You are on page 1of 22

‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫‪1‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫تقديم‪:‬‬

‫إن عالقة اإلنسان باجلرؽلة قدؽلة قدم اإلنسان نفسو‪ ،‬فقد الزمتو اجلرائم منذ وجوده األول على سطح األرض‪ .‬و‬

‫كما كانت عالقة اجلرؽلة باإلنسان قدؽلة‪ ،‬فإن عالقتها بالعقاب قدؽلة أيضا‪ ،‬فما من جرؽلة تقع إال وكان ذلا‬

‫عقاب مقرر بغض النظر عن وحدتو أو عدم وحدتو‪ ،‬طبق أو مل يطبق‪ .‬وعلى مدار تاريخ البشرية الطويل مل يكن‬

‫ىناك معيار موحد للجرائم وال للعقوبات‪ ،‬وإن وجد ذلك ففي ذبمعات أو رلتمعات زلدودة الزمان وادلكان‪ ،‬وال‬

‫يزال أمر ىذا االختالف قائما إىل اليوم وإن خفت حدتو بفضل ما عرفتو البشرية يف تارؼلها ادلتأخر من اذباه ضلو‬

‫االرباد يف ىذا اجملال‪.1‬‬

‫وكما ىو معلوم فإن العقوبة مل تظهر أول ما ظهرت بشكلها احلايل سواء من حيث نظامها أو اذلدف من توقيعها‬

‫أو اجلهة اليت ربتكر تنفيذىا‪ ،‬فقد تطورت عرب مر العصور وتعاقب احلضارات‪.‬‬

‫ففي العصور القدؽلة مل يكن اإلنسان ػلتكم إىل دين أو تشريع أو نظام متبع بل كان ػلتكم إىل فطرتو اليت تقرر‬

‫أن كل فعل ال بد لو من ردة فعل‪ ،‬فهو يدافع عن نفسو أو مالو بدافع الغريزة أو الفطرة وقد مسيت ىذه ادلرحلة‬

‫دبرحلة االنتقام الفردي‪ ،‬ويف مرحلة الحقة ومع تطور اإلنسان واتصالو بغَته أصبحت مسؤولية العقاب على اجلرائم‬

‫من اختصاص التجمعات اليت تشكلت ابتداء من األسرة كنواة أوىل ألصغر اجملتمعات البشرية إىل العشَتة إىل‬

‫القبيلة إىل أن قامت الدولة ذبسيما أخَتا ألكرب ىذه اجملتمعات حيث ضاقت سلطة الفرد وانكمشت لصاحل‬

‫الدولة‪ ،‬وبُت ىذه وتلك كان التطور يالحق احلق يف العقاب من أكثر من ناحية‪.‬‬

‫‪ 1‬منصور رمحاين‪ ،‬الوجيز يف القانون اجلنائي العام‪ .‬دار العلوم للنشر‪ ،‬عنابة‪ .‬ص ‪.5‬‬

‫‪2‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫وكما ىو معلوم فإنو ما من فكرة تنشأ وال مبدأ يسود إال وتصاحبو فلسفة سبهد لو وتدعمو‪ ،‬وكذلك ىو الشأن‬

‫بالنسبة لفكرة احلق يف العقاب‪ ،‬الذي احتكرت الدولة سلطة توقيعو على أفراد اجملتمع استنادا إىل العقد‬

‫االجتماعي‪.‬‬

‫غَت أن الدولة بصفتها صاحبة احلق يف العقاب ال غلوز ذلا ‪-‬كقاعدة عامة‪ -‬االلتجاء إىل تنفيذه مباشرة حىت ولو‬

‫كانت العقوبة ذات حد واحد و قبل اجلاين باخلضوع ذلا طواعية‪ ،‬إذ البد من أن ربصل على حكم قضائي بات‬

‫يكشف عن حقها ىذا ويؤكده‪ ،‬ذلذا فقد قيل بأن حق الدولة يف العقاب ىو حق قضائي‪ ،‬ذلك أن التشريعات‬

‫عمدت إىل تقييد ىذا احلق دبجموعة من ادلبادئ والضمانات اليت ربفظ لألفراد حقوقهم و وحرياهتم الفردية‪،‬‬

‫وادلشرع ادلغريب بدوره أكد يف الدستور باعتباره أمسى وثيقة تعرب عن إرادة األمة على إلزامية ىذه ادلبادئ الدستورية‬

‫اليت ترسم اإلطار العام دلمارسة الدولة احلق يف العقاب‪.‬‬

‫وبناء عليو ؽلكننا التساؤل حول‪ 6‬ماىية ىذه ادلبادئ الدستورية ادلؤطرة حلق الدولة يف العقاب؟ ودورىا يف ادلوازنة‬

‫بُت محاية حقوق األفراد وحرياهتم ومحاية ادلصلحة العامة؟‬

‫سنحاول اإلجابة على ىذه األسئلة من خالل التصميم التايل‪6‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الشرعية الجنائية وفاعلية الحماية الدستورية‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ الشرعية كقيد على حق الدولة في العقاب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية الدستورية لحرمة المنزل وسرية االتصاالت‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية الدستورية للمتهم ومبدأ فصل السلطات‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ قرينة البراءة والمحاكمة العادلة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ فصل السلط‬

‫‪3‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫المبحث األول‪ :‬الشرعية الجنائية وفاعلية الحماية الدستورية‬

‫دلا كان حق الدولة يف العقاب من أخطر السلط ادلخولة ذلذه األخَتة‪ ،‬نظرا دلساسها حبقوق وحريات األفراد‪ ،‬فقد‬

‫كان من البديهي أن هتتدي التشريعات إىل تأطَت شلارسة ىذا احلق دبجموعة من ادلبادئ والضمانات اليت تضمن‬

‫عدم التعسف يف استعمالو‪ .‬فكان مبدأ الشرعية ( الفقرة األولى) وكذا احلماية الدستورية جملموعة من احلقوق‬

‫واحلريات ( الفقرة الثانية) من أىم ادلبادئ اليت تقيد سلطة الدولة يف العقاب‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ الشرعية كقيد على حق الدولة في العقاب‬

‫يعترب تقرير مبدأ "ال جريمة وال عقوبة إال بنص" انتصارا كبَتا حققتو اإلنسانية بعد مراحل طويلة من ادلعاناة‬

‫من شىت أنواع الظلم وربكم األىواء الشخصية‪ ،‬وقد أصبح ىذا ادلبدأ عادليا تنص عليو جل الدساتَت يف العامل‪،2‬‬

‫وادلشرع ادلغريب بدوره نص يف الفصل ‪ 34‬من دستور ‪ 3122‬على أنو‪ "6‬ال يجوز إلقاء القبض على أي‬

‫شخص أو اعتقالو أو متابعتو أو إدانتو ‪ ،‬إال في الحاالت وطبقا لإلجراءات التي ينص عليها القانون"‪.‬‬

‫فمن ناحية يشكل ذلك ضمانا حلريات األفراد وحقوقهم ألنو يسمح ذلم مسبقا دبعرفة أي األفعال أو الًتوك ػلظر‬

‫عليهم إتياهنا ليتمكنوا من شلارسة كل أنواع النشاطات ادلباحة يف اطمئنان‪ ،3‬ويف ادلقابل فإنو يعترب دبثابة قيد يؤطر‬

‫حق الدولة يف العقاب‪ ،‬ذلك أن ىذه األخَتة ال تستطيع أن رباسب األفراد إال دبوجب النص القانوين بعد أن تبُت‬

‫ذلم ما ىو احملظور عليهم عملو‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فهو ؽلثل تقليصا من سلطات القاضي الذي كان ؽلارس يف السابق سلطة التجرمي والعقاب‬

‫وكان الفرد ال يتمتع بأي ضمانة وغلد نفسو مستهدفا االنتقام منو ألي سبب بتقدؽلو إىل القضاء الذي غلرم من‬

‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫عبد السالم بنحدو‪ ،‬الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية‪ .‬مطبعة اسبارطيل‪ ،‬طنجة‪ .3125 :‬ص ‪.28-27‬‬
‫‪3‬‬
‫هشام بوحوص‪ ،‬محاضرات في مادة السياسة الجنائية والقانون الجنائي‪ .‬السنة الجامعية ‪ .3127‬ص ‪.49‬‬
‫‪4‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫أفعالو ما يشاء ويعاقبو بأي عقوبة يشاء وذلك إرضاء للسلطة التنفيذية احلاكمة‪ ،4‬إال أنو أمر غَت وارد حاليا ذلك‬

‫أن تشريع اجلرائم والعقوبات أصبح حكرا على السلطة التشريعية دبقتضى الدستور‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 82‬منو‬

‫على أنو‪ ":‬يختص القانون باإلضافة إلى المواد المسندة إليو صراحة بفصول أخرى من الدستور‪،‬‬

‫بالتشريع في الميادين التالية‪:‬‬

‫"‪ ...‬تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها؛‪"...‬‬

‫ونظرا ألعلية ىذا ادلبدأ فإن ادلشرع مل يكتفي بالتنصيص عليو يف الدستور فقط وإظلا أكد عليو أيضا يف القانون‬

‫اجلنائي حيث نص ادلادة الثالثة على أنو ‪ ":‬ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون‬

‫وال معاقبتو بعقوبات لم يقررىا القانون"‪.‬‬

‫كما أن ادلادة الثامنة نصت على أنو ‪ ":‬ال يجوز الحكم بأي تدبير وقائي‪ ،‬إال في األحوال وطبق الشروط‬

‫المقررة في القانون‪ .‬وال يحكم إال بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور‬

‫الحكم"‪.‬‬

‫وبناء عليو يتضح بأن الدستور باعتباره أمسى وثيقة تعرب عن إرادة األمة‪ ،‬ومن خالل ىذه ادلبادئ اليت يتضمنها‬

‫فإنو يسهم يف ربديد مضمون القانون اجلنائي‪ ،‬أي أنو ػلدد طبيعة العالقة بُت الفرد والدولة‪ ،‬ذلك أن ىذه األخَتة‬

‫باعتبارىا صاحبة احلق يف العقاب وصاحبة السلطة اإلجرائية‪ ،‬تكون ملزمة بتحقيق التوازن بُت محاية احلقوق‬

‫واحلريات وادلصلحة العامة‪ .5‬ذلك أن الدولة القانونية حبكم وظيفتها عليها أن ربمي مجيع ادلصاحل القانونية‪ ،‬وىي‬

‫عثمان بكور‪ ،‬ضمانات احملاكمة اجلنائية العادلة‪ .‬أطروحة لنيل الدكتوراه يف القانون اخلاص‪ .‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ .‬السنة‬
‫‪4‬اجلامعية‪ .6103-6102‬ص‪.62‬‬
‫‪ 5‬أمحد فتحي سرور‪ .‬القانون اجلنائي الدستوري ‪-‬الشرعية الدستورية يف قانون العقوبات‪ ،‬الشرعية الدستورية يف قانون اإلجراءات‪ .-‬الطبعة الثانية‪ .‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاىرة‪.6116 6‬ص‪.3‬‬

‫‪5‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫ليست قاصرة على الدولة وحدىا بل إهنا تشمل حقوق األفراد وحرياهتم‪ ،‬فاحلقوق واحلريات غلب أن ػلميها‬

‫القانون وال غلوز إىدارىا بدعوى احملافظة على مصلحة اجملتمع‪ ،‬بل يتعُت التوفيق بُت ادلصلحتُت يف إطار العالقات‬

‫االجتماعية اليت ربكم اجملتمع‪.6‬‬

‫إذن فمبدأ الشرعية أضحى إحدى الضمانات األساسية لألفراد يف مواجهة السلطة القضائية‪ ،‬لكن ىل ىذه‬

‫الشرعية اليت ؼلضع ذلا القانون قاصرة على ربديد اجلرائم والعقوبات؟‬

‫إن اإلجابة على ىذا السؤال تقتضي منا الرجوع إىل الفصل ‪ 34‬من الدستور باعتباره اإلطار القانوين دلبدأ الشرعية‬

‫اجلنائية كمبدأ دستوري مؤطر حلق الدولة يف العقاب‪ ،‬حيث طللص إىل أن الشرعية اليت ؼلضع ذلا القانون ليست‬

‫قاصرة على ربديد اجلرائم والعقوبات وحسب بل ىي شرعية تعود كل مراحل تدخل القانون اجلنائي منذ وقوع‬

‫اجلرؽلة حىت زلاكمة اجملرم وتنفيذ العقاب يف شأنو‪ ،‬ومعٌت ىذا أن شرعية اجلرؽلة والعقوبة سبثل احللقة األوىل من‬

‫الشرعية اجلنائية تليها الشرعية اإلجرائية وتعٍت ضرورة وجود قواعد مكتوبة منصوص عليها يف القانون وتكون‬

‫صادرة من جهة ذلا الوالية يف إصدارىا تلتزم احملاكم الزجرية بإتباعها على سبيل الوجوب وتطبيقها على اخلصومة‬

‫اجلنائية منذ ارتكاب اجلرؽلة حلُت الفصل النهائي يف شأهنا‪.7‬‬

‫مث يأيت بعد ذلك ادلرحلة الثالثة من مراحل الشرعية اجلنائية وىي مرحلة التنفيذ العقايب‪ ،‬وتعٍت ضرورة أن يكون‬

‫القانون ىو مصدر القواعد اليت زبضع ذلا إجراءات معاملة ادلسجونُت وإجراءات تنفيذ العقوبات عموما‪.8‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية الدستورية لحرمة المنزل وسرية االتصاالت‬

‫‪6‬أمحد فتحي سرور‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.01‬‬


‫‪7‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح يف القانون اجلديد ادلتعلق بادلسطرة اجلنائية (اجلزء األول)‪ .‬الطبعة الرابعة‪ .‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ .6101 6‬ص‪.11‬‬
‫‪8‬عثمان بكور‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.65‬‬

‫‪6‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫تعترب حرمة ادلسكن وكذا سرية االتصاالت من بُت أىم احلقوق اليت حظيت باحلماية يف سلتلف التشريعات الوطنية‬

‫والدولية‪ ،‬ويف ىذا السياق صلد اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان الصادر سنة ‪ 2:59‬ينص يف ادلادة ‪ 23‬على‬

‫أنو‪ "6‬ال يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياتو الخاصة أو أسرتو أو مسكنو أو مراسالتو أو حمالت على‬

‫شرفو و سمعتو و لكل شخص الحق في حماية القانون من مثل ىذا التدخل أو تلك الحمالت" وسنحاول‬

‫يف ىذا ادلطلب أن نبُت مدى فاعلية احلماية الدستورية يف ضمان حرية األفراد وحقوقهم من جهة وتقييد سلطة‬

‫الدولة من جهة أخرى وذلك من خالل النص يف صلب الوثيقة الدستورية على حرمة ادلسكن ( الفقرة األولى)‬

‫وسرية االتصاالت (الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دستورية حرمة المسكن كضمان لحريات األفراد وحقوقهم‬

‫إذا كانت الدولة قد احتكرت احلق يف العقاب دبوجب العقد االجتماعي‪ ،‬فإن ىذا احلق ليس مطلقا‪ ،‬ذلك‬

‫أن التشريعات وضعت ضوابط وقيود ربد من ىذه السلطة زبوفا من أي اعتداء على حرمة احلياة اخلاصة‪ ،‬ويف ىذا‬

‫السياق فقد جعل ادلشرع ادلغريب حرمة ادلسكن‪ 9‬حقا مكفوال دبقتضى الدستور حيث ينص الفصل ‪ 42‬منو على‬

‫أنو‪ "6‬لكل شخص الحق في حماية حياتو الخاصة‪.‬‬

‫ال تنتهك حرمة المنزل‪ .‬وال يمكن القيام بأي تفتيش إال وفق الشروط واإلجراءات التي ينص عليها‬

‫القانون‪".‬‬

‫وباعتبار أن الدستور ىو أمسى قانون يف الدولة‪ ،‬فإنو عادة ما يتضمن اإلشارة إىل ادلبادئ واألصول العامة يف‬

‫فصولو‪ ،‬فيضفي بذلك قيمة دستورية على ىذه ادلبادئ شلا يقتضي من ادلشرع أن ػلًتمها وذلك حُت تناولو‬

‫‪ 9‬عرف ادلشرع ادلغريب "ادلسكن" يف الفصل ‪ 100‬من اجملموعة اجلنائية‪ ":‬يعد منزال مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى‪ ،‬ثابت أو متنقل‪،‬‬
‫سواء كان مسكونا فعال أو معدا للسكنى‪ ،‬وكذلك جميع ملحقاتو كالساحات وحظائر الدواجن والخزين واإلسطبل أو أي بناية داخلة في نطاقو مهما كان‬
‫استعمالها‪ ،‬حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫للقواعد التفصيلية ذلذه ادلبادئ‪ ،‬ويف ىذا السياق صلد أن كال من القانون اجلنائي و قانون ادلسطرة اجلنائية قد‬

‫تناولوا بالتفصيل محاية ادلسكن حيث ينص الفصل ‪ 341‬على أن‪ "6‬كل قاضي أو موظف عمومي‪ ،‬أو أحد‬

‫رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل‪ ،‬بهذه الصفة‪ ،‬مسكن أحد األفراد‪ ،‬رغم عدم‬

‫رضائو‪ ،‬في غير األحوال التي قررىا القانون‪ ،‬يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى‬

‫خمسمائة درىم‪"...‬‬

‫بناء على ىذا الفصل يتضح أن ادلشرع قد حصن ادلسكن وجعل لو حرمة ال ينبغي انتهاكها من أحد وإال عرض‬

‫نفسو للعقاب‪ ،‬غَت أن ىذا التحصُت ال ينبغي أن يكون مطلقا ليقف حائال دون ربقيق العدالة اجلنائية اليت‬

‫تقتضي أحيانا استبعاد ىذه احلصانة وغض الطرف عنها لضرورة إجراء حبث يف منزل من ادلنازل قد يضم داخلو‬

‫أدلة حامسة عن جرؽلة من اجلرائم غلري البحث بصددىا وال ؽلكن التوصل ذلا ‪-‬أي األدلة‪ -‬إال عن طريق إباحتو‬

‫لضابط الشرطة القضائية ليطلع وىو يقوم بالبحث عن كل ما لو يستدل بو عن اجلرؽلة ونسبتها لفاعل معُت‪ .‬إال‬

‫أن ضابط الشرطة القضائية مقيد بضوابط يف إطار تفتيشو للمنازل‪ ،10‬ىذه الضوابط تتمثل يف مجلة من الشروط‬

‫اليت يتطلب القانون توفرىا‪ ،‬وبالرجوع إىل الفصل ‪ 8:‬من قانون ادلسطرة اجلنائية صلد أن ادلشرع يف إطار تنظيمو‬

‫لكيفية تفتيش ادلنازل قد حاول التوفيق بُت حصانة وحرمة ادلسكن وضرورة ربقيق العدالة اجلنائية‪ ،‬فنص على أنو‪"6‬‬

‫ال يمكن دخول المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات االقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي‬

‫ستجري العمليات بمنزلو‪.‬‬

‫تضمن ىذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني باألمر‪ ،‬فإن كان ال يعرف الكتاب يشار إلى ذلك‬

‫في المحضر كما يشار فيو إلى قبولو‪.‬‬

‫‪10‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.101-101‬‬

‫‪8‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫تسري في ىذه الحالة مقتضيات المواد ‪ 95‬و ‪ 06‬و‪ 06‬و ‪.06‬‬

‫إذا تعلق األمر بجريمة إرىابية وامتنع الشخص الذي سيجري التفتيش أو الحجز بمنزلو عن إعطاء موافقتو‬

‫أو تعذر الحصول عليها‪ ،‬فإنو يمكن إجراء العمليات المذكورة في الفقرة األولى من ىذه المادة بإذن كتابي‬

‫من النيابة العامة بحضور الشخص المعني باألمر وفي حالة امتناعو أو تعذر حضوره فبحضور شخصين من‬
‫‪11‬‬
‫غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية‪".‬‬

‫بناء على ما سبق يتضح بأن ادلشرع حاول التوفيق بُت مصلحتُت متنافرتُت علا مصلحة اجملتمع وادلتمثلة يف ضرورة‬

‫القيام دبجموعة من اإلجراءات يف سبيل الوصول إىل مرتكب اجلرؽلة‪ ،‬ومصلحة األفراد ادلتمثلة يف توفَت ضمانة‬

‫حلرياهتم وذلك من خالل ربصُت حرمة ادلسكن‪ ،‬ورتب البطالن كجزاء لإلخالل بأي مقتضى قانوين ػلمي ىذه‬

‫احلقوق‪.12‬‬

‫‪ 11‬تنص ادلادة ‪ 15‬من قانون ادلسطرة اجلنائية على‪"6‬‬


‫إذا كان نوع اجلناية أو اجلنحة شلا ؽلكن إثباتو حبجز أوراق ووثائق أو أشياء أخرى يف حوزة أشخاص يظن أهنم شاركوا يف اجلرؽلة‪ ،‬أو ػلوزون مستندات أو أشياء تتعلق‬
‫باألفعال اإلجرامية‪ ،‬فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فورا إىل منزل ىؤالء األشخاص ليجري فيو طبقا للشروط احملددة يف ادلادتُت ‪ 21‬و‪ 26‬تفتيشا ػلرر زلضراً‬
‫بشأنو‪.‬‬
‫وفيما عدا حاالت ادلس بأمن الدولة أو إذا تعلق األمر جبرؽلة إرىابية‪ ،‬فال ػلق إال لضابط الشرطة القضائية ومعو األشخاص ادلشار إليهم يف ادلادة ‪ 21‬وحدىم‬
‫االطالع على األوراق أو ادلستندات قبل القيام حبجزىا‪.‬‬
‫وفيما عدا حاالت ادلس بأمن الدولة‪ ،‬فال ػلق إال لضابط الشرطة القضائية ومعو األشخاص ادلشار إليهم يف ادلادة ‪ 21‬وحدىم االطالع على األوراق أو ادلستندات‬
‫قبل القيام حبجزىا‪.‬‬
‫إذا تعُت إجراء التفتيش يف أماكن معدة الستعمال مهٍت يشغلها شخص يلزمو القانون بكتمان السر ادلهٍت‪ ،‬فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة‬
‫ادلختصة وأن يتخذ مسبقاً مجيع التدابَت لضمان احًتام السر ادلهٍت‪.‬‬
‫إذا كان التفتيش أو احلجز سيجري دبكتب زلام‪ ،‬يتوىل القيام بو قاض من قضاة النيابة العامة دبحضر نقيب احملامُت أو من ينوب عنو أو بعد إشعاره بأي وسيلة من‬
‫الوسائل ادلمكنة‪.‬‬
‫ربصى األشياء والوثائق احملجوزة فورا وتلف أو توضع يف غالف أو وعاء أو كيس وؼلتم عليها ضابط الشرطة القضائية‪ .‬وإذا استحال ذلك‪ ،‬فإن ضابط الشرطة‬
‫القضائية ؼلتم عليها بطابعو‪.‬‬
‫إذا تعذر إحصاء األشياء احملجوزة على الفور‪ ،‬فإن ضابط الشرطة القضائية ؼلتم عليها مؤقتاً إىل حُت إحصائها واخلتم النهائي عليها‪.‬‬
‫تتم ىذه اإلجراءات حبضور األشخاص الذين حضروا التفتيش‪ ،‬وػلرر ضابط الشرطة القضائية زلضرا دبا قام بو من عمليات"‪.‬‬

‫‪ 12‬أمحد قليش‪ ،‬الشرح العملي لقانون ادلسطرة اجلنائية‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬مطبعة االمنية‪ ،‬الرباط‪ .6102 6‬ص ‪.23‬‬

‫‪9‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫ىذا فيما يتعلق حبماية حرمة ادلسكن وحصانتو‪ ،‬فما ىي إذن مظاىر احلماية الدستورية لسرية االتصاالت؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دستورية سرية المراسالت كضمان لحرياتهم األفراد وحقوقهم‬

‫كما ىو الشأن بالنسبة حلرمة ادلسكن فإن ادلشرع الدستوري قد خص سرية االتصاالت باحلماية الدستورية فنص‬

‫يف الفصل ‪ 35‬على أنو‪ "6‬ال تنتهك سرية االتصاالت الشخصية‪ ،‬كيفما كان شكلها‪ .‬وال يمكن الترخيص‬

‫باالطالع على مضمونها أو نشرىا‪ ،‬كال أو بعضا‪ ،‬أو باستعمالها ضد أي كان‪ ،‬إال بأمر قضائي‪ ،‬ووفق‬

‫الشروط و الكيفيات التي ينص عليها القانون‪".‬‬

‫ومل يكتفي بالنص عليو دستوريا‪ ،‬بل أكد يف ادلادة ‪ 219‬من قانون ادلسطرة اجلنائية على أنو ؽلنع التقاط ادلكادلات‬

‫اذلاتفية أو االتصاالت ادلنجزة بوسائل االتصاالت عن بعد وتسجيلها او أخذ نسخ منها او حجزىا‪ .‬ورتب اجلزاء‬

‫ادلناسب لالعتداء على ىذا احلق وعاقب عليو ب‪ 6‬احلبس من شهر إىل سنة وغرامة مالية من ‪ 210111‬درىم‬

‫إىل ‪ 2110111‬درىم أو بإحدى ىاتُت العقوبتُت‪ ،‬وذلك يف ادلادة ‪ 226‬من نفس القانون‪.‬‬

‫غَت أن ىذا ادلنع ليس مطلقا‪ ،‬فادلشرع غالبا ما يكون مطالبا بادلوازنة بُت حق األفراد يف التمتع بسرية احلياة اخلاصة‬

‫وحقهم يف عدم انتهاكها دون إذن‪ ،‬وبُت حق الدولة يف احلفاظ على سالمتها الداخلية واخلارجية ومراقبة كل ما‬

‫من شأنو ادلساس بنظامها وأمن مواطنيها‪ ،‬لذلك فبعد أن منع القانون انتهاك سرية ادلراسالت وقرر اجلزاء ادلناسب‬

‫لكل خرق ذلذا ادلنع فإنو وضع حدودا ذلذا احلق حيث أجاز التقاط ادلكادلات اذلاتفية وكافة االتصاالت ادلنجزة‬

‫بواسطة وسائل االتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزىا‪ ،‬وذلك يف ادلادتُت ‪ 219‬و ‪ 225‬من‬

‫قانون ادلسطرة اجلنائية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية الدستورية للمتهم ومبدأ فصل السلطات‬

‫إن أغلب التشريعات الوضعية ومن بينها التشريع ادلغريب‪ ،‬تسعى إىل خلق توازن بُت ادلصلحتُت ادلتعارضتُت‪6‬‬

‫مصلحة الفرد يف محاية حريتو اليت ىي حق دستوري ومقدس من جهة‪ ،‬ومصلحة الدولة يف اقتصاص احلق العام‬

‫من اجلاين نظرا دلا أحدثو من إخالل بأمن اجملتمع وسكينتو من جهة أخرى‪ ،‬لذلك فإن ادلشرع ادلغريب قد أحاط‬

‫األفراد دبجموعة من الضمانات اليت ربول دون إىدار حريتهم من طرف السلطات‪ ،‬أبرز ىذه الضمانات وادلبادئ‬

‫مت التنصيص عليها يف الدستور كقرينة الرباءة واحملاكمة العادلة( المطلب األول) مث مبدأ فصل السلط (المطلب‬

‫الثاني)‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ قرينة البراءة والمحاكمة العادلة‬

‫إن اهتام أي شخص وإدانتو جبرؽلة ما يعرضو ألخطر القيود على حياتو الشخصية كما غلعلو يف موقف ضعيف‬

‫أمام السلطات‪ ،‬لذلك فإن ادلشرع الدستوري قد حصن األفراد دببدأ قرينة الرباءة( الفقرة األولى) و كفل ذلم‬

‫احلق يف زلاكمة عادلة( الفقرة الثانية) وسنحاول يف ىذا ادلطلب أن نبُت مظاىر احلماية الدستورية للمتهم من‬

‫خالل ىذين ادلبدأين ودورعلا يف تقييد سلطة الدولة يف توقيع العقوبة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ قرينة البراءة‬

‫يقصد دببدأ قرينة الرباءة أن كل شخص مشتبو فيو أو متهم جبرؽلة مهما بلغت جسامتها وجب معاملتو بوصفو‬

‫شخصا بريئا حىت تثبت إدانتو حبكم قضائي بات يف زلاكمة عادلة‪.13‬‬

‫‪13‬‬
‫منظمة العفو الدولية‪ ،‬دليل احملاكمة العادلة‪ .‬الطبعة الثانية‪ .6101 ،‬ص ‪.061‬‬

‫‪11‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫وقد كرست معظم دساتَت العامل ومن بينها الدستور ادلغريب مبدأ قرينة الرباءة وذلك بالنص عليو صراحة يف‬

‫الدستور‪ ،‬األمر الذي أعطى لو قيمة دستورية إىل جانب قيمتو الدولية‪ ،14‬فالفصل ‪ 34‬من دستور ‪ 3122‬ينص‬

‫على أن‪...":‬قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان‪ ،"...‬كما نص الفصل ‪ 22:‬منو على أنو ‪":‬‬

‫يعتبر كل مشتبو فيو أو متهم بارتكاب جريمة بريئا‪ ،‬إلى أن تثبت إدانتو بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء‬

‫المقضي بو"‪.‬‬

‫ونظرا ألعليتو مل يكتفي التشريع ادلغريب بالتنصيص عليو يف الدستور فقط‪ ،‬بل عمد إىل التأكيد عليو يف ادلادة‬

‫األوىل من قانون ادلسطرة اجلنائية حيث جاء فيها ‪ "6‬كل متهم أو مشتبو فيو بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن‬

‫تثبت إدانتو قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي بو‪ ،‬بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل‬

‫الضمانات القانونية"‪.‬‬

‫وتكمن قيمة مبدأ قرينة الرباءة‪ ،‬يف أن افًتاض اجلرم يف حق ادلتهم يؤدي إىل إىدار حريتو الفردية كما يؤدي إىل‬

‫ربكم السلطة يف األفراد‪ ،‬لذلك يتقرر مبدأ األصل براءة ادلتهم دلا فيو من محاية ألمن األفراد وحرياهتم الفردية‪ ،‬فإذا‬

‫مل تفًتض براءة ادلتهم فال شيء ػلفظ لو حقوقو وحريتو ويكون يف مركز ضعيف يعجز فيو عن الدفاع عن براءتو‪،‬‬

‫ىذا من ناحية‪ .‬كما يهدف ىذا ادلبدأ من ناحية أخرى إىل تاليف األخطاء القضائية بإدانة األبرياء أي تفادي‬

‫‪ 14‬تعد قرينة الرباءة من ادلبادئ األساسية يف القانون الدويل‪ ،‬فقد مت تبٍت ىذا ادلبدأ على ادلستوى العادلي ويف الكثَت من ادلواثيق الدولية أبرزىا‪6‬‬

‫ادلادة ‪ 00‬من اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان الصادر عن اجلمعية العامة لألمم ادلتحدة يف العاشر من دجنرب عام ‪ 0514‬نصت على أن‪ "6‬كل شخص متهم جبرؽلة‬
‫يعترب بريئا إىل أن تثبت إدانتو قانونا دبحاكمة علنية تؤمن فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسو"‪.‬‬

‫ادلادة ‪ 01‬من العهد الدويل اخلاص باحلقوق ادلدنية والسياسية الصادر عن األمم ادلتحدة يف ‪ 02‬شتنرب ‪ 0522‬أكدت على أن‪ "6‬من حق كل متهم بارتكاب اجلرؽلة‬
‫أن يعترب بريئا إىل أن يثبت عليو اجلرم قانونا"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية من القاعدة ‪ 41‬من القواعد النموذجية دلعاملة السجناء اليت اعتمدىا مؤسبر األمم ادلتحدة األول دلنع اجلرؽلة ومعاملة اجملرمُت والذي انعقد يف جنيف سنة‬
‫‪ 0511‬جاء فيها على أنو‪ "6‬يفًتض يف ادلتهم أنو برئ ويعامل على ىذا األساس"‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫األضرار اليت قد تنجم عن أخطاء القضاء أو جهاز الضبط القضائي القائم بأعمال التحري واالستدالل‪ ،‬واليت ال‬

‫ؽلكن تعويضها إذا ما تبث براءة ادلتهم الذي افًتض فيو اجلرم ومت معاملتو على ىذا األساس‪ ،‬لذلك كان من‬

‫األحسن معاملة ادلتهم على أنو برئ منذ بدء االهتام إىل هنايتو‪ .‬فضال عن أن ىذا ادلبدأ يتفق مع القيم األخالقية‬

‫والدينية اليت هتتم حبماية الضعفاء‪ ،15‬وال شك أن ادلتهم قبل أن يثبت عليو اجلرم باألدلة القاطعة ىو يف موقف‬

‫ضعيف‪ ،‬يف ىذا السياق ويف حديث نبوي يقول الرسول صلى اهلل عليو وسلم‪ "6‬ادرءوا الحدود عن المسلمين‬

‫ما استطعتم‪ ،‬فإن كان لو مخرج‪ ،‬فخلوا سبيلو‪ ،‬فإن اإلمام أن يخطئ في العفو‪ ،‬خير من أن يخطئ‬

‫في العقوبة"‪ .‬فهذا احلديث يأمر بدرء احلدود بالشبهات تفاديا للوقوع يف خطأ إدانة برئ‪ ،‬بل نبو إىل أن اخلطأ‬

‫الذي يًتتب على إفالت اجملرم من العقاب أخف ضررا على اجملتمع من اخلطأ الذي يؤدي إىل إدانة برئ‪.16‬‬

‫ويًتتب على ىذا ادلبدأ التزامات ترد على احملكمة تتمثل يف عدم احلكم باإلدانة إال بناء على يقُت قضائي‪،‬‬

‫وتفسَت الشك دلصلحة ادلتهم‪ .‬كما تًتتب عليو حقوق للمتهم تتجلى يف عدم التزامو بإثبات براءتو‪ ،‬فإثبات‬

‫التهمة يقع على عاتق النيابة العامة‪ ،‬ذلك أن ادلتهم فقط يقع عليو مناقشة أدلة اإلثبات اليت تتجمع حولو لكي‬

‫يفندىا أو يضع فيها بذور الشك‪ ،‬دون أن يلتزم بتقدمي أدلة إغلابية تفيد براءتو‪.‬‬

‫غَت أن عبء اإلثبات إذا كان يقع على النيابة العامة بوصفها شلثلة لالدعاء‪ ،‬فذلك ليس معناه أن مهمتها قاصرة‬

‫على إثبات التهمة فقط‪ ،‬ألن وظيفتها ىي إثبات احلقيقة جبميع صورىا سواء فيما يتعلق بركٍت اجلرؽلة أو بشروط‬

‫ادلسؤولية‪ ،‬وعلى احملكمة أيضا أن تبحث بنفسها من خالل إجراءات احملاكمة عن ىذه احلقيقة دون أن ذبشم‬

‫‪ 15‬أمحد فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.634‬‬

‫‪ 16‬خطاب كرؽلة‪ ،‬قرينة الرباءة‪ .‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم –فرع قانون‪ .‬جامعة اجلزائر ‪ -0-‬كلية احلقوق‪ .‬السنة اجلامعية ‪ .6101-6101‬ص ‪.62‬‬

‫‪13‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫ادلتهم عبء إثبات الرباءة‪ .‬فهذه الرباءة أمر مفًتض وال زلل إلثباهتا أمام احملكمة‪ ،‬وكل ما ىو جدير بالبحث ىو‬

‫التحقق شلا إذا كانت ىناك أدلة كافية ؽلكنها أن تدحض ىذا األصل أم ال‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المحاكمة العادلة‬

‫تعترب احملاكمة العادلة إحدى الركائز األساسية اليت تقوم عليها دولة القانون‪ ،‬وقد أكدت عليها سلتلف ادلواثيق‬

‫وادلعاىدات الدولية وكذا إعالنات حقوق اإلنسان العادلية‪ ،‬وألزمت جل الدول باحًتامها والعمل هبا‪ .‬وادلغرب يف‬

‫إطار مواكبتو ذلذه ادلواثيق وادلعاىدات وباعتباره عضوا نشيطا يف ادلنظمات الدولية‪ ،‬فقد جعل من احملاكمة العادلة‬

‫مبدأ دستوري ونص عليو صراحة يف الفصل ‪ 62‬من دستور ‪ "6 6100‬قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة‬

‫مضمونان‪ "...‬كما أكد عليو يف الفصل‪ 061‬حيث نص على أن‪ "6‬لكل شخص الحق في محاكمة عادلة‪،‬‬

‫وفي حكم يصدر داخل أجل معقول‪ ،‬حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم"‪.‬‬

‫وقد اختلف فقهاء القانون يف الوصول إىل ربديد واضح حلق ادلتهم يف زلاكمة عادلة‪ ،‬إذ شغلت اىتمامهم‬

‫الضمانات ادلؤدية إليها‪ ،‬وىو ما ذىب إليو أحد الفقهاء يف قولو إن احملاكمة العادلة تشمل حقوق ادلتهم من‬

‫إحاطتو علما بالتهمة إىل االستعانة دبحام‪ ،‬إىل عدم تعرضو خلطر العقاب أكثر من مرة إىل حق الطعن يف األحكام‬

‫ويف التعويض يف حالة إخفاق العدالة‪ ،‬وأن تكون احملكمة حيادية ومستقلة ال تأثَت ألحد عليها‪.17‬‬

‫كما أن القضاء حاول بدوره ربديد مفهوم احملاكمة العادلة وذلك من خالل بيان العناصر أو ادلعايَت اليت تقوم‬

‫عليها‪ ،‬حيث جاء يف حكم حملكمة النقض الفرنسية " أن الدستور كفل احلق يف احملاكمة ادلصنفة دبا ينص عليو‬

‫من أن ادلتهم برئ حىت تثبت إدانتو يف زلاكمة قانونية تكفل لو فيها ضمانات الدفاع عن نفسو وىو حق نص‬

‫عليو اإلعالن العادلي حلقوق اإلنسان يف مادتيو العاشرة واحلادية عشرة‪ ،‬اليت تقرر أوالعلا أن لكل شخص حقا‬

‫‪ 17‬خطاب كرؽلة‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.052‬‬

‫‪14‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫مكتمال ومتكافئا مع غَته يف زلاكمة علنية ومنصفة‪ ،‬تقوم عليها زلكمة مستقلة زلايدة تتوىل الفصل يف حقوقو‬

‫والتزاماتو ادل دنية‪ ،‬أو يف التهمة اجلنائية ادلوجهة إليو‪ ،‬وترد ثانيتهما يف فقرهتا األوىل‪ ،‬حق كل شخص وجهت إليو‬

‫هتمة جنائية يف أن تفًتض براءتو إىل ان تثبت إدانتو يف زلاكمة علنية توفر فيها الضمانات الضرورية لدفاعو"‪.18‬‬

‫بناء على ىذا التحديد دلفهوم احملاكمة العادلة يتضح أهنا غَت قاصرة على مرحلة احملاكمة بل تشمل مرحلة ما قبل‬

‫احملاكمة اي البحث التمهيدي ادلنجز من قبل ضباط الشرطة القضائية واالستنطاق أمام النيابة العامة مث التحقق‬

‫اإلعدادي‪ ،‬وسبتد إىل ما بعدىا من خالل الطعن ادلسموح بو يف احلكم أو القرار القضائي‪. ،‬‬

‫وإذا كان ادلشرع ادلغريب قد عمل على دسًتة احملاكمة العادلة فإنو أحاطها بضمانات تتجلى يف احًتام ادلبادئ اليت‬

‫يقوم عليها التنظيم القضائي بدء دببدأ استقالل القضاء مرورا دببدأ التقاضي على درجتُت‪ ،‬وانتهاء دببدأ ادلساواة‬

‫أمام القضاء وغَتىا من ادلبادئ والضمانات‪.‬‬

‫فاستقاللية القضاء تقتضي منع أي تدخل يف القضايا ادلعروضة على القضاء كما ال يتلقى القاضي بشأن مهمتو‬

‫القضائية أي أوامر أو تعليمات وال ؼلضع ألي ضغط‪ ،‬بالتايل فإن القضاء يكون ىو احلارس الطبيعي للحقوق‬

‫واحلريات الفردية‪.19‬‬

‫إضافة إىل ذلك يعترب حق الطعن يف األحكام أو تعدد درجات التقاضي من أىم شروط احملاكمة العادلة‪ ،‬حبيث‬

‫يهدف الطعن إىل البحث يف مدى سالمة ونزاىة األحكام والقرارات القضائية فإذا أحس األفراد باجلور وعدم‬

‫اإلنصاف يف حكم ؽلكنهم من خالل الطعن تصحيح االحكام ومراجعتها من قبل اجلهات القضائية العليا‪.‬‬

‫‪ 18‬عثمان بكور‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.00‬‬


‫‪ 19‬ينص الفصل ‪ 003‬من دستور ‪ 6100‬على‪ ":‬يتولى القاضي حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي‪ ،‬وتطبيق القانون"‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫أما مبدأ ادلساواة والذي مت التأكيد عليو يف مسودة مشروع قانون ادلسطرة اجلنائية يف ادلادة األوىل‪ "6‬كل‬

‫األشخاص متساوون أمام القانون‪ "...‬ومن خاللو يضمن األفراد عدم التمييز حيث غلب أن يعامل مجيع أطراف‬

‫الدعوى على قدم ادلساواة دوظلا سبييز‪.20‬‬

‫إضافة إىل ىذه ادلبادئ فإن حقوق الدفاع‪ 21‬تعترب من أىم الضمانات اليت كرسها القانون لفائدة األفراد‪ ،‬لذلك‬

‫فإن ادلشرع قد أقر رلموعة من اإلجراءات واليت يهدف من اىل ربقيق ادلوازنة بُت حق الدولة يف العقاب وحق‬

‫ادلتهم يف الدفاع عن نفسو من بُت ىذه الضمانات إحاطتو علما بالتهمة ادلوجهة إليو وكذا حقو يف االستفادة من‬

‫مساعدة قانونية وتعيُت زلام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ فصل السلط‬

‫دلا استأثرت الدولة بسلطة توقيع العقوبة‪ ،‬كان من البديهي تقييد ىذه السلطة دبجموعة من ادلبادئ حىت تكون‬

‫ضمانة حلقوق األفراد وحرياهتم من كل جور وتعسف‪ ،‬فكانت الشرعية اجلنائية وقرينة الرباءة وكذا احلماية‬

‫الدستورية جملموعة من احلقوق اخلاصة مث احملاكمة العادلة من أىم الضمانات وادلبادئ اليت تضمنها الدستور‬

‫وقيدت حق الدولة يف العقاب‪ ،‬غَت أن ىذه ادلبادئ ال ؽلكن أن تكون فعالة إال يف نظام يقوم على مبدأ فصل‬

‫السلطات‪ ،‬أي فصل السلطة القضائية عن السلطتُت التنفيذية والتشريعية(الفقرة األولى) ويف اطار السلطة‬

‫القضائية غلب أن يكون ىناك فصل بُت سلطيت االهتام والتحقيق( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ 20‬منظمة العفو الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.011‬‬

‫‪ 21‬ينص الفصل ‪ 061‬من دستور ‪ 6100‬على أن‪ "6‬لكل شخص الحق في محاكمة عادلة‪ ،‬وفي حكم يصدر داخل أجل معقول‪.‬‬

‫حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم"‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫الفقرة األولى‪ :‬استقالل السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية‬

‫كما ىو معلوم فإن ذبميع السلطات يضاعف من خطر االستبداد و االعتداء على احلقوق واحلريات‪ ،‬لذلك مت‬

‫االىتداء إىل مبدأ فصل السلط الذي يقتضي عدم مجع ىذه األخَتة يف يد واحدة وتوزيعها بُت ىيئات سلتلفة‪6‬‬

‫تشريعية‪ ،‬تنفيذية‪ ،‬قضائية‪.‬‬

‫حيث تتوىل كل سلطة ادلهام ادلخولة ذلا‪ ،‬فالسلطة التشريعية حسب الفصل ‪ 30‬من دستور ‪ 6100‬ىي اليت‬

‫زبتص بتشريع اجلرائم والعقوبات حيث نص ىذا الفصل على أنو‪ ":‬يختص القانون باإلضافة إلى المواد‬

‫المسندة إليو صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين التالية‪:‬‬

‫‪ -...‬تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها؛‪"...‬‬

‫وبناء عليو فإن وظيفة التجرمي والعقاب مسندة إىل السلطة التشريعية باعتبارىا شلثلة اجملتمع وتنوب عليو لذلك كان‬

‫من البديهي أن ربتكر ىذه الوظيفة سلطة منتخبة مت تفويضها من قبل اجملتمع من أجل إصدار وتشريع القوانُت‬

‫ألهنا نابعة من اجملتمع‪ ،‬وبالتايل ال ؽلكن للقضاء أن يقوم بتجرمي أو ادلعاقبة على سلوك ال يعد جرؽلة بصريح‬

‫القانون‪ ،‬وىذا األمر يشكل ضمانة لألفراد وتقييدا لسلطة الدولة‪.‬‬

‫يف حُت تستأثر السلطة القضائية بالبث يف النزاعات‪ ،‬حيث ال تستطيع الدولة أن تلجأ إىل التنفيذ ادلباشر للعقوبة‬

‫يف حق اجلاين حىت ولو اعًتف ىذا األخَت باجلرؽلة اليت ارتكبها ورضي بتوقيع العقوبة عليو‪ ،‬وحىت لو كانت العقوبة‬

‫‪17‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫ى ي الغرامة أو كانت اجلرؽلة ذات حد واحد يف العقاب فإن ىذا ال يسمح للدولة أن تنفذ العقوبة دون االلتجاء‬

‫إىل القضاء‪.22‬‬

‫ولقد تعزز ىذا ادلبدأ حينما ارتقى ادلشرع بالقضاء من رلرد وظيفة إىل سلطة قضائية مستقلة فأكد يف الفصل‬

‫‪ 013‬من الدستور على‪ "6‬السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية"‪ ،‬وبالتايل‬

‫فإنو ؽلنع أي تدخل يف القضايا ادلعروضة على القضاء كما أن القاضي غلب أن ال يتلقى بشأن مهمتو القضائية‬

‫أي أوامر أو تعليمات وال ؼلضع ألي ضغط‪ ،‬وبادلقابل فإن كل إخالل من القاضي بواجب االستقالل والتجرد‬

‫يعترب خطأ مهنيا جسيما كما أن القانون يعاقب كل من حاول التأثَت على القاضي بكيفية غَت مشروعة‪،‬‬

‫فاستقالل السلطة القضائية يشكل ضمانا لكل األشخاص ومحاية دلصاحلهم‪ ،‬فالقاضي ملزم حبماية حقوق‬

‫األشخاص واجلماعات وحرياهتم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون حسب الفصل ‪ 003‬من الدستور‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الفصل بين سلطتي التحقيق واالتهام‬

‫ال خالف يف أن أضعف احلاالت اليت ؽلر هبا اإلنسان يف حياتو‪ ،‬ىي تلك اليت يواجو فيها باهتامو خبرق القانون‪،‬‬
‫فهو يف ىذه احلالة يعيش مهدداً باحتمال إدانتو والنيل يف النهاية من حريتو أو حياتو‪ ،‬وتالزمو ىذه احلالة طوال‬
‫مرحلة التحقيق معو يف ىذا االهتام‪ ،‬وحىت يبلغ منتهاه بالتصرف فيو‪.‬‬

‫وال خالف أيضاً يف أن التشريعات البشرية‪ ،‬ينبغي أن تضع ىذا الضعف اإلنساين موضع االعتبار‪ ،‬فتحيط مثل‬
‫ىذا اإلنسان الذي ؽلر هبذه احملنة بالضمانات اليت تكفل الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬حبيث ال يظلم برئ وال يفلت‬
‫مسيء‪.‬‬

‫ولعل من أىم الضمانات يف ىذا الصدد‪ ،‬أن ؼلتلف الشخص ادلعٌت بإثبات االهتام عن ذلك ادلعٌت بإظهار احلقيقة‬
‫رلردة‪ ،‬وذلك الختالف السمة واذلدف من العملُت‪ ،‬فاألول غايتو إثبات االهتام وعقاب ادلتهم‪ ،‬والثاين منوط بو‬

‫‪ 22‬عبد السالم بنحدو‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.5‬‬

‫‪18‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫كشف وجو احلق يف االهتام وجوداً أو عدماً‪ ،‬ومن مث كان اجلمع بُت العملُت‪ ،‬مجع لألضداد‪ ،‬ال ػلقق عدالً وال‬
‫ػلق حقاً‪.‬‬

‫لذلك فقد مت االىتداء إىل مبدأ الفصل بُت مهام ربريك الدعوى العمومية ادلنوطة بالنيابة العامة‪ ،‬ووظيفة التحقيق‬
‫ادلوكولة إىل قاضي التحقيق‪ ،‬والذي يعد من الضمانات األساسية ادلكفولة للمتهم يف احلصول على زلاكمة عادلة‪،‬‬
‫فلم تكن لتكون للتحقيق من ضرورة إذا كان سيتم إجراءه من طرف اجلهة ادلوكول ذلا قانونا ربريك الدعوى‬
‫العمومية حيث ستغدو معو النيابة العامة خصما وحكما يف اآلن نفسو‪ ،‬لذلك كان من البديهي أن يتم إقرار مبدأ‬
‫أساسي وضمانة حقيقية للمتهم وىي أن ي تم الفصل بُت اجلهة اليت ساقتو إىل ساحة القضاء و تلك اليت ستتوىل‬
‫التحقيق معو‪.‬‬

‫وقد عمدت معظم التشريعات اجلنائية احلديثة ومن بينها التشريع ادلغريب‪ ،‬إىل األخذ دببدأ الفصل بُت سلطيت‬
‫التحقيق و االهتام إذ أنو لو مجعت سلطة واحدة بينهما فإهنا ذبمع بُت صفتُت متعارضتُت يف وقت واحد علا‬
‫صفتا اخلصم واحلكم‪ ،‬شلا قد يتعذر معو الًتجيح بُت وسائل اإلثبات أو النفي بشكل زلايد وموضوعي‪ ،‬الشيء‬
‫الذي غلعل من التحقيق اإلعدادي يف غياب الفصل ادلذكور غَت ذي جدوى مادام ال ؼلتلف عن التحقيق‬
‫االبتدائي الذي تقوم بو الشرطة القضائية بتعليمات من النيابة العامة‪.23‬‬

‫إذن فالفصل بُت سلطيت االهتام والتحقيق يشكل ضمانة حلريات اإلفراد الشخصية‪ ،‬على عكس اجلمع بُت‬
‫السلطتُت الذي ينال من الضمانات األساسية يف التحقيق‪.‬‬

‫‪ 23‬مجال سرحان‪ ،‬ضمانات ادلتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي‪ .‬ص ‪.62،61‬‬

‫‪19‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫انطالقا شلا سبق‪ ،‬ؽلكن أن طللص إىل أن ىذه ادلبادئ ىي دبثابة قيود تكبل حق الدولة يف إنزال العقاب وتعترب‬
‫السياج الذي ػلمي احلقوق واحلريات الفردية‪ ،‬غَت أهنا ال ؽلكن أن تكون فعالة إال بوجود قضاء مستقل ونزيو‬
‫وزلايد‪ ،‬ذلك أن القضاء ىو ادلكلف حبماية حقوق األشخاص واجلماعات وحرياهتم وأمنهم القضائي وتطبيق‬
‫القانون‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬القانون الجنائي الدستوري ‪-‬الشرعية الدستورية في قانون العقوبات‪ ،‬الشرعية‬
‫الدستورية في قانون اإلجراءات الجنائية‪ .-‬الطبعة الثانية‪ .‬دار الشروق‪ ،‬القاىرة‪.6666 :‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية( الجزء األول) الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.6602 :‬‬

‫‪ -‬عبد السالم بنحدو‪ ،‬الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية‪ .‬مطبعة اسبارطيل‪ ،‬طنجة‪.6602 :‬‬

‫‪ -‬أحمد قليش‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬مطبعة االمنية‪ ،‬الرباط‪.6600 :‬‬

‫‪ -‬ىشام بوحوص‪ ،‬محاضرات في مادة السياسية الجنائية والقانون الجنائي‪ .‬السنة الجامعية ‪.6600‬‬

‫‪ -‬منصور رحماني‪ ،‬الوجيز في القانون الجنائي العام‪ .‬دار العلوم للنشر‪ ،‬عنابة‪.‬‬

‫‪ -‬جمال سرحان‪ ،‬ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي‪.‬‬

‫‪ -‬عثمان بكور‪ ،‬ضمانات المحاكمة الجنائية العادلة‪ .‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ .‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪ .‬السنة الجامعية ‪.6602 -6600‬‬

‫‪ -‬خطاب كريمة‪ ،‬قرينة البراءة‪ .‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم ‪-‬فرع قانون‪ .‬جامعة الجزائر ‪-0-‬‬
‫كلية الحقوق‪ .‬السنة الجامعية ‪.6609-6602‬‬

‫‪ -‬منظمة العفو الدولية‪ ،‬دليل المحاكمة العادلة‪ .‬الطبعة الثانية‪.6602 ،‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 0.00.50‬صادر في ‪ 62‬من شعبان ‪ 65( 0266‬يوليو ‪ )6600‬بتنفيذ نص‬
‫الدستور‪ .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 9502‬مكرر بتاريخ ‪ 62‬شعبان ‪ 66( 0266‬يوليو ‪ ،)6600‬ص‬
‫‪.6066‬‬

‫‪21‬‬
‫المبادئ الدستوريت المؤطرة لحق الدولت في العقاب‬

‫(‪ 6‬أكتوبر ‪ )6666‬بتنفيذ القانون‬ ‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 0.66.699‬صادر في ‪ 69‬من رجب ‪0266‬‬
‫رقم ‪ 66.60‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 9622‬بتاريخ ‪ 62‬ذي القعدة ‪0266‬‬
‫(‪ 66‬يناير‪ ،)6666‬ص ‪.609‬‬

‫‪22‬‬

You might also like