You are on page 1of 153

‫جامعة الجزائر ‪- 1 -‬‬

‫كلية الحقوق ‪ -‬بن عكنون ‪-‬‬

‫مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق تخصص ق انون جنائي و علوم جنائية‬

‫بعنوان‬

‫ج ريمة ت زوي ر المح ررات على ضوء‬


‫االجتهاد الق ضائ ي‬

‫تحت إشراف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫الدكتور زوينة عبد الرزاق‬ ‫حمري العكري‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‪:‬‬

‫رئيسا‬ ‫األستاذ‪ :‬د‪ .‬خوري عمر‬

‫عضوا و مقررا‬ ‫األستاذ‪ :‬د‪ .‬زوينة عبد الرزاق‬

‫عضوا‬ ‫األستاذة‪ :‬مبروك حورية‬

‫السنة الجامعية‪2112 - 2112 :‬‬


‫شكر و تقدير‬

‫أول الشكر و آخره هلل العلي القدير الذي أنار لي درب العلم و المعرفة وأعانني‬
‫على إنجاز هذا العمل وإتمامه‪.‬‬

‫كما اتوجه بجزيل الشكر و االمتنان إلى كل من ساعدني من قريب أو بعيد على‬
‫إنجاز هذا العمل و في ذليل ما واجهته من صعوبات وأخص بالذكر األستاذ‬
‫المشرف الدكتور زوينة عبد الرزاق الذي لم يبخل علي بتوجيهاته و نصائحه‬
‫القيمة التي كانت عونا لي في إتمام هذا البحث‪.‬‬
‫إه داء‬

‫إلى من ال يمكن للكلمات أن توفي حقهما‬

‫إلى من ال يمكن لألرق ام أن تحصي فضائلهما‬

‫إلى والدي العزيزين أدامهما اهلل لي‬

‫إلى إخوتي و اخواتي‬

‫إلى كل األصدق اء و الزمالء‬


‫مـقـــــدمـــــــة‪:‬‬

‫إن الجريمة بمختلف صورها تقتضي تعامل اجتماعي سواء في إطار األسرة أو القبيلة أو العشيرة أو‬
‫المجتمع أو الدولة بمفهومها الحديث يتغلب فيه الجانب السلبي من النفس البشرية عن الجانب االيجابي منها‪،‬‬
‫والذي قد يتمثل في الغضب أو الحقد أو االنتقام أو الضغينة أو الحسد أو الكره‪...‬إلخ‪ .‬يعد الكذب أحد‬
‫المظاهر السلبية للنفس البشرية والذي يتمثل في إحالل الباطل محل الحقيقة‪ ،‬وهي صفة شيطانية مصاحبة‬
‫لإلنسان‪ ،‬يأنف منه الناس غير العاديين كاألنبياء والرسل والمالئكة‪ ،‬تنهى عنه قواعد الدين واألخالق‪.‬‬

‫فقد أمرت الشريعة اإلسالمية بالصدق في القول والعمل وجعلته أساس المعامالت والعبادات وسبيل‬
‫النجاة والفوز في الدنيا واآلخرة ولذلك أوصت به ورغبت فيه‪ .‬فقال جل جالله‪ ﴿:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل‬
‫و كونوا مع الصادقين﴾ (التوبة ‪ ،)111‬وقد نهت الشريعة وحذرت وتوعدت كل من حرف الحقيقة والواقع و‬
‫شهد بالزور والبهتان‪ 1.‬وقد قرن القرآن الكريم شهادة الزور بالرجس و األوثان والشرك فقال عز و جل‪﴿:‬‬
‫فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء هلل غير مشركين﴾ ( الحج‪ .)03,01‬ويقول اهلل تعالى‬
‫في كتابه الكريم‪ ﴿:‬وال تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون﴾ (البقرة‪.)24 ،‬‬

‫غير أنه إذا كان األساس في األمور الصدق واألمانة‪ ،‬فإنه ال يمكن إلزام أي شخص بالصدق‬
‫والصحة والنبل واالستقامة واحترام الحقيقة في كل ما يفعل ويقول ويكتب‪ ،‬وانما يقع على اإلنسان واجب‬
‫الحيطة والحذر في تعامالته‪ ،‬فالكذب وان كان يعتبر دائما إثما ونقيصة خلقية واجتماعية تجر على من‬
‫يتعاطاه الجزاء الديني واللوم األخالقي واالستهجان االجتماعي‪ ،‬فإن الكذب المجرد ال يعد جريمة وفقا للقواعد‬
‫العامة‪ ،‬غير أنه إذا انتقل إلى المواضيع والحلقات والدوائر الجدية المؤذية بنتائجها وآثارها‪ ،‬فتعرض المصالح‬
‫الفردية والجماعية‪ ،‬المادية والمعنوية لخطر جسيم‪ ،‬يصبح من الضروري بمكان ردع وزجر هذا التصرف‬
‫بوصفه جريمة تستوجب تدخل القانون الجزائي لمعاقبة حاالت معينة من الكذب يستحق مرتكبها العقاب من‬
‫بينها ما يسمى جرائم التزوير‪ .‬التي تقوم كلها على تغيير الحقيقة في أشياء وقيم ومحررات تتمتع بقيمة‬
‫قانونية باعتبارها أدوات ال غنى عنها في تسيير الحياة اليومية ألفراد المجتمع بحيث يصبح االنتقاص من‬
‫مظهرها القانوني والكذب بشأنها مستحقا للعقاب‪ ،‬ولهذا فرغم تعدد مجاالت التزوير فإن المصلحة المعتدى‬
‫عليها أو المعرضة لخطر االعتداء تكاد تكون واحدة وهي حماية ثقة األفراد في هذه األشياء والقيم‬
‫والمحررات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد بوساق‪ .‬التزوير وعقوبته‪ ،‬مجلة األمن والحياة‪ ،‬العدد ‪ 22 .222‬مايو‪ /‬يونيو ‪ 2222‬ربيع األول ‪ ،2222‬ص ‪.02-02‬‬
‫‪1‬‬
‫فكان التزوير غير مقبول حتى من األعراف والعوائد و الشرائع الجزائية القديمة‪ ،‬حيث عرف لدى‬
‫الحضارات القديمة من يونانية ورومانية وفرعونية وبابلية وآشورية وهندية وفارسية‪،...‬حيث مارسوه وسلكوا‬
‫إليه سبال متعددة ومتنوعة حتى شملت التزوير بالمحو واإلضافة والنقل والتقليد‪ ،‬وهي األساليب التي يمارسها‬
‫المزورون اليوم‪ .‬فقد صدرت في روما القديمة عدة تشريعات جزائية تعاقب على التزوير ومنها خاصة القانون‬
‫المعروف ‪ Cornelia de falsis‬عام ‪ 272‬قبل الميالد‪ ،‬الذي تضمن عدة نواحي واجراءات حيث نص على‬
‫جرائم الشهادة الكاذبة‪ ،‬واليمين الزور‪ ،‬وتزييف العملة‪ ،‬والجرائم الواقعة على الوصيات والهبات ومنها إخفائها‬
‫‪1‬‬
‫واتالفها وتعييبها وتحويرها وتشويهها وكذلك انتحال الصفة واالسم‪.‬‬

‫وكانت جرائم التزوير متوحدة مختلطة إلى أن جاء قانون نابليون لسنة ‪ 2122‬الذي كان له الفضل‬
‫في تفريق وتمييز مجاالت التزوير‪ ،‬وقسمها إلى ثالث مجاالت وهي‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان التزوير بالقول فإن ذلك يشكل جرائم خاصة كالشهادة الكاذبة واليمين الزور‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان التزوير بالفعل فيقع تحت طائلة التجريم تقليد العالمات واألختام وتزييف العمالت‪.‬‬
‫‪ -‬واذا كان التزوير بالكتابة فتقع جريمة التزوير بالمحررات‪.‬‬

‫وهو التقسيم الذي اعتمدته معظم التشريعات العقابية الحديثة‪ ،‬ومنها قانون العقوبات فقد خصص‬
‫الفصل السابع من الكتاب الثاني منه لجرائم التزوير بكاملها فجمعها كلها على أساس العنصر المشترك الذي‬
‫يدخل في تكوينها معا وهو تغيير الحقيقة‪ ،‬فتفادى انتقاء أي تسمية لها حيث ورد العنوان اإلجمالي بعبارة‬
‫«التزوير» في الفصل السابع‪ .‬وقسمها إلى أربع مجموعات أساسية‪:‬‬

‫‪ -‬تزوير النقود‪ :‬نص عليها في القسم األول من الفصل السابع في المواد ‪ 297‬إلى ‪ 222‬من قانون‬
‫العقوبات‬
‫‪ -‬تقليد األختام والدمغات والطوابع والعالمات‪ :‬وقد نص عليها في القسم الثاني من نفس الفصل في المواد‬
‫‪ 220‬إلى ‪ 222‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ -‬التزوير في المحررات‪ :‬نص عليها المشرع في القسم الثالث والرابع والخامس من نفس الفصل في المواد‬
‫‪ 222‬إلى ‪ 229‬من نفس القانون‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ .‬الموسوعة الجزائية‪ ،‬المجلد الثاني عشر‪ ،‬الجرائم الواقعة على الثقة العامة‪ ،‬الجزء األول التقليد ‪ -‬التزييف ‪-‬التزوير‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬شهادة الزور وما يشابهها‪ :‬نص عليها المشرع في القسم السابع من نفس الفصل في المواد ‪ 222‬إلى‬
‫‪1‬‬
‫‪ 222‬من نفس القانون‪.‬‬

‫وما يجمع هذه الجرائم أنها تقوم كلها على تغيير الحقيقة‪ ،‬وأن مجرد تغيير الحقيقة كاف لتحققها‬
‫بصرف النظر عن استعمال الشيء المزور فاستعمال الشيء المزور يعتبر جريمة قائمة بذاتها متميزة عن‬
‫جريمة التزوير‪ .‬كما يدخلها المشرع في نطاق الجرائم العامة حيث جاءت ضمن الباب األول تحت عنوان‬
‫الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي‪ ،‬ولو تناولت في بعض صورها الحقوق الشخصية الفردية‪.‬‬

‫وعل يه فإن جرائم التزوير متعددة ومتنوعة حسب مجاالتها ووسائلها وطرقها‪ ،‬وهي جرائم خطيرة‬
‫العاقبة قاسية العقوبة وذلك لتعدد الجوانب التي يتم االعتداء عليها و المساس بها‪ ،‬ومن أخطر أنواعها جريمة‬
‫التزوير في المحررات وأكثرها انتشا ار نظ ار لالعتماد المتزايد على الوثائق والمستندات في الحياة المعاصرة‪،‬‬
‫وذلك لضبط وتنظيم كافة أنواع المعامالت والتصرفات التي تتم بين األفراد بعضهم ببعض أو بين األجهزة‬
‫الحكومية واألفراد‪.‬‬

‫فلو استعرضنا حياة أي فرد لوجدناها تبدأ بوثيقة هي شهادة الميالد و تنتهي بوثيقة هي شهادة الوفاة‪،‬‬
‫ومابين هذه وتلك لو حسبنا الوثائق والمستندات التي كان طرفا فيها لوجدنا أنها تبلغ ألوفا مؤلفة‪ ،‬حيث يلزم‬
‫إنشاء مستند لكل تصرف ألن العبارات التي يتضمنها متنه والتوقيعات التي تذيل هذه العبارات هي التي تحدد‬
‫ما لنا من حقوق وما علينا من التزامات‪ .‬وفي جميع هذه األحوال فإنه ال يتاح للمحررات المكتوبة أداء هذا‬
‫الدور إال إذا منحها الناس ثقتهم‪ ،‬فآمنوا بصدق البيانات التي تثبتها‪ ،‬أما إذا كان تعارضها والحقيقة هو‬
‫الوضع الغالب فإن ذلك يؤدي إلى رفض الناس االعتماد عليها دون أن تكون لديهم الوسيلة التي تحل محلها‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫مما يؤدي إلى تعثر التعامل بين األفراد واضطراب نشاط الدولة‪.‬‬

‫واذا كان الدور الهام واألساسي للتوثيق قد ظهر منذ الربع الثاني من القرن العشرين فإن اهلل عز‬
‫وجل قد حثنا على ذلك منذ أربعة عشر قرنا‪ ،‬فأشار جل جالله إلى تسجيل التصرفات كتابة وأوضح طريقة‬
‫ذلك وفصل في كيفية االستشهاد على العقود ألن ذلك أقسط عنده وأقوم للشهادة وأدنى لعدم الريبة‪ .‬إذ يقول‬
‫سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم‪ ﴿:‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه و ليكتب بينكم‬
‫كاتب بالعدل ﴾ (البقرة ‪.)282‬‬

‫‪1‬‬
‫األمر رقم ‪ 202-22‬المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 29‬السنة الثالثة‪ ،‬السبت ‪22‬‬
‫صفر ‪ 2212‬الموافق ‪ 22‬يونيو ‪.2922‬‬
‫‪2‬‬
‫مصطفى كمال شفيق‪ ،‬تأمين الوثائق و المستندات ضد التزوير‪ ،‬دار النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية و التدريب‪ ،‬الرياض ‪ ،2992‬ص ‪- 22‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫وفي مقابل كل ذلك فقد نشط بعض الناس في ميدان اعتبروه مخرجا وأداة للتحايل على تلك األنظمة‬
‫وعلى تلك الوثائق‪ ،‬فزوروا وزيفوا ما شاء لهم أن يفعلوا‪ ،‬وابتكروا من األدوات واألساليب لتحقيق ذلك‪ .‬لذلك‬
‫حرص المشرع على حماية الثقة التي تنبعث منها‪ ،‬إذ تمثل الثقة العامة في المحررات علة تجريم تزوير‬
‫المحررات والمصلحة المحمية بالعقاب عليها‪ ،‬ويقصد بالثقة العامة اطمئنان الجمهور إلى سالمة المحررات‬
‫بصدورها ممن نسبت إليه ومطابقة ما حوته من وقائع للحقيقة‪ ،‬ولهذا فإن مجرد تغيير الحقيقة فيها يوهن هذه‬
‫الثقة التي تعتبر بحق روح المعامالت االجتماعية كلها فيدفع الناس إلى التشكيك في المحررات مع ما يؤدي‬
‫إ ليه من عرقلة تداولها و صعوبة التعامل بين األفراد بسبب إحجامهم عن قبولها خوفا من إمكان العبث بها‪.‬‬
‫باعتبارها وسيلة للتعبير عما تتضمنه من بيانات لتصبح في نظر الناس معبرة عن الحقيقة فيقدموا على‬
‫التعامل بها في ثقة وطمأنينة‪ ،‬ولكي تؤدي األدوار العديدة المنوطة بها سواء باعتبارها وسيلة الدولة لمباشرة‬
‫اختصاصاتها‪ ،‬ووسيلة األفراد إلى إثبات عالقاتهم‪ ،‬أو طرق القضاء إلى إثبات الحقوق المتنازع عليها‪.‬‬

‫كما ترجع خطورة جريمة تزوير المحررات إلى مجموعة من األسباب تبرز خصائص هذه الجريمة‬
‫سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية القانونية‪ ،‬وبصفة عامة ما يميز جريمة التزوير في المحررات‬
‫هو اتساع ميدان التجريم والعقاب نظ ار لتعدد وتنوع الصور والحاالت التي يمكن أن تقع عليها‪ ،‬لهذا نجد‬
‫النصوص التجريمية لهذه الجريمة جاءت مفصلة‪ ،‬إذ خصص لها المشرع ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬القسم األول‪ :‬تزوير المحررات العمومية أو الرسمية‪.‬‬


‫‪ -‬القسم الثاني‪ :‬التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية‪.‬‬
‫‪ -‬القسم الثالث‪ :‬التزوير في بعض الوثائق اإلدارية و الشهادات‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أن هناك جملة من الصعوبات والمعوقات تتعلق وذات صلة بجريمة التزوير في‬
‫المحررات المختلفة متأتية من األحكام القانونية ستكون موضوع تحليل ضمن مختلف الموضوعات المدروسة‪.‬‬
‫ومن بين هذه اإلشكاالت صعوبة حصر كل طرق وأساليب التزوير‪ ،‬كما أن الضرر في هذه الجريمة ليس‬
‫على نفس الدرجة من الوضوح في جميع الحاالت‪ ،‬فضال عما يمتاز به ركنها المعنوي من تركيب و تنوع من‬
‫جريمة إلى أخرى‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى التطبيق غير الدقيق في بعض األحوال وذلك بالنظر إلى كثرة األوضاع‬
‫والحاالت وتعدد القضايا في الوقت الراهن‪ ،‬فيجد بالتالي القاضي الجزائي صعوبة في الفصل في قيام التزوير‬
‫من عدمه‪ ،‬خصوصا في ظل التزامه بالتفسير الضيق لنصوص قانون العقوبات‪ ،‬مما يؤدي إلى اعتبار بعض‬
‫الحاالت تزوي ار وهي في حقيقة األمر ال ينطبق عليها النص التجريمي‪ ،‬أو عدم اعتبار بعض الحاالت تزوي ار‬
‫رغم أن النص التجريمي ينطبق عليها‪ ،‬إذ يقع على القاضي الجنائي وجوب اشتمال حكم اإلدانة على بيان‬
‫‪4‬‬
‫الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها‪ ،‬حتى تتمكن المحكمة‬
‫العليا من مراقبة صحة التطبيق السليم للقانون واال كان حكم اإلدانة قاص ار التسبيب يستوجب النقض‪ ،‬وال‬
‫يقتصر األمر فقط على حكم اإلدانة وانما أيضا على الحكم القاضي بالبراءة إذ يستوجب على القاضي أيضا‬
‫إبراز األسباب القانونية التي استند عليها في تقرير البراءة على أساس عدم توافر أركان الجريمة‪.‬‬

‫وعليه انطالقا من هذه الصعوبات العملية المرتبطة حقيقة بأسباب قانونية بحتة متعلقة بأركان قيام‬
‫جريمة التزوير حددت اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫ما هي الحدود الموضوعية الفاصلة بين اإلدانة و البراءة في جريمة تزوير المحررات؟‬

‫وسوف أعالجها من خالل دراسة مقارنة تحليلية نقدية على ضوء االجتهاد القضائي ضمن محورين‬
‫أساسيين وهما األركان العامة لجريمة التزوير في المحررات في الفصل األول‪ ،‬وصور جريمة التزوير في‬
‫المحررات في الفصل الثاني‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األركان العامة لجريمة التزوير في المحررات‬
‫جاءت النصوص القانونية التي خصصها المشرع لموضوع التزوير في المحررات خالية من أي‬
‫تعريف لماهيته أو بيان أركانه العامة‪ ،‬حيث اكتفى ببيان طرق التزوير المختلفة وأنواعه منتهجا بذلك منهج‬
‫قانون العقوبات الفرنسي القديم‪ -‬قانون ‪ .- 8881‬لهذا كانت مهمة وضع تعريف جامع ومانع من المسائل‬
‫الهامة التي أسهم فيها كل من الفقه والقضاء المقارن بنصيب كبير‪.‬‬
‫فقد عرف الفقيه الفرنسي جارسون ‪ Garçon‬التزوير بأنه‪ «:‬تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر‬
‫بإحدى الطرق التي بينها القانون تغيي ار من شأنه أن يسبب ضر ار»‪ 1.‬أما الفقيه الفرنسي جارو ‪Garraud‬‬
‫فقد عرف التزوير‪«« :‬بأنه تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر واقعا على شيء مما أعد المحرر إلثباته‬
‫‪3‬‬
‫ومن شأنه أن يسبب ضر ار»‪ 2،‬وقد تأثر أغب شراح القانون الجنائي بهذين التعريفين‪.‬‬
‫كما أخذ القضاء الفرنسي في ظل قانون العقوبات القديم بما ذهب إليه الفقه‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل‬
‫العديد من ق اررات محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬منها القرار الصادر بتاريخ ‪ 81‬جويلية ‪ 8881‬عرف التزوير‬
‫بأنه‪ »:‬تغيير الحقيقة بقصد الغش التي من شانها إحداث أو إمكان إحداث ضرر»‪ 4.‬وغيرها من الق اررات‬
‫التي تشير فيها بوضوح إلى العناصر الضرورية لقيام التزوير‪ ،‬وهي تغيير الحقيقة والقصد الجنائي إضافة‬
‫إلى إمكانية حدوث الضرر‪ .‬ونظ ار الستقرار التطبيق القضائي في فرنسا على هذه العناصر‪ 5،‬ذهب المشرع‬
‫الفرنسي إلى تنظيمها في نص قانوني صريح من خالل تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم ‪-22‬‬
‫‪ .8881‬حيث نص على تعريف التزوير في المادة ‪ 8-448‬منه على النحو التالي ‪ «:‬يشكل تزوي ار كل‬
‫تغيير احتيالي للحقيقة من شأنه إحداث ضرر وينجز بأية وسيلة كانت وينصب على محرر أو على أية‬
‫دعامة للتعبير عن األفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات‬

‫‪1‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬الموسوعة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني – إضراب و تهديد ‪ ، -‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،2221‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud. Traité théorique et pratique du droit pénal, tome cinquième, troisième édition. Librairie du Recueil‬‬
‫‪Sirey. Nouveau tirage 1953. Paris. n°1354, p 90.‬‬
‫‪3‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬مطبعة النهضة الجديدة‪ ،2917،‬ص ‪ .12‬فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ -‬القسم‬
‫الخاص‪ -‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2222 ،‬ص ‪ .209‬شريف الطباخ‪ ،‬التزوير و التزييف في ضوء القضاء و الفقه‪ -‬جنج و جنايات‬
‫التزوير – الطبعة الثالثة‪ ،‬المصدر القومي لإلصدارات الجديدة‪ ،2222 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim 17 juillet 1835 :«l’altération de la vérité dans une intention criminelle qui a porté ou pu porter‬‬
‫‪préjudice à autrui». Cass.crim 19 décembre1936 :attendu que le fait déclaré constant par le jury réunit les trois‬‬
‫‪éléments du faux : que l’altération de la vérité résulte de l’intercalation dans un acte de prêt de conventions‬‬
‫‪mensongères ; l’intention de nuire : de la déclaration de culpabilité rapproché de la mention du faux matériel ; et‬‬
‫‪le préjudice possible, de l’éventualité de l’exécution d’un acte revêtu d’un caractère authentique et qui,‬‬
‫‪indépendamment de la légalité plus ou moins contestable de ses disposition, n’en était moins susceptible de nuire,‬‬
‫‪en effet à autrui…, rejette… ». et cass 8 avril 1848, Voir R.Garraud. Ibid, p 90.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass.crim 18 mai 1994, Bull.crim n° 187. RSC 1995 : « les constations souveraines des juges du fond, établissant‬‬
‫‪l’altération frauduleuse de la vérité de nature à causer un préjudice dans un écrit valant titre caractérisant au sens‬‬
‫» ‪de l’art 222-1 nov, c pénal, en tout ses éléments constitutif.‬‬
‫‪6‬‬
‫نتائج قانونية»‪ 1.‬ولم يخرج التطبيق القضائي في الجزائر على هذه العناصر واألركان‪ ،‬فقد أشارت إليها‬
‫المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ ‪ 2111/88/22‬ملف رقم ‪ 882211‬جاء فيه‪ «:‬حيث أن التزوير‬
‫هو كل تغيير و تحريف للحقيقة في محرر أو مستند من شأنه أن يسبب ضر ار للغير و يهدف إلى إثبات حق‬
‫أو واقعة وتترتب عنه نتائج قانونية »‪ 2.‬وكذا القرار الصادر بتاريخ ‪ 8222/82/28‬في القضية رقم‬
‫‪ 221811‬جاءت فيه الحيثية التالية المؤكدة لوجوب توافر الضرر‪ «:‬حيث أنه وكما استقر عليه االجتهاد‬
‫القضائي للغرفة الجنائية بالمحكمة العليا فإنه ال يوجد تزوير معاقب عليه إال إذا تسببت الوثيقة المقلدة أو‬
‫‪3‬‬
‫المزيفة ضر ار حاال أو محتمال للغير»‪.‬‬
‫وعليه فإن العناصر واألركان األساسية لقيام جريمة التزوير في المحررات تتمثل في تغيير الحقيقة‬
‫في محرر ونية الغش مع مالحظة أن االجتهاد األخير للمحكمة العليا ركز على عنصر الضرر وخصائصه‪.‬‬
‫غير أن الفقه الجنائي قد اختلف حول الطبيعة القانونية لها‪ ،‬فهناك من يرى أن هذه العناصر تندرج ضمن‬
‫الركن المادي والركن المعنوي للجريمة باعتبار أن التزوير جريمة عادية تخضع كغيرها من جرائم القانون‬
‫العام للقواعد العامة‪ ،‬بينما يرى جانب آخر من الفقه أن جريمة التزوير جريمة خاصة ومتميزة عن غيرها من‬
‫الجرائم فباإلضافة للركن المادي والمعنوي فإن الضرر يعد ركنا قائما بذاته‪.‬‬
‫على ضوء هذا االختالف ستتضمن محاور الفصل األول المبحثين التاليين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الركن المادي والركن المعنوي لجريمة تزوير المحررات‪ ،‬باعتبارها تشكل األركان التقليدية في‬
‫الجريمة‪ .‬والمبحث الثاني أخصصه لدراسة موضوع الضرر في جريمة التزوير‪ .‬ذلك أنه مهما اختلف الفقه‬
‫حوله فإن مقتضيات التطبيق القانوني السليم تفرض أن تولى له أهمية خاصة‪ ،‬كونه يثير العديد من‬
‫الصعوبات العملية الدقيقة كما سيتم توضيحه في مكانه الحقا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪L’art 222-1 : « constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causer un préjudice et‬‬
‫‪accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou toute support d’expression de la pensée qui a pour‬‬
‫‪objet ou qui peut avoir pour effet d’établir la preuve d’un droit ou d’un fait ayant des conséquences juridiques».‬‬
‫‪er‬‬
‫‪Loi n° 92-1336 du 12 décembre 1992 – art. 372(v) JORF 23 décembre 1992 en vigueur le 1 mars 1994.‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪،2222/22/29‬ملف رقم ‪ ،229922‬المحكمة العليا‪ ،‬غرفة الجنح و المخالفات‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني لسنة‬
‫‪ ،2222‬ص ‪.077‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ ،2999/22/22‬ملف رقم ‪ ،227202‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد األول لسنة ‪،2222‬‬
‫ص ‪.297‬‬
‫‪7‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الركن المادي والركن المعنوي في جريمة تزوير المحررات‬
‫وفقا للقواعد العامة فإنه ال قيام للجريمة دون توافر سلوك إجرامي معين يتطلبه القانون كمناط للعقاب‬
‫عليها على أن تتحقق نتيجة ضارة لهذا السلوك‪ ،‬بحيث يجب أن يرتبط النشاط أو السلوك اإلجرامي ونتيجته‬
‫الضارة بعالقة سببية‪ ،‬كما أن قيام الجريمة يفترض بالضرورة أن يكون الفعل المادي صادر عن إرادة واعية‬
‫وآثمة تعبر عن المساهمة النفسية للجاني في إتيان الجريمة والتي تختلف درجتها بحسب ما إذا كان الخطأ‬
‫عمدي فتقوم جريمة عمدية أو كان الخطأ غير عمدي فتقوم جريمة غير عمدية‪ .‬وجريمة تزوير المحررات ال‬
‫تخرج عن هذه القواعد فهي تتطلب سلوك إجرامي مادي وهو ما سأدرسه من خالل المطلب األول‪ :‬الركن‬
‫المادي في جريمة تزوير المحررات‪ ،‬إضافة إلى نية إجرامية سأتناول دراستها في المطلب الثاني‪ :‬الركن‬
‫المعنوي في جريمة تزوير المحررات‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الركن المادي في جريمة تزوير المحررات‬


‫يتجسد الركن المادي في جريمة تزوير المحررات في تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق أو‬
‫الوسائل المحددة قانونا‪ ،‬ولتوفر هذا الركن يجب أن يكون هناك موضوع أو محل يرد عليه فعل تغيير‬
‫الحقيقة‪ ،‬ونشاط إجرامي يتمثل في تغيير الحقيقة بإحدى الطرق التي حددها القانون‪ ،‬ويندمج في هذا النشاط‬
‫ذاته النتيجة اإلجرامية وهي تغيير الحقيقة‪ ،‬ولما كان النشاط اإلجرامي هو نفسه النتيجة اإلجرامية فال مجال‬
‫لدراسة النتيجة اإلجرامية وبالتالي العالقة السببية‪ 1،‬وعليه يتمثل الركن المادي في جريمة التزوير في النشاط‬
‫اإلجرامي وهو تغيير الحقيقة ﴿الفرع األول‪ :‬تغيير الحقيقة في جريمة تزوير المحررات ﴾‪ ،‬ومحل تغيير الحقيقة‬
‫وهو المحرر﴿الفرع الثاني‪ :‬المحرر محل تغيير الحقيقة في جريمة تزوير المحررات﴾‪ .‬أما طرق التزوير فهي‬
‫متعددة ومتنوعة بتنوع كل صورة من صور التزوير لهذا عمدت إلى دراستها الحقا كما سيتم توضيحه‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تغيير الحقيقة في جريمة تزوير المحررات‬


‫تغيير الحقيقة هو قوام الركن المادي لجريمة التزوير بحيث ال تقوم الجريمة بغير فعل إجرامي‪ ،‬فهو‬
‫التزوير في جوهره‪ 2،‬ويعني إنشاء حقيقة مخالفة أو تحريف حقيقة قائمة‪ ،‬وهذا يقتضي وجود حقيقتين ا‬
‫الزئفة‬
‫منهما هي الماثلة في المحرر‪ ،‬وبالتالي إذا تطابقت بيانات المحرر مع الحقيقة فال تزوير حتى ولو كان من‬
‫صدر عنه المحرر سيء النية يعتقد أن ما يثبته مخالف للحقيقة وترتب على فعله ضرر‪ ،‬فال يسأل بالتالي‬
‫عن التزوير من يملي بسوء نية على موظف عام بيانات يقرر فيها مثال وفاة قريب له لكي يحصل على مزية‬
‫ويتبين أن قريبه قد مات بالفعل دون علمه في الوقت الذي كان فيه يملي هذه البيانات‪ .‬كما ال تزوير إذا قام‬

‫‪1‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪-‬جرائم االعتداء على المصلحة الخاصة‪ ،-‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5, n°1360, p97.‬‬
‫‪8‬‬
‫شخص بوضع إمضاء شخص آخر برضائه في محرر حين يكون مطابقا للحقيقة‪ .‬كما ال يعد تزوي ار من‬
‫يمسك بيد شخص مريض ويساعده على كتابة بيانات ما في محرر حين تكون هذه البيانات مطابقة للحقيقة‪.‬‬
‫غير أن تغيير الحقيقة بهذا المفهوم الواسع ال تتحقق به جريمة التزوير في جميع األحوال‪ ،‬ذلك أنه‬
‫ليس كل تغيير في الحقيقة على هذا النحو يعد تزوي ار معاقبا عليه‪ .‬فالمقصود بتغيير الحقيقة في نظر القانون‬
‫قد ال يتطابق في كافة األحوال مع المقصود بذلك لغة‪ 1.‬وهو ما يقتضي تحديد المقصود بتغيير الحقيقة في‬
‫‪2‬‬
‫نطاق جريمة التزوير وذلك بتحديد المدلول القانوني لها وشروطها ونطاقها‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المدلول القانوني لتغيير الحقيقة‬
‫في إطار جريمة التزوير ال بد من التمييز بين حقيقتين حقيقة واقعية مطلقة وهي التي تطابق الواقع‬
‫تماما‪ ،‬والحقيقة القانونية النسبية وهي التي تتفق وصحيح القانون‪ ،‬أي الحقيقة المطابقة لما كان يتعين إثباته‬
‫في المحرر وفقا للقانون‪ ،‬ولذلك فإن الحقيقة التي تعد محل السلوك اإلجرامي في التزوير هي الحقيقة‬
‫القانونية النسبية ولو كانت تتعارض مع الحقيقة الواقعية المطلقة‪ .‬وتكون الحقيقة مطابقة للقانون في حالتين‪:‬‬
‫‪ -‬حينما تعبر عن إرادة أصحاب الشأن‪ ،‬بحيث يجب أن يتفق مضمون المحرر وارادة أطرافه‪ .‬ومثال ذلك‬
‫أن يرتكب التزوير من يحرر شهادة ميالد أو شهادة مدرسية أو وثيقة زواج ويضمنها بيانات مطابقة‬
‫للحقيقة‪ ،‬ولكنه ينسبها زو ار إلى الموظف المختص والى السلطة التي تصدر عنها‪ ،‬فيقلد إمضاء هذا‬
‫الموظف ويضع أختام هذه السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬حينما تحترم قرينة قانونية يفرض القانون االلت ازم بها‪ .‬ومثال ذلك أن يرتكب التزوير من يثبت في محرر‬
‫بيانات تخالف الحقيقة كما حددتها قرينة قانونية ولو كانت هذه البيانات تطابق الواقع‪ ،‬كقرينة الولد‬
‫للفراش حيث يقرر القانون بناءا عليها تقرير النسب على هذا النحو‪ ،‬فإذا أثبت شخص في شهادة الميالد‬
‫المولود لغير والده فإنه يرتكب تزويرا‪ ،‬ولو كانت نسبته إلى الشخص اآلخر مطابقة للواقع‪ ،‬ذلك أنها‬
‫مخالفة للحقيقة القانونية النسبية‪.‬‬
‫وعليه تقوم جريمة التزوير في حالة ما إذا أثبت في المحرر ما يخالف إرادة أصحاب الشأن أو ما‬
‫‪3‬‬
‫يخالف مقتضى هذه القرينة‪ ،‬وذلك حتى ولو كان ما أثبته المزور يطابق الحقيقة الواقعية مطابقة تامة‪.‬‬

‫للتزوير معاني متعددة فقد جاء في لسان العرب‪ :‬يكون التزوير فعل الكذب و الباطل‪ ،‬و الزور‪ :‬الكذب‪ ،‬التزوير‪ :‬التشبيه‪،‬‬ ‫تعريف التزوير لغة‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫التزوير‪ :‬التزويق و التحسين‪ ،‬و زورت الشيء‪ :‬حسنته و قومته‪ .‬عابد سليمان المشوخي‪ ،‬التزوير و االنتحال في المخطوطات العربية‪ ،‬أكاديمية نايف‬
‫العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض ‪ ،2222‬ص ‪.22 -22‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم ‪ .‬قانون العقوبات الخاص ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ .2227‬ص ‪.027-022‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات ‪-‬القسم الخاص‪ ،-‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ .‬دار النهضة العربية ‪ .2972‬ص ‪.222 - 229‬‬
‫‪9‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط تغيير الحقيقة‬
‫إذا كان المشرع قد حدد طرق التزوير على سبيل الحصر كما سيأتي بيانه الحقا فإنه عنى بذلك‬
‫حصر دائرة األفعال التي يصح أن توصف بأنها تزوير جنائي‪ ،‬فكل تزوير يقع بطريقة غير التي نص عليها‬
‫القانون ال يعد تزويرا‪ ،‬لكن إذا صح القول بأن هذه الطرق جامعة لكل صور التزوير الممكن وقوعها‪ ،‬فإنها‬
‫ليست بمانعة من اشتباه صور من الكذب والغش التي ال تدخل في دائرة أفعال التزوير المنطبقة على‬
‫القانون‪.‬‬
‫ولهذا فإنه ليس كل تغيير في الحقيقة القانونية النسبية يمكن أن يكون أساسا لقيام الركن المادي في‬
‫الجريمة‪ ،‬فالتزوير بمفهومه الواسع يشمل كل تصريح أو إعالن كاذب عن فعل مخالف للحقيقة‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫كل تغيير للحقيقة في محرر يتضمن نفس الدرجة من الخطورة فمنها ما يمثل جريمة التزوير بالمعنى الدقيق‬
‫والذي يواجهه القانون الجنائي بفرض عقوبات صارمة‪ ،‬ومنها ما يشكل تزوي ار من نوع خاص أقل خطورة كأن‬
‫يتمثل في إساءة استعمال توقيع على بياض أو غش مدني أو جنائي وذلك حسب الظروف المصاحبة للفعل‪،‬‬
‫كما أن منها ما ال يعاقب عليه ال القانون وال األخالق‪ .‬إذ هناك خيط رفيع بين تغيير الحقيقة الذي ال يعدو‬
‫أن يكون مجرد كذب وتغيير الحقيقة الذي يعد وفقا للقانون سلوكا مجرما يستوجب العقاب‪ ،‬وعليه فإن إعطاء‬
‫كل تغيير للحقيقة الوص ف الدقيق أو الصفة الخاصة به يعد واحدة من أكثر الصعوبات التي يواجهها القانون‬
‫الجنائي‪ 1.‬وهو ما دفع الفقه إلى البحث في الشروط الواجب توافرها في تغيير الحقيقة المعاقب عليها وذلك‬
‫بهدف تمييزها عن غيرها من الجرائم المشابهة لها‪.‬‬
‫إذ يرى الفقيه جارو ‪ Garraud‬أن الركن المادي في جريمة التزوير أي جسم الجريمة يتمثل في‬
‫تغيير الحقيقة في محرر تغيي ار واقعا على بيانات المحرر التي أعد من أجل إثباتها ومرتكبا بإحدى الطرق‬
‫المحددة قانونا‪ .‬وعليه من خالل هذا التعريف فإن الشروط الواجب توافرها في الفعل المادي المتمثل في تغيير‬
‫الحقيقة هي‪:‬‬
‫‪ -‬أن ينصب تغيير الحقيقة على محرر يصلح محال لجريمة التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتم تغيير الحقيقة بإحدى الطرق المحددة قانونا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أن ينصب تغيير الحقيقة على البيانات التي أعد المحرر إلثباتها‪.‬‬
‫بينما يرى كل من الفقيهان فوستان ‪ Faustin‬وشوفو ‪ Chauveau‬أن تغيير الحقيقة ال يشكل‬
‫جريمة التزوير إال إذا تم بإحدى الطرق التي حددها القانون‪ ،‬ووجوب توافر الشروط الخاصة بكل طريقة‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Blanche. Etude pratique sur le code pénal. Troisième étude. Imprimerie et librairie générale de jurisprudence.‬‬
‫‪Paris 1867. n°128, p167-169.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R. Garraud, op. cit. T 5. n°1359, p 96.‬‬
‫‪10‬‬
‫والتي يجب تحديدها بصفة دقيقة‪ .‬وبصفة عامة يجب أن يتم تغيير الحقيقة دون رضا الطرف المضرور‪.‬‬
‫خارج هذا اإلطار فال يعدو أن يكون التزوير مجرد تصريح كاذب يمكن أن يكون حسب درجة خطورته‬
‫‪1‬‬
‫مخالفة أو يفلت من العقاب‪.‬‬
‫في حين يرى القاضي فريد الزغبي أنه لتحقق جريمة التزوير بالمعنى القانوني يشترط الفقه الجنائي‬
‫توفر الصفتين التاليتين أو إحداهما القوة القانونية بحيث يجب أن يكون للبيانات محل التزوير مفعول إنشائي‬
‫لحق أو ناقل له أو دليال عليه على األقل ولو إلى حد ما‪ .‬أو أن تكون الواقعة الجوهرية التي يتضمنها‬
‫المحرر ذات تأثير على قوة السند القانونية بحيث أن التغيير فيها يؤدي إلى تبديل المحتوي الذي يفقد قوته‬
‫‪2‬‬
‫القانونية‪.‬‬
‫انطالقا مما سبق يمكن إجمال شروط تغيير الحقيقة فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يقع تغيير الحقيقة على محرر مكتملة عناصره‪.‬‬
‫‪ -‬أن يقع تغيير الحقيقة على الوقائع والبيانات التي أعد المحرر لتلقيها واثباتها‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون هذه الوقائع والبيانات ذات قوة وأثر قانوني‪.‬‬
‫أن يتم تغيير الحقيقة بإحدى الطرق التي حددها القانون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أن يتم تغيير الحقيقة دون رضا الطرف المتضرر‪.‬‬
‫فإذا توافرت هذه الشروط فإنه ال يشترط مايلي‪:‬‬
‫‪ -‬ال يشترط لقيام التزوير أن يكون تغيير الحقيقة متقنا من كل الوجوه بحيث ينخدع به الكافة‪ ،‬بل يكفي‬
‫انطالؤه على رجل من أواسط الناس من حيث ذكائه وخبرته وحرصه‪ ،‬والمعيار هنا كما هو واضح‬
‫موضوعي ال شخصي وقوامه فكر الرجل العادي‪ ،‬فإذا كان يشق على الرجل العادي إدراك تغيير الحقيقة‬
‫بسهولة فإن التزوير يتحقق حتى ولو كان المجني عليه على درجة من الذكاء والحرص يفوق بها الرجل‬
‫العادي فال يكون صعبا عليه كشف التزوير‪ ،‬وال يتحقق التزوير إذا كان يمكن الرجل العادي إدراك‬
‫تغيير الحقيقة بسهولة حتى ولو كان المجني عليه أقل ذكاء منه فانطلى عليه التزوير‪ 3،‬غير أنه إذا كان‬
‫التزوير في المحررات ظاه ار بحيث ال يمكن أن ينخدع به أحد فال عقاب عليه‪.‬‬
‫‪ -‬كما ال يشترط وقوع التغيير بيد المتهم‪ ،‬فال يمكن له أن يدفع بما قد يثبت من تقرير الخبرة الفنية من أنه‬
‫ال ينسب إليه خط المكتوب‪ ،‬إذ يمكن أن يرتكب المتهم التزوير لمصلحته بواسطة غيره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪A.Chauveau et H.Faustin. Théorie de code pénal. Cinquième édition. Tome deuxième. Imprimerie et librairie‬‬
‫‪générale de jurisprudence. Paris 1872. n° 695, P 349.‬‬
‫‪2‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬الموسوعة الجزائية‪ ،‬المجلد الثالث عشر‪-‬الجرائم الواقعة على الثقة العامة‪ ، -‬الجزء الثاني‪ -‬التزوير‪ ،-‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪،2990‬‬
‫ص‪ 22‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫علي عبد القادرالقهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬كما ال يشترط أن ينصب التزوير على جميع بيانات المحرر‪ ،‬فال يعني تغيير الحقيقة كون كل بيانات‬
‫المحرر كذبا خالصا‪ ،‬بل إن القانون يكتفي بأقل نصيب من تغيير الحقيقة كونه يكفي إلهدار الثقة التي‬
‫يمثلها‪ ،‬فإذا لم يكن في المحرر غير بيان واحد مخالف للحقيقة وكانت سائر بياناته صحيحة عد ذلك‬
‫‪1‬‬
‫كافيا لقيام التزوير‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬نطاق تغيير الحقيقة‬
‫إن العبرة في توافر تغيير الحقيقة في جريمة التزوير هو المساس بحقوق الغير التي يتعلق بها‬
‫المحرر‪ ،‬حيث يرى الفقيه جارو ‪ Garraud‬أن القانون يحصر مجال التزوير المعاقب عليه في التصريحات‬
‫‪2‬‬
‫التي بها يسند كذبا فعل أو صفة أو مركز إلى شخص معين أو ينتحل فيها مركز أو صفة شخص آخر‪.‬‬
‫بعبارة أخرى يجب أن يكون لتغيير الحقيقة حجية في مواجهة الغير‪ ،‬وتجد هذه القاعدة مصدرها في العلة من‬
‫تجريم التزوير وهي االعتداء على الثقة العامة في المحررات التي تعد وسيلة إعالن عن اإلرادة أو أداة إثبات‬
‫الحقوق و االلتزامات‪ ،‬و إهدار الثقة في المحرر يعني أن بتغيير الحقيقة اعتداء على المركز القانوني للغير‬
‫وحقوقه والتزاماته وصفاته وذلك دون رضائه‪ .‬أما إذا كانت البيانات التي أثبتها المتهم ال تتعلق مباشرة بمركز‬
‫الغير وانما تمس مركزه وتتناول عناصره بالتعديل المخالف للحقيقة‪ ،‬فال محل للتزوير ألن الفعل ال يتضمن‬
‫تغيير الحقيقة في مدلوله القانوني‪ .‬ومثال ذلك أن يقرر الشخص لنفسه في محرر حقوقا ليست له‪ ،‬أو ينكر‬
‫التزامات ارتبط بها ‪ ،‬أو ينسب لنفسه صفات ال يتمتع بها أو ينفي عن نفسه صفات لصيقة به‪ 3.‬ويترتب‬
‫على ذلك نتائج هامة تتمثل في انتفاء التزوير‪ -‬النتفاء المساس بالمركز القانوني للغير‪ -‬في حالتين هما‪:‬‬
‫الصورية واالقرارت الفردية‪.‬‬
‫فبالنسبة للصورية فيقصد بها في القانون المدني تغيير الحقيقة في تصرف قانوني باتفاق إرادة‬
‫األطراف‪ ،‬بحيث يكون هناك عقدان عقد ظاهر يتضمن اإلرادة المعلنة ألطرافه‪ ،‬عقد مستتر يعبر عن اإلرادة‬
‫الحقيقية‪ .‬وقد يكون ذلك لإليهام بوجود عقد ال وجود له في الواقع أو إلخفاء طبيعة العقد المتفق عليه أو‬
‫إلغفال بعض بياناته أو شروطه‪ ،‬وعليه فجوهر الصورية تعارض بين ما اجتمعت عليه إرادة المتعاقدان وما‬
‫أظهراه‪ 4.‬فهل يعد ذلك تزوي ار معاقبا عليه؟‬
‫انقسم الفقه في معالجة هذه المسألة إلى اتجاهين‪ ،‬فاالتجاه األول يرى أن الصورية تعد تزوي ار كقاعدة‬
‫عامة‪ 5،‬وقد اعتمد في تبرير هذا الرأي على الحجج التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n° 1376. p 132.‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.029‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪5‬‬
‫‪A.Blanche, op. cit., n° 135, p 229-230.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬مغايرة العقد الصوري للحقيقة التي يتضمنها العقد المستتر يعد تزوي ار تم بإحدى الطرق التي حددها‬
‫القانون و هي جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪.‬‬
‫‪ -‬نص القانون عام يسري على جميع صور تغيير الحقيقة في محرر‪ ،‬وعليه فإن اتفاق األطراف ال يكفي‬
‫إللباس الباطل بالحقيقة‪ ،‬كما أن عدم العقاب قد يؤدي إلى موقف شاذ وهو معاقبة الموثق الذي يحرر‬
‫العقد الصوري في حين أو في الوقت الذي يتقرر فيه عدم معاقبة أطراف العقد أنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن اعتماد الغير على العقد الصوري الظاهر الذي ال وجود له في الحقيقة من شانه أن يسبب ضر ار‬
‫للغير‪.‬‬
‫وعليه فإن إخراج العقد الصوري من عموم النص ال يستند إلى ما يبرره فهو من قبيل االستثناء‬
‫واالستثناء ال يكون إال بنص صريح‪ ،‬فالمشرع علق العقاب على التزوير على توافر شروط محددة وهي‬
‫شروط عامة ال يصح تقييدها أو حصرها على غير الحاالت التي يقع فيها تغيير الحقيقة باتفاق األطراف‬
‫مادام من شأنه أن يسبب ضر ار للغير‪ .‬وعليه فهذا االتفاق ال يعد شرطا مانعا من العقاب‪ .‬وعليه فالصورية‬
‫تعتبر تزوي ار كقاعدة عامة إال إذا انتفى أحد أركانها أو أقر القانون عقوبة خاصة لصور معينة من الصورية‬
‫كالصورية تهربا من الضرائب و الرسوم‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاني فيرى أن الصورية ال تعد تزوير كقاعدة عامة‪ 1‬وفقا للحجج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن المشرع المدني قد اعترف بالصورية ورتب على العقد الصوري آثا ار قانونية‪ ،‬فال يتصور في المنطق‬
‫القانوني أن تقوم بها جريمة‪ ،‬فالنظام القانوني كل متسق ال يجوز أن تتناقض أجزاؤه‪ ،‬فال يعقل أن يكون‬
‫نفس الفعل مباحا في القانون المدني و معاقبا عليه في القانون الجنائي‪ 2.‬و ال جدال في أنه إذا ستر‬
‫المتعاقدان عقد بعقد آخر ابتغاء غرض مشروع كما لو ست ار صلحا أو قسمة في صورة بيع فال تقوم‬
‫بذلك جريمة إذ هما يستعمالن حقا قرره القانون‪ .‬فبالرجوع إلى القانون المدني فإن المشرع رتب على‬
‫العقد الصوري آثا ار قانونية في مواجهة الغير كما ورد في المادة ‪ 828‬منه‪ «:‬إذا أبرم عقد صوري‬
‫‪3‬‬
‫فلدائني المتعاقدين و للخلف الخاص‪ ،‬متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit, n°1374, p 126-129. A.Chauveau et H.Faustin, op.cit, n°650, p 338-341.‬‬
‫و قد أيدهم أغلب شراح القانون الجنائي محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .222‬أحمد أمين بك‪ ،‬شرح قانون العقوبات المصري‪ ،‬القسم الخاص‪،‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬نخبة التأليف و الترجمة و النشر‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2929‬ص ‪ .222‬فوزية عبد الستار‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‬
‫‪ .229-221‬محمد زكي أبو عامر‪،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.020‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022‬‬
‫‪3‬‬
‫األمر قم ‪ 01-70‬المؤرخ في ‪ 22‬مايو ‪ 2970‬يتضمن القانون المدني‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 71‬السنة الثانية عشر الثالثاء ‪ 22‬سبتمبر ‪ .2970‬ص‬
‫‪.992‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬ال تندرج الصورية ضمن إحدى طرق التزوير ال المادية وال المعنوية‪ ،‬ذلك أن البيانات والتوقيعات قد‬
‫‪1‬‬
‫صدرت عن األطراف المتعاقدة‪ ،‬كما أن االتفاقات الصورية هي التي دونها أو أمالها األطراف‪.‬‬
‫‪ -‬الصورية غالبا ما تتعلق بالمركز القانوني ألطراف العقد فهذا التغيير ال يمس حقوق الغير أو مراكزهم‬
‫القانونية و بالتالي ال يرتب ضرر للغير‪.‬‬
‫غير أنه وفقا لهذا االتجاه ينبغي التفريق بين حالتين الحالة األولى ال عقاب على الصورية في حالة‬
‫ما إذا وقع تغيير الحقيقة في نطاق تصرف الشخص في حقه الخالص أو مركزه القانوني‪ .‬أما الحالة الثانية‬
‫تعد الصورية تزوي ار إذا تعلق تغيير الحقيقة بحقوق الغير أو بمراكزهم القانونية بما يسبب ضر ار له‪ .‬وهناك‬
‫من الفقه من يضيف شرطا آخر لهذا االستثناء‪ -‬مساس العقد الصوري بالمركز القانوني للغير – و هو أن‬
‫تكون الصورية الحقة على نشوء المركز القانوني للغير ويتضمن اإلضرار بأحد عناصره‪ ،‬أو يتضمن المساس‬
‫المباشر بحق الغير فهنا تعد واقعة الصورية تزوي ار‪ .‬لكن ما يعاب على هذا الشرط كون العبرة في قيام جريمة‬
‫التزوير تكمن في المساس بحقوق الغير أم ال سواء كان التغيير حال إنشاء العقد الصوري أو بعد إنشائه‪ ،‬أي‬
‫‪2‬‬
‫بغض النظر عن وقت إحداث التعديل في الحقيقة‪.‬‬
‫وبالنسبة لإلق اررات الفردية فيقصد بها كل ما يثبته الشخص في محرر ويكون متعلقا بحق أو صفة أو‬
‫مركز قانوني له شخصيا‪ ،‬دون أن يكون في ذلك ما يمس حق أو صفة أو مركز الغير‪ .‬ولهذا يستعمل‬
‫مصطلح اإلق اررات الفردية للداللة على األحوال التي يكون فيها ما أثبت بالمحرر خاص بالشخص متعلقا به‬
‫وحده وال يستطيع غيره أن يباشره بسبب أن تلك المعلومات ال تتعلق به‪ 3.‬فهل بتغيير هذه اإلق اررات يمكن أن‬
‫يقوم الركن المادي لجريمة التزوير؟‬
‫قد أجمع الفقه الجنائي على أن األصل أن تغيير الحقيقة في اإلقرار الفردي يخرج عن نطاق التزوير‬
‫الجنائي‪ ،‬ومع ذلك فإن هذه القاعدة ال تخلو من االستثناء‪ 4.‬فوفقا للقاعدة العامة ال يعد الكذب في اإلق اررات‬
‫الفردية تزوي ار معاقبا عليه وذلك استنادا للحجج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ألنه يقوم على أمر شخصي للمقر إذ أن هذه التصريحات سواء تعلق بها واجب أو حق أو صفة فال‬
‫تتعدى المركز القانوني لغير المقر‪ ،‬و بالتالي فالكذب هنا ليس فيه اغتصاب لصفة أو حق لشخص‬
‫آخر هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن اإلقرار الفردي يتجرد بطبيعته من الحجية في مواجهة الغير‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪H.Faustin, pratique criminelle des cours et tribunaux. Deuxième partie code pénal. Imprimerie et librairie‬‬
‫‪générale de jurisprudence Paris, 1877.n°248, p161.‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬جرائم التزوير و الرشوة في المملكة العربية السعودية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫ا حمد عبد السالم علي‪ ،‬التعليق على جرائم التزييف والتزوير في قانون العقوبات وفي ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪،2227 ،‬‬
‫ص ‪.220‬‬
‫‪4‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n° 1375 , p130-131.‬‬
‫‪14‬‬
‫ألنه غير قابل للمساس بالمركز القانوني له‪ .‬كما ال يملك الشخص أن ينشئ لنفسه سندا فهو ال يكسب‬
‫المقر حقا‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنه يمكن التحري عن صحة ما ورد في هذا اإلقرار من صاحب الشأن‪ ،‬إذ يقع عليه واجب فحص‬
‫وتمحيص البيانات الواردة فيه فإن قصر في ذلك فعليه تحمل النتيجة‪ ،‬فاإلقرار الفردي ال يعدل تلقائيا‬
‫من عناصر المركز القانوني للغير بل يبقى هذا التعديل متوقفا على إرادة صاحب الشأن فله أن يأخذ‬
‫‪1‬‬
‫بما جاء في هذا اإلقرار أو يهمله‪.‬‬
‫‪ -‬كما ال يسبب الكذب في هذه الحالة ضر ار للغير الفتقاره لقوة اإلثبات‪ .‬ومن أمثلة هذه اإلق اررات أقوال‬
‫الخصوم التي يبدونها تأييدا لدعواهم في المذكرات والمرافعات الشفوية وأثناء استجوابهم‪ ،‬وكل أقوال‬
‫المتهمين دفاعا عن أنفسهم في التحقيقات والدعاوى الجنائية‪ ،‬ففي جميع األحوال للقاضي سلطة تقدير‬
‫‪2‬‬
‫هذه االدعاءات واعتماد ما يراه صحيحا منها واستبعاد ما ال يراه كذلك‪.‬‬
‫وقد اعتمد القضاء الفرنسي هذا الرأي حيث قررت محكمة النقض الفرنسية أن التصريحات العادية‬
‫التي يثبتها المتهم المتعلقة به شخصيا ال تشكل تصريحات تكون موضوع مراجعة وتمحيص‪ 3.‬كما قررت في‬
‫قرار آخر لها أن اإلق اررات الفردية الموجهة إلى دائن لالعتراف بدين ال تحتوي على أي اتفاق أو التزام أو‬
‫‪4‬‬
‫عبء ال تشكل سندا‪.‬‬
‫لكن القول بأن اإلق اررات الفردية على إطالقها ال عقاب على تغيير الحقيقة فيها هو تقدير خاطئ‪ ،‬إذ‬
‫يرد على القاعدة تحفظ ال يتعارض مع علتها‪ ،‬وموطن هذا التحفظ أن يقع على المقر التزام بقول الصدق‬
‫سواء بحكم القانون أو بحكم عقد من العقود بحيث يتعذر عمال مراجعة أقوال المقر أو تمحيص ما جاء في‬
‫المحرر من بيانات وهذا هو جوهر االستثناء عن القاعدة العامة‪ .‬فقد ترد اإلق اررات غير الصحيحة في ورقة‬
‫رسمية فيصبح موقع المقر أدنى إلى وضع الشاهد الذي يفرض عليه القانون التزاما بالصدق فيما يدلي به من‬
‫بيانات يتم إثباتها في المحرر الرسمي‪ ،‬وذلك سواء تعلق اإلقرار بأمر خاص بالمقر أو بغير المقر من شأنه‬
‫أن يترتب عليه حقوقا أو التزامات‪ .‬هذا فضال على أن ما يرد في هذه المحررات ال يمكن الحصول عليه في‬

‫‪1‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 229‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد علي فينو‪ ،‬شرح جريمة التزوير الجنائي و الجنحوي واستعمال المزورفي قانون العقوبات العام مع السؤال و الجواب و االجتهاد القضائي و‬
‫الفقه‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،2227،‬ص‪.220‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass.crim 7 mars 1972, Bull.crim n°86. C Pénal, édition 2008, Dalloz : « de simple déclaration établies par un‬‬
‫» ‪prévenu en sa propre faveur ne représentent pas que ses seuls affirmations sujettes à vérification.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim 23 nov 1972, Bull.crim n°357. C. Pénal, édition 2008, Dalloz: « une déclaration unilatérale transmise à‬‬
‫‪un créancier même en exécution d’une prescription légale pour établir l’assiette d’une dette ne contient aucune‬‬
‫» ‪convention, disposition, obligation ou décharge ne consiste pas un titre.‬‬
‫‪15‬‬
‫الغالب إال عن طريق المقر وحده‪ ،‬ومثال ذلك اإلق اررات الخاصة بالمواليد والوفيات أو الزواج أو الطالق‬
‫‪1‬‬
‫ومحاضر ضبط الوقائع والمعاينات‪.‬‬
‫كما قد يتدخل موظف عام في اإلقرار على نحو يسبغ عليه الصفة الرسمية ‪ ،‬فإذا اقتصر دور‬
‫الموظف على تدوين ما يدلي به المقر دون اعتماد اإلقرار فإن التغيير فيه ال يعد تزوي ار‪ ،‬أما إذا كان اإلقرار‬
‫يستوجب اعتماده من طرف الموظف المختص فإن تغيير الحقيقة فيه تقوم به جريمة التزوير في محرر‬
‫رسمي كونه يؤيد صحة البيانات المفترض صحتها‪ ،‬فيسأل الموظف باعتباره فاعال أصليا ويكون المقر شريكا‬
‫‪2‬‬
‫في الجريمة‪.‬‬
‫وحتى بالنسبة لإلق اررات الفردية التي تتضمنها المحررات العرفية يقوم التزوير فيها لنفس العلة في‬
‫بعض الحاالت كاإلقرار الضريبي‪ ،‬الدفاتر التجارية وفي جميع األحوال التي يتضمن فيها اإلقرار انتحال‬
‫شخصية الغير بصرف النظر عما يتضمنه‪ ،‬فنسبته كذبا إلى شخص لم يصدر عنه يتحقق به جريمة التزوير‬
‫إذ يكون من شأنه أن ينسب للغير فعال أو صفة أو تصرف على خالف الحقيقة ينخدع به الشخص العادي‬
‫‪3‬‬
‫ضانا منه أنه منبعث حقيقة عن مصدره الظاهر فيه‪.‬‬
‫كما قد يكون المقر ملزما بموجب عقد من العقود كعقد العمل بذكر الحقيقة حين يكون مقتضى‬
‫خدمته طبقا لهذا العقد اإلقرار بأمر معين في استمارة معدة لذلك من رب العمل‪ .‬وكذا عقد الوكالة في حالة‬
‫ما إذا وكل الدائن مدينه بالتأشير على ظهر سند الدين بالمبلغ الذي دفع من الدين فأشر بمبلغ أكبر مما‬
‫‪4‬‬
‫دفع ففي هذه األحوال يعد المقر مرتكبا لجريمة التزوير‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المحرر محل تغيير الحقيقة‬


‫الكتمال الركن المادي لجريمة التزوير ال بد أن يتم تغيير الحقيقة على الوجه الذي تم بيانه وبإحدى‬
‫الطرق المحددة قانونا في محرر سواء كان موجودا أصال أو تم اصطناعه لهذا الغرض‪ ،‬فالمحرر موضوع‬
‫التزوير ومحله‪ ،‬وهو موطن الحماية التي يقررها القانون في تجريم التزوير باعتبارها في الغالب دليل إثبات‬
‫لمعامالت ومصالح األفراد والجماعات وخاصة في ظل اتساع ميدان األوراق المخطوطة بعد أن أصبحت‬
‫الكتابة تعبر عن كافة جوانب الحياة‪ ،‬ولهذا فللمحرر دور اجتماعي وقانوني هام‪ .‬وقد تعددت العبارات الدالة‬
‫على هذا الشرط منها‪ :‬المحررات‪ ،‬السندات‪ ،‬المستندات‪ ،‬المخطوطات‪ ،‬الصكوك‪ ،‬األوراق الكتابية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد عبد الحميد األلفي‪ ،‬جرائم التزييف و التقليد و التزوير وفقا ألحدث أحكام محكمة النقض‪ ،‬دار محمود للنشر و التوزيع‪ .‬ص‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد عبد السالم علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة في القانون المصري‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ .2992 ،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022-022‬‬
‫‪16‬‬
‫ولكن رغم أهمية المحرر في مجال جريمة التزوير إال أن المشرع لم يعرف أو يحدد المقصود‬
‫بالمحرر في نطاق التزوير‪ ،‬وانما حدد صفة المحررات التي تقع بها صور الجريمة من محررات رسمية و‬
‫عرفية وتجارية ومصرفية وشهادات ووثائق إدارية‪ ،‬لهذا حاول الفقه تعريف المحرر محل وموضوع التزوير‪،‬‬
‫فوفقا للفقيه جارو ‪ Garraud‬فالمحرر بمفهومه الواسع هو كل العالمات أو الرموز المادية المرئية والدائمة‬
‫التي تسمح بانتقال الفكر‪ 1.‬أما جارسون ‪ Garçon‬فيعرف المحرر بأنه العالمات التي ينتقل بها معنى معين‬
‫من شخص إلى آخر عند النظر إليها‪ ،‬في حين يقصد بالمحرر في نطاق التزوير كل مكتوب يفصح عن‬
‫مصدره ويتضمن وقائع أو بيانات تصلح ألن يحتج بها إما لتقرير حق واما إلثباته‪ 2.‬وعليه فهناك مجموعة‬
‫من العناصر المميزة للمحرر بدونها ال يصلح أن يكون محال لتغيير الحقيقة في جريمة التزوير‪ ،‬وهي شكل‬
‫المحرر‪ ،‬مضمونه ومصدره‪ ،‬وهي العناصر التي تشكل المظهر المادي للمحرر‪ .‬إضافة إلى وجوب توافره‬
‫على المظهر القانوني‪ ،‬وهو ما يمكن أن يتمتع به من قوة في اإلثبات وبالتالي إمكان إحداث أثر قانوني‬
‫معين‪ .‬غير أن هناك عناصر أخرى ال تؤثر في توافر صفة المحرر محل التزوير وهي صحة المحرر ووجود‬
‫أصل المحرر‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المظهر المادي للمحرر‬
‫كما سبق اإلشارة إليه فإن المظهر المادي للمحرر محل التزوير يشتمل على ثالثة عناصر و هي‪:‬‬
‫شكل المحرر‪ ،‬مصدره ومضمونه‪.‬‬
‫فبخصوص شكل المحرر إن جوهر التزوير هو الكذب المكتوب وعليه يجب إفراغ المحرر في شكل‬
‫كتابي‪ .‬ويقصد بالكتابة العبارات الخطية أو العالمات أو الرموز التي تصلح لسرد واقعة أو للتعبير عن إرادة‬
‫وتصلح لنقل المعنى من شخص إلى آخر‪ 3.‬أو هي كل الحروف الهجائية واألرقام وكافة العالمات‬
‫االصطالحية والرموز التي يكون لها معنى معين يفهمه الناس أو فئة معينة كالمتخصصين‪ ،‬وبالتالي يجوز‬
‫أن يقع التزوير في الكتابة المختزلة أو المشفرة‪ 4.‬وعليه يخرج من نطاق الكتابة عدادات الكهرباء والماء‬
‫والغاز والقطع المعدنية واألختام والرسومات‪ ،‬فهي ال تصلح محال للتزوير إذا ما تعرضت للتعديل أو التغيير‬
‫أو الحذف أو اإلضافة‪ ،‬وانما يمكن أن تقوم بها جرائم أخرى إذا توافرت أركانها‪ .‬وال يهم بعد ذلك طريقة‬
‫الكتابة‪ ،‬فقد تكون تكون بخط اليد أو مطبوعة كليا أو جزئيا‪ ،‬كما ال يشترط أن يكون المحرر مدونا بخط‬
‫المزور نفسه‪ ،‬إذ يمكن أن يدونه شخص آخر كما في حالة الرسائل التلغرافية أو التليفونية أو عن طريق‬
‫النشر‪ .‬كما ال تهم اللغة التي كتب بها سواء كانت لغة وطنية أو أجنبية طالما أنها لغة مفهومة ومتداولة بين‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1362, P 100.‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر قهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪3‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪17‬‬
‫الناس‪ ،‬كما ال تهم المادة التي كتب بها المحرر فيستوي أن تكون حب ار أو أية مادة أخرى‪ ،‬غير أنه ال يصلح‬
‫الحبر السري مادة كتابة لزوالها فور االنتهاء منها‪ 1.‬كما ال عبرة بنوع الدعامة المثبتة للمحرر فالغالب تكون‬
‫ورقا‪ .‬فكل ما يشترط في هذه الكتابة أن يكون لها قدر من الثبات أو عدم التغيير‪ ،‬وذلك إلمكان الرجوع إليها‬
‫واالستعانة بها عند الحاجة‪ 2.‬وأن تكون الكتابة مرئية بمعنى أن يكون إدراكها عن طريق البصر‪ .‬وفي هذا‬
‫المجال يثور التساؤل حول مسألتين لم ينص المشرع على تنظيمهما وهما التزوير في المحررات االلكترونية‬
‫واستبدال الصورة الشمسية‪.‬‬
‫فبخصوص المحررات االلكترونية فإنها تعتبر من الوسائل الحديثة التي ظهرت مع انتشار تكنولوجيا‬
‫المعلومات واالتصاالت لتسهيل التعامل بالوسائل والشبكات االلكترونية ومما زاد من استخدامها اتجاه كثير‬
‫من الدول لتطبيق ما يسمى الحكومة االلكترونية والتوسع في التجارة االلكترونية واحتياجها إلى تنفيذ العقود‬
‫اإللكترونية كوسيلة تعاقد بين األفراد والهيئات والدول عبر شبكة األنترنت‪ ،‬وتعتبر السمة الرئيسية التي تتمتع‬
‫بها هذه المحررات أنها تعتمد على تحويل البيانات والمعطيات التي تحملها من شكل آلخر ونقلها من مكان‬
‫آلخر بطريقة غير ملموسة‪ 3.‬كما أن العمليات التي تتم بواسطتها ذات آثار قانونية هامة وخطيرة‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫عمليات الدفع والفواتير والطلبيات للبضائع وجميع عمليات البنوك والمؤسسات أيا كان حجمها‪ 4.‬ومع ذلك‬
‫فإن المحرر االلكتروني على عكس المحرر الورقي ال يمكن اعتباره شيئا ماديا ما لم يتم إخراجه من أجهزة‬
‫الحاسب اآللي فيمكن حينئذ قراءته فهو مخزن ومحفوظ إلكترونيا يتم كتابته عن طريق المكونات المادية‬
‫ألجهزة الحاسب اآللي دون إمكانية تحديد من قام بكتابته‪ 5.‬وفي هذا السياق يطرح التساؤل حول مدى انطباق‬
‫نصوص التزوير على المحررات اإللكترونية؟‬
‫واجابة على ذلك فإنه بالرجوع إلى النصوص الخاصة بالتزوير في المحررات نجد أن المشرع لم ترد‬
‫في ذهنه فكرة المحرر اإللكتروني‪ ،‬وانما ربط التزوير بالمحرر الورقي الذي يشترط أن يكون وجوده ماديا‬
‫ملموسا يمكن رؤيته بالعين المجردة‪ ،‬و ذلك خالف البيانات اإللكترونية التي ال يمكن رؤيتها بغير الوسائل‬
‫الفنية التي تمكن من ذلك‪ .‬كما أن المشرع من جهة ثانية لم يشر إلى التزوير المعلوماتي في الجرائم الماسة‬
‫بأنظمة المعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬فقد أشار إلى حذف أو تغيير معطيات المنظومة كظرف مشدد للعقاب في‬
‫حالة الدخول أو البقاء عن طريق الغش في كل أو جزء من منظومة للمعالجة اآللية للمعطيات في المادة‬
‫‪ 824‬مكرر‪ .‬كما نص في المادة ‪ 824‬مكرر‪ 8‬من نفس القانون على معاقبة كل من أدخل بطريق الغش‬

‫‪1‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪99‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪027‬‬
‫‪3‬‬
‫إيهاب فوزي السقا‪ ،‬جريمة التزوير في المحررات اإللكترونية دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2221 ،‬ص ‪22‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬الدليل الجنائي و التزوير في جرائم الكمبيوتر و االنترنت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،2222 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪5‬‬
‫إيهاب فوزي السقا‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.22-22‬‬
‫‪18‬‬
‫معطيات في نظام أو أزال أو عدل بطريقة الغش المعطيات التي يتضمنها‪ .‬وال يقصد المشرع بهذه الحالة‬
‫‪1‬‬
‫التزوير المعلوماتي وانما يقصد التغيير الذي يصيب النظام‪.‬‬
‫لكن بالرجوع إلى القانون المدني يالحظ أن المشرع قد سوى بين الكتابة في الشكل اإللكتروني‬
‫والكتابة على الورق من حيث اإلثبات‪ ،‬وذلك في تعديل القانون المدني بموجب القانون رقم ‪ 81-11‬المؤرخ‬
‫في ‪ 21‬يونيو ‪ 2111‬في المادة ‪ 828‬مكرر منه حيث نصت‪ «:‬ينتج اإلثبات بالكتابة من تسلسل حروف أو‬
‫أوصاف أو أرقام أو أية عالمات أو رموز ذات معنى مفهوم‪ ،‬مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها‪ ،‬وكذا طرق‬
‫إرسالها‪ .».‬وكذا المادة ‪ 828‬مكرر‪ 8‬منه التي نصت على ‪ «:‬يعتبر اإلثبات بالكتابة في الشكل اإللكتروني‬
‫كاإلثبات بالكتابة على الورق‪ ،‬بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها أو أن تكون معدة‬
‫ومحفوظة في ظروف تضمن سالمتها»‪ .‬والمادة ‪ 821‬الفقرة الثانية من نفس القانون‪ «:‬ويعتد بالتوقيع‬
‫‪2‬‬
‫اإللكتروني وفق الشروط المذكورة في المادة ‪828‬مكرر‪ 8‬أعاله»‪.‬‬
‫وهكذا فقد اعترف المشرع بالكتابة اإللكترونية وأقر لها قيمة في اإلثبات وفق شروط وضوابط محددة‬
‫غير أنه لم يضع األحكام القانونية الخاصة بحمايتها خاصة من العبث فيها‪ .‬وذلك على خالف المشرع‬
‫الفرنسي الذي عمد بموجب تعديل قانون العقوبات ‪ 8224‬إلى إخراج جريمتي تزوير المحررات المعالجة آليا‬
‫و استعمالها من بين الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬وادخالها ضمن نصوص التزوير في‬
‫المحررات‪ ،‬فقد توسع في مفهوم المحرر الذي يقع عليه التزوير بحيث أصبح يشمل المحرر بشكله التقليدي‬
‫وكل وسيط آخر للتعبير عن الفكر‪ ،‬لكن شرط أن يكون من الممكن استخدامه لممارسة حق أو تصرف‪ ،‬أو‬
‫أن يصلح إلثبات حق أو تصرف له آثار قانونية‪ ،‬والعلة من وراء التعديل الذي قام به المشرع الفرنسي هو‬
‫اختالف المصلحة المحمية بالقانون والتي تقف وراء التجريم‪ ،‬فهي في جرائم االعتداء على نظام المعالجة‬
‫اآللية للمعطيات مصلح ة فردية تخص صاحب هذا النظام المعلوماتي ومن يسيطر عليه فردا أو شركة‪ ،‬في‬
‫حين أن المصلحة التي يحميها القانون في جريمة التزوير في المحررات هي حماية الثقة العامة المقترحة في‬
‫هذه المحررات‪ ،‬وهي ثقة أوجدها القانون من واقع القيمة المعترف بها لهذه المحررات أيا كان شكلها‪ ،‬وعليه‬
‫‪3‬‬
‫امتدت الحماية إلى المحررات اإللكترونية سواء كانت تخضع لهذه المعالجة أم ال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 292‬مكرر‪ «:‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنة و بغرامة من ‪ 02222‬دج إلى ‪ 222222‬دج كل من يدخل أو يبقى عن طريق الغش‬
‫في كل أو جزء من منظومة للمعالجة اآللية للمعطيات أو يحاول ذلك‪ .‬تضاعف العقوبة إذا ترتب على ذلك حذف أو تغيير لمعطيات المنظومة‪».‬‬
‫المادة ‪ 292‬مكرر ‪ «:2‬يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات و بغرامة من ‪ 022222‬دج إلى ‪ 2222222‬دج كل من أدخل بطريق الغش في‬
‫نظام أو ازال أو عدل بطريق الغش المعطيات التي يتضمنها»‪ .‬القانون رقم ‪ 20-22‬المؤرخ في ‪ 22‬نوفمبر ‪ 2222‬يعدل و يتمم األمر رقم ‪202 – 22‬‬
‫المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬المتضمن قانون العقوبات‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 72‬السنة الواحدة و األربعون األربعاء ‪ 22‬نوفمبر ‪ .2222‬ص ‪.22-22‬‬
‫‪2‬‬
‫القانون ‪ 22-20‬المؤرخ في ‪ 22‬يونيو ‪ 2220‬يعدل و يتمم األمر رقم ‪ 01 – 70‬المؤرخ في ‪ 22‬سبتمبر ‪ 2970‬المتضمن القانون المدني‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية العدد ‪ 22‬السنة الثانية و األربعون األحد ‪ 22‬يونيو ‪ .2220‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪19‬‬
‫أما بخصوص استبدال الصورة الشمسية فقد اتجه جانب من الفقه إلى عدم اعتبار استبدال صورة‬
‫فوتوغرافية في محرر رسمي من قبيل التزوير‪ ،‬إذ يجب أن ينصب تغيير الحقيقة على الكتابة مباشرة بحيث‬
‫يستبعد من مفهوم المحرر كل ما ال يتضمن عبارات خطية‪ ،‬لهذا فان تغيير الصورة وان كان يترتب عليه‬
‫تغيير ضمني في معنى المحرر إال انه تغيير غير مباشر لم يقع على نفس المسطور‪ ،‬ولم يحصل بإحدى‬
‫الطرق المبينة بالقانون للتزوير المادي و ال المعنوي‪ ،‬فال يصح أن يقاس هذا التغيير بالتغيير الذي يحصل‬
‫في البيانات التي تعد جزءا من أجزاء المحرر‪ 1.‬غير انه يشترط في هذه الحالة أن يقتصر سلوك المزور‬
‫على تغيير الصورة دون المساس بالبيانات أو الرموز المثبتة به‪ ،‬أما إذا اقترن تغيير الصورة بوضع توقيع‬
‫مزور للموظف المختص أو خاتم على الصورة المستبدلة فان التزوير يعد محققا في هذه الحالة‪2.‬غير أن‬
‫هناك من يرى بأن من بين طرق التزوير المادي طريقة االصطناع‪ ،‬ومن بين طرق التزوير المعنوي جعل‬
‫واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬فهل ثمة صعوبة في إدراج واقعة استبدال الصورة الشمسية في نطاق‬
‫‪3‬‬
‫أية طريقة من هذه الطرق‪.‬‬
‫وبخصوص مصدر المحرر‪ ،‬يشترط أن يكون مصدر المحرر ظاه ار فيه‪ ،‬ذلك أن مضمون المحرر‬
‫هو بالضرورة صادر عن شخص أو عدة أشخاص معينين‪ ،‬فالوظيفة االجتماعية للمحرر والمتمثلة في‬
‫التعبير عن العالقات االجتماعية أو إقامة الدليل عليها تفرض إظهار أطراف هذه العالقة أو على األقل‬
‫‪4‬‬
‫إمكان التعرف عليهم‪.‬‬
‫ولمعرفة مصدر المحرر ال يشترط أن يكون له شكل معين‪ ،‬وان كان في الغالب يكون معروف‬
‫المصدر من خالل توقيع الشخص‪ ،‬أو ختم الجهة المعنية‪ ،‬أو على األقل حين يذكر فيه اسم الفرد أو الجهة‬
‫المصدرة له ولو لم يكن ثمة توقيع أو ختم‪ .‬كما يمكن معرفة المصدر من خالل البصمة‪ ،‬أو بوضع الحروف‬
‫األولى لالسم‪ ،‬أو بتعيين وظيفة الشخص تعيينا نافيا للجهالة‪ ،‬كما جرى العمل على اعتبار بعض المحررات‬
‫الشائعة االستعمال معروفة المصدر ولو لم تتضمن تحديد مصدره بصفة صريحة‪ ،‬مثل تذاكر السفر على‬
‫‪5‬‬
‫مختلف أنواعها‪ ،‬الدفاتر والسجالت الخاصة بالتجار‪.‬‬
‫كما ال يشترط أن يكون مصدر المحرر هو من كتبه‪ ،‬وانما من اتجهت إرادته إلى االرتباط‬
‫بمضمونه‪ ،‬ومثال ذلك حالة الرئيس الذي يملي على نائبه ففي هذه الحالة فصاحب المحرر هو األصيل دون‬
‫النائب‪ ،‬وتطبيقا لما سبق فإنه ال يصلح محال لجريمة التزوير المكتوب الذي يذكر فيه على سبيل الرواية أن‬

‫‪1‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪029-021‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪4‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪221‬‬
‫‪5‬‬
‫سليمان عبد المنعم‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫‪20‬‬
‫شخصا معين مدين آلخر دون أن يظهر منه من صدر عنه‪ ،‬و كذا الشكوى التي تقدم من مجهول ففي هذه‬
‫‪1‬‬
‫الحاالت تفتقد صفة المحرر محل التزوير‪.‬‬
‫أما بخصوص مضمون المحرر‪ ,‬فيجب أن يتضمن تعبي ار متكامال عن مجموعة من المعاني واألفكار‬
‫المترابطة فيما بينها‪ ،‬وال يهم بعد ذلك أن تتجسد هذه المعاني في صورة عقد أو حكم أو سند دين أو مخالصة‬
‫أو خطاب أو برقية أو إشارة تلفونية أو تظلم أو شكوى أو دفتر تجاري‪ 2.‬وعليه فمضمون المحرر في إطار‬
‫جريمة التزوير هو الوقائع أو البيانات التي تشكل مستندا‪ ،‬أو هو التعبير عن اإلرادة و بالتالي تنتفي صفة‬
‫المحرر في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عن مجموعة من األلفاظ التي ال تفيد في ذاتها هذه المجموعة من األفكار‪ ،‬كبطاقة الزيارة وكذا الورقة‬
‫البيضاء التي ال تحوي غير التوقيع‪.‬‬
‫‪ -‬عن الرموز التي ال تتضمن تعبي ار عن فكرة و إنما تعد داللة اصطالحية على أمر معين‪ ،‬فالعالمة التي‬
‫يضعها التاجر على بضاعة بما يفيد أنها بيعت أو أنها غير معروضة للبيع ال تعتبر محر ار‪.‬‬
‫‪ -‬عن مضامين اإلبداع الذهني أو الفكري سواء كانت رسومات أو ألحان موسيقية أو نصوصا أدبية طالما‬
‫أنها غ ير ناقلة لفكرة ترتب أث ار قانونيا في إطار جريمة التزوير‪ ،‬فالمصلحة القانونية المحمية هنا هي‬
‫ملكية األفراد لنتاجهم الذهني بكافة صوره‪ ،‬تختلف عن المصلحة القانونية التي ينبغي حمايتها في جريمة‬
‫التزوير‪ ،‬وهي حماية الثقة العامة والمشروعة في المحررات التي يمكن أن ترتب آثا ار قانونية بذكر واقعة‬
‫أو التعبير عن إرادة‪ ،‬وفي نفس السياق ال يصدق عل األفكار العلمية والتاريخية البحتة وصف المحرر‪،‬‬
‫بحيث ال يمكن أن تكون محال لجريمة التزوير‪ .‬ففي جميع هذه الحاالت قد تخضع في حالة التحريف‬
‫‪3‬‬
‫الواقع عليها لنصوص عقابية أخرى‪.‬‬
‫ولكن ال يكفي أن يكون مضمون المحرر مجرد سرد لوقائع أو بيانات أو تعبي ار عن إرادة‪ ،‬وانما يلزم‬
‫أن يكون هذا المضمون ذا قيمة قانونية يمكنها أن ترتب آثا ار معينة‪ ،‬أي مما يصلح للتمسك به ولالحتجاج به‬
‫وهي ال تكون كذلك إال إذا كانت تقرر حقا أو تثبته‪ ،‬وهو ما يمثل المظهر القانوني للمحرر‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المظهر القانوني للمحرر‬
‫يتعين أن يشكل المحرر مستندا في المفهوم القانوني‪ ،‬بمعنى أن يكون له قوة إثبات‪ ،‬و أن تنصرف‬
‫إلى البيانات محل تغيير الحقيقة‪ ،‬فال قيام لجريمة التزوير إذا تجرد الصك أو المخطوط من هذه الصفة‪،‬‬
‫وعليه فإن المظهر القانوني للمحرر يتضمن عنصرين قوة اإلثبات واألثر القانوني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أبو الروس‪ ،‬قانون جرائم التزييف و التزوير و الرشوة و اختالس المال العام من الوجهة القانونية و الفنية‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ .2997 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪21‬‬
‫ويقصد بقوة اإلثبات مدى صالحية المحرر إلثبات واقعة ما واالحتجاج به في مواجهة الغير‪ ،‬إذ يرى‬
‫جارو ‪ Garraud‬أن هناك ارتباط وثيق بين التزوير واإلثبات‪ ،‬ذلك أن الذي يعاقب عليه القانون في التزوير‬
‫ليس مطلق الكذب وانما اإلخالل بالثقة العامة التي هي من مستلزمات الدليل الكتابي الذي أصبح روح‬
‫المعامالت بين الناس‪ ،‬وهكذا فإن الضابط في التفرقة بين ما يعد تزوي ار وما ال يعد كذلك هو طبيعة المحرر‪،‬‬
‫فلكي يكون هناك تزوير يجب أن يكون للكتابة في ذاتها شيء من الحجية حتى تكون في حالة التغيير أداة‬
‫خداع‪ ،‬بعبارة أخرى يجب أن تنبعث من بين سطور المحرر قوة اإلقناع بصحة ما جاء به‪ .‬وقد استمد جارو‬
‫‪ Garraud‬هذه القاعدة من المادة ‪ 841‬من قانون العقوبات الفرنسي القديم‪ -‬قانون ‪ ،-8881‬والتي تقابلها‬
‫في القانون الجزائري المادة ‪ 281‬ق ع‪ ،‬و التي مفادها وجوب أن يكون التغيير واقعا في شيء مما أعد‬
‫المحرر لتلقيه أو إثباته‪ ،‬فموضوع التزوير المعاقب عليه هو تحريف محرر معد سندا الكتساب أو نقل أو‬
‫إثبات حق أو صفة أو مركز قانوني‪ .‬ويتخذ جارو ‪ Garraud‬هذه القاعدة بصفة عامة أساسا للعقاب على‬
‫التزوير في جميع صوره سواء كان ماديا أو معنويا و سواء وقع في محرر رسمي أو عرفي‪ ،‬مع استثناء واحد‬
‫وهو صورة تغيير الحقيقة التي تتم بوضع إمضاء مزور‪ ،‬أي بانتحال شخصية الغير فإن هذا الفعل كاف في‬
‫‪1‬‬
‫ذاته لقيام جريمة التزوير‪ ،‬إذ غالبا ما يتم هذا بنية الغش مما يحتمل أن ينشأ عنه ضرر للغير‪.‬‬
‫غير أن قوة المحرر في اإلثبات من الناحية القانونية تختلف حسب نوع المحرر ما إذا كان رسميا أو‬
‫عرفيا‪ .‬وبالتالي قد يختلف تطبيق هذه القاعدة‪ ،‬فبالنسبة للمحررات العرفية يعتبر العقد العرفي صاد ار ممن‬
‫كتبه أو وقعه أو وضع عليه بصمة إصبعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه‪ ،‬أما ورثته أو خلفه فال‬
‫يطلب منهم اإلنكار‪ ،‬ويكفي أن يحفوا اليمين بأنهم ال يعلمون أن الخط أو اإلمضاء أو البصمة هو لمن تلقوا‬
‫منه هذا الحق وفقا للمادة ‪ 821‬من القانون المدني‪ .‬وال يكون العقد العرفي حجة على الغير في تاريخه إال‬
‫منذ أن يكون له تاريخ ثابت وفقا للمادة ‪ 828‬من نفس القانون‪ .‬وفيما عدا ذلك تعد هذه المحررات بمثابة‬
‫اإلق اررات الفردية المجردة من قوة الدليل‪ ،‬ذلك ألن خلو المحرر العرفي من قوة اإلثبات يجعله غير ذي قيمة‬
‫فال ضرر من تزويره‪ .‬أما بالنسبة للمحررات الرسمية‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 824‬مكرر‪ ( 4‬تعديل القانون المدني‬
‫بموجب القانون رقم ‪ 84 - 88‬المؤرخ في ‪ 8‬مايو ‪ « : )8288‬يعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة حتى‬
‫يثبت تزويره‪ ،‬و يعتبر نافذا في كامل التراب الوطني»‪ .‬المادة ‪ 824‬مكرر‪ 1‬من نفس القانون‪ «:‬يعتبر العقد‬
‫‪2‬‬
‫الرسمي حجة لمحتوى االتفاق المبرم بين األطراف المتعاقدة و ورثتهم و ذوي الشأن»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1364, p 106.‬‬
‫‪2‬‬
‫القانون رقم ‪ 22 – 11‬المؤرخ في ‪ 2‬مايو ‪ 2911‬يعدل و يتمم األمر ‪ 01 – 70‬المؤرخ في ‪ 22‬سبتمبر ‪ 2970‬المتضمن القانون المدني‪ .‬الجريدة‬
‫الرسمية العدد ‪ 21‬السنة الخامسة و العشرون األربعاء ‪ 2‬مايو ‪ ،2911‬ص ‪.729‬‬
‫‪22‬‬
‫وهو ما يعني أن للمحرر الرسمي حجية كاملة أي قوة إثبات مطلقة ما دام مستوفيا لمظهره القانوني‪،‬‬
‫فالبيانات التي يحررها الموظف العمومي تعد حجة بما جاء فيها باعتباره شاهدها أو سمعها أو حقق فيها‬
‫أثناء تأدية وظيفته‪ ،‬بحيث ال يمكن الطعن فيها إال بطريق التزوير‪ .‬و لكن هل يعني ذلك أن كل مادون في‬
‫المحرر الرسمي يعتبر حجة ال يقبل دحضها إال عن طريق التزوير؟ ذلك أن التزوير في المحررات الرسمية‬
‫ال يقتصر فقط على هذه البيانات فقد يحصل فيما يصدر على لسان المتعاقدان أو أصحاب الشأن على وجه‬
‫العموم مما يجوز إدحاضه بطرق اإلثبات األخرى‪ ،‬لهذا فال بد من التفريق بين أمرين‪ :‬األمر األول هو‬
‫سالمة المحرر المادية ومطابقته لما أريد تدوينه به‪ ،‬واألمر الثاني هو حقيقة ما دون به‪ .‬فيدخل في األمر‬
‫األول صحة توقيع الموظف الرسمي الذي جرى تحرير العقد باسمه‪ ،‬والبيانات الواردة في المحرر على لسان‬
‫هذا الموظف مما قام به بنفسه أو عاينه أو سمعه من الطرفين اللذين حض ار أمامه والتاريخ الذي وضعه على‬
‫العقد‪ ،‬فكل هذا ال يمكن إنكاره إال عن طريق الطعن بالتزوير‪ .‬أما من حيث حقيقة األقوال التي أدلى بها‬
‫الطرفان إلى الموظف العمومي وقام بتدوينها بناء على ما سمعه منهما وكان يجب أال يتكون لهذه األقوال أية‬
‫حجية‪ ،‬ولكن ألنها دونت بناءا على طلب الطرفين تكون حجة عليهما وعلى الكافة إلى أن يتم إثبات عكسها‬
‫طبقا للقواعد العامة‪ ،‬غير أنه يمكن الطعن فيها بالتزوير إذا ثبت تو ِ‬
‫اطؤ الموظف العمومي الذي كان يعلم‬
‫‪1‬‬
‫وقت تحرير المحرر بمخالفة البيانات التي أمليت عليه من الطرفين للحقيقة‪.‬‬
‫ولكن يالحظ أن استلزام أن يكون البيان مما يصلح دليال وفقا لقواعد القانون المدني من شأنه أن‬
‫يؤدي إلى تضييق نطاق التزوير وبالتالي قصور نصوص القانون عن حماية كثير من المحررات الواجبة‬
‫الحماية من العبث بها‪ ،‬فالمشرع لم يقصد بمواد التزوير تحقيق التقابل التام بين الدليل الشفهي والدليل الكتابي‬
‫من حيث العقاب على اإلخالل بهما‪ ،‬إذ ال يشترط أن يكون المحرر قد أعد وقت تحريره سندا أو حجة‬
‫بالمعنى القانوني الدقيق‪ ،‬بل المراد بذلك أن يكون التزوير المعاقب عليه هو التزوير الذي يقع في محرر‬
‫يمكن أن يولد عنه لمن يقدم له عقيدة مخالفة للحقيقة‪ 2،‬أي ليس المراد بحجية المحرر أن تكون له صالحية‬
‫قطعية للتمسك به بل صالحية مبدئية أو وقتية‪ 3.‬ذلك أن كل ما يتطلبه القانون للعقاب على التزوير أن يقع‬
‫بإحدى الطرق المحددة قانونا‪ ،‬وأن يكون من شأنه إحداث أو إمكان إحداث ضرر للغير‪ ،‬دون التفريق بين‬
‫المحررات التي تصلح أن تكون دليال بشكل ما والتي ال تكون كذلك‪ ،‬لعل االستثناء على هذا بعض‬
‫المحررات التي تعد أول األمر ألن تتخذ دليال قانونيا و التي ال يتصور حدوث ضرر إال إذا كان تغيير‬
‫الحقيقة واقعا فيما أعد المحرر إلثباته‪ ،‬أما فيما عدا هذه الحالة فال يجوز ربط التزوير باإلثبات‪ ،‬وبالتالي‬

‫‪1‬‬
‫سليمان مرفسي‪ ،‬قوة المحررات العرفية في اإلثبات و حجية تاريخها على الوارث الذي يطعن فيها بصدورها في مرض الموت‪ ،‬مجلة القانون و‬
‫اإلقتصاد‪-‬القسم األول‪ ،‬ص ‪ 201‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬قوة المحرر في اإلثبات كشرط لوجود جريمة التزوير في المحررات‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬السنة ‪ ،2‬ص ‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد محمود خليل‪ ،‬جرائم تزوير المحررات‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،2221 ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪23‬‬
‫تقييد التزوير بما يحقق هذا التقابل‪ ،‬وهكذا يرى جارو ‪ Garraud‬أن نطاق التزوير ال ينبغي حصره في‬
‫تزوير المحررات المعدة كدليل إثبات بالمعنى الدقيق‪ ،‬وانما يجب أن يتسع إلى تغيير الحقيقة في جميع‬
‫المحررات التي يمكن أن تكون دليال في ظروف معينة‪ ،‬أي أن كل محرر يصلح أساسا لرفع دعوى أو‬
‫‪1‬‬
‫المطالبة بحق مهما كانت طبيعته يمكن أن يكون محل تزوير‪.‬‬
‫وعليه فالبد من التمييز بين وسائل اإلثبات بمقتضى القانون والمحررات التي يمكن أن تكون محال‬
‫لجريمة التزوير‪ ،‬ومع ذلك فإن أساس نظرية ‪ Garraud‬تكون سليمة دائما في حالة المحررات العرفية ألن‬
‫المحرر العرفي الذي ال يصلح أساسا لرفع دعوى أو المطالبة بحق ال يترتب على تزويره ضرر‪ ،‬أما‬
‫‪2‬‬
‫المحررات الرسمية فإن هذه النظرية ال تصلح قاعدة عامة لها في جميع األحوال‪.‬‬
‫لذلك نجد أن القضاء الفرنسي قد اعتمد في هذا المجال على التفريق بين التزوير المادي و التزوير‬
‫المعنوي‪ ،‬حيث قضت محكمة النقض الفرنسية أنه في حالة التزوير المادي تتحقق الجريمة مهما كانت قيمة‬
‫المحرر في اعتباره مصد ار للحق‪ ،‬عندما تتوافر نية الغش و إمكانية تحقق الضرر‪ 3.‬كما قضت في قرار آخر‬
‫لها أنه إذا أثبتت محكمة االستئناف أن المحرر المزور يتضمن تزوي ار ماديا ضا ار بالغير‪ ،‬فليس من المهم‬
‫‪4‬‬
‫البحث فيما إذا كان المحرر يشكل أساس لحق أم ال‪.‬‬
‫وعليه ففي حالة التزوير المادي في محرر ال يشكل سندا ال يمكن للمحكمة أن تفسر ذلك بانعدام‬
‫الضرر الواقع على الطرف المدني‪ 5.‬غير أنه في حالة التزوير المعنوي فقد قضت محكمة النقض الفرنسية‬
‫بأنه حتى يكون معاقبا عليه يجب أن يكون التزوير واقع على محرر يشكل سندا لمصلحة الذي أعده و جعله‬
‫دليال لصالحه‪ 6.‬كما قضت أن التزوير المعنوي الذي ال يرتب التزامات على عاتق الغير ال يمكن أن يشكل‬
‫تزوي ار معاقبا عليه‪ 7.‬لكن في ظل قانون العقوبات الفرنسي الجديد ‪ -‬قانون ‪ - 8224‬فقد نص المشرع‬
‫صراحة على أن يكون موضوع المحرر أو من آثاره إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات نتائج قانونية‪،‬‬
‫فهذه الصفة للمحرر تخضع لرقابة محكمة النقض الفرنسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. p107 (note marginale).‬‬
‫‪2‬‬
‫السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass,crim 9 juin 1964 : Bull,crim n°196, DP 2008.: « en cas de faux matériel, le délie est caractérisé quelque soit la‬‬
‫‪valeur de l’écrit qu’il soit une source de droit, dés lors qu’un préjudice peut en résulte et qu’il y a intention‬‬
‫‪frauduleuse ».‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass,crim 28 novembre 1968, Bull,crim n°323, CP 2008 : « Alors que la cour d’appel constate que le document‬‬
‫‪incriminé ( lettre missive) comporte un faux matériel, ayant porté préjudice à autrui, il importe peu de rechercher‬‬
‫‪s’il a pu ou non constituer une source de droit ».‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass,crim 3 mai 1993, CP 2004 : « de la circonstance qu’un faux matériel ne constitue pas un titre et ne fait pas‬‬
‫‪preuve, une cour d’appel ne peut en déduire l’absence de préjudice pour la partie civile ».‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cass,crim 7 mars 1972,Bull,crim n°86. CP 2008 : « pour être punissable un faux intellectuel doit constitue un titre‬‬
‫‪au profit de celui qui l’a établi et faire preuve pour lui ».‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Cass,crim 28 mai 1962, Bull,crim n°212, CP 2008 : « un faux intellectuel qui ne comporte pas d’obligation pour un‬‬
‫‪tiers ne peut constituer un délit prévu par l’art 227 et 202 c pén ».‬‬
‫‪24‬‬
‫والى جانب قوة المحرر في اإلثبات فقد ظهر ضابط آخر وهو البيان الجوهري‪ ،‬فوفقا له ال يكون‬
‫التزوير قائما إال إذا وقع تغيير الحقيقة على بيان جوهري‪ ،‬وهو البيان الواجب إدراجه في المحرر حتى‬
‫يستكمل شكله الرسمي أي التي يفرض القانون تضمينها في المحرر دون حاجة إلى تحديدها على سبيل‬
‫ا لحصر‪ ،‬إذ تختلف حسب طبيعتها لما يقتضيه الموضوع الذي دونت البيانات المعنية في المحرر من أجله‬
‫وبسببه‪ ،‬باإلضافة لطبيعة كل محرر بحسب واقع حاله‪ ،‬ويعني كل ما يفرض السند لقيامه وجوب الذكر فيه‬
‫يعتبر من البيانات الجوهرية التي يتحقق التزوير فيها‪ 1،‬وهنا يقتضي التفريق بين البيان الجوهري و البيان‬
‫اإلضافي‪ ،‬فقد يذكر في المحرر ما هو على سبيل الزيادة أو االستفاضة أو االستطراد فهل يمكن أن يكون‬
‫محال للتزوير؟‬
‫الثابت في أغلب االجتهاد القضائي الفرنسي عدم تحقق جرم التزوير الحاصل على واقعة فرعية‬
‫‪2‬‬
‫ثانوية غير جوهرية أو أساسية حتى و لو كان للمحرر قوة إنشائية أو إثباتيه للحق يحتفظ بها‪.‬‬
‫غير أن من الفقه من انتقد هذا االتجاه ورأى ضرورة اعتبار التزوير قائما ولو كان ثانويا‪ ،‬فالحكمة‬
‫القانونية تقتضي استثبات وقوع التزوير سواء كان محله بيانا أساسيا أو ثانويا‪ ،‬فليس على القاضي سوى‬
‫التثبت من حدوث التزوير بإحدى الطرق المحددة قانونا ليلخص للعقاب‪ ،‬وليس إجراء القياس على معيار‬
‫األهمية‪.‬‬
‫مع ذلك فإنه يبقى على القضاء دور تصنيف األمور و فصلها عن بعضها البعض‪ ،‬وهكذا فإن‬
‫مناقشة الواقعة الجوهرية يدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي فله أن يقرر صور التحريف التي‬
‫يأخذ بها أو يهملها‪.‬‬
‫وفيما يتعلق باألثر القانوني للمحرر موضوع التزوير‪ ،‬فإن هذا العنصر ال يعدو أن يكون تحديدا‬
‫للعنصر األول المتعلق بقوة إثبات المحرر المزور‪ ،‬ألن قوة اإلثبات التي تتمتع بها المحررات من شأنها أن‬
‫تؤدي إلى ترتيب آثار قانونية على الوقائع المثبتة من خالل البيانات التي يشتمل عليها المحرر‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫يجب أن تكون للبيانات التي يحتويها المحرر مفعول إنشائي لحق أو ناقل له أو على األقل مفعول إثباتي‬
‫للحق‪ ،‬بحيث تحوز البيانات المذكورة األثر الحقوقي الواجب اتصافها به‪ 3،‬ولهذا تنتفي صفة المحرر عن‬
‫مضامين اإلبداع الذهني والفكري و األدبي واألفكار العلمية و التاريخية البحتة‪ ،‬ففي جميع هذه األحوال ينتفي‬
‫‪4‬‬
‫التزوير في حالة تعرضها للتحريف والتغيير النتفاء الطابع القانوني عن المضمون الكتابي الذي تتضمنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪ème‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, répertoire de droit pénal et de procédure pénal, 2‬‬ ‫‪édition, tome 3, mise à jour 1989,‬‬
‫‪Faux en écritures, Paris. Dalloz. n° 12, p 2.‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022-022‬‬
‫‪25‬‬
‫وفي هذا المجال يثور التساؤل حول الصورة المطابقة لألصل فهل يمكن أن تكون محال للتزوير أم‬
‫ال؟ فقد جاءت نصوص القانون المتعلقة بالتزوير مقتصرة على المحرر في أصله دون التعرض للصورة‬
‫المطابقة له‪ ،‬ومهما يكن فإن القاعدة أن الصورة طبق األصل ال تصلح محال للتزوير إال إذا كانت تتمتع‬
‫بالقوة الثبوتية‪ 1.‬فال بد من التمييز بين حالتين‪:‬‬
‫الصورة طبق األصل الرسمية‪ :‬وهي النسخة المطابقة لمستند صادر عن دائرة حكومية أو عن ما ينسبه لها‬
‫من المراجع الحكومية المعنية في ذلك‪ ،‬والتي تكون مصدقة من هذه الدائرة بعد تدقيقها ومطابقتها لألصل‬
‫وتوقيعها من الموظف الرسمي المختص و ختمها بخاتم اإلدارة‪ ،‬وتتمتع هذه الصورة بالقوة القانونية الصحيحة‬
‫الثابتة والثبوتية وتقوم مقام األصل و تحل محله إلجراء معامالت محددة‪ ،‬وتكتسب هذه القوة بحكم القانون‪.‬‬
‫فيكون التزوير الحاصل فيها بمثابة التزوير الواقع على األصل‪ ،‬وبالتالي يحق اإلدعاء بتزويرها دون الحاجة‬
‫للرجوع إلى األصل‪.‬‬
‫الصورة طبق األصلية العادية‪ :‬وهي الصورة التي تكون مطابقة على أصل المستند دون أن تحمل أي تأشيرة‬
‫أو عالمة بالتصديق عليها رسميا‪ ،‬سواء كانت عائدة ألوراق رسمية أو خاصة‪ ،‬ففي هذه الحالة فال مجال‬
‫لقيام التزوير فيها‪ ،‬وعليه فإن أي تغيير في بياناتها ال يعدو أن يكون تغيي ار في ورقة ال قوة لها في اإلثبات‬
‫وتفتقد للمظهر القانوني‪ ،‬إذ يحق دائما لمن تحتج به في مواجهته أن يطلب إبراز األصل العائد لها‪ 2 .‬وهو ما‬
‫يستخلص من نص المادتين ‪ 821‬و ‪ 821‬من القانون المدني‪ .‬المادة ‪ «:821‬إذا كان أصل الورقة الرسمية‬
‫موجودا‪ ،‬فإن صورتها الرسمية خطية كانت أو فوتوغرافية تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة لألصل‪.‬‬
‫وتعتبر الصورة مطابقة لألصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين‪ ،‬فإن وقع تنازع ففي هذه الحالة تراجع‬
‫الصورة على األصل»‪ .‬والمادة ‪ «:821‬إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية كانت الصورة حجة على الوجه‬
‫اآلتي‪ :‬يكون للصورة الرسمية األصلية تنفيذية أو غير تنفيذية حجة األصل متى كان مظهرها الخارجي ال‬
‫يسمح بالشك في مطابقتها لألصل‪ .‬و يكون للصورة الرسمية المأخوذة من الصور األصلية الحجية ذاتها و‬
‫لكن يجوز في هذه الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة األصلية التي أخذت منها‪ .‬أما‬
‫ما يؤخذ من صور رسمية للصورة المأخوذة من النسخ األولى فال يعتد به إال لمجرد االستئناس تبعا‬
‫للظروف»‪.‬‬
‫غير أنه قد يقع التزوير على األصل وتبدو بذلك الصورة المطابقة سليمة في شكلها ومظهرها بحيث‬
‫تعد نسخة مطابقة على تزوير األساس‪ ،‬ففي هذه الحالة يجب اإلدعاء مباشرة بتزوير المحرر األصلي دون‬
‫أخذ الصورة في عين االعتبار مطلقا‪ .‬وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي‪ ،‬حيث قرر بأنه ال قيام للتزوير‬
‫‪1‬‬
‫علي محمد جعفر‪ ،‬قانون العقوبات –القسم الخاص‪ ، -‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع‪ ،2222 ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪2‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22-22‬‬
‫‪26‬‬
‫بصفة عامة إذا وقع تغيير الحقيقة على نسخة محرر‪ ،‬ألن النسخة ال يمكن أن تشكل دليال أو تكون أساسا‬
‫لحق‪ ،‬غير أنه يكون األمر خالف ذلك إذا كان المحرر األصلي قد تم إتالفه وكانت هذه النسخة رسمية‬
‫‪1‬‬
‫يمكن أن تحل محله‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬العناصر غير المؤثرة في صفة المحرر‬
‫هناك عناصر ال تؤثر في صفة المحرر الذي يقع عليه التزوير إذ يستوي أن يكون المحرر صحيحا‬
‫أم باطال بطالنا مطلقا أو نسبيا‪ ،‬وسواء كان المحرر رسميا أو عرفيا‪ ،‬ألن البطالن ال يحول دون توافر‬
‫المظهر الشكلي وحتى المظهر القانوني للمحرر‪ ،‬فتتعلق ثقة الغير به وينخدع في صحته بحيث ال يقف في‬
‫الغالب على ما به من عيوب‪ ،‬فبصرف النظر عن قيمته وأثره في نظر القانون‪ ،‬فإنه يصلح بالتالي لالحتجاج‬
‫به في مواجهة الرجل العادي الذي قد ال يكتشف ما يعيب المحرر لمجرد أنه اتخذ مظهر المحرر‬
‫الصحيح‪2.‬غير أن التساؤل حول قيام التزوير أم ال في هذه الحالة ال يقف فقط على المظهر الخارجي‬
‫للمحرر محل التزوير الذي قد يوحي بصحته مع أنه باطل فينخدع به الشخص العادي‪ ،‬وانما على إمكانية‬
‫ترتب الضرر عن تزويره أو ال‪ ،‬فهذه المسألة ال تتعلق بالقانون وانما بالواقع أي احتمال ترتب الضرر على‬
‫أساس وقائع كل قضية و ظروفها و مالبساتها‪ 3.‬وسيتم تناول هذه الحالة بالتفصيل عند التعرض لموضوع‬
‫الضرر‪.‬‬
‫و من العناصر األخرى التي ال قيمة لها في إضفاء وصف المحرر على المكتوب و قيام التزوير‬
‫بقاء أصل المحرر‪ ،‬فهناك حاالت وظروف يتعرض فيها أصل المحرر المزور أو المدعى تزويره إلى الفقدان‬
‫أو الضياع أو اإلخفاء أو اإلتالف أو غيرها من االحتماالت التي قد تحصل بسبب أحداث خارجية أو بسبب‬
‫أعراض طارئة‪ ،‬إما بسبب شخص آخر يقوم بتمزيقها أو اختالسها‪ ،‬وقد يدعي صاحب السند نفسه فقدانه‬
‫لالمتناع عن إب ارزه‪ ،‬فالقاعدة في هذه الحالة أن عدم وجود المحرر المزور ال يترتب عليه حتما عدم ثبوت‬
‫جريمة التزوير متى ثبت لدى المحكمة األدلة القاطعة على وقوع التزوير‪ 4،‬فاألمر في هذا مرجعه إلى إمكان‬
‫قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق اإلثبات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, op. cit., n°9. P 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪27‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي في جريمة تزوير المحررات‬

‫جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية‪ ،‬لذلك البد لقيامها إضافة لتوفر الركن المادي المتمثل في‬
‫تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المحددة قانونا من تحقق القصد الجنائي‪ ،‬حيث ال يعرف القانون‬
‫جريمة تزوير غير عمديه‪ 1،‬فالمشرع ال يعاقب على مجرد تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المحددة‬
‫قانونا إال إذا صاحب هذا النشاط المادي قصد جنائي عام‪ ،‬إضافة إلى نية إجرامية خاصة ﴿الفرع‬
‫األول‪:‬عناصر القصد الجنائي في جريمة تزوير المحررات﴾ والتي اختلف الفقه في تحديد مضمونها في‬
‫جريمة التزوير ال سيما وأن النصوص العقابية لتزوير المحررات لم تشر في مجملها إلى هذه النية‪ ،‬فقد ورد‬
‫النص عليها في بعض النصوص دون البعض اآلخر كما سيأتي بيانه الحقا‪ .‬كما أن الركن المعنوي في‬
‫جريمة التزوير شأنه شأن الركن المادي يتعين إثباته واال كان حكم اإلدانة مشوبا بالقصور﴿ الفرع الثاني‪:‬‬
‫إثبات القصد الجنائي في جريمة تزوير المحررات﴾‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬عناصر القصد الجنائي في جريمة تزوير المحررات‬


‫يقوم القصد الجنائي في جريمة التزوير على توافر القصد بصورتيه العامة والخاصة‪ ،‬بدونهما ال‬
‫يمكن مسائلة الجاني عن جريمة التزوير‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬القصد الجنائي العام في جريمة تزوير المحررات‬
‫يقوم القصد العام على عنصري العلم واإلرادة‪ ،‬أي على علم الجاني بحقيقة نشاطه اإلجرامي أي‬
‫بتوافر جميع أركان التزوير‪ ،‬واتجاه إرادته إلى تحقيق النشاط اإلجرامي والنتيجة المترتبة عليه‪ ،‬وعليه يجب أن‬
‫تتجه إرادة المزور إلى ارتكاب فعل تغيير الحقيقة في محرر والى تحقيق نتيجته‪ ،‬وهي اشتمال المحرر على‬
‫‪2‬‬
‫بيانات تخالف الحقيقة‪ ،‬فيجب أن يحيط علم الجاني عناصر جريمة التزوير‪.‬‬
‫ف في جريمة التزوير بالذات يكون العلم متالزما مع بعض أركانها وال حاجة إلثباتها خصيصا‪ ،‬ألن‬
‫وجوده مفترض قانونا‪ .‬ف فيما يتعلق بطرق التزوير يفترض على الدوام علم المزور بأن الطريقة التي اتبعها في‬
‫ال تزوير من الطرق التي نص عليها القانون‪ ،‬وعليه فال يفيد اعتذاره بجهله ذلك‪ ،‬ألن الجهل بذلك يعد جهل‬
‫بقاعدة من قواعد قانون العقوبات فال يعتد به وال يقبل من المتهم إثباته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪2‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪28‬‬
‫كذلك يفترض علم المزور بأنه يرتكب تزوي ار في محرر سواء بنفسه أو بواسطة غيره يصلح‬
‫موضوعا للتزوير‪ ،‬وعليه فجهله ذلك ال يعتد به إذ يعد جهال بالقانون‪ 1،‬غير أنه ال يشترط أن يحيط علم‬
‫‪2‬‬
‫الجاني صالحية المحرر في اإلثبات أو بما إذا كان المحرر رسميا أو عرفيا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بتغيير الحقيقة فيجب أن يعلم الجاني علما حقيقيا بأنه يغير الحقيقة بفعله‪ ،‬بحيث‬
‫يجب أن يث بت هذا العلم على وجه اليقين‪ ،‬فإذا انتفى العلم انتفى القصد الجنائي حتى ولو كان جهل المتهم‬
‫بالحقيقة يرجع إلى إهماله أو تقصيره في التثبت من صحة البيانات التي أعد المحرر إلثباتها‪ ،‬مهما بلغت‬
‫درجة هذا اإلهمال ولو كان جسيما‪ ،‬وعلى ذلك فإن الموظف المختص الذي يثبت في المحرر ما يمليه عليه‬
‫أصحاب الشأن من بيانات جاهال أنها مخالفة للحقيقة ينتفي لديه القصد الجنائي‪ ،‬كأن يثبت في عقد الزواج‬
‫انتفاء الموانع الشرعية من الزواج وهو غير عالم بمخالفة ذلك للحقيقة‪.‬‬
‫وعليه فإذا كان العلم بقاعدة غير جنائية ضروري لكي يتحقق علم المتهم بأحد العناصر التي تحقق‬
‫ماديات الجريمة‪ ،‬فإن العلم بتلك القاعدة يأخذ حكم العلم بالواقع‪ ،‬فإذا ثبت الجهل أو الغلط بتلك القاعدة انتفى‬
‫العلم وانتفى القصد الجنائي في التزوير تبعا لذلك‪ 3،‬ومثال ذلك جهل الزوجان موانع الزواج في قواعد‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فيقررون انتفاءها خالفا للحقيقة‪ ،‬فينتفي القصد الجنائي لديهم لجهلهم بقاعدة غير جنائية‬
‫مقررة في قانون آخر‪ ،‬وهو قانون األحوال الشخصية‪.‬‬
‫وهكذا فيجب على المحكمة في حالة القضاء باإلدانة في جريمة التزوير أن تثبت علم المتهم على‬
‫وجه اليقين بأنه يغير الحقيقة‪ ،‬واال كان حكمها مشوبا بالقصور‪ ،‬كما يكون معيبا حكم اإلدانة الذي يؤسس‬
‫على أن من واجب المتهم أن يعرف الحقيقة أو أنه كان بوسعه أن يعرفها فيفترض أنه عالم بها وأنه كان‬
‫بإمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة ومثال ذلك الموثق الذي يثبت لمتعاقد وفقا ألقواله شخصية غير‬
‫شخصيته جاهال مخالفة ذلك للحقيقة ال يسأل عن التزوير ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من‬
‫شخصية المتعاقدين‪.‬‬
‫كما ينبغي العلم وقت تغيير الحقيقة بالضرر الذي ينجم أو يمكن أن ينجم عن فعله‪ ،‬فإذا انتفى هذا‬
‫العلم بأن كان الجاني يجهل احتمال ترتب الضرر فإن القصد الجنائي ينتفي‪ ،‬وفيما يتعلق بعلم الجاني‬
‫بعنصر الضرر فإنه يشترط أن يثبت إدراك الجاني وقت تغيير الحقيقة أن من شأن هذا التغيير لو أن‬
‫المحرر استعمل أن يترتب عليه ضرر مادي أو أدبي حال أو محتمل الوقوع يلحق باألفراد أو بالصالح‬
‫العام‪ 4،‬ويختلف العلماء أو الفقهاء حول مدى أو نطاق العلم بالضرر‪ ،‬غير أن الرأي الراجح فقها‪ 1‬يرى أنه ال‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 271‬‬
‫‪3‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪4‬‬
‫سليمان عبد المنعم ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.222‬‬
‫‪29‬‬
‫يشترط أن يكون العلم واقعيا أو فعليا‪ ،‬وانما يكفي أن يكون علما فرضيا‪ ،‬أي يكفي للقول بتوافر هذا العنصر‬
‫أن يكون في وسع الجاني أن يعلم أن من شأن تغييره للحقيقة أن يترتب عليه ضرر‪ ،‬سواء علم بذلك فعال أم‬
‫ال‪ ،‬لذلك ال يقبل من الجاني الدفع بعدم إدراكه وجه الضرر بل من واجبه عند اإلقدام على تغيير الحقيقية أن‬
‫يقلب األمر على وجوهه وأن يتحمل جميع النتائج المألوفة المترتبة على ذلك طالما كانت متفقة مع السير‬
‫العادي لألمور‪ ،‬بينما يرى االتجاه الثاني‪ 2‬ضرورة كون علم الجاني بالضرر ثابتا في الواقع‪ ،‬إذ ال يكفي كونه‬
‫افتراضيا ألن العلم بالضرر هو علم بالواقع‪ ،‬وكافة جوانب العلم بالواقع ال يمكن افتراضها‪ ،‬فإذا كان االتجاه‬
‫األول يحتج أو يبرر رأيه على أن من شأن ذلك أن يسمح للجاني أن يدفع بجهله أن تغيير الحقيقة من شأنه‬
‫ترتيب ضرر أن يتجنب العقاب كلما أراد بادعائه بانتفاء علمه بالضرر‪ ،‬فإن هذه الحجة خاصة باإلثبات وال‬
‫ينبغي أن تؤثر في طبيعة القصد ومتطلباته‪ .‬ومثال ذلك إذا كان المتهم لم يقصد في محضر البوليس انتحال‬
‫اسم شخص معين معروف لديه‪ ،‬بل قصد مجرد التسمي باسم وهمي‪ ،‬امتنع القول بأنه كان يعلم أن علمه من‬
‫شأنه أن يلحق ضر ار بالغير مادام ال وجود لهذا الغير في اعتقاده‪.‬‬
‫ومهما يكن فإن القانون ال يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعال على تغيير الحقيقة‪ ،‬وال‬
‫يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة ال بد أن يؤدي إلى حدوث ضرر‪ ،‬ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر االحتمالي‪،‬‬
‫فقد يكون الضرر الذي تحقق غير الضرر الذي توقعه المتهم‪ ،‬وقد ال يتحقق الضرر الذي كان محتمال وقت‬
‫تغيير الحقيقة‪ ،‬وقد ال يتحقق ضرر على اإلطالق‪ ،‬ولكن ذلك ال يحول دون توافر القصد الجنائي طالما أنه‬
‫‪3‬‬
‫قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتمال أن يترتب على تغييره الحقيقة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى العلم بعناصر الجريمة يتطلب القصد العام اتجاه إرادة الجاني أو المزور إلى فعل‬
‫تغيير الحقيقة‪ ،‬والى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة‪ ،‬وتطبيقا لذلك ينتفي القصد‬
‫الجنائي وال تقوم جريمة التزوير ضد من تدس عليه ورقة داخل ملف تتضمن بيانات مخالفة للحقيقة فيوقع‬
‫عليها دون أن يقرأها معتقدا أنها ورقة عادية‪ ،‬وبالتالي ال يتوافر لديه القصد‪ 4،‬أو كمن يخطئ في وضع بيان‬
‫على محرر غير المحرر الواجب تدوينه فيه بحيث ال يعد القصد متواف ار ألن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن‬
‫المحرر المغلوط فيه بيانا مخالفا للحقيقة‪ 5،‬ويتبين من ذلك أن جريمة تزوير المحررات تتميز عن سواها من‬
‫الجرائم حتى بخصائص القصد العام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .017‬رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪ .222‬فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .212‬أحمد محمود‬
‫خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.227.‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪4‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪5‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪30‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القصد الجنائي الخاص في جريمة تزوير المحررات‬
‫يقوم القصد الجنائي في أغلب الجرائم على عنصري العلم واإلرادة‪ ،‬بحيث يتحقق كلما ثبت أن‬
‫الجاني قد أقدم على السلوك اإلجرامي عن علم وارادة بغض النظر عن الباعث الذي دفعه إلى ارتكاب‬
‫السلوك اإلجرامي‪ ،‬لكن استثناءا فإن هناك جرائم ذات طبيعة خاصة ال يقوم فيها الركن المعنوي على مجرد‬
‫العلم واإلرادة وانما ال بد من توافر نية خاصة ناتجة عن الهدف القريب المرجو من طرف الجاني‪ 1،‬يندرج‬
‫التزوير ضمن هذه الطائفة من الجرائم ذات النية اإلجرامية الخاصة‪ ،‬حيث ال يكفي لقيام جريمة التزوير أن‬
‫يتم تغيير الحقيقة عن علم وارادة وانما يشترط اقترافها بنية خاصة ‪ ،‬فإذا انتفى هذا القصد انتفى التزوير وان‬
‫توافر العمد بمفهومه العام‪.‬‬
‫وقد نص المشرع على النية الخاصة في جريمة التزوير في المادة ‪ 220‬من قانون العقوبات الخاصة‬
‫بالتزوير المعنوي المرتكب من طرف موظف عمومي‪ ،‬وذلك بعبارة «‪...‬بقصد الغش‪ ،»...‬كما نص عليها‬
‫في المواد ‪ 222‬و ‪ 221‬من نفس القانون بعبارة «‪...‬عمدا‪ ،»...‬بينما جاءت المواد األخرى المتعلقة بالتزوير‬
‫خالية من اإلشارة إلى القصد الخاص مما يؤدي إلى التساؤل عن مدى اشتراط هذه النية في حاالت التزوير‬
‫األخرى فهل هذا يعني االكتفاء بالقصد العام فقط أم أنها مفترضة وال داعي للنص عليها في مثل هذه الصور‬
‫بالنظر إلى طبيعتها؟ و ما هو جوهر النية الخاصة في جريمة التزوير؟‬
‫ففيما يتعلق باشتراط القصد الخاص في جريمة التزوير فيرى الفقه الفرنسي الجنائي‪ 2‬أن نية الغش‬
‫ضرورية في جميع صور التزوير‪ ،‬وهو ما أيده القضاء الفرنسي‪ 3.‬حيث ال يمكن أن يفسر عدم النص على‬
‫نية الغش في المواد األخرى على أنه يمكن أن تقوم جريمة التزوير في هذه الحاالت بدون توافر نية خاصة‪،‬‬
‫فالحكمة في ذلك تكمن في اإلثبات‪ ،‬فتغيير الحقيقة بإحدى الطرق المتعلقة بالتزوير المادي يصحبه قصد‬
‫الغش بغير حاجة للنص عليه خصيصا‪ ،‬فنية الغش يفترض وجودها ابتداءا في كل تزوير مادي‪ ،‬وليس على‬
‫النياب ة إثبات وجود هذه النية الخاصة بل على المتهم إذا أراد تبرئة نفسه أن يثبت أن هذه النية لم تكن‬
‫موجودة‪ ،‬وذلك على خالف التزوير المعنوي فكثي ار ما يسطر الموظف وقائع مزورة على اعتبار أنها صحيحة‬
‫‪4‬‬
‫وهو يجهل ما فيها من تزوير‪ ،‬ولهذا يجب قبل الحكم بإدانته إثبات توافر القصد الجنائي عنده إثباتا خاصا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n° 1390 p 169.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A.Chauveau et H.Faustin, op. cit. T 2. n° 661.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, op. cit, V.Paris 30 mars 1965, JCP, 1966 II 14702. n°33, p 4.‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.297-292‬‬
‫‪31‬‬
‫بمعنى آخر فإن المشرع بنصه على نية الغش في التزوير المعنوي إنما يريد إعطاء أكثر ضمان‬
‫للموظف‪ ،‬بوضعه خارج دائرة المتابعة في جميع األحوال التي يتطلب فيها إثبات إدانته في حال إتهامه عن‬
‫‪1‬‬
‫طريق وسائل أخرى غير اإلثبات البسيط في التزوير المادي‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان هذا هو قصد المشرع بعبارة « بقصد الغش» إال أن النتيجة ليست صحيحة‪ ،‬أي‬
‫كون نية الغش في التزوير المادي مفترضة‪ ،‬فهذا يعني أنه ليس بالضرورة إثباتها‪ ،‬فالحقيقة أن الفرق بين‬
‫المادتين ظاهري أكثر منه حقيقي‪ ،‬وهو وليد تحليل المشرع ألركان التزوير المعنوي بحيث وجب عليه اإلشارة‬
‫إلى الغش الذي يعد ركنا من أركان الجريمة‪ ،‬بينما في حالة التزوير المادي اقتصر على معاقبة كل موظف‬
‫يرتكب تزوي ار بطريقة أو بأخرى من الطرق المحددة دون تحليل الظروف المشكلة لهذا التزوير‪.‬‬
‫ولكن كيف تكون قيمة وأهمية أركان الجريمة الواحدة مختلفة من حالة إلى أخرى؟ وألي سبب يكون‬
‫الغش مفترضا قانونا في حالة وواجب القيام واإلثبات في حالة أخرى؟ مثال ذلك الفرق بين إضافة الموثق‬
‫عبارة ‪ -‬غير مهمة ‪ -‬منسية إلى عقد‪ ،‬وفي حالة المتلقي الذي يدرج تصريحات من نفس الطبيعة إلى سجل‬
‫مقفل؟ ففي هذه الفرضيات وغيرها فإن القصد ال ينتج أبدا عن الشيء نفسه‪ ،‬فليس بالضرورة أن يرتبط بالفعل‬
‫المادي للتزوير‪ .‬وهكذا فال يكفي العلم بأن الموظف قد ارتكب التزوير عن إرادة‪ ،‬بل يجب البحث في ما إذا‬
‫‪2‬‬
‫كان قد ارتكب التزوير بقصد الغش‪.‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء عندنا فإنه يستبعد أي احتمال للقول بعدم اشتراط توافر النية اإلجرامية لقيام‬
‫جريمة التزوير المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬وهذا ما يبدو من خالل قرار المحكمة العليا رقم‬
‫‪ 29222‬الصادر بتاريخ ‪ 2910/22/22‬قضي فيه بنقض قرار صادر عن مجلس األغواط جاء فيه‪ «:‬حيث‬
‫أن المجلس طبق المادتين ‪ 220-222‬ق ع و حيث أن هاتين المادتين تشترطان لتطبيقهما توافر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الفاعل قاضيا أو موظفا أو مكلفا بوظيفة عامة‬
‫‪ -‬تغيير الحقيقة في محرر عمومي أو رسمي أثناء تأدية الوظيفة‬
‫‪ -‬القصد الجرمي لدى المتهم‬
‫وحيث أن القرار محل الطعن لم يثبت توفر هذه العناصر أو األركان فإنه يعتب مشوبا بالقصور في التسبييب‬
‫‪3‬‬
‫ويتعين نقضه»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin. op.cit., T 2. n°661, p 351.352.‬‬
‫في هذا الصدد قرر ‪ M Rossit‬و هو يحاول اثبات الفرق بين القصد الموضوعي و القصد الشخصي مستندا كمثال على ذلك إلى نوعي القصد في‬
‫المواد ‪ 220‬و ‪ 222‬من قانون العقوبات الفرنسي القديم حيث استنتج أن التزوير المادي المعاقب عليه بالمادة ‪ 220‬يصحب معه أو يحمل معه قرينة‬
‫القصد بينما في التزوير المعنوي ال بد من إثبات القصد من ظروف أخرى غير فعل تغيير الحقيقة نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin. Ibid. t 2. n° 661 p 352.‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2910 /22/22‬رقم ‪،29222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد الثاني لسنة ‪ ،2919‬ص ‪.221‬‬
‫‪32‬‬
‫حيث يتضح من خالل هذا القرار أن القصد الجنائي الواجب توافره في حالتي التزوير المادي أو‬
‫المعنوي هو واحد ومن طبيعة واحدة‪ ،‬ولو كان عكس ذلك بأن كان القصد الجنائي المطلوب في حالة المادة‬
‫‪ 222‬ق ع هو القصد العام لما جمع قرار المحكمة العليا بين المادتين‪ ،‬كما أن احتمال عدم اشتراط القصد‬
‫بصفة مطلقة في هذه الحالة هو احتمال مخالف للقانون والمنطق‪ ،‬فال يمكن تصور قيام جريمة التزوير دون‬
‫ركن معنوي‪.‬‬
‫وحول جوهر النية الخاصة في جريمة تزوير المحررات فلقد اختلف الفقه وكذا القضاء المقارن حول‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬وبمعنى آخر ما ماهية القصد الخاص في جريمة تزوير المحررات؟‪.‬‬
‫انقسم الفقه الجنائي في معالجة هذه المسألة إلى اتجاهين‪:‬‬
‫فيرى االتجاه األول ويمثله جانب من الفقه والقضاء الفرنسيين قديما شوفو ‪،Chauveau‬‬
‫فوستان‪ .Faustin‬وبالنش ‪ ، Blanche‬أنه ال يمكن أن يكون هناك تزوي ار معاقبا عليه إال إذا كان تغيير‬
‫الحقيقة قد تم بنية اإلضرار بالغير‪ ،‬ويستمد هذا المبدأ وجوده من جوهر التزوير في حد ذاته‪ ،‬ذلك أن‬
‫اصطناع أو تزوير محرر ال يشكل في حد ذاته سوى مرحلة تحضيرية فجريمة التزوير‪ ،‬ال تتحقق في الواقع‬
‫إال باستعمال المحرر المزور من أجل اإلضرار بالغير‪ ،‬وعليه فإذا كان المشرع قد استطاع تجريم كل من‬
‫التزوير واالستعمال بصفة مستقلة‪ ،‬فإن جريمة التزوير تستمد اجراميتها من خالل الهدف الذي يسعى إليه‬
‫‪1‬‬
‫المزور‪ ،‬وهو اإلضرار بالغير‪ ،‬وهي قاعدة معترف بها كما كرسها القانون الروماني القديم‪.‬‬
‫وعليه فإذا انعدمت نية اإلضرار ينعدم الركن المعنوي وبالتالي ال قيام لجريمة التزوير‪ ،‬وهو ما كرسته‬
‫عدد كبير من ق اررات محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬من بينها قضت بعدم قيام جريمة التزوير النتفاء نية اإلضرار‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬شخص قام بوضع توقيعات مزورة على عريضة‪ ،‬من بين هذه التوقيعات ما تم بعلم أصحابها‪ ،‬أما‬
‫األخرى فتم وضعها دون علم أصحابها‪ ،‬حيث قررت المحكمة أن جريمة التزوير ال يمكن أن تتحقق في‬
‫‪2‬‬
‫هذه الحالة حيث ال يوجد أية فكرة أو نية التسبب في أي ضرر للغير‪.‬‬
‫‪ -‬الطبيب الذي يقوم باإلمضاء على استشارة باسم زميله‪ ،‬هذا األخير الذي قام بالفعل بمعاينة المريض و‬
‫اعترف باالستشارة‪ ،‬فمن الواضح أن هذا الفعل لم يكن بنية اإلضرار‪ ،‬و عليه فال قيام لجريمة التزوير‬
‫في هذه الحالة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin, op. cit. t 2. p 660.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Cass 16 mars 1806:« que le crime de faux ne peut exister là ou il ne se rencontre aucune idée ni intention de‬‬
‫‪porter aucun dommage». Voir H.Faustin ,op. cit. t 2. n°250, p 162.‬‬
‫‪33‬‬
‫كما قام أنصار هذا االتجاه بتمييز الصفات المتعددة والمتنوعة لنية اإلضرار‪ ،‬فحسبهم أنه ال يجب‬
‫أن تفسر نية اإلضرار تفسي ار ضيقا‪ ،‬فاإلضرار بالغير ال يكون فقط باالعتداء على ثروة الغير‪ ،‬وانما أيضا‬
‫باالعتداء على الشرف السمعة و االعتبار‪ ،‬كما أن اإلضرار بالغير ال يتحقق فقط باالعتداء على المصلحة‬
‫الخاصة‪ ،‬وانما أيضا باالعتداء على المصالح العامة للمجتمع‪ ،‬وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية التي‬
‫قضت بصورة صريحة بأنه تكون هناك نية إجرامية في جميع الحاالت التي يكون فيها التزوير قد تم بهدف‬
‫اإلضرار بالمصلحة العامة‪ ،‬أو المصلحة الخاصة‪ ،‬والمصلحة الخاصة ال تتضمن فقط وسائل الرفاهية‬
‫‪1‬‬
‫والثراء‪ ،‬وانما أيضا الشرف و االعتبار‪.‬‬
‫فإذا كانت نية اإلضرار تفترض بصفة عامة اإلضرار بثروة الغير على أساس أن المشرع يفرض‬
‫على المزور غرامة مالية وفقا للمادة ‪ 222‬من قانون العقوبات الفرنسي القديم­ قانون ‪ ،­2122‬والتي تقابلها‬
‫المادة ‪ 222‬من قانون العقوبات الجزائري وذلك في القسم السادس الخاص باألحكام العامة المطبقة على‬
‫جرائم التزوير عامة‪ ،‬والتي تنص‪ «:‬يحكم على الجناة بغرامة يكون حدها األدنى ‪ 022‬دينار و حدها‬
‫األقصى ‪ 20222‬دينار‪ ،‬ومع ذلك يجوز زيادة الغرامة إلى مقدار ربع الفائدة غير المشروعة التي جلبها‬
‫التزوير على مرتكبي الجنايات أو الجنح والى شركائهم أو من استعمل القطعة المزيفة أو التي كان مقر ار أن‬
‫يجلبها التزوير إليهم»‪ .‬فالنص جاء عاما حيث أن عبارة القطعة المزيفة قد تكون قطعة نقدية أو ختم أو‬
‫محرر‪.‬‬
‫وعليه فقد يفهم من هذا أنه ال تزوير إذا لم يرتكب للحصول على فائدة مادية للمزور‪ ،‬وهو ما‬
‫يستحيل األخذ به بحيث يتعارض مع التفسير الضيق لنصوص القانون الجنائي‪ ،‬إذ ال يمكن أن تنبثق هذه‬
‫النتيجة من نص غير صريح في هذه الشأن‪ -‬نية اإلضرار‪ ، -‬كما أن أحكام قانون العقوبات عامة تتسع‬
‫لجميع صور التزوير‪ ،‬فقد يصطنع شخص وصفة طبية للحصول على دواء يستعمل للتسميم‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫فإن نية اإلضرار متوافرة لديه بصفة أكيدة غير أنها فائدة غير مادية وانما تتمثل في إرضاء انتقامه أو حقده‪،‬‬
‫و هكذا فإن ما يمكن استنتاجه منطقيا من هذا النص أن الغرامة ال يمكن أن تطبق إال في حالة ما إذا ترتب‬
‫‪2‬‬
‫عن التزوير فائدة مادية للمزور‪.‬‬
‫ومن النتائج العامة لهذا المبدأ أن نية اإلضرار يمكن أن تتحقق في حالة اإلضرار بالمصلحة العامة‪،‬‬
‫سواء بإزالة ضمانات تتطلبها سالمة وأمن المجتمع‪ ،‬أو بإعفاء أحد أفراد المجتمع من الواجبات المفروضة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cass. 26 juill. 1832:« Qu'il y a dessin criminel dans tout faux qui a pour objet de nuire à l'intérêt publique et à‬‬
‫‪l'intérêt particulier , et que l'intérêt particulier se compose non seulement des moyens d'aisance ou de la fortune‬‬
‫‪mais aussi de la réputation et de l'honneur». Voir H.Faustin, op.cit. t 2. n°250 p 163.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin, op.cit. t 2. n°664, p 355-356.‬‬
‫‪34‬‬
‫عليه‪ ،‬أو بالحصول على حقوق ال يتمتع بها‪ 1،‬ومثال ذلك تزوير وثيقة الخدمة العسكرية وذلك للتهرب من‬
‫التجنيد‪ .‬وعليه فإن كل تزوير يتم بهدف جعل شخص يتملص من تطبيق قانون من النظام العام‪ ،‬أو تحريره‬
‫من واجب يفرضه عليه القانون شخصيا بجعل شخص آخر يتحمله‪ ،‬يكون هناك ضرر بالغير‪ ،‬أو تخويل‬
‫مواطن حقا ال يعود إليه‪ ،‬ففي كل هذه األحوال هناك إضرار بالمجتمع ككل‪ 2.‬كما يترتب على هذا المبدأ أن‬
‫نية اإلضرار مستقلة عن الفائدة الشخصية التي يمكن أن يتحصل عليها المزور‪ ،‬إذ يمكن أن يتم التزوير‬
‫بهدف الحصول على فائدة لشخص آخر‪ ،‬وان كان من الغير في الجريمة‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاني ويمثله كل من الفقيهين جارو ‪ Garraud‬و جارسون ‪ Garçon‬فيذهب إلى القول‬
‫بأن القصد الخاص في التزوير يتحدد بغاية الجاني من التزوير وهي استعمال المحرر المزور فيما زور من‬
‫أجله ‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بالغرض أو الباعث القريب‪ ،‬غير أنه ال عبرة بالبواعث البعيدة تطبيقا للقواعد‬
‫العامة‪ ،‬ذلك أن األغراض التي يسعى لبلوغها الجاني أو المزور تتنوع و تختلف من حالة إلى أخرى اختالفا‬
‫كبيرا‪ ،‬فال يمكن حصرها وان كان يمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره‪ ،‬وقد استند هذا االتجاه‬
‫في تحديد القصد على هذا النحو إلى مبررين‪ ،‬المبرر األول يقوم على انتقاد االتجاه األول كون نية اإلضرار‬
‫بالغير ليست عنصر من عناصر القصد الخاص‪ ،‬أما المبرر الثاني فيستند هو اآلخر إلى الحكمة من‬
‫التزوير‪ ،‬ولكن من زاوية مختلفة عما ذهب إليه االتجاه األول‪.‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬وعلى خالف ما ذهب إليه جانب من الفقه الفرنسي والقضاء قديما إلى اعتبار نية اإلضرار‬
‫هي القصد الخاص في جريمة التزوير‪ ،‬فقد انتقد جارو ‪ Garraud‬بشدة رأي بالنش ‪ ،Blanche‬فاشتراط نية‬
‫اإلضرار بالغير يضيق من دائرة القصد الجنائي بغير مسوغ‪ ،‬فالقانون لم يتطلب في المادة ‪ 222‬ق ع‬
‫الفرنسي التي تقابلها المادة ‪ 220‬قانون العقوبات الجزائري سوى نية الغش‪ ،‬ويستوي بعد ذلك أن يكون المزور‬
‫قد قصد اإلضرار بالغير أو جر نفع لنفسه فقط دون التفكير في اإلضرار بالغير‪ ،‬والغالب أن المزور ال ينظر‬
‫إلى نتيجة التزوير إال من وجهة واحدة‪ ،‬فهو إنما يفكر فيما يجلبه له التزوير من نفع مادي أو أدبي‪ ،‬غير‬
‫ناظر إلى ما عساه أن يحل بسبب ذلك من ضرر بالغير‪ ،‬وأحيانا يرتكب التزوير بدون إرادة اإلضرار بأي‬
‫شخص‪ ،‬فهدفه الوحيد هو الحصول لنفسه أو لغيره على فوائد غير مشروعة‪ ،‬مثال التهرب من واجب يفرضه‬
‫عليه القانون‪ ،‬أو من مراقبة البوليس‪ ،‬فالنية الخاصة التي يجرمها القانون في التزوير ببساطة هي إرادة تقديم‬
‫المحرر كدليل مع العلم أنه مزور‪ ،‬وهذا إض ار ار بمصلحة قانونية محمية‪ 3،‬وال يهم بعد ذلك أن تكون الفائدة‬
‫المحققة مالية أو معنوية‪ ،‬وال يهم أن تكون لصالح المزور نفسه أو لصالح شخص آخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪H.Faustin. op. cit. t 5, n°250 p 356.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin. op.cit . t 2. n°666, p 358.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪R. Garraud. op. cit. t 5. n° 1390, p 169-170.‬‬
‫‪35‬‬
‫فحسب جارو ‪ Garraud‬معنوية الجريمة ال تعود إلى النتيجة المحتملة للتزوير‪ ،‬بل يجب أن تقرر‬
‫من خالل نية المزور وقت تغيير الحقيقة‪ ،‬فاألمر يتعلق بمعرفة ما يريد فعله و ليس ما يستطيع فعله‪ ،‬ذلك‬
‫‪1‬‬
‫أن الهدف الذي يبحث المزور عن تحقيقه يمكن أن ال يتحقق‪.‬‬
‫كما أن تحديد القصد على هذا النحو – نية استعمال المحرر فيما زور من أجله ‪ -‬هو الذي يبرر‬
‫العقاب في جريمة التزوير‪ ،‬فالخطورة ال تكمن في تغير الحقيقة في حد ذاتها‪ ،‬وانما في استهداف المزور‬
‫استعمال المحرر المزور‪ 2،‬إذ هناك عالقة وثيقة بين تزوير المحرر و استعماله‪ ،‬فهدف المزور ال يتحقق‬
‫بمجرد التزوير فال يعدو أن يكون مرحلة تحضيرية إلدراك هذا الهدف‪ ،‬وعليه فالمشرع عند تجريمه للتزوير قد‬
‫قدر خطورته على المجتمع على أساس توافر نية استعماله بعد تزويره‪ ،‬غير أن العالقة بين جريمة التزوير‬
‫واستعمال المزور هي عالقة نفسية وليست مادية‪ ،‬فاستعمال المحرر ليس ركنا في التزوير إذ قرر المشرع أن‬
‫كل منهما يشكل جريمة قائمة بذاتها‪ ،‬وانما نية استعمال المزور هي أحد عناصر التزوير‪ ،‬وبالتالي فتوافر‬
‫هذه النية كافي لتوافر القصد الجنائي و قيام جريمة التزوير إذا توافرت باقي األركان‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫كون المحرر المزور قد استعمل فعال أم ال‪ 3.‬فال يتوقف إذا عقاب التزوير على استعمال المحرر المزور بل‬
‫يتقرر العقاب ولو لم يحصل االستعمال‪ ،‬ألي سبب من األسباب متى كانت نية االستعمال متوافرة لديه‪ ،‬وان‬
‫كان عدم االستعمال يمكن أن يكون دليال على عدم توافر القصد الجنائي في أحوال خاصة‪ ،‬كما لو زور‬
‫شخص على آخر سندا على سبيل المزاح ثم مزقه‪ ،‬كما أنه في حاالت أخرى قد ال يعني استعمال المحرر‬
‫المزور توفر القصد الجنائي لدى المزور‪ ،‬كأن يصطنع أستاذ كمبيالة ويضع عليها إمضاء صديق له ليبين‬
‫لطلبته كيفية تحريرها وقبل أن يمزقها وقعت في يد شخص آخر استعملها‪ ،‬فإن األستاذ ال يعاقب على جريمة‬
‫‪4‬‬
‫تزوير النعدام القصد الجنائي من جانبه‪.‬‬
‫فوفقا لهذا االتجاه فإن نية االستعمال هي التي تلبس التزوير الصفة الجزائية المعاقب عليها والضابط‬
‫‪5‬‬
‫الفاصل بين النية الجرمية و أبعادها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud. op.cit .t. t 5. n° 1391, p 171-172.‬‬
‫‪2‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد أمين بك ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪. 290‬‬
‫‪5‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪36‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إثبات القصد الجنائي في جريمة تزوير المحررات‬
‫من المقرر قانونا أن تقدير توافر القصد الجنائي بشطريه العام والخاص من عدمه مسألة موضوعية‬
‫ال قانونية‪ 1.‬فهي من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف‬
‫والمالبسات المحيطة بها‪ .‬كما أن التزوير شأنه شأن سائر الجرائم األخرى يخضع لقاعدة وجوب معاصرة‬
‫‪2‬‬
‫القصد للفعل اإلجرامي‪ ،‬وبالتالي يجب تحري القصد في ذات وقت ارتكاب فعل تغيير الحقيقة‪.‬‬
‫غير أن تقدير قاضي الموضوع للقصد الجنائي ال يخلو من الصعوبات العملية‪ ،‬فقد يخلط بين‬
‫الظروف و المالبسات التي يمكن أن تؤثر في تقديره‪ ،‬و غيرها من المالبسات التي ال أثر لها في قيام القصد‬
‫الجنائي لدى المزور‪ ،‬مثل الباعث و كذا الضرر الناتج أو المحتمل‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الظروف المؤثرة في إثبات القصد الجنائي‬
‫يرى الفقيه جارو ‪ Garraud‬أن في البحث عن العنصر المعنوي في جريمة التزوير في المحررات‬
‫واستنتاجه تفريق يفرض نفسه‪ ،‬يستند من جهة لطبيعة المحرر المزور بين ما إذا كان رسميا أو عرفيا‪،‬‬
‫والطرق المستعملة في التزوير‪ ،‬ومن جهة أخرى يستند لصفة الفاعل بين الموظف والشخص العادي‪ ،‬إذ‬
‫يختلف تحديد النية اإلجرامية حسب كل حالة من هذه الحاالت‪.‬‬
‫إذ هناك حاالت من التزوير ال يمكن أن يخطر ببال أحد أن يتساءل فيها عما إذا كان المزور قد‬
‫تصرف بسوء نية لكونها واضحة‪ ،‬كأن يضع شخص توقيع مزور على التزام أو يقوم بالمحو على وصية‬
‫الستبدال رقم برقم آخر وفي غيرها من األفعال التي تكون فيها أفعال التزوير مادية‪ ،‬حيث يعتبر فيها توافر‬
‫نية الغش واضحا فهي تنتج عن الفعل نفسه‪ ،‬غير أن هناك طرق أخرى للتزوير ال يكون القرار االجرامي‬
‫فيها ناتجا مباشرة عن المحرر المزور أو طريقة التزوير وهو ما يحدث في الغالب في حالة التزوير المعنوي‪.‬‬
‫وهذا التفريق له نتائج تطبيقية هامة‪ ،‬فنية الغش وهي أحد العناصر المشكلة لجريمة التزوير­ في كل‬
‫صورها ­ يجب إثباتها و تحديدها تحت طائلة البطالن ككل العناصر األخرى سواء في قرار اإلحالة أو في‬
‫السؤال المطروح على هيئة المحلفين في حالة جنايات التزوير أو في حكم أو قرار اإلدانة‪ ،‬غير أن هذا‬
‫األمر يكون بصفة مختلفة حسب األحوال‪ ،‬فإذا كان المحرر المدعى تزويره أو كانت طريقة التزوير تشتمل‬
‫على إثبات توافر نية الغش فال يكون الزما اإلعالن عن هذا العنصر بصفة صريحة‪ ،‬بل يكون مستنتجا‬
‫كفاية باإلشارة إلى ماهية الكتابة المزورة أو من ظروف التزوير‪ ،‬وبالعكس إذا كانت النية ال تستنتج بالضرورة‬
‫عن ماهية الكتابة أو طريقة التزوير فيكون على قرار اإلحالة أن يتطرق إليها بطريقة صريحة‪ ،‬غير أن‬

‫‪1‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد عبد السالم علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪37‬‬
‫السؤال المطروح بشأنها يخضع ضمنيا حتى في هذه الحالة إلى تقدير الهيئة بعبارة السؤال العادية‪ :‬هل‬
‫‪1‬‬
‫المتهم مذنب بأنه‪...‬؟‬
‫وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬حيث قضت في أحد ق ارراتها أنه إذا كان الرئيس لم يشر‬
‫في السؤال المطروح على هيئة المحلفين ما إذا كان التزوير قد ارتكب بنية اإلضرار بالغير‪ ،‬فإن هذا اإلغفال‬
‫ليس له أهمية ألن السؤال المتعلق بالقصد تم طرحه على هيئة المحلفين بصفة واضحة من خالل ما إذا كان‬
‫‪2‬‬
‫المتهم مذنب أم ال بارتكاب التزوير‪ ،‬وليس من خالل السؤال ما إذا كان المتهم قد ارتكب التزوير‪.‬‬
‫وقد عارض جارو ‪ Garraud‬هذا القرار‪ ،‬ذلك أنه في جميع الحاالت التي يشير فيها قانون العقوبات‬
‫صراحة إلى نية الغش كعنصر من عناصر الجريمة‪ ،‬فإن قرار اإلحالة والسؤال المطروح على هيئة المحلفين‬
‫يجب أن يشير صراحة إلى النية التدليسية‪ ،‬وعليه فإن عبارة مذنب ال تشير سوى إلى الذنب العام وليس‬
‫الذنب الخاص‪ ،‬بحيث ال يكون معب ار عنه بصيغة السؤال السابق وال يمكن للجواب االيجابي أو السلبي للهيئة‬
‫أن يصلح كأساس لحكم قانوني‪ 3.‬كما أن هيئة المحلفين ال تميز بين الذنب و مجرد ارتكاب الفعل المادي إذا‬
‫‪4‬‬
‫كان السؤال ال يثير انتباهها بصفة خاصة إلى نية الغش‪.‬‬
‫غير أنه يبقى تقدير توافر القصد الجنائي من عدمه مسألة موضوعية ال تخضع لرقابة المحكمة‬
‫‪5‬‬
‫العليا إال إذا تضمن الحكم خطأ في تطبيق القانون يتعلق بماهية القصد المطلوب في جريمة التزوير‪.‬‬
‫وفي الحالة الثانية التي يثير فيها تحديد القصد الجنائي الكثير من الصعوبات العملية فهي تتعلق‬
‫غالبا بتزوير المحررات الرسمية من طرف الموظفين العموميين‪ ،‬حيث تكمن الصعوبة في تمييز نوع الغش‬
‫الذي يمكن أن يشكل هذه النية لدى الموظف‪ ،‬وتحديد العناصر المتعددة والمتنوعة التي يمكن أن تظهر بها‪،‬‬
‫فكثي ار ما يتم الخلط في هذه الحالة بين النية اإلجرامية و الخطأ الناتج عن إهمال الموظف‪ ،‬حيث طرح كل‬
‫من الفقيهان فوستان‪ Faustin‬و شوفو ‪ Chauveau‬حول هذه المسألة التساؤل التالي‪ :‬إذا كان التزوير ناتج‬
‫عن خطأ جسيم ارتكبه الموظف دون توافر نية إجرامية هل يمكن أن يكون لهذا الخطأ القيمة المعنوية لنية‬
‫اإلضرار مشكال بالتالي الركن المعنوي لجريمة التزوير؟‬
‫لم يكن موقف القضاء الفرنسي من هذه المسألة على وتيرة واحدة‪ ،‬حيث أنه في قرار لها اعتبرت‬
‫محكمة النقض الفرنسية أن اإلخالل بواجبات الوظيفة يكتسي طابع أو خصائص جريمة التزوير وذلك في‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit., t5. n° 1392, p 172 – 176.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass. 27 août 1847(Bull. n° 200), voir A. Chauveau et H.Faustin, op. cit, n°671, p 366.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪R. Garraud .Ibid., t5. n° 1392, p 172 – 176.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin, Ibid, n°671, p 366-371.‬‬
‫‪5‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪38‬‬
‫ فإن المحضر القضائي الذي ينوه كذبا في المحضر أنه قام بالتبليغ بنفسه بينما قام بذلك‬1‫ففي الحالة األولى‬
‫ هذا التصريح الكاذب الذي تم بهدف تغطية إهماله أكدت المحكمة أنه يشكل تزوي ار مستندة في ذلك‬،‫مساعده‬
‫ و في هذه الحالة‬،‫إلى حجج منها أن كل فعل يرتكب بقصد مخالفة نهي القانون يحتوي على نية إجرامية‬
‫ فإنه‬،‫عدم صحة التصريح باإلضافة إلى أنه يشكل إخالل بواجبات الوظيفة و خيانة لألمانة ذات طابع عام‬
‫ حيث أن نية اإلضرار ال يجب استنتاجها من‬، ‫ينفي إمكانية أي نية شرعية و يشتمل داخليا على نية إجرامية‬
‫خالل النتيجة الفعلية أو الظرفية للفعل و إنما من خالل إمكانية احتمال الضرر الذي يمكن أن ينتج عن‬
.‫الفعل‬
‫ في الموثق الذي ينوه كذبا أنه تلقى العقد في مكتبه في حين تلقاه خارج‬2‫وتتمثل الحالة الثانية‬
‫ هذا التصريح الكاذب قررت محكمة النقض بشأنه نفس القرار على أساس أن التزوير‬،‫اختصاصه اإلقليمي‬
‫ ولهذا فإنه يشتمل‬،‫ كما أن من شأنه اإلضرار بالغير‬،‫في هذه الحالة قد تم من أجل مغالطة إرادة المشرع‬
.‫على النية اإلجرامية لجريمة التزوير‬
‫غير أنه في قرار آخر لها عارضت محكمة النقض الفرنسية ما ذهبت إليه سابقا مقررة أن الحاالت‬
‫ أن الموثق في هذه الحالة لم يقصد اإلضرار‬:‫السابقة ال تشكل جريمة تزوير مستندة في ذلك للحجج التالية‬
‫ فهذا الفعل ال يضر وال يمكنه أن يضر بأية مصلحة‬،‫بمصلحة أي من األطراف وال ارتكاب أية مخالفة‬
3
.‫خاصة أو عامة‬

1
Cass. 22 juin 1810 : « attendu qu’il y a essentiellement moralité criminelle dans toute action faite sciemment
contre la prohibition de la loi ; que cette moralité surtout dans les déclarations par lesquelles les fonctionnaires
publics, dans des actes relatifs à leurs fonction , certifient sciemment et contre la vérité, comme ayant été fait, ce
qui était prescrit par la loi pour la validité de ces actes, et qui était de leur ministère de faire réputé, par leur
déclaration, avoir été fait ; que la fausseté de cette déclaration ainsi faite sciemment était une prévarication, un
abus de confiance et du caractère public dont la loi avait investi ces fonctionnaire pour l’intérêt des particuliers et
de la société ; qu’elle exclut la possibilité de toute intention légitime, et renferme intrinsèquement une intention
criminelle ;que le dessein de nuire ne doit pas s’apprécier sur le résultat réel et circonstanciel du fait, mais sur la
possibilité éventuelle du préjudice que ce fait pouvait produire ». voir A. Chauveau et H.Faustin, op. cit. t 2. n°668,
p 360-361.
2
Cass. 11 août 1809, 15 juill. 1819, 16 nov. 1832 : « d’après la loi du 20 ventôse an XI, les notaire n’ont le
caractère public que dans l’étendue de l’arrondissement pour lequel ils ont été constitués : que lorsqu’un notaire
instrumente hors de son arrondissement, il n’encourt par ce seul fait que les peines de discipline prononcées par
l’art 2 de ladite loi ; mais lorsque, dans un acte ainsi passé dans l’arrondissement, il déclare que cet acte a été
passé dans l’arrondissement pour lequel il est établie dans son étude, il commet par cette fausse déclaration un
faux caractérisé qui ajoute un crime a la transgression qu’il peut avoir eu pour objet de couvrir ; que ce faux, qui ne
peut être commis que sciemment, ayant pour but de tromper et d’éluder la prévoyance et la volonté du
législateur, et d’ailleurs étant préjudiciables à autrui, emporte par cela seul l’intention de la moralité criminelle du
crime de faux ». voir A. Chauveau et H.Faustin ,Ibid. t 2. n°668 p 361.
3
Cass. 4mars 1825 :quand le notaire n’avait point eu l’intention de nuire à l’intérêt des parties, ni de commettre
aucune fraude, et que, dans le fait , il n’avait nui ni pu nuire à aucun intérêt privés, ni blessé l’ordre public ; et que
la chambre d’accusation, qui dans ce cas renvoyait ce prévenu de l’action du ministère public, sous réserve de le
faire punir conformément à l’art 2 de la loi du 20 ventôse an XI, se conformait strictement à la loi » voir A.
Chauveau et H.Faustin, Ibid. n°669, p 362.
39
‫بينما في قرار آخر‪1‬عادت محكمة النقض الفرنسية إلى رأيها األول وقضت بأن الموثق الذي يصرح‬
‫كذبا بحضور شاهدين بهدف إعطاء العقد صالحية قانونية‪ ،‬يعتبر قد أثبت أمر غير صحيح على أنه‬
‫صحيح وهو ما يشكل تزوي ار معنويا‪ .‬كما قررت أنه ال وجود لجريمة التزوير في حالة وضع توقيع الموثق أو‬
‫‪2‬‬
‫الشهود بعد إتمام العقد إذا لم تكن له أهمية‪.‬‬
‫وأمام هذا التردد في موقف القضاء الفرنسي فإن الفقه الفرنسي كان له موقفه‪ ،‬حيث يرى الفقيه جارو‬
‫‪ Garraud‬أن القانون يعاقب في التزوير النية المحددة‪ ،‬وال يكفي بالتالي أن يكون الموظف قٌد علم أنه‬
‫يرتكب تزوي ار وأن تكون لديه إرادة ارتكابه بل يجب أيضا وبسبب الطبيعة الخاصة للتزوير في المحررات أن‬
‫يكون قد تصرف بنية تدليسية‪ ،‬إضافة إلى أنه ال مجال للخالف في أن الموظف الرسمي بتشويهه حقيقة‬
‫تتعلق بطبيعة وواجبات مهامه يضر دائما بالنظام العام و بالمصالح العامة‪ ،‬ألن القانون يعطي الصيغة‬
‫الرسمية إلعالناته‪ ،‬فإنه ال يمكن قبول النتيجة المطلقة المترتبة على ذلك ­ نية الغش متوافرة في جميع‬
‫حاالت التزوير وان كان ناتجا عن إهمال­ فالموظف العمومي بإهماله يكون قد ارتكب إخالل بواجبات‬
‫الوظيفة يتحمل مسؤوليته عن ذلك‪ ،‬وهي مسؤولية مهنية تأديبية وال يمكن أن تشكل جناية التزوير إال إذا قام‬
‫‪3‬‬
‫الموظف بارتكاب التزوير بنية الغش التي يفرضها القانون‪.‬‬
‫كما يرى كل من الفقيهان شوفو ‪ Chaveaux‬و فوستان ‪ Faustin‬أن الموظف الذي يهمل األشكال‬
‫الجوهرية الضرورية لرسمية العقد مشي ار بصفة كاذبة أنه قام بها يكون قد خان واجبات وظيفته وفي الوقت‬
‫نفسه قد خالف القانون‪ ،‬و هي جريمة بعيدة عن التزوير ال تشكل سوى جنحة تأديبية‪ ،‬فجريمة التزوير ال‬
‫يمكن أن تتحقق إذا لم يتوافر في الفعل المادي للتزوير نية اإلضرار‪ ،‬حيث في هذه الحالة تستبعد كل فكرة‬
‫غش أو تدليس‪ ،‬فالموظف المختص ليس له بالتأكيد أية نية لإلضرار بالغير‪ ،‬وانما يمكن إدانته الرتكابه خطأ‬
‫مهني‪ ،‬فاالختالف أو التدرج في التجريم ال بد من توضيحه‪ ،‬ذلك ألنه ال يمكن أن ندرج في البنيان القانوني‬
‫للجريمة الواحدة ظرفين معاقب عليهما بدون شك‪ ،‬واللذين ال يسعيان إلى تحقيق هدف إجرامي مشترك‪ ،‬فإذا‬
‫كانت محكمة النقض لم تتردد في القضاء بأن إمكانية حدوث الضرر وحدها يمكن أن تؤدي إلى افتراض نية‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass. 15 juillet 1849 : « que d’après les art 9 et 21 de la loi du 20 ventôse an XI, un acte de notaire est nul comme‬‬
‫‪acte public, si ce notaire, lorsqu’il a reçu cet acte, n’ a pas été assisté de deux témoins ; qu’une fausse déclaration‬‬
‫‪sur cette assistance de deux témoin a donc pour but de donner à cet acte une validité que la loi ne lui accorde‬‬
‫‪pas ; qu’elle certifie comme vrai un fai faux dont la vérité était substantielle à l’acte ; qu’elle forme donc le faux‬‬
‫‪prévu par l’art 222 du code pénal ». Voir A. Chauveau et H.Faustin,Ibid. n°670, p 364.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass. 17 juillet 1835 : « que lorsque il se joint au faux matériel résultant de la signature apposée après coup à un‬‬
‫‪acte par un notaire et des témoins, des circonstances qui révèlent un intérêt et un but coupable ». Voir Chauveau‬‬
‫‪et Faustin, Ibid. n°670, p 364.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪R Garraud, op. Cit. T 5. n° 1393, p174.‬‬
‫‪40‬‬
‫اإلضرار‪ ،‬فإن هذا يؤدي إلى طرح مبدأ غريب وهو أن إجرامية الفعل المجرم تتجسد في النية التي توجه هذا‬
‫الفعل أكثر مما تكون في ظروف الفعل ذاته؟‬
‫غير أن هذا الخلط بين نية اإلضرار والخطأ الجسيم‪ ،‬وبين اإلخالل بالوظيفة وارادة ارتكاب الجريمة‬
‫ال يتفق مع قواعد النظرية العامة لقانون العقوبات‪ ،‬إذا ال يمكن أبدا البحث عن النية في الضرر الواقع أو‬
‫الحاصل‪ ،‬ولكن في إمكانية الضرر أيا كان‪ ،‬فنية اإلضرار هي عنصر في الجريمة مستقل عن الضرر الذي‬
‫ينتج‪ ،‬وبالتالي فالفعل يمكن أن يكون ضا ار ولكن قد ال يكون معاقب عليه‪ ،‬والنتيجة من خالل كل هذا أن‬
‫‪1‬‬
‫استقراء أحدهما باآلخر يكون محل خطأ‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الصعوبات التي تواجه القاضي الجنائي في تقدير توافر الركن المعنوي من عدمه‪،‬‬
‫واختالف الرأي الفقهي والقضائي في حلها‪ ،‬فإنه يبدو أن هناك عناصر قد يغفل القاضي عن تمييزها وفي‬
‫بعض األحيان يستخلص منها هذا الركن مع أنها ال تندمج فيه طبقا للقواعد العامة في قانون العقوبات أو‬
‫طبيعة التزوير في حد ذاته‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الظروف غير المؤثرة في إثبات القصد الجنائي‬
‫من بين الظروف غير المؤثرة في تقدير القصد الجنائي استقالل هذا األخير عن الباعث فال عبرة‬
‫بالبواعث في تقدير القصد الجنائي‪ ،‬حيث يخضع القصد الجنائي في جريمة تزوير المحررات للقاعدة العامة‬
‫التي يقرر أن الباعث ليس من عناصره إذ ال تأثير له على قيام الجريمة‪ ،‬سواء كانت هذه البواعث شريفة أو‬
‫دنيئة‪ ،‬فقد يكون الباعث على التزوير حب المال أو االنتقام أو الخالص من مسؤولية جنائية أو التزام مدني‪،‬‬
‫وقد يكون الباعث شريفا كمن يزور محرر لتخليص صديقه من ضائقة مالية أو فضيحة عائلية‪ ،‬أو الرغبة‬
‫في الحصول على حق شرعي كالدائن الذي يزور على مدينه سند بدين له في ذمته‪ ،‬فهذه األمور ازئدة على‬
‫القصد الجنائي المطلوب وال يهم البحث عنها وال التعرض لها‪ 2.‬فال يلزم اإلشارة إليها أو إثبات توافرها في‬
‫حكم اإلدانة أو البراءة‪ ،‬غير أنه كما سبق القول فإن المحاكم كثي ار ما تخلط بين القصد والباعث بحيث‬
‫تستعرض البواعث لتبين منها حقيقة قصد المتهم‪ ،‬وكثي ار ما كانت تستخلص من شرف الباعث دليل على‬
‫حسن قصد المتهم فتحكم ببراءته على األقل‪ ،‬ومع ذلك قد يؤثر حقيقة الباعث في تحديد العقوبة قضاءا‬
‫تشديدا أو تخفيفا وذلك في ضوء السلطة التقديرية لقاضي الموضوع‪ ،‬أي بوصفه ظرفا قضائيا ال ركنا قانونيا‬
‫‪3‬‬
‫في الجريمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪A.Chauveau, H.Faustin, op. Cit. T 2, op.cit. T II, n°669, p 363.‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد علي سكيكر‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير و تطبيقاتها العملية‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2221 ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪41‬‬
‫كما يجب أيضا أن يكون القصد الجنائي في جريمة التزوير مستقل عن الضرر‪ ،‬فقد يتحقق أحدهما‬
‫وينتفي اآلخر‪ ،‬فقد يقع الضرر وينتفي القصد الجنائي كما في المثال السابق حيث يقع المحرر المزور‬
‫بطريق المصادفة في يد آخر فيستعمله استعماال ضارا‪ ،‬وقد يتوفر القصد الجنائي وينعدم الضرر‪ ،‬كأن يزور‬
‫شخص سندا على آخر وكان السند ظاهر البطالن بحيث ال يمكن أن ينخدع به أحد‪ ،‬وفي كلتا الحالتين ال‬
‫‪1‬‬
‫تقوم الجريمة النعدام أحد أركانها‪.‬‬
‫وأخي ار فإنه ليس من عناصر القصد الجنائي نية اإلضرار بالغير‪ ،‬والتي ذهب جانب من الفقه‬
‫والقضاء في فرنسا قديما إلى اعتبار أن النية اإلجرامية الخاصة المطلوبة في جريمة تزوير المحررات هي نية‬
‫اإلضرار‪ ،‬وكما سبق اإلشارة إليه فإن هذا االتجاه منتقد من طرف أغلبية فقهاء القانون الجنائي‪ ،‬على أساس‬
‫أن الجاني وقت ارتكاب التزوير ال يفكر في ما يمكن أن يترتب عنه من ضرر للغير‪ ،‬وانما يفكر في تحقيق‬
‫مصلحته الخاصة‪ .‬وعليه فتقوم جريمة التزوير في حق من يغير الحقيقة‪ ،‬ولو لم يقصد من ذلك إال جلب‬
‫منفعة لنفسه‪ ،‬مثل التخلص من الخدمة العسكرية‪ ،‬أو من مراقبة البوليس‪ ،‬أو ليحصل على وظيفة‪ ،‬أو‬
‫ليقضي دينه من المدين‪ ،‬ففي كل هذه األحوال ال يهدف الجاني إلى اإلضرار بأحد‪ 2،‬وقد أكد القضاء‬
‫الفرنسي ذلك في أحد أحكامه‪ ،‬حيث أكدت المحكمة أن نية الغش الضرورية لقيام جريمة التزوير في‬
‫المحررات‪ ،‬وتوافر القصد لدى المزور‪ ،‬وال يشترط في المقابل نية اإلضرار أو أية دوافع أخرى فهي غير‬
‫‪3‬‬
‫مهمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪210‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, op. Cit. n°34, p 4.‬‬

‫‪42‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫كل جريمة يترتب عليها ضرر‪ ،‬قد يكون نتيجة الزمة مترتبة على الفعل المادي في الجريمة والصقة‬
‫به بحيث ال يمكن فصلها عنه‪ ،‬كما هو الحال في غالبية الجرائم كالقتل والضرب والجرح‪ ،‬أما بالنسبة لجريمة‬
‫التزوير في المحررات فإن للضرر مكانة خاصة وأهمية بالغة‪ ،‬فرغم أن نصوص القانون لم تشترط توافر‬
‫الضرر إال أن الفقه والقضاء حاوال صياغة نظرية الضرر في جريمة التزوير‪ ،‬وفي هذا السياق ثار العديد‬
‫من نقاط االختالف حول ماهيته واألساس المعتمد لتقدير توافره أم ال‪ .‬ولهذا سأتناول دراسة الضرر في هذه‬
‫الجريمة من خالل المطلب األول الذي خصص لتحديد ماهية الضرر من خالل تعريفه وتحديد أهميته‬
‫وأنواعه في جريمة تزوير المحررات‪ ،‬أما المطلب الثاني فسأتطرق من خالله إلى الضوابط المعتمدة في‬
‫تقديره‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية الضرر في جريمة تزوير المحررات‬


‫إن تحديد ماهية الضرر في جريمة التزوير يقتضي أوال تحديد أهميته كونها محل خالف ( الفرع‬
‫األول‪ :‬أهمية الضرر في جريمة تزوير المحررات )‪ .‬تعريفه في إطار جريمة التزوير وبيان أنواعه( الفرع‬
‫الثاني‪ :‬تعريف الضرر في جريمة تزوير المحررات)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أهمية الضرر في جريمة تزوير المحررات‬


‫اختلف الفقه الجنائي حول ما إذا كان يكفي لقيام جريمة التزوير قانونا وعقاب فاعلها أن يتم تغيير‬
‫الحقيقة في المحرر بإحدى الطرق النصوص عليها قانونا‪ ،‬أم أنه يلزم باإلضافة إلى ذلك ضرورة تحقق‬
‫الضرر من جراء ذلك‪ ،‬أو على األقل مجرد احتمال تحققه‪ .‬كما اختلف الفقه المؤيد لضرورة توافر الضرر‬
‫حول التكييف القانوني له أي تحديد طبيعته القانونية بين أركان وعناصر جريمة التزوير‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اشتراط الضرر في جريمة التزوير‬
‫نظ ار النعدام النص القانوني على ضرورة توافر الضرر لقيام التزوير وذلك في أغلب التشريعات‬
‫العقابية المقارنة ومنها التشريع الجزائري‪ 1،‬فقد اختلف الفقه حول ضرورة وجوده لقيام الجريمة بين مؤيد‬
‫ومعارض‪.‬‬
‫حيث يرى أنصار االتجاه المعارض‪ 1‬الشتراط الضرر في جريمة تزوير المحررات أن التحديد الدقيق‬
‫ألركان وعناصر جريمة التزوير يفرض استبعاد الضرر من النموذج القانوني للجريمة مستندين إلى المبررات‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫باستثناء بعض التشريعات التي نصت على ضرورة توافر الضرر عند تعريفها لجريمة التزوير منها التشريع الفرنسي‪ ،‬والتشريع اللبناني والسوري‬
‫و لمغربي‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ -‬ال يدخل الضرر ضمن النموذج القانوني لجريمة التزوير طبقا للمبادئ العامة التي تحدد أركان الجريمة‬
‫بنص قانوني صريح ال يقبل التفسير الواسع الذي يؤدي إلى إدخال عناصر ال تنتمي إليه‪.‬‬
‫‪ -‬إن فكرة الضرر االحتمالي أو الضرر االجتماعي تعبر عن المصلحة القانونية المهدرة من جراء ارتكاب‬
‫جريمة التزوير وهي الثقة العامة‪ ،‬فإن كان الفقه يتفق على أنها وان كانت تعبر عن علة تجريم التزوير‬
‫إال أنها ال تدخل ضمن أركانه وعناصره‪ ،‬وهكذا فإن أي تغيير في بيانات المحرر من شانه أن يلحق‬
‫ضرر بتلك المصلحة وهو ضرر مفترض ليس في حاجة إلى إثبات‪ ،‬ومن ثمة فإن العقاب على التزوير‬
‫ال يتوقف على تحققه الفعلي‪ ،‬فجريمة التزوير في المحررات الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق‬
‫الغش بالوسائل التي نص عليها ولو لم يترتب عنه ضرر يلحق شخصا بعينه‪ ،‬ألن هذا التغيير ينتج‬
‫عنه حتما حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث باألوراق الرسمية ينال من قيمتها و‬
‫‪2‬‬
‫حجيتها‪.‬‬
‫‪ -‬لو كان الضرر شرطا الزما لقيام جريمة التزوير لما نص المشرع على اعتبار استعمال المحرر المزور‬
‫جريمة مستقلة بذاتها عن جريمة التزوير‪ ،‬ألن الضرر الفعلي من التزوير ال يتحقق إال باستعمال‬
‫المحرر المزور‪ ،‬أي االحتجاج به في مواجهة أطرافه‪ ،‬والتمييز بين جريمة التزوير وجريمة استعمال‬
‫المحرر المزور على هذا النحو يؤكد أن الضرر ليس من أركان أو عناصر جريمة التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬ال حاجة للبحث في الضرر أو في ضابطه للقول بقيام التزوير من عدمه‪ ،‬إذ يكفي االستناد إما على‬
‫عناصر المحرر محل التزوير‪ ،‬واما على مضمون تغيير الحقيقة‪ ،‬فمن عناصر المحرر المضمون الذي‬
‫يحتوي أساسا حجية المحرر ومدى قوته في اإلثبات‪ ،‬فإذا كان المحرر ال يصلح لالحتجاج به وليست‬
‫له أية قوة في اإلثبات فإن تغيير الحقيقة الذي يقع على بيانات هذا المحرر ال تقوم به جريمة التزوير‬
‫النتفاء محل الجريمة‪ ،‬كما أن عدم توافر شروط تغيير الحقيقة على النحو الذي تم بيانه سابقا يترتب‬
‫عليه انتفاء جريمة التزوير‪ ،‬وفي هذه الحالة فال حاجة إلى االستناد إلى فكرة الضرر و ضابطه‪.‬‬

‫غير أن هذا االتجاه من شأنه توسيع دائرة العقاب في مجال التزوير‪ ،‬إذ يقرر قيام جريمة التزوير‬
‫بمجرد تغيير الحقيقة دون اشتراط الضرر‪ ،‬وهو أمر يخرج عن قصد المشرع ذلك أن تغيير الحقيقة ال‬
‫ينصرف إلى مطلق الحقيقة وانما إلى الحقيقة المثبتة في المحرر‪ ،‬فال يتصور قيام جريمة التزوير في حق‬
‫الموثق الذي يغفل عن إثبات توق يع شاهد لحظة تحرير العقد ثم يطلبه لوضع إمضائه فيما بعد رغم انه ال‬

‫‪1‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 229‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022‬‬
‫‪44‬‬
‫شك أنه يغير في حقيقة وقت توقيع اإلمضاء‪ ،‬وعليه فقد اتجه غالبية الفقه الجنائي نحو ضرورة توافر الضرر‬
‫لقيام جريمة التزوير وهو ما يثبته التطبيق القضائي‪.‬‬
‫أما االتجاه المؤيد الشتراط الضرر في جريمة تزوير المحررات هو االتجاه السائد فقها وقضاءا‪ ،‬فيرى‬
‫لزوم توافر الضرر باعتباره قيدا يحد من إطالق النصوص ويحول دون امتدادها إلى وقائع ال يسوغ فيها‬
‫العقاب لتخلف الحكمة من التجريم وهو مواجهة الضرر أو الخطر الذي يلحق بالمصلحة المحمية الذي يمكن‬
‫أن يترتب على ارتكاب األفعال المجرمة‪ ،‬وبناءا على هذا فإن كان المشرع يحمي الثقة العامة في المحررات‬
‫فليس كل تغيير من شأنه أن يحدث اعتداءا على تلك الثقة‪ ،‬وانما فقط التغيير الذي ينشأ عنه ضرر فعلي أو‬
‫على األقل احتمال الضرر‪ ،‬وعليه يكون الضرر الزما لقيام جريمة التزوير قانونا‪ ،‬فإذا تخلف الضرر انتفى‬
‫التزوير ولو توافرت سائر أركانه‪ ،‬وبالتالي يترتب على قاضي الموضوع التزام بإثبات توافر الضرر في حالة‬
‫‪1‬‬
‫قضائه باإلدانة واال كان حكمه قاص ار يستوجب النقض‪.‬‬
‫أما موقف القضاء من هذه المسألة فهو مستقر على ضرورة وجود الضرر كشرط الزم لقيام جريمة‬
‫التزوير‪ ،‬وهو ما أكدته المحكمة العليا في العديد من ق ارراتها حيث قضت بأنه عنصر أساسي في جريمة‬
‫التزوير فإذا تخلف الضرر انتفى التزوير‪ 2‬ولو توافرت كل أركانه‪ .‬ومنها القرار الصادر بتاريخ ‪-22-22‬‬
‫‪ 2999‬في القضية رقم ‪ ،227202‬جاء مؤكدا على وجوب توافر الضرر‪ « :‬حيث أنه و كما استقر عليه‬
‫االجتهاد القضائي للغرفة الجنائية للمحكمة العليا فإنه ال يوجد تزوير معاقب عليه إال إذا تسببت الوثيقة‬
‫المقلدة أو المزيفة ضر ار حاال أو محتمال للغير‪.‬‬
‫حيث أن غرفة االتهام لم تثبت هذا الضرر ولم تعين الطرف أو األطراف المتضررة من جراء‬
‫‪3‬‬
‫تصرفات المتهمين»‪.‬‬
‫وعليه فإنه ال خالف حول ضرورة توافر الضرر لقيام جريمة التزوير إال أن االختالف قد ثار حول‬
‫الطبيعة القانونية له‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التكييف القانوني للضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫اختلف الفقه الجنائي المؤيد لضرورة توافر الضرر لقيام جريمة التزوير حول موضعه بين أركان وعناصر‬
‫الجريمة‪ ،‬بين اعتباره ركنا خاصا في جريمة التزوير وبين اعتباره شرطا من شروط الركن المادي للجريمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير و الطعن بالتزوير و إجراءاته‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2220 ،‬ص ‪ .221‬محمود‬
‫نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2919/2/2‬رقم ‪ ، 29222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪، ،‬المجلة القضائية العدد‪ 2‬سنة ‪ ،2919‬ص ‪ .227‬قرار رقم‬
‫‪ 27299‬صادر بتاريخ ‪،2912/22/22‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ، ،‬جياللي بغدادي ص ‪.212‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2999/22/22‬رقم ‪، 227202‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬المجلة القضائية العدد ‪ 2‬سنة ‪ ،2222‬ص ‪.297‬‬
‫‪45‬‬
‫حيث اتجه جانب من الفقه الجنائي‪ 1‬إلى اعتبار الضرر ركنا في جريمة التزوير قائما بذاته ركنا‬
‫موضوعيا متمي از عن فعل التزوير بال تالزم بينهما‪ ،‬فقد يقع التزوير في المحرر وال يعقبه استعماله فينتفي‬
‫بذلك الضرر‪ ،‬وقد يقع االستعمال بالفعل وال يترتب عليه مع ذلك ضرر ما أو ال يقع‪ ،‬كما انه متميز عن‬
‫القصد الجنائي وغير مندمج فيه‪ 2،‬فتحقق الضرر بالمجني عليه أمر مستقل عن تحقيق الجاني أية مصلحة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فمن الجائز أن يضار المجني عليه من التزوير دون أن يستفيد منه الجاني أية فائدة فتقوم الجريمة مع ذلك‪.‬‬

‫والحكمة وراء هذا الرأي هي األهمية المتميزة للضرر في هذا النوع من الجرائم الخاصة‪ ،‬فالضرر في‬
‫التزوير يثير مشاكل عديدة ودقيقة تقتضي أن يفرد لها ركن على حدا‪ ،‬فهو أمر تفرضه مقتضيات الوضوح‬
‫في الدراسة ومتطلبات التطبيق القانوني السليم‪ 4.‬فوفقا لهذا الرأي فإنه لو ثبت تخلف الضرر انتفى التزوير‬
‫ولو توافر سائر أركانه‪ ،‬ويترتب على ذلك التزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه باإلدانة توافر هذا‬
‫الركن واال كان حكمه قاصر التسبيب‪ ،‬لكن ال يشترط أن يتحدث حكم اإلدانة عن ركن الضرر صراحة‬
‫واستقالال بل يكفي أن يكون قيامه مستفادا من مجموع عباراته‪.5‬‬
‫بينما ذهب جانب آخر من الفقه‪ 6‬إلى اعتبار الضرر عنص ار من عناصر الركن المادي في حريمة‬
‫التزوير ال قيام له بدونه‪ ،‬وتكمن مبررات هذا االتجاه فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إن الركن المادي ألية جريمة ال يستكمل كيانه القانوني إال بتوافر عنصر الضرر الممثل لعنصر النتيجة‬
‫اإلجرامية إلى جانب السلوك اإلجرامي وعالقة السببية‪ ،‬فال بد من معالجة الضرر في التزوير ضمن‬
‫وضعه القانوني المألوف بين عناصر الركن المادي دون حاجة لوضعه في موضع شاذ فال هو ضمن‬
‫‪7‬‬
‫الركن المادي وال الركن المعنوي‪.‬‬
‫‪ -‬الضرر في التزوير ينظر إليه نظرة قانونية مستمدة من علة التجريم في إطار الركن المادي للجريمة‪،‬‬
‫ونظرة واقعية فعلية في إطار الركن المعنوي لها‪ ،‬فيعبر عنه في إطار الركن المادي بعنصر الضرر أو‬
‫النتيجة‪ ،‬وفي إطار الركن المعنوي بعنصر النية المحددة أو القصد الخاص ويتمثل في جريمة التزوير‬
‫بنية اس تعمال المحرر المزور فيما زور من أجله‪ ،‬وهي تكون متطلبة إلثبات الركن المعنوي للتزوير‬
‫بغض النظر عن االستعمال الفعلي للمحرر المزور من عدمه‪ .‬وهو االتجاه الذي يعتبر الضرر بمثابة‬
‫عنصر النتيجة في الركن المادي لجريمة التزوير‪ .‬وقد عبر البعض اآلخر عن الضرر بأنه وصف‬
‫‪1‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪ .277‬رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .77‬أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬نفس المرج‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد علي سكيكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .29‬عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪5‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪6‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .211‬عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪7‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪46‬‬
‫لتغيير الحقيقة وليس معنى ذلك وصف مرادف لعبارة تغيير الحقيقة وانما يعني أن تغير الحقيقة المعاقب‬
‫عليه هو التغيير الضار‪ ،‬وبالتالي اعتبر النتيجة التي تتمثل دائما في الضرر أو الخطر هي تغيير‬
‫الحقيقة‪ ،‬غير أن تغيير الحقيقة ليس هو الضرر في حد ذاته أو عنصر النتيجة في الجريمة وانما تغيير‬
‫الحقيقة هو الفعل الذي يرتب الضرر المعول عليه من خالل التزوير‪ ،‬يتم عن طريق المساس ماديا أو‬
‫معنويا بالمحرر بالحذف أو اإلضافة أو التبديل في محتويات المحرر‪ ،‬أو بإتباع إحدى طرق التزوير‬
‫المعنوي‪ ،‬فما هو إال السلوك المؤدي إلى المساس بالمصالح المحمية بنصوص التجريم وبالتالي فإن‬
‫تغيير الحقيقة يدرس ضمن عنصر السلوك اإلجرامي ال ضمن عنصر النتيجة اإلجرامية في التزوير‪.‬‬
‫كما أن النتيجة اإلجرامية في التزوير تتمثل في احتواء المحرر على بيانات كاذبة أي تشويه المحرر أما‬
‫الضرر فهو األثر المترتب على تشويه المحرر‪.‬‬
‫‪ -‬إن أهمية الضرر في التزوير كمبرر لجعله ركنا مستقال لما يثيره من مشاكل عديدة و دقيقة في الواقع‬
‫العملي‪ ،‬يمكن أن تحظى بالعناية التشريعية بأن تتضمن نصوص القانون الخاصة بجريمة التزوير‪ ،‬ما‬
‫يكفل لجهات التحقيق والحكم حسن القيام بمهامهم في مواجهة المشاكل المرتبطة بعنصر الضرر ضمن‬
‫عناصر الركن المادي‪ ،‬كأن تعتني النصوص بتقنين اتجاهات معينة في هذا الخصوص أو باعتماد‬
‫ضابط معين للضرر‪.‬‬
‫‪ -‬إن التسليم باعتبار الضرر ركنا مستقال في جريمة التزوير‪ ،‬يؤدي إلى ضرورة اعتبار المحرر هو اآلخر‬
‫‪1‬‬
‫ركنا من أركان جريمة التزوير كونه يتمتع بنفس األهمية‪.‬‬

‫والواقع أن اعتبار الضرر ركنا على حدا من أركان التزوير أو إدراجه ضمن الركن المادي ليس من‬
‫شانه ترتيب آثار مختلفة‪ ،‬فموقع الضرر في النموذج القانوني لجريمة التزوير متميز بحيث يترتب على‬
‫انتفائه عدم قيام الجريمة‪ ،‬ويستوي أن يكون ركنا مستقال أو عنص ار من عناصر الركن المادي‪ ،‬ففي حالة‬
‫اعتبار الضرر أحد أركان جريمة التزوير فإذا انتفى الضرر انتفت الجريمة لتخلف أحد أركانها‪ ،‬وال يختلف‬
‫الحكم لو اعتبر الضرر عنص ار من عناصر الركن المادي‪ ،‬إذ يترتب على ثبوت تخلفه عدم تحقق الركن‬
‫المادي للتزوير وبالتالي عدم قيام الجريمة‪ ،‬وعليه ففي كلتا الحالتين ال قيام لجريمة التزوير دون توافر‬
‫الضرر‪ 2،‬فهو اختالف في الشكل ال يغير من اتفاق الفقه و القضاء حول ضرورة توافر الضرر لقيام جريمة‬
‫التزوير في المحررات‪ 3.‬و هو ما يستدعي تعريفه وتحديد أنواعه في إطار جريمة التزوير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد هللا الشاذي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪3‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪47‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف الضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫إن الضرر بصرف النظر عن تكييفه وموقعه بين أركان وعناصر الجريمة شرط الزم وضروري لقيام‬
‫التزوير‪ ،‬فال تزوير بدون ضرر‪ ،‬ويعرف الضرر بأنه إهدار حق أو اإلخالل بمصلحة مشروعة يعترف بها‬
‫القانون ويكفل حمايتها‪ ،‬فال يتصور الضرر إال إذا كان المحرر المزور قد أخل بحق أو بمصلحة للغير‬
‫يحميها القانون‪ ،‬وال يقتصر الضرر على االعتداء الفعلي عليها وانما كذلك إمكان أو احتمال االعتداء عليها‬
‫ذلك أن جريمة التزوير من جرائم الخطر‪ 1.‬والضرر في جريمة التزوير مزدوج يتوافر على شقين هما إهدار‬
‫الثقة العامة في المحررات كم ا ينطوي على احتمال إلحاق الضرر بمصلحة للدولة أو ألحد األفراد‪ ،‬وترتيبا‬
‫‪2‬‬
‫على ذلك ال قيام لجريمة التزوير إال بتوافر هذا الضرر بشقيه فإذا تخلف أحدهما انعدمت الجريمة‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حاالت انتفاء الضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫إذا كان الضرر هو اإلخالل بحق أو بمصلحة يحميها القانون فمؤدى ذلك أن الضرر ينتفي في‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا لم يكن من الممكن لتغيير الحقيقة أن يسبب المساس بحق أو مصلحة محمية قانونا‪ ،‬كمن يصطنع‬
‫محر ار يدعي فيه لنفسه حقا في ذمة شخص خيالي ال وجود له‪ ،‬بوضع إمضاء ينسبه لهذا األخير‪ ،‬فإنه‬
‫ال قيام لجريمة التزوير في هذه الحالة لعدم وجود الشخص الذي يقرر له القانون مصلحة تستدعي‬
‫إسباغ الحماية عليها‪ ،‬فمثل هذه الورقة معدومة يستحيل أن ينشأ عنها بذاتها ولمجرد اصطناعها ضرر‬
‫ألي إنسان‪ ،‬فهي مجردة من القيمة القانونية ‪ ،‬ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة‪ ،‬مؤداها أنه إذا‬
‫ع رض للمحرر سبب يفقده تماما قيمته القانونية‪ ،‬وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقر ار لحق أو‬
‫سندا لحماية مصلحة‪ ،‬فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر‪ ،‬ألنه ال يتصور أن يكون‬
‫‪3‬‬
‫من شأنه المساس بحق أو مصلحة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان تغيير الحقيقة مفضوحا يمكن إدراك زيفه بسهولة‪ ،‬حيث استقر الفقه الجنائي على عدم العقاب‬
‫على التزوير المفضوح‪ ،‬فإذا كان التزوير في المحررات ظاه ار بحيث ال يمكن أن ينخدع به أحد فال‬
‫عقاب عليه ألن هذا التزوير ال يحقق الضرر الذي يتطلبه القانون لقيام جريمة التزوير‪ ،‬غير أن هذا ال‬
‫يعني أن التزوير المعاقب عليه يجب أن يكون متقنا من كل الوجوه بحيث ال يكتشفه سوى أصحاب‬
‫الخبرة‪ .‬والمعيار في تقدير ما إذا كان التزوير متقنا أم ال هو معيار موضوعي قوامه الشخص العادي‬
‫فإذا كان التزوير واضحا ال يشق على الرجل العادي اكتشافه بأيسر جهد فإن تغيير الحقيقة رغم وقوعه‬
‫‪1‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .222‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .072‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد شوقي الشلقاني‪ ،‬إثبات الضرر في تزوير المحررات‪ ،‬مجلة المحاماة‪ ،‬العددان ‪ 2‬و ‪ 2‬مارس و أبريل ‪ ،2919‬السنة التاسعة و الستون‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202-202‬‬
‫‪48‬‬
‫يخرج من نطاق التجريم والعقاب‪ ،‬غير أن اتخاذ الرجل العادي مقياسا للحكم على التزوير باالفتضاح أو‬
‫عدمه يقتضي أن نسقط من االعتبار شخص المجني عليه‪ ،‬فقد يكون هذا الشخص على درجة من‬
‫الذكاء والحرص يفوق بها الرجل العادي فال يكون صعبا عليه كشف التزوير‪ ،‬وقد يكون أدنى مستوى‬
‫من الرجل العادي فينطلي عليه من التزوير ما كان يمكن للرجل العادي كشفه وال يعني كشف التزوير‬
‫‪1‬‬
‫في الحالة األولى أنه مفضوح‪ ،‬كما أن خفاءه في الحالة الثانية ال يعني أنه غير مفضوح‪.‬‬
‫‪ -‬عدم وجود الحق أو المصلحة التي يحميها القانون‪ ،‬فكل ضرر يفترض ابتداءا االعتداء على حق أو‬
‫مصلحة مشروعة يحميها القانون‪ ،‬فال يتصور وجود أو حدوث الضرر لعدم وجود الحق أو المصلحة‬
‫التي يحميها القانون‪ ،‬ولهذا ذهب جانب من الفقه إلى القول بأنه إذا كان الغرض من التزوير إنشاء سند‬
‫إلثبات مركز قانوني حقيقي ثابت وقت الفعل فال يكون الفعل تزوي ار معاقبا عليها‪ ،‬وتطبيقا لذلك ال‬
‫يرتكب التزوير المدين الذي يصطنع لنفسه مخالصة تثبت الوفاء بدينه الذي أوفاه كامال دون أن يحصل‬
‫على مخالصة من الدائن تثبت هذا الوفاء‪ ،‬ففي هذه الحالة هناك طبعا اصطناع محرر مزور موجه‬
‫لعرضه كدليل على براءة ذمة المدين من الدين‪ ،‬غير أنه تنعدم إمكانية حدوث ضرر حتى يكون تغيير‬
‫الحقيقة معاقبا عليه‪ ،‬ألن حق الدائن قد انقضى بالوفاء فال يتصور حدوث ضرر من التزوير في هذه‬
‫الحالة‪ .‬فال يمكن للدائن االدعاء بأنه قد أصابه ضرر من جراء وضعه في ظروف ال تمكنه من‬
‫‪2‬‬
‫المطالبة بمبلغ من المال ال يستحقه قانونا‪.‬‬

‫وعليه فقد يلجأ الشخص إلى التزوير ليس إال من أجل حق شرعي يمكنه الحصول عليه باللجوء إلى‬
‫الطرق الشرعية‪ ،‬فهل يعد هذا الفعل تزوي ار معاقبا عليه؟ كأن يقوم دائن بتزوير وكالة من مدينه في مواجهة‬
‫مدين مدينه و ذلك للحصول على مبلغ الدين‪ ،‬أو يقوم بتزوير سند يضع عليه توقيع مزور للمدين ويطرحه‬
‫للتداول‪ ،‬فهذه الوسائل ال تبدو حسب الرأي السابق مشكلة لجريمة التزوير‪ ،‬فحسبه أن القائم بهذه األفعال قد‬
‫استعان بتزوير الكتابة بهدف الوصول بأسرع الطرق إلى حقه المشروع‪ ،‬وهو مبلغ الدين الواجب وفاؤه من‬
‫طرف المدين‪ .‬غير أن األمر يكون عكس ذلك إذا كان مبلغ الدين متنازع فيه‪ ،‬كأن يكون الدين ليس حاال أو‬
‫ليس مقدر بالنقود‪ ،‬أو ال تقتصر المطالبة على الدين المستحق بل تتجاوزه ففي هذه الحالة فإن الجاني‬
‫سيضر ال محال من خالل القيام بتزوير في محرر بحق الغير‪ ،‬والضرر الناتج عن هذه األفعال محقق ال‬
‫‪3‬‬
‫في حين ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى القول أنه في هذه الحالة ال بد من التفرقة بين ما إذا كان‬ ‫شك فيه‪.‬‬
‫السند المزور قد استعمل ضد المدين أو ضد غيره‪ ،‬كما لو زور الدائن السفتجة على مدينه بالدين المستحق‬

‫‪1‬‬
‫سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1396 , P179.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit. t 5. n°1396 , p 179-181.‬‬
‫‪49‬‬
‫وحول هذه السفتجة إلى شخص ثالث‪ ،‬فإن العقاب يكون واجبا في الحالة الثانية دون األولى‪ .‬ومن القائل أن‬
‫الفعل معاقب عليه في جميع األحوال‪ ،‬ألن من شأنه إحداث ضرر للغير‪ ،‬ألنه على األقل يسهل على الدائن‬
‫الوصول إلى حقه و يجعل هذا الحق أقل عرضة للمنازعة‪ 1.‬وقد جرى القضاء الفرنسي على تأكيد هذا الرأي‬
‫‪2‬‬
‫األخير على أساس أنه ال يجوز أن يخلق اإلنسان لنفسه سندا كتابيا‪.‬‬
‫و يأخذ الضرر معنى واسع‪ ،‬بحيث ال يشترط لقيامه درجة معينة من الجسامة‪ ،‬فالمهم هو حدوث‬
‫الضرر مهما كان ضئيال‪ ،‬فالضرر اليسير يكفي شأنه شأن الضرر الجسيم في قيام جريمة التزوير إذا‬
‫توافرت باقي أركانه‪ ،‬كما ال يهم أن يحل الضرر بشخص معين يقصده المزور‪ ،‬بل يكفي أن يحل بأي‬
‫شخص كان‪ .‬فلم يشترط المشرع قيدا أو حدا على صفة المتضرر‪ ،‬لتحقق فعل التزوير‪ ،‬و ذلك على أساس‬
‫النظرة الموضوعية و التجريدية‪ ،‬و ليس بحكم الطابع الشخصي‪.‬‬
‫فقد يكون المجني عليه هو من زور السند أصال عليه بخط يده‪ .‬وقد يكون المجني عليه مباشرة‪ ،‬أي‬
‫من قلد إمضاؤه على سند أو محرر لصالح الغير‪ ،‬أو من نسب المخطوط إليه كذبا‪ ،‬حتى ولو وقع التزوير‬
‫على أوراق غير صادرة عنه‪ ،‬إذا كانت حقوقه في خطر‪ .‬وقد يكون المتضرر شخصا ثالثا ال يعنيه بالمزور‬
‫أية عالقة‪ ،‬إذ يبقى الضرر في حكم المباشر‪ ،‬حتى ولو لم يقدر الفاعل عند ارتكابه الجرم وقوع ضرر معين‬
‫أو معرفة من يتعرض له‪.‬‬
‫وال تشكل رابطة القرابة مانعا للعقاب لعدم نص القانون على ذلك‪ ،‬فقد يكون المتضرر زوج المجرم أو‬
‫‪3‬‬
‫أحد أصوله أو فروعه أو أصهاره‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أنواع الضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫إضافة إلى تعريف الضرر على النحو السابق وهو إهدار حق أومصلحة يعترف بها القانون‬
‫ويحميها‪ ،‬فإن التدقيق في فهم الضرر الالزم لقيام جريمة التزوير يستلزم عرض صوره التي من خاللها يتيسر‬
‫الوقوف على محتواه‪ ،‬فالضرر ليس فقط مادي وان كان في الغالب كذلك‪ ،‬بل يمكن أن يكون معنوي‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يصيب شخصا معينا كما قد يكون اجتماعيا يصيب مجموع أفراد المجتمع‪ ،‬أما من حيث وقوعه فال‬
‫يشترط أن يكون محقق الوقوع بل قد يكون محتمال‪ ،‬وعليه يمكن تصنيف صور الضرر حسب محله إلى‬
‫ضرر مادي وضرر معنوي‪ ،‬ومن حيث وقوعه إلى ضرر محقق وضرر محتمل وأخي ار من حيث نطاقه إلى‬
‫ضرر فردي أو خاص و ضرر اجتماعي عام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Blanche, op. cit. n°146, p281-284.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass,crim 3 aout 1809 : « … ; que l’emploi d’une pièce fausse, même dans la seule intention de se procurer le‬‬
‫‪paiement d’une dette réelle, contre le gré de celui qui appartient la somme retirée à l’aide de cette pièce fausse‬‬
‫‪constitue également le crime de faux… ». voir A. Blanche, Ibid. n°146, p281-284.‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪50‬‬
‫فالضرر المادي أوضح صور الضرر وأكثرها وقوعا من الناحية العملية‪ ،‬فالضرر الذي يترتب على‬
‫التزوير يكون عادة ضر ار ماليا يصيب المجني عليه في ثروته‪ ،‬فيظهر في الغالب بوضوح تام فال يقوم شك‬
‫في وجوده‪ ،‬وهو الضرر الذي يمس عناصر الذمة المالية سواء في جانبها اإليجابي‪ ،‬فيترتب عليه االنتقاص‬
‫من عناصرها اإليجابية كاصطناع عقد بيع أو هبة أو عقد إيجار ونسبته إلى مالك العقار خالفا للحقيقة‪ ،‬أو‬
‫في جانبها السلبي فيترتب عليه الزيادة في عناصرها السلبية‪ ،‬أي بتحميله التزام ال وجود له‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫اصطناع سند دين أو مخالصة من دين ينسبها المدين إلى دائنه زو ار‪ .‬ويتحقق الضرر في هذه الحالة ولو‬
‫كان بسيطا أو تافها وممكن الحؤول دون وقوعه‪ .‬غير أنه قد يكون الضرر المادي في بعض الحاالت أقل‬
‫وضوحا‪ ،‬كحالة إضافة عبارة تحت اإلذن أو لحامله إلى سند مدني‪ ،‬إذ من شانه تحويل السند من سند مدني‬
‫إلى سند تجاري فيترتب على ذلك تغيير األحكام القانونية التي يخضع لها‪ ،‬بحيث يشكل الدين أكثر عبئا‬
‫على المدين‪ ،‬وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي‪ .‬وكذلك تصرف الموثق بقصد الغش بتغيير جوهر وظروف‬
‫‪1‬‬
‫عقد تنازل منظم لديه‪ ،‬في إثقال كاهل أحد فرقائه بأعباء مالية‪.‬‬
‫وال يشترط في الضرر أن يتناول دوما المصالح المادية‪ ،‬إذ يطال أيضا ما هو مرتبط بالناحية األدبية‬
‫للمجني عليه‪ ،‬بما يمس شرفه أو كرامته أو سمعته أو اعتباره األمر الذي قد يجعله عرضة للتشهير‪ ،‬أو‬
‫يحدث الخالفات بينه وبين الغير‪ .‬ومن أمثلة تحقق الضرر المعنوي في جريمة التزوير من يزور خطابا‬
‫ويوقع عليه بإمضاء شخص آخر ويضمن هذا الخطاب عبارات ماسة بشرف أو اعتبار من نسب إليه‬
‫الخطاب أو أي شخص آخر‪ .‬من يحرر بالغ كاذبا وينسبه إلى الغير‪ .‬كما أن من صور الضر األدبي أيضا‬
‫ما يترتب على تزوير المحررات الرسمية من إخالل بالثقة الموضوعة فيها‪ 2.‬وهو ما قضت به المحكمة العليا‬
‫في القرار رقم ‪ 009202‬الصادر بتاريخ ‪ 2221/22/22‬وجاء في تعليله ما يلي‪:‬‬
‫« أن قضاة غرفة االتهام لم يتأكدوا من قيام الركن المادي من عدمه بإجراء خبرة فنية على الوثيقة المدعى‬
‫تزويرها‪ ،‬وقفزوا مباشرة إلى عنصر الضرر و أكدوا عدم توافره‪ ،‬وهذا يخالف المنطق ألنه في حالة ثبوت قيام‬
‫‪3‬‬
‫الركن المادي لجرم التزوير في قضية الحال فإن عنصر الضرر يتوفر و لو من الناحية المعنوية»‪.‬‬
‫وبالتالي إذا لم يترتب على تغيير الحقيقة المساس بالذمة المالية باالنتقاص من عناصرها االيجابية‬
‫أو الزيادة في عناصرها السلبية‪ ،‬وال المساس بالشرف واالعتبار بأي قدر كان فال قيام لجريمة التزوير ولو‬
‫توافرت باقي أركانها‪ ،‬وان جاز أن يتعدد الضرر فيكون ماديا و معنويا في نفس الوقت‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .229‬محمد علي سكيكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2221/22/22‬رقم ‪،009202‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬مجلة المحمة العليا‪ ،‬العدد الثاني لسنة ‪ ،2221‬ص ‪.021‬‬
‫‪51‬‬
‫تلكم هي صور الضرر من حيث محله وعلى مستوى آخر ال يشترط لقيام جريمة التزوير وقوع‬
‫الضرر بالفعل بل يكفي أن يكون محتمل الوقوع‪ .‬إذ يرى البعض‪ 1‬أن الضرر المحقق هو الضرر الذي‬
‫يترتب على وجه يقيني باستعمال السند المزور‪ ،‬فتنشأ حينئذ جريمة أخرى قائمة بذاتها هي جريمة استعمال‬
‫المزور‪ ،‬فيكون محتمال على قدر احتمال استعمال السند المزور مستقبال واحتمال تضرر المجني عليه من‬
‫هذا االستعمال‪ ،‬ألن الضرر وثيق الصلة بفعل االستعمال دون التزوير‪ .‬وعلى ذلك إذا استحال استعمال‬
‫السند المزور ألي سبب كان فإن الضرر هنا ال يكون محققا‪ .‬غير أن هذا الرأي يخلط بين جريمة التزوير‬
‫واستعمال المزور‪ ،‬فال يمكن ربط توافر أحد عناصر الجريمة بقيام الجريمة األخرى‪ ،‬أي ال يمكن ربط قيام‬
‫الضرر الذي يعد ضروريا لقيام جريمة التزوير باالستعمال الذي يشكل جريمة أخرى متميزة عن جريمة‬
‫التزوير وقائمة بذاتها‪ .‬كما أنه ال يشترط أن يكون الضرر محققا بل يكفي أن يكون محتمال‪ .‬لذا يعرف جانب‬
‫آخر من الفقه الضرر المحقق بأنه الضرر الذي يقع فور ارتكاب الجريمة وبتاريخ معاصر لها‪ ،‬بحيث يترافق‬
‫نشوؤها مع نتائجها مهما كان الموقف الحقا‪ ،‬وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية إذ اعتبرت الضرر قائما‬
‫في حالة تزوير مستندات تجارية عاد الجاني بعد تحريفها إلى دفع قيمتها بكاملها ألصحابها بحيث انتفى كل‬
‫ضرر‪ ،‬على أن ذلك لم يمنع تحقق الجرم‪ ،‬بسبب وجود الضرر أصال‪ ،‬أما الضرر الذي يتحقق باستعمال‬
‫المحرر المزور فهو ضرر مستقبلي‪ ،‬بحيث ال يقع حاال و بصورة مداهمة في تاريخ ارتكاب الجرم‪ ،‬و لكنه‬
‫يكون محقق الوقوع على األقل عند استعمال المزور و تنفيذ مضمون المحرر المحرف‪،‬كما في حاالت تزوير‬
‫عقد بيع‪ ،‬أو وكالة‪ ،‬أو االعتراف بدين‪ ،‬أو وثيقة زواج‪ ،‬وال يحول انقضاء الوقت بالتالي دون وقوع الضرر‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وتبقى الحالة المستقبلية مترابطة مع الحالة الحاضرة والمعاصرة لنشوء السند المزور‪.‬‬

‫أما الضرر المحتمل فهو ضرر لم يتحقق فعال‪ ،‬وانما يكون من المتوقع وقوعه في أغلب األحوال‬
‫وفق السير العادي لألمور‪ ،‬ففي هذه الحالة ينطوي تغيير الحقيقة على خطر إحداث ضرر‪ .‬واالكتفاء‬
‫بالضرر المحتمل لقيام جريمة التزوير يستفاد من فصل المشرع بين التزوير واستعمال المزور‪ ،‬واعتبار كل‬
‫منهما جريمة مستقلة عن األخرى‪ .‬وال أهمية لدرجة االحتمال فمهما كان ضعيفا يعتبر الضرر متواف ار‪.‬‬
‫والمرجع في القول باحتمال وقوع الضرر من التزوير هو تقدير الشخص المعتاد على ضوء حكم الخبرة‬
‫والتجربة‪ .‬والعبرة في تقدير احتمال الضرر إنما تكون بالوقت الذي وقع فيه تغيير الحقيقة في المحرر‪،‬‬
‫باعتباره وقت تمام الجريمة‪ ،‬وبالتالي فإذا توافر احتمال الضرر في هذا الوقت وتوفرت باقي أركان الجريمة‬

‫‪1‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .227‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .072‬فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪ .222‬فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪52‬‬
‫قامت مسؤولية المتهم عن جريمة التزوير بصرف النظر عما قد يط أر بعد ذلك من ظروف أو أسباب يمكن‬
‫‪1‬‬
‫أن تحول دون وقوع الضرر أو تقضي على احتماالت وقوعه‪.‬‬
‫وتطبيقا لذلك فإنه ال يحول دون توافر الضرر أن يكون تحققه من االستعمال متوقفا على ظروف‬
‫خارجية عن إرادة المزور‪ ،‬مثال ذلك تزوير سند على ناقص أهلية‪ ،‬إذ تحقق الضرر متوقف على عدم‬
‫احتجاجه بنقص األهلية‪ .‬واذا زور شخص سندا خالقا به التزاما على شخص آخر لمصلحة شخص ثالث‪،‬‬
‫كان مسؤوال عن التزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه‪ ،‬إذ إن عدم تمسكه هو أمر خارج عن فعل‬
‫التزوير الذي تم من جهة المزور‪ .‬وال يحول دون وقوع العقاب على التزوير إتالف المحرر المزور‪ ،‬أو‬
‫التنازل البات عن االحتجاج به‪ ،‬وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور إذ يكفي أن يكون محتمال وقت‬
‫‪2‬‬
‫ارتكاب التزوير‪ .‬ومن تطبيقات الضرر االحتمالي تزوير سند للوصول إلى حق ثابت كما سبق بيانه‪.‬‬
‫وعلى عكس هذا االتجاه فإن هناك جانب من الفقه يذهب إلى إنكار ما يسمى الضرر المحتمل‪ ،‬ألن‬
‫الضرر مرتبط بتغيير الحقيقة‪ ،‬فهو يتغير بالضرورة كلما تغيرت‪ ،‬فإنه محقق في كل األحوال وغير محتمل‬
‫سواء في المحررات الرسمية أو العرفية على السواء‪ .‬فكل تغيير للحقيقة في محرر هو نشاط مادي ضار في‬
‫ذاته ألنه ينطوي على اإلخالل بالثقة التي أراد المشرع كفالتها للمحررات الرسمية أو العرفية على السواء‪ ،‬ثم‬
‫إن التزوير جريمة شكلية ال من الجرائم ذات النتائج‪ ،‬فالجريمة تقع بمجرد تغيير الحقيقة‪ ،‬وبهذا التغيير يحدث‬
‫الضرر‪ ،‬وال ينبغي الربط بين الضرر وامكانية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله‪ ،‬ألن المشرع ال‬
‫يجعل من استعمال المحرر شرطا للعقاب‪ ،‬إذ يعاقب عليه بصورة مستقلة‪ .‬وفي األخير يقدر قاضي الموضوع‬
‫‪3‬‬
‫مدى احتمال حدوث ضرر من التزوير وفقا لسلطته التقديرية‪.‬‬
‫وفي المحصلة فإن الصور السابق ذكرها تشكل صور الضرر من حيث وقوعه‪ .‬أما صور الضرر‬
‫من حيث نطاقه فيفرق بشأنه بين الضرر الفردي والضرر االجتماعي‪ .‬الضرر الخاص أو الفردي هو ذلك‬
‫الضرر المادي أو األدبي‪ ،‬المحقق أو المحتمل‪ ،‬الذي يصيب أو يهدد مصالح أو حقوق شخص معين من‬
‫األشخاص الطبيعيين أو المعنويين‪ ،‬ومن تطبيقاته التزوير في المحررات العرفية‪ ،‬كتزوير عقد أو سند دين أو‬
‫عقد بيع على فرد أو شركة خاصة‪ ،‬أو تزوير خطاب أو شكوى نسبته إلى شخص آخر‪ .‬وال يلزم في هذه‬
‫‪4‬‬
‫األحوال أن يصيب الضرر أو يهدد مصالح و حقوق المزور عليه‪ ،‬وانما يكفي أن يصيب أي شخص آخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.072‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202-202‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد صبحي العطار‪ ،‬جرائم االعتداء على المصلحة العامة دراسة في القسم الخاص من قانون العقوبات المصري‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬
‫‪ .2992‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪53‬‬
‫في حين الضرر العام أو االجتماعي هو الذي ال يصيب شخصا بعينه وانما يصيب المجتمع ككل‪ ،‬والضرر‬
‫العام قد يصيب المصالح المادية للمجتمع فيكون ضر ار اجتماعيا ماديا‪ ،‬وأظهر صوره ما يقع على أموال‬
‫الدولة‪ ،‬ومن أمثلته تزوير إيصال بسداد رسوم أو ضرائب أو غرامات مستحقة للدولة أو تزوير سند بدين على‬
‫خزانة الدولة‪ ،‬أو اصطناع محرر لالستيالء على عقار مملوك للدولة‪ .‬قد يكون الضرر االجتماعي ماديا‬
‫ولكنه محتمل الوقوع‪ ،‬كأن يلجأ صاحب عقد شراء بمناسبة تسجيله إلى تغيير الثمن بتخفيضه بعد ثبوت‬
‫تاريخ العقد الرسمي وكان ذلك بقصد اإلضرار بالخزانة‪ ،‬فإنه يعد تزوي ار في ورقة عرفية الحتمال وقوع‬
‫الضرر من هذا التغيير‪ 1.‬ويتجاوز الضرر الحدود المالية إلى المصالح االجتماعية المعنوية‪ ،‬وفي هذا النوع‬
‫اجتمع الفقه و القضاء الفرنسيين على اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجا بذاته ضر ار اجتماعيا‬
‫يتمثل في اإلخال ل بالثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات‪ ،‬فاألصل في المحررات الرسمية‬
‫أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها مطابقة للحقيقة‪ ،‬فبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء‬
‫وظائفها وينال المجتمع من وراء ذلك ضر ار جسيما‪ ،‬حيث استقر االجتهاد القضائي في فرنسا على اعتبار‬
‫التزوير في المحررات الرسمية سواء من طرف الموظفين العموميين أو من طرف أشخاص عاديين قائما‬
‫بغير حاجة إلى إثبات وقوع ضرر‪ ،‬ألنه يترتب عليه على أقل الفروض العبث بما في هذه األوراق من قيمة‬
‫‪2‬‬
‫في نظر الجمهور وبالتالي التقليل من ثقة الناس فيها‪.‬‬
‫كما أن مصلحة المجتمع كافية لوحدها لتحقيق الضرر في الكثير من جرائم التزوير‪ ،‬وهكذا فمن‬
‫مصلحة المجتمع اختبار موظفي الحكومة فمن زور شهادة من الشهادات الالزمة للدخول في الوظائف‬
‫العمومية يعاقب بالتزوير ألنه من شأن هذا الفعل أن يسبب ضر ار اجتماعيا‪ ،‬ومن مصلحة المجتمع أن ينال‬
‫الجاني جزاءه فإذا تسمى شخص باسم شخص آخر محكوم عليه لكي يحبس بدال منه‪ ،‬وأثبتت هذه الواقعة‬
‫الكاذبة في دفتر السجن اعتبر الفاعل مزو ار في ورقة رسمية‪ ،‬كذلك تقتضي المصلحة العامة أن يؤدي كل‬
‫فرد واجب الخدمة العسكرية‪ ،‬فمن يزور شهادة إعفاء من الخدمة العسكرية يعاقب طبقا للقانون بجريمة‬
‫التزوير‪ 3،‬أومن يزور شهادة طبية ليشتري بها مادة سامة يمنع بيعها إال بإذن خاص يرتكب تزوي ار مض ار‬
‫باألمن والنظام العام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.crim, 24 juillet 1930. Bull.crim n° 215. Code pénale, édition 2008, Dalloz : « le préjudice auquel il peut‬‬
‫‪donner lieu au crime de faux dans un acte publique et authentique résulte nécessairement de l’atteinte qu’une‬‬
‫‪falsification de cette nature porte à la foi publique et à l’ordre social ». Cass crim 19 nov 1974 Bull.crim n° 335.‬‬
‫‪Code pénale, édition 2008, Dalloz : «En effet, l’altération de la vérité dans un acte notarié peut compromettre la‬‬
‫‪confiance nécessaire à la sécurité des transactions».‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪54‬‬
‫واذا كان الضرر العام األدبي يغلب تحقيقه من تغيير الحقيقة في المحررات الرسمية‪ ،‬فإن ذلك ال‬
‫يعني عدم إمكان تحققه في تزوير المحررات األخرى‪ ،‬ومثال ذلك ما يحدث من تزوير شهادة طبية لتعزيز‬
‫طلب الحصول على إجازة أو لتأجيل النظر في قضية‪ ،‬إذ يترتب على تأجيل القضايا بالباطل أو الحصول‬
‫‪1‬‬
‫على إجازة غير مستحقة إضرار بالمصلحة العامة‪.‬‬
‫ويترتب على افتراض نشوء الضرر االجتماعي المعنوي عن كل تغيير في الحقيقة محرر رسمي‬
‫نتيجة هامة تتعلق بتسبيب األحكام‪ ،‬فقاضي الموضوع ليس ملزما بإثبات الضرر إلدانة المتهم عن جريمة‬
‫‪2‬‬
‫تزوير محرر رسمي ما دام قيامه الزما عن طبيعة التزوير في المحرر الرسمي‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تقدير الضرر في جريمة تزوير المحررات‬
‫جريمة التزوير جريمة وقتية بمعنى أنه ينبغي توافر شروطها و أركانها وقت النشاط اإلجرامي الذي‬
‫يباشره الجاني‪ ،‬فتقدير الضرر وجودا أو عدما ينظر إليه وقت وقوع فعل تغيير الحقيقة من الجاني‪ ،‬فإذا رأى‬
‫أن الضرر كان وقت مقارفة الجريمة محتمل الوقوع ولم يكن مستحيل التصور وكانت األركان األخرى متوافرة‬
‫في ذلك الوقت كان فعل التزوير مستحق العقاب مهما ط أر بعد ذلك من الظروف التي يمكن أن تحول دون‬
‫وقوع الضرر أو تمنع احتمال وقوعه‪ ،‬أو تجعله مستحيال‪.‬‬
‫واألسباب التي تجعل الضرر مستحيال إما أن تكون خارجة عن إرادة الجاني فال يمكن أن يكون لها‬
‫أثر في محو جريمته‪ ،‬واما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتالفى األمر ويحول دون وقوع الضرر أو‬
‫يصلح ما أفسده بسابق فعله‪ ،‬والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني الالحق ال يمكن أن يمحو سابق‬
‫جرمه‪.‬‬
‫وتطبيقا لذلك فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه و لو سدد الدين بعد ذلك‪ ،‬كما‬
‫أن تزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفى المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى‪،‬‬
‫وتزوير إمضاء شخص في شكوى يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب اإلمضاء على كل ما تضمنته‬
‫الشكوى‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن مسألة تقدير توافر الضرر من عدمه في كل األحوال مسألة موضوعية تتعلق بوقائع‬
‫‪3‬‬
‫الدعوى تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع وال سلطان عليه في ذلك لمحكمة النقض‪.‬‬
‫خالفا لهذا المبدأ فإن المحكمة العليا من خالل قرارها رقم ‪ 227202‬الصادر في ‪ 2999-22-22‬قد قررت‬
‫تمديد رقابتها إلى عنصر الضرر رغم أنه ال يعد مسألة قانونية إذ لم تتضمنه النصوص التجريمية الخاصة‬

‫‪1‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.010‬‬
‫‪3‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220-222-222‬‬
‫‪55‬‬
‫بالتزوير في المحررات‪ ،‬إذ يستخلص منه أنه ال بد أن يتضمن قرار اإلحالة وكذا الحكم باإلدانة إثبات‬
‫‪1‬‬
‫الضرر واال كان قاصر التسبيب يستوجب النقض‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ضابط الضرر في جريمة تزوير المحررات‬


‫يتضح من التعريف السابق للضرر وصوره أن له مدلوال واسعا وصو ار متعددة مما يقتضي ضرورة‬
‫وضع ضابط عام له وعدم ترك األمر لمطلق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع‪ ،‬وبمعنى آخر األساس الذي‬
‫يعتمد عليه القاضي في تقدير توفر الضرر من عدمه‪ ،‬وبالتالي قيام جريمة التزوير من عدمها‪ ،‬إذ يثور‬
‫التس اؤل حول ما إذا كان كل تغيير للحقيقة يصلح للقول بتوافر الضرر مهما كان البيان الذي تم المساس به‪،‬‬
‫ومهما كانت طبيعة المحرر محل التزوير‪ ،‬أم أنه يشترط لتوافر الضرر وقيام التزوير وجوب أن ينصب‬
‫العبث على بيانات معينة أو محررات ذات طبيعة خاصة؟( الفرع األول‪ :‬اآلراء الفقهية واالتجاهات القضائية‬
‫في تحديد ضابط الضرر)‪ .‬وقد كان من نتائج البحث حول ضابط الضرر‪ ،‬التساؤل أيضا حول ما إذا كان‬
‫التزوير الواقع في محررات باطلة أو قابلة للبطالن من شأنه إحداث ضرر‪ ،‬وبالتالي قيام جريمة التزوير في‬
‫هذه الحالة أم ال؟ ( الفرع الثاني‪ :‬الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اآلراء الفقهية واالتجاهات القضائية في تحديد ضابط الضرر‬


‫وضع الفقيه الفرنسي جارو ‪ Garraud‬ضابطا معروفا لتحديد األحوال التي يصح فيها القول بالعقاب‬
‫على التزوير في المحررات عموما‪ ،‬بجعله متوقفا على قيمة المحرر في اإلثبات ومرتبطا بها‪ ،‬وقد القت‬
‫نظريته قبوال من طرف القضاء الفرنسي‪ ،‬غير أنها لم تسلم من االنتقاد‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬نظرية جارو ‪ Garraud‬في تحديد ضابط الضرر‬
‫لقد وضع الفقيه الفرنسي جارو ‪ Garraud‬ضابط للضرر يرتكز على قيمة المحرر في اإلثبات‪ ،‬أي‬
‫عدم قيام جري مة التزوير إال إذا كان محلها محرر يعتبر سندا بالمفهوم القانوني‪ ،‬معنى ذلك أن الضرر في‬
‫التزوير يرتبط وجودا أو عدما بالمحرر في جميع صور التزوير‪ ،‬فكلما كان ذلك المحرر متواف ار على الشروط‬
‫القانونية قام الضرر‪ ،‬وشرطا المحرر محل التزوير هما أن يكون محتويا على وقائع ذات أثر قانوني وأن‬
‫يكون المحرر ذا قيمة في اإلثبات‪ ،‬ومن ثم فإن المحرر الذي يفتقر إلى أحد هذين الشرطين ال يقوم بتغيير‬
‫الحقيقة فيه تزوير معاقب عليه فهي ال ترتب ضر ار‪ ،2‬مستندا في ذلك إلى نص المادة ‪ 227‬من قانون‬
‫العقوبات الفرنسي القديم­ قانون ‪ ­2122‬الخاص بتزوير المحررات الرسمية من طرف األفراد وتقابل هذه‬

‫‪1‬‬
‫قرار سابق‪ ،‬راجع الصفحة ‪.7‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد شوقي الشلقاني‪ ،‬إثبات الضرر في تزوير المحررات‪ ،‬مجلة المحاماة‪ ،‬العددان ‪ 2‬و ‪ 2‬مارس و أبريل ‪ – 2919‬السنة التاسعة و الستون‪،‬‬
‫ص‪.22- 22‬‬
‫‪56‬‬
‫المادة في قانون العقوبات الجزائري المادة ‪ 222‬الفقرة الثالثة‪ ،‬وقد نصت على ‪ «:‬يعاقب بالسجن المؤقت‪...‬‬
‫كل شخص عدا من عينتهم المادة ‪ ،220‬ارتكب تزوي ار في محررات رسمية أو عمومية‪:‬إما‪ ...‬واما بإضافة أو‬
‫إسقاط أو تزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو إلثباتها»‪.‬‬
‫وقد بنا ‪ Garraud‬على هذه العبارة قاعدة عامة تطبق على كل صور التزوير‪ ،‬سواء كان تزوي ار‬
‫ماديا أو معنويا‪ ،‬وسواء وقع في محررات رسمية أو عرفية‪ ،‬بل الواجب تعميمها على جميع صور التزوير‪.‬‬
‫والقول بأن كل تغيير للحقيقة في محرر يجب لعقابه أن يكون التغيير واقعا على شيء مما كان الغرض من‬
‫المحرر تدوينه أو إثباته به‪ ،‬يعني أن التزوير الذي يعاقب عليه القانون إنما هو التزوير الذي يقع في محرر‬
‫أعد ألن يتخذ حجة على اكتساب حق أو نقله أو إثباته أو صفة أو حالة قانونية‪ ،‬فالذي يحميه القانون في‬
‫التزوير ليس هو المحرر في ذاته‪ ،‬أي تلك العالمات والحروف والرموز التي ليس لها قيمة ذاتية‪ ،‬وليس هو‬
‫شكل المحرر وصورته‪ ،‬وانما هي الثقة التي يمكن أن توضع في ذلك المحرر‪ ،‬ولهذا يمكن القول أن هناك‬
‫تالزما شدي دا بين نظرية التزوير ونظرية اإلثبات‪ ،‬فإذا كان قانون العقوبات قد تجاهل هذا االتصال ولم ينص‬
‫عليه صراحة‪ ،‬فإن التزوير المعاقب عليه هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن تولد عنه عقيدة مخالفة‬
‫للحقيقة عند من يقدم إليه ذلك المحرر‪ ،‬وبعبارة أخرى التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يتخذ دليال‪،‬‬
‫وكذا ينطلق ‪ Garraud‬من علة تجريم التزوير لتقدير توافر الضرر‪ ،‬فإذا كان أساس التزوير هو الكذب في‬
‫المحررات‪ ،‬فليس كل كذب صالحا ألن يكون تزوي ار يترتب عليه ضرر معاقب عليه‪ ،‬وانما الذي يعاقب عليه‬
‫القانون في التزوير هو اإلخالل بالثقة العامة التي هي من مستلزمات الدليل الكتابي الذي أصبح روح‬
‫‪1‬‬
‫المعامالت بين الناس‪.‬‬
‫غير أن ‪ Garraud‬يقيد هذه النظرية بقيدين‪ ،‬القيد األول هو أن العقيدة هي مسألة نسبية‪ ،‬بحيث ال‬
‫يشترط في المحرر محل التزوير أن يكون معدا منذ تدوينه ألن يكون دليال كامال ومتينا‪ ،‬وانما يكفي أن‬
‫يكون المحرر صالحا التخاذه دليال في ظرف معين‪ ،‬لذلك يمكن أن تقع جريمة التزوير في أي سند مهما‬
‫كانت طبيعته يصلح أساسا لدعوى أو المطالبة بحق‪ ،‬فالمحرر من وجهة نظر القانون الجنائي هو مخصص‬
‫سواء من حيث خصائصه أو مضمونه إلثبات أمر يمكن أن يترتب عليه آثار قانونية‪ ،‬وعليه ال بد من‬
‫التمييز بين وسائل اإلثبات بالمعنى الدقيق والمحررات األخرى الصالحة لإلثبات في ظروف معينة‪ ،‬فهذا‬
‫التمييز له أهمية من حيث نية الغش‪ ،‬والضرر الممكن‪ ،‬فمن الثابت أن هذين الشرطين يلتقيان في غالب‬

‫‪1‬‬
‫‪R .Garraud, op. cit. t 5. n°1364 p105.‬‬
‫‪57‬‬
‫األحيان حينما يقع تغيير الحقيقة على محرر معد لإلثبات بالمعنى الحرفي للكلمة‪ ،‬وقد ال يتوافر أحدهما في‬
‫‪1‬‬
‫غالب األحيان عندما يقع التزوير في غيرها من المحررات‪.‬‬
‫أما القيد الثاني فيتصل بطرق التزوير‪ ،‬فإذا كان معيار نظرية جارو ‪ Garraud‬متصل بالركن المادي‬
‫لجريمة التزوير في المحررات‪ ،‬أو بعبارة أخرى بنوع المحرر و طبيعته فقد استثنى من نطاق تطبيقها في‬
‫الحالة التزوير بوضع إمضاء مزور‪ ،‬أي بانتحال شخصية الغير أو بإخفاء شخصية المزور الحقيقية‪ ،‬باعتبار‬
‫هذه الطريقة كافية لوحدها لقيام جريمة التزوير مهما كان نوع المحرر الذي وقع فيه‪ ،‬بشرط توافر األركان‬
‫األخرى للتزوير‪ ،‬وذلك ألن انتحال الشخصية يتضمن دائما إسناد صفة أو حالة غير صحيحة إلى صاحب‬
‫‪2‬‬
‫الشخصية المنتحلة‪ ،‬وبهذا يتحقق الضرر وال حاجة للبحث عنه من خالل طبيعة المحرر‪.‬‬
‫وقد رتب جارو ‪ Garraud‬على نظريته أربعة نتائج يمكن االسترشاد بها في حل الكثير من مشكالت‬
‫التزوير وهي مؤيدة بكثير من أحكام محكمة النقض الفرنسية‪.‬‬
‫النتيجة األولى‪ :‬ال عقاب على التزوير إذا كان المحرر المزور ال يمكن أن يتخذ أساسا للمطالبة بحق‪ .‬وبناءا‬
‫على هذا قضي في فرنسا ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ال يعد مزو ار التاجر المفلس الذي يقدم تقري ار مخالفا للحقيقة عن حالة تجارته‪ ،‬ألن هذا التقرير ال يصلح‬
‫أساسا الكتساب حق‪ ،‬فالغرض من هذا التقرير ليس إثبات أصول وخصوم المفلس‪ ،‬وانما يشير أو يعلم‬
‫به عن هذه الحالة‪ ،‬وبالتالي ال يشكل دليل إثبات وال حتى بداية إثبات‪ ،‬وذلك على خالف الدفاتر‬
‫التجارية وخصوصا دفتر الجرد‪ ،‬التي يمكن في ظل بعض الشروط والظروف أن تكون األساس أو‬
‫‪3‬‬
‫الدليل لرفع دعوى على الغير‪.‬‬
‫‪ -‬ال يعد مزو ار الشخص الذي يزور خطابا يحتوي وعدا بالزواج‪ ،‬وذلك بتقديم تاريخ الخطاب الذي تم بين‬
‫ابنته القاصر والغير القاصر أيضا‪ ،‬وهذا حتى يجعله صالحا إلثبات هذا الوعد‪ ،‬حيث قضت المحكمة‬
‫‪4‬‬
‫أن هذا الخطاب ال يمكن بطبيعته أن يضر بحقوق الغير‪.‬‬
‫‪ -‬ال يعد تزوي ار من يستعمل سندا عرفيا موقعا عليه بإشارة منوه إليها في السند بأنها إمضاء أو عالمة‬
‫‪5‬‬
‫المدين المزعوم‪ ،‬ألن طبيعة هذا المحرر المجرد من التوقيع الصحيح ال يمكن أن ينتج عنها التزام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit. t 5. p 107.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, Ibid. t 5. n°1364 p 108.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass.crim 14 juillet 1872. Voir R. Garraud, Ibid. t 5. p 109.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim 20 aout 1825. Voir R. Garraud,Ibid. t 5. p 109-110.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass.crim 24 juillet 1849. Voir R. Garraud, Ibid. t 5. p 110.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ -‬ال يعد مزو ار الطبيب الذي يزيد عدد زياراته في كشف األتعاب ليحصل على مبلغ أكبر من المستحق‬
‫له‪ ،‬ألن الكشف الذي يقدمه ليس له حجة‪ ،‬إذ ال يمكن أن ينشئ المرء لنفسه سندا‪ ،‬كما ليس له صفة‬
‫الدليل أو اإلثبات وال حتى بداية إثبات‪.‬‬

‫النتيجة الثانية‪ :‬ال عقاب على التزوير إذا كان تغيير الحقيقة قد حصل في غير ما أعد المحرر لتلقيه‬
‫واثباته‪ 1.‬فال يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة أو عمد إلى تغيير الحقيقة في محرر‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يكون هذا التغيير متعلقا بجوهر المحرر أي ببيانات المحرر التي أعد لتلقيها واثباتها‪ .‬وتطبيقا لذلك‬
‫ال عقاب على من يدعي في عقد الزواج أنه أرمل بينما هو متزوج‪ ،‬ذلك أن عقد الزواج غير معد إلثبات هذه‬
‫الصفة‪ ،‬وعليه فالموظف العمومي غير مكلف بإدراجها كبيانات جوهرية في العقد‪ ،‬وادراجها يبقى دون فائدة‬
‫قانونية‪.‬‬
‫كما ال عقاب على الشخص الذي يقرر كذبا في دفتر قيد المواليد أن والدة الطفل زوجته‪ ،‬فإدراج هذا‬
‫اإلقرار ال يشكل دليال على شرعية الطفل‪ ،‬بل الدليل على ذلك هو دليل على وجود الزواج في حد ذاته‪ ،‬أي‬
‫شرعية الطفل ال تنتج إال عن إثبات الزواج نفسه‪.‬‬
‫كذلك ال يعد تزوي ار في حالة ما إذا كان رجل وامرأة وهما مالكان ملكية مشتركة لعقار قاما بالتصريح‬
‫كذبا أمام الموثق المكلف بتحرير عقد بيع هذا العقار‪ ،‬أنهما متزوجان ظنا منهما أن هذا البيع ال يتم إال إذا‬
‫كانا متزوجين‪ ،‬وعليه فإن هذا الكذب ال يندرج ضمن الكذب المعاقب عليه قانونا‪ ،‬فهذا التصريح ليس له‬
‫عالقة مباشرة بالعقد وال يمكن أن يؤثر على صحته‪ .‬غير أنه على العكس من ذلك‪ ،‬إذا تقدم شخص أمام‬
‫موثق مكلف بتحرير عقد قرض بتقديم امرأة على أنها زوجته وذلك كضمان لهذا القرض وبأنها تلتزم باالتفاق‬
‫والتراضي والتضامن معه على تسديد هذا القرض‪ ،‬ففي هذه الحالة يعد ذلك تزوي ار معاقبا عليه ألن موافقة‬
‫وحضور الزوجة الحقيقية قد انصب على ظرف أو واقعة أعد المحرر إلثباتها‪ ،‬وبالتالي فإن التزوير في هذه‬
‫الحالة من شأنه ترتيب ضرر للغير‪.‬‬
‫كذلك ال يعد تزوي ار الشخص المعفى من الخدمة العسكرية‪ ،‬الذي يقوم بمحو عبارة تشير إلى أنه يتم رجوعه‬
‫إلى الجيش في الوقت المفترض فيه أن تزول العاهة أو المرض الذي جعله غير صالح للخدمة العسكرية‪،‬‬
‫وذلك على أساس أن شهادة اإلعفاء من الخدمة ال تعفي من إجراء فحص طبي‪ ،‬فالشخص يمكن أن يشفى‬
‫بحيث يكون غير صالح للخدمة في وقت معين‪ ،‬فيتم تجنيده في وقت الحق‪ ،‬وعليه فشهادة اإلعفاء ال تعد‬
‫إلثبات الصفات الالزمة ألداء الخدمة العسكريةّ‪ ،‬والعبارة الممحاة ليست من البيانات التي أعد المحرر‬
‫إلثباتها‪ ،‬فال قيام لجريمة التزوير في حالة تعرضها للتغيير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit. t 5. n°1366 p 110.‬‬
‫‪59‬‬
‫ويرى جارو ‪ Garraud‬أنه من وجهة نظر وسائل اإلثبات فإن المحررات المختلفة تنقسم إلى عقود‬
‫ومحررات عادية‪ ،‬فاألولى هي التي تتم أمام جهة قضائية أو غيرها من الجهات المختصة أو من طرف‬
‫األشخاص المعنية‪ ،‬وذلك بهدف استخدامها كدليل أو إثبات وجود أو حدوث الوقائع الموجودة بها‪ ،‬أما‬
‫الطائفة الثانية من المحررات فهي تشمل كل الكتابات التي ال تحتوي هذه الشروط‪ ،‬والتي يمكن أن تكون‬
‫بطريق الصدفة دليل إثبات أو بداية إثبات أو قرينة‪ ،‬وعليه تطبيقا لهذا المبدأ فإنه في جميع الحاالت التي‬
‫يأمر فيها القانون أن يكون الدليل متخذا شكال معينا من خالل محرر معين‪ ،‬فإن تغيير الحقيقة في محرر‬
‫عادي يتخذ كبديل يعفي من هذا المحرر الذي يشكل دليال قانونيا‪ ،‬ال يمكن أن يشكل تزوي ار معاقبا عليه‪،‬‬
‫لعدم إمكان حدوث الضرر في هذه الحالة‪.‬‬
‫بل يجب الذهاب أبعد من ذلك والقول بأنه ليس كل تغيير في الحقيقة حتى وان كان ضا ار في محرر‬
‫بالمعنى الدقيق للكلمة ال يشكل بالضرورة تزوي ار معاقبا عليه‪ ،‬وتطبيقا لهذا حكم أن األكاذيب التي تصدر عن‬
‫المتهمين أو الشهود و تدون في محاضر االستجواب أو محاضر التحقيق أو في محضر الجلسة أمام‬
‫القاضي وذلك بهدف التأثير على عقيدة القاضي‪ ،‬ال يعد تزوي ار ألن هذه األوراق أو المحاضر القضائية إنما‬
‫أعدت إلثبات أقوال الخصوم كما صدرت عنهم‪ ،‬فهي حجة في صحة صدور هذه األقوال عنهم‪ ،‬لكنها ليست‬
‫حجة في إثبات صحة هذه األقوال في حد ذاتها‪ ،‬إذ يمكن للخصوم اإلشارة إلى مواطن الكذب فيها‪ ،‬وعلى‬
‫‪1‬‬
‫القاضي أن يستخلص منها الحق و الباطل‪.‬‬
‫النتيجة الثالثة‪ :‬ال عقاب على التزوير إذا كان المحرر المزور صادر عن موظف غير مختص بتحريره أو‬
‫منسوبا إلى موظف غير مختص بتحريره‪ .‬فمثل هذا المحرر متجرد من أية قيمة‪ ،‬ولن يترتب على تزويره أي‬
‫ضرر ألن أحد العناصر األساسية لقيام جريمة التزوير غير متوفر‪.‬‬
‫النتيجة الرابعة‪ :‬ال عقاب على التزوير إذا كان تغيير الحقيقة في كشوف حسابات أو مذكرات أو فواتير‪ .‬ذلك‬
‫أن كل الحسابات وكل المذكرات تكون محل مراجعة وتمحيص‪ ،‬وعليه فالتصريحات الكاذبة الواردة فيها ال‬
‫تشكل تزوي ار قائما في محرر يشكل سندا‪ ،‬وقد استمدت هذه القاعدة من القانون الروماني‪ ،‬كما أن محكمة‬
‫النقض الفرنسية قد طبقتها بصفة صريحة وواضحة‪ ،‬فقد قضي أن العامل الذي يقوم بتزوير وصل تزويد أو‬
‫توريد اآلجر و ذلك بزيادة عدد اآلجر المورد للغير‪ ،‬ال يعد مرتكبا لجريمة التزوير في المحررات‪ ،‬فهذه‬
‫الكشوف ال يصح أن تقبل على عالتها بل يجب أن تراجع‪ ،‬وهي بطبيعتها محل مراجعة‪.‬‬
‫ولكن يعاقب على التزوير في مثل هذه األحوال إذا قدم المزور مستندات مزورة تأييدا لحسابه المزيف‪ ،‬ألن‬
‫التزوير يقع حينئذ على دليل يكون من شانه إحداث ضرر‪ ،‬إذ يصبح أساسا لرفع دعوى مكذوبة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R. Garraud, op.cit. t 5. p113 .‬‬
‫‪60‬‬
‫‪1‬‬
‫كذلك يعاقب على التزوير إذا وقع بعد مراجعة الفواتير والتصديق عليها ألنها تكون حينئذ حجة وسندا‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تقدير نظرية جارو ‪ Garraud‬في تحديد ضابط الضرر‬
‫القت نظرية ‪ Garraud‬في ربط العقاب على التزوير في المحررات بقيمتها في اإلثبات نجاحا كبي ار‬
‫في مبدأ األمر و ديوعا ملحوظا بين شراح القانون الجنائي‪ 2،‬إذ يحمد على نظرية جارو ‪ Garraud‬أنها‬
‫وضعت أساسا واطا ار لتغيير الحقيقة الذي يترتب عليه ضرر فتقوم به جريمة التزوير‪ ،‬كما يذكر لها فضل‬
‫إقامة التقابل بين كل من الدليل الشفوي والدليل الكتابي من حيث العقاب‪ ،‬فإذا كان الكذب في اإلثبات‬
‫الشفوي أي شهادة الشهود ال يعاقب عليها إال إذا كان مسبوقا بأداء اليمين‪ ،‬وتحققت بشأنه الشروط التي‬
‫حددها المشرع لكي يرقى إلى مرتبة الدليل‪ .‬فكذلك الكذب الذي يتحقق عن طريق الكتابة فيكون غير معاقبا‬
‫عليه إال إذا وقع في محرر له قوة الدليل‪ 3.‬إال أن هذه النظرية لم تسلم من اعتراضات جمة وجهت إليها‪ ،‬إذ‬
‫يأخذ على نظرية جارو ‪ Garraud‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬و ضعت هذه النظرية على التزوير قيودا لم ترد في قانون العقوبات‪ ،‬فاستناده إلى العبارة الواردة في‬
‫المادة ‪ 227‬من قانون العقوبات الفرنسي القديم‪ ،‬هي تفرقة اجتهادية ال سند لها‪ ،‬نصوص التزوير في‬
‫المحررات ال تشير إلى التفرقة بين محررات لها قوة في إثبات الوقائع ذات األثر القانوني‪ ،‬وبين محررات‬
‫ليست كذلك‪ ،‬فالمشرع لم يشترط إال أن يقع التزوير بإحدى الطرق التي حددها‪ ،‬إال إذا كان من شأن‬
‫ذلك أن يحدث ضر ار دون التمييز بين المحررات من حيث قوتها في اإلثبات‪ .‬وانما من حيث طبيعة كل‬
‫‪4‬‬
‫منها إلى محررات رسمية و أخرى عرفية‪.‬‬
‫‪ -‬االعتماد على ضابط قيمة المحرر في اإلثبات يؤدي في الكثير من األحوال إلى تضييق دائرة العقاب‪،‬‬
‫وهو ما يشكل إخالل بمصلحة المجتمع‪ ،‬فحسب نظرية جارو ‪ Garraud‬يستوجب قصر العقاب على‬
‫ما يعد تغيير للحقيقة في محرر مثبت لحق قانوني ال لواقعة مادية صرفة‪ ،‬مع أن هذه الواقعة قد يترتب‬
‫‪5‬‬
‫عليها في النهاية حق قانوني يكون وثيق الصلة بها‪.‬‬
‫‪ -‬إن جارو ‪ Garraud‬في سبيل رسم اإلطار المعقول لجريمة التزوير في المحررات الذي يحقق الحماية‬
‫الكافية للثقة الممنوحة لهذه المحررات لم يقتصر على إسباغ الحماية الجنائية على المحررات التي‬
‫يعترف لها القانون المدني بقوة اإلثبات كالعقود والسندات الرسمية والعرفية‪ ،‬وانما مد نطاقها إلى كل‬
‫محرر ي صلح ألن يتخذ أساسا لرفع دعوى أو المطالبة بحق و لو لم يعترف له القانون بقوة اإلثبات‪ ،‬مما‬

‫‪1‬‬
‫‪R. Garraud, op.cit.T 5. n°1368, p 115-116.‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪3‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪4‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪5‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪61‬‬
‫يعني االنتقال من مجهول إلى مجهول آخر‪ ،‬بحيث يثور التساؤل في هذه الحالة حول الضابط الذي يتم‬
‫على أساسه التمييز بين المحررات التي تصلح أساسا لرفع دعوى أو المطالبة بحق‪ ،‬و المحررات التي ال‬
‫تصلح لذلك‪ ،‬وعليه فإن الضابط الذي وضعه جارو ‪ Garraud‬لتحديد الضرر يحتاج بدوره إلى ضابط‬
‫‪1‬‬
‫آخر‪.‬‬
‫‪ -‬إن الضرر غير مرتبط بالضرورة بقيمة المحرر في اإلثبات‪ ،‬فقد يكون للمحرر قيمة كاملة في اإلثبات و‬
‫مع ذلك ال يبدو الضرر متوافرا‪ ،‬ومثال ذلك أن يبيع شخص أرضه بعقد صوري غير ناقل للملكية‪،‬‬
‫وفضال عن ذلك لم يسجله فبقيت له ملكية األرض خالصة‪ ،‬ولكنه عاد وقام بتزوير عقد يفيد شراءه ثانية‬
‫لتملك األرض جهال منه بقيمة العقد الصوري‪ ،‬فهذا العقد وان كان دليال كامال في اإلثبات ومع ذلك فال‬
‫يترتب على تزويره ضرر للمجني عليه فال قيام لجريمة التزوير‪ .‬أو أن يصطنع شخص سندا عرفيا بغية‬
‫الوصول إلى حق له ثابت قانونا وكان هذا الحق غير متنازع عليه بل ثابتا بشكل قاطع‪ ،‬فال قيام لجريمة‬
‫التزوير النعدام الضرر رغم قيمة المحرر في اإلثبات‪ ،‬كأن يصطنع شخص مخالصة من التزام مسلم‬
‫من الدائن بالتخلص منه‪ 2.‬أ و يصطنع شخص سندا مثبتا لدين على شخص وهمي يحمل توقيعا كاذبا‪،‬‬
‫وقدمه لشخص آخر موهما إياه بصحته‪ ،‬وتمكن بذلك من الحصول على مبلغ من المال من هذا‬
‫األخير‪.‬‬

‫لذلك هناك من الفقه من حاول الحد من قيد جارو ‪ ،Garraud‬من بينهم دونديه ‪ Donnedieu‬الذي‬
‫سايره فيما ذهب إليه من أن الضرر ال يتوافر إال إذا انصب تغيير الحقيقة على بيان من بيانات التي أعد‬
‫المحرر من أجل إثباتها‪ ،‬ولكنه أضاف قاعدة مقتضاها أن يكون للمحرر المزور فحوى قانوني بالنظر إلى‬
‫كل بيان على حدا‪ ،‬ويقصد بالفحوى القانوني هنا صالحية البيان الذي انصب عليه التزوير ألن ينتج أث ار‬
‫قانونيا‪ ،‬فالبيان ذو الفحوى القانوني هو بيان جوهري‪ ،‬أما البيانات األخرى فهي ثانوية غير جوهرية‪ ،‬وعليه ال‬
‫يتوافر الضرر إال عند المساس ببيان جوهري‪ ،‬وقد عرف البيان الجوهري بأنه كل بيان ذي حجة‪ ،‬أي يتعين‬
‫أن يتضمنه المحرر حتى يستوفي كيانه القانوني‪ ،‬ومثال انتفاء الفحوى القانوني قيام طبيب بإعطاء شهادة‬
‫طبية لشخص يقرر فيها على خالف الحقيقة أنه في صحة جيدة‪ ،‬وذلك لكي يتقدم إلى شركة تأمين من أجل‬
‫التعاقد معها‪ ،‬فهذه الشهادة مجردة من الفحوى القانوني و ال تصلح بالتالي موضوعا للتزوير‪ ،‬ألنها مجرد‬
‫مصدر معلومات للشركة‪ ،‬و ال تنشئ في ذمتها التزاما أو تولد حقا‪ ،‬وال تفرض عليها أن تتعاقد مع من قدمها‬
‫إليها‪ ،‬لهذا حكمت محكمة النقض الفرنسية انتفاء التزوير في هذه الحالة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-220‬‬
‫‪62‬‬
‫وعلى العكس من ذلك حالة مبالغة موظف عمومي في هيئة لإلقراض في قيمة األشياء المقدمة‬
‫كرهن أو ضمان‪ ،‬حتى يتوصل إلى منح الراهن قرضا يزيد مبلغه عن المبلغ الذي تسمح به أنظمة و لوائح‬
‫الهيئة‪ ،‬والذي يتناسب دائما مع قيمة األشياء الحقيقية المقدمة كضمان‪ ،‬فالبيان المتعلق بقيمة هذه األشياء له‬
‫فحوى قانوني كامل‪ ،‬ألنه بيان جوهري له حجية و يتعين أن يتضمنه المحرر سواء أكان هذا المحرر عبارة‬
‫‪1‬‬
‫عن عقد الرهن أم عقد القرض‪ ،‬و ذلك حتى يستوفي الشكل القانوني‪.‬‬
‫كما حاول جارسون ‪ Garçon‬كذلك الحد من قيد جارو ‪ Garraud‬بقوله أن التزوير بتقليد الخطوط‬
‫أو اإلمضاءات ينبغي العقاب عليه دائما‪ ،‬لما ينطوي عليه من الكشف عن خطورة خاصة لدى الجاني‪ ،‬غير‬
‫‪2‬‬
‫أن هذا التحديد يعاب عليه انعدام السند التشريعي‪ ،‬وهو نفس ما يعاب على قاعدة جارو ‪.Garraud‬‬
‫وعلى ذلك فإن تقدير ضابط الضرر الذي جاء به جارو ‪ Garraud‬يبدو أكثر وضوحا من خالل‬
‫معرفة موقف القضاء المقارن‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬موقف القضاء المقارن في تحديد ضابط الضرر‬
‫لقيت نظرية ‪ Garraud‬في تحديد ضابط الضرر في جريمة تزوير المحررات قبوال في القضاء‬
‫الفرنسي‪ ،‬فقد كان لها في ظل قانون العقوبات الفرنسي القديم تأثير كبير على أحكام القضاء الذي استند إليها‬
‫في الكثير من الحاالت منها‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ال يشكل تزوي ار تغيير الحقيقة في تقرير إداري‪.‬‬
‫‪ -‬انعدام التزوير في سن د عرفي ال يحمل توقيعا‪ ،‬ألن المحرر العرفي الخالي من التوقيع الصحيح ال يثبت‬
‫‪4‬‬
‫حقا وال ينفيه‪.‬‬
‫‪ -‬ال يشكل تزوي ار التصريح الكاذب في شهادة الميالد أن والد ووالدة المولود متزوجين‪ ،‬وكذا االنتحال‬
‫‪5‬‬
‫الكاذب لصفة أرمل من طرف الزوج في عقد الزواج‪.‬‬
‫‪ -‬كما ال عقاب على من يثبت في عقد رسمي أنه بالغ أو عاقل أو راشد أو متزوج أو أنه تاجر أو من‬
‫‪6‬‬
‫أرباب العمل أو أنه مقيم بجهة كذا حيث ال يكون لهذه البيانات أهمية في العقد‪.‬‬
‫‪ -‬كما قضت بانعدام التزوير في حالة التغيير بالزيادة في الكمية أو الثمن في فواتير خاصة بأشياء موردة‬
‫‪1‬‬
‫أو مصنوعة‪ ،‬ألن هذه المحررات األخيرة ليست حجة على الغير بل هي عرضة للفحص والتمحيص‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الفتاح خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.71-77‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪227‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, op.cit, n°11, p 2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim, 22 août 1907, Bull.crim n°378. Encyclopédie juridique, Ibid. n° 44, p 4.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Encyclopédie juridique, Ibid, n°12, p2.‬‬
‫‪6‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪ (.222‬نقض فرنسي في ‪ 2100/0/22‬دالوز ‪ .299-2-2100‬نقض فرنسي في ‪ 2122/9/7‬موسوعات دالوز‬
‫تزوير رقم ‪.)222‬‬
‫‪63‬‬
‫وفي هذا السياق تأثر القضاء المصري بنظرية ‪ Garraud‬تأث ار كبي ار في بادئ األمر‪ ،‬وتطرف في‬
‫الوجهة التي اتخذها إلى الحد الذي جاوز به اإلطار الذي وضعه‪ ،‬وكان هذا التطرف واضحا فيما يتعلق‬
‫بالمحررات الرسمية‪ ،‬حيث تطلب لقيام التزوير المعاقب عليه أن يكون موضوع التغيير بيانا من البيانات التي‬
‫أعد المحرر منذ البداية إلثب اتها فيه‪ ،‬فإن ورد التغيير على بيان غير ذلك انتفى التزوير‪ ،‬من ذلك ما قضي‬
‫به من أن إثبات سن الزوجين أو أحدهما في عقد الزواج على غير حقيقته إلخفاء المانع النظامي المستمد‬
‫من صغر السن ال يعتبر تزويرا‪ ،‬ألن هذا العقد أعد إلثبات الزواج فقط و لم يعد إلثبات السن‪ ،‬فالمحرر‬
‫المعد لذلك هو شهادة الميالد‪ .‬كما قضي أن إثبات نسب الولد إلى امرأة أخرى غير أمه الحقيقية في دفتر قيد‬
‫المواليد ال يعد تزويرا‪ ،‬إذ ليس من شأن الموظف المختص بالقيد أن يتحقق من صحة ما يقال على لسان‬
‫المبلغ‪ ،‬وكذلك قضي بأنه إذا ادعت امرأة في عقد الزواج أنها بكر حالة كونها غير متزوجة و في عصمة‬
‫زوجها‪ ،‬فإن هذا الفعل ال يعد تزوي ار في عقد الزواج إذ ليس من شأن عقد الزواج إلثبات حالة بكارتها‪ ،‬بل‬
‫‪2‬‬
‫من شأنه إثبات القبول المتبادل بين الزوجين‪.‬‬
‫ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد‪ ،‬فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بيانا‬
‫أعد المحرر إلثباته فيه‪ ،‬وصرح بأن التزوير المعاقب عليه هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد‬
‫عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة‪ ،‬وأضاف إلى ذلك أن القانون ال يشترط أن يكون المحرر قد أعد‬
‫وقت تحريره ألن يتخذ سندا أو حجة بالمعنى القانوني‪ ،‬وأن التزوير يقوم مهما يكن مدى حجية المحرر في‬
‫اإلثبات ‪ ،‬وعليه فقد قضت بقيام التزوير في حالة إثبات بلوغ أحد الزوجين على خالف الحقيقة السن التي‬
‫يحددها القانون أو تجاوزها‪ ،‬إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج‪،‬‬
‫واعتبرت تغيير الحقيقة في اسمي والدي الطفل أو أحدهما تزويرا‪ ،‬كما اعتبرت التزوير قائما بتغيير الحقيقة‬
‫في البيان الخاص بتاريخ وفاة المورث في اإلعالم الشرعي‪ ،‬وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو الزوجين من‬
‫‪3‬‬
‫الموانع الشرعية‪.‬‬
‫ويبدو أن محكمة النقض المصرية قد أضافت إلى ضابط ‪ Garraud‬ضابطا إضافيا لتحديد البيان‬
‫الذي يقوم التزوير بالتغيير فيه‪ ،‬ويتمثل هذا الضابط في فكرة البيانات الجوهرية‪ ،‬حيث قررت أنه ال يكفي‬
‫للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر‪ ،‬بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من‬
‫أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر إلثباتها‪ 4،‬وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهري بأنه‬
‫كل بيان يكون إثباته في المحرر الزما الستكمال شكله القانوني‪ ،‬أو هو كل بيان واجب اإلدراج في المحرر‬

‫‪1‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪( .221‬نقض فرنسي ‪ 22‬أبريل ‪ ،2122‬موسوعات دالوز تحت كلمة تزوير ن ‪.)229‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 221‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272‬‬
‫‪4‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي ‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪64‬‬
‫حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح‪ ،‬وال يحول دون اعتبار البيان الجوهري أن يثبت أنه ليس‬
‫ال غرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته‪،‬أو يثبت أن وروده في المحرر ال يعني حتما أنه بيان‬
‫صحيح‪ 1.‬أما غير ذلك من البيانات فهو غير جوهري‪ ،‬ألن القانون ال يوجب إيراده في المحرر‪ ،‬وتطبيقا لهذا‬
‫المعيار قضي بأن سن الزوجين في عقد الزواج‪ ،‬تاريخ وفاة المورث‪ ،‬تاريخ المحرر الرسمي وخلو الزوجة من‬
‫الموانع الشرعية في عقد الزواج كلها بيانات جوهرية‪ ،‬يترتب على تحريفها قيام جريمة التزوير متى توافرت‬
‫باقي أركانه‪ ،‬لكن ال يعد بيانا جوهريا إثبات حالة المطلقة في إشهاد الطالق من حيث الدخول بها أو عدمه‪،‬‬
‫وال يعد بيانا جوهريا سن الشاهدة التي تؤدي الشهادة في محضر التحقيق أو أمام القاضي‪ ،‬أو القول أن‬
‫الزوجة بكر بدال من إثبات حقيقة أنها مطلقا طالقا يحل به العقد الجديد‪ ،‬و بذلك ال يشترط العتبار البيان‬
‫جوهريا أن يكون الغرض من إنشاء المحرر تدوينه على نحو يتوافر به دليل إثبات لهذا البيان‪ ،‬كما أن البيان‬
‫يعد جوهريا أيا كانت أهميته أو عالقته بالغرض من إنشاء المحرر‪ ،‬طالما ثبت أن عدم وجود هذا البيان يفقد‬
‫‪2‬‬
‫المحرر الشكل الذي تحدده القوانين‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمحررات العرفية فإن محكمة النقض المصرية ترى عدم اشتراط التقيد بضابط محدد في‬
‫تقدير الضرر‪ ،‬وانما تترك األمر لقاضي الموضوع لكي يقرر في كل حالة ما إذا كان الضرر متواف ار أم ال‪،‬‬
‫فقد قررت أن تقدير الضرر في جريمة التزوير في محرر عرفي متروك لمحكمة الموضوع وحدها وحسبما‬
‫تراه من ظروف كل دعوى‪ ،‬كما نفت ضمنا كل تقيد في شأن المحررات العرفية بضابط الضرر الذي وضعه‬
‫‪ ،Garraud‬ح يث قررت أن القانون ال يشترط للعقاب على التزوير أن تكون الورقة التي يحصل التغيير فيها‬
‫سندا مثبتا لحق أو لصفة أو لحالة قانونية‪ ،‬بل كل ما يشترطه لقيام هذه الجريمة هو أن يحصل تغيير‬
‫الحقيقة بقصد الغش في محرر من المحررات التي ينص عليها القانون‪ ،‬وأن يكون هذا التغيير من شأنه أن‬
‫يسبب ضر ار للغير‪ ،‬فكل محرر تغير الحقيقة فيه يصح أن يكون موضوعا لجريمة التزوير متى كان التغيير‬
‫الذي حصل ينشأ عنه ضرر أو احتمال حصول ضرر للغير‪.‬‬
‫وقد رأى البعض في تأصيل القضاء المصري ارتباطه بنظرية ‪ Garraud‬في تحديد ضابط الضرر‬
‫بقوة المحرر في اإلثبات‪ ،‬فقد أخذ القضاء المصري منذ البداية بشق من نظريته دون الشق اآلخر‪ ،‬كونه ال‬
‫يقصر نطاق التزوير على المحرر الذي يعد دليال أصليا‪ ،‬وانما يكفي ألن يتخذ دليال في ظروف معينة ولو‬
‫كان ذلك على وجه عارض‪ ،‬وعليه فإن محكمة النقض حينما قررت أنه ال يشترط أن يكون المحرر قد أعد‬
‫وقت تحريره ألن يتخذ حجة أو سندا بالمعنى القانوني‪ ،‬بل يكفي أن يولد عنه من يقدم له عقيدة مخالفة‬

‫‪1‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.270-272‬‬
‫‪65‬‬
‫للحقيقة‪ ،‬فإن ذلك لم يكن تحلال من نظرية ‪ ،Garraud‬وانما جنوح إلى الفهم الصحيح لها‪ ،‬فأخذت بنظرية‬
‫‪ Garraud‬في مجملها‪.‬‬
‫كما أن أخذها بنظرية البيانات الجوهرية لم يكن عدوال عن نظريته‪ ،‬وانما كان ذلك لتسهيل تطبيق‬
‫الضابط األصلي‪ ،‬المحكمة تريد بذلك القول أن البيان الجوهري هو البيان الذي يعد المحرر الرسمي دليال‬
‫عليه‪ ،‬باعتبار أن القانون يتطلب وروده فيه‪ ،‬ويترتب على هذا نتيجة هامة وهي أن الجانب األكبر من‬
‫البيانات الواردة في محرر رسمي هي بيانات جوهرية‪ ،‬فالقانون هو الذي يحدد البيانات التي يجب أن‬
‫‪1‬‬
‫يتضمنها حتى يستوفي شكله القانوني‪ ،‬مهما كانت أهميته أو عالقته بالغرض من تدوين المحرر ضئيلة‪.‬‬
‫أما فيما يخص المحررات العرفية‪ ،‬فإذا كانت محكمة النقض المصرية قد خلصت إلى االعتراف‬
‫لقاضي الموضوع بسلطة تقدير الضرر‪ ،‬فليس معنى ذلك رفض لنظرية ‪ ،Garraud‬فأغلب المحررات‬
‫العرفية يعترف لها القانون بقوة معينة في إثبات ما ورد بها من بيانات مثل العقود و سندات المديونية والدفاتر‬
‫التجارية‪ ،‬ومن الغالب أن يقترن تغيير الحقيقة فيها بحدوث الضرر أو احتمال حدوثه‪ ،‬أما المحررات العرفية‬
‫التي ال يعترف لها القانون في األصل بقيمة إثباتيه فإنها قد تصلح وفقا لظروف معينة دليال عرضيا يضفي‬
‫عليه القانون قوة إثبات محددة‪ ،‬على النحو الذي أشار إليه ‪ Garraud‬من أجل ذلك اعتبرت محكمة النقض‬
‫المصرية تقدير توافر الضرر من عدمه في هذه الحالة مسألة موضوعية تترك لسلطة القاضي الجنائي‪ ،‬و‬
‫مما ال شك فيه أن قاضي الموضوع سوف يستهدي بمعيار معين لتحديد الضرر ال شك أنه قيمة المحرر في‬
‫‪2‬‬
‫اإلثبات‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‬


‫يحدث أحيانا أن يكون المحرر الذي تعرض لتغيير الحقيقة باطال من أساسه أو قابال للبطالن‬
‫بإجراءات الحقة لتحريره‪ ،‬ففي هذه الحالة يثور تساؤل حول ما إذا كان ذلك من شأنه التأثير على قيام‬
‫الجريمة أم ال؟‬
‫فإذا كانت هذه المسألة مرتبطة بصالحية المحرر لالحتجاج به أو التمسك به من صاحب المصلحة‬
‫في مواجهة الغير‪ ،‬فإن الفقه الجنائي لم يكتفي بهذا وربطها بمدى تأثيرها على توافر العناصر الجرمية‬
‫لجريمة التزوير في هذه الحالة و السيما نشوء الضرر بالرغم مما يشوبه من بطالن‪ 3.‬وقد اختلفت اآلراء‬
‫واالجتهادات حول هذه المسألة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222-220‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪66‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬موقف الفقه في تقدير الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‬
‫اتجه الفقه والقضاء في فرن سا قديما إلى اعتماد مبدأ يقضي بأن تغيير الحقيقة في محرر باطل ال‬
‫تتحقق به جريمة التزوير‪ ،‬ألن هذا المحرر ال قيمة قانونية له مادام أنه معيب شكال وأساسا فال يلحق أي‬
‫ضرر بالغير‪ .‬غير انه لم يتم اعتماد هذا المبدأ من طرف محكمة النقض الفرنسية في جميع الحاالت حيث‬
‫قضت بأن عيب عدم إكمال اإلجراءات الالحقة لتحرير المحرر ال يؤثر على مضمون المحرر وانما على‬
‫اآلثار القانونية له فقط وبالتالي فال يؤدي هذا إلى إفالت المزور من المتابعة الجزائية كما هو الحال في حالة‬
‫عدم تبليغ الحكم‪1.‬غير أن هذا لم يمنع الفقه من إبداء آراء متباينة حول هذه المسألة و من بينها‪:‬‬
‫‪ -‬موقف فوستان و شوفو ‪ : Faustin-Chauveau‬حيث انتقد كل منهما ما ذهب إليه الفقه و القضاء‬
‫قديما عل أساس أنه يخالف األسس التي يقوم عليها التزوير والتي تشترط أن يكون تغيير الحقيقة من‬
‫شأنه إحداث ضرر أو على األقل احتمال وقوعه‪ ،‬ذلك أن المحرر الذي يشوبه عيب الشكل ال يعني‬
‫ذلك أنه ال يمكن استخدامه أو االستفادة به وذلك على األقل إلى أن يكشف عيبه وفي بعض األحيان‬
‫حتى بعد ذلك‪ ،‬فجريمة التزوير جريمة مستقلة عن جريمة استعمال المزور‪ .‬وعليه يمكن أن تتوافر أركان‬
‫التزوير حتى قبل أن يستعمل هذا المحرر‪ .‬ومن جهة أخرى فإنه لم يعطي أية أهمية للحاالت المختلفة‬
‫للبطالن أي اختالف األسباب المؤدية للبطالن ولذلك يميزان بين حالتين‪ .‬ففي الحالة األولى إذا كانت‬
‫العقود باطلة في األصل ال يمكن أن ينشأ عنها ضرر‪ ،‬وبالتالي تنتفي أحد العناصر الضرورية لقيام‬
‫جريمة التزوير‪ ،‬كما في حالة اصطناع محرر رسمي مع إغفال وضع توقيع الموظف المزعوم فهنا‬
‫المزور قد اصطنع محرر غير مجدي و ال يتمتع بأية قوة و عليه ال يمكن أن يكون هذا المحرر محل‬
‫لجريمة التزوير‪ .‬أما في الحالة الثانية‪ :‬إذا كان المحرر صحيحا وقت تحريره‪ ،‬ثم ط أر عليه بطالن بسبب‬
‫إغفال أحد اإلجراءات التي أوجب القانون إتباعها‪ ،‬ففي هذه الحالة أيضا ال بد من التمييز بين ما إذا‬
‫كان سبب عدم إتمام هذه اإلجراءات راجع إلى إرادة المزور‪ ،‬أو ألسباب خارجة عن إرادته‪ ،‬ففي الحالة‬
‫األولى يفترض أنه قد عدل عن قصده فال عقاب عليه‪ ،‬وقد طبقت محكمة النقض الفرنسية هذا في حكم‬
‫لها‪ ،‬حيث قررت أن اصطناع عقد هبة وهمي دون وضع توقيع مزور عليها ال يشكل جناية و ال جنحة‪.‬‬
‫أما في الحالة الثانية أين تكون أسباب البطالن راجعة لظروف خارجة عن إرادة المزور‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫‪2‬‬
‫يعاقب على الشروع في التزوير‪ ،‬كما لو لم يوقع الشاهد أو لم يتوافر فيه الصفة المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -‬موقف بالنش ‪ :Blanche‬يرى أن بطالن المحرر ال يحول دون قيام جريمة التزوير‪ ،‬سواء كان‬
‫البطالن ناشئا عن إغفال اإلجراءات الالزمة لتحرير المحرر‪ ،‬أي أثناء تحريره‪ ،‬أو إغفال اإلجراءات‬
‫‪1‬‬
‫‪A.Chauveau et H.Faustin, op. cit. t 2. n°677 p 373. R. Garraud, op. cit. t 5. p 192.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A.Chauveau et H.Faustin, Ibid. n°678, p 376-377.‬‬
‫‪67‬‬
‫الالحقة لتحريره‪ ،‬وفي هذه الحالة األخيرة يرفض التمييز بين ما إذا كان عدم إكمال اإلجراءات الالحقة‬
‫راجع إ لى إرادة المزور‪ ،‬أو ألسباب خارجة عن إرادته‪ ،‬ذلك أنه للحكم فيما إذا كان هناك تزوير أم ال‬
‫فيجب الرجوع إلى الوقت الذي حرر فيه المحرر‪ ،‬وعليه فاإلجراءات الالحقة أو األحداث الالحقة ال‬
‫يمكن أن تنفي قيام التزوير الذي تم‪ ،‬أو تنشئ تزوي ار غير موجود‪ ،‬كما أن جهل أو عدم فطنة المزور‬
‫‪1‬‬
‫الستكمال اإلجراءات الالزمة إلعطاء المحرر شكله القانوني ال يمنع قيام جريمة التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬موقف جارسون ‪ : Garçon‬يرى أن التزوير الذي يقع في عقد باطل يعد جريمة مستحيلة‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالة ال يعاقب على التزوير مادام المحرر باطال فمن المستحيل حدوث ضرر‪ ،‬غير أن هذه النظرية‬
‫أوشكت أن تتالشى و يهجرها الفقه والقضاء‪ ،‬ولذلك فإن كان بطالن المحرر ال يمنع احتمال وقوع‬
‫ضرر وتحقق جريمة التزوير‪ ،‬أما إذا كان البطالن ال يمكن أن يترتب عليه ضرر فال يمكن في هذه‬
‫الحالة أن يكون هذا الظرف الخارج عن إرادة الفاعل أن يكفل له الخالص من العقاب و بالتالي يمكن‬
‫معاقبته على الشروع في التزوير‪ ،‬إال إذا كانت أركان الشروع غير متوافرة‪ ،‬كما لو كان المحرر ترك‬
‫‪2‬‬
‫باطال بإرادة الفاعل‪.‬‬
‫‪ -‬موقف جارو ‪ :Garraud‬فيرى أن مسألة الضرر في المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن تثار خاصة‬
‫في المحررات الرسمية‪ ،‬و في بعض الحاالت في المحررات العرفية‪ .‬فبالنسبة للمحررات الرسمية فإنها‬
‫تخضع لشكليات قانونية بدونها ال يكون لها قوة قانونية‪ ،‬فبدونها يكون المحرر باطال‪ ،‬منها عدم‬
‫اختصاص الموظف المحرر لها على أساس نوع المحرر أو مكان التحرير أو صفة الموظف بالنسبة‬
‫لطالبي التحرير‪ ،‬كذلك عدم أهلية الموظف المحرر له‪ ،‬كأن يكون موقوفا عن العمل أثناء التحرير أم تم‬
‫عزله‪ .‬و قد يكون البطالن ناتجا عن عيب في الشكل وذلك في حالة إهمال اإلجراءات الالزمة فيما‬
‫يتعلق بتحرير المحررات‪.‬‬
‫في جميع هذه الحاالت يكون المحرر باطال في الوقت الذي تم تحريره‪ ،‬غير أنه في غالب األحيان‬
‫قد ال يظهر هذا البطالن في أعين من يتمسك به ضدهم بحيث يبدو صحيحا‪ ،‬و بالتالي يمكن أن ينشأ عن‬
‫تزويره احتمال حدوث ضرر‪ ،‬وهكذا يمكن ان يكون أساسا لقيام جريمة التزوير‪ ،‬فمسألة البحث في ما إذا كان‬
‫المحرر الباطل شكال يمكن أن يكون أساسا لقيام التزوير أم ال هي مسألة تتعلق بموضوع الدعوى أكثر من‬
‫كونها مسألة قانونية‪ ،‬فالمهم و الكافي ألن يكون تغيير الحقيقة في محرر تزوي ار معاقبا عليه أن يكون من‬
‫شأنه إحداث ضرر للغير أو المجتمع‪ ،‬وعليه تبعا لظروف القضية ومدى إمكانية عدم اكتشاف البطالن يتم‬
‫الفصل فيما إذا كان التزوير معاقبا عليه أم ال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪A. Blanche, op. cit. n°145, p 266.‬‬
‫‪2‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪68‬‬
‫و بالتالي في غالب األحيان يكون التزوير معاقبا عليه إذا تم في محرر رسمي و لو كان باطال‪،‬‬
‫ألنه ناد ار ما يتفطن اإلنسان لهذا البطالن‪ ،‬وبالتالي يكون الضرر في كثير من األحوال محتمل الوقوع‪،‬‬
‫ويكون األمر خالف ذلك إذا كان المحرر ظاهر البطالن بحيث يتعذر أن ينخدع فيه أقل الناس خبرة‪ ،‬كأن‬
‫يقوم قاضي جزائي بتحرير عقد زواج‪ ،‬أو موظف قضائي يقوم بتحرير أمر إداري‪.‬‬
‫كما يجب العقاب على التزوير في كل األحوال التي يكون فيها المحرر الرسمي صحيحا في بادئ‬
‫األمر‪ ،‬ثم يتعرض للبطالن بسبب إهمال بعض اإلجراءات الالحقة لتحريره‪ ،‬ذلك أن البحث في احتمال وقوع‬
‫ضرر يجب أن يرجع فيه للوقت الذي حرر فيه المحرر الرسمي‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمحررات العرفية فهي بصفة عامة غير خاضعة ألية إجراءات شكلية‪ ،‬فهي تستمد قوتها‬
‫من توقيع الشخص الذي يحتج بها عليه‪ ،‬و بالتالي فإن البحث في مسألة الضرر في حالة بطالنها يتحقق‬
‫في حالة واحدة و ه ي عدم أهلية من نسب إليه التوقيع‪ ،‬فيكون المحرر قابال للبطالن‪ ،‬فإذا زور هذا التوقيع‬
‫فإن جريمة التزوير تعد قائمة بأركانها ال شك أنها متوافرة‪ ،‬فالضرر محتمل الوقوع لجواز أن ال يتمسك من‬
‫‪1‬‬
‫زور عليه المحرر بعدم أهليته‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف القضاء في تقدير الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‬
‫بالرجوع إلى القضاء الفرنسي فقد أخذ بالرأي األخير‪ -‬رأي جارو ‪ -‬حيث قضت محكمة النقض‬
‫‪2‬‬
‫الفرنسية بأن األصل في التزوير أن يعاقب عليه و ولو كان حاصال في محرر باطل شكال‪.‬‬
‫كما قضت أن جريمة التزوير يمكن أن تتحقق في محرر رسمي حتى و إن كان غير كامل أو قابل‬
‫للبطالن لعدم احتوائه على توقيع األطراف أو الشهود‪ ،‬فصفة الرسمية للمحرر تتعلق أو ترتبط بوجود‬
‫‪3‬‬
‫الموظف العام المختص‪.‬‬
‫كما قضت في قرار آخر لها أن حاالت البطالن الموضوعية أو اإلجرائية في محرر مزور ال تلغي‬
‫‪4‬‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫أما موقف قضاء المحكمة العليا في هذا الصدد يمكن أن يلتمس بموجب قرارها رقم ‪229922‬‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 2222/22/29‬فقضت بما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1400, p 190.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.crim 18 mai 1960, Bull.crim n°272 : « il est de principe, en matière criminelle qu’un faux reste punissable‬‬
‫‪alors même que l’acte argué de faux serait nul en la forme », encyclopédie juridique, op.cit, n°77, p6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass.crim 6 nov 1930, 4 août 1951, Bull.crim n°244. Code pénal, édition 2008, Dalloz : « le crime de faux peut‬‬
‫‪exister dans un acte public même incomplet ou susceptible d’annulation pour défaut de signature de parties et des‬‬
‫‪témoins, le caractère authentique de l’acte attachant à la présence de l’officier publique instrumentaire ».‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim 13 juillet 1899. Code pénal, édition 2008, Dalloz : « les nullités intrinsèques ou extrinsèques à un acte‬‬
‫‪faux n’en détruisent pas la criminalité ».‬‬
‫‪69‬‬
‫« ال يمكن أن يستخلص من مجرد عدم مطابقة الوثيقة المجرمة لألشكال القانونية‪ ،‬أو أنه غير جائز‬
‫إصدارها لخروج موضوعها عن النشاط المعتاد للمعني مادام لم يثبت تحريف حقيقة موضوع الوثيقة المعنية‬
‫وكذبها‪ ،‬حيث أن القرار المطعون فيه باإلدانة من أجل التزوير تأسيسا فقط على عدم مطابقة السجل التجاري‬
‫‪1‬‬
‫لنشاط المعني مع تجارة الجرافة يكون قاص ار في أسبابه ومخالفا للقانون و يستوجب نقضه »‪.‬‬
‫فيستخلص من هذا القرار وبمفهوم المخالفة أنه يمكن أن تقع جريمة التزوير في محرر غير مشتمل‬
‫على األشكال القانونية المطلوبة‪ ،‬فاألصل وفقا لهذا القرار أن عدم اشتمال المحرر على األشكال القانونية‬
‫المطلوبة أو كان غير مطابق للقانون من الناحية الموضوعية ال يشكل تزوي ار إال إذا تم تحريف الحقيقة فيه‪.‬‬
‫و في قرار آخر لها مرسم تحت رقم ‪ 022222‬صادر بتاريخ ‪ 2221/22/22‬قضت المحكمة العليا‬
‫بأنه يعد ق ار ار قضائيا مشوبا بالتناقض ومنعدم األساس القانوني مستوجبا النقض‪ ،‬قرار غرفة االتهام المعتبر‬
‫‪2‬‬
‫محررات منجزة من طرف موثقة غير مشهورة وثائق عرفية‪.‬‬
‫فمن خالل هذا القرار يمكن استخالص النتيجة التالية‪ :‬أن جريمة التزوير تتحقق في محرر رسمي‬
‫حتى وان كان غير كامل بإغفال اإلجراءات الالحقة لتحريره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2222 /22/29‬رقم ‪ ،229922‬المحكمة العليا‪ ،‬غرفة الجنح و المخالفات‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني السنة‬
‫‪ ،2222‬ص ‪.077‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار الصادر بتاريخ ‪ 2221/22/22‬رقم ‪ ،022222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني لسنة ‪. 2221‬‬
‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬صور جريمة التزوير في المحررات‬
‫لم يجعل المشرع التزوير في المحررات جريمة واحدة فقد ميز بين أنواعه وجعل من كل نوع جريمة‬
‫مميزة فقسمها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬في القسم األول منه تناول تزوير المحررات العمومية أو الرسمية في المواد الممتدة من ‪ 222‬إلى ‪.221‬‬
‫‪ -‬وفي القسم الثاني منه تناول التزوير في المحررات العرفية والتجارية والمصرفية في المواد ‪222-229‬‬
‫و‪.222‬‬
‫‪ -‬أما القسم الثالث فتناول فيه التزوير في بعض الوثائق اإلدارية والشهادات في المواد الممتدة من ‪222‬‬
‫إلى‪.229‬‬

‫تشترك هذه األنواع المختلفة لجرائم التزوير في األركان العامة السابق دراستها‪ ،‬بحيث يشترط أن‬
‫يكون هناك تغيير للحقيقة في محرر مكتملة عناصره‪ ،‬وأن يتم ذلك بنية الغش‪ ،‬ويكون من شأنه إحداث‬
‫ضرر أو على األقل احتمال حدوثه‪ .‬غير أنه يلزم لقيام كل جريمة أن تتوافر إلى جانب هذه األركان العامة‬
‫شروط خاصة بكل صورة كما هي محددة في نصوص التجريم‪ .‬وقد اعتمد المشرع في التمييز بين صور‬
‫التزوير في المحررات على معيارين‪ ،‬المعيار األول يتعلق بصفة المحرر محل التزوير حيث ميز بين‬
‫التزوير في المحررات الرسمية والمحررات األخرى المتمثلة في المحررات التجارية والمصرفية والمحررات‬
‫العرفية وبعض الوثائق اإلدارية والشهادات‪ .‬أما المعيار الثاني فيمكن اعتباره نتيجة لتطبيق المعيار األول‬
‫وي تعلق بالجزاء المقرر لكل صورة من صور التزوير‪ ،‬حيث قرر المشرع في حالة تزوير المحررات الرسمية‬
‫عقوبات جنائية كونها تحتمل وصف الجناية‪ ،‬أما بالنسبة إلى التزوير في المحررات األخرى فقد اعتبرها جنح‬
‫تستوجب عقوبات جنحية‪ .‬والعلة من هذا التمييز واضحة وهي ترجع إلى أهمية المصلحة المراد حمايتها وهي‬
‫الثقة العامة في المحررات التي تفوق أهميتها في المحررات الرسمية عن المحررات األخرى‪ ،‬إذ يعتبر الناس‬
‫أن المحرر الرسمي هو عنوانا للحقيقة وبالتالي فإن اإلخالل بهذه الثقة في المحررات الرسمية المزورة يكون‬
‫أكثر جسامة ومن شأنه أن يسبب ضر ار يجاوز في جسامته الضرر الذي يترتب عن التزوير في المحررات‬
‫األخرى‪ ،‬وهو ما يجعل عقاب النوع األول أشد من عقاب النوع الثاني‪ .‬وعليه سأتناول دراسة صور التزوير‬
‫في المحررات وفق هذا التقسيم وذلك من خالل المبحثين التاليين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬جنايات التزوير في المحررات ( التزوير في المحررات الرسمية)‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جنح التزوير في المحررات (التزوير في المحررات األخرى)‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫المبحث األول‪ :‬جنايات التزوير في المحررات (التزوير في المحررات الرسمية)‬
‫ينص قانون العقوبات على هذا الصنف من الجرائم في المواد التالية‪:‬‬
‫المادة ‪ «: 412‬يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية ارتكب تزوي ار في‬
‫المحررات العمومية أو الرسمية أثناء تأدية وظيفته‪:‬‬
‫‪ -‬إما بوضع توقيعات مزورة‪،‬‬
‫‪ -‬واما بإحداث تغيير في المحررات أو الخطوط أو التوقيعات‪،‬‬
‫‪ -‬واما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬واما بالكتابة في السجالت أو غيرها من المحررات العمومية أو بالتغيير فيها بعد إتمامها أو قفلها»‪.‬‬

‫المادة ‪ «: 412‬يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية قام أثناء تحريره محررات‬
‫من أعمال وظيفته بتزييف جوهرها أو ظروفها بطريق الغش و ذلك إما بكتابة اتفاقات خالف التي دونت أو‬
‫أمليت من األطراف‪ ،‬أو بتقريره وقائع يعلم أنها كاذبة في صورة وقائع صحيحة‪ ،‬أو بالشهادة كذبا بأن وقائع‬
‫قد اعترف بها أو وقعت في حضوره‪ ،‬أو بإسقاطه أو بتغييره عمدا اإلق اررات التي تلقاها»‪.‬‬
‫المادة ‪ « : 412‬يعاقب بالسجن المؤقت من عشر (‪ )22‬إلى عشرين (‪ )22‬سنة و بغرامة من ‪2.222.222‬‬
‫دج إلى ‪ 2.222.222‬دج كل شخص عدا من عينتهم المادة ‪ 220‬ارتكب تزوي ار في محررات رسمية أو‬
‫عمومية‪:‬‬
‫‪ -‬إما بتقليد أو بتزييف الكتابة أو التوقيع‪.‬‬
‫‪ -‬واما باصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬واما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو‬
‫إلثباتها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬واما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها»‪.‬‬

‫والمالحظ أن المشرع قد ميز في تزوير المحررات الرسمية بين التزوير الذي يقع من الموظف العام‬
‫المختص وبين التزوير الذي يقع من غير الموظف المختص‪ ،‬فجعل العقوبة في الحالة األولى أشد منها في‬

‫‪1‬‬
‫عدلت بالقانون رقم ‪ 22-12‬المؤرخ في ‪ 22‬فبراير ‪ 2912‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 202 -22‬المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬المتضمن قانون العقوبات ‪.‬‬
‫الجريدة الرسمية العدد ‪ 7‬السنة التاسعة عشر‪،‬األحد ‪ 22‬فبراير ‪ .2912‬ص ‪ .222‬حررت في ظل األمر رقم ‪ 202-22‬كما يلي‪ « :‬يعاقب بالسجن‬
‫المؤبد كل قاض أوموظف عمومي أو قائم بوظيفة عمومية ارتكب تزويرا أثناء تأدية وظيفته‪ :‬إما بوضع توقيعات مزورة‪ ،‬و إما بإحداث تغيير في‬
‫المحررات أو الخطوط أو التوقيعات‪ ،‬و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪ ،‬و إما بالكتابة في السجالت أو غيرها من المحررات العمومية أو‬
‫بالتحشير فيها بعد إتمامها أو قفلها»‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عدلت بالقانون رقم ‪ 22-22‬المؤرخ في ‪ 22‬ديسمبر يعدل و يتمم قانون العقوبات‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 12‬السنة السنة الثالثة و األربعون‪ ،‬األحد‬
‫‪ 22‬ديسمبر ‪ ،2222‬ص ‪ .22‬حررت في ظل األمر رقم ‪ 202 -22‬المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬كمايلي‪ :‬يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين‬
‫سنة كل شخص عدا من عينتهم المادة ‪ 220‬ارتكب تزويرا في محررات رسمية أو عمومية ( ‪ ...‬الباقي بدون تغيير ‪.)...‬‬
‫‪72‬‬
‫الحالة الثانية باعتبار أن التزوير الذي يقع من الموظف العام هو إخالل جسيم بالواجبات الوظيفية وخيانة‬
‫لألمانة تؤدي إلى انهيار الثقة بالكيان العام‪ ،‬باإلضافة إلى أن عبث الموظف المختص بالورقة الرسمية يسير‬
‫عليه ألنها في يده وتحريرها من شأنه‪ ،‬فال بد أن تقابل سهولة الجريمة بشدة العقاب‪ .‬ولهذا سأتناول كل‬
‫صورة من صور التزوير في المحررات الرسمية في مطلبين‪ ،‬المطلب األول أخصصه لتزوير المحررات‬
‫الرسمية أو العمومية من طرف شخص ذي صفة حسب ما نصت عليه المادتين ‪ 222‬و ‪ 220‬ق ع‪ ،‬أما‬
‫المطلب الثاني فأتناول من خالله تزوير المحررات الرسمية أو العمومية من طرف شخص عادي حسب ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 222‬ق ع‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية من طرف شخص ذي صفة‬


‫بالرجوع إلى المادتين ‪ 222‬و ‪ 220‬ق ع فإن قيام هذه الجريمة يتطلب باإلضافة إلى األركان العامة‪،‬‬
‫توفر شروط مسبقة خاصة تتضح من خالل النص التجريمي تتعلق بصفة المحرر محل التزوير وصفة‬
‫الجاني وتوقيت ارتكاب التزوير (الفرع األول‪ :‬الشروط المسبقة )‪ .‬كما أورد المشرع طرق التزوير التي يجب‬
‫أن تقوم بها هذه الجريمة فميز بين نوعين منها وهي طرق التزوير المادي التي نص عليها في المادة ‪222‬‬
‫ق ع وطرق التزوير المعنوي التي نص عليها في المادة ‪ 220‬ق ع( الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير )‪ .‬وعليه‬
‫فبتوافر هذه األركان والشروط تقوم جريمة التزوير كاملة مما يستوجب فرض العقوبات المقررة قانونا( الفرع‬
‫الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الشروط المسبقة‬


‫تتطلب هذه الجريمة لقيامها تحقق ثالثة شروط مسبقة‪:‬‬
‫‪ -‬وقوع التزوير في محرر رسمي‪.‬‬
‫‪ -‬وقوع التزوير من قبل قاضي أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية ‪.‬‬
‫‪ -‬وقوع التزوير أثناء تأدية الوظيفة ‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المحرر الرسمي أو العمومي‬
‫يعد المحرر الرسمي أو العمومي شرط مسبق والزم لقيام جريمة التزوير المنصوص عليها في المواد‬
‫‪ 222‬و‪ 220‬من قانون العقوبات فهو موضوع الجريمة ومحل الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على‬
‫التزوير‪ .‬فقد أكدت المحكمة العليا في عديد ق ارراتها أهمية هذا الشرط وبالتالي وجوب توافره واثباته من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قرار صادر بتاريخ ‪ 2‬يناير‪ 2910‬في الطعن رقم ‪ ،29-222‬جاء في حيثياته‪ «:‬تستلزم جناية التزوير‬
‫في المحررات الرسمية أو العمومية من قبل موظف أو من في حكمه توافر الشروط التالية‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون الفاعل قاضيا أو موظفا أو قائما بوظيفة عمومية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تغيير الحقيقة في محرر رسمي أو عمومي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ثالثا‪ :‬القصد الجنائي‪».‬‬
‫‪ -‬القرار الصادر بتاريخ ‪ 2‬أفريل ‪ 2912‬في الطعن رقم ‪ ،22-212‬جاء فيه ما يلي‪ «:‬تشترط المادة ‪222‬‬
‫‪2‬‬
‫من ق ع لتطبيقها وقوع التزوير في محرر رسمي أو عمومي بإحدى الطرق التالية‪.»...:‬‬

‫و بالتالي تعتبر صفة المحرر الرسمي عنص ار أساسيا في تكوين الجريمة بحيث يتعين أن يتضمن‬
‫قرار اإلحالة وكذا حكم اإلدانة تأكيد هذه الصفة فهي مسألة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا وهو ما‬
‫قضت به في قرار لها صادر بتاريخ ‪ 2227/22/27‬جاء فيه‪:‬‬
‫«‪...‬حيث أن ما ينعاه الطاعن وجيه إذ يتبين فعال من صياغة السؤال‪...‬أنه ناقص بحيث لم يضمنه الرئيس‬
‫كافة عناصر الواقعة‪ ،‬فأغفل توضيح طبيعة المحرر الرسمي المزور‪ ،‬مكتفيا بالصيغة القانونية رغم أن األمر‬
‫يتعلق بعنصر أساسي في تكوين الجريمة‪ ،‬علما و انه ال يمكن اعتبار كل مستند مكتوب محرر رسمي‪...‬‬
‫‪3‬‬
‫حيث و الحالة هذه فإنه يتعين إبطال األسئلة المنتقدة و بالنتيجة نقض الحكم المترتب عنها‪».‬‬
‫ويالحظ في هذا الصدد أن المشرع لم يعرف المحرر الرسمي أو العمومي في قانون العقوبات وترك‬
‫هذا األمر للفقه الذي حسبه أنهما مصطلحان يستعمالن للتفريق بين نوعين من الوثائق حسب مصدر كل‬
‫منهما‪ ،‬فإذا كان مصدر المحرر هو شخص مكلف بخدمة عامة أو ضابط عمومي أمكن وصف المحرر بأنه‬
‫محرر رسمي‪ ،‬و إذا كان مصدره الدولة أو أحد مؤسساتها جاز وصف المحرر بأنه عمومي‪.‬‬
‫غير أن المادة ‪ 222‬من القانون المدني المعدلة بالقانون رقم ‪ 22-11‬عرفت المحرر الرسمي بأنه‪:‬‬
‫« العقد الذي يثبت فيه موظف عمومي أو ضابط أو شخص مكلف بخدمة عامة‪ ،‬ما تم لديه أو ما تلقاه من‬
‫ذوي الشأن و ذلك طبقا لألشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه»‪ .‬ومن هنا يمكن القول أن هذه‬
‫المادة قد احتوت تعريفا شامال يضم المحرر الرسمي الصادر عن أي ضابط عمومي أو شخص مكلف‬
‫بخدمة عامة‪ ،‬مثل المحرر الصادر عن الموثق أو عن المحضر القضائي أو عن المترجم‪ ،‬وشامال للمحرر‬
‫‪4‬‬
‫العمومي الصادر عن السلطة التنفيذية أو القضائية أو اإلدارية المحلية أو اإلقليمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2‬يناير‪ 2910‬في الطعن رقم ‪ ،29-222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ -‬العدد الثاني‬
‫لسنة ‪ ،2919‬ص‪.227‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2‬أفريل ‪ 2912‬في الطعن رقم ‪ ،22-222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ -‬العدد األول‬
‫لسنة ‪ ،2919‬ص ‪.277‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر‪ 2227‬رقم ‪ ،221210‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ -‬العدد الثاني لسنة ‪،2227‬‬
‫ص‪.027‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد العزيز سعد ‪،‬جرائم التزوير و خيانة األمانة و استعمال المزور‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار هومة‪ ،2227 ،‬ص‪.22-20‬‬
‫‪74‬‬
‫وعليه يقصد بالمحررات الرسمية أو العمومية بصفة عامة هي المحررات الصادرة عن موظف عام‬
‫أو شخص مكلف بخدمة عمومية ويكون مختصا أصال بتحريرها من حيث نوعها ومكان تحريرها حسب‬
‫القواعد المقررة قانونا و يثبت فيها ما يتلقاه أو يتلى عليه من أصحاب الشأن أو ما تم على يديه‪ 1.‬وعليه‬
‫يشترط ثالثة عناصر لتكون الورقة رسمية أو عمومية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تحرر هذه األوراق بمعرفة موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة‪ ،‬إذ مناط رسمية المحرر هو‬
‫صدوره عن الدولة أو شخص معنوي عام إلثبات حق من الحقوق أو إلثبات حالة قانونية‪ ،‬ويختص‬
‫بإصدار هذه المحررات أشخاص يعملون باسمها و لحسابها ولهم صفة تمثيلها‪ ،‬وهم الموظفون‬
‫العموميون أو من في حكمهم أي المكلفين بخدمة عامة‪ ،‬وكذا القائمين على إدارة مشروع تديره الدولة‬
‫وفقا ألساليب القانون الخاص يعتبرون موظفين عموميين‪ ،‬وما يصدر عنهم في حدود اختصاصاتهم‬
‫يعتبر من المحررات الرسمية‪ ،‬فاإليصاالت التي تعطيها الدولة لمستأجري أراضيها والبطاقات التي تثبت‬
‫شخصية العاملين في مصنع تديره الدولة تعد محررات رسمية‪ 2.‬بناءا على ذلك يخرج عن مجال‬
‫المحررات الرسمية كل األوراق التي تصدر عن األفراد أو عن األشخاص المعنوية الخاصة كالشركات‬
‫أو الجمعيات‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الموظف مختصا بتحريرها وفقا لالختصاص الموضوعي والمكاني‪ ,‬وقد يتحدد هذا‬
‫االختصاص بالقانون أو بناءا على الئحة أو قرار إداري‪ ،‬وقد يستمد الموظف اختصاصه من أوامر‬
‫رؤسائه‪ ،‬غير أنه إذا كان المحرر الرسمي باطال لعدم اختصاص الموظف العام وكان عدم االختصاص‬
‫مما ال يمكن للشخص المعتاد مالحظته فإن ذلك ال يمس صفته الرسمية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون التحرير وفقا لألوضاع و اإلجراءات المقررة في القانون فقد يحدد القانون البيانات الجوهرية‬
‫‪3‬‬
‫التي يتعين أن يتضمنها المحرر والشكل الذي يتعين أن يفرغ فيه‪.‬‬

‫ومتى توافرت هذه العناصر السابقة فإنه ال يشترط إلضفاء الرسمية على المحرر مايلي‪:‬‬
‫‪ -‬ال يشترط أن يكون المحرر مك توبا على نموذج خاص معد لذلك‪ ،‬ألن الرسمية تنبعث من صفة محرره‬
‫ال من طبعه على نموذج خاص‪ ،‬وبذلك فإن المحرر ال يعد رسميا لمجرد إفراغ بياناته في نموذج رسمي‬
‫إذا لم يكن صادر عن موظف عام مختص‪ ،‬فالمحرر يعد رسميا متى حرره الموظف العام أو وقع عليه‬
‫ولو كانت بياناته مكتوبة على ورق عادي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬الوجيز في شرح القانون الجزائي الخاص‪ -‬الجزء الثاني‪ -‬الطبعة التاسعة‪ ،‬دار هومة ‪ ،2221 ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد أحمد عابدين‪ ،‬حجية األوراق الرسمية و العرفية و طرق الطعن فيها ‪ ،‬المكتب العربي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -‬وال يشترط لكي يتحقق التزوير في المحررات الرسمية أن يحصل تدخل فعلي من الموظف المختص في‬
‫تحريرها واعطائها الصفة الرسمية‪ ،‬فالقانون يعتبر االصطناع طريقة من طرق التزوير في المحررات‬
‫الرسمية وفقا للمادة ‪ 222‬الفقرة األولى من ق ع‪ ،‬وبناءا عليه يرتكب التزوير في محرر رسمي من‬
‫يصطنع ورقة رسمية ينسب صدورها إلى الموظف المختص بتحريرها متى كان مظهرها داال على أنها‬
‫ورقة رسمية‪ ،‬ومثال ذلك اصطناع حكم قضائي واالدعاء به‪ ،‬وال يشترط لتحقق رسمية المحرر المصطنع‬
‫أن يشمل على توقيع مزور للموظف المختص المنسوب له المحرر بل يكفي أن يتضمن ما يفيد تدخله‬
‫في تحريره بحيث يتوافر لديه من المظهر الشكلي ما يكفي ألن ينخدع به الناس‪ 1.‬ففي هذه الحالة ال‬
‫تتحقق جناية التزوير في محرر رسمي وفقا للمواد ‪ 220-222‬ق ع‪ ،‬وانما تتوافر جناية التزوير وفقا‬
‫للمادة ‪ 222‬ق ع وهي التزوير المرتكب من طرف أشخاص غير الموظفين‪.‬‬
‫‪ -‬وال يشترط أن يكون المحرر رسميا منذ نشأته‪ ،‬بل قد يكون المحرر عرفيا من البداية ثم يتحول إلى‬
‫محرر رسمي عن طريق تدخل موظف عام في حدود اختصاصه سواء بالتحقق من صحته أو التصديق‬
‫عليه أو بإضافة بعض البيانات إليه أو القيام بإجراء معين طبقا لما تقتضيه القوانين واللوائح‪ ،‬وعليه‬
‫يكتسب المحرر العرفي صفة الرسمية ويعد تغيير الحقيقة فيه تزوي ار في محرر رسمي‪ ،‬سواء كان‬
‫التغيير قبل أن يكتسب المحرر صفة الرسمية أو بعد ذلك‪ 2،‬ومثال ذلك عريضة الدعوى فهي ورقة‬
‫عرفية حينما يحررها المدعي أو وكيله و لكن بعد إعالنها تكتسب صفة الرسمية‪ ،‬وكذلك عقد البيع‬
‫العرفي يصبح رسميا بعد مراجعته واعتماده لدى الموثق و يتم شهره لدى مصلحة الشهر العقاري‪.‬‬
‫‪ -‬كما ال يمنع القانون أن تتضمن الورقة الواحدة بيانات ذات صفة رسمية وأخرى ذات صفة عرفية‪ ،‬فقد‬
‫تقتصر الصفة الرسمية على بعض أجزائه فقط ألن تدخل الموظف المختص كان مقصو ار عليها دون‬
‫غيرها من األجزاء أو البيانات األخرى التي يبقى المحرر عرفيا بالنسبة إليها‪ ،‬ومثال ذلك أن يثبت‬
‫المتعاقدان على هامش عقد البيع الرسمي سند دين أو مخالصة من دين ال شأن له بعقد البيع فيعد ذلك‬
‫محر ار عرفيا‪ .‬و في المقابل يجوز أن يلحق بالمحرر العرفي بيانات ذات طابع رسمي مثل البيانات التي‬
‫يثبتها الموظف المختص المتضمنة تقدير رسوم التسجيل على هامش عقد عرفي مقدم للتسجيل‪ ،‬فهي‬
‫‪3‬‬
‫تعد في ذاتها محر ار رسميا ومن ثم كان التغيير فيها تزوي ار في محرر رسمي‪.‬‬
‫‪ -‬وال يشترط العتبار الورقة رسمية أن يحرر الموظف المختص كل بياناتها سواء ما تم منها بين يديه من‬
‫وقائع أو ما قام به من إجراءات أو ما تلقاه من ذوي الشأن‪ ،‬بل هي كذلك حتى لو كانت البيانات المثبتة‬

‫‪1‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪3‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫‪76‬‬
‫بها يحررها أصحاب الشأن متى تدخل الموظف بالمصادقة عليها أو التوقيع عليها مما يضفي عليها‬
‫الصفة الرسمية‪ ،‬و عليه فيستوي أن يقع تغيير الحقيقة في البيانات التي يدونها الموظف أو في تلك التي‬
‫يحررها أصحاب الشأن طالما أن صفة الرسمية قد انسحبت عليها بتدخل الموظف المختص‪ 1.‬ويترتب‬
‫على ذلك استقاللية رسمية المحرر عن قوته في اإلثبات‪.‬‬

‫وبخصوص أنواع المحررات الرسمية فهي متعددة ومتنوعة بتنوع مجاالت التعامل بها‪ ،‬فال يمكن‬
‫حصرها على وجه التخصيص‪ ،‬لذلك حاول الفقه تصنيفها إلى أربعة أنواع ‪:‬‬
‫‪ -‬المحررات السياسية‪ ،‬وهي التي تدخل في عمل السلطات العليا في الدولة سواء أعمال السلطة التشريعية‬
‫كالقوانين ومشاريع القوانين‪ ،‬أو أعمال السلطة التنفيذية كالق اررات والمراسيم واألوامر التي تصدرها‬
‫الحكومة إلى كافة القطاعات والرخص التي تمنحها والتعليمات التي تصدرها إلى مرافق الدولة‪ ،‬أو‬
‫األعمال المتعلقة بالعالقات الخارجية كالمعاهدات واالتفاقات والرسائل المتبادلة وتقارير السفراء‪ ،‬غير أنه‬
‫‪2‬‬
‫من الثابت أن تزوير هذه الفئة من المحررات هو نادر الوقوع‪.‬‬
‫‪ -‬المحررات القضائية‪ ،‬وهي الصادرة عن األشخاص المنوط بهم سلطات المتابعة والتحقيق والحكم‪ ،‬أو‬
‫مساعديهم المباشرين أو غير المباشرين ومن أمثلتها األوامر واألحكام والمقررات وتقارير الخبراء‬
‫والمحاضر القضائية ومحاضر الشرطة القضائية‪ 3.‬وعليه تشكل هذه الطائفة من األعمال ميدانا رحبا‬
‫ومجاال واسعا للتزوير في األوراق الرسمية سواء في تزوير األحكام أو التصريحات الكاذبة التي يدونها‬
‫القائمون بالوظائف القضائية‪ ،‬وذلك سواء أمام القضاء المدني أو الجزائي أو اإلداري‪ .‬وفي هذا المجال‬
‫ال بد من اإلشارة إلى بعض الحاالت التي كانت محل نظر أمام القضاء الفرنسي منها‪:‬‬
‫‪ -‬ال تزوير في الكذب الذي يقع من الخصوم في عرائض الدعاوى أو في المذكرات التي يقدمونها إلى‬
‫المحكمة ولو أثرت هذه األكاذيب في أذهان القضاة وترتب عليه ضرر بالخصوم‪ ،‬ألن هذه المحررات لم‬
‫تعد إلثبات حقيقة المزاعم الواردة فيها بل لتدوين األقوال التي يبديها الخصوم تأييدا لمزاعمهم على أن‬
‫تناقش هذه األقوال أمام القاضي وبمعرفته‪ .‬غير أن الشخص الذي ينتحل اسم غيره في دعوى مدنية‬
‫بحيث يسبب له ضر ار كأن يعترف غشا وتدليسا بأنه مدين بمبلغ من النقود يعد مرتكبا لجريمة تزوير في‬
‫أوراق رسمية بطريقة استبدال األشخاص‪.‬‬
‫‪ -‬وبالنسبة لمحاضر االستجواب وشهادة الشهود ففي هذه الحالة يقتضي األمر التفريق بين حالتين‪ ،‬الحالة‬
‫األولى إذا دون ضابط الشرطة القضائية في محضره عن قصد أقواال غير التي قررها أمامه المشتبه‬

‫‪1‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 277‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬قانون العقوبات الخاص‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومة‪ .2222،‬ص ‪.200‬‬
‫‪77‬‬
‫فيهم أو الشهود عد هذا الفعل تزوي ار معنويا معاقبا عليه‪ ،‬وهو ما قضت محكمة النقض الفرنسية في‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2122/22/22‬أن إقدام دورية من الشرطة على تنظيم محضر ضبط محور ومشوه‬
‫يعد تزوي ار في محرر رسمي على أساس أن محاضر الشرطة تتمتع بالصفة الرسمية أو العمومية‬
‫المستمدة من القانون الذي يمنحها لكل العقود المعدة من طرف الضباط العموميين وهو ما قررته في‬
‫العديد من ق ارراتها منها القرار الصادر بتاريخ ‪ ،2900/22/22‬والقرار الصدر بتاريخ ‪.2907/20/22‬‬
‫أما الحالة الثانية فإنه بالنسبة للشاهد الذي يقرر غير الحقيقة فال يعد مرتكبا جريمة التزوير ولو أن‬
‫أقواله دونت في محضر التحقيق أو محضر الجلسة‪ ،‬وقد يكون وقع على المحضر بإمضائه أو ختمه‪،‬‬
‫وذلك على أساس أن المحضر لم يعد إلثبات حقيقة أقوال الشاهد فإن االتهام والدفاع لهما كل الحرية‬
‫في مناقشة هذه الشهادة واظهار مواطن الكذب فيها‪ ،‬وانما يعاقب الشاهد بجريمة شهادة الزور إذا غير‬
‫الحقيقة في شهادته أمام المحكمة‪ ،‬أو بعقوبة إعانة الجاني على التملص من وجه العدالة إذا أبدى‬
‫معلومات كاذبة أثناء التحقيق‪ 1.‬وأما المتهم فمن باب أولى ال يرتكب أي تزوير إذا غير الحقيقة في‬
‫استجوابه‪ ،‬إذ أنه فضال عن كون المحضر الذي يشتمل على إجاباته ليس معد إلثبات صحتها‪ ،‬فإن‬
‫المتهم يجب أن يكون ح ار في إبداء أوجه دفاعه‪ 2.‬ولكن قامت الصعوبات في حالة تسمي المتهم باسم‬
‫منتحل أثناء التحقيق القضائي فاختلفت اآلراء في وصف هذا الفعل بالتزوير‪.‬‬
‫‪ -‬أما بالنسبة للمساعدين القضائيين فقد يقدموا على تزوير أوراق رسمية هي في متناول أيديهم‪ ،‬أو على‬
‫تسليم صورة مصدقة مزورة‪ ،‬كإقدام كاتب الضبط على تزوير سجالت األحكام و تحريف األعمال‬
‫القلمية‪ ،‬أو إقدام رئيس قلم المحكمة على تسليم صورة مصدقة صالحة للتنفيذ و هي ليست كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬المحررات اإلدارية‪ ،‬هي المحررات الصادرة عن مختلف اإلدارات العمومية والهيئات والمرافق والمصالح‬
‫وسواها المنبثقة أصال عن السلطة التنفيذية في تنظيم الدوائر العامة المركزية منها واإلقليمية والمحلية‬
‫التابعة لمختلف الو ازرات وكذلك المصالح الخاصة والمستقلة التي تخضع إلشراف ووصاية الو ازرات‬
‫المذكورة‪ ،‬وتتنوع األعمال اإلدارية بتنوع السلطات والمرافق التي تنبثق منها‪ ،‬وتتناول محررات كثيرة‬
‫مختلفة ومتضاربة‪ ،‬ال يمكن اإلحاطة بها جميعا على سبيل الحصر‪ ،‬وانما ببعضها على سبيل المثال‬
‫التي يعتبرها التشريع اإلداري بمثابة أوراق رسمية منها‪ :‬دفاتر المواليد والوفيات والصور المستخرجة‬
‫عنها‪ ،‬عقود الزواج واشهادات الطالق‪ ،‬أوراق مصالح البريد والهاتف والبرق‪ ،‬الشهادات العلمية‪ ،‬الق اررات‬
‫‪3‬‬
‫واألوامر المتخذة من السلطات اإلدارية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292-292‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R .Garraud, op. cit. t 5. n°1378, p 138-141.‬‬
‫‪3‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.202-202‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬العقود الرسمية‪ ،‬وهي التي يتولى تحريرها موظف أو ضابط عمومي مكلف بذلك قانونا وعلى وجه‬
‫التخصيص‪ ،‬مثل الموثق والمحضر القضائي ومحافظ البيع بالمزاد العلني وغيرهم‪ ،‬فالمحررات التي‬
‫يحررها الموثق هي بال تنازع محررات رسمية‪ ،‬ويستوي أن يقع التزوير في أصل العقد أو في صورة‬
‫منه‪ ،‬أو تعلق باإلجراءات الشكلية التي يقررها القانون لصحة هذه العقود فالبيانات التي تنص كذبا على‬
‫مراعاة هذه اإلجراءات تتحقق جريمة تزوير‪.‬‬

‫إضافة إلى هذه المحررات الرسمية فقد أضاف المشرع الفرنسي بموجب قانون ‪ 22‬جويلية‪2992‬‬
‫‪1‬‬
‫التسجيالت الصوتية للمكالمات الهاتفية بناءا على أمر من السلطة العامة اإلدارية أو القضائية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬صفة الجاني ( قاض‪ ,‬موظف أو قائم بوظيفة عمومية)‬
‫يتطلب القانون لقيام جريمة التزوير في المحررات الرسمية المنصوص عليها في المادتين ‪-222‬‬
‫‪ 220‬من ق ع كشرط مسبق خاص توافر صفة معينة في الجاني مرتبطة بممارسة وظيفة عمومية تتمثل في‬
‫صفة القاضي والموظف العام والقائم بوظيفة عمومية‪ .‬ولكن هل صفة الموظف العمومي تعد عنص ار من‬
‫عناصر جريمة التزوير‪ ،‬أم ظرفا مشددا للعقاب؟‬
‫تعتبر صفة الجاني في الجريمة ركنا خاصا وليس ظرفا مشددا للعقاب‪ ،‬وعليه فإن إغفال تحديد هذه‬
‫الصفة في قرار اإلحالة أو الحكم أو القرار الصادر باإلدانة يجعله غير مسبب ويتعين نقضه‪ ،‬لذلك فإن صفة‬
‫المزور تعد مسألة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل ق اررات المحكمة العليا التالية‪:‬‬
‫‪ -‬القرار الصادر بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪ 2912‬في الطعن رقم ‪ « :27-299‬إن جريمة التزوير في محرر‬
‫رسمي أو عمومي تختلف عقوبتها بحسب ما إذا كان مرتكبها قاضيا أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية‬
‫أم ال‪ ،‬بحيث أن العقوبة المقررة في الحالة األولى هي السجن المؤبد‪ ،‬وفي الحالة الثانية السجن من ‪22‬‬
‫سنوات إلى ‪ 22‬سنة‪ .‬لذلك اعتبرت صفة الجاني في الحالة األولى كظرف مشدد للعقوبة‪ ،‬وكانت‬
‫الجناية تستوجب طرح سؤالين مستقلين على األقل‪ :‬سؤال حول فعل التزوير‪ ،‬و سؤال آخر حول معرفة‬
‫‪2‬‬
‫ما إذا كان الجاني موظفا أو من في حكمه وأنه ارتكب الجريمة أثناء تأدية وظيفته»‪.‬‬

‫والمالحظ أن اعتبار صفة الجاني كظرف مشدد للعقاب ال يعني أنها فعال ظرف مشدد‪ ،‬وانما جاءت العبارة‬
‫على سبيل التشبيه‪ ،‬فلو كانت فعال كذلك لجاء نص القرار صريحا على النحو اآلتي‪« :‬لذلك اعتبرت صفة‬
‫الجاني في الحالة األولى ظرفا مشددا للعقوبة‪.» ...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Philippe CONTE, Droit pénal spécial, Troisième édition. Dalloz 2007. p 359.‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪ 2912‬في الطعن رقم ‪ ،27-299‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ .،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -‬قرار صادر في ‪ 1‬جوان ‪ 2911‬في الطعن رقم ‪ «:02-072‬ال يصح كأساس لإلدانة السؤال الذي طرح‬
‫على الشكل التالي‪ :‬هل المتهم مذنب الرتكابه خالل سنة ‪ 2971‬في عقد زواجه وعقود أوالده بالحالة‬
‫المدنية الجناية المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬من ق ع؟‬

‫ألن هذا السؤال زيادة على غموضه وابهامه ال يشير إلى كافة عناصر الجريمة كصفة الجاني و الطريقة‬
‫‪1‬‬
‫المستعملة في التزوير و يكون هذا األخير قد حصل أثناء تأدية وظيفته»‪.‬‬
‫‪ -‬القرار الصادر بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر‪ « :2227‬السؤال األول الخاص بالمتهم(ب‪-‬ع) جاء ناقصا ولم‬
‫يتضمن العناصر األساسية للجرم المتابع به طبقا للمادة ‪ 222‬من ق ع و هي‪:‬‬
‫‪ -‬صفة الجاني (قاضي‪ ،‬موظف أو قائم بوظيفة عمومية)‬
‫‪ -‬ارتكاب الفعل أثناء تأدية الوظيفة‬
‫‪ -‬توفر حالة من الحاالت األربعة التي ذكرت على سبيل الحصر في المادة ‪ 222‬من ق ع‪.‬‬
‫حيث أن ما ينعاه الطاعن وجيه‪ ،‬إذ يتبين فعال من صياغة السؤال األول المطروح بالشكل التالي‪ :‬هل أن‬
‫المتهم (ب‪-‬ع) ‪...‬مذنب بارتكابه‪...‬لجرم جناية التزوير في محرر رسمي إض ار ار بالضحية‪ ...‬الفعل المنوه‬
‫عنه والمعاقب عليه بالمادة ‪ 222‬ق ع؟ أنه ناقص بحيث لم يضمنه الرئيس كافة عناصر الواقعة فإغفال‬
‫توضيح طبيعة المحرر الرسمي‪ ،...‬ولم يذكر صفة المتهم الذي يمارس مهنة موثق حسب ما يستخلص من‬
‫قرار ا إلحالة وال أنه ارتكب التزوير أثناء ممارسته لوظيفته‪ ،‬بينما كان يتعين على المحكمة إسناد صفة القائم‬
‫بالوظيفة عمومية إلى المتهم في سؤالها‪ ،‬وتحديد أن العقد المدعى به تم تحريره في نطاق نشاطه المهني‪،‬‬
‫وذلك حتى يكون السؤال منسجما مع نص المادة ‪ 222‬ق ع المتمسك بها من طرف غرفة اإلتهام في دعوى‬
‫الحال‪ ،‬وللتمييز بين مجال تطبيق هذه المادة عن مجال تطبيق المادة ‪ 222‬ق ع التي تعاقب على نفس‬
‫الجريمة عندما يرتكبها غير الموظف‪.‬‬
‫حيث والحالة هذه فإنه يتعين إبطال األسئلة المنتقدة‪ ،‬وبالنتيجة نقض الحكم المترتب عنهما دون حاجة‬
‫‪2‬‬
‫لمناقشة باقي األوجه المستند إليها من طرف الطاعن»‪.‬‬
‫وعليه فإن صفة الموظف تعد عنصر من العناصر الخاصة المشكلة لجريمة التزوير وليس مجرد ظرف‬
‫مشدد للعقاب لذلك ال بد من تحديد هذه الصفة تحديدا واضحا ودقيقا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 1‬جوان ‪ ،2911‬في الطعن رقم ‪.02-072‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر‪ ،2227‬رقم الملف ‪ .201022‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد ‪ 2‬لسنة ‪،2227‬‬
‫ص ‪.027‬‬
‫‪80‬‬
‫فبالنسبة للقاضي ال تثور أية صعوبة في تحديده‪ ،‬إذ يشمل كل قاضي يمارس مهنته بإحدى المحاكم‬
‫أو المجالس القضائية‪ ،‬سواء كانت ضمن سلك القضاء العادي أو ضمن سلك القضاء اإلداري‪ ،‬إذ تنص‬
‫المادة الثانية من القانون العضوي رقم ‪ 22-22‬المتضمن القانون األساسي للقضاء‪ «:‬يشمل سلك القضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬قضاة الحكم و النيابة العامة للمحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم اإلبتدائية التابعة للنظام‬
‫القضائي العادي‪،‬‬
‫‪ -‬قضاة الحكم و محافظي الدولة لمجلس الدولة و المحاكم االدارية‪،‬‬
‫‪ -‬القضاة العاملين في االدارات المركزية لو ازرة العدل‪ ،‬أمانة المجلس األعلى للقضاء‪ ،‬المصالح االدارية‬
‫‪1‬‬
‫للمحكمة العليا و مجلس الدولة‪ ،‬مؤسسات التكوين و البحث التابعة لو ازرة العدل»‪.‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة للمكلف بخدمة عامة في إطار قوانين الدولة وبرخصة منها مثل الموثقين‬
‫والمحضرين القضائيين والمترجمين‪ 2.‬غير أنه يثور التساؤل حول المفهوم الذي يأخذ به القاضي الجزائي‬
‫للموظف العمومي‪ ،‬فهل هو المفهوم اإلداري للموظف العام‪ ،‬أم المفهوم الذي جاء به القانون رقم ‪22-22‬‬
‫المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬أم مفهوم آخر؟‬
‫فحسب المفهوم التقليدي للموظف المكرس في القانون اإلداري‪ ،‬في المادة ‪ 2‬من األمر رقم ‪22-22‬‬
‫المؤرخ في ‪ 20‬يوليو ‪ 2222‬المتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬فقد حصر المشرع مفهوم‬
‫الموظف في ‪ «:‬يغتبر موظفا كل عون معين في وظيفة عمومية دائمة ورسم في رتبة في السلم اإلداري»‪.3‬‬
‫وال يختلف هذا التعريف عن التعريف الوارد في القانون األساسي العام للوظيفة العمومية القديم‬
‫الصادر في ‪2‬جوان ‪ 2922‬الذي عرف الموظف في المادة األولى منه كاآلتي‪ « :‬يعتبر موظفين األشخاص‬
‫المعينون في وظيفة دائمة‪ ،‬الذين رسموا في درجة التسلسل في االدارات المركزية التابعة للدولة‪ ،‬و المصالح‬
‫الخارجية التابعة لهذه االدارات‪ ،‬الجماعات المحلية و كذلك المؤسسات و الهيئات العمومية حسب كيفيات‬
‫تحدد بمرسوم‪،‬‬
‫ال يسري هذا القانون األساسي على القضاة و القائمين بشعائر الدين و أفراد الجيش الشعبي الوطني »‪.4‬‬
‫وقد حرص األمر ‪ 22 - 22‬كذلك في الفقرة الثانية من المادة الثانية على استثناء القضاة‬
‫والمستخدمين العسكريين والمدنيين للدفاع الوطني ومستخدمي البرلمان من مجال تطبيق هذا النص‪ .‬وعليه‬

‫‪1‬‬
‫قانون عضوي رقم ‪ 22 – 22‬المؤرخ في ‪ 2‬سبتمبر ‪ 2222‬يتضمن القانون األساسي للقضاء‪ ،‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 07‬السنة الواحدة و األربعون‬
‫األربعاء ‪ 1‬سبتمبر ‪ ،2222‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد العزيز سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫األمر رقم ‪ 22 – 22‬مؤرخ في ‪ 20‬يوليو ‪ 2222‬المتضمن القانون األساسي للوظيفة العمومية‪ ،‬الجريدة الرسمية العدد ‪ ،22‬السنة الثالثة و‬
‫األربعون‪ ،‬األحد ‪ 22‬يوليو ‪ ،2222‬ص‪.2‬‬
‫‪4‬‬
‫األمر رقم ‪ 222 – 22‬مؤرخ في ‪ 2‬يونيو ‪ 2922‬المتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬الجريدة الرسمية ‪ ،‬العدد ‪ 22‬السنة الثالثة‪،‬‬
‫األربعاء ‪ 1‬يونيو ‪ ،2922‬ص‪.027‬‬
‫‪81‬‬
‫فإذا أخذ القاضي الجنائي بهذا التعريف فإنه سيؤدي إلى إفالتهم من العقاب كونهم مقصيين من هذا التعريف‬
‫الضيق‪.‬‬
‫لذ لك نجد أن المشرع الجزائي قد حرص منذ البداية على تمييز مفهوم الموظف في القانون الجزائي‬
‫عن مفهومه في القانون اإلداري‪ ،‬فلم يأخذ قانون العقوبات عند صدوره في ‪ 1‬جوان ‪ 2922‬بالمفهوم التقليدي‬
‫للموظف‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 229‬منه على‪ «:‬يعد موظفا في نظر القانون الجنائي كل شخص تحت أية‬
‫تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في‬
‫خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو مرفق ذي منفعة عامة»‪.‬‬
‫ومعنى ذلك توسيع مفهوم الموظف العمومي في المجال الجزائي ليشمل المواطنين الذين يتمتعون‬
‫بقسط من السلطة العامة‪ ،‬أي أولئك الذين يتولون وكالة عمومية سواء عن طريق انتخاب شرعي أو بمقتضى‬
‫تفويض من السلطة التنفيذية‪ ،‬ويساهمون بهذه الصفة في تسيير شؤون الدولة أو الجماعات المحلية‪.‬‬
‫وبموجب تعديل قانون العقوبات باألمر ‪ 20-70‬المؤرخ في ‪ 27‬جوان ‪ 2970‬ألغيت المادة ‪ 229‬ق ع ونقل‬
‫محتواها إلى المادة ‪ 229‬من نفس القانون مع التخلي في النص الجديد عن مصطلح الموظف في نظر‬
‫القانون الجنائي واستبداله بمصطلح الشبيه بالموظف‪ ،‬واستبدلت بمصطلح من يتولى وظيفة أو وكالة بموجب‬
‫قانون ‪ 22-11‬المؤرخ في ‪ 22‬جويلية ‪ ،2911‬وألغيت في األخير هذه المادة وعوضت بالمادة ‪ 29‬من قانون‬
‫مكافحة الفساد رقم ‪ 22-22‬الصادر في ‪ 22‬فيفري ‪ .2222‬ولهذا يبقى الغموض في تحديد صفة الموظف‬
‫في نظر القانون الجنائي‪.‬‬
‫غير أنه بالرجوع إلى القانون رقم ‪ 22-22‬المؤرخ في ‪ 22‬فبراير‪ 2222‬المتعلق بالوقاية من الفساد‪،‬‬
‫نصت المادة الثانية الفقرة ب منه على تعريف الموظف العمومي‪«:‬‬
‫‪ -‬كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية‬
‫المنتخبة سواء كان معينا أو منتخبا‪ ،‬دائما أو مؤقتا‪ ،‬مدفوع األجر أو غير مدفوع األجر‪ ،‬بعرف النظر‬
‫عن رتبته أو أقدميته‪،‬‬
‫‪ -‬كل شخص آخر يتولى و لو مؤقتا و ظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر و يساهم بهذه الصفة في خدمة‬
‫هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها أو أية‬
‫مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع و التنظيم المعمول بهما»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫القانون رقم ‪ 22 – 22‬المؤرخ في ‪ 22‬فبراير ‪ 2222‬يتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته‪ ،‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 22‬السنة الثالثة و األريعون‬
‫األربعاء ‪ 1‬مارس ‪ .2222‬ص ‪.2‬‬
‫‪82‬‬
‫فجاء هذا التعريف واسعا وشامال و ذلك لسد الثغرات التي قد يتملص من خاللها الجاني من العقاب‪،‬‬
‫ومع ذلك فبالرجوع إلى المادتين ‪ 220-222‬ق ع والتي حددت صفة الجاني في القاضي والموظف والمكلف‬
‫بخدمة عمومية‪ ،‬يالحظ أن الموظف العمومي حسب المادة الثانية الفقرة ب من القانون رقم ‪ 22-22‬يشمل‬
‫القاضي وذلك من خالل عبارة‪ « :‬ذو المناصب القضائية»‪ ،‬والقائم بخدمة عمومية الذي يستفاد من عبارة‪« :‬‬
‫من في حكم الموظف العمومي»‪ ،‬فالموظف العمومي عبارة عامة تشمل كل منهما إضافة إلى أصحاب‬
‫المناصب األخرى المحددة في المادة نفسها‪.‬‬
‫غير أنه ال يمكن للقاضي الجنائي اإلستناد إلى المادة ‪ 2‬الفقرة ب من القانون رقم ‪ 22-22‬وذلك‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عبارات المادة ‪ 2‬الفقرة ب من القانون رقم ‪ 22-22‬جاءت عامة تحتاج بدورها إلى التحديد والتعيين‪،‬‬
‫حيث تم تعريف الموظف من خالل اإلشارة إلى المناصب‪ ،‬وهو ما يقتضي تحديد ما هي هذه‬
‫المناصب‪ ،‬أي تعريف مجهول بمجهول‪ ،‬وبمعنى آخر تعريف يحتاج إلى تعريف آخر‪ ،‬في حين أن‬
‫التعريف يقتضي تحديد الشروط العامة التي تنطبق على الموظف العمومي في جميع هذه المناصب‪.‬‬
‫‪ -‬كما انه إعماال لقاعدة التفسير الضيق لنصوص التجريم فإن المادة الثانية الفقرة ب من قانون رقم ‪- 22‬‬
‫‪ 22‬وسعت من دائرة الموظف العمومي في مفهوم جرائم الفساد وليس جرائم التزوير‪ ،‬حيث لم ينص‬
‫المشرع على توسيع مدلول الموظف العام ليشمل كل شخص يكلف من سلطة عامة بأداء عمل يقتضي‬
‫منحه قسطا من اختصاصات السلطة العامة‪ ،‬ولهذا ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن المرجع في‬
‫تحديد مدلول الموظف العام في نصوص التزوير هو ما استقر عليه الفقه و القضاء في القانون‬
‫‪1‬‬
‫اإلداري‪.‬‬

‫ويمكن القول في األخير أن مفهوم الموظف في جريمة التزوير هو مفهوم صعب التحديد متسع‬
‫المجال‪ ،‬قد ينطبق على أحد المواصفات التي ترتد على فئة معينة من الفئات الوارد ذكرها بالقوانين واألنظمة‬
‫اإلدارية‪ ،‬وقد تخضع فكرة الموظف ألحكام المادة الثانية الفقرة ب من القانون رقم ‪ 22-22‬الذي يأخذ به‬
‫القاضي الجنائي في جرائم الفساد‪ ،‬لهذا يمكن األخذ بقاعدة بقاعدة نسبية أو ذاتية تعريف الموظف في كل‬
‫حالة على حدا‪ .‬وبصفة عامة فإن الموظف هو كل من يحتكر جزء من السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪83‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬ارتكاب التزوير أثناء تأدية الوظيفة‬
‫يعد هذا الشرط من الشروط الخاصة المنصوص عليها صراحة في المادتين ‪ 220-222‬ق ع‪ ،‬حيث‬
‫عبرت عنه المادة ‪ 222‬بقولها‪ «:‬يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية ارتكب‬
‫التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية أثناء تأدية وظيفته‪ ،» ...‬أما المادة ‪ 220‬ق ع فقد نصت على‬
‫ذلك من خالل العبارات التالية‪ « :‬يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية قام‬
‫أثناء تحريره محررات من أعمال وظيفته‪.» ...‬‬
‫ويعني هذا الشرط وجوب أن يكون المتهم مختص بتحرير الورقة الرسمية التي ارتكب التزوير فيها‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى أن يكون مكلف طب قا لواجبات وظيفته بإثبات البيانات التي غير الحقيقة فيها‪ ،‬والحكمة من‬
‫اشتراط هذا الشرط أن الجريمة تفترض استغالل الوظيفة ال مجرد توافر الوظيفة‪ ،‬كما أن العقوبة الصارمة‬
‫المقررة في هذه الحالة ال تطبق إال إذا أثبتت خيانة الموظف للثقة التي وضعت فيه حينما عهد إليه بإثبات‬
‫‪1‬‬
‫بيانات المحرر‪ ،‬ومحل هذه الثقة أن يكون مختصا بتحرير هذه المحررات محل تغيير الحقيقة‪.‬‬
‫وعليه يجب أن يكون للموظف اتصال بالمحرر الرسمي إما ألن تحريره يدخل في نطاق اختصاصه‪،‬‬
‫واما أن يكون له اتصال بالورقة بحكم وظيفته‪ ،‬ومثال ذلك كاتب األرشيف الذي يزور في اإلق اررات التي‬
‫ترسل إليه لحفظها أو تنفيذها‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يختص الموظف بكتابة المحرر وانما يتصل به بحكم‬
‫وظيفته‪ 2.‬وبالتالي يمكن متابعة الجاني من أجل وقائع التزوير التي وقعت منه أثناء ممارسة مهام وظيفته‬
‫حتى ولو كانت وقت اكتشاف الجريمة قد ترك الوظيفة و أحيل على التقاعد‪.‬‬
‫غير أنه ال تقوم جريمة التزوير طبقا ألحكام المادتين ‪ 220-222‬ق ع في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا غير الموظف الحقيقة في محرر غير مختص بتحريره واعطائه الصبغة الرسمية‪ ،‬بل يعد مرتكبا‬
‫للتزوير المرتكب من أشخاص عاديين وفقا للمادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬كأن يرتكب الموظف تزوي ار في محرر‬
‫يدخل تحريره في اختصاص زميل له‪ ،‬وال يتصل به لعدم وجود عالقة له بأعمال وظيفته‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ارتكب المتهم التزوير وهو في حالة عزل أو توقيف من الوظيفة‪ ،‬كأن يقوم بتزوير محرر كان من‬
‫اختصاصه وجعل له تاريخا سابقا على تاريخ عزله أو توقيفه‪ ،‬ألن الموظف بمجرد عزله أو توقيفه يخرج‬
‫‪3‬‬
‫من طائفة الموظفين ويدخل في دائرة األشخاص العاديين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1417, p 205.‬‬
‫‪2‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫‪R.Garraud, Ibid. t 5. n°1417, p 205.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ -‬إذا كان المتهم قد ارتكب التزوير قبل أن يتسلم أعمال وظيفته‪ ،‬التي يدخل في نطاقها تحرير المحرر‬
‫المزور‪ ،‬مثال ذلك الموظف الذي يعين في وظيفة تتطلب قانونا لمباشرتها أداء اليمين القانونية‪ ،‬فقام‬
‫‪1‬‬
‫بتزوير محرر قبل أداء اليمين‪.‬‬

‫والمالحظ أن هذا الشرط الخاص ال يثير أي إشكال في حالة التزوير المعنوي‪ ،‬فطبيعة التزوير‬
‫تقتضي وقوعه أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬ولكي يكون المحرر رسميا يجب أن يقوم بتحريره موظفا مختص‪ ،‬فالفاعل‬
‫األصلي في التزوير المعنوي ال يكون إال موظفا عاما أما غيره فال يرتكب التزوير وانما يكون شريكا في‬
‫التزوير‪ ،‬وعندئذ يعاقب بالعقوبة المقررة لجريمة الموظف وفقا للمادتين ‪ 220-222‬ق ع‪ 2.‬وهو ما قررته‬
‫المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ ‪ 2919/22/20‬في الطعن رقم ‪ 22-222‬جاء فيه‪ ... «:‬ولما كان‬
‫جعل الواقعة الكاذبة في صورة الواقعة الصحيحة يعد طريقا من طرق التزوير المعنوي فلقد اعتبر شريكا في‬
‫الجناية الشخص الذي قدم تصريحات غير مطابقة للحقيقة أمام المصالح اإلدارية المختصة قصد تثبيت زواج‬
‫‪3‬‬
‫صوري لتمكين الحصول على تعويضات غير مستحقة على إثر حادث»‪.‬‬
‫أما التزوير المادي فغالبا ما يقع بعد تحرير المحرر‪ ،‬وناد ار ما يقع أثناء تحريره‪ ،‬وهو ما يثير‬
‫التساؤل حول المقصود بعبارة أثناء تأدية وظيفته‪ .‬حيث يثير هذا الشرط في هذه الحالة عنصران عنصر‬
‫االختصاص وعنصر الزمن‪ ،‬فمن جهة االختصاص فقد اتفق الفقه كما سبق اإلشارة إليه على أنه ال يشترط‬
‫أن يكون الموظف مختصا بتحرير الورقة‪ ،‬بل يمكن أن يتصل بالورقة الرسمية بحكم وظيفته‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫لعنصر الزمن فإنه إذا في التزوير المعنوي وقت تحرير المحرر‪ ،‬أي أثناء إنشاء المحرر أو كتابة بعض‬
‫بياناته‪ ،‬فإنه في التزوير المادي ال ينصرف وحسب إلى ساعات العمل الرسمية المحددة للوظيفة‪ ،‬وانما‬
‫ينصرف كذلك إلى كل وقت يكون فيه الموظف على رأس العمل ممارسا لوظيفته‪ ،‬فيدخل في هذا الوقت‬
‫ساعات العمل الرسمية وما بعد انتهاء ساعات العمل‪ ،‬بما في ذلك أيام العطالت الرسمية‪ ،‬لكن حين ال يكون‬
‫الموظف على رأس العمل بأن كان في إجازة مرضية أو عادية أو كان موقوفا عن العمل‪ ،‬فإن التزوير الواقع‬
‫منه ال يتحقق فيه شرط وقوعه أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬ولذلك يعاقب على هذا التزوير بعقوبة التزوير في‬
‫المحررات الرسمية من غير الموظف المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬ق ع‪ 4،‬وفي األخير يجب أن يكتسب‬
‫الفعل الوصف الجرمي بأن تكون جناية التزوير الواقعة في األوراق الرسمية نتيجة تصرف الفاعل المذكور‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2919/22/20‬في الطعن رقم ‪.22-222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪85‬‬
‫وقد استقر االجتهاد القضائي الفرنسي على ذلك ومنه‪ :‬يجب أن يكون التزوير الواقع في األوراق الرسمية‬
‫‪1‬‬
‫نتيجة لفعل الموظف العمومي ضمن نطاق اختصاصه في دائرة الموظف المذكور‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير في المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة‬


‫تكتسب الوسائل الجرمية أهمية بالغة في جريمة التزوير‪ ،‬بحيث تجاوزت كونها طرق ارتكاب الفعل‬
‫المادي إلى مستوى العناصر األساسية و المشروطة لتحقق الفعل المعاقب عليه‪ ،‬فال يكفي لتحقق النشاط‬
‫اإلجرامي أن يتم تغيير الحقيقة بالمفهوم العام الذي سبق اإلشارة إليه‪ ،‬بل يجب أن يكون هذا التغيير قد تم‬
‫بإحدى الطرق التي حددها القانون في المادتين ‪ 220-222‬ق ع‪.‬‬
‫فقد حدد المشرع هذه الطرق على سبيل الحصر‪ ،‬وهو ما التزم به التطبيق القضائي‪ ،‬حيث استقر‬
‫قضاء المحكمة العليا على التزام القاضي الجنائي بتحديد الوسيلة المستعملة في التزوير على النحو المحدد‬
‫في التشريع وبصورة صريحة‪ ،‬سواء كان ذلك في قرار اإلحالة أو حكم اإلدانة‪ ،‬وذلك حتى تتحقق من صحة‬
‫تطبيق القانون على الواقعة‪ ،‬فإذا أغفل هذا البيان كان القرار أو الحكم قاصر التسبيب يتعين نقضه‪ ،‬ويتضح‬
‫هذا من خالل الق اررات العديدة للمحكمة العليا نذكر منها‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ ‪ 2227/2/22/27‬رقم الملف ‪ 221210‬جاء فيه‪:‬‬

‫«السؤال األول الخاص بالمتهم (ب‪-‬ع) جاء ناقصا ولم يتضمن العناصر األساسية للجرم المتابع به طبقا‬
‫للمادة ‪ 222‬ق ع وهي‪ :‬صفة الجاني( قاض‪ ،‬موظف أو قائم بوظيفة عمومية)‪ ،‬ارتكاب الفعل أثناء تأدية‬
‫الوظيفة و توفر حالة من الحاالت األربعة التي وردت على سبيل الحصر في المادة ‪ 412‬ق ع‪...‬‬
‫ولم يذكر صفة المتهم الذي يمارس مهنة موثق حسب ما يستخلص من قرار اإلحالة وال أنه ارتكب التزوير‬
‫أث ناء ممارسة وظيفته بينما كان يتعين على المحكمة إسناد صفة القائم بوظيفة عمومية إلى المتهم في‬
‫سؤالها‪ ،‬وتحديد أن العقد المدعى به تم تحريره في نطاق نشاطه المهني حتى يكون السؤال منسجما مع نص‬
‫المادة ‪ 222‬ق ع المتمسك بها من طرف غرفة االتهام في دعوى الحال للتمييز بين مجال تطبيق المادة‬
‫‪ 222‬ق ع التي تعاقب على نفس الجريمة عندما يرتكبها غير الموظف‪.‬‬
‫حيث والحالة هذه فإنه يتعين إبطال األسئلة المنتقدة وبالنتيجة نقض الحكم المترتب عنهما دون حاجة‬
‫لمناقشة باقي األوجه المستند إليها من طرف الطاعم»‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ ‪ 2227/22/27‬رقم الملف ‪ 201022‬جاء فيه‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202-202‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ ، 2227/22/27‬ملف رقم ‪.221210‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬مجلة المحكمة العليا العدد الثاني لسنة ‪ ،2227‬ص ‪.021‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ ،2227/22/27‬ملف رقم ‪ .201022‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني لسنة ‪ ،2227‬ص‬
‫‪.021‬‬
‫‪86‬‬
‫« حيث أنه يتجلى من صياغة األسئلة المذكورة التي كان يستحسن دمجها في سؤال واحد‪ ،‬أن الرئيس أدرج‬
‫فيها جميع عناصر جريمة التزوير في محرر رسمي المستخلصة من تعريفها الوارد في المادة المعاقبة عليها‬
‫المادة ‪ 220‬ق ع بحيث حدد فيها صفة المتهمة كموثقة أي قائمة بوظيفة عمومية‪ ،‬وطبيعة المحرر المدعى‬
‫بتزويره المتمثل في عقد بيع قطعة أرض‪...‬وعليه فإن الوجه المستند إليه غير مؤسس »‪.‬‬
‫والمالحظ أن المشرع قد ميز في هذه جريمة بين نوعين من الوسائل الجرمية‪ ،‬الوسائل المحددة في المادة‬
‫‪ 222‬ق ع‪ ،‬و الوسائل المحددة في المادة ‪ 220‬ق ع‪ ،‬التي دأب الفقه والقضاء على تقسيمهما إلى تزوير‬
‫مادي في الحالة األولى‪ ،‬وتزوير معنوي في الحالة الثانية‪ ،‬سالكا بذلك نهج قانون العقوبات الفرنسي القديم ­‬
‫قانون ‪ ­ 2122‬الذي يعد المصدر المادي له‪ ،‬غير أن النصوص الحالية لقانون العقوبات الفرنسي الجديد ­‬
‫قانون ‪ ­ 2992‬قد ذكرت في المادة ‪ 2­222‬منه على وقوع التزوير بأية وسيلة‪ ،‬حيث أراد المشرع الفرنسي‬
‫‪1‬‬
‫أن يكون النص عاما يشمل التزوير بكل الوسائل العادية‪ ،‬وكذلك الوسائل األخرى المستحدثة‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التزوير المادي‬
‫التزوير المادي هو التحريف الذي يقع على الطبيعة في شكل ومظهر المحرر‪ ،‬فيعدل ويغير في‬
‫الكتابة ويترك آثا ار فيزيائية على بنية المخطوط وحروفه وأرقامه تدل على التحريف والتشويه‪ ،‬بحيث يوجد‬
‫تزوير مادي كلما ترك في المحرر أث ار محسوسا وملموسا‪ ،‬سواء كان ذلك بزيادة أو حذف أو كشط‪ ،‬أو أنشأ‬
‫محرر ال وجود له في األصل ال حقيقة له‪2.‬ووفقا للمادة ‪ 222‬ق ع فإن طرق التزوير المادي في المحررات‬
‫الرسمية أو العمومية هي‪:‬‬
‫‪ -‬وضع توقيعات مزورة‪:‬‬

‫وتعتبر هذه الوسيلة األكثر شيوعا بين طرق التزوير األخرى‪ ،‬إذ أن العامة تكاد تحصر التزوير فيها‬
‫وتخلط بينها وبين الطرق األخرى كاالصطناع وانتحال الشخصية لما في ذلك من تقارب وتشابه‪ 3،‬وهو ما‬
‫يرجع إلى الدور البارز والبالغ األهمية للتوقيع في العصر الحديث‪ .‬حيث تنقسم الكتابة المدونة في محرر‬
‫إلى جزأين رئيسيين‪ ،‬صلب المحرر أو المتن والتوقيعات‪ ،‬بحيث يدون في صلب المحرر كافة البيانات التي‬
‫تتضمنها المعاملة التي يراد إثباتها من بيع أو تداين أو استئجار أو غير ذلك من المعامالت‪ ،‬ويوضع توقيع‬
‫أطراف هذه المعاملة في نهاية المتن‪ ،‬بحيث يعتبر التوقيع القلب النابض في هذا المحرر وذلك من ناحيتين‪،‬‬
‫من الناحية األولى كون التوقيع رمز الشخصية ودليلها‪ ،‬ومن الناحية الثانية يعبر عن ارتباط إرادة صاحب‬

‫‪Art 441 – 1 :«Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causer un préjudice et‬‬
‫‪1‬‬

‫‪accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autre support d'expression de la pensée qui a‬‬
‫‪pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir la preuve d'un droit ou d'un fait ayant des conséquences juridiques.‬‬
‫‪Le faux et l'usage de faux sont punis de trois ans d'emprisonnement et de 45000 € d'amende».‬‬
‫‪ 2‬أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪87‬‬
‫التوقيع بما يتضمنه المحرر من معامالت‪ ،‬وعليه تنقسم التوقيعات من حيث عالقتها بأصحابها إلى توقيعات‬
‫صحيحة‪ ،‬وتوقيعات مزورة‪ 1.‬فيكون التوقيع صحيحا إذا صدر عن صاحبه‪ ،‬أي الشخص المعني قانونا‬
‫وفعال وواقعا بالمحرر‪ ،‬وبالتالي يصلح سندا لالحتجاج به عليه‪ ،‬و يحدث التزوير كلما وقع المزور بإمضاء‬
‫ليس له‪ ،‬ولو كان ما تضمنه المحرر على التوقيع المزور مطابقا للحقيقة تمام المطابقة‪ 2.‬غير أنه إذا كان‬
‫من حق المتهم أن يوقع باسم غيره أو على األقل باسم غير اسمه الرسمي الذي يحمله فإنه ال قيام لجريمة‬
‫التزوير‪ ،‬كما في حالة تفويض التوقيع بشرط عدم إساءة استعمال اإلمضاء‪.‬‬

‫وما يالحظ فيما يتعلق بهذه الطريقة أن المشرع قد استعمل عبارة توقيعات‪ ،‬وهو ما يمكن أن تكون‬
‫كل عالمة من نوع الكتابة أي اإلمضاء أو ما يشبهه العرف بها كالختم أو البصمة‪ .‬كما أن المشرع يكتفي‬
‫بوضع الموظف إمضاء مزور وال يتطلب تقليده‪ ،‬وهو أمر منطقي كون أن الموظف مختص بتحرير المحرر‬
‫المزور فما عليه سوى وضع توقيعات قد تكون غير مشابهة بتاتا للتوقيعات الحقيقية لألشخاص المعنية‪ .‬و‬
‫مع ذلك فقد يلجأ الموظف إلى تقليد التوقيع‪ ،‬و في هذه الحالة ال يشترط إتقان التقليد‪ ،‬إذ ال يشترط التشابه‬
‫بين اإلمضاء الحقيقي وبين اإلمضاء المزور‪ ،‬أو كان بينهما اختالف ظاهر‪ ،‬مادام الجاني يقدم على كتابة‬
‫اسم الغير كتابة يتوخى فيها إيهام الناس بصدور المحرر من صاحب االسم‪ .‬كما يقع التزوير ولو كان‬
‫اإلمضاء منسوبا إلى شخص ال يق أر ولم يسبق له أن وقع‪ ،‬أو نسب إلى شخص مجهول أو ال وجود له كأن‬
‫يكون متوفى‪.‬‬
‫وعليه فإن تحقق التزوير بهذه الطريقة متروك إلى تقدير القاضي حسب ظروف كل قضية‪ ،‬فقد يكون‬
‫التقل يد ظاه ار دون حاجة إلى تعيين خبرة فنية وقد يبدو مشوها ومحو ار للعين المجردة‪ ،‬وقد يصبح بدء بينة‬
‫خطية تصلح أساسا لتعيين خبير في الخطوط‪ ،‬وقد تحيط به مالبسات تؤكد أن الفاعل قد زور التوقيع أو أن‬
‫‪3‬‬
‫من ادعى به هو الذي كتبه‪.‬‬
‫‪ -‬التغيير في المحررات أو الكتابات أو التوقيعات‪:‬‬

‫وتغطي هذه الطريقة كافة أساليب التحريف المادي التي ينصب عليها المحرر بعد الفراغ من تحريره‬
‫والتوقيع عليه من ذوي الشأن‪ ،‬سواء حصل ذلك بطريق التعديل أو اإلضافة أو الحذف‪ 4.‬ويستهدف المزور‬

‫‪1‬‬
‫مديحة فؤاد خضر‪ ،‬الطب الشرعي ومسرح الجريمة والبحث الجنائي‪ .‬المكتب الجامعي الحديث‪ .‬االسكندرية ‪ .2992‬ص ‪.072‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪4‬‬
‫سيد زكريا‪ ،‬عزت عبد القادر‪ ،‬محمد عبد المعز‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير في ضوء الفقه و القضاء‪ ،‬دار الحقانية لتوزيع الكتب القانونية‪،2220 ،‬‬
‫ص‪.222‬‬
‫‪88‬‬
‫بهذه الطريقة اإليهام بأن المحرر كان له منذ تحريره المظهر والفحوى اللذان أصبح عليهما بعد التغيير‪،‬‬
‫وبالتالي تفترض هذه الطريقة توافر شروط معينة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن يقع التغيير بعد االنتهاء من تحرير المحرر‪ ،‬حيث تفترض هذه الطريقة وجود المحرر ذاته ثم‬
‫العبث به بصورة تعطي له مضمونا مغاي ار للمضمون السابق‪ ،‬فإذا ما حدث التغيير أثناء الكتابة وقبل‬
‫‪1‬‬
‫تمامها وقبل التوقيع على المحرر من ذوي الشأن نكون بصدد تزوير معنوي ال مادي‪.‬‬
‫‪ -‬ويجب أن يقع التغيير بغير علم ذوي الشأن وال موافقتهم‪ ،‬فالتغيير الذي يقع في محرر بعلم ذوي الشأن‬
‫وموافقتهم ال يعد تزوي ار وال عقاب عليه سواء وقع قبل تمام المحرر أو بعد التوقيع عليه‪ .‬فاإلضافة أو‬
‫الحذف الذي يرد على المحرر عند تحريره بعلم الموقعين عليه و رضائهم لتصحيح خطأ أو تعديل عبارة‬
‫و جعلها أكثر وضوحا ال يعد تزوي ار ألنه ليس فيه تبديل للحقيقة و لم يقصد به غش أحد‪.‬‬
‫‪ -‬كما يجب أن يترتب تغيير في مضمون المحرر‪ ،‬حيث تفترض هذه الطريقة تشويها في معنى المحرر‪،‬‬
‫و نسبة بيانات إلى الموقعين عليه لم تصدر عنهم‪ ،‬و عليه فال يعد تزوي ار إذا أدخل الموظف على‬
‫المحرر تعديال ماديا ال يمس معناه‪ ،‬كأن يضع خطا تحت أحد البيانات‪ ،‬أو يضيف لفظ جزائري بعد‬
‫لفظ دينار‪ ،‬أو وضع كلمة ال تضيف جديدا إلى معناه مثل كلمة فقط إلى جانب المبلغ الذي يتضمنه‪ .‬و‬
‫مع ذلك فإنه بالنسبة للمحرر الرسمي يحظر التعديل فيه حتى و لو كان التعديل ال يغير المعنى‪ ،‬حتى‬
‫و لو إلجراء تعديل أو تصحيح‪ ،‬إذ يرتكب التزوير من يعدل في محتوى المحرر دون إتباع اإلجراءات‬
‫التي حددها القانون ألنه بذلك يغير الحقيقة النسبية الثابتة فيه‪ ،‬فضال على أن التغيير ينطوي على‬
‫‪2‬‬
‫ادعاء مراعاة اإلجراءات الواجب إتباعها قانونا إلجراء أي تعديل‪ ،‬و هو ادعاء يخالف الحقيقة‪.‬‬

‫ويتخذ التزوير بهذه الطريقة إحدى صور ثالثة وهي‪ :‬اإلضافة‪ ،‬الحذف أو التعديل‪ ،‬ويستوي في‬
‫شأنها أن ينصرف التغيير إلى صلب المحرر أو إلى اإلمضاءات‪ .‬فالتغيير باإلضافة يتم بإدخال تكوينات‬
‫خطية أو بيانات إلى المحرر لم تكن أصال مثبتة به وقت تحريره‪ ،‬كزيادة رقم على مبلغ مثبت على المحرر‪،‬‬
‫أو زيادة كلمة على اسم أو على إمضاء‪ ،‬أو بإضافة عبارات في مواضع متروكة على بياض‪ .‬والتزوير‬
‫بالحذف يتم بحذف كلمة أو حرف أو عبارة أو رقم من المحرر‪ ،‬و يستوي أن يقع ذلك بطريق الكشط أو‬
‫المحو أو الطمس أو اإلزالة بمادة كيميائية‪ .‬أما التزوير بالتعديل فإنه يجمع بين الحذف واإلضافة معا‪ ،‬إذ‬
‫يعني استبدال كلمة بأخرى أو عبارة بغيرها أو تاريخ بآخر أو إمضاء بآخر‪ .‬ومن ذلك طمس إمضاء صحيح‬
‫على العقد ووضع ختم بدال منه لمنع إجراء المضاهاة بين خط من وقع على العقد وخطه في ورقة أخرى‪ ،‬أو‬

‫‪1‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. .222‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪89‬‬
‫أن يطمس الجاني التاريخ المكتوب على العقد ويضع بدال منه تاريخا الحقا ليمد صالحية استعماله‪ ،‬كما‬
‫يعتبر انتزاع إمضاء صحيح موقع به على محرر ولصقه بمحرر آخر تزوي ار ماديا بطريقة تغيير المحرر‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ألنه بفعلته إنما ينسب لصاحب اإلمضاء واقعة مكذوبة هي توقيعه المحرر الثاني‪.‬‬
‫‪ -‬انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪:‬‬

‫ويقصد بذلك التعامل بشخصية الغير أو اسمه‪ ،‬سواء كانت هذه الشخصية حقيقية أو وهمية‪ ،‬وسواء‬
‫كانت موجودة في الواقع أم غير موجودة‪ 2.‬والنص الفرنسي لهذه العبارة أدل على المعنى المقصود إذ يعبر‬
‫عن ذلك ‪ Supposition de personne‬بحيث يغلب استعمال هذه العبارة عندما يكون االسم المنتحل اسما‬
‫على غير مسمى فال يكون لصاحب هذا االسم المزعوم وجود في الواقع‪ ،‬أما إذا انتحل اسم شخص معين‬
‫موجود سمي ذلك استبدال األشخاص ‪ ،Substitution de personne‬فالحلول محل شخصية يقتضي‬
‫‪3‬‬
‫بالضرورة وجود هذه الشخصية في الواقع‪ ،‬أما االنتحال فقد يكون انتحال لشخصية ال وجود لها‪.‬‬
‫وقد أدرج المشرع هذه الطريقة ضمن طرق التزوير المادي‪ ،‬رغم أن الفقه قد أجمع على أنها صورة‬
‫من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬وهي أحق بأن تبحث مع‬
‫التزوير المعنوي ال المادي ألنه يقع أثناء تحرير المحرر وال يترك أث ار تدركه العين‪ ،‬وألنه يتضمن جعل واقعة‬
‫مزورة في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬ولهذا ال بد من التمييز بين انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها الذي‬
‫يعد من قبيل التزوير المادي‪ ،‬وبين انتحال شخصية الغير والحلول محلها الذي يتم في نطاق التزوير‬
‫المعنوي‪.‬‬
‫فيتحقق التزوير المادي بطريقة االنتحال عندما يثبت الموظف في المحرر حضور شخص أو‬
‫أشخاص أثناء تحريره رغم عدم حضورهم بالفعل‪ ،‬أو بأن يضيف اسم شخص لم يكن موجودا بالمحرر‪ ،‬أو‬
‫بأن يحذف االسم الموجود ويضيف اسم شخص آخر بدال منه‪ ،‬وفي هذه الحدود ال تختلف هذه الطريقة عن‬
‫الطريقة الثانية ‪ -‬التغيير في المحررات أو الكتابات أو التوقيعات ‪ -‬إال في كون التغيير يرد على األسماء‬
‫المدونة في المحرر‪ ،‬وذلك إذا حدث التغيير بعد االنتهاء من كتابة المحرر‪ ،‬أما إذا كان وضع األسماء‬
‫المزورة قد تم أثناء كتابة المحرر فقد يتطلب تأييد واقعة الحضور الكاذبة وضع إمضاء أو ختم مزور‪ ،‬وفي‬
‫‪4‬‬
‫هذه الحالة تتداخل هذه الطريقة مع الطريقة األولى من طرق التزوير المادي وهي وضع إمضاءات مزورة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هشام زوين‪ ،‬أحمد القاضي ‪ ،‬البراءة في جرائم تزوير المحررات و المستندات الرسمية و العرفية‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬المكتب الثقافي‪ -‬دار السماح‬
‫للنشر و التوزيع‪ .2222 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292-292‬‬
‫‪90‬‬
‫وعليه يرى الفقه أنه يجب العتبار هذه الطريقة من طرق التزوير المادي أن تقترن بالطريقة األولى‬
‫أو الثانية‪ ،‬ومن ثم ال يكون لها وجود ذاتي يستدعي النص عليها باعتبارها طريقة مستقلة من طرق التزوير‬
‫المادي‪ ،‬واألدق أنها من طرق التزوير المعنوي‪.‬‬
‫ولهذا يبدو قصد المشرع من إدراجها في المادة ‪ 222‬ق ع ضمن طرق التزوير المادي‪ ،‬كون أن‬
‫الموظف عند إثباته حضور شخص أو أشخاص أثناء تحريره حالة كونهم غائبين لم يحضروا قد يحتاج في‬
‫الغالب لتأييد واقعة الحضور الكاذبة إلى وضع إمضاء أو ختم مزور للشخص الغائب‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أن‬
‫يتعمد الموظف إثبات اسم كاذب لمتهم أو شاهد‪ .‬أو يثبت الموظف كذبا أن شخص حضر أمامه وأملى عليه‬
‫عقد أو إقرار بدين‪ ،‬وحرر سندا بهذا المعنى على لسان ذلك الشخص‪ .‬وكما لو أثبت كاتب الجلسة في‬
‫محضر الجلسة أن المدعى عليه حضر واعترف بالدين وهو لم يحضر ولم يعترف بالدين‪ .‬أو أثبت المحضر‬
‫القضائي في أصل التبليغ أنه سلم الصورة إلى شخص المعلن مع أنه سلمها إلى شخص آخر‪ .‬لكن الغالب‬
‫أن يحدث انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها بواسطة أحد األفراد الذي ينتحل شخصية الغير و يثبت‬
‫الموظف ذلك بحسن نية أو سوء نية‪ ،‬حيث يكون المنتحل في الغالب مساهما مع الموظف العمومي أو‬
‫الضابط العمومي الذي يكون الفاعل المادي‪ ،‬وهنا يشترط أن يوقع الشخص على المحرر الذي انتحل فيه‬
‫‪1‬‬
‫شخصية غيره‪.‬‬
‫‪ -‬الكتابة في السجالت أو غيرها من المحررات العمومية أو بالتغيير فيها بعد إتمامها أو قفلها‪:‬‬

‫وتتضمن هذه الطريقة جميع التغييرات في السجالت العمومية منذ إتمامها أو قفلها من طرف الجهات‬
‫المختصة‪ ،‬وكلمة التغيير عامة تنطبق على جميع التغييرات التي تحدث في المحرر فهي تشمل الشطب‪،‬‬
‫الحشر بين السطور أو حتى بين الصفحات‪ ،‬اإلضافة‪ ،‬اإلحالة غير المتفق عليها وغير المتالزمة مع تحرير‬
‫العقد‪ .‬حيث أنه إذا تمت هذه التعديالت بحضور جميع األطراف وفي وقت التوقيع فال يمكن أن تكون سوى‬
‫جزء من نص المحرر نفسه‪ ،‬ألنها تعبر عن اإلرادة المشتركة للحقيقة‪ ،‬حيث تحرص النصوص القانونية‬
‫المتعلقة بتنظيم السجالت العمومية أو بعض المحررات العمومية أن يتم تحريرها وفق شروط شكلية معينة‪،‬‬
‫كأن تك ون الكتابة واضحة مفهومة وسهلة‪ ،‬وعدم التحشير بين السطور أو التعبئة أو أي تعديل آخر‪ ،‬ففي‬
‫حالة أي تعديل ولو كان متفق عليه فيجب أن ينظمه األطراف بالتوقيع عليه أسفل اإلحالة‪ .‬وبالتالي في‬
‫جميع هذه الحاالت ال يتحقق التزوير إال إذا تم إدخاله بعد إتمام العقد أو المحرر‪ ،‬وهكذا فيجب االعتراف‬
‫بوجود التزوير في حالة الموثق الذي يقوم بإضافة مزدوجتين أو فاصلة على وصية مكتوبة بخط اليد يمكنها‬

‫‪1‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪91‬‬
‫‪1‬‬
‫أن تغير المعنى‪ ،‬وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر لها بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر‪.2122‬‬
‫كما ال يهم أن يكون ما يضاف أو يحشر صحيحا أو غير صحيح فالتزوير قائم في جميع الحاالت إذ‬
‫‪2‬‬
‫القانون يمنع بشكل مطلق إضافة أو حشر في السجالت والمحاضر بعد إتمامها أو قفلها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التزوير المعنوي‬
‫التزوير المعنوي ال يتعرض لشكل المحرر وظاهره اللذان يبدوان صحيحين سليمين‪ ،‬بحيث يبقى‬
‫المضمون الحرفي قائما‪ ،‬وانما يرد التحريف على روح المحرر عبر كتابته‪ ،‬فيتناول جوهره وظروفه حسب ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 220‬ق ع‪ ،‬فيطعن في محتواه بتشويه و تحريف الوقائع و البيانات و التصريحات الواردة‬
‫فيه‪ ،‬بحيث ال يدرك الحس أثره‪ ،‬مثال ذلك أن يقوم الموظف المختص بتدوين بيانات ينسبها إلى الغير‬
‫متضمنة وقائع تخالف الحقيقة‪ .‬وبالرجوع إلى المادة ‪ 220‬ق ع فإن طرق التزوير المعنوي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬كتابة اتفاقات خالف التي دونت أو أمليت من األطراف‪:‬‬

‫يقع التزوير بهذه الطريقة كلما غير الموظف العمومي المكلف بتحرير المحرر محل التزوير االتفاقات‬
‫التي طلب منه ذ وو الشأن إثباتها في المحرر‪ ،‬وقد تكون هذه االتفاقات عبارة عن بيانات أو شروط أو‬
‫إق اررات‪ ،‬وبصفة عامة كل ما يصدر عن أصحاب الشأن ويتعين على الموظف كتابته‪ ،‬ويستوي أن تكون هذه‬
‫االتفاقات قد تلقاها بصفة كتابية أو شفهية وهو ما قصده المشرع بعبارة «‪ ...‬اتفاقات دونت أو أمليت من‬
‫األطراف ‪ ، »...‬كما يقصد باألطراف ذوي الشأن والمصلحة‪ ،‬حيث ال يشترط كما يبدو و ظاهر النص‬
‫صدور األقوال و البيانات عن المتعاقدين‪ ،‬ألن األقوال كما قد تصدر عن طرفين أو أكثر قد تصدر عن إرادة‬
‫منفردة‪ ،‬كما يستوي أن يكون التزوير بهذه الطريقة شامال االتفاق بأكمله أو يكون قاص ار على جزء منه أو‬
‫‪3‬‬
‫على بيان من بياناته‪.‬‬
‫وترتبط هذه الصورة لوحدها من بين الصور المتعددة للتزوير المعنوي بالمبدأ العام الذي يسود حاالت‬
‫التزوير المعنوي المشار إليها و هو تشويه وافساد المحرر في موضوعه فقط دون ظروفه‪ ،‬فالفرض أن‬
‫الجاني ال ينسب كل بيانات المحرر لنفسه بل ينسب بعضها للغير‪ ،‬ثم إنه يخالف ما أماله عليه الغير ويدون‬
‫البيانات مخالفة ومشوهة فيغير مضمون المحرر‪ ،‬وعليه ينصرف التزوير بهذه الطريقة إلى تغيير األقوال أو‬
‫اإلق اررات أو االتفاقات التي كان يتعين إثباتها على لسان صاحب الشأن‪ ،‬وهو يختلف عن تغيير الوقائع‪ ،‬فإذا‬
‫أثبت مثال ضابط الشرطة القضائية في محضر التفتيش أن المشتبه به أقر بملكية المضبوطات على خالف‬

‫‪1‬‬
‫‪George PEGAT, du crime de faux en écritures, dissertation présentée a la Faculté de Droit de TOULOUSE pour‬‬
‫‪obtenir le grade de docteur. Imrimerie de l’acadimie. 2120. P10.‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫‪3‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪92‬‬
‫الحقيقة فإن اإلقرار هنا يأخذ حكم الواقعة والتغيير فيها يدخل من باب أولى ضمن الطريقة الثانية وهي جعل‬
‫واقعة مزورة على أنها واقعة صحيحة‪ ،‬أما إذا غير أقوال المشتبه فيه في محضر سماع األقوال فإننا نكون‬
‫‪1‬‬
‫أمام الطريقة األولى من التزوير المعنوي‪.‬‬
‫والتزوير بهذه الطريقة ال يتصور وقوعه إال من موظف عمومي‪ ،‬ألن الورقة الرسمية ال يحررها إال‬
‫موظف مختص‪ ،‬فإذا أنشأ أحد األفراد عقد مزو ار على صورة العقود الرسمية و ضمنه إق اررات لم تصدر عمن‬
‫نسب العقد إليه كان ذلك تزوي ار بطريق االصطناع ال بطريق تغيير إقرار أولي الشأن‪ ،‬و لكن يتصور وقوعه‬
‫‪2‬‬
‫من أفراد الناس في محرر عرفي‪.‬‬
‫وتكمن خطورة هذه الطريقة في أن الموظف يسيء استغالل الثقة التي وضعها فيه أصحاب‬
‫المصلحة‪ ،‬فقد يستغل جهلهم أو إهمالهم في تحري تغيير االتفاقات الصادرة عنهم‪ ،‬ومن هذا المنطلق ال‬
‫يجوز للموظف الدفع بانتفاء القصد الجنائي كونه قام بتالوة المحرر على أصحاب الشأن فوقعوه بعد تالوته‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫أو كان في وسع المجني عليه مالحظة التغيير الذي أدخل على أقواله ولكنه لم يفعل إهماال منه‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن وضع الموظف في هذه الحالة ال يخرج عن أحد الفروض الثالثة‪ :‬إما أن يكون سيء‬
‫النية فيغير ما أملى عليه دون أن يالحظ أصحاب الشأن ذلك‪ ،‬و حينئذ يسأل الموظف وحده باعتباره فاعال‬
‫أصليا لجريمة التزوير في المحررات الرسمية‪ ،‬أو أن يكون الموظف متواطئا مع أحد األطراف على كتابة‬
‫غير الذي صرح به أصحاب العالقة‪ ،‬ففي هذه الحالة يسأل الموظف باعتباره فاعال أصليا ومن تواطأ معه‬
‫باعتباره شريكا‪ .‬أما الفرضية الثالثة هي أن يكون الموظف حسن النية بحيث ال يعلم بأن ما يمليه عليه‬
‫صاحب الشأن مخالف للحقيقة‪ ،‬ففي هذه الحالة يسأل صاحب الشأن الذي أملى هذه البيانات وحده دون‬
‫الموظف باعتباره شريكا‪.‬‬
‫كما تتميز هذه الطريقة بصعوبتها في اإلثبات‪ ،‬إذ ال يتيسر ذلك سوى بمقارنة ما كتبه الجاني مع ما‬
‫كان يجب عليه أن يكتبه‪ ،‬واثبات ما كان يجب عليه أن يكتبه أمر صعب‪ 4.‬ومن أمثلة التزوير بهذه الطريقة‬
‫الموثق الذي يط لب منه المتعاقدان تحرير عقد بيع فيحرر عقد إيجار‪ ،‬أو إذا أثبت ثمنا للبيع يزيد عن الثمن‬
‫الذي حدده المتعاقدان‪ ،‬وكذلك ضابط الحالة المدنية إذا أثبت في عقد الزواج صداقا أزيد أو أقل من المبلغ‬
‫الذي قرره الزوجان‪ ،‬واذا قام كاتب قاضي التحقيق مثال أو كاتب الجلسة في المحكمة بتغيير ما أفاد به‬
‫‪5‬‬
‫المتهم أو الشاهد أو طلب إثباته في محضر التحقيق أو محضر الجلسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.001‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أمين‪ ،‬بك مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪3‬‬
‫فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229 -221‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220-222‬‬
‫‪5‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ -‬تقرير وقائع يعلم أنها كاذبة في صورة وقائع صحيحة‪:‬‬

‫وتعني هذه الطريقة كل إثبات لواقعة على غير حقيقتها‪ ،‬فكل تحريف أو تشويه أيا كان يدخله الموظف‬
‫على الوقائع التي يثبتها في المحرر حال تحريره يعد تزويرا‪ ،‬و تعد هذه الطريقة أوسع طرق التزوير و‬
‫أعمها و أكثرها وقوعا‪ ،‬حيث يكاد يجمع الفقه الجنائي‪ 1‬على أن هذه الطريقة لو أخذت لوحدها و طبقت‬
‫على أي تزوير معنوي لشملته و استوعبته نظ ار لصياغتها العامة‪ ،‬فهي تتضمن بذاتها الطريقة السابقة‬
‫وتغني عنها‪ ،‬بل أن هذه الطريقة هي جوهر التزوير في ذاته ماديا كان أو معنويا‪ ،‬فكل تزوير أيا كانت‬
‫طريقته ليس سوى جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪.‬‬
‫غير أن جانب آخر من الفقه يرى أن هناك اختالف بين طريقة جعل واقعة مزورة في صورة واقعة‬
‫صحيحة‪ ،‬وبين الطريقة السابقة وهي تغيير إقرار أولي الشأن‪ ،‬حيث يتعين في هذه الحالة األخيرة أن يقوم‬
‫الموظف بتغيير اإلق اررات الصادرة من أصحاب الشأن‪ ،‬بينما يتحقق التزوير في الحالة األولى ولو أثبت‬
‫الموظف في الورقة واقعة مزورة اختلقها هو وجعلها في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬فحصل بذلك تغيير في‬
‫موضوع الورقة أو أحوالها من شأنه إحداث ضرر بأحد األفراد أو المصلحة العامة‪ ،‬كما أن كل تغيير إلقرار‬
‫أولي الشأن هو جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬غير أن هذه األخير أوسع من سابقتها فتشمل‬
‫‪2‬‬
‫صو ار أخرى ال تشملها تلك‪.‬‬
‫وال يتحقق التزوير المعنوي بهذه الطريقة إال في الحالة التي يكون فيها ذكر الواقعة في المحرر‬
‫يعطيها القوة الثبوتية الحاسمة ويمنحها صفة الواقعة الصحيحة‪ ،‬ولذلك فإن مجرد كتابة وقائع غير صحيحة‬
‫مع العلم بصفتها تلك غير كافي لقيام جريمة التزوير المعنوي‪ ،‬بل ال بد أن تكون كتابة الموظف المختص‬
‫للواقعة المزورة يمنحها قوة إثبات قانونية باعتبار أنها صادرة عن موظف عمومي أثناء تأديته لوظيفته‪،‬‬
‫كضابط الشرطة القضائية الذي يسجل أقوال المشتبه فيه‪ ،‬فال يكون مزو ار و لو كان يعلم بعدم صحة هذه‬
‫األقوال‪ ،‬ألن تدوينها في المحرر الرسمي ال يعطيها أية قوة إثباتية بل تبقى مجرد تصريحات منسوبة إلى‬
‫أصحابها تحتمل الصدق أو الكذب‪.‬‬
‫وال تتحقق هذه الطريقة من التزوير المعنوي بتقرير وقائع كاذبة فقط‪ ،‬وانما يمتد األمر كذلك إلى‬
‫تقرير ظروف كاذبة التي يقتصر فيها تصرف الفاعل على التأثير على صحة أو بطالن المحرر أو سالمته‬

‫‪1‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .97‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .222‬فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .92‬محمد زكي أبوعامر‪،‬‬
‫سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .009‬علي عبد القادر القهوجي ص ‪ .222‬فرج علواني هليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد علي سكيكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪94‬‬
‫القانونية‪ ،‬فالصورة الحاضرة تتعلق بتشويه ظروف العقد أو البيان‪ ،‬أي الوقائع و المالبسات التي تحيط به‬
‫‪1‬‬
‫وتنتزع منه حقيقته‪.‬‬
‫وبمناسبة هذه الطريقة من التزوير المعنوي ثار تساؤل فقهي حول ما إذا كانت اآلراء التي يبديها‬
‫الخبراء بمناسبة البحث في مسألة فنية بالمخالفة للحقيقة تعد من قبيل التزوير المعنوي بجعل واقعة مزورة في‬
‫صورة واقعة صحيحة؟‬
‫يفرق الفقه الجنائي في معالجة هذه المسألة بين حالتين‪ ،‬بين التغيير في محض الوقائع وبين التغيير‬
‫في الرأي الفني‪ ،‬فنكون بصدد تزوير بطريقة جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة إذا انصب تغيير‬
‫الحقيقة على الوقائع التي يقوم عليها الرأي الفني للخبير كأن يثبت الطبيب الشرعي أن بالمجني عليه‬
‫إصابات من نوع معين ال وجود لها في الواقع‪ ،‬أو الخبير الزراعي الذي يثبت أن األرض بور غير صالحة‬
‫للزراعة في حين أنها مزروعة‪ ،‬أما الرأي الفني الذي ينتهي إليه الخبير فال يكون محال للتزوير حتى ولو كان‬
‫مخالفا للحقيقة‪ ،‬ألنه استنتاج يبنى على أصول وقواعد فنية يتفاوت في اإللمام بها وتقدير أهميتها الخبراء‪،‬‬
‫كما أن العقاب على ذلك يؤدي إلى دفع الخبير إلى االمتناع عن إبداء رأيه مخافة التعرض للعقاب‪ ،‬وهو ما‬
‫يؤدي في النهاية إلى التأثير على العدالة‪ ،‬وعليه ال يعد مزو ار الطبيب الشرعي الذي ينتهي في رأيه إلى أن‬
‫اإلصابة الموصوفة بالتقرير و المطابقة للواقع من شأنها أن تحدث عاهة مستديمة يستحيل شفاؤها و ذلك‬
‫على خالف طبيعة هذا النوع من اإلصابات‪ 2.‬ومن تطبيقات هذه الصورة‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعطي الموظف للمحرر تاريخا غير تاريخه الحقيقي أو يثبت أنه حرر في مكان غير المكان الذي‬
‫حرر فيه حقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يذكر حضور شهود حالة أنه لم يحضر الشهود تحرير المحرر‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يثبت المحضر القضائي في محضر حجز خالفا للحقيقة عدم وجود منقوالت في مسكن المطلوب‬
‫الحجز عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يقرر المحقق في محضر التحقيق أنه لم يعثر في مسكن المتهم على أشياء متعلقة بالجريمة و ذلك‬
‫على خالف الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬ومحرر شهادات الوفيات والمواليد إذا غير تاريخ الميالد أو الوفاة في الشهادة أو غير في جنس المولود‬
‫أو المتوفى‪.‬‬
‫‪ -‬وضا بط الشرطة القضائية الذي يقوم بتفتيش منزل خارج الميعاد القانوني مخالفا القانون‪ ،‬و يتعمد لتفادي‬
‫بطالن اإلجراء اإلشارة إلى أن التفتيش تم في الميقات القانوني‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.92-92‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .022‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪95‬‬
‫‪ -‬والقاضي الذي يعتمد في أسباب حكمه تصريحات على أنها ثابتة في محضر التحقيق االبتدائي‪ ،‬بينما لم‬
‫تثبت هذه التصريحات في المحضر‪ ،‬أو على األقل لم يصادق عليها و تعمد القاضي عد إثارة بطالنها‪.‬‬
‫‪ -‬شهادة الموظف كذبا أن وقائع قد اعترف بها أو وقعت في حضوره‪:‬‬

‫ويبدو أن التزوير المعنوي بهذه الطريقة يندرج ضمن الطريقة السابقة‪ ،‬على أساس أن من أثبت اعتراف‬
‫شخص بواقعة معينة في حين أنه لم يعترف بها قد أعطى هذا االعتراف و هو واقعة لم تحصل صورة‬
‫الواقعة التي حصلت‪ ،‬أي أنه أعطى واقعة مزورة صورة واقعة صحيحة‪ .‬كما تندرج ضمن الطريقة األولى و‬
‫التي تتمثل في كتابة اتفاقات خالف التي دونت أو أمليت من األطراف ألن االعتراف إقرار‪ ،‬و بالتالي فإن‬
‫ورودها في النص تزيدا ال داعي له‪ .‬ومع هذا فقد عنى المشرع بذكرها زيادة في الحيطة و مالحقة مرتكب‬
‫التزوير حتى ال يحاول اإلفالت من المساءلة‪ .‬ومن أمثلة التزوير التقليدية بهذه الطريقة أن يثبت القاضي أن‬
‫المتهم قد اعترف بالجريمة المنسوبة إليه في حين أنه لم يعترف بذلك‪ ،‬أو أن يثبت الموثق أن البائع أقر أنه‬
‫قبض الثمن كامال في حين أنه لم يقر بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وأخي ار إسقاط أو تغيير اإلق اررات التي تلقاها الموظف عمدا‪:‬‬

‫وتتعلق هذه الطريقة بالتزوير بالترك‪ ،‬حيث نص المشرع على هذه الصورة بصفة مستقلة ضمن التزوير‬
‫المعنوي بما ال يترك مجاال للجدل حول إمكان قيام جريمة التزوير بالترك‪ .‬و قد أثار كما سبق القول جدل و‬
‫صعوبة في اعتبارالتزوير متحققا في هذه الحالة‪ ،‬على أساس أن المحرر خال من أي بيان مخالف للحقيقة‪،‬‬
‫إذ أن الصمت ال يمكن اعتباره كذبا‪ ،‬كما أن التغيير يقتضي عمال إيجابيا من جانب مرتكبه و الذي يترك‬
‫شي ئا كان يجب إثباته ال يأتي عمال من هذا القبيل‪ ،‬فالمحرر يبقى بعد الترك كما كان قبله خاليا من كل بيان‬
‫مغاير للحقيقة‪ ،‬و مع ذلك فقد استقر الفقه الجنائي‪ 1‬على وقوع التزوير بالترك مستندا في ذلك إلى المبررات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إن الجدل السابق يصدق على التزوير المادي ال التزوير المعنوي‪ ،‬ألن التزوير المادي يفترض عمال‬
‫إيجابيا يصدر عن الجاني يتمثل في التغيير المادي الملموس في المحرر بإحدى الطرق المنصوص‬
‫عليها قانونا‪.‬‬
‫‪ -‬وان التزوير المعنوي يعني في هذه الحالة إغفال بيان كان يتوجب إثباته في المحرر بحيث يؤدي إلى‬
‫تغيير المعنى اإلجمالي لذلك المحرر‪ ،‬فاألمر ال يتعلق بإمضاء مزور أو تزوير اسم‪ ،‬ولكن يتعين النظر‬
‫إلى وجود التزوير من عدمه بناءا على نظرة شاملة للمحرر في مجموعه‪ ،‬و بمعنى آخر ال يجب أن‬

‫‪1‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .،222‬عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .202‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪96‬‬
‫يقتصر النظر على الجزء الذي حصل تركه بل ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في‬
‫مجموعه‪ ،‬فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدى هذا المجموع اعتبر تغيي ار للحقيقة و بالتالي تزوي ار‬
‫معاقبا عليه‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا الرأي فإن التزوير بالترك صورة من صور التزوير المعنوي‪ ،‬على أساس أن‬
‫االمتناع من شأنه أن يشوه المعنى الذي يجب أن يعبر عنه‪ ،‬كما أن إغفال واقعة قد يقوم به الدليل على عدم‬
‫حصولها في حين أنها حصلت بالفعل‪ .‬حيث يتناول اإلغفال جوهر العقود إذ يجد فيها فراغا و نقصا على‬
‫مستوى الزيادة أو اإلضافة‪ ،‬بحكم المبدأ العام القائل بوجوب تدوين كافة ما أدلى به أمام الموظف المختص‬
‫‪1‬‬
‫في المحرر الرسمي‪ ،‬إذ يخشى أن يضفي هذا الفراغ جوا مناقضا للحقيقة يلف المستند بكامله جوه ار وكتابة‪.‬‬
‫ولذلك فإن المشرع نص على هذه الطريقة بصفة صريحة‪« :‬إسقاط و تغيير اإلق اررات التي تلقاها‬
‫الموظف عمدا»‪ ،‬ويعني ذلك إغفال الموظف ذكر ما تلقاه من ذوي الشأن كليا ­ وهو المقصود بإسقاط ­ أو‬
‫جزئيا ­و هو ما يقصد بالتغيير­‪ ،‬أي إذا أورد الفاعل األمر على وجه غير صحيح‪ ،‬كأن يدون المحاسب في‬
‫شركة مبلغا أقل مما قبضه واقعا‪ ،‬وأخذ الفرق لمصلحته الخاصة‪.‬‬
‫ويعتبر التزوير غير محقق إذا لم ينتج عن اإلغفال تحريف الحقيقة‪ ،‬كما لو أغفل الموظف تدوين ما‬
‫قبضه ولكنه سدد كامل المبلغ المقبوض إلى الجهة الرسمية‪ ،‬أو كما لم يشر الموظف إلى الواقعة التي تحقق‬
‫منها و لكنه تابع سير اإلجراءات كأن الواقعة موجودة بالفعل‪ ،‬بحيث يعد هذا اإلغفال ناتجا عن سهو أو‬
‫‪2‬‬
‫إهمال‪ ،‬وبالتالي عدم توافر نية الغش‪ ،‬فاإلغفال من قبيل اإلهمال وليس التزوير‪.‬‬
‫وقد يقع التزوير بطريق مختلط‪ ،‬أي بفعل إيجابي وفي الوقت نفسه بطريق سلبي‪ ،‬وذلك عند إنشاء‬
‫المحرر حيث يكون فيه السلوك مركبا من ترك بيانات كان يجب ذكرها و ذكر بيانات كان يتعين تركها‪ ،‬فهو‬
‫مزيج من امتناع وفعل‪ ،‬وال خالف على وجوب العقاب في هذه الحالة‪ ،‬ومثال ذلك أال يثبت الموثق شروط‬
‫اتفق عليها المتعاقدان‪ ،‬وهو بذلك يترك بيانا يجب عليه أن يورده في العقد‪ ،‬وفي نفس الوقت يضع توقيعا‬
‫مزو ار ألحد طرفي‬
‫‪3‬‬
‫العقد إضرار بالطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد علي جعفر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪97‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التمييز بين التزوير المادي و التزوير المعنوي‬
‫من خالل تعريف كل من التزوير المادي و التزوير المعنوي و تحديد طرق كل منهما فإن للتمييز‬
‫بينهما أهمية تظهر من خالل إبراز أوجه اإلختالف بينهما وهي من حيث‪:‬‬
‫‪ -‬اإلثبات‪ :‬يعد التزوير المادي أسهل إثباتا من التزوير المعنوي‪ ،‬ويرجع ذلك إلى ترك التزوير المادي‬
‫مظاهر وعالمات مادية‪ ،‬وهي من قبيل الكشط أو المحو أو الطمس أو تقليد خط الغير أو نسبة كتابة‬
‫أو إمضاء إلى غير صاحبها أو اصطناع محرر بأكمله‪ ،‬بحيث يمكن الكشف عنها بالعين المجردة أو‬
‫باالستعانة بالخبرة الفنية‪ ،‬وبذلك تكون الدليل على حصوله‪ ،‬في حين ال يوجد مثل هذه اآلثار في حالة‬
‫التزوير المعنوي الذي يفترض أن المحرر ال يتضمن مظاهر مادية يستدل بها على العبث به‪ ،‬ذلك أن‬
‫التزوير يرد على المعاني التي كان يجب أن يعبر عنها المحرر وفقا إلرادة من ينسب إليه‪ ،‬فمظهر‬
‫المحرر ال يكشف عن التزوير‪ ،‬وانما يقتضي التحقق من التزوير معرفة الحقيقة من مصادر أخرى‪،‬‬
‫كالكشف عن إرادة من ينسب إليه المحرر‪ ،‬أو تحري صدق الوقائع التي تثبتها بياناته‪ ،‬فإن ثبت‬
‫‪1‬‬
‫االختالف بين الحقيقة وما تضمنته بيانات المحرر كان ذلك الدليل على وجود التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬وقت ارتكاب التزوير‪ :‬األصل أن التزوير المعنوي يقع في وقت معاصر لتنظيم العقد أو تحرير المحرر‬
‫المطعون فيه‪ ،‬دون أن يتجاوز في ذلك تاريخا الحقا وهو ما تضمنه النص القانوني للمادة ‪ 220‬بصورة‬
‫صريحة‪ « :‬يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية‪ ،‬قام أثناء تحريره‬
‫محررات من أعمال وظيفته‪ ،» ...‬وذلك ألن التحوير يتم عند التحرير‪ ،‬وضبط إرادة وتصريحات الفرقاء‬
‫فيه‪ ،‬بينما قد يحصل التزوير المادي أثناء تدوين المحرر‪ ،‬وفي غالب األحيان يرتكب بعد الفراغ من‬
‫‪2‬‬
‫تحريره‪.‬‬
‫‪ -‬المساهمة الجنائية‪ :‬يبرز دور الفاعل األصلي في التزوير المادي أكثر من دوره في التزوير المعنوي‪ ،‬إذ‬
‫يقدم على التزوير المادي لوحده دون الحاجة إلى الغير‪ ،‬ويلجأ إلى االفتعال بظاهر المحرر على علمه‬
‫المسبق بالنتيجة‪ ،‬فقد تتوافر المساهمة الجنائية أم ال مادام هذا التحريف هو واحد‪ ،‬أما في التزوير‬
‫المعنوي فالفاعل األصلي يرتبط مع مختلق البيان الكاذب‪ ،‬ويبقى دور الموظف العمومي متأرجحا حتى‬
‫ثبوت علمه بمحتوى العقد عند سماعه إياه أو تنظيمه له‪ .‬وفي هذا الشأن قررت المحكمة العليا في قرار‬
‫لها صادر بتاريخ ‪ 20‬ديسمبر‪ 2919‬في الطعن رقم ‪ 222-22‬جاء فيه‪ « 3:‬ولما كان جعل الواقعة‬
‫الكاذبة في صورة الواقعة الصحيحة يعد طريقا من طرق التزوير المعنوي‪ ،‬فلقد اعتبر شريكا في الجناية‬

‫‪1‬‬
‫محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد علي فينو‪ ،‬مرجع سابقن ص ‪.227‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ ،2919/22/20‬في الطعن رقم ‪ ،22-222‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪98‬‬
‫الشخص الذي قدم تصريحات غير مطابقة للحقيقة أمام المصالح اإلدارية المختصة قصد تثبيت زواج‬
‫صوري لتمكين الحصول على تعويضات غير مستحقة على إثر حادث مرور»‪.‬‬

‫ويفهم من هذا القرار أنه في حالة التزوير المعنوي فإن مقدم التصريحات الكاذبة أمام الموظف‬
‫المختص بتدوينها في محرر رسمي يعد شريكا في جميع األحوال‪ ،‬سواء كان الموظف عالما بتغيير الحقيقة‬
‫و في هذه الحالة يعد فاعال أصليا‪ ،‬أم كان غير عالم بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬عدم صحة الواقعة الواردة في المحرر هي أساس التزوير المعنوي‪ ،‬إذ ال يشكل المحرر تزوي ار إال لكونه‬
‫يعبر عن شيء مخالف للحقيقة‪ ،‬فال يسأل الموثق لكونه تعمد مخالفة إرادة الوصي وليس لكونه ترجم تلك‬
‫اإلرادة بطيش واستخفاف‪ .‬وعلى العكس ليس من الضروري في التزوير المادي البحث عما إذا كانت‬
‫الواقعة التي ينقلها صحيحة أو غير صحيحة‪ ،‬إذ ليس من الجائز ألي شخص أن يصطنع لنفسه بينة‬
‫‪1‬‬
‫مكتوبة‪ .‬وعليه قضي بإدانة من صنع نسخة مطابقة تماما لوثيقة كانت موجودة فعال ثم اختفت‪.‬‬

‫واألصل أن التفرقة بين التزوير المادي والتزوير المعنوي إنما هي تفرقة من حيث الوسيلة المستعملة‬
‫فقط‪ ،‬فالشارع ال يفرق من حيث العقاب بينهما‪ ،‬فمن يزور محرر تزوي ار ماديا يعاقب بذات العقوبة المقررة‬
‫في حالة تزوير المحرر تزوي ار معنويا‪ ،‬فطرق التزوير جميعها تندرج تحت مطلق التعبير بتغيير الحقيقة‪ ،‬وكل‬
‫طريقة تكفي لترتيب المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة‬
‫تعاقب المادتان ‪ 220-220‬ق ع بالسجن المؤبد القاضي أو الموظف أو الضابط العمومي الذي‬
‫يرتكب تزوي ار في المحررات العمومية أو الرسمية أثناء تأدية وظيفته بإحدى طرق التزوير المادي أو المعنوي‬
‫المبينة سابقا‪.‬‬
‫ونظ ار لكون جريمة التزوير المنصوص عليها في المادتين ‪ 220-222‬ق ع جناية فإن العقوبات‬
‫التكميلية المتمثلة في الحجر القانوني و الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية و المدنية و العائلية تطبق بقوة‬
‫القانون تطبيقا لنص المادة ‪9‬مكرر من قانون العقوبات‪ «:‬في حالة الحكم بعقوبة جنائية تأمر المحكمة وجوبا‬
‫بالحجر القانوني الذي يتمثل في حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة‬
‫األصلية»‪ .‬و نص المادة ‪9‬مكرر‪ 2‬من نفس العقوبات‪ «:‬في حالة الحكم بعقوبة جنائية يجب على القاضي‬
‫أن يأمر بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها أعاله‪ ،‬لمدة أقصاها عشر سنوات‪ ،‬تسري‬

‫‪1‬‬
‫أحسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪99‬‬
‫من يوم انقضاء العقوبة األصلية أو اإلفراج عن المحكوم عليه» ‪ .‬كما يمكن تطبيق العقوبات التكميلية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫كما أن الشروع في ارتكاب هذه الجريمة معاقب عليه بنفس العقوبات المقررة للجريمة التامة طبقا‬
‫لنص المادة ‪ 22‬من قانون العقوبات‪ «:‬كل محاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال ال‬
‫لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو بم يخب أثرها إال نتيجة لظروف‬
‫مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها»‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية من طرف شخص غير ذي صفة‬
‫تنص المادة ‪ 222‬ق ع‪ «:‬يعاقب بالسجن المؤقت من عشر (‪ )22‬سنوات إلى عشرين (‪ )22‬سنة‬
‫وبغرامة من ‪2.222.222‬دج إلى ‪2.222.222‬دج‪ ،‬كل شخص‪ ،‬عدا من عينتهم المادة ‪ ،220‬ارتكب تزوي ار‬
‫في محررات رسمية أو عمومية‪:‬‬
‫‪ -‬إما بتقليد أو بتزييف الكتابة أو التوقيع‪.‬‬
‫‪ -‬و إما باصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬واما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو‬
‫إلثباتها‪.‬‬
‫‪ -‬واما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها»‪.‬‬

‫فيتطلب لقيام هذه الجريمة توفر األركان العامة للتزوير في المحررات‪ ،‬كما يفترض باإلضافة إلى‬
‫ذلك أن يكون المحرر الذي غيرت فيه الحقيقة محرر رسمي‪ ،‬وأن يكون الجاني شخص غير الموظف‬
‫المختص بإثبات البيانات التي غيرت فيها الحقيقة ﴿ الفرع األول‪ :‬صفة الجاني ﴾‪ .‬كما حدد المشرع طرق‬
‫التزوير التي يمكن أن تقع بها هذه الجريمة على سبيل الحصر﴿الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير﴾‪.‬‬
‫وقد أعطى المشرع جريمة التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية المرتكبة من طرف أشخاص‬
‫عاديين وصف جناية تستوجب عقوبات جنائية صارمة‪ ،‬غير أنها ليست بالصرامة المقررة في حالة التزوير‬
‫المرتكب من طرف األشخاص المحددين في المواد ‪ 220-222‬ق ع‪ ،‬فهي ليست مبررة في هذه الحالة‬
‫بصفة الفاعل وانما ترتكز فقط على أهمية المحررات محل التزوير ­ المحررات الرسمية أو العمومية ­‪،‬‬
‫وبالتالي جسامة الضرر الذي يمكن أن يترتب عن تزويرها للغير﴿ الفرع الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي ﴾‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫الفرع األول‪ :‬صفة الجاني( ارتكاب التزوير من أحد الناس)‬
‫من خالل نص المادة ‪ 222‬ق ع فإنه لقيام هذه الجريمة فالبد من توافر الشرطين المسبقين التاليين‪:‬‬
‫‪ -‬أن يقع التزوير في محرر رسمي‪.‬‬
‫‪ -‬أن يقع التزوير من كل شخص عدا من عينتهم المادة ‪ 220‬ق ع‪.‬‬

‫وكما سبق بيان المقصود بالمحرر الرسمي‪ ،‬فإننا نحيل في شأنه ما سبق أن أوضحناه سلفا‪ .‬أما بالنسبة‬
‫لصفة الجاني في هذه الصورة من التزوير فقد وردت في نص المادة ‪ 222‬ق ع بتعبير« كل شخص عدا‬
‫من عينتهم المادة ‪ 220‬ق ع»‪ ،‬وقد وفق المشرع في تحديد صفة الفاعل بدقة من خالل هذه الصياغة‪ ،‬حيث‬
‫تفادى اإلشارة إلى هذا الشرط بعبارات قد تثير الجدل في تفسيرها بما يتناسب مع طبيعة هذه الجريمة‪ ،‬كأن‬
‫يستعمل عبارة كل شخص غير موظف أو كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية‪ ،‬و هوما يوحي أن‬
‫حكم النص في هذه الحالة يقتصر على الشخص العادي الذي ال تثبت له صفة الموظف العام مطلقا‪،‬‬
‫ويترتب على ذلك أن الموظف العام الذي ال يتصل بالمحرر الرسمي الذي زوره أو الموظف الذي ال يرتكب‬
‫التزوير أثناء تأدية وظيفته يفلت من عقوبة التزوير‪ ،‬سواء عقوبات التزوير المقررة في المادتين ‪220-222‬‬
‫ق ع لتخلف الشروط المتطلبة فيها‪ ،‬أو عقوبات التزوير المقررة في المادة ‪ 222‬ق ع لكونها تشترط أن ال‬
‫يكون من أرباب الوظائف العمومية‪ 1،‬وهو األمر الذي ال يقبله العقل وال المنطق القانوني‪ ،‬ولهذا فقد قصد‬
‫المشرع تحديد صفة الجاني في هذه الجريمة بكل شخص عدا من عينتهم المادة ‪ 220‬ق ع‪ ،‬وبالتالي تشمل‬
‫هذه العبارة‪:‬‬
‫كل فرد عادي من آحاد الناس ال تتوافر فيه صفة الموظف العام على اإلطالق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬كل شخص لم تثبت له صفة الموظف العمومي بعد أن زالت عنه تلك الصفة أثناء ارتكابه فعل تغيير‬
‫الحقيقة‪ ،‬ويكون ذلك في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬كل موظف غير مختص‪ ،‬أي ليست له صالحية تحرير المحرر أو التدخل فيه قانونا‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان التزوير غير واقع من الموظف في أثناء تأدية الوظيفة‪ ،‬كما في حالة عزله أو توقيفه‪.‬‬
‫‪ -‬كل موظف كلف بصورة غير قانونية لتحرير المحرر أو التدخل فيه‪.‬‬

‫فإذا صدر فعل تغيير الحقيقة من أحد هؤالء األشخاص على محرر رسمي‪ ،‬واتجهت إرادته إلى ذلك‬
‫‪2‬‬
‫قامت جناية التزوير في محرر رسمي من غير الموظف المختص واستحق العقوبة المقررة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فتوح عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272-229‬‬
‫‪101‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص غير ذي صفة‬
‫تشترط المادة ‪ 222‬ق ع لتطبيقها وقوع تزوير في محرر رسمي أو عمومي بإحدى الطرق التالية‪:‬‬
‫‪ -‬التقليد‪.‬‬
‫‪ -‬االصطناع‪.‬‬
‫‪ -‬اإلضافة أو اإلسقاط أو التزييف‪.‬‬
‫‪ -‬انتحال الشخصية أو الحلول محلها‪.‬‬

‫ولقد ورد النص على هذه الطرق على سبيل الحصر ال المثال‪ ،‬و هو ما التزم به التطبيق القضائي‪،‬‬
‫ومنها ما قضت به المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ ‪ 2‬أفريل ‪ 2912‬جاء فيه‪:‬‬
‫« لما كان من المستقر قضاءا أن األسئلة المتعلقة باإلدانة يجب تحت طائلة البطالن أن تتضمن كافة‬
‫عناصر الجريمة‪ ،‬فإنه من الالزم أن يبين في السؤال المتعلق بالجناية المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬ق‬
‫ع الطريقة المستعملة في التزوير هل كانت بالتقليد أو باالصطناع أو باإلضافة أم بانتحال شخصية الغير‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واال كان السؤال باطال وترتب على ذلك بطالن اإلجابة عليه و الحكم المتبنى عليه»‪.‬‬
‫و يفهم من هذا القرار أن القاضي الجنائي مقيد في حكمه باإلدانة في جريمة التزوير بإثبات توافر‬
‫إحدى طرق التزوير المحددة على سبيل الحصر في المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬واال كان حكمه قاص ار يستوجب‬
‫النقض‪.‬‬
‫والمالحظ أن المشرع لم يضع حكما خاصا للتزوير المادي وآخر للتزوير المعنوي الذي يرتكبه أحد‬
‫األفراد في محرر رسمي‪ ،‬كما فعل في جريمة التزوير المرتكب من موظف عمومي‪ ،‬بحيث خصص المادة‬
‫‪ 222‬ق ع لتحديد طرق التزوير المادي‪ ،‬والمادة ‪ 220‬ق ع لتحديد طرق التزوير المعنوي‪ ،‬بينما حدد طرق‬
‫التزوير في الجريمة الحالية في مادة وحيدة وان كانت ال تخرج عموما عن الطرق السابق اإلشارة إليها‪ ،‬إال‬
‫أنه يثور التساؤل حول طبيعة هذه الطرق ما إذا كانت مادية أو معنوية؟‪ .‬وهو ما يستدعي معرفة رأي الفقه و‬
‫القضاء في هذه المسألة‪.‬‬
‫فقد ذهب جانب كبير من الفقه الجنائي‪ 2‬إلى القول بأنه ال يمكن وقوع التزوير في هذه الجريمة إال‬
‫إذا كان ماديا‪ ،‬فال يتصور أن يكون معنويا‪ ،‬فغير الموظف ال يتصور ارتكابه تزوي ار معنويا في محرر‬
‫رسمي‪ ،‬وانما قد يكون شريكا للموظف العام في جريمة التزوير المعنوي في المحرر الرسمي التي يكون هو‬

‫‪1‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2‬أفريل ‪ ،2912‬في الطعن رقم ‪ ،22-212‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية األولى‪ ،‬المجلة القضائية للمحكمة العليا ‪،‬العدد األول‬
‫لسنة ‪ ،2912‬ص‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .202‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .229‬أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .221‬فرج علواني هليل‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .221‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪102‬‬
‫فاعلها األصلي‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون غير الموظف شريكا للموظف في جريمة المادة ‪ 220‬ق ع‪ ،‬وال يمكن‬
‫اعتباره فاعال أصليا في جريمة المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬ومن المتصور أن يتوافر القصد الجنائي لدى الموظف‬
‫الذي يرتكب التزوير المعنوي في المحرر الرسمي‪ ،‬ولدى غير الموظف الذي اشترك معه في هذه الجريمة‪،‬‬
‫وذلك إذا كان الموظف الذي يدون المحرر يعلم أن ما يملى عليه من بيانات من صاحب الشأن غير مطابقة‬
‫للحقيقة‪ ،‬ففي هذه الحالة تقع جريمة التزوير المنصوص عليها في المادة ‪ 220‬ق ع ويسأل عنها الموظف‬
‫العام‪ ،‬باعتباره فا عال أصليا لها‪ ،‬وغير الموظف الذي أملى البيانات المغايرة للحقيقة‪ ،‬بوصفه شريكا لموظف‬
‫في جريمة تزوير المحرر الرسمي‪ ،‬أما إذا كان الموظف العام حسن النية يجهل أن ما يملى عليه من بيانات‬
‫يدونها في المحرر الرسمي مغاير للحقيقة‪ ،‬فال يسأل عن جريمة المادة ‪ 220‬ق ع النتفاء القصد الجنائي‬
‫لديه‪ ،‬لكن انتفاء مسؤولية الموظف ال يحول دون مساءلة الشريك سيء النية عن اشتراك في جريمة التزوير‬
‫المعنوي‪ ،‬تطبيقا للقواعد العامة في االشتراك‪ ،‬المادة ‪ 22‬ق ع‪ « :‬يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة‬
‫‪1‬‬
‫المقررة للجناية أو الجنحة»‪.‬‬
‫غير أنه يؤخذ على هذا الرأي أن األخذ به يؤدي إلى اختالل ميزان العقوبات‪ ،‬فقد ميز المشرع بين‬
‫عقاب الموظف الذي يرتكب تزوي ار في محرر رسمي أو عمومي أثناء تأدية وظيفته‪ ،‬وعقاب غير الموظف‬
‫الذي يرتكب تزوي ار في محرر رسمي أو عمومي‪ ،‬فجعل عقاب األول أشد من عقاب الثاني‪ ،‬وذلك ألن‬
‫مسؤولية الموظف أكبر في هذه الحالة‪ ،‬ألنه مؤتمن على األعمال الموكلة إليه‪ ،‬فتزويره في المحررات‬
‫الرسمية التي اؤتمن عليها بسبب وظيفته خيانة لتلك األمانة تستوجب تشديد العقاب‪.‬‬
‫وكذلك الحال فإن المشرع قد سوى في العقاب بين الموظف الذي يرتكب تزوي ار ماديا والذي يرتكب‬
‫تزوي ار معنويا‪ ،‬فإذا انتقلنا إلى حالة غير الموظف الذي يرتكب تزوي ار معنويا في محرر رسمي‪ ،‬وجدنا قواعد‬
‫االشتراك تقضي بأن توقع عليه نفس العقوبة المقررة للفاعل األصلي عمال بنص المادة ‪ 22‬ق ع‪ ،‬وبذلك‬
‫نكون قد سوينا بين الموظف وغير الموظف في العقاب‪ ،‬مع ما بينهما من التفاوت في درجة المسؤولية‬
‫الجنائية‪ ،‬ويكون من نتائج هذا أن غير الموظف الذي يرتكب تزوي ار معنويا في محرر رسمي يعاقب بعقوبة‬
‫أشد مما لو ارتكب تزوي ار ماديا في نفس هذا المحرر‪ ،‬وال معنى لهذه التفرقة مع تساوي درجة اإلجرام في‬
‫الحالتين‪ ،‬فكال الفعلين تزوير في محرر رسمي‪ ،‬وكونه ماديا أو معنويا إنما هو فرق في طرق ارتكاب‬
‫‪2‬‬
‫التزوير‪ ،‬وال يصح أن يترتب عليه تفرقة في العقاب‪.‬‬
‫ومن الثابت أن االجتهاد القضائي الفرنسي سار بداية وفق الطريقة الحرفية بصورة مطلقة كالتالي‪«:‬‬
‫لو فرض أن الموظف العمومي قد ارتكب التزوير‪ ،‬فيعاقب بسلطان المادة المختصة بالتزوير المادي أو‬
‫‪1‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220-222‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪103‬‬
‫المعنوي‪ ،‬أما إذا ارتكب الجرم غير موظف حكومي‪ ،‬فيحاسب على التزوير المادي فقط‪ ،‬أما إذا كان‬
‫‪1‬‬
‫الشخص غير موظف رسمي فال يعاقب في حال كون التزوير معنويا لعدم النص على ذلك»‪.‬‬
‫ولم يلبث أن تغير االتجاه العلمي الحديث على التفسير التقليدي للنص‪ ،‬فاعتبر أن المشرع لم يسلخ‬
‫المادة ‪ 227‬من قانون العقوبات الفرنسي القديم‪ -‬و التي تقابلها المادة ‪ 222‬من قانون العقوبات الجزائري –‬
‫عن المادتين ‪ 220‬و ‪ 222‬من نفس القانون – و التي تقابلهما المادتين ‪ 220-222‬من قانون العقوبات‬
‫الجزائري‪ ،-‬ليجعل األولى مقتصرة على وسائل التزوير المادي فقط‪ ،‬باعتبار أن هذا األمر ال يمنع االجتهاد‬
‫القضائي من حقه في استنباط نية المشرع‪ ،‬كما أن هذا األخير لم يهمل إطالقا وسائل التزوير المعنوي في‬
‫‪2‬‬
‫حال توفرها و تحققها‪ ،‬بحيث أن المادة ‪ 227‬ق ع الفرنسي تشمل المادتين اللتين قبلها‪.‬‬
‫وبالمقارنة مع قانون العقوبات الجزائري فإنه يتضح أن قصد المشرع من النص على طرق التزوير‬
‫في حالة ارتكاب التزوير في محررات رسمية من طرف شخص غير ذي صفة بصفة مستقلة ودون اإلحالة‬
‫على المادتين ‪ 220-222‬ق ع هو تنوع طبيعة هذه الطرق‪ ،‬فمنها ما يمكن تصنيفه في دائرة التزوير المادي‬
‫كما في حالة تقل يد أو تزييف الكتابة أو التوقيع وكذا االصطناع‪ ،‬ومنه ما يحتمل صفة التزوير المعنوي‪ ،‬كما‬
‫في حالة انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪ ،‬والتزوير بالترك أي إسقاط الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع‬
‫التي أعدت المحررات الرسمية لتلقيها أو إلثباتها‪ .‬كما أنه جعل كل من التقليد و االصطناع طرق من طرق‬
‫التزوير المادي الذي ال يمكن ارتكابه إال من طرف شخص عادي‪ ،‬فالموظف ال يحتاج إلى التقليد وال‬
‫االصطناع كونه مختص بتحرير المحررات الرسمية محل التزوير‪ .‬وهو ما يتضح من خالل تناول كل طريقة‬
‫من الطرق التي حددها المشرع و هي‪:‬‬
‫‪ -‬التقليد أو التزييف‪ :‬ينصرف التقليد إلى محاكاة الشيء‪ ،‬وبالتالي يقصد به في مجال التزوير تدوين‬
‫الجاني محر ار أو جزءا من محرر بخط يشبه خط شخص آخر ابتغاء نسبته إليه‪ ،‬و ال يشترط في التقليد‬
‫أن يكون متقنا‪ ،‬و إنما يكفي أن يكون من شأنه إيهام الشخص العادي بصدوره عمن نسب إليه‪ ،‬وقد‬
‫قصد المشرع من خالل النص على هذه الطريقة بصفة مستقلة في المادة ‪ 222‬ق ع ‪ ،‬هو أنه ال‬
‫يتصور التقليد إال في األحوال التي يقع فيها التزوير من طرف األفراد‪ ،‬أما بالنسبة للموظف فإنه ال‬
‫يحتاج التقليد كونه يقوم بالتزوير في محررات يتولى بصفته مختصا تحريرها‪ .‬أما التزييف فإنه ال يخرج‬
‫عن مفهوم الطريقة المحددة في المادة ‪ 222‬الفقرة الثانية‪ ،‬وتتمثل في جميع التغييرات التي يحدثها المزور‬
‫في الكتابة أو التوقيع سواء كان موظف عمومي أو شخص عادي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1427 p218-219.‬‬
‫‪104‬‬
‫وفيما يتعلق بتقليد أو تزييف التوقيع فإن الجريمة تتحقق في جميع األحوال التي ال يتم التوقيع فيها‬
‫باالسم الحقيقي‪ ،‬كما يتحقق التقليد في حالة اإلمضاء باالسم الحقيقي بإضافة اسم آخر و هذا بهدف التهرب‬
‫من المتابعة أو البحث‪ ،‬مثال التهرب من الدائنين‪ .‬كما يتحقق التزوير في حالة ما إذا قام شخص بالتوقيع‬
‫باسمه الحقيقي الذي يحمله شخص آخر و هذا حتى يحل محله في العقد‪ .‬غير أنه ال يتحقق التزوير بهذه‬
‫الطريقة إذا قامت امرأة متزوجة باإلمضاء باسمها العائلي‪ ،‬ألنها في الحقيقة تتمتع باسمين يمكنها أن تتخذ‬
‫أحدهما‪ .‬كما ال يتحقق التزوير في حالة ما إذا اتخذ شخص اسم ال يعود له حقيقة لكنه معروف به للجميع‪.‬‬
‫واذا وقع التقليد أو التزييف في الكتابة‪ ،‬فيغلب أن يكون التقليد مقترنا بتقليد اإلمضاء ألن المحرر‬
‫الخالي من أي إمضاء ال تكون له قيمة في العادة‪ ،‬وبالتالي ال يترتب أي ضرر عن تزويره‪ ،‬ولكن هذا ليس‬
‫بشرط للعقاب على التقليد‪ ،‬إذ يمكن أن يتحقق تقليد الكتابة الموضوعة على توقيع حقيقي و صحيح‪ ،‬وهي‬
‫الحالة التي يقصدها المشرع هنا‪ ،‬وتتحقق في جميع األحوال التي يتعرض فيها جسم الكتابة الحقيقية لإلضافة‬
‫أو التقسيم أو التصحيح‪ ،‬سواء لكلمة أو حرف أو رقم‪ ،‬وذلك لتغيير معنى الجمل‪ ،‬أو استبدال جسم الكتابة‬
‫بآخر‪ ،‬أو نزع فقرات منه بمساعدة مواد كيميائية أو ميكانيكية‪ ،‬أو إضافة ورقة أخرى تحته أو حتى بإضافة‬
‫‪1‬‬
‫توقيع صحيح أسفل المحرر‪.‬‬
‫‪ -‬اصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد‪ :‬سبق‬
‫القول أنه ال يشترط لكي يتحقق التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية ‪ ،‬أن يحصل تدخل فعلي من‬
‫الموظف المختص في تحريرها واعطائها الصفة الرسمية‪ ،‬فالقانون يعتبر االصطناع طريقة من طرق‬
‫التزوير في المحررات الرسمية وفقا للمادة ‪ 222‬الفقرة األولى من ق ع‪ ،‬وبناءا عليه يرتكب التزوير في‬
‫محرر رسمي من يصطنع ورقة رسمية ينسب صدورها إلى الموظف المختص بتحريرها‪ ،‬متى كان‬
‫مظهرها داال على أنها ورقة رسمية‪ ،‬ومثال ذلك اصطناع حكم قضائي واالدعاء به‪ ،‬وال يشترط لتحقق‬
‫رسمية المحرر المصطنع أن يشمل على توقيع مزور للموظف المختص المنسوب له المحرر‪ ،‬بل يكفي‬
‫أن يتضمن ما يفيد تدخله في تحريره بحيث يتوافر لديه من المظهر الشكلي ما يكفي الن ينخدع به‬
‫الناس‪.‬‬

‫وبصفة عامة يقصد باالصطناع خلق محرر بأكمله ونسبته إلى غير محرره‪ ،‬وثمة فرق بين‬
‫االصطناع و التقليد‪ ،‬ذلك أنه في االصطناع ال يسعى المزور إلى المشابهة بين خطه وخط من يريد نسبة‬
‫المحرر له‪ ،‬بينما يعمد المتهم في التقليد إلى المشابهة في الخط‪ ،‬فضال عن ذلك فإن االصطناع محله محرر‬

‫‪1‬‬
‫‪George PEGAT, op.cit, p 92.‬‬
‫‪105‬‬
‫بأكمله‪ ،‬بينما في حالة التقليد فقد يقتصر على جزء من المحرر فقط‪ 1.‬وهذا يعني إنشاء محرر بكامل أجزائه‬
‫على غرار أصل موجود أو خلق محرر على غير مثال سابق‪ ،‬فيبرزه الجاني في حيز الوجود الفعلي‪ ،‬كأنه‬
‫‪2‬‬
‫صحيح وقائم فعال‪ ،‬بحيث ينسبه إلى شخص لم يصدر عنه أو إلى جهة لم يصدر عنها‪.‬‬
‫والتزوير باالصطناع كثير الوقوع‪ ،‬فإن أكثر ما يلجأ إليه المزورون من ضروب التزوير إنشاء العقود‬
‫أو السندات طمعا في سلب أموال الغير بواسطة هذه المحررات المصطنعة‪ ،‬لذلك يغلب أن يكون المحرر‬
‫المصطنع مذيال بإمضاء من نسب إليه أو ختمه‪ ،‬ألن المحرر الخالي من التوقيع قلما تكون له قيمة قانونا‬
‫ألنه ال يصلح حجة على الغير‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أن التزوير باالصطناع ال يعاقب عليه إال إذا كان‬
‫المحرر المصطنع مذيال بإمضاء من نسب إليه‪ ،‬فإن المحرر المصطنع إذا تعمد فيه صانعه تقليد خط من‬
‫أسند إليه ذلك المحرر ولو لم يوقع عليه يصح أن يتخذ مبدأ ثبوت بالكتابة وبهذا يمكن أن يحل الضرر بمن‬
‫‪3‬‬
‫زور عليه ذلك المحرر‪.‬‬
‫ويتحقق التزوير باالصطناع حتى ولو كان محتوى المحرر المصطنع مطابقا للحقيقة‪ ،‬إذ يتوافر في‬
‫هذا الفرض تغيير الحقيقة بنسبة هذا المحرر إلى سلطة لم يصدر عنها‪ ،‬حتى ولو كان يحمل اإلمضاء‬
‫الصحيح للموظف أو الختم الصحيح للسلطة المنسوب إليها إذا كان التوصل إلى وضع اإلمضاء أو الختم قد‬
‫‪4‬‬
‫تم عن طريق االحتيال‪ ،‬أو بأي طريق آخر‪.‬‬
‫وكما يكون التزوير باالصطناع طريقا من طرق التزوير المادي فيرى البعض أنه يصح أن يكون‬
‫طريقا من طرق التزوير المعنوي‪ ،‬فإذا حضر شخص أمام الموظف العام المختص بتحرير المحررات الرسمية‬
‫وأملى عليه عقدا على لسان شخص آخر لم يحضر تحرير ذلك العقد ولم يأذن بتحريره‪ ،‬كان ذلك تزوي ار‬
‫معنويا باصطناع وبجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وبالتسمي باسم الغير أي انتحال شخصية‬
‫الغير والحلول محلها‪ ،‬كذلك الحال فيما لو قدم شخص محر ار إلى آخر وطلب منه التوقيع عليه على اعتبار‬
‫أنه عريضة شكوى فأمضاه واذا به عقد بيع‪ .‬وفيما لو سلم شخص إلى آخر ورقة ممضاة على بياض‬
‫‪5‬‬
‫الستعمالها في غرض معين فأخذها المستلم وأنشأ فيها عقدا على صاحب اإلمضاء‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان المحرر المصطنع ال يمكنه أن يرتب أي اثر مدني بسبب عدم اختصاص الموظف‬
‫الذي يزعم أنه قام بتحريره‪ ،‬فال يتحقق التزوير في هذه الحالة‪ ،‬فالضرر ال وجود له‪ .‬وكذلك في حالة‬
‫‪6‬‬
‫اصطناع محررات ال تتمتع بأية قيمة في نظر القانون المدني‪ ،‬ففي هذه الحالة ال قيام لجريمة التزوير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحمد عبد السالم علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-220‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪4‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.227-222‬‬
‫‪5‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.222-220‬‬
‫‪6‬‬
‫‪George PEGAT, op. cit, p 93.‬‬
‫‪106‬‬
‫ولقد دار البحث على ما إذا كان الشخص الذي يحصل على أجزاء سند ممزق و يلصق بعضها‬
‫ببعض على صورة تعيد السند إلى حالته األولى يعد مصطنعا لسند مزور أو ال‪ ،‬فيرى الفقيه جارسو‬
‫‪ Garçon‬أن الفعل يعد تزوي ار ألن الجاني أنشأ سندا من حيث ال سند‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو‬
‫إثباتها‪ :‬تعني هذه الفقرة وقوع التزوير في محرر موجود وحقيقي أصال بوسائل مباشرة تصيب مضمونه‪،‬‬
‫فتغير محتواه وتشوه حقيقته‪ ،‬وقد تكون هذه الوسائل مادية تتمثل في اإلضافة والتزييف‪ ،‬وقد تكون معنوية‬
‫وهو ما عبر عنه المشرع باإلسقاط‪ ،‬وال يقع التزوير في هذه الحالة إال إذا انصب تغيير الحقيقة على‬
‫بيانات أعدت المحررات الرسمية إلثباتها‪ ،‬ويقصد بها تلك الضرورية والمتعلقة بجوهر المحرر ذاته‪.‬‬

‫فقد يتم التزوير في هذه الحالة إضافة أرقام أو عبارات أو كلمات أو إرشادات لم تكن واردة أصال في‬
‫المحرر‪ ،‬سواء في عنوانه أو مستهله أو متنه أو خاتمته أو على هامشه أو في بياض باق منه‪ ،‬أو بالحشو‬
‫بين السطور أو قرب التوقيع أو إقحام كلمة أو رقم بين كلمات أو أوراق المحرر‪ ،‬أو حرف مستقل للداللة‬
‫يغير مضمون المحرر‪ ،‬أو جزء منه كحرف نفي أو حرف عطف‪ ،‬أو كتابة عبارة أو أكثر في ورقة مستقلة‬
‫والصاقها بالمحرر األصلي بطريقة فنية‪ ،‬مثل زيادة رقم على مبلغ كان مدونا في سند فأصبح ضعفي القيمة‪،‬‬
‫أو إضافة رقم عقار على أرقام عقارات أخرى مذكورة في عقد البيع‪ ،‬أو زيادة عبارة تعهد بأمر أو بشيء على‬
‫تعهدات واردة أصال في عقد التزام‪ ،‬أما إذا كان الفاعل قد أضاف كلمة سقطت سهوا أثناء كتابة المحرر فإن‬
‫اإلضافة ال تؤدي إلى تحريف المضمون‪ ،‬ألن غاية الفاعل كانت تصحيح سهو حتى يستقيم معه المعنى‬
‫الحقيقي‪ ،‬غير أن هذا األمر منازع فيه اجتهادا‪ ،‬إذ قد يعتبر من قبيل التزوير بقصد إثبات أمر صحيح رغم‬
‫الفوارق بين الحالتين‪ ،‬علما بأنه يقتضي األخذ في عين االعتبار ما إذا كان هذا الحشو الحاصل بعد تنظيم‬
‫السند كان من الشخص الذي كان بيده تطال جوهر السند أو تفيد إنشاء حق غير منوه عنه قبال في السند‬
‫المذكور‪.‬‬
‫وقد يتم التزوير بإقدام الجاني على إزالة أو حذف أو محو أو شطب أو طمس عبارات أو كلمات أو‬
‫أرقام كانت قائمة أصال في المحرر عند إعداده‪ ،‬مما يؤدي إلى زوالها من الوجود الخطي‪ ،‬كشطب التاريخ‬
‫الحقيقي بالنسبة للتوقيع أو لالستحقاق وابداله بتاريخ جديد سواه‪ ،‬أوشطب عبارة – و خالفه – في عقد إيجار‬
‫محل كانت مدونة على شكل – سمانة و خالفه – في وجهة االستعمال‪ ،‬أو حذف شرط مدون في أصل‬
‫محرر منظم على نسخة واحدة‪ ،‬أو إزالة جزء مما كان ثابتا في المحرر‪ ،‬كاقتطاع قسم من الورقة ذاتها‪ ،‬أو‬
‫إزالة جزء من الكتابة عن طريق الطمس أو التشطيب لذلك الجزء‪ ،‬أو باللجوء إلى مادة كيميائية حتى ولو‬
‫بقى الجزء المذكور مقروءا رغم ذلك‪ ،‬ألن عمل الجاني استهدف حذف المقطع من المحرر فبقي مشوها‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫ويشترط أن تكون اإلزالة مفسدة للحقيقة‪ ،‬أما إذا محا الفاعل كلمة زائدة وردت خطأ أو غلطا في غير موقعها‪،‬‬
‫فال يتحقق التزوير لعدم حصول التحوير في جوهر المضمون‪.‬‬
‫كما قد يتحقق التزوير بإبدال مضمون المحرر بصورة كلية أو جزئية‪ ،‬بحيث يطال اإلبدال الحقيقة‬
‫التي كانت واردة أصال في المحرر قبل التزوير كلها أو بعضها‪ ،‬كمالشاته أو مالشاة بعض أقسامه‪ ،‬أو‬
‫مالشاة ملحق به وابدال هذه بسواه‪ ،‬أو نزع توقيع شخص عن مستند ولصقه على مستند كاذب‪.‬‬
‫ويختلف هذا الوضع عن صنع المحرر على اعتبار أنه في حالة التغيير يكون األصل موجودا في‬
‫غير الشكل الذي أصبح عليه‪ ،‬بينما يعني االختالق عدم وجود المخطوط أصال وانما تم اصطناعه ألول‬
‫مرة‪ ،‬كما يختلف عن الوجه االيجابي الذي يتضمن اإلضافة دون الحذف‪ ،‬بينما يبنى التغيير على االستبدال‪،‬‬
‫أي الحذف واإلضافة معا‪ ،‬وكذلك عن التزوير المعنوي الذي يفترض العمل المذكور وقت إعداد المحرر‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫بينما يحصل هذا التغيير بتعديل الحق بعد تنظيم المحرر‪.‬‬
‫كما أشار المشرع إلى التزوير بالترك في هذه الصورة بعبارة‪... « :‬إسقاط الشروط أو اإلق اررات أو‬
‫الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو إثباتها»‪ .‬و كما سبق القول فإن التزوير بالترك صورة من‬
‫صور التزوير المعنوي‪ ،‬يمكن أن يقوم به الموظف وذلك بإسقاط اإلق اررات التي تلقاها عمدا وفقا للمادة‬
‫‪ 220‬ق ع التي تحدد طرق التزوير المعنوي المرتكب من ذي صفة في محرر رسمي‪ ،‬كما يمكن أن يتحقق‬
‫التزوير باالمتناع من طرف أي شخص عادي وفقا للمادة ‪ 222‬ق ع‪.‬‬
‫و المراد بهذه الطريقة من طرق التزوير المعنوي إغفال جانب من البيانات التي كان يتعين إثباتها في‬
‫المحرر‪ ،‬بحيث يترتب على هذا اإلغفال تغيير في معناه اإلجمالي‪ ،‬كأن يقوم البائع بإغفال ذكر أن العقار‬
‫المباع يرد عليه رهن رسمي وذلك في عقد البيع‪.‬‬
‫وال يلزم لقيام التزوير بهذه الطريقة أن ينصب الترك على بيان‪ ،‬بل يكفي أن ينصب على لفظ أو‬
‫حرف يؤدي تركه إلى تغيير المعنى المقصود إب ارزه في المحرر‪ ،‬ويؤدي بالتالي إلى جعل واقعة مزورة في‬
‫صورة واقعة صحيحة‪.‬‬
‫وقد يبدو ألول وهلة أن العقاب على التزوير بالترك يخالف ما هو مسلم به في القانون الجنائي من‬
‫عدم جواز العقاب على الصمت‪ ،‬فالمحرر في هذا الفرض ال يتضمن أي بيان مخالف للحقيقة‪ ،‬وما ينسب‬
‫إلى المتهم أنه صمت وأغفل عن ذكر بيان ما‪ ،‬والصمت ال يرقى إلى الكذب‪ .‬ومع ذلك فإن اإلغفال إذا كان‬
‫قد وقع في بيان ما‪ ،‬إال أنه يترتب على ذلك تغيير في المعنى اإلجمالي للمحرر كله‪ ،‬لذلك يجب أال يقتصر‬
‫النظر على الجزء الذي حصل إغفاله‪ ،‬بل ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في مجموعه‪ ،‬فإذا‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12-12-12‬‬
‫‪108‬‬
‫ترتب على الترك تغيير في مؤدى هذا المجموع اعتبر الترك تغيي ار للحقيقة‪ .‬فإسقاط اسم أخ للمتهم في كشف‬
‫العائلة بحيث يفيد الكشف أن المتهم وحيد أبويه إلعفائه من التجنيد يعد امتناعا عن ذكر بيان يؤدي إلى‬
‫تغيير جوهري في معنى المحرر ال يمكن عدم االعتداد به‪ ،‬فمن المسلم به أنه ليس كل بيان يترك يعتبر‬
‫تركه تزوي ار والسيما في مجال إثبات ما يبدى من أقوال أو ما يحدث من أمور في محضر ما كمحضر‬
‫الجلسة‪ ،‬فلكي يعتبر الترك إذن تزوي ار يلزم في البيان المتروك أن يكون جوهريا بالنسبة للغرض الذي يدون‬
‫‪1‬‬
‫المحرر من أجله‪.‬‬
‫‪ -‬انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪ :‬يقصد بانتحال الشخصية كما سبق بيانه التعامل بشخصية‬
‫الغير أو باسمه‪ ،‬سواء كانت هذه الشخصية حقيقية أو وهمية‪ ،‬وسواء كانت موجودة في الواقع أو غير‬
‫موجودة‪ .‬والمالحظ أن المشرع قد اعتبر هذه الطريقة من طرق التزوير المادي الذي يرتكبه الموظف في‬
‫المحررات الرسمية أو العمومية وفقا للمادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬مما يثير التساؤل حول طبيعة هذه الطريقة في‬
‫حالة التزوير المرتكب من طرف شخص عادي في محررات رسمية أو عمومية؟ فبالرجوع إلى موقف‬
‫الفقه الجنائي الذي يرى أن تحقق هذه الطريقة وفقا للمادة ‪ 222‬ق ع يتم بإحالل اسم شخص آخر في‬
‫وثيقة مكتوبة بطريق التشطيب أو اإلضافة‪ ،‬أما مادون ذلك فيعد انتحال شخصية الغير و الحلول محلها‬
‫‪2‬‬
‫من قبيل طرق التزوير المعنوي‪.‬‬

‫و بالتالي فإنه غالبا ما يكون المنتحل في مثل هذا التزوير الذي ينصب على المحررات الرسمية أو‬
‫العمومية مساهما مع الموظف العام أو الضابط العمومي حسن النية أو سيء النية الذي يكون هو الفاعل‬
‫المادي ‪ ،‬كأن يتقدم شخص إلى المحكمة بصفته شاهدا و يتسمى باسم الشاهد الحقيقي و يدلي بشهادته في‬
‫الجلسة باعتباره هذا الشاهد‪ ،‬أو أن يتسمى شخص باسم الزوج أمام الموثق أو ضابط الحالة المدنية عند‬
‫تسجيل الزواج‪ ،‬أو يتسمى باسم محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية و يتقدم للسجن لتنفيذ العقوبة بدال منه‪.‬‬
‫فيشترط في هذه الحالة أال يوقع الشخص على المحرر الذي انتحل فيه شخصية غيره و إال صار التزوير‬
‫‪3‬‬
‫ماديا بتقليد التوقيع‪ ،‬و تبعا لذلك فإن عدم توقيع المتهم ال يحول دون اكتمال جريمته‪.‬‬
‫و عليه يبدو أن تزوير الشخص العادي لمحرر رسمي أو عمومي بطريقة انتحال الشخصية يتم في‬
‫غالب األحيان بطريقة معنوية‪ ،‬ومع ذلك فقد تكون هذه الطريقة مصاحبة إلحدى الطرق المحددة في نفس‬
‫المادة ‪ 222‬ق ع و التي تعتبر مادية كما في حالة اصطناع محرر أو تقليد التوقيع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022-022‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪3‬‬
‫أحسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪109‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص غير ذي صفة‬
‫متى توافرت العناصر الموضوعية لهذه الجريمة وجب استحقاق الجاني للعقوبة المقررة في المادة‬
‫‪ 222‬ق ع و هي السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة و بغرامة من ‪ 2.222.222‬دينار إلى‬
‫‪ 2.222.222‬دينار‪.‬‬
‫والمالحظ أن تعديل قانون العقوبات بالقانون رقم ‪ 22-22‬الصادر في ‪ 22‬ديسمبر ‪ 2222‬قد أضاف‬
‫عقوبة الغرامة التي جاءت مغلظة‪ ،‬و ذلك تماشيا مع السياسة العقابية الجديدة التي من بينها تغليظ عقوبات‬
‫الغرامة لمطابقتها مع تطور قيمة العملة و أيضا مع تطور اإلجرام و إعطاء هذه العقوبات مكانة أكبر مما‬
‫‪1‬‬
‫كانت عليه سابقا‪.‬‬
‫ونظ ار لكون جريمة التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية المجرمة و المعاقب عليها في المادة‬
‫‪ 222‬ق ع جناية فإن العقوبات التكميلية المقررة في المادتين ‪ 9‬مكرر و ‪ 9‬مكرر‪ 2‬والتي تتمثل في الحجر‬
‫القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية تطبق وجوبا وبقوة القانون‪ ،‬إضافة إلى العقوبات‬
‫التكميلية األخرى فيمكن الحكم بها أيضا‪.‬‬
‫وباعتبار الواقعة المجرمة والمعاقب عليها في المادة ‪ 222‬ق ع جناية فإنه يعاقب على الشروع فيها‬
‫بنفس العقوبات المقررة للجريمة التامة وذلك إعماال للمادة ‪ 22‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪110‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جنح التزوير في المحررات (جريمة التزوير في المحررات األخرى)‬
‫ال ت عتمد المعامالت االجتماعية على استعمال المحررات ذات الصفة الرسمية أو العمومية فقط‪ ،‬بل‬
‫تتجاوز ذلك إلى محررات أخرى‪ ،‬قد تبدو أقل أهمية منها بالنظر إلى الثقة التي يضعها الناس فيها‪ ،‬فهي في‬
‫المحررات الرسمية تكاد تكون مطلقة بحيث يعتبرها الناس عنوانا للحقيقة‪ ،‬بينما المحررات غير الرسمية تقوم‬
‫فيها الثقة على حسن النية المتبادل بين المتعاملين بها‪ .‬ومع ذلك فإن هذه المحررات تعد أكثر استعماال‬
‫وشموال سواء من حيث األشخاص أو من حيث مجال التعامل بها‪ ،‬وهو ما يجعلها أكثر عرضة وسهولة‬
‫للتزوير والتحريف‪ ،‬وهذا ما يستدعي ضرورة حمايتها حسب درجة خطورتها‪ .‬كما أن هناك طائفة من‬
‫المحررات الرسمية جعل المشرع تزويرها يشكل أقل خطورة من تزوير باقي المحررات الرسمية‪.‬‬
‫لهذه األسباب كلها فقد تناول المشرع تجريمها بصفة مستقلة ومفصلة‪ ،‬فمن جهة وبصفة عامة جعل‬
‫تزويرها يعد جنحة تستوجب عقوبات جنحية‪ ،‬ومن جهة أخرى تناول الحاالت واألنواع المختلفة لهذا النوع من‬
‫التزوير حسب صفة المحرر المزور فقسمها إلى فئتين‪:‬‬
‫الفئة األولى‪ :‬تناولها في القسم الرابع بعنوان التزوير في المحررات العرفية والتجارية والمصرفية وهو ما‬
‫ساتناول دراسته في المطلب األول‪.‬‬
‫أما الفئة الثانية‪ :‬فجاءت في القسم الخامس بعنوان التزوير في بعض الوثائق اإلدارية والشهادات و هو عنوان‬
‫المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التزوير في المحررات العرفية و التجارية و المصرفية‬


‫نص المشرع على جريمة التزوير في المحررات العرفية والتجارية والمصرفية في المواد التالية‪:‬‬
‫المادة ‪ «: 412‬كل من ارتكب تزوي ار بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬في المحررات‬
‫التجارية أو المصرفية أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة (‪ )2‬إلى خمس(‪ )0‬سنوات و بغرامة من‬
‫‪ 022‬إلى ‪ 22.222‬دينار‪.‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك الحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة ‪ 22‬و‬
‫بالمنع من اإلقامة من سنة(‪ )2‬إلى خمس(‪ )0‬سنوات على األكثر‪.‬‬
‫ويجوز أن يضاعف الحد األقصى للعقوبة المنصوص عليها في الفقرة األولى إذا كان مرتكب الجريمة أحد‬
‫رجال المصارف أو مدير شركة و على العموم أحد األشخاص الذين يلجؤون للجمهور بقصد إصدار أسهم أو‬
‫سندات أو حصص أو أية سندات كانت سواء لشركة أو مشروع تجاري أو صناعي»‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫المادة ‪ «: 442‬كل شخص ارتكب تزوي ار بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬في محررات‬
‫عرفية أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة (‪ )2‬إلى خمس (‪ )0‬سنوات و بغرامة من ‪ 022‬إلى ‪2.222‬‬
‫دينار‪.‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في‬
‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 22‬وبالمنع من اإلقامة من سنة (‪ )2‬إلى خمس (‪ )0‬سنوات على األكثر»‪.‬‬
‫نالحظ من خالل هذه النصوص القانونية أن المشرع قد جرم في نصين مختلفين تزوير المحررات‬
‫التجارية والمصرفية من جهة ( الفرع األول)‪ ،‬وتزوير المحررات العرفية من جهة أخرى( الفرع الثاني)‪ ،‬رغم‬
‫أوجه التشابه بينهما من حيث طرق التزوير فهي واحدة‪ ،‬كما انه مبدئيا تشمل المحررات العرفية المحررات‬
‫التجارية والمصرفية‪ ،‬فهي كلها محررات تتعلق بالمعامالت الخاصة بين األفراد تتم دون تدخل الموظف‬
‫العمومي في تحريرها‪ ،‬و لعل القصد من هذا التمييز هو إعطاء نظام متميز لألوراق التجارية والمصرفية‬
‫بتشديد الجزاء فيها‪ ،‬كونها تحتل مكانة معتبرة في التعامالت االجتماعية‪ ،‬وبالتالي قد يترتب على تزويرها‬
‫ضرر أكثر جسامة منه في التزوير في المحررات العرفية‪ .‬لهذا فقد كانت هذه المحررات تخضع ألحكام‬
‫التزوير في المحررات الرسمية‪ 2‬في القانون الفرنسي إلى غاية سنة ‪ .2901‬حيث تم إدراجه ضمن التزوير‬
‫في المحررات العرفية‪ ،‬ولهذا سأتناول دراسة كل جريمة على حدى‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التزوير في المحررات التجارية و المصرفية‬


‫نص المشرع على هذا النوع من التزوير ضمن التزوير العادي أو التزوير في المحررات العرفية‪،‬‬
‫تماشيا مع تعديل قانون العقوبات الفرنسي بموجب األمر الصادر بتاريخ ‪ 22‬ديسمبر‪ ،32901‬والذي بمقتضاه‬
‫تم الفصل بين التزوير في المحررات التجارية والمصرفية والتزوير في المحررات الرسمية‪ ،‬حيث كان قبل هذا‬
‫التعديل يخضع لنفس الحماية وبالتالي لنفس األحكام باعتبارها جناية‪ ،‬وذلك استنادا إلى مبررات منها تشابه‬
‫هذه المحررات في أهميتها وآثارها العقود الرسمية نظ ار للقواعد التي تقوم عليها الممارسات التجارية من‬
‫إئتمان وثقة وسرعة تجعل من السهل تزويرها‪ ،‬وهو ما دفع المشرع الفرنسي إلعطائها طبيعة متميزة عن‬
‫المحررات العرفية وقريبة من المحررات الرسمية وذلك في حالة تزويرها‪ ،‬فالهدف الذي يسعى إليه المشرع من‬
‫خالل تقرير عقوبات صارمة ضد التزوير في المحررات التجارية ليس توفير حماية أكبر لحسن النية الذي‬
‫يجب أن يتوافر في العمليات التجارية‪ ،‬فحسن النية ليس أقل أهمية في المعامالت المدنية عنه في المعامالت‬

‫‪1‬‬
‫األمر رقم ‪ 202-22‬المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬يتضمن قانون العقوبات‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 29‬السنة الثالثة ‪ 22‬يونيو ‪ .2922‬ص ‪.722‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪3‬‬
‫‪L’ordonnqnce n°01-1298 du 23 décembre 1958 – art 15 JORF du 24 décembre 1958.‬‬
‫‪112‬‬
‫التجارية‪ ،‬وانما حماية هذه المحررات نظ ار لتداولها بكثرة وبسرعة مما يسهل عملية تزويرها وما يترتب على‬
‫‪1‬‬
‫ذلك من اختالل كبير في المجتمع‪.‬‬
‫غير أن الصع وبات العملية التي أثارها تكييف التزوير في هذه المحررات التجارية والمصرفية‪ ،‬دفعت‬
‫المشرع الفرنسي إلى إدراجها ضمن التزوير في المحررات العرفية‪ ،‬وقد نتج عن ذلك أن معرفة ما إذا كان‬
‫التزوير يعد في محرر عرفي أو تجاري ال يمثل بصفة عامة أية أهمية‪ ،‬فتحديد المحررات المتعلقة باألعمال‬
‫‪2‬‬
‫التجارية في هذه المادة – التزوير‪ -‬فقد أهميته على األقل على المستوى التطبيقي‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المحررات التجارية و المصرفية‬
‫إن تكييف التزوير في المحررات التجارية ال يتحدد من خالل صفة الشخص الذي قام بالتزوير‪ ،‬فال‬
‫يشترط أن يكون تاجرا‪ ،‬فالتاجر الذي يزور محر ار عرفيا ال يعد مرتكبا سوى جريمة التزوير في محررات‬
‫عرفية وفقا للمادة ‪ 222‬ق ع ‪ ،‬كما أن الشخص العادي الذي ال يتمتع بصفة التاجر إذا ما ارتكب تزوي ار في‬
‫محرر تجاري فإنه يخضع لتطبيق المادة ‪ 229‬ق ع‪ .‬كما ال يهم الهدف الذي يسعى المزور إلى تحقيقه‪،‬‬
‫بحيث يمكن أن يقع تزوير في محرر عرفي حتى وان ارتكب من طرف تاجر بهدف الحصول على مصادر‬
‫ألعمال تجارته‪ ،‬كما يمكن أن يرتكب شخص عادي تزوي ار في محرر تجاري أو مصرفي حتى وان سعى إلى‬
‫تحقيق أعمال مدنية كشراء منزل أو التخلص من قرض‪ 3.‬وانما يتم تحديد طبيعة التزوير من خالل العناصر‬
‫‪4‬‬
‫الداخلية للمحرر محل التزوير‪ ،‬وهوما قضت به محكمة النقض الفرنسية‪.‬‬
‫وعليه فإن ما يجب تحليله ودراسته لمعرفة أي نوع من التزوير مرتكب هو الصفة الداخلية للمحرر‬
‫المزور‪ ،‬وذلك من خالل تحديد الصفة التي يمنحها القانون التجاري أو المدني لموضوع هذا المحرر أي‬
‫العملية المثبتة فيه‪ ،‬وهي النظرة األساسية التي تسمح بحل مشكلة تكييف التزوير في المحررات التجارية أو‬
‫المصرفية‪.‬‬
‫وبما أن المشرع لم يحدد أو يشرح ما المقصود بالمحررات التجارية أو المصرفية‪ ،‬رغم أنها مسألة‬
‫قانونية تستلزم توضيحها بأكثر دقة‪ ،‬فإنه يتعين الرجوع إلى أحكام القانون التجاري الذي يستند إليه القاضي‬
‫الجنائي في تحديد طبيعة التزوير ما إذا كان في محرر تجاري أو مصرفي أو ال‪.‬‬
‫وهنا ال بد من عدم الخلط بين السندات التجارية التي عددها القانون التجاري‪ ،‬وبين المحررات‬
‫التجارية التي قصدها التشريع الجنائي في أحكام المادة ‪ 229‬ق ع‪ ،‬فهي عبارة عامة تشمل المحررات التي‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5. n°1431 p 223-224 .A. Chauveau. F. Hélie, op. cit, n°720, p 438-439.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Encyclopédie juridique – faux en écritures, n°140, p 10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A. Blanche, op. cit, n°169, p 353. R. Garraud, Ibid. t 5. n° 1434.p 227-228.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.crim 6 avril 1827 : « il importe peu que l’auteur soit lui-même commerçant ou qu’il ait fait usage…..». Voir‬‬
‫‪A.Blanche,Ibid.n° 169, p 353.‬‬
‫‪113‬‬
‫تنطبق عليها الصفة التجارية وفقا ألحكام القانون التجاري‪ ،‬ومنها ما يتم تحريره إلثبات العمليات التجارية بين‬
‫تاجر وآخر ومنها ما يبقى في حيازة التاجر أي بين يديه‪ ،‬فال يوجد سبب حقيقي يجعلها خارج تطبيق القانون‬
‫العام‪ ،‬أل نها تشكل ببساطة وسيلة إثبات‪ ،‬وبالتالي يمكن أن يترتب على تزويرها ضرر للغير أو للخزينة‬
‫العامة‪ .‬لهذا فإذا كان يترتب على نقل هذا التعريف إلى القانون الجنائي توسيع أحكامه أبعد من معناها‬
‫الحقيقي‪ ،‬فإنه يبقى من الضروري وجوب استعارة أحكام القانون التجاري للتمييز بين المحررات التجارية‬
‫‪1‬‬
‫والمحررات العرفية‪ ،‬وهي القواعد التي يجب تطبيقها‪.‬‬
‫وعليه تعد محررات تجارية كل المحررات التي تثبت عمليات‪ ،‬مقاوالت‪ ،‬مراسالت‪ ،‬التزامات‪،‬‬
‫اتفاقات‪ ،‬موافقات لها عالقة بالتزامات تجارية‪ ،‬وبمعنى آخر فإن المحرر التجاري هو المحرر الذي يكون‬
‫موضوعه إثبات واحدة من األعمال التي يعتبرها القانون أعمال تجارية‪ ،‬فال يكفي أن يكون المحرر المزور‬
‫موقع من طرف تاجر أو منسوب إلى تاجر‪ ،‬بل يجب أيضا أن يكون موضوعه عملية تجارية‪ ،‬غير أنه ال بد‬
‫من التفريق بين حالتين‪ :‬هي أن األعمال التي يقوم بها تاجر تعد عمال من أعمال تجارته إلى غاية إقامة‬
‫الدليل على عكس ذلك‪ ،‬أما األعمال التي يقوم بها شخص غير تاجر تعد أعماال مدنية إلى غاية إقامة‬
‫الدليل على عكس ذلك‪ ،‬وهذا يعني أنه يمكن أن يكون المحرر تجاريا رغم تحريره من طرف شخص غير‬
‫‪2‬‬
‫تاجر إذا أثبت أن موضوعه عملية تجارية‪.‬‬
‫وعليه فهناك محررات تكتسب الصفة التجارية بالنظر إلى صفة محررها‪ ،‬وهي أن يكون تاج ار مثل‬
‫الدفاتر التجارية‪ ،‬وهناك محررات تكتسب هذه الصفة حسب صفة العملية المثبتة فيها مثل السندات التجارية‪،‬‬
‫غير أن هذه المعايير تعد قرائن بسيطة قابلة إلثبات العكس‪ ،‬وبالتالي ليست دليال‪ ،‬فالتاجر قد يحرر محررات‬
‫‪3‬‬
‫من أجل أعمال غير مرتبطة بتجارته‪.‬‬
‫لهذا فقد صنف الفقه الجنائي المحررات التجارية استنادا إلى القانون التجاري إلى ثالثة فئات‪:‬‬
‫‪ -‬الدفاتر التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬السندات التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬كل المحررات التي لها عالقة باألعمال التجارية أو المصرفية أو يكون موضوعها هذه األعمال‪.‬‬

‫حيث تعتبر الدفاتر من قبيل المحررات التجارية التي يمكن أن تكون محال لجريمة التزوير وفقا للمادة‬
‫‪ 229‬ق ع‪ ،‬وهي التي يمسكها التجار ليسجلوا فيها ما لهم من حقوق وما عليهم من ديون وكل ما يتعلق‬
‫بأعمالهم التجارية‪ ،‬دون تمييز بين الدفاتر اإللزامية والدفاتر االختيارية‪ .‬فالتزوير في دفتر الجرد أو الدفتر‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Chauveau. F. Hélie, op. cit.n°720,p438-439.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5, n°1432. P225-227.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A. Chauveau. F.Hélie, Ibid, n°721. P 439-441.‬‬
‫‪114‬‬
‫اليومي وغيرها من الدفاتر اإللزامية ال يثير أي شك في اعتباره تزوي ار معاقبا عليه بموجب المادة ‪ 229‬ق ع‪،‬‬
‫ومثال ذلك أن يعمد الجاني إلى التضخيم من قيمة السلع أو البضائع الموجودة في متجره عن القيمة الفعلية‬
‫لها أو قيمة السوق وهذا بهدف إخفاء حالة األصول والديون الحقيقية له‪ .‬وقد يقوم التاجر بالتزوير في‬
‫الجدول اإلختصاري أو الجدول اإلجمالي في دفتر الجرد بزيادة نتائجها‪ ،‬فوفقا للقانون التجاري يجب على كل‬
‫تاجر مسك دفتر سنوي لتحديد وضعية أصوله وديونه ال يتضمن فقط التحديد والتحرير بصفة متواصلة مادة‬
‫بمادة لهذه الوضعية وانما يتضمن أيضا الجدول اإلختصاري واإلجمالي لهذه الوضعية‪.‬‬
‫أما الدفاتر االختيارية فإنه رغم الشك الذي يمكن أن تثيره إال أن الفقه والقضاء الفرنسي يرى أن‬
‫تغيير الحقيقة في هذه الدفاتر يعد تزوي ار في محررات تجارية‪ ،‬على أساس أنها ليست أقل إثبات لألعمال‬
‫التجارية من الدفاتر اإللزامية إذ يمكن االستعانة بها في حاالت خاصة كدليل إثبات‪ .‬ومثال ذلك التزوير في‬
‫دفتر الدخول و خروج السلع ذلك أن التصريحات الكاذبة التي قد يتضمنها يمكن أن تسبب ضر ار للغير‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسندات التجارية قد نظمها المشرع التجاري في ثالثة أنواع هي السفتجة والشيك والسند‬
‫ألمر‪ ،‬إضافة إلى السندات التي نظمها بموجب المرسوم التشريعي رقم ‪ 21 – 92‬المؤرخ في ‪ 20‬أبريل‬
‫‪ 2992‬المعدل والمتمم القانون التجاري وهي سند النقل والسند المؤمن وعقد تحويل الفاتورة‪ .‬فلم يعرف المشرع‬
‫في القانون التجاري المقصود بها‪ ،‬غير أنه يمكن تعريفها بأنها صكوك قابلة للتداول بالطرق التجارية تمثل‬
‫حقا لحاملها وهو مبلغ من النقود و تعهدا بوفائه في ميعاد قصير‪.‬‬
‫غير أن الفقه والقضاء الفرنسيين قد مي از بين كل من السفتجة والسندات األخرى‪ ،‬وباألخص السند‬
‫ألمر من حيث شروط قيام التزوير في كل منهما‪.‬‬
‫فالسفتجة بحد ذاتها تعد محر ار تجاريا‪ ،‬ذلك أن االلتزام الناشئ عن التوقيع بأية صفة كانت و بشكل‬
‫مطلق يعتبر عمال تجاريا‪ ،‬و هو ما نص عليه القانون التجاري في المادة الثالثة منه‪ «:‬يعد عمال تجاريا‬
‫بحسب شكله التعامل بالسفتجة بين كل األشخاص»‪ 1.‬و بالتالي يكفي لقيام جريمة التزوير في السفتجة إثبات‬
‫األركان العامة‪ ،‬وكذا توافر السفتجة على الشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون‪ ،‬وال حاجة‬
‫للبحث في صفة محرر السفتجة ما إذا كان تاج ار أم ال‪ ،‬وال موضوعها ما إذا كان عمال تجاريا أم ال‪ .‬أما إذا‬
‫كانت مفتقرة إل ى أحد البيانات اإللزامية فإنها تتحول إلى سند عادي يتضمن التزام مدني‪ ،‬إذا ما استوفت‬
‫الشروط الالزمة لصحة االلتزام العادي تطبيقا ألحكام القواعد العامة في االلتزامات‪ ،‬فيصبح التزوير فيها‬
‫تزوي ار في محرر عرفي وليس تجاري‪ .‬غير أن هذا ال يمنع من جهة أخرى إلى اعتباره محر ار تجاريا باستثناء‬

‫‪1‬‬
‫األمر رقم ‪ 07-70‬المؤرخ في ‪ 22‬سبتمبر ‪ 2970‬يتضمن القانون التجاري‪ .‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 222‬السنة الثانية عشر ‪ 29 .‬ديسمبر ‪.2970‬‬
‫ص ‪.2222‬‬
‫‪115‬‬
‫كونه سفتجة متى توافرت فيه شروط المحرر التجاري‪ 1.‬وكمثال على التزوير في السفتجة توقيع الساحب أو‬
‫المظهر أو المسحوب عليه بصفته حامال لها باسم شخص آخر غير اسمه أو باسم شخص خيالي أو وهمي‬
‫ال وجود له‪ ،‬أو تحريف مبلغ السفتجة أو تحريف تاريخ األداء‪ ،‬أو اصطناع سفتجة بأكملها‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسندات التجارية األخرى فقد سار االجتهاد القضائي الجنائي الفرنسي على خطى‬
‫االجتهاد التجاري و قرر بشأنها أنها ليست بالضرورة سندات تجارية كالسفتجة‪ ،‬وذلك حسب السبب الذي‬
‫نشأت من أجله‪ ،‬وهو ما ال يمكن إنكاره فيما يتعلق بالسند ألمر‪ ،‬فإذا كان المشرع قد نظمه ضمن السندات‬
‫التجارية من حيث الشكل بشكل مطلق إذا احتوى على شرط األمر‪ ،‬إال أنه يرد عليه شرط أو قيد ‪ ،‬فالسند‬
‫ألمر ال يشكل بحد ذاته محر ار تجاريا إال إذا تم تحريره من طرف تاجر‪ ،‬أو يكون موضوعه عملية تجارية‪،‬‬
‫وفي حالة انتفاء أحد هذين الشرطين فإن المحرر ال يعد إال سندا عاديا يمثل التزام عادي‪ .‬وعليه فقد قرر‬
‫االجتهاد القضائي الفرنسي قيام جريمة التزوير في محرر تجاري ناتج عن تزوير سند ألمر في الحاالت‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت محررة من طرف تاجر لمصلحة تاجر آخر‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت تتضمن نقل نقود من مكان آلخر و تم سحبها على شخص يعد تاج ار‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تم وضع عبارة – ألمر – على التزام مدني‪ ،‬و تم تداولها عن طريق التظهير‪.‬‬
‫‪ -‬إذا حررت مقابل قيمة سلعة و ممضاة من طرف مقاول أو تاجر‪.‬‬

‫وبالعكس فقد قضى االجتهاد القضائي نفسه عدم قيام جريمة التزوير في محرر تجاري باعتبار أن‬
‫السند ألمر ال يعد محر ار تجاريا في األحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عندما ال يمثل عملية تبادل مهما كان المكان الذي تم فيه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا لم يتم تحريره من طرف تاجر و إن تضمن تأشير مصرفي‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان ال يتضمن بيان موطن التاجر كمكان للدفع‪.‬‬
‫‪ -‬إذا لم يثبت وجود عملية تجارية‪ ،‬أو لم يتم تحريره من طرف تاجر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬إذا كان السند ال يمثل سوى سند لحامله‪ ،‬لم يتم تحريره من طرف تاجر أو تظهيره من طرف تاجر‪.‬‬

‫وفي حالة تظهير هذه السندات فإنه بالنسبة للسفتجة فهي تعد تجارية بين كل األشخاص سواء كانوا‬
‫محررين أو مظهرين‪ ،‬غير أن االمر يختلف بالنسبة للسندات األخرى ألن االلتزامات الناشئة عنها يمكن أن‬
‫تتعدد‪ ،‬إذ يمكن أن تكون مدنية وقد تكون تجارية‪ ،‬فهذه االلتزامات تتم بين أشخاص مختلفين بمناسبة عمليات‬

‫‪1‬‬
‫‪R. Garraud, op. cit. t 5, n°1438,p232-233.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Chauveau. H.Faustin, op. cit, n°724 , p458-460. A. Blanche, op.cit, n°185, p 389-394.‬‬
‫‪116‬‬
‫مختلفة بحيث تحتفظ كل عملية بطابعها الخاص‪ ،‬فإذا ما حدث تزوير في هذه الحالة فإنه تتحدد طبيعة‬
‫التزوير حسب الطابع الخاص لكل عملية‪ ،‬و كمثال على ذلك ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في‬
‫القضايا التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حيث تقرر إدانة شخص كونه امتلك عن طريق تظهير مزور سندا ألمر محرر من طرف تاجر‪ ،‬حيث‬
‫تكمن حيثيات القضية في كون المزور قام بوضع إمضاء مزور لشخص غير تاجر على ظهر السند‬
‫ألمر محرر من طرف تاجر‪ ،‬ففي هذه الحالة السند األصلي يعد محر ار تجاريا‪ ،‬غير أن التظهير ال يعد‬
‫تجاريا ألنه لم يتم تظهيره من طرف تاجر أو بمناسبة عملية تجارية‪ ،‬وعليه تقرر معاقبته على أساس قيام‬
‫‪1‬‬
‫جريمة التزوير في محرر عرفي‪.‬‬
‫‪ -‬وفي قضية أخرى قام شخص بتزوير سند ألمر‪ ،‬ثم قام بتظهيره بطريقة صحيحة‪ ،‬حيث تبين أن السند‬
‫ألمر ال يعتبر سندا تجاريا ألنه ال يتضمن الصفة التجارية ال لألشخاص الموقعين عليه وال للعملية التي‬
‫يتناولها‪ ،‬ومع ذلك فإن التظهير يعد تجاريا كونه تم بين تاجرين‪ ،‬وفي هذه الحالة قررت محكمة النقض‬
‫الفرنسية أن التزوير في هذه الحالة يعد تزوي ار في محرر عرفي‪ ،‬وتكمن مبررات هذا القرار كون‬
‫االلتزامات المدنية يمكن أن تكون موضوع أعمال تجارية ‪ ،‬فهذه األخيرة ال يمكنها تغيير طبيعة االلتزام‬
‫األصلي وال تضيف شيئا له‪ ،‬وفي هذه القضية السند ألمر والتظهيرات تشكل عقود متميزة بعضها عن‬
‫بعض‪ ،‬بحيث تعتبر األولى محررات ذات طبيعة عرفية‪ ،‬والثانية محررات ذات طبيعة تجارية‪ ،‬وعليه يعد‬
‫مخالفة ألحكام القانون التجاري‪ ،‬القول بأن التظهير ذو الطبيعة التجارية يمكنه تحويل المحررات العرفية‬
‫‪2‬‬
‫إلى محررات تجارية‪.‬‬

‫إضافة للدفاتر التجارية والسندات التجارية تعد محررات تجارية كل المحررات المتعلقة بالتجارة التي‬
‫تصدر عن التجار أو تكون محل تبادل بينهم‪ ،‬فتغيير الحقيقة في جميع المحررات المتعلقة بالتجارة بصفة‬
‫عامة والمتضمنة التزام أو مخالصة تعتبر تزوي ار في محررات تجارية‪ ،‬غير أنه يشترط في هذه الفئة من‬
‫المحررات أن تكون محررة من طرف تاجر ومثبتة لعملية تجارية‪ .‬وعليه فقد قضي في فرنسا بقيام جريمة‬
‫التزوير في المراسالت بين التجار والتي تتضمن طلب سلعة شرط أن تكون ممضاة من طرف تاجر‪ .‬غير‬
‫أنه ال بد من االحتياط من إعطاء محررات مدنية الصفة التجارية‪ ،‬خاصة في االتفاقات التي تعد تجارية‬
‫بالنسبة ألحد األطراف المتعاقدة و مدنية بالنسبة للطرف اآلخر‪ ،‬ومثال ذلك التأمينات البرية تتم من طرف‬
‫شركات ربحية والتي تعتبر بالنسبة لها أعمال تجارية‪ ،‬على عكس التأمينات غير الربحية التي تعد شركات‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass, crim 16 mai 1828. Voir A. Blanche, op.cit, n°185, p 392.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A.Blanche, Ibid, n°185, p 389-394.‬‬
‫‪117‬‬
‫تجارية فيما يتعلق بالمؤمن عليه يعتبر عمل تجاري إذا قام بتأمين خطر تجاري‪ ،‬أما إذا قام بتأمين خطر‬
‫غير تجا ري فإنه ال يعد سوى عقد مدني وفي هذه الحالة فإن بوليصة التأمين تكون محرر تجاري بدون شك‬
‫بالنسبة للمؤمن‪ ،‬لكنها تعد محرر عرفي بالنسبة للمؤمن عليه‪ ،‬وعليه إذا كان التزوير قد وقع على إمضاء أو‬
‫التزامات المؤمن فيعد تزوي ار في محرر تجاري‪ ،‬بينما يعد تزوي ار في محرر عرفي إذا وقع تغيير الحقيقة على‬
‫إمضاء أو التزامات المؤمن عليه وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية‪ 1.‬وكذلك تعد محررات تجارية‬
‫المحررات المتعلقة بمختلف عمليات التفليسة‪ .‬أما المحررات المصرفية فهي الصكوك والعقود المصرفية‬
‫‪2‬‬
‫المختلفة مثل عقد فتح حساب أو عقد إيداع أو عقد قرض مصرفي‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في المحررات التجارية أو المصرفية‬
‫طبقا للمادة ‪ 229‬ق ع فإن طرق التزوير في المحررات التجارية أو المصرفية قد تم تحديدها من طرف‬
‫المشرع عن طريق اإلحالة لنص المادة ‪ 222‬ق ع التي تحدد طرق تزوير المحررات الرسمية حينما يكون‬
‫مرتكب التزوير فيها شخصا أيا كان عدا من عينتهم المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تقليد أو تزييف الكتابة أو التوقيع‪.‬‬
‫‪ -‬اصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو‬
‫إلثباتها‪.‬‬
‫‪ -‬إنتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪.‬‬
‫وقد سبق أن تعرضنا إلى شرح هذه الطرق بصدد جريمة التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية في‬
‫الحالة المذكورة‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير في المحررات التجارية أو المصرفية‬
‫لقد ميز المشرع في تزوير المحررات التجارية والمصرفية بين عقاب الجريمة البسيطة وتشديد‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫حيث تنص المادة ‪ 229‬ق ع على عقوبة الحبس مدة تتراوح من سنة إلى خمس سنوات وغرامة‬
‫تتراوح من ‪ 022‬دج إلى ‪ 22.222‬دينار‪ ،‬و باإلضافة إلى هذه العقوبات األصلية تقضي الفقرة الثانية من‬
‫المادة ‪ 229‬ق ع بجواز الحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة ‪ 22‬من‬
‫قانون العقوبات بالمنع من اإلقامة من سنة إلى خمس سنوات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass, crim 10 mars 1855. Voir A.Blanche, op.cit, n° 176-177-178, p363-368..‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪118‬‬
‫في حين تنص الفقرة الثالثة من المادة ‪ 229‬ق ع على أنه يجوز أن يضاعف الحد األقصى للعقوبة‬
‫المنصوص عليها في الفقرة األولى إذا كان مرتكب الجريمة أحد رجال المصارف أو مدير شركة وعلى العموم‬
‫أحد األشخاص الذين يلجؤون إلى الجمهور بقصد إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص أو أية‬
‫سندات كانت لشركة أو مشروع تجاري أو صناعي‪ .‬معنى ذلك أن تصل عقوبة الحد األقصى إلى ‪22‬‬
‫سنوات و عقوبة الغرامة إلى ‪ 22.222‬دينار‪.‬‬
‫وتبدو مبررات تشديد العقوبة في هذه الحالة قوية‪ ،‬فالحكمة من ذلك مزدوجة فمن ناحية تستهدف‬
‫تقوية مسؤولية المهنيين من مصرفيين و مديري المشروعات االقتصادية‪ ،‬ومن ناحية ثانية تستهدف حماية‬
‫التوفير العام‪ .‬ومع ذلك فإن توافر هذا الظرف المشدد ال يغير من تكييف الجريمة إذ تبقى جنحة وتوصف‬
‫في هذه الحالة بالجنحة المشددة‪ ،‬كما أن هذا الظرف المشدد يبقى تقريره عموما خاضع للسلطة التقديرية‬
‫‪1‬‬
‫لقاضي الموضوع مادام رفع العقوبة جوازيا حسب ما جاء في النص المذكور‪.‬‬
‫كما جعل المشرع الشروع في تزوير المحررات التجارية والمصرفية معاقبا عليه‪ .‬وفي هذه الحالة‬
‫يعاقب على الشروع بنفس العقوبات المقررة للجريمة التامة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التزوير في المحررات العرفية‬


‫نص المشرع على جريمة التزوير في المحررات العرفية بصفة مستقلة في نص خاص في المادة‬
‫‪ 222‬ق ع‪ ،‬ويعتبر أبسط أنواع التزوير وأسهلها لذلك يطلق عليه التزوير العادي‪ ،‬إذ يقوم على األركان‬
‫العامة للتزوير فحسب فال يشترط شروطا خاصة‪ ،‬فال يشترط صفة خاصة في الجاني وال في المحرر العرفي‬
‫لكي يعتبر تغيير الحقيقة فيه تزويرا‪ ،‬إذا ما توافرت باقي شروط التزوير من حيث ترتب ضرر أو احتمال‬
‫ترتبه‪ ،‬و كذا القصد الجنائي‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المحررات العرفية‬
‫لم يحدد النص التجريمي مفهوم أو مدلول المحررات العرفية محل التزوير‪ ،‬ولهذا اعتمد الفقه في‬
‫تعريفها على نظام التصفية القانونية‪ ،‬الذي يقرر أن التزوير في المحررات العرفية هو التزوير الجاري في‬
‫المحررات التي ليس لها طابع األوراق الرسمية أو العمومية‪ ،‬وال طابع األوراق التجارية أو المصرفية‪ ،‬بمعنى‬
‫أن المحرر العرفي يسهل تعريفه من وجهة سلبية ال إيجابية‪ ،‬ويقصد به كل محرر ال يعد محر ار رسميا أو‬
‫عموميا‪ ،‬وال محر ار تجاريا أو مصرفيا طبقا للتمييز المشار إليه الذي أقامه قانون العقوبات في مجال التزوير‬
‫‪2‬‬
‫في األوراق‪ ،‬وال شهادة أو وثيقة إدارية تثبت حقا أو شخصية أو صفة أو تمنح إذنا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪2‬‬
‫احسن بوسقيعة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪119‬‬
‫وبالتالي تشمل المحررات العرفية المحررات التي يتولى تحريرها و توقيعها أشخاص عاديين دون‬
‫تدخل الموظف المختص‪ ،‬وكذا المحررات التي تصدر عن موظف غير مختص بتحريرها طبقا لما تقضي به‬
‫القوانين واللوائح‪ ،‬وهو ما جاء في المادة ‪ 222‬مكرر‪ 2‬من القانون المدني التي تنص‪ « :‬يعتبر العقد غير‬
‫رسمي بسبب عدم كفاءة أو أهلية الضابط العمومي أو انعدام الشكل كمحرر عرفي إذا كان موقعا من قبل‬
‫األطراف»‪.‬‬
‫وعليه يعد المحرر عرفيا ولو صدر عن موظف عام متى كان في غير مجال تعبيره عن إرادة الدولة‬
‫وانما يتعلق بشؤونه الخاصة‪ ،‬كأن يتعاقد على إيجار مسكن أو يحرر سند دين أو مخالصة‪ .‬كما تعد الورقة‬
‫الصادرة عن موظف عام في مجال عمله الرسمي على نحو يناقض صفته التمثيلية من قبيل المحررات‬
‫العرفية كذلك‪ ،‬إذ ال يسوغ اعتبارها معبرة عن إرادة الدولة‪ ،‬و مثال ذلك محرر صادر من رئيس إلى مرؤوس‬
‫له متضمن تحريضا على ارتكاب جريمة‪ ،‬أو يتضمن سؤاال ال يختص الرئيس باالستفسار عنه ويجب أن‬
‫‪1‬‬
‫تترك للمرؤوس الحرية في شأنه‪.‬‬
‫وتتعدد أنواع المحررات العرفية بحيث يتعذر جمعها في أنواع‪ ،‬بل تكفي اإلشارة إليها باألمثلة‪ .‬غير‬
‫أنه يمكن تصنيفها إلى فئتين‪ :‬أوراق معدة لإلثبات‪ ،‬كإثبات التصرفات القانونية من بيع وايجار ونحو ذلك‪،‬‬
‫وهي تعتبر أدلة كاملة ألنها موقعة من أطرافها‪ .‬وأوراق غير معدة لإلثبات كالمذكرات والبرقيات والرسائل‪،‬‬
‫ويغلب فيها أن ال تكون موقعة‪ ،‬ولكنها قد تحتوي على عناصر من اإلثبات تتفاوت قوة و ضعفا وفقا لشروط‬
‫‪2‬‬
‫محددة في القانون المدني في المواد ‪ 222-229‬منه‪.‬‬
‫وبصفة عامة يلجأ الناس إلى هذه المحررات للمحافظة على حقوقهم لما تتميز به من سرعة في‬
‫التحرير سهولة في اإلعداد ونقص في التكاليف‪ 3.‬غير أنه قد تثور بعض الصعوبات القانونية في مجال‬
‫تزوير المحررات العرفية في بعض الحاالت منها‪:‬‬
‫‪ -‬تالزم المحرر الخاص مع المحرر الرسمي‪ :‬ففي هذه الحالة ال يغير من صفة المحرر العرفي كونه‬
‫مسطو ار مع المحرر الرسمي في ورقة واحدة‪ ،‬إذ يحافظ على استقالليته وتبقى الجريمة المتعلقة به قائمة‬
‫لوحدها‪ 4،‬ويقصد بذلك أن المحرر العرفي يعتبر كذلك و لو كانت تجمعه ورقة واحدة مع المحرر‬
‫الرسمي‪ ،‬فقد يكون المحرر رسميا في جزء منه وعرفيا في الجزء اآلخر‪ ،‬ويحدث هذا عندما يتدخل‬
‫الموظف العمومي في محرر عرفي فيعتمد بعض بياناته دون البعض اآلخر‪ ،‬ففي هذه الحالة يعتبر‬
‫الجزء من المحرر الذي اعتمده الموظف المختص رسميا‪ ،‬أما الجزء اآلخر فيبقى ذو صفة عرفية‪ ،‬فإذا‬

‫‪1‬‬
‫أحمد عبد السالم علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد أحمد عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22-22‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪4‬‬
‫جندي عبد الملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪120‬‬
‫وقع التزوير في الجزء العرفي تحققت الجريمة المقررة في المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬ومثال ذلك حواالت البريد‬
‫التي تش تمل على وجهين أحدهما رسمي واآلخر عرفي‪ ،‬فالجزء المخصص لمستلم المبلغ المحول مستقل‬
‫عن التحويل الذي يعد الجزء الرسمي في الورقة‪ ،‬وكون هذه الكتابة مثبتة مع التحويل في ورقة واحدة ال‬
‫يكسبها الصفة الرسمية‪ ،‬و عليه فإن التزوير بوضع إمضاء مزور في المكان المعد لتوقيع مستلم المبلغ‬
‫المحول يعد تزوي ار في محرر عرفي‪ ،‬غير أن هناك من يناقض هذا الموقف كون حوالة البريد هي من‬
‫األوراق الرسمية في كل أجزائها أما إذا وقع التزوير في الجزء الرسمي فتطبق أحكام التزوير في‬
‫‪1‬‬
‫المحررات الرسمية أو العمومية‪.‬‬

‫ومن األمثلة كذلك إيصال رد الرسوم‪ ،‬حيث قد يزور كاتب الضبط إيصاالت بأسماء بعض الخصوم‬
‫فيثبت فيها أنه رد إليهم ما دفعوه من الرسوم‪ ،‬وحرر هذه اإليصاالت بظهر القسائم الرسمية التي كانت تسلم‬
‫إلى الخصوم إيذانا بإيداع الرسوم من طرفهم‪.‬‬
‫كما قد يولد المحرر عرفيا ثم يفقد صفته هذه ويتحول إلى محرر رسمي‪ ،‬وذلك بتدخل موظف‬
‫مختص بالتأشير عليه بما يفيد اعتماد بياناته أو التصرف فيه طبقا للقانون‪ ،‬ففي هذه الحالة تسحب الصفة‬
‫الرسمية على جميع أجزاء المحرر العرفي‪ ،‬ويعد التزوير فيه تزوي ار في محرر رسمي ال محرر عرفي‪ .‬مثال‬
‫هذه الحالة عريضة الدعوى‪ ،‬فقد تبدو في مبتدأ أمرها محر ار عرفيا إذا حررت بمعرفة ذوي الشأن‪ ،‬وتبقى لها‬
‫هذه الصفة إذا لم تقدم إلى اإلعالن‪ ،‬أما إذا قدمت إلعالنها ووقعت من طرف الموظف المختص بذلك فإنها‬
‫تكتسب بذلك الصفة الرسمية في جميع أجزائها وتعتبر كأنها صادرة منه من أولها إلى آخرها‪ ،‬فكل تزوير يقع‬
‫في أي جزء من أجزائه ا بعد ذلك يعد وال شك تزوي ار في محرر رسمي‪ ،‬كأن يثبت كاتب الضبط عند اإلعالن‬
‫أنه سلم صورة العريضة إلى المعلن إليه مع أنه سلمها إلى شخص آخر‪ .‬ولكن ما حكم التزوير الذي يقع قبل‬
‫اإلعالن أي قبل أن تكتسب العريضة الصفة الرسمية؟‪.‬‬
‫لقد رجح جانب من الفقه الجنائي‪ 2‬أنه إذا وقع التزوير قبل اإلعالن فإن هذا التزوير يعتبر تزوي ار في‬
‫محرر رسمي‪ ،‬ألن الصفة الرسمية تنسحب على جميع اإلجراءات السابقة على اإلعالن إلى حين تحرير‬
‫العريضة‪ ،‬فإذا رفع شخص دعوى باسم شخص آخر و حرر عريضة و وقع عليها باسم هذا األخير وقدمها‬
‫لإلعالن و تم إعالنها فعال‪ ،‬فإنه يعد مرتكبا لجريمة التزوير في محرر رسمي ألن العبرة بما تؤول إليه‬
‫العريضة في النهاية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أمين بك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222-222‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد هللا الشاذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .221‬أحمد أمين بك‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.220-222‬‬
‫‪121‬‬
‫‪ -‬السجالت أو الدفاتر الشخصية‪ :‬يقصد بالسجالت والدفاتر الشخصية هي تلك المحررات التي يحررها‬
‫الشخص ويقيد فيها ما يحصل من بيع أو شراء أو وفاء أو التزام أو قرض أو أي حادث وقع في حياته‬
‫‪1‬‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫فبخصوص هذه المحررات فقد اختلف الفقه الفرنسي حول ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في‬
‫هذه الحالة‪ ،‬حيث قررت أنه ال عقاب على التزوير الذي يقع في هذه الدفاتر طالما أنها بقيت في حوزة‬
‫صاحبها ولم يقدمها كمستند‪ ،‬بالعكس لو تم إب ارزه وتقديمه أمام القضاء كدليل لإلضرار بالغير وتم هذا التقديم‬
‫فعال‪ ،‬كما أنه إذا كانت البيانات التي يشتمل عليها هذا النوع من الدفاتر ليست حجة لمصلحة من صدرت‬
‫عنه فإنه يمكن أن ينتج عنها قرائن ضارة بالغير‪ 2.‬فقد عارض بالنش ‪ Blanche‬االعتبارات التي أسست‬
‫‪3‬‬
‫عليها محكمة النقض قرارها هذا‪ ،‬ويمكن إجمال انتقاداته في أربعة نقاط‪:‬‬
‫‪ -‬أن القرار يخلط بين الركن المادي والركن المعنوي في جريمة التزوير‪ ،‬أي بين الفعل اإلجرامي والقصد‬
‫الجنائي‪ ،‬ذلك أنه ال شك أن انعدام النية اإلجرامية يؤدي إلى انعدام الجريمة حتى وان كان الفعل المادي‬
‫مجرما‪ ،‬غير أن النية ال تعدل من الطبيعة الداخلية الخاصة بالفعل اإلجرامي‪ ،‬فمهما كانت النية‬
‫اإلجرامية إذا كان الفعل ال يحتوي على الشروط المادية التي بدونها ال قيام للركن المادي فإنه ال قيام‬
‫للجريمة‪ ،‬وعليه فإن النية اإلجرامية في هذه الحالة موجودة غير أن جسم الجريمة غير موجود‪.‬‬
‫‪ -‬إ ن بتقرير محكمة النقض أنه في حالة إبراز هذه األوراق أمام المحكمة إضرار بالغير فإن تزويرها يعد‬
‫جريمة‪ ،‬ليست له أي آثار حول معرفة ما إذا كان تغيير الحقيقة فيها يشكل في حد ذاته الركن المادي‬
‫للجريمة‪ ،‬فالتزوير ال تتغير طبيعته بحيث يصبح مجرما من خالل استعمال المحرر المزور بعد تزويره‪،‬‬
‫وانما يكتسب الصفة اإلجرامية وقت تحرير المحرر محل التزوير‪ ،‬فيكون مجرما إذا كان وقت ارتكابه يعد‬
‫جريمة‪ ،‬فاالستعمال مستقل تماما عن التزوير‪ ،‬وعليه فقد أخطأت محكمة النقض في إصباغ الصفة‬
‫اإلجرامية على فعل التزوير من خالل االستعمال‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت ال محكمة قد قررت أن الدفاتر والسجالت الخاصة ال يمكنها وفقا للقانون المدني أن تشكل سندا‬
‫لصاحبها‪ ،‬لكن ينتج عنها على األقل قرائن ضارة بالغير‪ ،‬فإنه ال بد من إقامة التمييز بين حالتين‪ :‬الحالة‬
‫األولى إذا كان النزاع يمكن إثباته عن طريق شهادة الشهود أو القرائن فإن الدفتر في هذه الحالة ال يشكل‬
‫دليل إال أنه يمكن أن يكون قرينة‪ ،‬بالعكس لو كانت قيمة الدين المتنازع عليه أكثر من هذه القيمة أو‬
‫غير محددة فإن الدفتر ال يشكل دليال و ال قرينة‪ ،‬وعليه فإن تغيير الحقيقة في الدفتر في الحالة األولى‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op. cit. t 5, n°1383 p 148.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.crim 7 octobre 1858. Cass.crim 27 janvier 1827. Voir A.Blanche, op.cit, n°132, p194-196.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A. Blanche,Ibid, n°132,p193-203.‬‬
‫‪122‬‬
‫يمكن أن يشكل العنصر المادي لجريمة التزوير‪ ،‬كونه يمكن أن يستند إليه القاضي كقرينة‪ ،‬بينما في‬
‫الحالة الثانية فإن تغيير الحقيقة فيه ال يشكل جريمة التزوير على أساس أنه ال يمكن للقاضي قانونا‬
‫االستناد له‪.‬‬
‫‪ -‬أما االنتقاد األخير فيتعلق بما ذهبت إليه المحكمة من أجل إعطاء قرارها القوة‪ ،‬حيث قضت أن هيئة‬
‫الم حلفين قد أكدت أنه يمكن أن يترتب على التزوير في هذه الحالة ضرر للغير‪ ،‬وبالتالي إثبات هذا‬
‫األمر يخضع لسلطة هيئة المحلفين وال يخضع لرقابة محكمة النقض‪ ،‬فيرد على ذلك إذا كانت قد أثبتت‬
‫توافر الضرر فإنها لم تثبت أن تغيير الحقيقة في هذه الدفاتر يعد معاقبا عليه طبقا للقانون‪ ،‬كون محل‬
‫تغيير الحقيقة يمكن أن يكون أساسا لدعوى بأن ينشئ التزام أو مخالصة أو اتفاقات أو نصوص ‪ ،‬وعليه‬
‫فإن إثبات العنصر األول ال يكفي إلثبات العنصر الثاني‪ ،‬وهو ما قرره اجتهاد محكمة النقض نفسها‬
‫حيث قررت أنه ال يكفي لقيام جريمة التزوير أن يكون من شأن تغيير الحقيقة أن يسبب ضر ار للغير‪،‬‬
‫فليس من أجل هذا يكون هناك تزوير معاقب عليه‪.‬‬

‫والمالحظ أن انتقاد بالنش ‪ Blanche‬كان موجها في حالة ما إذا كان التزوير قد تم في الدفتر‬
‫بهدف اإلشارة إلى التزام لمصلحة من صدر عنه‪ .‬أما في الحالة التي يكون فيها الدفتر حجة ضد من صدر‬
‫عنه أي حجة لمصلحة الغير وذلك في الحاالت التي قررها القانون‪ ،‬فإنه ال يستبعد قيام التزوير في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬ألن الكتابة المزورة تشتمل على أساس لرفع دعوى‪ ،‬فهي تثبت التزاما على عاتق من صدرت عنه‬
‫وزورها‪ ،‬ذلك أن تغيير الحقيقة في مثل هذه الحالة يعد مجرما ومعاقبا عليه وفقا للقانون الجنائي‪.‬‬
‫وقد أيد كل من شوفو ‪ Chauveau‬وفوستان ‪ Faustin‬ما ذهب إليه بالنش ‪ ، Blanche‬حيث يرى‬
‫كل منهما أنه ال يهم أن تقدم الدفاتر وال أن يكون التغيير حاصال بنية اإلضرار مادام طبيعة الفعل في حد‬
‫ذاته ال يشكل تزوي ار بالمفهوم القانوني‪ ،‬إذ هناك حالة وحيدة يمكن أن يشكل فيها تغيير الحقيقة في هذه‬
‫الدفاتر الركن المادي لجريمة التزوير إذا كان يمكنها أن تشكل دليال أو قرينة لصاحبها يمكن أن ترتب ضر ار‬
‫‪1‬‬
‫للغير‪.‬‬
‫أما جارو ‪ Garraud‬فيرى أنه لحل هذه المسألة يجب التركيز على حجية هذه الدفاتر والسجالت‪،‬‬
‫حيث أن القانون المدني يميز بين حالتين‪ ،‬وهي حجيتها لمصلحة صاحبها أو ضده‪ ،‬ففي الحالة األولى فهي‬
‫ال تشكل سندا لمصلحته ‪ ،‬ذلك انه ال يمكن أن ينشئ اإلنسان دليال أو حتى بداية دليل كتابي لمصلحته‪ ،‬أما‬
‫في حالة حجيتها في اإلثبات لمصلحة الغير وفي مواجهة من صدرت عنه فالقانون يميز بين وضعين‪:‬‬
‫الحالة األولى إذا كانت تتضمن إبراء ذمة الغير في مواجهة من صدرت عنه هذه المحررات كأن يكون دفع‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Chauveau et H.Faustin, op.cit, n°658, p 348-349.‬‬
‫‪123‬‬
‫أجرة أو دين أو مخالصة‪ ،‬وعليه فإن هذه الدفاتر تشكل دليال كامال ضد من صدرت عنه‪ ،‬أما الحالة الثانية‬
‫إذا كانت تثبت التزام على عاتق من صدرت عنه وفي مواجهة الغير‪ ،‬فال تعد في هذه الحالة دليال إال إذا‬
‫ذكر فيها أنها تقوم مقام السند‪ .‬وعليه يرى جارو ‪ Garraud‬أنه إذا كان جانب من الفقه قد عارض االجتهاد‬
‫القضائي السابق على أساس أن هذه المحررات ال تشكل سندا لصاحبها‪ ،‬فإن هذا المنطق غير سليم‪ ،‬ذلك‬
‫انه بدون شك أن هذه المحررات ال تشكل سندا لصاحبها لكن قد تشكل سندا ضده في األحوال التي تثبت‬
‫استيفاء دين لصالحه أو التزام على عاتقه‪ ،‬وعليه نستخلص أنه إذا كان تزوير بعض المحررات والسجالت‬
‫والرسائل ال ينطبق عليه وصف جريمة التزوير مادامت في حوزة صاحبها‪ ،‬فإن األمر يكون خالف ذلك‬
‫عندما يكون التزوير قد تم من أجل تقديمها أمام القضاء وتم بالفعل إبرازها‪ ،‬بحيث يعد هذا الظرف‬
‫الموضوعي دليال على توافر نية إجرامية لدى الجاني إضافة إلى حجيتها في األحوال السابق اإلشارة إليها‬
‫بحيث يشكل تغيير الحقيقة فيها الركن المادي لجريمة التزوير‪ ،‬بحيث يمكن أن تكون وسيلة إثبات شرعية‬
‫‪1‬‬
‫الدعوى أو عدم شرعيتها‪.‬‬
‫‪ -‬الرسائل والبرقيات‪ :‬بالرجوع إلى المادة ‪ 229‬من القانون المدني تكون للرسائل الموقع عليها قيمة األوراق‬
‫العرفية من حيث اإلثبات‪ .‬وتكون للبرقيات هذه القيمة أيضا إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير‬
‫موقعا عليه من مرسلها‪ ،‬و تعتبر البرقية مطابقة ألصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك‪ ،‬واذا تلف‬
‫أصل البرقية فال تعتبر نسختها إال لمجرد االستئناس‪ .‬وعليه فإن تغيير الحقيقة في هذه الرسائل والبرقيات‬
‫المستوفية لشروط الحجية في اإلثبات قد يكون أساسا لإلدانة بجريمة التزوير في المحررات العرفية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في المحررات العرفية‬
‫طبقا للمادة ‪ 220‬ق ع فإن طرق التزوير في المحررات العرفية قد تم تحديدها من طرف المشرع عن‬
‫طريق اإلحالة لنص المادة ‪ 222‬التي تحدد طرق تزوير المحررات الرسمية حينما يكون مرتكب التزوير فيها‬
‫شخصا أيا كان عدا من عينتهم المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تقليد أو تزييف الكتابة أو التوقيع‪.‬‬
‫‪ -‬اصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو اإلق اررات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو إلثباتها‪.‬‬
‫‪ -‬إنتحال شخصية الغير أو الحلول محلها‪.‬‬
‫و قد سبق أن تعرضت إلى شرح هذه الطرق بصدد جريمة التزوير في المحررات الرسمية أو العمومية في‬
‫الحالة المذكورة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪R.Garraud, op.cit, n°1383, p148-151.‬‬
‫‪124‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات العرفية‬
‫تعاقب المادة ‪ 222‬ق ع على التزوير في المحررات العرفية بعقوبة أصلية و هي الحبس من سنة‬
‫إلى خمس سنوات و بغرامة من ‪ 022‬إلى ‪ 2222‬دج‪ .‬و بعقوبات تكميلية بأن يحكم على الجاني بالحرمان‬
‫من حق أو أكثر من الحقوق الوطنية لمدة سنة على األقل إلى خمس سنوات على األكثر بالمنع من اإلقامة‬
‫لنفس المدة‪ .‬كما أن المشرع عاقب على الشروع في تزوير المحررات العرفية بنفس عقوبة الجريمة التامة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التزوير في بعض الوثائق اإلدارية و الشهادات‬


‫نص المشرع في المواد ‪ 222‬ق ع إلى غاية المادة ‪ 221‬على صور مختلفة للتزوير‪ ،‬تشكل مجموعة‬
‫قائمة بذاتها‪ 1،‬وان كانت ترتد إلى ذات المصدر وتتقارب فيما بينها لجهة العناصر المشتركة‪ ،‬فإنها تحتفظ‬
‫على الخصوصيات والمواصفات العائدة إجماال لكل من هذه الجرائم‪ ،‬فقد خصص لها المشرع قسما خاصا‬
‫بها رغم أنه لم يشترط وحدة الوسائل وال العقوبات‪ ،‬كما جاءت متعلقة بمجاالت مختلفة وبطريقة مبعثرة‪ .‬وعليه‬
‫تتميز هذه الطائفة من الجرائم بمايلي‪:‬‬
‫عبارة «بعض» الواردة في عنوان القسم تدل على أن المشرع قد أورد هذه الطائفة من الجرائم على سبيل‬ ‫‪-‬‬
‫االستثناء والمثال‪ ،‬فال يجوز القياس عليها كما ال يجوز التوسع في تفسيرها بإدخال وقائع ال تتناولها‬
‫نصوصها‪ ،‬فإذا لم تكن الواقعة قد توافرت لها كل العناصر التي تجعلها خاضعة إلحدى هذه الصور‬
‫‪2‬‬
‫المخففة تعين الرجوع إلى القواعد العامة‪.‬‬
‫التزوير في هذه الوثائق ال يخضع لمعيار واحد وثابت يضبط األوضاع المعنية كافة‪ ،‬مادام كل نص‬ ‫‪-‬‬
‫يختص بنوع ما ورد فيه من محررات و أوراق‪ ،‬و مادامت العقوبات ليست واحدة بل مختلفة عن بعضها‬
‫‪3‬‬
‫البعض‪ ،‬إضافة إلى العناصر األساسية التي يتكون منها الفعل اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبر المشرع مع ذلك هذه األحوال تشكل جميعها جنحا‪ ،‬وقرر لها عقوبات أخف من عقوبة التزوير في‬
‫المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية‪ ،‬مع أن بعضها تنطبق عليه صفات المحررات الرسمية‪ ،‬و‬
‫علة ذلك أن خطورة التزوير في هذه الوثائق أقل خطورة منه في األحوال األخرى‪ ،‬كون هذه الوثائق في‬
‫مجملها تعود للشخص المعطاة له‪ ،‬دون أن تتناول الغير فيكون التزوير فيها واقعا على ما يتعلق‬
‫بصاحبها سواء على هويته أو صفته وحقه‪ ،‬ولهذا فإن المشرع نص في المادة ‪ 229‬ق ع على أنه‪« :‬إذا‬
‫ارتكبت جرائم التزوير المعاقب عليها في هذا القسم إض ار ار بالخزينة العامة أو بالغير فإنه يعاقب وفقا‬

‫‪1‬‬
‫اتفق أغلب الفقه الجنائي على تسمية هذا النوع من التجريم بالتزوير الخاص‪ ،‬ليس بسب اختالفه عن التزوير العادي في عناصره و مقوماته ‪ ،‬بل‬
‫ألن أكثرية هذه الجرائم منصوص عليها في القوانين و األنظمة اإلدارية كمخالفات للتعليمات و األوامر التي تتضمنها تلك القوانين و األنظمة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أبو الروس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪3‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪125‬‬
‫لطبيعتها إما باعتبارها تزوي ار في محررات عمومية أو رسمية أو باعتبارها تزوير في محررات عرفية أو‬
‫تجارية أو مصرفية»‪.‬‬

‫وعليه تنقسم هذه الطائفة من جرائم التزوير إلى أربعة أقسام هي‪:‬‬
‫‪ -‬التزوير في بعض الوثائق اإلدارية في المواد ‪ 222-222‬ق ع‪ (.‬الفرع األول)‬
‫‪ -‬التزوير في سجالت المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة في المادة ‪ 222‬ق ع‪ (.‬الفرع الثاني)‬
‫‪ -‬التزوير في الشهادات الطبية في المواد ‪ 222-220‬ق ع‪ (.‬الفرع الثالث)‬
‫‪ -‬التزوير في الشهادات األخرى في المواد ‪ 221-227‬ق ع‪ (.‬الفرع الرابع)‬

‫الفرع األول‪ :‬التزوير في بعض الوثائق اإلدارية‬


‫تنص المادة ‪ 444‬ق ع مايلي‪ «:‬كل من قلد أو زور أو زيف رخصا أو شهادات أو كتابات أو‬
‫بطاقات أو نشرات أو إيصاالت أو جوازات سفر أو أوامر خدمة أو وثائق سفر أو تصاريح مرور أو غيرها‬
‫من الوثائق التي تصدرها اإلدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن يعاقب‬
‫بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات و بغرامة من ‪ 2.022‬دج إلى ‪ 20.222‬دج‪.‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في‬
‫المادة ‪ 22‬من سنة إلى خمس سنوات على األكثر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويعاقب على الشروع بمثل ما يعاقب على الجريمة التامة»‪.‬‬
‫يتضح من خالل نص المادة أن المشرع قد أتى على ذكر بعض الحاالت المعينة على سبيل المثال‪،‬‬
‫كما نص على الحالة العامة وهي الوثائق اإلدارية التي تصدرها اإلدارات العمومية بغرض إثبات حق أو‬
‫صفة أو منح إذن‪ ،‬وبالتالي هناك أحكام مشتركة بين جميع جرائم التحريف الواقعة على بعض هذه الوثائق‬
‫اإلدارية ال بد من توافرها لتحقق جريمة التزوير‪ ،‬وفي هذا السياق قضت المحكمة العليا في قرار لها صادر‬
‫بتاريخ ‪ 2912/22/29‬في الطعن رقم ‪ «:20-210‬إن القرار القاضي بإدانة متهم من أجل تزوير وثائق‬
‫إدارية طبقا للمادة ‪ 222‬ق ع بدون بيان الوثائق المزورة أو عملية التزوير أو الغرض منها يعتبر غير معلل‬
‫تعليال كافيا وبالتالي يتعين نقضه»‪ 2.‬لهذا يتعين تحديد صفة الوثائق التي يمكن أن تكون محل التزوير في‬
‫هذه الحالة ‪ ،‬ثم الطرق التي يمكن أن تقع بها هذه الجريمة‪ .‬وأخي ار الجزاء الجنائي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تقيدا بموضوع الدراسة المتمثل في جريمة التزوير في المحررات فإننا لم نورد الفقرة األخيرة من المادة المتعلقة بجريمة االستعمال‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2912/22/29‬في الطعن رقم ‪. 20-210‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية الثانية‪،‬و كذا القرار رقم ‪ 2227‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 2917/22/22‬من نفس الغرفة‪ ،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪126‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف الوثائق اإلدارية‬
‫لم يحدد المشرع في المادة ‪ 222‬ق ع الوثائق محل التزوير على سبيل الحصر وانما عدد بعض هذه‬
‫الوثائق بصفة اسمية‪ ،‬ثم أورد الحالة العامة لها وهي كل الوثائق األخرى التي تصدرها اإلدارات العمومية‬
‫بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو إذن‪ ،‬وعليه لبيان هذا العنصر األساسي يشترط ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون هناك وثيقة‪ ،‬أي محرر مستكمل العناصر لجهة الصورة الخطية‪ ،‬باعتبار أن التحريف ال يقع‬
‫إال على المخطوطات‪ ،‬و ال يتناول الوسيلة الخطابية حتى ولو حصل هذا التحريف فيها‪.‬‬
‫‪ -‬وأن تكون هذه الوثيقة صادرة عن إدارة عامة‪ ،‬أي عن األجهزة السلطوية التي تبنى عليها الدولة‪ ،‬على أن‬
‫تكون هذه األجهزة متخصصة و معينة في ما تصدره و تنظمه و تسلمه‪،‬‬
‫‪ -‬أن تكون الغاية من هذه الوثيقة إحدى ثالث‪:‬‬
‫‪ -‬إثبات الشخصية أو الصفة‪ :‬بمعنى التعريف عن الهوية المعطاة له‪ ،‬أو عن صفته‪ ،‬أو عن عمله‪ ،‬أو‬
‫عن لقبه وكل ما يتعلق به شخصيا‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات حق من الحقوق التي يتمتع بها أي شخص وفقا لألحكام الدستورية ال الحرمان منها‪.‬‬
‫‪ -‬منح إذن‪ :‬أي الترخيص بممارسة مهنة مثال‪ ،‬أو أي عمل يتوقف منحه على شروط أو أسس خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬وأخي ار أن تكون هذه الوثيقة معدة أصال لتسليمها إلى فرد معين‪.‬‬

‫وبصفة عامة يتعين الرجوع إلى أحكام القانون اإلداري الذي يعد المرجع األساسي لتحري الوثائق‬
‫‪1‬‬
‫المعنية في النص الجزائي‪.‬‬
‫و قد أشارت المادة ‪ 222‬ق ع على سبيل المثال إلى بعض هذه الوثائق التي من شأنها أن تكون‬
‫محل جريمة التزوير وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الرخص‪ :‬ومن أمثلتها رخص الصيد وحمل السالح وكذا رخصة قيادة مركبة‪ .‬وفي هذه الحالة األخيرة‬
‫قررت المحكمة العليا في قرار لها مرسم تحت رقم ‪ 992‬صادر بتاريخ ‪ 2917/22/22‬توافر عناصر‬
‫الجريمة المقررة في المادة ‪ 222‬ق ع إذا ثبت أن المتهم قام بتزوير أوراق السيارة التي اشتراها من‬
‫متعاون أجنبي و وضع عليها لوحة تسجيل سيارة أخرى اشتراها من مواطن ثم قام بتهريبها للتهرب من‬
‫‪2‬‬
‫المتابعة‪.‬‬
‫‪ -‬الشهادات‪ :‬تتسع هذه العبارة لتشمل كل الوثائق التي تصدرها اإلدارات العمومية بغرض إثبات حق أو‬
‫صفة أو منح إذن‪ ،‬عدا الوثائق التي ورد ذكرها صراحة في نص المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬والشهادات الطبية‬

‫‪1‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222.222‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2917/22/22‬رقم ‪.،992‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة الجنائية الثانية‪ ،‬جياللي بغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫‪127‬‬
‫التي خصصها المشرع بتجريم خاص‪ ،‬وقد قضي في فرنسا بأن شهادة الجنسية تندرج ضمن الوثائق‬
‫االدارية‪.‬‬
‫‪ -‬الدفاتر‪ :‬ومن أمثلتها الدفتر العائلي والدفتر الصحي والدفتر العسكري‪.‬‬
‫‪ -‬البطاقات‪ :‬وأهمها بطاقة التعريف الوطني‪ ،‬وفي هذا المجال قضي في فرنسا بأن هذه العبارة تنطبق أيضا‬
‫على وثائق التعريف بالهوية الصادرة عن قنصلية أجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬النشرات‪ :‬ومنها مذكرة إرسال و بيان األمتعة‪ ،‬وبيان اإليداع وبيان الشحن وبطاقة االنتخاب‪.‬‬
‫‪ -‬اإليصاالت‪ :‬وهي أوراق تثبت فيها اإلدارة توصلها بوثائق من صاحبها‪ ،‬وفي هذا الصدد قضي في فرنسا‬
‫بأن البطاقة الرمادية تعد وصال‪ .‬في حين قضت المحكمة العليا بأن الوصوالت التي يستعملها األشخاص‬
‫العاديون في معامالتهم الخاصة ال يشملها التجريم كونها ال تصدر من إدارة عمومية‪ 1.‬وذلك في قرارها‬
‫رقم ‪ 222202‬الصادر بتاريخ ‪ 2222/22/20‬جاء فيه‪ :‬متى ثبت من أوراق الطعن أن الوثائق –‬
‫وصوالت – المطعون فيها بالتزوير تخص معامالت فردية بين األشخاص العاديين فإنه ال يصوغ‬
‫‪2‬‬
‫إخضاعها إلى أحكام المادة ‪ 222‬ق ع التي تتعلق بتقليد أو تزوير وثائق تصدرها اإلدارات العمومية‪.‬‬

‫كما أورد نص المادة ‪ 222‬ق ع وثائق اسمية‪ ،‬وهي جوازات السفر‪ ،‬أو أوامر الخدمة‪ ،‬أو وثائق‬
‫السفر‪ ،‬أو تصاريح المرور‪ .‬ويقصد بأوامر الخدمة األوامر التي يتلقاها الشخص بمناسبة القيام بعمل ما‪،‬‬
‫منها أوامر الخدمة العسكرية‪ .‬أما جواز السفر وتصاريح المرور ووثائق السفر فنجد أن المشرع قد اكتفى‬
‫بالنص على تزويرها مع الوثائق اإلدارية الباقية‪ ،‬في حين أن قانون العقوبات الفرنسي القديم نص على‬
‫تزويرها في نص خاص باعتبارها جريمة اسمية قائمة بذاتها‪ ،‬فلم ينص عليها في المادة ‪ - 202‬المقابلة‬
‫للمادة ‪ 222‬ق ع ‪ -‬التي أتت على ذكر كافة الوثائق الصادرة عن اإلدارات العمومية تعدادا و إنما خصص‬
‫لها المادة ‪ 202‬المعدلة بقانون ‪ ،2922/20/22‬التي تنص على عقوبة الحبس حتى أربعة سنوات والغرامة‬
‫بحق كل من يصطنع و يختلق تذكرة مرور أو يشوهها أو يحورها أو يحرف فيها بأية وسيلة كانت‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى تغيير التذكرة من حال إلى آخر‪ ،‬بما يفقد السلطة اإلدارية حسن مراقبتها لألشخاص بسبب التزوير‬
‫الحاصل و ما ينجم عنه من اختالط‪ .‬ويقصد بجواز السفر تصريح يعطى للمواطن من قبل حكومة البلد‬
‫المقيم فيها ليجتاز حدودها إلى قطر آخر‪ ،‬وهو في األصل ال يستطيع اجتياز الحدود إال بهذا التصريح‪ .‬أما‬
‫تص اريح المرور فهي األوراق التي تجيز لحاملها المرور من مكان آلخر حيث يكون االنتقال مقيدا‪،‬‬
‫كالتصاريح التي تعطى لرجال الجيش المحضور عليهم بحسب األصل أن يفارقوا جهة إقامتهم في معسكراتهم‬

‫‪1‬‬
‫أحسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.202،202‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر بتاريخ ‪ 2222/22/20‬رقم ‪.،222202‬المحكمة العليا‪ ،‬غرفة الجنح و المخالفات رقم االجتهاد القضائي لغرفة الجنح و المخالفات عدد‬
‫خاص سنة ‪ ،2222‬ص ‪.202-202‬‬
‫‪128‬‬
‫إعالما للجهات الحكومية األخرى من شرطة أو غيرهم بأنهم غير فارين‪ ،‬بل هو مصرح لهم باالنتقال‪ ،‬وأن‬
‫ليس ألحد أن يستوقفهم على ظن أنهم هاربين‪ ،‬أو التصاريح التي تعطيها الشرطة في المدن إلمكان اجتياز‬
‫الشوارع الممنوع فيها المرور‪ .‬و بصفة عامة هي في مجملها جوازات تعطى من قبل مصالح الحكومة لمن‬
‫هو محظور عليهم االنتقال من جهة ألخرى فترفع عنهم هذا الحظر‪ .‬و ال يعد من وثائق السفر أو التصاريح‬
‫تذاكر النقل في الحافالت أو القطارات أو الطائرات‪ ،‬فتزوير هذه الوثائق يعد تزوي ار في محررات تجارية‪ ،‬ألنه‬
‫ليس الغرض منها فك قيد عالق بحرية التنقل‪ ،‬ذلك أن الشخص حر يغدو ويروح ب ار وبح ار وجوا كما يشاء‪،‬‬
‫مادام يتم في نطاق الحدود المسموح بها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في الوثائق اإلدارية‬
‫لم يحدد المشرع من خالل المادة ‪ 222‬ق ع وسائل معينة للتزوير كما تم ذلك في جرائم التزوير‬
‫األخرى أين نص على طرق التزوير على سبيل الحصر‪ ،‬بل اكتفى بعبارات عامة تفيد في مجملها تغيير‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهي التقليد أو التزوير أو التزييف‪ ،‬والتي يمكن القول بأنها تمثل طرق التزوير المادية حيث تتحقق‬
‫هذه الحالة بقيام الجاني بإنشاء هذه الوثائق بكامل أجزائها على غرار أصل موجود‪ ،‬أو بخلق وثيقة من هذا‬
‫القبيل على غير مثال سابق‪ ،‬أو بقيامه بتغيير الحقيقة في وثائق كانت صحيحة في األصل بطريق الحذف‬
‫أو اإلبدال أو اإلضافة‪ ،‬وهي في الحقيقة ال تخرج عن طرق التزوير المادي في المحررات الرسمية أو‬
‫العمومية‪ ،‬أو العرفية أو التجارية أو المصرفية‪.‬‬
‫وعليه يبقى لقاضي الموضوع مطلق الحرية في تقديرها شرط أن يتحقق منها ويثبتها في حكمه‬
‫الصادر باإلدانة‪ .‬ومع ذلك فبالرجوع إلى الفقرة األولى من المادة ‪ 222‬ق ع نجد أن المشرع قد نص على‬
‫صور من التزوير المعنوي في هذه الوثائق تتمثل في الحصول عليها بغير حق سواء باإلدالء بإق اررات كاذبة‬
‫أو بانتحال اسم كاذب أو صفة كاذبة أو بتقديم معلومات أو شهادات أو إق اررات كاذبة‪ .‬وعليه فإن طرق‬
‫التزوير في هذه الوثائق قد تكون مادية أو معنوية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير الوثائق االدارية‬
‫تعاقب المادة ‪ 222‬ق ع على تزوير الوثائق اإلدارية بالحبس من ستة (‪ )2‬أشهر إلى ثالث (‪)2‬‬
‫سنوات‪ ،‬وبغرامة مالية من ‪ 2022‬دج إلى ‪ 20222‬دج‪ .‬كما يجوز عالوة على ذلك الحكم على الجاني‬
‫بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الوطنية لمدة سنة (‪ )2‬إلى خمسة (‪ )0‬سنوات‪.‬‬
‫أما المادة ‪ 222‬ق ع فتعاقب على الحصول على هذه الوثائق عن طريق التزوير المعنوي بالحبس‬
‫من ثالثة (‪ )2‬أشهر إلى ثالث (‪ )2‬سنوات و بغرامة من ‪ 022‬دج إلى ‪ 0222‬دج‪.‬‬
‫و في جميع األحوال يعاقب على الشروع بمثل ما يعاقب به على الجريمة التامة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 222‬ق ع‪ « :‬مؤجرو الغرف المفروشة وأصحاب النزل الذين يقيدون عمدا في‬
‫سجالتهم أسماء كاذبة أو منتحلة ألشخاص ينزلون عندهم أو يغفلون قيدهم بالتواطؤ معهم يعاقبون بالحبس‬
‫من شهر إلى ستة أشهر و بغرامة من ‪ 022‬إلى ‪ 0222‬دج أو بإحدى هاتين العقوبتين »‪.‬‬
‫جاءت هذه المادة منقولة منسوخة عن المادة ‪ 200‬من قانون العقوبات الفرنسي المعدل بالقانون‬
‫الصادر بتاريخ ‪.2901/22/22‬‬
‫ولتحقق هذه الجريمة باإلضافة إلى وجوب توافر األركان العامة للتزوير في المحررات‪ ،‬فإنه ال بد من‬
‫توفر الشروط الخاصة بها‪ ،‬والمتعلقة بصفة الفاعل‪ ،‬وكذا صفة المحرر محل جريمة التزوير‪ ،‬وكذلك طرق‬
‫التزوير‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الشروط الخاصة لجريمة التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‬
‫فبخصوص صفة الجاني حددتها المادة ‪ 222‬ق ع‪ ،‬وهم مؤجرو الغرف المفروشة وأصحاب النزل‪،‬‬
‫كما يصدق النص على كل من يأوي شخصا في مكان معد لذلك لقاء أجر يومي سواء كان مفروشا أو غير‬
‫مفروش‪ ،‬واذا ارتكب مستخدم أو كاتب لدى صاحب تلك المحال هذه الجريمة فتترتب مسؤوليته‪.‬‬
‫أما بخصوص موضوع جريمة التزوير المنصوص عليها في ذات المادة المذكورة فيتمثل في دفاتر‬
‫القيد الخاصة بتسجيل أسماء األشخاص الذين يأويهم أصحاب تلك المحال المعدة إليوائهم لقاء أجر‪ ،‬وهذه‬
‫األوراق تعد من األوراق العرفية وال تدخل الدفاتر التجارية األخرى في مجال تطبيق هذا النص فهي تقع تحت‬
‫طائلة المادة ‪ 229‬ق ع‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‬
‫بالرجوع إلى المادة ‪ 222‬ق ع يالحظ أن تزوير السجل في هذه الحالة يتم إجماال بالوسيلة المعنوية‪،‬‬
‫بحيث يتخذ الركن المادي لهذه الجريمة جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة‪ ،‬وقد حدد المشرع‬
‫طريقتين‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬وتتمثل في قيد أسماء كاذبة أو منتحلة ألشخاص ينزلون عندهم‪ ،‬و ال يطبق هذا النص إال‬
‫في حالة تغيير اسم المؤجر أو الساكن مع العلم باسمه الحقيقي‪ ،‬فال يسري النص إذا كان التغيير في‬
‫الب يانات األخرى مثل تاريخ ومكان الميالد‪ ،‬أو لم يقيد االسم بكامله‪ ،‬كما لو أغفل صاحب النزل ذكر اللقب‪،‬‬
‫وبصفة عامة إذا كان تغيير الحقيقة في بيان آخر غير االسم فإنه يخرج من مجال تطبيق النص‪ ،‬باعتباره‬
‫صورة من صور التزوير المستثناة فال يقاس على النص و ال يجوز التوسع في تفسيره‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬تتمثل في اإلغفال وتعد صورة من صور التزوير بالترك‪ ،‬تتم عن طريق قيام صاحب هذه‬
‫المحال بعدم قيد أسماء من يسكنون عنده بتواطؤ معهم‪ ،‬حيث سوى القانون بين قيدهم بأسماء مزورة وهو‬
‫يعلم ذلك وبين إغفال قيدهم كذلك عن قصد‪ ،‬وذلك ألن غرضه في الحالتين عدم تمكين السلطة العامة من‬
‫مراقبة هؤوالء األشخاص‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يعد العلم ركن أساسي لقيام هذه الجريمة‪ ،‬فيجب على قاضي الموضوع أن يثبت توافره‬
‫صراحة في الحكم الصادر باإلدانة‪ ،‬فقد يكون صاحب النزل يجهل هوية النزيل ويدلي هذا األخير باسم ال‬
‫يعود له‪ ،‬فيقدم األول على تدوين االسم دون أن يطلب األوراق الثبوتية أو جواز السفر‪ ،‬أو يغفل عن تقييد‬
‫أسماء النزالء وكل ذلك نتيجة سهو أو إهمال منه دون توافر النية اإلجرامية لديه‪.‬‬
‫ولهذا قصد المشرع في النص التجريمي لهذه الحالة اإلشارة صراحة إلى ضرورة توافر القصد الخاص‬
‫من خالل عبارة عمدا وعبارة التواطؤ معهم‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‬
‫قرر المشرع في حالة قيام الجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 222‬ق ع عقوبة الحبس من شهر‬
‫إلى ستة أشهر‪ ،‬و غرامة من ‪ 022‬دج إلى ‪ 0222‬دج أو الحكم بإحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التزوير في الشهادات الطبية‬


‫نص المشرع على هذا النوع من التزوير في المواد التالية من قانون العقوبات‪:‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ «:442‬كل شخص اصطنع باسم طبيب‪ ،‬أو جراح‪ ،‬أو طبيب أسنان‪ ،‬أو قابلة‪ ،‬شهادة مرضية أو‬
‫شهادة بوجود عجز‪ ،‬و ذلك بقصد أن يعفي نفسه‪ ،‬أو يعفي الغير من أية خدمة عمومية كانت‪ ،‬يعاقب‬
‫‪1‬‬
‫بالحبس من سنة (‪ )2‬إلى ثالث (‪ )2‬سنوات و بغرامة من ‪ 222.222‬دج إلى ‪ 222.222‬دج»‪.‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ «:442‬كل ط بيب أو جراح أو طبيب أسنان أو مالحظ صحي أو قابلة قرر كذبا بوجود أو‬
‫بإخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو أعطى بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب‬
‫الوفاة و ذلك أثناء تأدية أعمال وظيفته و بغرض محاباة أحد األشخاص يعاقب بالحبس لمدة من سنة‬
‫إلى ثالث سنوات ما لم يكون الفعل إحدى الجرائم األشد المنصوص عليها في المواد ‪ 222‬إلى ‪.222‬‬

‫ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة‬
‫‪ 22‬من سنة على األقل إلى خمس سنوات على األكثر»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عدلت بالقانون رقم ‪ 22-22‬المؤرخ في ‪ 22‬ديسمبر ‪ 2222‬يعديل و يتمم األمر رقم ‪ 202-22‬المؤرخ في ‪ 1‬يونيو ‪ 2922‬المتضمن قانون العقوبات‬
‫و التي حررت في ظل هذا األخير كما يلي‪ :‬كل شخص اصطنع باسم طبيب أو جراح أو طبيب أسنان أو قابلة شهادة مرضية أو شهادة بوجود عجز و‬
‫ذلك بقصد أن يعفي نفسه أو يعفي الغير من أية خدمة عمومية كانت بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات‪ (.‬ج ر ‪ 29‬ص ‪.)720‬‬
‫‪131‬‬
‫من خالل هذه النصوص يالحظ أن المشرع قد ميز بين حالتين من التزوير في الشهادات الطبية‬
‫كل منها مستقلة عن األخرى‪ ،‬حيث يفرق بين اصطناع شهادة طبية كاذبة من طرف شخص عادي‪ ،‬وبين‬
‫التزوير في الشهادة الطبية الذي يقع من طبيب أو جراح أو من قبل العاملين في هذا المجال‪ ،‬منتهجا بذلك‬
‫نهج المشرع الفرنسي الذي نص على هاتين الحالتين في المواد ‪ 209‬و ‪ 222‬من قانون العقوبات الفرنسي‬
‫القديم‪ 1.‬و لهذا سأتناول دراسة كل حالة على حدى‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اصطناع شهادات طبية كاذبة‬
‫من خالل نص المادة ‪ 220‬ق ع فإنه يلزم لقيام هذه الجريمة توافر العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬صفة الفاعل‪:‬‬

‫يعتبر تحديد صفة الفاعل الذي يشترط أن يكون شخصا عاديا في هذه الحالة شرطا ضروريا لقيام الجريمة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 220‬ق ع‪ ،‬فإذا كان المزور طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو قابلة‪ ،‬فال‬
‫تطبق أحكام هذه المادة بل تطبق بشأنهم أحكام المادة ‪ 222‬ق ع إذا توفرت باقي األركان الخاصة بها‪.‬‬
‫طرق التزوير‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن الفعل المعاقب عليه بموجب المادة ‪ 220‬ق ع هو اصطناع شهادة طبية مزورة‪ ،‬و سبق اإلشارة‬
‫إلى أن االصطناع يعد طريقا من طرق التزوير المادي‪ ،‬وأنه يتطلب إنشاء محرر جديد و نسبته إلى غير‬
‫محرره‪ ،‬وعليه فال يعد اصطناعا التغيير الحاصل في الشهادة الطبية الصحيحة سواء عن طريق اإلضافة أو‬
‫الحذف أو التبديل‪ ،‬وفي هذه الحالة يخضع للقواعد العامة في التزوير و توقع عليه عقوبته العادية‪.‬‬
‫وعليه ففي هذه الحالة سيتم اصطناع الشهادة الطبية و نسبتها زو ار إلى طبيب أو جراح أو طبيب‬
‫أسنان أو قابلة وذلك حسب موضوع الشهادة الطبية‪ ،‬وال يؤثر على انتحال االسم و الصفة أن يكون الطبيب‬
‫المستعار اسمه حقيقيا أو وهميا أو متوفيا‪ ،‬فسيان األمر في ذلك‪ ،‬أما إذا أنشأ الجاني الشهادة الكاذبة باسمه‬
‫و لكن وصف نفسه بأنه طبيب فتكون الواقعة انتحاال لصفة كاذبة ال تزوي ار مما يخضع لحكم المادة ‪ 220‬ق‬
‫ع‪ ،‬وعليه فاأل صل في الشهادة الطبية مدار البحث أن تكون غير صادرة عن أي طبيب أو جراح أو طبيب‬
‫أسنان أو قابلة‪ ،‬ويقوم حينئذ صاحب المصلحة أو سواه باصطناع واختالق شهادة مرضية يضعها تحت اسم‬
‫‪2‬‬
‫أحد األشخاص المذكورين في النص‪ ،‬وبالتالي نسبتها كذبا لألشخاص الذين صدرت عنهم زو ار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أورد المشرع التزوير في الشهادات الطبية مع سائر الوثائق اإلدارية في ذات القسم‪ ،‬غير أنه من التشريعات من اقتصرت في هذا الباب على‬
‫الشهادات الطبية الكاذبة وحدها‪ ،‬دون الخلط بينها وبين الوثائق اإلدارية منها القانون المصري‪ .‬و من التشريعات ما تناولت الشهادات الطبية في باب‬
‫العموميات ضمن نص واحد منها القانون اللبناني‪ .‬و من التشريعات ما ورد النص فيها بصورة مفصلة و لكن دون التلميح عن هذه الحالة‪ ،‬بحيث تستفاد‬
‫ضمنا من خال عبارة شهادات الواردة في النص العام كالقانون السوسري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292-292‬‬
‫‪132‬‬
‫محل التزوير‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يتعلق هذا العنصر بمضمون الشهادة الطبية‪ ،‬إذ يجب أن تكون الشهادة مثبتة لمرض أو عجز‪ ،‬كما‬
‫يجب أن تشتمل على العناصر األساسية التي قد يتناولها أي تقرير طبي صادر عن أي طبيب في هذا‬
‫المجال‪ ،‬بمعنى وجوب تحديد األمراض و العاهات‪ ،‬دون التطرق إلى ماهية المرض أو العجز‪ ،‬و عليه ال‬
‫يسري النص لو كانت الشهادة الطبية مثبتة ألمر كاذب ال يعد عاهة و ال مرض كالسن أو سالمة البنية أو‬
‫الصالحية لخدمة معينة‪.‬‬
‫وطبقا للرأي السائد يسري النص ولو كانت العاهة حقيقية ال وهمية‪ ،‬ألن فعل االصطناع يتطلب في‬
‫حد ذاته تغيير للحقيقة بوضع إمضاء مزور‪ ،‬و ألن الضرر يتحقق بخداع السلطة العمومية و اإلخالل بالثقة‬
‫‪1‬‬
‫المستمدة من صدور الشهادة من طبيب أو جراح‪.‬‬
‫الغاية من الشهادة الطبية المصطنعة‬ ‫‪-‬‬

‫يجب مبدئيا وعلى األقل أن تكون الشهادة الطبية المقصودة‪ ،‬بحسب نية الجاني أي كان‪ ،‬وحتى‬
‫صاحب المصلحة أو شخص ثالث‪ ،‬متجهة نحو إعفاء النفس أو الغير من خدمة عامة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يحدد بصورة واضحة و صريحة المقصود بالخدمة العامة في مجال‬
‫تطبيق هذا النص‪ ،‬والتي هي الغاية أو الهدف من اصطناع الشهادة الطبية الكاذبة التي يرغب الحاني من‬
‫خاللها إعفاء نفسه أو غيره من هذه الخدمة‪ ،‬و في هذه الحالة ال يمكن تضييق المفهوم كما ال يجوز أن‬
‫تكون الخدمة العامة ذات مدى رحب يتسع ألعمال كثيرة‪ .‬و لهذا نجد أن االجتهاد القضائي الفرنسي قد‬
‫استقر على إنزال األعمال التالية في منزلة الخدمة العامة‪:‬‬
‫‪ -‬الخدمة العسكرية‪.‬‬
‫‪ -‬هيئة المحلفين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الشهادة أمام القضاء‪.‬‬
‫‪ -‬القوامة و الوصاية على القصر و عديمي األهلية‪.‬‬

‫غير أنه ال يسري النص إذا كان اصطناع الشهادة الطبية لاللتحاق بخدمة عمومية ال للتخلص منها‪،‬‬
‫أو لتحقيق مصلحة خاصة‪ ،‬كمستخدم في مشروع خاص يصطنع شهادة طبية لتبرير تغيبه عن العمل أو‬

‫‪1‬‬
‫يرى ج انب من الفقه الجنائي أنه إذا كان المرض أو العاهة حقيقيين و صادقين وفق الشهادة الطبية المختلقة زالت مسؤولية من اصطنعها النتفاء‬
‫عنصر الكذب‪ .‬فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪2‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪133‬‬
‫للحصول على مزايا‪ .‬أو تقديم شهادة طبية مصطنعة لشركة تأمين على الحياة‪ ،‬أو لتأجيل امتحان أو لنقل‬
‫‪1‬‬
‫سجين إلى مستشفى‪ ،‬بل يخضع التزوير حينئذ لألحكام العامة طبقا للرأي السائد أو الراجح‪.‬‬
‫‪ -‬الجزاء الجنائي في جريمة تزوير المادة ‪ 442‬ق ع ‪:‬‬

‫تعاقب المادة ‪ 220‬ق ع اصطناع شهادات طبية كاذبة بالحبس من سنة (‪ )2‬إلى ثالث سنوات (‪،)2‬‬
‫وبغرامة مالية من ‪ 222222‬دج إلى ‪ 222222‬دج‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تسليم الشهادات الطبية المزورة من قبل عاملين في هذا المجال‬
‫من خالل المادة ‪ 222‬ق ع تتمثل هذه الصورة في إعطاء شهادة طبية غير صحيحة تصدر عن‬
‫طبيب أو جراح أو طبيب أسنان أو قابلة أو مالحظ صحي‪ ،‬وتعد هذه الحالة األكثر رواجا وشيوعا عن‬
‫سواها‪ ،‬وهي تقوم على توافر العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬صفة الجاني‪:‬‬
‫لقيام الجريمة المحددة في المادة ‪ 222‬ق ع يتعين أن تصدر الشهادة الطبية عن طبيب أو جراح أو طبيب‬
‫أسنان أو قابلة أو مالحظ صحي‪ 2،‬وال يكفي لحمل هذه الصفة مجرد الحصول على المؤهل العلمي المطلوب‬
‫لذلك‪ ،‬وانما ينبغي كذلك الحصول على الترخيص لمزاولة المهنة‪ ،‬ويستوي أن يكون المتهم موظفا أو غير‬
‫‪3‬‬
‫موظف يعمل لحسابه الخاص أو أجي ار عند الخواص‪.‬‬
‫و يالحظ أن المشرع استبعد من النص الممرض والصيدلي على أساس أنه بالرغم من اإلجازة التي يحملونها‬
‫والعمل الذي يقومون به‪ ،‬يبقى أنه ال صفة لهم في التحقق من األمراض واصدار التقارير الطبية الخارجة عن‬
‫‪4‬‬
‫وظيفة كل منهما‪ ،‬إذ يكتفي الصيدلي بتسليم األدوية على وصفة‪.‬‬
‫‪ -‬طرق التزوير‪:‬‬
‫كما يجب أن يقع التزوير بالطرق التي حددتها المادة ‪ 222‬ق ع وهي‪:‬‬
‫‪ -‬اإلقرار كذبا بوجود أو بإخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل‪ :‬وعليه يتعين أن يكون موضوع تغيير‬
‫الحقيقة هو مرض أو عاهة أو حمل‪ ،‬فيتسع تغيير الحقيقة إلثبات أحدى هذه الحاالت في حين أنها غير‬
‫موجودة‪ ،‬أو ذكر سبب غير صحيح لها‪ ،‬أو نطاق غير نطاقها الحقيقي‪ ،‬أو يغفل عمدا ذكر وجود هذه‬
‫ال حاالت‪ ،‬كأن يغفل طبيب عن ذكر أن المتقدم لشغل وظيفة مصاب بمرض يقف عقبة دون توليه هذه‬
‫الوظيفة‪ ،‬وال يعني هذا التزام الطبيب بذكر جميع األمراض التي يكون مريضه مصابا بها‪ ،‬و ذلك‬

‫‪1‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪2‬‬
‫استبعد المشرع الفرنسي المالحظ الصحي بسبب إلغاء هذه الوظيفة عام ‪ ،2119‬علما بأنه بقي واردا في النص‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد عبد السالم علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪4‬‬
‫فريد الزغبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪134‬‬
‫لتعارضه مع التزام الطبيب بالمحافظة على أسرار المهنة‪ ،‬و مع ذلك فالطبيب ملزم بذكر األم ارض التي‬
‫تدخل في نطاق المهمة التي كلف بها‪ ،‬أي في مجال اختصاصه‪ .‬فإن ذكر مرض و أغفل آخر‪ -‬في‬
‫حدود هذه المهمة – كانت شهادته أو بيانه مزو ار‪ .‬وعليه ال ترتكب الجريمة لو كان المرض حقيقيا و لو‬
‫كان الطبيب يعتقد غير ذلك‪ .‬ذلك أنه ال بد أن يتوافر لدى الطبيب أو الجراح قصد جنائي يتمثل في‬
‫تعمد تغيير الحقيقة‪ ،‬إذ ال يعاقب القانون على الخطأ في تشخيص الداء أو تسليم الدواء‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة‪ :‬فقد أورد المشرع عبارة – أعطى‬
‫بيانات كاذبة – التي لم ترد في نصوص التزوير السابقة‪ ،‬مما يوحي بأن المراد بها هو البيان الشفوي‪،‬‬
‫فالطبيب الذي ينتدبه قاضي التحقيق أو الموضوع إلعطاء بيانات في شأن جريمة‪ ،‬فيدلي إليه ببيانات‬
‫غير صحيحة‪ .‬غير أن المقصود بذلك أن تتضمن الشهادة بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العاهة‬
‫أو عن سبب الوفاة‪.‬‬
‫و يالحظ بصفة عامة أن التزوير في هذه الحالة تزوير معنوي‪ ،‬إذ يفترض جعل الطبيب واقعة مزورة في‬
‫صورة واقعة صحيحة‪ ،‬و بناءا على ذلك ال يطبق هذا النص على التزوير المادي الواقع في الشهادة‬
‫الطبية‪.‬‬
‫و عالوة على ذلك ال تقوم الجريمة في هذه الحالة إال إذا ارتكب الجاني التزوير أثناء تأدية أعمال وظيفته‬
‫وبغرض محاباة أحد األشخاص‪ ،‬ويجب أن تكون المحاباة بدون مقابل واال طبق على الجاني حكم القانون في‬
‫الرشوة‪ .‬كما أنه ال قيام للجريمة إذا كان تسليم الشهادة ال يضر بشخص ما‪.‬‬
‫‪ -‬الجزاء الجنائي‪:‬‬
‫تعاقب المادة ‪ 222‬ق ع على هذه الجريمة بالحبس من سنة (‪ )2‬إلى ثالث (‪ )2‬سنوات ما لم يكن الفعل‬
‫إلحدى الجرائم األشد المنصوص عليها في المواد ‪ 222‬إلى ‪ 222‬ق ع ويقصد بها الرشوة واستغالل النفوذ‪.‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة ‪22‬‬
‫من سنة (‪ )2‬إلى خمس (‪ )0‬سنوات على األكثر‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬التزوير في الشهادات األخرى‪.‬‬


‫تنص المادة ‪ 442‬ق ع‪ « :‬كل من حرر باسم أحد الموظفين أو أحد القائمين بوظيفة عمومية دون‬
‫أن يكون له صفة في ذلك شهادة بحسن السلوك أو بالفقر أو بإثبات غير من الظروف التي من شأنها أن‬
‫تدعو إلى وضع الشخص المعين في هذه الشهادة تحت رعاية السلطات أو األفراد أو إلى حصوله على عمل‬
‫أو قرض أو معونة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين‪.‬‬
‫وتطبق العضوية ذاتها على‪:‬‬
‫‪135‬‬
‫‪ -‬من زور شهادة كانت أصال صحيحة و ذلك ليجعلها تنطبق على غير الشخص الذي صدرت أصال له‪.‬‬
‫‪ -‬من استعمل الشهادة و هي مصطنعة أو مزورة على هذه الصورة و إذا كانت الشهادة منسوبة إلى أحد‬
‫األفراد العاديين فإن اصطناعها أو استعمالها يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى ستة أشهر»‪.‬‬

‫كما تنص المادة ‪ 442‬ق ع‪ «:‬يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من ‪ 222‬دج إلى‬
‫‪ 2.222‬دج أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬ما لم يكن الفعل جريمة أشد كل من‪:‬‬
‫‪ -2‬حرر عمدا إقرار أو شهادة تثبت وقائع غير صحيحة ماديا‪.‬‬
‫‪ -2‬زور أو غير بأية طريقة كانت إقرار أو شهادة صحيحة أصال‪.‬‬
‫‪ -2‬استعمل عمدا إقرار أو شهادة غير صحيحة أو مزورة»‪.‬‬

‫والمالحظ أن الجريمة المقررة في المادة ‪ 227‬ق ع من الجرائم االسمية للتزوير أي التي حدد في‬
‫فيها المشرع صفة المحرر محل التزوير‪ ،‬أما الجريمة المقررة في المادة ‪ 221‬ق ع فإنها تشمل تزوير باقي‬
‫الشهادات من غير الشهادات التي وردت في المواد السابقة بصفة اسمية‪ ،‬وذلك بهدف اإللمام بجميع صور‬
‫التزوير التي يمكن أن تقع في الشهادات المختلفة إذ يتعذر النص عليها جميعا‪ ،‬وهو ما قصده المشرع من‬
‫خالل عبارة‪ ₋‬ما لم يكن الفعل جريمة أشد ‪ ₋‬إذ يمكن أن تشكل الشهادة أو اإلقرار محل التزوير إحدى‬
‫الشهادات المعينة باسمها في النصوص القانونية للتزوير السابق دراستها‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تزوير شهادة بحسن السلوك أو بالفقر أو بإثبات غيرها من الظروف‬
‫لقد حدد المشرع في المادة ‪ 222‬ق ع الشروط الخاصة لقيام هذه الجريمة بكل وضوح والتي يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫أن تكون الوثيقة محل التزوير شهادة تثبت حسن سلوك أو فقر أو غيرها من األوضاع المرتبطة‬ ‫‪-‬‬
‫بشخص معين‪ ،‬وهو ما يفيد ارتباط هذه األوضاع بالظروف الشخصية للشخص المعني بهذه الوثيقة‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة قد يكون المزور هذا األخير أو شخص آخر‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتم التزوير بالطرق المحددة في المادة ‪ 222‬ق ع وهي‪:‬‬

‫إما تحرير الشخص الشهادة باسم أحد الموظفين أو أحد القائمين بوظيفة عمومية دون أن يكون له صفة في‬
‫ذلك‪ ،‬ويقصد بذلك اصطناع هذه الشهادة باسم الموظف أو القائم بالوظيفة العمومية‪ ،‬وان كانت هذه الشهادة‬
‫تعد رسمية بالنظر إلى تدخل الموظف في تحريرها إال أن المشرع قد اعتبر أن تزويرها مما يترتب عليه أقل‬
‫ضرر عما هو في جريمة تزوير المحررات الرسمية أو العمومية كونها تتعلق بإثبات ظروف شخصية أو‬

‫‪136‬‬
‫وقائع مادية مرتبطة بصاحبها وال تمتد إلى حقوق أو مصالح الغير‪ .‬والدليل على ذلك تحديد المشرع الغاية‬
‫التي تسعى إلى تحقيقها هذه الشهادات والمتمثلة في وضع هذا الشخص تحت رعاية السلطات أو األفراد أو‬
‫إلى حصوله على عمل أو قرض أو معونة‪.‬‬

‫واما تزوير شهادة صحيحة‪ ،‬ومعنى ذلك أن تكون الشهادة المعنية صحيحة و سليمة عند تسليمها لصاحبها‪،‬‬
‫فيقوم ا لمزور بتغييرها وتشويهها إضافة أو حذفا بما معناه التزوير المادي وذلك لجعلها تنطبق على غير‬
‫الشخص الذي صدرت أصال له‪.‬‬

‫كما يجب أن يتم التزوير في هذه الحالة بهدف تحقيق غاية معينة‪ ،‬وفي هذه الجريمة مزدوجة‪ ،‬فهي‬
‫من جهة تتعلق بموضوع الشهادة محل التزوير‪ ،‬و التي من خاللها يتم تحديد الشهادات المعنية التي يمكن‬
‫تقع بها جريمة التزوير المقررة في المادة ‪ 222‬ق ع ‪ ₋‬باستثناء الشهادة بحسن السلوك أو بالفقر التي نص‬
‫عليها المشرع صراحة ‪ ، ₋‬و من جهة ثانية تتعلق بالقصد المرجو من خالل تزوير هذه الشهادات‪ ،‬و هي‬
‫تتمثل في كلتا الحالتين في وضع الشخص المعين في هذه الشهادات تحت رعاية السلطات أو األفراد أو إلى‬
‫حصوله على عمل أو قرض أو معونة‪.‬‬

‫و بخصوص الجزاء الجنائي فقد قرر المشرع في حالة قيام الجريمة المقررة في المادة ‪ 222‬ق ع‬
‫بجميع أركانها و شروطها عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الشهادات الكاذبة إجماال‬
‫إن جريمة التزوير المقررة في المادة ‪ 221‬ق ع تتعلق عموما بكل شهادة كاذبة باستثناء الشهادات‬
‫األخرى محل جريمة التزوير في النصوص القانونية السابقة‪ ،‬ويقصد بها كل إقرار أو إفادة خطية تثبت وقائع‬
‫غير صحيحة ماديا صادرة عن المرجع الذي يحدده لها القانون بقصد تقديمها من قبل صاحب المصلحة أو‬
‫الحاجة إلى اإلدارة الرسمية المعنية بها لغرض معين‪ ،‬والتي من شأنها أن تجر لمن قدمها أو لشخص آخر‬
‫منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر واألذى بمصالح الغير أو بمصالح المجتمع عامة‪ .‬وعليه يستبعد‬
‫تطبيق هذه المادة على التزوير الذي ينصب على الوثائق التي ال تشكل إق ار ار و ال شهادة‪ .‬وقد تقع هذه‬
‫الجريمة بإحدى طريقتين وفقا للمادة ‪ 221‬ق ع‪:‬‬
‫‪ -‬تحرير إقرار أو شهادة تثبت وقائع غير صحيحة ماديا‪.‬‬
‫‪ -‬تزوير أو تغيير إقرار أو شهادة صحيحة أصال بأية طريقة كانت‪.‬‬

‫ومن تطبيقات هذه الجريمة في القضاء الفرنسي‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ -‬تزييف التواريخ المسجلة في كشف المعلومات المسلم من قبل عون من أعوان الضمان االجتماعي‬
‫‪ -‬اإلقرار الكاذب الذي حرره طبيب من أجل حجر جار في مؤسسة نفسية للتخلص منه‪.‬‬
‫‪ -‬التصريح الكاذب للبيطري الذي يقر بموجبه كذبا أنه أجرى رقابة على ماشية أحد الفالحين‪.‬‬
‫‪ -‬الفاتورة المؤقتة التي تشكل في الواقع إقرار كاذبا موجها للغير و ذلك بغية الحصول على منافع‪.‬‬
‫‪ -‬كما قضي بعدم قيام هذه الجريمة في حالة باصطناع أو تقديم كشوف األجور غير الصحيحة للضمان‬
‫االجتماعي أو تقديم شهادة إقامة غير صحيحة لرب العمل من أجل قبض منحة التنقل غير المستحقة‪،‬‬
‫وذلك على أساس أن مثل هذه الشهادات ال تعدو أن تكون مجرد تصريحات أدلى بها المتهم لصالحه‬
‫ليس لصالح الغير المستفيد منها‪.‬إذ أن الشهادة الكاذبة تقتضي إق ار ار محر ار لفائدة الغير‪.‬‬
‫‪ -‬كما قد قضي بأن تطبيق حكم المادة المقابلة للمادة ‪ 221‬ق ع يقتضي أن يكون توقيع اإلقرار صحيحا‬
‫واال طبقت أحكام المادة التي تقابل المادة ‪ 229‬ق ع المتعلقة بالتزوير في المحررات العرفية أو‬
‫التجارية‪.‬وهو بالفعل ما قصده المشرع في المادة ‪ 221‬بعبارة «‪...‬ما لم يكن الفعل جريمة أشد‪.»...‬‬
‫‪ -‬وقضي في فرنسا أيضا بأن الجريمة ال تقتضي على كل حال العلم باالستعمال الحقيقي الذي ينوي‬
‫المستفيد تخصيصه لتلك الشهادة‪ .‬إذ يكمن القصد الجنائي في هذه الجريمة في مجرد الوعي بالطابع‬
‫غير الصحيح للوقائع التي تم اإلقرار بها‪ 1.‬غير أنه بالرجوع إلى المادة ‪ 221‬ق ع فإن المشرع الجزائري‬
‫قد أكد صراحة على وجوب توافر القصد الخاص لقيام هذه الجريمة بنصه « حرر عمدا » وعليه فإن‬
‫التطبيق السليم للقانون يقتضي الحكم بما نص عليه المشرع صراحة‪ ،‬وهو ما يعني وجوب توافر علم‬
‫الجاني بكافة أركان الجريمة بما في ذلك علمه باالستعمال الحقيقي الذي ينوي المستفيد تخصيصه لتلك‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬أشير لما قرره المشرع من جزاء عن هذه الجريمة وفقا للمادة ‪ 221‬ق ع وهو الحبس من ستة‬
‫أشهر إلى سنتين وغرامة من ‪ 222‬دينار إلى ‪ 2.222‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬ما لم يكن الفعل‬
‫جريمة أشد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫احسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.201-202‬‬
‫‪138‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫إن جريمة التزوير في المحررات من أخطر جرائم التزوير‪ ،‬لكونها تعد النموذج التجريمي في مجال‬
‫حماية الثقة العامة فهي تظهر بصفة مباشرة ورئيسية‪ ،‬وتعد من أخطر الجرائم بوجه عام‪ ،‬وهو ما يبرز من‬
‫خالل المعالجة التشريعية لها حيث تناولها قانون العقوبات ضمن الباب األول المتعلق بالجنايات والجنح ضد‬
‫الشيء العمومي بنوع من التفصيل‪ ،‬فهي جريمة دقيقة ومعقدة بسبب تباين طرق التزوير وتنوع المحررات‪.‬‬
‫األ مر الذي خلق العديد من المشاكل على المستوى العملي فهي من أكثر الجرائم إثارة للصعوبات العملية‪،‬‬
‫ويرجع ذلك إلى أن المشرع قد وضع هذه الجريمة في إطار محدد أي قولبة الجريمة مع أنها جريمة متطورة و‬
‫باستمرار وهي جريمة فنية بامتياز فال يمكن حصر كل المحررات وال كل الطرق التي يرتكب بها التزوير في‬
‫نص تجريمي‪ ،‬وهو ما تأكده صياغة النصوص الخاصة بهذه الجريمة التي توحي بوضوح إلى عجز المشرع‬
‫عن اإللمام بها و احتواء مفهوم هذه الجريمة‪ ،‬فمن جهة يحدد طرق التزوير على سبيل الحصر في بعض‬
‫صور هذه الجريمة و في صور أخرى يغفل عن ذلك‪ ،‬فضال عن تداخل هذه الطرق ببعضها البعض‬
‫والغموض الذي يكتنف مضمونها باإلضافة إلى صعوبة إثباتها‪ ،‬و من جهة أخرى تكشف النصوص القانونية‬
‫المتعلقة بهذه الجريمة عن غموض بعض أحكامها فيما يتعلق بالركن المعنوي فأشارت بعضها إلى وجوب‬
‫توافر هذا الركن في حين غفلت أحكام أخرى عن اإلشارة إليه‪ ،‬فضال عما يزال يثيره عنصر الضرر من‬

‫‪139‬‬
‫صعوبات تطبيقية عديدة وان كان االجتهاد القضائي قد أكد على ضرورة توفره لقيام جريمة التزوير في‬
‫المحررات‪ ،‬كما تعجز النصوص الحالية عن مالحقة صور متطورة لهذه الجريمة نتيجة التقدم العلمي‬
‫والتكنولوجي كالتزوير في المحررات االلكترونية‪ .‬وعليه ففي ضوء هذه المعوقات العملية التي بينتها في‬
‫أماكنها فإنني أدعو المشرع إلى إعادة صياغة النصوص الخاصة بهذه الجريمة التي بقيت جامدة لم يط أر‬
‫عليها سوى بعض التعديالت الطفيفة تتعلق بالعقوبات‪ ،‬إذ البد أن تتضمن النصوص التجريمية ما يكفل‬
‫لجهات التحقيق والحكم حسن القيام بمهامهم في مواجهة المشاكل المرتبطة بهذه الجريمة بتقنين اتجاهات‬
‫معينة بخصوصها‪ ،‬فالتزوير بغض النظر عن طرق ارتكابه يتمثل في تغيير الحقيقة في محرر يتمتع‬
‫بالمظهر القانوني‪ .‬كما أن الضرر خاصية حتمية في هذه الجريمة يستحيل العقاب بدونها سواء تعلق األمر‬
‫بتزوير المحررات الرسمية أو المحررات األخرى وبغض النظر عن كون الضرر ركنا قائما بذاته أو عنص ار‬
‫من عناصر الركن المادي فال تزوير بدون ضرر‪ .‬كما أن جريمة التزوير ال تكون إال عمدية وذات قصد‬
‫خاص‪ ،‬ف التزوير يحتوي في مضمونه الغش وهو اإليهام بصحة ما يحتويه المحرر بغض النظر عن نية‬
‫اإلضرار أو االستعمال‪ .‬تشكل هذه العناصر النموذج العام لجريمة التزوير في المحررات بحيث ال تخلو منها‬
‫أي صورة من صور هذه الجريمة وعلى أساسها يمكن تعريف جريمة التزوير‪ « :‬بأنها تغيير الحقيقة في‬
‫محرر يتمتع بالمظهر القانوني بنية الغش تغيي ار من شأنه أن يسبب ضر ار للغير»‪.‬‬
‫وبعد تحديد اإلطار العام لجريمة التزوير في المحررات فمن البديهي أن الثقة في المحررات تختلف‬
‫حسب صفة المحرر محل التزوير فهي أكبر في المحررات الرسمية منها في المحررات العرفية والمحررات‬
‫األخرى التي تناولها المشرع‪ ،‬ومن هنا كان العقاب على التزوير في المحررات الرسمية أشد من العقاب على‬
‫تزوير المحررات األخرى‪ .‬وهذا المسلك للمشرع مبرر منطقيا وقانونيا‪ .‬ومع ذلك فيأخذ على المشرع بالنسبة‬
‫للعقوبات الخاصة بهذه الجريمة أمرين‪ ،‬فمن جهة إذا كانت صرامة العقوبات السالبة للحرية التي قررها‬
‫لمختلف صور هذه الجريمة تتناسب مع خطورتها‪ ،‬إال أن هذا التناسب ال يجب أن يكون على أساس أهمية‬
‫المصلحة المحمية في هذه الجريمة والمعرضة لخطر االعتداء فقط‪ ،‬وانما يجب أن يكون أيضا على أساس‬
‫حجم ونطاق الضرر الذي قد يترتب عليها بالنظر إلى المجني عليه‪ ،‬ذلك أن كل جريمة تحدث ضر ار أو‬
‫خط ار اجتماعيا عاما و مفترضا و مالزما لها يصيب الجماعة بأسرها وهو ضرر يبدو جليا وواضحا وخطي ار‬
‫في هذه الجريمة وهو االعتداء على الثقة العامة في المحر ارت‪ ،‬إضافة إلى الضرر الذي قد يلحق المصالح‬
‫الخاصة لألفراد المرتبطة بالمحررات المزورة مهما كان نوعها رسمية أو عرفية‪ ،‬ولهذا فتحقق تناسب العقوبة‬
‫مع جسامة الجريمة ال يكون فقط على أساس الضرر االجتماعي وانما أيضا على أساس الضرر الخاص‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن العقوبات المالية المقررة لهذه الجريمة ال تتناسب مع تطور قيمة العملة باستثناء حالة‬

‫‪140‬‬
‫التزوير المرتكب من أحد الناس في محرر رسمي‪ .‬و لهذا أدعو المشرع إلى إعادة النظر في تقدير العقوبات‬
‫الخاصة بجريمة التزوير في المحررات بما يحقق التوازن بين حماية المصلحة العامة والمصالح الخاصة‬
‫لألفراد‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬المراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب العامة‪:‬‬
‫‪ -2‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬الوجيز في القانون الجزائي الخاص‪ -‬الجزء الثاني‪ -‬الطبعة التاسعة‪ ،‬دار هومة‪،‬‬
‫‪.2221‬‬
‫‪ -2‬أحمد أمين بك‪ ،‬شرح قانون العقوبات المصري­ القسم الخاص­‪ ،‬الجزء األول الجرائم المضرة بالمصلحة‬
‫العمومية‪ ،‬نخبة التأليف و الترجمة و النشر‪ .‬القاهرة ‪.2929‬‬
‫‪ -2‬أحمد صبحي العطار‪ ،‬جرائم االعتداء على المصلحة العامة‪ ،‬دراسة في القسم الخاص من قانون‬
‫العقوبات المصري‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.2992 ،‬‬
‫‪ -2‬جندي عبد الملك‪ ،‬الموسوعة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ .‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪.2221‬‬
‫‪ -0‬جياللي بغدادي‪ ،‬االجتهاد القضائي في المواد الجزائية‪ ،‬الجزء األول‪ .‬الديوان الوطني لألشغال التربوية‪.‬‬
‫‪ -2‬عبد المجيد زعالني‪ ،‬قانون العقوبات الخاص‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومة‪.2222 ،‬‬
‫‪ -7‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬جرائم االعتداء على المصلحة العامة‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -1‬علي محمد جعفر‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة و بالثقة العامة و‬
‫الواقعة على األشخاص و األموال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.2222 ،‬‬
‫‪ -9‬فتوح عبد اهلل الشاذي‪ ،‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة في القانون المصري‪ ،‬المكتب الجامعي‬
‫الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪.2992 ،‬‬
‫‪ -22‬فريد الزغبي‪ ،‬الموسوعة الجزائية‪:‬‬
‫‪ -‬المجلد الثاني عشر‪،‬الجرائم الواقعة على الثقة العامة‪ ،‬الجزء األول­ التقليد­ التزييف­ التزوير‪ ،‬دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت ‪.2992‬‬
‫‪ -‬المجلد الثالث عشر ‪،‬الجرائم الواقعة على الثقة العامة‪ ،‬الجزء الثاني ­ التزوير ­‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت ‪.2992‬‬
‫‪ -22‬فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.2222 ،‬‬
‫‪ -22‬محمد أحمد عابدين‪ ،‬حجية األوراق الرسمية و العرفية و طرق الطعن فيها‪ ،‬المكتب العربي الحديث‪،‬‬
‫االسكندرية‪.‬‬
‫‪ -22‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬قانون العقوبات الخاص‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.2227 ،‬‬
‫‪ -22‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية ‪.2972‬‬
‫‪ -20‬مديحة فؤاد الخضري‪ ،‬الطب الشرعي ومسرح الجريمة والبحث الجنائي‪ .‬المكتب الجامعي الحديث‪،‬‬
‫االسكندرية ‪.2992‬‬

‫الكتب المتخصصة‪:‬‬

‫‪ -2‬أحمد أبو الروس‪ ،‬قانون جرائم التزييف و التزوير و الرشوة و اختالس المال العام من الوجهة القانونية‬
‫و الفنية‪ .‬المكتب الجامعي الحديث‪ .‬اإلسكندرية‪.2997‬‬
‫‪ -2‬أحمد عبد السالم علي‪ ،‬التعليق على جرائم التزييف و التزوير في قانون العقوبات على ضوء الفقه و‬
‫القضاء‪ .‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪.2227،‬‬
‫‪ -2‬أحمد محمود خليل‪ ،‬جرائم تزوير المحررات‪ .‬المكتب الجامعي الحديث ‪.2221‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -2‬إيهاب فوزي السقا‪ ،‬جريمة التزوير في المحررات االلكترونية‪ .،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ .‬اإلسكندرية‬
‫‪.2221‬‬
‫‪ -0‬رؤوف عبيد‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير‪ .‬الطبعة الثالثة‪ .‬مطبعة النهضة الجديدة‪.2971.‬‬
‫‪ -2‬سيد زكريا‪ .‬عزت عبد القادر‪ .‬محمد عبد المعز‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير في ضوء الفقه و القضاء‪،‬‬
‫دار الحقانية لتوزيع الكتب القانونية‪.2220 ،‬‬
‫‪ -7‬شريف الطباخ‪ :‬التزوير و التزييف في ضوء القضاء و الفقه‪ ،‬جنح و جنايات التزوير‪ .‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫المركز القومي لإلصدارات القانونية‪.2222 ،‬‬
‫‪ -1‬عابد سليمان المشوخي‪ ،‬التزوير و االنتحال في المخطوطات العربية‪ ،‬أكاديمية نايف العربية للعلوم‬
‫األمنية‪ ،‬الرياض‪.2222 ،‬‬
‫‪ -9‬عبد العزيز سعد‪ ،‬جرائم التزوير و خيانة األمانة و استعمال المزور‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار هومة‪.2227،‬‬
‫‪ -22‬عبد الفتاح بيومي حجازي‪ :‬الدليل الجنائي و التزوير في جرائم الكمبيوتر و االنترنت‪ .‬دار الكتب‬
‫القانونية‪ .‬مصر‪.2222‬‬
‫‪ -22‬فرج علواني هليل‪ ،‬جرائم التزييف والتزوير والطعن بالتزوير واجراءاته‪ .‬دار المطبوعات‬
‫الجامعية‪.‬االسكندرية ‪.2220‬‬
‫‪ -22‬محمد عبد الحميد األلفي‪ ،‬جرائم التزييف و التقليد و التزوير وفقا ألحكام محكمة النقض‪ .‬دار‬
‫محمود للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -22‬محمد علي سكيكر‪ ،‬جرائم التزييف و التزوير و تطبيقاتها العملية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪.2221 ،‬‬
‫‪ -22‬مصطفى كمال شفيق‪ ،‬تأمين المستندات و الوثائق ضد التزوير‪ ،‬المركز العربي للدراسات األمنية‬
‫والتدريب‪ ،‬الرياض‪.2992،‬‬
‫‪ -20‬محمد علي فينو‪ ،‬شرح جريمة التزوير الجنائي والجنحوي و استعمال مزور في قانون العقوبات‬
‫العام‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪.2227 ،‬‬
‫‪ -22‬هشام زوين‪ ،‬أحمد القاضي‪ ،‬البراءة في جرائم تزوير المحررات و المستندات الرسمية و العرفية‪،‬‬
‫الطبعة الخامسة‪ ،‬المكتب الثقافي للنشر و التوزيع – دار السماح للنشر و التوزيع‪.2222 ،‬‬
‫‪ -‬الرسائل‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح خضر‪ ،‬مجموعة رسائل الدكتوراه‪ ،‬جرائم التزوير و الرشوة في المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ -‬المجالت‪:‬‬
‫‪ -2‬المجلة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد األول لسنة ‪.2912‬‬

‫‪143‬‬
.2919 ‫ العدد الثالث لسنة‬،‫ العدد الثاني‬،‫ العدد األول‬،‫ المجلة القضائية للمحكمة العليا‬-2
.2222 ‫ العدد األول لسنة‬،‫ المجلة القضائية للمحكمة العليا‬-2
.2222 ‫ االجتهاد القضائي لغرفة الجنح و المخالفات – عدد خاص – لسنة‬-2
.2222 ‫ العدد الثاني لسنة‬،‫ المجلة القضائية للمحكمة العليا‬-0
.2227 ‫ العدد الثاني لسنة‬،‫ المجلة القضائية للمحكمة العليا‬-2
.2221 ‫ العدد الثاني لسنة‬،‫ المجلة القضائية للمحكمة العليا‬-7
:‫ المقاالت‬-
‫ اتجاهات قضاء محكمة النقض واإلبرام " قوة المحرر في اإلثبات كشرط لوجود جريمة تزوير‬-2
.2 ‫ مجلة الحقوق السنة‬،‫ الدكتور السعيد مصطفى السعيد‬،"‫المحررات‬
‫ و‬0 ‫ العدد‬29 ‫ سنة‬،‫ مجلة المحاماة المصرية‬،‫ أحمد شوقي الشلقاني‬،‫ إثبات الضرر في تزوير المحررات‬-2
.2919 ‫ سنة‬،2
.2221 ‫ السنة‬212 ‫ العدد‬،‫ مجلة الشرطة اإلمارات‬،‫ عبد الجبار محمود السامرائي‬،‫ تزوير التوقيع‬-2
.2222 ‫ يونيو‬/‫ مايو‬22 ‫ السنة‬222 ‫ العدد‬،‫ مجلة األمن و الحياة‬،‫ التزوير و عقوبته‬-2
:‫المراجع باللغة الفرنسية‬
- Livres:
1- Antoine BLANCHE, Etude pratique sur le code pénal. troisième étude.
Imprimerie et librairie générale de jurisprudence. Paris 1867.
2- Adolphe CHAUVEAU, Hélie FAUSTIN, Théorie du code pénal. Cinquième
édition. Tome deuxième. Imprimerie et librairie générale de jurisprudence.
Paris 1872.
3- Hélie FAUSTIN, Pratique criminelle des cours et des tribunaux. Deuxième
partiecode pénal. Imprimerie et librairie générale de jurisprudence.Paris
1877.
4- Philippe CONTE, Droit pénal spécial, troisième édition. Dalloz 2007.
5- René GARRAUD, Traité théorique et pratique du droit pénal, Tome
cinquième, troisième édition, Librairie du recueil sirey. Paris. Nouveau
tirage 1953.
- Thèses :
George PEGAT. Du crime de faux en écritures, Faculté de Doit de Toulouse,
pour obtenir le grade de Docteur. Imprimerie de l’académie. Montpellier 1865.
- Revues :

144
‫‪Encyclopédie juridique, répertoire de droit pénal et de procédure pénal,‬‬
‫‪deuxième édition, tome 3, mise à jour 1989. Paris, jurisprudence générale.‬‬
‫‪Dalloz.‬‬

‫الفهرس‬
‫المقدمة‪1............................................................................................. :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األركان العامة لجريمة تزوير المحر ارت‪6..................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الركن المادي و المعنوي لجريمة تزوير المحررات‪8.......................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬الركن المادي لجريمة تزوير المحررات‪8..................................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تغيير الحقيقة في جريمة تزوير المحررات‪8.................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المدلول القانوني لتغيير الحقيقة‪1...........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط تغيير الحقيقة ‪13...................................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬نطاق تغيير الحقيقة‪14.....................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المحرر محل تغيير الحقيقة ‪11.............................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المظهر المادي للمحرر‪11.................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المظهر القانوني للمحرر‪41................................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬العناصر غير المؤثرة في صفة المحرر‪41..................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي لجريمة تزوير المحررات ‪48...............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬عناصر القصد الجنائي لجريمة تزوير المحررات ‪48.......................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬القصد الجنائي العام لجريمة تزوير المحررات‪48............................................‬‬
‫‪145‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القصد الجنائي الخاص لجريمة تزوير المحررات‪01..........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إثبات القصد الجنائي لجريمة تزوير المحررات‪01............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الظروف المؤثرة في إثبات القصد الجنائي لجريمة تزوير المحررات ‪01.......................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الظروف غير المؤثرة في إثبات القصد الجنائي لجريمة تزوير المحررات‪21...................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الضرر في جريمة تزوير المحررات‪34...................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية الضرر في جريمة تزوير المحررات ‪20.............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أهمية الضرر في جريمة تزوير المحررات‪20................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اشتراط الضرر في جريمة تزوير المحررات‪20..............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التكييف القانوني للضرر في جريمة تزوير المحررات‪24 ....................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف الضرر في جريمة تزوير المحررات‪28 ........................ .....................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حاالت انتفاء الضرر في جريمة تزوير المحررات ‪28......................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أنواع الضرر في جريمة تزوير المحررات‪43 ...............................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تقدير الضرر في جريمة تزوير المحررات‪44................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضابط الضرر في جريمة تزوير المحررات‪41............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلراء الفقهية و االتجاهات القضائية في تحديد ضابط الضرر‪41.............................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬نظرية جارو في تحديد ضابط الضرر في جريمة تزوير المحررات‪41........................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تقدير نظرية جارو في تحديد ضابط الضرر‪11..............................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬موقف القضاء في تحديد ضابط الضرر‪10..................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‪11 ...................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬موقف الفقه في قيام الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‪11...............‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف القضاء في قيام الضرر في تزوير المحررات الباطلة أو القابلة للبطالن‪11.............‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬صور جريمة التزوير في المحررات‪11....................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬جنايات التزوير في المحررات(التزوير في المحررات الرسمية) ‪17.........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التزوير في المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة‪10 ............................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الشروط المسبقة في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة‪10.................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المحرر الرسمي أو العمومي ‪10...........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬صفة الجاني (قاض‪ ،‬موظف عمومي أو قائم بوظيفة عمومية)‪11............................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬إرتكاب التزوير أثناء تأدية الوظيفة‪82..............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير في المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة ‪81......................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التزوير المادي ‪81 .......................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التزوير المعنوي‪14.........................................................................‬‬

‫‪146‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التمييز بين التزوير المادي و التزوير المعنوي‪18............................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص ذي صفة‪11..................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية من طرف شخص غير ذي صفة‪133........‬‬
‫الفرع األول‪ :‬صفة الجاني( ارتكاب التزوير من أحد الناس) ‪131.........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طرق التزوير في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص غير ذي صفة‪134.............‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات الرسمية من طرف شخص غير ذي صفة‪113............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جنح التزوير في المحررات( التزوير في المحررات األخرى)‪111..........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التزوير في المحررات العرفية و التجارية و المصرفية‪111.................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬التزوير في المحررات التجارية و المصرفية‪114.............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المحررات التجارية أو المصرفية ‪110..............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في المحررات التجارية أو المصرفية‪118...................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الج ازء الجنائي في تزور المحررات التجارية أو المصرفية ‪118...............................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التزوير في المحررات العرفية‪111...........................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المحررات العرفية‪111..............................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في المحررات العرفية‪142.....................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير المحررات العرفية ‪144........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التزوير في بعض الوثائق اإلدارية و الشهادات ‪144....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التزوير في بعض الوثائق االدارية‪141......................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف الوثائق االدارية‪141................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في الوثائق اإلدارية ‪141......................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزاء الجنائي في تزوير الوثائق اإلدارية ‪141..............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة ‪103.................................‬‬
‫الفقرة األولى‪:‬الشروط الخاصة في التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باالجرة‪103..............‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق التزوير في دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‪103............................‬‬
‫الفقرة الرابعة‪ :‬الجزاء الجنائي المقرر في تزوير دفاتر المحال المعدة إلسكان الناس باألجرة‪101.............‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التزوير في الشهادات الطبية‪101...........................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اصطناع شهادات طبية كاذبة ‪104........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تسليم الشهادة الطبية المزورة من قبل عاملين في المجال الطبي‪102.........................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬التزوير في الشهادات األخرى ‪104.........................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تزوير شهادة بحسن السلوك أو بالفقر أو بإثبات غيرها من الظروف ‪101...................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الشهادات الكاذبة إجماال ‪101.............................................................‬‬

‫‪147‬‬
‫خاتمة‪101............................................................................................‬‬
‫المراجع‪121...........................................................................................‬‬
‫الفهرس‪124...........................................................................................‬‬

‫‪148‬‬
‫مـلخـص‬

‫تناول المشرع الجزائري جريمة تزوير المحررات ضمن الفصل السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات‬
‫الذي خصصه لجرائم التزوير بكاملها حيث ورد العنوان االجمالي بعبارة التزوير‪ ,‬فقسمها إلى أربعة مجموعات‬
‫أساسية تزوير النقود‪ ,‬تقليد األختام والدمغات والطوابع والعالمات‪ ,‬التزوير في المحررات‪ ,‬شهادة الزور وما يشابهها‪.‬‬
‫وعليه فإن جرائم التزوير متعددة ومتنوعة حسب مجاالتها ووسائلها وطرقها وهي جرائم خطيرة لتعدد الجوانب التي‬
‫يتم االعتداء عليها والمساس بها( اقتصادية‪ ,‬سياسية‪ ,‬اجتماعية )‪ .‬وذلك باعتبارها أدوات ال غنى عنها في تسيير‬
‫الحياة اليومية ألفراد المجتمع بحيث يصبح االنتقاص من مظهرها القانوني بتغيير الحقيقة فيها ملزما للعقاب‪ ,‬ولعل‬
‫من أخطرها جريمة تزوير المحررات وأكثرها انتشا ار نظ ار لالعتماد المتزايد على الوثائق والمستندات في الحياة‬
‫المعاصرة باعتبارها الوسيلة النظامية إلثبات الحقوق وتقرير االلتزامات‪ ,‬لهذا حرص المشرع على فرض عقوبات‬
‫صارمة على من يرتكبها‪.‬‬

‫كما ترجع خطورة هذه الجريمة إلى مجموعة من األسباب تبرز خصائصها سواء من الناحية الموضوعية‬
‫أو من الناحية القانونية‪ .‬فمن الناحية الموضوعية تتميز هذه الجريمة بأنها جريمة ذات طابع ذهني و تقني ال‬
‫تتطلب القوة البدنية أو أية صورة من صور العنف بل تتطلب ذكاء وفطنة لهذا نجد الجاني في هذه الجريمة عادة‬
‫ما يتمتع بمظهر خارجي الئق أو ينتمي إلى فئة من الناس تحظى باالحترام والتقدير لهذا يعد أكثر المجرمين خط ار‬
‫على المجتمع‪ .‬و هي جريمة متطورة بحيث تعد من الجرائم التي تجرها المدنية في أذيالها و التي يطرد ازديادها‬
‫بإطراد ازدياد التقدم الحضاري لهذا فهي تقترن بالتقنية الحديثة في الوسائل واألساليب المستعملة‪ .‬كما أنها جريمة‬
‫ذات انتشار عالمي حيث أصبحت في بعض صورها من الجرائم الدولية التي تتخطى الحدود السياسية للدول‬
‫كتزوير جوازات السفر واستخدامها في االغتياالت السياسية واالرهاب الدولي وتهريب المخدرات والذهب والماس‬
‫والسيارات المسروقة‪...‬إلخ‪.‬‬

‫أما من الناحية القانونية فهي جريمة ذات طابع مركب حيث تتحقق منفعة الجريمة عبر مرحلتين‪ ,‬التزوير‬
‫أي اقتراف الفعل المادي‪ ,‬ومرحلة استعمال المحرر المزور‪ ,‬غير أن كل من هاتين المرحلتين تشكل جريمة قائمة‬
‫بذاتها‪ .‬كما أنها جريمة وسيلية إذ اشترط المشرع أن تتم بوسائل وطرق محددة عل سبيل الحصر في بعض صورها‪.‬‬
‫وهو ما يعد استثناء للقاعدة العامة في قانون العقوبات التي تقضي بعدم أهمية الوسيلة في ارتكاب الجريمة‪ .‬وهي‬
‫جريمة عمدية ال يمكن أن تقع عرضا أو صدفة أو خطأ‪ .‬فتبقى جريمة التزوير مستقلة خاصة في هذا المجال‪.‬‬
‫وهي جريمة تقبل وصفين جنائيين إذ يمكن أن تشكل جناية أو جنحة حسب نوع المحرر المزور‪.‬‬
‫و في المقابل فهي من أكثر الجرائم إثارة للصعوبات العملية‪ ,‬فهي جريمة دقيقة و معقدة بسبب تباين طرق‬
‫التزوير وتنوع المحررات‪ ,‬فقط أظهر التطبيق العملي في مجال جريمة تزوير المحررات الحاجة إلى بعض األحكام‬
‫التي لم يشملها التشريع‪ ,‬كما كشف النقاب عن غموض بعض النصوص على نحو قد يؤدي إلى التطبيق الدقيق‬
‫في بعض الحاالت‪ ,‬حيث جاءت النصوص القانونية التي خصصها المشرع لموضوع التزوير في المحررات خالية‬
‫من أي تعريف لماهيته أو بيان أركانه العامة‪ ,‬حيث اكتفى ببيان طرق التزوير المختلفة و أنواعه منتهجا بذلك منهج‬
‫قانون العقوبات الفرنسي القديم‪ .‬فقسمها إلى ثالثة أقسام تزوير المحررات الرسمية أو العمومية‪ ,‬تزوير المحررات‬
‫العرفية أو التجارية أو المصرفية و تزوير بعض الوثائق االدارية والشهادات‪ .‬فحدد شروط وطرق التزوير في كل‬
‫صورة من هذه الصور والجزاء المقرر له‪ .‬كما أن الضرر في هذه الجريمة عنصر مستقل و هو ليس على نفس‬
‫الدرجة من الوضوح في جميع األحوال‪ ,‬فضال عما يمتاز به ركنها المعنوي من تركيب وتنوع من صورة إلى أخرى‪.‬‬

‫‪.‬‬

You might also like