Professional Documents
Culture Documents
1
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
تقديم:
إن عالقة اإلنسان باجلرؽلة قدؽلة قدم اإلنسان نفسو ،فقد الزمتو اجلرائم منذ وجوده األول على سطح األرض .و
كما كانت عالقة اجلرؽلة باإلنسان قدؽلة ،فإن عالقتها بالعقاب قدؽلة أيضا ،فما من جرؽلة تقع إال وكان ذلا
عقاب مقرر بغض النظر عن وحدتو أو عدم وحدتو ،طبق أو مل يطبق .وعلى مدار تاريخ البشرية الطويل مل يكن
ىناك معيار موحد للجرائم وال للعقوبات ،وإن وجد ذلك ففي ذبمعات أو رلتمعات زلدودة الزمان وادلكان ،وال
يزال أمر ىذا االختالف قائما إىل اليوم وإن خفت حدتو بفضل ما عرفتو البشرية يف تارؼلها ادلتأخر من اذباه ضلو
وكما ىو معلوم فإن العقوبة مل تظهر أول ما ظهرت بشكلها احلايل سواء من حيث نظامها أو اذلدف من توقيعها
أو اجلهة اليت ربتكر تنفيذىا ،فقد تطورت عرب مر العصور وتعاقب احلضارات.
ففي العصور القدؽلة مل يكن اإلنسان ػلتكم إىل دين أو تشريع أو نظام متبع بل كان ػلتكم إىل فطرتو اليت تقرر
أن كل فعل ال بد لو من ردة فعل ،فهو يدافع عن نفسو أو مالو بدافع الغريزة أو الفطرة وقد مسيت ىذه ادلرحلة
دبرحلة االنتقام الفردي ،ويف مرحلة الحقة ومع تطور اإلنسان واتصالو بغَته أصبحت مسؤولية العقاب على اجلرائم
من اختصاص التجمعات اليت تشكلت ابتداء من األسرة كنواة أوىل ألصغر اجملتمعات البشرية إىل العشَتة إىل
القبيلة إىل أن قامت الدولة ذبسيما أخَتا ألكرب ىذه اجملتمعات حيث ضاقت سلطة الفرد وانكمشت لصاحل
الدولة ،وبُت ىذه وتلك كان التطور يالحق احلق يف العقاب من أكثر من ناحية.
1منصور رمحاين ،الوجيز يف القانون اجلنائي العام .دار العلوم للنشر ،عنابة .ص .5
2
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
وكما ىو معلوم فإنو ما من فكرة تنشأ وال مبدأ يسود إال وتصاحبو فلسفة سبهد لو وتدعمو ،وكذلك ىو الشأن
بالنسبة لفكرة احلق يف العقاب ،الذي احتكرت الدولة سلطة توقيعو على أفراد اجملتمع استنادا إىل العقد
االجتماعي.
غَت أن الدولة بصفتها صاحبة احلق يف العقاب ال غلوز ذلا -كقاعدة عامة -االلتجاء إىل تنفيذه مباشرة حىت ولو
كانت العقوبة ذات حد واحد و قبل اجلاين باخلضوع ذلا طواعية ،إذ البد من أن ربصل على حكم قضائي بات
يكشف عن حقها ىذا ويؤكده ،ذلذا فقد قيل بأن حق الدولة يف العقاب ىو حق قضائي ،ذلك أن التشريعات
عمدت إىل تقييد ىذا احلق دبجموعة من ادلبادئ والضمانات اليت ربفظ لألفراد حقوقهم و وحرياهتم الفردية،
وادلشرع ادلغريب بدوره أكد يف الدستور باعتباره أمسى وثيقة تعرب عن إرادة األمة على إلزامية ىذه ادلبادئ الدستورية
وبناء عليو ؽلكننا التساؤل حول 6ماىية ىذه ادلبادئ الدستورية ادلؤطرة حلق الدولة يف العقاب؟ ودورىا يف ادلوازنة
3
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
دلا كان حق الدولة يف العقاب من أخطر السلط ادلخولة ذلذه األخَتة ،نظرا دلساسها حبقوق وحريات األفراد ،فقد
كان من البديهي أن هتتدي التشريعات إىل تأطَت شلارسة ىذا احلق دبجموعة من ادلبادئ والضمانات اليت تضمن
عدم التعسف يف استعمالو .فكان مبدأ الشرعية ( الفقرة األولى) وكذا احلماية الدستورية جملموعة من احلقوق
واحلريات ( الفقرة الثانية) من أىم ادلبادئ اليت تقيد سلطة الدولة يف العقاب.
يعترب تقرير مبدأ "ال جريمة وال عقوبة إال بنص" انتصارا كبَتا حققتو اإلنسانية بعد مراحل طويلة من ادلعاناة
من شىت أنواع الظلم وربكم األىواء الشخصية ،وقد أصبح ىذا ادلبدأ عادليا تنص عليو جل الدساتَت يف العامل،2
وادلشرع ادلغريب بدوره نص يف الفصل 34من دستور 3122على أنو "6ال يجوز إلقاء القبض على أي
شخص أو اعتقالو أو متابعتو أو إدانتو ،إال في الحاالت وطبقا لإلجراءات التي ينص عليها القانون".
فمن ناحية يشكل ذلك ضمانا حلريات األفراد وحقوقهم ألنو يسمح ذلم مسبقا دبعرفة أي األفعال أو الًتوك ػلظر
عليهم إتياهنا ليتمكنوا من شلارسة كل أنواع النشاطات ادلباحة يف اطمئنان ،3ويف ادلقابل فإنو يعترب دبثابة قيد يؤطر
حق الدولة يف العقاب ،ذلك أن ىذه األخَتة ال تستطيع أن رباسب األفراد إال دبوجب النص القانوين بعد أن تبُت
ومن ناحية أخرى فهو ؽلثل تقليصا من سلطات القاضي الذي كان ؽلارس يف السابق سلطة التجرمي والعقاب
وكان الفرد ال يتمتع بأي ضمانة وغلد نفسو مستهدفا االنتقام منو ألي سبب بتقدؽلو إىل القضاء الذي غلرم من
2 2
عبد السالم بنحدو ،الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية .مطبعة اسبارطيل ،طنجة .3125 :ص .28-27
3
هشام بوحوص ،محاضرات في مادة السياسة الجنائية والقانون الجنائي .السنة الجامعية .3127ص .49
4
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
أفعالو ما يشاء ويعاقبو بأي عقوبة يشاء وذلك إرضاء للسلطة التنفيذية احلاكمة ،4إال أنو أمر غَت وارد حاليا ذلك
أن تشريع اجلرائم والعقوبات أصبح حكرا على السلطة التشريعية دبقتضى الدستور ،حيث ينص الفصل 82منو
على أنو ":يختص القانون باإلضافة إلى المواد المسندة إليو صراحة بفصول أخرى من الدستور،
ونظرا ألعلية ىذا ادلبدأ فإن ادلشرع مل يكتفي بالتنصيص عليو يف الدستور فقط وإظلا أكد عليو أيضا يف القانون
اجلنائي حيث نص ادلادة الثالثة على أنو ":ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون
كما أن ادلادة الثامنة نصت على أنو ":ال يجوز الحكم بأي تدبير وقائي ،إال في األحوال وطبق الشروط
المقررة في القانون .وال يحكم إال بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور
الحكم".
وبناء عليو يتضح بأن الدستور باعتباره أمسى وثيقة تعرب عن إرادة األمة ،ومن خالل ىذه ادلبادئ اليت يتضمنها
فإنو يسهم يف ربديد مضمون القانون اجلنائي ،أي أنو ػلدد طبيعة العالقة بُت الفرد والدولة ،ذلك أن ىذه األخَتة
باعتبارىا صاحبة احلق يف العقاب وصاحبة السلطة اإلجرائية ،تكون ملزمة بتحقيق التوازن بُت محاية احلقوق
واحلريات وادلصلحة العامة .5ذلك أن الدولة القانونية حبكم وظيفتها عليها أن ربمي مجيع ادلصاحل القانونية ،وىي
عثمان بكور ،ضمانات احملاكمة اجلنائية العادلة .أطروحة لنيل الدكتوراه يف القانون اخلاص .كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة .السنة
4اجلامعية .6103-6102ص.62
5أمحد فتحي سرور .القانون اجلنائي الدستوري -الشرعية الدستورية يف قانون العقوبات ،الشرعية الدستورية يف قانون اإلجراءات .-الطبعة الثانية .دار الشروق،
القاىرة.6116 6ص.3
5
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
ليست قاصرة على الدولة وحدىا بل إهنا تشمل حقوق األفراد وحرياهتم ،فاحلقوق واحلريات غلب أن ػلميها
القانون وال غلوز إىدارىا بدعوى احملافظة على مصلحة اجملتمع ،بل يتعُت التوفيق بُت ادلصلحتُت يف إطار العالقات
إذن فمبدأ الشرعية أضحى إحدى الضمانات األساسية لألفراد يف مواجهة السلطة القضائية ،لكن ىل ىذه
الشرعية اليت ؼلضع ذلا القانون قاصرة على ربديد اجلرائم والعقوبات؟
إن اإلجابة على ىذا السؤال تقتضي منا الرجوع إىل الفصل 34من الدستور باعتباره اإلطار القانوين دلبدأ الشرعية
اجلنائية كمبدأ دستوري مؤطر حلق الدولة يف العقاب ،حيث طللص إىل أن الشرعية اليت ؼلضع ذلا القانون ليست
قاصرة على ربديد اجلرائم والعقوبات وحسب بل ىي شرعية تعود كل مراحل تدخل القانون اجلنائي منذ وقوع
اجلرؽلة حىت زلاكمة اجملرم وتنفيذ العقاب يف شأنو ،ومعٌت ىذا أن شرعية اجلرؽلة والعقوبة سبثل احللقة األوىل من
الشرعية اجلنائية تليها الشرعية اإلجرائية وتعٍت ضرورة وجود قواعد مكتوبة منصوص عليها يف القانون وتكون
صادرة من جهة ذلا الوالية يف إصدارىا تلتزم احملاكم الزجرية بإتباعها على سبيل الوجوب وتطبيقها على اخلصومة
مث يأيت بعد ذلك ادلرحلة الثالثة من مراحل الشرعية اجلنائية وىي مرحلة التنفيذ العقايب ،وتعٍت ضرورة أن يكون
القانون ىو مصدر القواعد اليت زبضع ذلا إجراءات معاملة ادلسجونُت وإجراءات تنفيذ العقوبات عموما.8
6
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
تعترب حرمة ادلسكن وكذا سرية االتصاالت من بُت أىم احلقوق اليت حظيت باحلماية يف سلتلف التشريعات الوطنية
والدولية ،ويف ىذا السياق صلد اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان الصادر سنة 2:59ينص يف ادلادة 23على
أنو "6ال يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياتو الخاصة أو أسرتو أو مسكنو أو مراسالتو أو حمالت على
شرفو و سمعتو و لكل شخص الحق في حماية القانون من مثل ىذا التدخل أو تلك الحمالت" وسنحاول
يف ىذا ادلطلب أن نبُت مدى فاعلية احلماية الدستورية يف ضمان حرية األفراد وحقوقهم من جهة وتقييد سلطة
الدولة من جهة أخرى وذلك من خالل النص يف صلب الوثيقة الدستورية على حرمة ادلسكن ( الفقرة األولى)
إذا كانت الدولة قد احتكرت احلق يف العقاب دبوجب العقد االجتماعي ،فإن ىذا احلق ليس مطلقا ،ذلك
أن التشريعات وضعت ضوابط وقيود ربد من ىذه السلطة زبوفا من أي اعتداء على حرمة احلياة اخلاصة ،ويف ىذا
السياق فقد جعل ادلشرع ادلغريب حرمة ادلسكن 9حقا مكفوال دبقتضى الدستور حيث ينص الفصل 42منو على
ال تنتهك حرمة المنزل .وال يمكن القيام بأي تفتيش إال وفق الشروط واإلجراءات التي ينص عليها
القانون".
وباعتبار أن الدستور ىو أمسى قانون يف الدولة ،فإنو عادة ما يتضمن اإلشارة إىل ادلبادئ واألصول العامة يف
فصولو ،فيضفي بذلك قيمة دستورية على ىذه ادلبادئ شلا يقتضي من ادلشرع أن ػلًتمها وذلك حُت تناولو
9عرف ادلشرع ادلغريب "ادلسكن" يف الفصل 100من اجملموعة اجلنائية ":يعد منزال مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى ،ثابت أو متنقل،
سواء كان مسكونا فعال أو معدا للسكنى ،وكذلك جميع ملحقاتو كالساحات وحظائر الدواجن والخزين واإلسطبل أو أي بناية داخلة في نطاقو مهما كان
استعمالها ،حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام".
7
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
للقواعد التفصيلية ذلذه ادلبادئ ،ويف ىذا السياق صلد أن كال من القانون اجلنائي و قانون ادلسطرة اجلنائية قد
تناولوا بالتفصيل محاية ادلسكن حيث ينص الفصل 341على أن "6كل قاضي أو موظف عمومي ،أو أحد
رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل ،بهذه الصفة ،مسكن أحد األفراد ،رغم عدم
رضائو ،في غير األحوال التي قررىا القانون ،يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى
خمسمائة درىم"...
بناء على ىذا الفصل يتضح أن ادلشرع قد حصن ادلسكن وجعل لو حرمة ال ينبغي انتهاكها من أحد وإال عرض
نفسو للعقاب ،غَت أن ىذا التحصُت ال ينبغي أن يكون مطلقا ليقف حائال دون ربقيق العدالة اجلنائية اليت
تقتضي أحيانا استبعاد ىذه احلصانة وغض الطرف عنها لضرورة إجراء حبث يف منزل من ادلنازل قد يضم داخلو
أدلة حامسة عن جرؽلة من اجلرائم غلري البحث بصددىا وال ؽلكن التوصل ذلا -أي األدلة -إال عن طريق إباحتو
لضابط الشرطة القضائية ليطلع وىو يقوم بالبحث عن كل ما لو يستدل بو عن اجلرؽلة ونسبتها لفاعل معُت .إال
أن ضابط الشرطة القضائية مقيد بضوابط يف إطار تفتيشو للمنازل ،10ىذه الضوابط تتمثل يف مجلة من الشروط
اليت يتطلب القانون توفرىا ،وبالرجوع إىل الفصل 8:من قانون ادلسطرة اجلنائية صلد أن ادلشرع يف إطار تنظيمو
لكيفية تفتيش ادلنازل قد حاول التوفيق بُت حصانة وحرمة ادلسكن وضرورة ربقيق العدالة اجلنائية ،فنص على أنو"6
ال يمكن دخول المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات االقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي
تضمن ىذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني باألمر ،فإن كان ال يعرف الكتاب يشار إلى ذلك
8
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
إذا تعلق األمر بجريمة إرىابية وامتنع الشخص الذي سيجري التفتيش أو الحجز بمنزلو عن إعطاء موافقتو
أو تعذر الحصول عليها ،فإنو يمكن إجراء العمليات المذكورة في الفقرة األولى من ىذه المادة بإذن كتابي
من النيابة العامة بحضور الشخص المعني باألمر وفي حالة امتناعو أو تعذر حضوره فبحضور شخصين من
11
غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية".
بناء على ما سبق يتضح بأن ادلشرع حاول التوفيق بُت مصلحتُت متنافرتُت علا مصلحة اجملتمع وادلتمثلة يف ضرورة
القيام دبجموعة من اإلجراءات يف سبيل الوصول إىل مرتكب اجلرؽلة ،ومصلحة األفراد ادلتمثلة يف توفَت ضمانة
حلرياهتم وذلك من خالل ربصُت حرمة ادلسكن ،ورتب البطالن كجزاء لإلخالل بأي مقتضى قانوين ػلمي ىذه
احلقوق.12
12أمحد قليش ،الشرح العملي لقانون ادلسطرة اجلنائية .الطبعة الثانية .مطبعة االمنية ،الرباط .6102 6ص .23
9
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
ىذا فيما يتعلق حبماية حرمة ادلسكن وحصانتو ،فما ىي إذن مظاىر احلماية الدستورية لسرية االتصاالت؟
كما ىو الشأن بالنسبة حلرمة ادلسكن فإن ادلشرع الدستوري قد خص سرية االتصاالت باحلماية الدستورية فنص
يف الفصل 35على أنو "6ال تنتهك سرية االتصاالت الشخصية ،كيفما كان شكلها .وال يمكن الترخيص
باالطالع على مضمونها أو نشرىا ،كال أو بعضا ،أو باستعمالها ضد أي كان ،إال بأمر قضائي ،ووفق
ومل يكتفي بالنص عليو دستوريا ،بل أكد يف ادلادة 219من قانون ادلسطرة اجلنائية على أنو ؽلنع التقاط ادلكادلات
اذلاتفية أو االتصاالت ادلنجزة بوسائل االتصاالت عن بعد وتسجيلها او أخذ نسخ منها او حجزىا .ورتب اجلزاء
ادلناسب لالعتداء على ىذا احلق وعاقب عليو ب 6احلبس من شهر إىل سنة وغرامة مالية من 210111درىم
إىل 2110111درىم أو بإحدى ىاتُت العقوبتُت ،وذلك يف ادلادة 226من نفس القانون.
غَت أن ىذا ادلنع ليس مطلقا ،فادلشرع غالبا ما يكون مطالبا بادلوازنة بُت حق األفراد يف التمتع بسرية احلياة اخلاصة
وحقهم يف عدم انتهاكها دون إذن ،وبُت حق الدولة يف احلفاظ على سالمتها الداخلية واخلارجية ومراقبة كل ما
من شأنو ادلساس بنظامها وأمن مواطنيها ،لذلك فبعد أن منع القانون انتهاك سرية ادلراسالت وقرر اجلزاء ادلناسب
لكل خرق ذلذا ادلنع فإنو وضع حدودا ذلذا احلق حيث أجاز التقاط ادلكادلات اذلاتفية وكافة االتصاالت ادلنجزة
بواسطة وسائل االتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزىا ،وذلك يف ادلادتُت 219و 225من
10
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
إن أغلب التشريعات الوضعية ومن بينها التشريع ادلغريب ،تسعى إىل خلق توازن بُت ادلصلحتُت ادلتعارضتُت6
مصلحة الفرد يف محاية حريتو اليت ىي حق دستوري ومقدس من جهة ،ومصلحة الدولة يف اقتصاص احلق العام
من اجلاين نظرا دلا أحدثو من إخالل بأمن اجملتمع وسكينتو من جهة أخرى ،لذلك فإن ادلشرع ادلغريب قد أحاط
األفراد دبجموعة من الضمانات اليت ربول دون إىدار حريتهم من طرف السلطات ،أبرز ىذه الضمانات وادلبادئ
مت التنصيص عليها يف الدستور كقرينة الرباءة واحملاكمة العادلة( المطلب األول) مث مبدأ فصل السلط (المطلب
الثاني)
إن اهتام أي شخص وإدانتو جبرؽلة ما يعرضو ألخطر القيود على حياتو الشخصية كما غلعلو يف موقف ضعيف
أمام السلطات ،لذلك فإن ادلشرع الدستوري قد حصن األفراد دببدأ قرينة الرباءة( الفقرة األولى) و كفل ذلم
احلق يف زلاكمة عادلة( الفقرة الثانية) وسنحاول يف ىذا ادلطلب أن نبُت مظاىر احلماية الدستورية للمتهم من
يقصد دببدأ قرينة الرباءة أن كل شخص مشتبو فيو أو متهم جبرؽلة مهما بلغت جسامتها وجب معاملتو بوصفو
شخصا بريئا حىت تثبت إدانتو حبكم قضائي بات يف زلاكمة عادلة.13
13
منظمة العفو الدولية ،دليل احملاكمة العادلة .الطبعة الثانية .6101 ،ص .061
11
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
وقد كرست معظم دساتَت العامل ومن بينها الدستور ادلغريب مبدأ قرينة الرباءة وذلك بالنص عليو صراحة يف
الدستور ،األمر الذي أعطى لو قيمة دستورية إىل جانب قيمتو الدولية ،14فالفصل 34من دستور 3122ينص
على أن...":قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان ،"...كما نص الفصل 22:منو على أنو ":
يعتبر كل مشتبو فيو أو متهم بارتكاب جريمة بريئا ،إلى أن تثبت إدانتو بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء
المقضي بو".
ونظرا ألعليتو مل يكتفي التشريع ادلغريب بالتنصيص عليو يف الدستور فقط ،بل عمد إىل التأكيد عليو يف ادلادة
األوىل من قانون ادلسطرة اجلنائية حيث جاء فيها "6كل متهم أو مشتبو فيو بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن
تثبت إدانتو قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي بو ،بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل
الضمانات القانونية".
وتكمن قيمة مبدأ قرينة الرباءة ،يف أن افًتاض اجلرم يف حق ادلتهم يؤدي إىل إىدار حريتو الفردية كما يؤدي إىل
ربكم السلطة يف األفراد ،لذلك يتقرر مبدأ األصل براءة ادلتهم دلا فيو من محاية ألمن األفراد وحرياهتم الفردية ،فإذا
مل تفًتض براءة ادلتهم فال شيء ػلفظ لو حقوقو وحريتو ويكون يف مركز ضعيف يعجز فيو عن الدفاع عن براءتو،
ىذا من ناحية .كما يهدف ىذا ادلبدأ من ناحية أخرى إىل تاليف األخطاء القضائية بإدانة األبرياء أي تفادي
14تعد قرينة الرباءة من ادلبادئ األساسية يف القانون الدويل ،فقد مت تبٍت ىذا ادلبدأ على ادلستوى العادلي ويف الكثَت من ادلواثيق الدولية أبرزىا6
ادلادة 00من اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان الصادر عن اجلمعية العامة لألمم ادلتحدة يف العاشر من دجنرب عام 0514نصت على أن "6كل شخص متهم جبرؽلة
يعترب بريئا إىل أن تثبت إدانتو قانونا دبحاكمة علنية تؤمن فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسو".
ادلادة 01من العهد الدويل اخلاص باحلقوق ادلدنية والسياسية الصادر عن األمم ادلتحدة يف 02شتنرب 0522أكدت على أن "6من حق كل متهم بارتكاب اجلرؽلة
أن يعترب بريئا إىل أن يثبت عليو اجلرم قانونا".
الفقرة الثانية من القاعدة 41من القواعد النموذجية دلعاملة السجناء اليت اعتمدىا مؤسبر األمم ادلتحدة األول دلنع اجلرؽلة ومعاملة اجملرمُت والذي انعقد يف جنيف سنة
0511جاء فيها على أنو "6يفًتض يف ادلتهم أنو برئ ويعامل على ىذا األساس".
12
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
األضرار اليت قد تنجم عن أخطاء القضاء أو جهاز الضبط القضائي القائم بأعمال التحري واالستدالل ،واليت ال
ؽلكن تعويضها إذا ما تبث براءة ادلتهم الذي افًتض فيو اجلرم ومت معاملتو على ىذا األساس ،لذلك كان من
األحسن معاملة ادلتهم على أنو برئ منذ بدء االهتام إىل هنايتو .فضال عن أن ىذا ادلبدأ يتفق مع القيم األخالقية
والدينية اليت هتتم حبماية الضعفاء ،15وال شك أن ادلتهم قبل أن يثبت عليو اجلرم باألدلة القاطعة ىو يف موقف
ضعيف ،يف ىذا السياق ويف حديث نبوي يقول الرسول صلى اهلل عليو وسلم "6ادرءوا الحدود عن المسلمين
ما استطعتم ،فإن كان لو مخرج ،فخلوا سبيلو ،فإن اإلمام أن يخطئ في العفو ،خير من أن يخطئ
في العقوبة" .فهذا احلديث يأمر بدرء احلدود بالشبهات تفاديا للوقوع يف خطأ إدانة برئ ،بل نبو إىل أن اخلطأ
الذي يًتتب على إفالت اجملرم من العقاب أخف ضررا على اجملتمع من اخلطأ الذي يؤدي إىل إدانة برئ.16
ويًتتب على ىذا ادلبدأ التزامات ترد على احملكمة تتمثل يف عدم احلكم باإلدانة إال بناء على يقُت قضائي،
وتفسَت الشك دلصلحة ادلتهم .كما تًتتب عليو حقوق للمتهم تتجلى يف عدم التزامو بإثبات براءتو ،فإثبات
التهمة يقع على عاتق النيابة العامة ،ذلك أن ادلتهم فقط يقع عليو مناقشة أدلة اإلثبات اليت تتجمع حولو لكي
يفندىا أو يضع فيها بذور الشك ،دون أن يلتزم بتقدمي أدلة إغلابية تفيد براءتو.
غَت أن عبء اإلثبات إذا كان يقع على النيابة العامة بوصفها شلثلة لالدعاء ،فذلك ليس معناه أن مهمتها قاصرة
على إثبات التهمة فقط ،ألن وظيفتها ىي إثبات احلقيقة جبميع صورىا سواء فيما يتعلق بركٍت اجلرؽلة أو بشروط
ادلسؤولية ،وعلى احملكمة أيضا أن تبحث بنفسها من خالل إجراءات احملاكمة عن ىذه احلقيقة دون أن ذبشم
16خطاب كرؽلة ،قرينة الرباءة .أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم –فرع قانون .جامعة اجلزائر -0-كلية احلقوق .السنة اجلامعية .6101-6101ص .62
13
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
ادلتهم عبء إثبات الرباءة .فهذه الرباءة أمر مفًتض وال زلل إلثباهتا أمام احملكمة ،وكل ما ىو جدير بالبحث ىو
التحقق شلا إذا كانت ىناك أدلة كافية ؽلكنها أن تدحض ىذا األصل أم ال.
تعترب احملاكمة العادلة إحدى الركائز األساسية اليت تقوم عليها دولة القانون ،وقد أكدت عليها سلتلف ادلواثيق
وادلعاىدات الدولية وكذا إعالنات حقوق اإلنسان العادلية ،وألزمت جل الدول باحًتامها والعمل هبا .وادلغرب يف
إطار مواكبتو ذلذه ادلواثيق وادلعاىدات وباعتباره عضوا نشيطا يف ادلنظمات الدولية ،فقد جعل من احملاكمة العادلة
مبدأ دستوري ونص عليو صراحة يف الفصل 62من دستور "6 6100قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة
مضمونان "...كما أكد عليو يف الفصل 061حيث نص على أن "6لكل شخص الحق في محاكمة عادلة،
وفي حكم يصدر داخل أجل معقول ،حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".
وقد اختلف فقهاء القانون يف الوصول إىل ربديد واضح حلق ادلتهم يف زلاكمة عادلة ،إذ شغلت اىتمامهم
الضمانات ادلؤدية إليها ،وىو ما ذىب إليو أحد الفقهاء يف قولو إن احملاكمة العادلة تشمل حقوق ادلتهم من
إحاطتو علما بالتهمة إىل االستعانة دبحام ،إىل عدم تعرضو خلطر العقاب أكثر من مرة إىل حق الطعن يف األحكام
ويف التعويض يف حالة إخفاق العدالة ،وأن تكون احملكمة حيادية ومستقلة ال تأثَت ألحد عليها.17
كما أن القضاء حاول بدوره ربديد مفهوم احملاكمة العادلة وذلك من خالل بيان العناصر أو ادلعايَت اليت تقوم
عليها ،حيث جاء يف حكم حملكمة النقض الفرنسية " أن الدستور كفل احلق يف احملاكمة ادلصنفة دبا ينص عليو
من أن ادلتهم برئ حىت تثبت إدانتو يف زلاكمة قانونية تكفل لو فيها ضمانات الدفاع عن نفسو وىو حق نص
عليو اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان يف مادتيو العاشرة واحلادية عشرة ،اليت تقرر أوالعلا أن لكل شخص حقا
14
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
مكتمال ومتكافئا مع غَته يف زلاكمة علنية ومنصفة ،تقوم عليها زلكمة مستقلة زلايدة تتوىل الفصل يف حقوقو
والتزاماتو ادل دنية ،أو يف التهمة اجلنائية ادلوجهة إليو ،وترد ثانيتهما يف فقرهتا األوىل ،حق كل شخص وجهت إليو
هتمة جنائية يف أن تفًتض براءتو إىل ان تثبت إدانتو يف زلاكمة علنية توفر فيها الضمانات الضرورية لدفاعو".18
بناء على ىذا التحديد دلفهوم احملاكمة العادلة يتضح أهنا غَت قاصرة على مرحلة احملاكمة بل تشمل مرحلة ما قبل
احملاكمة اي البحث التمهيدي ادلنجز من قبل ضباط الشرطة القضائية واالستنطاق أمام النيابة العامة مث التحقق
اإلعدادي ،وسبتد إىل ما بعدىا من خالل الطعن ادلسموح بو يف احلكم أو القرار القضائي. ،
وإذا كان ادلشرع ادلغريب قد عمل على دسًتة احملاكمة العادلة فإنو أحاطها بضمانات تتجلى يف احًتام ادلبادئ اليت
يقوم عليها التنظيم القضائي بدء دببدأ استقالل القضاء مرورا دببدأ التقاضي على درجتُت ،وانتهاء دببدأ ادلساواة
فاستقاللية القضاء تقتضي منع أي تدخل يف القضايا ادلعروضة على القضاء كما ال يتلقى القاضي بشأن مهمتو
القضائية أي أوامر أو تعليمات وال ؼلضع ألي ضغط ،بالتايل فإن القضاء يكون ىو احلارس الطبيعي للحقوق
واحلريات الفردية.19
إضافة إىل ذلك يعترب حق الطعن يف األحكام أو تعدد درجات التقاضي من أىم شروط احملاكمة العادلة ،حبيث
يهدف الطعن إىل البحث يف مدى سالمة ونزاىة األحكام والقرارات القضائية فإذا أحس األفراد باجلور وعدم
اإلنصاف يف حكم ؽلكنهم من خالل الطعن تصحيح االحكام ومراجعتها من قبل اجلهات القضائية العليا.
15
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
أما مبدأ ادلساواة والذي مت التأكيد عليو يف مسودة مشروع قانون ادلسطرة اجلنائية يف ادلادة األوىل "6كل
األشخاص متساوون أمام القانون "...ومن خاللو يضمن األفراد عدم التمييز حيث غلب أن يعامل مجيع أطراف
إضافة إىل ىذه ادلبادئ فإن حقوق الدفاع 21تعترب من أىم الضمانات اليت كرسها القانون لفائدة األفراد ،لذلك
فإن ادلشرع قد أقر رلموعة من اإلجراءات واليت يهدف من اىل ربقيق ادلوازنة بُت حق الدولة يف العقاب وحق
ادلتهم يف الدفاع عن نفسو من بُت ىذه الضمانات إحاطتو علما بالتهمة ادلوجهة إليو وكذا حقو يف االستفادة من
دلا استأثرت الدولة بسلطة توقيع العقوبة ،كان من البديهي تقييد ىذه السلطة دبجموعة من ادلبادئ حىت تكون
ضمانة حلقوق األفراد وحرياهتم من كل جور وتعسف ،فكانت الشرعية اجلنائية وقرينة الرباءة وكذا احلماية
الدستورية جملموعة من احلقوق اخلاصة مث احملاكمة العادلة من أىم الضمانات وادلبادئ اليت تضمنها الدستور
وقيدت حق الدولة يف العقاب ،غَت أن ىذه ادلبادئ ال ؽلكن أن تكون فعالة إال يف نظام يقوم على مبدأ فصل
السلطات ،أي فصل السلطة القضائية عن السلطتُت التنفيذية والتشريعية(الفقرة األولى) ويف اطار السلطة
القضائية غلب أن يكون ىناك فصل بُت سلطيت االهتام والتحقيق( الفقرة الثانية).
21ينص الفصل 061من دستور 6100على أن "6لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ،وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
16
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
كما ىو معلوم فإن ذبميع السلطات يضاعف من خطر االستبداد و االعتداء على احلقوق واحلريات ،لذلك مت
االىتداء إىل مبدأ فصل السلط الذي يقتضي عدم مجع ىذه األخَتة يف يد واحدة وتوزيعها بُت ىيئات سلتلفة6
حيث تتوىل كل سلطة ادلهام ادلخولة ذلا ،فالسلطة التشريعية حسب الفصل 30من دستور 6100ىي اليت
زبتص بتشريع اجلرائم والعقوبات حيث نص ىذا الفصل على أنو ":يختص القانون باإلضافة إلى المواد
وبناء عليو فإن وظيفة التجرمي والعقاب مسندة إىل السلطة التشريعية باعتبارىا شلثلة اجملتمع وتنوب عليو لذلك كان
من البديهي أن ربتكر ىذه الوظيفة سلطة منتخبة مت تفويضها من قبل اجملتمع من أجل إصدار وتشريع القوانُت
ألهنا نابعة من اجملتمع ،وبالتايل ال ؽلكن للقضاء أن يقوم بتجرمي أو ادلعاقبة على سلوك ال يعد جرؽلة بصريح
يف حُت تستأثر السلطة القضائية بالبث يف النزاعات ،حيث ال تستطيع الدولة أن تلجأ إىل التنفيذ ادلباشر للعقوبة
يف حق اجلاين حىت ولو اعًتف ىذا األخَت باجلرؽلة اليت ارتكبها ورضي بتوقيع العقوبة عليو ،وحىت لو كانت العقوبة
17
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
ى ي الغرامة أو كانت اجلرؽلة ذات حد واحد يف العقاب فإن ىذا ال يسمح للدولة أن تنفذ العقوبة دون االلتجاء
إىل القضاء.22
ولقد تعزز ىذا ادلبدأ حينما ارتقى ادلشرع بالقضاء من رلرد وظيفة إىل سلطة قضائية مستقلة فأكد يف الفصل
013من الدستور على "6السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية" ،وبالتايل
فإنو ؽلنع أي تدخل يف القضايا ادلعروضة على القضاء كما أن القاضي غلب أن ال يتلقى بشأن مهمتو القضائية
أي أوامر أو تعليمات وال ؼلضع ألي ضغط ،وبادلقابل فإن كل إخالل من القاضي بواجب االستقالل والتجرد
يعترب خطأ مهنيا جسيما كما أن القانون يعاقب كل من حاول التأثَت على القاضي بكيفية غَت مشروعة،
فاستقالل السلطة القضائية يشكل ضمانا لكل األشخاص ومحاية دلصاحلهم ،فالقاضي ملزم حبماية حقوق
األشخاص واجلماعات وحرياهتم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون حسب الفصل 003من الدستور.
ال خالف يف أن أضعف احلاالت اليت ؽلر هبا اإلنسان يف حياتو ،ىي تلك اليت يواجو فيها باهتامو خبرق القانون،
فهو يف ىذه احلالة يعيش مهدداً باحتمال إدانتو والنيل يف النهاية من حريتو أو حياتو ،وتالزمو ىذه احلالة طوال
مرحلة التحقيق معو يف ىذا االهتام ،وحىت يبلغ منتهاه بالتصرف فيو.
وال خالف أيضاً يف أن التشريعات البشرية ،ينبغي أن تضع ىذا الضعف اإلنساين موضع االعتبار ،فتحيط مثل
ىذا اإلنسان الذي ؽلر هبذه احملنة بالضمانات اليت تكفل الوصول إىل احلقيقة ،حبيث ال يظلم برئ وال يفلت
مسيء.
ولعل من أىم الضمانات يف ىذا الصدد ،أن ؼلتلف الشخص ادلعٌت بإثبات االهتام عن ذلك ادلعٌت بإظهار احلقيقة
رلردة ،وذلك الختالف السمة واذلدف من العملُت ،فاألول غايتو إثبات االهتام وعقاب ادلتهم ،والثاين منوط بو
18
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
كشف وجو احلق يف االهتام وجوداً أو عدماً ،ومن مث كان اجلمع بُت العملُت ،مجع لألضداد ،ال ػلقق عدالً وال
ػلق حقاً.
لذلك فقد مت االىتداء إىل مبدأ الفصل بُت مهام ربريك الدعوى العمومية ادلنوطة بالنيابة العامة ،ووظيفة التحقيق
ادلوكولة إىل قاضي التحقيق ،والذي يعد من الضمانات األساسية ادلكفولة للمتهم يف احلصول على زلاكمة عادلة،
فلم تكن لتكون للتحقيق من ضرورة إذا كان سيتم إجراءه من طرف اجلهة ادلوكول ذلا قانونا ربريك الدعوى
العمومية حيث ستغدو معو النيابة العامة خصما وحكما يف اآلن نفسو ،لذلك كان من البديهي أن يتم إقرار مبدأ
أساسي وضمانة حقيقية للمتهم وىي أن ي تم الفصل بُت اجلهة اليت ساقتو إىل ساحة القضاء و تلك اليت ستتوىل
التحقيق معو.
وقد عمدت معظم التشريعات اجلنائية احلديثة ومن بينها التشريع ادلغريب ،إىل األخذ دببدأ الفصل بُت سلطيت
التحقيق و االهتام إذ أنو لو مجعت سلطة واحدة بينهما فإهنا ذبمع بُت صفتُت متعارضتُت يف وقت واحد علا
صفتا اخلصم واحلكم ،شلا قد يتعذر معو الًتجيح بُت وسائل اإلثبات أو النفي بشكل زلايد وموضوعي ،الشيء
الذي غلعل من التحقيق اإلعدادي يف غياب الفصل ادلذكور غَت ذي جدوى مادام ال ؼلتلف عن التحقيق
االبتدائي الذي تقوم بو الشرطة القضائية بتعليمات من النيابة العامة.23
إذن فالفصل بُت سلطيت االهتام والتحقيق يشكل ضمانة حلريات اإلفراد الشخصية ،على عكس اجلمع بُت
السلطتُت الذي ينال من الضمانات األساسية يف التحقيق.
23مجال سرحان ،ضمانات ادلتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي .ص .62،61
19
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
خاتمة:
انطالقا شلا سبق ،ؽلكن أن طللص إىل أن ىذه ادلبادئ ىي دبثابة قيود تكبل حق الدولة يف إنزال العقاب وتعترب
السياج الذي ػلمي احلقوق واحلريات الفردية ،غَت أهنا ال ؽلكن أن تكون فعالة إال بوجود قضاء مستقل ونزيو
وزلايد ،ذلك أن القضاء ىو ادلكلف حبماية حقوق األشخاص واجلماعات وحرياهتم وأمنهم القضائي وتطبيق
القانون.
20
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
الئحة المراجع:
-أحمد فتحي سرور ،القانون الجنائي الدستوري -الشرعية الدستورية في قانون العقوبات ،الشرعية
الدستورية في قانون اإلجراءات الجنائية .-الطبعة الثانية .دار الشروق ،القاىرة.6666 :
-عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية( الجزء األول) الطبعة الرابعة.
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء.6602 :
-عبد السالم بنحدو ،الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية .مطبعة اسبارطيل ،طنجة.6602 :
-أحمد قليش ،الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية .الطبعة الثانية .مطبعة االمنية ،الرباط.6600 :
-ىشام بوحوص ،محاضرات في مادة السياسية الجنائية والقانون الجنائي .السنة الجامعية .6600
-منصور رحماني ،الوجيز في القانون الجنائي العام .دار العلوم للنشر ،عنابة.
-جمال سرحان ،ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي.
-عثمان بكور ،ضمانات المحاكمة الجنائية العادلة .أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص .كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة .السنة الجامعية .6602 -6600
-خطاب كريمة ،قرينة البراءة .أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم -فرع قانون .جامعة الجزائر -0-
كلية الحقوق .السنة الجامعية .6609-6602
-ظهير شريف رقم 0.00.50صادر في 62من شعبان 65( 0266يوليو )6600بتنفيذ نص
الدستور .الجريدة الرسمية عدد 9502مكرر بتاريخ 62شعبان 66( 0266يوليو ،)6600ص
.6066
21
المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب
( 6أكتوبر )6666بتنفيذ القانون -ظهير شريف رقم 0.66.699صادر في 69من رجب 0266
رقم 66.60المتعلق بالمسطرة الجنائية .الجريدة الرسمية عدد 9622بتاريخ 62ذي القعدة 0266
( 66يناير ،)6666ص .609
22