You are on page 1of 10

‫تنظيم المجلس االعلى للسلطة القضائية‬

‫من إعداد الطالبين ‪:‬‬


‫امكراز اسامة‬
‫ابوايحسان احمد‬

‫تحت إشراف ‪:‬‬


‫فضيلة الدكتور الرميلي الحسن‬
‫إن التطور الذي عرفته البشرية عبر العصور التي خلت وبفعل الصراعات الدامية التي‬
‫سبغت تاريخ البشرية خلصت المجتمعات و األمم إلى ظرورة تحقيق اإلستقرار واألمن‬
‫وتحديدا من هذه النقطة ولدت العديد من الدارس والمذاهب التي حاولت جاهدة إقتراح‬
‫حلول فعالة لهذه اإلشكالية ‪(1‬ما تعج به مؤلفات القانون الدستوري )‬

‫وقد أثبت التاريخ كون الحل الذي كان السبب في تحقيق جزء من األهداف المرجوة هو‬
‫فكرة الدولة المعاصرة التي تعتبر إمتدادا لتنظيمات سبقتها من قبيل األسرة و العشيرة و‬
‫القبيلة ثم سلفها المباشر الدولة بمفهومها القديم ‪،‬غير أن الدولة الحديثة مفهوم واسع يقوم‬
‫على أساس التنظيم هذا األخير الذي يعتبر سمتها األساسية وكذالك الوسيلة الفعالة لتحقيق‬
‫ماهو منشود منها _األمن واإلستقرار‪،-‬وكما سبق وجاء معنا فإن هذا الموظوع قد نظر من‬
‫لدن العديد من الفقهاء و المفكرين األمر الذي قد إنعكس على أصناف الدول وأنواعها ‪،‬إال‬
‫أن المفهوم السحري في هذا الموظوع‪-‬أصناف الدول وأنواعها في شكلها الحديث‪-‬هو‬
‫الفصل بين السلط‪.‬‬

‫إن مفهوم الفصل بين السلط يراه جل الفقهاء عن حق حجر الزاوية في فهم الدولة الحديثة‬
‫وتصنيفها ومن أهميته فسوف يرافقنا طيلة هذه الدراسة نظرا إلرتباطه مع موضوع البحث‬
‫حيث إن المجلس األعلى للسلطة القضائية ‪-‬المجلس األعلى للقضاء‪ -‬يعتبر آلية من آليات‬
‫تفعيل هذا الفصل والسهر على إستقاللية السلطة القضائية‪،‬لذالك وقبل الخوض في تنظيم‬
‫المجلس األعلى للسلطة القضائية البد ووضعه‪-‬محل البحث‪ -‬في السياق الصحيح الذي‬
‫يمكننا من اإللمام به‪.‬‬

‫إن مبدأ الفصل بين السلطة مبدأ دستوري تطرقت له تعتمدها جل األنظمة الدستورية‬
‫العالمية بإختالف مشاربها مع اإلختالف من حيث التنزيل‪،‬لكنها تدرس بشكل عام على‬
‫أساس ثالث نماذج (النموذج الخاص بالنظام البرلماني )(النموذج الرئاسي)(النموذج‬
‫الخاص بالنظام الشبه رئاسي)حيث إن النموذج األول يعتمد الفصل النسبي وتعتبر بريطانيا‬
‫المرجع األساسي لهذا النظام ‪،‬أما النموذج الثاني يعتمد الفصل المطلق بين السلط ورائدته‬
‫الواليات المتحدة األمريكية ‪،‬أما النموذج الثالث فيقوم على المزج بين خصائص النظامين‬
‫السابقين فيعتبر هجينا وتعتبر الجمهوري ة الفرنسية المثال العملي لهذا النموذج‪،‬ولئن إختلفت‬
‫هذه الدول في كيفية تدبير سلطهاومؤسساتها(هذا اإلختالف راجع إلى أساس السيادة التي‬
‫تتمتع بها الدول ) إلى أن السلطة القضائية كانت نقطة توافق وإنسجام بين جل األنظمة‬
‫الدستورية من حيث إقرار مبدأ إستقاللية السلطة القضائية فال تشحذ إحداهن عن هذه القاعدة‬
‫‪،‬غير أن نوع التنظيم المعتمد داخل السلطة القضائية و المهام الموكولة لهاتختلف بإختالف‬
‫الدولةو النظام الذي تعتمده ‪،‬فنجد على سبيل المثال الواليات المتحدة األمريكية التي تعتمد‬
‫نظام قضائي مزدوج يخدم الطبيعة الفدرالية المتميزة بنوع من اإلستقالل الذي تتمتع به‬
‫والياتها ‪،‬على هذا األساس وجدت محاكم الواليات والمحاكم الفدرالية ‪،‬هذا اإلختالف يطال‬
‫حتا مهام كل نوع من أنواع هذه المحاكم (مؤلف الذكتور أحمد مالكي) ‪،‬األمر نفسه يظهر‬
‫عند اإلطالع على الجمهورية الفرنسية فإستقاللية السلطة القضائية قاعدة أساسية مع إعتماد‬
‫تنظيم يقوم أساسا على اإلزدواجية حاله حال الواليات المتحدة األمريكية إنما اإلختالف‬
‫يكمن في أنا التقسيم هنا يعتمد على نوع القضايا بين ماهو إداري والذي يخرج عن دائرة‬
‫القانون اإلداري وبالتبعية إختالف المهام وفق ذالك (مؤلف الذكتور أحمد مالكي األنظمة‬
‫الدستورية الكبرئ) ‪،‬األمر ذاته بالنسبة لبريطانيا والمغرب المتبنيان للنظام البرلماني‬

‫وبما أنا دراستنا منصبة على النظام المغربي فإن التركيز واجب على التجربة‬
‫المغربية‪،‬فنجد أن النظام الدستوري المغربي تبنى البرلمانية األمر الذي يظهر جليا من‬
‫خالل اإلطالع على الفصل األول من الوثيقة الدستوريةاألخيرة (نظام الحكم بالمغرب نظام‬
‫ملكية دستورية ديموقراطية برلمانية و إجتماعية )‪،‬وكما سبق وذكر أن أهم خصائص هذا‬
‫النظام هو الفصل المرن بين السلطات الذي يتيح نوع من التعاون المؤطر حيث يسمح‬
‫بتحقيق أعلى النتائج دون تجاوز الحدود الخاصة بكل سلطة ‪،‬أي أن المغزى من هذا النظام‬
‫هو تحقيق نوع من التوازنبين السلطة وهو األمر الذي إلتزم به النظام المغربي إلى حد بعيد‬
‫مع بعض الخصوصيات‪.‬‬

‫من خالل تحليل الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 2011‬م‪ ،‬حيث عمد المشرع إلى تناول األحكام‬
‫الخاصة بالسلطة التشريعية في الباب ‪،4‬والخاصة بالسلطة التنفيذية في الباب‪،5‬وخشي‬
‫الباب‪, 6‬لتنظيم العالقة بين الملك و السلطة التشريعية و العالقة بين السلطة التشريعية‬
‫والتنفيذية‪،‬هذا الشكل المعتمد يدل بشكل صريح على تنزيل المبدأ الذي يقوم عليه اإلختيار‬
‫البرلماني أما الخصوصية المغربية تستشفت من الشكل و المضمون ‪،‬فنجد المشرع خص‬
‫السلطة القضائية (السلطة القضائية مفهوم حديث ظهر مع الوثيقة الدستورية لسنة‪)2011‬‬
‫بباب خاص يظم جميع المقتضيات الخاصة بهذه السلطة دون أن يستتبعه‪-‬الباب‪-‬بأخر ينظم‬
‫عالقة بين هذه السلطة وأخرى كما فعل المشرع في الباب‪6‬أما من حيث الموضوع فإن‬
‫المشع الدستوري قد عمد إلى تخصيص فرع خاص وهو األول من الفروع الثالث المعنون‬
‫بإستقالل القضاء وعنون الفرع الثاني بالمجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫تأسيسا على ما سبق ال يخالط شك متأمال لما ذكر أعاله ‪،‬أن المشرع الدستوري المغربي‬
‫خص نظامه بفصل قاطع للسلطة القضائية ‪،‬وأنه جعل من إستقاللية السلطة القضائية ضالتة‬
‫وغايته المنشودة ‪ -‬المستنتج من تخصيص فرع خاص بألية أعدت من أجل تحقيق اإلستقاللية‬
‫للسلطة القضائية ‪.‬‬

‫إن التوجه الدستوري مغربي المبين سابقا اليعد ترفا فكريا أو محاولتا للتميز ودفع شبهت‬
‫التقليد بل هو نتاج األهمية البالغة التي يلعبها القضاء من جهة وإلى تراكمات التجارب‬
‫األجنبية والوطنية‬

‫إن السبب األول و المباشر الذي دفع المشرع المغربي إلى تمييز السلطة القضائية هو الدور‬
‫المهم الذي تلعبه هذه األخيرة والذي ال يختلف أي نظام معاصر على أهميته‪.‬‬

‫معلوم أن المهمة األساسية الموكولة إلى القضاة هي الفصل في النزاعات المعروضة أمامهم‬
‫فيرجع بذلك الحقوق إلى أصحابها ويضرب على يد المجرمين مما يساهم في إستقرار‬
‫الجتمع وشيوع األمن واألمان ‪،‬فهذا الهدف يتسم بالسمو من الجهة األخالقيةواألهمية على‬
‫المستوى السياسي كونه يقوي دعائم المالك وشرعيته‪،‬من خالل ثقة الشعب الذي يعتبر ركن‬
‫من أركان الدولة‪ ،‬في القضاء الذي يصون حقوقه ومصالحه مما يجعل المواطنين يشعرون‬
‫باإلنتماء إلى وطنهم و الدفاع عنه عند الحاجة و االنخراط في تدبير شؤون الحاضر و‬
‫المستقبل فكل هذا يقوي دعائم الحكم‬

‫فلكل ماذكر يكون القضاء أو السلطة القضائية متميزة عن باقي السلط األخرى لهذا شبه‬
‫أساسا بصمام األمان‬

‫وتظهر األهمية جليا كذلك من خالل التخبطات التي نتج عنها ظهور مفهوم السلطة القضائية‬
‫سواء في الجمهورية الفرنسية أو التي عاشها النظام المغربي نفسه ‪.‬‬

‫في فيما يخص التجربة الفرنسية فإن إختيارها راجع لكونها المرجع التاريخي للقانون‬
‫المغربي ‪،‬وهذه التجربة ال تستقيم دراستها من دون الوقوف على أهم حدث ميزها ‪-‬الثورة‬
‫الفرنسية‪ -‬حيث إن هذا الحدث أضحى معه التحليل القويم يعتمد منهجية قبل الثورة وبعدها‬
‫‪،‬وهو األمر الذي أرخى بظالله على القضاء حيث إن الثوار إختبارات القضاء وسيلة من‬
‫شأنها أن تقف حجر عثرة أمام طموحاتهم التي من أجلها ثاروا على النظام القديم ‪-‬الملكي‪-‬‬
‫التصور الناتج عن توجهات القضاة إبان الفترة السابقة للثورة مما حدى بالمتحكمين في‬
‫زمام األمر بعدها إلى غل يد الق ضاة وتحويلهم إلى مجرد موظفين أو مكلفين بمهام األمر‬
‫الذي خلقت معه فكرة أن القضاة مجرد لسان ينطق بالقانون إال أن الجانب العملي آبان على‬
‫الثغرات التي تنتج عن إعماله ‪،‬والمميزات السابق ذكرها تشكل نقيض تلك الثغرات أي أن‬
‫النظام الفرنسي قد إعتمد منهج تعزيز مكانة القضاء وتميزها عن باقي السلط‪.‬‬

‫بنفس التغير الفكري الذي أسس التجربة الفرنسية عرفته التجربة المغربية الكن في فترة‬
‫زمنية متأخرة فالمشرع المغربي ظل متأثر بالفكر الذي أرسته الثورة الفرنسية رغم التراجع‬
‫الذي طالها ‪،‬نظرا إلى كون المغرب طالته الحماية الفرنسية ردحا من الزمن و بعد‬
‫اإلستقالل لم يكن متوافر من األطر إال الذين كونهم نظام الحماية الفرنسية أو الذين تاثروا‬
‫بأي شكل من األشكال بالتجربة الفرنسية باإلضافة إلى دور المؤلفات الفقهية الفرنسية‬
‫المعتمدة آنذاك‬
‫كل هذه األسباب أثرت على الوثائق الدستورية السابقة لسنة ‪2011‬محيث غاب مفهوم‬
‫السلطة القضائية ونتشر مفهوم الوظيفة أو المهمة الممارسة تحت رقابة السلطة التنفيذية‬
‫حيث يستنتج ذلك من خالل المصطلح المستعمل ‪-‬القضاء‪-‬دون إرفاقه بالسلطة كما هو األمر‬
‫عليه األن الكن األمر لم يكن على نفس الشاكلة في الترجمة إلى اللغة الفرنسية التي قد‬
‫إعتمد فيها المشرع على مصطلحات تثير بعض اإلرتباك في الوهلة األولى‪،‬حيث إعتمد‬
‫فالمعنى المقصود من هذا المصطلح هو المهنة ‪Autorité judiciaire‬المشرع مصطلح‬
‫أي مهمنة القضاء إال أن جل من يتعاطى مع هذا النص ينساق وراء مفهوم السلطة‪،‬األمر‬
‫لهما نفس المعنى إذاماترجمة إلى اللغة ‪pouvoire‬و‪autorité‬الراجع إلى كون مصطلح‬
‫‪pouvoire .‬العربية الكن التي تدل على السلطة فعال هي‬

‫الدور األهم في تدخل السلطة ‪autorité judiciaire‬لقد لعب مفهوم القضاء كمهنة‬
‫التنفيذية الممثلة في وزارة العدل في شؤون القضاء حيث كانت تعتبر الجهة الوصية عليها‬
‫‪،‬والقرينة قاطعة على ماكان سائدا في تلك الفترة‪-‬إختراق جسم القضاء‪ -‬من المهام التي كان‬
‫وزير العدل يضطلع بها في إطار مسؤوليته عن قطاع القضاء ‪،‬أولهاوأهمها هو نيابته عن‬
‫رئيس المجلس األعلى للسلطة القضائية األمر الذي كان يسمح له بتسيير أعمال المجلس‬
‫باإلضافة إلى تدبير كل ما يتعلق الوضعية الفردية للقضاة سواء من حيث التعيين أو اإلنتقال‬
‫والتأديبو الترقية وكان في هو الجهة الوحيدة المخول لها إتخاذ بعض القرارات من قبيل‬
‫اإلحالة على التقاعد يظاف لها اإلحالة على المجلس التأديبي وتعيين المقرر في المسطرة‬
‫التأديبية وإتخاذ العقوبات من الدرجة األولى (التوبيخ و اإلنذار )كما كان المتحكم في وضع‬
‫الئحة األهلية للترقي الخاصة بالقضاة إضافة إلى كل هذا كان له الحق في أن يقترح تعيين‬
‫قضاة النيابة العامة الذي كان وزير العدل رئيسهم فيحق له وبموجب ذلك أن يوجه لهم‬
‫تعليمات عامة أو خاصة بغية تأطير عملهم حتى أن مبدأربط المسؤولية بالمحاسبة يجد مكان‬
‫له في العالقة بين وزير العدل و القضاء ‪،‬كون وزير العدل في تلك الفترة ‪-‬السابقة عن‬
‫‪2011‬م‪ -‬كانت توجه إليه آسئلة شفوية و كتابية عن قضايا رائجة أو أحكام قد أصدرت ‪.‬‬

‫نظرا لخطورة هذه الممارسات والتي أبانت عنها التجربة فقد أضحى المجتمع المغربي‬
‫مقتنعا بالعديد من الصور النمطية عن القضاء الغير عادل و لمنحاز فكان مفهوم إستقالل‬
‫القضاء مفهوم في نظر المجتمع هدف بعيد المنال ‪،‬ممادفع الملك إلى إعطائه أهمية بالغة ‪-‬‬
‫األمر الذي سنعود له بشكل مفصل‪ -‬فبالتبعية إهتمت باقي السلط والجهات المسؤولة إذتحول‬
‫القضاء إلى محط إصالحاتعدة‪،‬لعل أبرزها هو تقليص نفود وزير العدل وغل يده عن تلك‬
‫المهام التي كان يمارسها فجرد إثر ذالك من أهم مهامه وهي النيابة عن رئيس المجلس‬
‫األعلى للقضاء و بالمهام األخى ذات الصلة مع هذه المهمة ‪-‬كل ماله عالقة بالوضعية‬
‫الفردية للقضاة ‪ -‬كذلك رئاسته للنيابة العامة وسؤاله عن القضايا في البرلمان ‪.‬‬

‫إن هذه الخطوة تعتبر أول تجسيد عملي للمنعطف التاريخي الذي كان تحقيقه هدف مرحلة‬
‫تولي الملك محمد السادس عرش المغرب‪،‬وشكل نسيم الصلح الذي سوف يربط القضاء‬
‫بمكونات المجتمع و المتقاضين بشكل خاصكونهم الفئة المعنية والتي تالمس عن كثب التقدم‬
‫األمر الذي تحقق بشكل كبير حيث تفائل المجتمع المدني بهذه التغييرات التي جاءت بعد‬
‫فترة عصيبة عاشها المغرب ودول الجوار ‪-‬الربيع العربي‪-‬واستمرت رغم لذلك مسيرة‬
‫إصالح القضاء و منظومة العدالة على المستوى القانوني أو المادي و حتى الرقابة التي‬
‫هدفت مجتمعة إلى تحقيق هدف أسمى وهو إستقاللية السلطة القضائية‪.‬‬

‫فرغم كل هذه المحاوالت ذات الصفة القانونية التي أحدثت نوع من التحسين في أداء‬
‫القضاة وإستقالليتهم إلى أن هذا المفهوم بدوره قد تطور وأضحى يضم العديد من النقاط‬
‫األخرى المهمة مما وسع نطاق التدخل المطلوب ‪،‬فالمفهوم السائد في الفترة السابقة عن‬
‫إستقالل السلطة القضائية ‪-‬القاضاءقبل‪ -2011‬هو تكوين القاضي لقناعاته بشكل مستقل‬
‫ودون أي تدخل أجنبي ‪،‬الن مع الوثيقة الدستورية لسنة‪2011‬م تجزأ مفهوم إستقال لية‬
‫السلطة القضائية إلى مفهوم مؤسساتي وأخر ذاتي ‪،‬وتبعا لهذا اإلنقسام تعددت الحلول‬
‫المطروحة ‪.‬‬

‫المقصود بالجزء المؤسساتي هو جعل السلطة القضائية مستقلة عن أي سلطة أو هيئة يمكن‬
‫أن تؤثر عليها سواء من جانب المادي أو الوجستيكي أو البشري‪،...‬وقد سبق و أوردنا‬
‫مكانة التنظيم في مفهوم الدولة الحديثة ومكانة القضاء‪،‬وقد أوكلت العديد من هذه المهام‬
‫بمؤسسة دستورية(المجلس األعلى للسلطة القضائية )‪.‬‬

‫أماالمفهوم الذاتي فيخص أساسا القضاة وعالقتهم بمن يعلوهم رتبة إضافة إلى الجانب‬
‫المادي ‪،‬بالنسبة للنقطة األولى لم يكن المشرع غافل عليها ‪،‬فنجد الوثيقة الدستورية األخيرة‬
‫تحديدا الفصل‪ 110‬الذي أورد فيه المشرع المرجعية الوحيدة التي يعتمد عليها القاضي عند‬
‫إصداره لألحكام وهي القانون دون سواه من األوامر أو التوصيات أو الطلبات‬
‫‪،‬والفصل‪ 109‬حيث تضمن منع من توجيه األوامر إلى القضاة ‪،‬الن ال يجب الخلط‬
‫بخصوص هذه النقطة األخيرة بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة ‪،‬فرغم أن كل واحد من‬
‫الصنفين يحمل نفس الصفةويخضعون لنفس األحكام سواء المتعلقة بإجتياز مباراة الملحقين‬
‫القضائيين أو فترة التدريب وكذا التعيين والترقي‪...‬إال أن بينهما فرق جوهري يؤثر على‬
‫مشروعية تقديم أوامر للقضاةحيث إن النيابة العامة جهاز يخضع لما يسمى بنظام السلطة‬
‫الرئاسية ‪،‬التي تفترض تقديم أوامر وتعليمات واجبة التنفيذ بالنسبة لمتلقيها الذي دائما ما‬
‫يكون أقل رتبة من مقدمها تحت طائلة توقيع الجزاء‪،‬فنجد الوكيل العام للملك الرئيس‬
‫المباشر لكل قضاة النيابة العامة في الدائرة القضائية لمحكمة اإلستئناف واألمر ذاته بالنسبة‬
‫لوكيل الملك بالنسبة للدائرة القضائية الخاصة بالمحكمة اإلبتدائية التي يمارس بها مهامه‬
‫‪،‬وهو األمر المفقود عند قضاة الحكم فال تربطهم برئيس المحكمة أي عالقة سوى الزمالة‬
‫و اإلحترام من حيث صفته كرئيس المحكمة وكقاضي أعلى درجة منهم وليس بإعتباره‬
‫رئيسا عليهم ‪.‬‬

‫فرب قائل إن هذه الخصيصة التي تمتاز بها النيابة العامة تقوض مبدأ إستقالل السلطة‬
‫القضائية ‪،‬وهو الطرح الذي كان يفرض نفسه بقوة خالل الفترة التي كان يرأس فيها النيابة‬
‫العامة من ال ينتمي إلى السلك القضاء ‪-‬وزير العدل‪-‬كما سبق وتناولناه وقد أثار هذا‬
‫الموضوع اللعاب وأسال مداد الفقه فكان شكل هذه الممارسة مثار سخط الفقه مما أثار‬
‫المشرع ودفعه نحو إصدار القانون‪33.17‬تفعيال للظهير الملكي الشريف رقم‪1745‬ل‪8‬ذي‬
‫الحجة ‪ 1438‬الموافق ل‪30‬أغسطس‪2017‬م التعلق بنقل إختصاصات السلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالعد للوكيل العام للملك لذا محكمة النقض بصفته رئيسا النيابة العامة‬

‫يضاف على المقتضيات القانونية إجراءات أخرى ذات طابع مادي أهمها الرفع من رواتب‬
‫القضاة التي كانت حتى وقت قريب مبالغ هزيلة ال تتماشى مع المستوى المعيشي الحالي وال‬
‫مع الوضعية اإلعتبارية األمر الذي كان يؤثر سلبا على إستقاللية القضاة كون هؤالء جزء‬
‫من المجتمع يتأثرون باظغوط المادية مما قد يقع البغض منهم إلى اإلنحراف‪،‬إستجيب لهذه‬
‫المطالب حيث قد تمت الزيادة في الرواتب والزالت األصوات من داخل جسم القضاء‬
‫تطالب تحسينات أخرى خدمة لمبدأ اإلستقاللية‪،‬إلى جانب ماهو مادي هنالك عوائق أخرى‬
‫تنظيمية أهمها ما يتعلق بالترقية فالترقية في حد ذاتها ال تشكل إشكاال إالأن الطريقة‬
‫المعتمدة في الوظائف ال تتماشى مع القضاء و اإلستقاللية المرجوة فالمعمول به حاليا هو‬
‫كون التنقيط الذي من خالله تتم الترقية يقوم به رئيس المحكمة األمر الذي يشكل ضغطا‬
‫على القاضي وعلى حريته وإستقالليته باإلضافة إلى المعيار المعتمد من أجل التنقيط وهو‬
‫عدد القضايا المنجزة األمر الذي أثبت عدم فاعليته كون القضايا المعروضة على المحاكم‬
‫تختلف وتختلف الفترات التي يحتاجها القاضي أو الهيئة من أجل البت في القضايا ‪،‬حسب‬
‫تعقيدها وال شاهد على تفاوت القضايا من حيث الصعوبة من قرار المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية عدد ‪71244‬بتاريخ ‪ 21‬دجنبر ‪ 2023‬الذي حدد األجال اإلسترشادية ومن ما‬
‫تناوله وأبان الفرق بين القضايا نجد مثال حالة القضايا العقارية التي حدد لها‪365‬في‬
‫المرحلة اإلبتدائية و ‪ 45‬يوم لقضايا التدييل بالصيغة التنفيذية‪،‬مما أضحى معه تدخل المشرع‬
‫أمرا ضروريا لحماية إستقاللية السلطة القضائية والقضاة‬

‫إن كل ما سبق ذكره في إطار السعي نحو تحقيق إستقاللية السلطة القضائية و القضاة يعتبر‬
‫مهما غير أن وكما سبق تأسيسه فإن الدولة سارت نحو ‪-‬المأسسة‪-‬األمر الذي يطرجم في‬
‫مانحن بصدد دراسته بالمجلس األعلى للسلطة القضائية هذه األخيرة التي رآت النور منذ‬
‫الوثيقة الدستورية األول للمغرب سنة‪ 1962‬إلى غاية‪2011‬م فبعد صدور الوثيقة‬
‫الدستورية لنفس السنة تغيرت تسمية المؤسسة ومهامها حيث قبل الوثيقة الدستورية األخيرة‬
‫للمغرب كانت هذه المؤسسة مسماة المجلس األعلى للقضاء ونحصرت مهامها في إقتراح‬
‫هذا المجلس للقضاة من أجل أن يقوم الملك بتعيينهم و السهر على تطبيق الضمانات‬
‫الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم األمر الذي تغير بعد سنة ‪2011‬م فأضحت‬
‫التسمية كما هي عليه األن المجلس األعلى السلطة القضائية والمهام أضيف عليها السهر‬
‫على اإلستقاللية السلطة القضائية ‪،‬فمن ما سبق إن تاريخ ‪2011‬م كان تاريخا فاصال في‬
‫حياة السلطة القضائية كمفهوم ساد فترة ليست بالهينة دون أن ينزل على أرض الواقع و‬
‫السبب وراء تغير الوضعية بعد التاريخ السالف الذكر راجع إلى عدة نقاط أولها الفكر‬
‫الثوري الذي عصف بالمنطقة كاملة ‪-‬الربيع العربي‪ -‬وأهمها الرؤية والتوجيهات الملكية‬
‫التي أحاطت بهذا الموضوع من خالل الخطب الملكية و الرسائل الملكية والتي كان أكثرها‬
‫تأثيرا هو الخطاب الملكي سنة ‪ 2009‬م بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (إن إختيار هذه‬
‫المناسبة لم يكن وليد الصدفة بل للتيمن بروح التضامن المنشود بين الملك والشعب لتطوير‬
‫القضاء ومنظومة العدالة كما سبق وكان هذا التضامن من أجل تحرير المغرب من الحماية‬
‫سابقا ) الذي تضمن العديد من النقاط التي تدور بين أهداف ووسائل‬
‫األهداف‬
‫دعم ضمان اإلستقاللية‬
‫تحديث المنظومة القانونية‬
‫تأهيل الهياكل القضائية واإلدارية‬
‫تأهيل الموارد البشرية‬
‫الرفع من النجاعة القضائية‬
‫الوسائل‪:‬بنوعيها األساسية والفرعية المتمثلة في تبني نهج تشاوري وإظهار في إطار تقوية‬
‫العدالة والقطع مع الممارسات والتراكمات السلبة المقاربة األحادية والجزئية‬

You might also like