You are on page 1of 23

DOI ‫الرقم التعريفي‬ Accepted ‫القبول‬ Revised ‫التعديل‬ Received ‫التسلم‬

https://doi.org/10.31430/EQTV5101 07-03-2023 10-11-2022 16-12-2021

* Ahmed Moufid | ‫أحمد مفيد‬

‫ الضامنات الدستورية‬:‫استقالل السلطة القضائية يف املغرب‬


‫وواقع املامرسة وآفاقها‬
Judiciable Independence in Morocco: Constitutional
Guarantees, Current Practice, and Prospects

‫ تهدف هذه الدراسة إىل تسليط الضوء عىل أحد أهم املواضيع راهنيةً وأهميةً يف السياق‬:‫ملخص‬
‫ ويتم ذلك من خالل استعراض‬.‫ أال وهو استقالل القضاء‬،‫الدستوري واملؤسسايت والقانوين يف املغرب‬
،‫ وتحليل مختلف التحوالت الهيكلية التي عرفتها‬،‫اإلطار التأسييس املرجعي الستقالل السلطة القضائية‬
ً
‫ مع ما يثريه‬،‫فضاًل عن إبراز الدعامات الالزمة إلرساء سلطة قضائية مستقلة‬ ً
،‫وتنظياًم‬ ‫ترشيعا‬
ً ،‫وتجلياتها‬
‫ وقد جرى الرتكيز يف املحور‬.‫كل ذلك من تساؤالت وتحديات وإكراهات عىل مستوى الفعل واملامرسة‬
‫األول من هذه الدراسة عىل تحليل طبيعة الضامنات الدستورية والقانونية الستقالل السلطة القضائية‬
‫ وتناول املحور الثاين واقع استقالل السلطة القضائية من خالل العديد من املؤرشات والوقائع‬،‫ونوعيتها‬
‫ فاملغرب ما زال يف حاجة ماسة إىل‬،‫التي تبني أنه عىل الرغم من التقدم املحرز يف هذا الخصوص‬
‫ وانتهت الدراسة إىل‬.‫مزيد من الجهود من أجل ترسيخ استقاللية السلطة القضائية يف واقع املامرسة‬
‫تقديم مجموعة من املقرتحات العملية التي من شأنها تعزيز االستقالل الفعيل للسلطة القضائية يف‬
.‫املغرب‬

.‫ املغرب‬،‫ نظام العدالة‬،‫ استقالل القضاء‬،‫ الدستور‬:‫كلامت مفتاحية‬

Abstract: This research offers insight into an issue that is crucial to understanding Morocco's
constitutional, institutional, and legal framework. To achieve this goal, it examines the historical
context of judicial independence, delves into the structural changes that have taken place, and
then focuses on the essential pillars that should be in place for a truly independent court to
exist. It also explores the difficulties and limitations that these shifts in practice bring up. The
first section of this research examines the features and qualities of constitutional and legal
protections for judicial independence. In the second section, the paper looks at the current state
of judicial independence in Morocco using a variety of indicators and data that show that, despite
improvements, the country still has to make more strides to cement judicial independence in
practice. This research ends with a series of recommendations for improving the independence
of Morocco's judicial system.
Keywords: Constitution, Judicial Independence, Justice System, Morocco.

.‫ فاس‬،‫ جامعة سيدي محمد بن عبد الله‬،‫ كلية الحقوق‬،‫* أستاذ باحث يف القانون الدستوري والعلوم السياسية‬
Research Professor in Constitutional Law and Political Science, Faculty of Law, Sidi Mohamed Ben Abdellah University,
Fez, Morocco.
Email: ahmedmoufid2@gmail.com.
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫مقدمة‬
‫حظي موضوع استقالل السلطة القضائية يف املغرب بعناية كبرية من مختلف الفاعلني الرسميني وكذلك من‬
‫العديد من املنظامت املهنية والجمعيات الحقوقية‪ ،‬وقد نجم عن ذلك إيالء السلطة القضائية أهمية أكرب يف‬
‫إطار دستور ‪ 2011‬مقارنة مبا كان عليه األمر يف الدساتري السابقة التي عرفتها اململكة املغربية منذ دستور‬
‫‪1962‬؛ وذلك بتخصيص الباب السابع منه للسلطة القضائية‪ .‬وقد أكد امللك محمد السادس يف مناسبات عدة‬
‫أهمية الدور الذي يؤديه القضاء واهتاممه برتسيخ قواعد استقالله(((‪.‬‬
‫لقد خصص الدستور املغريب لسنة ‪ 2011‬الباب السابع منه للسلطة القضائية‪ ،‬وتضمن مجموعة من الفصول‬
‫املتعلقة باستقالل القضاء وباملجلس األعىل للسلطة القضائية وبحقوق املتقاضني وقواعد سري العدالة‪.‬‬
‫وقد أعقبه تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول اإلصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة((( بتاريخ‬
‫‪ 8‬أيار‪ /‬مايو ‪ 2012‬مببادرة ملكية‪ ،‬حيث جرت مناقشة مواضيع الحوار الوطني عىل صعيد أحد عرش مرك ًزا‬
‫ضمت مختلف الدوائر القضائية يف إطار ندوات جهوية‪.‬‬
‫وتفعياًل ملقتضيات الدستور والحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة‪ ،‬صدرت مجموعة من الترشيعات‬ ‫ً‬
‫التي تضع ضامنات مه ّمة الستقالل السلطة القضائية‪ ،‬نذكر منها القانون التنظيمي املتعلق بالنظام األسايس‬
‫للقضاة‪ ،‬والقانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬وقد جرى مبقتىض القانون تحقيق‬
‫استقالل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية‪ ،‬فلم تعد تعمل تحت إرشاف وزير العدل‪ ،‬بل أصبحت تعمل‬
‫تحت إرشاف رئيس النيابة العامة الذي هو يف الوقت نفسه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وعضو‬
‫املجلس األعىل للسلطة القضائية‪ .‬ثم جرى أيضً ا إعداد عدة مشاريع قوانني ملجموعة من اإلصالحات التي‬
‫تهم التنظيم القضايئ للمملكة والعديد من الترشيعات األخرى‪ ،‬كالقانون الجنايئ وقانون املسطرة الجنائية‬ ‫ّ‬
‫لبنات أساسي ًة إلمتام مخرجات ورش إصالح منظومة العدالة التي ما زالت مثار‬
‫واملسطرة املدنية‪ ،‬التي تعترب ٍ‬
‫نقاش بني الفاعلني املعنيني‪.‬‬

‫ألح امللك محمد السادس عىل رضورة احرتام استقالل القضاء‪ ،‬حيث جاء يف معرض خطابه مبناسبة ذكرى ثورة امللك والشعب‬ ‫‪ 1‬لقد ّ‬
‫لـ ‪ 20‬آب‪ /‬أغسطس ‪ 2007‬ما ييل‪" :‬لكون العدل من أمانة أمري املؤمنني‪ ،‬الضامن لالستقالل التام للسلطة القضائية عن السلطتني التنفيذية‬
‫الس َلط‪ ،‬وعدم االنسياق ألي تأثري عىل االلتزام الواجب للقايض‪ ،‬يف كل القضايا‪ ،‬بالتقيد بسيادة القانون"‪.‬‬ ‫والترشيعية‪ ،‬ويف احرتام ملبدأ فصل ُ‬
‫وهو من أعطى توجيهاته من خالل خطاب ‪ 9‬آذار‪ /‬مارس ‪ 2011‬لالرتقاء بالقضاء إىل سلطة مستقلة‪ ،‬وتعزيز صالحيات املجلس الدستوري‬
‫توطيدًا لسمو الدستور‪ ،‬ولسيادة القانون‪ ،‬واملساواة أمامه‪ .‬ثم دعا من خالل املجلس األعىل للقضاء إىل‪" :‬مضاعفة جهوده لتوطيد استقالل‬
‫القضاء وتقويته"‪ .‬واعترب من خالل خطاب ‪ 20‬آب‪ /‬أغسطس ‪" :2014‬أن اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إال مبواصلة تحسني مناخ األعامل‪،‬‬
‫وال سيام من خالل امليض قد ًما يف إصالح القضاء واإلدارة‪ ،‬ومحاربة الفساد‪ ،‬وتخليق الحياة العامة‪ ،‬التي نعتربها مسؤولية املجتمع كله‪ ،‬مواطنني‬
‫وجمعيات‪ ،‬وليست حك ًرا عىل الدولة لوحدها"‪ .‬وقد تأكد االهتامم املليك يف الرسالة امللكية املوجهة للدورة األوىل ملؤمتر مراكش الدويل للعدالة‬
‫خالل الفرتة من ‪ 2‬إىل ‪ 4‬نيسان‪ /‬أبريل ‪ ،2018‬حول موضوع (استقالل السلطة القضائية بني ضامن حقوق املتقاضني واحرتام قواعد سري العدالة)‬
‫ً‬
‫منشغاًل مثل كل املجتمعات التي‬ ‫ما ييل‪" :‬بغض النظر عام حققه املغرب من إنجازات يف بناء اإلطار املؤسسايت ملنظومة العدالة‪ ،‬فإنه يبقى‬
‫تويل أهمية قصوى للموضوع‪ ،‬بالرهانات والتحديات التي تواجه القضاء عرب العامل‪ .‬ويأيت يف مقدمة هذه التحديات ضامن تفعيل استقالل‬
‫السلطة القضائية يف املامرسة والتطبيق‪ ،‬باعتبار أن مبدأ االستقالل مل يرشع لفائدة القضاة وإمنا لصالح املتقاضني‪ ،‬وإنه إذ يرتب حقا للمتقاضني‪،‬‬
‫فكونه يلقي واج ًبا عىل عاتق القايض فهو حق للمتقاضني يف أن يحكم القايض بكل استقالل وتجرد وحياد‪ ،‬وأن يجعل من القانون وحده مرج ًعا‬
‫لقراراته‪ ،‬ومام مييل عليه ضمريه سندًا القتناعاته"‪.‬‬
‫‪ 2‬تشكلت الهيئة من أربعني عض ًوا برئاسة وزير العدل والحريات املغريب وجرى تنصيبها بتاريخ ‪ 2012/5/8‬من امللك محمد السادس‪،‬‬
‫وضمت يف عضويتها قضاة ورؤساء مؤسسات الحكامة‪ ،‬وممثلني عن الربملان مبجلسيه‪ ،‬ومديري عدة مصالح بوزارة العدل‪ ،‬وجامعيني‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫إن املتغري الجديد الذي واكب هذه اإلصالحات هو احتالل القضاء‪ ،‬بوصفه سلطة مستقلة دستور ًّيا‪ ،‬مكان ًة‬
‫مركزي ًة مه ّم ًة((( تجعله يبدو يف بعض األحيان فوق بقية ُ‬
‫الس َلط وهو يتابع السيايس يف إطار الجرائم املالية أو‬
‫يبت يف رشعية مؤمترات األحزاب واالنتخابات يف إطار القضاء اإلداري أو متويل الحمالت االنتخابية والتدقيق‬ ‫ّ‬
‫يف الصفقات العمومية يف إطار املحاكم املالية التي تحال بعدها إىل القضاء العادي‪ .‬هذه التدخالت القضائية‬
‫استقالاًل حقيق ًّيا وحيادية مطلقة عن أي تأثري من أي نوع كان حتى ال تجعل من القضاء أداة‬ ‫ً‬ ‫تقتيض‬
‫للتح ّكم يف بقية ُ‬
‫الس َلط والتحول إىل بديلٍ منها يف إطار مفهوم "اقتضاء السياسة" وملء الفراغات السياسية‬
‫لنجد نفسنا أمام دولة القضاة أو حكومة القضاة‪ .‬وذلك ما يجب معه تأطري عمل القايض قانون ًّيا وتحصينه‬
‫أخالق ًّيا عىل نح ٍو صارم يحول دون املساس باستقالله أو ميله إىل خدمة مصالح فئوية سياسية أو الرضوخ‬
‫لتعبريات اجتامعية معينة‪.‬‬
‫الس َلط الدستورية‪ ،‬بل‬
‫إن استقالل القايض ال ميكن أن نلخصه باستقالل السلطة القضائية مؤسسات ًّيا عن بقية ُ‬
‫هو يتعداه إىل رضورة االستقالل عن كل ما يؤثر يف قراره من س َلط أخرى مثل‪ ،‬سلطة املال وسلطة اإلعالم‬
‫وسلطة الجاه وكذا مؤثرات االنتامء الثقايف والهويايت وحتى النزوات‪ .‬فال ينبغي أن يخضع القايض إال لسلطة‬
‫الدستور‪ ،‬والقانون‪ ،‬والعقل‪ ،‬والضمري‪.‬‬
‫ومن املهم‪ ،‬بعد مرور بضع سنوات من دخول الترشيعات املؤطرة للشأن القضايئ حيز التنفيذ‪ ،‬أنه يحق لنا‬
‫فعاًل النصوص الدستورية والقانونية الجديدة الدعامات الالزمة الستقالل السلطة‬ ‫أن نتساءل‪ :‬هل أرست ً‬
‫القضائية؟ وكيف جرت ترجمة املبادئ واملقتضيات القانونية املتعلقة باستقالل السلطة القضائية عىل‬
‫مستوى الفعل واملامرسة؟ ولإلجابة عن هذه اإلشكاليات العلمية‪ ،‬بغية تسليط الضوء بصفة جل ّية عىل أساس‬
‫استقالل السلطة القضائية وواقعه يف املغرب‪ ،‬فإننا سنتناول هذا املوضوع بالدراسة والتحليل من خالل ثالثة‬
‫محاور‪ :‬املحور األول‪ ،‬الضامنات الدستورية والقانونية الستقالل السلطة القضائية؛ املحور الثاين‪ ،‬واقع استقالل‬
‫السلطة القضائية؛ املحور الثالث‪ ،‬مقرتحات عملية لتعزيز استقالل السلطة القضائية‪.‬‬

‫أواًل‪ :‬الضامنات الدستورية والقانونية الستقالل السلطة‬


‫ً‬
‫القضائية‬
‫إن تقييم التجربة املغربية الستقالل السلطة القضائية ال ميكن أن يجري من دون الوقوف عىل اإلطار الترشيعي‬
‫الوطني الناظم لهذه السلطة‪ ،‬الذي ميثله مجموع الترشيعات املعمول بها‪ ،‬وتشمل الدستور ومختلف‬
‫النصوص الترشيعية (قوانني تنظيمية‪ ،‬قوانني‪ ،‬مراسيم ‪ ...‬إلخ) التي تحكم حدود الصالحيات واملسؤوليات يف‬
‫السلطة القضائية ومجاالتها وتوضحها‪ ،‬وتحكم آليات العمل ومرجعياتها وأسس املساءلة مبقتضاها‪.‬‬

‫‪ 3‬حيث جاء يف نص الخطاب املليك مبناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس األعىل للقضاء بتاريخ فاتح آذار‪ /‬مارس ‪" :2012‬لذا حرصنا عىل‬
‫إعادة االعتبار للقضاء وتأهيله وتطهريه من كل النقائص والشوائب املشينة محددين بكل حزم ووضوح سبيل اإلصالح الذي ال مناص منه‪ .‬وقد‬
‫تحقق بالفعل تقدم ال جدال فيه حيث تم إيقاف مسلسل التدهور وامليض قد ًما يف عملية إعادة البناء وعرصنة العدالة مام مكن من تعزيز‬
‫االستقالل الفعيل للقضاء وتقوية سلطته يف تجسيد املساواة أمام القانون واإلرساع يف تنفيذ األحكام"‪ .‬ينظر‪ :‬اململكة املغربية‪ ،‬رئاسة النيابة‬
‫العامة‪" ،‬نص الخطاب املليك السامي مبناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس األعىل للقضاء الرباط ‪ -‬فاتح مارس ‪ ،"2012‬القضاء من خالل‬
‫الخطب امللكية السامية‪ ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/3‬يف‪https://bit.ly/3ZIAYYY :‬‬

‫‪48‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫‪ .1‬الضامنات الدستورية‬
‫يعترب الدستور القانون األسايس للدولة‪ ،‬والسم ّو بحامية استقالل القضاء دستور ًّيا يعني وضع نصوص‬
‫دستورية لها قوة اإللزام تحميها من االعتداء واإلنكار‪ ،‬وتجعل القوانني العادية مسايرة لهذه النصوص‬
‫ملتزمة بأحكامها وإال اعتربت غري دستورية(((‪ .‬لقد ش ّكل دستور ‪ 2011‬يف املغرب نقلة نوعية يف مجال‬
‫تكريس الحقوق والحريات حيث خصها بالباب الثاين منه‪ ،‬ليتطرق يف الباب السابع إىل السلطة القضائية‬
‫(الفصول من ‪ 107‬إىل ‪ ،)128‬معل ًنا من خالل الفصل ‪ 107‬أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة‬
‫الترشيعية والتنفيذية‪ ،‬وأن امللك هو الضامن الستقاللها‪ ،‬ألنه ‪ -‬مبقتىض الفقرة األوىل من الفصل ‪42‬‬
‫من الدستور ‪ -‬يعترب امللك‪" :‬رئيس الدولة‪ ،‬وممثلها األسمى‪ ،‬وضامن دوام الدولة واستمرارها‪ ،‬والحكم‬
‫األسمى بني مؤسساتها‪ ،‬يسهر عىل احرتام الدستور وحسن سري املؤسسات الدستورية‪ ،‬وعىل صيانة االختيار‬
‫الدميقراطي وحقوق وحريات املواطنني واملواطنات والجامعات‪ ،‬وعىل احرتام التعهدات الدولية للمملكة"‪.‬‬
‫وهو النهج نفسه الذي سار عليه الدستور الفرنيس من خالل الفقرة األوىل من املادة ‪ ،(((64‬الذي اعترب‬
‫رئيس الدولة ضامن استقالل السلطة القضائية‪.‬‬
‫ومن أجل تكريس ضامنات االستقالل‪ ،‬فقد منع الدستور تنقيل قضاة األحكام وعزلهم إال بقانون(((‪ ،‬ومنع كل‬
‫تدخل يف القضايا املعروضة عىل القضاء‪ ،‬بحيث ال يتلقى القايض بشأن مهمته القضائية أي أمر أو تعليامت‪،‬‬
‫وال يخضع ألي ضغط‪ .‬فإذا اعترب القايض أن استقالله مهدد أحال األمر إىل املجلس األعىل للسلطة القضائية‪.‬‬
‫جسيم‪ ،‬برصف النظر عن املتابعات‬
‫ٌ‬ ‫واعترب أن كل إخالل من القايض بواجب االستقالل والتجرد خطأ مهني‬
‫القضائية املحتملة‪ .‬وأمر مبعاقبة كل من يحاول التأثري يف القايض بكيفية غري مرشوعة ‪.‬‬
‫(((‬

‫فقايض األحكام املغريب‪ ،‬بحسب الفصل ‪ 110‬من الدستور‪ ،‬ال يلزم إال بتطبيق القانون‪ ،‬وال يصدر القضاء‬
‫أحكامه إال عىل أساس التطبيق العادل للقانون‪ .‬ثم إن قضاة النيابة العامة ملزمون بتطبيق القانون ملتزمني‬
‫بالتعليامت الكتابية القانونية للسلطة الرئاسية التي يخضعون لها والتي يرتبع عىل قمة هرمها رئيس النيابة‬
‫العامة الذي هو الوكيل العام ملحكمة النقض‪.‬‬
‫فصل الدستور املغريب يف عدة نقط تتعلق بالسلطة القضائية وذلك إمعانًا منه يف أهمية تطويقها‬ ‫لقد ّ‬
‫باالستقالل والحامية الالزمني خالل هذه املرحلة التي تهدف لتقوية االستقالل وترسيخ مبادئه‪ .‬وباتباع‬
‫الرتتيب املنهجي الذي اعتمده الدستور املغريب من خالل الباب السابع املتعلق بالسلطة القضائية‪ ،‬فإننا‬
‫نجده يؤكد حق القضاة يف حرية التعبري مبا يتالءم وواجب التحفظ واألخالقيات املهنية والحق يف تأسيس‬
‫الجمعيات املهنية برشط احرتام واجب التجرد واستقالل القضاء وفق الرشوط املنصوص عليها قانونًا‪ ،‬مع‬
‫منعهم من االنخراط يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية(((‪.‬‬

‫‪ 4‬محمد األزهر‪ ،‬السلطة القضائية يف الدستور (الدار البيضاء‪ :‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،)2012 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 5‬منشور يف املوقع الرسمي للمجلس الدستوري الفرنيس‪ ،‬يف‪:‬‬
‫‪La République Française, "Texte intégral de la Constitution du 4 octobre 1958 en vigueur," Conseil-constitutionnel,‬‬
‫‪accessed on 16/11/2020, at: https://bit.ly/2RnSJKn‬‬
‫‪ 6‬اململكة املغربية‪ ،‬األمانة العامة للحكومة‪ ،‬الدستور طبعة ‪ ،2011‬الفصل ‪ ،8‬شوهد يف ‪ ،2023/3/10‬يف‪https://bit.ly/3TaniDr :‬‬
‫‪ 7‬املرجع نفسه‪ ،‬الفصل ‪.109‬‬
‫‪ 8‬املرجع نفسه‪ ،‬الفصل ‪.111‬‬

‫‪49‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫الرئيس األول ملحكمة‬


‫ُ‬ ‫أما املجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬فهو مؤسسة دستورية يرأسها امللك‪ .‬ويعترب فيه‬
‫رئيسا منتد ًبا يرفع إىل امللك‪ ،‬مبقتىض املادة ‪ 61‬من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة‬
‫النقض ً‬
‫القضائية‪ ،‬تقري ًرا عا ًّما عن نشاط املجلس عند نهاية كل دورة‪ ،‬ثم إن امللك مبقتىض الفصل ‪ 75‬من الدستور‬
‫هو من يوافق عىل تعيني القضاة من جانب املجلس األعىل للسلطة القضائية‪ .‬ويتألف املجلس من فئة‬
‫منتخبة من بني القضاة وأخرى معينة من امللك‪ .‬وتتلخص مهمته((( يف تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة‪،‬‬
‫وال سيام فيام يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم من دون أي تفريق بني قضاة الحكم‬
‫وقضاة النيابة العامة‪.‬‬
‫إن املعيار األول‪ ،‬الذي يقاس به استقالل القضاء‪ ،‬هو تأليف الهيئة املوكلة بتدبري شؤون القضاة من ترقية‬
‫ونقل وتأديب وعزل‪ ،‬وهو اليشء الذي دفع أغلب الدساتري إىل احتكار مهمة تأليف هذه الهيئة‪ .‬غري أن‬
‫ما ميكن أن نسجله بخصوص تركيبة املجلس األعىل للسلطة القضائية هو أنها تضم فئتني‪ :‬فئة منتخبة من‬
‫القضاة وعددهم عرشة‪ ،‬وفئة من املعينني(‪ ((1‬بالعدد نفسه‪ .‬لكن بعض عنارص الفئة الثانية يعدون ممن‬
‫يتمتعون بقوة متنحها لهم مواقعهم الوظيفية وتجاربهم املهنية التي ينتمون إليها والتي هي الصفة التي‬
‫أهلتهم ليكونوا أعضاء يف املجلس يف مقابل فئة أخرى منتخبة متثل القضاة‪ ،‬فرض عليها التفرغ املهني طوال‬
‫مدة انتدابهم‪ ،‬فإن تحدثنا عن املساواة العددية بني الفئتني فإننا ميكن أن نتحدث عن االختالف يف الوزن‬
‫خصوصا أن القانون ال مينح املنتخبني أي‬
‫ً‬ ‫االعتباري للفئتني وعدم امتالك القدرة عىل التأثري داخل املجلس‪،‬‬
‫حصانة بعد انتهاء واليتهم أو يف أثنائها‪ ،‬وهي املحددة بخمس سنوات غري قابلة للتجديد بخالف الفئة املعينة‬
‫من امللك واملحددة واليتها بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة‪ ،‬وذلك مبقتىض املادة ‪ 14‬من القانون‬
‫التنظيمي ‪.100.13‬‬
‫إن القضاة املنتخبني يف املجلس األعىل للسلطة القضائية يعودون إىل إطارهم األصيل بعد انتهاء مدة انتدابهم‪،‬‬
‫وذلك ما قد يجعلهم مصفدين مبآل مستقبلهم املهني الذي ينتظرهم بعد السنوات الخمس‪ ،‬وما يدعو إىل‬
‫رضورة تعزيز حصانة األعضاء املنتخبني من أجل تقوية موقعهم التداويل داخل املجلس‪ .‬ثم يعاب عىل‬
‫هذه التشكيلة غياب ممثل عن جمعيات هيئات املحامني يف املغرب س ًريا عىل النهج الذي اعتمدته أغلب‬
‫الدول الدميقراطية‪ ،‬وانسجا ًما مع ما أوىص به إعالن مراكش حول استقالل السلطة القضائية وضامن حقوق‬
‫املتقاضني واحرتام قواعد سري العدالة(‪ ((1‬يف الدول املشاركة برضورة ضامن توسيع مجال العضوية يف املجالس‬
‫العليا للقضاء من خالل انفتاحها عىل فعاليات حقوقية وقانونية‪ ،‬إضافة إىل القضاة األعضاء‪ ،‬مع ضامن متثيل‬
‫املرأة القاضية يف هذه املجالس‪.‬‬
‫ثم يختص املجلس األعىل للسلطة القضائية املغريب‪ ،‬مببادرة منه‪ ،‬بوضع تقارير عن وضعية القضاء ومنظومة‬
‫العدالة‪ ،‬و ُيصدر التوصيات املالمئة بشأنها‪ .‬وله أن يقدم آراء مفصلة يف كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة‬

‫‪ 9‬املرجع نفسه‪ ،‬الفصل ‪.113‬‬


‫‪ 10‬فهناك املع ّينون بطريقة مبارشة وعددهم ‪ ،4‬وهناك من تقرتحه هيئة وعدده واحد‪ ،‬وهناك من هم مع ّينون يف مؤسساتهم األصلية‬
‫ويوجدون يف املجلس بحكم مناصبهم‪.‬‬
‫‪ 11‬إعالن مراكش املؤرخ يف ‪ 4‬نيسان‪ /‬أبريل ‪ ،2018‬ينظر‪ :‬اململكة املغربية‪ ،‬املجلس األعىل للسلطة القضائية‪" ،‬انعقاد الدورة األوىل‬
‫ملؤمتر مراكش الدويل للعدالة حول موضوع 'استقالل السلطة القضائية بني ضامن حقوق املتقاضني واحرتام قواعد سري العدالة'"‪ ،‬شوهد يف‬
‫‪ ،2020/11/14‬يف‪https://bit.ly/3mQGA4D :‬‬

‫‪50‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫الس َلط كلام طلب منه ذلك امللك أو الحكومة أو الربملان‪ .‬ومل يفت املرشّ ع الدستوري املغريب أن‬
‫مبدأ فصل ُ‬
‫يتطرق أيضً ا إىل حقوق املتقاضني وقواعد سري العدالة‪.‬‬
‫وهكذا اعترب بعض الفقهاء(‪ ((1‬أن الدستور املغريب الجديد اقتحم ثالث محطات أساسية من خالل االعرتاف‬
‫بسلطة قضائية حقيقية‪ ،‬وإنشاء هيئة مستقلة عهد إليها بجزء كبري من إدارة السلطة القضائية وإنشاء‬
‫محكمة دستورية‪ .‬وإن كانت هذه األخرية مؤسسة منفصلة عن القضاء باملعنى الضيق‪ ،‬فإن طابعها القضايئ‬
‫يبقى مؤك ًدا من خالل مساهمتها يف تعزيز دور القايض وتحقيق دولة الحق والقانون‪ ،‬والبت يف الدفوع‬
‫بعدم الدستورية التي ميكن إثارتها أمام جميع محاكم اململكة طب ًقا ملقتضيات الفصل ‪ 133‬من دستور ‪.2011‬‬

‫‪ .2‬الضامنات القانونية‬
‫وسياجا ال‬
‫ً‬ ‫إذا كان الدستور ‪ -‬بوصفه قانونًا أسمى ‪ -‬يعرب عن املبادئ القانونية العامة التي تعد خارطة طريق‬
‫ميكن تجاوزه من جانب القوانني األدىن درجة‪ ،‬فإن القوانني التنظيمية والقوانني واملراسيم قد أوكلت بتفصيل‬
‫اختياراته التي سطرها وتدقيقها‪ ،‬ففي مجال استقالل السلطة القضائية فإن الدستور ترك مسألة تحديد‬
‫(‪((1‬‬
‫النظام األسايس للقضاة لقانون تنظيمي مبقتىض الفصل ‪ 112‬منه‪ ،‬الذي صدر يف ‪ 24‬آذار‪ /‬مارس ‪2016‬‬
‫تحت عدد ‪ .106.13‬ثم أوكل مبقتىض الفصل ‪ 116‬القانون التنظيمي بتحديد انتخاب املجلس األعىل للسلطة‬
‫القضائية وتنظيم سريه‪ ،‬وتحديد املعايري املتعلقة بتدبري الوضعية املهنية للقضاة‪ ،‬ومسطرة التأديب‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي تحقق من خالل القانون التنظيمي ‪ 100.13‬الصادر بتاريخ ‪ 24‬آذار‪ /‬مارس ‪ .2016‬وقد صوت‬
‫الربملان املغريب عىل قانون يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك‬
‫رئيسا للنيابة العامة‪ ،‬وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامـة(‪.((1‬‬
‫لدى محكمة النقض بصفته ً‬
‫أ‪ -‬الضامنات القانونية املتعلقة بانتقاء القايض وتكوينه وتعيينه ونقله وتأديبه‬
‫وأثرها يف استقالله‬
‫استنا ًدا إىل املبادئ الدولية املتعلقة باستقالل القضاة واملحامني وممثيل النيابة العامة ومسؤوليتهم‪ ،‬فإنه‬
‫يتعني عىل الدول عند تعيني القضاة اعتامد معايري اختيار صارمة تتسم بالشفافية من أجل ضامن استقالل‬
‫القضاء ونزاهته‪ ،‬وذلك إنفا ًذا ألحكام القانون الدويل‪ .‬وما مل يج ِر تعيني القضاة وترقيتهم عىل أساس ما‬
‫يتمتعون به من مهارات قانونية‪ ،‬فإن القضاء يكون معرضً ا لخطر عدم تأديته وظيفته األساسية املتمثلة يف‬
‫مامرسة القضاء بنزاهة واستقاللية‪ .‬لذا‪ ،‬فمن الواضح أن معايري االختيار عىل أساس الكفاءة تشكل يف حد‬
‫عنرصا أساس ًّيا لضامن استقالل القضاء‪ .‬واألمر يف هذا املجال مرتوك للسلطة التقديرية لكل دولة؛ إذ ال‬
‫ذاتها ً‬

‫‪12 Bertrand Mathieu, "L'émergence du pouvoir judiciaire dans la constitution marocaine de 2011," Pouvoirs,‬‬
‫‪no. 145 (Avril 2013/2), p. 48.‬‬
‫‪ 13‬اململكة املغربية‪" ،‬ظهري رشيف رقم ‪ 41.16.1‬صادر يف ‪ 14‬من جامدى اآلخرة ‪1437‬هـ (‪ 24‬مارس ‪ )2016‬بتنفيذ القانون التنظيمي‬
‫رقم ‪ 106 .13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة"‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬السنة ‪ ،105‬عدد ‪ ،2016/4/14 ،6456‬ص ‪ ،3160‬شوهد ‪ ،2020/11/10‬يف‪:‬‬
‫‪https://bit.ly/3yy2wnP‬‬
‫‪ 14‬اململكة املغربية‪" ،‬ظهري رشيف ‪ 1.17.45‬صادر يف ‪ 8‬ذي الحجة ‪ 30( 1438‬أغسطس ‪ )2017‬بتنفيذ القانون ‪ 33.17‬املتعلق بنقل‬
‫رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم‬
‫اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته ً‬
‫رئاسة النيابة العامـة"‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬السنة ‪ ،106‬عدد ‪ ،2017/9/18 ،6605‬ص ‪ ،5155‬شوهد يف ‪ ،2020/11/10‬يف‪https://bit.ly/3Jg9Eds :‬‬

‫‪51‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫يوجد إجامع يف القانون الدويل بشأن طريقة التعيني‪ .‬ويف جميع الحاالت ال بد أن يجري اختيار املرشحني دامئًا‬
‫عىل أساس املؤهالت املهنية والنزاهة الشخصية(‪.((1‬‬
‫بحسب املعطيات اإلحصائية لسنة ‪ 2018‬فقد بلغ مجموع قضاة اململكة ‪ 4176‬قاض ًيا وقاضية‪ ،‬منهم ‪3147‬‬
‫قاض ًيا (‪ 75.35‬يف املئة) و‪ 1029‬قاضية (‪ 24.65‬يف املئة)‪ .‬امللحقون بإدارات مختلفة عددهم ‪ .173‬أما العاملون‬
‫يف املحاكم فهم ‪ .4003‬ويبلغ عدد قضاة النيابة العامة ‪ 1046‬من بينهم ‪ 168‬قاضية بنسبة ‪ 16.06‬يف املئة‪،‬‬
‫و‪ 878‬من قضاة النيابة العامة الذكور بنسبة ‪ 83.93‬يف املئة‪ ،‬وميارس ‪ 46‬قاض ًيا مهامتهم خارج املحاكم يف‬
‫إطار اإللحاق بإدارات أخرى‪ ،‬بحيث يشكل عدد قضاة النيابة العامة معدل ‪ 3‬قضاة لكل ‪ 100‬ألف مواطن‬
‫مبا يقل ‪ 4‬مرات عن املعدل األورويب البالغ ‪ 11.8‬قايضَ نياب ٍة عامة لكل ‪ 100‬ألف مواطن‪ .‬وهي معطيات‬
‫تستوقفنا من أجل البحث يف أوضاع هؤالء القضاة خالل مراحل حياتهم املهنية كافة‪ ،‬والضامنات املمنوحة‬
‫لهم أمام أهداف تحقيق استقالل القضاء‪.‬‬
‫•انتقاء القضاة وتكوينهم وتعيينهم‬
‫إن لطريقة انتقاء القايض وتعيينه أهمية كربى يف مسألة استقالله جرى تأكيدها يف البند العارش من املبادئ‬
‫األساسية الستقالل السلطة القضائية‪ ،‬الذي نص عىل أنه "يتعني أن يكون من يقع عليهم االختيار لشغل الوظائف‬
‫القضائية أفرا ًدا من ذوي النزاهة والكفاءة‪ ،‬وحاصلني عىل تدريب أو مؤهالت مناسبة يف القانون‪ ،‬ويجب أن‬
‫تشمل أية طريقة الختيار القضاة عىل ضامنات ضد التعيني يف املناصب القضائية بدوافع غري سليمة"‪.‬‬
‫لقد أخذ املرشع املغريب يف هذا املجال بنموذج النظام الالتيني الذي يعترب القضاء وظيفة(‪ ،((1‬حيث يجري‬
‫اختيار القضاة من بني حملة الشهادات الجامعية يف القانون وفق معايري الكفاءة والجدارة بعد اجتيازهم‬
‫مبارا ًة مخصصة لهذا الغرض وخضوعهم لفرتة تدريب مدة سنتني يف املعهد العايل للدراسات القضائية أعد‬
‫لهذه الغاية(‪ ،((1‬مع إمكانية قبول بعض أساتذة القانون أو املحامني واملوظفني الذين تتوافر فيهم الرشوط‬
‫املعينة املحددة يف املادتني ‪ 9‬و‪ 10‬من القانون التنظيمي ‪ ،13.106‬والذين ال تتجاوز أعامرهم عند تقديم‬
‫الطلب ‪ 55‬سنة‪ ،‬بينام يعفى من اجتياز مباراة املرتشحني الحاصلني عىل دكتوراه الدولة يف القانون أو الرشيعة‬
‫اإلسالمية كل من األساتذة الباحثني الذين مارسوا مهنة التدريس الجامعي يف فرع من فروع القانون مدة‬
‫ال تقل عن عرش سنوات‪ ،‬واملحامني الذين مارسوا مهنة املحاماة بصفة فعلية مدة ال تقل عن عرش سنوات‪،‬‬
‫وموظفي هيئة كتابة الضبط املنتمني إىل درجة مرتبة يف سلم األجور رقم ‪ 11‬عىل األقل‪ ،‬والذين زاولوا مهامت‬
‫كتابة الضبط بصفة فعلية مدة ال تقل عن عرش سنوات‪ ،‬وموظفي اإلدارات املنتمني إىل درجة مرتبة يف سلم‬
‫األجور رقم ‪ 11‬عىل األقل‪ ،‬والذين قضوا مدة ال تقل عن عرش سنوات من الخدمة العمومية الفعلية يف‬
‫مجال الشؤون القانونية‪.‬‬

‫‪ 15‬اللجنة الدولية للحقوقيني‪ ،‬املبادئ الدولية املتعلقة باستقالل ومسؤولية القضاة واملحامني وممثيل النيابة العامة‪ ،‬دليل املامرسني ‪،1‬‬
‫(جينيف‪ ،)2007 :‬ص ‪ ،33‬شوهد يف ‪ ،2020/11/12‬يف‪https://bit.ly/406H7Ox :‬‬
‫‪ 16‬يوسف شندي‪" ،‬استقالل القضاء‪ :‬دراسة مقارنة"‪ ،‬ورقة تطبيقة‪ ،‬سلسلة الكرامة اإلنسانية‪ ،‬معهد الحقوق‪ ،‬جامعة بريزيت‪ ،‬فلسطني‪ -‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة وندسور‪ ،‬كندا (‪ ،)2007‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 17‬اململكة املغربية‪" ،‬ظهري رشيف ‪ 1.16.41‬صادر يف ‪ 14‬جامدى اآلخرة ‪ 24( 1437‬مارس ‪ )2016‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪106.13‬‬
‫املتعلق بالنظام األسايس للقضاة"‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬السنة‪ ،‬عدد ‪ ،2016/4/14 ،6456‬املادتان ‪ 7‬و‪ ،8‬شوهد يف ‪ ،2020/11/12‬يف‪:‬‬
‫‪https://bit.ly/3TdZ1wx‬‬

‫‪52‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫وإذا كان املرشع املغريب قد قرر أال تتجاوز سن املرشح الجتياز مباراة القضاء ‪ 45‬سنة بالنسبة إىل غري الفئات‬
‫شخصا أنهى دراسته الجامعية يبلغ ‪22‬‬‫املشار إليها سل ًفا‪ ،‬فإنه يف املقابل مل يحدد س ًنا أدىن لذلك‪ ،‬حيث ُمُي ّكن ً‬
‫سنة أن يتقدم الجتياز املباراة ليكون قاض ًيا جاه ًزا يف سن ‪ ،24‬و يعني نائ ًبا لوكيل امللك‪ ،‬ثم يعني بعدها قايض‬
‫األحكام من بني هؤالء النواب بعد قضاء سنتني عىل األقل(‪ ،((1‬أي يف سن ‪ 26‬بحسب املثال الذي أوردناه‪ .‬والحال‬
‫أن القضاء مهنة تتطلب النضج والحكمة والرصانة‪ ،‬ويكون من يتواله عىل قدر كبري من الخربة والنزاهة والكفاءة‬
‫سواء أكان قاض ًيا للنيابة العامة أو قاض ًيا للحكم‪ ،‬وال يكفي املؤهل العلمي والتفوق الدرايس الستئامن شخص عىل‬
‫حقوق املواطنني وحرياتهم‪ ،‬فالقضاء يختلف عن سائر الوظائف؛ ما يتعني معه أن يكون مختا ًرا ممن كان تحت‬
‫املالحظة وأثبت نزاهة وخربة وحنكة يف إحدى الوظائف القانونية من دون أي شبهة أو انحراف‪.‬‬
‫ولنئ أصبح نظام التكوين يف املعهد العايل للقضاء يأخذ يف االعتبار انفتاح القايض املتدرب عىل محيطه‬
‫االقتصادي واالجتامعي‪ ،‬فإن هذا التكوين يبقى عا ًما ال يأخذ يف االعتبار التخصص الذي ينعكس ال محالة عىل‬
‫فاعلية القضاء وعىل جودة األحكام الصادرة عنه(‪ ،((1‬حيث أكد ذلك املؤمتر الدويل السابع لقانون العقوبات‬
‫املنعقد يف أثينا سنة ‪ 1957‬من خالل توصية له جاء فيها‪" :‬إنه من أجل قيام القايض الجنايئ بدوره الفعال‪،‬‬
‫ومؤهاًل ً‬
‫تأهياًل‬ ‫ً‬ ‫وليك ميارس سلطته التقديرية الواسعة مامرسة صحيحة‪ ،‬يجب أن يكون مع ًّدا إعدا ًدا جي ًدا‪،‬‬
‫خاصا يف مجال الدراسات الجنائية"‪ .‬وهو ما ميكن إسقاطه عىل بقية التخصصات القضائية‪.‬‬
‫ًّ‬
‫•النقل‬
‫خص النظام األسايس للقضاء نقل القضاة مبقتضيات ج ّد مهمة‪ ،‬وقيده بعدة رشوط بعد أن كان‪ ،‬طوال‬ ‫لقد ّ‬
‫عقود‪ ،‬مينح كل الصالحيات يف ذلك للمجلس األعىل للقضاء بصيغته القدمية لينقل القايض كام يشاء‪ ،‬إىل درجة‬
‫أن بعض عمليات النقل يف السابق كانت تعترب تأديبية أو تعسفية أو انتقامية‪ ،‬ودون أن تتوافر للقايض حينها‬
‫أي وسيلة من وسائل الطعن أو التظلم يف القرار املتخذ بشأنه يف هذا الخصوص‪.‬‬
‫لقد أكد املجلس الدستوري عىل دستورية املقتضيات القانونية املتعلقة بالتنقيل مبناسبة عرض القانون‬
‫التنظيمي ‪ 106.13‬قصد مراقبة دستوريته‪ ،‬حني عرب عن ذلك مبا ييل(‪" :((2‬إن املجلس األعىل للسلطة القضائية‬
‫الذي أناط به الدستور‪ ،‬بصفة أساسية‪ ،‬السهر عىل تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة وال سيام فيام يخص‬
‫استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم‪ ،‬ال يجوز له أن يقرر نقل قضاة األحكام‪ ،‬يف الحاالت‬
‫التي حددها املرشع‪ ،‬دون طلب منهم‪ ،‬إال بصفة استثنائية يربرها ضامن حق التقايض املكفول دستور ًّيا‬
‫للمواطنني"‪ .‬وبذلك يكون القايض قد متعه القانون الجديد بحصانة ضد التنقيل الذي ال يحدث إال بطلب‬
‫منه إال يف حالة استثنائية مثل الحالة التي يجري فيها إنشاء محكمة جديدة أو مركز قضايئ جديد من دون‬
‫أن تتوافر لدى املجلس األعىل للسلطة القضائية موارد برشية جديدة كافية لتعيينها يف هذه املناطق‪.‬‬

‫‪ 18‬ورد يف الفقرتني األوىل والثانية من املادة ‪ 13‬من القانون التنظيمي املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪" :‬يعني املجلس امللحقني القضائيني‬
‫املذكورين يف املادة ‪ 8‬أعاله نوا ًبا لوكيل امللك لدى محاكم أول درجة‪ ،‬ويرتبون يف الرتبة األوىل من الدرجة الثالثة‪ ،‬ويعني قضاة األحكام من بني‬
‫هؤالء النواب‪ ،‬بعد قضاء سنتني عىل األقل"‪ .‬غري أنه ميكن‪ ،‬من أجل سد الخصاص‪ ،‬تعيني امللحقني القضائيني املذكورين مبارشة قضا ًة لألحكام‪.‬‬
‫‪ 19‬فاطمة الزهراء السائح الجوهري‪" ،‬أي دور لألخالق املهنية يف ضامن محاكمة جنائية عادلة؟"‪ ،‬مجلة العلوم الجنائية‪ ،‬العدد ‪،)2019( 6-5‬‬
‫ص ‪.218‬‬
‫‪ 20‬اململكة املغربية‪ ،‬املحكمة الدستورية‪ ،‬املجلس الدستوري‪" ،‬قرار رقم‪ 992 /16 :‬م‪ .‬د‪ ،‬ملف عدد‪ ،"2016/3/15 ،1474 /16 :‬شوهد يف‬
‫‪ ،2020/11/12‬يف‪https://bit.ly/3YRh8cJ :‬‬

‫‪53‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫وبحسب املادة ‪ 72‬من النظام األسايس للقضاة فإن النقل يجري بنا ًء عىل طلب القايض‪ ،‬أو عىل إثر ترقية يف الدرجة‪،‬‬
‫أو إحداث محكمة أو حذفها‪ ،‬أو شغور منصب قضايئ‪ ،‬أو سد الخصاص بحيث ال يجوز أن تتجاوز مدة االنتداب‬
‫بحسب املادة ‪ 73‬من القانون نفسه ثالثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بعد موافقة القايض املعني عىل ذلك‪ .‬ثم‬
‫ال يجوز بحسب املادة ‪ 76‬انتداب القايض أكرث من مرة واحدة خالل كل خمس سنوات إال بعد موافقته‪.‬‬
‫وبالرغم من كل ذلك‪ ،‬سجل نادي قضاة املغرب بعض الحاالت التي جرى فيها نقل مجموعة من القضاة بنا ًء عىل‬
‫"سد الخصاص"‪ ،‬من دون مراعاة ملعيا َري القرب الجغرايف ووضعيتهم االجتامعية‪ ،‬وال حتى لتخصصهم كام هو‬
‫حال من نقل من املحاكم التجارية إىل املحاكم العادية‪ .‬وأشار يف واحد من بالغاته بتاريخ ‪ 8‬حزيران‪ /‬يونيو ‪،2018‬‬
‫قاض من دائرة القنيطرة إىل دائرة الرشيدية ‪ -‬والحال أن بني الدائرتني دائرتني قضائيتني أخريني‪،‬‬
‫إىل أن قرار نقل ٍ‬
‫ً‬
‫فضاًل عن أن زوجة هذا القايض تعمل يف مدينة طنجة‪ ،‬وله أبناء صغار ‪ -‬أثار يف صفوف القضاة كث ًريا من الشبهات‬
‫حول خلفيات ذلك‪ ،‬والتي ُيحتمل أن تكون من طبيعة انتخابوية مهنية ‪.‬‬
‫(‪((2‬‬

‫•التأديب‬
‫يخضع تأديب القضاة يف املغرب إىل مقتضيات املواد من ‪ 96‬إىل ‪ 102‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 13.106‬املتعلق‬
‫بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬حيث اعتربت املادة ‪ 96‬من هذا القانون أن كل إخالل من القايض بواجباته املهنية‪،‬‬
‫أو بالرشف‪ ،‬أو الوقار‪ ،‬أو الكرامة‪ ،‬يعترب خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية‪ .‬ثم حددت املادة ‪ 99‬من‬
‫القانون نفسه أنواع العقوبات التي تطبق مراعاة ملبدأ التناسب والتدرج والتي جرى تقسيمها إىل ثالث درجات‪:‬‬
‫الدرجة األوىل (اإلنذار‪ ،‬التوبيخ‪ ،‬التأخري عن الرتقية من رتبة إىل رتبة أعىل مدة ال تتجاوز السنتني‪ ،‬الحذف من‬
‫الئحة األهلية ملدة ال تتجاوز السنتني‪ ،‬وميكن أن تكون عقوبات هذه الدرجة مصحوبة بالنقل التلقايئ)‪ ،‬الدرجة‬
‫الثانية (اإلقصاء املؤقت عن العمل مدة ال تتجاوز ستة أشهر مع الحرمان من أي أجر باستثناء التعويضات‬
‫العائلية‪ ،‬اإلنزال بدرجة واحدة‪ ،‬وتكون هاتان العقوبتان مصحوبتني بالنقل التلقايئ)‪ ،‬الدرجة الثالثة (اإلحالة إىل‬
‫التقاعد الحتمي‪ ،‬االنقطاع عن العمل إذا مل يكن للقايض الحق يف معاش التقاعد‪ ،‬العزل)‪.‬‬
‫وقد اعترب نادي قضاة املغرب‪ ،‬يف بيان(‪ ((2‬له صادر بتاريخ ‪ 11‬شباط‪ /‬فرباير ‪ ،2016‬أن اتخاذ عقوبة عزل‬
‫قاض وعقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل مدة ستة أشهر(‪ )06‬مع النقل يف حق قاضية‪ ،‬ال لفسا ٍد مايل أو‬ ‫ٍ‬
‫أخالقي وإمنا فقط بسبب التعبري عن آرائهام علن ًّيا يف قضايا الشأن العام التي تهم العدالة هو إعدام لكل‬
‫املكتسبات التي جاء بها دستور ‪ 2011‬لفائدة القضاة‪ ،‬ويعترب أن الهدف من هذه العقوبات هو إخراس‬
‫كل أصوات القضاة املنادين بالتغيري واإلصالح يف إطار الثوابت واملؤسسات‪ ،‬بعد أن اعترب يف بيان سابق يف‬
‫‪ 9‬كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ 2016‬أن متابعة هذا القايض تفتقر إىل الرشعية القانونية لبنائها عىل شكاية غريبة‬
‫وغري مسبوقة مقدمة من فرق برملانية يف محاولة منها إلسكات القضاة وحرمانهم من حقهم يف التعبري ونقد‬
‫مشاريع القوانني التي تهم العدالة املعروضة أمام الربملان‪ ،‬واعترب أن وزير العدل (يف إطار الصالحيات التي‬
‫كانت له قبل إقرار القانون ‪ )106.13‬ليس له الصفة والصالحية لتلقي مثل هذه الشكايات‪ ،‬بل كان عىل هذه‬
‫تكريسا لدولة الحق والقانون‪ ،‬وترتك القضاء يقول كلمته‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفرق التي تدعي أنها ترضرت أن تلتجئ إىل القضاء‬

‫‪ 21‬ينظر‪" :‬بالغ‪ :‬نادي قضاة املغرب"‪ ،‬املوقع الرسمي لنادي قضاة املغرب‪ ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/13‬يف‪https://bit.ly/42rOAJE :‬‬
‫‪" 22‬بيان املكتب التنفيذي عىل خلفية العقوبات التأديبية الصادرة عن املجلس األعىل للقضاء"‪ ،‬املوقع الرسمي لنادي قضاة املغرب‪ ،‬شوهد‬
‫يف ‪ ،2020/11/13‬يف‪https://bit.ly/3TARMPh :‬‬

‫‪54‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫وقد استنكر نادي قضاة املغرب بشدة‪ ،‬يف بالغ ملكتبه التنفيذي يف ‪ 8‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2018‬نهج املجلس‬
‫األعىل للسلطة القضائية يف انتهاك مبادئ املحاكمة العادلة‪ ،‬وذلك بتضييقه عىل حق القضاة املحالني عليه‬
‫تأديب ًيا يف الدفاع‪ ،‬وهو الحق املكفول لهم مبقتىض الدستور والقانون‪.‬‬
‫وتبقى مسألة تقييم الوضع الحايل تتطلب املزيد من الوقت؛ وذلك لكون القانون التنظيمي املتعلق بالتنظيم‬
‫القضايئ صدر يف ‪ 24‬آذار‪ /‬مارس ‪ ،2016‬أي قبل ست سنوات ونصف السنة فقط‪ ،‬ما يصعب معه الوقوف‬
‫عىل املشكالت التي يرتبها تطبيقه بخصوص الوضعيات الفردية للقضاة وكيفية معالجتها من جانب املجلس‬
‫األعىل للسلطة القضائية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوضع املادي للقضاة‬
‫إن الوضع املادي للقضاة يعترب من األولويات التي يجب االنتباه لها واالهتامم بها‪ ،‬فال ميكن االطمئنان‬
‫إىل مواطن يف عرصنا الحارض يعامل‪ ،‬بوصفه مستهل ًكا‪ ،‬يف عامل يتميز برشاهة االستهالك وكرثة الحاجيات‬
‫ٍ‬
‫ورضوريات تثقل كواهلهم‬ ‫ٍ‬
‫متطلبات‬ ‫التي جعلت األفراد يذوبون يف الدورة االقتصادية‪ ،‬ويسعون لتلبية‬
‫بالقروض وااللتزامات‪ .‬فالقايض يبقى يف جميع األحوال إنسانًا ملز ًما بتلبية حاجاته وتوفري حاجيات أرسته‪،‬‬
‫كاًّم وكي ًفا ليطغى عىل حالته النفسية التوجس والخوف والضعف‬ ‫فإن تعذر عليه ذلك تأثر إنتاجه املهني ًّ‬
‫والهشاشة التي من املمكن أن تجعله فريس ًة للضغوط واإلكراهات ولقم ًة سائغة للنيل من حياديته‬
‫وتجرده ونزاهته واستقالله‪ ،‬والتي هي أساس أخالقيات املهنة وديدن اقتناعه الصميم الذي هو مصدر‬
‫إنشاء قراره القضايئ‪.‬‬
‫لقد جرى تقليص دور وزارة العدل يف التدخل يف األوضاع املادية للقضاة‪ ،‬الذي أصبح محد ًدا فقط بتنفيذ‬
‫مقررات املجلس األعىل للسلطة القضائية املتعلقة باألوضاع املادية للقضاة مبقتىض املادة ‪ 55‬من القانون‬
‫التنظيمي ‪ 100.13‬وأكده املجلس الدستوري يف قراره ‪ 2016 /991‬الذي جاء فيه‪" :‬فإذا كان الفصل ‪ 113‬من‬
‫الدستور يسند إىل املجلس األعىل للسلطة القضائية صالحية السهر عىل "تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة‪،‬‬
‫وال سيام فيام يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم"‪ ،‬فإنه ليس يف هذا الفصل وال يف‬
‫بقية أحكام الدستور ما يحول دون تأهيل الوزارة املكلفة بالعدل والوزارة املكلفة باملالية التخاذ التدابري‬
‫الالزمة لتنفيذ مقررات املجلس املتعلقة بالوضعيات اإلدارية واملالية للقضاة‪ ،‬طاملا أن ذلك يتم بتعاون مع‬
‫املصالح املختصة للمجلس‪ ،‬ويقترص عىل تنفيذ مقررات هذا األخري‪ ،‬وهو ما يعد ً‬
‫إعاماًل ملبدأ التعاون بني‬
‫الس َلط املقرر يف الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور‪.‬‬
‫وتنزياًل لآللية السابعة عرشة من الهدف الفرعي الثالث مليثاق إصالح منظومة العدالة بشأن النهوض بالوضعية‬‫ً‬
‫املادية للقضاة‪ ،‬متيزت سنة ‪ 2014‬بإصدار املرسوم رقم ‪ 2.14.32‬بتاريخ ‪ 23‬كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ 2014‬القايض‬
‫بالرفع من التعويضات واملنافع املمنوحة للقضاة من الدرجات الثالثة والثانية واألوىل عىل دفعتني خالل سن َتي‬
‫‪ 2014‬و‪ 2015‬كام يوضحها الجدول(‪.((2‬‬

‫‪ 23‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة العدل والحريات‪" ،‬مرسوم رقم ‪ 2.14.32‬صادر يف ‪ 21‬من ربيع األول ‪ 23( 1435‬يناير ‪ )2014‬بتغيري املرسوم‬
‫رقم ‪ 2.75.175‬بتاريخ ‪ 25‬من ربيع األول ‪ 8( 1395‬أبريل ‪ )1975‬بتحديد التعويضات واملنافع املمنوحة للقضاة من الدرجات األوىل والثانية‬
‫والثالثة"‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬السنة ‪ ،103‬عدد ‪ ،2014/2/3 ،6227‬ص ‪ ،727‬املوقع الرسمي لألمانة العامة للحكومة‪ ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/5‬يف‪:‬‬
‫‪https://bit.ly/3luLkg7‬‬

‫‪55‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫جدول خاص بتعويضات القضاة‬

‫الراتب الشهري‬
‫نسبة‬ ‫الزيادةمن االنعكاس املايل‬ ‫بعد‬ ‫الزيادة‬ ‫الراتب‬
‫الزيادة‬ ‫ء‬
‫ً‬ ‫ابتدا‬ ‫املطبقة‬
‫الصافية كانون الثاين‪ /‬يناير الخام السنوي‬ ‫الشهري‬ ‫أصناف القضاة العدد‬
‫(‪)%‬‬ ‫(بالدرهم)‬ ‫(بالدرهم)‬ ‫السابق‬
‫‪2015‬‬ ‫(بالدرهم *)‬
‫(‪((2‬‬

‫(بالدرهم)‬

‫قاض من‬‫ٍ‬
‫‪16.14‬‬ ‫‪50006100.00‬‬ ‫‪21589.50‬‬ ‫‪3000.37‬‬ ‫‪18589.13‬‬ ‫‪775‬‬ ‫الدرجة األوىل‬

‫قاض من‬ ‫ٍ‬


‫‪31.32‬‬ ‫‪60680256.00‬‬ ‫‪16774.82‬‬ ‫‪4000.67‬‬ ‫‪12774.15‬‬ ‫‪728‬‬ ‫الدرجة الثانية‬

‫قاض من‬ ‫ٍ‬


‫‪52.24‬‬ ‫‪122589000.00‬‬ ‫‪14346.44‬‬ ‫‪4923.00‬‬ ‫‪9423.44‬‬ ‫الثالثة ‪1225‬‬ ‫الدرجة‬

‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث بناء عىل األرقام املنشورة يف الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫ومع أن هذه الزيادة مهمة مقارن ًة بالوضعية السابقة لسنة ‪ ،2014‬فإنها تع ّد غري كافية بالنظر إىل ارتفاع‬
‫خصوصا أمام املجهودات التي يبذلونها والكم الهائل من القضايا‬
‫ً‬ ‫مستوى العيش وتزايد املتطلبات والحاجيات‬
‫التي يبتون فيها سنو ًّيا كام تشهد بذلك األرقام الرسمية‪.‬‬
‫ج‪ -‬تتبع ثروات القضاة ومحاربة الفساد‬
‫لقد كلفت املادة ‪ ،107‬من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬الرئيس املنتدب‬
‫للسلطة القضائية بتتبع ثروات القضاة‪ ،‬وأتاحت له أن يقدر ثرواتهم وثروات أزواجهم وأبنائهم بعد‬
‫قاض ثبتت زيادة‬
‫موضوع متابعة تأديبية كل ٍ‬
‫َ‬ ‫موافقة املجلس بواسطة التفتيش‪ ،‬بحيث ميكن أن يكون‬
‫ممتلكاته‪ ،‬خالل فرتة مامرسة مهامته‪ ،‬زيادة ملحوظة ال يستطيع تربيرها بصورة معقولة‪.‬‬
‫لقد جاء يف تقرير لجمعية محاربة الرشوة "ترانسبارنيس" املغرب عن وضعية القضاء يف املغرب لسنة ‪2006‬‬
‫(‪((2‬‬

‫أن "الفساد يطال قطاعات مختلفة باملغرب‪ ،‬إال أن التصنيفات املقدمة من خالل التحريات‪ ،‬واالستطالعات‬
‫املنجزة محل ًّيا‪ ،‬تظهر أن قطاع العدل يحتل الصدارة ضمن القطاعات التي متسها آفة الفساد والرشوة‪ .‬وذلك‬
‫ما تعكسه أيضً ا تقارير املنظامت الحقوقية وسيل الشكايات التي يقدمها املواطنون‪ ،‬واعرتافات املسؤولني‬

‫‪ * 24‬الدرهم يعادل نحو ‪ 0.098‬من الدوالر األمرييك (نيسان‪ /‬أبريل ‪.)2023‬‬


‫‪" 25‬الجزء الثالث‪ :‬القضاء يف املغرب"‪ ،‬يف‪ :‬القضاء يف الدول العربية‪ :‬رصد وتحليل (األردن – لبنان – املغرب ‪ -‬مرص) (بريوت‪ :‬منشورات‬
‫املركز العريب لتطوير حكم القانون والنزاهة‪ ،)2007 ،‬ص ‪ ،406‬شوهد يف‪https://bit.ly/3zOo14o :‬‬

‫‪56‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫أنفسهم يف مناسبات متعددة‪ ،‬وتواصل اتخاذ سلسلة من اإلجراءات الزجرية لطأمنة الرأي العام إىل أن إرادة‬
‫الدولة تتجه إىل وضع حد للفساد املسترشي يف املؤسسة القضائية"‪.‬‬
‫إن أهم وسيلة للحفاظ عىل نزاهة القايض واستقالله هي رضورة التتبع املستمر واإلجباري لرثوته ومستوى‬
‫معيشته هو وأصوله وفروعه‪ .‬وذلك ال ميكن أن يجري إال بخلق آليات مبسطة تجعل هذا التتبع آن ًّيا‪ ،‬وأن‬
‫قاض بتعاونٍ‬‫تكون املحاسبة عليه إلزامية وواجبة‪ ،‬وأن تعرض بشأنه تقارير سنوية للمجلس بالنسبة إىل كل ٍ‬
‫مع كل الهيئات واملؤسسات التي يجب أن تلزم بتبليغ املجلس عن كل ما يتعلق مبقتنيات القايض الباهظة‬
‫الثمن تحت طائلة معاقبة كل متسرت عىل ذلك أو مخل بإجراء التبليغ‪ ،‬وذلك س ًريا عىل النهج الذي أقره‬
‫املرشع بخصوص الترصيح باالشتباه املنصوص عليه يف قانون تبييض األموال‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬واقع استقالل السلطة القضائية‬


‫إن مسلسل إصالح منظومة العدالة مل يتوقف منذ دستور ‪ ،2011‬ويتقدم بخطى حثيثة وإن كانت بطيئة‬
‫بسبب اإلكراهات التي تفرضها النقاشات السياسية والتقاطبات الفكرية بخصوص مواضيعه واملساطر املتبعة‬
‫العتامد القوانني والتكلفة املادية لإلصالح‪ ،‬اليشء الذي أدى إىل عدم جاهزية كل القوانني واإلجراءات املرتبطة‬
‫به‪ ،‬حيث مل يخرج بعد تعديل القانون الجنايئ واملسطرة الجنائية الذي كان مع ًّدا منذ سنوات‪ ،‬وأيضً ا مرشوعا‬
‫القانونني املتعلقني برقمنة اإلجراءات القضائية يف املجالني املدين والجنايئ‪ ،‬ما يحرم عملية تقييم واقع استقالل‬
‫السلطة القضائية من أن توفر املساحة الزمنية الالزمة للرصد والتتبع والوقوف عىل النجاحات واإلخفاقات‪.‬‬
‫لذلك سوف نعمل عىل مناقشة هذا املحور من خالل أهم ما تحقق خالل هذه الفرتة‪ ،‬وهو استقالل النيابة‬
‫العامة والـتأثريات غري املؤسساتية التي متس باستقالل القضاء ولها راهنيتها عىل املستوى الدويل‪.‬‬

‫‪ .1‬استقالل النيابة العامة بعد دستور ‪ :2011‬تجربة فريدة تستحق التقويم‬


‫قبل دستور ‪ ،2011‬كان وزير العدل هو الرئيس التسلسيل للنيابة العامة ليحتد النقاش أثناء تحضري الوثيقة‬
‫الدستورية وبعدها بني مؤيدين الستقاللها متاش ًيا مع الوضع الدستوري الجديد للسلطة القضائية يف املغرب‬
‫ومعارضني الستقاللها ممن رأوا وجوب أن تظل تابعة للسلطة التنفيذية ضامنًا ملحاسبتها من جانب الربملان‪ .‬وبعد‬
‫نقاش استمر حواىل خمس سنوات‪ُ ،‬أ ِقر القانون التنظيمي رقم ‪ 13-106‬يف آذار‪ /‬مارس ‪ 2016‬ممه ًدا الطريق أمام‬
‫استقالل النيابة العامة عن وزارة العدل‪ ،‬بعدما كان قد سبقَ للهيئة العليا للحوار الوطني حول إصالح العدالة يف‬
‫املغرب أن أصدرت توصية بذلك‪ .‬غري أنه يف ‪ 7‬ترشين األول‪ /‬أكتوبر ‪ ،2017‬عمد املغرب إىل نقل سلطة رئاسة النيابة‬
‫العامة من وزارة العدل املنتمية إىل السلطة التنفيذية إىل محكمة النقض املغربية املنتمية إىل السلطة القضائية‬
‫ممثل ًة يف شخص الوكيل العام ملحكمة النقض‪ .‬وال ميثل هذا الحدث مجرد استبدال شخص بآخر أو مؤسسة بأخرى‪،‬‬
‫بل يؤرش إىل نهاية مرحلة إمساك السلطة التنفيذية بالنيابة العامة منذ استقالل املغرب يف عام ‪.1956‬‬
‫لقد جاء يف قرار للمجلس الدستوري(‪ ((2‬أن‪" :‬الدستور يف باقي أحكامه املتعلقة بالقضاء متع القضاة جمي ًعا‬
‫وبدون متييز‪ ،‬بنفس الحقوق وألزمهم بنفس الواجبات‪ ،‬كام أخضعهم لنفس األحكام‪ ،‬سواء تعلق األمر باملهمة‬

‫‪ 26‬اململكة املغربية‪ ،‬املجلس الدستوري‪ " ،‬قرار رقم‪ 16 /992 :‬م‪ .‬د‪ ،‬ملف رقم ‪ ،"2016/3/15 ،1474 /16‬املوقع الرسمي للمحكمة‬
‫الدستورية‪ ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/10‬يف‪https://bit.ly/3JwLrQo :‬‬

‫‪57‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫العامة املنوطة بالقضاة املتجلية يف حامية حقوق األشخاص والجامعات وحرياتهم وأمنهم القضايئ وتطبيق‬
‫القانون (الفصل ‪ ،)117‬أو مبنع التدخل يف القضايا املعروضة عليهم‪ ،‬أو باعتبار كل إخالل من طرفهم بواجب‬
‫ً‬
‫جسياًم (الفصل ‪ ،)109‬أو بالحق املخول لهم يف حرية التعبري ويف االنخراط يف‬ ‫االستقالل والتجرد خطأ مهن ًّيا‬
‫الجمعيات وإنشاء جمعيات مهنية ومنع انخراطهم يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية (الفصل ‪،)111‬‬
‫أو بكون املجلس األعىل للسلطة القضائية يسهر عىل تطبيق الضامنات املمنوحة لهــم‪ ،‬ال سيام فيام يخص‬
‫استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم (الفصل ‪ ،)113‬أو مبشاركتهم يف انتخاب ممثيل القضاة‬
‫يف هذا املجلس (الفصل ‪ .")115‬ويضيف‪" :‬وحيث إنه‪َ ،‬يبني من مجموع األحكام املذكورة أن الدستور أضفى‬
‫صفة "قضاة" عىل قضاة األحكام وعىل قضاة النيابة العامة م ًعا‪ ،‬مام يجعلهم جمي ًعا منتمني إىل السلطة‬
‫القضائية ‪ -‬وهي سلطة موحدة ‪ -‬ومشمولني‪ ،‬تب ًعا لذلك‪ ،‬بصبغة االستقالل اللصيقة بهذه السلطة"‪ .‬وبذلك‬
‫يكون املجلس الدستوري قد حسم يف طبيعة النيابة العامة باملغرب‪.‬‬

‫‪ .2‬النيابة العامة والسياسة الجنائية‬


‫نصت املادة ‪ 110‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬عىل أن املجلس األعىل للسلطة القضائية يتلقى‬
‫تقارير من عدة جهات من بينها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬رئيس النيابة العامة عن تنفيذ‬
‫السياسة الجنائية وسري النيابة العامة‪ ،‬قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتني املكلفتني بالترشيع يف مجليس‬
‫الربملان‪ .‬وإذا كان التقرير املقدم من جانب الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة إىل املجلس األعىل‬
‫للسلطة القضائية ال يثري أي إشكال‪ ،‬نظ ًرا إىل انتامء النيابة العامة للسلطة القضائية‪ ،‬وكذلك باعتبار الوكيل‬
‫العام للملك لدى محكمة النقض عض ًوا يف املجلس املذكور‪ ،‬فإن عرض التقرير ومناقشته أمام اللجنتني‬
‫الربملانيتني يثري تساؤالت متعددة يقتضيها احرتام املقتىض الدستوري بشأن استقالل السلطة القضائية عن‬
‫السلطة الترشيعية والتنفيذية‪.‬‬
‫أثريت تساؤالت عن كيفية إحالة التقرير إىل الربملان‪ ،‬والجهة املعنية بتلك اإلحالة‪ ،‬وعن مدى دستورية حضور‬
‫فضاًل عن كيفية املناقشة والهدف منها‪،‬‬ ‫الوكيل العام للملك إىل برملان لتقديم التقرير ومناقشته يف اللجنتني‪ً ،‬‬
‫وال سيام إذا ما كانت لغاية املساءلة واملحاسبة أم لغايات أخرى(‪.((2‬‬
‫وتنافسا قو ًّيا بني الس َلط الثالث يف‬
‫ً‬ ‫لقد خلق موضوع السياسة الجنائية بعد دستور ‪ً 2011‬‬
‫جداًل قانون ًّيا واس ًعا‬
‫الدولة بخصوص كيفية تدبري هذا املجال القانوين ذي األهمية البالغة‪ ،‬رغم أن املجلس الدستوري قد حسم‬
‫أمر الجهة التي تضع السياسة الجنائية وهي الربملان‪ ،‬من خالل قراريه رقم ‪ 16 /991‬ورقم ‪ ،16 /992‬هذا‬
‫املقتىض الذي هو مجرد تأكيد لالختصاصات الترشيعية التي خولها الفصل ‪ 71‬من الدستور للربملان يف ما يتعلق‬
‫باستئثاره‪ ،‬دون غريه من السلطات‪ ،‬بالترشيع يف مجال التجريم والعقاب (القانون الجنايئ) واملسطرة الجنائية‪.‬‬
‫وبالرجوع إىل محرض جلسة مجلس النواب رقم ‪ 272‬املنعقدة يوم الثالثاء ‪ 27‬ترشين األول‪ /‬أكتوبر ‪،2015‬‬
‫وهي الجلسة التي صوت فيها مجلس النواب عىل القانون التنظيمي ‪ ،100.13‬يتضح موقف الحكومة‬
‫بشأن تأويل هذه املادة مام رصح به وزير العدل والحريات الذي دعا األغلبية "إىل أن تتنازل عن تعديالتها‬

‫‪ 27‬اململكة املغربية‪ ،‬رئاسة النيابة العامة‪ ،‬تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسري النيابة العامة لسنة ‪ ،2018‬ص ‪،25‬‬
‫شوهد يف ‪ ،2023/3/24‬يف‪https://bit.ly/3JG5Out :‬‬

‫‪58‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫بشأن اإلبقاء عىل عالقة النيابة العامة بوزير العدل [‪ ]...‬ويف املقابل قبلت الحكومة االقرتاح الرامي إىل ربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬وذلك بإفساح املجال أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬بصفته رئيس النيابة‬
‫العامة‪ ،‬لتقديم تقرير سنوي عن تنفيذ السياسة الجنائية أمام لجنة العدل والترشيع باملجلسني‪ .‬وستكون‬
‫فرصة سانحة للمجلس الدستوري ليقول كلمته يف هذه الصيغة التي اختلفت حولها اآلراء‪ ،‬وال شك أننا‬
‫سنقف عند ما سيقرره املجلس الدستوري كالعادة"(‪ .((2‬وقد عرب وزير العدل خالل عرضه يف الجلسة نفسها‬
‫عن تطلعه إىل ذلك اليوم الذي يعدل فيه الدستور‪ ،‬ليبلور ً‬
‫فصاًل منطق ًيا تعهد فيه رئاسة النيابة العامة إىل‬
‫مدع عام مستقل يخضع اختياره ملسطرة أكرث استجابة للمعايري الدميقراطية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وخصوصا أمر‬
‫ً‬ ‫غري أن املجلس الدستوري حسم يف عدة أمور تتعلق بتقرير رئيس النيابة العامة(‪،((2‬‬
‫اعتباره تقري ًرا عموم ًّيا يحق للجميع االطالع عليه وتدارسه‪ ،‬وكذلك عرضه ومناقشته أمام لجنتي الترشيع‬
‫مبجليس الربملان دون حضور الوكيل العام للملك‪ .‬والغاية من املناقشة املحددة تعديل السياسة الجنائية‬
‫وتطويرها وليس املساءلة واملحاسبة‪ ،‬وأخ ًريا شكل املناقشة وطريقتها التي ينبغي أن تجري باحرتام تام‬
‫للسلطة القضائية واستقاللها‪.‬‬

‫‪ .3‬النيابة العامة وعالقتها بالرشطة القضائية‬


‫إن أعامل الضابطة القضائية تبقى مؤطرة مبقتضيات قانون املسطرة الجنائية وخاضعة لرقابة النيابة العامة‬
‫التي تسري أعاملها‪ ،‬ولرقابة الغرفة الجنحية لدى محكمة االستئناف التي ميكنها‪ ،‬بحسب مقتضيات املادة ‪32‬‬
‫من قانون املسطرة الجنائية املغريب‪ ،‬بغض النظر عن العقوبات اإلدارية‪ ،‬أن تصدر يف حق ضابط الرشطة‬
‫القضائية جمل ًة من العقوبات بسبب أي إخالل ينسب إليه أثناء قيامه مبهامته‪ ،‬التي تنحرص ً‬
‫أساسا يف توجيه‬
‫املالحظات والتوقيف املؤقت عن مامرسة مهامت الرشطة القضائية ملدة ال تتجاوز سنــة واحدة‪ ،‬ويف التجريد‬
‫النهايئ أيضً ا من هذه املهامت‪.‬‬
‫إن جهازَي األمن والدرك يعتربان‪ ،‬بحسب الفصل ‪ ((3(128‬من الدستور‪ ،‬الجهازين األساسيني املنوط بهام‬
‫واقع ًّيا القيام بأعامل الضابطة القضائية وفق الرشوط املنصوص عليها يف املسطرة الجنائية املغربية‪ ،‬تحت‬
‫إرشاف النيابة العامة وقضاة التحقيق؛ فاألغلبية الساحقة للمتابعات والدعاوى الجنائية يف املغرب تستند‬
‫إىل األبحاث واملعاينات واملحارض املنجزة من جانب عنارصهام‪ .‬فبالرغم من أن جهاز الرشطة القضائية تابع‬
‫للنيابة العامة وأنها تعترب سلطته الرئاسية‪ ،‬فإن تبعيته اإلدارية تكون للمؤسسة التي ينتمي إليها‪ ،‬سوا ٌء أكانت‬
‫أم ًنا أو در ًكا‪.‬‬
‫فعنارص األمن الوطني‪ ،‬تطبي ًقا ملقتضيات املادة ‪ 13‬من ظهري ‪ 23‬شباط‪ /‬فرباير ‪ 2010‬املتعلقة باملديرية العامة‬
‫لألمن الوطني‪ ،‬ملزمون‪ ،‬يف إطار تنفيذ املهامت املسندة إليهم‪ ،‬باالمتثال لتعليامت رؤسائهم التسلسليني ما‬

‫‪ 28‬اململكة املغربية‪ ،‬مجلس النواب‪" ،‬محرض الجلسة الثانية والسبعني بعد املائتني"‪ ،‬مداوالت مجلس النواب‪ -‬دورة أكتوبر ‪2015-‬‬
‫‪ ،2015/10/27‬شوهد يف ‪ ،2020/11/14‬يف‪https://bit.ly/42mQtYi :‬‬
‫‪ 29‬اململكة املغربية‪ ،‬املحكمة الدستورية‪ ،‬املجلس الدستوري‪" ،‬قرار رقم‪ 16 /991 :‬م‪ .‬د‪ ،‬ملف عدد‪ ،"2016/3/15 ،1473 /16 :‬شوهد يف‬
‫‪ ،2020/11/15‬يف‪https://bit.ly/3JPwL04 :‬‬
‫‪" 30‬تعمل الرشطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق‪ ،‬يف كل ما يتعلق باألبحاث والتحريات الرضورية يف شأن الجرائم‬
‫وضبط مرتكبيها وإلثبات الحقيقة"‪ .‬الدستور املغريب لسنة ‪ ،2011‬الفصل ‪.128‬‬

‫‪59‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫مل يكن األمر الصادر إليهم مخال ًفا للقانون‪ .‬أما الدرك املليك‪ ،‬بحسب الفصل الثاين من ظهري رشيف رقم‬
‫‪ 1.57.280‬بشأن مصلحة الدرك املليك املغريب(‪ ،((3‬فيعترب جز ًءا من القوات املسلحة امللكية‪ ،‬وتكون عنارصه‬
‫مصطفة عىل ميني الجيوش كيفام كان سالحها‪ .‬وبحسب الفصل الثالث من الظهري نفسه فإنّ الدرك يخضع‬
‫ألوامر وزير الدفاع الوطني ويتبع أيضً ا لوزير العدل ملبارشة الرشطة القضائية وذلك قبل نقل اختصاصات‬
‫هذا األخري إىل رئيس النيابة العامة‪ ،‬وإىل وزير الداخلية ملبارشة السلطة اإلدارية؛ ما يجعل استقاللية هذه‬
‫األجهزة محل تساؤل‪ ،‬ويجعل ازدواجية التبعية محل انتقاد الحقوقيني واملدافعني عن تحقيق رشوط املحاكمة‬
‫العادلة واستقالل النيابة العامة‪.‬‬
‫إن إشكالية ازدواجية تبعية الرشطة القضائية تؤدي بصفة غري مبارشة إىل املساس باستقالل السلطة القضائية‬
‫وفق العديد من التقارير املنجزة يف األنظمة القضائية التي تعرف هذا النوع من التبعية (فرنسا ً‬
‫مثاًل)‪ ،‬والتي‬
‫تعرب عن إمكانية تعرض الرشطة القضائية لضغوط من وزارة الداخلية بالرغم من الضامنات التي توفرها‬
‫املساطر الجنائية من أجل تحقيق الرقابة عىل أعامل هذه األخرية من جانب السلطة القضائية‪ .‬فأفراد‬
‫الرشطة القضائية يبقون موظفني عموميني يخضعون للسلطة اإلدارية للجهة التي ينتمون إليها‪ ،‬هذا الخضوع‬
‫الذي يتقوى بسبب البنية اإلدارية املوغلة يف الرتاتبية وبسبب تفويض األعامل يف إطار هذه املؤسسة‪ ،‬وبذا‬
‫فإن حقيقة إدارة الرشطة القضائية ومراقبتها تعود إىل الجهاز األصيل‪ ،‬وإن الرقابة املامرسة من جانب النيابة‬
‫العامة والوكيل العام وقضاة التحقيق تبقى جزئية(‪.((3‬‬
‫وخصوصا أن هذه‬
‫ً‬ ‫وهنا تظهر خطورة ازدواجية تبعية الرشطة القضائية عىل تحقيق رشوط املحاكمة العادلة‪،‬‬
‫املرحلة تكاد تكون حجر الزاوية الذي تؤسس عليه املتابعة ويستند إليه الحكم الصادر عن املحكمة إىل ح ّد‬
‫بعيد من خالل محارض الرشطة القضائية التي تكون لها حجية قوية أمام القضاء‪.‬‬

‫‪ .4‬املتابعات القضائية‬
‫بحسب تقري ٍر(‪ ((3‬للشبكة األوروبية – املتوسطية لحقوق اإلنسان‪ ،‬أنجز خالل سنة ‪ ،2008‬فإن النتائج‬
‫امللموسة لحدود استقالل القضاء باملغرب ميكن أن تلمس يف القضايا التي تتواجه فيها السلطة السياسية مع‬
‫أولئك الذين تصنفهم خصو ًما لها‪ .‬فالتدخل السيايس يف مسار العدالة يظهر بصفة جل ّية يف نوعني من القضايا‪:‬‬
‫األوىل تتعلق بالقضايا املرفوعة ضد الصحافة املستقلة‪ ،‬والثانية التي تجري يف مواجهة املتورطني يف قضايا‬
‫إرهابية‪ .‬ويف هذا الصدد يستعرض التقرير مناذج ملجموعة من القضايا‪.‬‬
‫وقد نددت الجمعية املغربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬يف بيان لها‪ ،‬باألحكام الصادرة عن غرفة الجنايات بالدار‬
‫البيضاء‪ ،‬مساء يوم األربعاء ‪ 26‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2018‬بحق ناشطي حراك الريف‪ ،‬واألحكام السابقة الصادرة‬

‫‪ 31‬اململكة املغربية‪" ،‬ظهري رشيف رقم ‪ 1.57.280‬بشأن مصلحة الدرك املليك املغريب"‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬السنة ‪ ،47‬عدد ‪،2366‬‬
‫‪ ،1958/2/28‬ص ‪.498‬‬
‫‪32 Commission nationale consultative des droits de l'Homme, "Avis sur l'indépendance de la justice," (Assemblée‬‬
‫‪plénière du 27 juin 2013) France.‬‬
‫‪33 Abdelaziz Nouaydi, "Maroc: L'indépendance et l'impartialité du système judiciaire," Rapport Janvier 2008,‬‬
‫‪Réseau euro-méditerranéen des droits de l'Homme (Copenhague, Danemark: 2008), p. 34.‬‬

‫‪60‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫عن محكمتي االستئناف واالبتدائية يف مدينة الحسيمة‪ ،‬واعتربتها أحكا ًما انتقامية ضد مناضلني سلميني‬
‫مارسوا حقهم يف االحتجاج السلمي من أجل مطالب اعرتف املسؤولون أنفسهم بعدالتها ومرشوعيتها(‪.((3‬‬
‫ولقد عربت الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان عن قلقها يف إثر مالحقة صحايف واعتقاله بتاريخ‬
‫‪ 29‬متوز‪ /‬يوليو ‪ 2020‬بدعوى جرمية اغتصاب‪ ،‬بعد استدعائه من جانب الرشطة القضائية عرشات املرات‬
‫قبل ذلك منذ ‪ 25‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ 2020‬ملساءلته بخصوص الحصول عىل أموال من جهات أجنبية من أجل‬
‫املس باألمن الداخيل للدولة‪ .‬وأكدت الفدرالية يف بالغ لها أنه إذا كان الهدف من هذه املتابعات هو إخراس‬
‫الصحايف‪ ،‬فإن ذلك سيشكل مرحلة جديدة مقلقة بخصوص حرية التعبري وحقوق اإلنسان يف املغرب‪ ،‬فقد‬
‫جاء يف ترصيح رئيسة الفدرالية أليس موغوي ‪ Alice Mogwe‬يف البالغ نفسه "إذا كان ال جدال يف أن أي‬
‫اتهام باالغتصاب يجب أن يخضع لتحقيق صارم ونزيه‪ ،‬فإن تقديم شكوى باالغتصاب ضد الشخص املذكور‬
‫عندما يتعرض األخري للمضايقات منذ شهور من جانب السلطات املغربية يدفع إىل التساؤل عن احتامل أن‬
‫باطاًل ويهدف إىل تشويه سمعة الصحايف"‪ ،‬وطالبت يف هذا الصدد ببحث معمق‪ ،‬مستقل‪،‬‬ ‫يكون هذا االتهام ً‬
‫شفاف‪ ،‬وعادل بخصوص هذه القضية(‪.((3‬‬
‫وقد أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" بال ًغا يف الشأن نفسه رد عليه املجلس األعىل للسلطة القضائية(‪،((3‬‬
‫موضحا أن البالغ الذي دعت فيه األشخاص عرب العامل إىل إرسال مناشدات للضغط عىل السلطات املغربية من‬ ‫ً‬
‫أجل اإلفراج عن هذا الصحفي‪" ،‬تضمن العديد من املغالطات التي متس باستقالل القضاء وتعطي االنطباع‬
‫بتحكم الحكومة فيه‪ ،‬وتحرض كذلك عىل التأثري يف قراراته"‪ ،‬مضي ًفا أن هذا البيان "ضخم بعض اإلجراءات‬
‫القضائية العادية‪ ،‬ورسد بعض الوقائع بطريقة كاريكاتورية‪ ،‬وربط متابعة املعني باألمر بعمله الصحفي‪ ،‬خال ًفا‬
‫حريصا عىل االضطالع بواجبه الدستوري يف‬‫ً‬ ‫للحقائق املضمنة بامللفات القضائية"‪" .‬وأكد املجلس أنه سيظل‬
‫حامية استقالل القضاء‪ ،‬ورفض كل تدخل يف مقرراته"‪ ،‬داع ًيا يف هذا الصدد القضاة إىل التمسك باستقاللهم‬
‫وعدم الرضوخ للتأثريات غري املرشوعة التي قد متارس عليهم أيا كان مصدرها‪ ،‬واالستناد يف أحكامهم إىل‬
‫القانون ومبادئ العدالة واإلنصاف واحرتام حقوق األطراف وتوفري كل رشوط املحاكمة العادلة لها‪.‬‬
‫وسجل املجلس الوطني لحقوق اإلنسان يف تقريره السنوي لسنة ‪ ((3(2019‬أن الشكايات املتعلقة بالقضاء جزء‬
‫مهم من الشكايات الواردة إليه وعددها ‪ 413‬موزعة كالتايل‪ً 190 :‬‬
‫تظلاًم من أحكام قضائية يطالب أصحابها‬ ‫ّ‬
‫بإعادة النظر فيها‪ ،‬وقد جرى توجيه املعنيني بها إىل سلوك املساطر القانونية الخاصة؛ ‪ً 70‬‬
‫تظلاًم من عدم‬
‫تنفيذ أحكام قضائية مدنية نهائية؛ ‪ 74‬ادعا ًء بوجود خروق مسطرية أثناء رسيان الدعوى؛ ‪ 17‬ادعا ًء بشأن‬
‫التأخر أو املامطلة يف البت يف الدعاوي املعروضة عىل القضاء؛ ‪ 54‬ادعا ًء بشأن التأخري أو الحفظ يف الشكايات‬
‫املوجهة إىل النيابة العامة؛ ‪ 8‬شكايات ضد محامني‪.‬‬

‫‪ 34‬الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‪" ،‬الجمعية املغربية لحقوق اإلنسان‪ :‬املحاكامت ضد نشطاء حراك الريف محاكامت سياسية وعىل‬
‫الدولة إطالق رساحهم"‪ ،2018/6/27 ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/14‬يف‪https://bit.ly/3yx6VHx :‬‬
‫‪35 Fédération internationale pour les droits Humains, "Maroc: l'arrestation du journaliste Omar Radi s'inscrit dans un‬‬
‫‪contexte de harcèlement judiciaire continu," Communiqué, 10/8/2020, accessed on 10/11/2020, at: https://bit.ly/3n7qR1c‬‬
‫‪ 36‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الشباب والثقافة والتواصل‪" ،‬املجلس األعىل للسلطة القضائية يأسف لتشويه بعض املعطيات املتعلقة بقضايا‬
‫رائجة أمام القضاء"‪ ،‬األخبار‪ ،‬موقع البوابة الوطنية‪ ،2020/9/14 ،‬شوهد يف ‪ ،2020/11/13‬يف‪https://bit.ly/3ZIliom :‬‬
‫‪ 37‬املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬التقرير السنوي عن حالة حقوق اإلنسان باملغرب لسنة ‪ :2019‬فعلية حقوق اإلنسان ضمن منوذج‬
‫ناشئ للحريات (آذار‪ /‬مارس ‪ ،)2020‬ص ‪ ،21‬شوهد يف ‪ ،2020/11/14‬يف‪https://bit.ly/3lA8zp7 :‬‬

‫‪61‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫وقد نال قطاع العدالة من عدد الشكايات املوجهة إىل مؤسسة الوسيط وفق ما جاء يف تقريرها لسنة ‪2018‬‬
‫(‪((3‬‬

‫ما مجموعه ‪ 1613‬شكاية توزعت بني شكايات تعلقت بنزاعات بني أشخاص القانون الخاص‪ ،‬وتظلامت من‬
‫أحكام ومقررات قضائية‪ ،‬وشكايات بعدم تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون الخاص‪،‬‬
‫وطلبات تدخل يف قضايا رائجة أمام القضاء‪ ،‬وشكايات تخص أعامل الضابطة القضائية والنيابة العامة‪،‬‬
‫وطلبات تتعلق بأوضاع السجون‪ ،‬وشكايات بخصوص ترصفات بعض القضاة‪ ،‬وطلبات العفو‪ ،‬وتظلامت من‬
‫مساعدي القضاء‪ .‬فقد اعتربت مؤسسة الوسيط أن ارتفاع عدد هذه التظلامت التي تخرج عن اختصاص‬
‫املؤسسة يع ّد مؤ ً‬
‫رشا قو ًّيا عىل قصور الدور التواصيل الذي يتعني االستمرار فيه من جانبها لرشح مهامتها‬
‫واختصاصها ومجاالت تدخلها وتوضيحها‪.‬‬

‫‪ .5‬املؤثرات غري املؤسساتية وتهديدها الستقالل القضاء‬


‫مع أن الدستور املغريب لسنة ‪ 2011‬وما تاله من القوانني املرتبطة بالسلطة القضائية قد أ ّدت دو ًرا يف تحصني‬
‫القضاء إىل حد ما من تأثري السلطتني الترشيعية والتنفيذية‪ ،‬فلقد نشأت جيوب أخرى ملقاومة االستقالل مت ّثل‬
‫خط ًرا عىل استقالل القضاء وحياديته‪ ،‬من شأنها إرباك العمل القضايئ يف بعض األحيان والتأثري يف االقتناع‬
‫الصميم للقايض‪ ،‬سوا ٌء أكان قاض ًيا للنيابة العامة أو قايضَ تحقيق أو قاض ًيا ً‬
‫جالسا‪.‬‬
‫فبغض النظر عن املفهوم التقليدي املؤسسايت الستقالل القضاء‪ ،‬أصبح هذا األخري مهد ًدا بالخصوص أثناء‬
‫املحاكمة الجنائية‪ ،‬خالل مرحلة تحديد العقوبة؛ بسبب إمكانية التأثري يف تكوين القايض يف اقتناعه الصميم‬
‫واختياره العقوبة املناسبة‪ ،‬وف ًقا ملا بني يديه من معطيات امللف‪ .‬هذه التأثريات التي متارسها جهات خارج‬
‫النسق املؤسسايت‪ ،‬والتي تتمثل يف البيئة املحيطة‪ ،‬تشكل تهديدات الستقالل القضاء؛ ألنها من املحتمل أن‬
‫متس صدقية عملية إصدار األحكام وصالحيات مراكز القرار القانونية‪ .‬وتتمثل هذه املؤثرات الخارجية يف‬
‫الرأي العام ووسائل اإلعالم والحركات االجتامعية(‪.((3‬‬
‫فحسب الفقيه دينيس سالس ‪ ،Salas Denis‬فإنه "منذ مدة‪ ،‬جرى النظر إىل العقوبة انطال ًقا من مجموعة‬
‫من النامذج مثل القصاص والردع والتأهيل‪ ،‬كل ذلك يعتمد عىل عالقة تفريدية بني مرتكب الجرمية والقايض‬
‫[…]‪ .‬فهذا اإلطار ميكن من التفكري يف عقوبة مناسبة‪ ،‬يف عالقتها بالفعل املرتكب واملوجه نحوه املستقبل‬
‫املمكن للفاعل‪ .]…[ .‬غري أنه سيجري استبدال الجنوح املتصور بصفته تهدي ًدا للمجتمع بالعالج الفردي"(‪.((4‬‬
‫ويرى بعض الكتاب أن القضاة‪ ،‬قبل التعامل مع حاالت فردية‪ ،‬وخاصة عند إعدادهم ألسباب الحكم‪َ ،‬ي ِزنون‬
‫بعناية قراراتهم وتعليالتها وف ًقا لرد الفعل املحتمل من الجمهور؛ ما يدفعهم للتساؤل إن كان الجواب‬
‫التقليدي عن تجاهل القضاء املطبق للرأي العام ال يزال قامئًا‪ .‬فإن الرأي العام يف إمكانه التأثري يف القرار عىل‬
‫عدة مستويات‪ .‬وعىل سبيل املثال يف قضايا العنف املنزيل والعنف ضد األطفال والعنف ضد كبار السن‪ ،‬فإن‬
‫معنّي وسيأخذها‬
‫أفراد املجتمع ال يقبلون ذلك؛ لذا فإن القايض يأخذ هذه األمور يف االعتبار‪ ،‬ألنها قيم مجتمع ّ‬

‫‪ 38‬مؤسسة وسيط اململكة املغربية‪ ،‬التقرير السنوي ملؤسسة وسيط اململكة برسم سنة ‪ 2018‬املرفوع إىل صاحب الجاللة واملهابة امللك‪،‬‬
‫ص ‪ ،20‬شوهد يف ‪ ،2020/11/14‬يف‪https://bit.ly/3Tadh9m :‬‬
‫‪39 Margarida Garcia & Richard Dubé, "Une enquête théorique et empirique sur les menaces externes à l'indépendance‬‬
‫‪judiciaire dans le cadre du sentencing," Revue Générale de Droit, vol. 47, no. 1 (2017), p. 17.‬‬
‫‪40 Ibid., p. 22.‬‬

‫‪62‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫يف االعتبار يف قراراته‪ ،‬خاصة عىل مستوى الحكم‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول أحد القضاة الفرنسيني‪" :‬صدقني‪ ،‬لقد‬
‫عشت ذلك‪ ،‬فجامعات الضغط النسوية قوية‪ .‬صحيح أنهن يدافعن عن وجهات نظرهن‪ .‬وهي حالة ميكن أن‬
‫يكون للرأي العام فيها تأثري حتى يف الحكم‪ .‬وهذا ضار‪ .‬نحن مستقلون [‪ ]...‬علينا أن نتحىل بشجاعة قناعاتنا‪.‬‬
‫لسنا هنا إلرضاء الرأي العام‪ .‬نحن هنا التخاذ قرار"(‪.((4‬‬
‫وقد الحظنا الكيفية التي يع ّبأ بها اإلعالم وتحول صفحات التواصل االجتامعي إىل محاكم مبجرد اإلعالن عن‬
‫جرمية اغتصاب الطفل عدنان وقتله يف مدينة طنجة يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪ ،((4(2020‬وتعالت األصوات مطالبة‬
‫بتطبيق عقوبة اإلعدام‪ ،‬بل إن منها ما دعا إىل التنكيل باملتهم وإخصائه وتقطيعه‪ ،‬وذلك حتى قبل االطالع‬
‫عىل حيثيات امللف وإنهاء أبحاث الضابطة القضائية بشأنه‪ ،‬وهو ما يقتيض التزام أجهزة العدالة الجنائية‬
‫ً‬
‫ضاغطا عىل‬ ‫الحرص عىل احرتام رسية األبحاث وعدم تعميم املعلومات األولية التي ميكن أن تخلق رأ ًيا عا ًّما‬
‫قرارات السلطة القضائية‪.‬‬
‫فالرأي العام بعاطفته الجياشة‪ ،‬واإلعالم املدفوع بالرغبة يف تحقيق السبق الصحفي ورفع عدد مبيعاته‪،‬‬
‫والحركات االجتامعية بانخراطها الالمحدود يف القضايا التي تعترب من صميم اهتاممها‪ ،‬يف زمن أصبحت فيه‬
‫املعلومة تنتقل كالنار يف الهشيم والتعبئة من أجل التضامن أصبحت تجري بنقرة زر‪ ،‬ليتحول إىل أداة خطرية‬
‫للمس باستقالل القضاء والتأثري يف القرار القضايئ‪ ،‬مبا قد يرض بصورة العدالة ومهمتها ويعصف بحقوق‬
‫أبرياء وحرياتهم‪ .‬أضف إىل ذلك الحاالت التي يجري فيها تسخري كل هذه القوى املؤثرة من جانب (لوبيات)‬
‫اقتصادية أو سياسية أو حتى حكومية‪ ،‬من أجل التدخل غري املبارش يف سلطة القضاء ورضب مبدأ االستقاللية‬
‫الذي يتضح جل ًّيا من خالل الرسعة الغريبة التي تجري بها التغطية اإلعالمية للعديد من أعامل مداهمة أوكار‬
‫اإلجرام أو اعتقال مشتبه فيهم ‪ -‬يف الوقت الذي يعترب فيه مبدأ رسية البحث إحدى ركائز املسطرة الجنائية ‪-‬‬
‫وبانتهاك صارخ ملبدأ قرينة الرباءة‪ .‬وبغض النظر عن بشاعة الجرمية وما أحدثته من صدمة لدى الرأي العام‪،‬‬
‫فإن ما جرى التسويق له قبل إنهاء األبحاث القضائية وعرض املتهمني عىل القضاء‪ ،‬والطريقة التي جرى بها‬
‫تناول املوضوع‪ ،‬ال ميكن إال أن تكون سب ًبا للتأثري يف قرار القايض‪ ،‬أ ًّيا كانت الظروف واملالبسات التي سيكشف‬
‫عنها البحث‪ ،‬وسيؤدي إىل العدول عن إلغاء عقوبة اإلعدام التي كانت محل نقاش خالل السنوات األخرية‪.‬‬
‫لقد ج ّرم القانون الجنايئ‪ ،‬من خالل الفصل ‪ 266‬منه‪ ،‬األفعال أو األقوال أو الكتابات العلنية‪ ،‬التي يقصد منها‬
‫التأثري يف قرارات رجال القضاء‪ ،‬قبل صدور الحكم غري القابل للطعن يف قضية ما‪ .‬ثم ج ّرم األفعال أو األقوال‬
‫أو الكتابات العلنية‪ ،‬التي يقصد منها تحقري املقررات القضائية‪ ،‬ويكون من شأنها املساس بسلطة القضاء أو‬
‫درهاًم إىل خمسة آالف درهم‪.‬‬‫استقالله‪ ،‬وعاقب عليها بالحبس من شهر إىل سنة وغرامة من مئتني وخمسني ً‬

‫ثالثًا‪ :‬مقرتحات عملية لتعزيز استقالل السلطة القضائية‬


‫إن تحقيق االستقالل الفعيل للقضاء بصفته مؤسسة وللقايض بصفته فر ًدا‪ ،‬مبا يضمن حقوق األفراد ويحمي‬
‫حرياتهم ويحقق رشوط املحاكمة العادلة‪ ،‬ال ميكن أن يتأىت إال بالتحصني التام لهذه السلطة من كل أنواع‬
‫التأثريات وحامية القايض من كل ما قد يؤثر يف قراراته املعللة ً‬
‫تعلياًل ً‬
‫سلياًم وقانون ًّيا واملؤسسة عىل القانون‪،‬‬

‫‪41 Ibid., p. 24.‬‬


‫‪" 42‬الطفل عدنان‪ :‬جرمية اغتصاب وقتل قارص تهز املغرب‪ ...‬فام السبيل لردع املجرمني؟"‪ ،‬يب يب يس عريب‪ ،2020/9/13 ،‬شوهد يف‬
‫‪ ،2023/3/4‬يف‪https://bbc.in/3lCkvqg :‬‬

‫‪63‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫وحامية نفسه من كل زيغ وانفالت وفساد قد يلحقها خالل مسارها املهني‪ .‬وحتى يتأىت ذلك فال بد من جعل‬
‫ِو َرش اإلصالح مفتوح ًة ومستمرة‪ .‬ويف هذا الصدد نتقدم بالتوصيات التالية‪:‬‬
‫ـ ـإن شفافية املامرسات هي املجهر الكاشف للهنات والثغرات‪ ،‬وهي الوسيلة الفضىل التي تتيح تقييم‬
‫املنجزات ومامرسة الرقابة الذاتية‪ .‬ومن هنا تتجىل رضورة تفعيل النصوص القانونية الناظمة لنرش‬
‫أشغال املجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬مع دعوته لتطوير عملية النرش لتشمل القواعد العامة‬
‫املؤسسة للمقررات التأديبية الصادرة عنه‪ ،‬حتى تتسنى دراستها ومناقشتها من الناحيتني العلمية‬
‫واملهنية‪ ،‬ويكون املخاطبون بها عىل بينة من املبادئ املكرسة يف ضوئها باعتبارها سوابق تأديبية وجبت‬
‫اإلحاطة بها لتقويم السلوك القضايئ‪ ،‬استلها ًما لعدة تجارب قضائية مقارنة أثبتت فاعليتها‪.‬‬
‫ـ ـإن بقاء املسؤول القضايئ يف املوقع نفسه عدة سنوات ويف الرقعة الجغرافية نفسها يؤدي يف كثري من‬
‫األحيان إىل نسج عالقات وصداقات‪ ،‬بل يسعى ذوو النفوس األمارة بالسوء إىل التقرب منه بكل السبل‬
‫ومحاولة كسب وده وادخاره لطارئ‪ .‬ومن هنا يتعني إعامل مبدأ التداول عىل املسؤوليات القضائية بصفة‬
‫وخصوصا بالنسبة إىل النيابة العامة‪ ،‬مع اعتامد أسلوب التباري بشأنها تحقي ًقا لتكافؤ‬ ‫ً‬ ‫دورية منتظمة‪،‬‬
‫الفرص وبهدف انتقاء األفضل واألنسب للمنصب بالنظر إىل مؤهالته العلمية واألخالقية والتدبريية وذلك‬
‫تطبي ًقا ملقتضيات املادة ‪ 70‬من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪.‬‬
‫ـ ـتحسني الوضع املادي للقضاة‪ ،‬مبا يحصنهم اقتصاد ًّيا ويخيل ذهنهم من كل ما يرسح به إىل غري االلتزام‬
‫بالحيادية والنزاهة واالستقالل‪ ،‬ويحميهم من كل تبعية اقتصادية ألي جهة عامة كانت أو خاصة‪.‬‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫ـ ـإن ازدواجية تبعية الرشطة القضائية كشفت أنها كث ًريا ما تؤدي إىل انتهاك استقالل القضاء‪،‬‬
‫يف القضايا ذات البعد السيايس املبارش أو غري املبارش‪ ،‬وأن السلطة اإلدارية التي يتبع لها ضابط الرشطة‬
‫انضباطا لها بحكم الطبيعة القانونية لوالئه اإلداري؛ ما يتعني عليه جعل الضابطة‬ ‫ً‬ ‫القضائية تجعله أكرث‬
‫القضائية تابعة للنيابة العامة بصفة مطلقة‪.‬‬
‫ـ ـ سلوك القايض سواء يف حياته الخاصة أو العامة هو العنوان الظاهري لعمله القضايئ واملؤرش عىل سالمة قراره‬
‫من كل الشبهات‪ ،‬وهو الذي يحصنه من كل التأثريات؛ ولذلك فإن وضع مدونة للسلوك القضايئ منسجمة‬
‫مع املعايري الدولية يعترب األساس املعياري لرقابة املجلس األعىل عىل القايض واملوجه له يف ترقيته أو تأديبه‪.‬‬
‫ـ ـإن تراكم امللفات وكرثتها بني يدي القايض الواحد يؤدي إىل ضعف جودة األحكام‪ ،‬ويرهقه صح ًّيا‬
‫ونفس ًّيا‪ ،‬ويشتت تركيزه عن اإلحاطة بدقائق امللفات ومامرسة كل أعامل البحث والتحقيق الالزمة‬
‫بشأنها؛ ما يوجب تخفيض هذه األعباء بالرفع من عدد القضاة مبا يضمن تحسني األداء وجودة األحكام‪.‬‬
‫ـ ـالرفع من سن الولوج إىل القضاء مع توسيع قاعدة امللتحقني من مهن املحاماة والتدريس الجامعي‬
‫ممن تتوافر فيهم رشوط الكفاءة والنزاهة‪.‬‬
‫ـ ـال ميكن القايض أن يخضع طوال مساره املهني المتحان وفحص واحد هو ذلك الذي يجرى عند ولوج‬
‫املهنة‪ ،‬فقدراته املعرفية واإلدراكية وصحته النفسية قد تتأثر مع الوقت‪ .‬فهو يف كل األحوال يبقى‬
‫قاباًل للمرض النفيس والعضوي والوقوع يف أزمات اجتامعية قد تعصف باستقالله‪ ،‬بحيث يجب‬ ‫إنسانًا ً‬
‫إخضاع القضاة دور ًّيا‪ ،‬خالل مسارهم املهني‪ ،‬ألبحاث اجتامعية وفحوصات نفسية من جانب أطر‬
‫متخصصة تتحمل كامل املسؤولية عن مضمون تقاريرها التي يجب أن تكون صادقة ودقيقة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫ـ ـأمام التطور التقني والعلمي والتكنولوجي‪ ،‬مل يعد يف مقدور القايض أن يحيط بكل املعارف القانونية يف‬
‫عالقتها بهذه التطورات املتسارعة‪ ،‬وال ميكن القايض الواحد أن يبارش يف الوقت نفسه تخصصات متعددة‪.‬‬
‫فام يحكم القضاء الجنايئ من مبادئ غري ما يتأسس عليه القضاء املدين‪ ،‬ومن راكم تجربة يف القضاء‬
‫التجاري غري الذي راكمها يف حل النزاعات األرسية‪ .‬ولذا وجب اعتامد مبدأ التخصص ابتدا ًء من مرحلة‬
‫قاض قادر عىل االجتهاد واإلبداع والدقة يف مجال تخصصه‪.‬‬‫التكوين يف املعهد العايل للقضاء‪ ،‬لخلق ٍ‬
‫ـ ـالرفع يف عدد أعضاء املجلس األعىل للسلطة القضائية املنتخبني‪ ،‬مع إضافة متثيلية هيئات املحامني يف‬
‫املجلس‪ ،‬مبا يتناسب مع العدد الذي اعتمدته األنظمة القضائية املقارنة الناجحة‪.‬‬
‫ـ ـإخضاع القضاة بصفة دورية لتكوينات إجبارية يف مجاالت تخصصهم‪ ،‬وفق مناهج علمية مضبوطة‬
‫ومحكمة معدة من جانب مختصني‪.‬‬
‫ـ ـنظ ًرا إىل أهمية دور الدفاع يف تحقيق التوازن داخل املساطر القضائية وعدم ترك األطراف مبعارفها‬
‫القانونية املتواضعة يف مواجهة آلة قضائية تتوافر لها كل إمكانيات البحث والتحري‪ ،‬وحامي ًة ألطراف‬
‫الدعوى من كل تعسف قد يلحق حقوقها‪ ،‬فإن تقوية دور الدفاع يف املساطر القضائية وحضوره‬
‫أثناء االستامع إىل املشتبه فيهم خالل مرحلة البحث التمهيدي أصبحا رضورة ملحة تستوجب دسرتة‬
‫مهنة املحاماة عىل غرار املرشع التونيس‪ ،‬ومتتيع هذا الدفاع بكل الصالحيات التي تجعل من دفوعاته‬
‫ودفاعاته وحضوره محل اعتبار يف كل مراحل الدعوى‪ ،‬مبا يخدم تحقيق العدالة واستقالل القضاء‪.‬‬
‫ـ ـإن محاربة الفساد تعترب أوىل األولويات لضامن استقالل السلطة القضائية‪ ،‬هذا الفساد الذي أصبح يؤرق‬
‫خصوصا أن أشكال‬‫ً‬ ‫املنتظم الدويل الذي ال يرتدد يف توجيه توصيات برضورة مكافحته حامية لدولة القانون‪،‬‬
‫الفساد تطورت كث ًريا وتطورت معها سبل إخفائه والتسرت عليه يف ظل حركية األموال الرسيعة وتعدد أشكال‬
‫األداء وتنوع طرائق الرشوة؛ ما يجب معه الترسيع يف إقرار قانون اإلثراء غري املرشوع وتتبع ثروات جميع‬
‫املسؤولني مبن فيهم القضاة‪ ،‬وثروات عائالتهم طوال مسارهم املهني عىل نح ٍو آين دوري ومستمر‪.‬‬
‫ـ ـرضورة خلق مجلس الدولة ودسرتته بصفته جهة أخرية تبت يف املنازعات اإلدارية مستقل ًة عن محكمة‬
‫النقض‪ ،‬وتضم قضاة متخصصني يف املجال اإلداري‪ ،‬وإلغاء الغرفة اإلدارية يف محكمة النقض تحقي ًقا‬
‫الستقالل القضاء اإلداري األعىل عن رئيس محكمة النقض الذي هو نفسه الرئيس املنتدب للمجلس‬
‫األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬عىل أن يعني امللك رئيس املجلس وأعضاءه مبارشة‪ ،‬وذلك حتى يتمكن من‬
‫البت يف الطعون املتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة بكل استقاللية وبعي ًدا عن كل تبعية‪.‬‬
‫ـ ـتوفري الضامنات والحصانات الرضورية للقضاة املنتخبني يف املجلس األعىل للسلطة القضائية بعد نهاية‬
‫مهامتهم فيه‪ ،‬مبا يعزز استقاللية قراراتهم أثناء مدة انتدابهم‪.‬‬
‫ـ ـالتسجيل املريئ والصويت لكل جلسات البحث واالستامع وجلسات املحاكمة‪ ،‬لتكون املرجع والشاهد عىل‬
‫سالمة اإلجراءات الجنائية خالل أطوار املحاكمة كافة بد ًءا من البحث التمهيدي إىل صدور الحكم البات‪.‬‬
‫وذلك لتجاوز إشكالية عدم تضمني املحارض يف الكثري من األحيان لكل الترصيحات الصادرة عن األطراف‬
‫والشهود‪ ،‬ولضامن عدم إخضاع األطراف ألي ضغط أو إجبارها عىل توقيع محارض ال تسلم مبضامينها‪.‬‬
‫فأمانة الصورة والصوت أبلغ من النقل الكتايب ملا يروج أمام املؤسسات القضائية‪ ،‬وأبلغ يف التعبري بصدق‬
‫عن كل املجريات التي متكن من بسط محكمة النقض لسلطتها عىل الطعون القانونية بسهولة ويرس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا ‪ 6 -‬ددعلادعلا‬
‫‪Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023‬‬

‫خامتة‬
‫أساسا عىل معايري موضوعية ومادية وليست فقط شكلية‪ ،‬هذه املبادئ‬ ‫إن دولة الحق والقانون تقوم ً‬
‫املتعارف عليها هي الرشعية مبساطر اعتامد القوانني عىل أساس الشفافية وواجب ربط املسؤولية باملحاسبة‬
‫والدميقراطية‪ .‬وتقوم أيضً ا عىل األمن القانوين ومنع التحكم والولوج إىل عدالة مستقلة وحيادية مع الرقابة‬
‫القضائية لألعامل اإلدارية واحرتام حقوق اإلنسان ومنع التمييز وتحقيق املساواة أمام القانون(‪ .((4‬وبذلك فإن‬
‫استقالل القضاء يعترب الركن العتيد واألسايس لبناء دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫لقد وقفنا من خالل دراستنا عىل املجهودات املبذولة من جانب املغرب لتحقيق استقالل حقيقي للسلطة‬
‫القضائية‪ ،‬سوا ٌء عىل املستوى الدستوري أو الترشيعي‪ ،‬والرغبة يف انسجام النظام القضايئ املغريب مع املعايري‬
‫الدولية املؤطرة لهذا املجال‪ ،‬مدفو ًعا يف ذلك بإرادة ملكية ال ترتدد يف التوجيه واإلرشاد واإللحاح عىل الترسيع‬
‫يف مسلسل اإلصالح‪ ،‬وتضع نفسها ضامن ًة الستقالله‪.‬‬
‫يتضح من كل ما أسلفنا أن االهتامم بالعنرص البرشي يعترب الحجر األساس لتحقيق استقالل القضاء‪ ،‬فالقوانني‬
‫والترشيعات املتقدمة ال تكفي وحدها من دون نساء ورجال أكفاء لتحمل املسؤولية؛ ما يتطلب االشتغال‬
‫عىل نح ٍو دقيق وعميق بالقاضيات والقضاة‪ ،‬سواء عىل مستوى االنتقاء أو التكوين أو التتبع خالل املسار‬
‫املهني‪ ،‬مبا يضمن حياديتهم وتجردهم ونزاهتهم واستقاللهم عن كل املؤثرات‪.‬‬
‫تقاض رسيع وشفاف‬ ‫وال يفوتنا أن نؤكد عىل أهمية توفري اإلمكانيات املادية واللوجستية الالزمة‪ ،‬لتوفري ٍ‬
‫وجيد يحول دون تراكم امللفات وتعطل اآللة القضائية يف كل األحوال والظروف‪ ،‬مثلام حدث مبناسبة اإلعالن‬
‫عن حالة الطوارئ والحجر الصحي الشامل بسبب جائحة فريوس كورونا املستجد (كوفيد‪ )19-‬التي أدت‬
‫إىل تعطيل جزء مهم من اآللة القضائية‪ .‬فال ميكن تصور دولة حق وقانون مبرفق قضايئ مشلول ولو جزئ ًّيا‪.‬‬
‫ثم إن إنهاء ازدواجية تبعية الرشطة القضائية وقرص تبعيتها للنيابة العامة سوف يحسامن إىل ح ّد بعيد‬
‫مسألة استقالل القضاء‪ ،‬فليس من املعقول‪ ،‬بعد كل هذه اإلصالحات‪ ،‬أن يبقى هذا الجهاز يسري برأسني‬
‫مختلفني متام االختالف‪.‬‬
‫إن املستقبل هو الكفيل بتقديم الجواب عن مدى نجاح التجربة املغربية للسلطة القضائية ملا بعد دستور‬
‫‪ ،2011‬فالنجاحات واإلخفاقات ال تقيم إال بدراسة تراكامت مسلسل طويل من املامرسة القضائية‪ ،‬فلنئ كانت‬
‫اإلرهاصات األوىل تبدو إيجابية فإنه سيكون من الترسع الحكم عليها من خالل القوانني‪ ،‬بل يجب اللجوء إىل‬
‫تنزيلها وتفعيلها وتطبيقها عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك‪ ،‬يجب اإلرساع يف استكامل املنظومة القانونية لإلصالح العميق والشامل للقضاء‪ ،‬واإلبقاء عىل‬
‫مفتوحا مع كل الفاعلني واملهتمني‪ ،‬يف إطار جو من الدميقراطية وحرية التعبري‪ ،‬بهدف االرتقاء بالقضاء‬
‫ً‬ ‫الحوار‬
‫إىل اآلمال والطموحات املنشودة؛ عىل اعتبار األهمية القصوى الستقالل السلطة القضائية يف حامية الحقوق‬
‫والحريات وصيانة االختيار الدميقراطي وبناء دولة القانون‪.‬‬

‫‪43 Commission Européenne pour la démocratie par le droit (Commission de Venise), Liste des critères de l'état de‬‬
‫‪droit, Etude no. 711/ 2013, Adoptée par la commission de Venise à sa 106e session plénière (Venise, 11-12 Mars 2016),‬‬
‫‪Conseil de l'Europe, Strasbourg, le 18 Mars 2016, p. 8.‬‬

‫‪66‬‬
‫برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم‬
‫و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا ‪:‬برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا‬

‫املراجع‬

‫العربية‬
‫األزهر‪ ،‬محمد‪ .‬السلطة القضائية يف الدستور‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬مطبعة النجاح الجديدة‪.2013 ،‬‬
‫الجوهري‪ ،‬فاطمة الزهراء السائح‪" .‬أي دور لألخالق املهنية يف ضامن محاكمة جنائية عادلة؟"‪ .‬مجلة العلوم‬
‫الجنائية‪ .‬العدد ‪.)2019( 6-5‬‬
‫شندي‪ ،‬يوسف‪" .‬استقالل القضاء‪ :‬دراسة مقارنة"‪ .‬ورقة تطبيقية‪ .‬سلسلة الكرامة اإلنسانية‪ .‬معهد الحقوق‪،‬‬
‫جامعة بريزيت‪ .‬فلسطني ‪ -‬جامعة وندسور‪ .‬كندا (‪.)2007‬‬
‫القضاء يف الدول العربية‪ :‬رصد وتحليل (األردن – لبنان – املغرب ‪ -‬مرص)‪ .‬بريوت‪ :‬منشورات املركز العريب‬
‫لتطوير حكم القانون والنزاهة‪ .2007 ،‬يف‪https://bit.ly/3zOo14o :‬‬
‫املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ .‬التقرير السنوي عن حالة حقوق اإلنسان باملغرب لسنة ‪ 2019‬فعلية‬
‫حقوق اإلنسان ضمن منوذج ناشئ للحريات (آذار‪ /‬مارس ‪ .)2020‬يف‪https://bit.ly/3lA8zp7 :‬‬
‫اململكة املغربية‪" .‬ظهري رشيف ‪ 1.17.45‬صادر يف ‪ 8‬ذي الحجة ‪ 30( 1438‬أغسطس ‪ )2017‬بتنفيذ‬
‫القانون ‪ 33.17‬املتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك‬
‫رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامـة"‪.‬‬
‫لدى محكمة النقض بصفته ً‬
‫الجريدة الرسمية‪ .‬السنة ‪ ،106‬عدد ‪ .2017/9/18 .6605‬يف‪https://bit.ly/3Jg9Eds :‬‬
‫_______‪" .‬ظهري رشيف رقم ‪ 41.16.1‬صادر يف ‪ 14‬من جامدى اآلخرة ‪1437‬هـ (‪ 24‬مارس ‪ )2016‬بتنفيذ‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪ 106 .13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة"‪ .‬الجريدة الرسمية‪ .‬السنة ‪،105‬‬
‫عدد ‪ .2016/4/14 .6456‬يف‪https://bit.ly/3yy2wnP :‬‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬األمانة العامة للحكومة‪ .‬الدستور طبعة ‪ .2011‬يف‪https://bit.ly/3TaniDr :‬‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬رئاسة النيابة العامة‪ .‬تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسري النيابة‬
‫العامة لسنة ‪ .2018‬يف‪https://bit.ly/3JG5Out :‬‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬املحكمة الدستورية‪ ،‬املجلس الدستوري‪ " .‬قرار رقم‪ 16 /991 :‬م‪ .‬د‪ ،‬ملف عدد‪،1473 /16 :‬‬
‫‪ ."2010/3/15‬يف‪https://bit.ly/3JPwL04 :‬‬
‫_______‪" .‬قرار رقم‪ 16 /992 :‬م‪ .‬د‪ ،‬ملف عدد‪ ."2016/3/15 ،1474 /16 :‬يف‪https://bit.ly/3YRh8cJ :‬‬
‫مؤسسة الوسيط‪ .‬التقرير السنوي لعام ‪ .2018‬الرباط‪.2018 :‬‬

‫األجنبية‬
‫‪Bertrand, Mathieu. "L'émergence du pouvoir judiciaire dans la constitution marocaine de‬‬
‫‪2011." Pouvoirs, no. 145 (2013/2).‬‬

‫‪67‬‬
‫ ددعلادعلا‬6 - ‫ ددعلاا ثلاثلا دلجملا‬
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023

Commission Européenne pour la démocratie par le droit (Commission de Venise). "Liste


des critères de l'état de droit." Etude no. 711/ 2013, Adoptée par la commission de
Venise à sa 106e session plénière (Venise, 11-12 Mars 2016), Conseil de l'Europe,
Strasbourg, le 18 Mars 2016.
Commission nationale consultative des droits de l'Homme. "Avis sur l'indépendance de la
justice." (Assemblée Plénière du 27 Juin 2013). France.
Garcia, Margarida & Richard Dubé. "Une enquête théorique et empirique sur les menaces
externes à l'indépendance judiciaire dans le cadre du sentencing." Revue Générale de
Droit. vol. 47, no. 1 (2017).
Gonzalez del Rìo V. Peru. Communication No. 263/1987, 6 Novembre 1990, Human
Rights Committee. U.N. (5.2).
La Constitution de la République Française du 4 Octobre 1958. Texte intégral en vigueur à
jour de la révision constitutionnelle du 23 Juillet 2008.
Nouaydi, Abdelaziz. "Maroc: L'indépendance et l'impartialité du système judiciaire."
Rapport Janvier 2008. Réseau euro-méditerranéen des droits de l'Homme.
Copenhague: Danemark.

‫مراجع إضافية‬
Ageneau, Claire. "'L'affaire d'Outreau' dans la presse quotidienne française." Mémoire de
fin d'étude. Institut d'Études Politique de Lyon, 2007.
Audesse, Alexandre. "Dérives et misères populistes: Analyse des politiques pénales
érigées, modifiées et abrogées sous le gouvernement de Stephen Harper, 2006-2015."
Mémoire de maîtrise en sociologie. Université Laval. Québec - Canada, 2019.
Ponchaud, Perrine. "L'indépendance judiciaire en France et au Canada." Mémoire
du master 2. Justice, Procès et Procédures. "Contentieux et procédures civiles
d'exécution." Université Grenoble - Alpes - Faculté de droit. France, 2017.

68

You might also like