You are on page 1of 49

‫‪.

‬‬
‫‪.‬‬

‫القضاء يف خدمة املواطن‬‫‪.‬‬

‫ودور كتابة الضبط‬


‫‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫معر املوريف‬
‫منتدب قضايئ مبحمكة ا إلس تئناف بورزازات‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫إىل روح أستاذنا إبراهيم فيلولي‪...‬‬

‫رئيس مصلحة كتابة الضبط مبحمةة اسإستناا بوراااا‬


‫سابقا‪..‬‬
‫الذي كلفين بإجناا هذا العرض‪..‬لمن شاء األقددر أ‬
‫ياتقل إىل جوار ربه قبل مااقشته‪..‬‬

‫‪2‬‬
‫‪:‬‬
‫‪.‬‬

‫ال شك أن القفزة النوعية التي تعرفها الدولة املغربية منذ إعتالء جاللة امللك محمد‬
‫السادس لسدة العرش قد أدخلت كل مكونات اململكة في خضم النهض ـ ــة و التقدم‪،‬هذا‬
‫ألاخير الذي عرف مسارا جديد بصدور الدستور الجديد املصـ ــوت عليه في استفتاء الفاتح‬
‫من يوليو من سنة ‪ 1122‬و الذي إختار من خالل ـ ـ ــه املغاربة مسايرة الربيع العربي‪ ,‬لكن‬
‫بخصوصية مغربية قحة من جهة‪،‬و مواكبا للتطورات التي تعرفها الساحة العاملية من‬
‫جهة أخرى‪ .‬و كطفرة نحو تحقي ـ ــق الرقي باإلنسان في كافة املجاالت ما دام أن ألاخير يعتبر‬
‫العنصر الهدف في ك ــل مشروع إجتماعي أو إقتصادي أو سياس ي‪.‬‬
‫و تظل املؤسسة القضائية من بين املؤسسات التي حظيت باألولوية سواء مـن طرف‬
‫عاهل البالد‪ ،‬أو الحكومة‪،‬أو القوى السياسية‪،‬أو مختلف مكونات املجتم ــع املدني ‪ .‬ذلك‬
‫ألن القضاء(‪ )2‬يعد الركيزة التي إن صلحت معها الدولة ما دام أنة يسعى إلى تقوية دور‬
‫املؤسسات و سيادة القانون‪،‬وتحص ــين املجتم ـ ـ ــع ‪ ،‬و تعزيز ألامن و الطمأنينة ‪ ،‬وتشجيع‬
‫إلاستثمارو دعم التنمي ـ ـ ـ ــة الشام ـ ــلة و املستدامة‪.‬‬
‫وقد عرفت املؤسسة القضائية كغيرها من املؤسسات ألاخرى مجموعة من إلاصالحات‬
‫لتفعيل الدور املنوط بها ‪،‬هذا إلاصالح الذي أعطاه جاللة املـ ـ ـ ــلك مفهوما جديدا من خالل‬
‫خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لسنــة ‪ 1121‬و املتمثل في " القضاء‬
‫في خدمة املواطن " و ذلك إيمانا منه باملزاي ــا و الضمانات التي يحمله هذا املشروع‬
‫إلاصالحي الساعي إلى الرقي بالـ ـ ــعالقة القائمة بين املؤسسة القضائية و العاملين بها من‬
‫ناحية‪ ،‬وبين هؤالء و ع ــموم املواطنين من ناحية ثانية‪ ،‬بل ويظل املواطن العنصر ألاهم في‬
‫هذه العالقة‪.‬‬
‫و تكريسا ملسلسل إلاصالح فقد عمد املشرع إلى تبني مجموعة م ـ ـ ــن التعديالت في‬
‫املنظومة القانونية مسايرة للتطورات و املتغيرات ال ـ ـ ــتي يعرفها املجتمع‪،‬أهمها التعديالت‬
‫التي طالت التنظيم القضائي للمملكة سيما ما بات يصطلح عليه ب" قضاء القرب "‬
‫والذي يظل في نظرنا الشخ ــص ي من الوسائل التي ستعطي املعنى الحقيقي ملفهوم القضاء‬
‫في خدمة املواطن على أرض الواقع‪.‬‬
‫و ال أحد يجادل اليوم أو ينازع في الدور الفعال و الحيوي الذي تضطلع به هيئة كتابة‬
‫الضبط (‪ )1‬داخل املنظومة القضائية‪،‬حيث أصبح إلاعتراف به ــذه الحقيقة من البديهيات‬
‫التي تفرض نفسها على كل متعامل مع املحاكم‪ ،‬فه ــي ليست بمؤسسة حديثة وال دخيلة‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬

‫على النظام القضائي املغربي إذ أننا نج ــد لها جذورا في النظام القضائي إلاسالمي الذي ال‬
‫يستكمل كل مقوم ـ ـ ــاته إال بحضور الكتاب الذين يكتبون ما جرى بين الخصوم‪،‬و تدوين‬
‫ما توجب ل ــهم من حقوق و ما يتحملونهم من التزامات‪.‬‬
‫و ال مبالغة إن سايرنا القائلين بأن كتابة الضبط هي ال ـ ـ ــعمود الف ــقري للمحكمة و قلبها‬
‫النابض (‪ )3‬مادام القضاء ال يستطيع القيام بدوره علـ ــى أتم وجه و تأدية الرسالة املنوطة‬
‫به من دون هذا الجهاز املهم‪ ،‬فكتابة الــضبط تتدخل في العمل القضائي في كافة النواحي‬
‫و املراحل بدءا بمرحلة إعـ ــداد القضايا‪ ،‬مرورا بمرحة مواكبتها أثناء سيريانها أمام املحكمة‬
‫‪ ،‬ليمتد الـدور إلى ما بعد صدور ألاحكام أي مرحلة التنفيذ‪.‬‬
‫كما أن هذه ألاهمية تظهر جليا في كون هيئة كتابة الضبط هي الواجـ ــهة ألامامية‬
‫للعالقة الرابطة بين املح ــاكم و الوافدين عليه ــا و ما يعني ــه ذلك التفاعالت و إلانفعاالت‬
‫التواصلية بكل مكوناتها‪.‬‬
‫و لكون هذه الهيئة تعد من ألاوراش املعنية باإلصالح نهوضـ ــا ب ـ ــدور القضاء من جهة‪ ،‬و‬
‫نظرا ملا تحظى به كتابة الضبط داخل أسرة الـ ـ ــعدالة‬
‫لدرجة أن جاللة امللك ربط بين النهوض بأوضاعها و إصالح القط ــاع وذلك بوضع نظام‬
‫أساس ي محصن و محفز خاص بها (‪ )4‬من جهة ثانية‪ .‬فسنعم ــل على الحديث عن هذا‬
‫الجهاز و دوره في تفعيل مبدأ " القضاء في خـ ـ ـدمة املواطن " من خالل إعطاء بعض‬
‫املقترحات العملية املس ـ ــاعدة في ذلك‪ ،‬لكن قبل التطرق لهذه النقطة سنسلط الضوء‬
‫أوال عل ـ ــى املسيـ ـ ـ ـ ــرة‬
‫إلاصالحية التي عرفها قطاع العدل‪ ،‬كنقطة بداية ملشروع إلاصالح بمفهومه الجديد‪،‬ثم‬
‫بعدها نتطرق للحديث عن مؤسسة قضاء القرب‬
‫كنموذج تطبيقي لقضاء في خدمة املواطنين ‪،‬وكذا مكانة السلطة القضائية ضمن‬
‫الدستور الجديد للمملكة‪.‬‬
‫و عليه سنتناول هذا املوضوع من خالل فصلين أساسين كالتالي ‪:‬‬
‫القضاء في خدمة المواطن‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫دور كتابة الضبط في تفعيل المبدأ‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬‬

‫الفصل األول‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬‬
‫إملاما بهذا الفصل من كل النواحي سنتناوله من خالل مباحث أربع ـ ــة نخصص ألاول‬
‫للحديث عن مشروع إلاصالح القضائي كنقطة البدايـ ـ ــة‪ ،‬و الثاني للمفهوم الجديد إلصالح‬
‫القضاء‪،‬بينما نتطرق في املبحث الثال ــث إلى قضاء القرب‪ ،‬و أخيرا إلاشارة إلى أهم‬
‫املستجدات التي أتى به ـ ـ ــا الدستور الجديد للمؤسسة القضائية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مشروع اإلصالح القضائي‬

‫يعتبر إصالح القضاء من ألامور و القضايا التي أسالت العديد من ألاقالم املهتمة بالشأن‬
‫القضائي باململكة‪ ،‬و من مواضيع الساعة التي ما فتئت كل الفعاليات الحقوقية و‬
‫السياسية و الفكرية تدعوا إليه ملا يحظى به القضــاء من أهمية قصوى تتجلى في كونه‬
‫يعد من الدعامات ألاساسية لدولة الــحق و القانون‪،‬و ترسيخ قيم حقوق إلانسان كما هي‬
‫متعارف عليها دوليا‪ .‬كم ــا أن الصرح الديموقراطي في الدول ـ ــة يستوج ـ ــب وجود عـ ــدالة‬
‫متميزة باإلستقاللية و النزاهة و الحياد حتى تستطيع فض كل النزاعات و الخالفات القائمة‬
‫بين ألافراد و الجماعات و الدولة إحقاقا للحق و رفعا للظلم و إرجاع املظالم إلى أهلها‪،‬ألن‬
‫الهدف من كل ذلك هو إنجاح ألاوراش إلاجتمـ ــاعية و إلاقتصادية و السياسية و املدنية‬
‫للدولة‪.‬‬
‫و من أجل الوصول إلى إصالح قضائي شامل و حقيقي فقد اتفق أغل ــب املهتمين على‬
‫نقاط أساسية يجب تحقيقها حتى يمكن الوصول ما أمـ ــكن للهدف املنشود من املشروع‬
‫إلاصالحي و التي يمكن أن نلخصها ف ـ ــي النقاط العريضة التالية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إستقالل القضاء‬


‫يعد موضوع إستقالل القضاء أهم املواضيع التي حظيت بإجماع الك ـ ـ ــل باعتباره الشق‬
‫املختزل ملضمون إلاصالح‪،‬ونعتقد جازمين أن الغاية م ـ ــن‬
‫تبني املشروع إلاصالحي للقضاء إنما يهدف بالدرجة ألاولى إلى تحقيـ ـ ــق إلاستقاللية أوال‬
‫وأخيرا لهذه املؤسسة الحيوية في كيان الدولة‪.‬‬
‫و لقد تعددت ألاطروحات و وجهات النظر التي سعى من خاللها أصحابه ــا إلى إعطاء‬
‫السبل و املقترحات للوصول إلى هذه إلامكانية فتم ال ــتركيز أوال على مؤسسة املجلس ألاعلى‬
‫للقضاء حيث رفعت ألاصوات من أجل إعــادة النظر في تأليفه و ما أثاره ذلك من جدل‬
‫‪6‬‬
‫‪.‬‬

‫واسع‪،‬فإن كانت رئاسة املجـ ــلس املوكولة للملك ال تثير أية إشكالية كما هو الحال بالنسبة‬
‫ملختلف الدول‪ .‬فإن عكس ذلك يحصل حين الحديث عن وزير العدل بصفته عضوا في‬
‫السلطة التنفيذية‪،‬والحال أن من الضمانات ألاساسية إلستقالل القضاء تتمثل ف ـ ـ ــي‬
‫الفصل بين السلطة القضائية و السلطتين التشريعية و التنفيذية ‪ .‬و بالتالـ ــي و جب إسناد‬
‫النيابة عن السلطة الدستورية ألاولى التي هي امللك للقض ـ ــاة أنفسهم‪.‬‬
‫كما أن إلاستقاللية قد ربطها البعض(‪ )2‬بسلوك القاض ي و شخصيته‪،‬و اعتبر‬
‫أن النصوص القانونية تبقى غير ذي أهمية إن كان القاض ي الـ ــذي سـ ــوف يطبقها غير أهل‬
‫لذلك‪.‬أي أن صفات القاض ي الشخصية هي الـ ــتي ت ـ ــحقق الاستقالل للقضاء قبل‬
‫النصوص الدستورية و القانونية‪.‬‬
‫و في هذا إلاطار فنحن نشاطر – و بكل إلحاح ‪ -‬رأي القائلين بض ـ ـ ــرورة إلالتفات للحالة‬
‫املادية و إلاجتماعية للسادة القضاة‪،‬ألن عجز الـ ــقاض ي عن‬
‫تلبية حاجياته و حاجيات أسرته اليومية قد يجعل مناعته تض ــعف ض ـ ـ ــد إلاغراءات و‬
‫املؤثرات‪،‬و بالتالي املساس باستقالليته و استقاللية القض ــاء ككل‪.‬‬
‫إجماال فاستقالل السلطة القضائية إن توفرت فنتائج ذلك ستترجم إلى ضمان إلاستقرار‬
‫السياس ي و الرقي بالعدالة التي تعتبر العنصر الحاسم في تن ـ ــمية إقتصاديات قوية و منيعة و‬
‫مشجعة لإلستثمارات الوطنية و ألاجنبية‪،‬و دفعــا بعجلة النمو إلاقتصادي و التطور‬
‫إلاجتماعي و السياس ي للبالد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الترسانة القانونية‬


‫لقد أصبح تعديل القواعد القانونية أمرا حتميا حتى تكون أكثر انسجام ــا و متطلبات‬
‫العصر و مالئمتها للمواثيق و إلاعالنات الدولية املتعلق ـ ـ ــة بحقوق إلانسان‪،‬و يعد الدستور‬
‫امل ـ ــغربي من املواد(‪ )1‬التي حظيـ ـ ــت باألولوية باعتباره أسمى قانون ف ــي ال ـ ــدولة ‪ .‬فتعديله‬
‫وفق ما ي ــخدم املصلحة القضائية سيكون الخطوة الحاسمة ن ـ ــحو تح ــقيق إلاصــالح‬
‫املنشود‪،‬و من بين ما تمت الدعوة إليه في هذا إلاطار التنصيص صراح ــة على السلطة‬
‫القضائية كسلطة مستقلة ‪،‬و تعميم الحماية من العزل و النــقل إال بمقتض ى القانون‬
‫ليشمل القضائيين الواقف (النيابة العامة) و الجال ــس و استبعاد وزير العدل من تشكيلة‬
‫املجلس ألاعلى للقضاء مع تمتيع ألاخير باستقالل مالي و إداري‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تقوية دور المفتشية العامة لوزارة العدل‬


‫و ذلك بتمكينها من كافة آليات التفتيش القضائي و تعزيز دورها الريادي في النهوض‬
‫بقطاع العدل ‪،‬و نشر تقاريرها السنوية مع جعلها محطة للنق ــاش و الحوار البنائين من‬
‫طرف كافة املعنيين للوصول إلى الحلول البديل ـ ـ ــة ألي معيقات قد توجد في سبيل املشوار‬
‫إلاصالحي‪ ،‬و ألجل تشجيع محاكم اململكة و الدفع بها نحو البحث و إلابتكار من خالل‬
‫التعريف بمجهوداتها و مكاف ـ ــأة ألافضل فيها‪،‬مع نشر ذلك بغية خلق جو من املنافسة‬
‫الشريفة فيما بينها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الطاقات البشرية‬


‫باإلضافة إلى ما قلناه بخصوص ضرورة تحسين املستوى امل ـ ـ ـ ــادي للقضاة‪،‬نودي بتمتيع‬
‫هؤالء بضمانات أساسية أخرى تتجلى في من ـ ــحهم ال ــحق في التعبير و إلاجتماع و تأســيس‬
‫الجمعيات‪،‬مع املوازاة مع إصالح الهيئة ألاخرى التي ال تقل أهمية و بذات الوسيلــة و التي‬
‫هي هيئـ ــة كتابة الضبط ‪.‬دون التغاض ي بطبيعة الحال عن باقي أفراد أسرة الع ـ ــدال ـ ـ ـ ــة‬
‫كالسادة املحامين و ال ــعدول و ال ـ ــمفوضين القض ــائيين و املوثقين‪...‬مع إدخ ــال الـ ــكل في‬
‫ورشات ال ـ ــدورات التكوينية ألاساسية و املستمرة بما يكفل تط ـ ــوير القدرات املهنية لهم و‬
‫جعل ـ ــها مواكبة لكافة املستج ـ ــدات و التطورات الوطنية و العاملية‪،‬مع إلانفتاح على‬
‫التجارب الناجحة لل ـ ــدول الرائدة في هذا املجال‪.‬‬
‫وخالصة القول فسيادة العدل و حماية الحقوق و الحريات و تحقيق التنمية و‬
‫الديموقراطية يتطلب شروطا أساسية تتمل في استقالل السلطة القضائية و حيادها‪ ،‬و‬
‫نزاهة واستقامة قضاتها‪،‬وذلك لن يتأتى تحت ظل أنظمة تفرض خضوع القضاة لسلطتها‬
‫السياسية‪،‬و من تم فإنه ال يمكن فصل الديموقراطية عن القضاء‪،‬كما ال يمكن فصل نمو‬
‫إلاستثمارات و تحقيق التنمية عن استقالل السلطة القضائية(‪.)3‬‬

‫‪8‬‬
‫‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المفهوم الجديد إلصالح القضاء‬

‫يحتل قطاع العدل مكانة خاصة لدى جاللة امللك الذي يول ـ ـ ــيه عنايته السامية‪،‬و أكد‬
‫جاللته مرارا عزمه على مواصلة إصالح القضاء ليستجيب ملتطلبات العدل و التنمية‬
‫باعتبار أن دولة الحق و املؤسسات ال يم ـ ــكن ترسيخ دعائمها و تقوية أسسها إال بوجود‬
‫قضاء عادل و نزيه يق ـ ـ ــوم بالدور املنوط به على أحسن وجه‪.‬‬
‫و نظرا ملا يكتنف مفهوم العدالة م ـ ــن غموض‪،‬إذ تض ــاربت آلاراء و ألاطروحات و وجهات‬
‫النظر بخصوصه‪،‬حيث أعطاها البعض بعدا سياسيا تهدف إلى حماية الحريات السياسية‬
‫و الحقوق الطبيعية‪ .‬بينما أعط ـ ــاها البعض آلاخر بعدا إقتصاديا باعتبارها تسعى إلى‬
‫التوزيع العـ ـ ـ ـ ـ ــادل للثروات‪،‬في حين ربطها آخرون بالدور الذي تقوم به في محاربة الجريمة و‬
‫حماية املجتمع‪.‬‬
‫و في خضم هذا الزخم من التعريفات املتنوعة للعدالة‪،‬قدم جاللة امللك إقتراحا آخر و‬
‫مفهوما جديدا للعدالة‪،‬هذا املفهوم الذي لم يأتي من فــراغ أو عدم‪ ،‬وإنما كمرحلة متقدمة‬
‫و ناضجة ملسلسل إصالحي نهجته البــالد بطريقة جديدة و جدية منذ إعتالء جاللة امللك‬
‫لعرش أسالفه امليامي ـ ــن‪.‬‬
‫و قد كشف جاللته عن هذا املفهوم في خطابه السامي بمناسبة افتت ــاح الدورة ألاولى من‬
‫السنة الرابعة من الوالية التشريعية الثامنة و الذي هــو " القضاء في خدمة املواطن "‪.‬‬
‫حيث أوضح جاللته بهذا الخصوص أنه << و على غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة‬
‫الهادف لحسن تدبيـ ـ ــر الشأن العام فقد قررنا أن نؤسس ملفهوم جديد إلصالح العدالة أال‬
‫و هـ ــو "القضاء في خدمة املواطن">>‬

‫كما أكد أن السلطة القضائية بقدر ما هي مستقل ــة عـ ــن الجه ـ ــازين التشريعي و التنفيذي‬
‫‪،‬فإنها جزئ ال يتجزأ من سلطة اململكة‪،‬وسي ـ ــادة قوانينها‪،‬و حماية حقوق التزامات‬
‫املواطنة‪.‬‬
‫و ألح جاللة امللك في هذا الصدد على << أن حسن تنفيذ مخططنـ ـ ــا لإلصالح العميق و‬
‫الشامل ملنظومة العدالة‪،‬ال ينحصر فقط في عم ـ ـ ــل الحكومة و البرملان ‪ ،‬إنما هو‬
‫رهين‪،‬أساسا ‪،‬باألداء املسؤول للقضاة >>‬

‫‪9‬‬
‫‪.‬‬

‫كما أضاف أنه << تجسيدا لعزمنا الراسخ على توطيد سلطة الدولة علــى دعائم سيادة‬
‫القانون‪،‬وسمو القضاء الفعال‪،‬فإننا نؤكد على أن املفهـ ــوم الجديد للسلطة الذي أطلقناه‬
‫في خطابنا املؤسس له بالدار البيضاء فـ ــي أكتوبر ‪ 2111‬يظل ساري املفعول >>‬

‫و في ذات السياق قال وزير العدل السيد محمد الطيب الناصري يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1121‬أن‬
‫مفهوم القضاء في خدمة املواطن الذي أعلن عن ـ ــه جاللة امللك محمد السادس يكرس في‬
‫الواقع البعد إلاجتماعي للقض ـ ــاء باعتباره الساهر على سيادة القانون و الضامن لحماية‬
‫حقوق و التزامات املواطنة‪،‬و كذا العامل الفعال لإلسهام في تحقيق التنمية‪.‬‬
‫كما أوضح السيد وزير العدل في كلمة ألقاها بمناسبة التوقيع علـ ـ ــى إتفاقية ثالثية‬
‫ألاطراف(‪ )4‬تتعلق ب"برنامج دعم تطبيق مدونة ألاسرة من خالل تطوير ولوج النساء إلى‬
‫خدمات العدالة" أنه تنفيذا للتوجيهـ ـ ــات امللكية السامية فإن مفهوم "القضاء في خدمة‬
‫املواطن" هو منط ـ ــلق برنامجنا و عليه تتمحور مخططاتنا‪ ،‬و إليه ترمي أهدافنا ‪،‬و نعمل‬
‫ف ـ ــي وزارة العدل على تحقيقه على أرض الواقع من خالل إجراءات ملموس ــة‪ ،‬و خطط‬
‫مضبوطة‪.‬مضيفا أن الخطاب امللكي السامي املذكور يشكل دفع ــة قوية ‪،‬جديدة إلصالح‬
‫العدالة ينضاف إلى توجيهات جاللـ ــته املتعلق ـ ــة باإلصالح الشامل و العميق ملنظومة‬
‫العدالة الذي أعلن عنه في الخطاب التاريخي ليوم ‪ 11‬غشت ‪1111‬‬
‫و في ذات املنحى صرحت السيدة نزهة الصقلـ ــي وزيرة التنميـ ـ ـ ــة إلاجتماعية و ألاسرة و‬
‫التضامن بمناسبة التوقيع على إلاتفاقي ـ ـ ــة املذكورة بأن مفهوم القضاء في خدمة‬
‫املواطن الذي أعلنه جاللة املـلك يعتبر إشارة قوية لألهمية القصوى التي تكتسيها العدالة‬
‫في مسار بن ــاء دولة الحق و القانون ‪،‬مضيفة أن املفهوم الجديد هذا يساهم في تعزيـ ــز‬
‫مشروع بناء مجتمع حداثي و ديموقراطي‪،‬و تقوية دينامية إحترام حق ـ ــوق إلانسان‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى الخطاب امللكي املؤسس للمفهوم الجديد إلص ـ ـ ــالح القضاء سنجده يؤسس‬
‫هذا املفهوم على مرتكزات و دعائم أساسية تشكل ألاهداف املتوخاة من تبنيه‪ .‬و التي‬
‫إعتبرها ألاستاذ سعيد بورمان(‪ )5‬قــد جاءت لتحل محل ممارسات سلبية كانت سائدة‪،‬في‬
‫محاولة لتجاوز الواقع الذي نعيشه و تعقيداته‪.‬‬
‫هذه ألاهداف التي حددها جاللته حين قال بأن الهدف املتوخى من جعــل‬
‫القضاء في خدمة املواطن هو << قيام عدالة متميزة بقربها مـ ـ ـ ــن املتقاضين‪،‬و ببساطة‬
‫مساطرها و سرعتها‪،‬ونزاهة أحكامها ‪،‬و حداثة هياكلها‪،‬و كفاءة و تجرد قضاتها‪،‬و تحفيزها‬
‫للتنمية‪،‬و التزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع املظالم >>‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪.‬‬

‫و إغناء لهذا لفصل سنتناول هذه ألاهداف املسطرة أعاله بنوع من التفصيل مخصصين‬
‫لكل هدف مطلبا منفردا‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عدالة قريبة من المتقاضين‬


‫إن الحديث عن عدالة متميزة بقربها من املتقاضين ال يعني فقط إعطائها أبعادا مكانية‬
‫محضة فحسب‪،‬أي جعل العدالة ‪-‬كمؤسسة‪ -‬قريبة من التجمع السكني للمواطنين تيسيرا‬
‫لهم للول ــوج لخدماتها‪،‬و رفع العسر و املشقـة التي يتسبب فيه بعد املحاكم عنهم‪.‬‬
‫فباإلضافة لهذه القيمة املضافة التي أتى بها املشرع مؤخ ـ ـ ـ ـرا(‪ )6‬و ما تحمله من مزايا‬
‫تقريب إلادارة من املواطنين‪ ،‬فقرب العدالة املنصوص عليها في الخطاب امللكي السامي‬
‫تعني كذلك –و بالضرورة‪ -‬تعزيز مكانة املواطن و الرفع من قيمته‪ ،‬و إلايمان بأنه العنصر‬
‫الهدف من إنشاء هــذه املؤسسات‪،‬و املستحق من الخدمات أجودها وأرقاها‪ .‬و ألجله يجـ ــب‬
‫أن ينبني ذلك لدى مقدم الخدمة هاته على واجب منهي قائم على النظـ ـ ـ ــم و القوانين‪،‬و‬
‫على واجب أخالقي مبعثه الشرف و الضمير‪.‬و لـ ـ ــيس أن يعتب ــر واجبه هذا صدقة يجود بها‬
‫على من يشاء‪،‬و يحرمها ممن يشــاء‪ ،‬و كأن ــه السيد و املواطن ليس إال مجرد عبد !!‬
‫و بالتالي وجب نهج حسن إلاستماع لهؤالء املواطنين‪ ،‬و تعريفـ ـه ــم بمختلف الخدمات‬
‫املتوفرة‪،‬و إرشادهم نحو قضاء مآربهم بمرون ـ ـ ــة ويسر(‪)7‬‬

‫كما يجب من ناحية أخرى إعادة النظر في بعض املهام وذلك بتقليــص عدد املتدخلين في‬
‫القضية الواحدة‪،‬إذ ال يعقل تدخل عدة أشخاص ف ـ ــي قضية قد يكفي فيها شخصين على‬
‫ألاكثر‪.‬‬
‫وألاخذ بما سلف ال ينبغي له أن يكون موسميا أو مؤقتا(‪ ، )8‬وإنم ـ ــا أن يظل مستمرا و‬
‫قائما‪ ،‬بل و أن يعتبر منهجا عمليا‪،‬و نظاما واجب التطبيق يحمل على ذات ألاساليب التي‬
‫تصرف به ألاشغال اليومية‪.‬‬
‫و تجدر إلاشارة إلى أن و وزارة العدل قد اتخذت قرار إحالة ملفـ ـ ــات ألارشيف بمحاكم‬
‫اململكة إلى املراكز الجهوية للحفظ‪،‬فعلى مستـ ـ ـ ــوى الدائرة القضائية إلستئنافية ورزازات‬
‫فاألعمال جارية من أجل إحال ـ ـ ــة ملفات ألارشيف إلى املركز الجهوي مراكش‪-‬أكادير‬
‫املتواجد بمدينـ ـ ــة مراكش‪.‬و ما يثيره ذلك من تخوفات لدى املواطنين قاطني هذه ال ـ ــدائرة‬
‫القضائية‪،‬إذ تطرح عدة تساؤالت حول الكيفية و املدة الزمنية الت ـ ـ ــي ستحال بها و فيها‬
‫‪11‬‬
‫‪.‬‬

‫امللفات املطلوبة من طرف املحكمة لضرورياتها أو الرتباطها بملفات رائجة كملفات الغرفة‬
‫املتعلقة بإدماج العقوبات ال ـ ــتي تتطلب توفر امللفين موضوع العقوبتين املطلوب إدماجهما‬
‫حيث ن ـ ــرى املحكمة تطلب ضم امللفين للبث في الطلب‪.‬وكل ذلك و ما يثيره من إشكال‬
‫إستجابة املركز لطلبات إرسال امللفات بالسرعة املطلوبة‪،‬والحال أن ـ ــه يستقبل ملفات ثالث‬
‫دوائر قضائية!؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عدالة ذات مساطر بسيطة و سريعة‬

‫لقد أمست بساطة املساطر القضائية ضرورة ملحة حتى يكون باإلمكــان الدفع بعجلة‬
‫الفصل في القضايا املطروحة على املحاكم نحو السرعـ ـ ــة املطلوبة‪،‬إذ أن بساطة املساطر و‬
‫السرعة في البث في النزاعات القائمة أمران متالزمان‪.‬‬
‫و لن تتمتع املساطر القضائية بالبساطة إال حين يتم التقلي ـ ــل م ـ ـ ــن التعقيدات الشكلية‬
‫التي يعتمد عليها في كثير من ألاحيان على حسـ ـ ــاب املضمون الذي يكون سليما‪،‬فبعض‬
‫هذه الجزئيات الشكلية قد تجعل م ــن املواطن يعود إلى النقطة الصفر ليبدأ مشواره من‬
‫جديد و الت ـ ــخوف ال يزال ينتابه إن كان قد صادف صواب إلاجراءات الشكلية‪،‬أم أنه‬
‫سيسقط‬
‫في براثين إلاغفال من جديد!!‬
‫و قد نصادف نوعا آخر من التعقيدات حين نجد أن توقيع وثيقة كشــهادة التسليم من‬
‫لدن شخص بعينه دون غيره إن تم التسليم مثال داخل ج ــدران املحكمة الواحدة‪.‬أو رفض‬
‫أحد املوظفين تلقي تصريح بالت ـ ـ ــعرض أو إلاستئناف أو النقض بذريعة أن زميله بذات‬
‫املكتب فالن هو املك ـ ـ ــلف بذلك! مع أن الصالحية قد تمنح لكليهما ما داما يتمتعان بصفة‬
‫كات ـ ـ ــب الضبط(‪.)1‬‬
‫و يرى ذ‪ /‬سعيد بورمان بهذا الخصوص في املجلس ألاعلى (محكم ـ ــة النقض حاليا) مثال‬
‫في تعقيدات وشكليات عريضة النقض ‪،‬مما يستوج ــب معه ضرورة خلق ثقافة قضائية‬
‫جديدة تعتمد على بساطة املساطر‪ ،‬وذلك بجرد جوانب التعقيد سواء فيما يخص‬
‫اللوجيستيك هل هو يستجيـ ـ ـ ــب للغرض الذي وجد من أجله‪ ،‬أو الوثائق واملطبوعات من‬
‫حيت الشكـ ـ ــل واملضمون‪،‬ثم بعد ذلك الكشف عن املساطر املعقدة لنصل إلى التحليـ ــل‬
‫باعتماد أفكار مالئمة مع تيهئ البدائل والحلول أكثر فاعلية‪ ،‬وتحدي ـ ــد كيفية التتبع واملراقبة‬
‫وإدخال التصحيحات ومن سيقوم به ــا‪ ،‬وك ــل ذلك بهدف تيسير الحياة اليومية للمواطنين‬
‫‪12‬‬
‫‪.‬‬

‫وتحسين عالقتهم مع القضاء م ــن جهة‪ ،‬وتسهيل نشاط املقاولة وتمكينها مــن املشاركة في‬
‫التنمي ـ ـ ـ ــة الاقتصادية من جهة أخرى‪ ،‬ألن تعقيد املساطر وإلاجراءات الطويلـ ـ ــة واملتشعبة‬
‫وآلاجال املمتدة تنشأ عنه حاالت تنازعية بين القض ـ ـ ـ ــاء واملواطنين وتكثر الشكايات‬
‫والاحتجاجات والبحث عن البدائل‪ ،‬وبالت ــالي عرقلة نمو املقاولة وضعف إلانتاجية(‪.)21‬‬
‫و على غرار الحديث عن بساطة املساطر القضائية‪،‬نقول أن السرعـ ــة هي ألاخرى متطلبة‬
‫في كافة مراحل الدعوى حتى نتمكن من إيص ـ ـ ـ ــال الحقوق لذويها في الوقت املناسب من‬
‫جهة‪،‬ولتدعيم أسس ثقة هؤالء في الجسم القضائي من جهة ثانية‪،‬ألنه ليس من إلانصاف‬
‫أن يركن مسلوبــوا الحقوق إلى الصمت و إلاستسالم و التجرع من كأس الصبر على ما ضاع‬
‫منهم ملجرد يقينهم أن القضاء لن يزيد الطين إال بلة‪،‬أو أنه في أحسن ألاحوال لن يرد من‬
‫الحقوق أكثر مما ضاع منها‪.‬‬
‫فالسرعة إذن شرط أساس ي في املشروع إلاصالحي بمفهومه الج ــديد‪ ،‬والتي يجب أن‬
‫تكون بدءا بمرحلة إعداد القضايا أي عدم إهماله ـ ـ ـ ــا و التماطل في تسجيلها بالسجالت‬
‫املعدة خصيصا لذلك بغية إحالتها إل ــى أقرب جلسة مقبلة‪،‬مرورا بإجراءات التبليغ إذ‬
‫يجب إيصال إلاستدع ــاءات ألصحابها داخل آلاجال القانونية تفاديا لتأخير امللفات لذات‬
‫السبب املتمثل في إعادة إلاستدعاء لعدم التوصل كما أن املسؤولية تظل أيضا على عاتق‬
‫الخبراء ألن الفصل في العديد من القضايا يبقى رهين تقاريرهم الت ـ ـ ــي كلفتهم به املحكمة‪.‬‬
‫دون أن ننس ى طبعا دور القضاة و املستشارين في تحرير ألاحكام فـ ــي أوقاتها إذ أن نقطة‬
‫تنفيذها تبدأ لحظة كون الحكم أو القرار مح ـ ـ ـ ــررا‪ .‬و مرحلة التنفيذ تبقى أهم مرحلة‬
‫إطالقا ألن إنعدام التنفيذ أو التماطل في ــه ـ و كما قال امللك الراحل الحسن الثاني رحمة‬
‫هللا عليه ـ يجر املرء إل ــى تفكير آخر و هو إنحالل الدولة‪)22(.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عدالة ذات أحكام نزيهة‬

‫لقد سبقت إلاشارة إلى أن موضوع إستقالل السلطة القضائي ـ ــة قد إستأثرت بالقدر‬
‫الهام و ألاكبر من اهتمام املعنيين باإلصالح القض ــائي‪،‬هذه إلاستقاللية التي وإن كرسها‬
‫الدستور الجديد ضمن مواده‪،‬فإن ن ـ ـ ــزاهة ألاحكام تعد الحصن الحصين لها‪،‬والتفعيل لها‬
‫أيضا على أرض ال ـ ــواقع‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪.‬‬
‫و نزاهة ألاحكام تقتض ي من قضاة الحكم ‪،‬وهم ينظرون في القضـ ـ ــايا و الدعاوى‬
‫املعروضة أمامهم إلاعتماد على أسس واقعية متفقة مع ما هو منصوص عليه قانونا‪،‬دون‬
‫أيـة قي ـ ــود‪،‬أو ت ـ ــأثيرات‪،‬أو تهـ ــديدات‪،‬أو إغراءات‪،‬أو ضغوطات مباشرة و غير مباشرة‪.‬‬
‫و يجب أن يظل مبعث ما أشرنا إليه أعاله هو الرقابة إلالهية بال ـ ــدرجة ألاولى‪ ،‬أي الخوف‬
‫منه سبحانه و تعالى‪،‬ثم استحضار مبادئ الش ـ ـ ــرف‬
‫و الضميرين ألاخالقي و املنهي‪.‬وذلك قبل إتخاذ أي قرار من شأن ـ ـ ــه املساس و لو بجزء يسير‬
‫من حقوق املتقاضين الذين جــعلوا مصائـرهم‪ ،‬و مصائر عائالتهم بين أيديهم‪.‬‬
‫فنزاهة ألاحكام إذن تعد القلب النابض للجسم القضائي السليم‪،‬و هي الـ ــحجر ألاساس ملجتمع‬
‫ديموقراطي قائم على آليات و ضوابط قانونية معتمــدة ع ـلــى سيادة الحق و القانون‪،‬كما انها من‬
‫ألاسباب الداعية إلى قوة الدولة العصـريــة و مناعتها ‪ .‬و املساهمة بشكل فعال في التنمية و‬
‫إلازدهار‪ ،‬و تكريس ألام ــن و إلاستقرار‪،‬و تنمية و الرقي بشخصية الفرد داخل محي ــطه‬
‫إلاجـتماع ــي‪،‬ألن القضاء العادل النزيه يكفل ضمان إحترام الذات إلانسانية‪،‬وحفظ التوازن بيــن‬
‫مــخت ــلف مكونات املجتمع‪،‬كما أن القضاة النزهاء هم النبراس املض ـ ــيء أم ــام الفسـ ــاد و‬
‫املفسدين‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬عدالة ذات هياكل حديثة‬

‫لقد أراد جاللته تبسيط العالقات بين الناس واملؤسسات القضائية فــي ظــل املتغيرات‬
‫الضرورية‪ ،‬على أن تكون فاعلة ومؤثرة‪ ،‬وأراد تجاوز الــهياك ــل القضائية وتراكيبها التي حالت‬
‫حتى آلان دون قيام بناء قانوني يعزز الهياكــل القانونية ورفع مستوى ألاداء والجودة‬
‫والخدمات القانونية والقضائية‪ ،‬ورغم الترسانة القانونية فإن آليات تطبيقها غير متوفرة‬
‫بالشكل الكافي لغياب الوسائل التكنولوجية وإلالكترونية التي تساعد على تحديث العمل‬
‫الــقضائـي‪ ،‬ناهيك عن عدم وجود ألاطر املؤهلة واملتخصصة تقوم بعمليات مــدققة لهــا عالقة‬
‫بقوانين فنية وتقنية تتطلب وفرة املعلومات في مج ـ ــال الت ـج ــارة وألاعمال واملالية‬
‫والاستثمار(‪)21‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬كفاءة القضاة و تجردهم‬

‫إن الحديث عن هذا املطلب يستدعي منا التطرق إلى نقطتين أوالهما كفاءة‬
‫القضاة‪،‬و الثانية لتجردهم أثناء مزاولتهم ملهامهم‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪.‬‬

‫فبالنسبة للنقطة ألاولى‪،‬فنرى أن الكفاءة الواجب توفرها في الق ــاض ــي تستلزم أساسا‬
‫متينا يتمثل في إلانتقاء املوفق للفئة التي ستتحمل جسامــة هذه املسؤولية التي ستلقى‬
‫على عاتقهـم‪،‬و املتفهمة للرسالة التي يسـعى القضاء إلى تبيلغها‪،‬و الدور الواجب القيام به‪.‬‬
‫و في اعتقادنا املتواضع فالعمل داخل املؤسسة القضائية كقاض ل ـيــس باألمر الهين أو‬
‫اليسير‪،‬ملا يتطلبه ذلك من حنكة و تجربة ومم ــارسـ ـ ــة عملية‪،‬إلى جانب املعرفة العلمية‬
‫النظرية‪،‬و ال نظن أن السنتين ال ـتـ ـ ــي يقضيها امللحقين القضائيين ألاحرار في التمرين كافية‬
‫لجعلهم جاهزيـ ــن بالشكل الكافي لتحمل أعباء مهنتهم الجديدة‪.‬و مـ ـ ــن و جب إعادة النظر‬
‫فـ ــي هذه املدة املمنوحة لهذه الفئة‪،‬مع إعطاء الفرصة للعاملين داخ ــل الفضــاء القضائي‬
‫للولوج ملهنة القضاء بشروط تفضيلية‪ ،‬ككت ـ ـ ـ ــاب الضب ـ ـ ـ ـ ــط‪ ،‬و املحامين‪،‬و املفوضين‬
‫القضائيين‪،‬و العدول شريطة توفرهم علـ ـ ـ ــى الشواهد املطلوبة قانونا‪،‬و تجربة ميدانية ال‬
‫تقـ ـ ــل عشر سنوات(‪.)23‬‬

‫وعليه يجب إعادة النظر في القانون املنظم ملباراة امللحقين القضائيي ــن أخذا بعين‬
‫إلاعتبار ما سلف‪ ،‬إلى جانب شروطا أخرى كالسن املقترح ـ ــة و عدد املرات املسموح بها‬
‫إلجتياز هذه املباراة‪.‬‬
‫و الكفاءة تنبني على أسس و معايير يمكن إجمالها في القدرات املهنيــة و اللغوية و‬
‫التنظيمية التي يتمتع بها القاض ي ‪،‬والطريقة التي يتبعها ف ــي تصريف ألاشغال املوكولة‬
‫إليه‪،‬و كذا املدة التي تقضيها القضايا بين يديه‪.‬‬
‫ثم جودة التعليالت التي يعطيها لألحكام و القرارات التي يتخذها‪،‬و بعده ــا القدرة إلانتاجية‬
‫التي يتمتع بها مقارنة بزمالئه في العمل و ما يبذل ف ـ ــي سبيل ذلك من جهد و عطاء‪.‬‬
‫و جدير بالذكر أن السلوك الشخص ي للقاض ي‪ ،‬و انضباطه و تعامله م ــن الغير و مظهره‬
‫الخارجي (‪ )24‬كلها دعائم ال تقل أهمية‪،‬ولها أثر فعال فـ ــي‬
‫بناء شخصية القاض ي التي يجب لها‪،‬و عليها أن تفرض كل إلاحت ـ ـ ـرام و التقدير‪.‬‬
‫و لنا أيضا في املساهمات العلمية من مؤلفات و املشاركة في الن ــدوات معيارا آخر لقياس‬
‫كفاءة القضاة‪،‬و ما يساهم فيه ذلك من نشر الثق ـ ــافة القانونية بأسلوب يجمع بين‬
‫النظري و العلمي‪،‬عكس ما تقدمه لن ـ ـ ـ ــا الدراسات ألاكاديمية املحضة ـ و نحن ال ننكر أهمية‬
‫هذه الدراسـ ـ ــات ـالتي تركز على الجانب النظري و حسب‪.‬‬
‫و فيما يخص النقطة الثانية املتعلقة بالتجرد‪،‬فيمكن القول أنها تنبن ـ ــي الحياد و عدم‬
‫انحياز القاض ي و هو ينظر فيما يعرض أمامه من قضايا إلى فرد أو جماعة أو تيار معينين‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪.‬‬

‫و التجرد في الواقع ليس إال املرآة العاكسة ملبدأ إلاستقاللية املف ــترض أن يتمتع بها الجهاز‬
‫القضائي و املكرسة قانونا بمواد الدستور الجديـ ــد‪ ،‬و التي تستوجب عدم الخضوع ألي‬
‫مؤثرات كيفما كانت‪،‬و إلاعتماد فق ــط على ما وصل إليه الوجدان الداخلي و القناعة‬
‫الشخصية للقاض ي و املبنية طبعا على ألاسس الواقعية و القانونية للنازلة‪.‬‬
‫ولتفعيل مبدأ التجرد هذا البد من تحقيق الضمانات ألاساسية لذلك كــعدم جعل‬
‫التنقيالت التعسفية‪،‬و إلاجراءات إلانتقامية املؤثرة على الترقيـ ــات و عدم إلاستجابة‬
‫لطلبات إلانتقال الشخصية متى توفرت شروطه ـ ـ ـ ــا‪ ،‬و ك ـ ــذا إرهاق القاض ي بك ـ ــثرة‬
‫التوضيحات عن قضــاياه‪ ،‬مطرقة فوق رأسه تهـ ــدده على وجه الدوام‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬عدالة محفزة للتنمية‬

‫يعرف مفهوم التنمية عدة تعاريف و مصطلحات يتدخل فيها مـ ــا ه ــو إجتماعي و‬
‫اقتصادي ‪،‬بما هو سلوكي و حقوقي‪.‬غير أنه يمكن أن نعطيها تعريفا إجمليا يجعل منها‬
‫مشروعا تنمويا تنهجه الدولة ملواج ـ ـ ـ ـ ــهة الوضعيات السياسية و إلاقتصادية و إلاجتماعية‬
‫للنهوض بها إلى م ــا هو أفض ـ ــل و أكبر‪.‬و قد اتسع هذا املفهوم ليكتس ي طابع الديمومة‬
‫ليس ــمى فيما ب ـ ـ ــعد بالتنمية املستدامة و التي تعني تحقيق الشروط املثالي ـ ــة ألجل خــلق‬
‫ثروة إقتصادية هامة قصد توزيعها فيما بعد بشكل عادل يسمح فـ ــي ذات آلان بالحفاظ‬
‫على املوارد الطبيعية و استعمالها دون إسراف أو تبذير قصـ ــد محاربة الفقر و التهميش‬
‫إلاجتماعيين‪.‬‬
‫فقبل أن يقول جاللة امللك بضرورة تحفيز العدالة بمفهوم إلاصـ ـ ــالح القضائي الجديد‬
‫للتنمية‪،‬فقد ربطها سابقا بهذه التنمية إذ صرح فـ ـ ـ ــي الخطاب الذي ألقاه سنة ‪1111‬‬
‫بمناسبة افتتاح دورة املجلس ألاعلـ ــى للقضاء بأن << ألاهمية القصوى التي نوليها إلصالح‬
‫القضاء و تحديث ــه و تأهيله لإلسهام الف ــعال في املشروع املجتمعي الديموقراط ـ ـ ـ ــي‬
‫الحداثي>>‪.‬كما أكد جاللت ـ ــه في ذات الخطاب أن العاملين في قطاع العدل أنفسهم يتحملون‬
‫مسؤولية إصـ ــالح جهاز العدالة الذي يتوقف علي ـ ــه كسب رهــان الديموقراطي ــة و التنم ــية‪.‬‬
‫و ال يخفى ما للقضاء من دور مهم و مؤثر في التنمية لتدخله في مختلف مناحي الحياة‬
‫الفردية و إلاجتماعية‪،‬ونظرا لكون هذه النقطة تعد في ح ــد ذاتها موضوعا مستقال ال يسع‬
‫هذا املطلب إلاملام بكل جوابه‪،‬فيكفينـ ـ ــا التطرق إلى بعض جوانب التنمية التي يتدخل فيها‬
‫القضاء‪،‬إذ يقال بأن مــا ال يدرك كله ال يترك جله‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪.‬‬

‫فالتنمية تتطلب شروطا أساسية أولها وأهمها السلم إلاجتماعي ال ـ ــذي يجب أن يطبع كل‬
‫مقومات الدولة حتى نتمكن من النهوض و الرقي ب ــها‪ ،‬هذا السلم إلاجتماعي الذي ال يمكن‬
‫أن يكرس إال بوجود مؤسسة قض ــائية قوية و نزيهة‪ ،‬ألن بقاء النزاعات قائمة‪،‬و انتشار‬
‫الظلم م ــن شأنـ ـ ـ ــه تش ــجيع إلاضطراب داخل املجتمع و سيادة ثقافة إلانتقام و أخذ الث ـ ــأر‬
‫الشخصــي أو القبلي‪.‬‬
‫كما أن الجانب إلاقتصادي له عالقة بالقضاء مادام أن ألاخير يسعى إلــى حماية الطرف‬
‫الضعيف في العالقات إلاقتصادية‪،‬و قوة العدل طريق إلـ ــى جلب إلاستثمارين الوطني‬
‫وألاجنبي‪.‬‬
‫و ال تخفى أيضا أهمية القضاء و دوره في حماية ألسرة باعتبارها النواة ألاساسية‬
‫للمجتمع‪،‬والخلية ألاولـ ــى للتمنية سواء كانت ألاسرة ت ــوصف بكونها منتجة للقيم‬
‫إلاجتماعية‪،‬أو بوصفها فاعل إقتصادي ف ــي إلانتـ ــاج و إلاستهالك و إلادخار‪...‬إلخ‬
‫و عموما يمكن القول أنه كلما انتقص من استقالل القضاء وقوته فان حقوق ألافراد‬
‫ً‬
‫والهيئات تكون مهددة وبالتالي فان الشعب يكون متخلفا عن ركب الحضارة‪ ،‬والقضاء‬
‫املستقل عن السلطتــين التــشريعية والتنفيذية هو الضمانة لجميع أفراد املجتمع وهيئاته‪.‬‬
‫إذن ال يمكن أن نتصور تنمية وحضارة بدون قضاء عادل وقــوي ومستقل‪ .‬وكم أعجبني‬
‫كالم كسرى حين قال‪ :‬الملك بدون جند‪ ،‬وال جند إال باملال‪ ،‬وال مال إال بالرعية‪ ،‬وال رعية‬
‫إال بالعدل‪.‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬عدالة ملتزمة بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم‬

‫و هذا يعني أن الفصل في املنازعات قصد رفع الظلم و إرجاع الحقوق إلى أهلها يجب أن‬
‫يقوم على القانون املـدون‪،‬ال عل ــى مجرد ألاع ــراف و التقالي ــد‪.‬‬
‫وال يخفى أن القانون يجب أن يصدر عن سلطة تشريعية منتخبة من طرف الشعب عن‬
‫طريق انتخابات حرة ونزيهة‪،‬و يبقى الهدف من وراء إقرار القوانين ـ كما هو معلوم ـ هو‬
‫محاربة الفوض ى و إلاستبداد‪،‬و ألج ـ ــل استتباب ألامن و إلاستقرار‪.‬‬
‫و لسيادة القانون يجب ألاخذ بعين إلاعتبار املعايير الخمس التالي ــة‪:‬‬
‫‪2‬ـ إعمال مبدأ << ال مخالفة إال بالقانون >>‬

‫‪17‬‬
‫‪.‬‬

‫‪1‬ـ نشر القانون بالج ــريدة الرسمية حتى تصبح أحك ــامه سارية ع ــلى الجميع‪.‬و بالتالي نج ــد‬
‫في هـذا الخصـ ــوص إعمال القاعــدة الق ــانونية املشهورة " ال يعذر أحد بجهله للقانون " ما‬
‫دام أن هذا النشر يعد بمثابة إعالن بصدور القانون و افتراض علم الجميع به‪.‬‬
‫‪3‬ـ عدم الحكم على أي شخص دون إجراء قانوني سليم‪،‬و في مح ـ ــاكمة علنية أمام جهاز‬
‫قضائي مستقل‪.‬‬
‫‪4‬ـ مساواة جميع املواطنين أمام القانون‪.‬‬
‫‪5‬ـ صدور قانون عن مشرع منتخب في انتخابات نزيهة عامة و سري ـ ــة نابعة عن إرادة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫و عن السؤال املطروح بخصوص مقومات العدالة القادرة على تثبيـ ـت مبدأ سيادة‬
‫القانون يجيب ذ‪ /‬سعيد بورمان(‪ )25‬عل ــى ذلك بثالث ق ــواعد أساسية و جوهرية كما يلي ‪:‬‬
‫ـ القاعدة ألاولى‪ :‬وجوب إصدار ألاحكام وفق قواع ـ ــد قانونية ص ــادرة عــن السلطة‬
‫التشريعية‪.‬‬
‫ـ القاعدة الثانية‪ :‬عدم التدخل لدى القضاة‪،‬أو تعديل أحكام ــهم من ط ــرف إحدى‬
‫السلطتين التشريعية و التنفيذية‪.‬‬
‫ـ القاعدة الثالثة‪ :‬إحترام حقوق الدفاع‪،‬و العمل بقاعدة " املتهم ب ـ ــرئ حتى تثبت إدانته"‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مؤسسة قضاء القرب‬

‫إن الغاية التي قصدناها من إدراج مؤسسة قضاء الق ــرب ضمن ه ــذا الفصل ليست هي‬
‫تناولنا هذا املوضوع بذات الطريقة و املنهج التـ ــي تتناوله بها املؤلفات املتعلقة بالتنظيم‬
‫القضائي‪،‬وإنما عمدنا إلى الحديث عنها إيمانا منا ملا تمثله من تطبيق عملي و واقعي لقضاء‬
‫في خدم ـ ــة املواطن‪،‬إذ تعد من الخطوات املتخذة لتفعيل مضامين الخطاب امللك ـ ــي املتعلق‬
‫باملفهوم الجديد إلصالح العدالة‪.‬‬
‫و لقضاء القرب من املميزات و إلاجابيات التي ستسهل ولوج املواطنين للمؤسسة‬
‫القضائية و إلاستفادة من خدماتها‪،‬و بالتالي تأهيله ألن يكـ ــون قضاء في خدمة املواطنين‪،‬و‬
‫التي نطمح أن يتم تفعيل ألاهداف املسط ــرة في املشروع إلاصالحي للقضاء بمفهومه‬
‫الجديد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪.‬‬

‫فإذا كان قضاء القرب سيشكل مؤسسة قريبة من املواطنين باملعن ـ ــى الجغرافي‪،‬فإن ذلك‬
‫يستتبعه القرب النفس ي الذي يجب أن يحس به املواطن تجاه هذه املؤسسة‪،‬من خالل‬
‫حسن إلاستقبال‪،‬و التوجيه السليم نح ـ ـ ــو قضاء املآرب الشخصية بشكل مدقق‪،‬و تعريفه‬
‫بما له من حقوق و م ـ ــا عليه من واجبات بلغة يسيرة سهلة إلاستيعاب‪.‬‬
‫كما أن بساطة املساطر و عدم تعقيدها‪،‬و تحقيق السرعة الالزمة للب ــث في القضايا و‬
‫تنفيذها بناء على آلاجال املعقولة املحددة لها‪،‬من املميزات التي يجب أن تطبع قضاء‬
‫القرب لتحقيق ألاهداف املبتغاة مـ ـ ـ ــن وراء إحداثه‪،‬هذا مع ألاخذ بعين إلاعتبار للكفاءة و‬
‫التجرد التي ينبغي أن يتمت ــع بها القضاة املكلفين بهذه املهمة‪،‬و الذين عليهم التحلي بروح‬
‫املسؤولية و هم ينظرون في القضايا املعروضة عليهم‪،‬مع تكريس إلاستقاللي ـ ــة و سيادة‬
‫القانون في إحقاقهم للحق و رفعهم للمظالم‪،‬وعدم التهرب من ك ــل ذلك بذريعة بساطة‬
‫القضايا املعروضة عليهم بحكم إلاختصاص املمنــوح ملؤسسة قضاء القرب‪ .‬و أن يكون‬
‫هدف الجميع الرقي بكل مكونات الدولة و تحقيق التنمية املنشودة‪.‬‬
‫و نحن إذ نأمل أن تحقق مؤسسة قضاء القرب الهدف املتوخى من وراء إحداثها‪،‬فنحن‬
‫نؤاخذ القيمين على عدم إشراك كتابة الضبط في بناء ه ــذا املشروع رغم أهمية هذا‬
‫الجهاز‪،‬إذ ـ على ألاقل ـ ال يمكن انعقاد الجلسات بدون كاتب الضبط‪،‬ناهيك عن ألاشغال‬
‫املضنية ألاخرى التي تقوم بها هذه الهيئة الحيوية داخل قطاع العدل‪.‬‬
‫و في هذا الصدد يقول السيد عبد الصادق السعيدي الكاتب العام للنقاب ــة‬
‫الديموقراطية للعدل في حوار له بيومية الصباح بتاريخ ‪ 22‬شتنبر ‪ << 1122‬لم تتم حتى‬
‫استشارتنا في الجانب املرتبط بعمل كتابة الضبط و ك ـ ــما سبق أن أشرت ألامــر ال يرتبط‬
‫فقط بقضاء القرب‪ ،‬وإنما أيضا بإح ـ ــداث غرف لالستيناف باملحاكم الابتدائية‪ ،‬مع ما يتبع‬
‫ذلك من أعباء إضافيـ ــة من سجالت وجلسات ومحاضر ومساطر ال سابق علم للموظفين‬
‫بها‪ ،‬وفي غياب أي تكوين إعدادي لهذه الخطوة‪ ،‬وال أخفيك سرا إن قلت إن املحاكم‬
‫تعيش حالة من التخبط غير املسبوق في محاولة لتوزيع املوارد البشرية غير الكافية أصال‬
‫لتغطية ما ستطرحه ه ــذه التعدي ــالت م ــن خص ــاص‪ .‬واسمحوا لي أن أذكر أن مشروع‬
‫قانون قضاء القرب ك ــان ينص ف ـ ــي املادتين الثالثة والرابعة منه على إمكانية ممارسة اطر‬
‫كتابة الضبط لهذا القضاء إلى جانب القضاة‪ ،‬لكن الصيغة النهائية أسقطت هذه‬
‫إلامكاني ـ ــة لتكتمل حلقة إقصاء كتابة الضبط من قانون مهنة التوثيق إلى كل القوانين‬
‫املتعلقة باملهن القضائية >>‬

‫‪19‬‬
‫‪.‬‬

‫و عموما فبص ــدور القان ــون رقم ‪ 41.21‬الصادر بتنفي ــذه الظ ــهير الشريف رقم ‪2.22.252‬‬
‫بتاريخ ‪ 17‬غشت ‪ 1122‬أصبح قضاء الــقرب يشكل قسما من أقسام املحكمة إلابتدائية ولم‬
‫يعد هناك محاكم الجماعــات و املقاطعات التي كانت لبنة في التنظيم القضائي املغربي‪.‬‬
‫و الهدف املتوخى من إحداث قضاء القرب هو تخفيف العبء ع ـ ـ ــلى املحاكم إلابتدائية‪،‬و‬
‫تحقيق سرعة البث في نوع من القضايا املدني ـ ـ ــة و الجنحية‪.‬‬
‫و عكس حكام الجماعات و املقاطعات‪،‬فقاض ي القرب هو قاض يعين من طرف الجمعية‬
‫العمومية للمحكمة‪،‬و يعين نائبه رئيس املحكمة‪،‬و ت ـ ــعقد جلسات قضاء القرب بمقار‬
‫املحاكم إلابتدائية و املراكز التابعة لـ ـ ـ ــها‪.‬‬
‫و قد حدد املسرع إلاختصاص القيمـ ــي في مبلغ ‪ 5111‬دره ـ ــم‪،‬دون إمكانية ضم الطلب‬
‫املقابل إلى الطلب ألاصلي إذا كان ألاخير يستغرق قيمة إلاختصاص و يبث فيه القاض ي‬
‫منفردا‪.‬‬
‫و فيما يخص إلاختصاص النوعي فقد أبقى املش ــرع على ال ـ ــدعاوى الشخصية و املنقولة‪،‬و‬
‫أضاف إلى عدم اختصاص هذا القضـ ــاء دعاوى الشغل أيضا‪.‬كما تم حذف الفقرة الثانية‬
‫من الفصل ‪ 13‬من الظهير املحدث إلختصاص محاكم الجماعات و املقاطعات الناصة على‬
‫إمكانية الحاكم ألامر بكل التدابير التي تحد من إلاحتالل و املنع من إلانتفاع بحق امللكي ـ ـ ـة‪.‬‬
‫و قد أبقى املشرع على املجانية و الشفوية في املسطرة إضافة إلى مبدأ العلنية و البساطة‬
‫في القضايا و النهائية في الحكم‪،‬مؤكدا أن ألاح ـ ـ ــكام تصدر و تنفذ باسم جاللة امللك‪.‬‬
‫و بخصوص النهائية فقد أصبح ألامر سواء على الطرفين أو على وكي ــل امللك ما عدا حاالت‬
‫إلالغاء التي تم رفعها إلى ثماني حاالت‪،‬وجعل املشـرع صراحة عدم إجراء الصلح سببا من‬
‫أسباب إلالغاء ‪،‬باإلضافة إلى إغف ــال القاض ي البث في أحد الطلبات أو بث فيما لم يطلب‬
‫منها أو بث بأكثر مم ــا طلب منه‪،‬و كذا حالة التجريح‪،‬وعدم التحقق من الهوية‪،‬و عدم‬
‫التأكد م ــن توصل املدعى عليه باإلستدعاء‪،‬إضافة إلى وجود تناقض بي ـ ــن أجزاء الحكم ‪،‬أو‬
‫وقوع تدليس أثناء تحقيق الدعوى‪.‬‬
‫و فيما يخص آلاجال فقد تم رفعها إلى ثمانية أيام بدال من ثالثة مـ ـ ــن تاريخ التوصل‪،‬و‬
‫يبث في الدعوى في ثالثين يوما بدل ثمانية أيام‪،‬و أبقـي على نفس ألاجل للسيد رئيس‬
‫املحكمة للبث في طلب إلالغاء أي ‪ 25‬أي ــام ‪،‬إضافة إلى التنصيص على تسليم نسخ ألاحكام‬
‫بعد ‪ 21‬أيام من النط ـ ــق بها‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪.‬‬

‫و بالنسبة لإلختصاص الجنحي فقد أتى قضاء القرب بجدول لألفع ـ ــال املستوجبة للزجر‬
‫في املواد من ‪ 25‬إلى ‪ ، 28‬و نص في امل ـ ــادة ‪ 21‬على أن الدعوى العمومية تحرك من طرف‬
‫السيد وكيل امللك‪.‬‬
‫و في حالة تصريح املحكمة بعدم اختصاصها جنحيا فإن القضية ت ــرجع إلى وكيل ‪،‬وكذا‬
‫إعطاء الحق للمتضرر في إقامة الدعوى املدنية للمطالبـة بالتعويض في حدود إلاختصاص‬
‫القيمي املدني أمام قضاء القرب‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬القضاء من خالل الدستور الجديد‬

‫في ختام هذا الفصل حبذنا التطرق إلى املستجدات التي أتى بـها الدستور الجديد‬
‫للقضاء‪،‬إذ نعتبر ذلك خطوة أخرى جديدة و مهمة نحـ ــو التق ــدم و الرقي باملشروع إلاصالحي‬
‫للعدالة املغربية‪،‬و ما يعنيه ذلك من ال ــرفع من مستوى الخدمات التي ستقدمها املؤسسة‬
‫القضائية للمواطنين‪.‬‬
‫فبحلول الدستور الجدد للمملكة(‪ )26‬أعلن املغرب عن قض ـ ـ ـ ـ ـ ــاء مستقل‪،‬مخصصا له‬
‫حيزا كبيرا مقارنة بدستور ‪، 2116‬ومعنونا ل ـ ـ ــه ب"السلطة القضائية" عوض القضاء‪،‬على‬
‫إعتبار أن هذا املطلب ك ـ ــان محل إجماع كل الفرقاء الحقوقيين و السياسيين و‬
‫املدنيين‪،‬مؤكدا بـ ــذلك إستقالل هذه السلطة عن السلطتين التشريعية و التنفيذية‪،‬و ذلك‬
‫من خالل فصول حاولت الحسم في املحسوبية و التدخل في شؤون القض ـ ـ ـ ــاة و‬
‫القضايا(‪ )27‬حيث نص الفصل‪ 217‬على أن<< السلطة القضائية مستقلة عن السلطة‬
‫التشريعية وعن السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫امللك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية">>‪ ،‬كما ينص الفصل ‪ 211‬على أنه<< يمنع‬
‫كل تدخل في القضايا املعروضة على القضاء‪ ،‬وال يتلقى القاض ي بشأن مهمته القضائية أي‬
‫أوامر أو تعليمات وال يخض ـ ــع ألي ضغط‪.‬‬
‫يجب على القاض ي‪ ،‬كلما اعتبر أن استقالله مهدد‪ ،‬أن يحيل ألامر إلى املجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪.‬‬
‫يعد كل إخالل من القاض ي بواجب الاستقالل والتجرد خطأ مهنيا جسيما‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن املتابعات القضائية املحتملة يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاض ي بكيفية‬
‫غير مشروعة>>‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪.‬‬

‫ومنح مشروع الدستور الجديد ضمانات قوية للقضاة من أجل إص ــدار أحكام عادلة‬
‫بعيدا عن أية أوامر أو تعليمات وفي منأى عن أي ضغـ ــط‪،‬‬
‫و في هذا الصدد نص الفصل على ‪<<221‬اليلزم قضاة ألاحكام إال بتطبيق القانون ‪.‬والتصدر‬
‫أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل للقان ــون‪.‬‬
‫يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون‪ .‬كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات‬
‫الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون ل ـ ـ ــها>>‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 222‬فقد أعطى للقضاة الحق في حرية التعبير بما يتالءم مـع واجب التحفظ و‬
‫ألاخالقيات القضائية‪،‬باإلضافة إلى الحق في إلانخراط في الجمعيات‪،‬أو إنشاء جمعيات‬
‫مهنية‪،‬مع احترام واجبات التجرد و استق ــالل القضاء‪،‬و بذلك فقد إستجاب لتطلعات‬
‫العديدين ممن نادوا بهذا املط ـ ــلب تحقيقا لنوع من الحرية‪،‬ألن القضاء ليس وظيفة إدارية‬
‫فقط‪،‬و إنم ـ ـ ــا وظيفة إجتماعية و حقوقية و إنسانية‪،‬وعلى القاض ي أن ينفتح علـ ـ ـ ــى محيطه‬
‫و أال يحشر نفسه في دائرة مغلقة(‪)28‬‬
‫وتم تغيير إسم "املجلس ألاعلى للقضاء" بـ"املجلس ألاعلى للسلطة القضائية" وقد‬
‫خصصت له الفصول من ‪ 223‬إلى ‪ 226‬و الذي يرأسه امللك‪،‬بينما يعد رئيس محكمة‬
‫النقض رئيسا منتدبا‪.‬و الجديد أيضا هو عدم وجود وزير العدل في تركيبة املجلس‪،‬و بذلك‬
‫تكون هذه النقطة التي كانت محل انتقاد شديد قد حلت‪،‬غير أن ما أثار النقاش من جديد‬
‫هو دخ ـ ـ ــول شخصيات أخرى غير القضاة في تركبية املجلس ألاعلى للسلط ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫القضائية‪،‬حيث تضارب آلاراء بين مؤيد لذلك و رافض‪،‬وفي ذات السي ــاق يقول ألاستاذ‬
‫إدريس املشترائي‪ << :‬في نظري املتواضع فإن كال الفريقين محق في دفوعاته وإن كانا‬
‫مختلفين في التوجه لذلك ينبغي مراعاة موقف وسط يراعي املصلحتين الخاصة للقضاة‬
‫واملصلحة العامة للمجتمـ ـ ــع‪ ،‬فالقضاء شأن مجتمعي ولذلك فإن وضع نظام داخلي‬
‫للمجلس سيحسم في النقط الخالفية‪ ،‬وذلك بجعل النظر في الوضعية الفردية من‬
‫تعيين وتنقيل وترقية وتأديب‪ ،‬يقتصر فقط على أعضاء املجلس القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة‬
‫الدائمين واملنتخبين وحينما يتعلق ألامر بمناقشة مقترحات تهم القوانين القضائية وتهم‬
‫مجال حقوق إلانسان وتهم السياسة القضائية والاقتراحات املتعلقة بشأنها فإن املجلس‬
‫ينظر في ذلك بجميع أعضائه قضاة وغيرهم‪ ،‬ألن الغاية من ذلك هو تحويل املجلس ألاعلى‬
‫للقضاة من دوره التقليدي املنغلق املتمثل في إصدار قرارات تهم الوضعية الفردية للقضاة‬
‫إلى دور أكثر اتساعا يجعل منه قوة اقتراحية‪)21(>> ...‬‬
‫‪22‬‬
‫‪.‬‬

‫كما نظم الدستور الجديد حقوق املتقاضين و قواعد سير العدالة في الفصول من ‪227‬‬
‫إلى ‪ 218‬ومن أهم املقتضيات في هذا الخصوص تكريس قرينة البراءة ( الفصل ‪221‬‬
‫)‪،‬والحق في التعويض عن كل ضرر تسبب فيه خطأ قضائي تتحمله الدولة ( الفصل‬
‫‪.)211‬‬
‫وبذلك يمكن القول بأن الدستور قد استجابة ألغلبية(‪ )11‬املطالب و التطلعات‪،‬و‬
‫بالتالي فهو يعد لبنة جديدة في الصرح إلاصالحي الذي يعرفه قطاع العدل‪،‬و يظل‬
‫ألاهم هو التفعيل و التطبيق العملي ملقتضاياته حتى يصبح أمرا ملموسا‪،‬و مضفيا للمسة‬
‫واقعية لقضاء الهدف منه هو خدمة املواطن‪،‬ال أن تظل بنوده حبيس الصفحات ال غير‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪24‬‬
‫‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫إن إصالح الحقل القضائي يستتبع تدخل جميع ألاطياف واملكونات الفعالة فيه‪ ،‬بل كل‬
‫مكونات املجتمع كل واحد من وقعه‪ ،‬ألن العدالة ورش ضخم يعني املجتمع برمته‪ ،‬غير أن‬
‫الدور ألاهم وألاكبر يظل طبعا على عاتق املمارسين فيه كونهم أهل امليدان وأهل‬
‫ألاختصاص‪.‬‬
‫و يمكن تقسيم أسرة العدل لثالث أقسام رئيسية‪ ،‬يتمثل القسم ألاول في القضاة‬
‫والقسم الثاني في كتابة الضبط والقسم الثالث في املهن ألاخرى املساعدة للقضاء‪ ،‬وفي‬
‫هذا الصدد تعتبر كتابة الضبط صلة الوصل والعمود الفقري بين مختلف الفاعلين في‬
‫حقل العدالة إنجاحا للعملية القضائية‪ ،‬وتحقيقا ملبدأ القضاء في خدمة املواطن (‪،)2‬‬
‫وبعد أن تناولنا بش يء من التفصيل املفهوم الجديد إلصالح القضاء من خالل مضمون‬
‫الخطاب امللكي السامي‪ ،‬سنحاول قدر إلامكان في هذا الفصل التطرق إلى دور كتابة‬
‫الضبط _ اعتبارا للمكانة التي تحتلها في هذا الصدد _ في بلورة املبدأ وتفعليه على أرض‬
‫الواقع حتى ال يظل مجرد الفتة معلقة على جدران املحاكم تزين مداخلها‪،‬أو فقط ملجرد‬
‫إلاستهالك إلاعالمي واملمارسة على مستوى الورق والفكر التنظيري‪ ،‬وسنستند على ذلك‬
‫بحول هللا على مجموعة من املقترحات التي نراها من زاوية نظرنا الشخص ي املتواضع‬
‫كفيلة لتحقيق الغاية املطلوبة‪،‬بحكم ممارستنا املهنية ضمن أسالك هيئة كتابة الضبط‪،‬‬
‫والتي بها صقلنا مجموعة من التجارب الصغيرة‪،‬وكونا قناعات إرتأيت دمجها في عنواين‬
‫عريضة في هذا الفصل حتى تكون محط نقاش وتحليل عسانا نجد السبيل ألامثل لخدمة‬
‫املواطن الذي يعد املحور وألاساس في هذا الصدد من ناحية‪،‬وأخرى للنهوض بمكانة هيئة‬
‫كتابة الضبط‪،‬وحثها على القيام بالواجب املنوط بها أحسن قيام من أخرى ‪،‬‬
‫ونظرا ملا تشكله مؤسسة رئيس مصلحة كتابة الضبط من رمز للهيئة‪،‬وما للدور الهام‬
‫والخطير الذي يقوم به‪،‬سنعمد على الحديث عنه بصفة مستقلة في تحليلنا لدور الهيئة في‬
‫جعل القضاء في خدمة املواطن‪،‬قبل تطرقنا إلى باقي املقترحات ألاخرى‪ ،‬لكن قبل ذلك‬

‫‪25‬‬
‫‪.‬‬
‫سنسلط الضوء على مدخل تمهيدي نتعرف فيه عن هيئة كتابة الضبط‪ ،‬وعليه سنتناول‬
‫هذا الفصل من خالل العناوين ألاساسية التالية‪:‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬التعريف بهيئة كتابة الضبط‬
‫املبحث ألاول‪ :‬دور رئيس مصلحة كتابة الضبط‬
‫املبحث الثاني‪ :‬النهوض بأخالقيات املهنة‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التواصل‬
‫املبحث الرابع‪ :‬إلادارة املعلوماتية‬
‫املبحث الخامس‪ :‬توحيد عمل الهيئة‬

‫‪26‬‬
‫‪.‬‬

‫مدخل متهيدي‪ :‬التعريف هبيئة كتابة الضبط‬


‫تنظم هيئة كتابة الضبط باملغرب بمقتض ى املرسوم رقم ‪ 1-18-72‬صادر في ‪ 5‬رجب ‪2411‬‬
‫(‪ 1‬يوليو ‪ )1118‬واملنشور الجريدة الرسمية رقم ‪ 5646‬الصادرة يوم‬
‫الخميس ‪ 10‬يوليوز‪ 2008‬بشأن النظام ألاساس ي الخاص بموظفي هيئة كتابة الضبط‪،‬‬
‫واملعدل بمقتض ى مرسوم رقم ‪ 1.22.473‬صادر في ‪ 25‬من شوال ‪ 24( 2431‬سبتمبر ‪،)1122‬‬
‫املنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5182‬بتاريخ ‪ 17‬شوال ‪ 16( 2431‬سبتمبر ‪.)1122‬‬
‫فقد نصت املادة ألاولى منه على أنه " تحدث هيئة لكتابة الضبط بوزارة العدل"‪ ،‬بينما‬
‫نصت املادة الثانية منه على أن املوظفون املنتمون لهيئة كتابة الضبط يعتبرون في‬
‫وضعية عادية للقيام بالوظيفة بمختلف محاكم اململكة وباملصالح املركزية والالممركزة‬
‫لوزارة العدل‪.‬‬
‫ويخضعون للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل التي تقوم بتدبير شؤونهم وفقا للمقتضيات‬
‫التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪.‬‬
‫وكتاب الضبط موظفون عموميون يمارسون مهامهم بمرفق عمومي للدولة‪،‬وبالتالي فهم‬
‫خاضعون أيضا ألحكام الظهير الشريف رقم ‪ 2.58.118‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪2158‬‬
‫بمثابة النظام ألاساس ي الذي نص في فصله الثاني على ما يلي‪ << :‬يعد موظفا كل شخص‬
‫يعين في وظيفة قارة‪ ،‬ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك إدارة الدولة>> (‪)1‬‬
‫وفي تعريفنا لهذه الهيئة سنتطرق إلى أطرها وشروط التوظيف (الفقرة ألاولى)‪،‬لنعرج عن‬
‫الحديث عن مهامها (الفقرة الثانية)‪،‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أطر هيئة كتابة الضبط وشروط التوظيف‬

‫بالرجوع إلى املادة الخامسة من النظام ألاساس ي لهيئة كتابة الضبط‪ ،‬نجدها قد حصرت‬
‫أطر الهيئة في ثالث وهم‪:‬‬
‫‪ )2‬إطار املنتدبين القضائيين‪،‬‬
‫‪ )1‬إطار املحررين القضائيين‪،‬‬
‫‪ )3‬إطار كتاب الضبط‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪.‬‬

‫وبذلك فقد قلص من عدد ألاطر خالفا للمرسوم امللكي بمثابة النظام ألاساس ي ملوظفي‬
‫املحاكم الصادر بتاريخ ‪ 11‬فبراير ‪ 2167‬الذي كان يضم ست أطر (‪ ،)3‬وتختلف شروط‬
‫إلالتحاق بكل إطار من ألاطر وذلك كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بالنسبة إلطار المنتدبين القضائيين‬
‫املباراة املفتوحة في وجه ألاحرار تتمثل في املنتدبين القضائيين من الدرجة الثالثة (السلم‬
‫‪ ،)21‬ومن الدرجة الثانية (السلم ‪ ،)22‬والتي حددت املادتين ‪ 13‬و ‪ 14‬من النظام ألاساس ي‬
‫شروطها فيما يلي‪:‬‬
‫يوظف املنتدبون القضائيون من الدرجة الثالثة ‪:‬‬
‫‪ -2‬من بين خريجي سلك التكوين في التدبير إلاداري للمدرسة الوطنية لإلدارة‪.‬‬
‫بعد النجاح في مباراة تفتح في وجه املترشحين الحاصلين على ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إلاجازة أو إلاجازة في الدراسات ألاساسية أو إلاجازة املهنية في العلوم‬ ‫‪-‬‬
‫القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التدبيرية أو في الشريعة ؛‬
‫شهادة مسير في الشؤون الاجتماعية املسلمة من طرف املعهد الوطني‬ ‫‪-‬‬
‫للعمل الاجتماعي ؛‬
‫إحدى الشهادات أو الدبلومات املحددة بقرار للسلطة الحكومية املكلفة‬ ‫‪-‬‬
‫بتحديث القطاعات العامة طبقا ملقتضيات املرسوم رقم ‪ 1.14.13‬الصادر في‬
‫‪ 24‬من ربيع ألاول ‪ 4( 2415‬ماي ‪. )1114‬‬
‫يوظف املنتدبون القضائيون من الدرجة الثانية ‪:‬‬
‫‪ -2‬من بين خريجي ‪:‬‬
‫‪ -‬السلك العالي في التدبير إلاداري للمدرسة الوطنية لإلدارة ؛‬
‫‪ -‬املعهد العالي لإلدارة‪.‬‬
‫‪ -1‬بعد النجاح في مباراة تفتح في وجه املترشحين الحاصلين على ‪:‬‬
‫‪ -‬دبلوم الدراسات العليا املعمقة أو دبلوم الدراسات العليا املتخصصة في‬
‫العلوم القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التدبيرية أو في الشريعة ؛‬
‫‪ -‬شهادة املاستر أو املاستر املتخصص في العلوم القانونية أو الاقتصادية أو‬
‫الاجتماعية أو التدبيرية أو في الشريعة ؛‬

‫‪28‬‬
‫‪.‬‬

‫إحدى الشهادات أو الدبلومات املحددة بقرار للسلطة الحكومية املكلفة‬ ‫‪-‬‬


‫بتحديث القطاعات العامة طبقا ملقتضيات املرسوم رقم ‪ 1.14.13‬الصادر في‬
‫‪ 24‬من ريع ألاول ‪ 4( 2415‬ماي ‪. )1114‬‬
‫أما املنتدبين القضائيين املصنفين خارج السلم فيتم تعيينهم بمقتض ى املباراة‬
‫املهنية الداخلية ‪ ،‬ونظام الترقي باألقدمية وفق الشروط املنصوص عليها في‬
‫املادة ‪ 15‬من ذات النظام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بالنسبة إلطار المحررين القضائيين‬
‫بالرجوع إلى املادتين ‪ 16‬و ‪ 17‬من النظام ألاساس ي سنجد أن هذا إلاطار مفتوح في وجه‬
‫املترشحين فيما يتعلق بالسلمين ‪ 8‬و ‪ 1‬واملحددة شروطهما كالتالي ‪:‬‬
‫يوظف املحررون القضائيون من الدرجة الرابعة (السلم ‪ )8‬بعد النجاح في مباراة تفتح في‬
‫وجه املترشحين الحاصلين علي‪:‬‬
‫‪ -‬دبلوم الدراسات الجامعية العامة أو دبلوم الدراسات الجامعية املهنية في‬
‫العلوم القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التدبيرية أو في الشريعة ؛‬
‫‪ -‬شهادة التقني املسلمة من طرف إحدى مؤسسات التكوين املنهي املحدثة‬
‫طبقا للمرسوم رقم ‪ 1.86.315‬بتاريخ ‪ 8‬جمادى ألاولى ‪ 1( 2417‬يناير ‪)2187‬‬
‫بسن نظام عام ملؤسسات التكوين املنهي في إحدى التخصصات ذات الصلة‬
‫بمهام هيئة كتابة الضبط املحددة بقرار لوزير العدل؛‬
‫‪ -‬شهادة مرشد اجتماعي املسلمة من طرف املعهد الوطني للعمل الاجتماعي‪،‬‬
‫إحدى الشهادات أو الدبلومات املحددة بقرار للسلطة الحكومية املكلفة‬ ‫‪-‬‬
‫بتحديث القطاعات العامة طبقا ملقتضيات املرسوم رقم ‪ 1.14.13‬الصادر في‬
‫‪ 24‬من ربيع ألاول ‪ 4( 2415‬ماي ‪. )1114‬‬
‫يوظف املحررون القضائيون من الدرجة الثالثة (السلم ‪ )1‬بعد النجاح في مباراة تفتح في‬
‫وجه املترشحين الحاصلين علي ‪:‬‬
‫‪ -‬شهادة التقني املتخصص املسلمة من طرف إحدى مؤسسات التكوين املنهي‬
‫املحدثة طبقا للمرسوم رقم ‪ 1.86.315‬بتاريخ ‪ 8‬جمادى ألاولى ‪ 1( 2417‬يناير‬
‫‪ )2187‬بسن نظام عام ملؤسسات التكوين املنهي‪ ،‬في بعض التخصصات ذات‬
‫الصلة بمهام هيئة كتابة الضبط املحددة بقرار لوزير العدل ؛‬

‫‪29‬‬
‫‪.‬‬

‫إحدى الشهادات أو الدبلومات املحددة بقرار للسلطة الحكومية املكلفة‬ ‫‪-‬‬


‫بتحديث القطاعات العامة طبقا ملقتضيات املرسوم رقم ‪ 1.14.13‬الصادر في‬
‫‪ 24‬من ربيع ألاول ‪ 4( 2415‬ماي ‪. )1114‬‬
‫لتبقى باقي السالليم ألاخرى املتعلقة به خاضعة لشروط الترقية سواء من خالل املباراة‬
‫املهنية أو ألاقدمية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بالنسبة إلطار كتاب الضبط القضائيين‬
‫يوظف كتاب الضبط من الدرجة الثالثة بعد النجاح في مباراة تفتح في وجه املترشحين‬
‫الحاصلين علي شهادة الباكالوريا أو إحدى الشهادات املعادلة لها املحددة بقرار للسلطة‬
‫الحكومية املكلفة بتحديث القطاعات العامة طبقا ملقتضيات املرسوم‬
‫رقم ‪1.14.13‬الصادر في ‪ 24‬من ربيع ألاول ‪ 4( 2415‬ماي ‪ ، )1114‬املادة ‪ 11‬من النظام‬
‫ألاساس ي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مهام كتابة الضبط‬

‫تنص املادة الثالثة من النظام ألاساس ي على ما يلي‪ " :‬يمارس املوظفون املنتمون لهيئة‬
‫كتابة الضبط‪ ،‬تحت سلطة رئيس إلادارة‪ ،‬املهام التي تدخل في مجال اختصاصهم بموجب‬
‫النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬ويساعدون القضاء على أداء رسالته‪.‬‬
‫يمكن باإلضافة إلى املهام املذكورة أعاله‪ ،‬تحديد مهام أخرى لكل إطار من أطر هيئة كتابة‬
‫الضبط بقرار لوزير العدل‪".‬‬
‫باستقرائنا لهذه املادة‪ ،‬سنجدها تنص على املهام املوكولة إلى هيئة كتابة الضبط‪،‬غير‬
‫أنه تنصيص جاء بصيغة العموم دون الوصف الدقيق لهذه املهام‪،‬مع إشارتها في فقر تها‬
‫الثانية إلى أنه سيتم إضافة مهام أخرى تقسم حسب ألاطر املكونة للهيئة وذلك بقرار من‬
‫وزير العدل‪.‬‬
‫غير أنه من الناحية العملية فكتابة تقوم بمهام جد مهمة ‪،‬وعلى قدر كبير من‬
‫الخطورة‪،‬تستوجب من أطرها الكفاءة العالية‪،‬والضبط ‪،‬واملؤهالت الكافية ملمارسة هذه‬
‫املهنة التي تقف حقوق املواطنين على جزء كبير من إجراءاتها‪،‬وقد أشار ألاستاذ امليلودي‬
‫كوكب‪،‬إطار بكتابة الضبط هذه املهام بتلخيص ممتاز في عرضه القيم بعنوان‪" :‬إطاللة‬
‫على عمل كتابة الضبط"‪ ،‬والذي نشير إلى عناوينه العريضة كالتالي‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫‪.‬‬

‫المهام القضائية‪:‬‬
‫ـ تيهئ امللف‪،‬‬
‫ـ تعيين القاض ي املقرر والجلسة ‪،‬‬
‫ـ استدعاء ألاطراف‪،‬‬
‫ـ املحافظة على امللف والوثائق‪،‬‬
‫ـ إجراءات الجلسة ‪،‬‬
‫ـ إجراءات التحقيق والخبرة‪،‬‬
‫ـ إجراءات التبليغ‪،‬‬
‫ـ إجراءات التنفيذ‪،‬‬
‫ـ إجراءات التسيير القضائي‪،‬‬
‫ـ إجراءات صعوبات املقاوالت‪،‬‬
‫ـ مهام السنديك‪..‬‬
‫المهام شبه القضائية‪:‬‬
‫ـ الحسابات‪،‬‬
‫ـ حضور الجلسات الرسمية‪،‬‬
‫ـ مسك السجل التجاري‪،‬‬
‫ـ ضبط بعض إلاجراءات الخاصة باملهن الحرة‪..‬‬

‫وبرجوعنا للنظام ألاساس ي الصادر سنة ‪ ،1118‬سنجد قد حاول تحديد هذه املهام لكل‬
‫إطار على حدة‪ ،‬والتي نجمل أهمها في التالي‪:‬‬

‫‪-‬حضور الجلسات وتحرير محاضرها وإلاشهاد على صحتها ؛‬


‫‪-‬تحرير املحاضر املدنية والجنائية والجنحية ومحاضر التحقيق وإلاشهاد على صحتها ؛‬
‫‪-‬مسك مختلف السجالت واملحافظة على امللفات والوثائق ؛‬
‫‪-‬التبليغ والتنفيذ ؛‬
‫‪-‬تنظيم وتدبير الكتابات الخاصة للمسؤولين عن الوحدات إلادارية املختلفة ؛‬
‫‪-‬إلاشهاد واملصادقة على صحة نسخ ألاحكام والقرارات بتفويض من رئيس مصلحة كتابة‬
‫الضبط أو من ينوب عنه ؛‬
‫‪31‬‬
‫‪.‬‬

‫‪-‬القيام باإلجراءات املحاسباتية تحت إشراف رئيس كتابة الضبط أو من ينوب عنه ؛‬
‫‪-‬املساعدة في تنظيم الاستقباالت ؛‬
‫‪-‬إنجاز مختلف الشهادات املتعلقة باإلجراءات املسطرية التي تدخل ضمن اختصاصات‬
‫كتابة الضبط ؛‬
‫‪-‬القيام باملهام املسندة إليهم على مستوى املصالح املركزية والالممركزة ؛‬
‫‪-‬املساعدة في إلاجراءات املرتبطة بمهام كتابة الضبط ؛‬
‫‪-‬املساهمة في أنشطة الوحدات إلادارية املعينين بها ؛‬
‫‪-‬مراقبة واستالم جميع ألاشغال املتعلقة بمجاالت تخصصاتهم ؛‬
‫‪-‬تأطير العاملين تحت سلطتهم وتأهيلهم واملساهمة في تكوينهم‪،‬‬
‫‪-‬القيام باإلجراءات التبليغية وإنجاز محاضر بشأنها ؛‬
‫‪-‬تنفيذ ألاحكام القضائية واستخالص الغرامات املالية ؛‬
‫‪-‬القيام باإلجراءات املحاسباتية تحت إشراف رئيس كتابة الضبط أو من ينوب عنه ؛‬
‫‪ -‬املساهمة في أنشطة الوحدات إلادارية املعينين بها ؛‬
‫‪-‬املساهمة في إعداد وإنجاز املشاريع ذات الطابع إلاداري املعهود بها إليهم ؛‬
‫‪-‬تنظيم وإدارة العمل املعهود به إليهم وتنسيق نشاط املوظفين املوضوعين تحت إمرتهم ؛‬
‫‪-‬تأطير العاملين تحت سلطتهم وتأهيلهم واملساهمة في تكوينهم ؛‬
‫‪-‬القيام باملهام التقنية املسندة إليهم‪.‬‬
‫‪-‬القيام بمهام إلاشراف وتدبير املهام املوكولة إليهم على مستوى محاكم اململكة وإلادارة‬
‫املركزية واملصالح الالممركزة ؛‬
‫‪-‬تأطير املوظفين العاملين تحت سلطتهم وتكوينهم وإعادة تأهيلهم مركزيا وجهويا ؛‬
‫‪-‬تقديم الاقتراحات وإنجاز الدراسات والبحوث املتعلقة بمجال اختصاصاتهم ؛‬
‫‪-‬تنفيذ ألاحكام القضائية ‪..‬‬

‫غير أنه من الناحية العملية فموظفو كتابة الضبط يقومون بنفس املهام بغض النظر‬
‫عن إلاطار الذي ينتمون إليه‪ ،‬سيما وأن قرار توزيع املهام حسب إلاطار لم ير النور بعد‪،‬‬
‫والذي يحتاج أكيد إلى حوار ومناقشة ليسا بالهينين‪،‬والذين يتطلبان أن يتناواله بكل جد‬
‫ومسؤولية املمارسين في املهنة تحت إشراف الوزارة الوصية‪،‬وبتنسيق مع كل املكونات‬
‫ألاخرى املشكلة ألسرة العدالة برمتها‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪.‬‬

‫وفي ختام هذه النقطة نشير إلى أن موظفي هيئة كتابة الضبط ملزمون بأداء اليمين‬
‫القانونية قبل ممارسة مهامهم‪،‬وذلك وفق ما أشارة إليه املادة الرابعة من النظام ألاساس ي‬
‫التي نصت على التالي‪ << :‬يؤدي موظفو هيئة كتابة الضبط عند تعيينهم وقبل الشروع في‬
‫ممارسة مهامهم اليمين القانونية أمام املحكمة التي يتم تعيينهم بها‪:‬‬
‫"أقسم باهلل العظيم أن أقوم بمهامي بوفاء وإخالص‪ ،‬وأن أحافظ على السر املنهي وأسلك‬
‫في ذلك مسلك املوظف النزيه"‪.‬‬
‫يجب أن يجدد هذا اليمين لكل موظف توقف عن العمل ملدة سنة أو أكثر‪>>.‬‬

‫بعد إطاللتنا املبسطة لهيئة كتابة الضبط‪،‬نطرح التساؤل التالي‪ :‬ما هي الوسائل الكفيلة‬
‫لتفعيل شعار "القضاء في خدمة املواطن" على أرض الواقع؟ وهو التساؤل الذي سنحاول‬
‫إلاجابة عنه في املباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬دور رئيس مصلحة كتابة الضبط‬

‫إخترنا الحديث عن مؤسسة رئيس مصلحة كتابة الضبط بصفة مستقلة ملا نعتقده من‬
‫كونها مؤسسة فاعلة ومؤثرة بشكل كبير في السير العادي وألامثل للعمل داخل كتابة‬
‫الضبط‪ ،‬وباعتباره الواجهة التي يقصدها املواطن أوال كلما إعترض سبيله في إلاجراءات أي‬
‫عراقيل سواء القانونية منها أو التنظيمية أو بسبب سوء فهم أو تفاهم مع موظف من‬
‫املوظفين‪.‬‬
‫وسنتناول هذه املؤسسة في التحليل من خالل التعريف بها في مطلب أول قبل التطرق إلى‬
‫دورها في تكريس شعار القضاء في خدمة املواطن في مطلب ثان‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مؤسسة رئيس مصلحة كتابة الضبط‬
‫يعد رئيس مصلحة كتابة الضبط الرئيس املباشر لكتابة الضبط‪ ،‬أشير إلى وجوده‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 6‬من ظهير التنظيم القضائي واملحددة مهامه أيضا في قرار وزير العدل‬
‫عدد ‪ 442/11‬الصادر بتاريخ ‪ 17‬شتنبر ‪ 2187‬حيث أوضحت املادة الرابعة منه أن مهامه‬
‫تتجلى في التسيير واملراقبة وتنسيق أعمال كتابة الضبط‪ ،‬فهو موظف عمومي وكاتب‬

‫‪33‬‬
‫‪.‬‬

‫للضبط وإطارا مسيرا ومساعدا للقضاء وأمينا على أموال منقولة (الصندوق) بوصفه‬
‫محاسبا عموميا (‪.)4‬‬
‫وحرصا منها على إختيار ألاطر الكفئة لهذه املهمة‪،‬وضعت وزارة العدل والحريات مجموعة‬
‫من الشروط‪،‬وحددت مهام رئيس مصلحة كتابة الضبط من خالل ملخص بطاقة الوظيفة‬
‫النوعية الخاصة به وذلك في إعالنها ألاخير الصادر في يونيو ‪ 1124‬بشأن إلاعالن عن مباراة‬
‫إنتقاء رؤساء املصالح ورؤساء كتابات النيابة العامة‪،‬واملنشور في موقعها للموارد البشرية‬
‫(‪ )5‬واملحدد في التالي‪:‬‬
‫اﻷﻧﺸﻄﺔ واﻟﻤﻬﺎم اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ‪:‬‬
‫• العمل على ترجمة برامج ومخططات عمل الوزارة إلى خطة عمل على مستوى كتابة‬
‫الضبط ضمن المﻬام الموكولة إليه؛‬
‫• اإلشراف اإلداري والمالي على كتابة الضبط بتنسيق مع المسؤول القضائي ‪،‬‬
‫• مراقبة سير اإلجراءات والمساطر بمختلف الشعب ‪،‬‬
‫• التنس ـيق م ـع مختل ـف الف ـاعلين ( المس ـؤولون ع ـن مراك ـز الحف ـظ الجﻬوي ـة – الم ـديرون‬
‫الفرعي ـون اإلقليمي ـون ‪ -‬مس ـاعدو القضاء‪،)........‬‬
‫• تتبع تنفيذ األحكام والقرارات لضمان استيفاء الديون العمومية ‪،‬‬
‫• حضور اجتماعات الجمعية العمومية العادية واالستثنائية‪،‬‬
‫• اإلشراف ومراقبة العمليات المحاسباتية للمحكمة بصفته محاسبا ‪،‬‬
‫• إعداد اإلحصائيات المتعلقة بالنشاط اإلداري والقضائي والمالي لكتابة الضبط وإحالتﻬا‬
‫على الجﻬات المعنية باإلدارة المركزية ‪،‬‬
‫• إشعار اإلدارات المعنية باإلسقاطات واإللغاءات في ميدان التنفيذ الزجري ‪،‬‬
‫• مسك السجالت النظامية التي تدخل ضمن اختصاصه و التأشير على السجالت النظامية‬
‫للتجار ‪،‬‬
‫• حفظ وصيانة أدوات اإلقناع والودائع الثمينة والنقدية وتصفيتﻬا ‪،‬‬
‫• المصادقة على العقود المحررة من طرف المحامين المتعلقة ببيع شقق الملكية‬
‫المشتركة ‪،‬‬
‫• المشاركة في اللجنة اإلقليمية المكلفة بإتالف الوثائق والملفات المتقادمة‪،‬‬
‫• تحرير و تسليم مختلف الشواﻫد و المحاضر و التوقيع على مختلف الوثائق‪،‬‬
‫• حفظ أصول األحكام والقرارات ووثائق الملفات الموجودة في عﻬدته ‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫‪.‬‬

‫• القيام باإلجراءات المتعلقة بطلبات إنكار العدالة‪،‬‬


‫• تنظيم وتدبير وتنمية الموارد البشرية داخل كتابة الضبط‪،‬‬
‫• توزيع األشغال بجﻬاز كتابة الضبط والعمل على توحيد مناﻫج العمل ‪،‬‬
‫• عقد اجتماعات دورية مع الفاعلين في مجال القضاء ومع موظفي كتابة الضبط ‪،‬‬
‫• الس ـﻬر عل ـى التنمي ـة المتواص ـلة لوع ـاء الكف ـاءات داخ ـل كتاب ـة الض ـبط وت ـأ طير وتوجي ـه‬
‫الم ـوظفين وإطالعﻬ ـم عل ـى المس ـتجدات‬
‫القانونية والتنظيمية‪،‬‬
‫• تنقيط أداء موظفي كتابة الضبط و إجراء مقابالت تقييم أدا ئﻬم الوظيفي‪،‬‬
‫إللمام بالنصوص المتعلقة بالمﻬمات المؤسساتية والثقافة التنظيمية لوزارة العدل‬
‫والحريات‪،‬‬
‫• الق ـدرة عل ـى توض ـيح اإلس ـتراتيجيات والسياس ـات والتوجﻬ ـات واألﻫ ـداف الخاص ـة‬
‫بالقط ـاع و ترجمتﻬ ـا عل ـى مس ـتوى‬
‫اختصاصات كتابة الضبط‪،‬‬
‫• اإللمام باألنظمة األساسية (النظام األساسي لرجال القضاء‪ ،‬النظام األساسي العام‬
‫للوظيفة العمومية‪ ،‬النظام األساسي لﻬيئة كتابة الضبط ‪)...،‬‬
‫• اإللمام بالنصوص القانونية (قانون المسطرة المدنية – قانون المسطرة الجنائية‪-‬‬
‫القانون اإلداري والمنازعات اإلدارية‬
‫– مدونة التجارة – مدونة األسرة ‪ -‬القوانين األساسية لمساعدي القضاء ‪)...‬‬
‫• المعرفة الجيدة ل لمحاسبة العمومية الخاصة بالقضاء وبصناديق المحاكم ( مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية ‪).....‬‬
‫• التدبير الجيد كتابة الضبط ( توزيع األشغال‪ ،‬تنشيط االجتماعات‪ ،‬تنسيق ومراقبة‬
‫وتتبع وتقيـيم عمـل مختلـف الشـعب‬
‫والمكاتب‪،)....‬‬
‫• ال ـتحكم ف ـي األدوات والتقني ـات التدبيري ـة واس ـتعمالﻬا (مرجعي ـة الوظ ـائف والكف ـاءات ‪-‬‬
‫الت ـدبير باألﻫ ـداف ‪ -‬تقني ـات‬
‫التواصل ‪ -‬تقنيات إعداد لوحات القيادة ‪ -‬تقنيات إجراء مقابالت تقييم األداء‬
‫الوظيفي‪،).....‬‬

‫‪35‬‬
‫‪.‬‬

‫• اس ـتعمال التطبيق ـات المعلوماتي ـة ذات الص ـلة ب ـاإلجراءات المس ـطرية و المعلومي ـات‬
‫المكتبي ـة وتكنولوجي ـا المعلوم ـات‬
‫والتواصل‪،‬‬
‫• تدبير الموارد البشرية‪،‬‬
‫• القدرة العالية على المالحظة والتحليل والتركيب؛‬
‫• اإلبداع والدينامكية وسرعة التفاعل؛‬
‫• القيادة‪ - leadership ،‬المرافقة‪coaching،‬‬
‫• القدرة على تنشيط فرق العمل وتطوير الكفاءات؛‬
‫• حس التواصل والعالقات اإلنسانية ؛‬
‫• النزاﻫة والشفافية والموضوعية والحياد‪........ ،‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬دور المؤسسة‬

‫إن الشروط التي وضعتها وزارة العدل والحريات لتقلد منصب رئيس مصلحة كتابة لم‬
‫تأتي إعتباطا وإنما إيمانا منها بالدور الهام والخطير الذي تقوم به هذه املؤسسة‪ ،‬والدور‬
‫جد املؤثر على سير العمل داخل املحاكم‪،‬وكما أسلفنا الذكر فهي وجهة املواطن ألاولى‬
‫لتسوية كل خالف أو مشكل قد يصافه وهو يلج ردهات املحاكم‪ ،‬كما أن تقديم خدمة في‬
‫املستوى املطلوب للمواطن يقف على التسيير الجيد لرئيس املصلحة لإلدارة التي يتولى‬
‫تسييرها‪،‬وبالتالي فإننا نرى ضرورة تحقيق مجموعة من النقاط حتى يقوم رئيس املصلحة‬
‫بدوره باحسن وجه‪،‬ومن خالله باقي املوظفين العاملين تحت عهدته‪ ،‬والتي نلخصها كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكفاءة والشخصية‪:‬‬
‫يفترض في رئيس املصلحة أن يكون ذا كفاءة عالية من الناحية العلمية والعملية‪ ،‬وأن‬
‫يتمتع بشخصية قيادية له القدرة على إلاقناع‪ ،‬وإيجاد الحلول لكل ما يواجه سير العمل‬
‫من إشكاليات‪ ،‬سواء من الناحية التنظيمية أو الشخصية في التعامل مع بعض‬
‫السلوكيات غير املهنية لفئة من املوظفين الذين ال يشعرون بأدنى مسؤولية في الواجب‬
‫امللقى على عاتقهم وهم يعملون ضمن أسالك الدولة و يتقاضون مقابل عملهم ألاجر الذي‬
‫يتوصلون به نهاية كل شهر‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.‬‬

‫وفي هذا إلاطار يجب أال يتهاون الرئيس مع كل مفرط في واجباته‪ ،‬لكن في املقابل من‬
‫الضروري تحفيز ألاكفاء منهم من الناحية املعنوية بتقدير مجهوداتهم‪،‬و تثمين الخدمات‬
‫الجيدة التي يقدمونها للمواطن في أحسن الظروف‪ ،‬ألن من شأن ذلك الرفع من‬
‫معنوياتهم‪،‬والسعي املتواصل لتقديم ألافضل ملرتفقي العدالة‪ ،‬وهذا ش يء الحظناه كثيرا‬
‫من الناحية العملية‪،‬فالتحفيز فن ال يتقنه الكثيرون ممن يتمسكون بالقيادة خصوصا‬
‫على مستوى هية كتابة الضبط‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التوزيع األمثل للمهام والمسؤوليات‬
‫إن تلقي مرتفقي املحاكم من متقاضين ومساعدي القضاء للخدمات وفق الشروط‬
‫املطلوبة‪،‬والجو املالئم يقتض ي أن تكون املصلحة تتوفر على تقسيم جيد للشعب‪ ،‬وتوزيع‬
‫أمثل للموارد البشرية عليها‪ ،‬وهذا يستوجب من رئيس املصلحة أن يكون ملما إملاما جيدا‬
‫بهذه الشعب ودورها‪ ،‬وما يمكنها أن تقدم للمرتفقين‪ ،‬وحجم الضغط الذي تعرفه كل‬
‫شعبة على حدة ليتمكن من التوزيع الجيد للمهام واملسؤوليات على املوظفين املوجودين‬
‫تحت عهدته‪.‬‬
‫فعلى على غرار الجمعية العمومية التي تعقدها املحكمة‪ ،‬نرى ضرورة عقد جمعية‬
‫عمومية مماثلة لهيئة كتابة الضبط‪،‬باإلضافة إلى إلاجتماعات الدورية التي يجب أن‬
‫يعقدها رئيس املصلحة مع املوظفين لتدارس كل إلاشكاليات املطروحة ‪ ،‬وما يواجهه سير‬
‫العمل من صعوبات ومحاولة إيجاد الحلول املالئمة بصيغة تشاركية مع الجميع‪ ،‬فليس‬
‫من املستساغ أن نجد ثلة قليلة من املوظفين يتحملون عبء أغلب املهام وأثقل‬
‫املسؤوليات‪ ،‬ليظل الباقي في شبه عطالة ال يفيدون املصلحة بش يء مهم يمكن أن يعطي‬
‫قيمة مضافة لها‪،‬‬
‫وهذا التوزيع ألامثل للمهام واملسؤوليات يطرح نفسه بقوة بعدما باتت تعرفه الهيئة من‬
‫تخصصات متنوعة بين القانون ‪،‬واملعلوميات‪ ،‬والهندسة‪،‬واملتخصصين في علم النفس‬
‫وإلاجتماع وغيرها‪...‬‬
‫ثالثا‪ :‬أهمية التكوين‬
‫من ألامور التي يغفل عنها ربما العديد من رؤساء املصالح هو تكوين املوظفين في جميع‬
‫الشعب التي تعرفها املصلحة‪ ،‬ولعل املوظف الجديد بمجرد إلتحاقه بالهيئة يعين في شعبة‬
‫محددة‪،‬أو قسم معين يمارس فيه مهامه طول حياته املهنية‪ ،‬وربما أيضا كان املوظف‬
‫الوحيد باملحكمة الذي يتقن تلك املهمة دون غيره من باقي املوظفين‪ ،‬وهنا ليس من العدل‬
‫‪37‬‬
‫‪.‬‬
‫ُ‬
‫واملنطق أن تعطل مصالح املواطنين و مساعدي العدالة ملجرد أن املوظف الفالني في‬
‫رخصة سنوية أو إستثنائية !‪ ،‬كما أن ذلك يفتح باب املقارنات بين املوظفين أنفسهم بين‬
‫من أسندت له مهام جسيمة تتطلب الكثير من الجهد والوقت‪ ،‬وبين غيره ممن ينعمون‬
‫باليسير منها‪ ،‬وبل قد نجد شعبا كأنها محفظة باسم أصحابها ال يمكن أن نتخيلهم في‬
‫شعب ومهام غيرها مما يطرح لدى من يعرف املصلحة جيدا ألف سؤال ! وهنا لن يدفع‬
‫ثمن هذا الخلل إال القاصدون للمحاكم لقضاء مآربهم الشخصية‪ ،‬وبالتالي نرى ضرورة‬
‫تغيير املوظفين فيما بينهم من شعبة ألخرى بعض مض ي زمن محدد (سنتين أو أربع سنوات‬
‫مثال في الشعبة الواحدة)‪،‬وفق ما يجعل املصلحة تحافظ على سيرها العادي‪،‬وما سيمكن‬
‫املسؤول املباشر من توفره على أطر لهم كفاءة وتجارب في شعب املصلحة‪ ،‬تمكنه من سد‬
‫الفراغات خصوصا إبان العطل السنوية أو إلاستثنائية للموظفين‪،‬ألن مشكلة النيابة لن‬
‫تطرح وقتها في هذا الصدد‪ ،‬وسيتمتع املرفق باستمراريته طول السنة مما سيمكن‬
‫املواطنين ومساعدي القضاء من قضاء مآربهم دون أدنى إشكال‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النهوض بأخالقيات المهنة‬

‫ال يكفينا دور رئيس مصلحة كتابة الضبط لوحده حتى تساهم الهيئة في التنزيل الفعلي‬
‫لشعار "القضاء في خدمة املواطن" على أرض الواقع في الشق املتعلق بها ضمن منظومة‬
‫العدالة باعتبارها جزئ ال يتجزأ من الجسم القضائي ككل‪،‬وإنما نحتاج ألن يكون يحتل كل‬
‫موظف فيها بأخالقيات املهنة وأدبياتها املتعارف عليها في كل القطاعات سواء العامة منها‬
‫أو الخاصة‪ ،‬غير أننا في كتابة الضبط نرى أننا ملزمون أكثر بالتمسك والنهوض بها حتى‬
‫نعطي الصورة ألامثل لهيئتنا‪،‬وجعلها تتبوأ املكانة التي تستحق‪ ،‬باعتبارها الواجهة ألامامية‬
‫املتفاعلة مع املتقاض ي وباقي ممارس ي املهن القضائية بصورة يومية‪.‬‬
‫وحرصا منها على النهوض بهذه ألاخالقيات‪،‬وضعت ودادية موظفي العدل املسودة ألاولية‬
‫ملدونة السلوك والقيم (‪ )6‬لهيئة كتابة الضبط‪ ،‬وبالرغم من بعض إلانتقادات التي وجهت‬
‫لهذه املدونة من تمثيلية نقابية بالقطاع‪،‬إال أننا نعتبرها خطوة جريئة من الودادية‪ ،‬ونقطة‬
‫تحتسب لها في إطار مقابلة الحق بالواجب‪،‬وملا ستشكله هذه القيم متى كرست في نفسية‬
‫املوظف العدلي واستشعر فيها الجانب املض يء الذي سيساعده على تطويره لنفسه نحو‬
‫‪38‬‬
‫‪.‬‬

‫ألافضل‪،‬ألن تطوير الذات يكتسبها إلانسان بالتعلم واملمارسة‪،‬فكتاب الضبط ليسوا‬


‫مالئكة حتى نرفض إقتراح مدونة للسلوك تنظم حياتهم املهنية بشكل مقنن‪ ،‬وإنما‬
‫وألخالقهم الفاضلة التي نحسبهم عليها بما تقتضيه حسن النية فيهم‪،‬نراها من باب الذكرى‬
‫التي تنفع املؤمنين‪.‬‬
‫جاء في ديباجة املسودة ما يلي‪<< :‬وال شك أن التحلي باألخالق املهنية الرفيعة في جهاز‬
‫كتابة الضبط أمر ضروري وحيوي بالنسبة للسير اليومي للعمل من جهة‪ ،‬ولتطوير هذا‬
‫الجهاز من جهة ثانية‪،‬في إلاتجاه الذي يجعل منه مساهما فعاال في إصالح الجهاز القضائي‬
‫ككل‪ ،‬ورافعا مهما للتنمية إلاجتماعية وإلاقتصادية‪ ،>>...‬وتتلخص أهم هذه ألاخالقيات في‬
‫التالي‪:‬‬
‫أوال‪:‬عدم التحيز أو التجرد‬
‫أي أن كاتب الضبط يحرص عند قيامه بعمله على إلانحياز التام وصيانة الحقوق‬
‫والضمانات املخولة لكافة ألاطراف دون تحيز‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬النزاهية‬
‫فكاتب الضبط يرفض كل إغراء مادي أو معنوي يؤثر على عمله‪ ،‬وعلى سير القضايا ‪،‬‬
‫ويس يء إلى كرامته وسمعة املرفق القضائي‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬المساواة‬
‫يعامل كاتب الضبط أطراف النزاع أو الوافدين على املحاكم على أساس املساواة وعدم‬
‫التميز‪.‬‬
‫رابعا‪:‬السرية‬
‫يتجنب كاتب الضبط إفشاء أي معلومة محمية بالسر املنهي ألية جهة غير مرخص لها‪.‬‬
‫خامسا‪:‬النجاعة‬
‫ينجز كاتب الضبط مهامه ووظائفه بكل دقة ومسؤولية لتقديم خدمات جيدة‬
‫للمتقاضين والوافدين واملساهمة في تحقيق أفضل النتائج للعدالة‪.‬‬
‫سادسا‪:‬اللياقة‬
‫يحرص كاتب الضبط على الظهور بمظهر الئق‪،‬ويمتنع عن أي سلوك مشين‪ ،‬ويتجنب كل‬
‫العالقات الشخصية املؤدية إلى الشبهات سواء مع الرؤساء أو الزمالء والزميالت أو‬
‫الوافدين‪.‬‬
‫سابعا‪:‬الشرعية‬
‫ينبغي أن يكون عمل كاتب الضبط مطابقا للقواعد القانونية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪.‬‬

‫ثامنا‪:‬الكفاءة‬

‫يحرص كاتب الضبط على الرفع من كفاءته املهنية بكل الوسائل الذاتية وإلادارية‬
‫املتاحة‪.‬‬
‫إن من شأن تفعيل هذه ألاخالقيات على ارض الواقع بالنسبة ملوظفي كتابة الضبط‬
‫سيفرز لنا ال محالة موظفا مثاليا يكون في خدمة املواطن‪،‬ويجعل القضاء ككل من خاللها‬
‫يكرس املبدأ‪ ،‬ونحن إذ نؤكد على وجود غالبية عظمى ممن يتحلون بهذه الصفات‪ ،‬لكننا ال‬
‫يمكن أن نجزم أن الجهاز نقي من التصرفات املشينة للبعض‪ ،‬كما أن ضغط العمل قد‬
‫يدفع باملوظف أحيانا إن إبراز ردود فعل عصبية تجعل املواطن يفهمها فهما خاطئا‬
‫كاإلهانة أو التماطل أو رغبة في تحصيل املوظف ملنفعة ما‪...‬‬
‫وال شك أن التمسك بهذه السلوكات سيفرز لنا أيضا نتائج إيجابية في تعامل موظفي‬
‫الهيئة مع الوافدين‪،‬وهذه النتائج نستخلصها في عرض ذ‪ .‬محمد ابرباش (‪ )7‬بعنوان "‬
‫قواعد السلوك املنهي بكتابة الضبط" أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬خلق صورة إيجابية لدى مرتفقي املحاكم‪،‬‬
‫‪ )1‬الرفع من جودة خدمات املحكمة‪،‬‬
‫‪ )3‬إعطاء صورة لقضاء نزيه وشفاف‪،‬‬
‫‪ )4‬حماية الجسد املنهي من املظاهر السلبية‪،‬‬
‫‪ )5‬املحافظة على املمتلكات العامة املوضوعة رهن إشارة املوظف‪،‬‬
‫‪ )6‬الجدية في التعامل مع طلبات املتقاضين‪،‬‬
‫‪ )7‬إلاستجابة لطلبات الوافدين وتقديم معلومات واضحة وكافية وفق املقتضيات‬
‫القانونية‪،‬‬
‫‪ )8‬تسهيل الولوج إلى كتابة الضبط‪،‬‬
‫‪ )1‬إلاحساس بالرقابة إلالهية‪،‬‬
‫حب العمل والتفاني في خدمة الناس‪...‬‬ ‫‪)21‬‬

‫‪41‬‬
‫‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التواصل‬

‫إن تحلي موظفي كتابة الضبط بأخالقيات املهنة أمر ضروري حتما‪،‬غير أننا نعتقد أنه‬
‫ليس كافيا متى كان التواصل مع الوافدين ناقصا‪ ،‬وقد عمدت إلى تخصيص محور‬
‫التواصل هذا بمبحث مستقل إيمانا مني بأهمية هذه السمة التي باتت من الفنون‬
‫ُ‬
‫الحديثة التي تدرس على أعلى املستويات في العالم بأسره‪،‬ملا تفرز من نتائج مبهرة متى‬
‫أستغلت بالشكل الصحيح والسليم‪ ،‬ألنه ال جدوى من معلومة جيدة‪ ،‬أو رسالة هامة‪ ،‬أو‬
‫ُ‬
‫مضمون مؤثر متى كانت قناة إيصاله معطلة أو مشوبة بعيب قد يجعلها تفهم على غير‬
‫حقيقتها‪.‬‬
‫ولكون كتابة الضبط في تفاعل يومي مع رواد املحاكم‪ ،‬فموظفوها أولى باكتساب مهارات‬
‫التواصل وفنونه حتى تتمكن من إيصال رسالتها والقيام بواجبها على أحسن وجه ملا فيه‬
‫خير لهذا الوطن ومواطنيه‪.‬‬
‫وفي تناولنا لهذا املبحث سنتطرق إلى إلاطار العام للتواصل (املطلب ألاول)‪،‬ثم إلاشارة إلى‬
‫الصعوبات املطروحة بشأنه على صعيد املحاكم (املطلب الثاني)‪ ،‬لنختم ببعض الحلول‬
‫املقترحة لحل هذه الصعوبات (املطلب الثالث)‪ ،‬مستعينين في ذلك بعرض ألاستاذ ندير‬
‫زيدان(‪ )8‬املعنون ب " التواصل مع الوافدين على املحاكم"‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار العام للتواصل‬


‫يعرف التواصل بكونه ظاهرة إجتماعية ترتبط بطبيعة إلانسان‪ ،‬وهي ضرورة حتمية‬
‫للفهم والتفاعل مع آلاخرين‪ ،‬فهو عملية نقل فكرة معينة او سلوك محدد وواضح من‬
‫شخص معين إلى شخص آخر كما هو‪،‬بحيث تصل الصورة إلى ذهن متلقيها كما هي في‬
‫ذهن مرسلها‪.‬‬
‫ويتطلب التواصل أركانا ثالثة هي‪:‬‬
‫_ أوال‪:‬املرسل أو املصدر‪:‬‬
‫وهو الجهة أو الشخص الذي يرغب في إرسال الرسالة والتي تتمثل في فكرة أو‬
‫معلومة‪،‬والرسالة هنا عبارة عن الرموز التي تحملها ألافكار والعلومات‪ ،‬وآراء املرسل‪ ،‬وهي‬
‫تأخذ أشكال كلمات سواء ناطقة أو مطبوعة‪ ،‬حركات‪ ،‬حروف‪ ،‬أصوات أو أرقام‪.‬‬
‫_ ثانيا‪:‬املرسل إليه‪:‬‬
‫‪41‬‬
‫‪.‬‬

‫وهو الشخص الذي يستقبل الرسالة من خالل الحواس املختلفة كالسمع والبصر‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫_ ثالثا‪:‬قناة التواصل‪:‬‬
‫وهي وسيلة التواصل بين املرسل واملرسل إليه‪ ،‬سواء كتابية كالرسائل واملذكرات‪ ،‬أو‬
‫شفوية‪ ،‬أو عبر وسائل إلاتصال املادية‪ :‬أنترنيت‪ ،‬هاتف‪...‬‬
‫ولإلتصال نتيجة تتوقف على نقطتين أساسيتين هما قدرة استيعاب املتصل به ملوضوع‬
‫التواصل ومدى تفاعله وتجاوبه‪ ،‬وثانيهما رد الفعل الذي يتركه موضوع إلاتصال لديه‪،‬‬
‫وهل أنتج أثره في ذهنه‪،‬وهل عملية التواصل قد تمت على الوجه املطلوب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صعوبات التواصل بالمحاكم‬
‫لخص ألاستاذ ندير هذه الصعوبات في مجموعة من النقاط أهمها‪:‬‬
‫‪ )2‬جهل العموم لإلجراءات واملساطر القضائية والخيارات املسطرية املتاحة أمامه‪،‬‬
‫‪ )1‬عدم فهم املصطلحات القانونية والقضائية واملسالك القضائية املحددة‪،‬والتي‬
‫تحتاج إلى درجة من التكوين القضائي املسبق حتى يتمكن الشخص من إستيعابها‪،‬‬
‫‪ )3‬عدم معرفة املواطن لحقوقه وواجباته القانونية‪،‬‬
‫‪ )4‬تفش ي ألامية في عدد من املتقاضين هذا النقص الذاتي يجعل الشخص ألامي ال يثق‬
‫في الشخص الذي يحاوره‪،‬‬
‫‪ )5‬التكلم باللهجات املحلية في بعض املناطق‪( ،‬والتي ال يتقنها املوظف)‪،‬‬
‫‪ )6‬وجود أفكار وانطباعات مسبقة لدى البعض ال تساعد على الثقة في املؤسسات‬
‫القضائية مثل تفش ي املحسوبية والرشوة‪..‬الخ‪،‬وتخلق أزمة ثقة بين املحاكم‬
‫والوافدين عليها‪،‬‬
‫‪ )7‬التخوف والتوجس من ولوج فضاء املحكمة واعتباره عند البعض فضاء خاص‬
‫بمحاكمة املجرمين وبالعقاب فقط ألنه مرفق خاص بعينة خاصة من فئات‬
‫املجتمع‪،‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬بعض الحلول المقترحة لتحسين جودة التواصل بالمحاكم‬
‫إن أهم نراه ضروريا حتى نرقى بالتواصل بين موظفي كتابة الضبط والوافدين على‬
‫املحاكم هو تكوين املوظفين في مجال التواصل بعقد دورات تكوينية مستمرة في هذا‬
‫املجال‪،‬وقد قامت وزارة العدل والحريات في إحدى دورات التكوين ألاساس ي للمحررين‬
‫القضائيين سنة ‪ 1121‬بإدراج مادة التواصل وفنونه في برامج التكوين‪ ،‬غير أننا نرى ضرورة‬
‫إدراجه ضمن التكوين املستمر على مستوى الدوائر القضائية للمملكة‪،‬وتقديم أي جديد‬
‫‪42‬‬
‫‪.‬‬

‫في هذا املضمار‪،‬تطويرا للموظف من جهة‪،‬و خدمة للمواطن من أخرى باعتباره الغاية‬
‫وألاساس من ذلك كله‪.‬‬
‫ومن الحلول التي أوردها ذ‪ .‬ندير في عرضه القيم‪:‬‬
‫‪ )2‬إلاستماع (فحسن إلاستماع باب مهم لفهم غاية املتقاض ي وطلبه)‪،‬‬
‫‪ )1‬إبداء التعاطف مع وضعية املخاطب‪،‬‬
‫‪ )3‬إعادة ذكر مضمون الطلب‪،‬‬
‫‪ )4‬إستعراض الخيارات املطلوبة‪،‬‬
‫‪ )5‬تعميم مراكز إلارشاد والتوجيه بكل املحاكم‪،‬‬
‫‪ )6‬إعداد مطويات حول تنظيم املحاكم وكيفية سيرها واملساطر املتبعة (وهو ما طبقته‬
‫وزارة العدل والحريات فعليا في آلاونة ألاخيرة)‪،‬‬
‫‪ )7‬تنظيم تظاهرات وأيام مفتوحة للعموم على مستوى كل دائرة قضائية وذلك‬
‫بشراكة مع مختلف الفاعلين على املستوى الحقوقي وإلاقتصادي والجامعي وذلك‬
‫للتعريف بمجهودات العاملين في الحقل القضائي‪...‬‬
‫‪ )8‬التفعيل الجيد ملكاتب الاستقبال وإلارشاد‪،‬وتكليف موظفين يتقنون اللهجات‬
‫املحلية للتواصل مع املواطنين الذين ال يحسنون غيرها‪ ،‬وكذا املوظفين الذين‬
‫يتقنون اللغات ألاجنبية في املحاكم التي يلجها ألاجانب‪،‬‬
‫‪ )1‬تخصيص سجل خاص رهن الوافدين على املحكمة لتسجيل مالحظاتهم وإقتراحاتهم‬
‫وشكاياتهم وترسيخ الباب املفتوح في املؤسسات القضائية‪،‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬اإلدارة المعلوماتية‬

‫من املعلوم أن كل إلاجراءات في ألادارة القضائية تقوم بها‪ ،‬وتقدمها كتابة الضبط‬
‫للوافدين على املحاكم‪،‬و تحقيقا لخدمة ذات جودة عالية ومبسطة تستطيع الهيئة‬
‫تقديمها في أحسن الظروف هو توظيف النظام املعلوماتي في هذا إلاطار ملا له من مميزات‬
‫لم تعد خافية على العام والخاص‪.‬‬
‫ويقوم تطوير إلادارة املعلوماتية على جعلها املواطن املحور ألاساس ي إلهتماماتها ليتسنى‬
‫لها بذلك توفير خدمات جديدة ذات جودة عالية تتماش ى وحاجياته وتطلعاته‪.‬وذلك بسرعة‬

‫‪43‬‬
‫‪.‬‬

‫وقدرة متناهية وبمجهود وتكاليف أقل من خالل موقع واحد أو عدة مواقع مرتبطة بشبكة‬
‫ألانترنيت‪،‬‬
‫ومن فوائد هذه إلادارة أيضا تكريس الشفافية وإتاحة املعلومة وكل إلاجراءات املتعلقة‬
‫بامللفات الرائجة واملحكومة للمتقاض ي‪،‬كما يتيح ذلك الرفع من توعية املواطن بالتقنيات‬
‫الحديثة والتحول الذي يطال املجتمع وتحويله إلى مجتمع معلوماتي متطور بات هو هدف‬
‫كل الدول املتقدمة منها والنامية‪.‬‬
‫وقد أتاحت وزارة العدل والحريات هذه الوسائل املعلوماتية‪ ،‬كما وظفت عدد مهما من‬
‫املوظفين ذات التخصصات التقنية في إلادارة‪ ،‬غير أنها بادرة لم تعمم بالشكل املطلوب على‬
‫كل محاكم اململكة‪ ،‬تباينت في مستوياتها في املحاكم املوظفة فيها‪،‬مع تسجيل أن العديد‬
‫من مراكز القضاة املقيمين محرومة منها بالكلية‪ ،‬وبالتالي فإنجاح هذه البادرة باملحاكم‬
‫حتى تتمكن كتابة الضبط من القيام بمهامها خدمة للمواطن الذي هو الهدف وألاساس‬
‫يحتم على الوزارة الوصية توفير مستوى مناسب من البنية التحتية واملوارد البشرية‬
‫املؤهلة ‪،‬مع إعتماد تكوينها باستمرار في هذا املجال الخصب املتجدد‪.‬‬
‫غير أننا نسجل أهم العراقيل التي تواجه هذه التحدي هو عدم الغالبية العظمى من‬
‫املتقاضين باألساليب املعلوماتية‪،‬كما أن عددا غير يسير من مساعدي القضاء ال يتفاعل‬
‫مع النظام املعلوماتي‪ ،‬إذ يفضلون التواصل املباشر مع أطر كتابة الضبط وأخذ إلاجراءات‬
‫مباشرة من السجالت‪ ،‬ونفس الش يء مع املواطنين الذي ال يكتفون بأخذ إلاجراء وإنما‬
‫يستفسرون على تساؤالتهم ويرغبون في إجابات مباشرة من املوظف املكلف‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أن كتابة الضبط تتحمل مسؤوليتها الكبيرة في تحقيق دور إلادارة‬
‫املعلوماتية‪ ،‬وذلك من خالل املواكب املستمرة لتصفية امللفات على النظام املعلوماتي حتى‬
‫يتسنى ملستعمليه الوصول إلى املعلومة وإلاجراء في أجله املعقول‪ ،‬مع تحري الدقة‬
‫املطلوبة‪ ،‬إذ ال يعقل أن يلج راغب إلاجراء إلى النظام فال يجده أو يصل إلى إجراء خطئ قد‬
‫يؤثر بالكامل على مساطر املرحلة التالية من تقاضيه‪ ،‬كأن يأخذ تاريخ جلسة خاطئة‬
‫ليتخلف عن الجلسة الحقيقة‪ ،‬فيتفاجأ بصدور حكم في غيابه !‬
‫وبالتالي فدور الجميع قائم في هذا الصدد لتحقيق هذا الورش الهام الذي بات من‬
‫الضروريات ليس في إلادارة القضائية‪ ،‬وإنما غاية كل إلادارات ألاخرى‪ ،‬ملا له من مميزات‬
‫كبرى أهمها تقديم خدمات جيدة لعموم املواطنين‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬توحيد عمل هيئة كتابة الضبط‬

‫من ألامور التي نراها هامة وضرورية لتقوم من خاللها كتابة الضبط بالدور املنوط بها على‬
‫أحسن وجه هو توحيد عملها على الصعيد الوطني‪ ،‬وذلك لن يتأتى إال بتنظيم لقاءات‬
‫تشاورية مع ممثلي الدوائر القضائية من ألاطر ألاكفاء للهيئة ممن لهم تجربة ميدانية كبيرة‬
‫وتصورات حول العمل املوحد لكتابة الضبط باشراف من الوزارة الوصية وتنسيق مع كل‬
‫مكونات املنظومة العدلية بالدولة‪.‬‬
‫فالعمل داخل كتابة الضبط ال يزال يعرف تباينا من محكمة إلى أخرى‪،‬قد يقف عليها‬
‫بامللموس بصفة خاصة السادة املحامين الذين ينتقلون بحكم عملهم من محكمة إلى‬
‫أخرى باململكة‪،‬وكذا املوظفين والقضاة املنتقلين من دائرة قضائية إلى دائرة جديدة‪ ،‬وحتى‬
‫ذلك املواطن الذي يأتي من مدينة وهو يحمل معلومات ووثائق بناء على إستشارة تلقاها‬
‫بمدينته‪،‬ليتفاجأ بشروط أخرى باملحكمة الجديدة محل تقاضيه‪.‬‬
‫فمن املحاكم مثال من يعتمد واجب التنبر في تسليم نسخ ألاحكام والقرارات مع إختالف‬
‫قيمة التنبر من محكمة إلى محكمة‪ ،‬ومنها من يسلمها دون هذا الواجب إستنادا إلى‬
‫إجتهادات املحكمة إلادارية‪ ،‬وهناك سجالت يعمل بها في محكمة وال ُيعن لبها في أخرى‪،‬‬
‫ومنها من تفرض تقديم الطلبات في الحصول على إلاجراء أو تصوير الوثائق ومنها من ال‬
‫تعتمد على ذلك إلى غيرها من املسائل ألاخرى املتعددة التي أكيد لن تكون في مصلحة‬
‫املواطن الذي يجب توفير الخدمات له بأبسط املساطر وأسرعها‪.‬‬
‫ونتمنى أن يتم حل هذا إلاشكال ضمن التصور الجديد حول الهيكلة املزمع تنظيم هيئة‬
‫كتابة الضبط بها على الصعيد الوطني‪ ،‬وتنزيل ذلك أيضا من خالل إلاصالح الشامل‬
‫والعميق ملنظومة العدالة‬

‫‪45‬‬
‫‪.‬‬

‫إن هيئة كتابة الضبط‪ ،‬ونظرا لدورها جد الهام ضمن العمل القضائي‪ ،‬وتحقيقها‬
‫للشروط التي أشرنا إليها في الفصل الثاني من هذا البحث املتواضع‪ ،‬ال شك أنه سيجعلها‬
‫حقا في خدمة املواطن‪ ،‬وستفعل املبدأ على مستوى العمل القضائي ككل‪ ،‬سيما وأن‬
‫مبادئ شعار "القضاء في خدمة املواطن" املسطرة في الخطاب امللكي السامي بخصوصه‪،‬‬
‫تجد أرضها الخصبة ضمن عمل الهيئة‪ .‬فمبدأ تقريب القضاء من املتقاضين‪ ،‬وتوفير‬
‫املساطر املبسطة السريعة‪،‬واملساهمة في التحفيز والتنمية‪ ،‬وإلاعتماد علبى الهياكل‬
‫الحديثة له إرتباط مباشر بها‪ ،‬فمتى تمكنت من تنزيل مهامها على أرض الواقع مع شرط‬
‫إتاحة إلامكانية الضرورية لذلك‪،‬سنلمس أكيد تحقق هذه املبادئ من الناحية العملية‬
‫واملمارساتية للعمل داخل املحاكم‪.‬‬
‫كما أن قيام كتابة الضبط بدورها وفق ما تقتضيه القوانين والنظم‪ ،‬مع تطبيق إلاحترام‬
‫الصارم لألجاالت القانونية‪ ،‬سيساهم أكيد على إصدار القضاة ألحكام نزيهة‪ ،‬وسيشكل‬
‫ذلك لبنة مهمة من صرح دولة الحق والقانون الذي تسعى بالدنا إلى تثبيته بكل جدية‬
‫وحزم‪.‬‬

‫تم بحمد هللا‬


‫ورزازات في ‪ 11‬شتنبر ‪1124‬‬

‫‪46‬‬
‫‪.‬‬

‫الهوامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش‪:‬‬

‫التمهيد‪:‬‬
‫(‪ )1‬لقد عمد المهتمون بالشأن القضائي إلى تعريف القضاء بناءا على معيارين ‪:‬‬
‫‪ -‬المعيار الوظيفي‪ :‬ويعرف القضاء إنطالقا من الدور المنوط به باعتباره المؤسسة الفاصلة في النزاعات‬
‫القائمة بين مكونات المجتمع ( أشخاص طبيعيين أو معنويين ) عن طريق أحكام و قرارات مبنية على محاكمة‬
‫عادلة و التي تظل واجبت التنفيذ إللزاميتها ولو عن طريق القوة و اإلكراه وفق الشكليات و المساطر‬
‫المنصوص عليها قانونا‪.‬‬
‫‪ -‬المعيار العضوي ‪:‬و يعرف القضاء من خالل مكوناته األساسية من قضاة‪،‬و كتابة اضبط‪ ،‬وإدارة‬
‫مركزية‪،‬وباقي مساعدي القضاء‪.....‬‬
‫(‪ )2‬تنظم هيئة كتابة الضبط بالمغرب بمقتضى المرسوم رقم ‪ 2.11.1.2‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬شوال ‪1122‬‬
‫الموافق ل ‪ 11‬شتنبر ‪ 2111‬بمثابة النظام األساسي لها‬

‫(‪)2‬المهن القضائية‪ :‬عرض لألستاذ محمد رفيق‪ ،‬منتدب قضائي بمحكمة اإلستئناف بمراكش‬

‫(‪ )1‬خطابه المؤرخ في ‪ 22‬يناير ‪2112‬‬

‫الفصل األول‬
‫(‪ )1‬ذ‪ /‬محمد األعرج‪.‬إصالح القضاء و ضمان استقالله‪.‬المجلة المغربية لللسياسات العمومية‪،‬العدد ‪ 1.‬ص‬
‫‪12‬‬

‫(‪ )2‬من هذه المواد التي طالها النقاش بحدة كذلك قانون المسطرتين المدنية و الجنائية‪،‬و التنظيم القضائي‬
‫للمملكة‪،‬و القانون الجنائي‬

‫(‪ )2‬د‪.‬أحمد مفيد‪.‬الضمانات االدستورية والقانونية الستقالل السلطة القضائية‪.‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪22‬‬

‫(‪ )1‬المتمثلة في وزارتي العدل و التنمية اإلجتماعية و األسرة و التضامن‪ ،‬و صندوق األمم المتحدة‬
‫اإلنمائي للمرأة لشمال إفريقيا‬

‫(‪ )1‬رئيس المكتب الجهوي للمفوضين القضائيين بمحكمة اإلستئناف بالدار البيضاء‪ .‬مقال له بعنوان <‬
‫كفى ‪ ...‬لنتصالح مع عدالتنا > منشور في جريدة الصباح بتاريخ ‪ 12‬أكتوبر ‪2111‬‬

‫(‪ )6‬ونقصد هنا مؤسسة قضاء القرب التي أتى بها التنظيم القضائي الجديد للمملكة‪،‬و التي يسعى المشرع‬
‫من وراء إحداثها تفادي اإلنتقادات الجمة الموجهة لمحاكم الجماعات و المقاطعات‪.‬‬
‫لإلطالع على وجهة نظر أستاذنا عبد الكريم الطالب بخصوص محاكم الجماعات و المقاطعات‪،‬راجع مؤلفه‬
‫التنظيم القضائي المغربي طبعة يونيو ‪ 2116‬ص ‪22_21‬‬

‫‪47‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ ).‬و طبعا على القائم بهذا الواجب اإللتزام بالضوابط التي من شأنها جعله ال يتعدى مهامه و تبني مهمة‬
‫اإلستشارات القانونية التي تبقى من إختصاصات السادة المحامين‪.‬‬
‫راجع بخصوص هذا المادة ‪ 21‬سيما الفقرة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 12/22‬المتعلق بتعديل القانون المنظم‬
‫لمهنة المحاماة‪،‬الصادر بتفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.12.111‬بتاريخ ‪ 21‬شوال ‪ 1122‬الومافق ل ‪21‬‬
‫أكتوبر ‪2112‬‬

‫(‪ )2‬كنهج وزارة العدل لسياسة األيام المفتوحة مرة واحدة سنويا‬

‫(‪ )2‬نالحظ غير ما مرة قيام بعض أطر كتابة الضبط (منتدبين و محررين) عند ملئهم لبعض المطبوعات‬
‫المتعلقة مثال بمحاضر التنفيذ‪،‬أو المطبوعات الخاصة بتلقي بعض طرق الطعن يشطبون على كلمتي كاتب‬
‫الضبط ليضع بدلها إطاره الذي ينتسب إليه‪.‬‬
‫و في اعتقادنا بهذا الخصوص أن صفة كاتب الضبط واجبة اإلستعمال في كافة األشغال التي يقوم بها‬
‫موظف هيئة كتابة الضبط بغض النظر عن اإلطار الذي ينتمي إليه‪ ،‬فالمسطرتان المدنية و الجنائية لم‬
‫تخاطباه إال بتلك الصفة ‪.‬أما اإلطار اإلصلي فيتم التعامل به في المراسالت اإلدارية الشخصية‪ ،‬وكذا في‬
‫الندوات و المؤلفات بعد إذن الوزارة الوصية‪.‬‬

‫(‪ )11‬المرجع السابق‬

‫(‪)11‬خطاب المغفور له الحسن الثاني بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1982‬بمناسبة اجتماعه بقضاة المملكة‪،‬ومن‬
‫فقراته‪ " :‬إن مسؤولية القاضي ليست أجسم من مسؤولية كاتب الضبط‪ ،‬ومسؤولية المحامي ليست أجسم‬
‫من مسؤولية القاضي ‪،‬والتنفيذ أكبر المسؤوليات‪ .‬ذلك أن عدم التنفيذ يصل به اإلنسان إلى استنتاجين ‪:‬‬
‫األول ‪:‬أن القضية لم تأخذ بعين االعتبار في الموضوع ولو حكم فيها‪ ،‬وأعتقد أن المحكوم له أو المحكوم‬
‫عليه ان هذا على صواب وهذا على خطأ فعدم التنفيذ والتماطل في التنفيذ يجر المرئ إلى تفكير آخر هو‬
‫انحالل الدولة"‬

‫(‪ )12‬ذ‪ /‬سعيد بورمان‪،‬المرجع السابق‬

‫(‪ )12‬نعتقد أن هذه المدة المقترحة تعد األنسب لما ستوفره من تجربة و ممارسة هامتين لتعدد المساطر و‬
‫القوانين من جهة‪،‬و ما ستوفره من نضج في الملكات العقلية للشخصمن جهة ثانية‪.‬‬
‫فإن كانت من الناحية العملية هذه هي المدة المتطلبة في المنتدبين القضائيين (السلم ‪ )11‬المرشحين لتقليد‬
‫مناصب مسؤولية رئاسة مصلحة كتابة الضبط أو كتابة النيابة العامة‪،‬فتقليد مسؤولية القضاء أولى بذلك‪.‬‬

‫(‪ )11‬و قد قيل بأن لباسك يرفعك قبل جلوسك‪،‬و علمك يرفعك بعد جلوسك‪.‬‬

‫(‪ )11‬المرجع السابق‪.‬‬

‫(‪ )16‬صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.21‬بتاريخ ‪ 22‬يوليوز ‪.2111‬‬

‫(‪ )1.‬سناء كريم‪،‬مقال منشور لها بجريدة التجديد تحت عنوان "السلطة القضائية في مشروع الدستور‬
‫الجديد"‪،‬بتاريخ ‪ 21‬يونيو ‪.2111‬‬

‫(‪ )12‬ذ‪ /‬إدريس المشترائي‪،‬قاض سابق و محام بهيئة آسفي‪،‬مقال له بجريدة الصباح تحت عنوان "موقع‬
‫السلطة القضائية في الدستور الجديد"‪،‬منشور بتاريخ ‪ 12‬شتنبر ‪211‬‬

‫(‪ )12‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪48‬‬
‫‪.‬‬

‫(‪ )21‬من النقاط التي لم تلقى التعديل عدم تعميم الحماية من العزل و النقل إال بمقتضى القانون ليشمل‬
‫القضائين الواقف (النيابة العامة) و الجالس‪،‬حيث نص الفصل ‪ 112‬على مايلي ‪ " :‬ال يعزل قضاة األحكام و‬
‫ينقلون إال بمقتضى القانون‬

‫الفصل الثاني‬

‫(‪ )2‬ذ المصطفي الغشام الشعيبي ‪ ،‬منتدب قضائي من الدرجة الثانية ‪ ،‬مدير المركز المتوسطي للدراسات‬
‫القانونية والقضائية بأصيلة ‪ ،‬مقال له بعنوان "هيئة كتابة الضبط عمود إصالح العدالة"‪ ،‬منشور بموقع‬
‫‪http://www.marocdroit.com/‬‬
‫(‪)1‬ذ‪ .‬محمد الوكاري‪ ،‬منتدب قضائي بالمحكمة التجارية بأكادير‪،‬موضوع له بعنوان "كاتب الضبط‪ :‬المهام‬
‫والمسؤوليات"‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫(‪ )3‬فقد نص فصله الثاني على أنه " يتكون موظفو المحاكم بالمملكة من األسالك التالية‪ )1 :‬سلك‬
‫المعاونين‪ )2 ،‬سلك أعوان المكتب‪ )2 ،‬سلك كتاب الضبط‪ )1 ،‬سلك المحررين القضائيين‪ )1 ،‬سلك‬
‫المنتدبين القضائيين‪ )6 ،‬سلك المنتدبين القضائيين اإلقلميين‪".‬‬

‫(‪)4‬ذ‪ .‬عبد الواحد علومي‪ ،‬منتدب قضائي من الدرجة الثانية ورئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة اإلدارية‬
‫اإلستئنافية بمراكش‪ ،‬عرض له بعنوان "التنظيم الهيكلي لكتابة الضبط"‬
‫(‪www.drh.justice.giv.ma )5‬‬
‫(‪ )6‬أنظر موقعها على األنترنيت‪www.afj.ma :‬‬
‫(‪ )7‬منتدب قضائي بالمحكمة اإلبتدائية بالخميسات‪.‬‬
‫(‪)8‬منتدب قضائي من الدرجة الثانية‪،‬ورئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة اإلبتدائية بآسفي‪.‬‬

‫‪49‬‬

You might also like