Professional Documents
Culture Documents
فصل تمهيدي:
• إذا كان من أهم واجبات الدولة بمفهومها الحديث أن تحافظ على أمن المجتمع و سالمته من
األفعال الضارة به وبمواطنيه ،فإنها تملك بالمقابل حق العقاب تجاه المخلين باألمن و االستقرار
المنشود.
• و يطلق على فرع القانون الذي يجرم تلك التصرفات اسم القانون الجنائي أو التشريع الجنائي ،أو
قانون العقوبات أو القانون الجزائي ،و هو يشكل فرعا من فروع النظام القانوني الداخلي للدولة
ككل.
• و الجدير بالذكر أن تعدد هذه التسميات ال يعني اختالفا في مضامين كل منها بقدر ما يمثل تأصيال
فقهيا ال أكثر.
وعليه فإننا نتناول هذا الفصل في ثالثة مباحث:
فالق --انون اجلن --ائي حيمي حقوق --ا للدول --ة يقرره --ا الق --انون الدس --توري ،كحماي --ة ح --ق الدول --ة يف أن حتتف --ظ بش --كل احلكم ال --ذي حيدده
الدس-تور ،و ه-و م-ا أكدت-ه املادة 169من الق-انون اجلن-ائي املغ-ريب":االعت]داء ال]ذي يك]ون الغ]رض من]ه إم]ا القض]اء على النظ]ام أو
إقام]ة نظ]ام آخ]ر مكان--ه أو تغي]ير ال]ترتيب لورث]ة الع]رش ،و إم]ا دف]ع الن]اس إلى حم]ل الس]الح ض]د س]لطة المل]ك يع]اقب علي]ه
بالسجن المؤبد".
و ك --ذلك املادة األوىل من الدس --تور األردين الص --ادر س --نة 1952و ال --يت حتدد ش --كل احلكم يف اململك --ة األردني --ة ،حيث ت --أيت املادة
136من ق --انون العقوب --ات و حتص --ن املادة األوىل فتق --رر عقوب --ة اإلع --دام على ك --ل من يعم --ل على تغي --ري دس --تور الدول --ة بط --رق غ --ري
مشروعة.
-2بالقانون الدولي العام:
كق--انون مكافح--ة اإلره--اب رقم 03.03و ال--ذي ينص يف م-واده ص-راحة على عقوب--ات جنائي--ة يف ح--ق ك--ل من ارتكب ج-رائم متس
الدولة املغربية و لو خارج املغرب متاشيا مع روح االتفاقية الدولية حول قمع اإلرهاب املوقعة بنيويورك يف 10يناير .2000
الفرع الثاني :عالقة القانون الجنائي بفروع القانون الخاص
المدني:خالل قواعده احلقوق الشخصية كحق امللكية و حق احليازة ،فإن القانون اجلنائي يدعم محاية هذه
بالقانونينظم من
إذا كان-1هذا الفرع
احلقوق مبعاقبته على السرقة (الفصول من )539-505و االحتيال و النصب و إصدار شيك بدون رصيد (الفصول -540
.)546
بعض احلقوق اليت تقررها قوانني األحوال لشخصية (مدونة األسرة) كحقوق الزوجية و حق احلضانة و حق األسرة:
مدونةحيمي
-2اجلنائي
القانون
النفقة ،و ذلك مبعاقبته على جرائم زنا الزوج أو اخليانة الزوجية الفصول ( )493-491و اجلرائم املتعلقة باالعتداء على األطفال
القاصرين الفصول ( ،)478-471و غريها.
وخالصة القول
أن الق--انون اجلن--ائي يرتب--ط بف--روع الق -وانني األخ--رى ارتباط--ا وثيق--ا ،و يت--دخل حلماي--ة الق -وانني األخ--رى عن طري--ق تقري--ر ج -زاء أش--د
إيالما من ذلك املقرر يف فروع القانون األخرى.
و عل-ة ذل-ك أن الق-انون اجلن-ائي يع-ىن حبماي-ة احلق-وق األساس-ية للمجتم-ع ،و ال-ذي تش-اركه في-ه ف-روع الق-انون األخ-رى ،إال أن نط-اق
احلماي--ة يف الف--روع األخ--رى متت--د لتش--مل مقوم--ات العيش اهلادئ ،يف حني أن الق--انون اجلن--ائي ال يع--ىن إال مبقوم--ات وج--ود اجملتم--ع و
كيانه ،و من هنا تأيت قواعده كدعامة للفروع األخرى.
المطلب الثاني :عالقة القانون الجنائي بالعلوم الجنائية المرتبطة
مما ال شك فيه أن القانون اجلنائي يصبح عدمي اجلدوى إذا مل تتوافر للسلطات العامة األساليب العلمية اليت تساعدها يف
الكشف عن اجلرمية و ضبط مرتكبيها ،و ألجل ذلك تتم االستعانة بطائفة من العلوم اجلنائية املساعدة للقانون اجلنائي ،و هي
باعتبار الدور الذي تقوم به يف ميدان مكافحة اإلجرام تنقسم إىل قسمني علوم قبل ارتكاب اجلرمية و علوم بعد ارتكاب اجلرمية.
فأما قبل ارتكاب اجلرمية ،فإن:
علم اإلج]رام و علم العق]]اب و السياس]]ة الجنائي]]ة تتقاس--م كله--ا مهم--ة ال--دفاع عن اجملتم--ع ل--درء و دف--ع اجلرمية م--ع الق--انون
اجلنائي،
أما بعد ارتكاب اجلرمية فإن:
علم اكتش]اف الجرائم ،أو التحقي]ق الجن]ائي ،و علم اإلحص]اء الجن]ائي ،و علم األنتروبولوجي]ا الجنائي]ة تبقى الوس--ائل
احلقيقية لتحقيق األمن يف املستقبل و جتاوز أخطاء و ثغرات القانون يف السابق إىل جانب القانون اجلنائي.
و يف ما يلي سنحاول التوقف عند كل علم من هذه العلوم بإجياز.
هذين العلمني يتفرع-ان عن علم اإلج-رام مما جعلن-ا ن-درجهما مع-ه ،على أن نعتربمها من الناحي-ة القانوني-ة من العل-وم الالحق]ة الرتك-اب
اجلرمية.
و علي-ه ف-إن العل-وم اجلنائي-ة املس-اعدة و إن ك-ان جماهلا خمتلف-ا عن جمال الق-انون اجلن-ائي إال أهنا بطبيعته-ا ذات ص-لة وثيق-ة ب-ه ،حبيث أن-ه
ال غىن عنها سواء بالنسبة لقواعد القانون اجلنائي أو قواعد أصول احملاكمات اجلنائية.
المبحث الثالث :مصادر القانون الجنائي و مراحل تطوره في المغرب و أقسامه
سنحاول من خالل هذا املبحث الوقوف عند أهم املصادر اليت يستند إليها القانون اجلنائي يف وجوده و ذلك من خالل (املطلب
األول) على أن خنصص (املطلب الثاين) مراحل تطوره يف املغرب –فقط – مع اإلشارة إىل أقسامه.
المطلب األول :مصادر القانون الجنائي
ميكن حتديد هذه املصادر إمجاال يف :الدستور – القانون – القوانني األجنبية و املعاهدات الدولية.
الفرع األول :الدستور
يتضمن دستور ، 2011مبادئ أساسية هلا عالقة بالقانون اجلنائي و تعترب مصدرا له ،منها مبدأ املساواة أمام القانون (الفصل)6
احلريات األساسية (الفصل )19مبدأ الشرعية أو قرينة الربائة (الفصل )10مبدأ عام رجعية القانون (الفصل ،)6احلق يف السالمة
(م ،)21منع التعذيب (م ،)22منع االعتقال التعسفي (م ،)23محاية حرمة املنازل زحرية التنقل وسرية املراسالت(م.)24
إال أن الدستور يقسم النصوص الشرعية إىل أساسية و هي القوانني اليت خيتص هبا الربملان ،و ثانوية و هي املراسيم ،أو اللوائح
التنظيمية اليت ختتص هبا احلكومة ،و حيدد جمال القوانني و اللوائح التنظيمية.
و ميكن أن نالح--ظ أن دس--تور 2011ينص يف الفص--ل 71من--ه على أن جملس الن-واب خيتص بالتش-ريع لتحدي--د اجلرائم و العقوب--ات
اجلارية عليها ،خارج نطاق اجملال التنظيمي الذي خيتص باملواد اليت ال يشملها جمال القانون (م .)72
وهك--ذا ف--إن الس--لطة التنفيذي--ة ال جيوز هلا أن جترم إال األفع--ال ال--يت ت--دخل يف اختصاص--ها الض--يق ،كم--ا أهنا ال تق--رر إال العقوب--ات يف
حدود معينة يتوىل القانون بياهنا.
ال أح--د جيادل يف حري--ة تص--رفات الف--رد و نش--اطاته داخ--ل اجملتم--ع مبا ال خيالف الق--انون ،حبيث ميكن--ه القي--ام جبمي--ع األعم--ال املباح--ة
على اعتب-ار أن األص-ل يف األش-ياء اإلباح-ة و االس-تثناء ه-و ت-دخل املش-رع بواس-طة قواع-د قانوني-ة آم-رة ليج-رم ه-ذا الفع-ل أو ذاك و حيدد ل-ه
بالتايل عقوبة زجرية يوقعها على كل مرتكبه.
و هك-ذا فالتنص-يص على جترمي س-لوك ض-ار أو م-ا يس-مى ب-الركن الق-انوين /أو الش-رعي للجرمية يعت-رب من أوىل الش-روط ال-واجب التثبت
منه--ا قب--ل البحث عن األرك--ان الرئيس--ية األخ--رى للجرمية – ال--ركن املادي و ال--ركن املعن--وي – ف--الركن الق--انوين للجرمية إذن عم--ل أو امتن--اع
جمرم مبقتضى القانون و معاقب عليه و بالتايل طرح فرضية علم اجلميع بعدم مشروعية هذا الفعل.
إذن فمن الب-ديهي أال يت-وفر ال-ركن الق-انوين يف س-لوك م-ا وص-فه بأن-ه جرمية إال إذا خض-ع لنص ق-انوين جيرم-ه و يع-اقب علي-ه ص-راحة ،و
هو ما يرمز إليه مببدأ شرعية اجلرمية و العقوبة (المبحث األول) ،مع عدم وجود نص يربره أو يبيحه (المبحث الثاني).
المبحث األول :مبدأ الشرعية و التجريم
إن وج-ود قاع-دة التج-رمي مس-ألة الب-د منه-ا كي تق-اس عليه-ا ب-اقي س-لوكات األف-راد و تص-رفاهتم لتت-اح بع-د ذل-ك فرص-ة متابع-ة أي ش-خص
بسبب فعله املخالف ملقتضيات القانون.
و حني نق-ول ب-أن ه-ذا الفع-ل جيب أن ي-دخل يف خان-ة األفع-ال اجملرم-ة قانون-ا فمع-ىن ه-ذا قابليت-ه ألن يك-ون س-ببا من أس-باب الت-ربير حبيث
أن الص-فة اجلرمي-ة للفع-ل ال-ذي خيض-ع لنص التج-رمي ميكن يف بعض احلاالت أن ترف-ع عنه-ا ص-فة ع-دم املش-روعية و يص-بح الفع-ل مباح-ا و
جائزا شرعا و قضاء كما هو احلال بالنسبة للدفاع الشرعي.
فك-انت ه-ذه اآلراء الفقهي-ة مبثاب-ة الفيض ال-ذي أغ-رق أوروب-ا يف ص-راعات و ث-ورات ،فق-امت الث-ورة الفرنس-ية على ي-د ن-ابليون ال-ذي أق-ر
املبدأ - :ال جريمة و ال عقوبة إال بنص – في المادة الرابعة من القانون الجنائي الفرنسي لسنة .1804
كم-ا ظه-ر املب-دأ يف اجنل-رتا على ي-د ملكه-ا آن-ذاك ج-ون فيم-ا اص-طلح علي-ه بالعه-د األعظم و ال-ذي منح-ه ه-ذا األخ-ري لرعاي-اه اإلجنل-يز
يف املادة 39و اليت تقول" :ال يمكن إنزال عقاب ما بأي إنسان حر إال بمحاكمة قانونية من أنداده طبقا لقانون البالد".
و من--ذ ذل--ك احلني إىل وقتن--ا ه--ذا و املب--دأ املذكور يأخ--ذ يف االس--تقرار و الش--يوع إىل أن أص--بح مب--دأ مت--داوال يف ج--ل دس--اتري ال--دول
املتحض--رة ،خاص--ة م--ع إقحام--ه يف امليث--اق الع--املي حلق--وق اإلنس--ان الص--ادر عن األمم املتح--دة س--نة 1948و ذل--ك يف املادة 11و ال--يت
تق--ول" :الي--دان أي ش--خص من ج-راء أداء عم--ل أو االمتن--اع عن أداء عم--ل إال إذا ك--ان ذل--ك يعت--رب جرم--ا وفق--ا للق--انون الوط--ين أو الدول--ة
وقت االرتكاب كذلك ال توقع عليه عقوبة أشد من تلك اليت كان جيوز توقيعها وقت ارتكاب اجلرمية".
البند الثالث :القانون المغربي
املش--رع املغ--ريب ب--دوره ك--ان حاض-را عن--دما تب--ىن مب--دأ الش--رعية س-واء يف ظ--ل الق--انون اجلن--ائي الق--دمي لس--نة 1953أو بالنس--بة للق--انون
اجلن-ائي املعم-ول ب-ه حالي-ا ،حيث نص املش-رع يف األول ،املادة الس-ابعة من-ه على أن-ه" :ال يمكن أن يحكم بأي]ة عقوب]ة ألج]ل جريم]ة نص
القانون عليها و على عقوبتها و ارتكبت بعد صدور هذا القانون ،ما لم يقع النص على خالف ذلك".
و من خالل بن-ود ه-ذا النص ميكن أن نس-تنتج حتف-ظ املش-رع إزاء أخ-ذه باملب-دأ كلي-ة حيث أت-اح الفرص-ة لرجعي-ة الق-انون اجلن-ائي اس-تثناء
من األص--ل الع--ام و ه--ذا م--ا طب--ق فعال يف العدي--د من احلاالت ن--ذكر منه--ا على س--بيل املث--ال ال احلص--ر ظه--ري 1985و ال--ذي ج--اء يف
فص-له الث-اين م-ا يلي :إن مهم]ة اللجن]ة إص]دار العقوب]ات المنص]وص عليه]ا في الفص]ل الخ]امس اآلتي بع]ده في ظهيرن]ا الش]ريف ه]ذا
على جمي ]]ع األش]]خاص المنتمين إلى الجنس]]ية المغربي ]]ة الل ]]ذين ق]]اموا عن قص]]د و طواعي ]]ة ب]]دور حاس]]م في إع]]داد أو تنفي ]]ذ أو
توطي]د م]ؤامرة 20غش]ت 1953أو ارتكب]وا أعم]ال العن]ف ض]د الش]عب أو المق]اومين و ذل]ك من ت]اريخ 24ديس]مبر 1956
إلى غاية 16نوفمبر .1955
أم --ا يف الق --انون اجلن --ائي احلايل لس --نة ،1962فاملالح --ظ أن املش --رع املغ --ريب ك --انت إرادت --ه قوي --ة يف تب --ين مب --دأ الش --رعية حيث نص يف
الفص-ل الث-الث من-ه على "ال يس]وغ مؤاخ]دة أح]د على فع]ل ال يع]د جريم]ة بص]ريح الق]انون و ال معاقبت]ه بعقوب]ات لم يقرره]ا الق]انون"
كما نص يف الفصل الرابع على أنه "ال يؤاخد أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه".
و إذا ك-ان ه-ذا موق-ف املش-رع ف-إن القض-اء املغ-ريب ب-دوره ق-د س-لك نفس املنحى حيث اخت-ار مس-ار تك-ريس مب-دأ الش-رعية يف ج-ل أحكام-ه
و قراراته و بالتايل احرتام قدسيته و عدم خرقه.
المستوى األول:
المستوى الثاني: كون المبدأ يضع حدا فاصال بين األعمال المشروعة و
أن من شأن اإلقرار بالمبدأ تقبل الجميع للجزاء األعمال الغير مشروعة؛ فاألولى يجوز للفرد القيام بها
الجنائي ،لكونه وسيلة الردع المتفق عليها ،و بالتالي بكل اطمئنان ،بينما الثانية يتابع عنها ،بل و تقرر لها
يسهل التمييز بين المجرم و غيره. عقوبة زجرية نظرا لمخالفتها المصلحة العامة.
إذن فمبدأ الشرعية مبدأ يكتسي األمهية العملية عند املثول أمام القضاء بسبب دعوى جنائية ينتظر أطرافها تطبيق العدالة ،هنا تربز
أمهية املبدأ حيث يضمن حقوق املتقاضني و يكفل حرياهتم ،إال أنه مع ذلك مل يسلم من العديد من االنتقادات و املآخذ و اليت ال
تنقص من قيمته شيئا.
الفرع الرابع :نقد المبدأ
من خال املش --ينة مم ا س --بق ،فكث --ري من الفقه --اء يش --هدون ملب --دأ الش --رعية بالعدي --د من املزاي --ا و على رأس --ها ض]]مان الحماي]]ة القانوني]]ة
لألشخاص و توفيره نوع من االستقرار داخل المجتمع،
إال أن موق-ف فقهي خمالف ح-اول التقلي-ل من أمهي-ة ه-ذا املب-دأ على أس-اس أن حتدي-د قائم-ة اجلرائم و ك-ذا العقوب-ات املق-ررة هلا من ش-أنه
أن يفتح الب--اب أم--ام بعض األش--خاص الس--تغالل الوض--ع وارتك--اب أفع--ال خمل--ة بالنظ--ام الع--ام و مض--رة ب--اجملتمع دون أن تك--ون جمرم--ة في--ه،
ذل-ك أن القاع]دة الجنائي]ة ال يمكنه]ا أن تس]ابق مس]تجدات املي-دان العلمي و التكنول-وجي ،من هن-ا إمكاني-ة وج]ود أفع]ال مس]تجدة و
ذات خط]ورة على المجتم]ع إال أن الق]انون لم يتناولها ب]التجريم و العق]اب ،وم-ع األخ-ذ مبب-دأ ال جرمية و ال عقوب-ة إال بنص ف-أن ه-ذه
األفعال تاحة و ال عقوبة على القيام هبا ،مما يتعارض مع منطق العدل و اإلنصاف.
و يض-يف ه-ذا ال-رأي الفقهي أن مجود قواع-د الق-انون اجلن-ائي ،و على رأس-ها املب-دأ املذكور ي-ؤثر س-لبا على العم-ل القض-ائي ،و ال يفتح
ل--ه اجملال األوس--ع لالجته--اد و إعم--ال س--لطته التقديري--ة ،فتط--بيق املب--دأ يقي--د حتم--ا حري--ة القاض--ي عن--د تعاطي--ه م--ع وق--ائع القض--ية املعروض--ة
عليه ،و بالتايل يصعب عليه اختاذ اإلجراءات األقرب إىل الواقع كاختياره للتدابري املناسبة لشخص اجلاين.
وعلى العم--وم فه--ذه املآخ -ذ ال ت--ؤثر على املب--دأ ودوره ،إذ ميكن مالحظ--ة أن املش--رع عن--د حتدي--ده ألي عقوب--ة ق--د أخ--ذ بعني االعتب--ار
الس-لطة التقديري-ة للقاض-ي ،حبيث وض-ع لك-ل عقوب-ة ح-دين ح-د أدىن و آخ-ر أقص-ى ،كم-ا نص على جمموع-ة من العقوب-ات املتفاوت-ة لنفس
اجلرمية و ذلك هبدف ترك فسحة أمام القاضي ليجتهد و خيتار العقاب املناسب لتحقيق عدالة أكثر.
و ردا على االنتق-ادات الس-ابقة ،هن-اك من ي-رى و عن ح-ق أن أغلب التش-ريعات ب-دأت متي-ل يف ص-ياغتها للقاع-دة اجلنائي-ة إىل العم-وم
و اإلطالق حىت يستطيع القضاء التدخل بدوره اإلجيايب و يكيف الكثري من األفعال ضمن القاعدة اجلنائية اليت يراها مطابقة.
أض-ف إىل ه-ذا أن بإمك-ان املش-رع أن يس-تعمل عن-د ص-ياغته للنص التج-رميي اص-طالحات تض-من حتقي-ق الت-وازن بني املص-لحة العام-ة و
املص-لحة اخلاص-ة ،ويبتع-د عن العب-ارات الض-يقة ال-يت ال تس-مح إال ب-التطبيق احلريف و اجلاف ،وعن تل-ك الواس-عة ال-يت ت-تيح ألص-حاب النواي-ا
السيئة فرصة إهدار حقوق غريهم.
هذا و ال ينبغي أن ننعت املش--رع بع--دم مواكبت--ه لألح--داث ،فه--و يس--تطيع الت--دخل دوم--ا و بعجال--ة لتج--رمي أي فع--ل وق--ع اإلمجاع على
جترميه.
و هك --ذا ك --ان األح --رى ع --دم الطعن يف املب --دأ ب --ل ال --دعوة إىل التلطي --ف من ص --ياغته بالكيفي --ة ال --يت يس --هل هبا إقح --ام مجي --ع األفع --ال
املستجدة و اليت قد تشكل خطرا مستقبال على اجملتمع.
المطلب الثاني :رصد قواعد القانون الجنائي
إذا سلمنا أن الركن القانوين للجرمية يتمثل يف وجود قاعدة قانونية جترم الفعل و تعاقب عليه فإن هناك عدة شروط جيب توفرها لتوصف
هذه القاعدة بأهنا مصدر للتجرمي و العقاب.
إن تطبيق القانون اجلنائي خيضع من حيث املكان إىل عدة مبادئ أمهها:
مبدأ اإلقليمية و مبدأ الشخصية ،و مبدأ العينية ومبدأ العاملية ،مما يتطلب منا حتديد مضمون املبادئ و توضيح عالقته هبا.
البند األول :مبدأ إقليمية القانون الجنائي
يقصد هبذا املبدأ أن:
ـ أن قانون الدولة يطبق يف إطار حدودها اإلقليمية ليحكم كل اجلرائم اليت ترتكب يف نطاق هذا اإلقليم أيا كانت جنسية مرتكبها
بل و لو كان عدمي اجلنسية ؛
ـ و من جهة أخرى أال يسري على جرائم ترتكب خارج هذا اإلقليم و لو ارتكبها أحد مواطنيها.
و يقوم هذا املبدأ على عدة مربرات أمهها:
ـ أن القانون يعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة سواء من حيث وضعه أو تطبيقه؛
ـ أن القانون و خاصة اجلنائي يهدف أساسا إىل محاية النظام العام للدولة.
و ل-ذلك ك-ان ه-ذا املب-دأ ه-و األص-ل فق-د أخ-ذت ب-ه أغلب التش-ريعات ص-راحة مثلم-ا فع-ل املش-رع املغ-ريب يف املادة 10من الق-انون اجلن-ائي
حيث ق--ال ":يس]]ري الق]]انون الجن]]ائي المغ]ربي على ك]]ل من يوج]]د ب]]إقليم المملك]]ة من وطن]]يين و أج]]انب و ع]]ديمي الجنس]]ية م]]ع
مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي و القانون الدولي".
البند الثاني :مبدأ االختصاص الشخصي
يقصد هبذا املبدأ أن القانون اجلنائي الواجب التطبيق يتحدد انطالقا من جنسية مرتكيب اجلرمية (االختصاص الشخصي االجيايب (أو
ضحيتها )االختصاص الشخصي السليب).
و يعد القانون الدويل اخلاص مثاال واضحا لتأسيس تطبيق القانون استنادا إىل فكرة اجلنسية و ليس اإلقليم ،و من شأن تطبيق هذه
الفكرة يف القانون اجلنائي أن خيضع اجملرم لقانون بلده و لو ارتكب اجلرم خارج حدود إقليمها.
و يقوم املبدأ على عدة اعتبارات أمهها :ما قد يؤدي إليه التقيد بإقليمية القوانني من إفالت اجملرم من العقاب يف حالة ارتكابه جرما
خارج إقليم دولته ،و دعوته إىل هذه الدولة قبل أن ينال جزاءه ،فهو ال ميكن أن يطبق عليه قانون الدولة اليت جلأ إليها.
فمب--دأ اإلقليمي--ة حيول دون ذل--ك ،ذل--ك أن--ه إذا أمكن الق--ول أن مب]دأ تس]ليم المج]رمين يح]ل ه]ذا المش]كل ،ف--إن قاع]دة ع]دم تس]ليم
الرعايا هبا حتول دون ذلك ،إضافة إىل أن نظام التسليم يف وضعه احلايل ليس شامال و ال إلزاميا لكل دول العامل.
هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة ،إمنا بشروط أمهها:
ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه،
ـ و أن تك-ون عودت-ه إىل أرض ال-وطن بإرادت-ه و ذل--ك طبق-ا للم-ادتني 751ـ 752المس]طرة الجنائي]ة و من أمثل-ة تل-ك اجلرائم م-ا نص-ت
علي-ه املادة 163من الق-انون اجلن-ائي "االعت-داء على حي-اة املل-ك أوشخص-ه يع-اقب علي-ه باإلع-دام ،وال تطب-ق أب-دا األع-ذار القانوني-ة
يف هذه اجلرمية".
و لكن أحيان-- -ا ال يعت-- -د بس-- -بق احلكم يف اخل ارج و من ذل-- -ك حال-- -ة امل ادة 457ق.ج ،كم-- -ا أن املش-- -رع املغ-- -ريب أخ-- -ذ أحيان ]]ا بمب ]]دأ
االختصاص الشخصي السلبي من ذلك ما يتعلق بالجنايات.
هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة ،إمنا بشروط أمهها:
ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه،
ـ و أن تكون عودته إىل أرض الوطن بإرادته و ذلك طبقا للمادتني 751ـ 752المسطرة الجنائية و من أمثلة تلك اجلرائم ما نصت
عليه املادة 163من القانون اجلنائي "االعتداء على حياة امللك أوشخصه يعاقب عليه باإلعدام ،وال تطبق أبدا األعذار القانونية يف
هذه اجلرمية".
هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة ،إمنا بشروط أمهها:
ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه،
ـ و أن تك-ون عودت-ه إىل أرض ال-وطن بإرادت-ه و ذل--ك طبق-ا للم-ادتني 751ـ 752المس]طرة الجنائي]ة و من أمثل-ة تل-ك اجلرائم م-ا نص-ت
علي-ه املادة 163من الق-انون اجلن-ائي "االعت-داء على حي-اة املل-ك أوشخص-ه يع-اقب علي-ه باإلع-دام ،وال تطب-ق أب-دا األع-ذار القانوني-ة
يف هذه اجلرمية".
و لكن أحيان-- -ا ال يعت-- -د بس-- -بق احلكم يف اخل ارج و من ذل-- -ك حال-- -ة امل ادة 457ق.ج ،كم-- -ا أن املش-- -رع املغ-- -ريب أخ-- -ذ أحيان ]]ا بمب ]]دأ
االختصاص الشخصي السلبي من ذلك ما يتعلق بالجنايات.
البند الثالث :مبدأ االختصاص العيني
و يقصد به تطبيق القانون الجنائي على" كل جريمة ترتكب و تمس مصلحة أساسية للدولة أيا كان مكان ارتكابها و جنسية
فاعلها".
وي-ربر ه-ذا املب-دأ بتف-ادي ع-دم العق-اب ال-ذي ي-ؤدي إلي-ه التقي-د مبب-دأ إقليمي-ة الق-انون إض-افة إىل ض-رورة محاي-ة مص-لحة الدول-ة األساس-ية،
فاملنطق يقتضي بزجر ما تعتربه مسا مبصلحتها و لو مت ذلك خارج حدود اإلقليم.
هذا و ختتل-ف التش-ريعات من حيث كيفي-ة أخ-ذها هبذا املب-دأ بني من جيعل-ه ش-امال األج-انب و املواط-نني من ذل-ك الق-انون املص-ري ،و بني
من جيعله شامال لألجانب فقط و هذه احلاالت حالة املشرع املغريب الذي أخذ به يف الفصل 755املسطرة اجلنائية.
و ملا ك-ان مفه]وم المص]لحة األساس]ية غامض]ا ،إض-افة إىل أن منط-ق مب-دأ ش-رعية التج-رمي و العق-اب يقتض-ي حتدي-د اجلرائم ،ف-إن األس-لوب
املتب-ع يف ه-ذا الص-دد ه-و حتدي-د اجلرائم املعت-ربة مس-ا مبص-لحة أساس-ية للدول-ة ،و ل-و ارتكبت يف اخلارج ،مما ي-ربر أن ق-انون الدول-ة ه-و ال-ذي
يس--ري عليه--ا ،و ه--ذا م--ا فعل--ه املش--رع املغ--ريب يف الفص--ل 755املس--طرة اجلنائي--ة الس--الف ال--ذكر حيث يقض--ي ب--أن ك]]ل أجن]]بي ارتكب
خ]ارج ت]راب المملك]ة بص]فته ف]اعال إم]ا لجناي]ة ض]د س]المة الدول]ة المغربي]ة ...يمكن متابعت]ه و محاكمت]ه حس]ب مقتض]يات الق]انون
المغربي إذا ألقي القبض عليه بالمغرب أو إذا حصلت الحكومة على تسليمه لها.....
البند الرابع :مبدأ عالمية االختصاص الجنائي
و يقصد هبذا املبدأ تطبيق قانون الدولة على كل الجريمة قبض على فاعلها في إقليم الدولة أيا كانت جنسيته و أيا كان مكان
ارتكابه للجريمة.
و هك-ذا يظه-ر من ه-ذا التحدي-د أن ه-ذا املب-دأ مينح ممارس-ة ح-ق العق-اب لدول-ة مل ت-رتكب اجلرمية يف إقليمه-ا ،و ليس من الالزم أن يك-ون
اجلاين حيمل جنسيتها ،كما أنه ليس هناك مصلحة أساسية هلا وقع املس هبا بارتكاب اجلرمية.
فليس هلا أي-ة س-لطات على مك-ان ارتك-اب اجلرمية ،و ال أي-ة رابط-ة قانوني-ة بينه-ا و بني اجملرم ال-ذي تري-د أن حتاكم-ه و أن تطب-ق علي-ه قانوهنا
طبق-ا للقاع-دة الس-ائدة" و ح-دة االختص-اص و وح-دة الق-انون املطب-ق" ،الرابط-ة الوحي-دة املت-وفرة هن-ا هي رابط-ة فعلي-ة نامجة عن واقع-ة إلق-اء
القبض على اجلاين.