض على المدين‪.‬‬
‫تعدد األضرار وتعاقبها‪.‬‬
‫سبق وأن قلنا بأن من شروط التزام المدعى عليه بتعويض الضرر أن يكون هذا الضرر ناتجا‬
‫عن خطئه‪ ،‬أو بعبارة أدق أن تكون هناك عالقة سببية بين خطأ المدعى عليه وبين الضرر الذي يدعيه‬
‫المضرور‪.‬‬
‫كما أشرنا إلى الحاالت التي تتعدد فيها أسباب الضرر ورأينا كيف نختار من بين هذه األسباب‬
‫السبب الحقيقي للضرر‪.‬‬
‫ولكن قد يثار إشكال آخر مرتبط بالعالقة السببية يتمثل في تعدد األضرار وتعاقبها‪ .‬فسواء كان‬
‫السبب واحدا أو متعددا‪ ،‬فقد تقوم سلسلة من األضرار بعضها مترتب على بعض‪ ،‬ويكون أولها ناتج‬
‫مباشرة عن خطأ المدعى عليه‪ ،‬مما يستدعي التساؤل عن مدى إلزامية المدعى عليه بتعويض هذه‬
‫األضرار المتعاقبة‪.‬‬
‫في المسؤولية التعاقدية كما سبقت اإلشارة إلى ذلك ال يسأل المدين إال عن األضرار المباشرة المتوقعة‪.‬‬
‫فال يسأل عن الضرر غير المباشر وهو الضرر الذي يكون نتيجة غير مألوفة لإلخالل بااللتزام التعاقدي‪،‬‬
‫وقد فسر الفقه ذلك بكونه ترجمة لحدود ما اتجهت إليه إرادة المدين عند التعاقد‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫غير أن االلتزام في المسؤولية التقصيرية ‪ ،‬كما نعلم‪ ،‬ال يقوم على اإلرادة‪ ،‬فهل يدل ذلك عن‬
‫التزام المدين بالتعويض ينصب على األضرار المباشرة وغير المباشرة‪.‬‬
‫استقر الرأي في الفقه على أن التزام المدين بالتعويض في المسؤولية التقصيرية ال يتعدى‬
‫األضرار المباشرة‪ ،‬بحيث ال يلتزم بتعويض الضرر غير المباشر‪ ،‬وأن أساس هذا الرأي هو انعدام‬
‫العالقة السببية بين خطأ المدين وبين األضرار غير المباشرة‪ .‬والقاعدة أنه إذا انقطعت العالقة السببية‬
‫انقضت المسؤولية‪.‬‬
‫بالرجوع إلى المشرع المغربي نجده قد أخذ من خالل قانون االلتزامات والعقود بمعيار الضرر‬
‫المباشر‪ ،‬إذ استلزم المشرع لتعويض الضرر أن تكون العالقة القائمة بين خطأ المدين وبين الضرر‬
‫عالقة مباشرة‪ ،‬مما يدل على أن التعويض يكون مقصورا على الضرر المباشر دون الضرر غير‬
‫المباشر‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن مرتكب الخطأ يكون ملزما‬
‫بالتعويض إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر‪.‬وتم تأكيد على ذلك أيضا من‬
‫خالل الفصل ‪ 78‬من نفس القانون الذي ألزم المسؤول عن الخطأ بالتعويض الضرر إذا ثبت أن هذا‬
‫الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر‪.‬‬
‫و بذلك يكون الضرر مباشرا في المسؤولية التقصيرية إذا كان نتيجة طبيعية ومألوفة إلخالل‬
‫المدعى عليه بالتزامه القانوني بعدم اإلضرار بالغير‪.‬‬
‫أما إذا كنا بصدد سلسلة من األضرار المتعاقبة التي ترتب بعضها على بعض‪ ،‬وكان أولها ناتجا‬
‫عن خطأ المدعى عليه‪ ،‬فيجب أن تقف مسؤولية المدعى عليه عند األضرار المباشرة فقط‪ ،‬أي أن‬
‫المدعى عليه ال يلزم إال بتعويض األضرار التي تكون نتيجة طبيعية ومألوفة لمثل هذا الخطأ‪.‬‬
‫أثار المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫إذا توافرت أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما‪ ،‬كان لزاما أن ترتب‬
‫هذه المسؤولية جزاء يتمثل في التعويض‪ ،‬فإذا لم يصل المسؤول والمضرور إلى اتفاق بينهما‪ ،‬فإن وسيلة‬
‫الحصول على التعويض هي اللجوء إلى القضاء بدعوى المسؤولية‪.‬‬
‫دعوى المسؤولية‪.‬‬
‫أطراف دعوى المسؤولية‪.‬‬
‫يعد المدعي ف ي دعوى المسؤولية هو الشخص المضرور من فعل الشخص اآلخر‪ ،‬بحيث إذا كان‬
‫المدعي متمتعا بأهليته جاز له التقاضي كما أكد على ذلك قانون المسطرة المدنية‪ ،‬أما إذا كان المضرور‬
‫قاصرا قام مقامه نائبه الشرعي‪ .‬فال يحق لغير المضرور أن يطالب بالتعويض بغير موافقة المضرور أو‬
‫ب نص القانون‪ .‬فإذا سكت المضرور عن المطالبة فليس لغير نائبه أن يطالب بالتعويض‪.‬‬
‫وينتقل الحق في التعويض عن الضرر المادي والمعنوي إلى الورثة بشرط أن يكون المضرور قد‬
‫رفع دعوى للمطالبة به قبل وفاته‪ .‬ففي هذه الحالة يصبح التعويض عنصرا من عناصر التركة وينتقل إلى‬
‫الورثة‪.‬‬
‫أما إذا كان المضرور لم يرفع دعوى بالتعويض قبل وفاته‪ .‬فمن المجمع عليه أن للورثة الحق في‬
‫المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي الذي لحق موروثهم في ذمته المالية‪ .‬أما التعويض عن الضرر‬
‫المعنوي فاألصل أنه ال يجوز للورثة المطالبة به ألنه من الحقوق المتصلة بشخص المضرور‪.‬‬
‫وهذا التوجه هو الذي أخذ به القانون المدني المصري في المادة ‪ 222‬إذ قضت على أن التعويض‬
‫عن الضرر األدبي ال ينتقل إلى الغير إال إذا كان المضرور قد طالب به قضائيا قبل وفاته‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫أما أذا تع دد المتضررون من نفس الخطأ سواء كانت أضرارا مستقلة تجاه بعضها‪ ،‬أو ناتجة عن‬
‫بعضها ‪ ،‬ففي هذه الحالة يحق لكل واحد من هؤالء المتضررين أن يرفع دعوى بطلب التعويض عن‬
‫الضرر الذي أصابه‪ ،‬دون أن يتأثر حقه بمطالبة باقي المتضررين بحقوقهم أو تنازلهم عنها أو سكوتهم‪.‬‬
‫الم دعى عليه في دعوى المسؤولية هو المسؤول أو الملتزم بالتعويض وليس لزاما أن يكون‬
‫المسؤول أو الملتزم بالتعويض هو بذاته مرتكب الخطأ‪ .‬ففي المسؤولية عن عمل الغير ‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬يكون‬
‫المدعي عليه المسؤول عن التعويض هو متولي الرقابة أو المتبوع ‪ .‬أما في المسؤولية عن العمل‬
‫الشخصي‪ ،‬فالمسؤول أو الملتزم بالتعويض هو الشخص ذاته مرتكب الخطأ‪.‬‬
‫ولإلشارة فقط فإذا كان المسؤول ناقص األهلية أو عديمها وجهت الدعوى إلى نائبه القانوني‪ .‬وإذا‬
‫توفي المسؤول وجهت الدعوى إ لى ورثته أو أحدهم‪ ،‬وهذا هو ما أخذ به قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي في فصله ‪ 105‬حيث نص على أنه " في الجريمة وشبه الجريمة‪ ،‬تكون التركة ملزمة بنفس‬
‫التزامات الموروث"‪.‬‬
‫إثبات الضرر‪.‬‬
‫يعلم من القواعد العامة‪ ،‬أن عبء إثبات اإللتزام يقع على المدعي (الدائن)‪ ،‬كما يحق أيضا للمدعى‬
‫عليه ( المدين) إثبات براءة ذمته‪ ،‬والمدعي بصفته هو الشخص المضرور‪ ،‬يتوجب عليه إثبات أركان‬
‫المسؤولية الثالث من خطأ وضرر ورابطة سببية بينهما‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن عبء اإلثبات يختلف بحسب نوع المسؤولية‪ ،‬إذ يقع عبء اإلثبات على المضرور‬
‫عندما يتعلق األمر بالمسؤولية عن العمل الشخصي‪ .‬بينما أعفي المضرور من عبء اإلثبات حين أعتبر‬
‫الخطأ مفترضا في أنواع أخرى من المسؤولية كما سنرى الحقا‪.‬‬
‫ويقع على المدعى عليه بصفته المسؤول نفي الخطأ‪ ،‬بإثبات أنه لم ينحرف في سلوكه عن سلوك‬
‫الرجل المعتاد‪ ،‬إال في األحوال التي يقرر فيها القانون قرينة قانونية على قيام الخطأ ال تقبل إثبات العكس‪.‬‬
‫كما يقع على المدعي عبء إثبات الضرر الذي لحق به من جراء الفعل الضار‪ ،‬بحيث إذا فشل في‬
‫إثباته فال يمكن الحديث عن التعويض‪.‬‬
‫ويقع أيضا على المدعي بصفته المضرور إثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪ .‬ومع ذلك‬
‫فمن الناحية العملية‪ ،‬يكتفي المضرور بإثبات الخطأ و الضرر لتقوم قرينة على أن الخطأ هو سبب‬
‫الضرر‪.‬‬
‫وللمدعى عليه في جميع األحوال نفي عالقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات السبب األجنبي‪،‬‬
‫أي بإثبات أن السبب الوحيد للضرر هو خطأ المضرور أو خطأ الغير أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪.‬‬
‫تقادم دعوى المسؤولية‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 106‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن " دعوى التعويض من جراء‬
‫جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات‪ ،‬باستثناء دعوى التعويض من جراء األضرار الناجمة‬
‫عن انفجار األلغام فإنها تتقادم بمضي خمس عشرة سنة‪ ،‬وتبتدئ اآلجال المذكورة من الوقت الذي بلغ فيه‬
‫إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه‪ .‬وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة‬
‫تبتدئ من وقت حدوث الضرر‪.".‬‬
‫يستخلص من الفصل أعاله أن دعوى المسؤولية التقصيرية تسقط بالتقادم بمضي خمس أو خمس‬
‫عشرة سنة حسب االحوال من تاريخ علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه‪ ،‬أو‬
‫بانقضاء عشرين سنة من يوم حدوث الضرر‪.‬‬
‫انطالقا من اليوم األول الذي يعلم فيه المضرور بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه‪ ،‬يبدأ التقادم‬
‫القصير‪ ،‬بيد أنه إذا علم المضرور بأحد األمرين دون األخر فال يبدأ التقادم القصير‪ .‬وإذا علم المضرور‬
‫وقت الحادث بالضرر وبالمسؤول عنه بدأ التقادم القصير من ذلك التاريخ‪.‬‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫وفي جميع األحوال فإن دعوى المسؤولية التقصيرية تتقادم بمدي عشرين سنة من تاريخ حدوث‬
‫الضرر‪.‬‬
‫التعويض‪.‬‬
‫توافر األركان الثالث للمسؤولية ينشئ للمضرور الحق في تعويض عن الضرر الذي لحق به‪.‬‬
‫وهذا ما نصت عليه الفقرة األولى من الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي بقولها‪ " :‬كل فعل‬
‫ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح له به القانون‪ ،‬فأحدث ضررا ماديا أو معنويا‬
‫للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ ،‬إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر‪.‬‬
‫"‪.‬‬
‫طرق التعويض‪.‬‬
‫التعويض النقدي‪.‬‬
‫وهو الصورة الغالبة للتعويض في دعوى المسؤولية التقصيرية ألن هذا النوع من التعويض قد‬
‫يصلح لجبر كل األضرار المادية واألدبية‪.‬‬
‫األصل أن يكون التعويض مبلغا نقديا معينا يعطى دفعة واحدة‪ ،‬ولكن يجوز للقاضي تبعا‬
‫للظروف أن يحكم بتعويض مقسط أو في صورة إيراد مرتب مدى حياة المضرور‪ ،‬كالحالة التي يصاب‬
‫فيها المضرور بعاهة مستديمة تقعده عن الكسب‪ ،‬حيث يمكن للقاضي أن يحكم له بإيراد شهري مدى‬
‫حياته‪.‬‬
‫هذا ما أكد عليه المشرع المصري من خالل منح القاضي سلطة تقديرية تبعا لظروف كل قضية‬
‫في تعيين التعويض المناسب‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 171‬من القانون المدني على أنه ‪":‬يعين القاضي طريقة‬
‫التعويض تبعا للظروف ويصح أن يكون التعويض مقسطا ً كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا‪ ،‬ويجوز في‬
‫هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا‪." .‬‬
‫التعويض العيني‪.‬‬
‫هو ما يطلق عليه بعض الفقه بالتنفيذ العيني‪ ،‬ويقصد به الوفاء باإللتزام عينا‪ .‬ويعتبر المجال‬
‫الطبيعي للتنفيذ العيني هو اإللتزام التعاقدي‪ .‬ولكن يمكن تصور هذا التعويض أيضا في المسؤولية‬
‫التقصيرية بإعادة الحال إلى ما كانت عليه‪ ،‬فإذا بنى شخص في أرضه جدارا عاليا يقصد من ذلك منع‬
‫الضوء والهواء عن جاره‪ ،‬وتوافرت شروط التعسف في استعمال الحق‪ ،‬فهذه مسؤولية تقصيرية توجب‬
‫التعويض‪.‬‬
‫يجوز للقاضي في هذه الحالة أن يأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه بهدم هذا الجدار‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك تنفيذا عينيا لاللتزام الذي أخل به المسؤول وهو اإللتزام بعدم اإلضرار بالغير‪.‬‬
‫كما أن المشرع المصري أجاز للقاضي إلى جانب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪ ،‬الحكم بأداء‬
‫أمر معين له اتصال بالعمل الضار‪ ،‬وهو ما أكدت عليه المادة ‪ 171‬من القانون المدني حيث نصت على‬
‫أنه‪ . . .":‬يجوز للقاضي‪ ،‬تبعا ً للظروف وبناء على طلب المضرور‪ ،‬أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت‬
‫عليه‪ ،‬أو أن يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع‪ ،‬وذلك على سبيل التعويض‪." .‬‬
‫التعويض غير النقدي‪.‬‬
‫إذا تعذر التنفيذالعيني لم يكن أمام القاضي إال أن يحكم بالتعويض‪ ،‬وكما قد يكون هذا التعويض‬
‫نقديا‪ ،‬قد يكون غير نقدي‪ .‬غيرأن هذا األخير قد يحقق للمضرور جبرا للضرر الذي لحق به من جراء‬
‫الفعل الضار‪.‬‬
‫نطاق التعويض‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫يجب أن يشمل التعويض كل الضرر الذي أصاب المضرور‪ ،‬كما ينصرف الضرر إلى كل‬
‫األضرار المباشرة المتوقعة وغير المتوقعة‪ ،‬وقد سبق القول أن الضرر المباشر هو الضرر الذي ينتج‬
‫بصفة مباشرة وبطريقة طبيعية ومألوفة لمثل الخطأ الذي ارتكبه المدعى عليه‪ ،‬أما الضرر غير المباشر‬
‫فال يمكن تعويض عنه النتفاء الرابطة السببية بين الضرر و الخطأ‪.‬‬
‫وي شمل التعويض الخسارة التي لحقت المضرور وما حرم منه من نفع من جراء األضرار التي‬
‫لحقت به‪ ،‬فالمشرع المغربي من خالل الفصل ‪ 98‬من قانون االلتزامات والعقود نص على أن " الضرر‬
‫في الجرائم وأشباه الجرائم‪ ،‬هو الخسارة التي لحقت المدعي فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر‬
‫أو سيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به‪ ،‬وكذلك ما حرم منه من نفع في‬
‫دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل‪." .‬‬
‫يستشف من هذاالفصل أن التعويض يشمل الضرر الحالي والضرر المستقبل ما دام محققا‪،‬‬
‫ويستوي في ذلك أن يكون الضرر ماديا أو معنويا‪ .‬وال يقف التعويض عن الضرر الممثل في الخسارة‬
‫الواقعة فعال بل يشمل أيضا ما فات المضرور من كسب بسبب الضرر الذي لحق به‪.‬‬
‫ويجب على القاضي في تقديره للتعويض أن يأخذ بعين االعتبار مدى جسامة الخطأ المنسوب إلى‬
‫المسؤول‪ ،‬ومن ذلك مراعاة ما إذا كان األمر يتعلق بضرر ناتج عن خطأ المدين‪ ،‬أو بسبب تدليسه‪ .‬وهو‬
‫ما قررهالفصل ‪ 98‬من قانون االلتزامات والعقودالمغربيإذ نص على أنه‪ " :‬ويجب على المحكمة أن تقدر‬
‫األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن تدليسه"‪.‬‬
‫تعدد المسؤولين عن التعويض‪.‬‬
‫غالبا ما يكون المسؤول عن الضرر شخصا منفردا ‪ ،‬غير أن ذلك ال يمنع من وجود تعدد في‬
‫المسؤولون عن العمل الضار‪.‬‬
‫وقد تضمن التشريع المغربي حالة تعدد المسؤولين من خالل ما نص عليه الفصل ‪ 99‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود حيث اعتبر أنه‪ " :‬إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين‪ ،‬كان كل‬
‫منهم مسؤوال بالتضامن عن النتائج‪ ،‬دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعال أصليا‪." .‬‬
‫إ ن تعدد المسؤولين يجعلهم متضامنين تجاه المضرور‪ .‬بحيث يجوز له الخيار بينالرجوع على‬
‫أحدهم بكل التعويض أو عليهم جميعا‪ ،‬ولمن دفع منهم أكثر من نصيبه له أن يرجع بالقدر الزائد على باقي‬
‫المسؤولين‪.‬‬
‫كما نص الفصل ‪ 100‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على تطبيق الحكم المقرر في الفصل‪99‬‬
‫الوارد ذكره أعاله‪ ،‬في حالة ما إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد الفاعل األصلي من بينهم‪،‬‬
‫أو في حالة تعذر تحديد النسبة التي ساهموا بها كل واحد منهم في حدوث في الضرر‪.‬‬
‫كما ذهب المشرع المصري من خالل القانون المدني إلى تأكيد على تضامن المسؤولين بتعويض عن‬
‫الضرر‪ ،‬بحيث جعل مسؤوليتهم متساوية ما لم ير القاضي خالف ذلك بتعيين نصيب كل واحد منهم في‬
‫التعويض‪.‬‬
‫تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫يمكن لألشخاص أن تتوقع وقوع الضرر قبل حدوثه‪ ،‬فيعمدوا إلى االتفاق على التعديل من أحكام‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ ،‬إما باإلعفاء أو التخفيف منها أو بالتشديد فيها‪.‬‬
‫اتجه القضاء الفرنسي والمصري إلى بطالن مثل هذه االتفاقات‪ ،‬ألن أحكام المسؤولية التقصيرية‬
‫من النظام العام إذ أنها تقررت لحماية المتضررين من األفعال الضارة التي تتسم باالنحراف عن السلوك‬
‫العادي وهذا على خالف المسؤولية التعاقدية التي يجوز اإلعفاء منها إال في حالة الغش أوالخطأ الجسيم‪.‬‬
‫قد انتقد الفقه في فرنسا مسلك القضاء الذي يقضي ببطالن شروط اإلعفاء من المسؤولية‬
‫التقصيرية أوالتخفيف منها‪ ،‬فبحسب هذا الفقه ليس في ذلك ما يخالف النظام العام‪.‬‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ومثل هذا الجدل الفقهي ال وجود له في الفقه والقضاء المغربي وذلك أمام النص الصريح للفصلين‬
‫‪ 77‬و ‪ 78‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬فالفصل ‪ 77‬بعد أن نص في فقرته األولى على إلزام‬
‫المسؤول بتعويض الضرر الذي لحق بالمضرور‪ ،‬أضاف بشكل صريح في فقرته الثانية على أن " كل‬
‫شرط مخالف لذلك يكون عديم األثر"‪ ،‬وقد أكد على ذلك الفصل ‪ 78‬بنفس العبارات في فقرته الثانية‪،‬‬
‫مما يدل داللة واضحة ال تقبل التأويل‪ ،‬على عدم جواز االتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن بطالن اإلتفاق على اإلعفاء من المسؤولية التقصيرية أو التخفيف منها ال يثار إال‬
‫بالنسبة لالتفاقات السابقة على تحقق المسؤولية‪ .‬أما إذا وقع الفعل الضار فقد تحققت المسؤولية‪ ،‬وقام‬
‫الحق في التعويض لصالح المضرور‪ ،‬وعندئذ يكون االتفاق الحاصل بين المسؤول عن الضرر و‬
‫المضرور صحيحا‪ ،‬بحيث يجوز إعفائه من التعويض أو التخفيف منه‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى القرآن الكريم بصفته المصدر األول للتشريع اإلسالمي‪،‬نجد إمكانية تنازل‬
‫المضرور عن الحق في التعويض الذي عبر عنه الحق سبحانه وتعالى بالدية‪ ،‬إذا يجوز ألهل الضحية أن‬
‫يضعوها بالتصدق على من لزمته دية قتيلهم‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪َ » :‬و َما َكانَ ِل ُمؤ ِم ٍن أَن َيقت ُ َل ُمؤ ِمنًا ِإ َال‬
‫عد ٍُو‬‫صدَقُوا فإِن َكانَ ِمن قَو ٍم َ‬ ‫سلَ َمةٌ ِإلَ ٰى أَه ِل ِه ِإ َال أَن َي َ‬ ‫طأ ً فَت َح ِر ُ‬
‫ير َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة َو ِد َيةٌ ُّم َ‬ ‫طأ ً َو َمن قَت َ َل ُمؤ ِمنًا َخ َ‬‫َخ َ‬
‫سلَ َمةٌ ِإلَ ٰى أ َه ِل ِه َوت َح ِر ُ‬
‫ير‬ ‫اق فَ ِد َيةٌ ُّم َ‬
‫ير َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة َو ِإن َكانَ ِمن قَو ٍم َبينَكُم َو َبينَ ُهم ِميث َ ٌ‬ ‫لَكُم َوه َُو ُمؤ ِم ٌن فَت َح ِر ُ‬
‫ع ِلي ًما َح ِكي ًما «‪.‬‬ ‫ّللا َو َكانَ َ‬
‫ّللاُ َ‬ ‫ص َيا ُم شَه َري ِن ُمتَت َا ِب َعي ِن ت َو َبةً ِمنَ َ ِ‬ ‫َرقَ َب ٍة ُّمؤ ِمنَ ٍة فَ َمن لَم َي ِجد فَ ِ‬

‫أحكام المسؤولية عن عمل الغير‪.‬‬


‫تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي‪ ،‬كما مر معنا‪ ،‬على الخطأ الواجب اإلثبات‪ ،‬وأن الملتزم‬
‫بالتعويض هو نفس الشخص مرتكب الخطأ‪.‬‬
‫بيد أنه هناك حاالت يكون فيها مرتكب الفعل الضار مشموال برقابة شخص آخر‪ ، ،‬وفي حاالت‬
‫أخرى يكون مرتكب الفعل الضار تابعا لغيره‪ ،‬فلم يرتكب الخطأ إال بسبب وظيفته أو بمناسبتها‪.‬‬
‫مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة‪.‬‬
‫أشار المشرع المغربي إلى هذه المسؤولية في الفصل ‪ 85‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫حيث اتجه إلى تقرير مسؤولية المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من األطفال‬
‫والشبان خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم‪.‬‬
‫بيد أن هذا الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يدعيه المضرور اتجاههم‪ ،‬باعتباره السبب في حصول‬
‫الفعل الضار‪ ،‬يلزم المدعي بإثباته بكل الوسائل وفقا للقواعد العامة‪.‬‬
‫شروط تحقق مسؤوليةالمعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة‪.‬‬
‫تتحقق مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة إذا كانوا يتولون الرقابة على األطفال‬
‫والشبان القصر‪ ،‬وارتكب أحد هؤالء األطفال عمال غير مشروع ترتب عليه حصول ضرر ألحدهم أو‬
‫لغيرهم‪ .‬بيد أنالمعلم أو موظف الشبيبة ال يسأل عن الضرر الذي يحدثه الغير للطفل أو الشاب‪ ،‬أو الضرر‬
‫الذي يحدثه الطفل لنفسه‪.‬‬
‫يشترط لمسؤولية المعلم أو المدرب أن يكون الطفل موجودا تحت رقابته‪ ،‬فإذا انتهت هذه الرقابة‬
‫بانقضاء الفترة التي يقضيها الطفل في المدرسة أو في ساحة الرياضة زالت مسؤولية رجل التعليم أو‬
‫المدرب‪ .‬و هذا ما أكد عليه الفصل ‪ 85‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي في فقرته األولى‬
‫حيث اعتبر أن المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة يسألون عن الضرر الحاصل من األطفال والشبان‬
‫خالل الفترة الزمنيةالتي يوجدون فيهاتحت رعايتهم‪.‬‬
‫وغني عن البيان أن هؤالء الشبان لم يبلغوا بعد سن الرشد ألن الطالب الراشد مسؤول عن فعله‪،‬‬
‫فال يسأل معلمه أو مدربه عن األضرار التي يحدثها وهو تحت رقابته‪ .‬غير أنه إذا كان الطفل غير المميز‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ال يسأل مدنيا عن فعله فإ ن الطفل يسأل تقصيريا عن فعله ابتداء من سن ‪ 12‬سنة‪ ،‬ويحق للمضرور‬
‫مطالبته بالتعويض ولكن ال يجوز المطالبة بتعويضين أحدهما من الصغير واألخر من المكلف بالرقابة‬
‫ألن الضرر واحد في الحالتين‪ .‬ويفضل المضرور عادة أن يطالب بتعويض عن سوء الرقابة نظرا لعدم‬
‫إعسار المدين المسؤول في هذه الحالة‪.‬‬
‫أقر المشرع المغربي بحلول الدولة في المسؤولية محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة‬
‫التابعي ن لها بالنسبة لألضرار التي يرتكبها األطفال والشباب أثناء تواجدهم تحت رعايتهم‪.‬‬
‫أساس مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة‪.‬‬
‫ال تقوم مسؤولية معلمي الشبيبة والرياضة على أساس الخطأ المفترض‪ ،‬بل أن الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 85‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي تخضع هذه المسؤولية للقواعد العامة في‬
‫المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي‪ .‬وبذلك يجب على المضرور إثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو‬
‫اإلهمال من جانب المعلم أو المدرب باعتباره السبب في حصول الفعل الضار الصادر من الطفل أو الشاب‬
‫الذي هو تحت رعايته‪.‬‬
‫وبذلك يتعين إثبات الخطأ المسبب للضرر حتى يتمكن المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه من رفع‬
‫دعوى المسؤولية التقصيرية ضد الدولة باعتبارها مسؤولة عن الضرر أمام المحكمةاالبتدائية الموجود في‬
‫دائرتها المكان الذي وقع فيه الضرر‪.‬‬
‫و في إطار القانون المقارن‪ ،‬فإن قانون االلتزامات والعقود الموريتاني أكد على أن مسؤولية المعلم‬
‫أو موظف الشبيبة والرياضة ال تتحقق أال إذا استطاع المضرور إثبات وجود إخالل بإلتزام الرقابة‪،‬وهو‬
‫ما عبرت عنه المادة ‪ 106‬من نفس القانون‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن المشرع المغربي من خالل الفصل ‪ 85‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي قد أورد حكما خاصا لتقادم دعوى المسؤولية الخاصة بالمعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة ‪ ،‬إذ‬
‫قرر أن دعوى المسؤولية المرفوعة ضد الدولة تتقادم بمضي ثالث سنوات من ارتكاب الفعل الضار‪،‬‬
‫وذلك على خالف القواعد العامة في شأن المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي‪،‬إذ سبق وأن قلنا بأن‬
‫هذه األخيرة تتقادم بخمس سنوات في حالة علم المضرور بالضرر الواقع و بالمسؤول عنه‪ ،‬و في جميع‬
‫األحوال تتقادم بمضي عشرين سنة‪ ،‬مما يدل داللة واضحة‪ ،‬في ما أعتقد‪ ،‬على أن المشرع المغربي قد‬
‫أفرد لهذا النوع من المسؤولية معاملة خاصة بعيدة عن األصل الوارد في الفصل ‪ 106‬من قانون‬
‫اإللتزامات والعقود‪،‬مادامت الدعوى مرفوعة ضد الدولة‪،‬بحيث نجده قد قلص من مدة التقادم‪ ،‬ثم جعله‬
‫ساريا من وقت حدوث الضرر بغض النظر عن علم المضرور بالضرر و بالمسؤول عنه‪.‬‬
‫مسؤولية المكلفين برقابة القصر ومختلي العقل ومتعلمي الحرف‪:‬‬
‫نص المشرع المغربي من خالل قانون وااللتزامات والعقود على أن الشخص يكون مسؤوال‬
‫عن الضرر الذي يحدثه بفعله‪ ،‬و مسؤوال أيضا عن األضرار التي يحدثها األشخاص الذين هم تحت‬
‫رقابته‪.‬‬
‫مسؤولية المكلفين برقابة القصر‪.‬‬
‫أكد المشرع المغربي على مسؤولية المكلفين برقابة القصر من خالل الفقرة الثانية من الفصل‬
‫‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقودعلى أن " األب فاألم بعد موته‪ ،‬يسأالن عن الضرر الذي يحدثه‬
‫أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما‪" .‬‬
‫يستخلص من النص القانوني أعاله‪ ،‬أن الفعل غير المشروعالذي يرتكبه القصر يسأل عنه األب‬
‫قيد حياته‪ ،‬وذلك بصفته صاحب الوالية في األصل‪ ،‬أما إذا مات األب حلت محله األم في واجب‬
‫اإلشراف والرقابة‪ ،‬بحيث تصبح مسؤولة عن الضرر الذي يحدثه طفلها القاصر للغير‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫والقانون المغربي ال يرتب مسؤولية شخص أخر غير األب أو األم عن أخطاء أوالدهم القصر‪،‬‬
‫وذلك على عكس ما هو مق رر في القانون المدني المصري‪ ،‬حيث يتحمل المسؤولية عن القاصر األقارب‬
‫الذين يقيم معهم القاصر ويسهرون على تربيته سواء كان األب أو األم أو الجد أو الجدة أو العم أو العمة أو‬
‫غيرهم من األقارب‪.‬‬
‫ويستشف من نص الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي أنه لقيام مسؤولية األب أو‬
‫األم يجب أن يكون القاصر ساكنا معهما‪.‬‬
‫وإذا بلغ القاصر سن الرشد تحرر من الرقابة حتى ولو كان ما زال في طور التعليم أو كان ما زال‬
‫يعيش في كنف والديه‪ ،‬وبذلك ال يكون أحد مسؤوال عنه سواء كان ساكنا في البيت أو متواجدا في الحرفة‪.‬‬
‫بيد أنه إذا كان من بلغ سن الرشد مصابا بجنون أو عته‪ ،‬تولى الرقابة عليه وليه أو الزوج أو‬
‫الزوجة أو من تنتقل إليه الرقابة‪.‬‬

‫مسؤولية المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل‪.‬‬


‫تجد مسؤولية المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل سندها القانوني في الفقرة السادسة من‬
‫الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن " األب واألم وغيرهما من األقارب أو‬
‫األزواج يسألون عن األضرار التي يحدثها المجانين وغيرهم من مختلي العقل‪ ،‬إذا كانوا يسكنون معهم‪،‬‬
‫ولو كانوا بالغين سن الرشد‪." .‬‬
‫يتوقف تطبيق هذا النص على وجود شخص رجال كان أو امرأة‪ ،‬قاصرا أو بالغا سن الرشد‪،‬‬
‫مصابا بجنون أو عته أو اختالل في ملكاته العقلية‪ ،‬وعندئذ تتحقق مسؤولية متولي الرقابة عليهم عن‬
‫الضرر الذي يصيب الغير بفعل المجنون أو مختل العقل‪ .‬وهذا اإللتزام بالمسؤولية قد يكون مصدره‬
‫القانون مثل األب أو األم أو الزوج أو الزوجة أو األقارب الذي يقيم معهم المجنون‪.‬‬
‫أما إذا كان المجنون أو مختل العقل في كنف شخص آخر كطبيب أو ممرض أو مستشفى أو‬
‫مصحة‪ ،‬فإن اإللتزام بالمسؤولية ينتقل إلى هؤالء بمقتضى العقد‪ ،‬ويصبح هؤالء هم المسؤولون عن‬
‫األضرار التي تلحق الغير بفعل المجنون‪.‬‬
‫ولإلشار ة فإن مسؤولية المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل تقوم في جميع األحوال على خطأ‬
‫مفترض بمقتضى قرينة قانونية قابلة إلثبات العكس‪ ،‬إذ يمكن للمدعى عليه أن يدفع مسؤوليته إذا أثبت أنه‬
‫قام بالرقابة الضرورية على المجنون أو مختل العقل‪ ،‬أو أن يثبت أنه كان يجهل خطورة مرض المجنون‪،‬‬
‫كما يستطيع المسؤول أن يدفع مسؤوليته بنفي العالقة السببية بين الخطأ المفترض وبين العمل الضار‬
‫الصادر من المجنون كأن يثبت أن الحادث قد وقع بخطأ المضرور نفسه أو نتيجة قوة قاهرة أو حادث‬
‫فجائي أو خطأ الغير‪.‬‬
‫مسؤولية أرباب الحرف‪.‬‬
‫تنص الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن ‪ " :‬أرباب‬
‫الحرف يسألون عن الضرر الحاصل من متعلميهم خالل الوقت الذي يكونون فيه تحت رقابتهم‪." .‬‬
‫فطبقا للنص القانوني كل من يتعلم حرفة أو صنعة كالنجارة أو الحدادة أو الخياطة أو غيرها‪،‬‬
‫يكون أثناء فترة تدريبه على تلقن الحرفة تحت رقابة رب الحرفة‪ ،‬ويكون هذا األخير مسؤوال عن الضرر‬
‫الذي يحدثه المتعلم للغير أثناء تدريبه‪.‬‬
‫ومسؤولية رب الحرفة عن الضرر الذي يصيب الغير بفعل القاصر الذي يعلمه ال تتحقق إال أثناء‬
‫تلقي هذا القاصر تعليمه لديه‪،‬كذلك يتحرر رب الحرفة من مسؤوليته بمجرد بلوغ المتعلم سن الرشد حتى‬
‫ولو كان هذا األخير ما زال يتعلم حرفته‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ومسؤولية رب الحرفة كمسؤولية المكلفين برقابة القصر أو المجانين تقوم على أساس الخطأ‬
‫المفترض القابل لإلثبات العكس‪ .‬بحيث يكون مسؤوال إال إذا أثبت أنه بذل العناية الالزمة للحيلولة دون‬
‫وقوع الضرر‪ ،‬وهو ما تضمنه الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي أكد على مسؤولية‬
‫أرباب الحرف إالإذا أثبتوا أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها‪.‬‬
‫أساس المسؤولية وإمكانية دفعها‪.‬‬
‫تقوم مسؤولية المكلفين بمراقبة األشخاص الذين هم في عهدتهم على أساس واحد وهو الخطأ‬
‫المفترض‪ .‬فإذا صدر من المشمول بالرقابة‪ ،‬سواء تعلق األمر بالقاصر ‪ ،‬أو بالمجنون‪ ،‬أو بالمتعلم‬
‫لحرفة‪ ،‬عمل غير مشروع‪ ،‬فإن القانون يفترض أن المكلف بالرقابة قد قصر في رقابة المشمول برقابته‬
‫مما سبب ذلك ضررا للغير‪.‬‬
‫ولذلك تقوم مسؤولية المكلف بالرقابة على خطأ شخصي في جانبه‪ ،‬فالمشرع المغربي يتخذ من‬
‫صدور العمل غير المشروع من المشمول بالرقابة قرينة على هذا الخطأ في جانب المكلف بالرقابة‪،‬‬
‫فيعفى المضرور من إثبات الخطأ ألننا بصدد خطأ مفترض‪.‬‬
‫كما أن افتراض الخطأ في جانب المكلف بالرقابة تقتضي حتما افتراض رابطة السببية بين هذا‬
‫الخطأ وبين العمل الضار الصادر من المشمول بالرقابة‪ ،‬بحيث إذا لم تفترض هذه الرابطة السببية وطلب‬
‫من المضرور إثباتها‪ ،‬لوقع على عاتقه إثبات خطأ المكلف بالرقابة‪.‬‬
‫فالخطأ مفترض والرابطة السببية مفترضة في مسؤولية المكلف بالرقابة عن العمل غير المشروع‬
‫الصادر من المشمول بالرقابة‪.‬‬
‫بيد أن افتراض الخطأ و العالقة السببية في جانب المكلف بالرقابة ليس افتراضا غير قابل إلثبات‬
‫العكس‪ ،‬إذ أن المشرع المغربي في هذه الحالة أقام الخطأ المفترض بمقتضى قرينة بسيطة قابلة إلثبات‬
‫العكس‪ ،‬إذ المكلف بالرقابة يمكنه نفي الخطأ المفترض في جانبه إن هو أثبت أنه لم يكن مقصرا في‬
‫مراقبة المش مول بالرقابة وأنه أحسن تأديبه وتربيته ولم يقصر في شيء من ذلك‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد أكدت الفقرة الخامسة من الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على‬
‫قيام مسؤولية المكلفين بمراقبة القاصرين و متعلمي الحرف إال إذا أثبت األب أو األم أو أرباب الحرفأنهم‬
‫لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الضار الذي أدى إلى هذه المسؤولية‪.‬‬
‫كما تقوم مسؤولية األب واألم وغيرهما من األقارب أو األزواج عن األضرار التي يحدثها‬
‫المجانين وغيرهم من مختلي العقل‪ ،‬إذا توفر شرط السكن معهم رغم كونهم بالغين سن الرشد‪.‬‬
‫بيد أن هذه القرينة قابلة إلثبات العكس في حالة ما إذا أثبت المكلفين الرقابة أنهم قاموا بكل الرقابة‬
‫الضرورية على هؤالء األشخاص‪ ،‬أو أنهم كانوا يجهلون خطورة مرضهم‪ ،‬أو أن الفعل الضار قد وقع‬
‫نتيجة خطأ المتضرر‪.‬‬
‫وتسري أيضا أحكام قيام المسؤولية وإمكانية دفعها على من تحمل مسؤولية هؤالء األشخاص‬
‫بمقتضى عقد رعايتهم أو مراقبتهم‪.‬‬
‫ولذلك يجوز أيضا للمكلف بالرقابة أن يدفع عن نفسه المسؤولية بنفي عالقة السببية ما بين خطئه‬
‫المفترض والعمل غير المشروع الصادر من المشمول بالرقابة‪ ،‬و يكون ذلك بإثبات المكلف بالرقابة أن‬
‫الضرر كان ال بد واقعا ولو قام بالتزامه بالرقابة بما ينبغي من العناية‪.‬‬
‫مسؤولية المتبوع عن فعل التابع‪.‬‬
‫أكد الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه‬
‫حيث نص على أن‪ " :‬المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه‬
‫خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها‪." .‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫شروط قيام مسؤولية المتبوع‪.‬‬


‫وجود عالقة التبعية‪.‬‬
‫تقوم عالقة التبعية حين يكون للمتبوع على تابعه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه في عمل يتم‬
‫لحساب المتبوع‪.‬‬
‫السلطة الفعلية‪.‬‬
‫تتحقق عالقة التبعية متى كان للمتبوع سلطة فعلية على تابعه‪.‬وقد يكون مصدر هذه السلطة‬
‫الفعلية عقد بين المتبوع والتابع كعقد عمل‪ ،‬فتشمل بذلك العامل والخادم وغيرهم‪.‬‬
‫ومع ذلك فوجود عقد بين التابع والمتبوع ليس أمرا ضروريا‪ .‬فقد يكون عقد العمل باطال ومع ذلك‬
‫تقوم سلطة فعلية للمتبوع على التابع‪ ،‬وقد ال تستند السلطة الفعلية إلى عقد ما كما لو كلف األب ابنه بعمل‬
‫ما وكانت له عليه سلطة فعلية في تنفيذه أو الزوج يكلف زوجته بعمل ما‪.‬‬
‫الرقابة والتوجيه‪.‬‬
‫يتضمن مضمون هذه السلطة الفعلية رقابة التابع وتوجيهه في عمل يقوم به لحساب المتبوع‪.‬بحيث‬
‫يكون للمتبوع سلطة إصدار األوامر إلى تابعه وتوجيهه في تنفيذ هذه األوامر ومراقبة تنفيذه إياها‪ .‬ولذلك‬
‫إذا قامت رابطة بين شخصين بحيث يكون ألحدهما سلطة مراقبة الشخص اآلخر وتوجيهه‪ ،‬وجدت رابطة‬
‫التبعية بينهما‪.‬‬
‫أما إذا لم تتوافر لدى المتبوع سلطة الرقابة والتوجيه على التابع فال تقوم عالقة التبعية‪.‬‬
‫بل قد يكون التابع غير معين‪ ،‬ومع ذلك يبقى المتبوع مسؤوال عنه‪ .‬لذلك قد يعد الشخص مسؤوال‬
‫عن أعمال تابعيه ولو لم يعرف من منهم الذي تسبب في الحادث‪.‬‬
‫العمل لحساب المتبوع‪.‬‬
‫تقوم عالقة التبعية كما قلنا سابقا بضرورة توفر الرقابة والتوجيه في عمل معين يقوم به التابع‬
‫لحساب المتبوع‪ .‬و بذلك ال تكفي الرقابة والتوجيه‪ ،‬إنما البد من العمل لحساب المتبوع‪ ،‬وهذا ما يميز هذا‬
‫األخير عن المكلف بالرقابة كاألب ومعلمي الحرفة‪ ،‬فاألب له سلطة الرقابة والتوجيه على ابنه القاصر‬
‫الذي يسكن معه‪ ،‬ولكنها رقابة ال تنصب على عمل معين‪،‬بيد أنه إذا كلف األب ابنه بعمل معين يراقبه فيه‬
‫ويوجهه‪ ،‬كان هذا األب متبوعا وليس فقط مكلفا برقابة ابنه القاصر‪.‬‬
‫والعبرة في تحديد شخص المتبوع تكون بما يكون لهذا األخير من سلطة في الرقابة والتوجيه وقت‬
‫ارتكاب تابعه للخطأ الذي أضر بالغير‪ .‬فإذا انتقلت الرقابة والتوجيه إلى متبوع عرضي أصبح هو‬
‫المتبوع المسؤول إذا وقع الخطأ أثناء رقابته‪.‬‬
‫وقد يعير المتبوع خدمات تابعه إلى شخص آخر‪ ،‬فإذا احتفظ المتبوع برقابته وتوجيهه بقي‬
‫متبوعا‪ .‬أما إذا انتقلت الرقابة والتوجيه إلى المستعير كان هذا هو المتبوع‪.‬‬
‫وإذا استخدم عدة أشخاص شخصا واحدا في عمل مشترك لهم‪ ،‬فيكونون مسؤولين عن خطئه‬
‫بالتضامن فيما بينهم‪.‬‬
‫خطأ التابع أثناء تأدية وظيفته أوبسببها‪.‬‬
‫تقوم مسؤولية المتبوع إذا وقع من تابعه خطأ يضر بالغير‪ ،‬أي أن مسؤولية المتبوع ال تقوم إال إذا‬
‫قامت مسؤولية التابع‪ ،‬على أنه ليس كل خطأ من التابع يوجب مسؤولية المتبوع‪ ،‬بل يجب أن يكون هذا‬
‫الخطأ قد وقع من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫يكون الخطأ واقعا حال تأدية الوظيفة إذا وقع منه وهو يقوم بعمل من أعمال الوظيفة‪ ،‬وليس‬
‫الخطأ الصادر من التابع حال تأدية وظيفته مرادفا للخطأ الذي يقع منه في زمان ومكان الوظيفة إذا لم‬
‫يصدر منه وهو يقوم بعمل من أعمال الوظيفة‪.‬‬
‫ويستوي أن يكون الخطأ في تأدية الوظيفة قد وقع بأمر من المخدوم‪ ،‬أو بغير أمر منه أو بغير‬
‫علم منه ولكن دون معارضة أو وقع الخطأ بالرغم من معارضة المخدوم‪ ،‬فالخطأ في جميع هذه الحاالت‬
‫انحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الخطأ يكون واقعا من التابع بسبب الوظيفة إذا لم يكن التابع يستطيع‬
‫ارتكاب هذا الخطأ لوال الوظيفة‪ ،‬أو ما كان ليفكر فيه لوال الوظيفة‪.‬‬
‫وبقراءة لمضمون نص الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده قد اقتصر على مسؤولية‬
‫المتبوع في حالة الخطأ الذي يرتكبه تابعه في حال تأدية وظيفته‪ ،‬غير أن بعض الفقه و االجتهاد القضاء‬
‫المغربي ذهب إلى اعتبار المتبوع مسؤوال أيضا عن الخطأ الذي يرتكبه التابع بسبب وظيفته‪.‬‬
‫وغني عن البيان أنه إذا لم يكن خطأ التابع قد وقع حال تأدية الوظيفة أو بسببها فإنه يكون خطأ‬
‫أجنبيا عن تأدية الوظيفة‪ ،‬وال يكون محال لمساءلة المتبوع‪.‬‬
‫أساس مسؤولية المتبوع و إمكانية دفعها‪.‬‬
‫أساس مسؤولية المتبوع‪.‬‬
‫تعددت اآلراء في تحديد أساس مسؤولية المتبوع‪ ،‬فذهب بعض الفقه إلى القول بأن أساس مسؤولية‬
‫المتبوع هو الخطأ المفترض في جانب المتبوع‪ ،‬وهو خطأ في الرقابة على التابع أو في توجيهه أو خطأ‬
‫في اختياره‪ .‬وهذا الخطأ مفترض افتراضا ال يقبل إثبات العكس‪.‬‬
‫على أن القول بذلك يمكن معه للمتبوع أن يتحلل من المسؤولية ويدفعها عنه بإثبات أن الضرر‬
‫كان البد واقعا ولو قام بواجب التوجيه والرقابة بما ينبغي من عناية‪،‬أي إذا نفى العالقة السببية بين الضرر‬
‫الذي وقع والخطأ المفترض في جانبه‪ ،‬وهذا غير جائز بإجماع الفقه والقضاء‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فالقول بأن خطأ المتبوع خطأ مفترض يؤدي إلى عدم مسؤولية المتبوع إذا كان‬
‫غير مميز حيث ال يتصور ارتكاب غير المميز للخطأ‪،‬وهذا أيضا غير جائز ألن المتبوع غير المميز‬
‫يتولى النيابة عنه نائبه‪ ،‬وبالتالي يظل المتبوع ولو كان غير مميزمسؤوال عن خطأ تابعه‪ .‬وهذا دليل آخر‬
‫على أن أساس مسؤولية المتبوع ال تقوم على أساس الخطأ المفترض‪.‬‬
‫وقد قال بعض الفقهاء بأن أساس مسؤولية المتبوع ليس هو الخطأ المفترض وإنما هو تحمل‬
‫التبعة‪ .‬فالمتبوع ينتفع بنشاط تابعه‪ ،‬فوجب أن يتحمل تبعة هذا النشاط ألن الغرم بالغنم وهذه النظرية‬
‫تسمح بمسؤولية المتبوع غير المميز ألنه يتحمل تبعة نشاط تابعه‪.‬‬
‫ومع ذلك فهذا الرأي يتعارض مع أحكام القانون التي تشترط وقوع خطأ من التابع لقيام مسؤولية‬
‫المتبوع‪ .‬كما أن األخذ بنظرية التبعية يؤدي إلى امتناع رجوع المتبوع على تابعه بما دفعه من تعويض‬
‫وهذا يخالف القواعد القانونية المنظمة للمسؤولية‪.‬‬
‫بيد أن الرأي الغالب في الفقه الحديث يذهب إلى إقامة مسؤولية المتبوع على أساس فكرة الضمان‬
‫أو الكفالة‪ .‬فالقانون هو الذي جعل المتبوع ضامنا وكفيال للتابع في التزامه تجاه المضرور بتعويض‬
‫الضرر الذي تسبب فيه بخطئه‪ .‬وهذا هو الذي يفسر حق المتبوع في الرجوع على التابع بما أداه من‬
‫تعويض للمضرور‪.‬‬
‫إمكانية دفع مسؤولية المتبوع‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫تقوم مسؤولية المتبوع‪ ،‬كما مر معنا‪ ،‬إذا قامت مسؤولية التابع‪ ،‬وتقوم مسؤولية هذا األخير إذا ارتكب‬
‫خطأ سواء كان خطأ شخصيا واجب اإلثبات‪ ،‬أو كان خطأ مفترضا يقبل إثبات العكس ‪ ،‬أو خطأ مفترضا‬
‫غير قابل إلثبات العكس‪.‬‬
‫فإذا انتفى الخطأ في جانب التابع انتفت معه مسؤوليته‪ ،‬وبالمحصلة ال تقوم مسؤولية المتبوع ‪ ،‬كما‬
‫أنه إذا استطاع التابع دفع المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب األجنبي فال محل لقيام مسؤولية المتبوع‪.‬‬
‫إن توافر أرك ان مسؤولية المتبوع من خالل قيام العالقة التبعية و بإرتكاب التابع خطأ حال تأدية‬
‫الوظيفة أو بسببها‪ ،‬يجعل المتبوع ال يستطيع أن يدفع عن نفسه المسؤولية‪ ،‬بخالف ما هو عليه الحال في‬
‫مسؤولية المكلف برقابة القصر أو المجانين وغيرهم من مختلى العقل التي سبق أن رأيناها‪ .‬فمسؤولية‬
‫المتبوع تتميز بأنها ال تقبل إثبات العكس‪ .‬فال يقبل من المتبوع أن يثبت أنه لم يقصر في الرقابة والتوجيه‪.‬‬
‫ومتى كانت مسؤولية المتبوع ال تقوم إال بقيام مسؤولية التابع‪ ،‬فإن المسؤوليتان تقومان معا فال‬
‫تغني إحداهماعن األخرى‪.‬‬
‫ويستفاد من ذلك أن المضرور يجد نفسه أمام مسؤوالن ال مسؤوال واحدا‪،‬بحيث يستطيع‬
‫المضرور أن يطالب التابع بالتعويض كله أو يطالب به المتبوع أو يطالبهما معا بالتضامن‪.‬‬
‫وإذا رجع المضرور على المتبوع‪ ،‬فللمتبوع أن يرجع بكل ما دفعه على تابعه وال يستطيع التابع‬
‫أن يحتج على المتبوع بأنه مسؤوال معه عن الضرر‪ ،‬فهذه المسؤولية لم تتقرر إال لمصلحة المضرور‪،‬‬
‫فال يجوز للتابع أن يستفيد منها في مواجهة المتبوع‪.‬‬
‫وان كان هذا األمر لم يشر إليه المشرع المغربي بصفة صريحة في قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫فان المشرع المصري من خالل القانون المدني قد نص على ذلك في المادة ‪ 175‬حيث منحت " للمسئول‬
‫عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسئوال عن تعويض الضرر‪ ." .‬بيد‬
‫أن المشرع الجزائري من خالل قانونه المدني‪ ،‬ربط ذلك بضرورة وجود خطأ جسيم حتى يتمكن المتبوع‬
‫من الرجوع على تابعه‪.‬‬
‫ويستشف مما سبق قوله إلى أن المسؤولية عن فعل الغير ال تمنع المسؤولية الشخصية لهذا الغير‬
‫مرتكب الفعل الضار‪ ،‬بل يمكن أن تقوم مسؤولية كل منهما جنبا إلى جنب‪ ،‬بحيث إذا ارتكب العامل خطأ‬
‫ترتب عليه ضررا للغير‪ ،‬حق للمضرور أن يطالب العامل و المشغل بالتعويض‪.‬‬
‫أحكام المسؤولية عن فعل األشياء ‪.‬‬
‫ال يسأل الشخص عن الضرر الناتج عن خطئه الشخصي فحسب‪ ،‬وال عن الضرر الناتج عن‬
‫خطأ الغير المشمولين برقابته و توجيهه أو عن تابعيه‪ ،‬بل يسأل أيضا عن الضرر الناشئ عن األشياء‬
‫التي تكون تحت حارسته‪.‬‬
‫وثمة ثالث حاالت للمسؤولية عن فعل األشياء تناولها المشروع المغربي منالفصل ‪ 86‬إلى ‪90‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود وهي مسؤولية حارس الحيوان ومسؤولية حارس الشيء‪،‬ومسؤولية حارس‬
‫البناء‬
‫مسؤولية حارس الحيوان‪.‬‬
‫تناول المشرع المغربي مسؤولية حارس الحيوان حيث اعتبر أن" كل شخص يسأل عن الضرر‬
‫الذي تسبب فيه الحيوان الذي تحت حراسته ولو ضل هذا الحيوان أو تشرد ما لم يثبت‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنه اتخذ االحتياطات الالزمة لمنعه من إحداث الضرر أو لمراقبته‪.‬‬
‫‪ - 2‬أو أن الحادثة نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المتضرر‪." .‬‬
‫شروط قيام المسؤولية عن فعل الحيوان‪.‬‬
‫تولي الشخص حراسة الحيوان‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫لتوضيح ذلك يتطلب األمر تحديد المقصود بكل من الحراسة‪ ،‬والحيوان‬


‫المقصود بحراسة الحيوان ‪.‬‬
‫المسؤول عن فعل الحيوان هو حارس الحيوان‪ ،‬والمقصود بالحراسة هو السيطرة الفعلية على‬
‫الحيوان في توجيهه ورقابته‪ ،‬ومنعه من اإلضرار بالغير‪ .‬فمن يملك زمام الحيوان بيده يكون حارسا له‪.‬‬
‫واألصل أن يكون مالك الحيوان هو الحارس له‪ ،‬فهو الذي يملك السيطرة الفعلية عليه‪ ،‬ويعتبر‬
‫القضاء ملكية الحيوان قرينة قضائية على الحراسة‪ ،‬ولكن يقع على المالك عبء إثبات أنه لم يكن حارسا‬
‫وقت وقوع الحادث وأن الحراسة انتقلت إلى غيره‪ .‬وال يكفي المالك أن يثبت فقده السيطرة على الحيوان‬
‫ألنه ضل أو تسرب بل تظل الحراسة قائمة حسب ما يقضي بذلك قانون االلتزامات والعقود المغربي‪،‬‬
‫حيث يبقى المالك مسؤوال باعتباره الحارس حتى ولو ضل الحيوان أو تسرب ألن هذا يعتبر خطأ في‬
‫الحراسة‪.‬‬
‫وهو ما صار عليه أيضا المشرع الكويتي حين اعتبر أن الحراسة على الحيوان ثابتة في حق‬
‫الحارس‪ ،‬ولو ضل هذا الحيوان أو تسرب‪ ،‬إلى أن يسيطر عليه غيره لحساب نفسه‪ .‬وبذلك يجوز أن تنتقل‬
‫الحراسة من المالك إلى غيره وذلك في الحاالت التي يسيطر فيها هذا الغير على الحيوان لحساب نفسه‬
‫سواء بوجود رضا المالك أو بعدمه‪.‬‬
‫تنتقل الحراسة كذلك من المالك إلى الغير الذي انتقل إليه الحيوان بسبب مهمته‪ ،‬بحيث قد تنتقل‬
‫الحراسة من مالك الحيوان إلى الطبيب البيطريأو صاحب اإلسطبل‪ .‬غير أنه إذا احتفظ المالك بالسيطرة‬
‫على الحيوان لنفسه بقيت له الحراسة‪.‬‬
‫المقصود بالحيوان‪.‬‬
‫لم يحدد الفصل‪ 86‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي الئحة حصريةبالحيوانات التي ترتب‬
‫مسؤولية حارسها عن الضرر الناشئ عن فعلها‪ .‬و بذلك يسرى هذه الفصل على كل أنواع الحيوانات سواء‬
‫كانت أليفة أو متوحشة‪.‬‬
‫فالدواب والكالب والقطط‪ ،‬و القردة والطيور واألسماك تعد حيوانا يسأل عنها حارسها‪ .‬بل إن‬
‫الجراثيم الموجودة في المختبرات العلمية يمكن أن تعد حيوانا‪ ،‬فيسأل عنها العالم البيولوجي الذي يحتفظ‬
‫بها‪.‬‬
‫ولكن يشترط الفقه والقضاء أن يكون الحيوان حيا ألن أساس هذا النوع من المسؤولية هو إفالت‬
‫الحيوان من سيطرة حارسه‪.‬‬
‫ويجب أن يكون الحيوان مملوكا لشخص ما يتولى حراسته‪ ،‬أما الحيوانات غير المملوكة ألحد فال‬
‫تستوجب المسؤولية ولو كانت تستوطن عقارا أو منقوال مملوكا لشخص ما‪ .‬فاألرانب البرية والطيور و‬
‫الثعالب والفئران التي تستوطن أرض شخص ما ال توجب مسؤولية عن األضرار التي تلحق بالجيران ما‬
‫لم يكن صاحب األرض قام بفعل مكن من االحتفاظ بها أو جلبها‪.‬‬
‫وهذا هو ما نص عليه الفصل ‪ 87‬من قانون االلتزامات والعقود المغربيحيث أكد على أنه " ال‬
‫يسأل مالك أرض أو مستأجرها أو حائزها عن الضرر الحاصل من الحيوانات المتوحشة أو غير‬
‫المتوحشة اآلتية منها‪ ،‬إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو لالحتفاظ بها فيها‪." .‬‬
‫كما أضاف نفس الفصل بأن مسؤولية صاحب األرض قائمة في حالة ما إذا وجدت في األرض‬
‫أماكن مخصصة لتربية أو لرعاية بعض الحيوانات‪ ،‬إما بقصد التجارة أو للصيد أو لالستغالل المنزلي‪،‬‬
‫أو في حالة ما إذا كانت األرض محمية مخصصة للصيد‪.‬‬
‫حدوث ضرر للغير بفعل الحيوان‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫تتحقق مسؤولية حارس الحيوان متى أحدث هذا الحيوان ضررا للغير‪ ،‬وهذا يقتضي وجود فعل‬
‫الصادر من الحيوان ‪ ،‬وأن يحدث هذا الفعل ضررا للغير‬
‫فعل الحيوان‪.‬‬
‫لكي تتحقق مسؤولية حارس الحيوان يجب أن يكون للحيوان دور إيجابي في تحقق الضرر‪ ،‬مثال‬
‫ذلك أن ينطح الثور شخصا‪ ،‬أو يركل الحصان أحد المارة‪ ،‬أو يفترس الكلب أحد الجيران‪ ،‬أو يلقي حيوان‬
‫بحجارة على أحد األشخاص‪.‬‬
‫بيد أنه ال يلزم االتصال المادي بين الحيوان وبين المصاب بالضرر‪ ،‬للقيام مسؤولية حارس‬
‫الحيوان‪.‬‬
‫كما ينبغي التمييز بين فعل الحيوان وفعل اإلنسان‪ ،‬بحيث في الفعل األول ال يكلف المضرور‬
‫بإثبات الخطأ‪ ،‬بينما يكلف بذلك في الفعل الثاني طبقا للقواعد العامة‪.‬‬
‫فقد يقع الحادث من حيوان يمتطيه أو يقوده إنسان‪ ،‬أو من فعل عربة يجرها حصان يقوده إنسان‪،‬‬
‫وقد كان القضاء الفرنسي يعد ذلكفي البداية من فعل اإلنسان ألنه هو الذي يقود الحيوان‪ ،‬وهنا يجب إثبات‬
‫خطأ الحارس طبقا للقواعد العامة‪ .‬إال أن القضاء الفرنسي تراجع بعد ذلك عن هذا االتجاه‪ ،‬واعتبر أن‬
‫اإلصابة من فعل الحيوان ولو كان اإلنسان هو الذي يقوده أو يمتطيه‪.‬‬
‫وسبب القول بهذا التوجه هو أن الرابطة السببية في المسؤولية عن فعل الحيوان مفترضة‪ .‬فإذا‬
‫وقع ضرر افترضنا أنه ناتج عن فعل الحيوان ال فعل اإلنسان‪ .‬فالحيوان هو الذي أفلت من سيطرة‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫وهذا هو الرأي الراجح‪ ،‬فالضرر الذي يحدثه حيوان يقوده أو يمتطيه إنسان ال يكون من فعل‬
‫اإلنسان إال إذا تعمد اإلنسان الضرر فأصبح الحيوان بمثابة آلة مسخرة في يده‪.‬‬
‫حدوث الضرر من فعل الحيوان‪.‬‬
‫تقوم مسؤولية حارس الحيوان مهما كان الضرر الذي يحدثه الحيوان للغير‪ .‬وبذلك ال يشترط أن‬
‫يتمثل فعل الحيوان في جرح المضرور أو قتله‪ ،‬وإنما تقوم مسؤولية حارس الحيوان مهما كانت طبيعة‬
‫الضرر‪ ،‬حيث يعد من فعل الحيوان نقل العدوى من الحيوان إلى آخر أو إلى اإلنسان‪ ،‬وإزعاج الجيران‪،‬‬
‫والفزع الذي يحدث آثارا نفسية أو مادية في اإلنسان‪.‬‬
‫ويعد حارس الحيوان كما نص على ذلك القانون المدني المصري مسؤوال عما يحدثه الحيوان من ضرر‬
‫للغير‪ ،‬ولو ضل هذا الحيوان أو تسرب‪ ،‬رغم أن الحارس قد ال يكون بضرورة مالكا للحيوان‪ .‬وهو نفس‬
‫ما جاء في القانون المدني الفرنسي الذي نص في المادة ‪ 1243‬على أن‪:‬‬
‫‪"Le propriétaire d'un animal, ou celui qui s'en sert, pendant qu'il est à‬‬
‫‪son usage, est responsable du dommageque l'animal a causé, soit que‬‬
‫‪l'animal fût sous sa garde, soit qu'il fût égaré ou échappé. ".‬‬
‫أساس المسؤولية وإمكانية دفعها‪.‬‬
‫إن المسؤولية عن فعل الحيوان غير قائمة على التبعية وبغير خطأ وإال لتحمل المسؤولية مالك‬
‫الحيوان وليس حارسه‪ ،‬ومن تم ال يمكن دفع المسؤولية الناتجة عن فعل الحيوان‪.‬‬
‫بيد أن الرأي الراجح في الفقه والقضاء يذهب إلى إقرار المسؤولية على أساس الخطأ في‬
‫الحراسة‪ ،‬فالحارس يقع عليه التزام بحراسة الحيوان أي السيطرة عليه بطريقة تمنع إفالته منه واإلضرار‬
‫بالغير‪.‬‬
‫المشرع المغربي فقد جعل خطأ الحارس يقوم على قرينة بسيطة قابلة لإلثبات العكس‪ ،‬إذ نص‬
‫الفصل ‪ 86‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أن حارس الحيوان يستطيع التخلص من مسؤوليته‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫إذا أثبت أنه اتخذ جميع االحتياطات الالزمة لمنع الحيوان من إحداث الضرر أو لمراقبته‪ ،‬أو أن الحادثة‬
‫ناتجة من حادث فجائي أو قوة قاهرة‪ ،‬أو من خطأ المضرور‪ .‬وبذلك تنتفي مسؤولية حارس الحيوان‬
‫مادامت العالقة السببية غير قائمة بين خطأحارس الحيوان والضرر‪.‬‬
‫مسؤولية حارس الشيء‪.‬‬
‫نظرية المسؤولية عن فعل األشياء‪.‬‬
‫يعود الفضل في صياغة نظرية المسؤولية عن فعل األشياء إلى القضاء الفرنسي‪ ،‬فالتقنين المدني‬
‫الفرنسي الصادر سنة ‪ 1804‬نص في الفقرة األولى من المادة ‪ 1384‬على أن الشخص ال يسأل فقط عن‬
‫فعله الشخصي بل أيضا عن فعل األشخاص الذين يكون مسؤوال عنهم‪ ،‬وعن فعل األشياء التي تكون في‬
‫حراسته‪.‬‬
‫كان االعتقاد السائد آنذاك أن ذلك ما هو في حقيقته إال ترجمةللتطبيقات الواردة في المواد المتعلقة‬
‫بالمسؤولية عن عمل األبناء والتالميذ وصبيان الحرفة وبالمسؤولية عن عمل التابع‪ ،‬وعن تهدم البناء‪،‬‬
‫ومن فعل الحيوان‪ .‬ولذلك كان ال يتم التعويض عن فعل الشيء ولكن عن الخطأ الشخصي الثابت في جانب‬
‫المدعى عليه‪.‬‬
‫ومع تزايد األضرار والحوادث بقيام النهضة الصناعية أصبح تطلب إثبات الخطأ الشخصي في‬
‫جانب المدعى عليه كثيرا ما يؤدي إلى حرمان المضرور من التعويض ألنه كان من السهل دائما نفي‬
‫الخطأ أو القول بأن سبب الحادث مجهول‪.‬‬
‫ولذلك عمد القضاء الفرنسي إلى القول بأن المادة ‪ 1384‬تتضمن قاعدة مستقلة خاصة بمسؤولية‬
‫الشخص عن األ شياء التي في حراسته‪ .‬بحيث استقر الرأي على أن هذه المسؤولية تشمل األشياء‬
‫الخطيرة‪ ،‬وأن الخطأ في جانب الحارس هو خطأ مفترض افتراضا ال يقبل إثبات العكس‪.‬‬
‫انعكس هذا التطور القضائي الفرنسي على توجه المشرع المغربي من خالل قانون االلتزامات‬
‫والعقود الذي أكد على أن كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء التي يحرسها‪ ،‬إذا تبين أن‬
‫هذه األشياء هي السبب المباشر في حصول الضرر‪.‬‬
‫شروط مسؤولية حارس األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬تولي الشخص حراسة شيء‪.‬‬
‫المقصود بحراسة الشيء‪.‬‬
‫يعد حارس الشيء هو الشخص الذي يملك السيطرة الفعلية عليه‪ ،‬فيتمكن بذلك من رقابة الشيء‬
‫وتوجيهه‪ .‬وهذا هو ما أقرته محكمة االستئناف بالرباط في ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1963‬بقولها أن " حارس الشيء‬
‫هو الذي يكون له استعماله ويعود إليه أمر التصرف فيه والرقابة عليه"‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن الحراسة ليست قرينة الملكية أو الحيازة أو اإلنتفاع‪ ،‬بل هي قرينة السيطرة الفعلية‬
‫على الشيء‪.‬‬
‫األصل أن يكون المالك هو حارس الشيء‪ ،‬فهو الذي يملك السيطرة الفعلية على الشيء بصفته مالكا‪،‬‬
‫وبذلك يعد هذا المبدأ قرينة لصالح المضرور‪ ،‬ومع ذلك يجوز للمالك أن يثبت أن الحراسة كانت قد انتقلت‬
‫منه إلى شخص آخر وقت الحادث‪ .‬بيد أن مجرد ترك المالك للشيء لمدة عارضة دون أن ينقل حراسته‬
‫إلى أحد ال ترفع عنه صفة الحارس ما دام في إمكانه مباشرة السيطرة الفعلية على الشيء وتوجيهه أو‬
‫إصدار التعليمات في شأنه‪.‬‬
‫وقد ينتقل الشيء من المالك إلى غيره بتصريح من المالك فإن كان هذا الغير يحوز الشيء لحساب‬
‫المالك ظلت الحراسة لهذا األخير‪ .‬فال يعد التابع الذي يجوز الشيء المملوك لمشغله حارسا عليه‪ .‬إذ أن‬
‫المتبوع مازال يملك السيطرة على الشيء وإعطاء األوامر بشأنه وذلك من خالل تابعه‪ ،‬فال يحوز هنا‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫التابع الشيء لحساب نفسه‪ ،‬بل يظل المتبوع حارسا‪ ،‬بيد أنه إذا استخدم التابع الشيء لمصلحته الشخصية‬
‫ولحساب نفسه بموافقة من المالك أصبح حارسا‪.‬‬
‫إن انتقال الشيء من المالك إلى غيره بموافقة منه وكان الغير يحوز الشيء لحسابه ولمصلحته‪،‬‬
‫يتعين الرجوع في ذلك إلى االتفاق الذي نقل الشيء بموجبه‪ ،‬فإن كان المالك قد تخلى بموجب العقد عن‬
‫سلطته في الرقابة والسيطرة إلى الغير الذي تلقى الشيء‪ ،‬أصبح هذا األخير حارسا‪ ،‬أما إذا احتفظ المالك‬
‫لنفسه بالسيطرة على الشيء ظلت الحراسة له رغم انتقال حيازة الشيء إلى الغير‪.‬‬
‫المقصود بالشيء‪.‬‬
‫المقصود بالشيء كل شيء مادي غير حي شرط أال تقوم المسؤولية عنه وفقا لنص خاص‪.‬‬
‫ولذلك يخرج عن األشياء المادية البناء الذي يتهدم وفقا للفصلين ‪ 89‬و ‪ 90‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي‪ ،‬وكذلك الحيوان الحي حيث تقوم المسؤولية عنه وفقا للفصل ‪ 86‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫والشيء الذي يعنيه الفصل ‪ 88‬السلف الذكر قد يكون منقوال كسيارة أو آلة‪ ،‬وقد يكون عقارا‬
‫بطبيعته كالمباني في غير حالة تهدمها أو انهيارها بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء‪ .‬وقد‬
‫يكون الشيء عقارا بالتخصيص ‪.‬‬
‫أما بعض التشريعات المقارنة كالقانون المدني المصري تقصر المسؤولية على األشياء التي‬
‫يتطلب حراستها عناية خاصة لما يالزمها من خطر كاآلالت الميكانيكية‪ .‬أما في ما يخص التشريع‬
‫المغربي فإن المسؤولية قائمة على كل األشياء المادية الخطرة وغير الخطرة والمنقوالت والعقارات‪.‬‬
‫‪ -‬وقوع الضرر بفعل الشيء‪.‬‬
‫ال يكفي لقيام المسؤولية عن األشياء أن يتولى شخص حراسة شيء بل يجب أن يحدث هذا الشيء‬
‫ضررا بالغير‪.‬‬
‫ويكون الضرر ناتجا عن فعل الشيء سواء كان للشيء دورا إيجابيا في حدوث الضرر‪ ،‬أو سواء‬
‫كان للشيء دور سلبيا بحيث أدى وجوده في وضع غير المألوف إلى حدوث الضرر‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان دور الشيء سلبيا محضا وكان في مكانه الطبيعي فال يعد الضرر الناتج عنه من‬
‫فعل الشيء‪ ،‬و بالمقابل يكون الضرر من فعل الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخال إيجابيا في حدوث‬
‫الضرر‪ ،‬أو كان الشيء في وضع أو في حالة تسمح عادة بأن يحدث ضرر‪.‬‬
‫وغني عن البيان أنه ليس من الضروري أ ن يكون الضرر الناتج عن فعل الشيء قد حصل بناء‬
‫على اتصال مادي مباشر بين الشيء وبين المضرور‪ ،‬بحيث يمكن أن يكون الضرر ناتجا عن فعل الشيء‬
‫رغم أي اتصال مادي‪.‬‬
‫أساس المسؤولية عن فعل الشيء وإمكانية دفعها‪.‬‬
‫إذا تحققت المسؤولية عن فعل األشياء باجتماع شرطيها‪ ،‬بحيث كان المدعى عليه حارسا لشيء‪،‬‬
‫وحدث الضرر من فعل الشيء‪ ،‬التزم هذا الحارس المكلف بالشيء بتعويض الغير عن هذا الضرر‪.‬‬
‫والرأي المعمول به في الفقه والقضاء الفرنسيين يذهب إلى أن أساس المسؤولية عن فعل األشياء‬
‫هو الخطأ الثابت المفترض‪ ،‬فالحارس له السيطرة الفعلية على الشيء ‪ ،‬وفي إمكانه أن يراقب الشيء‬
‫ويوجهه بما يمنع اإلضرار بالغير‪.‬‬
‫فإذا وقع الضرر فذلك يدل على أن الشيء قد أفلت من سيطرة الحارس‪ ،‬وهذا يعد خطأ في‬
‫الحراسة‪ ،‬وتحقق الضرر من فعل الشيء هو دليل على الخطأ‪ ،‬ولذلك قامت فكرة الخطأ المفترض‬
‫بمقتضى قرينة قاطعة غير قابلة إلثبات العكس‪.‬‬
‫وهذا ما أخذ به القانون المدني المصري في المادة‪ 178‬منه التي ال تسمح للحارس بنفي الخطأ إال‬
‫بإثبات السبب األجنبي وهو إما أن يكون خطأ المضرور أو خطأ الغير أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪.‬‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫المشرع المغربي أيضا اتجه لألخذ بالخطأ المفترض غير القابل إلثبات العكس وهو ما يستشف‬
‫من الفصل ‪ 88‬من القانون االلتزامات والعقود المغربي الذي اعتبر قرينة خطأ الحارس قرينة غير قابلة‬
‫إلثبات عكسها‪ ،‬بحيث ال تنتفي مسؤولية حارس الشيء إال إذا أثبت أوال أنه فعل ما كان ضروريا لمنع‬
‫الضرر‪ ،‬ثم أثبت ثانيا أن هذا الضرر يرجع إما لظرف طارئ أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور‪.‬‬
‫مسؤولية حارس البناء‪.‬‬
‫شروط مسؤولية حارس البناء‪.‬‬
‫‪ -‬تولي الشخص حراسة البناء‪.‬‬
‫المقصود بالحراسة‪:‬‬
‫يقصد ب حارس البناء هو من له السيطرة الفعلية على البناء‪ ،‬فهو الذي يستطيع أن يتبين ما بالبناء‬
‫من عيوب وقدم وما يحتاجه هذا البناء من صيانة‪.‬‬
‫فيضع القانون على عاتق حارس البناء التزاما يتمثل في القيام بصيانة البناء وترميمه وتجديده‬
‫حتى ال ينهار فيحدث ضررا بالغير‪.‬‬
‫مالك البناء هو صاحب السيطرة الفعلية عليه مبدئيا‪ ،‬ولكن يجوز للمالك أن يثبت انتقال الحراسة‬
‫منه إلى شخص آخر انتقلت إليه حيازة البناء‪.‬‬
‫وقد تنتقل الحراسة من المالك إلى الغير الذي انتقلت إليه حيازة البناء‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة إلى‬
‫المنتفع والمرتهن رهن حيازة والحا ئز بنية التملك سواء كان حسن النية أو سيء النية‪.‬‬
‫وإذا تعدد مالك البناء على الشياع وكان البناء وحدة واحدة أمكن اعتبار المالك كلهم حراسا يرجع‬
‫عليهم المضرور بالتضامن أو يرجع على أحدهم‪.‬‬
‫وطبقا للفصل ‪ 89‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي فإن حصول نزاع على الملكية بين عدة‬
‫أشخاص ‪ ،‬يجعل المسؤولية تنتقل إلى الحائز الفعلي للعقار‪.‬‬
‫المقصود بالبناء‪.‬‬
‫يعدالبناءمجموعة من المواد شيدها اإلنسان لتتصل باألرض اتصال قرار‪ ،‬ويستوي أن يكون‬
‫البناء مثال من الصخر أو الحديد أو األخشاب أو الجير أو اإلسمنت‪ .‬ويستوي أيضا أن يكون‬
‫الغرض من البناء هو إعداده للسكنى أو لتخزين البضائع أو إليواء الحيوان أو غير ذلك‪.‬‬
‫إذ يعد بناء المنازل والمخازن و اإلسطبالت‪ ،‬بل ويعد بناء أيضا الحائط الثابت والتماثيل‬
‫واألعمدة التذكارية‪ ،‬وكذلك يعد بناء القناطر والسدود واألنفاق تحت األرض ‪ ،‬كما تعتبر بناء كل ملحقات‬
‫البناء كاألشجار واآلالت المندمجة في البناء والتوابع األخرى المعتبرة عقارات بالتخصيص‪.‬‬
‫‪ -‬وقوع الضرر بسبب تهدم البناء‪.‬‬
‫ال تقوم مسؤولية حارس البناء وفقا للفصل ‪ 89‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي السابق‬
‫ذكره عن كل ضرر يكون للبناء دور في حدوثه‪ ،‬بل تقتصر هذه المسؤولية عن الضرر الناتج عن تهدم‬
‫البناء بسبب القدم أو عدم الصيانة أو العيب في البناء‪.‬‬
‫بيد أن المشرع الفرنسي قد قصر أسباب تهدم البناء في عدم الصيانة أو العيب في البناء دون‬
‫إدخال حالة القدم ضمن األسباب الموجبة للمسؤولية‪ ،‬خالف ما نص على ذلك قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي‪ ،‬وهو ما يستشف من المادة ‪ 1244‬من القانون المني الفرنسي التي نصت على أن ‪:‬‬
‫‪"Le propriétaire d'un bâtiment est responsable du dommage causé par‬‬
‫‪sa ruine, lorsqu'elle est arrivée par une suite du défaut d'entretien ou par‬‬
‫" ‪le vice de sa construction.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ويقصد بالتهدم تفكك أجزاء البناء كلها أو بعضها وسقوطها مثال ذلك انهيار المبنى أو سقوط سقف‬
‫أو شرفة أو سلم ‪.‬‬
‫أما إذا لم يكن هناك تهدم كلي أو جزئي للبناء فال محل ألعمال الفصل ‪ 89‬السالف ذكره ولو كان‬
‫الضرر آتيا من البناء‪.‬‬
‫ويجب أن ينجم الضرر عن تهدم البناء فعال‪ ،‬ال عن مجرد أن يكون البناء مهدد بالسقوط‪ ،‬فما دام‬
‫أن البناء لم يتهدم فعال كليا أو جزئيا فال محل إللزام الحارس بالتعويض‪ ،‬بيد أنالفصل ‪ 90‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود ال مغربي يجيز لمالك العقار المجاور مطالبة جاره المالك باتخاذ تدابير وقائية في هذه‬
‫الحالة‪ .‬بيد أنه يمكن للمحكمة في حالة عدم استجابة المالك أن تأذن للجار المهدد بالضرر باتخاذ هذه‬
‫التدابير لدرء الخطر على حساب المالك‪.‬‬
‫فالمشرع المغربي منح لمالك العقار وحده مادام مهددا بضرر يصيبه من جراء احتمال انهيار‬
‫البناء أن يطالب مالك العقار أو المسؤول عنه باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر‪ ،‬وبذلك‬
‫لم يسمح المشرع المغربي لغير المالك المجاور من المطالبة باتخاذ التدابير الضرورية للحيلولة دون وقوع‬
‫الخطر‪ ،‬ومن ذلك المكتري أو المرتهن‪ ،‬مما يدفعنا إلى القول بضرورة إعادة صياغة هذا الفصل ليشمل‬
‫كل من كان مجاورا للبناء يخشى تهدمه حفاظا أوال على أرواح األبرياء ثم ثانيا أن بعض المالكين قد تكون‬
‫لهم نية سيئة في اإلحجام عن هذه المطالبة ‪ ،‬ثم ثالثا ليس كل المالكين متواجدين بعين المكان حيث يوجد‬
‫البناء الذي يخشى تهدمه‪.‬‬
‫أساس مسؤولية حارس البناءو إمكانية دفعها‪.‬‬
‫متى تهدم البناء كليا أو جزئيا فأحدث ضررا للغير‪ ،‬وجب على هذا األخير أن يثبت أن المدعى‬
‫عليه حارس للبناء‪ ،‬وأن الضرر قد نتج عن تهدم هذا البناء‪ .‬فالفصل ‪ 89‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي لم يشير إلى إثبات إهمال معين من جانب حارس البناء‪ ،‬بخالف ما هو مقرر في الفصل ‪85‬‬
‫بشأن حارس الحيوان‪.‬‬
‫لذلك فالمشرع المغربي تكفل بإقامة قرينة قانونية قاطعة غير قابلة إلثبات العكس مؤداها أن هناك‬
‫إهماال وخطأ من جانب حارس البناء يتمثل إما في عدم صيانة البناء أو ترميمه بسبب قدمه أو تدارك عيب‬
‫في تصميمه أو بنائه‪ ،‬وبذلك ال يجوز لحارس البناء أن ينفي الخطأ عن نفسه بإثبات أن البناء كان ال يحتاج‬
‫إلى صيانة وأنه لم يكن قديما وليس به عيب أدى إلى تهدمه‪ .‬فالخطأ هنا مفترض افتراضا ال يقبل إثبات‬
‫العكس‪ .‬وهذا الخطأ المفترض هو سبب تهدم البناء فال يكلف المدعي بإثباته‪.‬‬
‫وقد ذهب أحد الفقه إلى القول بأن" مسؤولية حارس البناء قد تقوم على خطئه‪ ،‬وقد تتحقق بعيدة‬
‫عن أي خطأ في جانبه‪ ،‬لذلك نستصوب القول بأنها مسؤولية ال خطئية‪ ،‬تقوم على أساس تحمل التبعة ‪." .‬‬
‫فإذا أراد الحارس أن يدفع المسؤولية عن نفسه‪ ،‬فليس أمامه من سبيل إال نفي رابطة السببية بين‬
‫خطئه المفترض وحدوث الضرر‪ ،‬بحيث يمكنه أن ينفي هذه السببية إذا قدم للمحكمة سببا آخر لتهدم البناء‬
‫غير اإلهمال في الصيانة أو القدم في البناء أو العيب فيه‪.‬‬
‫كما يجب أن يكون هذا السبب الذي يقدمه حارس البناء مؤديا إلى تهدم البناء ولو قام الحارس‬
‫بواجبه في الصيانة أو الترميم أو اإلصالح‪ ،‬فعليه أن يقدم سببا أجنبيا يكفي بذاته لتهدم بناء جديد غير‬
‫معيب ال يحتاج إلى صيانة‪.‬‬
‫بيد أن التساؤل الذي أود طرحه في هذا الصدد يتمثل في مدى اعتبار األسباب الواردة في الفصل‬
‫‪ 89‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي أسبابا واردة على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟وما هو‬
‫المقتضى القانوني الواجب التطبيق في حالة انهيار البناء خارج الحاالت الواردةفي الفصل ‪ 89‬أعاله؟‪.‬‬
‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 88‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده يتحدث بصفة عامة عن‬
‫األشياء الجامدة التي يسأل عنها الشخص الحارس متى سببت ضررا‪ ،‬بيد أن هذه الصيغة العامة سرعان‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ما خصصها المشرع عند الحديث عن مسؤولية مالك البناء من خالل الفصل ‪ 89‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي ‪ ،‬مما يدل على أن المشرع أفرد مقتضيات خاصة بمالك البناء تم حدد الحاالت التي‬
‫يكون فيها هذا المالك مسؤوال أي بسبب قدم البناء أو عدم الصيانة أو عيب في البناء‪ ،‬بمعنى أن غير هذه‬
‫الحاالت يرجع فيها إلى الفصل ‪ 88‬السالف الذكر‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن الخطأ المفترض في جانب الحارس عن تهدم البناء ال يقوم عند وجود عالقة تعاقدية‬
‫بين حارس البناء والمضرور‪ ،‬فالمسؤولية التعاقدية تمنع قيام المسؤولية التقصيرية كما قلنا آنفا‪.‬‬

‫أحكام المسؤولية التعاقدية‪.‬‬


‫أركان المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫الخطأ التعاقدي‪.‬‬
‫الخطأ الشخصي‪.‬‬
‫لقد استند بعض الفقه الفرنسي في تفسير مختلف مقتضيات القانون الفرنسي على القانون الروماني‪،‬‬
‫بحيث أخذوا بنظرية التدرج في الخطأ ومفادها أن الخطأ يكون بحسب درجة خطورته‪ ،‬فنجد الخطأ‬
‫الجسيم وهو الخطأ الذي ال يرتكبه حتى أكثر الناس إهماالً‪ ،‬ثم أيضا الخطأ اليسير وهو خطأ ال يرتكبه‬
‫شخص متوسط الحرص و العناية‪ ،‬ثم أخيرا الخطأ التافه و هو الخطأ الذي ال يرتكبه الشخص الحريص‪.‬‬
‫وبذلك كان المدين ال يسأل إال عن الخطأ الجسيم مادام االتفاق في مصلحة الدائن وحده كعقد الوديعة أو‬
‫عقد الوكالة بدون أجر‪ ،‬في حين كان يسأل عن خطأ اليسير إذا كان في مصلحة الطرفين معا مثل عقود‬
‫البيع أو عقود الكراء‪ ،‬كما يسأل عن الخطأ التافه إذا كان االتفاق في مصلحة المدين دون الدائن مثل عقد‬
‫العارية‪ .‬بيد أن هذه النظرية لم تجد لها صدا في عموم الفقه و التشريع الفرنسيين لكونها قامت على‬
‫التفسير غير السليم لمقتضيات قانونية في مدونةجستنيان مما أدى بالقانون المدني الفرنسي إلى عدم اآلخذ‬
‫بها حيث قرر أن عدم تنفيذ المدين اللتزامه أو تأخره فيه هو خطأ تعاقدي‪ ،‬بغض النظر عن السبب الذي‬
‫أدى إلى عدم الوفاء‪.‬‬
‫إن وجود العقد المبرم بين الطرفين‪ ،‬يجعل كال المتعاقدين ملزمين بتنفيذ التزاماتهما التعاقدية و‬
‫إال كان الطرف المتخلف عن التنفيذ مخل بالتزامه التعاقدي ‪ ،‬مما يجعل الخطأ التعاقدي قائما في جانب‬
‫المدين والمتمثل في عدم تنفيذه اللتزاماته سواء كان ذلك بصفة عمدية أو عن طريق إهمال أو التقصير‪،‬‬
‫كما يمكن أن يكون كذلك عدم التنفيذ متمثال في التنفيذ الجزئي لاللتزام أو التنفيذ المتأخر‪ ،‬أو االمتناع‬
‫عن االلتزام بما يفرضه القانون‪ ،‬أو كان التنفيذ غير مطابق لبنود العقد‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار اهتم أيضا الفقه اإلسالمي بمبدأ االلتزام بتنفيذ العهود و الوفاء بها ومن ذلك‬
‫العقود المبرمة بين األطراف إذ أكد جمهور الفقهاء على ضرورة وفاء المدين بالتزاماته عينا لكون‬
‫التنفيذ العقد هو األصل أما إذا استحال ذلك بسبب يعود الى فعل المدين أو خطئه وجب عليه الضمان‪.‬‬
‫كما يتحقق الخطأ التعاقدي إذا كان سبب عدم التنفيذ راجع إلى عدم بذل العناية الالزمة التي يتطلبها‬
‫تنفيذ االلتزام‪ ،‬وعدم توخي الحيطة والحذر‪ ،‬مما يجعل المدين مسؤوال عن كل غش أو تدليس ‪ ،‬أما إذا‬
‫كان عدم التنفيذ راجع إلى أسباب خارجية ال يد للمدين فيها‪ ،‬فإنه ال يكون مسؤوال‪ ،‬وبذلك ال مجال‬
‫لوجود الخطأ أذا كان عدم التنفيذ راجع إلى وجود استحالة في التنفيذ العيني بسبب خارج عن إرادة المدين‬
‫‪.‬‬
‫في ما يخص االلتزامات التعاقدية فيمكن التفريق بين ثالث أنواع من االلتزامات عند الحديث عن‬
‫الخطأ التعاقدي الموجب لمسؤولية المدين عن فعله الشخصي حيث يتمثل النوع األول في االلتزام بتحقيق‬
‫نتيجة‪ ،‬فمجرد عدم تحقق الغاية يجعل الخطأ التعاقدي قائما في حق المدين‪ ،‬وال يبقى أمام هذا األخير إن‬
‫أراد دفع المسؤولية التعاقدية عنه إال أن يقيما دليال على وجود سبب أجنبي حال دون تنفيذ ما التزم به‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫ومثال الموثق‪ ،‬وبخصوص هذا األخير اعتبر قرار صادر عن قضاء النقض المغربي أن "مهمة الموثق‬
‫تتمثل في تحقيق نتيجة المعاملة ال حاصلة بكل تحديد والقيام باإلجراءات الكفيلة بإبرام العقد"‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فيتمثل في االلتزام ببذل عناية إذ إن المدين يكون ملزما ببذل العناية الالزمة في تنفيذ‬
‫التزامه‪ ،‬بيد أنه غير ملزم بتحقيق النتيجة النهائية التي يسعى إليها الدائن‪ ،‬و مثال ذلك أن الطبيب ال يلتزم‬
‫بشفاء المريض بل يلتزم ببذل عناية الالزمة لذلك‪ ،‬إذ يكون الطبيب ملزما ببذل عنايته لتحقيق هدف‬
‫المريض وهو الشفاء‪ ،‬ففي هذا النوع من االلتزام يجب على المدين أن يبذل مقدار معينا من العناية التي‬
‫يبذلها الشخص العادي‪ ،‬و قد تزيد أو تقل هذه العناية طبقا لما يقرره‪ ،‬القانون أو االتفاق و يكون المدين قد‬
‫نفذ التزامه التعاقدي إذا بذل العناية المطلوبة منه رغم أن الغاية أو الهدف من االلتزام لم يتحقق‪.‬‬
‫أما النوع الثالث واألخير من االلتزامات فيتعلق بااللتزام بالسالمة وهو التزام بضمان السالمة‬
‫بحيث يلزم المدين ب ممارسة سيطرة فعلية على كل العناصر التي يمكن أن تكون سببا في حدوث ضرر‬
‫للدائن المستفيد من المنتوج سواء كان سلعة أو خدمة‪ ،‬وهو التزام بتحقيق نتيجة وليس بذل عناية ‪ ،‬ذهب‬
‫أحد الفقه إلى اعتبار االلتزام بالسالمة يتعين تنفيذه كما يتطلب االتفاق أو القانون ذلك بحيث ال يحتمل هذا‬
‫التنفيذ زيادة أو نقصانا‪ ،‬كما أن تحقيق نتيجة السالمة غير قابلة للتجزئة‪.‬‬
‫وبذلك ال يمكن إعفاء المدين من التزامه بضمان سالمة الدائن إال إذا أثبت أن هذا الضرر سببه أجنبيا‬
‫كالقوة القاهرة أو خطأ الدائن‪.‬‬
‫الخطأ بفعل الغير أو بفعل الشيء‪.‬‬
‫إن تحقق الخطأ التعاقدي في المسؤولية عن فعل الغير ال يتأثر بكون عدم الوفاء راجع إلى فعل‬
‫شخص آخر غير المدين سواء كان هذا الشخص تابعا له أو نائبا عنه في تنفيذ بنود العقد‪ ،‬بحيث إذا‬
‫كان عدم الوفاء بالتزام التعاقدي يعود إلى فعل أحد تابعي المدين أو إلى فعل شخص آخر أحله المدين محله‬
‫في تنفيذ االلتزام في حالة عقد مقاولة من الباطن مثال‪ ،‬أو إلى فعل نائب عن المدين كالوصي أو القيم أو‬
‫الوكيل مثال ‪ ،‬فإن مسؤولية المدين عن فعل الغير تتحقق ‪ ،‬و ال يعد فعل هذا الغير من قبيل السبب‬
‫األجنبي بالنسبة للمدين إال إذا كان الغير أجنبيا ‪ ،‬ما لم يشترط المدين إعفاءه من المسؤولية الناجمة عن‬
‫خطأ من يشغلهم في تنفيذ التزامه‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق بالمسؤولية التعا قدية عن األشياء فإن المدين يكون مسؤوال عن عدم تنفيذ العقد‬
‫متى كان تدخل إيجابي من شيء أفلت من حراسته‪ ،‬وبذلك يكون مسؤوال عن خطئه التعاقدي ليس بفعله‬
‫الشخصي بل بفعل الشيء ويمكن أن يتحقق ذلك أوال في حالة تسليم المدين الشيء محل العقد للدائن‪،‬ثم‬
‫ثانيا يكون المدين مسؤوال عن إعادة الشيء محل العقد للدائن ‪ ،‬وثالثا عندما يقوم المدين بتنفيذ العقد عن‬
‫طريق استعماله شيئا يؤدي إلى إصابة الدائن‪ ،‬وبذلك يكون المدين مسؤوال عن سالمة الدائن بمقتضى‬
‫العقد المبرم بينهما ‪.‬‬
‫الضرر التعاقدي‪.‬‬
‫شروط الضرر التعاقدي وأنواعه‪.‬‬
‫شروط الضرر التعاقدي‪.‬‬
‫يعتد بالضرر سواء كان ماديا أو معنويا من أجل قيام المسؤولية التعاقدية إذا استجمع الشروط‬
‫التي يتطلبها القانون لذلك‪ ،‬بحيث ينبغي أن يكون الضرر شخصيا ومباشرا ‪ ،‬أي أن الضرر قد لحق‬
‫بالدائن‪ ،‬وجاء كنتيجة طبيعية لخطأ المدين المتمثل في عدم الوفاء بما التزام به‪،‬مادام ليس بإمكان الدائن‬
‫تجنبه ببذل جهد معقول‪ .‬بخالف الضرر المباشر غير المتوقع الذي ال يعتبر نتيجة طبيعية مألوفة للخطأ‪.‬‬
‫كما ينبغي أن يكون الضرر متوقعا‪ ،‬و يقصد به ذلك الضرر الذي يتوقعه الرجل العادي وقت‬
‫تعاقد‪ ،‬وليس الذي توقعه المدين وقت إبرام العقد‪ ،‬وبذلك يعتمد في تقديره على معيار مجرد و ليس معيار‬
‫ذاتي‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫بيد أنه في إطار المسؤولية التقصيرية كما سبق الحديث عن ذلك‪ ،‬فان المدين يسأل عن الضرر‬
‫المباشر سواء كان متوقعا أو غير متوقع‪ ،‬بخالف المسؤولية التعاقدية إذ أن المدين ال يسأل مبدئيا إال عن‬
‫الضرر المباشر المتوقع عادة وقت العقد‪ ،‬تأسيسا على اإلرادة المعبر عنها من لدن المتعاقدين والتي‬
‫انصبت على االلتزام بما يمكن توقعه وقت التعاقد‪ ،‬غير أنه إذا كان اإلخالل بااللتزام يعود إلى غش‬
‫المدين أو خطئه الجسيم‪ ،‬كان مسؤوال عن الضرر المباشر سواء المتوقع منه أو غير المتوقع‪.‬‬
‫كما يتعين أن يكون الضرر محققا‪ ،‬ويستوي في ذلك أن يكون حاال أو مستقبال‪ ،‬غير أنه إذا كان‬
‫الضرر المستقبلي محتمل الوقوع فال محل لطلب التعويض عنه في الحال‪ ،‬بل يتعين انتظار تحققه‪ ،‬و‬
‫يعتبر الضرر محققا كل ما فات الدائن من كسب و ما لحقته من خسارة ‪.‬‬

‫و أخير البد أن يصيب الضرر حقا أو مصلحة مشروعة للمضرور‪ ،‬وأن يترتب عن هذا اإلخالل‬
‫خسارة فعلية للدائن و فوات الكسب الناتج عن عدم التزام المدين بتعهده‪ ،‬وهو ما تضمنه الفصل ‪ 264‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أن ‪ ":‬الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية‬
‫وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بااللتزام‪ .‬وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة‬
‫موكول لفطنة المحكمة‪ ،‬التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه‪.‬‬
‫"‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه أذا كانت المصلحة التي تم المساس بها غير مشروعة لمخالفتها للنظام العام‬
‫ولآلداب العامة‪ ،‬فإن كل ضرر ناتج عن المساس بها ال يعتد به قانونا‪.‬‬
‫أنواع الضرر‪.‬‬
‫الضرر المادي‪.‬‬
‫هو الضرر الذي يصيب الدائن في ماله أو جسمه‪ ،‬أي ذلك األذى الذي يلحق به خسارة حقيقية أو‬
‫يفوت عليه كسبا‪ ،‬والضرر المادي هو الذي يمكن تقويمه بالنقود‪.‬‬
‫و بذلك فالضرر المادي هو كل خسارة أو أذى يصيب الشخص في ماله أو في جسمه كضياع‬
‫صفقة رابحة أو تفويت فرصة كسب مال عليه‪.‬‬
‫كما يقصد به الضرر الذي يمس بمصالح مالية داخلة ضمن الذمة المالية للمتضرر‪ ،‬فينتقص‬
‫منها أو يعدمها‪ ،‬كما يمس بالممتلكات فيعطلها أو يتلفها‪.‬‬
‫والضرر المادي هو الضرر الذي يمكن تقويمه بالنقود‪ ،‬وهو أكثر شيوعا في المسؤولية التعاقدية‬
‫من الضرر المعنوي ‪ ،‬إذ يصيب الشخص في ذمته المالية أو في جسمه‪.‬‬
‫الضرر المعنوي‪.‬‬
‫هو الضرر الذي يصيب اإلنسان في مصلحة غير مادية ومثال ذلك الضرر الذي يصيب اإلنسان في‬
‫عاطفته أو سمعته نتيجة السب والقذف و اإلهانة‪ ،‬وبذلك فإن الضرر المعنوي هو كل ما يصيب الجسم من‬
‫ألم أو يحدث فيه من تشويه‪ ،‬كما قد يصيب الشرف و االعتبار وقد يلحق العاطفة والحنان والشعور‪.‬‬
‫يجد الضرر المعنوي تطبيقاته بشكل كبير في أطار المسؤولية التقصيرية بخالف وقوعه في‬
‫المسؤولية التعاقدية‪ ،‬لكون العقد يقتضي إبرامه مبدئيا على شيء ذي قيمة مالية‪ ،‬غير أنه قد تكون للدائن‬
‫مصلحة أدبية في تنفيذ العقد و يترتب على إخالل المدين بالتزامه حدوث ضرر أدبي‪.‬‬
‫نطاق التعويض عن الضرر التعاقدي‪.‬‬
‫ي تطلب الحصول على التعويض ضرورة أثبات الدائن لخطأ المدين المتمثل في عدم التنفيذ‪ ،‬وللضرر الذي‬
‫لحقه من عدم تنفيذ المدين اللتزامه أو من تأخيره في القيام بتنفيذه‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫القاعدة العامة في التعويض هي أن الضرر المباشر المتوقع هو الذي يعتد به لترتيب المسؤولية‬
‫التعاقدية‪ ،‬فالضرر غير مباشر ال يعوض عنه مطلقا سواء في المسؤولية التعاقدية أو في المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬فالتعويض في المسؤوليتين يكون عن الضرر المباشر فقط‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إلى ذلك عند‬
‫الحديث عن المسؤولية التقصيرية‪ ،‬أما في المسؤولية التعاقدية فيقتصر التعويض على األضرار المباشرة‬
‫المتوقعة وقت التعاقد ما لم يرجع الضرر إلى غش المدين أو خطئه الجسيم ‪ ،‬فيكون مسؤوال عن األضرار‬
‫المتوقعة وغير المتوقعة ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن التعويض يكون في الضرر الحال‪ ،‬أما إذا لم يكن هناك ضرر فال مجال للحديث‬
‫عن التعويض ‪ ،‬بخالف الضرر المحقق الوقوع في المستقبل الذي نستطيع تقدير التعويض عنه في الحال‪.‬‬
‫أما إذا كان الضرر المستقبل المحقق الوقوع ال يستطاع تقدير التعويض عنه في الحال‪ ،‬وجب‬
‫التريث حتى يعرف مدى الضرر ليتقاضى عنه تعويضا كافيا‪ ،‬أما الضرر المحتمل فال يعوض عنه إال‬
‫عندما يقع‪.‬‬
‫أما ما يخص التعويض عن الضرر األدبي ‪ ،‬فقد ثار خالفا كبير في الفقه والقضاء الفرنسيين‪ ،‬إذ‬
‫ذهب القضاء الفرنسي في بداية األمر إلى عدم تعويض عن الضرر األدبي لعدم إمكانية تقويمه بنقود‪ ،‬كما‬
‫ذهب كذلك بعض الفقهاء إلى أن الضرر الم عنوي الذي يترتب وحده على اإلخالل بااللتزام تعاقدي ال‬
‫ينشيء حقا في التعويض عنه‪.‬‬
‫لم يشر المشرع المغربي صراحة إلى موضوع التعويض عن الضرر المعنوي‪ ،‬بحكم عدم وضوح‬
‫نصوص قانون االلتزامات والعقود في نص صراحة إلى جواز التعويض‪ ،‬وان كان القضاء المغربي قد‬
‫ذهب إلى األخذ بفكرة التعويض‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى هذا القانون رغم عدم وضوحه نستشف إمكانية التعويض وذلك من خالل ما جاء في‬
‫الفقرة األولى من الفصل ‪ 264‬منه التي سمحت بتعويض الدائن عن كل خسارة حقيقية وما فاته من كسب‪،‬‬
‫ومن تم يمكن القول بأن الضرر الذي يمس االعتبار الشخصي قد يسبب خسارة حقيقية للدائن‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى المشرع المصري نجده نص صراحة على تعويض الضرر المعنوي من خالل المادة‬
‫‪222‬من القانون المدني‪ ،‬كما يستشف من القانون المدني الجزائري على أمكانية التعويض عن الضرر‬
‫المعنوي‪ ،‬بحيث نصت المادة ‪ 176‬منه على أنه "إذا استحال على المدين أن ينفذ االلتزام عينا حكم عليه‬
‫بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه‪ ،‬ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب ال يد له فيه‪،‬‬
‫ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه‪." .‬‬
‫العالقة السببية بين الخطأو الضرر‪.‬‬
‫إثبات وجود العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪.‬‬
‫يقع على الدائن‪ -‬كما قلنا‪ -‬عبء إثبات الرابطة السببية بين الخطأ التعاقدي والمتمثل في عدم تنفيذ‬
‫االلتزام و الضرر الذي لحقه من هذا الخطأ‪ ،‬واثبات العالقة السببية بين الخطأ والضرر كركن من أركان‬
‫المسؤولية التعاقدية ‪ ،‬يخضع للقواعد العامة في مجال اإلثبات‪ ،‬وبذلك يكون على الدائن إثبات ما يدعيه‬
‫من الضرر الالحق به نتيجة لخطأ المدين في عدم تنفيذ التزامه‪.‬‬
‫إن إثبات ذلك يجعل القرينة قائمة على وجود هذه العالقة السببية بين خطأ المدين والضرر الذي‬
‫أصيب به الدائن‪ ،‬أما وجود العالقة السببية بين عدم تنفيذ االلتزام و سلوك المدين‪ ،‬فهي مفترضة في نظر‬
‫المشرع الذي يفترض أن الخطأ راجع إلى سلوك المدين ‪ ،‬و على هذا األخير إذا كان يدعي خالف ذلك‬
‫أن يقوم بنفي السببية بين عدم التنفيذ و سلوكه‪ ،‬وهو ما صرح به القانون المدني الكويتي الذي نص على‬
‫أن ه"عند تعذر تنفيذ االلتزام عينا‪ ،‬أو التأخير فيه‪ ،‬يجب على المدين تعويض الضرر الذي لحق الدائن‬
‫بسبب ذلك‪ ،‬ما لم يثبت المدين أن عدم التنفيذ أو التأخير كان لسبب أجنبي ال يد له فيه‪." .‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫نفي العالقة السببية بين الخطأ التعاقدي والضرر‪.‬‬


‫ال يمكن للمدين أن يدفع المسؤولية التعاقدية عنه إال بإثبات انعدام العالقة السببية بين عدم تنفيذ‬
‫االلتزام و سلوك المدين‪ ،‬و ذلك بإثبات وجود السبب األجنبي‪ ،‬وهو سبب غير راجع إلى المدين‪ ،‬الذي‬
‫أدى إلى حدوث الضرر الذي أصيب به بالدائن‪.‬‬

‫القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪.‬‬


‫ال يفرق أغلب الفقه و القضاء ‪ ،‬كما مر معنا عند الحديث عن أحكام المسؤولية التقصيرية ‪،‬‬
‫بين القوة القاهرة و الحادث الفجائي‪ ،‬من حيث اآلثار التي تترتب عن كل منهما‪ ،‬كما ذهبت أغلب‬
‫التشريعات المقارنة إلى اعتبارهما وجهان لعملة واحدة ‪ .‬ويتعين لألخذ بالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي‬
‫كسبب مانع لترتيب المسؤولية التعاقدية توافر شروط معينة تتمثل في عدم إمكانية توقع الحادث ‪،‬‬
‫واستحالة دفعه‪ .‬وأن تجعل هذه القوة أو هذا الحادث تنفيذ االلتزام مستحيال‪ .‬ثم أن ال يكون هناك خطأ من‬
‫جانب المدين بحيث أن المدين المماطل ال يستفيد من القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪ ،‬وهو ما نص عليه‬
‫قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬كما ال يمكن للمدين المماطل الدفع بعدم التوصل بإنذار من الدائن‪.‬‬
‫وبذلك إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مانعا من تنفيذ المدين اللتزامه بصفة نهائية‪،‬‬
‫تبرأ ذمة المدين من كل التزام‪ ،‬أما إذا كان هذا المانع مؤقتا فإنها عدم تنفيذ االلتزام يجعله مسؤوال‪.‬‬
‫خطأ الدائن أو فعل الغير‪.‬‬
‫ال يمكن الحديث عن المسؤولية التعاقدية إذا ثبت أن الضرر سببه خطأ الدائن‪ ،‬إذ أن المدين تنتفي‬
‫مسؤوليته عند ثبوت هذا الخطأ ‪،‬و هو ما يستشف من القانون المدني المصري الذي منح للقاضي إمكانية‬
‫قد أحدث ضررا لنفسه بسبب خطئه‬ ‫بالتعويض ما دام الدائن‬ ‫عدم الحكم‬
‫كما أنه إذا تبث سبب الضرر يعود إلى فعل الغير‪ ،‬وهو شخص أجنبي عن العقد‪ ،‬فال يكون المدين‬
‫مسؤوال عنه و يعتبر بذلك سببا أجنبيا حال دون تنفيذ االلتزام‪ ،‬و يترتب عليه نفي الرابطة السببية بين‬
‫الخطأ التعاقدي والضرر‪ ،‬مما يجعل المدين في حل من تنفيذ التزامه الذي رتبه العقد في ذمته‪ ،‬وبذلك ال‬
‫يمكن للدائن أن يطالبه بالتعويض عن الضرر‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن ه في أطار المسؤولية المدنية الناجمة عن المنتجات المعيبة فإن مسؤولية المنتج تجاه الضحية‬
‫ال تتأثر بوجود الغير المساهم في وقوع الضرر‪ ،‬وهو ما أكد عليه الفصل ‪ 12 -106‬الذي نص على أنه‪":‬‬
‫ال تتقلص مسؤولية المنتج تجاه الضحية بسبب وجود الغير الذي ساهم في وقوع الضرر‪." .‬‬
‫ونشير إلى أنه قد يشترك خطأ الغير مع خطأ المدعى عليه‪ ،‬وفي هذه الحالة إما أن يستغرق خطأ‬
‫المدعى عليه خطأ الغير فتكون مسؤولية األول كاملة و ال يعتد بخطأ الغير‪ ،‬و إما أن يستغرق خطأ الغير‬
‫خطأ المدعى عليه‪ ،‬و نكون بصدد السبب األجنبي‪ ،‬و هو خطأ الغير‪ ،‬مما يؤدي إلى انعدام مسؤولية‬
‫المدعى عليه النعدام العالقة السببية‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه إذا كان الضرر الذي أصاب الضحية راجع إلى عيب في المنتوج و الخطأ‬
‫الشخصي للضحية أو شخص تكون هذه األخيرة المسؤول عنه ‪ ،‬فإن مسؤولية المنتج ال تنتفي تلقائيا بل‬
‫يمكن أن تقلص عوض أن تلغى في أطار السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي في ظل الظروف المحيطة‬
‫بكل نازلة على حدة‪ ،‬وهو ما نص عليه قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي أكد على أنه " يمكن أن‬
‫تتقلص مسؤو لية المنتج أو تلغى‪ ،‬مع مراعاة كل الظروف‪ ،‬إذا كان السبب ناتجا في آن واحد عن عيب‬
‫في المنتوج وخطأ الضحية أو شخص تكون الضحية مسؤولة عنه‪« .‬‬
‫شروط المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫قيام عقد صحيح بين الدائن والمدين‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫الحديث عن المسؤولية التعاقدية يفرض وجود عقد بين الدائن والمدين‪ ،‬و أن يكون هذا العقد‬
‫صحيحا‪ ،‬أما إذا لم يكن عقد بين األطراف كأن يتضرر أحد األطراف في مرحلة سابقة على إبرام العقد‪،‬‬
‫أو إذا كان العقد غير موجود بين المسؤول و المضرور‪ ،‬كأن يقدم أحدهما خدمة للثاني من باب اإلحسان‬
‫أو المجاملة‪ ،‬فال مجال لقيام المسؤولية التعاقدية ‪.‬‬
‫كما أنه ال مجال للحديث عن المسؤولية التعاقدية إذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال و تقرر‬
‫إبطاله‪ ،‬أوفي حالة الضرر الذي يصيب األطراف بعد انقضاء الرابطة التعاقدية بسبب فسخها أو ألي سبب‬
‫آخر‪ ،‬ومثال ذلك إفشاء المهندس ألسرار المصنع الذي كان يعمل فيه إلى مصنع منافس بعد انتهاء العقد‬
‫هي مسؤولية تقصيرية ال تعاقدية‪ .‬إذ يبقى أمام الدائن سوى اللجوء إلى متابعة المدين طبقا ألحكام‬
‫المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫وعلى العموم إذا كان العقد ينص على هذا االلتزام حتى بعد انتهاء العقد‪ ،‬فإن المدين يكون مسؤوال‬
‫مسؤولية تعاقدية‪ ،‬أما إذا كان القانونهو المصدر المباشر لهذا االلتزام‪ ،‬فتترتب على عاتق المدين‬
‫مسؤولية تقصيرية ‪.‬‬
‫كما يشترط كذلك أن يكون الضرر قد نتج عن اإلخالل بالتزام ناشئ عن العقد‪ ،‬فإذا كان الضرر‬
‫الذي لحق أحد الطرفين قد نتج عن خطأ من الطرف األخر ال يعد إخالال بالتزام منشأه العقد فال تقوم‬
‫المسؤولية التعاقدية بل المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫إخالل المدين بالتزامه التعاقدي‪.‬‬
‫إن وجود عقد صحيح تترتب عنه ضرورة التزام المدين بمقتضياته‪ ،‬وإال حدث ضرر مباشر‬
‫للدائن ناتجة إخالل الطرف المدين بالتزاماته التعاقدية‪ ،‬وهي التزامات وضعت وحددت من قبل‬
‫المتعاقدين‪ ،‬وكذا التي أقرها القانون أو العرف باعتبارها من مستلزماته‪.‬‬
‫و بذلك يحق للدائن أن يتمسك بالمسؤولية التعاقدية عند اإلخالل بااللتزامات التي سطرها العقد‬
‫بصفة صريحة‪ ،‬و أيضا التي تدخل في دائرة التعاقد باعتبارها من مستلزمات العملية التعاقدية طبقا‬
‫للمقتضيات القانونية واألحكام العرفية و كذا مبادئ العدالة و خصوصية المعاملة‪.‬‬
‫كما يمكن للمستفيد من تنفيذ العقد أن يدفع بالمسؤولية التعاقدية عند إخالل المدين بالتزاماته‪ ،‬كما‬
‫هو شأن في االشتراط لمصلحة الغير بحيث يلتزم المتعهد في عقد االشتراط بتنفيذ التزاماته لفائدة المستفيد‬
‫‪ ،‬وهو ما تضمنه الفصل ‪ 34‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي الذي نص على أنه ‪":‬وفي هذه‬
‫الحالة ينتج االشتراط أثره مباشرة لمصلحة الغير‪ ،‬ويكون لهذا الغير الحق في أن يطلب باسمه من الواعد‬
‫تنفيذه وذلك ما لم يمنعه العقد من مباشرة هذه الدعوى أو علقت مباشرتها على شروط معينة"‪.‬‬

‫آثار المسؤولية التعاقدية‪.‬‬


‫دعوى المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫إن قيام أية دعوى قضائية يستلزم توافر طرفيها المتمثلين أوال في المدعي و هو الشخص الذي‬
‫يثبت له الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر‪ ،‬بيد أنه بإمكان رفع دعوى المسؤولية من نائب‬
‫المضرور كالولي أو ال وصي إذا كان المدعي عديم األهلية أو ناقصها‪ ،‬وثانيا في المدعى عليه وهو‬
‫الشخص الذي تصبب في الضرر للمدعي بسبب خطئه ‪.‬‬
‫أما في حالة وجود أكثر من مدعي متضرر من خطأ المدعى عليه جاز لهم رفع دعوى شخصية‬
‫على هذا األخير سواء كان واحدا أو متعددا للمطالبة بالتعويض عما أصاب كل واحد منهم من ضرر على‬
‫أساس المسؤولية التعاقدية ‪.‬‬
‫يل زم لسماع دعوى المسؤولية التعاقدية ضرورة إثبات المدعي المتضرر وجود الضرر الناتج عن‬
‫خطأ المدعي عليه‪ ،‬بحيث أن قيام المسؤولية التعاقدية يتوقف مبدئيا على إثبات خطأ المدعى عليه أثناء‬
‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫تنفيذه لاللتزام‪ ،‬أي إخالل المدين بالتزامه التعاقدي و المتمثل إما في عدم الوفاء أو تأخر في الوفاء ولو‬
‫بحسن نية‪ ،‬أو في حالة التنفيذ المعيب لاللتزام ‪.‬‬
‫كما يتعين احترام أجل دعوى المسؤولية التعاقدية والتي تضمنه الفصل ‪ 387‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي حيث نص على أن" كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بخمس عشرة‬
‫سنة‪ ،‬فيما عدا االستثناءات الواردة فيما بعد‪ ،‬واالستثناءات التي يقضي بها القانون في حاالت خاصة‪." .‬‬
‫وبذلك تتقادم دعوى المسؤولية التعاقدية بمرور خمسة عشر سنة تبتدئ من تاريخ إبرام العقد‪ ،‬أال‬
‫أن هناك استثناءات ترد على هذا المبدأ بخصوص أجل التقادم كما هو الشأن بالنسبة للفصل الفصل ‪388‬‬
‫الذي تضمن أجال للتقادم تتمثل في خمس سنوات في ما يتعلق بدعوى التجار والموردين وأرباب المصانع‬
‫بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنهم‪.‬‬
‫كما قد يكون أجل التقادم محددا في سنتين عندما يتعلق األمر بدعوى األطباء والجراحين‬
‫والمولدين وأطباء األسنان والبياطرة من أجل ما يقومون به من زيارات ويؤدونه من عمليات‪ ،‬وكذلك من‬
‫أجل ما يوردونه من أشياء وما يقدمونه من نقود ابتداء من تاريخ حصوله؛وبدعوى الصيادلة من أجل‬
‫األدوية التي يوردونها‪ ،‬ابتداء من تاريخ توريدها؛وبدعوى المؤسسات الخاصة أو العامة المخصصة‬
‫لعالج األمراض البدنية أو العقلية أو لرعاية المرضى‪ ،‬من أجل العالج المقدم منها لمرضاها والتوريدات‬
‫والمصروفات الحاصلة منها لهم‪ ،‬ابتداء من تاريخ تقديم العالج أو حصول التوريدات؛وبدعوى المهندسين‬
‫المعماريين وغيرهم من المهن دسين والخبراء والمساحين من أجل مواصفاتهم أو عملياتهم والمصروفات‬
‫المقدمة منهم ابتداء من تاريخ تقديم المواصفة أو إتمام العمليات أو إجراء المصروفات؛وبدعوى التجار‬
‫والموردين وأرباب المصانع من أجل التوريدات المقدمة منهم لألفراد الستعمالهم الخاص؛و أخيرا بدعوى‬
‫الف الحين ومنتجي المواد األولية من أجل التوريدات المقدمة منهم‪ ،‬إذا كانت قد استخدمت في األغراض‬
‫المنزلية للمدين‪ ،‬وذلك ابتداء من يوم وقوع التوريدات‪.‬‬
‫كما قد يتمثل أجل التقادم طبقا للفصل ‪ 388‬المذكور بسنة ذات ثالثمائة وخمسة وستين يوما كلما‬
‫تعلق األمر بدعوى المعلمين واألساتذة وأصحاب المؤسسات المخصصة إلقامة التالميذ العامة منها‬
‫والخاصة‪ ،‬من أجل أتعابهم المستحقة على تالميذهم وكذلك من أجل التوريدات المقدمة منهم إليهم‪ ،‬وذلك‬
‫ابتداء من حلول األجل المحدد لدفع أتعابهم؛أوبدعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات‬
‫وغير ذلك من األداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل‪ ،‬وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم‬
‫من أجل المبالغ التي يسبقونها لهم على أساس تلك الرابطة؛أو بدعوى العمال والمستخدمين والمتعلمين‬
‫والمتجولين ومندوبي التجارة والصناعة‪ ،‬من أجل رواتبهم وعموالتهم‪ ،‬وما أدوه من مصروفات بسبب‬
‫وظائفهم‪ ،‬وما يستحقونه من عطلة سنوية مؤدى عنها أو ما يعوضها وذلك عن السنة الجارية وعند ثبوت‬
‫الحق في عطل مجتمعة‪ ،‬عن السنة أو السنتين الماضيتين؛ أو بدعوى أرباب الحرف من أجل توريداتهم و‬
‫مياوماتهم وما أنفقوه بسبب خدماتهم؛أوبدعوى المخدوم أو رب العمل من أجل المبالغ المسبقة للعمال‬
‫والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين والمندوبين من أجورهم أو عموالتهم أو المبالغ التي أنفقوها بسبب‬
‫خدماتهم؛ أو بد عوى أصحاب الفنادق والمطاعم‪ ،‬من أجل اإلقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم‪،‬‬
‫أو دعوى مكري المنقوالت من أجل أجرتها‪.‬‬
‫الحكم المترتب على دعوى المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫ترمي أحكام المسؤولية التعاقدية في جوهرها إلى جبر الضرر الذي أصيب به الدائن نتيجة الخطأ‬
‫ال منسوب للمدين في إطار العالقة التعاقدية‪ ،‬فالمحكمة المعروض عليها النزاع في إطار المسؤولية‬
‫التعاقدية‪ ،‬متى تبت لها وقوع الضرر‪ ،‬ألزمت المدعى عليه بصفته الطرف المتسبب في وقوع الضرر‬
‫بأداء التعويض المناسب للمدعي بصفته الطرف المتضرر‪.‬‬
‫وقد يكون هذا التعويض إصال حا للعيب أو الخلل الموجب للمسؤولية أو عبارة عن دفع تعويضات‬
‫نقدية للطرف المضرور إذا كان العيب أو الضرر مستعصيا عن اإلصالح‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫وكما هو معلوم فإن مقدار التعويض يختلف باختالف حجم وخطورة الضرر الالحق بالشخص‬
‫المضرور‪ .‬وباعتبار التعويض من األمور الواقعية‪ ،‬فإن تقدير قيمته يرجع للسلطة التقديرية للقاضي‬
‫الموضوع ‪ ،‬ومن تم فإن المحكمة في تقديرها لقيمة التعويض ال تكون خاضعة لرقابة قضاء النقض سواء‬
‫بالنسبة للتعويضات النقدية أو العينية‪ ،‬كما أن التعويض يعتبر من االلتزامات التبعية ال األصلية‪،‬‬
‫باعتباره محاولة لجبر الضرر الذي لحق الدائن وهو بذلك خارج عن التزامات األصلية أي انه يستند إلى‬
‫التزام أصلي مصدره العقد وجد سلفا تم اإلخالل به من قبل المدين‪.‬‬
‫و يشمل الحكم بالتعويض في دعوى المسؤولية التعاقدية كل األضرار و الخسائر التي لحقت‬
‫الدائن بصفته متضررا‪ ،‬بحيث يشمل األضرار المباشرة من جهة ‪ ،‬والتي تيقنت المحكمة أنها واقعة ال‬
‫محال في المستقبل من جهة أخرى‪ ،‬على اعتبار أن الضرر هو كل خسارة حقيقية أو تفويت فرصة‬
‫الكسب‪.‬‬
‫االتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫تشديد أحكام المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫يمكن لألطراف المتعاقدة اللجوء إلى التشديد في أحكام المسؤولية التعاقدية‪ ،‬و ذلك بإدراج شرط‬
‫في العقد المبرم أو بإنشاء اتفاق مستقل عن العقد‪ ،‬يقضي بمسؤولية المدين في حالة أو في أحوال تكون‬
‫فيها مسؤوليته غير واردة بموجب القواعد العامة‪.‬‬
‫حيث يمكن لألطراف االتفاق على مسؤولية المدين رغم أن قيام السبب األجنبي يجعل حدا‬
‫للعالقة القائمة بين خطأ المدين وبين الضرر الذي أصاب الدائن ‪ ،‬كما يمكن االتفاق على جعل التزام‬
‫المدين بتحقيق نتيجة‪ ،‬رغم كونه في األصل ببذل عناية‪ ،‬أو اتفاق األطراف المتعاقدة على تشديد في‬
‫التزام العناية التي يبذلها المدين‪.‬‬
‫وكمثال على الت شديد في أحكام المسؤولية التعاقدية ‪ ،‬االتفاق على اشتراط ضمان أعمال ال تدخل‬
‫ضمن األحكام العامة للضمان المفروضة على البائع ‪ ،‬أو إدراج شرط جزائي في العقد المبرم بين‬
‫األطراف يسمح بتقدير التعويض بطريقة جزافية‪.‬‬
‫واالتفاق على تشديد في أحكام المسؤولية جائز قانونا‪ ،‬سواء في المسؤولية التعاقدية أو في‬
‫المسؤولية التقصيرية ‪ ،‬بيد أنه إذا كانت هذه األحكام الخاصة بتشديد المسؤولية سواء التعاقدية أو‬
‫التقصيرية يمكن االتفاق عليها‪ ،‬إال أن شرط اإلعفاء أو التخفيف منها ال مجال له في أطار المسؤولية‬
‫التقصيرية‪.‬‬
‫اإلعفاء أو التخفيف من المسؤولية التعاقدية‪.‬‬
‫يعد الشرط المعفي من المسؤولية التعاقدية هو ذلك الشرط الذي ترفع بموجبه مسؤولية المدين‪،‬‬
‫وقـد عـرفه أحـد الفقه بأنه‪" :‬االتفاق على إعفاء المدين من التزامه بالتعويض عن الفعل الضار ومنع‬
‫مطالبته بالتعويض الذي تقضي به القواعد العامة "‪.‬‬
‫والقاعدة العامة عندغالبية الفقه تقضي بجواز االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية التعاقدية‪،‬‬
‫ويرجعون ذلك إلى كون هذه المسؤولية منشأها العقد‪ ،‬وأن العقد وليد إرادة المتعاقدين‪ ،‬فالرضا الصحيح‬
‫لألطراف المتعاقدة هو أساس المسؤولية التعاقدية‪ ،‬ومادامت اإلرادة هي المنشئة لقواعد هذه المسؤولية‪،‬‬
‫فيمكن لألطراف أن تعدلها فيحدود ما يسمح به النظام العام والقانون ‪.‬‬
‫وبذلك فالمشرع المغربي منع إبعاد أو التخفيف من المسؤولية إذا كانت تخالف أحكام الفصلين‬
‫‪ 749‬و ‪ 750‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬وهذا ما أكد عليه الفصل ‪ 751‬منه الذي نص على أن كل‬
‫" كل االشتراطات أو االتفاقات التي تستهدف تخفيف أو إبعاد المسؤولية المقررة بمقتضى الفصلين ‪749‬‬
‫و‪ 750‬على عاتق المخدومين أو أرباب األعمال تقع عديمة األثر‪." .‬‬

‫]‪[Texte‬‬
‫محاضرات وحدة المسؤولية المدنية ‪ -‬ذ‪.‬المصطفى طايل‬

‫و لإلشارة فإن اإلعفاء من االلتزام‪ ،‬يرافقه غالبا نقل االلتزام على عاتق المتعاقد اآلخر‪ ،‬بحيث أذا‬
‫تم االتفاق على تحمله لاللتزام فال نكون أمام إعفاء من المسؤولية‪ ،‬بل نكون أمام التزام متفق على تحميله‬
‫لذمة الطرف اآلخر‪ ،‬فهذا األخير يمكنه في هذه الحالة أن يشترط إعفاءه من المسؤولية وليس العكس‪ ،‬و‬
‫هذا اإلعفاء جائز مادام ليس هناك غش أو خطأالجسيم من لدن المدين‪.‬‬
‫ولإلعفاء من المسؤولية التعاقدية يتعين توافر ثالثة شروط كما أكد على ذلك أغلب الفقه ‪ ،‬ويتعلق‬
‫أولها بضرورة تحقق العلم التام بمضمون الشرط المتعلق باإلعفاء من لدن الدائن‪ ،‬ثم ثانيها بأن يكون‬
‫المدين غير عالم بوجود مخاطر موجبة للضمان والمسؤولية‪ ،‬ثم ثالثها أن يكون الشرط المعفي من‬
‫المسؤولية ال يمس بالصحة العامة للمواطنين‪ ،‬وذلك ما أكد عليه المشرع المغربي في الفصل ‪13 -106‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود الذي نص على أنه ‪ ":‬تطبيقا ألحكام هذا الباب‪ ،‬تعتبر باطلة كل‬
‫الشروط المحددة أو الملغية أو المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط‬
‫اإلعفاء منها‪." .‬‬
‫أما االتفاق على التخفيف من المسؤولية التعاقدية فيرمي إلى جعل مسؤولية المدين مخففة وقد‬
‫عرفه احد الباحثين بأنه‪" :‬االتفاق على إنقاص مدى التعويض"‪.‬‬
‫في حين اتجه آخرون إلى تعريف شرط التخفيف من المسؤولية بذلك الشرط الذي بمقتضاه‬
‫"يخفض التعويض عن قدر الضرر الذي يستوجبه‪ ،‬أو تنقص المـدة التـي فـي أثنائهـا يجـوز رفـع دعـوى‬
‫المسؤولية"‪ ،‬إلى أن التخفيض في التعويض‪ ،‬وإن كان يؤدي إلى تخفيف من المسؤولية كمآل نهـائي‪،‬‬
‫على اعتبار انه اتفاق ال يرد على المسؤولية مباشرة‪ ،‬ال يصح القول بأنـه شـرط يعـدل فـي أحكامهـا‪،‬‬
‫فالتعويض نظام قانوني مستقل‪ ،‬فيما اتفاقات المسؤولية هي اتفاقـات تـرد علـى المسؤولية ذاتها‪ ،‬إذ يكون‬
‫المدين مسؤوال إذا تحققت أركان تلك المسؤولية‪ ،‬لـيس بموجـب القواعد القانونية بل بموجب العقد‪ ،‬أما‬
‫في ما يخص االتفاق على مدة أقل من المدة التي حددها القـانون‪ ،‬فاألصل أن يجيز القانون االتفاق على‬
‫مدة أقل بنص خـاص‪ ،‬ألن القاعدة تقضي بأن قواعد التقادم من النظام العام‪ .‬وبذلك فالشرط المخفف في‬
‫المسؤولية التعاقدية هو عبارة عن بند في عقد‪ ،‬أو اتفاق مستقل‪ ،‬تخفف بموجبه مسؤولية المدين‪ ،‬وذلك‬
‫بحصرها فـي جـزء مـن المسؤولية‪ ،‬أو بالتخفيف في تقييم سلوك المدين بحيث ال يكون مطالبا بالعناية‬
‫التي يفرضها القواعد القانونية‪ ،‬وإنما بالعناية التي نص عليهـا العقد‪ ،‬وهي أقل مما تتطلبه هذه القواعد‪.‬‬

‫]‪[Texte‬‬

You might also like