Professional Documents
Culture Documents
تهدف هذه الدراسة إىل تسليط الضوء عىل أحد أهم املواضيع راهنيةً وأهميةً يف السياق:ملخص
ويتم ذلك من خالل استعراض. أال وهو استقالل القضاء،الدستوري واملؤسسايت والقانوين يف املغرب
، وتحليل مختلف التحوالت الهيكلية التي عرفتها،اإلطار التأسييس املرجعي الستقالل السلطة القضائية
ً
مع ما يثريه،فضاًل عن إبراز الدعامات الالزمة إلرساء سلطة قضائية مستقلة ً
،وتنظياًم ترشيعا
ً ،وتجلياتها
وقد جرى الرتكيز يف املحور.كل ذلك من تساؤالت وتحديات وإكراهات عىل مستوى الفعل واملامرسة
األول من هذه الدراسة عىل تحليل طبيعة الضامنات الدستورية والقانونية الستقالل السلطة القضائية
وتناول املحور الثاين واقع استقالل السلطة القضائية من خالل العديد من املؤرشات والوقائع،ونوعيتها
فاملغرب ما زال يف حاجة ماسة إىل،التي تبني أنه عىل الرغم من التقدم املحرز يف هذا الخصوص
وانتهت الدراسة إىل.مزيد من الجهود من أجل ترسيخ استقاللية السلطة القضائية يف واقع املامرسة
تقديم مجموعة من املقرتحات العملية التي من شأنها تعزيز االستقالل الفعيل للسلطة القضائية يف
.املغرب
Abstract: This research offers insight into an issue that is crucial to understanding Morocco's
constitutional, institutional, and legal framework. To achieve this goal, it examines the historical
context of judicial independence, delves into the structural changes that have taken place, and
then focuses on the essential pillars that should be in place for a truly independent court to
exist. It also explores the difficulties and limitations that these shifts in practice bring up. The
first section of this research examines the features and qualities of constitutional and legal
protections for judicial independence. In the second section, the paper looks at the current state
of judicial independence in Morocco using a variety of indicators and data that show that, despite
improvements, the country still has to make more strides to cement judicial independence in
practice. This research ends with a series of recommendations for improving the independence
of Morocco's judicial system.
Keywords: Constitution, Judicial Independence, Justice System, Morocco.
. فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق،* أستاذ باحث يف القانون الدستوري والعلوم السياسية
Research Professor in Constitutional Law and Political Science, Faculty of Law, Sidi Mohamed Ben Abdellah University,
Fez, Morocco.
Email: ahmedmoufid2@gmail.com.
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
مقدمة
حظي موضوع استقالل السلطة القضائية يف املغرب بعناية كبرية من مختلف الفاعلني الرسميني وكذلك من
العديد من املنظامت املهنية والجمعيات الحقوقية ،وقد نجم عن ذلك إيالء السلطة القضائية أهمية أكرب يف
إطار دستور 2011مقارنة مبا كان عليه األمر يف الدساتري السابقة التي عرفتها اململكة املغربية منذ دستور
1962؛ وذلك بتخصيص الباب السابع منه للسلطة القضائية .وقد أكد امللك محمد السادس يف مناسبات عدة
أهمية الدور الذي يؤديه القضاء واهتاممه برتسيخ قواعد استقالله(((.
لقد خصص الدستور املغريب لسنة 2011الباب السابع منه للسلطة القضائية ،وتضمن مجموعة من الفصول
املتعلقة باستقالل القضاء وباملجلس األعىل للسلطة القضائية وبحقوق املتقاضني وقواعد سري العدالة.
وقد أعقبه تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول اإلصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة((( بتاريخ
8أيار /مايو 2012مببادرة ملكية ،حيث جرت مناقشة مواضيع الحوار الوطني عىل صعيد أحد عرش مرك ًزا
ضمت مختلف الدوائر القضائية يف إطار ندوات جهوية.
وتفعياًل ملقتضيات الدستور والحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة ،صدرت مجموعة من الترشيعات ً
التي تضع ضامنات مه ّمة الستقالل السلطة القضائية ،نذكر منها القانون التنظيمي املتعلق بالنظام األسايس
للقضاة ،والقانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،وقد جرى مبقتىض القانون تحقيق
استقالل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ،فلم تعد تعمل تحت إرشاف وزير العدل ،بل أصبحت تعمل
تحت إرشاف رئيس النيابة العامة الذي هو يف الوقت نفسه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وعضو
املجلس األعىل للسلطة القضائية .ثم جرى أيضً ا إعداد عدة مشاريع قوانني ملجموعة من اإلصالحات التي
تهم التنظيم القضايئ للمملكة والعديد من الترشيعات األخرى ،كالقانون الجنايئ وقانون املسطرة الجنائية ّ
لبنات أساسي ًة إلمتام مخرجات ورش إصالح منظومة العدالة التي ما زالت مثار
واملسطرة املدنية ،التي تعترب ٍ
نقاش بني الفاعلني املعنيني.
ألح امللك محمد السادس عىل رضورة احرتام استقالل القضاء ،حيث جاء يف معرض خطابه مبناسبة ذكرى ثورة امللك والشعب 1لقد ّ
لـ 20آب /أغسطس 2007ما ييل" :لكون العدل من أمانة أمري املؤمنني ،الضامن لالستقالل التام للسلطة القضائية عن السلطتني التنفيذية
الس َلط ،وعدم االنسياق ألي تأثري عىل االلتزام الواجب للقايض ،يف كل القضايا ،بالتقيد بسيادة القانون". والترشيعية ،ويف احرتام ملبدأ فصل ُ
وهو من أعطى توجيهاته من خالل خطاب 9آذار /مارس 2011لالرتقاء بالقضاء إىل سلطة مستقلة ،وتعزيز صالحيات املجلس الدستوري
توطيدًا لسمو الدستور ،ولسيادة القانون ،واملساواة أمامه .ثم دعا من خالل املجلس األعىل للقضاء إىل" :مضاعفة جهوده لتوطيد استقالل
القضاء وتقويته" .واعترب من خالل خطاب 20آب /أغسطس " :2014أن اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إال مبواصلة تحسني مناخ األعامل،
وال سيام من خالل امليض قد ًما يف إصالح القضاء واإلدارة ،ومحاربة الفساد ،وتخليق الحياة العامة ،التي نعتربها مسؤولية املجتمع كله ،مواطنني
وجمعيات ،وليست حك ًرا عىل الدولة لوحدها" .وقد تأكد االهتامم املليك يف الرسالة امللكية املوجهة للدورة األوىل ملؤمتر مراكش الدويل للعدالة
خالل الفرتة من 2إىل 4نيسان /أبريل ،2018حول موضوع (استقالل السلطة القضائية بني ضامن حقوق املتقاضني واحرتام قواعد سري العدالة)
ً
منشغاًل مثل كل املجتمعات التي ما ييل" :بغض النظر عام حققه املغرب من إنجازات يف بناء اإلطار املؤسسايت ملنظومة العدالة ،فإنه يبقى
تويل أهمية قصوى للموضوع ،بالرهانات والتحديات التي تواجه القضاء عرب العامل .ويأيت يف مقدمة هذه التحديات ضامن تفعيل استقالل
السلطة القضائية يف املامرسة والتطبيق ،باعتبار أن مبدأ االستقالل مل يرشع لفائدة القضاة وإمنا لصالح املتقاضني ،وإنه إذ يرتب حقا للمتقاضني،
فكونه يلقي واج ًبا عىل عاتق القايض فهو حق للمتقاضني يف أن يحكم القايض بكل استقالل وتجرد وحياد ،وأن يجعل من القانون وحده مرج ًعا
لقراراته ،ومام مييل عليه ضمريه سندًا القتناعاته".
2تشكلت الهيئة من أربعني عض ًوا برئاسة وزير العدل والحريات املغريب وجرى تنصيبها بتاريخ 2012/5/8من امللك محمد السادس،
وضمت يف عضويتها قضاة ورؤساء مؤسسات الحكامة ،وممثلني عن الربملان مبجلسيه ،ومديري عدة مصالح بوزارة العدل ،وجامعيني.
47
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
إن املتغري الجديد الذي واكب هذه اإلصالحات هو احتالل القضاء ،بوصفه سلطة مستقلة دستور ًّيا ،مكان ًة
مركزي ًة مه ّم ًة((( تجعله يبدو يف بعض األحيان فوق بقية ُ
الس َلط وهو يتابع السيايس يف إطار الجرائم املالية أو
يبت يف رشعية مؤمترات األحزاب واالنتخابات يف إطار القضاء اإلداري أو متويل الحمالت االنتخابية والتدقيق ّ
يف الصفقات العمومية يف إطار املحاكم املالية التي تحال بعدها إىل القضاء العادي .هذه التدخالت القضائية
استقالاًل حقيق ًّيا وحيادية مطلقة عن أي تأثري من أي نوع كان حتى ال تجعل من القضاء أداة ً تقتيض
للتح ّكم يف بقية ُ
الس َلط والتحول إىل بديلٍ منها يف إطار مفهوم "اقتضاء السياسة" وملء الفراغات السياسية
لنجد نفسنا أمام دولة القضاة أو حكومة القضاة .وذلك ما يجب معه تأطري عمل القايض قانون ًّيا وتحصينه
أخالق ًّيا عىل نح ٍو صارم يحول دون املساس باستقالله أو ميله إىل خدمة مصالح فئوية سياسية أو الرضوخ
لتعبريات اجتامعية معينة.
الس َلط الدستورية ،بل
إن استقالل القايض ال ميكن أن نلخصه باستقالل السلطة القضائية مؤسسات ًّيا عن بقية ُ
هو يتعداه إىل رضورة االستقالل عن كل ما يؤثر يف قراره من س َلط أخرى مثل ،سلطة املال وسلطة اإلعالم
وسلطة الجاه وكذا مؤثرات االنتامء الثقايف والهويايت وحتى النزوات .فال ينبغي أن يخضع القايض إال لسلطة
الدستور ،والقانون ،والعقل ،والضمري.
ومن املهم ،بعد مرور بضع سنوات من دخول الترشيعات املؤطرة للشأن القضايئ حيز التنفيذ ،أنه يحق لنا
فعاًل النصوص الدستورية والقانونية الجديدة الدعامات الالزمة الستقالل السلطة أن نتساءل :هل أرست ً
القضائية؟ وكيف جرت ترجمة املبادئ واملقتضيات القانونية املتعلقة باستقالل السلطة القضائية عىل
مستوى الفعل واملامرسة؟ ولإلجابة عن هذه اإلشكاليات العلمية ،بغية تسليط الضوء بصفة جل ّية عىل أساس
استقالل السلطة القضائية وواقعه يف املغرب ،فإننا سنتناول هذا املوضوع بالدراسة والتحليل من خالل ثالثة
محاور :املحور األول ،الضامنات الدستورية والقانونية الستقالل السلطة القضائية؛ املحور الثاين ،واقع استقالل
السلطة القضائية؛ املحور الثالث ،مقرتحات عملية لتعزيز استقالل السلطة القضائية.
3حيث جاء يف نص الخطاب املليك مبناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس األعىل للقضاء بتاريخ فاتح آذار /مارس " :2012لذا حرصنا عىل
إعادة االعتبار للقضاء وتأهيله وتطهريه من كل النقائص والشوائب املشينة محددين بكل حزم ووضوح سبيل اإلصالح الذي ال مناص منه .وقد
تحقق بالفعل تقدم ال جدال فيه حيث تم إيقاف مسلسل التدهور وامليض قد ًما يف عملية إعادة البناء وعرصنة العدالة مام مكن من تعزيز
االستقالل الفعيل للقضاء وتقوية سلطته يف تجسيد املساواة أمام القانون واإلرساع يف تنفيذ األحكام" .ينظر :اململكة املغربية ،رئاسة النيابة
العامة" ،نص الخطاب املليك السامي مبناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس األعىل للقضاء الرباط -فاتح مارس ،"2012القضاء من خالل
الخطب امللكية السامية ،شوهد يف ،2020/11/3يفhttps://bit.ly/3ZIAYYY :
48
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
.1الضامنات الدستورية
يعترب الدستور القانون األسايس للدولة ،والسم ّو بحامية استقالل القضاء دستور ًّيا يعني وضع نصوص
دستورية لها قوة اإللزام تحميها من االعتداء واإلنكار ،وتجعل القوانني العادية مسايرة لهذه النصوص
ملتزمة بأحكامها وإال اعتربت غري دستورية((( .لقد ش ّكل دستور 2011يف املغرب نقلة نوعية يف مجال
تكريس الحقوق والحريات حيث خصها بالباب الثاين منه ،ليتطرق يف الباب السابع إىل السلطة القضائية
(الفصول من 107إىل ،)128معل ًنا من خالل الفصل 107أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة
الترشيعية والتنفيذية ،وأن امللك هو الضامن الستقاللها ،ألنه -مبقتىض الفقرة األوىل من الفصل 42
من الدستور -يعترب امللك" :رئيس الدولة ،وممثلها األسمى ،وضامن دوام الدولة واستمرارها ،والحكم
األسمى بني مؤسساتها ،يسهر عىل احرتام الدستور وحسن سري املؤسسات الدستورية ،وعىل صيانة االختيار
الدميقراطي وحقوق وحريات املواطنني واملواطنات والجامعات ،وعىل احرتام التعهدات الدولية للمملكة".
وهو النهج نفسه الذي سار عليه الدستور الفرنيس من خالل الفقرة األوىل من املادة ،(((64الذي اعترب
رئيس الدولة ضامن استقالل السلطة القضائية.
ومن أجل تكريس ضامنات االستقالل ،فقد منع الدستور تنقيل قضاة األحكام وعزلهم إال بقانون((( ،ومنع كل
تدخل يف القضايا املعروضة عىل القضاء ،بحيث ال يتلقى القايض بشأن مهمته القضائية أي أمر أو تعليامت،
وال يخضع ألي ضغط .فإذا اعترب القايض أن استقالله مهدد أحال األمر إىل املجلس األعىل للسلطة القضائية.
جسيم ،برصف النظر عن املتابعات
ٌ واعترب أن كل إخالل من القايض بواجب االستقالل والتجرد خطأ مهني
القضائية املحتملة .وأمر مبعاقبة كل من يحاول التأثري يف القايض بكيفية غري مرشوعة .
(((
فقايض األحكام املغريب ،بحسب الفصل 110من الدستور ،ال يلزم إال بتطبيق القانون ،وال يصدر القضاء
أحكامه إال عىل أساس التطبيق العادل للقانون .ثم إن قضاة النيابة العامة ملزمون بتطبيق القانون ملتزمني
بالتعليامت الكتابية القانونية للسلطة الرئاسية التي يخضعون لها والتي يرتبع عىل قمة هرمها رئيس النيابة
العامة الذي هو الوكيل العام ملحكمة النقض.
فصل الدستور املغريب يف عدة نقط تتعلق بالسلطة القضائية وذلك إمعانًا منه يف أهمية تطويقها لقد ّ
باالستقالل والحامية الالزمني خالل هذه املرحلة التي تهدف لتقوية االستقالل وترسيخ مبادئه .وباتباع
الرتتيب املنهجي الذي اعتمده الدستور املغريب من خالل الباب السابع املتعلق بالسلطة القضائية ،فإننا
نجده يؤكد حق القضاة يف حرية التعبري مبا يتالءم وواجب التحفظ واألخالقيات املهنية والحق يف تأسيس
الجمعيات املهنية برشط احرتام واجب التجرد واستقالل القضاء وفق الرشوط املنصوص عليها قانونًا ،مع
منعهم من االنخراط يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية(((.
4محمد األزهر ،السلطة القضائية يف الدستور (الدار البيضاء :مطبعة النجاح الجديدة ،)2012 ،ص .22
5منشور يف املوقع الرسمي للمجلس الدستوري الفرنيس ،يف:
La République Française, "Texte intégral de la Constitution du 4 octobre 1958 en vigueur," Conseil-constitutionnel,
accessed on 16/11/2020, at: https://bit.ly/2RnSJKn
6اململكة املغربية ،األمانة العامة للحكومة ،الدستور طبعة ،2011الفصل ،8شوهد يف ،2023/3/10يفhttps://bit.ly/3TaniDr :
7املرجع نفسه ،الفصل .109
8املرجع نفسه ،الفصل .111
49
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
50
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
الس َلط كلام طلب منه ذلك امللك أو الحكومة أو الربملان .ومل يفت املرشّ ع الدستوري املغريب أن
مبدأ فصل ُ
يتطرق أيضً ا إىل حقوق املتقاضني وقواعد سري العدالة.
وهكذا اعترب بعض الفقهاء( ((1أن الدستور املغريب الجديد اقتحم ثالث محطات أساسية من خالل االعرتاف
بسلطة قضائية حقيقية ،وإنشاء هيئة مستقلة عهد إليها بجزء كبري من إدارة السلطة القضائية وإنشاء
محكمة دستورية .وإن كانت هذه األخرية مؤسسة منفصلة عن القضاء باملعنى الضيق ،فإن طابعها القضايئ
يبقى مؤك ًدا من خالل مساهمتها يف تعزيز دور القايض وتحقيق دولة الحق والقانون ،والبت يف الدفوع
بعدم الدستورية التي ميكن إثارتها أمام جميع محاكم اململكة طب ًقا ملقتضيات الفصل 133من دستور .2011
.2الضامنات القانونية
وسياجا ال
ً إذا كان الدستور -بوصفه قانونًا أسمى -يعرب عن املبادئ القانونية العامة التي تعد خارطة طريق
ميكن تجاوزه من جانب القوانني األدىن درجة ،فإن القوانني التنظيمية والقوانني واملراسيم قد أوكلت بتفصيل
اختياراته التي سطرها وتدقيقها ،ففي مجال استقالل السلطة القضائية فإن الدستور ترك مسألة تحديد
(((1
النظام األسايس للقضاة لقانون تنظيمي مبقتىض الفصل 112منه ،الذي صدر يف 24آذار /مارس 2016
تحت عدد .106.13ثم أوكل مبقتىض الفصل 116القانون التنظيمي بتحديد انتخاب املجلس األعىل للسلطة
القضائية وتنظيم سريه ،وتحديد املعايري املتعلقة بتدبري الوضعية املهنية للقضاة ،ومسطرة التأديب ،وهو
األمر الذي تحقق من خالل القانون التنظيمي 100.13الصادر بتاريخ 24آذار /مارس .2016وقد صوت
الربملان املغريب عىل قانون يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك
رئيسا للنيابة العامة ،وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامـة(.((1
لدى محكمة النقض بصفته ً
أ -الضامنات القانونية املتعلقة بانتقاء القايض وتكوينه وتعيينه ونقله وتأديبه
وأثرها يف استقالله
استنا ًدا إىل املبادئ الدولية املتعلقة باستقالل القضاة واملحامني وممثيل النيابة العامة ومسؤوليتهم ،فإنه
يتعني عىل الدول عند تعيني القضاة اعتامد معايري اختيار صارمة تتسم بالشفافية من أجل ضامن استقالل
القضاء ونزاهته ،وذلك إنفا ًذا ألحكام القانون الدويل .وما مل يج ِر تعيني القضاة وترقيتهم عىل أساس ما
يتمتعون به من مهارات قانونية ،فإن القضاء يكون معرضً ا لخطر عدم تأديته وظيفته األساسية املتمثلة يف
مامرسة القضاء بنزاهة واستقاللية .لذا ،فمن الواضح أن معايري االختيار عىل أساس الكفاءة تشكل يف حد
عنرصا أساس ًّيا لضامن استقالل القضاء .واألمر يف هذا املجال مرتوك للسلطة التقديرية لكل دولة؛ إذ ال
ذاتها ً
12 Bertrand Mathieu, "L'émergence du pouvoir judiciaire dans la constitution marocaine de 2011," Pouvoirs,
no. 145 (Avril 2013/2), p. 48.
13اململكة املغربية" ،ظهري رشيف رقم 41.16.1صادر يف 14من جامدى اآلخرة 1437هـ ( 24مارس )2016بتنفيذ القانون التنظيمي
رقم 106 .13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة" ،الجريدة الرسمية ،السنة ،105عدد ،2016/4/14 ،6456ص ،3160شوهد ،2020/11/10يف:
https://bit.ly/3yy2wnP
14اململكة املغربية" ،ظهري رشيف 1.17.45صادر يف 8ذي الحجة 30( 1438أغسطس )2017بتنفيذ القانون 33.17املتعلق بنقل
رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم
اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته ً
رئاسة النيابة العامـة" ،الجريدة الرسمية ،السنة ،106عدد ،2017/9/18 ،6605ص ،5155شوهد يف ،2020/11/10يفhttps://bit.ly/3Jg9Eds :
51
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
يوجد إجامع يف القانون الدويل بشأن طريقة التعيني .ويف جميع الحاالت ال بد أن يجري اختيار املرشحني دامئًا
عىل أساس املؤهالت املهنية والنزاهة الشخصية(.((1
بحسب املعطيات اإلحصائية لسنة 2018فقد بلغ مجموع قضاة اململكة 4176قاض ًيا وقاضية ،منهم 3147
قاض ًيا ( 75.35يف املئة) و 1029قاضية ( 24.65يف املئة) .امللحقون بإدارات مختلفة عددهم .173أما العاملون
يف املحاكم فهم .4003ويبلغ عدد قضاة النيابة العامة 1046من بينهم 168قاضية بنسبة 16.06يف املئة،
و 878من قضاة النيابة العامة الذكور بنسبة 83.93يف املئة ،وميارس 46قاض ًيا مهامتهم خارج املحاكم يف
إطار اإللحاق بإدارات أخرى ،بحيث يشكل عدد قضاة النيابة العامة معدل 3قضاة لكل 100ألف مواطن
مبا يقل 4مرات عن املعدل األورويب البالغ 11.8قايضَ نياب ٍة عامة لكل 100ألف مواطن .وهي معطيات
تستوقفنا من أجل البحث يف أوضاع هؤالء القضاة خالل مراحل حياتهم املهنية كافة ،والضامنات املمنوحة
لهم أمام أهداف تحقيق استقالل القضاء.
•انتقاء القضاة وتكوينهم وتعيينهم
إن لطريقة انتقاء القايض وتعيينه أهمية كربى يف مسألة استقالله جرى تأكيدها يف البند العارش من املبادئ
األساسية الستقالل السلطة القضائية ،الذي نص عىل أنه "يتعني أن يكون من يقع عليهم االختيار لشغل الوظائف
القضائية أفرا ًدا من ذوي النزاهة والكفاءة ،وحاصلني عىل تدريب أو مؤهالت مناسبة يف القانون ،ويجب أن
تشمل أية طريقة الختيار القضاة عىل ضامنات ضد التعيني يف املناصب القضائية بدوافع غري سليمة".
لقد أخذ املرشع املغريب يف هذا املجال بنموذج النظام الالتيني الذي يعترب القضاء وظيفة( ،((1حيث يجري
اختيار القضاة من بني حملة الشهادات الجامعية يف القانون وفق معايري الكفاءة والجدارة بعد اجتيازهم
مبارا ًة مخصصة لهذا الغرض وخضوعهم لفرتة تدريب مدة سنتني يف املعهد العايل للدراسات القضائية أعد
لهذه الغاية( ،((1مع إمكانية قبول بعض أساتذة القانون أو املحامني واملوظفني الذين تتوافر فيهم الرشوط
املعينة املحددة يف املادتني 9و 10من القانون التنظيمي ،13.106والذين ال تتجاوز أعامرهم عند تقديم
الطلب 55سنة ،بينام يعفى من اجتياز مباراة املرتشحني الحاصلني عىل دكتوراه الدولة يف القانون أو الرشيعة
اإلسالمية كل من األساتذة الباحثني الذين مارسوا مهنة التدريس الجامعي يف فرع من فروع القانون مدة
ال تقل عن عرش سنوات ،واملحامني الذين مارسوا مهنة املحاماة بصفة فعلية مدة ال تقل عن عرش سنوات،
وموظفي هيئة كتابة الضبط املنتمني إىل درجة مرتبة يف سلم األجور رقم 11عىل األقل ،والذين زاولوا مهامت
كتابة الضبط بصفة فعلية مدة ال تقل عن عرش سنوات ،وموظفي اإلدارات املنتمني إىل درجة مرتبة يف سلم
األجور رقم 11عىل األقل ،والذين قضوا مدة ال تقل عن عرش سنوات من الخدمة العمومية الفعلية يف
مجال الشؤون القانونية.
15اللجنة الدولية للحقوقيني ،املبادئ الدولية املتعلقة باستقالل ومسؤولية القضاة واملحامني وممثيل النيابة العامة ،دليل املامرسني ،1
(جينيف ،)2007 :ص ،33شوهد يف ،2020/11/12يفhttps://bit.ly/406H7Ox :
16يوسف شندي" ،استقالل القضاء :دراسة مقارنة" ،ورقة تطبيقة ،سلسلة الكرامة اإلنسانية ،معهد الحقوق ،جامعة بريزيت ،فلسطني -كلية
الحقوق ،جامعة وندسور ،كندا ( ،)2007ص .12
17اململكة املغربية" ،ظهري رشيف 1.16.41صادر يف 14جامدى اآلخرة 24( 1437مارس )2016بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 106.13
املتعلق بالنظام األسايس للقضاة" ،الجريدة الرسمية ،السنة ،عدد ،2016/4/14 ،6456املادتان 7و ،8شوهد يف ،2020/11/12يف:
https://bit.ly/3TdZ1wx
52
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
وإذا كان املرشع املغريب قد قرر أال تتجاوز سن املرشح الجتياز مباراة القضاء 45سنة بالنسبة إىل غري الفئات
شخصا أنهى دراسته الجامعية يبلغ 22املشار إليها سل ًفا ،فإنه يف املقابل مل يحدد س ًنا أدىن لذلك ،حيث ُمُي ّكن ً
سنة أن يتقدم الجتياز املباراة ليكون قاض ًيا جاه ًزا يف سن ،24و يعني نائ ًبا لوكيل امللك ،ثم يعني بعدها قايض
األحكام من بني هؤالء النواب بعد قضاء سنتني عىل األقل( ،((1أي يف سن 26بحسب املثال الذي أوردناه .والحال
أن القضاء مهنة تتطلب النضج والحكمة والرصانة ،ويكون من يتواله عىل قدر كبري من الخربة والنزاهة والكفاءة
سواء أكان قاض ًيا للنيابة العامة أو قاض ًيا للحكم ،وال يكفي املؤهل العلمي والتفوق الدرايس الستئامن شخص عىل
حقوق املواطنني وحرياتهم ،فالقضاء يختلف عن سائر الوظائف؛ ما يتعني معه أن يكون مختا ًرا ممن كان تحت
املالحظة وأثبت نزاهة وخربة وحنكة يف إحدى الوظائف القانونية من دون أي شبهة أو انحراف.
ولنئ أصبح نظام التكوين يف املعهد العايل للقضاء يأخذ يف االعتبار انفتاح القايض املتدرب عىل محيطه
االقتصادي واالجتامعي ،فإن هذا التكوين يبقى عا ًما ال يأخذ يف االعتبار التخصص الذي ينعكس ال محالة عىل
فاعلية القضاء وعىل جودة األحكام الصادرة عنه( ،((1حيث أكد ذلك املؤمتر الدويل السابع لقانون العقوبات
املنعقد يف أثينا سنة 1957من خالل توصية له جاء فيها" :إنه من أجل قيام القايض الجنايئ بدوره الفعال،
ومؤهاًل ً
تأهياًل ً وليك ميارس سلطته التقديرية الواسعة مامرسة صحيحة ،يجب أن يكون مع ًّدا إعدا ًدا جي ًدا،
خاصا يف مجال الدراسات الجنائية" .وهو ما ميكن إسقاطه عىل بقية التخصصات القضائية.
ًّ
•النقل
خص النظام األسايس للقضاء نقل القضاة مبقتضيات ج ّد مهمة ،وقيده بعدة رشوط بعد أن كان ،طوال لقد ّ
عقود ،مينح كل الصالحيات يف ذلك للمجلس األعىل للقضاء بصيغته القدمية لينقل القايض كام يشاء ،إىل درجة
أن بعض عمليات النقل يف السابق كانت تعترب تأديبية أو تعسفية أو انتقامية ،ودون أن تتوافر للقايض حينها
أي وسيلة من وسائل الطعن أو التظلم يف القرار املتخذ بشأنه يف هذا الخصوص.
لقد أكد املجلس الدستوري عىل دستورية املقتضيات القانونية املتعلقة بالتنقيل مبناسبة عرض القانون
التنظيمي 106.13قصد مراقبة دستوريته ،حني عرب عن ذلك مبا ييل(" :((2إن املجلس األعىل للسلطة القضائية
الذي أناط به الدستور ،بصفة أساسية ،السهر عىل تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة وال سيام فيام يخص
استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم ،ال يجوز له أن يقرر نقل قضاة األحكام ،يف الحاالت
التي حددها املرشع ،دون طلب منهم ،إال بصفة استثنائية يربرها ضامن حق التقايض املكفول دستور ًّيا
للمواطنني" .وبذلك يكون القايض قد متعه القانون الجديد بحصانة ضد التنقيل الذي ال يحدث إال بطلب
منه إال يف حالة استثنائية مثل الحالة التي يجري فيها إنشاء محكمة جديدة أو مركز قضايئ جديد من دون
أن تتوافر لدى املجلس األعىل للسلطة القضائية موارد برشية جديدة كافية لتعيينها يف هذه املناطق.
18ورد يف الفقرتني األوىل والثانية من املادة 13من القانون التنظيمي املتعلق بالنظام األسايس للقضاة" :يعني املجلس امللحقني القضائيني
املذكورين يف املادة 8أعاله نوا ًبا لوكيل امللك لدى محاكم أول درجة ،ويرتبون يف الرتبة األوىل من الدرجة الثالثة ،ويعني قضاة األحكام من بني
هؤالء النواب ،بعد قضاء سنتني عىل األقل" .غري أنه ميكن ،من أجل سد الخصاص ،تعيني امللحقني القضائيني املذكورين مبارشة قضا ًة لألحكام.
19فاطمة الزهراء السائح الجوهري" ،أي دور لألخالق املهنية يف ضامن محاكمة جنائية عادلة؟" ،مجلة العلوم الجنائية ،العدد ،)2019( 6-5
ص .218
20اململكة املغربية ،املحكمة الدستورية ،املجلس الدستوري" ،قرار رقم 992 /16 :م .د ،ملف عدد ،"2016/3/15 ،1474 /16 :شوهد يف
،2020/11/12يفhttps://bit.ly/3YRh8cJ :
53
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
وبحسب املادة 72من النظام األسايس للقضاة فإن النقل يجري بنا ًء عىل طلب القايض ،أو عىل إثر ترقية يف الدرجة،
أو إحداث محكمة أو حذفها ،أو شغور منصب قضايئ ،أو سد الخصاص بحيث ال يجوز أن تتجاوز مدة االنتداب
بحسب املادة 73من القانون نفسه ثالثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بعد موافقة القايض املعني عىل ذلك .ثم
ال يجوز بحسب املادة 76انتداب القايض أكرث من مرة واحدة خالل كل خمس سنوات إال بعد موافقته.
وبالرغم من كل ذلك ،سجل نادي قضاة املغرب بعض الحاالت التي جرى فيها نقل مجموعة من القضاة بنا ًء عىل
"سد الخصاص" ،من دون مراعاة ملعيا َري القرب الجغرايف ووضعيتهم االجتامعية ،وال حتى لتخصصهم كام هو
حال من نقل من املحاكم التجارية إىل املحاكم العادية .وأشار يف واحد من بالغاته بتاريخ 8حزيران /يونيو ،2018
قاض من دائرة القنيطرة إىل دائرة الرشيدية -والحال أن بني الدائرتني دائرتني قضائيتني أخريني،
إىل أن قرار نقل ٍ
ً
فضاًل عن أن زوجة هذا القايض تعمل يف مدينة طنجة ،وله أبناء صغار -أثار يف صفوف القضاة كث ًريا من الشبهات
حول خلفيات ذلك ،والتي ُيحتمل أن تكون من طبيعة انتخابوية مهنية .
(((2
•التأديب
يخضع تأديب القضاة يف املغرب إىل مقتضيات املواد من 96إىل 102من القانون التنظيمي رقم 13.106املتعلق
بالنظام األسايس للقضاة ،حيث اعتربت املادة 96من هذا القانون أن كل إخالل من القايض بواجباته املهنية،
أو بالرشف ،أو الوقار ،أو الكرامة ،يعترب خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية .ثم حددت املادة 99من
القانون نفسه أنواع العقوبات التي تطبق مراعاة ملبدأ التناسب والتدرج والتي جرى تقسيمها إىل ثالث درجات:
الدرجة األوىل (اإلنذار ،التوبيخ ،التأخري عن الرتقية من رتبة إىل رتبة أعىل مدة ال تتجاوز السنتني ،الحذف من
الئحة األهلية ملدة ال تتجاوز السنتني ،وميكن أن تكون عقوبات هذه الدرجة مصحوبة بالنقل التلقايئ) ،الدرجة
الثانية (اإلقصاء املؤقت عن العمل مدة ال تتجاوز ستة أشهر مع الحرمان من أي أجر باستثناء التعويضات
العائلية ،اإلنزال بدرجة واحدة ،وتكون هاتان العقوبتان مصحوبتني بالنقل التلقايئ) ،الدرجة الثالثة (اإلحالة إىل
التقاعد الحتمي ،االنقطاع عن العمل إذا مل يكن للقايض الحق يف معاش التقاعد ،العزل).
وقد اعترب نادي قضاة املغرب ،يف بيان( ((2له صادر بتاريخ 11شباط /فرباير ،2016أن اتخاذ عقوبة عزل
قاض وعقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل مدة ستة أشهر( )06مع النقل يف حق قاضية ،ال لفسا ٍد مايل أو ٍ
أخالقي وإمنا فقط بسبب التعبري عن آرائهام علن ًّيا يف قضايا الشأن العام التي تهم العدالة هو إعدام لكل
املكتسبات التي جاء بها دستور 2011لفائدة القضاة ،ويعترب أن الهدف من هذه العقوبات هو إخراس
كل أصوات القضاة املنادين بالتغيري واإلصالح يف إطار الثوابت واملؤسسات ،بعد أن اعترب يف بيان سابق يف
9كانون الثاين /يناير 2016أن متابعة هذا القايض تفتقر إىل الرشعية القانونية لبنائها عىل شكاية غريبة
وغري مسبوقة مقدمة من فرق برملانية يف محاولة منها إلسكات القضاة وحرمانهم من حقهم يف التعبري ونقد
مشاريع القوانني التي تهم العدالة املعروضة أمام الربملان ،واعترب أن وزير العدل (يف إطار الصالحيات التي
كانت له قبل إقرار القانون )106.13ليس له الصفة والصالحية لتلقي مثل هذه الشكايات ،بل كان عىل هذه
تكريسا لدولة الحق والقانون ،وترتك القضاء يقول كلمته.
ً الفرق التي تدعي أنها ترضرت أن تلتجئ إىل القضاء
21ينظر" :بالغ :نادي قضاة املغرب" ،املوقع الرسمي لنادي قضاة املغرب ،شوهد يف ،2020/11/13يفhttps://bit.ly/42rOAJE :
" 22بيان املكتب التنفيذي عىل خلفية العقوبات التأديبية الصادرة عن املجلس األعىل للقضاء" ،املوقع الرسمي لنادي قضاة املغرب ،شوهد
يف ،2020/11/13يفhttps://bit.ly/3TARMPh :
54
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
وقد استنكر نادي قضاة املغرب بشدة ،يف بالغ ملكتبه التنفيذي يف 8حزيران /يونيو ،2018نهج املجلس
األعىل للسلطة القضائية يف انتهاك مبادئ املحاكمة العادلة ،وذلك بتضييقه عىل حق القضاة املحالني عليه
تأديب ًيا يف الدفاع ،وهو الحق املكفول لهم مبقتىض الدستور والقانون.
وتبقى مسألة تقييم الوضع الحايل تتطلب املزيد من الوقت؛ وذلك لكون القانون التنظيمي املتعلق بالتنظيم
القضايئ صدر يف 24آذار /مارس ،2016أي قبل ست سنوات ونصف السنة فقط ،ما يصعب معه الوقوف
عىل املشكالت التي يرتبها تطبيقه بخصوص الوضعيات الفردية للقضاة وكيفية معالجتها من جانب املجلس
األعىل للسلطة القضائية.
ب -الوضع املادي للقضاة
إن الوضع املادي للقضاة يعترب من األولويات التي يجب االنتباه لها واالهتامم بها ،فال ميكن االطمئنان
إىل مواطن يف عرصنا الحارض يعامل ،بوصفه مستهل ًكا ،يف عامل يتميز برشاهة االستهالك وكرثة الحاجيات
ٍ
ورضوريات تثقل كواهلهم ٍ
متطلبات التي جعلت األفراد يذوبون يف الدورة االقتصادية ،ويسعون لتلبية
بالقروض وااللتزامات .فالقايض يبقى يف جميع األحوال إنسانًا ملز ًما بتلبية حاجاته وتوفري حاجيات أرسته،
كاًّم وكي ًفا ليطغى عىل حالته النفسية التوجس والخوف والضعف فإن تعذر عليه ذلك تأثر إنتاجه املهني ًّ
والهشاشة التي من املمكن أن تجعله فريس ًة للضغوط واإلكراهات ولقم ًة سائغة للنيل من حياديته
وتجرده ونزاهته واستقالله ،والتي هي أساس أخالقيات املهنة وديدن اقتناعه الصميم الذي هو مصدر
إنشاء قراره القضايئ.
لقد جرى تقليص دور وزارة العدل يف التدخل يف األوضاع املادية للقضاة ،الذي أصبح محد ًدا فقط بتنفيذ
مقررات املجلس األعىل للسلطة القضائية املتعلقة باألوضاع املادية للقضاة مبقتىض املادة 55من القانون
التنظيمي 100.13وأكده املجلس الدستوري يف قراره 2016 /991الذي جاء فيه" :فإذا كان الفصل 113من
الدستور يسند إىل املجلس األعىل للسلطة القضائية صالحية السهر عىل "تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة،
وال سيام فيام يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم" ،فإنه ليس يف هذا الفصل وال يف
بقية أحكام الدستور ما يحول دون تأهيل الوزارة املكلفة بالعدل والوزارة املكلفة باملالية التخاذ التدابري
الالزمة لتنفيذ مقررات املجلس املتعلقة بالوضعيات اإلدارية واملالية للقضاة ،طاملا أن ذلك يتم بتعاون مع
املصالح املختصة للمجلس ،ويقترص عىل تنفيذ مقررات هذا األخري ،وهو ما يعد ً
إعاماًل ملبدأ التعاون بني
الس َلط املقرر يف الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور.
وتنزياًل لآللية السابعة عرشة من الهدف الفرعي الثالث مليثاق إصالح منظومة العدالة بشأن النهوض بالوضعيةً
املادية للقضاة ،متيزت سنة 2014بإصدار املرسوم رقم 2.14.32بتاريخ 23كانون الثاين /يناير 2014القايض
بالرفع من التعويضات واملنافع املمنوحة للقضاة من الدرجات الثالثة والثانية واألوىل عىل دفعتني خالل سن َتي
2014و 2015كام يوضحها الجدول(.((2
23اململكة املغربية ،وزارة العدل والحريات" ،مرسوم رقم 2.14.32صادر يف 21من ربيع األول 23( 1435يناير )2014بتغيري املرسوم
رقم 2.75.175بتاريخ 25من ربيع األول 8( 1395أبريل )1975بتحديد التعويضات واملنافع املمنوحة للقضاة من الدرجات األوىل والثانية
والثالثة" ،الجريدة الرسمية ،السنة ،103عدد ،2014/2/3 ،6227ص ،727املوقع الرسمي لألمانة العامة للحكومة ،شوهد يف ،2020/11/5يف:
https://bit.ly/3luLkg7
55
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
الراتب الشهري
نسبة الزيادةمن االنعكاس املايل بعد الزيادة الراتب
الزيادة ء
ً ابتدا املطبقة
الصافية كانون الثاين /يناير الخام السنوي الشهري أصناف القضاة العدد
()% (بالدرهم) (بالدرهم) السابق
2015 (بالدرهم *)
(((2
(بالدرهم)
قاض منٍ
16.14 50006100.00 21589.50 3000.37 18589.13 775 الدرجة األوىل
املصدر :من إعداد الباحث بناء عىل األرقام املنشورة يف الجريدة الرسمية.
ومع أن هذه الزيادة مهمة مقارن ًة بالوضعية السابقة لسنة ،2014فإنها تع ّد غري كافية بالنظر إىل ارتفاع
خصوصا أمام املجهودات التي يبذلونها والكم الهائل من القضايا
ً مستوى العيش وتزايد املتطلبات والحاجيات
التي يبتون فيها سنو ًّيا كام تشهد بذلك األرقام الرسمية.
ج -تتبع ثروات القضاة ومحاربة الفساد
لقد كلفت املادة ،107من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،الرئيس املنتدب
للسلطة القضائية بتتبع ثروات القضاة ،وأتاحت له أن يقدر ثرواتهم وثروات أزواجهم وأبنائهم بعد
قاض ثبتت زيادة
موضوع متابعة تأديبية كل ٍ
َ موافقة املجلس بواسطة التفتيش ،بحيث ميكن أن يكون
ممتلكاته ،خالل فرتة مامرسة مهامته ،زيادة ملحوظة ال يستطيع تربيرها بصورة معقولة.
لقد جاء يف تقرير لجمعية محاربة الرشوة "ترانسبارنيس" املغرب عن وضعية القضاء يف املغرب لسنة 2006
(((2
أن "الفساد يطال قطاعات مختلفة باملغرب ،إال أن التصنيفات املقدمة من خالل التحريات ،واالستطالعات
املنجزة محل ًّيا ،تظهر أن قطاع العدل يحتل الصدارة ضمن القطاعات التي متسها آفة الفساد والرشوة .وذلك
ما تعكسه أيضً ا تقارير املنظامت الحقوقية وسيل الشكايات التي يقدمها املواطنون ،واعرتافات املسؤولني
56
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
أنفسهم يف مناسبات متعددة ،وتواصل اتخاذ سلسلة من اإلجراءات الزجرية لطأمنة الرأي العام إىل أن إرادة
الدولة تتجه إىل وضع حد للفساد املسترشي يف املؤسسة القضائية".
إن أهم وسيلة للحفاظ عىل نزاهة القايض واستقالله هي رضورة التتبع املستمر واإلجباري لرثوته ومستوى
معيشته هو وأصوله وفروعه .وذلك ال ميكن أن يجري إال بخلق آليات مبسطة تجعل هذا التتبع آن ًّيا ،وأن
قاض بتعاونٍتكون املحاسبة عليه إلزامية وواجبة ،وأن تعرض بشأنه تقارير سنوية للمجلس بالنسبة إىل كل ٍ
مع كل الهيئات واملؤسسات التي يجب أن تلزم بتبليغ املجلس عن كل ما يتعلق مبقتنيات القايض الباهظة
الثمن تحت طائلة معاقبة كل متسرت عىل ذلك أو مخل بإجراء التبليغ ،وذلك س ًريا عىل النهج الذي أقره
املرشع بخصوص الترصيح باالشتباه املنصوص عليه يف قانون تبييض األموال.
26اململكة املغربية ،املجلس الدستوري " ،قرار رقم 16 /992 :م .د ،ملف رقم ،"2016/3/15 ،1474 /16املوقع الرسمي للمحكمة
الدستورية ،شوهد يف ،2020/11/10يفhttps://bit.ly/3JwLrQo :
57
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
العامة املنوطة بالقضاة املتجلية يف حامية حقوق األشخاص والجامعات وحرياتهم وأمنهم القضايئ وتطبيق
القانون (الفصل ،)117أو مبنع التدخل يف القضايا املعروضة عليهم ،أو باعتبار كل إخالل من طرفهم بواجب
ً
جسياًم (الفصل ،)109أو بالحق املخول لهم يف حرية التعبري ويف االنخراط يف االستقالل والتجرد خطأ مهن ًّيا
الجمعيات وإنشاء جمعيات مهنية ومنع انخراطهم يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية (الفصل ،)111
أو بكون املجلس األعىل للسلطة القضائية يسهر عىل تطبيق الضامنات املمنوحة لهــم ،ال سيام فيام يخص
استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم (الفصل ،)113أو مبشاركتهم يف انتخاب ممثيل القضاة
يف هذا املجلس (الفصل .")115ويضيف" :وحيث إنهَ ،يبني من مجموع األحكام املذكورة أن الدستور أضفى
صفة "قضاة" عىل قضاة األحكام وعىل قضاة النيابة العامة م ًعا ،مام يجعلهم جمي ًعا منتمني إىل السلطة
القضائية -وهي سلطة موحدة -ومشمولني ،تب ًعا لذلك ،بصبغة االستقالل اللصيقة بهذه السلطة" .وبذلك
يكون املجلس الدستوري قد حسم يف طبيعة النيابة العامة باملغرب.
27اململكة املغربية ،رئاسة النيابة العامة ،تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسري النيابة العامة لسنة ،2018ص ،25
شوهد يف ،2023/3/24يفhttps://bit.ly/3JG5Out :
58
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
بشأن اإلبقاء عىل عالقة النيابة العامة بوزير العدل [ ]...ويف املقابل قبلت الحكومة االقرتاح الرامي إىل ربط
املسؤولية باملحاسبة ،وذلك بإفساح املجال أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ،بصفته رئيس النيابة
العامة ،لتقديم تقرير سنوي عن تنفيذ السياسة الجنائية أمام لجنة العدل والترشيع باملجلسني .وستكون
فرصة سانحة للمجلس الدستوري ليقول كلمته يف هذه الصيغة التي اختلفت حولها اآلراء ،وال شك أننا
سنقف عند ما سيقرره املجلس الدستوري كالعادة"( .((2وقد عرب وزير العدل خالل عرضه يف الجلسة نفسها
عن تطلعه إىل ذلك اليوم الذي يعدل فيه الدستور ،ليبلور ً
فصاًل منطق ًيا تعهد فيه رئاسة النيابة العامة إىل
مدع عام مستقل يخضع اختياره ملسطرة أكرث استجابة للمعايري الدميقراطية. ٍ
وخصوصا أمر
ً غري أن املجلس الدستوري حسم يف عدة أمور تتعلق بتقرير رئيس النيابة العامة(،((2
اعتباره تقري ًرا عموم ًّيا يحق للجميع االطالع عليه وتدارسه ،وكذلك عرضه ومناقشته أمام لجنتي الترشيع
مبجليس الربملان دون حضور الوكيل العام للملك .والغاية من املناقشة املحددة تعديل السياسة الجنائية
وتطويرها وليس املساءلة واملحاسبة ،وأخ ًريا شكل املناقشة وطريقتها التي ينبغي أن تجري باحرتام تام
للسلطة القضائية واستقاللها.
28اململكة املغربية ،مجلس النواب" ،محرض الجلسة الثانية والسبعني بعد املائتني" ،مداوالت مجلس النواب -دورة أكتوبر 2015-
،2015/10/27شوهد يف ،2020/11/14يفhttps://bit.ly/42mQtYi :
29اململكة املغربية ،املحكمة الدستورية ،املجلس الدستوري" ،قرار رقم 16 /991 :م .د ،ملف عدد ،"2016/3/15 ،1473 /16 :شوهد يف
،2020/11/15يفhttps://bit.ly/3JPwL04 :
" 30تعمل الرشطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق ،يف كل ما يتعلق باألبحاث والتحريات الرضورية يف شأن الجرائم
وضبط مرتكبيها وإلثبات الحقيقة" .الدستور املغريب لسنة ،2011الفصل .128
59
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
مل يكن األمر الصادر إليهم مخال ًفا للقانون .أما الدرك املليك ،بحسب الفصل الثاين من ظهري رشيف رقم
1.57.280بشأن مصلحة الدرك املليك املغريب( ،((3فيعترب جز ًءا من القوات املسلحة امللكية ،وتكون عنارصه
مصطفة عىل ميني الجيوش كيفام كان سالحها .وبحسب الفصل الثالث من الظهري نفسه فإنّ الدرك يخضع
ألوامر وزير الدفاع الوطني ويتبع أيضً ا لوزير العدل ملبارشة الرشطة القضائية وذلك قبل نقل اختصاصات
هذا األخري إىل رئيس النيابة العامة ،وإىل وزير الداخلية ملبارشة السلطة اإلدارية؛ ما يجعل استقاللية هذه
األجهزة محل تساؤل ،ويجعل ازدواجية التبعية محل انتقاد الحقوقيني واملدافعني عن تحقيق رشوط املحاكمة
العادلة واستقالل النيابة العامة.
إن إشكالية ازدواجية تبعية الرشطة القضائية تؤدي بصفة غري مبارشة إىل املساس باستقالل السلطة القضائية
وفق العديد من التقارير املنجزة يف األنظمة القضائية التي تعرف هذا النوع من التبعية (فرنسا ً
مثاًل) ،والتي
تعرب عن إمكانية تعرض الرشطة القضائية لضغوط من وزارة الداخلية بالرغم من الضامنات التي توفرها
املساطر الجنائية من أجل تحقيق الرقابة عىل أعامل هذه األخرية من جانب السلطة القضائية .فأفراد
الرشطة القضائية يبقون موظفني عموميني يخضعون للسلطة اإلدارية للجهة التي ينتمون إليها ،هذا الخضوع
الذي يتقوى بسبب البنية اإلدارية املوغلة يف الرتاتبية وبسبب تفويض األعامل يف إطار هذه املؤسسة ،وبذا
فإن حقيقة إدارة الرشطة القضائية ومراقبتها تعود إىل الجهاز األصيل ،وإن الرقابة املامرسة من جانب النيابة
العامة والوكيل العام وقضاة التحقيق تبقى جزئية(.((3
وخصوصا أن هذه
ً وهنا تظهر خطورة ازدواجية تبعية الرشطة القضائية عىل تحقيق رشوط املحاكمة العادلة،
املرحلة تكاد تكون حجر الزاوية الذي تؤسس عليه املتابعة ويستند إليه الحكم الصادر عن املحكمة إىل ح ّد
بعيد من خالل محارض الرشطة القضائية التي تكون لها حجية قوية أمام القضاء.
.4املتابعات القضائية
بحسب تقري ٍر( ((3للشبكة األوروبية – املتوسطية لحقوق اإلنسان ،أنجز خالل سنة ،2008فإن النتائج
امللموسة لحدود استقالل القضاء باملغرب ميكن أن تلمس يف القضايا التي تتواجه فيها السلطة السياسية مع
أولئك الذين تصنفهم خصو ًما لها .فالتدخل السيايس يف مسار العدالة يظهر بصفة جل ّية يف نوعني من القضايا:
األوىل تتعلق بالقضايا املرفوعة ضد الصحافة املستقلة ،والثانية التي تجري يف مواجهة املتورطني يف قضايا
إرهابية .ويف هذا الصدد يستعرض التقرير مناذج ملجموعة من القضايا.
وقد نددت الجمعية املغربية لحقوق اإلنسان ،يف بيان لها ،باألحكام الصادرة عن غرفة الجنايات بالدار
البيضاء ،مساء يوم األربعاء 26حزيران /يونيو ،2018بحق ناشطي حراك الريف ،واألحكام السابقة الصادرة
31اململكة املغربية" ،ظهري رشيف رقم 1.57.280بشأن مصلحة الدرك املليك املغريب" ،الجريدة الرسمية ،السنة ،47عدد ،2366
،1958/2/28ص .498
32 Commission nationale consultative des droits de l'Homme, "Avis sur l'indépendance de la justice," (Assemblée
plénière du 27 juin 2013) France.
33 Abdelaziz Nouaydi, "Maroc: L'indépendance et l'impartialité du système judiciaire," Rapport Janvier 2008,
Réseau euro-méditerranéen des droits de l'Homme (Copenhague, Danemark: 2008), p. 34.
60
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
عن محكمتي االستئناف واالبتدائية يف مدينة الحسيمة ،واعتربتها أحكا ًما انتقامية ضد مناضلني سلميني
مارسوا حقهم يف االحتجاج السلمي من أجل مطالب اعرتف املسؤولون أنفسهم بعدالتها ومرشوعيتها(.((3
ولقد عربت الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان عن قلقها يف إثر مالحقة صحايف واعتقاله بتاريخ
29متوز /يوليو 2020بدعوى جرمية اغتصاب ،بعد استدعائه من جانب الرشطة القضائية عرشات املرات
قبل ذلك منذ 25حزيران /يونيو 2020ملساءلته بخصوص الحصول عىل أموال من جهات أجنبية من أجل
املس باألمن الداخيل للدولة .وأكدت الفدرالية يف بالغ لها أنه إذا كان الهدف من هذه املتابعات هو إخراس
الصحايف ،فإن ذلك سيشكل مرحلة جديدة مقلقة بخصوص حرية التعبري وحقوق اإلنسان يف املغرب ،فقد
جاء يف ترصيح رئيسة الفدرالية أليس موغوي Alice Mogweيف البالغ نفسه "إذا كان ال جدال يف أن أي
اتهام باالغتصاب يجب أن يخضع لتحقيق صارم ونزيه ،فإن تقديم شكوى باالغتصاب ضد الشخص املذكور
عندما يتعرض األخري للمضايقات منذ شهور من جانب السلطات املغربية يدفع إىل التساؤل عن احتامل أن
باطاًل ويهدف إىل تشويه سمعة الصحايف" ،وطالبت يف هذا الصدد ببحث معمق ،مستقل، يكون هذا االتهام ً
شفاف ،وعادل بخصوص هذه القضية(.((3
وقد أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" بال ًغا يف الشأن نفسه رد عليه املجلس األعىل للسلطة القضائية(،((3
موضحا أن البالغ الذي دعت فيه األشخاص عرب العامل إىل إرسال مناشدات للضغط عىل السلطات املغربية من ً
أجل اإلفراج عن هذا الصحفي" ،تضمن العديد من املغالطات التي متس باستقالل القضاء وتعطي االنطباع
بتحكم الحكومة فيه ،وتحرض كذلك عىل التأثري يف قراراته" ،مضي ًفا أن هذا البيان "ضخم بعض اإلجراءات
القضائية العادية ،ورسد بعض الوقائع بطريقة كاريكاتورية ،وربط متابعة املعني باألمر بعمله الصحفي ،خال ًفا
حريصا عىل االضطالع بواجبه الدستوري يفً للحقائق املضمنة بامللفات القضائية"" .وأكد املجلس أنه سيظل
حامية استقالل القضاء ،ورفض كل تدخل يف مقرراته" ،داع ًيا يف هذا الصدد القضاة إىل التمسك باستقاللهم
وعدم الرضوخ للتأثريات غري املرشوعة التي قد متارس عليهم أيا كان مصدرها ،واالستناد يف أحكامهم إىل
القانون ومبادئ العدالة واإلنصاف واحرتام حقوق األطراف وتوفري كل رشوط املحاكمة العادلة لها.
وسجل املجلس الوطني لحقوق اإلنسان يف تقريره السنوي لسنة ((3(2019أن الشكايات املتعلقة بالقضاء جزء
مهم من الشكايات الواردة إليه وعددها 413موزعة كالتايلً 190 :
تظلاًم من أحكام قضائية يطالب أصحابها ّ
بإعادة النظر فيها ،وقد جرى توجيه املعنيني بها إىل سلوك املساطر القانونية الخاصة؛ ً 70
تظلاًم من عدم
تنفيذ أحكام قضائية مدنية نهائية؛ 74ادعا ًء بوجود خروق مسطرية أثناء رسيان الدعوى؛ 17ادعا ًء بشأن
التأخر أو املامطلة يف البت يف الدعاوي املعروضة عىل القضاء؛ 54ادعا ًء بشأن التأخري أو الحفظ يف الشكايات
املوجهة إىل النيابة العامة؛ 8شكايات ضد محامني.
34الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان" ،الجمعية املغربية لحقوق اإلنسان :املحاكامت ضد نشطاء حراك الريف محاكامت سياسية وعىل
الدولة إطالق رساحهم" ،2018/6/27 ،شوهد يف ،2020/11/14يفhttps://bit.ly/3yx6VHx :
35 Fédération internationale pour les droits Humains, "Maroc: l'arrestation du journaliste Omar Radi s'inscrit dans un
contexte de harcèlement judiciaire continu," Communiqué, 10/8/2020, accessed on 10/11/2020, at: https://bit.ly/3n7qR1c
36اململكة املغربية ،وزارة الشباب والثقافة والتواصل" ،املجلس األعىل للسلطة القضائية يأسف لتشويه بعض املعطيات املتعلقة بقضايا
رائجة أمام القضاء" ،األخبار ،موقع البوابة الوطنية ،2020/9/14 ،شوهد يف ،2020/11/13يفhttps://bit.ly/3ZIliom :
37املجلس الوطني لحقوق اإلنسان ،التقرير السنوي عن حالة حقوق اإلنسان باملغرب لسنة :2019فعلية حقوق اإلنسان ضمن منوذج
ناشئ للحريات (آذار /مارس ،)2020ص ،21شوهد يف ،2020/11/14يفhttps://bit.ly/3lA8zp7 :
61
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
وقد نال قطاع العدالة من عدد الشكايات املوجهة إىل مؤسسة الوسيط وفق ما جاء يف تقريرها لسنة 2018
(((3
ما مجموعه 1613شكاية توزعت بني شكايات تعلقت بنزاعات بني أشخاص القانون الخاص ،وتظلامت من
أحكام ومقررات قضائية ،وشكايات بعدم تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون الخاص،
وطلبات تدخل يف قضايا رائجة أمام القضاء ،وشكايات تخص أعامل الضابطة القضائية والنيابة العامة،
وطلبات تتعلق بأوضاع السجون ،وشكايات بخصوص ترصفات بعض القضاة ،وطلبات العفو ،وتظلامت من
مساعدي القضاء .فقد اعتربت مؤسسة الوسيط أن ارتفاع عدد هذه التظلامت التي تخرج عن اختصاص
املؤسسة يع ّد مؤ ً
رشا قو ًّيا عىل قصور الدور التواصيل الذي يتعني االستمرار فيه من جانبها لرشح مهامتها
واختصاصها ومجاالت تدخلها وتوضيحها.
38مؤسسة وسيط اململكة املغربية ،التقرير السنوي ملؤسسة وسيط اململكة برسم سنة 2018املرفوع إىل صاحب الجاللة واملهابة امللك،
ص ،20شوهد يف ،2020/11/14يفhttps://bit.ly/3Tadh9m :
39 Margarida Garcia & Richard Dubé, "Une enquête théorique et empirique sur les menaces externes à l'indépendance
judiciaire dans le cadre du sentencing," Revue Générale de Droit, vol. 47, no. 1 (2017), p. 17.
40 Ibid., p. 22.
62
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
يف االعتبار يف قراراته ،خاصة عىل مستوى الحكم .ويف هذا الصدد ،يقول أحد القضاة الفرنسيني" :صدقني ،لقد
عشت ذلك ،فجامعات الضغط النسوية قوية .صحيح أنهن يدافعن عن وجهات نظرهن .وهي حالة ميكن أن
يكون للرأي العام فيها تأثري حتى يف الحكم .وهذا ضار .نحن مستقلون [ ]...علينا أن نتحىل بشجاعة قناعاتنا.
لسنا هنا إلرضاء الرأي العام .نحن هنا التخاذ قرار"(.((4
وقد الحظنا الكيفية التي يع ّبأ بها اإلعالم وتحول صفحات التواصل االجتامعي إىل محاكم مبجرد اإلعالن عن
جرمية اغتصاب الطفل عدنان وقتله يف مدينة طنجة يف أيلول /سبتمرب ،((4(2020وتعالت األصوات مطالبة
بتطبيق عقوبة اإلعدام ،بل إن منها ما دعا إىل التنكيل باملتهم وإخصائه وتقطيعه ،وذلك حتى قبل االطالع
عىل حيثيات امللف وإنهاء أبحاث الضابطة القضائية بشأنه ،وهو ما يقتيض التزام أجهزة العدالة الجنائية
ً
ضاغطا عىل الحرص عىل احرتام رسية األبحاث وعدم تعميم املعلومات األولية التي ميكن أن تخلق رأ ًيا عا ًّما
قرارات السلطة القضائية.
فالرأي العام بعاطفته الجياشة ،واإلعالم املدفوع بالرغبة يف تحقيق السبق الصحفي ورفع عدد مبيعاته،
والحركات االجتامعية بانخراطها الالمحدود يف القضايا التي تعترب من صميم اهتاممها ،يف زمن أصبحت فيه
املعلومة تنتقل كالنار يف الهشيم والتعبئة من أجل التضامن أصبحت تجري بنقرة زر ،ليتحول إىل أداة خطرية
للمس باستقالل القضاء والتأثري يف القرار القضايئ ،مبا قد يرض بصورة العدالة ومهمتها ويعصف بحقوق
أبرياء وحرياتهم .أضف إىل ذلك الحاالت التي يجري فيها تسخري كل هذه القوى املؤثرة من جانب (لوبيات)
اقتصادية أو سياسية أو حتى حكومية ،من أجل التدخل غري املبارش يف سلطة القضاء ورضب مبدأ االستقاللية
الذي يتضح جل ًّيا من خالل الرسعة الغريبة التي تجري بها التغطية اإلعالمية للعديد من أعامل مداهمة أوكار
اإلجرام أو اعتقال مشتبه فيهم -يف الوقت الذي يعترب فيه مبدأ رسية البحث إحدى ركائز املسطرة الجنائية -
وبانتهاك صارخ ملبدأ قرينة الرباءة .وبغض النظر عن بشاعة الجرمية وما أحدثته من صدمة لدى الرأي العام،
فإن ما جرى التسويق له قبل إنهاء األبحاث القضائية وعرض املتهمني عىل القضاء ،والطريقة التي جرى بها
تناول املوضوع ،ال ميكن إال أن تكون سب ًبا للتأثري يف قرار القايض ،أ ًّيا كانت الظروف واملالبسات التي سيكشف
عنها البحث ،وسيؤدي إىل العدول عن إلغاء عقوبة اإلعدام التي كانت محل نقاش خالل السنوات األخرية.
لقد ج ّرم القانون الجنايئ ،من خالل الفصل 266منه ،األفعال أو األقوال أو الكتابات العلنية ،التي يقصد منها
التأثري يف قرارات رجال القضاء ،قبل صدور الحكم غري القابل للطعن يف قضية ما .ثم ج ّرم األفعال أو األقوال
أو الكتابات العلنية ،التي يقصد منها تحقري املقررات القضائية ،ويكون من شأنها املساس بسلطة القضاء أو
درهاًم إىل خمسة آالف درهم.استقالله ،وعاقب عليها بالحبس من شهر إىل سنة وغرامة من مئتني وخمسني ً
63
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
وحامية نفسه من كل زيغ وانفالت وفساد قد يلحقها خالل مسارها املهني .وحتى يتأىت ذلك فال بد من جعل
ِو َرش اإلصالح مفتوح ًة ومستمرة .ويف هذا الصدد نتقدم بالتوصيات التالية:
ـ ـإن شفافية املامرسات هي املجهر الكاشف للهنات والثغرات ،وهي الوسيلة الفضىل التي تتيح تقييم
املنجزات ومامرسة الرقابة الذاتية .ومن هنا تتجىل رضورة تفعيل النصوص القانونية الناظمة لنرش
أشغال املجلس األعىل للسلطة القضائية ،مع دعوته لتطوير عملية النرش لتشمل القواعد العامة
املؤسسة للمقررات التأديبية الصادرة عنه ،حتى تتسنى دراستها ومناقشتها من الناحيتني العلمية
واملهنية ،ويكون املخاطبون بها عىل بينة من املبادئ املكرسة يف ضوئها باعتبارها سوابق تأديبية وجبت
اإلحاطة بها لتقويم السلوك القضايئ ،استلها ًما لعدة تجارب قضائية مقارنة أثبتت فاعليتها.
ـ ـإن بقاء املسؤول القضايئ يف املوقع نفسه عدة سنوات ويف الرقعة الجغرافية نفسها يؤدي يف كثري من
األحيان إىل نسج عالقات وصداقات ،بل يسعى ذوو النفوس األمارة بالسوء إىل التقرب منه بكل السبل
ومحاولة كسب وده وادخاره لطارئ .ومن هنا يتعني إعامل مبدأ التداول عىل املسؤوليات القضائية بصفة
وخصوصا بالنسبة إىل النيابة العامة ،مع اعتامد أسلوب التباري بشأنها تحقي ًقا لتكافؤ ً دورية منتظمة،
الفرص وبهدف انتقاء األفضل واألنسب للمنصب بالنظر إىل مؤهالته العلمية واألخالقية والتدبريية وذلك
تطبي ًقا ملقتضيات املادة 70من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية.
ـ ـتحسني الوضع املادي للقضاة ،مبا يحصنهم اقتصاد ًّيا ويخيل ذهنهم من كل ما يرسح به إىل غري االلتزام
بالحيادية والنزاهة واالستقالل ،ويحميهم من كل تبعية اقتصادية ألي جهة عامة كانت أو خاصة.
وخصوصا
ً ـ ـإن ازدواجية تبعية الرشطة القضائية كشفت أنها كث ًريا ما تؤدي إىل انتهاك استقالل القضاء،
يف القضايا ذات البعد السيايس املبارش أو غري املبارش ،وأن السلطة اإلدارية التي يتبع لها ضابط الرشطة
انضباطا لها بحكم الطبيعة القانونية لوالئه اإلداري؛ ما يتعني عليه جعل الضابطة ً القضائية تجعله أكرث
القضائية تابعة للنيابة العامة بصفة مطلقة.
ـ ـ سلوك القايض سواء يف حياته الخاصة أو العامة هو العنوان الظاهري لعمله القضايئ واملؤرش عىل سالمة قراره
من كل الشبهات ،وهو الذي يحصنه من كل التأثريات؛ ولذلك فإن وضع مدونة للسلوك القضايئ منسجمة
مع املعايري الدولية يعترب األساس املعياري لرقابة املجلس األعىل عىل القايض واملوجه له يف ترقيته أو تأديبه.
ـ ـإن تراكم امللفات وكرثتها بني يدي القايض الواحد يؤدي إىل ضعف جودة األحكام ،ويرهقه صح ًّيا
ونفس ًّيا ،ويشتت تركيزه عن اإلحاطة بدقائق امللفات ومامرسة كل أعامل البحث والتحقيق الالزمة
بشأنها؛ ما يوجب تخفيض هذه األعباء بالرفع من عدد القضاة مبا يضمن تحسني األداء وجودة األحكام.
ـ ـالرفع من سن الولوج إىل القضاء مع توسيع قاعدة امللتحقني من مهن املحاماة والتدريس الجامعي
ممن تتوافر فيهم رشوط الكفاءة والنزاهة.
ـ ـال ميكن القايض أن يخضع طوال مساره املهني المتحان وفحص واحد هو ذلك الذي يجرى عند ولوج
املهنة ،فقدراته املعرفية واإلدراكية وصحته النفسية قد تتأثر مع الوقت .فهو يف كل األحوال يبقى
قاباًل للمرض النفيس والعضوي والوقوع يف أزمات اجتامعية قد تعصف باستقالله ،بحيث يجب إنسانًا ً
إخضاع القضاة دور ًّيا ،خالل مسارهم املهني ،ألبحاث اجتامعية وفحوصات نفسية من جانب أطر
متخصصة تتحمل كامل املسؤولية عن مضمون تقاريرها التي يجب أن تكون صادقة ودقيقة.
64
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
ـ ـأمام التطور التقني والعلمي والتكنولوجي ،مل يعد يف مقدور القايض أن يحيط بكل املعارف القانونية يف
عالقتها بهذه التطورات املتسارعة ،وال ميكن القايض الواحد أن يبارش يف الوقت نفسه تخصصات متعددة.
فام يحكم القضاء الجنايئ من مبادئ غري ما يتأسس عليه القضاء املدين ،ومن راكم تجربة يف القضاء
التجاري غري الذي راكمها يف حل النزاعات األرسية .ولذا وجب اعتامد مبدأ التخصص ابتدا ًء من مرحلة
قاض قادر عىل االجتهاد واإلبداع والدقة يف مجال تخصصه.التكوين يف املعهد العايل للقضاء ،لخلق ٍ
ـ ـالرفع يف عدد أعضاء املجلس األعىل للسلطة القضائية املنتخبني ،مع إضافة متثيلية هيئات املحامني يف
املجلس ،مبا يتناسب مع العدد الذي اعتمدته األنظمة القضائية املقارنة الناجحة.
ـ ـإخضاع القضاة بصفة دورية لتكوينات إجبارية يف مجاالت تخصصهم ،وفق مناهج علمية مضبوطة
ومحكمة معدة من جانب مختصني.
ـ ـنظ ًرا إىل أهمية دور الدفاع يف تحقيق التوازن داخل املساطر القضائية وعدم ترك األطراف مبعارفها
القانونية املتواضعة يف مواجهة آلة قضائية تتوافر لها كل إمكانيات البحث والتحري ،وحامي ًة ألطراف
الدعوى من كل تعسف قد يلحق حقوقها ،فإن تقوية دور الدفاع يف املساطر القضائية وحضوره
أثناء االستامع إىل املشتبه فيهم خالل مرحلة البحث التمهيدي أصبحا رضورة ملحة تستوجب دسرتة
مهنة املحاماة عىل غرار املرشع التونيس ،ومتتيع هذا الدفاع بكل الصالحيات التي تجعل من دفوعاته
ودفاعاته وحضوره محل اعتبار يف كل مراحل الدعوى ،مبا يخدم تحقيق العدالة واستقالل القضاء.
ـ ـإن محاربة الفساد تعترب أوىل األولويات لضامن استقالل السلطة القضائية ،هذا الفساد الذي أصبح يؤرق
خصوصا أن أشكالً املنتظم الدويل الذي ال يرتدد يف توجيه توصيات برضورة مكافحته حامية لدولة القانون،
الفساد تطورت كث ًريا وتطورت معها سبل إخفائه والتسرت عليه يف ظل حركية األموال الرسيعة وتعدد أشكال
األداء وتنوع طرائق الرشوة؛ ما يجب معه الترسيع يف إقرار قانون اإلثراء غري املرشوع وتتبع ثروات جميع
املسؤولني مبن فيهم القضاة ،وثروات عائالتهم طوال مسارهم املهني عىل نح ٍو آين دوري ومستمر.
ـ ـرضورة خلق مجلس الدولة ودسرتته بصفته جهة أخرية تبت يف املنازعات اإلدارية مستقل ًة عن محكمة
النقض ،وتضم قضاة متخصصني يف املجال اإلداري ،وإلغاء الغرفة اإلدارية يف محكمة النقض تحقي ًقا
الستقالل القضاء اإلداري األعىل عن رئيس محكمة النقض الذي هو نفسه الرئيس املنتدب للمجلس
األعىل للسلطة القضائية ،عىل أن يعني امللك رئيس املجلس وأعضاءه مبارشة ،وذلك حتى يتمكن من
البت يف الطعون املتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة بكل استقاللية وبعي ًدا عن كل تبعية.
ـ ـتوفري الضامنات والحصانات الرضورية للقضاة املنتخبني يف املجلس األعىل للسلطة القضائية بعد نهاية
مهامتهم فيه ،مبا يعزز استقاللية قراراتهم أثناء مدة انتدابهم.
ـ ـالتسجيل املريئ والصويت لكل جلسات البحث واالستامع وجلسات املحاكمة ،لتكون املرجع والشاهد عىل
سالمة اإلجراءات الجنائية خالل أطوار املحاكمة كافة بد ًءا من البحث التمهيدي إىل صدور الحكم البات.
وذلك لتجاوز إشكالية عدم تضمني املحارض يف الكثري من األحيان لكل الترصيحات الصادرة عن األطراف
والشهود ،ولضامن عدم إخضاع األطراف ألي ضغط أو إجبارها عىل توقيع محارض ال تسلم مبضامينها.
فأمانة الصورة والصوت أبلغ من النقل الكتايب ملا يروج أمام املؤسسات القضائية ،وأبلغ يف التعبري بصدق
عن كل املجريات التي متكن من بسط محكمة النقض لسلطتها عىل الطعون القانونية بسهولة ويرس.
65
ددعلاا ثلاثلا دلجملا 6 -ددعلادعلا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
خامتة
أساسا عىل معايري موضوعية ومادية وليست فقط شكلية ،هذه املبادئ إن دولة الحق والقانون تقوم ً
املتعارف عليها هي الرشعية مبساطر اعتامد القوانني عىل أساس الشفافية وواجب ربط املسؤولية باملحاسبة
والدميقراطية .وتقوم أيضً ا عىل األمن القانوين ومنع التحكم والولوج إىل عدالة مستقلة وحيادية مع الرقابة
القضائية لألعامل اإلدارية واحرتام حقوق اإلنسان ومنع التمييز وتحقيق املساواة أمام القانون( .((4وبذلك فإن
استقالل القضاء يعترب الركن العتيد واألسايس لبناء دولة الحق والقانون.
لقد وقفنا من خالل دراستنا عىل املجهودات املبذولة من جانب املغرب لتحقيق استقالل حقيقي للسلطة
القضائية ،سوا ٌء عىل املستوى الدستوري أو الترشيعي ،والرغبة يف انسجام النظام القضايئ املغريب مع املعايري
الدولية املؤطرة لهذا املجال ،مدفو ًعا يف ذلك بإرادة ملكية ال ترتدد يف التوجيه واإلرشاد واإللحاح عىل الترسيع
يف مسلسل اإلصالح ،وتضع نفسها ضامن ًة الستقالله.
يتضح من كل ما أسلفنا أن االهتامم بالعنرص البرشي يعترب الحجر األساس لتحقيق استقالل القضاء ،فالقوانني
والترشيعات املتقدمة ال تكفي وحدها من دون نساء ورجال أكفاء لتحمل املسؤولية؛ ما يتطلب االشتغال
عىل نح ٍو دقيق وعميق بالقاضيات والقضاة ،سواء عىل مستوى االنتقاء أو التكوين أو التتبع خالل املسار
املهني ،مبا يضمن حياديتهم وتجردهم ونزاهتهم واستقاللهم عن كل املؤثرات.
تقاض رسيع وشفاف وال يفوتنا أن نؤكد عىل أهمية توفري اإلمكانيات املادية واللوجستية الالزمة ،لتوفري ٍ
وجيد يحول دون تراكم امللفات وتعطل اآللة القضائية يف كل األحوال والظروف ،مثلام حدث مبناسبة اإلعالن
عن حالة الطوارئ والحجر الصحي الشامل بسبب جائحة فريوس كورونا املستجد (كوفيد )19-التي أدت
إىل تعطيل جزء مهم من اآللة القضائية .فال ميكن تصور دولة حق وقانون مبرفق قضايئ مشلول ولو جزئ ًّيا.
ثم إن إنهاء ازدواجية تبعية الرشطة القضائية وقرص تبعيتها للنيابة العامة سوف يحسامن إىل ح ّد بعيد
مسألة استقالل القضاء ،فليس من املعقول ،بعد كل هذه اإلصالحات ،أن يبقى هذا الجهاز يسري برأسني
مختلفني متام االختالف.
إن املستقبل هو الكفيل بتقديم الجواب عن مدى نجاح التجربة املغربية للسلطة القضائية ملا بعد دستور
،2011فالنجاحات واإلخفاقات ال تقيم إال بدراسة تراكامت مسلسل طويل من املامرسة القضائية ،فلنئ كانت
اإلرهاصات األوىل تبدو إيجابية فإنه سيكون من الترسع الحكم عليها من خالل القوانني ،بل يجب اللجوء إىل
تنزيلها وتفعيلها وتطبيقها عىل أرض الواقع.
ومن أجل ذلك ،يجب اإلرساع يف استكامل املنظومة القانونية لإلصالح العميق والشامل للقضاء ،واإلبقاء عىل
مفتوحا مع كل الفاعلني واملهتمني ،يف إطار جو من الدميقراطية وحرية التعبري ،بهدف االرتقاء بالقضاء
ً الحوار
إىل اآلمال والطموحات املنشودة؛ عىل اعتبار األهمية القصوى الستقالل السلطة القضائية يف حامية الحقوق
والحريات وصيانة االختيار الدميقراطي وبناء دولة القانون.
43 Commission Européenne pour la démocratie par le droit (Commission de Venise), Liste des critères de l'état de
droit, Etude no. 711/ 2013, Adoptée par la commission de Venise à sa 106e session plénière (Venise, 11-12 Mars 2016),
Conseil de l'Europe, Strasbourg, le 18 Mars 2016, p. 8.
66
برعلا لودلا يف ءاضقلا لالقتسا تاسايس فلم
و ةسرامملا عقاوو ةيروتسدلا تانامضلا :برغملا يف ةيئاضقلا ةطلسلا لالقتسا
املراجع
العربية
األزهر ،محمد .السلطة القضائية يف الدستور .الدار البيضاء :مطبعة النجاح الجديدة.2013 ،
الجوهري ،فاطمة الزهراء السائح" .أي دور لألخالق املهنية يف ضامن محاكمة جنائية عادلة؟" .مجلة العلوم
الجنائية .العدد .)2019( 6-5
شندي ،يوسف" .استقالل القضاء :دراسة مقارنة" .ورقة تطبيقية .سلسلة الكرامة اإلنسانية .معهد الحقوق،
جامعة بريزيت .فلسطني -جامعة وندسور .كندا (.)2007
القضاء يف الدول العربية :رصد وتحليل (األردن – لبنان – املغرب -مرص) .بريوت :منشورات املركز العريب
لتطوير حكم القانون والنزاهة .2007 ،يفhttps://bit.ly/3zOo14o :
املجلس الوطني لحقوق اإلنسان .التقرير السنوي عن حالة حقوق اإلنسان باملغرب لسنة 2019فعلية
حقوق اإلنسان ضمن منوذج ناشئ للحريات (آذار /مارس .)2020يفhttps://bit.ly/3lA8zp7 :
اململكة املغربية" .ظهري رشيف 1.17.45صادر يف 8ذي الحجة 30( 1438أغسطس )2017بتنفيذ
القانون 33.17املتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إىل الوكيل العام للملك
رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامـة".
لدى محكمة النقض بصفته ً
الجريدة الرسمية .السنة ،106عدد .2017/9/18 .6605يفhttps://bit.ly/3Jg9Eds :
_______" .ظهري رشيف رقم 41.16.1صادر يف 14من جامدى اآلخرة 1437هـ ( 24مارس )2016بتنفيذ
القانون التنظيمي رقم 106 .13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة" .الجريدة الرسمية .السنة ،105
عدد .2016/4/14 .6456يفhttps://bit.ly/3yy2wnP :
اململكة املغربية ،األمانة العامة للحكومة .الدستور طبعة .2011يفhttps://bit.ly/3TaniDr :
اململكة املغربية ،رئاسة النيابة العامة .تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسري النيابة
العامة لسنة .2018يفhttps://bit.ly/3JG5Out :
اململكة املغربية ،املحكمة الدستورية ،املجلس الدستوري " .قرار رقم 16 /991 :م .د ،ملف عدد،1473 /16 :
."2010/3/15يفhttps://bit.ly/3JPwL04 :
_______" .قرار رقم 16 /992 :م .د ،ملف عدد ."2016/3/15 ،1474 /16 :يفhttps://bit.ly/3YRh8cJ :
مؤسسة الوسيط .التقرير السنوي لعام .2018الرباط.2018 :
األجنبية
Bertrand, Mathieu. "L'émergence du pouvoir judiciaire dans la constitution marocaine de
2011." Pouvoirs, no. 145 (2013/2).
67
ددعلادعلا6 - ددعلاا ثلاثلا دلجملا
Issue 6 - Volume 03 - Spring 2023
مراجع إضافية
Ageneau, Claire. "'L'affaire d'Outreau' dans la presse quotidienne française." Mémoire de
fin d'étude. Institut d'Études Politique de Lyon, 2007.
Audesse, Alexandre. "Dérives et misères populistes: Analyse des politiques pénales
érigées, modifiées et abrogées sous le gouvernement de Stephen Harper, 2006-2015."
Mémoire de maîtrise en sociologie. Université Laval. Québec - Canada, 2019.
Ponchaud, Perrine. "L'indépendance judiciaire en France et au Canada." Mémoire
du master 2. Justice, Procès et Procédures. "Contentieux et procédures civiles
d'exécution." Université Grenoble - Alpes - Faculté de droit. France, 2017.
68