Professional Documents
Culture Documents
1
مقدمة
تعتبر السلطة القضائیة أكثر سلطات الدولة احتكاكا بالمواطن ،نظرا لحق ھذا األخیر في اللجوء
إلیھا مباشرة ،فھي الركیزة األساسیة التي تضمن حقوق وحریات األفراد ،ونظرا لكون ھذه
السلطة إحدى السلطات الثالثة للدولة فیجب أن تحظي بحمایة قانونیة تكرس قداسة العدالة في
الدولة .من ھنا یتوجب على الدولة تكریس استقاللیة المؤسسة القضائیة التي تعتبر الركیزة
األساس لمحاكمة عدالة ودولة القانون ،من خالل نصوصھا الدستوریة ومنظومتھا القانونیة
والتشریعیة .فقد أكد تقریر صادر من األمم المتحدة على أن " السلطة القضائیة منفصلة ومتمیزة
من حیث أسسھا ،وتقنیتھا و أسلوبھا ،و الجھاز القضائي بوجه عام جھاز متمیز في كل نظام
حكم بصرف النظر عن مدى قبول الفصل بین السلطات .وإن القضاة عندما عندما یحرمون من
االستقالل والنزاھة ،وعندما یستخدمون إلجازة أوامر السلطة التنفیذیة ،أو السلطة التشریعیة
دون اعتبار للقانون ،فإن ما یقیمونه ھو العدل السیاسي ،وھو مایعتبر تجاوزا للقانون واستھزاء
بالعدالة ،ومما یجدر تذكره أن القضاة كوحدات وظیفیة بجسم السلطة القضائیة ،یتمتعون بسمة
االستقالل والنزاھة ،وتطبیق القانون وفقا لما یملیه الضمیر بشجاعة دون أي عداء ،وھذا ھو
سبب لجوء النظم السیاسیة إلیھم لتوثیق ما یفعلون وإلضفاء صفة المشروعیة علیھا" .إنه و
بالرغم من أن تحقیق قضاء مستقل وعادل حق من حقوق اإلنسان الذي كرسته العدید من المواثیق
الدولیة لحقوق اإلنسان ،إال أن العدالة في اغلب دول العالم ،تشھد تعدیا على استقالل القضاء،
وھذا ما یمس بحقوق وحریات األفراد مما یستلزم التدخل وبسط البحث المعمق في كیفیة تحقیق
استقاللیة السلطة القضائیة. 1
ومن أھم العوائق التي تحول دون تحقیق االستقالل الفعلي للسلطة القضائیة في اغلب الدول
العربیة ومن بینھا دول المغرب الكبیر الجزائر وتونس والمغرب على وجه التحدید ھي مركز
السلطة التنفیذیة القوي والممیز الذي تتمتع بھا ھذه السلطة في دساتیرھذه الدول فكثیرة ھي ھذه
الحاالت التي تلجأ فیھا السلطة التنفیذیة إلى إحكام قبضتھا على السلطة القضائیة بالدولة ضاربة
مبدأ الفصل بین السلط بعرض الحائط وغیر مكترثة بتداعیات ھذه الخطوة.
وأثبت المعطى التاریخي أن لمبدأ استقاللیة السلطة القضائیة أھمیة قصوى في حیاة األمم ،إذ
أصبح مقیاسا لمؤشرات التنمیة في دول العالم یحسم في طبیعة ومدى تقدم الدول أو تأخرھا.
ولذلك فقد نصت جل دساتیر الدول المتحضرة ،على مبدأ استقاللیة السلطة القضائیة عن السلطتین
التشریعیة والتنفیذیة ،بما في ذلك دساتیر المملكة المغربیة .إال أن المالحظ ،ھو أن الدساتیر
المغربیة السابقة و خصوصا دستور سنة ،1996لم تكن تعترف للقضاء بوصف السلطة ،بحیث
نص الفصل 82من دستور سنة 1996على أن " :القضاء مستقل عن السلطة التشریعیة وعن
السلطة التنفیذیة".
1أوشان سارة ،طوالبي عصام ،إشكالیة استقاللیة السلطة القضائیة في دول المغرب العربي الجزائر ،تونس والمغرب نموذج ،،مقال منشور بمجلة
صوت القانون ،المجلد السابع العدد / 7ماي . 2020
2
وعلى إثر ذلك ،كثر الجدل بین فقھاء القانون ،واختلفت اآلراء حول طبیعته ،ھل ھو وظیفة ،أم
سلطة ،أم ھیئة قضائیة؟ حیث أن ھناك من كان یعتبره سلطة ،والبعض اآلخر كان یراه وظیفة،
في حین ذھب فریق ثالث إلى اعتباره ھیئة قضائیة تختلف طبیعتھا ومھمتھا عن باقي السلط
األخرى في الدولة ،مع العلم بأن اعتبار القضاء سلطة مستقلة كان یلقى قبوال عاما في غالبیة
النظم القانونیة ،وفي عالمنا المعاصر بما في ذلك المغرب.
ولقد وضع دستور سنة 2011لبنة أساسیة في استقاللیة السلطة القضائیة ،إذ من بین المرتكزات
التي أشار إلیھا الخطاب الملكي ل 9مارس 2011ضرورة االرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة،
وبذلك تقرر إحداث المجلس األعلى للسلطة القضائیة برئاسة الملك ،وھذه إشارة إلى أن المغرب
دخل منذ سنة 2011مرحلة فصل السلط ،لینھي بذلك الخالف الفقھي الذي كان دائرا في إطار
دستور سنة 1996حول طبیعة القضاء بالمغرب.
وقد حرص أیضا دستور سنة 2011على التأكید على استقالل القضاء ،إذ أنه خصص الباب
السابع منه للسلطة القضائیة – تحت عنوان السلطة القضائیة – وھو ما یفصح بجالء على أن
دستور 2011اعتبر القضاء إحدى سلطات الدولة الثالث ،حیث جاء فیه على أن ":السلطة
القضائیة مستقلة عن السلطة التشریعیة وعن السلطة التنفیذیة"
إن موضوع استقالل السلطة القضائیة كان وال یزال یسیل الكثیر من المداد ،فاستقالل القضاء
باعتباره أحد أھم مرتكزات دولة الحق و القانون جعل ھذا الموضوع مادة تستھوي الباحثین و
تشد فضولھم البحثي إلیه بالنظر ألھمیته القصوى و ارتباطه الشدید في غالب األحیان إن لم
یك ون في جمیعھا بالنص الدستوري ،أما عملیا فموضوع االستقالل من عدمه ھو الذي یحدد
حجم الثقة التي یضعھا المرتفق بمرفق القضاء ،فوجود قضاء مستقل و نزیه ھو األساس الذي
یدفع األفراد إلى اللجوء إلیه من أجل وضع حد لكل نزاع قد ینشأ بینھم ،و إن انعدام ھذه الثقة
یضعف الشعور باألمن القضائي لدى المواطن و یجعله في كثیر من األحیان یحجم عن التقدم
بمطالبه أمامه ،و استقالل السلطة القضائیة الیوم لم تعد أھمیته محصورة في النقاط السالفة بل
تتعداھا إلى الدور الذي یلعبه ھذا االستقالل في تعزیز جاذبیة الدولة لإلستثمار ،فالمستثمر غالبا
ما یلجأ إلى دراسة البیئة الجدیدة المحتملة الستثماراته ،ویعتبر استقالل السلطة القضائیة أحد
أبرز النقاط التي تتناولھا ھذه الدراسة ،كون المستثمر یرى في ھذه السلطة صمام األمان الذي
یرعى حقوقه في مواجھة الغیر بشكل عام و الدولة مجال االستثمار بشكل خاص ،و بالتالي
فاستقالل السلطة القضائیة یمكن أن یشكل ركیزة تراھن علیھا الدولة لتحقیق التنمیة االقتصادیة
و تجاوز عجزھا على استقطاب رؤوس األموال ،و اعتبارا لھذه األھمیة البالغة التي یحظى بھا
موضوع االستقالل فإننا بدورنا ارتأینا التقدم بھذا اإلسھام في إطار السعي الحثیث للفت االنتباه
إلى ھذا المبدأ ،الذي یشكل حجر الزاویة في بنیان أنظمة العدالة بالدول الغربیة الدیمقراطیة
الرائدة في المجال القضائي ،فال دیمقراطیة دون استقالل للسلط و ال عدالة في ظل سلطة قضائیة
تابعة لسلطة تنفیذیة توجھھا و تستخدمھا كأداة طیعة لتحقیق مآربھا غیر المشروعة في كثیر من
األحیان .
وللوقوف على أبرز اإلشكاالت وتمظھرات استقالل السلطة القضائیة سنحاول اإلجابة على
3
اإلشكال التالي :أين يتموقع التنظيم القانوني المغربي من مبدأ االستقاللية على غرار التجربة
األجنبية ؟
وفي مسعانا لإلجابة على ھذا اإلشكال ارتأینا تناول مبدأ استقالل السلطة القضائیة بالبحث من
خالل التصمیم التالي:
4
المبحث األول :التأصيل الدولي والتشريعي لمبدأ استقالل السلطة القضائية
5
وحیادیة ،منشأة بحكم القانون خالل فترة زمنیة معقولة في إثبات أي تھمة ذات طبیعة جنائیة
موجھة إلیه للبث في حقوقه وإلتزاماته المدنیة ،أو العمالیة ،أو المالیة أو ذات أي طابع آخر ".
وبعبارة مماثلة نصت المادة 7من المیثاق اإلفریقي لحقوق اإلنسان والشعوب على أن " حق
التقاضي مكفول للجمیع ویشمل ھذا الحق اللجوء إلى المحاكم الوطنیة المختصة بالنظر في
الدعوى" و " اعتبار المتھم بريء حتى ثبوت إدانته أمام محكمة مختصة" و " الحق في المحاكمة
خالل فترة معقولة و بواسطة محكمة محایدة ".
ویتعین قراءة ھذه المادة بالموازاة مع المادة 26من المیثاق التي تنص على أنه " یتعین على
الدول األطراف في ھذا المیثاق ضمان استقالل المحاكم" .وأكدت اللجنة اإلفریقیة لحقوق االنسان
على أنه ینبغي اعتبار المادة " 7غیر قابلة لإلنتقاص " ،حیث أنھا توفر " الحد األدنى من
الحمایة للمواطنین".5
باإلضافة إلى كل ھذا ،ال یجب أن ننسى المیثاق العربي لحقوق االنسان الذي بدوره نص في
المادة 13منه على أن " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوافر فیھا الضمانات الكافیة
وتجریھا محكمة مختصة ومستقلة ونزیھة ومنشأة سابقا بحكم القانون ،وذلك في مواجھة أي تھمة
جزائیة توجه إلیه أو للبت في حقوقه أو إلتزاماته وتكفل كل دولة طرف لغیر القادرین مالیا
اإلعانة العدلیة للدفاع عن حقوقھم". 6
وأخیرا ،فقد نص المیثاق العالمي للقضاة والذي أقره قضاة من جمیع أنحاء العالم على أن "
استقالل القاضي مبدأ ال یتجزء وال غنى عنه لحیاد القضاء وفق للقانون .ویتعین على جمیع
المؤسسات والسلطات سواء كانت وطنیة أو دولیة إحترام وحمایة ھذا االستقالل والدفاع عنه".7
وبالتالي نجد كل المواثیق الدولیة واإلقلیمیة والعربیة السابقة أكدت والزالت تؤكد بوضوح تام
أن مناط المحاكمة العادلة ال یمكن أن یتأتى إال بوجود سلطة قضائیة مستقلة ،ووجوب احترام
ھذه اإلستقاللیة من كافة مؤسسات الدولة ترسیخا لمبدأ الفصل بین السلط ،ألنه عندما تنعدم
استقاللیة القضاء تنعدم مصداقیته وتنعدم معه شرعیته.
5اللجنة الدولیة للحقوقیین ،المیادئ الدولیة المتعلقة باستقالل ومسؤولیة القضاة والمحامین وممثلي النیابة العامة ،دلیل الممارسین ،الطبعة األولى،
جنیف .2007ص 3-4
6المیثاق العربي لحقوق االنسان ،القانون رقم : 270ع ) (2004/5/23/16كما وافق علیه مجلس جامعة الدول العربیة.
7المیثاق العالمي للقضاة الذي أقرته رابطة القضاة في 17تشرین الثاني/نوفمبر ،1999المادة .1
6
التشریعیة والتنفیذیة بحیث أصبحت ھاته السلطات تشكل ثالثیا واحدا مستقال ومتكامال ال یطغى
أحد أجزاء سلطة ما على سلطة أخرى.
ان مبدا استقالل السلطة القضائیة یلعب دورا ھاما في حیاة األمم فقد أصبح بمثابة مقیاس
لمؤشرات ونسب التنمیة في إطاردول العالم بصورة یتبین من خاللھا مدى تقدم الدولة على
المستوى التنموي او مدى تأخرھا.
ولذلك فقد نصت جل دساتیر الدول المتحضرة – الدیمقراطیة – على مبدا استقالل السلطة
القضائیة عن السلطتین التشریعیة والتنفیذیة ،ونخص بالذكر الدساتیر التي جاءت بھا المملكة
المغربیة اال ان االمر المالحظ والذي كان یطرح نقاشا ھو ان دستور 1996والدساتیر التي
كانت قبله لم تكن تعترف للقضاء بوصفه " سلطة " وھذا ما جاء في الباب االول من دستور
1996وتحدیدا الفصل الثاني والذي ورد في احدى فقراته "القضاء مستقل عن السلطة التشریعیة
8
وعن السلطة التنفیذیة "
وھذا ما أدى الى اثارة جدل واسع بین فقھاء القانون واختلفت اآلراء حول الطبیعة التي یمكن
اسنادھا الى القضاء ھل ھو وظیفة ام سلطة ام ھیئة فقد ذھب فریق من الفقه الى اعتباره سلطة
والبعض االخر یراه وظیفة ،في حین ذھب فریق ثالث الى اعتباره بمثابة ھیئة قضائیة تختلف
طبیعتھا ومھمتھا عن باقي السلط األخرى في الدولة مع العلم ان اعتبار القضاء سلطة مستقلة
كان یلقى قبوال واسعا في غالبیة النظم القانونیة وكذا في عالمنا المعاصر بما في ذلك المغرب
فدستور 2011جاء وفي طیاته ما یبین ویحسم بان القضاء ھو سلطة مستقلة بذاتھا ،فقد وضع
دستور 2011لبنة أساسیة في استقاللیة السلطة القضائیة اذ جاء الخطاب الملكي لجاللة الملك
محمد السادس في 9مارس 2011بمرتكزات أساسیة أھمھا ھو ضرورة العمل على االرتقاء
بالقضاء الى سلطة مستقلة وبالتالي تقرر احداث المجلس األعلى للسلطة القضائیة برئاسة الملك
وھذه إشارة واضحة تبین ان المغرب دخل منذ سنة 2011في مرحلة فصل السلط لینھي بذلك
الخالف الفقھي الذي كان دائرا في اطار دستور 1996والدساتیر السابقة حول طبیعة القضاء
بالمغرب.
وبالتالي فمما ال شك فیه ان الدستور المغربي الحالي 2011وانطالقا من مرجعیاته قد نص على
استقاللیة القضاء والقضاء كوسیلة لضمان حریة االنسان وحقوقه ویعزز الباب المخصص
9
للسلطة القضائیة بتطرقه أیضا للمجلس األعلى للسلطة القضائیة ولحقوق المتقاضین
فتكریسا لالستقاللیة المنصوص علیھا تم تخویل القضاة ضمانات من بینھا:
.1تخویل القضاة الحق في حریة التعبیر بما یتالءم مع واجب التحفظ واالخالقیات القضائیة
و االنخراط في الجمعیات وانشاء جمعیات مھنیة مع احترام واجبات التجرد واستقاللیة
القضاء (الفصل )111
.2عدم عزل قضاة االحكام او نقلھم اال بمقتضى القانون (الفصل )108
8الفصل 82من دستور 1996الذي نص بان " القضاء مستقل عن السلطة التشریعیة والتنفیذیة "
9نادیة جامع "الوجیز في القانون الدستوري" الطبعة األولى مطابع الرباط نت 2019ص 211
7
منع التدخل في القضایا المعروضة على القضاء وفي حالة ما إذا اعتبر القاضي ان استقالله
مھدد یحیل االمر على المجلس األعلى للسلطة القضائیة (الفصل )109
الفقرة الثانية :تأصيل مبدا استقالل السلطة القضائية وفق القانون رقم 38.15المتعلق
بالتنظيم القضائي
فلتنزیل مشروع اصالح منظومة العدالة كان المشرع مقتنعا بضرورة إعادة صیاغة مجموعة
من المقتضیات الھامة من اجل االرتقاء بھا ،فبعد تنصیب المجلس األعلى للسلطة القضائیة
وانتقال رئاسة النیابة العامة للوكیل العام للملك لدى محكمة النقض ،كان لزاما وضع نص
قانوني یضبط العالقة بین السلطة القضائیة ورئاسة النیابة العامة والوزارة المكلفة بالعدل
داخل المحاكم وتحدید اختصاصات الوزارة في مجال تدبیر اإلدارة القضائیة .ھذا وبالرجوع
إلى مشروع قانون 38.15المتعلق بالتنظیم القضائي فإنه یتضمن 120مادة (مقابل 28
10
فصال في القانون الحالي) موزعة على اربعة اقسام
فبالرغم من أن مشروع 38.15الزال لحد االن في قید التنفیذ ،ال یمنعنا ھذا من محاولة
ت بیان القیمة الموضوعیة المضافة التي جاء بھا ،والتي من شأنھا إعطاء دفعة قویة لجل
مكونات القضاء ،خصوصا بعض المستجدات من حیث الموضوع ،والتي تمثلت في مجموعة
من المقتضیات لعل أھمھا في إطار موضوعنا الحالي ھو تأكید المشرع المغربي على أن
أھم مبدأ یقوم علیه التنظیم القضائي للمملكة ،ھو مبدأ استقالل السلطة القضائیة عن السلطة
11
التشریعیة والسلطة التنفیذیة
یتمیز جھاز النیابة العامة بالتراتبیة الوظیفیة لممثلیه ،و ھو ما یترتب عنه أن بعضھم یعتبر
رئیسا ،و البعض اآلخر مرؤوسا .و ھذا الوضع تؤكده بشكل صریح أحكام المادة 111من
دستور المملكة التي تنص على أنه "یجب على قضاة النیابة العامة تطبیق القانون كما یتعیتعین
علیھم االلتزام بالتعلیمات الكتابیة القانونیة الصادرة عن السلطة التي یتبعون لھا ".و تعتبر السلطة
12للمزید من االطالع حول السلطة الرئاسیة في القانون اإلداري راجع :محمد بلحاج ،القانون اإلداري المغربي ،المطبعة الملكیة ،الرباط 1988،
ص 66و مایعدھا .
13محمد أحداف ،شرح قانون المسطرة المدنیة ،مسطرة البحث التمھیدي ،الجزء األول طبعة ، 2018مطبعة سجلماسة .
9
شخصیة ال أساس قانوني لھا و بالتالي تصبح الخصومة الجنائیة في ھذا الخصوص ملكا لوزیر
العدل ال للدولة و المجتمع و ھو توجه خطیر من وجھة نظرنا قد یعطل سیادة القانون و یفتح
الباب أمام العدالة السیاسیة ،و أمام عدم إمكانیة مساءلة النیابة العامة تصبح القراءة السابقة أشد
تھدیدا للعدالة ،فوزیر العدل باعتباره رئیسا لھذا الجھاز ( سابقا ) یعتبر محصنا من المساءلة
متى كانت اإلجراءات التي باشرھا موافقة للقانون ( ظاھریا ) ولو كانت له دوافع سیاسیة ،و
ھو ما یعني بأن النیابة العامة یمكن أن تشكل أداة انتقام من المعارضة و الخصوم السیاسیین و
ھو ماال ینسجم و وصفھا بكونھا خصم شریف تتولى الدفاع عن المجتمع و تحتكر سلطة المتابعة
من أجل تفعیل حق الدولة في العقاب ،وفي ھذا الخصوص تنص الفقرة األولى من المادة الثانیة
من قانون المسطرة المدنیة على أنه "یترتب عن كل جریمة الحق في إقامة دعوى عمومیة
لتطبیق العقوبات "...و اتباطا بھذه الفقرة تنص الفقرة الثانیة من المادة الثالثة "یقیم الدعوى
العمومیة ویمارسھا قضاة النیابة العامة ،كما یمكن أن یقیمھا الموظفون المكلفون بذلك قانونا"...
.
إن التخوفات التي أبدیناھا سابقا تصبح أكثر حدة إذا ما علمنا بأن أغلب القضایا الجنائیة التي تقل
مدة العقوبة السجنیة فیھا عن ثالثین سنة ال تخضع لمسطرة التحقیق اإلعدادي بصورة إجباریة
،و ھو مایعني بأن إخضاع ھذه الجرائم لھذه المسطرة مرھون بالسلطة التقدیریة لجھة المتابعة
،علما أن قضاء التحقیق ھو الصمانة األبرز للمتھم كونه یسمح بتعمیق البحث و استجالء الحقائق
بما یخدم المتھم ،و بالتالي فغیاب االستقاللیة الذي یكفل التجرد و النزاھة و مع خضوع النیابة
العامة لسلطة المتابعة التي یتعین معھا على قضاة النیابة العامة الخضوع لتوجیھات الرئیس و
أوامره الكتابیة یمكن أن یشكل مدخال واسع الباب نحو تعطیل ھذه المؤسسة الھامة و بالتالي
اھدار الحقوق تحت ذریعة أن مباشرة مسطرة التحقیق اإلعدادي ال تتم إال في الحالة التي ینص
القانون على ذلك أو الحالة التي تقدر فیھا النیابة العامة عدم جاھزیة الملف للبث ،و بالتالي
تجنح النیابة العامة إلى اإلحالة المباشرة للملف على قضاء الحكم في قضایا ذات عقوبات طویلة
و متوسطة األجل دون بمصلحة المتھم .
إن إقرار استقالل جھاز النیابة العامة عن سلطة وزیر العدل خطوة بالغة األھمیة نؤیدھا من
وجھة نظرنا فھي من ش أنھا أن تعطي لمیدان العدالة ببالدنا الدفعة الكبیرة في اتجاه بناء جھاز
قضائي یراعي تطلعات المواطن المغربي و یعید الثقة ( المفقودة ) في مرفق العدالة و یعزز
من موقف و مصداقیة قطاع االسثتمار الذي یرى كما أسلفنا في دولة الحق و القانون المالذ
اآلمن لرؤوس األموال ،و بالتالي التالي تتحقق التنمیة االقتصادیة و الرخاء االجتماعي بالدولة
،كما أن ھذا االختیار ینسجم و الرغبة الدستوریة الرامیة إلى احقاق القانون و المساواة أمامه ،
و التي جسدھا التخلي عن تمتیع النواب البرلمانیین بالحصانة المطلقة و حصرھا في التعبیر عن
الر أي المشروط بعدم المجادلة في الدین اإلسالمي و االحترام الواجب للملك دون المخالفات
الجنائیة ،وھو مایستفاذ من نص الفصل 64من دستور المملكة حیث نص على أنه "ال یمكن
متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ،وال البحث عنه ،وال إلقاء القبض علیه ،وال اعتقاله وال
محاكمته ،بمناسبة إبدائه لرأي أو قیامه بتصویت خالل مزاولته لمھامه ،ماعدا إذا كان الرأي
المعبر عنه یجادل في النظام الملكي أو الدین اإلسالمي ،أو یتضمن ما یخل باالحترام الواجب
10
للملك ".وھي خطوة كذلك تضع نواب المؤسسة التشریعیة في خانة األشخاص الذین یمكن
متابعتھم بما ینسب إلیھم من جرائم خالفا لما كان معموال به في السابق ،وھذا أحد أھم تجلیات
استقالل السلطة القضائیة عن السلطة التشریعیة ھي األخرى.
رغم الضمانات التشریعیة الستقالل السلطة القضائیة والخطوة النوعیة التي أتى بھا دستور
2011بھذا الخصوص ،إال أن داء السلطة القضائیة الذي ھو االستقالل لم یتم عالجه بشكل
كامل بعد ،و ذلك راجع لعدة إكراھات الزالت حاضرة و تؤثر بشكل أو بآخر على استقالل
القضاء التام ،فمن المعروف أن المضامین التشریعیة لن تتحقق إال بتنزیلھا على أرض الواقع،
و بمالحظة ھذا األخیر نجد عدة عثرات تقف دون اكتمال مالمح االستقالل القضائي التامة ،و
یمكن تقسیم ھاته المعیقات كاآلتي:
1التبعية للسلطة التنفيذية: 14
من خالل المالحظة الواقعیة والقضائیة ،نالحظ أن القضاء خاضع بصفة غیر مرغوب فیھا
لوزارة العدل باعتبارھا سلطة تنفیذیة ،حیث أن الدولة المغربیة تعامل القضاء بمنطق المھنة
التابعة للحكومة ،و ھذا بجعل االعتبارات السیاسیة تطغى على القضائیة أو الحقوقیة بصفة عامة.
في الحقیقة ال یمكن إنكار ما جاء به القانون التنظیمي الخاص بالنظام األساسي للقضاة ،حیث
استطاع فعال أن یحل عقدة النیابة العامة بجعلھا تحت سلطة ومراقبة الوكیل العام للملك لدى
محكمة النقض ،عوض الوزیر طبقا لما كان معموال منذ ،1974رغم ذلك ،قد آن األوان للتخلص
من ھاته التبعیة وقتل الخناق على القضاء للرقي باستقالله ،وذلك عبر عدة خطوات من بینھا
یمكن القول أن تصبح مباراة الملحقین القضائیین و تكوینھم من صالحیات المجلس األعلى
للسلطة القضائیة.
و ھاته االشكالیة لیست مطروحة فقط في المغرب ،بل تتجاوزھا إلى دول أخرى من قبیل الجزائر
التي یلعب فیھا أیضا الجھاز التنفیذي أدوارا مھمة تجعله یدلي بسیطرته على القضاة ،15فالجھاز
التنفیذي في الجزائر ھو من ینظم مسابقة لتوظیف القضاة ،و ھو من یعین القضاة بمقتضى
مرسوم رئاسي ،بل في بعض الحاالت االستثنائیة یمكن تعیین مستشارین بمجلس الدولة وفق
بعض الشروط بناء على اقتراح من وزیر العدل.
ھناك بعض الدول التي حاولت تجنب االنتقادات التي قد توجه لتسییرھا الجھاز القضائي بالتخلي
عن فكرة تعیین القضاة ،واالعتماد على أسلوب اإلنتخاب ،وھذا ھو التوجه الذي اعتمدته الوالیات
المتحدة األمریكیة ،حیث أخذت بنظام اإلنتخاب في تعیین القضاة لمنع الجناز التنفیذي من التدخل
14أحمد السكسیوي ،وضعیة القضاء المغربي :إشكالیة االستقالل و سؤال االصالح ،جامعة محمد الخامس بالرباط كلیة الحقوق سال،2014/12/31 ،
تم االطالع علیه بتاریخ 2022/06/22على تمام الساعة . 21:42
15سارة اوشان ،إشكالیة استقالل السلطة القضائیة في دول المغرب العربي ،الجزائر تونس و المغرب نموذجا ،جامعة الجزائر 1مخبر حقوق االنسان
و القانون الدولي االنساني ، 2020/05/30 ،ص .388
11
في السلطة القضائیة ،و لتكریس استقاللیة أكبر لھذا الوتر الحساس ،على اعتبار أن التعیین یمس
باستقاللیة القضاة في نظر دولة تمجد الفصل بین السلط.
2تنقيط القضاة:
من بین المعیقات ذات الطابع القانوني التي تحول أیضا دون االستقالل التام و الكامل للسلطة
القضائیة ،فھناك من جھة ترقیة القضاة التي تقوم بناء على تنقیط الرؤساء لھم ،و ھذا یطرح
عدة إشكاالت على المستوى العملي ،حیث أن تبعیة القضاة في ترقیتھم لتنقیط الرؤساء من شأنه
التأثیر على عمل القضاة في بتھم لألحكام ،خصوصا إذا ما علمنا أن المعیار في التنقیط ھو الكم
و لیس الكیف ،حیث أن القاضي یرتقي باالعتماد على كم الملفات التي بت فیھا في السنة ،و ھذا
یجعل السادة القضاة یسعون سرعة البت لخلق كمیات كبیرة من القضایا التي تم البت فیھا و ھذا
لیتم تنقیطھم بشكل جید من قبل الرؤیس و منه االرتقاء في السلم القضائي ،لكن االشكال ھنا ھو
أن سرعة البت في األحكام تأتي على حساب معیار أكثر أھمیة أال و ھو الجودة ،فالكم الھائل
من الدعاوى التي تحال یومیا على القضاة و ضغط عامل السرعة یجعل جودة األحكام و القرارات
منخفضة و ذلك بعدم التطرق للمقتضیات القانونیة الخاصة بموضوع النازلة عن طریق الخطأ
الناتج عن االجھاد او إغفال السادة القضاة لمقتضى معین ،لكن خطأ القاضي مرتبط بحقوق و
حریات المواطنین و المواطنات ،لذلك یذھب أحد الفقھاء 16إلى قوله " ال یمكن لھذا األسلوب
الكمي الذي ال یعطي للكیف أھمیته الالزمة ،أن یتخذ معیارا لتقییم عمل القضاة ،ألنه من جھة
أولى یفتح المجال أمام ترقیة قضاة ال یولون أیة أھمیة للتقنیات الفنیة للقضاء ،و یعتمدون على
الكم دون الكیف ،و ألنه من جھة ثانیة یستبعد قضاة ھم أولى بالترقیة من غیرھم ،بناء على
األحكام الرفیعة و اإلجراءات السلیمة و الناجعة التي قاموا بھا .و من جھة ثالثة ،ألن مثل ھذا
األسلوب ال یشجع على اإلبداع و االجتھاد القضائي و ھو األمر الذي توخاه المشرع من خالل
منحه القضاة عدة صالحیات إبان نظرھم في الملفات" .17فھذا المعیار الكمي ال یمكن أن یأخذ
في تعیین القضاة خصوصا إذا ما علمنا أن بعض القضایا التي ال بمكن الفصل فیھا بشكل مبكر
مثل القضایا العقاریة مثال قد تأخذ أعوام للفصل فیھا ،و ھذا لیس فیه عدل بتاتا ،كون أن القضایا
العقاریة ال تقف في نفس الدرجة من الصعوبة مع حوادث السیر أو الحالة المدنیة من حیث
الصعوبة و اإلجراءات و طول المسطرة ،األمر الذي یؤثر بدوره على ترقیة القاضي الذي و
إن كان لم ببت في قضایا كثیرة و لكن أحكامه ذو جودة عالیة ،فلن یختلف اثنان على أن ھذا
إجحاف في حقه.
3العفو الملكي :
بعد العفو الملكي آلیة یمارسھا جاللة الملك نصره هللا تروم إسقاط الصفة اإلجرامیة عن أشخاص
محكوم علیھم بعقوبات زجریة ،و الفكرة ھنا أن القاضي عندما بحكم على متھم باإلدانة و یأتي
عفو ملكي لذلك الشخص و كأنه لم یرتكب ذلك الفعل الجرمي ،فھذا یطرح إشكاالت عملیة،
16عبد الكریم الطالب ،التنظیم القضائي المغربي دراسة عملیة ،جامعة القاضي عیاض كلیة الحقوق بمراكش ،مكتبة المعرفة مراكش ،الطبعة الخامسة،
،2018ص . 26
17عبد الكریم الطالب ،نفس المرجع ،ص . .26
12
ففضال عن أن ذلك المجرم قد یعود لیرتكب جریمة أخرى ،ألنه لم یوقع جزاء في حقه إال ألنه
یشكل خطرا على استقرار المجتمع ،فالعفو یعتبر آلیة للتدخل في اإلختصاص القضائي ،حیث
یصبح الحكم بعد البت في القضیة بال جدوى ألن تنفیذه لم یكتمل بعد ،و ھذا األمر شبیه بما ھو
الحال علیه في الجزائر ،حیث یمارس الرئیس ما یصطلح علیه بالعفو الرئاسي و ینطبق علیه
ما قلناه على العفو الملكي.18
4معيقات مرتبطة بمحيط القضاة:
من اإلكراھات أیضا و التي غالبا ما یحجم الفقھاء عن التكلم عنھا في كتبھم و ھي مرتبطة
بمحیط القاضي ،و ھي محاولة إغواء القضاة بالمال من أجل ربح القضیة ،و لذلك یجب على
القاضي أن یحصن نفسه ضد ھكذا محاوالت و بقیم المھنة من حیاد و نزاھة و عدم الوقوع في
فخ ھاته العروض الغیر مشروعة .و ھاته اإلشكالیة مطروحة في كافة دول العالم ،فلیس ھناك
دولة تسلم من ظاھرة الرشوة ،بل كافة الدول یعاقبون علیھا ،و المغرب لیس استثناءا ،حیث نجد
العدید من المقتضیات التي تحث القضاة على التحلي بقیم المھنة ،و بشكل ضمني عدم قبول
الرشوة ( أو الھدیة ) التي قد یعرضھا أحد أطراف النزاع.
قد یتبادر إلى ذھن شخص ما أن ھاته الظاھرة ال تأثر على استقالل السلطة القضائیة ألنھا تؤثر
على القاضي الفرد ،لكن في الحقیقة فالسلطة القضائیة متكونة من جمیع القضاة ،وإن كان أحدھم
أو شریحة منھم مرتشین ،فھذا یؤثر بصفة مباشرة على استقالل السلطة القضائیة.
13
خاتمة
أبدى المشرع المغربي إرادة حقيقية تسعى لتقوية وتوطيد استقالل السلطة القضائية
بالمغرب ،وذلك بدءا من تكريسه لهذا المبدأ دستوريا ،وارتقائه بالقضاء إلى سلطة
مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،مرورا بإصداره للقانونين التنظيميين
المتعلقين بالمجلس األعلى للسلطة القضائية ،إذ يعتبر ذلك ترجمة فعلية لمقتضيات
دستور فاتح يوليوز لسنة ،2011وتوصيات ميثاق إصالح منظومة العدالة فيما
يتعلق بتوطيد استقاللية السلطة القضائية.
وأخيرا ،إن المقتضيات الدستورية والتنظيمية الجديدة المتعلقة بالسلطة القضائية،
تؤكد بجالء انخراط المشرع المغربي في مسلسل إصالح القضاء وضمان استقالله.
إذ يعد استقالل القضاء من المبادئ األساسية والثابتة إلرساء دولة الحق والقانون.
غير أنه يتعين على المشرع المغربي أن يالئم أكثر هذه المقتضيات القانونية الجديدة
المتعلقة باستقالل السلطة القضائية ،مع المعايير الدولية الخاصة باستقالل السلطة
القضائية ،وذلك حتى يتحقق للقضاة شروط وظروف ممارستهم لمهامهم على أكمل
وجه ،وبكل استقاللية عن باقي السلط العامة في الدولة.
14
الئحة المراجع
الكتب:
عبد الرحمان الشرقاوي ،التنظيم القضائي ،الطبعة السابعة ،مطبعة األمنية-
الرباط 2022
نادية جامع "الوجيز في القانون الدستوري" الطبعة األولى مطابع الرباط نت
2019
محمد أحداف ،شرح قانون المسطرة المدنية ،مسطرة البحث التمهيدي ،الجزء
األول طبعة 2018
عبد الكريم الطالب ،التنظيم القضائي المغربي دراسة عملية ،جامعة القاضي
عياض كلية الحقوق بمراكش ،مكتبة المعرفة مراكش ،الطبعة الخامسة،
2018
سارة اوشان ،إشكالية استقالل السلطة القضائية في دول المغرب العربي،
الجزائر تونس والمغرب نموذجا ،جامعة الجزائر 1مخبر حقوق االنسان و
القانون الدولي االنساني
المواقع والمقاالت:
16
الفهرس
17