You are on page 1of 219

‫محاضرات‬

‫في القانون الجنائي‬


‫العام‬
‫الجزء األول‪ :‬الجريمة‬

‫دكتورة الدولة نادية النحلي‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫فصل تمهيدي‪:‬‬
‫• إذا كان من أهم واجبات الدولة بمفهومها الحديث أن تحافظ على أمن المجتمع و سالمته من‬
‫األفعال الضارة به وبمواطنيه‪ ،‬فإنها تملك بالمقابل حق العقاب تجاه المخلين باألمن و االستقرار‬
‫المنشود‪.‬‬
‫• و يطلق على فرع القانون الذي يجرم تلك التصرفات اسم القانون الجنائي أو التشريع الجنائي‪ ،‬أو‬
‫قانون العقوبات أو القانون الجزائي‪ ،‬و هو يشكل فرعا من فروع النظام القانوني الداخلي للدولة‬
‫ككل‪.‬‬
‫• و الجدير بالذكر أن تعدد هذه التسميات ال يعني اختالفا في مضامين كل منها بقدر ما يمثل تأصيال‬
‫فقهيا ال أكثر‪.‬‬
‫وعليه فإننا نتناول هذا الفصل في ثالثة مباحث‪:‬‬

‫‪‬المبحث األول‪ :‬تعريف القانون الجنائي و تحديد طبيعته‪،‬‬


‫‪‬المبحث الثاني‪ :‬عالقة القانون الجنائي بالفروع القانونية األخرى و القوانين الجنائية األخرى‬
‫‪‬المبحث الثالث‪ :‬مصادر القانون الجنائي و تطوره في المغرب مع اإلشارة إلى أقسامه‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف القانون الجنائي و تحديد طبيعته القانونية‬


‫سنتوقف عند تعريف القانون اجلنائي يف املطلب األول‪ ،‬و خنصص املطلب الثاين لتحديد طبيعته القانونية‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف القانون الجنائي‬


‫إذا ك‪-‬ان الق‪-‬انون أو التش‪-‬ريع اجلن‪-‬ائي ميث‪-‬ل جمموع‪-‬ة القواع‪-‬د القانوني‪-‬ة ال‪-‬يت تس‪-‬نها الدول‪-‬ة لتنظيم حقه‪-‬ا يف العق‪-‬اب‪،‬‬
‫فإن التعريفات الفقيهة اليت أعطيت له تكاد تتفق يف جوهرها‪ ،‬و من ذلك‪:‬‬
‫تعري‪-‬ف ال]د‪/‬س]ليمان عب]د المنعم للق]انون الجن]ائي بأن‪-‬ه ‪ " :‬ف]رع من ف]روع النظ]ام الق]انوني ال]داخلي‪ ،‬تم]ارس الدول]ة بمقتض]اه‬ ‫‪)1‬‬
‫س ]]لطتها في التج ]ريم و العق ]]اب من الناحي ]]ة الموض ]]وعية و اإلجرائي ]]ة فتح ]]دد من الناحي ]]ة الموض ]]وعية األفع ]]ال المعت ]]برة‬
‫ج ]رائم‪ ،‬و تنص على الج ]زاءات المق]]ررة له]]ا‪ ،‬كم]]ا تنظم من الناحي]]ة اإلجرائي]]ة وس]]ائل مالحق]]ة المتهمين بارتك]]اب ه]]ذه‬
‫الجراءم والتحقي]ق معهم‪ ،‬و محاكمتهم بواس]طة ال]دعوى الجنائي]ة" و املالح‪-‬ظ أن ه‪-‬ذا التعري‪-‬ف يتم‪-‬يز بالش‪-‬مولية و االتس‪-‬اع‪،‬‬
‫حيث يبني طبيعة القانون اجلنائي‪ ،‬و مضمونه‪ ،‬ووظيفته ‪.‬‬
‫تعري]ف ال]د‪/‬كام]ل الس]عيد للق]انون الجن]ائي ‪" :‬ه]و مجموع]ة القواع]د القانوني]ة ال]تي تح]دد األفع]ال المع]دة ج]رائم و ت]بين‬ ‫‪)2‬‬
‫الجزاءات الواجب إنزالها بحق مرتكبها"‪.‬‬
‫ويعرف]]ه ال]]دكتور أحم]]د الخمليش]]ي بأن]]ه‪" :‬مجموع]]ة القواع]]د القانوني]]ة ال]]تي تح]]دد األفع]]ال المجرم]]ة و الج]زاءات المق]]ررة‬ ‫‪)3‬‬
‫لها‪ ،‬وذلك إما على شكل عقوبات أو تدابير وقائية"‪.‬‬
‫ال]]دكتور عم]]ر أب]]و الطيب فإن]]ه يعرف]]ه‪" :‬بمجموع]]ة القواع]]د الموض]]وعية المتعلق]]ة بتحدي]]د الج]رائم و العقوب]]ات المختلف]]ة‬ ‫‪)4‬‬
‫وتحدي ]]د ش ]]روط المس ]]ؤولية الجنائي ]]ة م ]]ع بي ]]ان أس ]]اس تش ]]ديد العق ]]اب و تخفيض ]]ه و أس ]]باب ت ]]برير الج] ]رائم و امتن ]]اع‬
‫المسؤولية واإلعفاء من العقوبة"‪.‬‬
‫و املالح‪-‬ظ على ه‪-‬ذا التعري‪-‬ف أن‪-‬ه يأخ‪-‬ذ لفظ‪-‬ة الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي يف مفهومه‪-‬ا الض‪-‬يق‪ ،‬غ‪-‬ري أن ه‪-‬ذه التعريف‪-‬ات يف جممله‪-‬ا‬
‫تسمح لنا بتحديد طبيعته القانونية ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة القانون الجنائي‬
‫إن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة يف صفوف الفقه اجلنائي إمنا يدور حول طبيعته القانونية‪ ،‬فهل هو فرع من فروع‬
‫القانون العام أو من فروع القانون اخلاص؟‬
‫انقسم الفقه يف هذا الصدد‪ ،‬فمنه من يعترب‪:‬‬
‫‪‬أنه فرع من فروع القانون العام‪ ،‬على اعتبار وجود الدولة دائما طرفا يف العالقة املتولدة عن خرق قواعد هذا‬
‫القانون‪ ،‬بسبب أن الجريمة تشكل اعتداءا على اجملتمع بأسره‪ ،‬و ليس على اجملين عليه‪ ،‬الضحية املباشرة يف اجلرمية‪ ،‬فقط‪.‬‬
‫و ملا كانت الدولة هي اليت تنوب عن اجملتمع كله‪ ،‬فإهنا تعترب بدورها ضحية غري مباشرة (أي جمين عليها غري‬
‫مباشرة)‪ ،‬و بالتبعية تكون طرفا يف النزاع‪.‬‬
‫‪ ‬أما الرأي االخر فقد ذهب إىل القول بأن القانون اجلنائي إمنا هو فرع من فروع القانون الخاص‪ ،‬و حجته يف‬
‫ذلك أن معظم نصوصه حتمي املصاحل اخلاصة لألفراد‪.‬‬
‫‪‬أم‪--‬ا ال ‪-‬رأي الث‪--‬الث فق‪--‬د ذهب إىل الق‪--‬ول بأن‪--‬ه‪" :‬نس‪--‬يج ق‪--‬اءم بذات‪--‬ه" أي أن‪--‬ه غ‪--‬ري منتم ال إىل الق‪--‬انون الع‪--‬ام و ال إىل الق‪--‬انون‬
‫اخلاص‪ ،‬بس‪--‬بب انف]راده عن غ]]يره من ف]]روع الق]]انون الع]]ام و الخ]]اص بموض]]وعي التج]ريم و العق]]اب‪ ،‬و لك‪--‬ون الخط]]أ في‬
‫النطاق الجنائي جسيم فادح و العقاب خطير و شديد‪.‬‬
‫من خالل م‪--‬ا س‪--‬بق‪ ،‬يب‪--‬دو أن الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ينظم عالق‪--‬ة الدول‪--‬ة ب‪--‬الفرد بتنظيم‪--‬ه ح‪--‬ق الدول‪--‬ة يف العق‪--‬اب‪ ،‬و ممارس‪--‬ته ض‪-‬د الف‪--‬رد‬
‫املخ‪-‬ل بأمنه‪-‬ا‪ ،‬و ل‪-‬ذلك ف‪-‬إن قواع‪-‬ده آم‪-‬رة ال ميكن خمالفته‪-‬ا باتف‪-‬اق األط‪-‬راف‪،‬و علي‪-‬ه ف‪-‬إن الق]انون الجن]ائي يع]د فرع]ا من ف]روع‬
‫الق]انون الع]ام‪ ،‬ألن وظيفت‪-‬ه األساس‪-‬ية هي ال‪-‬دفاع عن اجملتم‪-‬ع ض‪-‬د الظ‪-‬اهرة اإلجرامي‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا أن املص‪-‬احل ال‪-‬يت حيميه‪-‬ا هي املص‪-‬احل‬
‫العام‪-‬ة‪ ،‬أي ال‪-‬يت تتعل‪-‬ق ب‪-‬اجملتمع كك‪-‬ل دون النظ‪-‬ر لالعتب‪-‬ارت اخلاص‪-‬ة ب‪-‬األفراد‪( ،‬فال جيوز القت‪-‬ل مثال و ل‪-‬و برض‪-‬ى اجملين علي‪-‬ه)‪ ،‬كم‪-‬ا‬
‫تب‪-‬دو وظيفت‪-‬ه يف أح‪-‬وال محايت‪-‬ه للمص‪-‬لحة اخلاص‪-‬ة ب‪-‬األفراد‪ ،‬حيث يك‪-‬ون املعت‪-‬دى علي‪-‬ه يف اجلرمية ف‪-‬رد م‪-‬ا بعين‪-‬ه‪( ،‬كالس‪-‬رقة مثال)‬
‫فاملش‪-‬رع بتجرميه للس‪-‬رقة يه‪--‬دف يف املق‪-‬ام األول إىل محاي‪-‬ة ح‪-‬ق اإلنس‪-‬ان يف امللكي‪-‬ة بش‪-‬كل ع‪-‬ام‪ ،‬و ه‪-‬ذا احلق من احلق‪-‬وق العام‪-‬ة‬
‫اليت تتعلق مبصلحة اجملتمع ككل‪ ،‬دليل خذا القول أن حق امللكية منصوص عليه يف الدستور‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مكانة القانون الجنائي بالنسبة للفروع القانونية األخرى‬
‫و العلوم المرتبطة و استقالليته عنهما‬
‫إذا ك‪-‬ان الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي ج‪-‬زءا من النظ‪-‬ام الق‪-‬انوين الع‪-‬ام ‪ ،‬ف‪-‬إن املكان‪-‬ة ال‪-‬يت حيظى هبا بالنس‪-‬بة لب‪-‬اقي الف‪-‬روع القانوني‪-‬ة األخ‪-‬رى‬
‫و العل ‪--‬وم املرتبط ‪--‬ة ب ‪--‬ه هي من الس ‪--‬مو ال ‪--‬ذي ال يتحق ‪--‬ق لغ ‪--‬ريه‪ ،‬وذل ‪--‬ك ألس ‪--‬باب ع ‪--‬دة ن ‪--‬ذكرها يف مطل ‪--‬بني‪ ،‬األول و خنصص ‪--‬ه‬
‫لعالقته بغريه من فروع القانون األخرى‪ ،‬أما الثاين فنخصصه لعالقته بالعلوم اجلنائية املرتبطة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عالقة القانون الجنائي بفروع القانون األخرى‬


‫إذا ك‪-‬ان الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي ق‪-‬د ت‪-‬دخل بالعق‪-‬اب ليحمي احلق‪-‬وق س‪-‬واء تعلقت بالق‪-‬انون الع‪-‬ام أو اخلاص (مث‪-‬ل الق‪-‬انون اإلداري و الق‪-‬انون املدين أو‬
‫التجاري)‪ ،‬فإن استقالليته عن باقي فروع القانون األخرى ال تقبل املزايدة‪.‬‬
‫فمثال مفهوم املوظف العام يف القانون اإلداري‪ ،‬أضيق بكثري من املفهوم الذي يعطيه له القانون اجلنائي‪.‬‬
‫حيث يع‪-‬رف الفص‪-‬ل الث‪-‬اين من ظه‪-‬ري ‪ 24‬ف‪-‬رباير ‪ 1958‬املتعل‪-‬ق بالنظ‪-‬ام األساس‪-‬ي اخلاص بالوظيف‪-‬ة العمومي‪-‬ة املوظ‪-‬ف الع‪-‬ام بأن‪-‬ه‪" :‬يع‪-‬د موظف‪-‬ا‬
‫كل شخص يعني يف وظيفة قارة و يرسم يف إحدى رتب السلم اخلاص بأسالك اإلدارة التابعة للدولة"‪.‬‬
‫يف حني تعرف‪-‬ه املادة ‪ 224‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب بأن‪-‬ه‪ :‬يع‪-‬د موظف‪-‬ا عمومي‪-‬ا يف تط‪-‬بيق أحك‪-‬ام التش‪-‬ريع اجلن‪-‬ائي‪ ،‬ك‪-‬ل ش‪-‬خص كيفم‪-‬ا ك‪-‬انت‬
‫ص ‪--‬فته‪ ،‬يعه ‪--‬د إلي ‪--‬ه يف ح ‪--‬دود معين ‪--‬ة مبباش ‪--‬رة وظيف ‪--‬ة أو مهم ‪--‬ة و ل ‪--‬و مؤقت ‪--‬ة ب ‪--‬أجر أو ب ‪--‬دون أج ‪--‬ر و يس ‪--‬اهم ب ‪--‬ذلك يف خدم ‪--‬ة الدول ‪--‬ة‪ ،‬أو املص ‪--‬احل‬
‫العمومي‪-‬ة‪ ،".....‬فالق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي ق‪-‬د يس‪-‬تقل إذا مبدلوالت‪-‬ه س‪-‬واء مبقتض‪-‬ى نص ص‪-‬ريح كم‪-‬ا فع‪-‬ل املش‪-‬رع يف املادة ‪ 224‬الس‪-‬ابقة‪ ،‬أو مبقتض‪-‬ى نص‬
‫غري صريح كما هو احلال بالنسبة ملفهوم الشيك‪ ،‬فهو يف القانون اجلنائي غريه يف القانون التجاري‪.‬‬
‫و من مث جند القض‪--‬اء اجلن‪--‬ائي‪ ،‬م‪--‬دعوما بالفق‪--‬ه‪ ،‬يق‪--‬ول بقي‪--‬ام جرمية إص‪--‬دار ش‪--‬يك ب‪--‬دون رص‪--‬يد‪ ،‬و ل‪--‬و أن الورق‪--‬ة ليس‪--‬ت ش‪--‬يكا حبس‪--‬ب قواع‪--‬د‬
‫القانون التجاري‪ ،‬بسبب عدم استيفائها جلميع الشروط الشكلية‪ ،‬اليت تتضمنها مدونة التجارة العتبار ورقة ما شيكا‪.‬‬
‫و علي‪--‬ه إذا ك‪--‬ان الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ب‪--‬ذلك مس‪--‬تقال عن الق ‪-‬وانني األخ‪--‬رى‪ ،‬فم‪--‬ا هي عالقت‪--‬ه هبا إذا؟ قب‪--‬ل اإلجاب‪--‬ة على ه‪--‬ذا التس‪--‬اؤل‪ ،‬الب‪--‬د من‬
‫اإلش‪--‬ارة إال أن اس‪--‬تقاللية الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ال تع‪--‬ين انغالق‪--‬ه عن نفس‪--‬ه‪ ،‬و انعزال‪--‬ه عن ب‪--‬اقي ف‪--‬روع الق‪--‬انون األخ‪--‬رى‪ ،‬ب‪--‬ل على العكس ف‪--‬إن ل‪-‬ه عالق‪--‬ة‬
‫جبميع فروع القانون من عامة و خاصة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬عالقة القانون الجنائي بباقي فروع القانون العام‬
‫‪ -1‬القانون الدستوري‪:‬‬

‫فالق ‪--‬انون اجلن ‪--‬ائي حيمي حقوق ‪--‬ا للدول ‪--‬ة يقرره ‪--‬ا الق ‪--‬انون الدس ‪--‬توري‪ ،‬كحماي ‪--‬ة ح ‪--‬ق الدول ‪--‬ة يف أن حتتف ‪--‬ظ بش ‪--‬كل احلكم ال ‪--‬ذي حيدده‬
‫الدس‪-‬تور‪ ،‬و ه‪-‬و م‪-‬ا أكدت‪-‬ه املادة ‪ 169‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب‪":‬االعت]داء ال]ذي يك]ون الغ]رض من]ه إم]ا القض]اء على النظ]ام أو‬
‫إقام]ة نظ]ام آخ]ر مكان‪--‬ه أو تغي]ير ال]ترتيب لورث]ة الع]رش‪ ،‬و إم]ا دف]ع الن]اس إلى حم]ل الس]الح ض]د س]لطة المل]ك يع]اقب علي]ه‬
‫بالسجن المؤبد"‪.‬‬
‫و ك ‪--‬ذلك املادة األوىل من الدس ‪--‬تور األردين الص ‪--‬ادر س ‪--‬نة ‪ 1952‬و ال ‪--‬يت حتدد ش ‪--‬كل احلكم يف اململك ‪--‬ة األردني ‪--‬ة‪ ،‬حيث ت ‪--‬أيت املادة‬
‫‪ 136‬من ق ‪--‬انون العقوب ‪--‬ات و حتص ‪--‬ن املادة األوىل فتق ‪--‬رر عقوب ‪--‬ة اإلع ‪--‬دام على ك ‪--‬ل من يعم ‪--‬ل على تغي ‪--‬ري دس ‪--‬تور الدول ‪--‬ة بط ‪--‬رق غ ‪--‬ري‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫‪ -2‬بالقانون الدولي العام‪:‬‬
‫كق‪--‬انون مكافح‪--‬ة اإلره‪--‬اب رقم ‪ 03.03‬و ال‪--‬ذي ينص يف م‪-‬واده ص‪-‬راحة على عقوب‪--‬ات جنائي‪--‬ة يف ح‪--‬ق ك‪--‬ل من ارتكب ج‪-‬رائم متس‬
‫الدولة املغربية و لو خارج املغرب متاشيا مع روح االتفاقية الدولية حول قمع اإلرهاب املوقعة بنيويورك يف ‪ 10‬يناير ‪.2000‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة القانون الجنائي بفروع القانون الخاص‬

‫المدني‪:‬خالل قواعده احلقوق الشخصية كحق امللكية و حق احليازة‪ ،‬فإن القانون اجلنائي يدعم محاية هذه‬
‫بالقانونينظم من‬
‫إذا كان‪-1‬هذا الفرع‬
‫احلقوق مبعاقبته على السرقة (الفصول من ‪ )539-505‬و االحتيال و النصب و إصدار شيك بدون رصيد (الفصول ‪-540‬‬
‫‪.)546‬‬

‫بعض احلقوق اليت تقررها قوانني األحوال لشخصية (مدونة األسرة) كحقوق الزوجية و حق احلضانة و حق‬ ‫األسرة‪:‬‬
‫مدونةحيمي‬
‫‪-2‬اجلنائي‬
‫القانون‬
‫النفقة‪ ،‬و ذلك مبعاقبته على جرائم زنا الزوج أو اخليانة الزوجية الفصول (‪ )493-491‬و اجلرائم املتعلقة باالعتداء على األطفال‬
‫القاصرين الفصول (‪ ،)478-471‬و غريها‪.‬‬
‫وخالصة القول‬
‫أن الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي يرتب‪--‬ط بف‪--‬روع الق ‪-‬وانني األخ‪--‬رى ارتباط‪--‬ا وثيق‪--‬ا‪ ،‬و يت‪--‬دخل حلماي‪--‬ة الق ‪-‬وانني األخ‪--‬رى عن طري‪--‬ق تقري‪--‬ر ج ‪-‬زاء أش‪--‬د‬
‫إيالما من ذلك املقرر يف فروع القانون األخرى‪.‬‬
‫و عل‪-‬ة ذل‪-‬ك أن الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي يع‪-‬ىن حبماي‪-‬ة احلق‪-‬وق األساس‪-‬ية للمجتم‪-‬ع‪ ،‬و ال‪-‬ذي تش‪-‬اركه في‪-‬ه ف‪-‬روع الق‪-‬انون األخ‪-‬رى‪ ،‬إال أن نط‪-‬اق‬
‫احلماي‪--‬ة يف الف‪--‬روع األخ‪--‬رى متت‪--‬د لتش‪--‬مل مقوم‪--‬ات العيش اهلادئ‪ ،‬يف حني أن الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ال يع‪--‬ىن إال مبقوم‪--‬ات وج‪--‬ود اجملتم‪--‬ع و‬
‫كيانه‪ ،‬و من هنا تأيت قواعده كدعامة للفروع األخرى‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة القانون الجنائي بالعلوم الجنائية المرتبطة‬
‫مما ال شك فيه أن القانون اجلنائي يصبح عدمي اجلدوى إذا مل تتوافر للسلطات العامة األساليب العلمية اليت تساعدها يف‬
‫الكشف عن اجلرمية و ضبط مرتكبيها‪ ،‬و ألجل ذلك تتم االستعانة بطائفة من العلوم اجلنائية املساعدة للقانون اجلنائي‪ ،‬و هي‬
‫باعتبار الدور الذي تقوم به يف ميدان مكافحة اإلجرام تنقسم إىل قسمني علوم قبل ارتكاب اجلرمية و علوم بعد ارتكاب اجلرمية‪.‬‬
‫فأما قبل ارتكاب اجلرمية‪ ،‬فإن‪:‬‬
‫علم اإلج]رام و علم العق]]اب و السياس]]ة الجنائي]]ة تتقاس‪--‬م كله‪--‬ا مهم‪--‬ة ال‪--‬دفاع عن اجملتم‪--‬ع ل‪--‬درء و دف‪--‬ع اجلرمية م‪--‬ع الق‪--‬انون‬
‫اجلنائي‪،‬‬
‫أما بعد ارتكاب اجلرمية فإن‪:‬‬
‫علم اكتش]اف الجرائم‪ ،‬أو التحقي]ق الجن]ائي‪ ،‬و علم اإلحص]اء الجن]ائي‪ ،‬و علم األنتروبولوجي]ا الجنائي]ة تبقى الوس‪--‬ائل‬
‫احلقيقية لتحقيق األمن يف املستقبل و جتاوز أخطاء و ثغرات القانون يف السابق إىل جانب القانون اجلنائي‪.‬‬
‫و يف ما يلي سنحاول التوقف عند كل علم من هذه العلوم بإجياز‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬العلوم السابقة الرتكاب الجريمة‬


‫‪‬البند األول‪ :‬علم اإلجرام‬
‫يبحث هذا العلم يف أسباب أو عوامل اجلرمية باعتبارها ظاهرة اجتماعية إنسانية‪ ،‬فيدرس البيئة و الوسط االجتماعيني و ما حييط‬
‫هبما من ظروف اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية بغية اقرتاح التدابري املناسبة ملكافحة ظاهرة اجلرمية عموما‪.‬‬
‫و نظرا لتعدد موضوعات علم االجرام و تنوعها فإنه تفرع إىل عدة علوم نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -2‬علم االجتماع الجنائي‪،‬‬ ‫‪-1‬علم اإلنسان المجرم‪،‬‬
‫‪ -3‬علم النفس الجنائي و علم الطب النفسي‪ -4 ،‬علم اإلحصاء الجنائي‪.‬‬
‫‪-1‬علم اإلنسان المجرم‪:‬‬
‫يهتم ه ‪--‬ذا العلم بدراس‪--‬ة ال ‪--‬رتكيب اجلس ‪--‬ماين للج ‪--‬اين و أث ‪--‬ر الوراث ‪--‬ة في ‪--‬ه‪ ،‬و يع‪--‬ود الفض‪--‬ل يف ظه ‪--‬ور ه‪--‬ذا العلم للط ‪--‬بيب اإليط ‪--‬ايل س ‪-‬زار‬
‫ملربوزو‪ ،‬و الذي صاغ نظريته يف كتابه "اإلنسان اجملرم"‪ ،‬و الذي تأثر فيه بنظرية "الوراثي التطوري" "لداروين"‪.‬‬
‫‪-2‬علم االجتماع الجنائي‪:‬‬
‫و ق‪--‬د أسس‪--‬ه اإليط‪--‬ايل انريك‪--‬و ف‪--‬ريي حيث ي‪--‬رى أن عوام‪--‬ل اجلرمية اجتماعي‪--‬ة‪ ،‬و هي تع‪--‬ود إىل الظ‪--‬روف االقتص‪--‬ادية (فالبطال‪--‬ة واحلاج‪--‬ة‬
‫املادية سبب يف انتشار جرائم السرقة والنصب وسوء الرتبية و التعليم‪....‬اخل) و بالتايل يف ارتكاب اجلرمية‪.‬‬
‫غري أن فريي ال حيصر مع ذلك هذه األسباب يف العامل االجتماعي وحده دون غريه‪ ،‬وإمنا يركز عليه فقط على اعتبار أنه ميكن‬
‫التحكم فيه‪ ،‬إذ حبسب وجهة نظره فإن العوامل املؤدية للجرمية تتنوع إىل‪:‬‬
‫ثالث عوامل هي‪:‬‬

‫العوامل الفيزبائية أو الطبيعية‬


‫(مناخ‪ ،‬تربة‪ ،‬هواء)؛‬ ‫العوامل اال جتماعية‬
‫العوامل األنتروبولوجية (سن‪،‬‬
‫جنس‪ ،‬تكوين جسماني‪،‬‬
‫وراثة‪.)...‬‬
‫‪-3‬علم النفس الجنائي و علم الطب النفسي‪:‬‬
‫يبحث ه‪--‬ذا العلم عن عوام‪--‬ل اجلرمية أو أس‪--‬باهبا يف نفس‪--‬ية اجلاين‪ ،‬مث‪--‬ل الشخص‪--‬ية ال‪--‬يت تت‪--‬أثر و تتفاع‪--‬ل بعوام‪--‬ل الوراث‪--‬ة‪ ،‬و الوس‪--‬ط‬
‫االجتم‪-‬اعي‪ ،‬و العوام‪-‬ل البيولوجي‪-‬ة اجلس‪-‬مانية‪ ،‬أي أن‪-‬ه ال يبحث يف ال‪-‬رتكيب اجلس‪-‬ماين للج‪-‬اين أو اخللقي (احلي‪-‬وي) كم‪-‬ا س‪-‬بق يف علم‬
‫اإلنس‪--‬ان اجملرم‪ ،‬و أمهي‪--‬ة ه‪--‬ذا العلم تظه‪--‬ر على اخلص‪--‬وص يف نط‪--‬اق اإلس‪--‬ناد املعن‪--‬وي للجرمية إىل اجملرم (أي يف نط‪--‬اق حتدي‪--‬د املس‪--‬ؤولية‬
‫اجلنائي‪-‬ة)‪ ،‬و يف حتدي‪-‬د ن‪-‬وع العقوب‪-‬ة أو الت‪-‬دبري الوق‪-‬ائي املالئم ملواجه‪-‬ة اجلاين‪ ،‬أي يف تفري‪-‬د أو تش‪-‬خيص م‪-‬ا يك‪-‬ون ق‪-‬ابال منه‪-‬ا للتفري‪-‬د‬
‫أو التشخيص‪.‬‬
‫‪-4‬علم اإلحصاء الجنائي‬
‫يق‪--‬وم ه‪--‬ذا العلم ببي‪--‬ان ع‪--‬دد اجلرائم و أنواعه‪--‬ا املختلف‪--‬ة و ه‪--‬و ب‪--‬ذلك يس‪--‬هل كث ‪-‬ريا أن ‪-‬واع اجلرائم‪ ،‬ح‪--‬ىت يك‪--‬ون يف إمك‪--‬ان املش‪--‬رع و‬
‫املشتغلني باملعادلة اجلنائية عموما التصدي حملاربة الظاهرة اإلجرامية باملسائل الفعالة و املالئمة‪.‬‬
‫و الواق‪-‬ع أن‪-‬ه مهم‪-‬ا ك‪-‬انت فعالي‪-‬ة ه‪-‬ذا اإلحص‪-‬اء بالنس‪-‬بة للعدال‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬إن أمهي‪-‬ة ه‪-‬ذا العلم تتجلى يف كون‪-‬ه يق‪-‬دم أرقام‪-‬ا تفي‪-‬د كث‪-‬ريا‬
‫يف حماربة اجلرمية مستقبال‪ ،‬و قبل وقوعها‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬علم العقاب‬
‫يهتم بدراس‪-‬ة وظ‪-‬ائف العقوب‪-‬ة و أس‪-‬اليبها‪ ،‬و حتري أفض‪-‬لها يف حتقي‪-‬ق األه‪-‬داف االجتماعي‪-‬ة الثالث‪-‬ة للعقوب‪-‬ة‪ ،‬و املتمثل‪-‬ة يف العدال‪-‬ة‪،‬‬
‫و ال‪-‬ردع بش‪-‬قيه الع‪-‬ام و اخلاص‪ ،‬حيث جيب أن تك‪-‬ون العقوب‪-‬ة من نفس جنس عم‪-‬ل اجلاين‪ ،‬و مبا أن العقوب‪-‬ة الس‪-‬البة للحري‪-‬ة أض‪-‬حت‬
‫يف التش‪-‬ريعات اجلنائي‪-‬ة الوض‪-‬عية‪ ،‬هي العقوب‪-‬ة الرئيس‪-‬ية‪ ،‬فق‪-‬د أص‪-‬بح ال‪-‬دور الب‪-‬ارز ال‪-‬ذي يق‪-‬وم ب‪-‬ه علم العق‪-‬اب‪ ،‬ه‪-‬و االهتم‪-‬ام بدراس‪-‬ة نظ‪-‬ام‬
‫السجون يف جوانبه املختلفة‪.‬‬
‫و ب‪--‬ذلك يس‪--‬اعد على تط‪--‬وير أن‪-‬واع العقوب‪--‬ات ال‪--‬يت يقرره‪--‬ا املش‪--‬رع اجلن‪--‬ائي لزج‪--‬ر خمتل‪--‬ف اجلرائم‪ ،‬أو على تع‪--‬ديل الطريق‪--‬ة ال‪--‬يت تنف‪--‬ذ‬
‫هبا‪ ،‬و تنف‪--‬ع ك‪--‬ذلك يف مواجه‪--‬ة بعض األوض‪--‬اع الش‪--‬اذة ال‪--‬يت تقتض‪--‬ي إم‪--‬ا التش‪--‬دد يف مواجه‪--‬ة اجملرم‪ ،‬أو الرأف‪--‬ة ب‪--‬ه؛ وق‪--‬د اجته ه‪--‬ذا العلم‬
‫ح‪-‬ديثا إىل البحث عن م‪-‬ا يس‪-‬مى بالعقوب‪-‬ات البديل‪-‬ة عن الس‪-‬جن كالس‪-‬وار اإللك‪-‬رتوين واخلدم‪-‬ة اجملاني‪-‬ة لفائ‪-‬دة اجلماع‪-‬ة احمللي‪-‬ة ال‪-‬يت ينتمي‬
‫إليها اجلاين ‪ ،‬أو املنع من اخلروج من البيت ملدة زمنية حمددة‪ ،‬أم اإلخصاء ‪...castration‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬علم السياسة الجنائية‬
‫يقوم املشرع اجلنائي يف مكافحته للجرمية بعمليتني رئيسيتني مها‪:‬‬
‫عملية أوىل‪ :‬و تسمى عملية التجرمي‪ ،‬و فيها حيدد خمتلف أنواع السلوك اجملرم إجيابيا كان هذا السلوك أو سلبيا‪.‬‬
‫عملي‪-‬ة ثاني‪-‬ة‪ :‬و يطل‪-‬ق عليه‪-‬ا عملي‪-‬ة اجلزاء‪ ،‬و فيه‪-‬ا يق‪-‬رر ن‪-‬وع العقوب‪-‬ة أو الت‪-‬دبري الوق‪-‬ائي ال‪-‬ذي ي‪-‬رى بأن‪-‬ه يش‪-‬كل ردا كافي‪-‬ا و مالئم‪-‬ا‬
‫على خروج الفرد عن السلوك الواجب التزامه يف اجملتمع‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬العلوم الالحقة الرتكاب الجريمة‬

‫‪ ‬البند األول‪ :‬علم اكتشاف الجرائم أو علم التحقيق الجنائي‬


‫و يعد من أهم العلوم املساعدة للقانون اجلنائي‪ ،‬حيث يقوم ببحث الوسائل اليت تؤدي أو تساعد على كشف اجلرمية و اجملرم‪،‬‬
‫و خاصة ذلك الذي يستطيع إخفاء نفسه عن أعني العدالة نتيجة درايته باالحتياطات الالزمة لعدم ترك أي أدلة عن جرميته‪.‬‬
‫و من هن‪-‬ا ت‪-‬ربز أمهي‪-‬ة ه‪-‬ذا العلم ال‪-‬ذي يق‪-‬وم جبم‪-‬ع تقني‪-‬ات عدي‪-‬دة تس‪-‬تعمل يف البحث عن ال‪-‬دليل يف القض‪-‬ايا اجلنائي‪-‬ة و ال‪-‬يت ميكن‬
‫إمجاهلا يف ثالث‪:‬‬

‫‪ -1‬فن القياس البشري‪.‬‬


‫‪-2‬الطب الشرعي‪.‬‬
‫‪-3‬الشرطة العلمية‪.‬‬
‫‪-2‬الطب الشرعي‪:‬‬ ‫‪-1‬فن القياس البشري‬
‫يع‪-- - - -‬ود الفض‪-- - - -‬ل يف ظه‪-- - - -‬ور ه‪-- - - -‬ذا الفن إىل ال‪-- - - -‬دكتور‬
‫و يبحث ه‪-‬ذا العلم يف آث‪-‬ار اجلرمية على جس‪-‬م‬ ‫الفرنس ‪--‬ي "برتي ‪--‬ون"" ‪ " BERTLLON‬ال ‪--‬ذي أوج ‪--‬د‬
‫‪-3‬الشرطة العلمية‪:‬‬ ‫اجملين علي ‪--‬ه أو على األش ‪--‬ياء ال ‪--‬يت أح ‪--‬اطت ب ‪--‬ه‬ ‫هلذا العلم أس ‪-- -‬س ثابت ‪-- -‬ة تق‪-- - -‬وم على قي‪-- - -‬اس أعض‪-- - -‬اء‬
‫تس ‪-- -‬اعد على البحث عن اجلرمية و عن‬ ‫بقص ‪-- -‬د اس ‪-- -‬تنتاج الظ ‪-- -‬روف و املالبس ‪-- -‬ات ال ‪-- -‬يت‬ ‫اإلنس‪-- - - -‬ان ألج‪-- - - -‬ل التع‪-- - - -‬رف على اجلن ‪-- - -‬اة العائ ‪-- - -‬دين‬
‫ح ‪-- -‬دثت فيه ‪-- -‬ا واقع ‪-- -‬ة االعت ‪-- -‬داء‪ ،‬و االسرتش ‪-- -‬اد‬ ‫‪ ،récidivistes‬وذل ‪--‬ك ح ‪--‬ىت ال يتم اخلل ‪--‬ط بينهم‬
‫مرتكبه ‪--‬ا انطالق ‪--‬ا من وث ‪--‬ائق و أح ‪--‬داث‬
‫بذلك يف الوصول إىل اجلاين‪.‬‬ ‫و بني غ‪--‬ريهم إذا م‪--‬ا ب‪--‬دلوا أمساءهم‪ ،‬أو مالحمهم‪ ،‬أو‬
‫معلوم ‪--‬ة‪ ،‬و ألج ‪--‬ل ذل ‪--‬ك تس ‪--‬تعمل أجنع‬ ‫فالطب الش‪--‬رعي يس‪--‬اعد عن طري‪--‬ق التش ‪-‬ريح يف‬ ‫بسبب التشابه الكائن فعال بينهم‪.‬‬
‫الوس ‪-- - - - - -‬ائل العلمي ‪-- - - - - -‬ة‪ ،‬و تعتم ‪-- - - - - -‬د على‬ ‫معرف‪--‬ة مص‪--‬در و ت‪--‬اريخ القث‪--‬ل مثال‪ ،‬فيح‪--‬دد ه‪--‬ل‬ ‫و ق‪-- - - -‬د أض‪-- - - -‬اف الع‪-- - - -‬امل "غ‪-- - - -‬التون ‪ "GALTON‬طريق‪-- - - -‬ة‬
‫البص‪-‬مات و ال‪-‬يت أثبتت البح‪-‬وث أن‪-‬ه ال يوج‪-‬د شخص‪-‬ان يف‬
‫املخت ‪-‬ربات يف حتلي‪--‬ل الوق‪--‬ائع و األدل‪--‬ة و‬ ‫الش ‪-- - -‬خص م ‪-- - -‬ات بس ‪-- - -‬الح أو بس ‪-- - -‬م أو مبواد‬ ‫الع ‪--‬امل بص ‪--‬ماهتما متش ‪--‬اهبة‪ ،‬و ب ‪--‬ذلك فهي دلي ‪--‬ل م ‪--‬ادي ل ‪--‬ه‬
‫الوسائل اليت هبا نفدت اجلرمية‪.‬‬ ‫أخرى‪.....‬اخل‪.‬‬ ‫قوت ‪--‬ه اإلثباتي ‪--‬ة يف العدال ‪--‬ة‪ ،‬على أن أح ‪--‬دث م ‪--‬ا توص ‪--‬ل إلي ‪--‬ه‬
‫و على ك ‪--‬ل فالتق ‪--‬دم يف ه ‪--‬ذا املي ‪--‬دان جع ‪--‬ل من ‪--‬ه‬ ‫العلم يف ه‪-- -‬ذا اجملال ه‪-- -‬و احلمض الن‪-- -‬ووي ال‪-- -‬ذي ال يتك‪-- -‬رر‬
‫وسيلة فعالة الكتشاف اجلرمية‪.‬‬ ‫ب‪-‬دوره عن‪-‬د البش‪-‬ر بن‪-‬اء على تف‪-‬رد ك‪-‬ل من‪-‬ا جبينات‪-‬ه ال‪-‬يت تك‪-‬ون‬
‫خريطته اجلينية‬
‫‪ ‬البند الثاني‪ :‬علم اإلحصاء الجنائي و علم األنتربولوجيا الجنائية‬

‫هذين العلمني يتفرع‪-‬ان عن علم اإلج‪-‬رام مما جعلن‪-‬ا ن‪-‬درجهما مع‪-‬ه‪ ،‬على أن نعتربمها من الناحي‪-‬ة القانوني‪-‬ة من العل‪-‬وم الالحق]ة الرتك‪-‬اب‬
‫اجلرمية‪.‬‬
‫و علي‪-‬ه ف‪-‬إن العل‪-‬وم اجلنائي‪-‬ة املس‪-‬اعدة و إن ك‪-‬ان جماهلا خمتلف‪-‬ا عن جمال الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي إال أهنا بطبيعته‪-‬ا ذات ص‪-‬لة وثيق‪-‬ة ب‪-‬ه‪ ،‬حبيث أن‪-‬ه‬
‫ال غىن عنها سواء بالنسبة لقواعد القانون اجلنائي أو قواعد أصول احملاكمات اجلنائية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مصادر القانون الجنائي و مراحل تطوره في المغرب و أقسامه‬
‫سنحاول من خالل هذا املبحث الوقوف عند أهم املصادر اليت يستند إليها القانون اجلنائي يف وجوده و ذلك من خالل (املطلب‬
‫األول) على أن خنصص (املطلب الثاين) مراحل تطوره يف املغرب –فقط – مع اإلشارة إىل أقسامه‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مصادر القانون الجنائي‬
‫ميكن حتديد هذه املصادر إمجاال يف‪ :‬الدستور – القانون – القوانني األجنبية و املعاهدات الدولية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدستور‬
‫يتضمن دستور ‪ ، 2011‬مبادئ أساسية هلا عالقة بالقانون اجلنائي و تعترب مصدرا له‪ ،‬منها مبدأ املساواة أمام القانون (الفصل‪)6‬‬
‫احلريات األساسية (الفصل‪ )19‬مبدأ الشرعية أو قرينة الربائة (الفصل‪ )10‬مبدأ عام رجعية القانون (الفصل‪ ،)6‬احلق يف السالمة‬
‫(م‪ ،)21‬منع التعذيب (م ‪ ،)22‬منع االعتقال التعسفي (م‪ ،)23‬محاية حرمة املنازل زحرية التنقل وسرية املراسالت(م‪.)24‬‬
‫إال أن الدستور يقسم النصوص الشرعية إىل أساسية و هي القوانني اليت خيتص هبا الربملان‪ ،‬و ثانوية و هي املراسيم‪ ،‬أو اللوائح‬
‫التنظيمية اليت ختتص هبا احلكومة‪ ،‬و حيدد جمال القوانني و اللوائح التنظيمية‪.‬‬
‫و ميكن أن نالح‪--‬ظ أن دس‪--‬تور ‪ 2011‬ينص يف الفص‪--‬ل ‪ 71‬من‪--‬ه على أن جملس الن‪-‬واب خيتص بالتش‪-‬ريع لتحدي‪--‬د اجلرائم و العقوب‪--‬ات‬
‫اجلارية عليها‪ ،‬خارج نطاق اجملال التنظيمي الذي خيتص باملواد اليت ال يشملها جمال القانون (م ‪.)72‬‬
‫وهك‪--‬ذا ف‪--‬إن الس‪--‬لطة التنفيذي‪--‬ة ال جيوز هلا أن جترم إال األفع‪--‬ال ال‪--‬يت ت‪--‬دخل يف اختصاص‪--‬ها الض‪--‬يق‪ ،‬كم‪--‬ا أهنا ال تق‪--‬رر إال العقوب‪--‬ات يف‬
‫حدود معينة يتوىل القانون بياهنا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القانون‬


‫و يك‪-‬ون مص‪-‬درا للتج‪-‬رمي و العق‪-‬اب عن‪-‬دما يص‪-‬در عن الس‪-‬لطة التش‪-‬ريعية‪ ،‬كم‪-‬ا أن‪-‬ه يض‪-‬ع قواع‪-‬د قانوني‪-‬ة عام‪-‬ة و جمردة لتنطب‪-‬ق على اجلمي‪-‬ع‬
‫و ذل‪-‬ك على خالف الق‪-‬رارات اإلداري‪-‬ة الفردي‪-‬ة ال‪-‬يت تع‪-‬اجل ح‪-‬االت خاص‪-‬ة‪ ،‬و الق‪-‬انون كمص‪-‬در للق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي ه‪-‬و اجملموع‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة املغربي‪-‬ة‬
‫ال‪-‬يت ت‪-‬أثرت مبب‪-‬ادئ التق‪-‬نني األوروبي‪-‬ة – و خاص‪-‬ة الفرنس‪-‬ية – من مب‪-‬دأ الش‪-‬رعية اجلنائي‪-‬ة و الق‪-‬انون املكت‪-‬وب‪ ،‬أم‪-‬ا الع‪-‬رف فال ميكن اعتب‪-‬اره‬
‫مص ‪--‬درا للقاع ‪--‬دة اجلنائي ‪--‬ة و إمنا ميكن االعتم ‪--‬اد علي ‪--‬ه لتحدي ‪--‬د بعض األفع‪--‬ال املباح ‪--‬ة – كتل ‪--‬ك ال ‪--‬يت ت ‪--‬دخل يف ح ‪--‬ق الت ‪--‬أديب لآلب ‪--‬اء على‬
‫أبنائهم‪.‬‬
‫إىل ج ‪--‬انب اجملموع ‪--‬ة اجلنائي ‪--‬ة ال ‪--‬يت هي ق ‪--‬انون مكت ‪--‬وب‪ ،‬ف ‪--‬القوانني اجلنائي ‪--‬ة اخلاص ‪--‬ة ب ‪--‬دورها تعت ‪--‬رب مص ‪--‬درا للقاع ‪--‬دة اجلنائي ‪--‬ة ألهنا تنظم‬
‫ميادين اقتصادية و اجتماعية غريها عن طريق فرض العقوبة‪.‬‬
‫و املالح‪--‬ظ يف املغ‪--‬رب أن من ه‪--‬ذه الق ‪-‬وانني اجلنائي‪--‬ة اخلاص‪--‬ة م‪--‬ا ه‪--‬و موج‪--‬ود قب‪--‬ل ظه‪--‬ور اجملموع‪--‬ة اجلنائي‪--‬ة‪ ،‬و يعم‪--‬ل هبا ك‪--‬ذلك‪ ،‬ألن‬
‫املش‪-‬رع رأى فيه‪-‬ا وس‪-‬يلة للمحافظ‪-‬ة على مص‪-‬احل اجملتم‪-‬ع املتط‪-‬ورة‪ ،‬كظه‪-‬ري ‪ 15‬نوفم‪-‬رب ‪ 1958‬ح‪-‬ول الص‪-‬حافة و ظه‪-‬ري ‪ 21‬م‪-‬اي ‪1974‬‬
‫املتعلق بزجر اإلدمان على املخدرات و الوقاية منها ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫و هذه النصوص مهما اختلفت فإهنا ال خترج عن مبدأ الشرعية اجلنائية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬المعاهدات الدولية‬
‫ميكن أن تك‪-‬ون املعاه‪-‬دات الدولي‪-‬ة مص‪-‬درا للق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي إذا ت‪-‬وفرت بعض الش‪-‬روط‪ ،‬و ه‪-‬ذا يش‪-‬ري إىل م‪-‬دى الت‪-‬داخل ال‪-‬ذي حيص‪-‬ل‬
‫بني القانون اجلنائي و القانون الدويل بالنظر إىل مضمون االتفاقيات و املعاهدات و قوهتا اإللزامية بالنسبة للقانون اجلنائي الوطين‪.‬‬
‫فق‪--‬د اس‪--‬تقر العم‪--‬ل مبب‪--‬دأ مش‪--‬هور و معم‪--‬ول ب‪--‬ه من ط‪--‬رف ال‪--‬دول يف ه‪--‬ذا اجملال و ه‪--‬و يعت‪--‬رب من مب‪--‬ادئ الق‪--‬انون العام‪--‬ة‪ ،‬و أخ‪--‬ذت ب‪--‬ه‬
‫مجي‪--‬ع الدس‪--‬اتري‪ ،‬ه‪--‬ذا املب‪--‬دأ يقض‪--‬ي ب‪--‬أن املعاه‪--‬دات املربم‪--‬ة و املص‪--‬ادق عليه‪--‬ا بش‪--‬كل ص‪--‬حيح تك‪--‬ون هلا ق‪--‬وة قانوني‪--‬ة أعلى من ال‪--‬يت للق‪-‬وانني‬
‫الوطني‪--‬ة بع‪--‬د إبرامه‪--‬ا و التص‪--‬ديق عليه‪--‬ا و نش‪--‬رها وفق‪--‬ا لألوض‪--‬اع املق‪--‬ررة‪ ،‬و ب‪--‬ذلك أص‪--‬بحت املعاه‪--‬دات تك‪--‬ون مص‪--‬درا للقاع‪--‬دة اجلنائي‪--‬ة و‬
‫على القاض‪-‬ي أن يتأك‪-‬د من تط‪-‬ابق التش‪-‬ريع ال‪-‬داخلي م‪-‬ع قواع‪-‬د الق‪-‬انون ال‪-‬دويل الع‪-‬ام‪ ،‬ألن ه‪-‬ذه األخ‪-‬رية تص‪-‬بح ج‪-‬زءا من الق‪-‬انون ال‪-‬داخلي‬
‫مبجرد التصديق عليها و نشرها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل تطور القانون الجنائي في المغرب و أقسامه‬
‫إن الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي املغ‪--‬ريب موض‪--‬وع ه‪--‬ذه الدراس‪--‬ة‪ ،‬حيت‪--‬اج إىل ن‪--‬وع من التحدي‪--‬د و خاص‪--‬ة يف نش‪--‬أته و تط‪--‬وره كب‪--‬اقي الق ‪-‬وانني (الف]]رع‬
‫األول)‪.‬‬
‫فإذا فرغن‪--‬ا من حتدي‪--‬ده هبذا الش‪--‬كل أمكنن‪--‬ا أن نتن‪--‬اول و أن نع‪--‬اجل تقس‪--‬يماته‪ ،‬لنق‪--‬ف على مض‪--‬امني الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي(الف]رع الث]]اني) و‬
‫خنلص إىل دراسة القسم العام منه‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تطور القانون الجنائي المغربي‬
‫ميكن الق‪--‬ول ب‪--‬أن املغ‪--‬رب قب‪--‬ل س‪--‬نة ‪ 1913‬مل يكن يع‪--‬رف تقنين‪--‬ا جنائي‪--‬ا ب‪--‬املفهوم الوض‪--‬عي‪ ،‬و إمنا ك‪--‬انت أحك‪--‬ام الش ‪-‬ريعة اإلس‪--‬المية‬
‫الغراء يف احلدود و القصاص و الديات و التعازيز‪ ،‬كما استقر عليها فقهاء املذهب املالكي هي املطبقة‪.‬‬
‫إال أن‪-‬ه ب‪-‬دخول املغ‪-‬رب عه‪-‬د احلماي‪-‬ة ب‪-‬دأت ري‪-‬اح التغي‪-‬ري هتب على النظ‪-‬ام اجلن‪-‬ائي الس‪-‬ائد إذ ذاك‪ ،‬و هك‪-‬ذا ص‪-‬در ظه‪-‬ري ‪ 12‬غش‪-‬ت‬
‫‪ 1913‬ي‪--‬أمر بتط‪--‬بيق الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي و املس‪--‬طرة اجلنائي‪--‬ة الفرنس‪--‬يني أم‪--‬ام احملاكم ال‪--‬يت أقامته‪--‬ا فرنس‪--‬ا ب‪--‬املغرب‪ ،‬على األش‪--‬خاص اخلاض‪--‬عني‬
‫الختصاص هذه احملاكم‪.‬‬
‫أم‪-‬ا يف منطق‪-‬ة مشال املغ‪-‬رب فق‪-‬د ص‪-‬در ظه‪-‬ريان أوهلم‪-‬ا يف ‪ 1‬يوني‪-‬و ‪ 1914‬يقض‪-‬ي بتط‪-‬بيق ق‪-‬انون العقوب‪-‬ات اخلاص باملنطق‪-‬ة الش‪-‬مالية‬
‫(و هو قانون العقوبات اإلسبانية)‪ ،‬و ثانيهما يف ‪ 15‬يناير ‪ 1925‬يتعلق بتطبيق قانون العقوبات اخلاص مبنطقة طنجة الدولية‪.‬‬
‫و الق ‪-‬وانني اجلنائي ‪--‬ة الس ‪--‬ابقة مل تكن لتطب ‪--‬ق إال على األج ‪--‬انب مب ‪--‬دئيا دون املغارب ‪--‬ة ال ‪--‬ذين حياكمون أم ‪--‬ام احملاكم املخزني ‪--‬ة يف القض ‪--‬ايا‬
‫اجلنائي ‪--‬ة‪ ،‬و ال ‪--‬يت مل تكن ه ‪--‬ذه احملاكم ختض ‪--‬ع لق ‪--‬انون موض ‪--‬وعي أو إج ‪-‬رائي حمدد‪ ،‬إذ ك ‪--‬ان الباش ‪--‬ا أو القائ ‪--‬د يطب ‪--‬ق حبس ‪--‬ب األح ‪-‬وال‪ ،‬إم ‪--‬ا‬
‫أحك‪--‬ام الفق‪--‬ه اإلس‪--‬المي أو األع ‪-‬راف احمللي‪--‬ة‪ ،‬أو جيته‪--‬د شخص‪--‬يا يف إعطائه‪--‬ا احلل الق‪--‬انوين املالئم‪ ،‬و بقي احلال هك‪--‬ذا إىل أن ص‪--‬در يف‬
‫‪ 24‬أكتوبر ‪ 1953‬قانون جنائي و مسطرة جنائية تطبق على املغاربة اخلاضعني الختصاص احملاكم املخزنية‪.‬‬
‫و حبص ‪--‬ول املغ ‪--‬رب على اس ‪--‬تقالله انطلقت اجمله ‪--‬ودات لتوحي ‪--‬د التش ‪-‬ريع اجلن ‪--‬ائي‪ ،‬و ذل ‪--‬ك بإلغ ‪--‬اء مجي ‪--‬ع النص ‪--‬وص الس ‪--‬ابقة و اعتماده ‪--‬ا‬
‫كمصادر داخلية للقانون اجلديد‪.‬‬
‫و هك‪--‬ذا ص‪--‬در ق‪--‬انون املس‪--‬طرة اجلنائي‪--‬ة بت‪--‬اريخ ‪ 10‬ف‪-‬رباير ‪ ،1959‬و الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي يف ‪ 26‬نوفم‪-‬رب ‪ 1962‬ال‪--‬ذي نص على أن‪-‬ه لن‬
‫يطب ‪--‬ق إال ابت ‪--‬داء من ي ‪--‬وم ‪ 17‬يوني ‪--‬و ‪ ،1963‬و ق ‪--‬د وقعت على ه ‪--‬ذا الق ‪--‬انون ح ‪--‬ىت االن تع ‪--‬ديالت ع ‪--‬دة‪ ،‬أمهه ‪--‬ا ك ‪--‬ان مبقتض ‪--‬ى الظه ‪--‬ري‬
‫الش‪- -‬ريف رقم ‪ 1.59.413‬املنش ‪--‬ور باجلري ‪--‬دة الرمسية ع ‪--‬دد ‪ 2640‬مك ‪--‬رر بع ‪--‬د األح ‪--‬داث اإلرهابي ‪--‬ة ال ‪--‬يت عرفه ‪--‬ا املغ ‪--‬رب ي ‪--‬وم ‪ 16‬م ‪--‬اي‬
‫‪.2003‬‬
‫و الواق‪-‬ع أن أمهي‪-‬ة ه‪-‬ذا الق‪-‬انون ال‪-‬ذي يك‪-‬ون اجملموع‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة اجلدي‪-‬دة مل تقتص‪-‬ر على توحي‪-‬د التش‪-‬ريع اجلن‪-‬ائي فحس‪-‬ب‪ ،‬و إمنا ح‪-‬اول أن‬
‫يستفيد من التطور اهلائل الذي حصل يف النظم اجلنائية احلديثة و كذا موقف الفقه العاصر‪.‬‬
‫أخ ‪--‬ر تع ‪--‬ديل ه ‪--‬و الق ‪--‬انون رقم ‪ 145-12‬الص ‪--‬ادر بتنفي ‪--‬ذه الظه ‪--‬ري الش ‪-‬ريف رقم ‪ 1-13-54‬بت ‪--‬اريخ ‪ 21‬مجادى اآلخ ‪--‬رة ‪1434‬‬
‫موافق ‪ 2‬ماي ‪ 2013‬ج ر عدد ‪ 6148‬بتاريخ ‪ 21‬مجادى اآلخرة ‪ 1434‬موافق ‪ 2‬ماي ‪ 2013‬ص ‪.3614‬‬
‫و على العم‪-‬وم ف‪-‬إن اجملموع‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة احلالي‪-‬ة أخ‪-‬ذت من التش‪-‬ريع الفرنس‪-‬ي ذي التوج‪-‬ه العلم‪-‬اين و املش‪-‬روعية الض‪-‬يقة‪ ،‬و مل تعكس أي اجتاه‬
‫من االجتاه‪-‬ات الفقيه‪-‬ة بش‪-‬كل واض‪-‬ح‪ ،‬ب‪-‬ل ح‪-‬اولت أن تس‪-‬تفيد من تع‪-‬اليم املدرس‪-‬ة الوض‪-‬عية و املدرس‪-‬ة ال‪-‬نيو كالس‪-‬يكية‪ ،‬و مدرس‪-‬ة ال‪-‬دفاع‬
‫االجتماعي احلديثة‪.‬‬
‫أض‪-‬ف إىل ك‪-‬ل ه‪-‬ذا أن الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب حاف‪-‬ظ على نظ‪-‬ام العقوب‪-‬ة كج‪-‬زاء أساس‪-‬ي للجرمية‪ ،‬و من جه‪-‬ة أخ‪-‬رى ف‪-‬إن اجملموع‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة‬
‫احلالي‪--‬ة تعتم‪--‬د يف بناءه‪--‬ا على تقني‪--‬ات س‪-‬اعدت على تقس‪--‬يم مواض‪-‬يعها إىل قس‪--‬م ع‪-‬ام و قس‪--‬م خ‪--‬اص‪ ،‬و ه‪--‬و م‪-‬ا س‪-‬يكون موض‪-‬وعا (للف‪-‬رع‬
‫الثاين)‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيمات القانون الجنائي المغربي‬
‫إذا كان القانون أو التشريع اجلنائي هو جمموعة القواعد اليت تسنها الدولة لتنظيم حقها يف العقاب‪ ،‬فإن هذا التنظيم يقتضي أن تتعرض‬
‫قواعده للمواضيع التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬بيان ما يعد من األفعال و االمتناعات جرائم؛‬
‫‪ )2‬بيان اجلزاءات و العقوبات املقررة لتلك اجلرائم؛‬
‫‪ )3‬بيان شروط املسؤولية اجلنائية؛‬
‫‪ )4‬تنظيم كيفية تطبيق اجلزاء أو العقاب من الناحية الشكلية و ذلك بتنظيم اهليئات القضائية املختصة بضبط اجلرمية و كشف‬
‫اجملرمني و مالحقتهم و البحث عنهم و حماكمتهم و اإلجراءات اليت تتبع يف كل ذلك إىل حني تنفيذ العقاب فيمن تثبت إدانته‪.‬‬
‫و الواقع أن هذه املواضيع إمنا تتم معاجلتها من خالل القانون اجلنائي و لكن عن طريق أقسام رئيسية تشكل يف جمملها هذا القانون‪.‬‬
‫و ه‪--‬ذه األقس‪--‬ام جنمله‪--‬ا يف القس‪--‬م الع‪--‬ام و القس‪--‬م اخلاص (أوال) مث م‪--‬ا يص‪--‬طلح علي‪--‬ه ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات التكميلي (ثاني‪--‬ا) م‪--‬ع اإلش‪--‬ارة إىل‬
‫قانون املسطرة اجلنائية (ثالثا)‪.‬‬
‫ينقسم القانون اجلنائي مبفهومه الضيق إىل قسمني من األحكام‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬األحكام العامة أو القسم العام‬
‫و يتضمن نصوصا أو قواعد تسري على كل اجلرائم و العقوبات بغض النظر عن كل جرمية على حدة‪ ،‬و هو يضم األصول العامة‬
‫كتلك اليت حتدد أركان اجلرمية عموما‪ ،‬و شروط املسؤولية اجلنائية و األحكام العامة للعقوبات كشروط وقفها‪ ،‬و تقادمها‪ ،‬و العفو منها‪،‬‬
‫و أحكام تطبيق القانون اجلنائي يف الزمان و املكان ‪...‬اخل‪.‬‬
‫و هذا القسم تنظمه املواد من (‪ )162-1‬يف الكتابني األول و الكتاب الثاين (من ‪ 110‬إىل ‪ )162‬و هذا القسم العام هو موضوع‬
‫دراستنا هذه السنة حبول اهلل‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬الجنائي الخاص أو القسم الخاص‬
‫و هو القسم الثاين يف هذه اجملموعة‪ ،‬و هو يدرس األحكام اخلاصة بكل جرمية و العقوبات املختلفة املطبقة عليها‪ ،‬أي أن قواعده‬
‫تتعرض إىل بيان خمتلف اجلرائم و عقوبتها بدقة‪ ،‬و ظروف تشديدها‪ ،‬و أسباب ختفيفها‪ ،‬فهو يعد قائمة مفصلة لألفعال اجملرمة‪ ،‬و‬
‫العقوبات املطبقة عليها‪ ،‬و هي مرتبة حسب القيمة االجتماعية‪ ،‬أو السياسية‪ ،‬أو االقتصادية أو الدينية اليت قصدت محايتها –‬
‫و لذلك مسيت هذه اجلرائم بالقسم اخلاص – و هو يشغل اجلزء األكرب من القانون أو اجملموعة اجلنائية (حيث يبتدأ من املادة ‪163‬‬
‫حىت ‪ ) 612‬و ميثل بذلك الكتاب الثالث بعنوان "يف اجلرائم املختلفة و عقوباهتا" و املالحظ أن املشرع املغريب أطلق عبارة جمموعة‬
‫القانون اجلنائي على القسمني معا‪.‬‬
‫‪ ‬البنذ الثالث‪ :‬القانون الجنائي التكميلي‬
‫إذا كانت اجملموعة اجلنائية املغربية تضم قسمني عام و خاص‪ ،‬فإهنا ميكن أن تضم كذلك نصوص خاصة جترم بعض األفعال‪ ،‬أو‬
‫االمتناعات و تقرر هلا عقوبات خاصة محاية ملصلحة ذات طبيعة خاصة‪.‬‬
‫و ألجل ذلك درج املشرع على إصدار قوانني ملحقة أو مكملة للقانون اجلنائي و من ذلك‪:‬‬
‫‪‬ظهري العفو رقم ‪ 1.57.387‬بشأن قانون الصحافة (‪)111958-15‬‬
‫‪‬ظهري رقم ‪ 1.58.295‬بشأن الوقاية من األمراض العقلية و معاجلتها و محاية املرضى املصابني هبا (‪.)1959-4-30‬‬
‫‪‬ظهري رقم ‪ 1-59-38‬بتاريخ ‪ 1959-10-29‬يف الزجر عن اجلرائم الغش يف املواد الغدائية أو السلع‪.‬‬
‫‪‬املرسوم امللكي مبثابة قانون رقم ‪ 72.466‬حول املعاقبة على السكر العلين (‪.)14/11/1967‬‬
‫‪‬ظهري رقم ‪ 1.73.282‬املتعلق مبكافحة اإلدمان على املخدرات السامة و وقاية املدمنني عليها (بتاريخ ‪.)21/05/1974‬‬
‫وهذه القوانني و إن وجدت مستقلة فإهنا تكمل جمموعة القانون اجلنائي‪ ،‬و لذلك فإهنا مكملة لألحكام العامة الواردة يف القسم‬
‫اخلاص‪ ،‬إال أهنا تتميز ببعض اخلصوصيات أو األحكام اخلاصة كما هو الشأن بالنسبة للقانون اجلنائي البحري‪،‬اجلوي‪ ،‬العسكري ‪...‬‬
‫اخل‪.‬‬
‫‪ ‬البند الرابع‪ :‬قانون املسطرة اجلنائية‬
‫إذا كان القانون اجلنائي (مبفهومه الضيق – كما رأينا) هو‪" :‬جمموعة القواعد املوضوعية املتعلقة بتحديد اجلرائم و العقوبات املختلفة و‬
‫حتديد شروط املسؤولية اجلنائية مع بيان أساس تشديد العقاب و ختفيضه و أسباب تربير اجلرائم و امتناع املسؤولية و االعفاء من‬
‫العقوبة"‪ ،‬فإن القانون الذي ينظم كيفية تطبيق اجلزاء من الناحية الشكلية أي‪ ":‬جمموعة القواعد اليت تنظم خمتلف السلطات القضائية‬
‫اليت تنظم اجلرمية و ختتص هبا‪ ،‬و تبني االجراءات الواجب اتباعها يف البحث‪ ،‬و التحقيق و احملاكمة‪ ،‬و تنفيذ العقاب" هو ما يطلق‬
‫عليه بقانون االجراءات اجلنائية‪ ،‬أو قانون أصول احملاكمات اجلزائية‪.‬‬
‫و إن ك‪-‬ان ه‪-‬ذا الق‪-‬انون – املس‪-‬طرة اجلنائي‪-‬ة – ليس ه‪-‬و الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي مبفهوم‪-‬ه الض‪-‬يق‪ ،‬إال أن أي منهم‪-‬ا ال ميكن‪-‬ه االس‪-‬تغناء عن اآلخ‪-‬ر‪،‬‬
‫خاص‪--‬ة إذا علمن‪--‬ا أن الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي املوض‪--‬وعي ال يطب‪--‬ق إال بواس‪--‬طة ق‪--‬انون املس‪--‬طرة اجلنائي‪--‬ة الش‪--‬كلي‪ ،‬ذل‪--‬ك أن‪--‬ه و لئن أص‪--‬بحت الدول‪--‬ة‬
‫احلديث‪--‬ة تس‪--‬تأثر حبق العق‪--‬اب وح‪--‬دها‪ ،‬إال أن ه‪--‬ذا احلق مل يع‪--‬د يس‪--‬تعمل بكيفي‪--‬ة عش ‪-‬وائية‪ ،‬ب‪--‬ل أص‪--‬بح منظم‪--‬ا ال يوق‪--‬ع على الف‪--‬رد إال بع‪--‬د‬
‫اتباع إجراءات نص عليها قانون املسطرة اجلنائية‪.‬‬
‫و خالص ‪--‬ة الق ‪--‬ول أن الق ‪--‬انون اجلن ‪--‬ائي الع ‪--‬ام إذا ك ‪--‬ان يتمت ‪--‬ع خباص ‪--‬ية وض ‪--‬ع القواع ‪--‬د العام ‪--‬ة لك ‪--‬ل اجلرائم و ك ‪--‬ذلك العقوب ‪--‬ات و الت ‪--‬دابري‬
‫املخصص‪-‬ة هلا – كم‪-‬ا رأين‪-‬ا – ف‪-‬إن املفه‪-‬وم الق‪-‬انوين للجرمية ه‪-‬و ال‪-‬ذي سيس‪-‬مح لن‪-‬ا بدراس‪-‬ة ك‪-‬ل من اجلرمية و اجملرم‪ ،‬و رد الفع‪-‬ل االجتم‪-‬اعي‬
‫املتمثل يف اجلزاء اجلنائي‪.‬‬
‫و هذه هي مواضيع األبواب التالية‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬الجريمة‬


‫لقد ذهبت معظم التشريعات إىل عدم التعرض لتعريف اجلرمية‪ ،‬لكن هذا مل مينع الفقه من القيام بذلك من أجل حتديد مفهوم دقيق‬
‫للجرمية يتميز عن املفاهيم األخرى املشاهبة‪.‬‬
‫و ميكن تعريف اجلرمية بأهنا كل نشاط خارجي يأتيه اإلنسان‪ -،‬سواء متثل هذا النشاط يف فعل أو امتناع ما دام قد فرض القانون عقوبة‬
‫أو تدبريا وقائيا‪.‬‬
‫و املشرع املغريب‪ -‬خالفا للتشريعات األخرى اليت أحجمت عن ذلك – عرف اجلرمية من خالل الفصل ‪ 110‬من القانون اجلنائي‬
‫املغريب بقوله‪" :‬اجلرمية هي عمل أو امتناع خمالف للقانون اجلنائي و معاقب عليه مبقتضاه"‪.‬‬
‫و يعت‪--‬رب ه‪--‬ذا الفص‪--‬ل مكمال للفص‪--‬ل األول ال‪--‬ذي نص على م‪--‬ا يلي‪" :‬حيدد التش‪-‬ريع اجلن‪--‬ائي أفع‪--‬ال اإلنس‪--‬ان ال‪--‬يت يع‪-‬دها ج‪-‬رائم بس‪--‬بب م‪-‬ا‬
‫حتدثه من اضطراب اجتماعي‪ ،‬و يوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابري وقائية"‪.‬‬
‫و لقيام اجلرمية البد من وجود نص قانوين جيرم فعال إجيابيا (القتل‪ ،‬سرقة‪ ،‬االغتصاب)‪.‬‬
‫أو امتناعا عن عمل (رفض اإلدالء بالشهادة أمام احملكمة مثال) و هذا هو الركن القانوين‪.‬‬
‫و من جه ‪--‬ة ثاني ‪--‬ة الب ‪--‬د من وج ‪--‬ود مظه ‪--‬ر خ ‪--‬ارجي للفع ‪--‬ل و االمتن ‪--‬اع‪ ،‬ألن الق ‪--‬انون ال يع ‪--‬اقب على النواي ‪--‬ا و اخلواطر‪ ،‬و ه ‪--‬ذا ه ‪--‬و ال ‪--‬ركن‬
‫املادي‪.‬‬
‫و أخ‪-‬ريا الب‪--‬د أن يص‪--‬در النش‪--‬اط من إنس‪--‬ان فعال ك‪--‬ان أو ترك‪--‬ا عن اختي‪--‬ار و إرادة واعي‪--‬ة و ح‪--‬رة ه‪--‬و ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي‪ ,‬و قب‪--‬ل أن نتط‪--‬رق إىل‬
‫دراسة األركان العامة للجرمية البد من متييز فكرة اجلرمية اجلنائية باملقارنة مع مفاهيم أخرى للجرمية‪.‬‬

‫‪‬أوال‪ :‬الجريمة الجنائية و الجريمة التأديبية‬


‫يقص ‪--‬د ب اجلرمية التأديبي ‪--‬ة ذل ‪--‬ك الفع ‪--‬ل ال ‪--‬ذي يعت ‪--‬رب خطئ ‪--‬ا أو تقص ‪-‬ريا من ط ‪--‬رف ش ‪--‬خص ينتمي إىل مهن ‪--‬ة و وظيف ‪--‬ة هلا ن ‪--‬وع من الص ‪--‬فة‬
‫العمومي‪-‬ة كم‪-‬ا ه‪-‬و الش‪-‬أن بالق‪-‬انون الت‪-‬أدييب ال‪-‬ذي خيض‪-‬ع ل‪-‬ه املوظ‪-‬ف العم‪-‬ومي عن‪-‬د إخالل‪-‬ه بواجبات‪-‬ه املهني‪-‬ة حس‪-‬ب ق‪-‬انون الوظيف‪-‬ة العمومي‪-‬ة‪،‬‬
‫أو بعض األنظم ‪--‬ة األساس ‪--‬ية املعم ‪--‬ول هبا يف ه ‪--‬ذا اجملال‪ .‬ك ‪--‬ذلك ميكن أن تث ‪--‬ور املس ‪--‬ؤولية التأديبي ‪--‬ة بالنس ‪--‬بة ملهن ‪--‬ة احملام ‪--‬اة أو الص ‪--‬يدليني‬
‫أواألطباء أو املهندسني املعماريني اخل‪.‬‬
‫و من أوجه التمايز بني الجريمة الجنائية و الجريمة التأديبية مسألة العقوبة حيث أن العقوبة التأديبية مستقلة عن العقوبة اجلنائية‪،‬‬
‫فكل واحدة منهما تستند إىل عناصر مستقلة‪ ،‬فقد تكون هناك جرمية تأديبية بدون أن تكون هلا صفة جنائية‪.‬‬
‫كما أنه ليست كل جرمية جنائية تشكل جرمية تأديبية‪.‬‬
‫و من أوجه التمايز كذلك بني اجلرميتني أن األفعال اليت تعترب جرائم تأديبية مل حيددها القانون على سبيل احلصر كما هو احلال يف‬
‫اجلرائم اجلنائية حيث يسود مبدأ شرعية التجرمي و العقاب‪.‬‬
‫كذلك ختتلف اجلرمية اجلنائية عن اجلرمية التأديبية من حيث طبيعة العقوبة اليت توقع على مرتكب اجلرمية‪ ،‬فالعقوبة اجلنائية هو اجلزاء‬
‫الذي يوقعه اجملتمع على اجملرم مؤاخذ ة له عما اقرتفه يف حني أن العقوبة التأديبية ال تراعى فيها إال مصلحة اجلهة اليت يتبعها املخالف‬
‫إدارة عمومية كانت أم هيئة مهنية‪.‬‬
‫هذا و جتدر اإلشارة إىل أن بعض اجلرائم و األخطاء التأديبية ميكن أن تكون موضوع متابعة تأديبية و جنائية يف نفس الوقت‪ .‬كما هو‬
‫الشأن بالنسبة جلرمية االرتشاء اليت احتاط النظام األساسي للوظيفة العمومية من أن يقع املوظف فيها‪.‬‬

‫‪‬ثانيا‪ :‬الجريمة الجنائية و الجريمة المدنية‬


‫تعترب اجلرمية املدنية مصدرا من مصادر االلتزام‪ ،‬و ميكن تعريفها باخلطأ الذي ينشئ الضرر امللزم للتعويض‪.‬‬
‫و يف هذا السياق ختتلف اجلرمية املدنية عن اجلرمية اجلنائية حبيث أن األوىل ال ميكن حصرها يف نصوص خاصة كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للجرمية اجلنائية‪.‬‬
‫و من جهة ثانية إن اجلزاء يف اجلرمية املدنية له طابع التعويض عما أصاب املضرور من ضرر‪ ،‬و هو خمتلف من حالة إىل أخرى‪ ،‬أما‬
‫اجلرمية اجلنائية فاجلزاء فيها حمدد سلفا وفقا للنصوص اجلنائية املعمول هبا‪.‬‬
‫و كما هو الشأن بالنسبة للجرائم التأديبية‪ ،‬فإن بعض األفعال قد تشكل جرمية جنائية و جرمية مدنية يف نفس الوقت – كما هو احلال‬
‫بالنسبة جلرمية القتل فقد يتابع اجلاين أمام القضاء اجلنائي مبقتضى الدعوى العمومية‪ ،‬و يف نفس الوقت يتابع أمام القضاء املدين بوصفه‬
‫مسؤوال مدنيا ملزما بالتعويض مبقتضى دعوى مدنية – تابعة أو مستقلة‪.‬‬

‫‪‬ثالثا‪ :‬الجريمة االجتماعية‬


‫يذهب بعض علماء اإلجرام إىل ضرورة التخلي عن المفهوم القانوني للجريمة و االقتصار على المفهوم االجتماعي‪ ،‬فاجلرمية هي‬
‫واقعة مادية قبل أن تكون واقعة قانونية ‪ .‬و من هذا املنطلق يرى الفقه ضرورة الرتكيز على اجلوانب اإلنسانية و االجتماعية باعتبارها‬
‫حقيقة إنسانية و اجتماعية‪.‬‬
‫و يف هذا اإلطار يرى البعض أن اجلرمية هي كل فعل خيالف الشعور العام للمجتمع على اعتبار أن اجلرمية ليست سوى تعبري عن نقص‬
‫اإلحساس بالتضامن االجتماعي لدى مرتكبها بسبب عدم تشبعه بالقيم و القواعد االجتماعية الالزمة للحفاظ على وجود اجلماعة‪.‬‬
‫و هن‪--‬اك اجتاه ي‪--‬دعو إىل الرب‪--‬ط بني املفه‪--‬ومني‪ :‬الق‪--‬انوين و االجتم‪--‬اعي للجرمية‪ ،‬فاجلرمية ال يقتص‪--‬ر وجوده‪--‬ا على وج‪--‬ود النص الق‪--‬انوين‪ ،‬ب‪--‬ل‬
‫إن وج‪--‬ود ه‪--‬ذا األخ‪--‬ري جيب أن يعكس نوع‪--‬ا من التن‪--‬اقض و التن‪--‬افر بني الفع‪--‬ل اجملرم و بني مص‪--‬لحة األف‪-‬راد و ك‪--‬ذلك مص‪--‬لحة اجملتم‪--‬ع‪ ،‬و‬
‫لقيام اجلرمية البد من ثالثة أركان‪ :‬الركن القانوين و الركن املادي مث الركن املعنوي وهو ما سندرسه تباعا‪.‬‬

‫‪‬ثالثا‪ :‬الجريمة االجتماعية‬


‫يذهب بعض علم ‪--‬اء اإلج‪- -‬رام إىل ض ‪--‬رورة التخلي عن المفه ]]وم الق ]]انوني للجريمة و االقتص ‪--‬ار على المفه ]]وم االجتم ]]اعي‪ ،‬فاجلرمية هي‬
‫واقع]ة مادي]ة قب‪--‬ل أن تك‪--‬ون واقع]ة قانوني]ة‪ .‬و من ه‪--‬ذا املنطل‪--‬ق ي‪--‬رى الفق‪--‬ه ض‪--‬رورة الرتك‪--‬يز على اجلوانب اإلنس‪--‬انية و االجتماعي‪--‬ة باعتباره‪--‬ا‬
‫حقيقة إنسانية و اجتماعية‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الركن القانوني‬
‫تقديم‪:‬‬

‫ال أح‪--‬د جيادل يف حري‪--‬ة تص‪--‬رفات الف‪--‬رد و نش‪--‬اطاته داخ‪--‬ل اجملتم‪--‬ع مبا ال خيالف الق‪--‬انون‪ ،‬حبيث ميكن‪--‬ه القي‪--‬ام جبمي‪--‬ع األعم‪--‬ال املباح‪--‬ة‬
‫على اعتب‪-‬ار أن األص‪-‬ل يف األش‪-‬ياء اإلباح‪-‬ة و االس‪-‬تثناء ه‪-‬و ت‪-‬دخل املش‪-‬رع بواس‪-‬طة قواع‪-‬د قانوني‪-‬ة آم‪-‬رة ليج‪-‬رم ه‪-‬ذا الفع‪-‬ل أو ذاك و حيدد ل‪-‬ه‬
‫بالتايل عقوبة زجرية يوقعها على كل مرتكبه‪.‬‬
‫و هك‪-‬ذا فالتنص‪-‬يص على جترمي س‪-‬لوك ض‪-‬ار أو م‪-‬ا يس‪-‬مى ب‪-‬الركن الق‪-‬انوين‪ /‬أو الش‪-‬رعي للجرمية يعت‪-‬رب من أوىل الش‪-‬روط ال‪-‬واجب التثبت‬
‫منه‪--‬ا قب‪--‬ل البحث عن األرك‪--‬ان الرئيس‪--‬ية األخ‪--‬رى للجرمية – ال‪--‬ركن املادي و ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي – ف‪--‬الركن الق‪--‬انوين للجرمية إذن عم‪--‬ل أو امتن‪--‬اع‬
‫جمرم مبقتضى القانون و معاقب عليه و بالتايل طرح فرضية علم اجلميع بعدم مشروعية هذا الفعل‪.‬‬
‫إذن فمن الب‪-‬ديهي أال يت‪-‬وفر ال‪-‬ركن الق‪-‬انوين يف س‪-‬لوك م‪-‬ا وص‪-‬فه بأن‪-‬ه جرمية إال إذا خض‪-‬ع لنص ق‪-‬انوين جيرم‪-‬ه و يع‪-‬اقب علي‪-‬ه ص‪-‬راحة‪ ،‬و‬
‫هو ما يرمز إليه مببدأ شرعية اجلرمية و العقوبة (المبحث األول)‪ ،‬مع عدم وجود نص يربره أو يبيحه (المبحث الثاني)‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مبدأ الشرعية و التجريم‬
‫إن وج‪-‬ود قاع‪-‬دة التج‪-‬رمي مس‪-‬ألة الب‪-‬د منه‪-‬ا كي تق‪-‬اس عليه‪-‬ا ب‪-‬اقي س‪-‬لوكات األف‪-‬راد و تص‪-‬رفاهتم لتت‪-‬اح بع‪-‬د ذل‪-‬ك فرص‪-‬ة متابع‪-‬ة أي ش‪-‬خص‬
‫بسبب فعله املخالف ملقتضيات القانون‪.‬‬
‫و حني نق‪-‬ول ب‪-‬أن ه‪-‬ذا الفع‪-‬ل جيب أن ي‪-‬دخل يف خان‪-‬ة األفع‪-‬ال اجملرم‪-‬ة قانون‪-‬ا فمع‪-‬ىن ه‪-‬ذا قابليت‪-‬ه ألن يك‪-‬ون س‪-‬ببا من أس‪-‬باب الت‪-‬ربير حبيث‬
‫أن الص‪-‬فة اجلرمي‪-‬ة للفع‪-‬ل ال‪-‬ذي خيض‪-‬ع لنص التج‪-‬رمي ميكن يف بعض احلاالت أن ترف‪-‬ع عنه‪-‬ا ص‪-‬فة ع‪-‬دم املش‪-‬روعية و يص‪-‬بح الفع‪-‬ل مباح‪-‬ا و‬
‫جائزا شرعا و قضاء كما هو احلال بالنسبة للدفاع الشرعي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ال جريمة و ال عقوبة إال بنص‬


‫الفرع األول‪ :‬التعريف بالمبدأ‬
‫إن مبدأ ال جرمية و ال عقوبة إال بنص يعين أن القانون هو املصدر الوحيد للتجرمي و العقاب‪ ،‬أي أن السلطة التشريعية هي اجلهة اليت‬
‫متلك حتديد األفعال اليت تعترب يف منظور اجملتمع جرائم وجب إنزال العقوبة على مرتكبيها‪.‬‬
‫و علي‪--‬ه فالقواع‪--‬د اآلم‪--‬رة للق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي هي األس‪--‬اس الق‪--‬انوين ال‪--‬ذي يس‪--‬توجب الرج‪--‬وع إلي‪--‬ه إض‪--‬افة إىل النص‪--‬وص و املواد املكمل‪--‬ة ل‪--‬ه و‬
‫املرتبطة به و هذا يف حد ذاته تصور ملسألة الشرعية اليت متثل املبدأ أعاله و الذي جيد جذوره يف الفكر القانوين منذ زمن بعيد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تأصيل المبدأ‬


‫‪‬البند األول‪ :‬في التشريع اإلسالمي‬
‫هذا املب‪--‬دأ ل‪--‬ه أص‪-‬وله التارخيي‪--‬ة اإلس‪--‬المية‪ ،‬و يكفي الق‪--‬ول أن الش‪-‬ريعة اإلس‪--‬المية ك‪--‬ان هلا الس‪--‬بق لإلعالن عن‪--‬ه بال‪--‬دليل القطعي للكت‪--‬اب و‬
‫الس ‪--‬نة حيث جند املوىل ع ‪--‬ز وج ‪--‬ل يق ‪--‬ول يف االي ‪--‬ة ‪ 15‬من س ‪--‬ورة اإلس ‪-‬راء‪ " :‬وم ‪--‬ا كن ‪--‬ا مع ‪--‬ذبني ح ‪--‬ىت نبعث رس ‪--‬وال"‪ ،‬كم ‪--‬ا ق‪--‬ال أيض ‪--‬ا‪" :‬إن ‪--‬ا‬
‫أرس‪-‬لناك ب‪-‬احلق بش‪-‬ريا و ن‪-‬ذيرا و إن من أم‪-‬ة إال خال فيه‪-‬ا ن‪-‬ذير" اآلي‪-‬ة ‪ 24‬من س‪-‬ورة ف‪-‬اطر‪ ،‬من هن‪-‬ا ميكن مالحظ‪-‬ة أن‪-‬ه ك‪-‬ان من ب‪-‬اب األوىل‬
‫على الدول اإلسالمية أن يأخذوا بعني االعتبار هذا املبدأ الصريح و ينصوا عليه يف دساتريهم منذ البداية‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬في القوانين األوربية‬
‫بالرجوع إىل الت‪-‬اريخ‪ ،‬فق‪-‬د عاش‪-‬ت أوروب‪-‬ا ف‪-‬رتة حرج‪-‬ة من الظلم و االس‪-‬تبداد و بالض‪-‬بط يف ف‪-‬رتة اإلقط‪-‬اع‪ ،‬حيث ك‪-‬انت اجلرائم و العقوب‪-‬ات‬
‫ختض‪-‬ع لس‪-‬لطة القط‪-‬اع الواس‪-‬عة و املطلق‪-‬ة مما دف‪-‬ع كث‪-‬ري من الفقه‪-‬اء آن‪-‬ذاك و على رأس‪-‬هم مونتس‪-‬يكيو‪ ،‬و روس‪-‬و‪ ،‬و بكاري‪-‬ا‪ ،‬و غ‪-‬ريهم‪ ،‬إىل‬
‫املطالبة باحلد من سلطة القاضي يف ميدان التجرمي‪ ،‬و املطالبة بسن معايري و ضوابط و منها ما يلي‪:‬‬
‫ضرورة الفصل بين كل من السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫فرض مبدأ المساواة في العقوبة دون تمييز بين عرق ولون‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫تناسب الجزاء مع شخصية المجرم‪ ،‬و مراعاة ظروف الجريمة و كذا جسامة الضرر‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫تحديد الجريمة و العقوبة البد أن يكون بقواعد صريحة و واضحة ال تتيح المجال الجتهاد القضاء‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫أن السلطة التشريعية هي التي تملك صالحية سن القواعد الجنائية‪.‬‬ ‫‪)5‬‬

‫فك‪-‬انت ه‪-‬ذه اآلراء الفقهي‪-‬ة مبثاب‪-‬ة الفيض ال‪-‬ذي أغ‪-‬رق أوروب‪-‬ا يف ص‪-‬راعات و ث‪-‬ورات‪ ،‬فق‪-‬امت الث‪-‬ورة الفرنس‪-‬ية على ي‪-‬د ن‪-‬ابليون ال‪-‬ذي أق‪-‬ر‬
‫املبدأ‪ - :‬ال جريمة و ال عقوبة إال بنص – في المادة الرابعة من القانون الجنائي الفرنسي لسنة ‪.1804‬‬
‫كم‪-‬ا ظه‪-‬ر املب‪-‬دأ يف اجنل‪-‬رتا على ي‪-‬د ملكه‪-‬ا آن‪-‬ذاك ج‪-‬ون فيم‪-‬ا اص‪-‬طلح علي‪-‬ه بالعه‪-‬د األعظم و ال‪-‬ذي منح‪-‬ه ه‪-‬ذا األخ‪-‬ري لرعاي‪-‬اه اإلجنل‪-‬يز‬
‫يف املادة ‪ 39‬و اليت تقول‪" :‬ال يمكن إنزال عقاب ما بأي إنسان حر إال بمحاكمة قانونية من أنداده طبقا لقانون البالد"‪.‬‬
‫و من‪--‬ذ ذل‪--‬ك احلني إىل وقتن‪--‬ا ه‪--‬ذا و املب‪--‬دأ املذكور يأخ‪--‬ذ يف االس‪--‬تقرار و الش‪--‬يوع إىل أن أص‪--‬بح مب‪--‬دأ مت‪--‬داوال يف ج‪--‬ل دس‪--‬اتري ال‪--‬دول‬
‫املتحض‪--‬رة‪ ،‬خاص‪--‬ة م‪--‬ع إقحام‪--‬ه يف امليث‪--‬اق الع‪--‬املي حلق‪--‬وق اإلنس‪--‬ان الص‪--‬ادر عن األمم املتح‪--‬دة س‪--‬نة ‪ 1948‬و ذل‪--‬ك يف املادة ‪ 11‬و ال‪--‬يت‬
‫تق‪--‬ول‪" :‬الي‪--‬دان أي ش‪--‬خص من ج‪-‬راء أداء عم‪--‬ل أو االمتن‪--‬اع عن أداء عم‪--‬ل إال إذا ك‪--‬ان ذل‪--‬ك يعت‪--‬رب جرم‪--‬ا وفق‪--‬ا للق‪--‬انون الوط‪--‬ين أو الدول‪--‬ة‬
‫وقت االرتكاب كذلك ال توقع عليه عقوبة أشد من تلك اليت كان جيوز توقيعها وقت ارتكاب اجلرمية"‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬القانون المغربي‬
‫املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب ب‪--‬دوره ك‪--‬ان حاض‪-‬را عن‪--‬دما تب‪--‬ىن مب‪--‬دأ الش‪--‬رعية س‪-‬واء يف ظ‪--‬ل الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي الق‪--‬دمي لس‪--‬نة ‪ 1953‬أو بالنس‪--‬بة للق‪--‬انون‬
‫اجلن‪-‬ائي املعم‪-‬ول ب‪-‬ه حالي‪-‬ا‪ ،‬حيث نص املش‪-‬رع يف األول‪ ،‬املادة الس‪-‬ابعة من‪-‬ه على أن‪-‬ه‪" :‬ال يمكن أن يحكم بأي]ة عقوب]ة ألج]ل جريم]ة نص‬
‫القانون عليها و على عقوبتها و ارتكبت بعد صدور هذا القانون‪ ،‬ما لم يقع النص على خالف ذلك"‪.‬‬
‫و من خالل بن‪-‬ود ه‪-‬ذا النص ميكن أن نس‪-‬تنتج حتف‪-‬ظ املش‪-‬رع إزاء أخ‪-‬ذه باملب‪-‬دأ كلي‪-‬ة حيث أت‪-‬اح الفرص‪-‬ة لرجعي‪-‬ة الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي اس‪-‬تثناء‬
‫من األص‪--‬ل الع‪--‬ام و ه‪--‬ذا م‪--‬ا طب‪--‬ق فعال يف العدي‪--‬د من احلاالت ن‪--‬ذكر منه‪--‬ا على س‪--‬بيل املث‪--‬ال ال احلص‪--‬ر ظه‪--‬ري ‪ 1985‬و ال‪--‬ذي ج‪--‬اء يف‬
‫فص‪-‬له الث‪-‬اين م‪-‬ا يلي‪ :‬إن مهم]ة اللجن]ة إص]دار العقوب]ات المنص]وص عليه]ا في الفص]ل الخ]امس اآلتي بع]ده في ظهيرن]ا الش]ريف ه]ذا‬
‫على جمي ]]ع األش]]خاص المنتمين إلى الجنس]]ية المغربي ]]ة الل ]]ذين ق]]اموا عن قص]]د و طواعي ]]ة ب]]دور حاس]]م في إع]]داد أو تنفي ]]ذ أو‬
‫توطي]د م]ؤامرة ‪ 20‬غش]ت ‪ 1953‬أو ارتكب]وا أعم]ال العن]ف ض]د الش]عب أو المق]اومين و ذل]ك من ت]اريخ ‪ 24‬ديس]مبر ‪1956‬‬
‫إلى غاية ‪ 16‬نوفمبر ‪.1955‬‬
‫أم ‪--‬ا يف الق ‪--‬انون اجلن ‪--‬ائي احلايل لس ‪--‬نة ‪ ،1962‬فاملالح ‪--‬ظ أن املش ‪--‬رع املغ ‪--‬ريب ك ‪--‬انت إرادت ‪--‬ه قوي ‪--‬ة يف تب ‪--‬ين مب ‪--‬دأ الش ‪--‬رعية حيث نص يف‬
‫الفص‪-‬ل الث‪-‬الث من‪-‬ه على "ال يس]وغ مؤاخ]دة أح]د على فع]ل ال يع]د جريم]ة بص]ريح الق]انون و ال معاقبت]ه بعقوب]ات لم يقرره]ا الق]انون"‬
‫كما نص يف الفصل الرابع على أنه "ال يؤاخد أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه"‪.‬‬
‫و إذا ك‪-‬ان ه‪-‬ذا موق‪-‬ف املش‪-‬رع ف‪-‬إن القض‪-‬اء املغ‪-‬ريب ب‪-‬دوره ق‪-‬د س‪-‬لك نفس املنحى حيث اخت‪-‬ار مس‪-‬ار تك‪-‬ريس مب‪-‬دأ الش‪-‬رعية يف ج‪-‬ل أحكام‪-‬ه‬
‫و قراراته و بالتايل احرتام قدسيته و عدم خرقه‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أهمية المبدأ‬


‫ميكن رصد أمهية مبدأ التجرمي والعقاب على املستويني‪:‬‬

‫المستوى األول‪:‬‬
‫المستوى الثاني‪:‬‬ ‫كون المبدأ يضع حدا فاصال بين األعمال المشروعة و‬
‫أن من شأن اإلقرار بالمبدأ تقبل الجميع للجزاء‬ ‫األعمال الغير مشروعة؛ فاألولى يجوز للفرد القيام بها‬
‫الجنائي‪ ،‬لكونه وسيلة الردع المتفق عليها‪ ،‬و بالتالي‬ ‫بكل اطمئنان‪ ،‬بينما الثانية يتابع عنها‪ ،‬بل و تقرر لها‬
‫يسهل التمييز بين المجرم و غيره‪.‬‬ ‫عقوبة زجرية نظرا لمخالفتها المصلحة العامة‪.‬‬

‫إذن فمبدأ الشرعية مبدأ يكتسي األمهية العملية عند املثول أمام القضاء بسبب دعوى جنائية ينتظر أطرافها تطبيق العدالة‪ ،‬هنا تربز‬
‫أمهية املبدأ حيث يضمن حقوق املتقاضني و يكفل حرياهتم‪ ،‬إال أنه مع ذلك مل يسلم من العديد من االنتقادات و املآخذ و اليت ال‬
‫تنقص من قيمته شيئا‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬نقد المبدأ‬

‫من خال املش ‪--‬ينة مم ا س ‪--‬بق‪ ،‬فكث ‪--‬ري من الفقه ‪--‬اء يش ‪--‬هدون ملب ‪--‬دأ الش ‪--‬رعية بالعدي ‪--‬د من املزاي ‪--‬ا و على رأس ‪--‬ها ض]]مان الحماي]]ة القانوني]]ة‬
‫لألشخاص و توفيره نوع من االستقرار داخل المجتمع‪،‬‬
‫إال أن موق‪-‬ف فقهي خمالف ح‪-‬اول التقلي‪-‬ل من أمهي‪-‬ة ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ على أس‪-‬اس أن حتدي‪-‬د قائم‪-‬ة اجلرائم و ك‪-‬ذا العقوب‪-‬ات املق‪-‬ررة هلا من ش‪-‬أنه‬
‫أن يفتح الب‪--‬اب أم‪--‬ام بعض األش‪--‬خاص الس‪--‬تغالل الوض‪--‬ع وارتك‪--‬اب أفع‪--‬ال خمل‪--‬ة بالنظ‪--‬ام الع‪--‬ام و مض‪--‬رة ب‪--‬اجملتمع دون أن تك‪--‬ون جمرم‪--‬ة في‪--‬ه‪،‬‬
‫ذل‪-‬ك أن القاع]دة الجنائي]ة ال يمكنه]ا أن تس]ابق مس]تجدات املي‪-‬دان العلمي و التكنول‪-‬وجي‪ ،‬من هن‪-‬ا إمكاني‪-‬ة وج]ود أفع]ال مس]تجدة و‬
‫ذات خط]ورة على المجتم]ع إال أن الق]انون لم يتناولها ب]التجريم و العق]اب‪ ،‬وم‪-‬ع األخ‪-‬ذ مبب‪-‬دأ ال جرمية و ال عقوب‪-‬ة إال بنص ف‪-‬أن ه‪-‬ذه‬
‫األفعال تاحة و ال عقوبة على القيام هبا‪ ،‬مما يتعارض مع منطق العدل و اإلنصاف‪.‬‬
‫و يض‪-‬يف ه‪-‬ذا ال‪-‬رأي الفقهي أن مجود قواع‪-‬د الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬و على رأس‪-‬ها املب‪-‬دأ املذكور ي‪-‬ؤثر س‪-‬لبا على العم‪-‬ل القض‪-‬ائي‪ ،‬و ال يفتح‬
‫ل‪--‬ه اجملال األوس‪--‬ع لالجته‪--‬اد و إعم‪--‬ال س‪--‬لطته التقديري‪--‬ة‪ ،‬فتط‪--‬بيق املب‪--‬دأ يقي‪--‬د حتم‪--‬ا حري‪--‬ة القاض‪--‬ي عن‪--‬د تعاطي‪--‬ه م‪--‬ع وق‪--‬ائع القض‪--‬ية املعروض‪--‬ة‬
‫عليه‪ ،‬و بالتايل يصعب عليه اختاذ اإلجراءات األقرب إىل الواقع كاختياره للتدابري املناسبة لشخص اجلاين‪.‬‬
‫وعلى العم‪--‬وم فه‪--‬ذه املآخ ‪-‬ذ ال ت‪--‬ؤثر على املب‪--‬دأ ودوره‪ ،‬إذ ميكن مالحظ‪--‬ة أن املش‪--‬رع عن‪--‬د حتدي‪--‬ده ألي عقوب‪--‬ة ق‪--‬د أخ‪--‬ذ بعني االعتب‪--‬ار‬
‫الس‪-‬لطة التقديري‪-‬ة للقاض‪-‬ي‪ ،‬حبيث وض‪-‬ع لك‪-‬ل عقوب‪-‬ة ح‪-‬دين ح‪-‬د أدىن و آخ‪-‬ر أقص‪-‬ى‪ ،‬كم‪-‬ا نص على جمموع‪-‬ة من العقوب‪-‬ات املتفاوت‪-‬ة لنفس‬
‫اجلرمية و ذلك هبدف ترك فسحة أمام القاضي ليجتهد و خيتار العقاب املناسب لتحقيق عدالة أكثر‪.‬‬
‫و ردا على االنتق‪-‬ادات الس‪-‬ابقة‪ ،‬هن‪-‬اك من ي‪-‬رى و عن ح‪-‬ق أن أغلب التش‪-‬ريعات ب‪-‬دأت متي‪-‬ل يف ص‪-‬ياغتها للقاع‪-‬دة اجلنائي‪-‬ة إىل العم‪-‬وم‬
‫و اإلطالق حىت يستطيع القضاء التدخل بدوره اإلجيايب و يكيف الكثري من األفعال ضمن القاعدة اجلنائية اليت يراها مطابقة‪.‬‬
‫أض‪-‬ف إىل ه‪-‬ذا أن بإمك‪-‬ان املش‪-‬رع أن يس‪-‬تعمل عن‪-‬د ص‪-‬ياغته للنص التج‪-‬رميي اص‪-‬طالحات تض‪-‬من حتقي‪-‬ق الت‪-‬وازن بني املص‪-‬لحة العام‪-‬ة و‬
‫املص‪-‬لحة اخلاص‪-‬ة‪ ،‬ويبتع‪-‬د عن العب‪-‬ارات الض‪-‬يقة ال‪-‬يت ال تس‪-‬مح إال ب‪-‬التطبيق احلريف و اجلاف‪ ،‬وعن تل‪-‬ك الواس‪-‬عة ال‪-‬يت ت‪-‬تيح ألص‪-‬حاب النواي‪-‬ا‬
‫السيئة فرصة إهدار حقوق غريهم‪.‬‬
‫هذا و ال ينبغي أن ننعت املش‪--‬رع بع‪--‬دم مواكبت‪--‬ه لألح‪--‬داث‪ ،‬فه‪--‬و يس‪--‬تطيع الت‪--‬دخل دوم‪--‬ا و بعجال‪--‬ة لتج‪--‬رمي أي فع‪--‬ل وق‪--‬ع اإلمجاع على‬
‫جترميه‪.‬‬
‫و هك ‪--‬ذا ك ‪--‬ان األح ‪--‬رى ع ‪--‬دم الطعن يف املب ‪--‬دأ ب ‪--‬ل ال ‪--‬دعوة إىل التلطي ‪--‬ف من ص ‪--‬ياغته بالكيفي ‪--‬ة ال ‪--‬يت يس ‪--‬هل هبا إقح ‪--‬ام مجي ‪--‬ع األفع ‪--‬ال‬
‫املستجدة و اليت قد تشكل خطرا مستقبال على اجملتمع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬رصد قواعد القانون الجنائي‬
‫إذا سلمنا أن الركن القانوين للجرمية يتمثل يف وجود قاعدة قانونية جترم الفعل و تعاقب عليه فإن هناك عدة شروط جيب توفرها لتوصف‬
‫هذه القاعدة بأهنا مصدر للتجرمي و العقاب‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬وجود نص تشريعي مكتوب‬


‫ال بد من وجود نص تشريعي مكتوب صادر عن سلطة خمتصة هلا حق جترمي األفعال و املعاقبة على القيام هبا‪ ،‬و مبفهوم املخالفة فإن‬
‫القواعد العرفية و الفقهية و كذا القضائية ال تعتمد‪ ،‬نظرا للصعوبات اليت قد تأيت من ورائها كجهل األفراد هبا أو لغموضها أو تناقض‬
‫بعضها مع البعض ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫و ه‪--‬ذا النص المكت]]وب جيب إذن أن يص‪--‬در عن الس‪--‬لطة التش ‪-‬ريعية ال‪--‬يت خ‪--‬ول هلا الدس‪--‬تور ه‪--‬ذه الص‪--‬الحية بص ‪-‬ريح الفص‪--‬ل ‪ 71‬من‬
‫دس‪-‬تور ‪ 2011‬و ال‪-‬ذي يق‪-‬ول‪ " :‬خيتص الق‪-‬انون باإلض‪-‬افة إىل املواد املس‪-‬ندة إلي‪-‬ه ص‪-‬راحة بفص‪-‬ول أخ‪-‬رى من الدس‪-‬تور بالتش‪-‬ريع يف املي‪-‬ادين‬
‫التالي ‪--‬ة‪ ...:‬تحدي ]]د الج ]رائم و العقوب ]]ات الجاري ]]ة عليه ]]ا و المس ]]طرة الجنائي ]]ة و المس ]]طرة المدني ]]ة و التنظيم القض ]]ائي وإح ]]داث‬
‫أصناف جديدة من المحاكم"‪...‬‬
‫إذن فالس‪-‬لطة املختص‪-‬ة بالتش‪-‬ريع فيم‪-‬ا خيص الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي هي الس‪-‬لطة التش‪-‬ريعية‪ ،‬إال أن الدس‪-‬تور ق‪-‬د أش‪-‬رك معه‪-‬ا يف بعض احلاالت‬
‫الس‪--‬لطة التنفيذي‪--‬ة إلص‪--‬دار مراس‪--‬يم‪ -‬ق‪-‬وانني‪ ،‬طبق‪--‬ا للفص‪--‬ل ‪ 81‬يف الف‪--‬رتة الفاص‪--‬لة بني ال‪--‬دورات جيب عرض‪--‬ها بقص‪--‬د املص‪--‬ادقة عليه‪--‬ا من‬
‫طرف الربملان خالل دورته العادية ‪.‬‬
‫وق‪-‬د أبقى دس‪-‬تور ‪ 2011‬على إمكاني‪-‬ة ت‪-‬دخل املل‪-‬ك بظهريحلل جملس‪-‬ي الربملان طبق‪-‬ا للم‪-‬ادة ‪ ،96‬وك‪-‬ذا اختص‪-‬اص املل‪-‬ك بالس‪-‬هر على‬
‫ص‪--‬يانة حق]وق وحري]ات المواط]نين والمواطن]ات وهي من امله‪--‬ام ال‪--‬يت ميارس‪--‬ها مبقتض‪--‬ى ظهائرطبق‪--‬ا للفص‪--‬ل ‪ 42‬من الدس‪--‬تور ‪ ،‬ف‪--‬إذا ك‪--‬ان‬
‫موض‪-‬وع ت‪-‬دخل احلكوم‪-‬ة يف جمال الق‪-‬انون بني ال‪-‬دورات يط‪-‬ال ك‪-‬ل اجلوانب ال‪-‬واردة يف جمال الق‪-‬انون‪ ،‬ف‪-‬إن موض‪-‬وع ت‪-‬دخل املل‪-‬ك يط‪-‬ال بدق‪-‬ة‬
‫متناهي‪--‬ة حق]وق وحري]ات المواط]نين والمواطن]ات وهي احلق‪--‬وق ال‪--‬يت يص‪--‬وهنا الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي واملس‪-‬طرة اجلنائي‪--‬ة من التع‪--‬دي واالس‪--‬تيالب‬
‫بشكل مدقق‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عمومية القاعدة التشريعية و تجريدها‬
‫الب‪-‬د أن ت‪-‬أيت القاع‪-‬دة التش‪-‬ريعية موص‪-‬وفة ب]العموم و التجري]د‪ ،‬فال تتوج‪-‬ه لف‪-‬رد معني بذات‪-‬ه‪ ،‬ب‪-‬ل هي مق‪-‬ررة لك]ل المخ]اطبين بها‪ ،‬س‪-‬واء‬
‫أكانوا ذكورا أو إناثا وطنيين أم أجانب‪."...‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬استنفاد القانون الجنائي الجديد للمراحل التشريعية‬
‫ضرورة أن يستكمل القانون اجلنائي اجلديد مجيع املراحل التشريعية و اليت تبتدئ باقرتاح القانون سواء من قبل جملسي النواب أو‬
‫احلكومة مث تتم مناقشته مث التصويت عليه و إصداره و أخريا التصديق عليه من قبل امللك ليتم نشره بعد ذلك يف اجلريدة الرمسية ليصري‬
‫نافذا و ساري املفعول‪...‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تفسير قواعد القانون الجنائي‬
‫إن أول م‪-‬ا يق‪-‬وم ب‪-‬ه القاض‪-‬ي عن‪-‬دما تع‪-‬رض علي‪-‬ه قض‪-‬ية م‪-‬ا ه‪-‬و تفس‪-‬ري القواع‪-‬د القانوني‪-‬ة القريب‪-‬ة منه‪-‬ا‪ ،‬أي التوص‪-‬ل إىل معناه‪-‬ا و اس‪-‬تلهام‬
‫نية املشرع من وراء إنشائها‪ ،‬و بعد ذلك التأكد من مدى مطابقة القاعدة اجلنائية املختارة للواقعة املعروضة‪.‬‬
‫و املالح‪--‬ظ أن التفس‪--‬ري يف الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ل‪--‬ه ع‪--‬دة خص‪--‬ائص ينف‪--‬رد هبا عن ب‪--‬اقي التفاس‪--‬ري ال‪--‬يت حتكم ب‪--‬اقي الق‪-‬وانني األخ‪--‬رى‪ ،‬أمهه‪--‬ا‬
‫متيزه وانف‪-‬راده بتط‪--‬بيق قاع‪--‬دة رئيس‪--‬ية تتف‪--‬رع عنه‪--‬ا قواع‪--‬د أخ‪--‬رى و هي‪ :‬التفس]ير الض]يق لمص]لحة المتهم‪ ،‬فم‪--‬ا هي ي‪--‬ا ت‪--‬رى ه‪--‬ذه القاع‪--‬دة‬
‫العامة وكذا القواعد املتفرعة عنها؟‬
‫الفرع األول‪:‬قاعدة التفسير الضيق لصالح المتهم‬
‫إن القاضي اجلنائي مطالب قبل أن يصدر قراره يف قضية ما‪ ،‬أن يبين هذا القرار على الحقيقة اليقينية التامة‪ ،‬إذ عليه أن يتأكد‬
‫من أن القاعدة اجلنائية اليت اعتمدها هي اليت تنطبق يف مضموهنا و شكلها الواقعة املعروضة أمامه‪.‬‬
‫وأخ‪--‬ذا بعني االعتب‪--‬ار ح‪--‬االت غم]]وض النص أو تع]]ارض م‪--‬ع نص جن‪--‬ائي آخ‪--‬ر أو قص‪--‬وره عن اس‪--‬تيعاب مجي‪--‬ع احلاالت من جه‪--‬ة‪ ،‬و من‬
‫جه‪-‬ة أخ‪-‬رى مراع‪-‬اة مب‪-‬دأ ال جرمية و ال عقوب‪-‬ة إال بنص‪ ،‬ف‪-‬إن مهم‪-‬ة القاض‪-‬ي اجلن‪-‬ائي تب‪-‬دو ص‪-‬عبة و غ‪-‬ري يس‪-‬رية‪ ،‬على اعتب‪-‬ار أن ه‪-‬ذا األخ‪-‬ري‬
‫مطالب بعدم إهدار مبدأ الشرعية و عدم االنزالق يف التوسع عند تفسري القاعدة‪.‬‬
‫و للخ‪-‬روج من ه‪-‬ذا املأزق‪ ،‬أوجب املش‪-‬رع املغ‪-‬ريب على القاض]ي اح]ترام مب]دأ تفس]ير النص الجن]ائي تفس]يرا ض]يقا‪ ،‬فال ميكن‪-‬ه التوس‪-‬ع يف‬
‫هذا التفسري حىت ال ميطط من نطاق هذا النص فيشمل أفعاال مل جترم و مل حيدد هلا عقاب‪ ،‬و مثاله‪:‬‬
‫‪ ‬من اكترى عينا أو دخل سوقا تجاريا و طلب كل ما يلزمه من مواد غذائية و أثاث منزلي و هو ال يملك درهما يحمله معه؛‬
‫‪‬أو من ركب سيارة لألجرة و هو ال يملك بدوره ما يدفعه للسائق‪.‬‬
‫فه‪-‬ذه احلاالت و غريه‪-‬ا و قب‪-‬ل أن جيرمه‪-‬ا املش‪-‬رع بنص‪-‬وص ص‪-‬رحية ك‪-‬ان يص‪-‬عب على القاض‪-‬ي إحلاقه‪-‬ا جبرمية الس‪-‬رقة‪ ،‬نظ‪-‬را اللتزام‪-‬ه‬
‫مبب‪-‬دأ التفس‪-‬ري الض‪-‬يق للقاع‪-‬دة اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬و أيض‪-‬ا لع‪-‬دم ت‪-‬وفر عنص‪-‬ر االختالس يف ه‪-‬ذه اجلرائم كم‪-‬ا ه‪-‬و احلال يف جرمية الس‪-‬رقة‪،"...‬‬
‫فلم يس‪--‬تطع القض‪--‬اء يف البداي‪--‬ة جترمي ه‪--‬ذه األفع‪--‬ال من تلق‪--‬اء نفس‪--‬ه‪ ،‬و ذل‪--‬ك ب‪--‬اللجوء إىل التفس‪--‬ري املوس‪--‬ع للنص إىل أن ت‪--‬دخل‬
‫املش‪-‬رع بنص‪-‬وص ص‪-‬رحية ليجرمه‪-‬ا و يع‪-‬اقب ك‪-‬ل من ق‪-‬ام هبا‪ ،‬و ال نع‪-‬ين أن يفهم من ه‪-‬ذا املنحى إل‪-‬زام القاض‪-‬ي بالتفس‪-‬ري اللفظي و‬
‫املقنن للقاع ‪--‬دة اجلنائي ‪--‬ة‪ ،‬وإال ف ‪--‬إن ه ‪--‬ذا املوق ‪--‬ف س ‪--‬وف يف ‪--‬رغ القض ‪--‬اء من س ‪--‬لطته أص ‪--‬ال و جيعل ‪--‬ه قض ‪--‬اء آلي ‪--‬ا ال يتج ‪--‬اوب م ‪--‬ع‬
‫التطورات و املتغريات‪ ،‬و قد يكون سببا لتأثري اللفظ على القصد‪ ،‬و هو ما ال يتماشى و املنطق السليم” مث‬
‫إن اهلدف الرئيس‪--‬ي من جلوء القاض‪--‬ي إىل تفس‪--‬ري النص‪--‬وص ه‪--‬و الكش‪--‬ف عن ني‪--‬ة املش‪--‬رع و استحض‪--‬ارها‪ ،‬و ألج‪--‬ل ذل‪--‬ك يبحث‬
‫جاه‪--‬دا يف األعم‪--‬ال التحض‪-‬ريية و املش‪--‬اريع التمهيدي‪--‬ة و ك‪--‬ذا املذكرات التوض‪--‬يحية للنص اجلن‪--‬ائي‪ ،‬ك‪--‬ل ذل‪--‬ك بغي‪--‬ة حتدي‪--‬د املع‪--‬ىن‬
‫احلقيقي و الص‪--‬حيح لأللف‪--‬اظ ال ‪-‬واردة خاص‪--‬ة عن‪--‬د قي‪--‬ام التع‪--‬ارض الص ‪-‬ريح أو الض‪--‬مين بني املص‪--‬طلحات ‪ ،‬وهن‪--‬ا ال يس‪--‬عه س‪--‬وى‬
‫االجته‪-‬اد يف إط‪-‬ار س‪-‬لطته التقديري‪-‬ة م‪-‬ع األخ‪-‬ذ بعني االعتب‪-‬ار املب‪-‬دأ أعاله أي تفس‪-‬ري النص تفس‪-‬ريا ض‪-‬يقا ملص‪-‬لحة املتهم و أيض‪-‬ا‬
‫باقي القواعد األخرى املتفرعة عنه‪...‬‬
‫الفرع الثاني‪" :‬القواعد الناشئة عن مبدأ التفسير الضيق لمصلحة المتهم”‬
‫‪‬البند األول‪ :‬منع استعمال القياس في القانون الجنائي‬
‫مض‪-‬مون ه‪-‬ذه القاع‪-‬دة أن‪-‬ه ال ينبغي على القاض‪-‬ي أن يقيس واقع‪-‬ة مل ي‪-‬رد نص بتجرميه‪-‬ا على واقع‪-‬ة ورد النص بتجرميه‪-‬ا‪ ،‬ول‪-‬و‬
‫كانتا متطابقتني مع بعضهما البعض‪ ،‬ألن ذلك يعين إنشاء جرائم و عقوبات غري مقررة أصال يف القانون اجلنائي‪.‬‬
‫و ال ش‪--‬ك أن القي‪--‬اس يف النص اجلن‪--‬ائي خيل‪--‬ق ج‪-‬رائم جدي‪--‬دة و عقوب‪--‬ات جدي‪--‬دة‪ ،‬و ه‪--‬ذا يتع‪--‬ارض م‪--‬ع مب‪--‬دأ الش‪--‬رعية‪ ،‬مث إن‬
‫األخ‪-‬ذ بالقي‪-‬اس يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة معن‪-‬اه أن القاض‪-‬ي ق‪-‬د أص‪-‬بح مش‪-‬رعا جنائي‪-‬ا‪ ،‬و ه‪-‬و م‪-‬ا ليس من اختصاص‪-‬ه‪ ،‬و كمث‪-‬ال ملا ذك‪-‬ر م‪-‬ا‬
‫نص عليه الفصل ‪ 571‬من القانون اجلنائي الذي يعاقب كل من أخفى األشياء املتحصل عليها من جناية أو جنحة ال‬
‫يق‪-‬اس علي‪-‬ه من أخفى األش‪-‬ياء املتحص‪-‬ل عليه‪-‬ا من خمالف‪-‬ة‪ ،‬ك‪-‬ذلك األم‪-‬ر بالنس‪-‬بة ملن س‪-‬رق م‪-‬اال بقص‪-‬د إض‪-‬اعته و حرم‪-‬ان ص‪-‬احبه‬
‫منه ال يقاس عليه من اقرتض ماال و مل يقم برد ما اقرتضه يف التاريخ احملدد‪.‬‬
‫و على العم‪-‬وم ف‪-‬إن القي‪-‬اس مس‪-‬ألة حمظ‪-‬ورة على القض‪-‬اء‪ ،‬تفادي‪-‬ا خلل‪-‬ق ج‪-‬رائم أو توقي‪-‬ع عقوب‪-‬ات غ‪-‬ري منص‪-‬وص عليه‪-‬ا‪ ،‬إال أن كث‪-‬ريا‬
‫من الفقه‪--‬اء يعتق‪--‬دون يف جوازي‪--‬ة اللج‪--‬وء إىل ه‪--‬ذا القي‪--‬اس كلم‪--‬ا تعل‪--‬ق بس‪--‬بب من أس‪--‬باب الت‪-‬ربير أو م‪--‬انع من موان‪--‬ع املس‪--‬ؤولية أو‬
‫م‪-‬انع من موان‪-‬ع العق‪-‬اب‪ ،‬ألن القي‪-‬اس يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة ال يعت‪-‬رب خرق‪-‬ا ملب‪-‬دأ الش‪-‬رعية‪ ،‬بق‪-‬در م‪-‬ا يتماش‪-‬ى مع‪-‬ه‪ ،‬ألن‪-‬ه ال ينش‪-‬أ جرمية و ال‬
‫عقوبة بل حيافظ على حقوق األفراد ويراعي مصاحلهم انطالقا من قاعدة األصل يف األشياء اإلباحة‪.‬‬
‫‪ ‬البند الثاني‪ :‬ال يجوز إتمام قاعدة جنائية يعتريها نقص‬
‫إىل ج‪--‬انب القاع‪--‬دة األوىل‪ ،‬ال جيوز ك‪--‬ذلك للقاض‪--‬ي اجلن‪--‬ائي إكم‪--‬ال النص ال‪--‬ذي تش‪--‬وبه ثغ‪--‬رة أو نقص‪--‬ان‪ ،‬ف‪--‬إذا م‪--‬ا ج‪--‬رم املش‪--‬رع‬
‫فعال معين‪--‬ا دون أن حيدد ل‪--‬ه عقوب‪--‬ة جنائي‪--‬ة معين‪--‬ة‪ ،‬مين‪--‬ع على القض‪--‬اء االجته‪--‬اد خبل‪--‬ق ج‪-‬زاء جن‪--‬ائي للمتهم ب‪--‬دعوى تكمل‪--‬ة النص‬
‫الن‪--‬اقص‪ ،‬و مث‪--‬ال م‪--‬ا ج‪--‬اء يف الفص‪--‬ل ‪ 19‬من ق‪--‬انون األح ‪-‬وال الشخص‪--‬ية الس‪--‬ابق – (مت االس‪--‬تغناء عن ه‪--‬ذا الفص‪--‬ل يف مدون‪--‬ة‬
‫األسرة اجلديدة) – حيث يقول "مينع‬
‫أن يأخذ الوايل أب أو غريه من اخلاطب شيئا لنفسه مقابل تزوجيه ابنته أو من له الوالية عليها"‪.‬‬
‫فمن خالل منط‪--‬وق ه‪--‬ذا الفص‪--‬ل ف‪--‬إن املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب مل حيدد عقوب‪--‬ة معين‪--‬ة على إتي‪--‬ان الفع‪--‬ل املمن‪--‬وع‪ ،‬و علي‪--‬ه ال ينبغي على‬
‫القاض‪--‬ي و احلال‪--‬ة ه‪--‬ذه إمتام النص املذكور و إص‪--‬دار عقوب‪--‬ة م‪--‬ا إذا ثبت ل‪--‬ه أن ال ‪-‬وايل أخ‪--‬ذ مبلغ‪--‬ا من املال من اخلاطب و تنزي‪--‬ل‬
‫سلوك هذا مبنزلة النصب‪ ،‬أو الرشوة‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬يفسر النص الغامض دوما لفائدة المتهم‬
‫عن‪--‬دما يك‪--‬ون النص غامض‪--‬ا‪ ،‬يتعني على القاض‪--‬ي تفس‪--‬ريه ملعرف‪--‬ة ني‪--‬ة املش‪--‬رع من إص‪--‬داره‪ ،‬لكن إذا بل‪--‬غ ه‪--‬ذا الغم‪--‬وض درج‪--‬ة‬
‫يس‪--‬تحيل معه‪--‬ا كش‪--‬ف ه‪--‬ذا القص‪--‬د رغم الرج‪--‬وع إىل م‪--‬ا ذكرن‪--‬اه آنف‪--‬ا من أعم‪--‬ال حتض‪-‬ريية و أوراق متهيدي‪--‬ة إلنش‪--‬اء النص‪ ،‬حبيث‬
‫يظ‪-‬ل ع‪-‬دم فهم ه‪-‬ذا النص و تفس‪-‬ريه عائق‪-‬ا أم‪-‬ام ص‪-‬دور حكم ع‪-‬ادل و نزي‪-‬ه‪ ،‬وجب إص‪-‬دار احلكم ب‪-‬الرباءة أي تب‪-‬ين قاع‪-‬دة الش‪-‬ك‬
‫يفسر ملصلحة املتهم‪ ،‬وهو ما أمجع أغلب الفقه عليه كمخرج قانوين يستجيب ملبدأ الشرعية‪.‬‬
‫‪‬البند الرابع‪ :‬المرجحات التي تحكم ظاهرة التنازع بين القواعد الجنائية‬
‫قد جيد القاض‪-‬ي نفس‪-‬ه أم‪-‬ام نص‪-‬ني أو أك‪-‬ثر حيكم‪-‬ان نفس الواقع‪-‬ة املعروض‪-‬ة أمام‪-‬ه لوج‪-‬ود قاس‪-‬م مش‪-‬رتك بينهم‪-‬ا‪ ،‬فيحت‪-‬ار أيهم‪-‬ا‬
‫يستند عليه لبناء حكمه‪.‬‬
‫أم‪-‬ام ه‪-‬ذا اإلش‪-‬كال اس‪-‬تنبط فقه‪-‬اء الق‪-‬انون ع]دة وس]ائل للتج]ريم و ذل‪-‬ك هبدف القض‪-‬اء على ظ‪-‬اهرة التن‪-‬ازع ه‪-‬ذه و منه‪-‬ا م‪-‬ا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬إعطاء األولوية للنص الخاص على النص العام‪ :‬و مثال ذلك وقوع تنازع ما بني الفصلني ‪ 392‬من القانون اجلنائي‬
‫الذي ينص على عقوبة القتل العمد و الفصل ‪ 396‬من القانون اجلنائي الذي يتحدث عن عقوبة اإلعدام لكل من قتل‬
‫أحد أصوله‪ ،‬ففي حالة توجيه االهتام للجاين طبقا للمادة األخرية ـالفصل ‪ 396‬ـ وجب على القاضي بناء حكمه على‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 396‬على أساس تقييده بأسبقية النص اخلاص على العام‪.‬‬
‫‪ .2‬تطبيق النص الشامل دون النص القصير‪ :‬و مثال ذلك حاليت اجلرمية المتدرجة و اجلرمية المركبة ففي احلالة األوىل‬
‫تدرج فعل الجاني من الشروع في الجريمة إلى غاية إتمامها‪ ،‬كذلك يعاقب الفاعل يف اجلرمية التامة لكوهنا استوعبت‬
‫الشروع أصال‪.‬‬
‫و نفس املب ‪--‬دأ يس ‪--‬ري على اجلرمية المركب ]]ة‪ ،‬مث ‪--‬ال ذل ‪--‬ك القي ‪--‬ام جبرمية الس ‪--‬رقة ليال م ‪--‬ع تس ‪--‬لق اجلدران و اللج ‪--‬وء إىل وس ‪--‬يلة‬
‫الكس ‪--‬ر‪ ،‬حيث تطب ‪--‬ق على ه ‪--‬ذه اجلرمية املركب ‪--‬ة مقتض ‪--‬يات الفص ‪--‬ل ‪ 510‬من ق‪.‬ج على أس ‪--‬اس أن ه ‪--‬ذا اجلرم مق ‪--‬رتن بظ ‪--‬روف‬
‫التش‪--‬ديد‪ ،‬و ال تس‪--‬ري علي‪--‬ه مقتض‪--‬يات الفص‪--‬ل ‪ 505‬من ق‪.‬ج ال‪--‬ذي يتح‪--‬دث عن حال‪--‬ة الس‪--‬رقة البس‪--‬يطة‪ ،‬و ال أيض‪--‬ا الفص‪--‬ل‬
‫‪ 441‬الذي يتضمن حالة اقتحام مسكن الغري ليال أو كسره دون نية السرقة‪.....‬‬
‫‪ .3‬االعتم ]]اد على النص األص ]]لي دون النص االحتي ]]اطي‪ :‬إذ ال جيوز للقاض‪-- -‬ي مثال االرتك‪-- -‬از يف حال‪-- -‬ة الس‪-- -‬رقة على نص‬
‫احتياطي‪ ،‬بل عليه الرجوع إىل النص األصلي الذي حيدد جرمية السرقة و عقوبتها باعتبار أن هذه األخرية قد متت‪.‬‬
‫باختصار فهذه جممل القواعد اليت يتعني على القاضي اجلنائي أخذها يف احلسبان و بالتايل إعماله ملبدأ التفسري الضيق ملصلحة‬
‫املتهم‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نطاق تطبيق قواعد القانون الجنائي‬
‫موازاة م‪-‬ع م‪-‬ا ذك‪-‬ر خبص‪-‬وص تفس‪-‬ري القاع‪-‬دة اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬فهن‪-‬اك جمموع‪-‬ة من املب‪-‬ادئ ال‪-‬يت حتكم تط‪-‬بيق القاع‪-‬دة اجلنائي‪-‬ة على القض‪-‬اء‬
‫مراعاهتا أيض‪-‬ا‪ ،.....‬أي أن على القاض‪-‬ي اجلن‪-‬ائي و ه‪-‬و يبحث يف م‪-‬دى ت‪-‬وفر ال‪-‬ركن الق‪-‬انوين للجرمية التثبت من نط‪-‬اق وح‪-‬دود‬
‫تطبيق هذه القاعدة اجملرمة للفعل‪ ،‬مث حتديد زمان ارتكاب اجلرمية و كذا موقعها‪.‬‬
‫و عليه لإلحاطة أكثر هبذا املوضوع ـ نطاق تطبيق القواعد اجلنائية ـ ميكن تناوله وفق الشكل اآليت‪:‬‬
‫‪‬نطاق تطبيق القاعدة اجلنائية من حيث الزمان‬
‫‪‬نطاق تطبيق القاعدة اجلنائية من حيث المكان‬
‫الفرع األول‪ :‬نطاق تطبيق القاعدة الجنائية من حيث الزمان‬
‫من البديهي أن تكون قواعد القانون اجلنائي كمثيالهتا يف القوانني األخرى قابلة لإللغاء حني يتبني عدم جدواها سواء أكان‬
‫ذلك اإللغاء صراحة أو ضمنيا‪.‬‬
‫ففي احلالة األوىل يأيت اإللغاء صرحيا بقاعدة جديدة تضع حدا للعمل بالنص القدمي‪ ،‬أما احلالة الثانية ( اإللغاء الضمين)‪،‬‬
‫فتتمثل يف صدور قاعدة جديدة تتضمن حمتواها القدمي‪ ،‬و لكن بآثار و أحكام خمالفة ملا جاء يف السابق‪.‬‬
‫و هك‪-‬ذا فنط‪-‬اق تط‪-‬بيق القواع‪-‬د اجلنائي‪-‬ة يتح‪-‬دد بني ف‪-‬رتتني خمتلف‪-‬تني يف الزم‪-‬ان‪ ،‬إذ متث‪-‬ل الف‪-‬رتة األوىل ف‪-‬رتة إنش]اء و إق‪-‬رار ه‪-‬ذه‬
‫القواعد‪ ،‬بينما متثل الفرتة املوالية فرتة إنهاء و إلغاء هلذه القواعد‪.‬‬
‫من هن‪-‬ا ميكن الق‪-‬ول أن ارتك]اب الجرم بين الف]ترتين‪ ،‬أي من حلظ‪-‬ة النف‪-‬اذ إىل غاي‪-‬ة اإللغ‪-‬اء ال تث‪-‬ري أي ص‪-‬عوبة ل‪-‬دى العم‪-‬ل‬
‫القضائي الذي ال يسعه سوى تطبيق القانون اجلاري به العمل أمامه‪.‬‬
‫إال أن األم‪-‬ر ال يك‪-‬ون دوم‪-‬ا على ه‪-‬ذا املن‪-‬وال حبيث ق‪-‬د ي‪-‬رتكب اجلاين اجلرمية خالل ف‪-‬رتة إهناء الص‪-‬الحية للقاع‪-‬دة اجلنائي‪-‬ة و‬
‫بالتايل يتم إلغاؤها و إحالل قاعدة جنائية حملها تطبق بأثر فوري و جيب األخذ هبا وقت احملاكمة ال غري‪.....‬‬
‫أم ‪--‬ام ه ‪--‬ذا الوض ‪--‬ع املرب ‪--‬ك فه ‪--‬ل يكي ‪--‬ف القاض ‪--‬ي الواقع ‪--‬ة طب ‪--‬ق القاع ‪--‬دة اجلنائي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ارتكب اجلرم يف ظله ‪--‬ا أم س ‪--‬وف يطب ‪--‬ق‬
‫القاعدة اجلديدة وقت احملاكمة و لو مل تكن موجودة وقت ارتكاب الفعل؟‬
‫للج‪-‬واب على ه‪-‬ذا التس‪-‬اؤل نق‪-‬ول أن هن‪-‬اك مب‪-‬دأ عام‪-‬ا مف‪-‬اده أن القواع]د الجنائي]ة ال تس‪-‬ري ب‪-‬أثر رجعي‪ ،‬أي أن آثاره‪-‬ا ال‬
‫متتد إىل املاضي إال ما استثناه املشرع بنص صريح‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬مبدأ عدم رجعية القواعد الجنائية‬
‫‪ -‬مض‪-‬مون ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ ‪:‬أن النص اجلن‪-‬ائي ال يس‪-‬ري إال على الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت ت‪-‬رتكب بع‪-‬د حلظ‪-‬ة نف‪-‬اذه و ال دخ‪-‬ل للوق‪-‬ائع املرتكب‪-‬ة‬
‫قبل‪--‬ه‪ ،‬مبع‪--‬ىن آخ‪--‬ر إن القاع‪--‬دة اجلنائي‪--‬ة الواجب‪--‬ة التط‪--‬بيق على األفع‪--‬ال هي تل‪--‬ك املعم‪--‬ول هبا وقت ارتك‪--‬اب ه‪--‬ذه األفع‪--‬ال و ليس‬
‫القاعدة السارية وقت النطق باحلكم على اجلاين‪.‬‬
‫إن مب ‪--‬دأ ع ‪--‬دم رجعي ‪--‬ة النص ‪--‬وص اجلنائي ‪--‬ة جيد س ‪--‬نده يف مقتض ‪--‬يات الدس ‪--‬تور(الفق ‪--‬رة الرابع ‪--‬ة من املادة ‪" 6‬ليس للق ‪--‬انون أث ‪--‬ر‬
‫رجعي")‪ ،‬و ك‪--‬ذا يف مقتض‪--‬يات الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي حيث ينص الفص‪--‬ل ‪ 4‬من ه‪--‬ذا األخ‪--‬ري على أن‪--‬ه "ال يؤاخ‪--‬ذ أح‪--‬د على فع‪--‬ل مل‬
‫يكن جرمية مبقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه"‪.‬‬
‫إذن فمب‪-‬دأ ع‪-‬دم الرجعي‪-‬ة ه‪-‬ذا حيتم على العم‪-‬ل القض‪-‬ائي تط‪-‬بيق الق‪-‬انون الق‪-‬ائم وقت ارتك‪-‬اب اجلرمية‪ ،‬ال الق‪-‬انون ال‪-‬ذي أص‪-‬بح‬
‫ساري املفعول وقت احملاكمة‪ ،‬هلذا وجب على القاضي و قبل البث يف القضية املعروضة أمامه أن يتأكد من نقطتني اثنتني‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬ضبط وقت نفاذ القاعدة اجلنائية‪ ،‬أي حتديد تاريخ بدء العمل هبا و كذا تاريخ االنتهاء‪.‬‬
‫و على اعتب‪-‬ار أن املش‪-‬رع املغ‪-‬ريب ال ينص ص‪-‬راحة على ت‪-‬اريخ رمسي لب‪-‬دء س‪-‬ريان ق‪-‬انون م‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إن القاع‪-‬دة العام‪-‬ة هي األخ‪-‬ذ مبعي‪-‬ار النش‪-‬ر يف‬
‫اجلريدة الرمسية ‪ ،‬حيث تؤدي هذه الوسيلة إىل اإلعالن عن بدء سريان القانون املنشور و بالتايل حصول إشهاره و العلم به‪.‬‬
‫و جتدر اإلشارة إىل أن هذا النشر ال يقتصر فقط على اجلريدة الرمسية ‪،‬بل و التعليق يف األماكن املعد لذلك و شهر القانون يف وسائل‬
‫اإلعالم السمعية و املرئية‪ ،‬و بعد ذلك ال حيق ألحد االحتجاج جبهله لصدور هذا القانون‪.‬‬
‫والثانية ‪:‬حتديد وقت ارتكاب اجلرم من قبل القاضي حىت يستطيع التيقن من القانون الذي سوف يسري على الفعل املرتكب‪ ،‬هل هو‬
‫القانون القدمي أم اجلديد؟‬
‫إن معرف‪--‬ة وقت ارتك‪--‬اب اجلرمية‪ ،‬أي حتدي‪--‬د ال‪--‬وقت ال‪--‬ذي اق‪--‬رتفت في‪--‬ه‪ ،‬و ليس وقت حتق‪--‬ق النتيج‪--‬ة اجلرمي‪--‬ة‪ ،‬خاص‪--‬ة و أن هن‪--‬اك ج‪-‬رائم‬
‫يك‪--‬ون لعام‪--‬ل ال‪--‬زمن فيه‪--‬ا دور كب‪--‬ري يف حتق‪--‬ق نتائجه‪--‬ا‪ ،‬و بالت‪--‬ايل وج‪--‬ود ف‪--‬ارق زم‪--‬ين ق‪--‬د يط‪--‬ول بني ارتك‪--‬اب الفع‪--‬ل و حتق‪--‬ق نتيجت‪--‬ه‪ ،‬و مثال‪--‬ه‬
‫تقدمي سم قاتل بطيء املفعول لشخص هبدف القضاء عليه‪ ،‬فالعربة هنا بوقت تقدمي السم و ليس وقت حدوث واقعة الوفاة‪.‬‬
‫و على أي فللمحكم]ة كام]ل الص]الحية لتحدي]د ت]اريخ ارتك]اب الجريمة باالرتك]از على الظ]روف و الوق]ائع المحيط]ة بها‪ ،‬كم‪--‬ا‬
‫أن إغف‪-‬ال حتدي‪-‬د ت‪-‬اريخ وق‪-‬وع ه‪-‬ذه اجلرمية ال ي‪-‬ؤدي حتم‪-‬ا إىل نقض ق‪-‬رار احملكم‪-‬ة‪ ،‬إال أن بعض احلاالت من ش‪-‬أهنا أن تث‪-‬ري بعض املش‪-‬اكل‬
‫القانوني‪-‬ة املوجب‪-‬ة ل‪-‬ذلك‪ ،‬كم‪-‬ا ل‪-‬و ط‪-‬الب اجلاين بض‪-‬رورة حتدي‪-‬د ت‪-‬اريخ وق‪-‬وع اجلرم ال‪-‬ذي اقرتف‪-‬ه‪ ،‬نظ‪-‬را خلض‪-‬وع ه‪-‬ذا األخ‪-‬ري لق‪-‬انون س‪-‬ابق أص‪-‬لح‬
‫له مقارنة مع القانون اجلديد الذي يراد تطبيقه عليه‪.‬‬
‫و على العم‪--‬وم إذا مل يتمكن القاض‪--‬ي من حتدي‪--‬د ت‪--‬اريخ معني لواقع‪--‬ة اجلرمية نظ‪-‬را لغموض‪--‬ها أو المت‪--‬داد آثاره‪--‬ا يف املس‪--‬تقبل‪ ،‬آن‪--‬ذاك يتم‬
‫اللجوء فورا لتطبيق قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم‪ ،‬و هكذا يتم افرتاض أن اجلرمية وقعت يف ظل القانون األصلح‪.‬‬
‫و لتوض‪--‬يح املس‪--‬ألة أك‪--‬ثر ميكن الق‪--‬ول إن اجلرمية الفوري‪--‬ة كالقت‪--‬ل العم‪--‬د أو الس‪--‬رقة ال تث‪--‬ري أي ص‪--‬عوبة عن‪--‬دما يتعل‪--‬ق األم‪--‬ر بتحدي‪--‬د ت‪--‬اريخ‬
‫ارتكاهبا م‪--‬ا دام الفع‪--‬ل املادي هلا يب‪--‬دأ و ينتهي يف حلظت‪--‬ه‪ ،‬خبالف إذا تعل‪--‬ق األم‪--‬ر باجلرمية املس‪--‬تمرة و االعتيادي‪--‬ة‪ ،‬أو املتش‪--‬اهبة ف‪--‬إن امت‪--‬داد‬
‫عنص‪--‬ر ال‪--‬زمن فيه‪--‬ا لف‪--‬رتة ق‪--‬د تط‪--‬ول أيام‪--‬ا وش‪--‬هورا جيع‪--‬ل القض‪--‬اء يف ح‪--‬رية من أم‪--‬ره لض‪--‬بط وقت اجلرمية ح‪--‬ىت يس‪--‬تطيع بالت‪--‬ايل تط‪--‬بيق الق‪--‬انون‬
‫املالئم عليها‪.‬‬
‫فيما خيص اجلرائم املستمرة‪ :‬مثال فإن القانون اجلديد الصادر أثناء ارتكاهبا و استمرارها هو الواجب التطبيق و لو كان أسوأ للجاين‪.‬‬
‫أم‪-‬ا خبص‪-‬وص اجلرمية االعتيادي‪-‬ة‪ :‬كجرمية التس‪-‬ول ف‪-‬إن الق‪-‬انون ال‪-‬ذي يس‪-‬ري عليه‪-‬ا ه‪-‬و ذاك ال‪-‬ذي يس‪-‬توىف يف ض‪-‬له ركن االعتي‪-‬اد لقي‪-‬ام ه‪-‬ذه‬
‫اجلرمية و لو كان هذا القانون قد صدر جديدا و كانت باقي األفعال قد ارتكبت يف ظل القانون‪.‬‬
‫أيض‪--‬ا خبص‪--‬وص اجلرمية املتع‪--‬ددة أو املتتابع‪--‬ة كجرمية البن‪--‬اء ب‪--‬دون احلص‪--‬ول على ت‪--‬رخيص‪ ،‬ف‪--‬إذا ص‪--‬در ق‪--‬انون جدي‪--‬د فإن‪--‬ه يطب‪--‬ق ف‪--‬ورا على‬
‫األفع‪--‬ال الواقع‪--‬ة بع‪--‬د ص‪--‬دوره‪ ،‬يف حني يبقى الق‪--‬انون الق‪-‬دمي إن ك‪-‬ان أص‪-‬لح للمتهم س‪-‬اري املفع‪-‬ول على مجي‪-‬ع األفع‪-‬ال املرتكب‪--‬ة قب‪-‬ل ص‪-‬دور‬
‫القانون اجلديد‪.‬‬
‫‪ ‬البند الثاني‪ :‬استثناءات على مبدأ عدم رجعية القواعد الجنائية‬
‫إن املبتغى من وراء مبدأ عدم الرجعية هو حرص املشرع على ضمان نوع من احلرية لألفراد و عدم املساس هبا‪ ،‬و هذا ما حدا به أيضا‬
‫إىل تضمني بعض احلاالت االستثنائية‪ ،‬حيث ميكن سريان القانون اجلديد على بعض األفعال و الوقائع و لو قبل نفاذه و سريانه و من‬
‫هذه االستثناءات نذكر ‪:‬‬
‫‪1‬ـالقانون األصلح للمتهم‬
‫فإذا م‪--‬ا مت ارتك‪--‬اب جرمية يف ظ‪--‬ل ق‪--‬انون مث ص‪--‬در آخ‪--‬ر يف الف‪--‬رتة الفاص‪--‬لة بني ارتك‪--‬اب ه‪--‬ذه اجلرمية و النط‪--‬ق ب‪--‬احلكم النه‪--‬ائي على اجلاين‪،‬‬
‫حبيث إن ه‪-‬ذا الق‪-‬انون اجلدي‪-‬د يق‪-‬رر حكم‪-‬ا خمتلف‪-‬ا عن الق‪-‬انون الق‪-‬دمي‪ ،‬يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة جند أن املش‪-‬رع اجلن‪-‬ائي ق‪-‬د حس‪-‬م يف األم‪-‬ر حني نص‬
‫يف الفص‪-‬ل ‪ 5‬من ق‪.‬ج على أن‪-‬ه " ال يس]وغ مؤاخ]ذة أح]د على فع]ل لم يع]د يعت]بر جريم]ة بمقتض]ى ق]انون ص]در بع]د ارتكاب]ه ف]إن ك]ان‬
‫ق]د ص]در باإلدان]ة ف]إن العقوب]ات المحك]وم به]ا أص]لية ك]انت أو إض]افية يجع]ل ح]د لتنفي]ذها " كم]ا نص في الفص]ل ‪ 6‬على أن]ه "‬
‫في حال]]ة وج]]ود ع]]دة ق]]وانين س]]ارية المفع]]ول بين ت]]اريخ ارتك]]اب الجريم]]ة و الحكم النه]]ائي بش]]أنها يتعين تط]]بيق الق]]انون األص]]لح‬
‫للمتهم"‪.‬‬
‫و علي ‪--‬ه‪ ،‬فكلم ‪--‬ا ك ‪--‬ان الق ‪--‬انون اجلدي ‪--‬د يف ص ‪--‬احل املتهم‪ ،‬أي خيف ‪--‬ف العق ‪--‬اب أو يلغي ‪--‬ه أو خيفض من قيم ‪--‬ة الغرام ‪--‬ة أو يق ‪--‬رر ظرف ‪--‬ا خمفف ‪--‬ا أو‬
‫يضيف سببا من أسباب التربير‪ ،‬فإنه يتوجب على القضاء تطبيقه بأثر رجعي على األفعال و الوقائع اليت ارتكبت و لو قبل صدوره‪.‬‬
‫هذا و ينبغي مالحظة أن األخذ بالقانون األصلح للمتهم يدخل يف نطاق اختصاص القاضي‪ ،‬أي يف إطار سلطته التقديرية‪ ،‬بعد أن‬
‫يقارن بني القانونني معا للتأكد من أن هذا القانون أو ذاك ينشأ وضعا أصلح و أفضل للمتهم‪ ،‬و ال يتم هنا إال باملقارنة الدقيقة‬
‫ألحكام القانونني و املتعلقة بالجريمة و العقوبة خاصة‪.‬‬
‫و عليه فإذا كان حتديد القانون األصلح للمتهم يرجع إىل القاضي اجلنائي فإن هذا األخري مطالب بالتقيد مبجموعة من الشروط اليت‬
‫ميكن إدراجها كما يلي ‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬ضرورة أن يكون القانون الجديد أصلح للمتهم مقارنة مع القانون القديم؛‬
‫و يتحقق هذا الشرط يف األحوال التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إباحة املشرع اجلنائي للفعل الذي جرمه يف ظل القانون السابق؛‬
‫ثاني]ا‪ :‬تقري‪-‬ر املش‪-‬رع ملانع جدي‪-‬د من موان‪-‬ع املس‪-‬ؤولية أو العقوب‪-‬ة أو إض‪-‬افة س‪-‬بب جدي‪-‬د من أس‪-‬باب الت‪-‬ربير غ‪-‬ري منص‪-‬وص يف الق‪-‬انون الق‪-‬دمي‬
‫و مثاله الرفع من السن املتطلبة للمتابعة بعقوبة معنية؛‬
‫ثالث]]ا‪ :‬إض‪--‬افة املش‪--‬رع ركن جدي‪--‬د الب‪--‬د من وج‪--‬وده لقي‪--‬ام اجلرمية حبيث ال يت‪--‬وفر يف فع‪--‬ل املتهم مما ي‪--‬دعو إىل تربئ‪--‬ة س‪--‬احته نظ ‪-‬را ألن اجلرمية‬
‫ينقصها ركن أساسي و مثاله إضافة ركن االعتياد إىل اجلرم؛‬
‫رابعا‪ :‬تقرير عذر جديد من بني األعذار القانونية املخففة للعقوبة أو املعفية منها؛‬
‫خامسا‪ :‬السماح بوقف تنفيذ العقاب الذي تقرر يف القانون القدمي أو كانت العقوبة اليت ينص عليها القانون اجلديد أخف‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬استثناء القانون المؤقت‬
‫يقص‪--‬د بالق‪--‬انون املؤقت ك‪--‬ل ق‪--‬انون جيرم فعال معين‪--‬ا خالل ف‪--‬رتة زمني‪--‬ة حمددة‪ ،‬حبيث يبط‪--‬ل العم‪--‬ل هبذا الق‪--‬انون مبج‪--‬رد نف‪--‬اذ ه‪--‬ذه املدة‪،‬‬
‫دون انتظ‪--‬ار ص‪--‬دور ق‪--‬انون يلغي‪--‬ه‪ ،‬و مث‪--‬ال ذل‪--‬ك ص‪--‬دور ق‪--‬انون حيرم ص‪--‬يد بعض أن ‪-‬واع األمساك خالل ف‪--‬رتة حمددة‪ ،‬و من املعق‪--‬ول ج‪--‬دا أن‬
‫يعت‪--‬رب املش‪--‬رع أن النص‪--‬وص املؤقت‪--‬ة مس‪--‬تثناة من مب‪--‬دأ تط‪--‬بيق الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي األص‪--‬لح للمتهم انطالق‪--‬ا من مقتض‪--‬يات الفص‪--‬ل ‪ 7‬من ق‪.‬ج‬
‫ال‪--‬ذي ينص على أن‪--‬ه " ال يش‪--‬مل مقتض‪--‬يات الفص‪--‬لني ‪ 5‬و ‪ 6‬الق ‪-‬وانني املؤقت‪--‬ة ال‪--‬يت تظ‪--‬ل و ل‪--‬و بع‪--‬د انته‪--‬اء العم‪--‬ل هبا س‪--‬ارية على اجلرائم‬
‫املرتكبة خالل مدة تطبيقها ”‬
‫فك‪--‬ل من خيرق نص‪--‬وص الق‪--‬انون ال‪--‬ذي حيرم ص‪--‬يد بعض األمساك خالل ف‪--‬رتة ال‪--‬تزاوج مثالـ فص‪--‬ل الشتاءـ ال ميكنهم ال‪--‬دفع ب‪--‬أن ه‪--‬ذا‬
‫الص‪-‬يد مل يع‪-‬د يف نظ‪-‬ر املش‪-‬رع يعت‪-‬رب جرمية بع‪-‬د انته‪-‬اء املدة املق‪-‬ررة من ط‪-‬رف املش‪-‬رع‪ ،‬و يرج‪-‬ع الس‪-‬بب يف ع‪-‬دم الس‪-‬ماح للمتهم باالس‪-‬تفادة‬
‫من الق‪-‬انون األص‪-‬لح ل‪-‬ه إىل س‪-‬هولة التماط‪-‬ل و التالعب بالق‪-‬انون‪ ،‬كالعم‪-‬ل على إطال‪-‬ة أم‪-‬د احملاكم‪-‬ة إىل غاي‪-‬ة انقض‪-‬اء الف‪-‬رتة احملددة قانون‪-‬ا و‬
‫بعد ذلك طلب تطبيق القانون األصلح‪.‬‬
‫كذلك يض‪--‬اف إىل االس‪--‬تثناءات ال‪-‬واردة على قاع‪--‬دة ع‪--‬دم رجعي‪--‬ة الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي الق‪-‬وانني املتعلق‪--‬ة بالت‪--‬دابري الوقائي‪--‬ة و ك‪--‬ذلك ق‪-‬وانني‬
‫املسطرة اجلنائية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان‬

‫إن تطبيق القانون اجلنائي خيضع من حيث املكان إىل عدة مبادئ أمهها‪:‬‬
‫مبدأ اإلقليمية و مبدأ الشخصية‪ ،‬و مبدأ العينية ومبدأ العاملية‪ ،‬مما يتطلب منا حتديد مضمون املبادئ و توضيح عالقته هبا‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬مبدأ إقليمية القانون الجنائي‬
‫يقصد هبذا املبدأ أن‪:‬‬
‫ـ أن قانون الدولة يطبق يف إطار حدودها اإلقليمية ليحكم كل اجلرائم اليت ترتكب يف نطاق هذا اإلقليم أيا كانت جنسية مرتكبها‬
‫بل و لو كان عدمي اجلنسية ؛‬
‫ـ و من جهة أخرى أال يسري على جرائم ترتكب خارج هذا اإلقليم و لو ارتكبها أحد مواطنيها‪.‬‬
‫و يقوم هذا املبدأ على عدة مربرات أمهها‪:‬‬
‫ـ أن القانون يعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة سواء من حيث وضعه أو تطبيقه؛‬
‫ـ أن القانون و خاصة اجلنائي يهدف أساسا إىل محاية النظام العام للدولة‪.‬‬
‫و ل‪-‬ذلك ك‪-‬ان ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ ه‪-‬و األص‪-‬ل فق‪-‬د أخ‪-‬ذت ب‪-‬ه أغلب التش‪-‬ريعات ص‪-‬راحة مثلم‪-‬ا فع‪-‬ل املش‪-‬رع املغ‪-‬ريب يف املادة ‪ 10‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‬
‫حيث ق‪--‬ال‪ ":‬يس]]ري الق]]انون الجن]]ائي المغ]ربي على ك]]ل من يوج]]د ب]]إقليم المملك]]ة من وطن]]يين و أج]]انب و ع]]ديمي الجنس]]ية م]]ع‬
‫مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي و القانون الدولي"‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬مبدأ االختصاص الشخصي‬
‫يقصد هبذا املبدأ أن القانون اجلنائي الواجب التطبيق يتحدد انطالقا من جنسية مرتكيب اجلرمية (االختصاص الشخصي االجيايب (أو‬
‫ضحيتها )االختصاص الشخصي السليب)‪.‬‬
‫و يعد القانون الدويل اخلاص مثاال واضحا لتأسيس تطبيق القانون استنادا إىل فكرة اجلنسية و ليس اإلقليم‪ ،‬و من شأن تطبيق هذه‬
‫الفكرة يف القانون اجلنائي أن خيضع اجملرم لقانون بلده و لو ارتكب اجلرم خارج حدود إقليمها‪.‬‬
‫و يقوم املبدأ على عدة اعتبارات أمهها‪ :‬ما قد يؤدي إليه التقيد بإقليمية القوانني من إفالت اجملرم من العقاب يف حالة ارتكابه جرما‬
‫خارج إقليم دولته‪ ،‬و دعوته إىل هذه الدولة قبل أن ينال جزاءه‪ ،‬فهو ال ميكن أن يطبق عليه قانون الدولة اليت جلأ إليها‪.‬‬
‫فمب‪--‬دأ اإلقليمي‪--‬ة حيول دون ذل‪--‬ك‪ ،‬ذل‪--‬ك أن‪--‬ه إذا أمكن الق‪--‬ول أن مب]دأ تس]ليم المج]رمين يح]ل ه]ذا المش]كل‪ ،‬ف‪--‬إن قاع]دة ع]دم تس]ليم‬
‫الرعايا هبا حتول دون ذلك‪ ،‬إضافة إىل أن نظام التسليم يف وضعه احلايل ليس شامال و ال إلزاميا لكل دول العامل‪.‬‬
‫هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة‪ ،‬إمنا بشروط أمهها‪:‬‬
‫ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه‪،‬‬
‫ـ و أن تك‪-‬ون عودت‪-‬ه إىل أرض ال‪-‬وطن بإرادت‪-‬ه و ذل‪--‬ك طبق‪-‬ا للم‪-‬ادتني ‪751‬ـ‪ 752‬المس]طرة الجنائي]ة و من أمثل‪-‬ة تل‪-‬ك اجلرائم م‪-‬ا نص‪-‬ت‬
‫علي‪-‬ه املادة ‪ 163‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي "االعت‪-‬داء على حي‪-‬اة املل‪-‬ك أوشخص‪-‬ه يع‪-‬اقب علي‪-‬ه باإلع‪-‬دام‪ ،‬وال تطب‪-‬ق أب‪-‬دا األع‪-‬ذار القانوني‪-‬ة‬
‫يف هذه اجلرمية"‪.‬‬
‫و لكن أحيان‪-- -‬ا ال يعت‪-- -‬د بس‪-- -‬بق احلكم يف اخل ارج و من ذل‪-- -‬ك حال‪-- -‬ة امل ادة ‪ 457‬ق‪.‬ج‪ ،‬كم‪-- -‬ا أن املش‪-- -‬رع املغ‪-- -‬ريب أخ‪-- -‬ذ أحيان ]]ا بمب ]]دأ‬
‫االختصاص الشخصي السلبي من ذلك ما يتعلق بالجنايات‪.‬‬
‫هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة‪ ،‬إمنا بشروط أمهها‪:‬‬
‫ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه‪،‬‬
‫ـ و أن تكون عودته إىل أرض الوطن بإرادته و ذلك طبقا للمادتني ‪751‬ـ‪ 752‬المسطرة الجنائية و من أمثلة تلك اجلرائم ما نصت‬
‫عليه املادة ‪ 163‬من القانون اجلنائي "االعتداء على حياة امللك أوشخصه يعاقب عليه باإلعدام‪ ،‬وال تطبق أبدا األعذار القانونية يف‬
‫هذه اجلرمية"‪.‬‬
‫هذا وقد أخد القانون اجلنائي املغريب احتياطيا هبذا املبدأ فعاقب من يرتكب بعض اجلرائم يف اخلارج من املغاربة‪ ،‬إمنا بشروط أمهها‪:‬‬
‫ـ أال يكون قد حوكم من أجلها أو تقادمت أو صدر عفوا و غريه‪،‬‬
‫ـ و أن تك‪-‬ون عودت‪-‬ه إىل أرض ال‪-‬وطن بإرادت‪-‬ه و ذل‪--‬ك طبق‪-‬ا للم‪-‬ادتني ‪751‬ـ‪ 752‬المس]طرة الجنائي]ة و من أمثل‪-‬ة تل‪-‬ك اجلرائم م‪-‬ا نص‪-‬ت‬
‫علي‪-‬ه املادة ‪ 163‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي "االعت‪-‬داء على حي‪-‬اة املل‪-‬ك أوشخص‪-‬ه يع‪-‬اقب علي‪-‬ه باإلع‪-‬دام‪ ،‬وال تطب‪-‬ق أب‪-‬دا األع‪-‬ذار القانوني‪-‬ة‬
‫يف هذه اجلرمية"‪.‬‬
‫و لكن أحيان‪-- -‬ا ال يعت‪-- -‬د بس‪-- -‬بق احلكم يف اخل ارج و من ذل‪-- -‬ك حال‪-- -‬ة امل ادة ‪ 457‬ق‪.‬ج‪ ،‬كم‪-- -‬ا أن املش‪-- -‬رع املغ‪-- -‬ريب أخ‪-- -‬ذ أحيان ]]ا بمب ]]دأ‬
‫االختصاص الشخصي السلبي من ذلك ما يتعلق بالجنايات‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬مبدأ االختصاص العيني‬
‫و يقصد به تطبيق القانون الجنائي على" كل جريمة ترتكب و تمس مصلحة أساسية للدولة أيا كان مكان ارتكابها و جنسية‬
‫فاعلها"‪.‬‬
‫وي‪-‬ربر ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ بتف‪-‬ادي ع‪-‬دم العق‪-‬اب ال‪-‬ذي ي‪-‬ؤدي إلي‪-‬ه التقي‪-‬د مبب‪-‬دأ إقليمي‪-‬ة الق‪-‬انون إض‪-‬افة إىل ض‪-‬رورة محاي‪-‬ة مص‪-‬لحة الدول‪-‬ة األساس‪-‬ية‪،‬‬
‫فاملنطق يقتضي بزجر ما تعتربه مسا مبصلحتها و لو مت ذلك خارج حدود اإلقليم‪.‬‬
‫هذا و ختتل‪-‬ف التش‪-‬ريعات من حيث كيفي‪-‬ة أخ‪-‬ذها هبذا املب‪-‬دأ بني من جيعل‪-‬ه ش‪-‬امال األج‪-‬انب و املواط‪-‬نني من ذل‪-‬ك الق‪-‬انون املص‪-‬ري‪ ،‬و بني‬
‫من جيعله شامال لألجانب فقط و هذه احلاالت حالة املشرع املغريب الذي أخذ به يف الفصل ‪ 755‬املسطرة اجلنائية‪.‬‬
‫و ملا ك‪-‬ان مفه]وم المص]لحة األساس]ية غامض]ا‪ ،‬إض‪-‬افة إىل أن منط‪-‬ق مب‪-‬دأ ش‪-‬رعية التج‪-‬رمي و العق‪-‬اب يقتض‪-‬ي حتدي‪-‬د اجلرائم‪ ،‬ف‪-‬إن األس‪-‬لوب‬
‫املتب‪-‬ع يف ه‪-‬ذا الص‪-‬دد ه‪-‬و حتدي‪-‬د اجلرائم املعت‪-‬ربة مس‪-‬ا مبص‪-‬لحة أساس‪-‬ية للدول‪-‬ة‪ ،‬و ل‪-‬و ارتكبت يف اخلارج‪ ،‬مما ي‪-‬ربر أن ق‪-‬انون الدول‪-‬ة ه‪-‬و ال‪-‬ذي‬
‫يس‪--‬ري عليه‪--‬ا‪ ،‬و ه‪--‬ذا م‪--‬ا فعل‪--‬ه املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب يف الفص‪--‬ل ‪ 755‬املس‪--‬طرة اجلنائي‪--‬ة الس‪--‬الف ال‪--‬ذكر حيث يقض‪--‬ي ب‪--‬أن ك]]ل أجن]]بي ارتكب‬
‫خ]ارج ت]راب المملك]ة بص]فته ف]اعال إم]ا لجناي]ة ض]د س]المة الدول]ة المغربي]ة ‪ ...‬يمكن متابعت]ه و محاكمت]ه حس]ب مقتض]يات الق]انون‬
‫المغربي إذا ألقي القبض عليه بالمغرب أو إذا حصلت الحكومة على تسليمه لها‪.....‬‬
‫‪ ‬البند الرابع‪ :‬مبدأ عالمية االختصاص الجنائي‬
‫و يقصد هبذا املبدأ تطبيق قانون الدولة على كل الجريمة قبض على فاعلها في إقليم الدولة أيا كانت جنسيته و أيا كان مكان‬
‫ارتكابه للجريمة‪.‬‬
‫و هك‪-‬ذا يظه‪-‬ر من ه‪-‬ذا التحدي‪-‬د أن ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ مينح ممارس‪-‬ة ح‪-‬ق العق‪-‬اب لدول‪-‬ة مل ت‪-‬رتكب اجلرمية يف إقليمه‪-‬ا‪ ،‬و ليس من الالزم أن يك‪-‬ون‬
‫اجلاين حيمل جنسيتها‪ ،‬كما أنه ليس هناك مصلحة أساسية هلا وقع املس هبا بارتكاب اجلرمية‪.‬‬
‫فليس هلا أي‪-‬ة س‪-‬لطات على مك‪-‬ان ارتك‪-‬اب اجلرمية‪ ،‬و ال أي‪-‬ة رابط‪-‬ة قانوني‪-‬ة بينه‪-‬ا و بني اجملرم ال‪-‬ذي تري‪-‬د أن حتاكم‪-‬ه و أن تطب‪-‬ق علي‪-‬ه قانوهنا‬
‫طبق‪-‬ا للقاع‪-‬دة الس‪-‬ائدة" و ح‪-‬دة االختص‪-‬اص و وح‪-‬دة الق‪-‬انون املطب‪-‬ق"‪ ،‬الرابط‪-‬ة الوحي‪-‬دة املت‪-‬وفرة هن‪-‬ا هي رابط‪-‬ة فعلي‪-‬ة نامجة عن واقع‪-‬ة إلق‪-‬اء‬
‫القبض على اجلاين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب التبرير‬


‫األحكام العامة‬
‫تمهيد‪ :‬ماهية أسباب التبرير و طبيعتها‬
‫قلنا أنه يشرتط لقيام الركن القانوين للجرمية – إضافة ملا سبق – أن ال خيضع الفعل الذي يعد جرمية لسبب من أسباب التربير‪ .‬فانتفاء‬
‫هذا األخير معناه تحقق عناصر الركن القانوني للجريمة‪ ،‬أما إذا توافرت فإنه يرتتب عليها أن يتجرد الفعل من صفة عدم المشروعية‬
‫إىل المشروعية‪ ،‬و عندها يصبح الفعل مربرا (أي مباحا)‪.‬‬
‫فأس‪-‬باب الت‪-‬ربير هي "عب]ارة عن ظ]روف مادي]ة تط]رأ وقت ارتك]اب الفع]ل المجرم فتزي]ل عن]ه الص]فة الجرمي]ة و تحيل]ه إلى فع]ل م]برر‪،‬‬
‫وال‪-‬يت ل‪-‬وال قي‪-‬ام ه‪-‬ذه الظ‪-‬روف لت‪-‬وافرت املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة من قب‪-‬ل م‪-‬رتكب الفع‪-‬ل يف ح‪-‬ال ت‪-‬وافر عنص‪-‬ريها ال]وعي و اإلرادة‪ ،‬و تط]بيق قواع]د‬
‫التج ]ريم تف ]]ترض أص ]]ال انتف ]]اء عل ]]ة الت ]]برير‪ ،‬و ه ‪--‬ذا معن ‪--‬اه ان انتف ‪--‬اء األخ ‪--‬رية ش ‪--‬رط لقي ‪--‬ام ال ‪--‬ركن الق ‪--‬انوين للجرمية يف املادتني ‪ 124‬و‬
‫‪125‬ق‪.‬ج (متعلقني باألسباب املربرة اليت متحو اجلرمية)‪.‬‬
‫و ق‪--‬د ع‪--‬اجل املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب أس‪--‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬فمن ي‪-‬رتكب فعال يتط‪--‬ابق و النم‪--‬وذج الق‪--‬انوين جلرمية م‪--‬ا كم‪--‬ا ح‪--‬دده نص التج‪--‬رمي‪ ،‬أي ي‪-‬رتكب‬
‫جرمية مث يالزم ارتكاب‪-‬ه هلذه اجلرمية ظ‪-‬رف م‪-‬ادي معني تت‪-‬وافر في‪-‬ه قي‪-‬ود أح‪-‬د أس‪-‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬فإن‪-‬ه يزي‪-‬ل عنه‪-‬ا ص‪-‬فتها اإلجرامي‪-‬ة و تص‪-‬بح عمال‬
‫مشروعا‪.‬‬
‫فالقت‪--‬ل جرمية تتحق‪--‬ق بك‪--‬ل فع‪--‬ل ي‪--‬ؤدي إىل إزه‪--‬اق روح إنس‪--‬ان حي‪ ،‬و يس‪--‬تحق فاعل‪--‬ه العقوب‪--‬ة املق‪--‬ررة ل‪--‬ه يف الق‪--‬انون‪ ،‬و لكن خيتل‪--‬ف‬
‫األم‪-‬ر إذا ك‪-‬ان القات‪-‬ل يف املث‪-‬ال الس‪-‬ابق يتع‪-‬رض من قب‪-‬ل إنس‪-‬ان آخ‪-‬ر العت‪-‬داء يه‪-‬دده يف حيات‪-‬ه و مل يكن من س‪-‬بيل إلنق‪-‬اذ نفس‪-‬ه من ه‪-‬ذا‬
‫اخلط‪-‬ر س‪-‬وى ارتك‪-‬اب فع‪-‬ل القت‪-‬ل على ه‪-‬ذا اإلنس‪-‬ان و قتل‪-‬ه فعال‪ ،‬ففع‪-‬ل القت‪-‬ل يف ه‪-‬ذا الف‪-‬رض يك‪-‬ون مش‪-‬روعا و ال يعت‪-‬رب جرمية على ال‪-‬رغم‬
‫من تطابق‪--‬ه م‪--‬ع النم‪--‬وذج الق‪--‬انوين جلرمية القت‪--‬ل‪ ،‬و يص‪--‬دق األم‪--‬ر نفس‪--‬ه فيم‪--‬ا ل‪--‬و ك‪--‬ان القت‪--‬ل تنفي‪--‬ذا حلكم قض‪--‬ائي ص‪--‬ادر عن حمكم‪--‬ة خمتص‪--‬ة‬
‫(حكم اإلع‪-‬دام)‪ ،‬فاإلع‪-‬دام ه‪-‬و قت‪-‬ل ل‪-‬روح إنس‪-‬ان حي قص‪-‬دا تنفي‪-‬ذا ألم‪-‬ر الق‪-‬انون‪ ،‬كم‪-‬ا يق‪-‬ال األم‪-‬ر نفس‪-‬ه ألفع‪-‬ال اإلي‪-‬ذاء ال‪-‬يت ت‪-‬رتكب أثن‪-‬اء‬
‫ممارسة األعمال الطبية أو اجلراحية‪ ،‬فجميعها حتقق مصلحة للمجتمع و تؤدي إىل تعطيل تطبيق نصوص التجرمي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تقسيم أسباب التبرير و نطاق آثارها‬


‫الفرع األول‪ :‬األسباب العامة و األسباب الخاصة‬
‫جرى الفقه القانوين على تقسيم أسباب التربير إىل أسباب عامة و أسباب خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬أس]باب الت]برير العام]ة ‪:‬هي ال‪-‬يت تنتج أثره‪-‬ا بالنس‪-‬بة إىل مجي‪-‬ع أن‪-‬واع اجلرائم‪ ،‬أي ال‪-‬يت ت‪-‬بيح ارتك‪-‬اب مجي‪-‬ع اجلرائم أي‪-‬ا ك‪-‬ان نوعه‪-‬ا‪ ،‬و‬
‫مثال ذلك حق الدفاع الشرعي و استعمال احلق املقرر مبقتضى القانون‪.‬‬
‫‪ ‬أم]ا أس]باب الت]برير الخاص]ة‪ :‬فهي ال‪-‬يت يقتص‪-‬ر أثره‪-‬ا على وق‪-‬وع ن‪-‬وع معني من اجلرائم‪ ،‬أي ال ت‪-‬بيح إال ج‪-‬رائم معين‪-‬ة‪ ،‬و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك‬
‫حق الدفاع أمام احملاكم حيث ال تبيح إال جرائم القذف و السب‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬األسباب المطلقة و األسباب النسبية‬


‫كما تقسم أسباب التربير إىل أسباب مطلقة و أسباب نسبية‪.‬‬
‫ويقص]د بأس]باب الت]برير المطلق]ة‪ :‬هي ال‪-‬يت ميكن أن يس‪-‬تفيد منه‪-‬ا أي ش‪-‬خص بص‪-‬رف النظ‪-‬ر عن ص‪-‬فته‪ ،‬و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي‪،‬‬
‫ف‪-‬إذا م‪-‬ا ت‪-‬وافرت ش‪-‬روطه ف‪-‬إن اكتس‪-‬اب الفع‪-‬ل لص‪-‬فته املش‪-‬روعية (كال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي) ميت‪-‬د إىل س‪-‬لوك مجي‪-‬ع املس‪-‬امهني يف اجلرمية‪ ،‬س‪-‬واء الفاع‪-‬ل‬
‫أو الشريك أو املتدخل‪.‬‬
‫أم]ا أس]باب الت]برير النس]بية‪ :‬فهي ال‪-‬يت يقرره‪-‬ا املش‪-‬رع ألش‪-‬خاص أو جه‪-‬ة حتت‪-‬ل مرك‪-‬زا معين‪-‬ا أو ص‪-‬فة م‪-‬ا‪ ،‬فال يس‪-‬تفيد منه‪-‬ا إال تل‪-‬ك اجله‪-‬ات‬
‫أو األش‪-‬خاص ال‪-‬ذين عن‪-‬اهم املش‪-‬رع‪ ،‬و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك األعم‪-‬ال الطبي‪-‬ة و اجلراحي‪-‬ة‪ ،‬فال يس‪-‬تفيد من تربيره‪-‬ا إال من ت‪-‬وافرت في‪-‬ه ص‪-‬فة الط‪-‬بيب‬
‫أو من يف حكم‪-‬ه‪ ،‬و يق‪-‬ال األم‪-‬ر نفس‪-‬ه بالنس‪-‬بة إىل املوظ‪-‬ف الع‪-‬ام و من يف حكم‪-‬ه بالنس‪-‬بة ألداء ال‪-‬واجب‪ ،‬و احلال نفس‪-‬ه بالنس‪-‬بة لض‪-‬روب‬
‫التأديب اليت ينزهلا اآلباء جتاه أوالدهم‪.‬‬
‫و إذا كانت أسباب التربير ذات طبيعة مادية فإن أثرها (كما ذكرنا) ميتد إىل مجيع املسامهني يف اجلرمية‪.‬‬
‫أم‪--‬ا موان]ع المس]ؤولية أو العق‪--‬اب فال يس‪--‬تفيد منه‪--‬ا إال من ق‪--‬ام حبق‪--‬ه ه‪--‬ذا املانع و الع‪--‬ذر املعفي‪ .‬فهي ذات أث]ر شخص]ي‪ ،‬و يعم‪--‬ل هبذه‬
‫القاع‪-‬دة ح‪-‬ىت يف ب‪-‬اب االش‪-‬رتاك اجلرمي‪ .‬فاألع‪-‬ذار الشخص‪-‬ية املعفي‪-‬ة أو األس‪-‬باب املانع‪-‬ة من العق‪-‬اب يقتص‪-‬ر تأثريه‪-‬ا على من ت‪-‬وافرت حبق‪-‬ه‬
‫من املسامهني‪ ،‬عمال بقاعدة استقالل كل مساهم يف مسؤوليته‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الجهل بأسباب التبرير و الغلط فيها‬
‫و يتعني التمييز بني أثر اجلهل بأسباب التربير عن الغلط فيها‪ ،‬و خنصص لكل منهما بندا مستقال‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الجهل بأسباب التبرير‬
‫يع‪-‬رب بعض الفقه‪-‬اء عن ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة "باجلرمية الظني‪-‬ة"‪ :‬و تف‪-‬رتض إتي‪-‬ان ش‪-‬خص لفع‪-‬ل أو امتن‪-‬اع عن فع‪-‬ل معتق‪-‬دا أن فعل‪-‬ه غ‪-‬ري مش‪-‬روع‪ ،‬و ال‬
‫يعلم بأنه خاضع لسبب من أسباب التربير‪ ،‬يف حني أن فعله خاضع من حيث الواقع لسبب التربير‪.‬‬
‫و ق‪-‬د يك‪-‬ون اجله‪-‬ل متعلق‪-‬ا بالق‪-‬انون أو يف الواق‪-‬ع‪ ،‬و مث‪-‬ال االف‪-‬رتاض األول الش‪-‬خص ال‪-‬ذي ي‪-‬دفع االعت‪-‬داء علي‪-‬ه ب‪-‬القوة و ه‪-‬و جيه‪-‬ل أن‬
‫املش‪--‬رع ي‪--‬بيح ل‪--‬ه ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي عن نفس‪--‬ه (م‪ 124‬ق‪.‬ج)‪ ،‬أو من يلقي القبض على ش‪--‬خص متلبس جبناي‪--‬ة أو جنح‪--‬ة‪ ،‬و ال يعلم ب‪--‬أن‬
‫الق‪-‬انون جييز ل‪-‬ه القبض يف أح‪-‬وال التلبس باجلرمية‪ ،‬و مث‪-‬ال اجله‪-‬ل يف الواق‪-‬ع من يقت‪-‬ل غ‪-‬ريه دفاع‪-‬ا عن نفس‪-‬ه و ه‪-‬و جيه‪-‬ل أيض‪-‬ا أن‪-‬ه يف حال‪-‬ة‬
‫دفاع شرعي‪.‬‬
‫و انقس‪-‬م الفقه‪-‬اء يف وض‪-‬ع احلل‪-‬ول (مجع ح‪-‬ل) بش‪-‬أن حكم اجله‪-‬ل بأس‪-‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬فبعض‪-‬هم ذهب إىل الق‪-‬ول ب‪-‬أن الفع‪-‬ل يع‪-‬د م‪-‬ربرا‪،‬‬
‫انطالق‪-‬ا من النظ‪-‬ر إىل أن أس‪-‬باب الت‪-‬ربير ذات طبيع‪-‬ة مادي‪-‬ة حتدث أثره‪-‬ا جملرد ت‪-‬وافر ش‪-‬روطها بغض النظ‪-‬ر عن إحاط‪-‬ة علم م‪-‬رتكب الفع‪-‬ل هبا‬
‫أو جهله هبا‪.‬‬
‫يف حني ي‪-‬رى ج‪-‬انب آخ‪-‬ر من الفق‪-‬ه أن الفع‪-‬ل ال يك‪-‬ون م‪-‬ربرا إال إذا انص‪-‬رفت الني‪-‬ة إىل جعل‪-‬ه متجاوب‪-‬ا م‪-‬ع مقتض‪-‬ى الظ‪-‬رف‪ ،‬أم‪-‬ا و إن‪-‬ه‬
‫مل يكن يعلم بوج‪-‬ود الظ‪-‬رف فال يص‪-‬ح الق‪-‬ول بانص‪-‬راف الني‪-‬ة إىل س‪-‬بب الت‪-‬ربير يف واق‪-‬ع احلال‪ ،‬أي أن الوج‪-‬ود الفعلي لس‪-‬بب الت‪-‬ربير ال يغ‪-‬ين‬
‫عن العلم به لالحتجاج فيه‪.‬‬
‫و هن‪--‬اك من توس‪--‬ط بني ال‪-‬رأيني الس‪--‬ابقني و ذهب إىل الق‪--‬ول ب‪--‬أن ارتك‪--‬اب ش‪--‬خص جرمية م‪--‬ا م‪--‬ع وج‪--‬ود س‪--‬بب م‪--‬ربر هلا على غ‪--‬ري علم‬
‫من مقرتفها‪ ،‬ينسب إليه جمرد شروع فيها ال جرمية كاملة‪.‬‬
‫و يف واق‪--‬ع األم‪--‬ر أن أس‪--‬باب الت‪-‬ربير ذات طبيع‪--‬ة مادي‪--‬ة موض‪--‬وعية‪ ،‬و االس‪--‬تفادة منه‪--‬ا ال يتطلب العلم هبا‪ ،‬يس‪--‬توي يف ذل‪--‬ك إن ك‪--‬ان‬
‫يعلم هبا م‪-‬رتكب اجلرمية أم ال‪ ،‬و ه‪--‬ذا ه‪--‬و ال‪-‬رأي ال‪-‬راجح يف الفق‪--‬ه اجلن‪--‬ائي‪ ،‬و القاع‪--‬دة املس‪--‬تقر عليه‪--‬ا "أن اجله‪--‬ل بأس‪--‬باب الت‪-‬ربير ال حيول‬
‫دون االس ‪--‬تفادة منه ‪--‬ا و يعم ‪--‬ل هبذا احلل ح ‪--‬ىت يف غي ‪--‬اب النص ‪--‬وص القانوني ‪--‬ة‪ ،‬إذ ال حاج ‪--‬ة إىل ورود نص بش ‪--‬أهنا"‪ .‬و لكن هلذه القاع ‪--‬دة‬
‫اس‪-‬تثناؤها حيث تق‪-‬وم بعض أس‪-‬باب الت‪-‬ربير على عناص‪-‬ر شخص‪-‬ية فيك‪-‬ون متعين‪-‬ا تطلب ه‪-‬ذه العناص‪-‬ر كي يتحق‪-‬ق الت‪-‬ربير‪ .‬و ق‪-‬د يك‪-‬ون العلم‬
‫أحد هذه العناصر‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الغلط في التبرير‬
‫يع‪-‬رب بعض الفق‪-‬ه عن ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة "ب‪-‬الرباءة الظني‪-‬ة"‪ ،‬و هي ختالف االف‪-‬رتاض الس‪-‬ابق‪ ،‬حيث أن م‪-‬رتكب اجلرمية يعتق‪-‬د أن فعل‪-‬ه اجملرم خاض‪-‬ع‬
‫لس‪-‬بب ت‪-‬ربير‪ ،‬و ه‪-‬و يف حقيق‪-‬ة األم‪-‬ر ال وج‪-‬ود ل‪-‬ه‪ ،‬و س‪-‬بب اعتق‪-‬اده ه‪-‬و الغل‪-‬ط الن‪-‬اجم عن ت‪-‬وهم خ‪--‬اطئ بوج‪-‬ود الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت يس‪-‬تند إليه‪-‬ا‬
‫سبب التربير‪.‬‬
‫و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك أن يعتق‪-‬د ش‪-‬خص أن هن‪-‬اك خط‪-‬را يه‪-‬دده يف نفس‪-‬ه أو مال‪-‬ه فيقت‪-‬ل من ظن أن‪-‬ه مص‪-‬در اخلط‪-‬ر مث يت‪-‬بني ع‪-‬دم وج‪-‬ود ه‪-‬ذا اخلط‪-‬ر‬
‫على اإلطالق‪ ،‬أو حال‪-‬ة املوظ‪-‬ف ال‪-‬ذي يفش‪-‬ي س‪-‬را أؤمثن علي‪-‬ه اعتق‪-‬ادا من‪-‬ه أن ص‪-‬احب الس‪-‬ر راض عن إذاعت‪-‬ه مث يتض‪-‬ح أن ص‪-‬احب الس‪-‬ر‬
‫مل يرض بذلك‪.‬‬
‫مل يتض‪-‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب أي نص ملواجه‪-‬ة ه‪-‬ذا االف‪-‬رتاض‪ ،‬يف حني أن التش‪-‬ريعات املقارن‪-‬ة نص‪-‬ت ص‪-‬راحة على ذل‪-‬ك‪ ،‬و يف مقدم‪-‬ة‬
‫ذل‪--‬ك ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات املص‪--‬ري‪ ،‬إذ ورد يف املادة ‪ 63‬من‪--‬ه على "أن]ه ال توج]د جريم]ة العم]ل غ]ير الش]روع ال]ذي يرتكب]]ه الموظ]ف بع]د‬
‫التثبت و التحري إذا كان يعتقد بمشروعيته و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة"‪.‬‬
‫كم‪--‬ا ورد تط‪--‬بيق هلذه الفك‪--‬رة يف موق‪--‬ع آخ‪--‬ر ه‪--‬و نص املادة ‪ 249‬من ق‪--‬انون العقوب‪--‬ات المص]ري و ال‪--‬يت ج‪--‬اء فيه‪--‬ا "أن‪--‬ه يس‪--‬تلزم لقي‪--‬ام‬
‫حالة الدفاع الشرعي أن يكون اخلطر املسوغ له حقيقيا يف ذاته إمنا يكفي أن يكون كذلك يف اعتقاد املدافع"‪.‬‬
‫و ال‪-‬راجح أن الغل‪-‬ط بأس‪-‬باب الت‪-‬ربير يع‪-‬ين ت‪-‬وافر حس‪-‬ن الني‪-‬ة ل‪-‬دى اجلاين‪ ،‬و ه‪-‬و م‪-‬ا ينفي القص‪-‬د اجلرمي ال‪-‬ذي يق‪-‬وم على انص‪-‬راف العلم‬
‫إىل مجي‪-‬ع عناص‪-‬ر اجلرمية‪ ،‬و ملا ك‪-‬ان الغل‪-‬ط يف الوق‪-‬ائع ينفي ذل‪-‬ك العلم‪ ،‬ف‪-‬إن القص‪-‬د اجلرمي ينتفي تبع‪-‬ا ل‪-‬ذلك‪ ،‬حيث أن الغل‪-‬ط يف أس‪-‬باب‬
‫التربير يأخذ حكم الغلط يف أركان اجلرمية من ناحية األثر القانوين املرتتب عليه‪.‬‬
‫و م‪-‬ا ينبغي اإلش‪-‬ارة إلي‪-‬ه أن الغل‪-‬ط يف الت‪-‬ربير ه‪-‬و ال‪-‬ذي ينص‪-‬ب على الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت أح‪-‬اطت بارتك‪-‬اب الفع‪-‬ل أو االمتن‪-‬اع عن الفع‪-‬ل‪ ،‬أو‬
‫إذا انصب على قانون آخر غري القانون اجلنائي‪.‬‬
‫أم‪-‬ا إذا انص‪-‬ب الغل‪-‬ط على الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي فال يص‪-‬لح ذل‪-‬ك س‪-‬ببا لنفي املس‪-‬ؤولية عن اجلرمية‪ ،‬ف‪-‬إذا اعتق‪-‬د الش‪-‬خص أن الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‬
‫يبيح له ارتكاب اجلرمية‪ ،‬فإن فعله ال يعد مربرا و يسأل عنه مسؤولية قصدية نظرا لعدم توافر العذر جبهل قانون العقوبات أو الغلط فيه‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب المادة ‪( 124‬ق‪.‬ج) المبررة‬
‫نص القانون اجلنائي على ثالث أسباب للتربير يف املادة ‪ 124‬ق‪.‬ج و هي "ال جناية و ال جنحة و ال خمالفة يف األحوال االتية"‪:‬‬
‫‪ )1‬إذا كان الفعل قد أوجبه القانون و أمرت به السلطة الشرعية‪،‬‬
‫‪ )2‬إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬أو كان في حالة استحال عليه معها‪ ،‬استحالة مادية اجتنابها‪ ،‬و ذلك لسبب خارجي‬
‫لم يستطع مقاومته‪،‬‬
‫‪ )3‬إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره‪ ،‬بشرط أن يكون‬
‫الدفاع متناسبا مع خطورة االعتداء‪.‬‬
‫و فيما يلي حتليل لكل سبب على حدة من خالل الفروع االتية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تنفيذ أمر القانون و السلطة الشرعية‬
‫نص‪-- -‬ت املادة ‪ 124‬ق‪.‬ج يف فقرهتا األوىل على ه‪-- -‬ذا الس‪-- -‬بب‪ ،‬و ت ‪- -‬ربير الفع‪-- -‬ل املرتكب أداء لل ‪- -‬واجب يض‪-- -‬في محايت‪-- -‬ه على األش‪-- -‬خاص‬
‫(م‪-‬وظفني أم مواط‪-‬نني ع‪-‬اديني) عن‪-‬دما ي‪-‬أتون األفع‪-‬ال تنفي‪-‬ذا ألم‪-‬ر الق‪-‬انون أو أم‪-‬ر س‪-‬لطة رئاس‪-‬ية واجب‪-‬ة الطاع‪-‬ة‪ ،‬ألن ه‪-‬ذه األفع‪-‬ال غالب‪-‬ا م‪-‬ا‬
‫تش‪--‬كل مساس‪--‬ا ب‪--‬احلقوق و املص‪--‬احل احملمي‪--‬ة‪ .‬و لكن املش‪--‬رع يربره‪--‬ا ملص‪--‬لحة أوىل باالعتب‪--‬ار‪ ،‬مما يس‪--‬تلزم ع‪--‬دم مؤاخ‪--‬دة م‪-‬رتكب ه‪--‬ذا الفع‪--‬ل‪،‬‬
‫ح‪-‬ىت ال حيجم الش‪-‬خص عن إتي‪-‬ان الفع‪-‬ل فيم‪-‬ا ل‪-‬و بقي يف دائ‪-‬رة التج‪-‬رمي و العق‪-‬اب‪ ،‬حيث يف‪-‬رتض املنط‪-‬ق أن يك‪-‬ون ه‪-‬ذا الفع‪-‬ل م‪-‬ربرا طاملا‬
‫أنه تنفيذا إلحدى صور أداء الواجب‪.‬‬
‫و قد نص املشرع املغريب على حالتني ألداء الواجب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬حالة إتيان الفعل تنفيذا ألمر القانون؛‬
‫والثانية ‪ :‬حالة إتيان الفعل إطاعة ألمر صادر من ذي اختصاص يوجب القانون إطاعته‪ ،‬إال إذا كان األمر غري مشروع‪.‬‬
‫و هات‪--‬ان احلالت‪--‬ان ال تث‪-‬ريان ش‪--‬كا ح‪--‬ول ت‪-‬ربير الفع‪--‬ل املرتكب تنفي‪--‬ذا ألي منهم‪-‬ا‪ ،‬س‪-‬واء ك‪-‬ان الفع‪-‬ل املرتكب تنفي]ذا ألم]ر الق]انون‪ ،‬أو‬
‫إطاعة ألمر مشروع صادر من ذي اختصاص‪ ،‬و لكن الصعوبة تبدو يف فروض أخرى‪.‬‬
‫ـ و أمهها حالة ما إذا كان العمل الذي أتاه الشخص غير قانوني و خارجا عن حدود اختصاصه؛‬
‫ـ أو حالة ما إذا نفذ األمر طاعة لذي اختصاص غير واجب الطاعة؛‬
‫و لكن مرتكب الفعل يف الفرضيتني السابقتني كان يعتقد أن الفعل يدخل يف اختصاصه‪ ،‬أو أنه ملزم بتنفيذ أمر صاحب االختصاص‪،‬‬
‫و هذا ما نعاجله حتت عنوان االعتقاد الخاطئ بمشروعية الفعل‪.‬‬
‫‪‬الحالة األولى‪ :‬إتيان الفعل تنفيذا للقانون‬
‫يكفي يف تط‪-‬بيق ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة العتب‪-‬ار الفع‪-‬ل م‪-‬ربرا ه‪-‬و أن يك‪-‬ون ارتكاب‪-‬ه تنفي‪-‬ذا ألم‪-‬ر الق‪-‬انون‪ ،‬ف‪-‬املوظف أو املواطن ال‪-‬ذي يق‪-‬وم بتنفي‪-‬ذ الق‪-‬انون‬
‫يعت‪-‬رب فعل‪-‬ه مش‪-‬روعا‪ ،‬فال ي‪-‬رتكب جرمية مثال "وكي‪-‬ل املل‪-‬ك ال‪-‬ذي يص‪-‬در م‪-‬ذكرة توقي‪-‬ف حبق املش‪-‬تكى ب‪-‬ه ال‪-‬ذي نس‪-‬ب إلي‪-‬ه فع‪-‬ل مع‪-‬اقب علي‪-‬ه‬
‫ب‪--‬احلبس أو بعقوب‪--‬ة أش‪--‬د"‪ ،‬و ال ي ‪-‬رتكب جرمية (موظ‪--‬ف أو م ‪-‬واطن ع‪--‬ادي) ك‪--‬ذلك ي ‪-‬زاول مهن‪--‬ة ص‪--‬حية حني يق‪--‬وم ب‪--‬إبالغ الس‪--‬لطات عن‬
‫اجلناية أو اجلنحة اليت وقعت على شخص قام بإسعافه‪ ،‬واجلرمية املربرة هنا هي جرمية إفشاء األسرار‪.‬‬
‫و من تطبيق‪--‬ات تنفي‪--‬ذ الق‪--‬انون من قب‪--‬ل املواطن ذات‪--‬ه دون أن حيم‪--‬ل أي‪--‬ة ص‪--‬فة مهني‪--‬ة أو حرفي‪--‬ة‪ ،‬م‪--‬ا ميلك‪--‬ه املواطن من س‪--‬لطة القبض على‬
‫اجلاين يف حالة التلبس جبناية أو جنحة جيوز فيها قانونا التوقيف و اجلرمية املربرة هنا هي جرمية االعتداء على احلرية‪.‬‬
‫و يف مجال تنفيذ الموظف ألمر القانون فإنه يتعني التفرقة بني وضعني ‪:‬‬
‫ـ حال ما إذا كان ملزما بتنفيذ هذا األمر دون أدنى سلطة تقديرية له يف ذلك؛‬
‫ـ و حال كانت له السلطة التقديرية في إتيان الفعل تنفيذا ألمر القانون‪ ،‬فإذا ألزم القانون املوظف بالعمل‪ ،‬أي حدده له و ال جمال‬
‫فيه للسلطة التقديرية‪ ،‬عندها يكون الفعل مستمدا صفته املشروعة من القانون مباشرة‪.‬‬
‫أما إذا كان للموظف سلطة تقديرية يف إتيان الفعل‪ ،‬فإن ما يأتيه يف حدود هذه السلطة يكون مربرا كذلك‪ ،‬ألن القانون هو الذي‬
‫منحها و رخص له أن يأيت من األفعال ما هو داخل يف نطاقه‪ ،‬و لكن حىت يعد الفعل (وفق هذا االفرتاض) مربرا فإنه يتعني توافر كل‬
‫الشروط التي يتطلبها القانون لمباشرة السلطة التقديرية سواء كان شروط شكلية أو موضوعية‪ ،‬فالوكيل العام للملك له سلطة‬
‫تقديرية يف إصدار مذكرة التوقيف حبق املتهم‪ ،‬و لكن يتعني أن يكون يف إطار الشروط املوضوعية و اليت من أمهها‪:‬‬
‫ـ أن التوقيف ال يكون إال في الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس أو بعقوبة أشد؛‬
‫ـ كما يتعين أن يكون بعد االستجواب؛‬
‫ـ فضال عن أن يكون التوقيف لمصلحة التحقيق‪،‬‬
‫و ه ‪--‬ذا يتعل ‪--‬ق بقي ‪--‬د حس ‪--‬ن الني ‪--‬ة يف مباش ‪--‬رة الس ‪--‬لطة التقديري ‪--‬ة‪ ،‬و يفس ‪--‬ر حس ‪--‬ن الني ‪--‬ة بض ‪--‬رورة تقي ‪--‬د املخ ‪--‬اطب ب ‪--‬أمر الق ‪--‬انون بالعل ‪--‬ة و‬
‫املص‪-‬لحة ال‪-‬يت ش‪-‬رع اإلج‪-‬راء من أجله‪-‬ا‪ ،‬فمثال التوقي‪-‬ف املؤقت ش‪-‬رع لغ‪-‬رض رئيس‪-‬ي ه‪-‬و مص‪-‬لحة س‪-‬ري ال‪-‬دعوى يف مرحل‪-‬ة التحقي‪-‬ق االبت‪-‬دائي‪،‬‬
‫و األص‪-‬ل أن يك‪-‬ون ه‪-‬دف ممث‪-‬ل النياب‪-‬ة العام‪-‬ة عن‪-‬د مباش‪-‬رته الختصاص‪-‬ه ب‪-‬التوقيف ه‪-‬و مص‪-‬لحة التحقي‪-‬ق‪ ،‬و أال يك‪-‬ون ل‪-‬ه غ‪-‬رض آخ‪-‬ر‪ ،‬و إال‬
‫ك‪-‬ان س‪-‬يئ الني‪-‬ة‪ ،‬و لكن إذا اس‪-‬تهدف بفعل‪-‬ه غرض‪-‬ا غ‪-‬ري م‪-‬ا ح‪-‬دده الق‪-‬انون إىل ج‪-‬انب اس‪-‬تهدافه الغ‪-‬رض ال‪-‬ذي ح‪-‬دده الق‪-‬انون بفعل‪-‬ه املربر‪،‬‬
‫ف ‪--‬إن ابتغ ‪--‬اء الغ ‪--‬رض الق ‪--‬انوين ك ‪--‬اف لت ‪-‬ربير الفع ‪--‬ل‪ ،‬كم ‪--‬ا ل ‪--‬و اس ‪--‬تهدف مص ‪--‬لحة التحقي ‪--‬ق يف إص ‪--‬دار م ‪--‬ذكرة التوقي ‪--‬ف‪ ،‬و يف ذات ال ‪--‬وقت‬
‫استهدف االنتقام من اجلاين و احلقد عليه‪.‬‬
‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬إتيان الفعل تنفيذا ألمر مشروع صادر عن السلطة المختصة‬
‫يلزم القانون املرؤوس بإطاعة رئيسه‪ ،‬و بذلك يكون تنفيذ األمر تنفيذا للقانون يف الوقت نسفه‪ ،‬و لكن بشرط أن يكون األمر‬
‫الصادر من الرئيس مشروعا‪ ،‬فمصدر مشروعية الفعل هنا هو اجتماع أمر الرئيس و أمر القانون معا‪ :‬كاألمر الصادر من النيابة العامة‬
‫إىل ضابط الشرطة القضائية بإلقاء القبض على شخص ما‪ ،‬فال يعد ضابط الشرطة القضائية مرتكبا جلرمية القبض غري املشروع‪ ،‬و‬
‫كذلك مدير السجن الذي حيبس من صدر عليه حكم باحلبس‪ ،‬كما ال يرتكب جرمية اجلالد الذي ينفذ احلكم الصادر باإلعدام‪.‬‬
‫أم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان أم‪-‬ر ال‪-‬رئيس غ‪-‬ري مش‪-‬روع‪ ،‬أي خمالف للق‪-‬انون فإن‪-‬ه يتعني على املرؤوس رفض‪-‬ه و ع‪-‬دم قيام‪-‬ه ب‪-‬ه حتت طائل‪-‬ة املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‬
‫و املدني‪-‬ة مع‪-‬ا‪ ،‬فالقاع‪-‬دة أن‪-‬ه ال طاع]ة لمخل]وق في معص]ية الق]انون‪ ،‬و ي‪-‬رتتب على ه‪-‬ذا املع‪-‬ىن االع‪-‬رتاف للم‪-‬رؤوس ب‪-‬احلق يف متحيص أم‪-‬ر‬
‫ال‪-‬رئيس يف مجي‪--‬ع احلاالت‪ ،‬و االمتن‪--‬اع عن تنفي‪--‬ذ ه‪--‬ذا األم‪--‬ر إذا ت‪--‬بني أن‪--‬ه غ‪--‬ري مش‪--‬روع‪ ،‬و املش‪--‬روعية يف أم‪--‬ر الس‪--‬لطة الرئاس‪--‬ية أم‪--‬ر تس‪--‬تلزمه‬
‫احلي‪-‬اة املدني‪-‬ة يف خمتل‪-‬ف جوانبه‪-‬ا‪ ،‬كم‪-‬ا تس‪-‬تلزمه العالق‪-‬ات ال‪-‬يت تنظم احلي‪-‬اة العس‪-‬كرية ال س‪-‬يما مرف‪-‬ق الق‪-‬وات املس‪-‬لحة‪ ،‬ولكن إذا ك‪-‬ان أم‪-‬ر‬
‫ال ‪-‬رئيس مش‪--‬روعا و مطابق‪--‬ا للق‪--‬انون‪ ،‬يك‪--‬ون تنفي‪--‬ذه مش‪--‬روعا‪ ،‬ف‪--‬إذا ت ‪-‬وافرت ش‪--‬روطها (أي املش‪--‬روعية)‪ ،‬حتق‪--‬ق أثره‪--‬ا دون اعت‪--‬داء بقص‪--‬د ممن‬
‫ارتكب الفعل‪ ،‬فاجلهل بأسباب التربير ال حيول دون االستفادة منها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حالة الضرورة و القوة القاهرة‬
‫ينص الفصل ‪( 124‬ق‪.‬ج) على حالة الضرورة مبا يلي‪:‬‬
‫"ال جناية و ال جنحة و ال خمالفة يف األحوال االتية‪:‬‬
‫‪ )1‬إذا اض ‪--‬طر الفاع ‪--‬ل مادي ‪--‬ا إىل ارتك ‪--‬اب اجلرمية‪ ،‬أو ك ‪--‬ان يف حال ‪--‬ة اس ‪--‬تحال علي ‪--‬ه معه ‪--‬ا‪ ،‬اس ‪--‬تحالة مادي ‪--‬ة‪ ،‬اجتناهبا‪ ،‬و ذل ‪--‬ك لس ‪--‬بب‬
‫خارجي مل يستطع مقاومته؛‬
‫‪ )2‬إذا ك‪-‬انت اجلرمية ق‪-‬د اس‪-‬تلزمتها ض‪-‬رورة حال‪-‬ة لل‪-‬دفاع الش‪-‬رعي عن نفس الفاع‪-‬ل أو غ‪-‬ريه أو عن مال‪-‬ه‪ ،‬أو م‪-‬ال غ‪-‬ريه‪ ،‬بش‪-‬رط أن يك‪-‬ون‬
‫الدفاع متناسبا مع خطورة االعتداء‪.”...‬‬
‫مث نص الفص‪-‬ل ‪ 125‬على احلال‪-‬ة ال‪-‬يت تتح‪-‬ول فيه‪-‬ا حال‪-‬ة الض‪-‬رورة إىل دف‪-‬اع ش‪-‬رعي‪ ،‬وهي حال‪-‬ة الش‪-‬خص ال‪-‬ذي يه‪-‬دده أو يته‪-‬دده خط‪-‬ر‪ ،‬و‬
‫ال‪--‬ذي – م‪--‬ع احتفاظ‪--‬ه حبري‪--‬ة االختي‪--‬ار – يض‪--‬طر من أج‪--‬ل اخلالص من ه‪--‬ذا اخلط‪--‬ر إىل ارتك‪--‬اب جرمية تص‪--‬يب شخص‪--‬ا آخ‪--‬ر ال عالق‪--‬ة ل‪--‬ه‬
‫بسبب اخلطورة إما حبياته أو مباله و دون أن تكون لديه القدرة على منعه بطريقة أخرى‪.‬‬
‫و الغالب يف حالة الضرورة أن اخلطر فيها ليس مثرة عمل إنساين و إمنا وليد قوى طبيعية‪.‬‬
‫و حال‪--‬ة الض‪--‬رورة قدمية ترج‪--‬ع إىل الق‪--‬انون الروم‪--‬اين‪ ،‬حيث اس‪--‬تند اليون‪--‬ان يف تعليله‪--‬ا إىل انتف‪--‬اء القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي‪ ،‬و اع‪--‬رتف هبا بع‪--‬د ذل‪--‬ك‬
‫الق ‪--‬انون اجلرم ‪--‬اين‪ ،‬و ك ‪--‬انت العل ‪--‬ة زوال س ‪--‬لطات الق ‪--‬انون حيث تت ‪-‬وافر ظ ‪--‬روف الض ‪--‬رورة‪ ،‬و هي القاع ‪--‬دة القائل ‪--‬ة "ب ‪--‬أن الض ‪--‬رورة ال تع ‪--‬رف‬
‫قانونا"‪ ،‬مث انتقلت هذه القاعدة إىل فرنسا و عرب عنها بالقول (الضرورة ال يحكمها قانون)‪.‬‬
‫و قد اعرتف هبا القانون الكنسي يف العصور الوسطى يف حاالت السرقة يف سنوات القحط و اجملاعة‪ ،‬و استندو يف تعليلها إىل نوع من‬
‫شيوع األموال و التضامن بني األفراد يف هذه الظروف االستثنائية‪.‬‬
‫ففي حالة الضرورة‪ ،‬ال متحى إرادة الشخص‪ ،‬و إمنا جترد هذه اإلرادة من حرية االختيار‪ ،‬للتخلص من اخلطر‪ ،‬و مع متتع الشخص‬
‫بكامل إرادته يلجأ إىل ارتكاب جرمية مل خيرتها‪.‬‬
‫و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك‪ ،‬تعل‪-‬ق شخص‪-‬ان أثن‪-‬اء غ‪-‬رق س‪-‬فينة بقطع‪-‬ة خش‪-‬ب طافي‪-‬ة‪ ،‬مث ت‪-‬بني أهنا ال تق‪-‬وى على محلهم‪-‬ا مع‪-‬ا؛ فيبع‪-‬د أح‪-‬دمها اآلخ‪-‬ر عنه‪-‬ا‬
‫فينج‪-‬و بنفس‪-‬ه و يهل‪-‬ك زميل‪-‬ه‪ ،‬أو أن تش‪-‬تعل الن‪-‬ار يف مب‪-‬ىن فين‪-‬دفع ش‪-‬خص إىل الف‪-‬رار فيص‪-‬يب طفال جبراح أو يقتل‪-‬ه‪ ،‬أو أن يقض‪-‬ي الط‪-‬بيب‬
‫على اجلنني إنق‪-‬اذا حلي‪-‬اة األم يف والدة عس‪-‬رية‪ ،‬أو أن يش‪-‬هد ش‪-‬خص بن‪-‬اء مش‪-‬تعال ب‪-‬النريان فيحطم ب‪-‬اب مس‪-‬كن جماور‪ ،‬ويس‪-‬تويل على املاء‬
‫اململوك جلاره و يستعمله يف إطار احلريق‪.‬‬
‫و هن‪-‬اك تش‪-‬ابه بني اإلك‪-‬راه املعن‪-‬وي و حال‪-‬ة الض‪-‬رورة‪ ،‬ألن كالمها م‪-‬انع من موان‪-‬ع العق‪-‬اب يف الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي أو م‪-‬انع من موان‪-‬ع املس‪-‬ؤولية‪،‬‬
‫أو س‪--‬بب من أس‪--‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬كم‪--‬ا ه‪--‬و احلال يف الق‪--‬انون املق‪--‬ارن‪ ،‬و رغم ذل‪--‬ك ف‪--‬إن اإلك‪-‬راه املعن‪--‬وي خيتل‪--‬ف عن حال‪--‬ة الض‪--‬رورة يف النق‪--‬اط‬
‫التالية‪:‬‬
‫أن اخلاضع لإلكراه املعنوي حيدد له السلوك املطلوب منه‪ ،‬حىت يتفادى اخلطر املهدد به‪ ،‬و لكن ما يوجد يف حالة الضرورة ال حيدد له‬
‫ذلك‪ ،‬بل عليه أن يلحظ الظروف احمليطة به و يتصور وسيلة اجتناب اخلطر‪.‬‬
‫‪ ‬اإلكراه يصدر عن إنسان دائما‪ ،‬و لكن ظروف الضرورة يغلب أال تكون من خلق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬حرية االختيار تضيق عند اإلكراه المعنوي أكثر مما تضيق في حالة الضرورة‪ ،‬ذلك أن من يصدر عنه االكراه يعين لمن‬
‫يخضع له طريقا محددا لكي يسلكه‪ ،‬أما من يوجد في حالة ضرورة فعلية‪ ،‬فله أن يتصور طريق الخالص منها‪ ،‬و قد تتعدد‬
‫الطرق و يستطيع أن يختار من بينها‪.‬‬
‫و حىت تعترب حالة الضرورة قوة قاهرة‪ ،‬و مانع من موانع العقاب جيب أن تتوافر يف حالة الضرورة الشروط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬وجود خطر جسيم على النفس أو المال‪:‬‬
‫يشرتط يف اخلطر الالزم لتوافر حالة الضرورة أن يكون جسيما على النفس أو املال‪ ،‬و شرط اجلسامة صفة موضوعية تطلق على اخلطر‬
‫من حيث درجة مساسه باملصلحة احملمية كاملوت أو العاهة املستدمية أو اجلرح البليغ‪.‬‬
‫و معيار جسامة اخلطر‪ ،‬هو عدم قابلية الضرر الناجم عنه لإلصالح‪ ،‬أما إذا كان من املمكن إصالح الضرر فاخلطر ال يعد جسيما‪.‬‬
‫و اخلطر جيب أن يهدد النفس أو املال‪ ،‬أو نفس الغري أو ماله‪ ،‬سواء كان مصدره سلوكا إنسانيا إجراميا أو غري إجرامي‪ ،‬أو واقعة‬
‫طبيعية كالفيضان و هبوب العواصف‪ ،‬أو ماديا كاألخطار النامجة عن اآلالت و التوصيالت الكهربائية‪ ،‬أو سببا كاملرض و اجلوع و‬
‫خشية الفضيحة و العار‪.‬‬
‫‪-2‬يجب أن يكون الخطر حاال‪:‬‬
‫جيب أن تك‪--‬ون هن‪--‬اك ض‪--‬رورة فعلي‪--‬ة لوج‪--‬ود خط‪--‬ر ح‪--‬ال على جس‪--‬ده و حريت‪--‬ه و عرض‪--‬ه و ش‪--‬رفه و اعتب‪--‬اره و مال‪--‬ه ‪ ،‬فتك‪--‬ون حال‪--‬ة الض‪--‬رورة‬
‫تكون متوافرة‪ ،‬و يستوي أن تكون النفس املعرضة للخطر تتعلق مبن قام بالفعل الضروري أو بالغري‪.‬‬
‫‪-3‬أال يكون إلرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر‪:‬‬
‫و عل‪--‬ة ه‪--‬ذا الش‪--‬رط أن االنتق‪--‬اص من حري‪--‬ة االختي‪--‬ار يف‪--‬رتض أن املتهم ق‪--‬د ف‪--‬وجئ حبل‪--‬ول اخلط‪--‬ر فلم يكن يف الف‪--‬رتة م‪--‬ا بني وق‪--‬وع اخلط‪--‬ر‬
‫وارتكابه الفعل فسحة من الوقت متكنه من التفكري يف إتيان فعل سواه ال ميس حقوق غريه‪.‬‬
‫و حىت تعترب حالة الضرورة قوة قاهرة‪ ،‬و مانع من موانع العقاب جيب أن تتوافر يف حالة الضرورة الشروط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬وجود خطر جسيم على النفس أو المال‪:‬‬
‫يشرتط يف اخلطر الالزم لتوافر حالة الضرورة أن يكون جسيما على النفس أو املال‪ ،‬و شرط اجلسامة صفة موضوعية تطلق على اخلطر‬
‫من حيث درجة مساسه باملصلحة احملمية كاملوت أو العاهة املستدمية أو اجلرح البليغ‪.‬‬
‫و معيار جسامة اخلطر‪ ،‬هو عدم قابلية الضرر الناجم عنه لإلصالح‪ ،‬أما إذا كان من املمكن إصالح الضرر فاخلطر ال يعد جسيما‪.‬‬
‫و اخلط ‪--‬ر جيب أن يه ‪--‬دد النفس أو املال‪ ،‬أو نفس الغ ‪--‬ري أو مال ‪--‬ه‪ ،‬س ‪-‬واء ك ‪--‬ان مص ‪--‬دره س ‪--‬لوكا إنس ‪--‬انيا إجرامي ‪--‬ا أو غ ‪--‬ري إج ‪-‬رامي‪ ،‬أو واقع ‪--‬ة‬
‫طبيعي ‪--‬ة كالفيض ‪--‬ان و هب ‪--‬وب العواص ‪--‬ف‪ ،‬أو مادي ‪--‬ا كاألخط ‪--‬ار النامجة عن اآلالت و التوص ‪--‬يالت الكهربائي ‪--‬ة‪ ،‬أو س ‪--‬ببا ك ‪--‬املرض و اجلوع و‬
‫خشية الفضيحة و العار‪.‬‬
‫‪-2‬يجب أن يكون الخطر حاال‪:‬‬
‫جيب أن تكون هناك ضرورة فعلية لوجود خطر حال على جسده و حريته و عرضه و شرفه و اعتباره و ماله ‪ ،‬فتكون حالة الضرورة‬
‫تكون متوافرة‪ ،‬و يستوي أن تكون النفس املعرضة للخطر تتعلق مبن قام بالفعل الضروري أو بالغري‪.‬‬
‫أال يكون إلرادة الفاعل دخل يف حدوث اخلطر‪:‬‬
‫و عل‪-‬ة ه‪-‬ذا الش‪-‬رط أن االنتق‪-‬اص من حري‪-‬ة االختي‪-‬ار يف‪-‬رتض أن املتهم ق‪-‬د ف‪-‬وجئ حبل‪-‬ول اخلط‪-‬ر فلم يكن يف الف‪-‬رتة م‪-‬ا بني وق‪-‬وع اخلط‪-‬ر‬
‫و ارتكابه الفعل فسحة من الوقت متكنه من التفكري يف إتيان فعل سواه ال ميس حقوق غريه‪.‬‬
‫فمن يغرق سفينة عمدا مث يضطر يف سبيل إنقاذ نفسه إىل قتل شخص زامحه يف وسيلة النجاة‪ ،‬أو من حيرق عمدا مكانا مث يضطر‬
‫يف سبيل الفرار من النريان إىل إصابة شخص آخر اعرتض طريقه ال يستطيع أن حيتج حبالة الضرورة‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب أال تكون هناك وسيلة أخرى لتفادي الخطر أهملها الشخص بسبب اضطرابه‪:‬‬
‫فإذا ك‪-‬ان ل‪-‬دى الش‪-‬خص وس‪-‬يلة للخ‪-‬روج من املك‪-‬ان ال‪-‬ذي اش‪-‬تعلت في‪-‬ه الن‪-‬ريان‪ ،‬و لكن‪-‬ه نتيج‪-‬ة الض‪-‬طرابه و فق‪-‬د الق‪-‬درة على التص‪-‬رف‬
‫آث‪-‬ر أن ي‪-‬دفع شخص‪-‬ا آخ‪-‬ر مير أمام‪-‬ه فقتل‪-‬ه أو جرح‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إن ه‪-‬ذا الش‪-‬خص يس‪-‬أل جنائي‪-‬ا عن فعل‪-‬ه‪ ،‬و إن ك‪-‬ان يس‪-‬تفيد يف ه‪-‬ذه األح‪-‬وال من‬
‫لظروف املخففة‪.‬‬
‫‪-4‬يجب أن يكون الفعل متناسبا مع الخطر‪:‬‬
‫ال تق ‪--‬وم حال ‪--‬ة الض ‪--‬رورة إال إذا ك ‪--‬انت اجلرمية املرتكب ‪--‬ة من حيث اجلس ‪--‬امة هي الوس ‪--‬يلة الوحي ‪--‬دة ال ‪--‬يت تك ‪--‬ون يف وس ‪--‬ع املتهم من بني‬
‫اجلرائم اليت ميكن ارتكاهبا‪ ،‬حبيث ال ميكن له النجاة من اخلطر اجلسيم هو أو غريه جبرمية غري تلك اليت ارتكبها‪.‬‬
‫و يتح ‪--‬دد ه ‪--‬ذا املع ‪--‬ىن طبق ‪--‬ا للمعي ‪--‬ار املوض ‪--‬وعي ال ‪-‬واقعي ال ‪--‬ذي قوام ‪--‬ه الش ‪--‬خص الع ‪--‬ادي إذا وج ‪--‬د يف نفس الظ ‪--‬روف الشخص ‪--‬ية ال ‪--‬يت‬
‫تعرض هلا اجلاين‪.‬‬
‫فالض‪-‬رورة تق‪-‬در بق‪-‬درها دون جتاوز للح‪-‬دود الالزم‪-‬ة للتخلص من ظروفه‪-‬ا‪ ،‬إذا ت‪-‬وافرت الش‪-‬روط اخلمس‪-‬ة الس‪-‬ابقة‪ ،‬ال عق‪-‬اب على من‬
‫دفعت ‪--‬ه الض ‪--‬رورة إىل اجلرمية باس ‪--‬تثناء األش ‪--‬خاص ال‪- -‬واجب عليهم – حبكم عملهم‪ -‬التع ‪--‬رض لألخط ‪--‬ار‪ ،‬كرج ‪--‬ال ال ‪--‬دفاع املدين‪ ،‬و رج ‪--‬ال‬
‫اإلنقاد و رجال األمن العام‪ ،‬و حراس الطائرات و املطارات و احلدود‪....‬إخل‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الدفاع الشرعي‬
‫تقديـم‪:‬‬
‫ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ه‪-‬و ح‪-‬ق ع‪-‬ام يعطي ص‪-‬احبه اس‪-‬تعمال الق‪-‬وة الالزم‪-‬ة ل‪-‬دفع تع‪-‬رض (اعت‪-‬داء) غ‪-‬ري مش‪-‬روع يق‪-‬ع على النفس أو املال بفع‪-‬ل‬
‫يعد جرمية‪ ،‬فالدفاع الشرعي يقرره املشرع لكل إنسان يف مواجهة الكافة‪ ،‬و من مث ال جيوز ألي إنسان أن حيول دون استعماله‪.‬‬
‫و ق‪-‬د اختلفت اآلراء الفقهي‪-‬ة يف حتدي‪-‬د األس‪-‬اس ال‪-‬ذي يق‪-‬وم علي‪-‬ه ح‪-‬ق ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي‪ ،‬ف‪-‬ذهب ج‪-‬انب من الفق‪-‬ه إىل تأس‪-‬يس ال‪-‬دفاع‬
‫الش‪--‬رعي يف فك‪--‬رة اإلك ‪-‬راه املعن‪--‬وي‪ ،‬باعتب‪--‬ار أن الش‪--‬خص املوج‪--‬ود يف حال‪--‬ة دف‪--‬اع ش‪--‬رعي عن نفس‪--‬ه يك‪--‬ون واقع‪--‬ا حتت ت‪--‬أثريه إك ‪-‬راه معن‪--‬وي‬
‫بفقده حرية االختيار‪.‬‬
‫و مث‪--‬ل ه‪--‬ذا التفس‪--‬ري ال يص‪--‬يب احلقيق‪--‬ة بكامله‪--‬ا‪ ،‬ألن االعت‪--‬داء ال‪--‬ذي يص‪--‬يب املدافع ال يش‪--‬رتط في‪--‬ه أن يص‪--‬ل إىل احلد ال‪--‬ذي يفق‪--‬ده‬
‫حري‪-‬ة االختي‪-‬ار‪ ،‬كم‪-‬ا أن اإلك‪-‬راه املعن‪-‬وي م‪-‬انع من موان‪-‬ع العق‪-‬اب أو موان‪-‬ع املس‪-‬ؤولية‪ ،‬بينم‪-‬ا ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي س‪-‬بب من أس‪-‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬فض‪-‬ال‬
‫عن أن هذا التفسري ال يستقيم مع أحوال إباحة الدفاع الشرعي عن نفس الغري أو ماله‪.‬‬
‫و ذهب ج‪-‬انب آخ‪-‬ر من الفق‪-‬ه إىل تأس‪-‬يس ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي على فك‪-‬رة التف‪-‬ويض الق‪-‬انوين باعتب‪-‬ار أن املدافع يف رده لالعت‪-‬داء إمنا ين‪-‬وب‬
‫عن الدولة يف ممارسة سلطتها يف منع اجلرائم إذا تعذر عليها التدخل يف الوقت املناسب لرد هذا االعتداء‪.‬‬
‫و ه‪--‬ذا التفس‪--‬ري أيض‪--‬ا م‪--‬ردود علي‪--‬ه من أن التف‪--‬ويض مينح املف‪--‬وض إلي‪--‬ه ذات الس‪--‬لطات املخول‪--‬ة للمف‪--‬وض‪ ،‬وه‪--‬ذا ال يتحق‪--‬ق يف ال‪--‬دفاع‬
‫الش‪--‬رعي‪ ،‬حيث ي‪-‬رتكب املدافع أفع‪--‬اال ال يب‪--‬اح لرج‪--‬ال الس‪--‬لطة العام‪--‬ة ارتكاهبا‪ ،‬فض‪--‬ال عن أن التف‪--‬ويض بطبيعت‪--‬ه ال ي‪--‬بيح للمف‪--‬وض إلي‪--‬ه م‪--‬ا‬
‫ميتنع على املفوض‪.‬‬
‫و ال‪-‬راجح أن أس‪-‬اس ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي يرج‪-‬ع إىل فك‪-‬رة املوازن‪-‬ة بني املص‪-‬احل املتعارض‪-‬ة لألف‪-‬راد و تغليب م‪-‬ا ك‪-‬ان منه‪-‬ا أوىل بالرعاي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬رغم‬
‫أن فع ‪--‬ل االعت ‪--‬داء الص ‪--‬ادر عن املدافع يه ‪--‬دد مص ‪--‬لحة املعت ‪--‬دي‪ ،‬لكن يص ‪--‬ون يف نفس ال ‪--‬وقت مص ‪--‬لحة املعت ‪--‬دى علي ‪--‬ه‪ ،‬و ه ‪--‬ذه املص ‪--‬لحة‬
‫األخ‪--‬رية هي األرجح أمهي‪--‬ة يف نظ‪--‬ر اجملتم‪-‬ع‪ ،‬أي أن مص‪-‬لحة املدافع يف محاي‪-‬ة حقوق‪-‬ه (ك‪-‬احلق يف احلي‪-‬اة) أوىل باالعتب‪-‬ار من محاي‪-‬ة مص‪-‬لحة‬
‫املعت‪-‬دي‪ ،‬ألن املعت‪-‬دي يك‪-‬ون باعتدائ‪-‬ه ق‪-‬د هب‪-‬ط بالقيم‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة ملص‪-‬لحته (احلق يف احلي‪-‬اة)‪ ،‬مما يقتض‪-‬ي إباح‪-‬ة فع‪-‬ل املعت‪-‬دى علي‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إذا‬
‫ك‪-‬ان ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ي‪-‬بيح أفع‪-‬ال ال‪-‬دفاع‪ ،‬فإن‪-‬ه يف ذات ال‪-‬وقت ال ميس الص‪-‬فة غ‪-‬ري املش‪-‬روعة ألفع‪-‬ال االعت‪-‬داء‪ ،‬فيظ‪-‬ل املعت‪-‬دي على ال‪-‬رغم مما‬
‫ناله من إيذاء (أثناء استعمال حق الدفاع) مسؤوال عن جرميته‪.‬‬
‫و فيم‪--‬ا يلي الش‪--‬روط ال ‪-‬واجب توافره‪--‬ا يف ك‪--‬ل فع‪--‬ل االعت‪--‬داء و ال‪--‬دفاع‪ ،‬و ه‪--‬ذا م‪--‬ا نعاجله يف البن‪--‬د األول‪ .‬أم‪--‬ا الث‪--‬اين فنخصص‪--‬ه آلث‪--‬ار‬
‫الدفاع الشرعي و حكم جتاوزه‪ ،‬و خنصص الثالث للحالة اخلاصة بالدفاع الشرعي‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬شروط الدفاع الشرعي‬
‫يف ‪--‬رتض ال ‪--‬دفاع الش ‪--‬رعي تع ‪--‬رض املدافع خلط ‪--‬ر م ‪--‬ا‪ ،‬و ليس ك ‪--‬ل تع ‪--‬رض ي ‪--‬ربر ال ‪--‬دفاع الش ‪--‬رعي‪ ،‬إمنا ه ‪--‬و التع ‪--‬رض ال ‪--‬ذي يقي ‪--‬ده املش ‪--‬رع‬
‫بش‪--‬روط معين‪--‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا يف‪-‬رتض ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي أن يك‪-‬ون هن‪-‬اك فع‪-‬ل دف‪-‬اع لص‪-‬د ه‪--‬ذا التع‪-‬رض و على النح‪--‬و ال‪--‬ذي يك‪-‬ون في‪-‬ه دفاع‪-‬ا م‪-‬ربرا و‬
‫وفق الشروط املقررة قانونا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الشروط المتطلبة في االعتداء‬
‫االعت‪--‬داء ه‪--‬و اخلط‪--‬ر ال‪--‬ذي ين‪-‬ذر بوق‪-‬وع ض‪-‬رر يص‪-‬يب النفس أو املال‪ ،‬أي ه‪--‬و االعت‪-‬داء احملتم‪-‬ل ال‪--‬ذي مل يتحق‪-‬ق بع‪-‬د‪ ،‬و لكن حتقق‪-‬ه‬
‫منتظ ‪--‬ر وف ‪--‬ق الس ‪--‬ري الع ‪--‬ادي لألم ‪--‬ور‪ ،‬و يس ‪--‬تهدف ال ‪--‬دفاع التع ‪--‬ديل من مس ‪--‬ار االعت ‪--‬داء ح ‪--‬ىت ال يتح ‪--‬ول إىل ض ‪--‬رر‪ ،‬و يس ‪--‬توي أال يتح ‪--‬ول‬
‫االعت‪-‬داء إىل ض‪-‬رر أو أن يتحق‪-‬ق ج‪-‬زء من‪-‬ه‪ ،‬فال‪-‬دفاع ج‪-‬ائز يف الوض‪-‬عني‪ ،‬أم‪-‬ا إذا حتول االعت‪-‬داء إىل ض‪-‬رر فعلي‪ ،‬عن‪-‬دها يك‪-‬ون االعت‪-‬داء ق‪-‬د‬
‫حتقق كله و وقعت جرمية املعتدي و ينتفي معه حق الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫و من ب‪--‬اب أوىل ال حمل لل‪--‬دفاع الش‪--‬رعي إذا مل يكن هن‪--‬اك مثة اعت‪--‬داء حمتم‪--‬ل‪ ،‬و يتحق‪--‬ق ذل‪--‬ك إذا مل ي‪-‬رتكب فع‪--‬ل م‪--‬ا يش‪--‬كل خط‪-‬را‬
‫م‪-‬ا‪ ،‬أو ارتكب فع‪-‬ل ال يه‪-‬دد خبط‪-‬ر‪ ،‬فال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي يتطلب أن يص‪-‬در عن املعت‪-‬دي فع‪-‬ل م‪-‬ادي ينط‪-‬وي على خط‪-‬ر ين‪-‬ذر بوق‪-‬وع ض‪-‬رر‪ ،‬و‬
‫يستوي بعد ذلك أن يكون اخلطر جسيما أو بسيطا و سواء كان مصدر اخلطر فعال إجيابيا أم سلبيا‪.‬‬
‫و يتطلب القانون يف التعرض الذي تتوافر به حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬توافر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪‬كونه غير مشروع؛‬
‫‪‬ثم أن يكون وشيك الوقوع؛‬
‫‪‬و أن يكون غير مثار؛‬
‫‪ ‬و أخيرا أن يكون مهددا بجريمة ضد النفس و المال و على النحو الذي يحدده القانون‪.‬‬
‫‪‬الشرط األول‪ :‬وجود اعتداء (خطر) يهدد بارتكاب جريمة (اعتداء غير مشروع)‬
‫يل‪-‬زم لكي ينش‪-‬أ ح‪-‬ق ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي أن يك‪-‬ون هن‪-‬اك اعت‪-‬داء حمتم‪-‬ل‪ ،‬و لكن يتعني في‪-‬ه أن يك‪-‬ون غ‪-‬ري مش‪-‬روع‪ ،‬و ه‪-‬و االعت‪-‬داء ال‪-‬ذي‬
‫يه‪--‬دد بارتك‪--‬اب جرمية‪ ،‬أي ال‪--‬ذي يه‪--‬دد باعت ‪--‬داء على ح‪--‬ق حيمي ‪--‬ه الق‪--‬انون‪ ،‬و ال يعت ‪--‬رب غ‪--‬ري مش‪--‬روع إ|ال إذا ك ‪--‬ان يه‪--‬دد بتحقي ‪--‬ق نتيج ‪--‬ة‬
‫إجرامية معينة‪.‬‬
‫يكتفي املش‪-‬رع إذن لت‪-‬وافر االعت‪-‬داء أن ي‪-‬رتكب املعت‪-‬دي فعال مادي‪-‬ا حيق‪-‬ق خط‪-‬ر وق‪-‬وع اجلرمية‪ ،‬كمن يعم‪-‬ل س‪-‬الحه يف جس‪-‬م غرمية فإن‪-‬ه‬
‫ينش‪--‬أ بفعل‪--‬ه ه‪--‬ذا خط‪-‬را يه‪--‬دده بتحق‪-‬ق الوف‪-‬اة‪ ،‬و هي نتيج‪--‬ة إجرامي‪-‬ة تق‪-‬وم هبا جرمية القت‪-‬ل‪ ،‬ف‪-‬إذا مل يتحق‪-‬ق ه‪--‬ذا اخلط‪--‬ر هبذا املع‪-‬ىن فال قي‪--‬ام‬
‫حلق الدفاع الشرعي‪ ،‬و لكن ال يشرتط كي يكون اخلطر غري مشروع أن يبلغ الفعل املنشئ له حد إعمال السالح يف جسم‬
‫اجملين علي‪-‬ه‪ ،‬ب‪-‬ل يكفي أن يوج‪-‬ه اجلاين س‪-‬الحه ص‪-‬وب جس‪-‬م اجملين علي‪-‬ه أو جمرد التهدي‪-‬د ب‪-‬ه‪ ،‬و ق‪-‬د يك‪-‬ون ه‪-‬ذا االعت‪-‬داء غ‪-‬ري مش‪-‬روع مبج‪-‬رد‬
‫أن يأتي‪--‬ه اجلاين (محل الس‪--‬الح) يف ظ‪--‬روف جتع‪--‬ل من اس‪--‬تعماله م‪--‬ا ين‪--‬بئ إىل احتم‪--‬ال حتق‪--‬ق االعت‪--‬داء على احلي‪--‬اة‪ ،‬و مث‪--‬ال ذل‪--‬ك من خيرج‬
‫املسدس من جيبه و يقوم حبشوه بالرصاص حلظة أن رأى عدوه قادما من بعيد‪.‬‬
‫و ال يش‪-‬رتط لقي‪-‬ام حال‪-‬ة ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي أن يك‪-‬ون التع‪-‬رض على درج‪--‬ة معين‪-‬ة من اجلس‪-‬امة‪ ،‬فق‪-‬د يك‪-‬ون بس‪-‬يطا‪ ،‬و ق‪-‬د يك‪-‬ون جس‪-‬يما‪،‬‬
‫فاالعتداء مهما كانت درجة جسامته يربر الدفاع الشرعي حىت و لو مل يسفر عن إصابات‪.‬‬
‫كم ‪--‬ا يس ‪--‬توي يف االعت ‪--‬داء الص ‪--‬ادر عن املعت ‪--‬دي أن يك ‪--‬ون مثرة جرمية مقص ‪--‬ودة أو غ ‪--‬ري مقص ‪--‬ودة‪ ،‬فال ‪--‬دفاع الش ‪--‬رعي ج ‪--‬ائز يف مواجه ‪--‬ة‬
‫االعت‪-‬داء غ‪-‬ري املش‪-‬روع س‪-‬واء ك‪-‬ان الفع‪-‬ل املنش‪-‬ئ لالعت‪-‬داء أت‪-‬اه اجلاين بقص‪-‬د أو ك‪-‬ان مثرة إمهال أو قل‪-‬ة اح‪-‬رتاز‪ ،‬كم‪-‬ا أن املش‪-‬رع ال يع‪-‬ول على‬
‫جرمية املعتدي فيما لو وقعت تامة أو غري تامة‪ ،‬ففي كال احلالتني يكون االعتداء غري مشروع‪.‬‬
‫و مث‪-‬ال االعت‪-‬داء ال‪-‬ذي يش‪-‬كل جرمية تام‪-‬ة و على حنو ي‪-‬ربر ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي‪ ،‬فإن‪-‬ه يتحق‪-‬ق يف األح‪-‬وال ال‪-‬يت يك‪-‬ون فيه‪-‬ا اجلاين اس‪-‬تكمل‬
‫نش ‪--‬اطه اجلرمي‪ ،‬و لكن بظ ‪--‬روف إتيان ‪--‬ه هلذا النش ‪--‬اط ت ‪--‬بني برغبت ‪--‬ه يف االس ‪--‬تمرار و جتدي ‪--‬د النش ‪--‬اط املك ‪--‬ون للجرمية‪ ،‬و هن ‪--‬ا يظه ‪--‬ر ال ‪--‬دفاع‬
‫الش‪--‬رعي يف مدلول‪--‬ه االجتم‪--‬اعي أن‪--‬ه ح‪--‬ق يس‪--‬تخدم ملن‪--‬ع االس‪--‬تمرار يف اجلرائم‪ :‬كم‪--‬ا يف مث‪--‬ال املعت‪--‬دي ال‪--‬ذي يق‪--‬وم بض‪--‬رب غرميه بالعص‪--‬ا أو‬
‫ب‪-‬أي آل‪-‬ة ح‪-‬ادة‪ ،‬فبه‪-‬ذا الفع‪-‬ل تك‪-‬ون ق‪-‬د حتققت جرمية الض‪-‬رب التام‪-‬ة‪ ،‬و لكن متادي‪-‬ه باس‪-‬تمرار الض‪-‬رب فإن‪-‬ه ينش‪-‬ئ للمعت‪-‬دى علي‪-‬ه احلق يف‬
‫الدفاع الشرعي للحيلولة بني املعتدي و االستمرار يف اعتدائه‪.‬‬
‫كما أنه من املتصور حتقق خطر االعتداء من جمرد األعمال التحضريية للجرمية و على حنو يربر نشوء حق الدفاع الشرعي‪ ،‬و يكون‬
‫ذلك يف األحوال اليت يصدر فيها من املعتدي أفعال هي مبثابة أعمال حتضريية و لكن أتاها املعتدي بظروف جتعل من العمل التحضريي‬
‫نشاطا يهدد خبطر غري مشروع‪ ،‬كمن خيرج مسدسه من جيبه مث يقوم حبشوه بالرصاص جملرد أن رأى عدوه قادما حنوه‪.‬‬
‫و يترتب على اعتبار الصفة غير المشروعة للخطر شرطا من شروط الدفاع نتيجتان‪:‬‬
‫‪‬النتيجة األولى‪:‬‬
‫أن]ه ال مح]ل لقي]ام ال]دفاع الش]رعي إذا ك]ان الخط]ر ال]ذي يته]دد الش]خص ه]و خط]ر مش]روع أي خاض]عا لس]بب من أس]باب الت]برير‪،‬‬
‫فاخلطر يف هذه احلالة يكون مشروعا‪ ،‬فال جيوز ملن يهدده هذا اخلطر االحتجاج بالدفاع الشرعي‪:‬‬
‫‪ ‬و تطبيقا لذلك فإن االبن الذي يتعرض ألفعال ضرب يرتكبها والده يف حدود التأديب ال يعترب يف حالة دفاع شرعي عن النفس إذا‬
‫قاوم هذه األفعال‪،‬‬
‫‪ ‬كذلك من يتعرض لتنفيذ أمر بالقبض أو التفتيش تتوافر فيه الشروط القانونية ال يعترب يف حالة دفاع شرعي عن النفس إذا قاوم هذه‬
‫األفعال‪،‬‬
‫‪ ‬و من يضبط متلبسا جبرمية ال يعترب يف حالة دفاع شرعي عن النفس إذا قاوم من يتعقبه للقبض عليه‪ ،‬فال دفاع ضد الدفاع‪.‬‬
‫على أن الدفاع ال يعترب مشروعا إال إذا التزم املدافع شروط اإلباحة و قيودها‪ ،‬فإذا جتاوزها يعترب فعله غري مشروع‪ ،‬كذلك من كان يف‬
‫حالة ضرورة فال جيوز استعمال الدفاع الشرعي ضده‪:‬‬
‫‪ ‬و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك إذا ش‪-‬ب حري‪-‬ق يف م‪-‬نزل‪ ،‬و ان‪-‬دفع ص‪-‬احب املنزل يري‪-‬د الف‪-‬رار من احلري‪-‬ق و الن‪-‬ار‪ ،‬فه‪-‬دد بف‪-‬راره ه‪-‬ذا شخص‪-‬ا آخ‪-‬ر ب‪-‬أن دفع‪-‬ه‬
‫أو ح‪-‬اول املرور قبل‪-‬ه‪ ،‬فال حيتج ه‪-‬ذا األخ‪-‬ري بال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي إذا اس‪-‬تعمل العن‪-‬ف ض‪-‬د من حياول الف‪-‬رار‪ ،‬ألن اخلط‪-‬ر ال‪-‬ذي يه‪-‬دد ص‪-‬احب‬
‫املنزل ال يعترب خطرا غري مشروع‪ ،‬و حىت يبيح له استعمال حق الدفاع؛‬
‫‪ ‬أو حال‪-‬ة من يش‪-‬هد مك‪-‬ان حاص‪-‬رته الن‪-‬ريان فيق‪-‬وم بتحطيم ب‪-‬اب مس‪-‬كن جماور للحص‪-‬ول على املاء الس‪-‬تعماله يف إطف‪-‬اء احلري‪-‬ق‪ ،‬فال جيوز‬
‫لص‪-‬احب املس‪-‬كن ال‪-‬ذي حتطم باب‪-‬ه أن يس‪-‬تعمل ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ض‪-‬د من ق‪-‬ام بتحطيم الب‪-‬اب وأن حيتج بال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي إذا ق‪-‬اوم دخ‪-‬ول‬
‫الغريب داره بالعنف‪ ،‬ألن اخلطر الذي يهدد صاحب املنزل ال يعترب خطرا غري مشروع حىت يبيح له استعمال حق الدفاع‪.‬‬
‫‪ ‬النتيجة الثانية‪:‬‬
‫إن ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ج‪-‬ائز ض‪-‬د ك‪-‬ل خط‪-‬ر غ‪-‬ري مش‪-‬روع‪ ،‬وي‪-‬رتتب على ذل‪-‬ك أن هن‪-‬اك خط‪-‬را غ‪-‬ري مش‪-‬روع ول‪-‬و ك‪-‬ان مص‪-‬در ه‪-‬ذا اخلط‪-‬ر مس‪-‬تفيدا‬
‫من أسباب امتناع املسؤولية أو يستفيد من عذر قانوين‪:‬‬
‫‪ ‬وتطبيق‪-‬ا ل‪-‬ذلك من يتع‪-‬رض العت‪-‬داء ص‪-‬ادر من جمن‪-‬ون أو ص‪-‬غري مل يبل‪-‬غ الس‪-‬ابعة أو ش‪-‬خص واق‪-‬ع حتت إك‪-‬راه جيوز ال‪-‬دفاع عن نفس‪-‬ه‪ ،‬ألن‬
‫فعل هؤالء مجيعا يعترب غري مشروع‪ ،‬ويشكل جرمية وإن توافر يف جانبهم مانع من موانع املسؤولية اجلزائية‪.‬‬
‫وإذا ك‪-‬ان مص‪-‬در اخلط‪-‬ر حيوان‪-‬ا ف‪-‬إن حال‪-‬ة ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي تق‪-‬وم إذا ك‪-‬ان احلي‪-‬وان جمرد أداة بي‪-‬د ش‪-‬خص مس‪-‬ؤول جنائي‪-‬ا يق‪-‬وم بتحريض‪-‬ه‪،‬‬
‫ألن الع‪-‬دوان يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة يك‪-‬ون واقع‪-‬ا من ه‪-‬ذا الش‪-‬خص ال من احلي‪-‬وان‪ ،‬أم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان اعت‪-‬داء احلي‪-‬وان مرجع‪-‬ه ه‪-‬و نفس‪-‬ه ودون حتريض من‬
‫أحد كنا بصدد حالة ضرورة ال حالة دفاع شرعي‪ ،‬و مصدر اخلطر ليس إجراميا‪.‬‬
‫كم‪-‬ا ال يل‪-‬زم أن يك‪-‬ون خط‪-‬ر اإلعت‪-‬داء موجه‪-‬ا حنو املدافع نفس‪-‬ه‪ ،‬ب‪-‬ل إن حال‪-‬ة ال‪-‬دفاع املش‪-‬روع تق‪-‬وم ول‪-‬و ك‪-‬ان خط‪-‬ر اإلعت‪-‬داء موجه‪-‬ا حنو‬
‫غ‪-‬ريه‪ ،‬ألن الق‪-‬انون ي‪-‬بيح لك‪-‬ل ش‪-‬خص أن ي‪-‬دافع عن غ‪-‬ريه س‪-‬واء أك‪-‬انت تربط‪-‬ه هبذا الغ‪-‬ري ص‪-‬لة أم مل تكن بينهم‪-‬ا أي‪-‬ة ص‪-‬لة‪ ،‬وس‪-‬واء ك‪-‬ان ه‪-‬ذا‬
‫الغري شخصا طبيعيا أو معنويا‪.‬‬
‫كم‪--‬ا ال يش‪--‬رتط أن يك‪--‬ون ه‪--‬ذا اخلط‪--‬ر مه‪--‬ددا بض‪--‬رر جس‪--‬يم‪ ،‬فال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي على خالف حال‪--‬ة الض‪--‬رورة‪ ،‬ج‪--‬ائز س ‪-‬واء أك‪--‬ان اخلط‪--‬ر‬
‫جسيما أم غري جسيم وسواء كان مصدره فعل إجيايب أو سليب‪.‬‬
‫ولكن هل يجوز استعمال الدفاع الشرعي ضد الخطر الوهمي؟‬
‫وق‪-‬د يعتق‪-‬د ش‪-‬خص أن‪-‬ه مه‪-‬دد خبط‪-‬ر ح‪-‬ال فيق‪-‬وم بأعم‪-‬ال ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي مث يت‪-‬بني أن ه‪-‬ذا اخلط‪-‬ري مل يكن ل‪-‬ه وج‪-‬ود إال يف خميلت‪-‬ه‪ ،‬فه‪-‬ل‬
‫جيوز ل‪-‬ه اإلحتج‪-‬اج بال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي إلباح‪-‬ة فعل‪-‬ه؟ ومث‪-‬ل ذل‪-‬ك‪ :‬أن يبص‪-‬ر ش‪-‬خص شخص‪-‬ا آخ‪-‬ر مقبال حنوه يف الظالم وبي‪-‬ده ش‪-‬يء حيس‪-‬به‬
‫س‪-‬الحا موجه‪-‬ا إلي‪-‬ه فيعاجله ب‪-‬إطالق الرص‪-‬اص علي‪-‬ه فيقتل‪-‬ه‪ ،‬مث يت‪-‬بني بع‪-‬د ذل‪-‬ك أن ه‪-‬ذا الش‪-‬خص ه‪-‬و ص‪-‬ديقه ك‪-‬ان ميازح‪-‬ه وأن م‪-‬ا حيمل‪-‬ه مل‬
‫يكن سوى مسدسا فارغا من الرصاص‪ ،‬فهل يعتد باخلطر الومهي لإلحتجاج بالدفاع الشرعي‪.‬‬
‫إن معي‪-‬ار التمي‪-‬يز بني اخلط‪-‬ر ال‪-‬ومهي واخلط‪-‬ر احلال احلقيقي ه‪-‬و معي‪-‬ار موض‪-‬وعي‪ ،‬ش‪-‬أنه يف ذل‪-‬ك ش‪-‬أن أس‪-‬باب الت‪-‬ربير‪ ،‬ويقتض‪-‬ي املعي‪-‬ار‬
‫املوض‪--‬وعي ت ‪-‬وافر أس‪--‬باب الت ‪-‬ربير ح‪--‬ىت تنتج آثاره‪--‬ا‪ ،‬ف‪--‬إذا اش‪--‬رتط يف اخلط‪--‬ر أن يك‪--‬ون ح‪--‬اال وحقيقي‪--‬ا ف‪--‬إن ذل‪--‬ك يع‪--‬ين ض‪--‬رورة وج‪--‬ود اخلط‪--‬ر‬
‫حقيق‪--‬ة‪ ،‬وليس يف خميل‪--‬ة املدافع‪ ،‬وه‪--‬ذا الش‪--‬رط راج‪--‬ع إىل طبيع‪--‬ة ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي ومض‪--‬مونه الفلس‪--‬في ألن‪--‬ه حيق‪--‬ق وظيف‪--‬ة اجتماعي‪--‬ة معين‪--‬ة‪،‬‬
‫وه‪--‬ذه الوظيف‪--‬ة ال ت‪--‬ؤدى إال إذا وج‪--‬د اإلعت‪--‬داء يف الواق‪--‬ع وليس يف اعتق‪--‬اد املعت‪--‬دى علي‪--‬ه‪ ،‬ل‪--‬ذا ال جيوز ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي ض‪--‬د اخلط‪--‬ر ال‪--‬ومهي‬
‫لدى أنصار هذا املذهب‪.‬‬
‫مل يع‪-‬اجل المش]رع المغ]ربي ه‪-‬ذه املس‪-‬ألة يف الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي بنص ص‪-‬ريح‪ ،‬وعلي‪-‬ه ميكن الق‪-‬ول بإمكاني‪-‬ة األخ‪-‬ذ هبا تطبيق‪-‬ا للقواع‪-‬د العام‪-‬ة‬
‫واملبادئ اليت يصار إىل تطبيقها دون نص صريح‪.‬‬
‫ف‪-‬إذا ك‪-‬ان االعتق‪-‬اد بوج‪-‬ود خط‪-‬ر حقيقي يس‪-‬تند على أس‪-‬باب معقول‪-‬ة‪ ،‬أي أن االعتق‪-‬اد ميكن أن يق‪-‬ع في‪-‬ه الش‪-‬خص املعت‪-‬اد فليس هن‪-‬اك‬
‫وج‪--‬ه ملس‪--‬اءلة من ق‪--‬ام بال‪--‬دفاع عن نفس‪--‬ه ‪ ،‬ألن الظ‪--‬روف املوض‪--‬وعية احمليط‪--‬ة ب‪--‬ه تؤك‪--‬د وج‪--‬ود خط‪--‬ر وش‪--‬يك الوق‪--‬وع جتعل‪--‬ه يعتق‪--‬د بأن‪--‬ه عرض‪--‬ة‬
‫لالعت‪-‬داء‪ ،‬أم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان االعتق‪-‬اد بوج‪-‬ود خط‪-‬ر ال يس‪-‬تند إىل أس‪-‬باب معقول‪-‬ة‪ ،‬أي أن الش‪-‬خص املعت‪-‬اد ال يق‪-‬ع يف مث‪-‬ل ه‪-‬ذا الغل‪-‬ط‪ ،‬ففي ه‪-‬ذه‬
‫احلالة ال يسأل من قام بالدفاع مسؤولية جنائية عمدية‪ ،‬إذ أن الغلط ينفي القصد اجلرمي‪ ،‬ولكن يبقى اخلطأ غري العمدي متوافر‪.‬‬
‫وال يكفي أن يكون التعرض للخطر حمقق لقيام الدفاع الشرعي بل جيب أن يكون االعتداء غري مشروع أيضا‪.‬‬
‫‪‬ما المقصود بأن االعتداء غير مشروع؟‬
‫هذا الش ‪--‬رط معن ‪--‬اه أن حال ‪--‬ة ال ‪--‬دفاع الش ‪--‬رعي ال تق‪--‬وم إذا ك ‪--‬ان اخلط ‪--‬ر مص‪--‬دره املدافع نفس ‪--‬ه‪ ،‬أي أال ي ‪--‬أيت املدافع فعال أو ق‪--‬وال حيم ‪--‬ل‬
‫املعت‪--‬دي على اس‪--‬تعمال العن‪--‬ف حنوه‪ ،‬إذن االعت‪--‬داء غ‪--‬ري املش‪--‬روع ه‪--‬و اإلعت‪--‬داء ال‪--‬ذي يص‪--‬در عن املعت‪--‬دي دون أن يك‪--‬ون للم‪--‬دافع ي‪--‬د في‪--‬ه‪،‬‬
‫ويس‪-‬توي أن يك‪-‬ون تلقائي‪-‬ا من املعت‪-‬دي نفس‪-‬ه أو نتيج‪-‬ة حتريض أو إث‪-‬ارة ش‪-‬خص آخ‪-‬ر‪ ،‬فالش‪-‬خص ال‪-‬ذي ينش‪-‬ئ وض‪-‬عا يه‪-‬دد في‪-‬ه غ‪-‬ريه خبط‪-‬ر‬
‫اإلعت‪-‬داء ال جيوز ل‪-‬ه أن حيتج حبال‪-‬ة ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي إذا مل يس‪-‬اهم ه‪-‬ذا الغ‪-‬ري ب‪-‬اخلطر – للتخلص من ه‪-‬ذا الوض‪-‬ع – أن تص‪-‬در عن‪-‬ه أفع‪-‬ال‬
‫هتدد ذل‪-‬ك الش‪-‬خص ب‪-‬اخلطر‪ ،‬ألن‪-‬ه ه‪-‬و ال‪-‬ذي وض‪-‬ع نفس‪-‬ه هبذا اخلط‪-‬ر‪ ،‬وألن دفاع‪-‬ه ليس الزم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان بوس‪-‬عه تاليف اخلط‪-‬ر من البداي‪-‬ة بع‪-‬دم‬
‫اإلعت‪-‬داء على غ‪-‬ريه‪ ،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك إذا ح‪-‬اول ش‪-‬خص التع‪-‬رض ألن‪-‬ثى يف الطري‪-‬ق الع‪-‬ام بق‪-‬ول أو فع‪-‬ل‪ ،‬لكن ق‪-‬ريب ه‪-‬ذه األن‪-‬ثى ح‪-‬اول منع‪-‬ه من‬
‫ذل‪--‬ك‪ ،‬ك‪-‬ان ه‪--‬ذا الق‪-‬ريب يف حال‪--‬ة دف‪-‬اع ش‪-‬رعي عن ش‪-‬رف قريبت‪-‬ه‪ ،‬فال حيق ملن تع‪-‬رض لألن‪--‬ثى االحتج‪-‬اج بال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي ض‪-‬د من ح‪--‬اول‬
‫منع‪-‬ه من التع‪-‬رض لقريبت‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إذا ثبت ب‪-‬أن كال من اجملين علي‪-‬ه واملتهم كان‪-‬ا يقص‪-‬دان االعت‪-‬داء وإيق‪-‬اع الض‪-‬رب من ك‪-‬ل منهم‪-‬ا ب‪-‬اآلخر‪ ،‬فح‪-‬ق‬
‫ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي يك‪--‬ون يف ه‪--‬ذه احلال‪--‬ة منتفي‪--‬ا‪ ،‬إال أن‪--‬ه من املتوق‪--‬ع قي‪--‬ام حال‪--‬ة ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي بع‪--‬د وق‪--‬وع مش‪--‬اجرة إذا ط ‪-‬رأت مس‪--‬تجدات‬
‫تربره‪-‬ا‪ (،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك ل‪-‬و تواج‪-‬ه بك‪-‬ر م‪-‬ع عم‪-‬رو ونوي‪-‬ا ك‪-‬ل منهم‪-‬ا االعت‪-‬داء على اآلخ‪-‬ر‪ ،‬فق‪-‬ام بك‪-‬ر بض‪-‬رب عم‪-‬رو وف‪-‬ر هارب‪-‬ا‪ ،‬لكن عم‪-‬رو حلق‬
‫ببك‪-‬ر لإلعت‪-‬داء علي‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إن عم‪-‬رو يك‪-‬ون معت‪-‬ديا‪ ،‬وبالت‪-‬ايل حيق لبك‪-‬ر ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ومن‪-‬ع عم‪-‬رو من االعت‪-‬داء علي‪-‬ه‪ ،‬ألن القاع‪-‬دة أن‪-‬ه ال جيوز‬
‫الدفاع ضد الدفاع‪ ،‬ألنه إذا كان فعل الدفاع متناسبا مع فعل االعتداء كانت مقاومته بالعنف جرمية‪.‬‬
‫‪‬الشرط الثاني‪ :‬أن يكون االعتداء واقعا على النفس أو المال‬
‫جرائم االعت‪--‬داء على النفس كالقت‪--‬ل واجلرح واإلي‪--‬ذاء وج‪-‬رائم االعت‪--‬داء على املال كالس‪--‬رقة والنهب املرافقني للعن‪--‬ف والس‪--‬رقة املؤدي‪--‬ة إىل‬
‫ضرر جسيم هي اليت تربر الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫جيوز ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي ض‪--‬د ج ‪-‬رائم االعت‪--‬داء على النفس بص‪--‬ورة مطلق‪--‬ة‪ :‬كالقت‪--‬ل بكاف‪--‬ة ص‪--‬وره واجلرح والض‪--‬رب واإلي‪--‬ذاء‪ ،‬واإلجه‪--‬اض‬
‫ب‪-‬القوة وتع‪-‬ريض حي‪-‬اة طف‪-‬ل للخط‪-‬ر كم‪-‬ا أن ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ج‪-‬ائز ض‪-‬د ج‪-‬رائم األع‪-‬راض كاإلغتص‪-‬اب وهت‪-‬ك الع‪-‬رض ب‪-‬القوة واخلط‪-‬ف وانته‪-‬اك‬
‫حرم ‪--‬ة األم ‪--‬اكن اخلاص ‪--‬ة باإلن ‪--‬اث‪ ،‬والزن ‪--‬ا الس ‪--‬فاح أي املواقع ‪--‬ة غ ‪--‬ري املش ‪--‬روعة بني األص ‪--‬ول واحملرم ‪--‬ات عليهم من اإلن ‪--‬اث‪ ،‬كم ‪--‬ا أن ال ‪--‬دفاع‬
‫الش ‪--‬رعي ج ‪--‬ائز ض ‪--‬د اجلرائم الواقع ‪--‬ة على الش ‪--‬رف أو االعتب ‪--‬ار كال ‪--‬ذم والق ‪--‬دح والتحق ‪--‬ري‪ ،‬ال ف ‪--‬رق بني ن ‪--‬وع اجلرمية أو جس ‪--‬امتها‪ ،‬فال ‪--‬دفاع‬
‫الش‪--‬رعي ج‪--‬ائز ض‪--‬د ه‪--‬ذه اجلرائم مهم‪--‬ا ك‪--‬ان اإلي‪--‬ذاء بس‪--‬يط بش‪--‬رط أن يك‪--‬ون ال‪--‬دفاع متناس‪--‬با والزم‪--‬ا ل‪--‬درء االعت‪--‬داء‪ ،‬وس‪-‬واء ك‪--‬ان االعت‪--‬داء‬
‫موجه‪--‬ا للم‪--‬دافع أو ض‪--‬د غ‪--‬ريه‪ ،‬كم‪--‬ا يس‪--‬توي أن يك‪--‬ون امله‪--‬دد شخص‪--‬ا طبيعي‪--‬ا أو شخص‪--‬ا معنوي‪--‬ا‪ ،‬ألن ال‪--‬دفاع الش‪--‬رعي ج‪--‬ائز ض‪--‬د اجلرائم‬
‫املوجه‪--‬ة للش‪--‬خص املعن‪--‬وي س ‪-‬واء ك‪--‬ان ه‪--‬ذا الش‪--‬خص املعن‪--‬وي عام‪--‬ا ك‪--‬أمالك الدول‪--‬ة ودوائره‪--‬ا ومؤسس‪--‬اهتا أم ك‪--‬ان ش‪--‬خص معن‪--‬وي خ‪--‬اص‬
‫كالشركات واهليئات اخلاصة‪ ،‬فاملال العام واملال اخلاصة حمالن للدفاع الشرعي‪.‬‬
‫‪‬الشرط الثالث‪ :‬أن يكون الخطر حاال‬
‫يشرتط لوجود حالة الدفاع الشرعي أن يكون اخلطر حاال وهذا الشرط يكون كذلك يف حالتني‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬حيث يكون االعتداء لم يبدأ بعد ولكنه على وشك الوقوع‬
‫وذل‪--‬ك بص‪--‬دور أفع‪--‬ال من املعت‪--‬دي جتع‪--‬ل من املنتظ‪--‬ر أن يب‪--‬دأ االعت‪--‬داء ف‪--‬ورا‪ ،‬فاملش‪--‬رع مل يطلب من املدافع أن يق‪--‬ف مكت‪--‬وف األي‪--‬دي‬
‫بانتظ‪--‬ار وق‪--‬وع االعت‪--‬داء علي‪--‬ه لل‪--‬رد على املعت‪--‬دي‪ ،‬وإمنا أب‪--‬اح ل‪--‬ه أن ي‪--‬دفع االعت‪--‬داء قب‪--‬ل وقوع‪--‬ه مبج‪--‬رد أن يك‪--‬ون عرض‪--‬ة خلط‪--‬ر وش‪--‬يك من‬
‫املعت‪-‬دي‪ ،‬كمن خيرج مسدس‪-‬ه لالعت‪-‬داء على ش‪-‬خص آخ‪-‬ر ويب‪-‬دأ تعبئت‪-‬ه بالطلق‪-‬ات‪ ،‬فامله‪-‬دد هبذا اخلط‪-‬ر جيوز ل‪-‬ه ال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي على ال‪-‬رغم‬
‫من أن االعتداء مل يبدأ بعد‪ ،‬إذ أن اخلطر الذي يهدده حال‪ ،‬فلم يقع ضرر ولكن وقوعه أصبح وشيكا‪.‬‬
‫وتق‪-‬دير حل‪-‬ول اخلط‪-‬ر جيب أن يس‪-‬تند إىل اعتب‪-‬ارات موض‪-‬وعية واقعي‪-‬ة قوامه‪-‬ا الش‪-‬خص الع‪-‬ادي ولكن‪-‬ه يطب‪-‬ق بع‪-‬د األخ‪-‬ذ بعني اإلعتب‪-‬ار‬
‫ظروف واقعية معينة أثرت يف املهدد باخلطر‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬حيث يكون االعتداء قد بدأ ولم ينته بعد أي مازال قائما ومستمرا‬
‫تف‪-‬رتض ه‪-‬ذه الص‪-‬ورة للخط‪-‬ر احلال أن االعت‪-‬داء ق‪-‬د ب‪-‬دأ فعال‪ ،‬ولكن‪-‬ه مل ينت‪-‬ه فم‪-‬ازال اخلط‪-‬ر قائم‪-‬ا وه‪-‬و خط‪-‬ر ح‪-‬ال‪ ،‬فاملعت‪-‬دي ق‪-‬د ض‪-‬رب‬
‫املعت‪--‬دى علي‪--‬ه ويت‪--‬أهب ليوج‪--‬ه إلي‪--‬ه ض‪-‬ربات تالي‪--‬ة‪ ،‬أو كمن يس‪--‬تويل على بعض نق‪--‬ود املعت‪--‬دى علي‪--‬ه ويس‪--‬تعد لالس‪--‬تيالء على م‪--‬ا تبقى لدي‪--‬ه‬
‫ب‪-‬العنف‪ ،‬فال‪-‬دفاع الش‪-‬رعي ج‪-‬ائز لتف‪-‬ادي االعت‪-‬داء ال‪-‬ذي يوش‪-‬ك أن يتحق‪-‬ق‪ ،‬أم‪-‬ا إذا انتهى االعت‪-‬داء وحتق‪-‬ق فتنتفي عن اخلط‪-‬ر ص‪-‬فة احلل‪-‬ول‪،‬‬
‫فال حمل للدفاع الشرعي إذ أنه لن يدرأ خطرا حاال‪ ،‬وكل عنف يقع من املعتدى عليه يعترب فعال غري مشروع ويعترب‬
‫انتقاما وليس دفاعا‪ ،‬فإذا أطلق بكر النار على زيد مث تركه وانصرف لكن زيد قام بإطالق النار على بكر فإن زيد ال يكون يف حالة‬
‫دفاع شرعي‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬الشروط المتطلبة في فعل الدفاع‬
‫يفرتض الدفاع الشرعي قيام املعتدى عليه بأفعال من شأهنا صد عدوان العتدي ودرء اخلطر الذي يتهدده من هذا االعتداء‪ ،‬ومل‬
‫يشرتط القانون يف املدافع أن يكون صاحب املصلحة احملمية املعتدى عليها‪ ،‬بل قد يكون من الغري ولو مل تكن له أي عالقة باجملين‬
‫عليه‪ ،‬ألن الدفاع الشرعي حق اجتماعي للكافة وهلم استعماله عندما يقع عدوان على أحد أفراد الناس‪ ،‬ويرتتب على ذلك أنه ال‬
‫يشرتط أن يكون دفاع الغري بطلب من املعتدى عليه أو يستنكره‪ ،‬وإن كان هذا نادر الوجود يف احلياة العملية‪ ،‬وقد حدد املشرع شروط‬
‫الدفاع الشرعي بشرطني مها‪:‬‬
‫‪‬الشرط األول‪ :‬أن يكون فعل الدفاع الزما؛‬
‫‪‬الشرط الثاني‪ :‬أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع اإلعتداء‪.‬‬
‫وسندرس هذا ن الشرطان على النحو التايل‪:‬‬
‫‪‬الشرط األول‪ :‬أن يكون الدفاع الزما‬
‫يشرتط يف فعل الدفاع أن يكون الزما لدرء اخلطر‪ ،‬فإذا كان املدافع يستطيع التخلص من اخلطر الذي يهدده عن طريق فعل ال يعد‬
‫جرمية ال يستطيع االحتجاج بالدفاع الشرعي‪ ،‬ومثال ذلك إمساك يد املعتدي أو إلقاء القبض عليه‪ ،‬أو إلقاء شيء يف طريقه مينع‬
‫وص‪-‬وله إليهن أو ان‪--‬تزاع الس‪--‬الح ال‪--‬ذي سيس‪--‬تخدمه‪ ،‬أو االس‪--‬تعانة برج‪--‬ال الش‪--‬رطة واالحتم‪--‬اء هبم يف ال‪--‬وقت املناس‪--‬ب‪ ،‬فال‪--‬دفاع وس‪--‬يلة‬
‫احتياطي‪--‬ة ال جيوز اللج‪--‬وء إليه‪--‬ا إال إذا تع‪--‬ذر رد االعت‪--‬داء بوس‪--‬ائل أخ‪--‬رى غريه‪--‬ا‪ ،‬فال جيوز للش‪--‬خص أو للغ‪--‬ري أن يأخ‪--‬ذ حق‪--‬ه من املعت‪--‬دي‬
‫بي‪--‬ده‪ ،‬ب‪--‬ل جيب أن يلج‪--‬أ ه‪--‬ذا الش‪--‬خص أو ه‪--‬ذا الغ‪--‬ري إىل اجله‪--‬ات املختص‪--‬ة لتعي‪--‬د ل‪--‬ه حق‪--‬ه من املعت‪--‬دي‪ ،‬إال إذا تع‪--‬ذر ذل‪--‬ك‪ ،‬هن‪--‬ا أج‪--‬از‬
‫القانون الدفاع الشرعي وأصبح الدفاع الزما ملواجهة املعتدي‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يتناسب فعل الدفاع مع جسامة خطر اإلعتداء‬
‫لق‪--‬د أب‪--‬اح املش‪--‬رع فع‪--‬ل ال‪--‬دفاع وقي‪--‬ده بش‪--‬رط التناس‪--‬ب عالوة على ش‪--‬رط الل‪--‬زوم‪ ،‬فال‪--‬دفاع مب‪--‬اح بالق‪--‬در الالزم للمحافظ‪--‬ة على احلق أو‬
‫ل‪-‬درء اخلط‪-‬ر‪ ،‬أم‪-‬ا إذا جتاوز فع‪-‬ل ال‪-‬دفاع الق‪-‬در الض‪-‬روري ل‪-‬درء اخلط‪-‬ر أص‪-‬بح غ‪-‬ري ض‪-‬روري وال م‪-‬ربر إلباحت‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إذا ك‪-‬ان يف وس‪-‬ع املعت‪-‬دى علي‪-‬ه‬
‫أن ي‪--‬دفع اخلط‪--‬ر احملدق ب‪--‬ه بالض‪--‬رب فال يب‪--‬اح ل‪--‬ه اس‪--‬تعمال اجلرح‪ ،‬ألن‪--‬ه أش‪--‬د جس‪--‬امة من الض‪--‬رب‪ ،‬وإذا ك‪--‬ان املدافع بإمكان‪--‬ه درء اخلط‪--‬ر‬
‫باجلرح فاختار القتل فإنه يعترب متجاوزا لفعل الدفاع‪.‬‬
‫والص‪-‬عوبة ال‪-‬يت تثريه‪-‬ا دراس‪-‬ة تناس‪-‬ب فع‪-‬ل ال‪-‬دفاع م‪-‬ع جس‪-‬امة اخلط‪-‬ر تتعل‪-‬ق بتحدي‪-‬د معي‪-‬ار ه‪-‬ذا التناس‪-‬ب‪ ،‬إذ أن حتدي‪-‬ده حيت‪-‬اج إىل دق‪-‬ة‬
‫بالغ‪--‬ة نظ ‪-‬را لتن‪--‬وع االعتب‪--‬ارات والظ‪--‬روف ال‪--‬يت ق‪--‬د حتي‪--‬ط بك‪--‬ل حال‪--‬ة‪ ،‬فمثال ق‪--‬د ال تك‪--‬ون حتت تص‪--‬رف املعت‪--‬دى علي‪--‬ه اداة متاث‪--‬ل م‪--‬ا يتعلم‪--‬ه‬
‫املعت‪-‬دين او ق‪-‬د يتف‪-‬اوت املعت‪-‬دي واملعت‪-‬دى علي‪-‬ه الق‪-‬وة البدني‪-‬ة تفاوت‪-‬ا كب‪-‬ريا‪ ،‬أو ق‪-‬د يس‪-‬بب االعت‪-‬داء فزع‪-‬ا للمعت‪-‬دى علي‪-‬ه فال حيس‪-‬ن التص‪-‬رف‬
‫وخيطئ يف تقدير جسامة الفعل الذي يقوم به لدرء اخلطر‪.‬‬
‫ووض‪-‬ع معي‪-‬ار التناس‪-‬ب بني فع‪-‬ل ال‪-‬دفاع واخلط‪-‬ر يقتض‪-‬ي من‪-‬ا توض‪-‬يح االعتب‪-‬ارات ال‪-‬يت ق‪-‬د تس‪-‬اهم يف وض‪-‬عه وحتدي‪-‬ده‪ ،‬فمثال ال يش‪-‬رتط أن‬
‫يس‪-‬تعمل املعت‪-‬دى علي‪-‬ه أداة مماثل‪-‬ة ملا يس‪-‬تعمله املعت‪-‬دي‪ ،‬إن التف‪-‬اوت بينهم‪-‬ا يف الق‪-‬وة البدني‪-‬ة ق‪-‬د جيع‪-‬ل املعت‪-‬دى علي‪-‬ه حباج‪--‬ة إىل أداة أك‪-‬ثر‬
‫خطورة إن كان أضعف منه بدنا‪.‬‬
‫إن معي‪--‬ار التناس‪--‬ب ليس جمردا ب‪--‬ل يتعني مراع‪--‬اة الظ‪--‬روف ال‪--‬يت أح‪--‬اطت باملدافع وقت تعرض‪--‬ه للخط‪--‬ر وال‪--‬يت س‪--‬يطرت على تص‪--‬رفاته تبع‪--‬ا‬
‫للحالة النفسية اليت وضعه فيها هتديده باخلطر واضطراب تفكريه‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي (المادة ‪)125‬‬
‫اعت‪--‬ربت املادة ‪ 125‬القت‪--‬ل أو اجلرح أو الض‪--‬رب من ح‪--‬االت ال‪--‬دفاع املش‪--‬روع‪ ،‬واتف‪--‬ق فقهي‪--‬ا على تس‪--‬ميتها باحلال‪--‬ة املمت‪--‬ازة‪ ،‬وذل‪--‬ك ألن‪--‬ه‬
‫نص عليها صراحة ضمن شروط خاصة وردت يف املادة ‪ 125‬من القانون اجلنائي على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ )1‬القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليال لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو‬
‫ملحقاتهما؛‬
‫‪ )2‬الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة‪.‬‬
‫يتضح من هذا النص أن احلالة املمتازة للدفاع املشروع تضع املدافع يف موقف أقوى من موقفه يف احلاالت العامة املنصوص عليها‪.‬‬
‫والعل‪-‬ة من وض‪-‬ع ه‪-‬ذه القرين‪-‬ة تع‪-‬ود على اخلط‪-‬ورة ال‪-‬يت تنط‪-‬وي عليه‪-‬ا أفع‪-‬ال املعت‪-‬دي‪ ،‬إذ فيه‪-‬ا اعت‪-‬داء على األم‪-‬وال واملمتلك‪-‬ات عن طري‪-‬ق‬
‫الس ‪--‬طو والكس ‪--‬ر والتس ‪--‬لق‪ ،‬وفيه ‪--‬ا اعت ‪--‬داء على األش ‪--‬خاص وعلى حي ‪--‬اهتم وأعراض ‪--‬هم وأمنهم وس ‪--‬كينتهم مبا تث ‪--‬ريه من رعب يف النف ‪--‬وس‬
‫والتهدي‪-‬د بوق‪-‬وع أض‪-‬رار جس‪-‬يمة غ‪-‬ري حمددة‪ ،‬هلذا منح املش‪-‬رع ص‪-‬احب املنزل ح‪-‬ق ق‪-‬انوين مطل‪-‬ق يف إطالق الن‪-‬ار دفاع‪-‬ا عن مس‪-‬كنه دون أن‬
‫يناقشه أحد حلماية منزله‪ ،‬وهذا يؤدي إىل احرتام الناس حلرمة مساكن الغري‪ ،‬وعدم التجرؤ على دخوهلا بدون إذن أصحاهبا‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أسباب التبرير التي لم تتعرض لها المادة ‪( 124‬ق‪.‬ج)‬
‫سبق وأن أحملنا إىل أن أسباب التربير اليت أتت هبا املادة ‪ 124‬من القانون اجلنائي‪ ،‬مل يقصد هبا احلصر‪ ،‬ألننا نصادف يف احلياة‬
‫اليومية بعض الوقائع اليت تعترب مربرة‪ ،‬دون أن يكون املشرع قد بررها بعبارة صرحية‪ ،‬وبناء عليه ميكن القول بأن أغلب هذه األسباب‬
‫تندرج ضمن أسباب اإلباحة النامجة عن استعمال احلق اليت حتتمها "نظرية عدم التعسف يف استعمال احلق" وهي عموما‪:‬‬

‫‪‬البند األول‪ :‬حق مباشرة األعمال الطبية‬


‫العمل الطيب نشاط يتفق يف كيفية وظروف مباشرته مع القواعد املقررة يف علم الطب ويهدف إىل شفاء املريض وعالجه وختليصه من‬
‫آالمه أو التخفيف من حدهتا‪.‬‬
‫فيشرتط حىت يكون العمل مشروعا توافر الشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬الترخيص بمزاولة مهنة الطب؛‬
‫‪ .2‬إتيان العمل الطبي بقصد العالج؛‬
‫‪ .3‬رضا المريض؛‬
‫‪ .4‬مراعاة األصول العلمية المقررة في أصول فن المهنة‪.‬‬

‫‪‬إتيان العمل الطبي بقصد العالج‪:‬‬


‫ال يب‪--‬اح عم‪--‬ل الط‪--‬بيب إال إذا ك‪--‬ان القص‪--‬د من‪--‬ه عالج املريض وص‪--‬يانة جس‪--‬ده ومحاي‪--‬ة مص‪--‬لحة اجلس‪--‬م والعم‪--‬ل على س‪--‬ريه س‪-‬ريا عادي‪--‬ا‬
‫منتظم‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إذا اس‪-‬تهدف ب‪-‬ه غرض‪-‬ا آخ‪-‬ر ك‪-‬إجراء جترب‪-‬ة علمي‪-‬ة أو إعان‪-‬ة ام‪-‬رأة على من‪-‬ع االجناب دون ض‪-‬رورة ص‪-‬حية‪ ،‬ال يقب‪-‬ل من‪-‬ه االحتج‪-‬اج‬
‫باستعمال احلق يف مزاولة مهنة الطب‪ ،‬ويكون فعله غري مشروعا قانونا‪.‬‬
‫‪‬رضاء المريض بالعالج أو رضاء من يمثله قانونا‪:‬‬
‫إن رض‪-‬ا اجملين علي‪-‬ه ال ي‪-‬بيح يف ذات‪-‬ه املس‪-‬اس بس‪-‬المة جس‪-‬مه‪ ،‬إال أن‪-‬ه ش‪-‬رط الس‪-‬تعمال الط‪-‬بيب حق‪-‬ه يف العالج‪ ،‬وإذا ك‪-‬ان املريض ع‪-‬دمي‬
‫األهلي‪-‬ة أو غ‪-‬ري ق‪-‬ادر على التعب‪-‬ري عن إرادت‪-‬ه‪ ،‬وجب احلص‪-‬ول على رض‪-‬اء ولي‪-‬ه قب‪-‬ل إج‪-‬راء العالج‪ ،‬ويتعني على الط‪-‬بيب خاص‪-‬ة يف احلاالت‬
‫ال ‪--‬يت حيتم ‪--‬ل أن ي ‪--‬ؤدي فيه ‪--‬ا العالج إىل نت ‪--‬ائج خط ‪--‬رية‪ ،‬أن يعطي املريض أو ولي ‪--‬ه ص ‪--‬ورة واض ‪--‬حة وص ‪--‬حيحة عن تل ‪--‬ك املخ ‪--‬اطر وإال ك ‪--‬ان‬
‫مسؤوال‪.‬‬
‫وق‪-‬د يك‪-‬ون عم‪-‬ل الط‪-‬بيب غ‪-‬ري مش‪-‬روع‪ ،‬لع‪-‬دم حص‪-‬وله على رض‪-‬اء املريض‪ ،‬وم‪-‬ع ذل‪-‬ك ال يس‪-‬أل عن‪-‬ه اس‪-‬تنادا إىل قي‪-‬ام حال‪-‬ة الض‪-‬رورة؛ ومث‪-‬ال‬
‫ذل‪-‬ك إذا ك‪-‬ان املريض مه‪-‬دد خبط‪-‬ر ح‪-‬ال وجس‪-‬يم يقتض‪-‬ي الس‪-‬رعة يف الت‪-‬دخل العالجي كب‪-‬رت س‪-‬اق املريض خوف‪-‬ا من انتش‪-‬ار املرض اخلبيث‬
‫إىل بقي‪-‬ة أعض‪-‬اء اجلس‪-‬م‪ ،‬وتع‪-‬ذر احلص‪-‬ول على رض‪-‬ائه لع‪-‬دم قدرت‪-‬ه على التعب‪-‬ري ومل يكن هن‪-‬اك من يرض‪-‬ى ب‪-‬دال عن‪-‬ه‪ ،‬وكث‪-‬ريا م‪-‬ا حتدث حال‪-‬ة‬
‫الضرورة يف حوادث السيارات والتصادم وما ينجم عنها من إصابات تستدعي التدخل السريع‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬ممارسة األلعاب الرياضية‬
‫إن معظم دول العامل تشجع األلعاب الرياضية ملا هلا من أثر يف تربية الشباب جسديا ونفسيا‪.‬‬
‫واأللع‪-‬اب الرياض‪-‬ية نوع‪-‬ان‪ :‬ن‪-‬وع يتس‪-‬م ب‪-‬العنف واخلط‪-‬ر على املتنافس‪-‬ني كاملص‪-‬ارعة واجلودو واملالكم‪-‬ة‪.....‬إخل‪ ،‬ون‪-‬وع ال يوج‪-‬د ب‪-‬ه أي عن‪-‬ف‬
‫كاأللعاب الفردية وليست اجلماعية‪.‬‬
‫فاأللعاب الرياضية العنيفة هي اليت تثري اإلشكال عندما حتدث إصابات وجروح أو كسور أو وفاة فما هو حكم القانون يف ذلك‪.‬‬
‫تتف‪-‬ق معظم ق‪-‬وانني الع‪-‬امل على ت‪-‬ربير األفع‪-‬ال الواقع‪-‬ة أثن‪-‬اء األلع‪-‬اب الرياض‪-‬ية وبالت‪-‬ايل ع‪-‬دم اعتب‪-‬ار اإلص‪-‬ابات النامجة عنه‪-‬ا ج‪-‬رائم معاقب‪-‬ا عليه‪-‬ا‬
‫بشرط توافر الشروط القانونية التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تك‪--‬ون اللعب‪--‬ة من األلع‪--‬اب ال‪--‬يت يع]]ترف بها الع]]رف الرياض]]ي‪ ،‬أي أن تك‪--‬ون ش‪--‬ائعة وهلا قواع‪--‬د متع‪--‬ارف عليه‪--‬ا وقواع‪--‬د حيرتمه‪--‬ا‬
‫املشرتكون فيها‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تك‪--‬ون أفع‪--‬ال العن‪--‬ف أو األفع‪--‬ال ال‪--‬يت أفض‪--‬ت إىل املس‪--‬اس بس‪--‬المة اجلس‪--‬م ق‪--‬د ارتكبت أثن]اء المب]اراة الرياض]ية وتحت إش]راف‬
‫حكامه]ا‪ ،‬ف‪-‬إذا ك‪-‬انت ق‪-‬د ارتكبت قب‪-‬ل الب‪-‬دء يف املب‪-‬اراة أو بع‪-‬د انتهائه‪-‬ا فال إباح‪-‬ة‪ ،‬ب‪-‬ل يس‪-‬أل م‪-‬رتكب الفع‪-‬ل مس‪-‬ؤولية جنائي‪-‬ة ويقض‪-‬ي‬
‫هذا الشرط أيضا أن يكون الالعب املصاب قد رضي باإلشرتاك يف املباراة طواعية واختيارا‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ت]راعى قواع]د وأص]ول اللعب المتع]ارف علي]ه‪ ،‬أي أن يك‪--‬ون هن‪--‬اك اتس‪--‬اق بني الش‪--‬خص ال‪--‬ذي مس بس‪--‬المة جس‪--‬د الالعب‬
‫وبني قواع‪--‬د وأص‪--‬ول اللعب‪--‬ة املتع‪--‬ارف عليه‪--‬ا‪ ،‬ألن ك‪--‬ل لعب‪--‬ة هلا أص‪--‬وهلا وقواع‪--‬دها احملددة بالنظ‪--‬ام والع‪--‬رف احمللي وال‪--‬دويل‪ ،‬ف‪--‬إذا خ‪--‬رج‬
‫الالعب عن ه‪--‬ذه القواع‪--‬د مس‪--‬تغال اللعب إلي‪--‬ذاء خص‪--‬مه متعم‪--‬دا ذل‪--‬ك‪ ،‬ك‪--‬ان مس‪--‬ؤوال عن جرمية عمدي‪--‬ة‪ ،‬ول‪--‬و ك‪--‬ان خروج‪--‬ه عليه‪--‬ا‬
‫نتيجة خطأ كانت جرمية غري عمدية‪.‬‬
‫فيجب أن يك‪-‬ون الالعب حس‪-‬ن الني‪-‬ة‪ ،‬أي أن وق‪-‬وع العن‪-‬ف من‪-‬ه ك‪-‬ان بقص‪-‬د ممارس‪-‬ة اللعب‪-‬ة وإظه‪-‬ار مهارت‪-‬ه وفن‪-‬ه ‪ ،‬وليس بقص‪-‬د اإلنتق‪-‬ام‬
‫من الط‪-‬رف اآلخ‪-‬ر‪ ،‬إذن املس‪-‬اءلة عن العن‪-‬ف واإلص‪-‬ابات الرياض‪-‬ية يف املالعب وأثن‪-‬اء اللعب ق‪-‬د تك‪-‬ون عمدي‪-‬ة فت‪-‬ؤدي إىل م‪-‬وت أو كس‪-‬ر أو‬
‫ج ‪--‬رح أو إي ‪--‬ذاء أو عاه ‪--‬ة مس ‪--‬تدمية‪ ،‬فيتحم ‪--‬ل املعت ‪--‬دي العق ‪--‬اب وف ‪--‬ق خط ‪--‬ورة اعتدائ ‪--‬ه م ‪--‬ع إلزام ‪--‬ه ب ‪--‬التعويض املادي عن الض ‪--‬رر ال ‪--‬ذي حلق‬
‫باملص‪-‬اب‪ ،‬وق‪-‬د تك‪-‬ون اإلص‪-‬ابة نتيج‪-‬ة اخلط‪-‬أ واإلمهال وقل‪-‬ة االح‪-‬رتاز وع‪-‬دم مراع‪-‬اة الق‪-‬وانني واألنظم‪-‬ة‪ ،‬فهن‪-‬ا يس‪-‬أل املتس‪-‬بب هبا مس‪-‬ؤولية غ‪-‬ري‬
‫عمدية مع ضمان التعويض للمصاب‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬رضاء المجني عليه‬
‫هل يعت‪--‬رب رض‪--‬اء اجملين علي‪--‬ه س‪--‬ببا عام‪--‬ا لإلباح‪--‬ة أم ه‪--‬ل يقتص‪--‬ر أث‪--‬ره على بعض اجلرائم ؟ إن رض‪--‬اء اجملين علي‪--‬ه ليس س‪--‬ببا عام‪--‬ا للت‪-‬ربير‪،‬‬
‫فهن‪-‬اك بعض اجلرائم وإلعت‪-‬داءات ين‪-‬ال مقرتفوه‪-‬ا حقوق‪-‬ا ذات أمهي‪-‬ة اجتماعي‪-‬ة فائق‪-‬ة‪ ،‬ول‪-‬وال ه‪-‬ذه األمهي‪-‬ة ملا ق‪-‬امت احلاج‪-‬ة إىل محايته‪-‬ا ب‪-‬اجلزاء‬
‫اجلنائي‪ ،‬فإذا كان هلذا احلق أمهية اجتماعية فمن غري املستساغ أن ختول للفرد سلطة النزول عنه وإهدار مصلحة اجملتمع تبعا لذلك‪.‬‬
‫وتطبيق‪-‬ا ل‪-‬ذلك ف‪-‬إن ج‪-‬رائم االعت‪-‬داء على أمن الدول‪-‬ة وتزيي‪-‬ف العمل‪-‬ة وج‪-‬رائم القت‪-‬ل واجلرح والض‪-‬رب اجلس‪-‬يم ال يعتم‪-‬د فيه‪-‬ا برض‪-‬اء اجملين‬
‫علي‪-‬ه ألن الرض‪-‬اء ال ي‪-‬دخل ض‪-‬من أرك‪-‬ان ه‪-‬ذه اجلرائم‪ :‬فمثال القت‪-‬ل تت‪-‬وافر أركان‪-‬ه ح‪-‬ىت ول‪-‬و رض‪-‬ي اجملين علي‪-‬ه‪ ،‬ب‪-‬ل ول‪-‬و طلب ص‪-‬راحة التخلص‬
‫من احلي‪-‬اة وأحل يف طلب‪-‬ه‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن احلق يف احلي‪-‬اة ويف س‪-‬المة اجلس‪-‬د مها من احلق‪-‬وق ال‪-‬يت هتم اجملتم‪-‬ع كم‪-‬ا هتم ص‪-‬احبها‪ ،‬واجملتم‪-‬ع ل‪-‬ه ح‪-‬ق‬
‫احلرص على األفراد وعلى حياهتم استبقاء لكيانه ودعائمه‪.‬‬

‫الضابط في تحديد الجرائم التي يعد الرضاء فيها سببا إلباحتها‬


‫الضابط هو ‪ :‬هل يرخص القانون للمجين عليه أن يتصرف يف هذا احلق وينقله إىل غريه أو ال؟‬
‫فإذا ثبت أن للمجين عليه هذه السلطة فرضاؤه بأن يعتدي الغري عليه يعترب تصرفا قانونيا يف احلق‪ :‬وال ميكن أن تقوم به جرمية‪.‬‬
‫لذلك ف ‪-- -‬إن رض ‪-- -‬اء اجملين علي ‪-- -‬ه يف بعض ه ‪-- -‬ذه اجلرائم يعت ‪-- -‬رب ركن‪-- -‬ا من أركاهنا‪ ،‬فمثال ج ‪- -‬رائم إتالف املنق‪-- -‬والت وقت‪-- -‬ل احليوان‪-- -‬ات وإتالف‬
‫املزروع‪--‬ات‪ ،‬فاألفع‪--‬ال ال‪--‬يت تق‪--‬وم هبا اجلرمية ال تع‪--‬د ج ‪-‬رائم إال إذا ارتكبت بغ‪--‬ري رض‪--‬اء املال‪--‬ك‪ ،‬ف‪--‬إذا ارتكبه‪--‬ا املال‪--‬ك نفس‪--‬ه أو ارتكبه‪--‬ا الغ‪--‬ري‬
‫برض‪-‬اه‪ ،‬فهي ن‪-‬وع من التص‪-‬رف يف احلق‪ ،‬وال تق‪-‬وم هبا جرمية‪ ،‬فالفع‪-‬ل يتح‪-‬ول من اعت‪-‬داء على امللكي‪-‬ة حينم‪-‬ا ينع‪-‬دم الرض‪-‬اء إىل تص‪-‬رف يف‬
‫الشيء حمل امللكية إذا ما توافر الرضاء‪.‬‬
‫شروط الرضاء‪:‬‬
‫وحىت ينتج الرضا آثاره القانونية جيب أن يكون موجودا فعال ويتعني أن تتوافر الشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن يكون اجملين عليه مميزا بالغا رشيدا وذلك حىت يكون الرضا معربا عن إرادة ذات قيمة قانونية؛‬
‫‪ - 2‬أن تكون إرادة اجملين عليه سليمة وخالية من أي عيب أو غلط أو إكراه أو تدليس حىت يعتد هبا القانون؛‬
‫‪ .1‬يتعني أن يكون الرضاء معاصرا للفعل الذي تقوم به اجلرمية(أي يف حينه) ‪ ،‬فإذا كان سابقا عليه فيجب أن يظل قائما حىت‬
‫يرتكب هذا الفعل‪ ،‬أما إذا كان الحقا عليه‪ ،‬فال قيمة له إال من حيث تأثريه على اإلجراءات يف احلاالت احملدودة اليت جييز فيها‬
‫القانون ذلك‪ ،‬كالسرقة بين األصول والفروع وزنا الزوج‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الركن المادي‬
‫ع‪--‬اقب املش‪--‬رع اجلن‪--‬ائي م‪-‬رتكب اجلرمية س‪-‬واء ك‪--‬انت يف ص‪--‬ورة إجيابي‪--‬ة كالض‪--‬رب أو اجلرح أو القت‪--‬ل أو الق‪--‬ذف‪ ،‬أو يف ص‪--‬ورة س‪--‬لبية و امتن‪-‬اع‬
‫عن تنفيذ ما يأمر القانون بفعله كما يف اإلحجام عن تقدمي املساعدة لشخص يف حالة خطر مع القدرة على ذلك‪.‬‬
‫وعلي‪-‬ه ف‪-‬إن الق‪-‬انون ال يع‪-‬رف اجلرائم دون ت‪-‬وفر ه‪-‬ذا الفع‪-‬ل أو االمتن‪-‬اع ‪ ،‬إذ بغ‪-‬ري مادي‪-‬ات ملموس‪-‬ة ال يض‪-‬طرب اجملتم‪-‬ع وال يص‪-‬يب احلق‪-‬وق‬
‫اجلديرة باحلماي ‪--‬ة ع ‪--‬دوان‪ ،‬فض ‪--‬ال عن أن املش ‪--‬رع اجلن ‪--‬ائي ال ميكن ‪--‬ه أن يع ‪--‬اقب على جمرد النواي ‪--‬ا أو أحاس ‪--‬يس أو على جمرد اعتن ‪--‬اق أفك ‪--‬ار‪،‬‬
‫مهما كانت شاذة وخطرية‪ ،‬إن هي ظلت كامنة يف ضمري صاحبها دون أن تتخذ هلا مظهرا يف العامل اخلارجي‪.‬‬
‫فما هي إذن ‪:‬‬
‫عناصر الركن املادي للجرمية (المبحث األول)‬
‫مراحل ارتكاب الركن املادي للجرمية (احملاولة) (المبحث الثاني)‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عناصر الركن المادي للجريمة‬
‫يشرتط لقيام الركن املادي للجرمية توافر ثالثة عناصر أساسية وهي‪:‬‬
‫*الفعل (يف شكل عمل أو امتناع)‪ -‬املطلب األول‪.‬‬
‫*النتيجة (وهذا العنصر متطلب بالنسبة للجرائم عموما‪( ،‬باستثناء اجلرائم الشكلية أو جرائم اخلطر)‪-‬املطلب الثاين‪.‬‬
‫*عالقة السببية (مابني الفعل والنتيجة)‪-‬املطلب الثالث‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفعل ( العمل أو االمتناع )‬
‫يتخ ‪--‬ذ الفع]]ل يف اجملال اجلن ‪--‬ائي م ‪--‬دلوال متس ‪--‬عا‪ ،‬إذ يش ‪--‬مل حس ‪--‬ب املادة ‪ 110‬ق‪.‬ج الس ‪--‬لوك اإلجيايب املف ‪--‬رتض حبرك ‪--‬ة من عض ‪--‬و يف‬
‫جسم اجلاين – كاليد بالنسبة للضرب واجلرح‪ ،‬أو القتل ‪ ،‬أو اإليذاء عموما‪ ،‬أو االختالس يف السرقة‪.‬‬
‫ويتس‪-‬ع ك‪-‬ذلك ليش‪-‬مل االمتن‪-‬اع باعتب‪-‬اره ص‪-‬ورة للس‪-‬لوك اإلنس‪-‬اين‪ ،‬كم‪-‬ا يف االمتن‪-‬اع عن إص‪-‬دار احلكم ‪ -‬إنك‪-‬ار العدال‪-‬ة ‪( -‬املادة ‪240‬‬
‫ق‪.‬ج) أو عدم إخطار السلطة احمللية بالعثور على منقول مصادفة (املادة ‪ 527‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫فما هي إذن األفعال اإلجيابية واألفعال السلبية يف القانون اجلنائي العام‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬الفعل اإليجابي‬
‫يع ‪--‬رف الفق ‪--‬ه الفع ‪--‬ل اإلجي ايب على أن ‪--‬ه حرك ‪--‬ة عض ‪--‬وية إرادي ‪--‬ة‪ ،‬وعلي ‪--‬ه فإن ‪--‬ه ميكن الق ‪--‬ول ب ‪--‬أن ه ‪--‬ذا الفع ‪--‬ل يق ‪--‬وم على عنص ‪-‬رين‪ :‬الحرك]]ة‬
‫العضوية وصفتها اإلرادية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬الحركة العضوية‬
‫إذا كان الفعل اإلجيايب تصرف مادي حمسوس‪ ،‬فإنه يتمثل فيما يصدر عن الفاعل من حركات أعضاء جسمه‪ ،‬واليت تهدف‬
‫تحقيق آثار مادية معينة‪.‬‬
‫فاجلاين يتصور النتيجة اإلجرامية اليت يريد بلوغها ويتصور يف الوقت نفسه الحركة المادية التي يقتضيها تحقيق هذه النتيجة‪،‬‬
‫وهذه احلركة يؤديها عن طريق عضو يف جسمه‪.‬‬
‫فإذا كان اجلاين يريد انتهاك حرمة ملك الغير ‪ ،‬ويتصور الوسيلة إىل ذلك يف دخول العقار الذي حيوزه الغري فيحرك قدميه ويدخل‬
‫إليه‪ ،‬فال يتصور أن يرتتب عليه‪ -‬أي الفعل‪ -‬نتيجة إجرامية بغري هذه احلركة‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬الصفة اإلرادية‪ -‬الفعل االيجابي‪-‬‬
‫لإلرادة دور هام يف كنه الفعل اإلجيايب‪ ،‬فهي سبب احلركة العضوية‪ ،‬إذ اإلرادة هي قوة نفسية مدركة‪ ،‬تدفع أعضاء اجلسم إىل‬
‫احلركة على النحو الذي حيقق الغاية اليت يبتغيها من تصدر عنه هذه اإلرادة‪.‬‬
‫وجممل القول أن الصفة اإلرادية للحركة العضوية في كنه الفعل اإليجابي تستبعد كل حركة عضوية متجردة من الصفة اإلرادية‬
‫(أي ال إرادية)‪ ،‬وإن أدت ‪ -‬من الناحية املادية‪ -‬إىل مساس باحلقوق اليت حيميها القانون‪ ،‬وهي يف عمومها طائفتان‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬وتضم احلركات الصادرة ممن ال تسيطر إرادته على أعضاء جسمه‪ ،‬فمن أصيب بإغماء مفاجئ أثناء سريه و جلوسه فوقع‬
‫على مال الغري فأتلفه‪ ،‬أو على طفل فأصابه جبراح ال يعد مرتكبا فعل إتالف أو إصابة‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬تضم احلركات الصادرة ممن خيضع إلكراه مادي يسلبه كل سيطرة إرادية على بعض أجزاء جسمه‪ ،‬فمن يتعرض إلكراه‬
‫شخص ميسك بيده ويرغمه على التوقيع على حمرر مزور‪ ،‬أو على إفراغ املادة السامة يف طعام اجملين عليه‪ ،‬أو على الضغط على زناد‬
‫السالح املوجه إىل جسم اجملين عليه‪.‬‬
‫اليرتكب فعال يف إصطالح القانون‪ ،‬وإمنا يعد الفعل صادرا عن الشخص الذي يسيطر على حركات جسده واختاذه أداة ال إرادة هلا‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪:‬اإلمتناع‬
‫يعرف اإلمتناع بأنه‪" :‬إحجام شخص عن إتيان فعل إجيايب معني كان الشارع ينتظره منه يف ظروف معينة ‪ ،‬شرط أن يوجد واجب‬
‫قانوين يلزم هبذا الفعل‪ ،‬وأن يكون يف استطاعة املمتنع عنه"‪.‬‬
‫وعليه فإن هذا التعريف يوضح قيام اإلمتناع على عناصر ثالثة‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلحجام عن إتيان فعل إيجابي معين؛‬
‫‪ .2‬وجود واجب قانوني يلزم بالقيام بهذا الفعل؛‬
‫‪ .3‬استطاعة إرادة هذا االمتناع‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اإلحجام عن فعل إيجابي معين‬
‫وهذا الفعل حيدده القانون‪ -‬صراحة أو ضمنا‪ -‬بالنظر إىل ظروف معينة ويعين ذلك أن الشارع يعترب هذه الظروف مصدرا لتوقعه أن‬
‫يقـدم شخص على فعل إجيايب تقتضيه احلماية الواجبة للحقوق‪ ،‬فإذا مل يأيت هذا الفعل بالذات‪ ،‬فهو ممتنع يف نظر القانون‪.‬‬
‫فإذا قلنا مبسؤولية األم إذا امتنعت عن إرضاع طفلها فهلك‪ ،‬فنحن نعين بامتناعها أهنا أحجمت عن القيام بعملية اإلرضاع ذاهتا‪ ،‬ال عن‬
‫فعل سواها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الواجب القانوني‬
‫ليس لالمتناع وجود يف القانون إال إذا كان الفعل اإلجيايب مفروضا قانونا على من امتنع عنه‪.‬‬
‫إال أن مص‪--‬در ه‪--‬ذا ال‪-‬واجب كم‪--‬ا ميكن أن يك‪--‬ون عمال قانوني‪--‬ا كالعق‪--‬د‪ ،‬ميكن أن يك‪--‬ون جمرد عم‪--‬ل م‪--‬ادي كالفع‪--‬ل الض‪--‬ار إذا ص‪--‬لح وفق‪--‬ا‬
‫لقواع‪-‬د الق‪-‬انون أن يك‪-‬ون مص‪-‬درا لنش‪-‬وء ال‪-‬واجب الق‪-‬انوين ومثال‪-‬ه أن يلقي اجلاين عقب س‪-‬يجارة مش‪-‬تعلة فاتق‪-‬دت الن‪-‬ار يف مك‪-‬ان إلقائه‪-‬ا‪،‬‬
‫فهويلتزم طبقا للقانون بإطفائها‪ ،‬فإن مل يفعل فهو ممتنع باملعىن القانوين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الصفة اإلرادية لإلمتناع‬
‫اإلمتن]اع كالفع‪-‬ل اإلجيايب س‪-‬لوك إرادي‪ ،‬ويقتض‪-‬ي ذل‪-‬ك أن تك‪-‬ون اإلرادة مص]دره‪ ،‬أي أن تت‪-‬وافر عالق‪-‬ة س‪-‬ببية بني اإلرادة واملس‪-‬لك الس‪-‬ليب‬
‫الذي اختذه املمتنع‪.‬‬
‫فإن ثبت أن اإلحج ‪--‬ام ق ‪--‬د جترد من الص ‪--‬فة اإلرادي ‪--‬ة‪ ،‬فال يوص ‪--‬ف بأن ‪--‬ه امتن ‪--‬اع يف املع ‪--‬ىن الق ‪--‬انوين‪ ،‬ف ‪--‬إذا أص ‪--‬يب عام ‪--‬ل إش ‪--‬ارات بالس ‪--‬كك‬
‫احلديدي ‪--‬ة بإغم ‪--‬اء ال ‪--‬وقت ال ‪--‬ذي ك ‪--‬ان يتعني علي ‪--‬ه في ‪--‬ه إعط ‪--‬اء إش ‪--‬ارة حتذير إىل قط ‪--‬ار على وش ‪--‬ك ال ‪--‬دخول إىل احملط ‪--‬ة‪ ،‬أو تع ‪--‬رض إلك ‪-‬راه‬
‫ش‪--‬خص قي ‪--‬ده باحلب ‪--‬ال أو حبس‪--‬ه يف حج ‪--‬رة خالل ه‪--‬ذا ال‪--‬وقت فلم يقم بالفع‪--‬ل اإلجيايب املف‪--‬روض علي ‪--‬ه‪ ،‬فال يق‪--‬ال عن ‪--‬ه أن ‪--‬ه ممتن ‪--‬ع يف لغ‪--‬ة‬
‫القانون‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد ميكن القول بأن املشرع اجلنائي املغريب انتهج اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلمتناع الذي يرد بشأنه نص صريح‪ ،‬كما يف املادة ‪ 431‬يف ق‪.‬ج ‪ ،‬جيرمه ويعاقب عليه ال ميكن أبدا املساءلة والعقاب عنه‬
‫مهما كانت النتائج املرتتبة عنه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬املبدأ العام السائد فيه هو أن جمرد اإلمتناع ال ترتكب به اجلرائم اإلجيابية كالفتل أو السرقة واإلغتصاب‪.....‬إخل‪ ،‬ويتبني ذلك مثال‬
‫من املادة ‪ 430‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬االستثناء هو معاقبة املشرع اجلنائي املغريب االمتناع يف بعض احلاالت اخلاصة بالعقوبة اليت تعاقب هبا اجلرمية املرتكبة بنشاط‬
‫إجيايب‪ ،‬ويظهر ذلك على اخلصوص من املادة ‪ 463‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬النتيجة اإلجرامية‪.‬‬
‫للنتيجة مدلوالن‪ :‬مدلول مادي باعتبارها جمرد ظاهرة مادية‪ ،‬ومدلول قانوين باعتبارها فكرة قانونية‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬النتيجة في مدلولها المادي‬
‫النتيج‪-‬ة كظ‪-‬اهرة مادي‪-‬ة هي التغي‪-‬ري ال‪-‬ذي حيدث يف الع‪-‬امل اخلارجي كنتيج‪-‬ة للس‪-‬لوك اإلج‪-‬رامي‪ ،‬ففي جرمية القت‪-‬ل ك‪-‬ان اجملين علي‪-‬ه حي‪-‬ا قب‪-‬ل‬
‫أن يرتكب اجلاين فعله مث أصبح ميتا‪ ،‬هنا النتيجة هي القتل‪ ،‬ويف جرمية السرقة يكون انتقال احليازة هو النتيجة فيها‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬النتيجة في مدلولها القانوني‬
‫النتيجة كفكرة قانونية هي العدوان الذي ينال مصلحة أو حقا قدر املشرع أنه جدير باحلماية اجلنائية‪.‬‬
‫فالنتيج]]ة في جريم]]ة القت ]]ل هي الع ‪--‬دوان على الح]]ق يف الحي]]اة‪ ،‬وهي يف جرمي ة الج]]رح أو الض]]رب الع ‪--‬دوان على الح]]ق في س]]المة‬
‫الجسم‪ ،‬وهي يف جرمية السرقة العدوان على الملكية والحيازة‪.‬‬
‫فهل النتيجة إذن عنصر في الركن المادي لكل جريمة ؟‬
‫يظه‪-‬ر مما س‪-‬بق أن النتيج‪-‬ة ال تك‪-‬ون عنص‪-‬را من عناص‪-‬ر ال‪-‬ركن املادي يف اجلرمية إال بالنس‪-‬بة جلرائم "النتيج‪-‬ة" أو ج‪-‬رائم "الض‪-‬رر" أو " اجلرائم‬
‫املادي‪-‬ة"‪ ،‬وهي ال‪-‬يت يتوق‪-‬ف قيامه‪-‬ا قانون‪-‬ا على ح‪-‬دوث نتيج‪-‬ة معين‪-‬ة‪ ،‬يتس‪-‬بب فيه‪-‬ا االعت‪-‬داء على احلق ال‪-‬ذي محاه الق‪-‬انون‪ ،‬دون اجلرائم ال‪-‬يت‬
‫يطل‪-‬ق عليه‪-‬ا ج‪-‬رائم " اخلط‪-‬ر" أو "اجلرائم" الش‪-‬كلية ال‪-‬يت ال يتوق‪-‬ف قيامه‪-‬ا على ح‪-‬دوث نتيج‪-‬ة – ض‪-‬رر‪ -‬كم‪-‬ا يف ج‪-‬رائم املؤامرة واالعت‪-‬داء‪،‬‬
‫فقي‪-‬ادة الس‪-‬يارة ب‪-‬دون رخص‪-‬ة‪ ،‬أو خ‪-‬رق ح‪-‬ق األس‪-‬بقيات يف املرور‪ ،‬وحماول‪-‬ة اجلناي‪-‬ات‪ ،‬وبعض اجلنح‪....‬إخل وهي كله‪-‬ا ج‪-‬رائم ش‪-‬كلية يع‪-‬اقب‬
‫عليها بغض النظر عن حصول أية نتيجة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة السببية بين النشاط المجرم و النتيجة‬
‫عالقة السببية هي الصلة اليت تربط ما بني الفعل والنتيجة وتثبت أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إىل حدوث النتيجة‪.‬‬
‫واألمهية القانونية لعالقة السببية يف غىن عن البيان‪ ،‬فهي اليت تربط ما بني عنصري الركن املادي والنتيجة اإلجرامية‪ ،‬فتشكل بذلك‬
‫وحدة وكيان اجلرمية‪ ،‬ومن ذلك ما جاء يف قرار حمكمة النقض الفرنسية يف ‪ 30‬نونرب ‪" :1956‬إذا صدم سائق سيارة طفال ليال وهو‬
‫حياول عبور الطريق فجأة فقتله‪ ،‬فال مسؤولية على السائق الذي كان يسري بسرعة معتدلة‪ ،‬مضيئا أنواره حىت ولو تبني أنه ال‬
‫حيم‪-‬ل ت‪-‬رخيص قي‪-‬ادة‪ ،‬ذل‪-‬ك أن‪-‬ه يتع‪-‬ذر إس‪-‬ناد احلادث إىل القي‪-‬ادة بغ‪-‬ري ت‪-‬رخيص م‪-‬ادام ق‪-‬د ت‪-‬بني أن أص‪-‬ول القي‪-‬ادة ك‪-‬انت مرعي‪-‬ة ب‪-‬ل رآى أن‬
‫األوىل ه‪--‬و إس‪--‬ناده إىل عب‪--‬ور الطري‪--‬ق فج‪--‬أة‪ ،‬مما تع‪--‬ذر مع‪--‬ه على الس‪--‬ائق تف‪--‬ادي احلادث‪ ،‬أم‪--‬ا إذا ت‪--‬داخلت عوام‪--‬ل أخ‪--‬رى بني خط‪--‬أ اجلاين‬
‫والنتيجة النهائية حبيث ال ميكن اجلزم بأن ذلك اخلطأ كان السبب املباشر يف حتقيق تلك النتيجة فإنه ال ميكن مساءلة اجلاين عليها"‪.‬‬
‫وإذا كان استخالص هذه العالقة –وجودا وعدما – من طرق القضاء يكون يف أغلب احلاالت يسريا‪ ،‬خصوصا إذا مل يشرتك أي سبب‬
‫آخر إىل جانب نشاط املتابع يف إحداث النتيجة ‪ -‬أي كان فعله هو السبب الوحيد‪ -‬كما يف حالة طعن شخص آلخر بسكني‬
‫فيسقط املطعون على إثرها ميتا‪ ،‬أو صدم دراجة لطفل صغري أو برت أحد أعضاءه‪....‬إخل‪.‬‬
‫إال أن استخالص هذه العالقة قد يصبح شاقا على القاضي أو احملكمة عندما تشرتك بعض األسباب األجنبية – إما بكيفية معاصرة أو‬
‫سابقة أو الحقة – مع نشاط الفاعل يف إحداث النتيجة كما يف األمثلة التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬يطلق شخص النار على آخر فيصيبه جبروح خطرية‪ ،‬ويأيت ثالث فيطلق عليه عيارات أخرى فيجهز عليه هنائيا؛‬
‫‪ .2‬يطلق شخص على آخر النار فيصيبه إصابة خفيفة‪ ،‬لكن املصاب ميوت يف إثرها ألنه مصاب مبرض السكري املتقدم؛‬
‫‪ .3‬يطل‪--‬ق ش‪--‬خص الن‪--‬ار على آخ‪--‬ر فيص‪--‬يبه جبراح ينق‪--‬ل على إثره‪--‬ا إىل املستش‪--‬فى ال‪--‬ذي تش‪--‬تعل في‪--‬ه الن‪--‬ار فيم‪--‬وت اجملروح خمتنق‪--‬ا ب‪--‬دخان‬
‫النريان‪.‬‬
‫‪ .4‬يطعن ش‪--‬خص آخ‪--‬ر بس‪--‬كني فيجرح‪--‬ه‪ ،‬وملا ينتق‪--‬ل اجملروح إىل املستش‪--‬فى إليق‪--‬اف ال‪--‬نزيف حيقن‪--‬ه الط‪--‬بيب مبا ليس من فص‪--‬يلته خط‪--‬أ‬
‫فيموت‪.....‬إخل‪.‬‬
‫فمن خالل هذه األمثلة وغريها‪ ،‬اليت تتعدد فيها العوامل املؤدية للنتيجة‪ ،‬تبدو عالقة السببية غري واضحة مبا فيه الكفاية‪ ،‬وهذا ما‬
‫دفع الفقه إىل القول بعدة معايري – أو نظريات‪ -‬يف السببية وكل ذلك يف سبيل مساعدة القضاء على توضيح معاملها‪ ،‬ومن هذه‬
‫النظريات‪.‬‬
‫‪.1‬نظرية تكافؤ األسباب؛‬
‫‪.2‬نظرية السببية المالئمة؛‬
‫‪.3‬نظرية السببية المباشرة‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب‬
‫تقرر هذه النظرية املساواة بني مجيع العوامل اليت سامهت يف إحداث النتيجة‪ ،‬مهما كان دورها تافها‪ ،‬حيث متنحها قيمة واحدة من‬
‫الناحية القانونية‪ ،‬وبغض النظر عما إذا كانت النتيجة ميكن تصور حدوثها وفقا للمجرى العادي لألمور بفعل أحد األسباب أم ال؟‬
‫فالعوامل اليت تتدخل يف التسلسل السبيب بعد ارتكاب اجلاين فعله فتزيد من جسامته وتقود إىل إحداث النتيجة ال حتول دون القول‬
‫بتوافر هذه العالقة‪ ،‬فخطأ الطبيب املعاجل وإن كان فاحشا‪ ،‬أو سقوط شجرة على سيارة اإلسعاف اليت تقل اجملين عليه – يف جرمية‬
‫إطالق النار عمدا – إىل املستشفى وسحقها وموته نتيجة لذلك‪....‬إخل‪.‬‬
‫وخالص]]ة الق]]ول‪ :‬أن ‪--‬ه حبس ‪--‬ب نظري ‪--‬ة تك ‪--‬افؤ األس ‪--‬باب ف ‪--‬إن ك ‪--‬ل من ي ‪--‬أيت نش ‪--‬اطا يك ‪--‬ون من مجل ‪--‬ة األس ‪--‬باب ال ‪--‬يت أس ‪--‬همت يف ح ‪--‬دوث‬
‫النتيج‪-‬ة‪ ،‬ويك‪-‬ون مس‪-‬ؤوال مس‪-‬ؤولية جنائي‪-‬ة كامل‪-‬ة عن ه‪-‬ذه اجلرمية‪ ،‬وال يش‪-‬فع ل‪-‬ه أب‪-‬دا الق‪-‬ول باحتم‪-‬ال انقط‪-‬اع رابط‪-‬ة الس‪-‬ببية نظ‪-‬را الش‪-‬رتاك‬
‫عوامل أخرى كانت أقوى أثرا يف إحداث النتيجة‪.‬‬
‫غري أن ه‪--‬ذه النظري‪--‬ة تبقى حمل انتق‪--‬ادات ع‪--‬دة‪ ،‬من أبرزه‪--‬ا أهنا غ‪--‬ري ذات ط‪--‬ابع ق‪--‬انوين‪ ،‬فهي تعتم‪--‬د على املنط‪--‬ق اجملرد‪ ،‬وتنظ‪--‬ر إىل النتيج‪--‬ة‬
‫اإلجرامية باعتبارها جمرد ظاهرة مادية‪ ،‬وهذا يتعارض مع قوله تعاىل‪ " :‬وال تزر وازرة وزر أخرى" – اإلسراء آية ‪.-15‬‬
‫أم‪--‬ا بالنس‪--‬بة للمي‪--‬دان املدين ف‪--‬إن املنط‪--‬ق والعدال‪--‬ة ال يقبالن األخ‪--‬ذ باعتب‪--‬ار الفع‪--‬ل مهم‪--‬ا ك‪--‬ان تافه‪--‬ا س‪--‬ببا يف ك‪--‬ل احلاالت م‪--‬ع ب‪--‬اقي سلس‪--‬لة‬
‫األفعال اليت قد تصدر عن الطبيعة أو احليوان أو األشياء املرتوكة بدون حارس‪ ،‬واليت تعترب قوى قاهرة ال يوجد من يكون مسؤوال عنها‪.‬‬
‫والواقع هو أن هذا النقد هو ما أوحى باألساس الذي قامت عليه نظرية السببية املالئمة‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬نظرية السببية المالئمة أو السببية المنتجة‪.‬‬
‫تذهب هذه النظرية إىل التفرقة بني عوامل النتيجة اإلجرامية واالعتداد ببعضها دون البعض اآلخر‪ ،‬فإذا كانت – األسباب – من شأهنا‬
‫عادة‪ ،‬وحبسب اجملرى العادي واملألوف لألمور أن تؤدي إىل حصول النتيجة فإهنا تكون أسباب معتد هبا‪.‬‬
‫أم‪-‬ا األس‪-‬باب العارض‪-‬ة فإهنا ال تعت‪-‬رب ك‪-‬ذلك من الناحي‪-‬ة القانوني‪-‬ة ألهنا ال حتدث يف الع‪-‬ادة تل‪-‬ك النتيج‪-‬ة‪ ،‬وإن هي أح‪-‬دثتها فال أث‪-‬ر هلا‪،‬‬
‫ومن ذل‪-‬ك م‪-‬رض اجملين علي‪-‬ه الس‪-‬ابق على النش‪-‬اط اجلرمي‪ ،‬أو إمهال‪-‬ه إمهاال بس‪-‬يطا يف عالج نفس‪-‬ه من اإلص‪-‬ابة النامجة عن النش‪-‬اط ال‪-‬ذي‬
‫أتاه املتابع‪.‬‬
‫فه ‪--‬ذه أس ‪--‬باب ثانوي ‪--‬ة أو عارض ‪--‬ة – مألوف ‪--‬ة ومتوقع ‪--‬ة ‪ ،-‬فال تنفي بالت ‪--‬ايل رابط ‪--‬ة الس ‪--‬ببية بني النش ‪--‬اط املرتكب من قب ‪--‬ل الفاع ‪--‬ل وبني‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫لكن إذا ت‪-‬دخلت عوام‪-‬ل أو أس‪-‬باب ليس‪-‬ت عادي‪-‬ة يف حص‪-‬ول النتيج‪-‬ة‪ ،‬ك‪-‬الطبيب ال‪-‬ذي حيقن اجملين علي‪-‬ه – يف جرمية إطالق ن‪-‬ار على‬
‫ساقه – بفصيلة دم خمالفة متاما لفصيلته‪ ،‬أو حقن جرعة عالية من املخدر قبل أن جترى له العملية‪......‬إخل‪.‬‬
‫وقد استندت حمكمة النقض الفرنسية على هذه النظرية عندها قضت مبا يلي‪:‬‬
‫"إذا أصاب املتهم ‪-‬بينما كان يف حفلة سكر‪ -‬زميال له بدون قصد بطعنه بسكني‪ ،‬فأحدث به جرحا نقل على إثره إىل‬
‫املستشفى‪ ،‬وأجريت له عملية جراحية‪ ،‬وبعد اإلنتهاء منها مبدة تويف اجملين عليه‪ ،‬وتبني أن الوفاة حدثت نتيجة امتصاص اجلسم لعصارة‬
‫غذائية بعد أن أفاق من املخدر‪ ،‬فإنه ال ميكن مؤاخذة املتهم عن جرمية القتل اخلطأ‪ ،‬ألن هذه اجلرمية ال تتوافر إال إذا كانت الوفاة‬
‫نتيجة لفعل اجلاين"‪.‬‬
‫ففي كل هذه احلاالت وما شاهبها تكون رابطة السببية غري حمققة بني النشاط اإلجرامي والنتيجة‪.‬‬
‫‪ ‬البند الثالث‪ :‬نظرية السببية المباشرة نظرية السبب األقوى أو المهيمن‬
‫وفقا هلذه النظرية فإن اجلاين ال يسأل جنائيا‪ ،‬إال إذا كانت النتيجة احلاصلة متصلة اتصاال مباشرا هبذا النشاط‪ ،‬وال يكون األمر كذلك‪،‬‬
‫إال إذا كان – النشاط – هو السبب القوي أو األساسي الذي أدى إىل حصول النتيجة‪ ،‬أما إذا تداخلت عوامل أخرى غري النشاط‬
‫املتابع من أجله‪ ،‬فإن املسؤولية تنتفي‪ ،‬النقطاع رابطة السببية يف هذه احلالة بني نشاط اجلاين والنتيجة اليت حصلت‪ ،‬وهذا ما أكده‬
‫اجمللس األعلى (حمكمة النقض حاليا) يف قراره‪:‬‬
‫"‪.....‬عندما صرحت احملكمة بأن الظنني صدم الضحية وأصاهبا جبروح بليغة ماتت هبا يف نفس اليوم باملستشفى إثر عملية جراحية‬
‫أجريت هلا بدون جدوى وأن الضحية ماتت من جراء الصدمة بسبب عدم تبصر املتهم أو عدم احتياطه وخمالفته للنظم والقوانني‪ ،‬وأن‬
‫هذا الفعل الثابت يف حقه يكون جرمية القتل بغري عمد‪ ،‬لم يكن عليها مع اقتناعها الصميم بأن السبب املباشر لوفاة الضحية هو‬
‫الصدمة اليت أصيب هبا أن تأمر بتعيني خبري لتحديد السبب املباشر للوفاة"‪.‬‬
‫فما هو موقف املشروع املغريب هنا من موضوع عالقة السببية؟‬
‫يف النطاق املدين يالحظ أنه اعتنق معيار السببية المباشرة صراحة كما تقول بذلك النصوص املنظمة للمسؤولية املدنية‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الفصول ‪ 88-79-78-77‬من قانون اإللتزامات والعقود‪.‬‬
‫أما يف النطاق اجلنائي‪ ،‬فيالحظ أنه مل يتعرض للموضوع صراحة بنص من النصوص إسوة بالتشريعات اجلنائية املقارنة‪ ،‬حيث اقتصر‬
‫على اشرتاط ضرورة توافر عالقة السببية دون حتديد ملعيارها باستعماله لكلمات وإن اختلفت لفظا فهي قد تقاربت باملعىن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪‬المادة‪ 392‬ق‪.‬ج ‪ :‬اعترب فيها قاتال كل من "تسبب" عمدا يف قتل غريه‪.‬‬
‫‪‬المادة‪ 432‬ق‪.‬ج ‪ :‬يعاقب كل من "تسبب" يف قتل غريه من غري قصد‪.‬‬
‫‪‬المادة‪ 433‬ق‪.‬ج ‪ :‬يعاقب كل من "تسبب" يف جرح غريه خطأ‪.‬‬
‫‪‬المادة‪ 401‬ق‪.‬ج ‪ :‬الضرب أو اجلرح إذا "نتج" عنه فقد عضو أو برته‪....‬أو أية عاهة أخرى‪.‬‬
‫‪‬المادة‪ 402‬ق‪.‬ج ‪ :‬الضرب أو اجلرح إذا "نتج" عنه موت‪.‬‬
‫فمن خالل هذه الكلمات "تسبب"نتج" يتبني أن املشرع املغريب التزم بضرورة توافر عالقة سببية يف جرائم تتداخل فيها إىل جانب‬
‫النشاط الفعلي للجاين عوامل أجنبية‪ ،‬تاركا للقضاء سلطة التقرير يف مسألة وجود عالقة السببية بني نشاط اجلاين والنتيجة من عدمها‬
‫على ضوء ظروف كل قضية ومالبساهتا‪ ،‬مع التزام القاضي بيان الوقائع اليت استند إليها للقول بقيام هاته العالقة أو انتفائها‪ ،‬وحملكمة‬
‫النقض أن تراقب قاضي املوضوع من حيث فصله يف أن أمرا معينا يصلح قانونا ألن يكون سببا لنتيجة معينة أو ال يصلح‪ ،‬ويعين ذلك‬
‫أن له حق الرقابة على املعيار الذي يأخذ به القاضي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مراحل ارتكاب الركن المادي الشروع في جريمة – المحاولة‪-‬‬
‫ولدراسة موضوع احملاولة املعاقب عليها‪ ،‬نتناول احملاور اآلتية‪:‬‬
‫‪‬التنظيم التشريعي للشروع في الجريمة (المطلب األول)‬
‫‪‬تمييز األعمال التحضيرية – التمهيدية – عن المحاولة (المطلب الثاني)‬
‫‪‬أركان الشروع ( المطلب الثالث)‬
‫‪‬صور الشروع (المطلب الرابع)‬
‫‪‬عقاب الشروع (المطلب الخامس)‬
‫المطلب األول التنظيم التشريعي للشروع في الجريمة‬
‫تع‪--‬رض املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب للمحاول‪--‬ة يف الب‪--‬اب الث‪--‬اين من اجلزء األول من الكت‪--‬اب الث‪--‬اين من اجملموع‪--‬ة اجلنائي‪--‬ة حتت عن‪-‬وان‪ " :‬يف احملاول‪--‬ة"‬
‫وخصص هلا أربع فصول‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫• الفص]ل ‪" :114‬ك‪--‬ل حماول‪--‬ة ارتك‪--‬اب جناي‪--‬ة ب‪--‬دت بالش‪--‬روع يف تنفي‪--‬ذها أو بأعم‪--‬ال ال لبس فيه‪--‬ا‪ ،‬هتدف مباش‪--‬رة إىل ارتكاهبا‪ ،‬إذ مل‬
‫يتوقف تنفيذها أو مل حيصل األثر املتوخى منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها‪ ،‬تعترب كاجلناية التامة ويعاقب عليها هبذه الصفة"‪.‬‬
‫•الفصل ‪" :115‬ال يعاقب على حماولة اجلنحة إال مبقتضى نص خاص يف القانون"‪.‬‬
‫•الفصل ‪ " :116‬حماولة املخالفة ال يعاقب عليها مطلقا"‪.‬‬
‫•الفصل ‪ " : 117‬يعاقب على احملاولة حىت يف األحوال اليت يكون الغرض فيها من اجلرمية‪ ،‬غري ممكن بسبب ظروف واقعية جيهلها‬
‫الفاعل"‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل الجريمة التي ال يعاقب عليها القانون‬
‫ال يتدخل القانون بالعقاب على مرحلتني من مراحل اجلرمية‪:‬‬
‫األولى‪ :‬هي التفكري فيها والتصميم عليها؛‬
‫الثانية‪ :‬هي األعمال التحضريية هلا‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬التفكير في الجريمة والتصميم عليها‬
‫هذه هي الصفة النفسية للجرمية‪ ،‬وفيها تكون اجلرمية حمض فكرة أو جمرد إرادة‪ ،‬ولو ثبت التفكري أو التصميم على حنو ال شك فيه‪ ،‬كما‬
‫لو اعرتف به صاحبه أو أبلغ غريه عنه‪.‬‬
‫غري أن ما جتب اإلشارة إليه هنا أن عدم المؤاخذة هنا يتعلق فقط بالجرائم التي ال تعد جرائم إرهابية‪ ،‬ألن هذه األخرية حسب‬
‫المادة ‪( 218-26‬مكرر) تقوم فيها املسؤولية اجلنائية مبجرد التصريح فقط‪ ،‬على النحو اآليت‪:‬‬
‫"يعاقب باحلبس من سنتني إىل ست سنوات وبغرامة ترتاوح بني ‪ 10.000‬درهم و ‪ 200.000‬ألف درهم كل من أشاد بأفعال‬
‫تكون جرمية إرهابية بواسطة اخلطب أو الصياح أو التهديدات املفوه هبا يف األماكن أو االجتماعات العمومية‪.".....‬‬
‫أما العلة يف عدم جترمي جمرد التفكري يف اجلرمية يف احلاالت– غري اإلرهابية – فتتمثل يف كون صور اجلرمية كلها – ولو كانت جمرد شروع‬
‫– تتطلب ركنا ماديا‪ ،‬ويقتضي هذا الركن فعال‪ ،‬وللفعل كيان مادي يقوم على حركة عضوية‪ ،‬وال وجود لذلك حينما تكون اجلرمية حمض‬
‫فكرة أو جمرد إرادة‪ ،‬ومن مث ال يكون للتجرمي حمل‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك‪ ،‬أن عدم العقاب على هذه املرحلة فيه تشجيع على العدول عن تنفيذ اجلرمية‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬األعمال التحضيرية – مرحلة الشروع –‬
‫تتخذ اجلرمية يف هذه املرحلة كيانا ماديا‪ ،‬إذ يعرب اجلاين فيها عن تصميمه بأفعال ملموسة‪.‬‬
‫ويراد باألعمال التحضيرية كل فعل حيوز به الجاني وسيلة ارتكاب الجريمة كشراء السالح‪ -‬يف جرمية القتل‪ -‬أو جتهيز املادة‬
‫السامة‪....‬إخل‪.‬‬
‫والقاعدة أن ال عقاب على هذه األفعال‪ ،‬أي أهنا ال تعد شروعا يف اجلرائم حمل التحضري‪ ،‬وعلى ذلك فإن العمل التحضريي متجرد‬
‫من األمهية لقانونية‪ ،‬إذ ال ينطوي على خطر يهدد حقا أو مصلحة معينة‪ ،‬وهو بذلك غامض‪ ،‬إذ ال يكشف يف صورة أكيدة عن نية‬
‫إجرامية‪ ،‬فشراء السالح قد يدل على اجتاه إىل اجلرمية كما يدل على إمكانية استعماله يف الدفاع عن النفس‪.‬‬
‫غري أن م ‪--‬ا جيب مالحظت ‪--‬ه هن ‪--‬ا‪ ،‬ه ‪--‬و أن العم ‪--‬ل التحض ‪--‬ريي ق ‪--‬د يك ‪--‬ون معاقب ‪--‬ا علي ‪--‬ه إذا ك ‪--‬ان مش ‪--‬كال جلرمية مس ‪--‬تقلة عن اجلرمية ال ‪--‬يت يق ‪--‬ع‬
‫التحض‪-‬ري هلا‪ ،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك الش‪-‬خص ال‪-‬ذي يري‪-‬د ارتك‪-‬اب جرمية قت‪-‬ل وع‪-‬وض أن يش‪-‬رتي الس‪-‬الح الس‪-‬تخدامه فيه‪-‬ا أو اس‪-‬تعارته يق‪-‬وم بس‪-‬رقته‪،‬‬
‫فإنه سيعاقب عن جرمية السرقة ولو أهنا تشكل عمال حتضرييا للقتل العمد الذي مل ينجز بعد‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مراحل الجريمة التي يعاقب عليها القانون‬
‫ومعايير التمييز بينها وبين العمل التحضيري‬
‫إذا جاوز اجلاين مرحلة العمل التحضريي للجرمية‪ ،‬فبدأ بتنفيذها تدخل القانون بالعقاب‪ ،‬وتسمى هذه املرحلة بمرحلة الشروع في‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬مرحلة الشروع في الجريمة‬
‫وهي املرحل‪-‬ة املادي‪-‬ة احلامسة ال‪-‬يت تكتس‪-‬ي فيه‪-‬ا اإلرادة رداءه‪-‬ا املادي حيث تظه‪-‬ر إىل الع‪-‬امل اخلارجي يف ش‪-‬كل نش‪-‬اط م‪-‬ادي‪ ،‬خالف‪-‬ا للعم‪-‬ل‬
‫التحض‪--‬ريي‪ ،‬مث ‪--‬ال‪ :‬تص‪--‬ويب البندقي ‪--‬ة ص‪--‬وب اجملين علي ‪--‬ه وإطالق الرص‪--‬اص علي ‪--‬ه‪ ،‬لكن خلط‪--‬أ يف للتص‪--‬ويب أو ألي عام‪--‬ل خ‪--‬ارجي آخ‪--‬ر‬
‫ينجو املستهدف من املوت احملقق‪.‬‬
‫هذا وإذا ك‪-‬انت ه‪-‬ذه املرحل‪-‬ة مع‪-‬اقب عليه‪-‬ا خبالف األعم‪-‬ال التحض‪-‬ريية‪ ،‬ف‪-‬إن األم‪-‬ر ليس هبذه الس‪-‬هولة خصوص‪-‬ا من الناحي‪-‬ة العملي‪-‬ة‬
‫حيث يعت‪-‬رب من أك‪-‬ثر األم‪-‬ور تعقي‪-‬دا أو ص‪-‬عوبة‪ ،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك حال‪-‬ة الش‪-‬خص ال‪-‬ذي يض‪-‬بط وه‪-‬و ي‪-‬دفع ب‪-‬اب أح‪-‬د املن‪-‬ازل لكي ي‪-‬دخل إلي‪-‬ه‬
‫بقص‪-‬د س‪-‬رقته‪ ،‬حيث يث‪-‬ور التس‪-‬اؤل جبدي‪-‬ة عم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان نش‪-‬اطه (فعل‪-‬ه) ال ي‪-‬زال معت‪-‬ربا يف مرحل‪-‬ة التحض‪-‬ري للجرمية املقص‪-‬ودة (الس‪-‬رقة) فال‬
‫يعاقب ‪ ،‬أو يعد بدءا يف تنفيذ اجلرمية( شروعا فيها ) حيث جتب معاقبته على حماولة السرقة‪.‬‬
‫فما هي إذن معايري التمييز بني مرحليت العمل التحضريي والشروع يف اجلرمية؟‬
‫‪ ‬البند الثاني‪ :‬معايير التمييز بين مرحلة التحضير ومرحلة الشروع‬
‫مال الفقه إىل تضييق املعايري املميزة هلاتني املرحلتني إىل معيارين مها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المعيار المادي أو الموضوعي‬
‫يذهب ه‪--‬ذا املعي‪--‬ار إىل الق‪--‬ول ب‪--‬أن العم‪--‬ل التحض‪--‬ريي ه‪--‬و ال‪--‬ذي ال ي‪--‬دخل يف التعري‪--‬ف الق‪--‬انوين للجرمية املراد ارتكاهبا – كعنص‪--‬ر من‬
‫عناص‪--‬ر ال‪--‬ركن املادي – وال يش‪--‬كل ظرف‪--‬ا من ظ‪--‬روف التش‪--‬ديد فيه‪--‬ا‪ -‬ك‪--‬إطالق الرص‪--‬اص على ش‪--‬خص بقص‪--‬د قتل‪--‬ه لكن لس‪--‬وء التص‪--‬ويب‬
‫ينجو املستهدف‪.‬‬
‫يف حني أن الش‪--‬روع يف اجلرمية يتحق‪--‬ق بك‪--‬ل نش‪--‬اط ي‪--‬دخل يف التعري‪--‬ف الق‪--‬انوين للجرمية املراد ارتكاهبا أو ح‪--‬ىت أي نش‪--‬اط يك‪--‬ون ظرف‪--‬ا‬
‫مشددا فيها‪.‬‬
‫وعلي‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬إن دخ‪--‬ول ش‪--‬خص ملنزل بقص‪--‬د س‪--‬رقة بعض املنق‪--‬والت من‪--‬ه ال يش‪--‬كل حماول‪--‬ة س‪--‬رقة معاقب‪--‬ة‪ ،‬وإمنا يعت‪--‬رب فق‪--‬ط عمال حتض‪-‬رييا يف‬
‫الس ‪--‬رقة غ ‪--‬ري مع ‪--‬اقب‪ ،‬على اعتب ‪--‬ار أن عملي ‪--‬ة دخ ‪--‬ول املنزل ال تش ‪--‬كل عنص ‪-‬را من عناص ‪--‬ر الس ‪--‬رقة‪ ،‬لكن نش ‪--‬اط اجلاين (دخول ‪--‬ه املنزل املراد‬
‫س‪-‬رقته) يص‪-‬بح نش‪-‬اطا معاقب‪-‬ا علي‪-‬ه‪ - ،‬حبس‪-‬ب املعي‪-‬ار املادي‪ -‬إذا دخل‪-‬ه ليال‪ ،‬ألن عنص‪-‬ر اللي‪-‬ل هن‪-‬ا يعت‪-‬رب ظرف‪-‬ا مش‪-‬ددا يف الس‪-‬رقة‪ ،‬ونفس‬
‫الش‪-‬يء ميكن أن يق‪-‬ال على االختف‪-‬اء وراء ش‪-‬جرة لقت‪-‬ل ش‪-‬خص آخ‪-‬ر مبس‪-‬دس‪ ،‬فعملي‪-‬ة ش‪-‬راء الس‪-‬الح الس‪-‬ابقة ال ت‪-‬دخل يف التعري‪-‬ف الق‪-‬انوين‬
‫جلرمية القتل العمد‪ ،‬ولكن الرتصد هنا يشكل ظرفا مشددا يف هذه اجلرمية‪.‬‬
‫ولكن ه‪--‬ذا املعي‪--‬ار – املادي أو املوض‪--‬وعي – يع‪--‬اب علي‪--‬ه أن‪--‬ه غ‪--‬ري واض‪--‬ح‪ ،‬فه‪--‬و يوس‪--‬ع من نط‪--‬اق األعم‪--‬ال التحض‪-‬ريية كث‪-‬ريا‪ ،‬فيفس‪--‬ح‬
‫ب‪-‬ذلك اجملال أم‪-‬ام حمرتيف اجلرمية على حنو واس‪-‬ع ميكن من اإلفالت من العق‪-‬اب‪ ،‬أي أن‪-‬ه من الص‪-‬عب – طبق‪-‬ا هلذا املعي‪-‬ار‪ -‬اعتب‪-‬ار أي فع‪-‬ل‬
‫–عندما تتعدد هذه األفعال‪ -‬بدءا يف تنفيذ جرمية معينة –عندما يدل نفس الفعل على جرائم خمتلفة‪.-‬‬
‫وخالص‪-‬ة الق‪-‬ول أن تطبيق‪-‬ه – املعي‪-‬ار املادي‪ -‬حرفي‪-‬ا وب‪-‬دون مرون‪-‬ة كافي‪-‬ة سيض‪-‬ع احلماي‪-‬ة الواجب‪-‬ة ملص‪-‬احل اجملتم‪-‬ع ال‪-‬يت تف‪-‬رض األخ‪-‬ذ بعني‬
‫االعتبار قصد اجلاين ونيته وعدم اإلسراف يف التجريد‪ ،‬وهذا ما حاول أصحاب النظرية الشخصية التالية تفاديه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المعيار الشخصي في التمييز بين مرحلتي التحضير والشروع‬
‫يرى أنص‪-‬ار ه‪-‬ذا املعي‪-‬ار‪ ،‬أن‪-‬ه يكفي ملعرف‪-‬ة بداي‪-‬ة مرحل‪-‬ة الش‪-‬روع‪ ،‬قي‪-‬ام الفاع‪-‬ل بأفع‪-‬ال ول‪-‬و ك‪-‬انت غ‪-‬ري خط‪-‬رية يف ذاهتا‪ ،‬طاملا ك‪-‬انت مع‪-‬ربة‬
‫على حنو واض‪--‬ح عن خط‪--‬ورة شخص‪--‬ية اجلاين ونيت‪--‬ه‪ ،‬أي ال خيالطه‪--‬ا اللبس على أن‪--‬ه ص‪--‬مم وبكيفي‪--‬ة هنائي‪--‬ة على ارتك‪--‬اب اجلرمية‪ ،‬حبيث ل‪--‬و‬
‫ترك ومل حيل بينه وبني إمتامها أي حائل ألكمل اقرتافها‪.‬‬
‫ولع‪-‬ل أفض‪-‬ل الص‪-‬يغ وأكثره‪-‬ا تأيي‪-‬دا يف الفق‪-‬ه والقض‪-‬اء اجلن‪-‬ائي عموم‪-‬ا عن‪-‬د تعري‪-‬ف الب‪-‬دء يف التنفي‪-‬ذ أو الش‪-‬روع يف اجلرمية هي " العم‪-‬ل‬
‫الذي يؤدي حاال ومباشرة إىل اجلرمية"‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬معيار أو مذهب المشرع المغربي‬
‫املش‪-‬رع اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب اختذ موقف‪-‬ا توفيقي‪-‬ا من املعي‪-‬ارين‪ ،‬حيث اقتبس منهم‪-‬ا مع‪-‬ا يف املادة ‪ 114‬ق‪.‬ج‪ " :‬ك‪-‬ل حماول‪-‬ة ارتك‪-‬اب جناي‪-‬ة‬
‫ب‪-‬دت بالش]روع في تنفي]ذها أو بأعم]ال ال لبس فيه]ا‪ ،‬هتدف مباش‪-‬رة إىل ارتكاهبا‪ ،‬إذا مل يوق‪-‬ف تنفي‪-‬ذها أو مل حيص‪-‬ل األث‪-‬ر املت‪-‬وخى منه‪-‬ا‬
‫إال لظ‪-‬روف خارج‪-‬ة عن إرادة مرتكبيه‪-‬ا‪ ،‬تعت‪-‬رب كاجلناي‪-‬ة التام‪-‬ة ويع‪-‬اقب عليه‪-‬ا هبذه الص‪-‬فة"‪ ،‬فع‪-‬اقب على حماول‪-‬ة اجلناي‪-‬ة "إذا ب‪-‬دت بالش‪-‬روع‬
‫يف تنفي‪-‬ذها" وه‪-‬ذا ه‪-‬و املعي‪-‬ار الموض]وعي يف الش‪-‬روع‪ ،‬وع‪-‬اقب احملاول‪-‬ة فق‪-‬ط بقول‪-‬ه "ب‪-‬دت بأعم‪-‬ال ال لبس فيه‪-‬ا هتدف مباش‪-‬رة إىل ارتك‪-‬اب‬
‫اجلرمية"‪ ،‬فيك‪-‬ون هن‪-‬ا ق‪-‬د اعت‪-‬د جزئي‪-‬ا باملعي‪-‬ار الشخص]ي يف احملاول‪-‬ة‪ ،‬ألن‪-‬ه مل يعتم‪-‬د هن‪-‬ا – جزئي‪-‬ا‪ -‬اعتم‪-‬ادا كلي‪-‬ا على وج‪-‬ود الع‪-‬زم والتص‪-‬ميم‬
‫ل‪-‬دى اجلاين على ارتك‪-‬اب اجلرمية للق‪-‬ول بأن‪-‬ه يف حال‪-‬ة ش‪-‬روع‪ ،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك (تس‪-‬لق الش‪-‬خص ليال حلائ‪-‬ط خمزن توج‪-‬د ب‪-‬ه س‪-‬لع حيث يس‪-‬تدل‬
‫من‪-‬ه أن اجلاين قاص‪-‬د الس‪-‬رقة من‪-‬ه‪ ،‬ومثال‪-‬ه ك‪-‬ذلك ض‪-‬بط ش‪-‬خص يض‪-‬ع داخ‪-‬ل أكي‪-‬اس ممل‪-‬وءة خبض‪-‬ر مهي‪-‬أة للتص‪-‬دير قطع‪-‬ا من ال‪-‬ذهب بقص‪-‬د‬
‫هتريبها إىل اخلارج)‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عناصر المحاولة – أركانها ‪-‬‬
‫لقيام احملاولة يتعني توافر عنصرين أساسيني‪ :‬مادي ومعنوي‬
‫‪‬البند األول‪ :‬العنصر المادي أوالبدء في التنفيذ‬
‫حبس‪-‬ب ه‪-‬ذا الش‪-‬رط فال محل للمحاول]ة إذا مل يب‪-‬دأ اجلاين يف تنفي‪-‬ذ وق‪-‬ائع اجلرمية‪ ،‬أو مل يب‪-‬دأ بإتيان‪-‬ه ألي عم‪-‬ل ال لبس في‪-‬ه يه‪-‬دف‬
‫مباشرة إىل تنفيذها‪ ،‬ألن كل ما دون ذلك ال يعتد به‪.‬‬
‫فال يعت‪--‬رب س‪--‬وى عمال حتض‪-‬رييا للجرمية غ‪--‬ري مع‪--‬اقب مب‪--‬دئيا م‪--‬ا مل يق‪--‬رر املش‪--‬رع عقاب‪--‬ه العتب‪--‬ار معني‪ ،‬كم‪--‬ا يف املادة ‪ 175‬ق‪.‬ج‪" :‬‬
‫املؤامرة هي التص ‪--‬ميم على العم ‪--‬ل‪ ،‬م ‪--‬ىت ك ‪--‬ان متفق ‪--‬ا علي ‪--‬ه ومق ‪--‬ررا بني شخص ‪--‬ني أو أك ‪--‬ثر"‪ ،‬ونفس األم ‪--‬ر بالنس ‪--‬بة ملس ‪--‬ألة إنش ‪--‬اء عص ‪--‬ابة‬
‫إجرامي‪-‬ة‪ ،‬يف املادة ‪ 293‬ق‪.‬ج‪ " :.‬ك‪-‬ل عص‪-‬ابة أو اتف‪-‬اق مهم‪-‬ا تكن مدت‪-‬ه أو ع‪-‬دد املس‪-‬امهني في‪-‬ه أنش‪-‬ئ أو وج‪-‬د للقي‪-‬ام بإع‪-‬داد أو ارتك‪-‬اب‬
‫جنايات ضد األشخاص أو األموال يكون جناية العصابة اإلجرامية مبجرد ثبوت التصميم على العدوان باتفاق مشرتك"‪.‬‬
‫وعلى حمكم‪-‬ة املوض‪-‬وع أن ت‪-‬ورد يف حكمه‪-‬ا خمتل‪-‬ف الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت استخلص‪-‬ت منه‪-‬ا عنص‪-‬ر الب‪-‬دء يف التنفي‪-‬ذ للق‪-‬ول بقي‪-‬ام حماول‪-‬ة اجلرمية‪،‬‬
‫ألن مس‪--‬ألة وص‪--‬ف الفع‪--‬ل بأن‪--‬ه عم‪--‬ل حتض‪--‬ريي غ‪--‬ري مع‪--‬اقب علي‪--‬ه أو حماول‪--‬ة واقع‪--‬ة حتت طائل‪--‬ة العق‪--‬اب‪ ،‬من املس‪--‬ائل القانوني‪--‬ة ال‪--‬يت خيض‪--‬ع‬
‫قاضي "املوضوع يف تقريره هلا لرقابة قاضي النقض"‪.‬‬
‫وق‪-‬د ج‪-‬رت ق‪-‬رارات حمكم‪-‬ة النقض يف املادة اجلنائي‪-‬ة على اح‪-‬رتام ه‪-‬ذا املب‪-‬دأ من‪-‬ذ وقت طوي‪-‬ل كم‪-‬ا ج‪-‬اء يف قراره‪-‬ا بت‪-‬اريخ ‪ 23‬م‪-‬ارس ‪،1959‬‬
‫كالتايل‪:‬‬
‫"يك‪-‬ون غ‪-‬ري مرتك‪-‬ز على أس‪-‬اس ص‪-‬حيح من الق‪-‬انون احلكم القاض‪-‬ي مبعاقب‪-‬ة املتهم من أج‪-‬ل حماول‪-‬ة االغتص‪-‬اب من غ‪-‬ري بي‪-‬ان األفع‪-‬ال املقرتف‪-‬ة‬
‫من طرف‪-‬ه وظ‪-‬روف اقرتافه‪-‬ا ح‪-‬ىت يتحق‪-‬ق اجمللس األعلى من أن تل‪-‬ك األفع‪-‬ال اجتمعت فيه‪-‬ا عناص‪-‬ر احملاول‪-‬ة كم‪-‬ا هي مبين‪-‬ة يف الفص‪-‬ل ‪114‬‬
‫ق‪.‬ج‪ ،‬مبا يف ذل‪--‬ك الش‪--‬روع يف تنفي‪--‬ذ اجلرمية بأعم‪--‬ال ال لبس فيه‪--‬ا‪ .....‬وعلي‪--‬ه ف‪--‬إن احملكم‪--‬ة ملا أص‪--‬درت حكمه‪--‬ا على النح‪--‬و املذكور مل‬
‫جتعل ملا قضت به أساسا صحيحا من القانون"‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬انعدام العدول اإلرادي عن تحقيق النتيجة‬
‫إذا ك‪-‬انت املادة ‪ 114‬ق‪.‬ج ق‪-‬د اعت‪-‬ربت أن الب]دء في التنفي]ذ – وه‪-‬و العنص‪-‬ر املادي للمحاول‪-‬ة ‪ -‬ال يش‪-‬كل جرمية احملاول‪-‬ة إال إذا‬
‫مل يوق‪-‬ف الفاع‪-‬ل تنفي‪-‬ذها‪ ،‬أو مل حيص‪-‬ل األث‪-‬ر املت‪-‬وخى منه‪-‬ا إال لظ‪-‬روف خارج‪-‬ة عن إرادة مرتكبه‪-‬ا‪ ،‬وه‪-‬ذا يع‪-‬ين أن الب‪-‬دء يف التنفي‪-‬ذ ال تق‪-‬وم‬
‫ب‪-‬ه احملاول‪-‬ة لوح‪-‬ده‪ ،‬ب‪-‬ل يل‪-‬زم أن يك‪-‬ون التنفي‪-‬ذ ق‪-‬د توق‪-‬ف لس‪-‬بب خ‪-‬ارج عن إرادة م‪-‬رتكب اجلرمية كض‪-‬بط الس‪-‬ارق قب‪-‬ل أن يتمكن من الف‪-‬رار‪،‬‬
‫و مبفه‪--‬وم املخالف‪--‬ة– يك‪--‬ون املش‪--‬رع ق‪--‬د اعت‪--‬رب أن (ال ‪-‬رتاجع أي الع‪--‬دول) االختي‪--‬اري عن تنفي‪--‬ذ اجلرمية ‪ ،‬ي‪--‬ؤدي عن‪--‬د ثبوت‪--‬ه إىل غي‪--‬اب جرمية‬
‫احملاولة النتفاء العنصر املعنوي فيها‪.‬‬
‫والعل‪-‬ة يف ع‪-‬دم عق‪-‬اب احملاول‪-‬ة عن‪-‬د انع‪-‬دام الع‪-‬دول اإلداري هي رغب‪-‬ة املش‪-‬رع يف تش‪-‬جيع اجلن‪-‬اة على ال‪-‬رتاجع – ول‪-‬و يف آخ‪-‬ر حلظ‪-‬ة –‬
‫عن تنفيذهم أو إمتامهم لنشاطهم اإلجرامي‪.‬‬
‫والواق‪-‬ع أن ه‪-‬ذا الع‪-‬دول ميكن اعتب‪-‬اره إرادي‪-‬ا‪ ،‬مهم‪-‬ا ك‪-‬انت ال‪-‬دوافع ال‪-‬يت دفعت إلي‪-‬ه فس‪-‬واء ك‪-‬ان الن‪-‬دم أو الش‪-‬فقة أو اخلوف‪ ،‬فإن‪-‬ه يعت‪-‬د ب‪-‬ه‬
‫ما مل يتدخل سبب أجنيب خارجي‪ ،‬ألنه حينها يكون هذا العدول اضطراريا‪.‬‬
‫ولقاضي املوضوع سلطة إثبات العدول اإلرادي من عدمه ‪.‬‬
‫غري أن عنصر العدول اإلرادي ال يكون له أثر يف بعض اجلرائم إال إذا وقع قبل حتقق النتيجة كما يف اجلرائم املادية‪.‬‬
‫أما يف اجلرائم الشكلية فإن القاعدة فيها هي إتيان الفاعل للنشاط املكون للركن املادي فيها‪ ،‬فتتحقق معه اجلرمية التامة‪ ،‬حىت ولو مل‬
‫تتحقق النتيجة‪ ،‬وحنو ذلك جرمية التسميم حسب املادة ‪ 398‬ق‪.‬ج واليت جاء فيها‪:‬‬
‫"من اعتدى على حياة شخص بواسطة مواد من شأهنا أن تسبب املوت عاجال أو آجال أي كانت الطريقة اليت استعملت أو‬
‫أعطيت هبا تلك املواد وأيا كانت النتيجة‪ ،‬يعد مرتكبا جلرمية التسمم ويعاقب باإلعدام"‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬صور المحاولة – الشروع ‪-‬‬
‫تأخذ احملاولة ثالثة صور يف احلياة العملية‪:‬‬
‫‪‬صورة الجريمة الموقوفة ( البند األول)‬
‫‪‬صورة الجريمة الخائبة ( البند الثاني)‬
‫‪‬صورة الجريمة المستحيلة ( البند الثالث)‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة‬
‫اجلرمية املوقوفة هي كل جرمية يبدأ الفاعل يف تنفيذها فعال‪ ،‬إال أنه يتوقف عن إمتام هذا التنفيذ لسبب خارجي عن إرادته‪.‬‬
‫أي أن إرادة الفاع‪-‬ل مل تكن ح‪-‬رة يف ع‪-‬دوهلا‪ ،‬ب‪-‬ل ك‪-‬ان مثة إك‪-‬راه م‪-‬ادي أو معن‪-‬وي يرس‪-‬م هلا اجتاه آخ‪-‬ر‪ ،‬ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك‪ :‬أن يت‪-‬دخل ش‪-‬خص‬
‫يوقف نشاط اجلاين كشرطي‪ ،‬أو أن يتعرض ملقاومة اجملين عليه فيعجز عن التغلب عليها‪ ....‬إخل‪.‬‬
‫وحكم العدول غري اإلختياري هنا ال يثري شكا‪ ،‬إذ يوقع العقاب على الرغم منه‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬المحاولة في صورة الجريمة الخائبة‬
‫ويقص‪-‬د هبا ك‪-‬ل جرمية أتى فيه‪-‬ا الفاع‪-‬ل ركنه‪--‬ا املادي واس‪-‬تأنف ك‪-‬ل األنش‪-‬طة اإلجرامي‪-‬ة ال‪-‬يت اعتق‪-‬د أهنا ستوص‪-‬له إىل النتيج‪-‬ة ال‪-‬يت رغب‬
‫فيه‪-‬ا‪ ،‬إال أن مس‪-‬عاه خييب ألس‪-‬باب ال دخ‪-‬ل إلرادت‪-‬ه فيه‪-‬ا – الفاع‪-‬ل – كم‪-‬ا ل‪-‬و أطل‪-‬ق ش‪-‬خص الرص‪-‬اص على ع‪-‬دوه فلم يص‪-‬به‪ ،‬أو أص‪-‬ابه‬
‫يف مقتل مث شفي من إصابته‪ ،‬فالنتيجة املرجوة هنا هي إزهاق روح اجملين عليه‪ ،‬ولكنها مل تتحقق‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة‬
‫اجلرمية املس‪--‬تحيلة هي اجلرمية ال‪--‬يت ال ميكن أن حيق‪-‬ق فيه‪--‬ا اجلاين أو ح‪--‬ىت غ‪-‬ريه النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪-‬ة‪ ،‬وتك‪-‬ون ه‪-‬ذه االس‪-‬تحالة إم‪-‬ا قانوني‪-‬ة‪،‬‬
‫ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك من اس‪-‬توىل على منق‪-‬والت يف مل‪-‬ك أخي‪-‬ه قاص‪-‬دا س‪-‬رقتها‪ ،‬فيتض‪-‬ح فيم‪-‬ا بع‪-‬د أن‪-‬ه ه‪-‬و املال‪-‬ك هلا بس‪-‬بب أن أخ‪-‬اه ك‪-‬ان ق‪-‬د ت‪-‬ويف‬
‫قب‪--‬ل قيام‪--‬ه ب‪--‬االختالس‪ ،‬حيث يك‪--‬ون ه‪--‬و ال‪--‬وريث ألخي‪--‬ه املت‪--‬وىف‪ ،‬ومثال‪--‬ه ك‪--‬ذلك كمن يري‪--‬د قت‪--‬ل ع‪--‬دوه مبس‪--‬دس غ‪--‬ري حمش‪--‬و بالرص‪--‬اص‪ ،‬ففي‬
‫هذين املثالني نالحظ أن النتيجة اليت استهدفها اجلاين من نشاطه يستحيل حتققها من الناحية القانونية‪.‬‬
‫وقد تكون هذه اإلستحالة مادية ‪ ،‬ومثاله من يطلق النار بقصد قتل شخص يعتقده اجلاين حيا فإذا به قد فارق احلياة قبل إطالق عليه‪،‬‬
‫ومثاله كذلك أن يستعمل اجلاين يف التسميم مادة غري سامة على اإلطالق‪.‬‬
‫فاجلرمية هنا يستحيل حتقق نتيجتها ماديا‪ ،‬إما بسبب عدم صالحية حمل اجلرمية لرتتيب النتيجة ( شخص ميت قبل القتل)‪ ،‬وإما لكون‬
‫الوسائل املستعملة يف تنفيذ اجلرمية وحتقيق النتيجة ليست قادرة على حتقيق ذلك مطلقا‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن املشرع املغريب‪ ،‬قد نص صراحة على عقاب احملاولة يف صورة اجلرمية املستحيلة استحالة مادية دون اإلستحالة القانونية يف‬
‫املادة ‪ 117‬ق‪.‬ج‪" :‬يعاقب على احملاولة حىت يف األحوال اليت يكون الغرض فيها من اجلرمية غري ممكن بسبب ظروف واقعية جيهلها‬
‫الفاعل”‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬عقاب المحاولة – الشروع‬
‫إذا كان املشرع اجلنائي قد قسم اجلرائم إىل جنايات وجنح وخمالفات فإنه قسم كذلك العقوبات اجلنائية تبعا هلذا التقسيم‪.‬‬
‫‪‬فالجنايات‪ :‬يعاقب على الشروع فيها ما مل يقض القانون استثناء بغري ذلك؛‬
‫‪‬والجنح‪ :‬ال يعاقب على الشروع فيها إال إذا نص القانون على خالف ذلك (املادة ‪ 115‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫‪‬أما المخالفات‪ :‬فال عقاب على الشروع فيها أبدا ( املادة ‪ 116‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫تعت ‪--‬رب احملاول ‪--‬ة يف مجي ‪--‬ع ص ‪--‬ورها جرمية خط ‪--‬ر ول ‪--‬ذلك انطل ‪--‬ق املش ‪--‬رع من اخلط ‪--‬ورة اإلجرامي ‪--‬ة للج ‪--‬اين وجعله ‪--‬ا أس ‪--‬اس العق ‪--‬اب فع ‪--‬اقب على‬
‫اجلنايات دائما واعتربها كاجلرمية التامة أما اجلنح فال يعاقب عليها إال إذا وجد نص خاص يقضي بذلك (حماولة اإلجهاض م‪.)449‬‬
‫وال جيب أن ننس‪--‬ى ب‪--‬أن املش‪--‬رع تش‪--‬دد يف عق‪--‬اب احملاول‪--‬ة عن‪--‬دما ع‪--‬اقب ك‪--‬ل ص‪--‬ورها‪ ،‬رغم تدرج‪--‬ه يف أحك‪--‬ام عق‪--‬اب احملاول‪--‬ة‪ ،‬وم‪--‬ع ذل‪--‬ك‬
‫فيمكن للقاضي عند تفريده للعقاب أن جيتهد يف تقدير العقوبة املالئمة باالختيار بني احلدين األدىن واألقصى ‪.‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬المساهمة والمشاركة‬
‫خيتلف منفذ اجلرمية من فاعل واحد ( الفاعل األصلي) أو من عدة فاعلني‪ ،‬وهنا تطرح احلالة القانونية للمساهمة أو المشاركة‪:‬‬
‫*المساهمة ‪ :‬يقوم فيها كل واحد من اجلناة بتنفيذ بعض الوقائع املكونة للجرمية فيعترب كل واحد منهم فاعال أصليا؛‬
‫*المشاركة ‪ :‬وفيها يقوم أحد املسامهني أو بعضهم بالتنفيذ املادي للجرمية يف حني يقتصر دور اآلخرين على املساعدة للقيام بأعمال‬
‫ثانوية ال تدخل يف عناصر اجلرمية‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة للتحريض أو املساعدة بتقدمي أدوات أو أسلحة‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬المساهمة‬
‫‪...‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الركن المعنوي‬
‫تمهيد وتقسيم‬
‫ال يكفي لقي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة أن يص‪--‬در عن الفاع‪--‬ل س‪--‬لوك إج‪-‬رامي مع‪--‬اقب علي‪--‬ه‪ ،‬أي ارتك‪--‬اب اجلاين فعال من األفع‪--‬ال املع‪--‬اقب‬
‫عليه‪-‬ا يف الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬فالب‪-‬د لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة هلذا اجلاين من ت‪-‬وافر ال]ركن المعن]وي "قص]د جن]ائي" ينم عن اجتاه إرادت‪-‬ه لس‪-‬لوك‬
‫هذا املسلك اإلجرامي والقيام بارتكاب الفعل الذي يعاقب عليه القانون‪.‬‬
‫والركن املعنوي بالرغم من أمهيته‪ ،‬إال أنه مل يصبح ركنا من أركان اجلرمية إال يف هناية العصور القدمية وبتأثري من الفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫ففي الق‪-‬دمي ك‪-‬ان اجلاين يع‪-‬اقب على الفع‪-‬ل الض‪-‬ار ال‪-‬ذي ارتكب‪-‬ه دون أدىن اهتم‪-‬ام باجتاه إرادت‪-‬ه أو بت‪-‬وافر قص‪-‬د جن‪-‬ائي لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية‬
‫اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬ب‪-‬ل إن الش]رائع القديم]ة لم تتطلب ل]دى الج]اني أي إرادة أو تمي]يز‪ ،‬فك‪-‬ان الص]غير غ]ير المم]يز‪ ،‬والمجن]ون محال للمس]ائلة‬
‫الجنائي]ة‪ ،‬فلم تتطلب التش]ريعات القديم]ة ت]وافر اإلرادة الح]رة المم]يزة‪ ،‬ب]ل تطلبت لعق]اب الج]اني فعال ض]ارا ص]در من]ه‪ ،‬ل]ذلك لم‬
‫تفرق هذه التشريعات بين الفعل الصادر عن خطأ أو إهمال‪.‬‬
‫وعن ‪--‬دما تط ‪--‬ور الق‪--‬انون الروم‪--‬اين بت ‪--‬أثري من الفلس]]فة اليوناني]]ة‪ ،‬مث بت ‪--‬أثري الديان]]ة المس]]يحية‪ ،‬ب ‪--‬دأ الق‪--‬انون يع‪--‬رتف ب]]اإلرادة‪ ،‬فاش‪--‬رتط‬
‫توافره‪-‬ا ل‪-‬دى اجلاين‪ ،‬وأعفى الص]بي ال‪-‬ذي مل يتج‪-‬اوز الس‪-‬ابعة من املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة كم‪-‬ا أعفى المجن]ون ك‪-‬ذلك‪ ،‬مث اع‪-‬رتف أخ‪-‬ريا بالقص‪-‬د‬
‫اجلنائي‪ ،‬ويعين سوء النية أو روح العدوان كركن من أركان الجريمة ال تقوم بدونه‪.‬‬
‫مث تط‪--‬ور القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي بع‪--‬د ذل‪--‬ك يف الق‪--‬انون الجرم]]اني‪ ،‬على أن القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي هبذه الص‪--‬ورة مل يكن يغطي إال األفع]]ال العمدي]]ة‪ ،‬أو‬
‫الس‪-‬لوك العم‪-‬دي للج‪-‬اين‪ ،‬واليغطي األفع‪-‬ال غ‪-‬ري العمدي‪-‬ة النامجة عن خط‪-‬أ اجلاين‪ ،‬أو إمهال‪-‬ه‪ ،‬وال‪-‬يت ت‪-‬رتبت عنه‪-‬ا أض‪-‬رار للغ‪-‬ري‪ ،‬ل‪-‬ذلك ب‪-‬دأت‬
‫تنم‪-‬و ت‪-‬درجييا ص‪-‬ورة أخ‪-‬رى من ص‪-‬ور ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي للجرمية‪ ،‬وهي الجريمة غ]ير العمدي]ة‪ ،‬وك‪-‬ان ذل‪-‬ك بفض‪-‬ل الفقه‪-‬اء اإليط]اليين يف العص‪-‬ور‬
‫الوس ‪--‬طى‪ ،‬ف ‪--‬اعرتفوا بالخط ]]أ غ ]]ير العم ]]دي كص ‪--‬ورة مس ‪--‬تقلة بني المس ]]ؤولية العمدي ]]ة‪ ،‬والمس ]]ؤولية المادي ]]ة‪ ،‬مث فرق‪- -‬وا بين الخط ]]أ غ ]]ير‬
‫العمدي وبني القصد غير المباشر الذي يفرتض توقع النتيجة اإلجرامية دون ترتيبها‪.‬‬
‫وق‪--‬د تط‪--‬ورت فك‪--‬رة القص]]د االحتم]]الي يف الفق‪--‬ه احلديث‪ ،‬ويف نفس ال‪--‬وقت تط‪--‬ورت فك‪--‬رة الجريمة غ]]ير العمدي]]ة‪ ،‬ومل تع‪--‬د تش‪--‬رتط ت ‪-‬وافر‬
‫الني‪--‬ة‪ ،‬أو روح الع‪--‬دوان ل‪--‬دى اجلاين‪ ،‬ب‪--‬ل اكتفت بمج]رد خ]]روج الجاني عن ال]]تزام الحيط]]ة‪ ،‬أو ع]]دم التح]وط‪ ،‬وب‪--‬ذل االهتم‪--‬ام لتف‪--‬ادي‬
‫إص‪-‬ابة اآلخ‪-‬رين بأض‪-‬رار‪ ،‬وك‪-‬ان ه‪-‬ذا ه‪-‬و أس‪-‬اس اجلرائم غ‪-‬ري العمدي‪-‬ة يف التش‪-‬ريعات احلديث‪-‬ة‪ ،‬فاإلهمال أو ع]دم االحتي]اط من ج‪-‬انب الف‪-‬رد‪،‬‬
‫والذي يتسبب يف أضرار للغري يكفي لقيام املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫وبطبيع ‪--‬ة احلال ف ‪--‬إن املس ‪--‬ؤولية يف حال ‪--‬ة اجلرائم غ ‪--‬ري العمدي ‪--‬ة جيب أن تك ‪--‬ون أح‪- -‬ق من املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة ال ‪--‬يت تق ‪--‬وم بالقص ‪--‬د أي اجلرائم‬
‫العمدية لذلك استقرت كافة التشريعات اجلنائية احلديثة على أن الركن املعنوي قد يتخذ صورتني‪:‬‬
‫‪‬صورة القصد الجنائي في الجرائم العمدية؛‬
‫‪‬وصورة الخطأ غير العمدي في الجرائم غير العمدية‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي طرح نفسه هنا‪ ،‬هو ما املقصود بالمسؤولية الجنائية؟‬
‫يقص‪--‬د ع‪--‬ادة باملس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة‪ :‬أهلي‪--‬ة اجلاين يف أن يك‪--‬ون مس‪--‬ؤوال جنائي‪--‬ا‪ ،‬ل‪--‬ذلك يوص‪--‬ف ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي ع‪--‬ادة بأن‪--‬ه ركن املس‪--‬ؤولية‬
‫اجلنائية‪.‬‬
‫ولكن ه‪-‬ذا الق‪-‬ول جيب أن ال يفهم من‪-‬ه أن املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة ال تعتم‪-‬د إال على ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي فق‪-‬ط س‪-‬واء ك‪-‬ان قص‪-‬دا عم‪-‬ديا أو خط‪-‬أ‬
‫غ‪-‬ري عم‪-‬دي‪ ،‬ولكن املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة إمنا تتطلب لقيامه‪-‬ا ت‪-‬وافر األرك‪-‬ان األخ‪--‬رى للجرمية‪ ،‬وهي ال‪-‬ركن الق‪-‬انوين وال‪-‬ركن املادي‪ ،‬وميكن ت‪-‬ربير‬
‫ه‪-‬ذا الق‪-‬ول ب‪-‬أن ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي يف‪-‬رتض ت‪-‬وافر الرك‪-‬نني اآلخ‪-‬رين ( املادي – الق‪-‬انوين)‪ ،‬ومن مت يك‪-‬ون ت‪-‬وافره داال على ت‪-‬وافر ك‪-‬ل أرك‪-‬ان اجلرمية‪،‬‬
‫وعندئذ ميكن القول بقيام املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫كم‪-‬ا يقص‪-‬د من الق‪-‬ول ب‪-‬أن ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي ال يقتص‪-‬ر على اش‪-‬رتاط ت‪-‬وافر األهلي‪-‬ة واإلرادة لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬فإن‪-‬ه جيب البحث عن‬
‫اجتاه هذه اإلرادة‪ ،‬والبحث عن اجلانب النفسي للجاين‪.‬‬
‫فه‪--‬ل الفع‪--‬ل الض‪--‬ار ال‪--‬ذي ارتكب‪--‬ه ق‪--‬د ص‪--‬در عم‪--‬دا كتعب‪--‬ري عن س‪--‬وء ني‪--‬ة أو روح ع‪--‬دوان‪ ،‬أم ك‪--‬ان جمرد فع‪--‬ل ص‪--‬ادر عن خط‪--‬أ‪ ،‬أو عن‬
‫إمهال بدون تعمد؟‪.‬‬
‫إن ه‪-‬ذا التس‪-‬اؤل ي‪-‬دفعنا إىل حبث ص‪-‬ور ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي س‪-‬واء فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق بالقص‪-‬د العم‪-‬دي للج‪-‬رائم العمدي‪-‬ة كص‪-‬ورة أوىل‪ ،‬أو اخلط‪-‬أ غ‪-‬ري‬
‫العمدي الناجم عن إمهال أو عدم اإلحتياط كصورة ثانية‪.‬‬
‫وإذا ك‪-‬ان الس‪-‬لوك اإلرادي للف‪-‬رد ق‪-‬د يتخ‪-‬ذ أش‪-‬كاال متع‪-‬ددة ال ميكن حص‪-‬رها ف‪-‬إن اجلرائم العمدي‪-‬ة تك‪-‬ون أك‪-‬رب ع‪-‬ددا من اجلرائم غ‪-‬ري‬
‫العمدية‪ ،‬ألن األصل يف اجلرمية أن تكون عمدية‪ ،‬كما أن اجلرائم العمدية تتفوق على اجلرائم غري العمدية من حيث األمهية‪.‬‬
‫فالقص‪-‬د اجلن‪-‬ائي الالزم لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة يف اجلرائم العمدي‪-‬ة ينم عن نفس‪-‬ية اجلاين واجتاه‪-‬ه الرتك‪-‬اب اجلرمية‪ ،‬ويص‪-‬بح هلذا ال‪-‬ركن‬
‫من اجلرمية أمهية خاصة يف دراسة نفسية اجلاين وبواعثه‪.‬‬
‫كم‪-‬ا أن دراس‪-‬ة اجلرمية بش‪-‬كل ع‪-‬ام‪ ،‬ودراس‪-‬ة أس‪-‬باهبا‪ ،‬وط‪-‬رق قمعه‪-‬ا‪ ،‬ومكافحته‪-‬ا تنحص‪-‬ر يف اجلرائم العمدي‪-‬ة بص‪-‬فة عام‪-‬ة‪ ،‬ويف القص‪-‬د‬
‫اجلنائي بصفة خاصة‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما تقدم سنقسم هذا الفصل إىل مبحثني كالتايل ‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أساس الركن المعنوي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عناصر الركن المعنوي‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس الركن المعنوي‬


‫يقوم الركن املعنوي للجرمية على اإلرادة اآلمثة اليت وجهت سلوك اجلاين املخالف للقانون‪ ،‬فهذه اإلرادة اآلمثة هي حلقة الوصل بني‬
‫اجلرمية كواقعة مادية هلا كيان خارجي‪ ،‬وبني اإلنسان الذي صدرت عنه‪ ،‬والذي يعترب القانون بالتايل مسؤوال عن هذه جلرمية‪ ،‬ويصفه بأن‬
‫جان أو جمرم‪.‬‬
‫ودراسة الركن املعنوي للجرمية هي يف الواقع دراسة اجلانب الشخصي للمسؤولية اجلنائية‪ ،‬كما أن دراسة هذا اجلانب الشخصي من‬
‫املسؤولية اجلنائية ليس سوى دراسة لإلرادة اآلمثة للنفسية اإلجرامية‪ ،‬اليت دفعت اجلاين إىل اقرتاف اجلرمية‪ ،‬وإىل السلوك املخالف‬
‫للقانون‪.‬‬
‫فه‪-‬ذا الس‪-‬لوك ميث‪-‬ل م‪-‬ع نفس‪-‬ية اجلاين كيان‪-‬ا واح‪-‬دا‪ ،‬وتش‪-‬ديد العقوب‪-‬ة أو ختفيفه‪-‬ا يتعل‪-‬ق هبذا الس‪-‬لوك‪ ،‬وبدرج‪-‬ة خط‪-‬ورة نفس‪-‬ية اجلاين‪ ،‬كم‪-‬ا‬
‫ان امتن‪--‬اع املس‪--‬ؤولية‪ ،‬أو ختفيفه‪--‬ا‪ ،‬أو اإلعف‪--‬اء من العق‪--‬اب يس‪--‬تمد أوال وأخ ‪-‬ريا من شخص‪--‬ية اجلاين‪ ،‬وليس من اجلرمية ال‪--‬يت اقرتفه‪--‬ا‪ ،‬ل‪--‬ذلك‬
‫ف‪-‬إن دراس‪-‬ة أس‪-‬اس ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي للجرمية م‪-‬ا ه‪-‬و يف الواق‪-‬ع‪ ،‬إال دراس‪-‬ة للج‪-‬اين من حيث إرادت‪-‬ه‪ ،‬واجتاه نفس‪-‬ية الرتك‪-‬اب اجلرمية‪ ،‬أو انع‪-‬دام‬
‫ه ‪--‬ذه اإلرادة مما ي‪- -‬رتتب علي ‪--‬ه ت‪- -‬وافر مس ‪--‬ؤوليته‪ ،‬أو انع ‪--‬دامها‪ ،‬أو ختفيض ‪--‬ها حبس ‪--‬ب األح‪- -‬وال‪ ،‬ل ‪--‬ذلك يش ‪--‬رتط أوال أن يك ‪--‬ون اجلاين أهال‬
‫للمسؤولية اجلنائية أي مدركا ومميزا ألفعاله وتصرفاته‪.‬‬
‫مىت ت ‪-‬وافرت ه‪--‬ذه اإلرادة والش‪--‬روط القانوني‪--‬ة وتأك‪--‬دنا أهنا إرادة معت‪--‬ربة يف نظ‪--‬ر الق‪--‬انون‪ ،‬ف‪--‬إن ص‪--‬احب ه‪--‬ذه اإلرادة يص‪--‬بح ج‪--‬ديرا ب‪--‬أن‬
‫يسأل‪:‬‬
‫لماذا وجه إرادته على النحو المخالف للقانون؟ ولماذا لم يوجهها على نحو يطابق أوامر الشارع؟‬
‫إن جمرد ط‪-‬رح مث‪-‬ل ه‪-‬ذا الس‪-‬ؤال يف‪-‬رتض أساس‪-‬ا أن اجلاين ك‪-‬انت ل‪-‬ه حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار بني خمالف‪-‬ة أوام‪-‬ر الق‪-‬انون‪ ،‬وبني إطاعته‪-‬ا‪ ،‬ففض‪-‬ل يف‬
‫النهاية اختيار املسلك املخالف للقانون‪ ،‬فهو هنا مسؤول عن توجيه إرادته إىل هذا االختيار املعاقب عليه‪.‬‬
‫ولكن ه‪-‬ذا الق‪-‬ول يقوده‪-‬ا إىل اإلع‪-‬رتاف بوج‪-‬ود حري‪-‬ة اختي‪-‬ار ل‪-‬دى األف‪-‬راد‪ ،‬وه‪-‬و ق‪-‬ول ال يؤي‪-‬ده وال يس‪-‬لم ب‪-‬ه معظم الفالس‪-‬فة‪ ،‬فمنهم من‬
‫ي ‪--‬ؤمن هبذه احلري ‪--‬ة‪ ،‬ومنهم من ينكره‪--‬ا وي ‪--‬رى فيه‪--‬ا ومها ال أس‪--‬اس ل‪--‬ه‪ ،‬ويعتق‪--‬د أن تص‪--‬رفات اإلنس‪--‬ان وأفعال‪--‬ه مفروض‪--‬ة علي ‪--‬ه وليس ح ‪-‬را يف‬
‫اختي‪-‬اره ألعال‪-‬ه وتص‪-‬رفاته‪ ،‬وإذا انتهين‪-‬ا إىل الق‪-‬ول ب‪-‬أن اإلرادة اآلمثة للف‪-‬رد هي أس‪-‬اس مس‪-‬اءلته جنائي‪-‬ا س‪-‬واء ك‪-‬ان ح‪-‬را يف اختي‪-‬اره أو ك‪-‬ان جمربا‬
‫على ذل‪--‬ك‪ ،‬فه‪--‬ل يغ‪--‬ري من ذل‪--‬ك أن املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة ال تت ‪-‬وافر إال يف اإلنس‪--‬ان الط‪--‬بيعي‪ ،‬وال ميكن أن تت ‪-‬وافر إال في‪--‬ه؟ أم ه‪--‬ل ميكن قي‪--‬ام‬
‫املسؤولية اجلنائية لدى األشخاص املعنويني أيضا؟‬
‫ومن هنا تربز لنا أهم موضوعات أساس املسؤولية اجلنائية‪ ،‬أو أسس الركن املعنوي‪ ،‬وهي اليت ستكون موضوع (املطلب األول)‬
‫اإلرادة اإلنسانية بني احلرية والتقييد‪ ،‬أما (املطلب الثاين) فسنخصصه حلالة اإلرادة املعتربة قانونا ويف (املطلب الثالث) سنتوقف عند‬
‫املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلرادة اإلنسانية بين الحرية والتقييد‬
‫إذا ك ‪--‬انت مس ‪--‬ؤولية اجلاين تق ‪--‬وم ألن ‪--‬ه وج ‪--‬ه إرادت ‪--‬ه على حنو خمالف للق ‪--‬انون‪ ،‬ف ‪--‬إن أس ‪--‬اس املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة يرتك ‪--‬ز إذن على مق ‪--‬درة‬
‫اإلنسان على التمييز بني الفعل املخالف للقانون‪ ،‬والفعل الذي ال خيالف القانون‪ ،‬واختياره املسلك املخالف القانون‪.‬‬
‫وه‪--‬ذا الق‪--‬ول يف‪--‬رتض يف اإلنس‪--‬ان حري‪--‬ة اإلختي‪--‬ار‪ ،‬وعن‪--‬دما خيت‪--‬ار اإلنس‪--‬ان الس‪--‬لوك ال‪--‬ذي يس‪--‬لكه فه‪--‬و يس‪--‬تطيع تق‪--‬ديرا ج ‪-‬زاء مس‪--‬لكه‬
‫املخ‪-‬الف للق‪-‬انون‪ ،‬ف‪-‬إذا وج‪-‬ه إرادت‪-‬ه إىل املس‪-‬لك املخ‪-‬الف للق‪-‬انون فه‪-‬و ج‪-‬دير باملس‪-‬ؤولية ألن‪-‬ه اس‪-‬تعمل حريت‪-‬ه يف اإلختي‪-‬ار على النح‪-‬و ال‪-‬ذي‬
‫يضر باجملتمع وخيالف أوامر املشرع ونواياه‪ ،‬وهو بذلك يستحق العقاب الذي يقرره القانون‪.‬‬
‫وهذا الرأي ميثل املذهب التقليدي يف حتديد أساس املسؤولية اجلنائية‪ ،‬وهو املذهب الذي يطلق عليه مذهب حرية اإلختيار‪.‬‬
‫فطبق‪-‬ا هلذا املذهب حيدد أساس‪-‬ا املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة يف اس‪-‬تعمال اجلاين إلمكانيات‪-‬ه الذهني‪-‬ة‪ ،‬وإرادت‪-‬ه على غ‪-‬ري النح‪-‬و ال‪-‬ذي رمسه املش‪-‬رع‬
‫ب‪--‬الرغم من علم‪--‬ه مبا ينط‪--‬وي علي‪--‬ه عمل‪--‬ه من خط‪--‬ر‪ ،‬وب‪--‬الرغم من أن‪--‬ه ك‪--‬ان يف وس‪--‬عه أن ال يس‪--‬لك ه‪--‬ذا املس‪--‬لك ل‪--‬ذلك فه‪--‬و مس‪--‬ؤول عن‬
‫اختياره املعاقب‪.‬‬
‫ويرتتب على ذلك أنه إذا انتفت حرية اإلختيار فال وجه ملساءلته‪ ،‬وإذا انتقصت هذه احلرية وجب ختفيف املسؤولية‪.‬‬
‫وحري ‪--‬ة اإلختي ‪--‬ار هن ‪--‬ا تع ‪--‬ين املق ‪--‬درة على املفاض ‪--‬لة بني الب ‪-‬واعث املختلف ‪--‬ة وتوجي ‪--‬ه اإلرادة وفق ‪--‬ا ألح ‪--‬دها‪ ،‬فهي ق ‪--‬درة اجلاين على س ‪--‬لوك‬
‫الطريق املطابق للقانون‪ ،‬والطريق املخالف له وتفضيله هذا األخري‪.‬‬
‫وحج‪-‬ة أنص‪-‬ار ه‪-‬ذا املذهب أن املس‪-‬ؤولية يف جوهره‪-‬ا ل‪-‬وم من أج‪-‬ل س‪-‬لوك خمالف للق‪-‬انون وال حمل لتقري‪-‬ع الفاع‪-‬ل إذا ك‪-‬ان يف اإلس‪-‬تطاعة‬
‫سلوك مسلك آخر‪.‬‬
‫كم ‪--‬ا أن حري ‪--‬ة اإلختي ‪--‬ار متث ‪--‬ل عقي ‪--‬دة تس ‪--‬ود يف اجملتم ‪--‬ع وتس ‪--‬يطر على تفك ‪--‬ري الن ‪--‬اس وحتدد حكمهم على اجملرمني‪ ،‬ويتعني أن يك ‪--‬ون‬
‫القانون تعبريا عن هذه العقيدة‪.‬‬
‫أم‪--‬ا م‪--‬ذهب اجلربي‪--‬ة‪ ،‬فه‪--‬و ينك‪--‬ر على اإلنس‪--‬ان حري‪--‬ة اإلختي‪--‬ار‪ ،‬وي‪--‬ذهب إىل أن اإلنس‪--‬ان خاض‪--‬ع يف تص‪--‬رفاته لعوام‪--‬ل تس‪--‬يطر علي‪--‬ه وال‬
‫يستطيع التحرر منها‪ ،‬مما جيعله ينقاد يف سلوكه على حنو معني‪.‬‬
‫لذلك ف‪--‬إن أنص‪--‬ار ه‪--‬ذا املذهب ال يؤسس‪--‬ون املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة على الوج‪--‬ه ال‪--‬ذي يق‪--‬ول ب‪--‬ه أنص‪--‬ار حري‪--‬ة اإلختي‪--‬ار‪ ،‬ذل‪--‬ك أن م ‪-‬رتكب‬
‫اجلرمية طبق‪-‬ا ألنص‪-‬ار م‪-‬ذهب التقيي‪-‬د واجلربي‪-‬ة‪ ،‬مل يس‪-‬لك س‪-‬بيل اجلرمية باختي‪-‬اره‪ ،‬ب‪-‬ل حتت ض‪-‬غوط عوام‪-‬ل متع‪-‬ددة‪ ،‬بعض‪-‬ها نفس‪-‬ية ك‪-‬امن يف‬
‫ذاته‪ ،‬وبعضها يعود إىل الظروف اإلجتماعية اليت حتيط به‪.‬‬
‫فاجلرمية إذن ال ميكن أن تك‪-‬ون ولي‪-‬دة إرادة ح‪-‬رة‪ ،‬ولكنه‪-‬ا مثرة عوام‪-‬ل ذات أث‪-‬ر حتمي‪ ،‬ف‪-‬إن أردن‪-‬ا أن نق‪-‬رر قي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة للج‪-‬اين‬
‫فلن يك‪--‬ون أساس‪--‬ها حري‪--‬ة اإلختي‪--‬ار‪ ،‬ب‪--‬ل دف‪--‬اع اجملتم‪--‬ع نفس‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬اجملرم أض‪--‬حى مص‪--‬در خط‪--‬ر يه‪--‬دد اجملتم‪--‬ع‪ ،‬وحيق هلذا التقيي‪--‬د يف إنك‪--‬ارهم‬
‫حلرية االختيار‪ ،‬إمنا ينكرون تأسيس املسؤولية اجلنائية على أساس أخالقي‪.‬‬
‫فهم هن‪--‬ا يؤسس‪--‬وهنا على أس‪--‬اس اجتم‪--‬اعي حبيث تص‪--‬بح ص‪--‬ورة من املس‪--‬ؤولية االجتماعي‪--‬ة‪ ،‬فاجلاين يس‪--‬أل عن اجلرمية ألهنا تكش‪--‬ف عن‬
‫خطورة كامنة يف شخصه هتدد اجملتمع‪ ،‬وللمجتمع أن يتخذ تدابري األمن ما يقيه هذه اخلطورة‪.‬‬
‫وأهم النت ‪--‬ائج املرتتب ‪--‬ة على ه ‪--‬ذا ال ‪-‬رأي باإلض ‪--‬افة إىل إنك ‪--‬ار املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة مبدلوهلا التقلي ‪--‬دي‪ ،‬إنك ‪--‬ار موان ‪--‬ع املس ‪--‬ؤولية ف ‪--‬اجملنون مثال‬
‫مس‪--‬ؤول قب‪--‬ل اجملتم‪--‬ع مس‪--‬ؤولية اجتماعي‪--‬ة بس‪--‬بب اخلط‪--‬ورة الكامن‪--‬ة يف شخص‪--‬ه‪ ،‬وجيب أن خيض‪--‬ع لن‪--‬وع من الت‪--‬دابري ختتل‪--‬ف عن الت‪--‬دابري ال‪--‬يت‬
‫تتخذ ضد العاقل‪ ،‬ومن نتائج هذا املذهب أيضا إنكار اجلزاء الذي يقتضي إنكار العقوبة‪ ،‬وإحالل تدابري األمن حملها‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬فإن التساؤل الذي يطرح نفسه عليها بقوة‪ ،‬هو كيف ميكن التوفيق بني احلرية والتقييد هنا؟‬
‫يرى معظم الفقه‪-‬اء والفالس‪-‬فة املعاص‪-‬رين‪ ،‬أن اإلنس‪-‬ان ال يتمت‪-‬ع حبري‪-‬ة اختي‪-‬ار مطلق‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا أن‪-‬ه ال خيض‪-‬ع خض‪-‬وعا مطلق‪-‬ا حلكم الق‪-‬وانني‬
‫الطبيعية شأن غريه من املخلوقات األخرى‪.‬‬
‫فاإلنس‪--‬ان ك‪--‬ائن يتمت‪--‬ع يف الظ‪--‬روف العادي‪--‬ة حبري‪--‬ة نس‪--‬بية‪ ،‬توازيه‪--‬ا عوام‪--‬ل ال ميل‪--‬ك الس‪--‬يطرة عليه‪--‬ا‪ ،‬وهي يف جممله‪--‬ا تلعب دورا هام‪--‬ا يف‬
‫توجيه ‪--‬ه على حنو ال خي ‪--‬ار ل ‪--‬ه في ‪--‬ه‪ ،‬ولكنه ‪--‬ا ال تص ‪--‬ل إىل ح ‪--‬د إمالء الفع ‪--‬ل علي ‪--‬ه‪ ،‬أو إلغ ‪--‬اء تام ‪--‬ا‪ ،‬فلإلنس ‪--‬ان ق ‪--‬در من احلري ‪--‬ة يس ‪--‬تطيع أن‬
‫يتصرف يف حدوده‪ ،‬وعلى أساس هذا القدر ميكن قيام املسؤولية اجلنائية عن أفعاله‪.‬‬
‫وإذا انتقص ه ‪--‬ذا الق ‪--‬در من احلري ‪--‬ة وجب ختفي ‪--‬ف مس ‪--‬ؤولية مبق ‪--‬دار ه ‪--‬ذا النقص‪ ،‬وإذا ألغى هنائي ‪--‬ا ه ‪--‬ذا الق ‪--‬در وجب اإلع ‪-‬رتاف بع ‪--‬دم‬
‫املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫وميكن التوفي ‪--‬ق بني املذهبني من حيث النت ‪--‬ائج يف اإلع ‪-‬رتاف باملس ‪--‬ؤولية املخفف ‪--‬ة على أس ‪--‬اس انتق ‪--‬اص االختي ‪--‬ار ل ‪--‬دى ن ‪--‬اقض التمي ‪--‬يز‪،‬‬
‫واإلع‪-‬رتاف بع‪-‬دم املس‪-‬ؤولية عن‪-‬د من انتفت لدي‪-‬ه حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار متام‪-‬ا يف مواجه‪-‬ة األش‪-‬خاص ال‪-‬ذين ثبتت خطورت‪-‬ه على اجملتم‪-‬ع ب‪-‬الرغم من‬
‫كوهنم ليسوا أهال للمسؤوليات اجلنائية الكاملة‪.‬‬
‫وهذه التدابري ليست هلا صفة العقوبة‪ ،‬بل هي جمود إجراءات لدرء اخلطورة الكامنة يف هؤالء األشخاص‪.‬‬
‫فاجملنون الذي ارتكب جرمية ال جيوز أن توقع عليه عقوبة ألنه غري أهل للمسؤولية اجلنائية النتفاء حرية اإلختيار متاما لديه‪.‬‬
‫ولكن ليس مع‪--‬ىن ذل‪--‬ك وج‪--‬وب إطالق س ‪-‬راحه‪ ،‬وتع‪--‬ويض اجملتم‪--‬ع‪ ،‬خلط‪--‬ر عودت‪--‬ه إىل ارتك‪--‬اب جرمية ثاني‪--‬ة‪ ،‬ف ‪-‬واجب اجملتم‪--‬ع درء ه‪--‬ذا‬
‫اخلط‪-‬ر بإخض‪-‬اعه لت‪-‬دابري وقائي‪-‬ة وعالجي‪-‬ة حس‪-‬ب األح‪-‬وال‪ ،‬كم‪-‬ا أن السياس‪-‬ية العقابي‪-‬ة الس‪-‬لمية جيب أن تنظم ت‪-‬دابري أمن توق‪-‬ع على ك‪-‬املي‬
‫األهلي‪-‬ة‪ ،‬وال‪-‬ذين يتمتع‪-‬ون هبذا الق‪-‬در من احلري‪-‬ة لإلختي‪-‬ار‪ ،‬باإلض‪-‬افة إىل العقوب‪-‬ة ال‪-‬يت توق‪-‬ع عليهم‪ ،‬وذل‪-‬ك لتحقي‪-‬ق اهلدف ال‪-‬ذي يس‪-‬عى إلي‪-‬ه‬
‫التشريع اجلنائي‪ ،‬وهو مكافحة اجلرمية‪.‬‬
‫وهذا ما تذهب إليه غالبية التشريعات اجلنائية احلديثة‪.‬‬
‫وعلى ه‪-‬ذا ف‪-‬إن قي‪-‬ا املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة على أس‪-‬اس حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار‪ ،‬ال يع‪-‬ين تع‪-‬ريض اجملتم‪-‬ع خلط‪-‬ر ع‪-‬دميي األهلي‪-‬ة أو ناقص‪-‬يها‪ ،‬ف‪-‬اجملتمع‬
‫ميلك من الوسائل ما يستطيع درء أخطائهم‪ ،‬وذلك عن طريق تدابري األمن‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اإلرادة القانونية‬
‫يف‪-‬رتض ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي للجرمية إرادة إجرامي‪-‬ة‪ ،‬والص‪-‬فة اإلجرامي‪-‬ة ال‪-‬يت تتص‪-‬ف هبا اإلرادة تس‪-‬تمد من اجتاه ه‪-‬ذه اإلرادة إىل ارتك‪-‬اب فع‪-‬ل‬
‫جيرمه القانون‪.‬‬
‫ولكن الق‪-‬انون ال يعت‪-‬د بك‪-‬ل إرادة تتج‪-‬ه حنو اجلرمية ب‪-‬ل يتطلب إرادة تت‪-‬وافر فيه‪-‬ا ش‪-‬روط معين‪-‬ة‪ ،‬وعلى ه‪-‬ذه الش‪-‬روط يتوق‪-‬ف ك‪-‬ون اإلرادة‬
‫معتربة قانونا‪ ،‬أم غري معتربة قانونا‪.‬‬
‫ولكن تكون اإلرادة معتربة قانونا جيب توافر شرطني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن تكون هذه اإلرادة مميزة‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تكون هذه اإلرادة حرية اإلختيار‪.‬‬
‫فإذا انتفى أحد هذين الشرطني أو كالمها جتردت اإلرادة من قيمتها القانونية‪ ،‬وتوافر بذلك معاين من املسؤولية‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن عدم املسؤولية يعين انتفاء التمييز‪ ،‬أو انتفاء حرية اإلختيار أو انتفاؤمها معا‪.‬‬
‫ذل‪--‬ك س‪--‬ندرس أوال‪ :‬ش‪--‬رط اإلرادة املعت‪--‬ربة قانون‪--‬ا (الف‪--‬رع األول) ومها التمي‪--‬يز وحري‪--‬ة اإلختي‪--‬ار‪ ،‬مث س‪--‬ندرس ثاني‪--‬ا‪ :‬موان‪--‬ع املس‪--‬ؤولية (الف‪--‬رع‬
‫الثاين) على أن خنصص ( الفرع الثالث) ملن يسأل جنائيا‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شرط اإلرادة المعتبرة قانونا‬
‫رأينا أن القانون يعتد باإلرادة إذ تتوافر هلا شرطان مها‪:‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬التمييز‬
‫هو يع‪-‬ين املق‪-‬درة على فهم ماهي‪-‬ة الفع‪-‬ل املرتكب وطبيعت‪-‬ه واآلث‪-‬ار املرتتب‪-‬ة علي‪-‬ه وتنص‪-‬رف ه‪-‬ذه الق‪-‬درة إىل مادي‪-‬ات الفع‪-‬ل فتتعل‪-‬ق بكيان‪-‬ه‬
‫وعناصره‪ ،‬كما تنصرف إىل آثاره وما يرتتب عليه من خطورة على حقوق معينة يكفل هلا املشرع اجلنائي محايته‪.‬‬
‫وال تنص‪--‬رف املق‪--‬درة على الفهم إىل التك‪--‬ييف الق‪--‬انوين للفع‪--‬ل أي العلم حبكم الق‪--‬انون علي‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬العلم بالق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي مف‪--‬رتض يف ح‪--‬ق‬
‫م‪-‬رتكب الفع‪-‬ل كم‪-‬ا تؤك‪-‬ده املادة‪ 2‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ " :‬ال يس‪-‬وغ ألح‪-‬د أن يعت‪-‬ذر جبه‪-‬ل التش‪-‬ريع اجلن‪-‬ائي"‪ ،‬ل‪-‬ذلك يس‪-‬توي ك‪-‬ون الفاع‪-‬ل‬
‫يستطيع العلم بوصف الفعل يف القانون أو ال يستطيع ذلك‪.‬‬
‫فالتمييز ال‪--‬ذي يع‪--‬ين مق‪--‬درة الفاع‪--‬ل على فهم ماهي‪--‬ة الفع‪--‬ل ال‪--‬ذي يرتكب‪--‬ه ه‪--‬و أس‪--‬اس ح‪--‬ىت تك‪--‬ون اإلرادة معت‪--‬ربة قانون‪--‬ا‪ ،‬ول‪--‬ذلك ينتفي‬
‫التمي‪-‬يز ل‪-‬دى الص‪-‬يب ال‪-‬ذي ال يتج‪-‬اوز عم‪-‬ره س‪-‬بع س‪-‬نوات‪ ،‬وينقص التمي‪-‬يز ل‪-‬دى القاص‪-‬ر" احلدث" ال‪-‬ذي ال يبل‪-‬غ الثامن‪-‬ة من عم‪-‬ره‪ ،‬فتنقص‬
‫بالتايل مسؤوليته وخيضع للعقاب املخفف‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬حرية اإلختيار‬
‫ونع‪-‬ين حبري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار مق‪-‬درة اجلاين على حتدي‪-‬د الوجه‪-‬ة ال‪-‬يت تتخ‪-‬ذها إرادت‪-‬ه‪ ،‬أي مقدرت‪-‬ه على توجي‪-‬ه إرادت‪-‬ه اجتاه‪-‬ا معين‪-‬ا‪ ،‬وحتدي‪-‬د الطري‪-‬ق‬
‫ال‪-‬ذي يس‪-‬لكه بفعل‪-‬ه‪ ،‬فال يكفي أن يك‪-‬ون ق‪-‬ادرا على أن يعلم بالوجه‪-‬ات املختلف‪-‬ة ال‪-‬يت ميكن أن تتخ‪-‬ذها إرادت‪-‬ه‪ ،‬ب‪-‬ل جيب أن يك‪-‬ون ق‪-‬ادرا‬
‫أيضا على اختيار وجهة منه ودفع إرادته إليها‪.‬‬
‫على أن ه‪-‬ذه احلري‪-‬ة ليس‪-‬ت مطلق‪-‬ة – كم‪-‬ا س‪-‬بق لن‪-‬ا الق‪-‬ول – مقي‪-‬دة فثم‪-‬ة عوام‪-‬ل ال ميل‪-‬ك اجلاين الس‪-‬يطرة عليه‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إذا انتفت احلري‪-‬ة أو‬
‫ضاقت على حنو ملحوظ‪ ،‬فانساق اجلاين إىل عوامل اليت ال ميلك السيطرة عليها فقد انتفت حرية اإلختيار‪.‬‬
‫وعلي‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إن ت‪-‬وافر حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار رهن إذن ب‪-‬أن تك‪-‬ون العوام‪-‬ل ال‪-‬يت حتي‪-‬ط باجلاين الت‪-‬زال ت‪-‬رتك‪ ،‬ول‪-‬و ق‪-‬درا يس‪-‬ريا من التحكم يف تص‪-‬رفاته وأهنا‬
‫حترم‪--‬ه من ه‪--‬ذه املق‪--‬درة إطالق‪--‬ا حبيث ال يك‪--‬ون أمام‪--‬ه غ‪--‬ري طري‪--‬ق واح‪--‬د ال يس‪--‬تطيع أن يتخ‪--‬ذ غ‪--‬ريه‪ ،‬أو أن ال ت‪--‬رتك ل‪--‬ه إال ق‪--‬درا ض‪--‬ئيال من‬
‫التحكم يف تصرفاته‪ ،‬ال يكفي لكي يقال عنه أنه مازال يتمتع حبرية اإلختيار‪.‬‬
‫وحتدي‪--‬د ه‪--‬ذا الق‪--‬در متوق‪--‬ف على تط‪--‬بيق القاع‪--‬دة املس‪--‬تمدة من اخلربة اإلنس‪--‬انية العام‪--‬ة ال‪--‬يت حتدد مق‪--‬دار حتكم اإلنس‪--‬ان يف تص‪--‬رفاته‪ ،‬وه‪--‬و‬
‫املقدار الذي اصطلح أفراد اجملتمع على اشرتطه لكي يوصف اإلنسان عند تصرفه بأنه حر اإلختيار‪.‬‬
‫وتنتفي حرية اإلختيار إما ألسباب خارجية كاإلكراه‪ ،‬أو ألسباب داخلية كاحلالة العقلية والنفسية‪.‬‬
‫على أن‪--‬ه يالح‪--‬ظ املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب مل حيدد الش‪--‬روط املطلوب‪--‬ة ح‪--‬ىت تك‪--‬ون اإلرادة املعت‪--‬ربة قانون‪--‬ا‪ ،‬وب‪--‬الرغم من ذل‪--‬ك فال ص‪--‬عوبة يف اس‪--‬تخالص‬
‫اعتبار حرية اإلختيار كشرط من شروط اعتداد القانون باإلرادة املعتربة قانونا‪.‬‬
‫فإذا ختل‪--‬ف أي‪--‬ا من الش‪--‬رطني فإنن‪--‬ا نك‪--‬ون أم‪--‬ام جتري‪--‬د اٍإل ادة من قيمته‪--‬ا القانوني‪--‬ة فتتمت‪--‬ع املس‪--‬ؤولية‪ ،‬وه‪--‬ذا م‪--‬ا ذهبت إلي‪--‬ه أغلب التش‪-‬ريعات‬
‫اجلنائي‪--‬ة احلديث‪--‬ة‪ ،‬فالق‪--‬انون الفرنس‪--‬ي أك‪--‬د على هات‪--‬ه اخلط‪--‬ة يف م‪--‬ادتني (‪ 66-64‬من]]ه)‪ ،‬وك‪--‬ذلك املش‪--‬رع األمل اين يف امل واد (‪-52-51‬‬
‫‪ )58-54‬من القانون الجنائي األلماني‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أن اإلرادة املعت‪--‬ربة قانون‪--‬ا وال‪--‬يت تنتفي معه‪--‬ا بالت‪--‬ايل املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة‪ ،‬تبنته‪--‬ا س‪--‬وريا من خال املواد(‪)234-232-226-209‬‬
‫(عقوبات سوريا)‪ ،‬واملواد (‪ )29-3-2‬من قانون أحداث اجلاحنني‪.‬‬
‫ومل يشد املشرع اجلنائي املغريب على هذه القاعدة‪ ،‬فقد اكتفى بتنظيم امتناع املسؤولية يف املواد (‪ 134‬حتى ‪( )138‬وفق قانون‬
‫‪ ) 24.03‬دون حتديد الشروط املطلوبة كي تكون اإلرادة حمال لإلعتداد هبا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موانع العقاب والمسؤولية‬
‫لقد نص املشرع اجلنائي العقاب واملسؤولية يف معظم التشريعات اجلنائية‪ ،‬وقد خلص ما يتعلق بشق العقاب عموما‪ ،‬يف الغلط املادي مث‬
‫القوة لقاهرة واإلكراه املعنوي مث يف حالة الضرورة‪ ،‬أما موانع املسؤولية فقد حددها عموما كذلك يف اجلنون وتضيف بعض القوانني‬
‫السكر والتخدير حتت اإلكراه‪.‬‬
‫‪‬البند األول‪ :‬موانع العقاب‬
‫وهي حاالت حمددة يف القانون على سبيل احلصر‪ ،‬يرتتب عليها‪ ،‬مع ثبوت اجلرمية وقيام املسؤولية‪ ،‬أن يتمتع اجملرم إما بعدم العقاب‪ ،‬إذا‬
‫كانت أعذارا – موانع‪ -‬معفية‪ ،‬وإما بتخفيض العقوبة‪ ،‬إذا كانت أعذارا خمفضة (املادة ‪ 143‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫وقد اعترب املشرع اجلنائي الغلط املادي اجلوهري مانعا من موانع العقاب واعترب الغلط املادي جوهريا إذا وقع على واقعة يتطلب القانون‬
‫العلم هبا‪ ،‬كالغلط يف ركن من أركان اجلرمية والغلط يف الظروف املشددة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الغلط الواقع على ركن من أركان الجريمة‬
‫ينفي ه‪-‬ذا الغل‪-‬ط القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي‪ ،‬ألن ك‪-‬ل جرمية تق‪-‬وم على جمموع‪-‬ة من الوق‪-‬ائع‪ ،‬وجيب علم اجلاين هبذه الوق‪-‬ائع ح‪-‬ىت يس‪-‬أل عنه‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إذا‬
‫انص ‪--‬ب الغل ‪--‬ط على أي ركن من أرك ‪--‬ان اجلرمية‪ ،‬فإن ‪--‬ه ينفي القص ‪--‬د اجلن ‪--‬ائي‪ ،‬ألن من ش ‪--‬أنه أن يزي ‪--‬ل عن ‪--‬ه عنص ‪--‬ر العلم بت ‪-‬وافر أي ركن من‬
‫أركان اجلرمية وقت اجتاه اإلرادة الرتكاهبا‪.‬‬
‫وقد يكون الغلط يف موضوع اجلرمية أو يف ماهية الفعل املرتكب وخطورته ويف كال احلالتني ينتفي القصد اجلنائي‪.‬‬
‫واجله‪-‬ل ب‪-‬أمر ه‪-‬و ع‪-‬دم اإلحاط‪-‬ة ب‪-‬ه أص‪-‬ال‪ ،‬أم‪-‬ا الغل‪-‬ط في‪-‬ه فه‪-‬و فهم‪-‬ه على ص‪-‬ورة مغ‪-‬ايرة للواق‪-‬ع‪ ،‬واجله‪-‬ل ب‪-‬الواقع يس‪-‬توي م‪-‬ع الغل‪-‬ط من‬
‫ناحية أثره يف القضاء اجلنائي‪.‬‬
‫وال يق‪--‬وم القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي ل‪--‬دى اجلاين إال إذا ت ‪-‬وافر لدي‪--‬ه العلم مبوض‪--‬وع اجلرمية‪ ،‬أي مبح‪--‬ل احلق ال‪--‬ذي يت‪--‬دخل الق‪--‬انون حلمايت‪--‬ه‪ ،‬ففي‬
‫جرمية القت‪--‬ل جيب أن يعلم اجلاين أن‪--‬ه أطل‪--‬ق الن‪--‬ار على جس‪--‬م اجملين علي‪--‬ه‪ ،‬وه‪--‬و قي‪--‬د احلي‪--‬اة ل‪--‬يزهق روح‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬إن اعتق‪--‬د أن‪--‬ه أطل‪--‬ق الن‪--‬ار على‬
‫جسد فارقته احلياة فإذا باجملين عليه ال يزال حيا‪ ،‬فإن القصد اجلنائي ال يتوافر يف حقه‪.‬‬
‫ويف جرمية الس‪-‬رقة‪ ،‬جيب أن يعلم اجلاين ب‪-‬أن فعل‪-‬ه ينص‪-‬ب على م‪-‬ال الغ‪-‬ري‪ ،‬ف‪-‬إن ك‪-‬ان يعتق‪-‬د أن‪-‬ه مال‪-‬ه فال يق‪-‬وم القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي للس‪-‬رقة‪،‬‬
‫فمن يس‪--‬توي على م‪--‬ال ممل‪--‬وك للغ‪--‬ري معتق‪--‬دا أن‪--‬ه ممل‪--‬وك ل‪--‬ه‪ ،‬وانتفت بالت‪--‬ايل ك‪--‬ل مس‪--‬ؤولية جنائي‪--‬ة‪ ،‬ألن الس‪--‬رقة ال تق‪--‬ع أب‪--‬دا عن خط‪--‬أ‪ ،‬فال‬
‫توجد سرقة غري عمدية‪.‬‬
‫فاجله‪--‬ل مباهي‪--‬ة الفع‪--‬ل املرتكب خطورت‪--‬ه‪ ،‬أو الغل‪--‬ط في‪--‬ه "ركن من أرك‪--‬ان اجلرمية" فال يت‪-‬وافر القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي إذا ثبتت أن اجلاين مل يكن‬
‫يعلم وقت ارتكاب‪-‬ه اجلرمية مباهي‪-‬ة الفع‪-‬ل‪ ،‬وباآلث‪-‬ار ال‪-‬يت حيتم‪-‬ل أن تنش‪-‬أ عن‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إذا ارتكب فعل‪-‬ه وه‪-‬و جاه‪-‬ل خبطورت‪-‬ه على احلق ال‪-‬ذي حيمي‪-‬ه‬
‫القانون ال يسأل جنائي‪ ،‬ألن اجلاين يستفيد من مانع العقاب لوقوعه يف غلط مادي جوهري يف جرمية مقصودة‪.‬‬
‫أما إذا وقع الغلط على فعل مؤلف جلرمية غري مقصودة‪ ،‬أي كان ناجتا عن إمهال الفاعل‪ ،‬أو قله احرتازه‪ ،‬أو عدم مراعاته للقوانني‬
‫واألنظمة‪ ،‬فإن الغلط هنا ال يعد من موانع العقاب‪ ،‬بل جيعل املسؤولية عن جرمية غري مقصودة‪.‬‬
‫ومث‪-‬ال ذل‪-‬ك‪ ،‬أن ميد الص‪-‬يديل الس‪-‬م للم‪-‬ريض معتق‪-‬دا أن‪-‬ه ال‪-‬دواء ال‪-‬ذي وص‪-‬فه الط‪-‬بيب ل‪-‬ه‪ ،‬فيتناول‪-‬ه املريض فيم‪-‬وت‪ ،‬فهن‪-‬ا يس‪-‬أل الص‪-‬يديل‬
‫عن جرمية قتل مقصودة لوقوعه يف خطأ شخصي يتحمله لوحده‪.‬‬
‫أم‪-‬ا بالنس‪-‬بة للغل‪-‬ط يف ظ‪-‬رف من ظ‪-‬روف التش‪-‬ديد‪ ،‬ف‪-‬إن الفاع‪-‬ل هن‪-‬ا ال يك‪-‬ون مس‪-‬ؤوال عن ه‪-‬ذا الظ‪-‬رف‪ ،‬ف‪-‬إذا ك‪-‬ان اجلاين جيه‪-‬ل أن اجملين‬
‫علي‪-‬ه موظ‪-‬ف ع‪-‬ام وقت أن ق‪-‬ام بقتل‪-‬ه‪ ،‬فإن‪-‬ه ال يص‪-‬ار إىل تش‪-‬ديد العقوب‪-‬ة علي‪-‬ه ألن‪-‬ه يل‪-‬زم ت‪-‬وافر علم‪-‬ه بص‪-‬فة اجملين علي‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬إذا انتفى علم‪-‬ه هبذه‬
‫الصفة فإنه ال يسأل عن ظرف التشديد اخلاص باإلعتداء على موظف أثناء تأديته ملهامه‪.‬‬
‫وك‪-‬ذلك احلال إذا س‪-‬رق اخلادم م‪-‬اال وه‪-‬و جيه‪-‬ل أن ه‪-‬ذا املال مملوك‪-‬ا ملخدوم‪-‬ه‪ ،‬مث يت‪-‬بني أن م‪-‬ا س‪-‬رقه ه‪-‬و ملخدوم‪-‬ه فال يس‪-‬أل اخلادم عن‬
‫هذا الظرف املتشدد كما املادة (‪ 509‬ق‪.‬ج) واليت جاء فيها ‪" :‬يعاقب بالسجن من عشر إىل عشرين سنة‪:......‬‬
‫إذا كان السارق خادما أو مستخدما بأجر‪.......‬‬
‫إذا كان السارق عامال أو متعلما لمهنة‪“.........‬‬
‫أم ‪--‬ا بالنس ‪--‬بة للجه ‪--‬ل بالق ‪--‬انون أو الغل ‪--‬ط في ‪--‬ه فالقاع ‪--‬دة الس ‪--‬ائدة هي أن ‪--‬ه ال جيوز االحتج ‪--‬اج باجله ‪--‬ل بالق ‪--‬انون‪ ،‬إذ أن العلم بالق ‪--‬انون‬
‫مفرتض للجميع‪ ،‬وال يقبل من أحد أن يدفع جبهله بالقانون‪ ،‬أو الغلط فيه كذريعة لنفي القصد اجلنائي(املادة ‪ 2‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫أم‪-‬ا بالنس‪-‬بة للغل‪-‬ط يف النتيج‪-‬ة اجلرمي‪-‬ة عن‪-‬د وق‪-‬وع نتيج‪-‬ة أخ‪-‬رى غ‪-‬ري ال‪-‬يت ق‪-‬د يقص‪-‬دها اجلاين فال أث‪-‬ر هلذا الغل‪-‬ط على املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‪،‬‬
‫إذا كانت النتيجة داخلة يف قصده االحتمايل أي يتوقعها ويقبلها‪.‬‬
‫وك‪--‬ذلك احلال بالنس‪--‬بة للغل‪--‬ط يف ش‪--‬خص اجملين علي‪--‬ه أو الغل‪--‬ط يف شخص‪--‬يته‪ ،‬ومث‪--‬ال ذل‪--‬ك أن يطل‪--‬ق (أ) الرص‪--‬اص قاص‪--‬دا قت‪--‬ل (ب)‬
‫لكن الرصاصة (ج) فتقتله‪ ،‬أو إذا طعن (أ) بسكني من اخللف وهو حيسبه (ج) فإذا هو (ب)‪.‬‬
‫هن‪--‬ا ال أث‪--‬ر هلذا الغل‪--‬ط‪ ،‬ألن‪--‬ه مل يغ‪--‬ري ش‪--‬يء من طبيع‪--‬ة جرمية القت‪--‬ل‪ ،‬فطاملا أن اجملين علي‪--‬ه إنس‪--‬ان على قي‪--‬د احلي‪--‬اة‪ ،‬فإن‪--‬ه قتل‪--‬ه يش‪--‬كل جرمية‬
‫قتل‪ ،‬وإصابته تشكل جرمية جرح بصرف النظر عن هويته‪ ،‬وشخصيته‪ ،‬فالناس أمام القانون متساوون ال فرق بني بكر أو زيد أو عمر‪.‬‬
‫ب ـ القوة القاهرة واإلكراه المعنوي‬
‫تق ‪--‬ر التش ‪-‬ريعات اجلنائي ‪--‬ة بع ‪--‬دم معاقب ‪--‬ة أي ش ‪--‬خص أق ‪--‬دم على ارتك ‪--‬اب أي جرمية مكره ‪--‬ا حتت طائل ‪--‬ة التهدي ‪--‬د‪ ،‬وك ‪--‬ان يتوق ‪--‬ع حني‬
‫ارتكاب‪--‬ه ذل‪--‬ك اجلرم ض‪--‬من دائ‪--‬رة املعق‪--‬ول املوت العاج‪--‬ل أو ض‪--‬ر بلي‪--‬غ ي‪--‬ؤدي إىل تش‪--‬ويه‪ ،‬أو تعطي‪--‬ل أي عض‪--‬و من أعض‪--‬ائه بص‪--‬ورة مس‪--‬تدمية‬
‫فيما لو امتنع عن ارتكاب اجلرم املكره على اقرتافه‪.‬‬
‫فاإلكراه يلغي كالتايل شرطا من شروط اإلرادة‪ ،‬فال يعتد هبا‪ ،‬وال تقوم املسؤولية اجلنائية ‪ ،‬وهو عموما إما مادي أو معنوي‪.‬‬
‫‪ – I‬اإلكراه المادي‪:‬‬
‫اإلكراه املادي قوة يستحيل على الشخص مقاومتها تسيطر على أعضاء جسمه‪ ،‬وتسخرها يف عمل أو امتناع يعاقب القانون‪.‬‬
‫فال ميكن أن تس‪--‬بب اجلرمية إىل املتهم ألن‪--‬ه يق‪--‬وم هبا كأن‪--‬ه آل‪--‬ة مس‪--‬خرة بواس‪-‬طتها‪ ،‬فيك‪-‬ون مع‪-‬دوم اإلرادة فينفي ك‪-‬ل س‪-‬لوك من جانب‪-‬ه‪،‬‬
‫فال يصح بالتايل اعتباره من عيوب اإلرادة وإدراجه ضمن موانع املسؤولية يف مدلوهلا الدقيق‪.‬‬
‫أما أنه ال يعد من عيوب اإلرادة فذلك ألن اإلرادة املعيبة إرادة موجودة فعال‪ ،‬يف حني أن اإلكراه املادي يعدم اإلرادة هنائيا‪.‬‬
‫بالنس‪-‬بة الس‪-‬تبعاده من ع‪-‬داد موان‪-‬ع املس‪-‬ؤولية فس‪-‬ببه أن اإلك‪-‬راه املادي‪ ،‬إذ ينفي الس‪-‬لوك من ج‪-‬انب املك‪-‬ره حيول دون إس‪-‬ناد اجلرمية إلي‪-‬ه‬
‫من الناحي‪-‬ة املادي‪-‬ة فال ي‪-‬دع حمال للبحث يف قي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية أو امتناعه‪-‬ا‪ ،‬وذل‪-‬ك ألن ه‪-‬ذا البحث يف‪-‬رتض التحق‪-‬ق أوال من إس‪-‬ناد اجلرمية إىل‬
‫فاعلها من الناحية املادية‪ ،‬مث دراسة اإلرادة اليت ولدت تلك اجلرمية متهيدا للحكم عليها بأهنا آمثة‪ ،‬أو غري آمثة‪.‬‬
‫ومييز الفق‪-‬ه ع‪-‬ادة بني ص‪-‬ورتني لإلك‪-‬راه املادي حس‪-‬ب م‪-‬ا إذا ك‪-‬ان مص‪-‬در اإلك‪-‬راه ق‪-‬وة إنس‪-‬انية‪ ،‬أو ك‪-‬ان ق‪-‬وة طبيعي‪-‬ة‪ ،‬أو حيواني‪-‬ة‪ ،‬ويطل‪-‬ق‬
‫على الصورة اإلكراه املادية‪ ،‬وعلى الصورة الثانية القوة القاهرة‪.‬‬
‫ومث‪--‬ال اإلك‪-‬راه املادي ال‪--‬ذي يص‪--‬در عن ق‪--‬وة إنس‪--‬انية‪ ،‬حال‪--‬ة م‪--‬ا حيبس يف مك‪-‬ان م‪-‬ا ش‪-‬اهدا مطلوب‪-‬ا ألداء الش‪--‬هادة أم‪-‬ام احملكم‪-‬ة فيح‪--‬ول‬
‫بين‪-‬ه وبني ال‪-‬ذهاب للمحكم‪-‬ة لإلدالء بش‪-‬هادته‪ ،‬أو من ي‪-‬دفع غ‪-‬ريه بعن‪-‬ف فيس‪-‬قط على طف‪-‬ل ن‪-‬ائم ويقتل‪-‬ه أو يص‪-‬دم ب‪-‬آخر ويص‪-‬يبه جبروح‪،‬‬
‫أو من ميسك بيد شخص و يضع إهبامه بالقوة على صك مزور أو صك اعرتاف الرتكاب اجلرمية‪.‬‬
‫أم‪-‬ا الق‪-‬وة الق‪-‬اهرة أمثلته‪-‬ا أن يهب إعص‪-‬ار يلقي بش‪-‬خص إىل ش‪-‬واطئ دول‪-‬ة ص‪-‬در ق‪-‬رار بإبع‪-‬اده عن إقليمه‪-‬ا أو هتط‪-‬ل أمط‪-‬ار غزي‪-‬رة متن‪-‬ع‬
‫الش‪--‬اهد من ال‪--‬ذهاب للمحكم‪--‬ة ألداء الش‪--‬هادة يف الي‪--‬وم احملدد ل‪--‬ه‪ ،‬أو جتمح ف‪--‬رس ويعج‪--‬ز راكبه‪--‬ا عن الس‪--‬يطرة عليه‪--‬ا فت‪--‬دهس أح‪--‬د املارة‬
‫فتقتله‪.‬‬
‫وأي‪--‬ا ك‪--‬انت الق‪--‬وة ال‪--‬يت يص‪--‬در عنه‪--‬ا اإلك‪-‬راه‪ ،‬فيش‪--‬رتط فيه‪--‬ا أن يك‪--‬ون من املس‪--‬تحيل مقاومته‪--‬ا‪ ،‬وه‪--‬ذا يف نظ‪--‬ر البعض ه‪-‬و الش‪--‬رط الوحي‪--‬د‬
‫للقوة القاهرة أو اإلكراه املادي مبعناه الواسع‪.‬‬
‫ويضيف إليه البعض اآلخر شرطا جديدا مؤداه أن تكون هذه القوة من غري املمكن توقيعها‪.‬‬
‫وال‪--‬ذي ن‪-‬راه أن اس‪--‬تحالة مقاوم‪--‬ة الق‪--‬وة الق‪--‬اهرة ال تكفي لتحقي‪--‬ق حال‪--‬ة اإلك‪-‬راه املادي م‪--‬ىت ك‪--‬ان يف إمك‪--‬ان الش‪--‬خص أن يتوق‪--‬ع خض‪--‬وع‬
‫هلذه القوة‪ ،‬وأن يتجنب هذا اخلضوع‪.‬‬
‫إذن من ش‪--‬روط اإلك‪-‬راه املادي أن ال يك‪--‬ون املك‪--‬ره ق‪--‬د تس‪--‬بب خبطئ‪--‬ه‪ ،‬أو تص‪--‬رفه بوج‪--‬ود حال‪--‬ة اإلك‪-‬راه‪ ،‬وذا معن‪--‬اه املك‪--‬ره ال يس‪--‬تفيد من‬
‫مانع العقاب إذ توقع خضوعه وتعرضه لإلكراه‪ ،‬أو كان باستطاعته توقعه‪ ،‬ومل يبذل مايف وسعه لتجنبه‪.‬‬
‫وعلين‪-‬ا أن منيز هن‪-‬ا‪ ،‬بني اإلك‪-‬راه املادي وبني م‪-‬ا يس‪-‬مى احلادث الفج‪-‬ائي‪ ،‬ويقص‪-‬د ب‪-‬ه ك‪-‬ل ظ‪-‬رف غ‪-‬ري متوق‪-‬ع أثن‪-‬اء مباش‪-‬رة الفاع‪-‬ل لس‪-‬لوكه‬
‫وبإضافته إليه يتسبب ذلك السلوك يف نتيجة يعاقب عليها القانون‪.‬‬
‫ومثال‪-‬ه أن يتس‪-‬بب قائ‪-‬د الس‪-‬يارة يف إص‪-‬ابة ش‪-‬خص على إث‪-‬ر انفك‪-‬اك عجل‪-‬ة القي‪-‬ادة فج‪-‬أة‪ ،‬وذل‪-‬ك رغم قيام‪-‬ه ب‪-‬إجراءات الص‪-‬يانة املألوف‪-‬ة‪،‬‬
‫أو أن يتسبب يف إصابة راكب دراجة خيرج فجأة من طريق جانيب‪.‬‬
‫والواض‪-‬ح أن الفاع‪-‬ل يف حال‪-‬ة احلادث الفج‪-‬ائي يباش‪-‬ر س‪-‬لوكا معين‪-‬ا حيق‪-‬ق النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة فه‪-‬و ي‪-‬أيت حرك‪-‬ة عض‪-‬وية إرادي‪-‬ة ترتب‪-‬ط هبا ه‪-‬ذه‬
‫النتيج‪--‬ة برابط‪--‬ة الس‪--‬لبية‪ ،‬وبعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى يف حال‪--‬ة احلادث املف‪--‬اجئ‪ ،‬يض‪--‬ل إس‪--‬ناد اجلرمية إىل الفاع‪--‬ل قائم‪--‬ا من الناحي‪--‬ة املادي‪--‬ة‪ ،‬ولكن متتن‪--‬ع‬
‫املس‪-‬ؤولية لتخل‪-‬ف ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي للجرمية لتخل‪-‬ف عنص‪-‬ره النفس‪-‬ي يف ص‪-‬وريت القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي واخلط‪-‬أ غ‪-‬ري العم‪-‬دي على الس‪-‬واء‪ ،‬إذ مل يتوق‪-‬ع‬
‫الفاعل النتيجة اإلجرامية ومل يكن يف إمكانه توقعها‪ ،‬وتفادي حدوثها‪.‬‬
‫اإلكراه المعنوي‬
‫واإلك‪-‬راه املعن‪--‬وي خبالف اإلك‪-‬راه املادي ال يع‪--‬دم إرادة املك‪--‬ره وإمنا جيرده‪--‬ا من حريهتا يف اإلختي‪--‬ار‪ ،‬فمن يق‪-‬ع ض‪--‬حية هلذا الن‪--‬وع من اإلك‪-‬راه‬
‫يوج‪-‬ه إرادت‪-‬ه إىل ارتك‪-‬اب اجلرمية للتخلص من اخلط‪-‬ر ال‪-‬ذي يه‪-‬دده‪ ،‬ومل يكن يس‪-‬تحيل علي‪-‬ه مادي‪-‬ا أن حيجم عن ارتك‪-‬اب اجلرمية‪ ،‬ولكن ه‪-‬ذا‬
‫اإلحجام يكلفه تضحية ال قبل له بتحملها‪ ،‬وهلذا فهو جيد إرادته مسوقة إىل سلوك سبيل اجلرمية‪.‬‬
‫ومث‪-‬ل املك‪-‬ره معنوي‪-‬ا مث‪-‬ل من يوض‪-‬ع يف موق‪-‬ف ب‪-‬الغ اخلط‪-‬ورة‪ ،‬وال يس‪-‬تطيع اخلالص من‪-‬ه إال عن أح‪-‬د الط‪-‬ريقني‪ ،‬أح‪-‬دمها ي‪-‬ؤدي ب‪-‬ه إىل ه‪-‬وة‬
‫سحيقة إلقرار هلا واآلخر يقتضي التضحية حبياة إنسان‪.‬‬
‫فه‪-‬و ال ش‪-‬ك جيد نفس‪-‬ه م‪-‬دفوعا حبكم غرائ‪-‬زه الطبيعي‪-‬ة إىل اتب‪-‬اع الطري‪-‬ق األخ‪-‬ري‪ ،‬وملا ك‪-‬ان اإلك‪-‬راه املعن‪-‬وي ال يع‪-‬دم اإلرادة‪ ،‬فإن‪-‬ه ال حيول‬
‫دون إسناد اجلرمية إىل املكره من الناحية املادية فقط‪ ،‬وبالتايل يؤثر على الركن املعنوي للجرمية‪.‬‬
‫وق‪--‬د يتخ ‪--‬ذ اإلك ‪-‬راه املعن ‪--‬وي ص‪--‬ورة اس‪--‬تعمال العن ‪--‬ف كمن حيض شخص‪--‬ا أو يغ‪--‬ر ب ‪--‬ه ح ‪--‬ىت يقب ‪--‬ل ارتك‪--‬اب اجلرمية‪ ،‬ويلح ‪--‬ق ب ‪--‬العنف ك ‪--‬ل‬
‫الوسائل املادية اليت من شأن التأثري يف إرادة املكره دون أن يعدمها متاما‪.‬‬
‫كم‪--‬ا يتخ‪--‬ذ اإلك ‪-‬راه املعن‪--‬وي ص‪--‬ورة أخ‪--‬رى تتج‪--‬رد من العن‪--‬ف وتقتص‪--‬ر على جمرد التهدي‪--‬د‪ ،‬كمن يه‪--‬دد شخص‪--‬ا بقتل‪--‬ه أو بقت‪--‬ل ابن‪--‬ه‪ ،‬أو‬
‫خبطف‪-‬ه‪ ،‬إن مل ي‪-‬زور حمررا‪ ،‬أو من يه‪-‬دد األم خبط‪-‬ف ابنه‪-‬ا إن مل ي‪-‬رتكب الزن‪-‬ا‪ ،‬وهن‪-‬ا خيتل‪-‬ف اإلك‪-‬راه املعن‪-‬وي عن اإلك‪-‬راه املادي ب‪-‬أن العن‪-‬ف ال‬
‫يع‪-‬دم اإلرادة كلي‪-‬ا‪ ،‬كم‪-‬ا يف اإلك‪-‬راه املادي‪ ،‬وق‪-‬د اس‪-‬تقر القض‪-‬اء يف فرنس‪-‬ا على قب‪-‬ول اإلك‪-‬راه املعن‪-‬وي الص‪-‬ادر عن ش‪-‬خص على ش‪-‬خص آخ‪-‬ر‬
‫كمانع من موانع املسؤولية‪ ،‬ولكنه رفض اعتبار اإلنفعال العاطفي للمتهم كسبب مانع للمسؤولية‪.‬‬
‫بالرغم من أنه كان من الثابت أن هذا اإلنفعال العاطفي كان قد خلق إكراها على إرادة املتهم أثر يف حرية اإلختيار لديه‪.‬‬
‫وق‪-‬د تطلب القض‪-‬اء الفرنس‪-‬ي يف اإلنفع‪-‬ال الع‪-‬اطفي أن يتس‪-‬بب عن‪-‬ه ث‪-‬ورة جنوني‪-‬ة ميكن تش‪-‬بهها حبال‪-‬ة جن‪-‬ون أفق‪-‬دت املتهم حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار‬
‫هنائيا لديه‪.‬‬
‫على أن اإلنفع‪--‬ال جيد ل‪--‬دى حمكم‪--‬ة اجلناي‪--‬ات واحمللفني يف فرنس‪--‬ا نوع‪--‬ا من الرأف‪--‬ة تس‪--‬توجب تط‪--‬بيق الظ‪--‬روف املخفف‪--‬ة‪ ،‬وه‪--‬ذا م‪--‬ا ج‪--‬رى‬
‫عليه العمل يف اجلرائم العاطفية‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬موانع المسؤولية‬
‫لق‪--‬د نص املش‪--‬رع املغ‪--‬ريب على موان‪--‬ع املس‪--‬ؤولية يف الب‪--‬اب الث‪--‬اين من اجلزء الث‪--‬اين من الكت‪--‬اب الث‪--‬اين يف املواد من ‪ 132‬ح‪--‬ىت ‪ 140‬من‬
‫الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬حيث خص‪-‬ص املادة ‪ 132‬و‪ 133‬إىل األش‪-‬خاص املس‪-‬ؤولني وح‪-‬دد يف الفص‪-‬ول من ‪ 134‬ح‪-‬ىت ‪ 137‬ح‪-‬دود املس‪-‬ؤولية‬
‫اجلنائي‪-‬ة يف ح‪-‬االت العاه‪-‬ات العقلي‪-‬ة‪ ،‬أم‪-‬ا املواد من ‪ 138‬ح‪-‬ىت ‪ 148‬فق‪-‬د خصص‪-‬ها ملس‪-‬ؤولية القاص‪-‬ر جنائي‪-‬ا م‪-‬ع مراع‪-‬اة التع‪-‬ديالت ال‪-‬يت‬
‫أتى هبا قانون ‪ 24.03‬املتعلق بتعزيز احلماية اجلنائية للطفل واملرأة‪.‬‬
‫أ ـ الجنـ ـون‪:‬‬
‫نصت املادة ‪( 134‬ق‪.‬ج) على ما يلي‪:‬‬
‫"ال يكون مسؤوال‪ ،‬وجيب احلكم بإعفائه‪ ،‬من كان وقت ارتكابه اجلرمية املنسوبة إليه‪ ،‬يف حالة يستحيل عليه معها اإلدراك‪ ،‬أو‬
‫اإلرادة نتيجة خلل يف قواه العقلية‪.‬‬
‫ويف اجلنايات واجلنح‪ ،‬حيكم باإليداع القضائي يف مؤسسة لعالج األمراض العقلية وفق الشروط املقررة يف الفصل ‪.76‬‬
‫أما يف مواد املخالفات‪ ،‬فإن الشخص الذي حيكم بإعفائه‪ ،‬إذا كان خطرا على النظام العام‪ ،‬يسلم إىل السلطة اإلرادية"‪.‬‬
‫ونالحظ أن هذه املادة مل تضع تعريفا للجنون‪ ،‬كما مل تشر إىل عاهات العقل األخرى‪ ،‬بل أشارت إىل اختالل العقل‪ ،‬وهذا يعطي‬
‫لفظ اجلنون مدلوال واسعا حبيث تتدرج حتته مجيع العاهات العقلية‪.‬‬
‫‪.I‬شروط امتناع المسؤولية بالجنون أو العاهة العقلية‪:‬‬
‫ال يص‪--‬ح أن يك‪--‬ون اجلن‪--‬ون أو عاه‪--‬ة العق‪--‬ل مانع‪--‬ا من املس‪--‬ؤولية‪ ،‬إال حيث ي‪-‬رتتب علي‪--‬ه فق‪--‬د الش‪--‬عور أو اإلختي‪--‬ار يف الفع‪--‬ل‪ ،‬إذ يف ه‪--‬ذه‬
‫احلال‪--‬ة فق‪--‬ط تتحق‪--‬ق عل‪--‬ة امتن‪--‬اع املس‪--‬ؤولية بس‪--‬ببه متمثل‪--‬ة يف انع‪--‬دام األهلي‪--‬ة اجلنائي‪--‬ة بتخل‪--‬ف أح‪--‬د عنص‪-‬ريها‪ ،‬أي الق‪--‬درة على التمي‪--‬يز وحري‪--‬ة‬
‫اإلختيار‪.‬‬
‫واملقص‪--‬ود بفق‪--‬د الش‪--‬عور أو اإلختي‪--‬ار حرم‪--‬ان الفاع‪--‬ل من ذل‪--‬ك الق‪--‬در من التمي‪--‬يز بأحكام‪--‬ه وحتم‪--‬ل مس‪--‬ؤولية خمافته‪--‬ا‪ ،‬فليس بالزم أن‬
‫ي‪-‬ؤدي اجلن‪-‬ون إىل انع‪-‬دام التمي‪-‬يز واإلختي‪-‬ار كلي‪-‬ة‪ ،‬ألن ذل‪-‬ك ال يتحق‪-‬ق إال يف القلي‪-‬ل الن‪-‬ادر‪ ،‬وإمنا يكفي أن ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه انتقاص‪-‬هما‪ ،‬وع‪-‬دم‬
‫الق‪--‬درة على معرف‪--‬ة ماهي‪--‬ة الفع‪--‬ل وع‪--‬دم الق‪--‬درة على التمي‪--‬يز بني الص‪-‬واب واخلط‪--‬أ والتعري‪--‬ف بني ه‪--‬ذين العنص‪-‬رين واعتب‪--‬ار أيهم‪--‬ا ك‪--‬اف ملن‪--‬ع‬
‫املس ‪--‬ؤولية يق‪--‬وم على أس‪--‬اس منطقي ومعق‪--‬ول‪ ،‬ذل‪--‬ك أن من ال يع‪--‬رف م‪--‬اذا يفع‪--‬ل ليس يف وض‪--‬ع جيعل‪--‬ه ق‪--‬ادرا على متي ‪--‬يز ص ‪-‬واب فعل‪--‬ه من‬
‫خطئه‪.‬‬
‫وحتدي‪-‬د م‪-‬ا إذا ك‪-‬ان اجلن‪-‬ون أو العاه‪-‬ة العقلي‪-‬ة ق‪-‬د بل‪-‬غ يف آث‪-‬اره ه‪-‬ذا املدى مس‪-‬ألة يفص‪-‬ل فيه‪-‬ا قاض‪-‬ي املوض‪-‬وع بص‪-‬دد ك‪-‬ل حال‪-‬ة على ح‪-‬دة‬
‫وعليه يستعني يف شأهنا برأي أهل اخلربة من األطباء واخلرباء‪.‬‬
‫وجيب أن يك ‪--‬ون فق ‪--‬د الش ‪--‬عور أو اإلختي ‪--‬ار معاص‪- -‬را الرتك ‪--‬اب الفع ‪--‬ل اإلج‪- -‬رامي‪ ،‬وينبغي على ه ‪--‬ذا الش ‪--‬رط أن اجلن ‪--‬ون الط ‪--‬ارئ بع ‪--‬د‬
‫ارتك ‪--‬اب اجلرمية ال ي ‪--‬ؤثر على املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة‪ ،‬ولكن ‪--‬ه حيول دون اختاذ اإلج ‪-‬راءات القانوني ‪--‬ة وحماكم ‪--‬ة املتهم‪ ،‬ول تتم احملاكم ‪--‬ة إال بع ‪--‬د‬
‫شفائه‪ ،‬أما إذا حدث اجلنون بعد احلكم عليه باإلدانة فيوقف تنفيذ العقوبة حىت يتم شفاء اجلاين‪.‬‬
‫ويش‪-‬رتط يف مجي‪-‬ع األح‪-‬وال ص‪-‬دور ق‪-‬رار بتوقي‪-‬ع احلج‪-‬ز القض‪-‬ائي أي وض‪-‬ع اجلاين يف مص‪-‬حة لألم‪-‬راض العقلي‪-‬ة بع‪-‬د فحص‪-‬ه طبي‪-‬ا كت‪-‬دبري‬
‫ي‪-‬رمي إىل عالج املتهم ودرء أخط‪-‬اره عن اجملتم‪-‬ع‪ ،‬كم‪-‬ا تق‪-‬رره املادة ‪ 136‬ق‪.‬ج‪" :‬إذا رأى قاض‪-‬ي التحقي‪-‬ق أن املتهم تظه‪-‬ر علي‪-‬ه عالم‪-‬ات‬
‫واض‪--‬حة للخل‪--‬ل العقلي‪ ،‬فإن‪--‬ه جيوز ل‪--‬ه‪ ،‬مبقتض‪--‬ى أم‪--‬ر معل‪--‬ل إذا اقتض‪--‬ى األم‪--‬ر‪ ،‬وذل‪--‬ك ض‪--‬من الش‪--‬روط املق‪--‬ررة يف الظه‪--‬ري رقم‪1.58.295‬‬
‫الصادر يف ‪ 21‬شوال ‪ 30( 1378‬أبريل ‪ )1959‬اخلاص بالوقاية والعالج من األمراض العقلية ومحاية املصابني هلا‪.‬‬
‫وجيب إخط‪--‬ار رئيس النياب‪--‬ة العام‪--‬ة مبحكم‪--‬ة اإلس‪--‬تئناف من ط‪--‬رف الط‪--‬بيب املع‪--‬اجل بق ‪-‬رار إخراج‪--‬ه قب‪--‬ل تنفي‪--‬ذ الق ‪-‬رار بعش‪--‬رة أي‪--‬ام على‬
‫األقل‪.‬‬
‫وجيوز ل‪-‬رئيس النياب‪--‬ة أن يطعن يف ه‪--‬ذا الق‪-‬رار وف‪--‬ق الش‪--‬روط املق‪--‬ررة يف الفص‪--‬ل ‪ 28‬من الظه‪--‬ري املش‪--‬ار إلي‪--‬ه‪ ،‬وي‪-‬رتتب على الطعن وق‪--‬ف‬
‫تنفيذ املقرر‪.‬‬
‫ويف حال‪--‬ة اس‪--‬تئناف املتابع‪--‬ة وص‪--‬دور حكم على املتهم بعقوب‪--‬ة س‪--‬البة للحري‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬إن حمكم‪--‬ة املوض‪--‬وع جيوز هلا أن ت‪--‬أمر خبص‪--‬م املدة ال‪--‬يت‬
‫قضاها يف املؤسسة من مدة تلك العقوبة"‪.‬‬
‫وق‪-‬د ج‪-‬اءت ق‪-‬رارات الغرف‪-‬ة اجلنائي‪-‬ة ل‪-‬دى حمكم‪-‬ة النقض الفرنس‪-‬ية متطابق‪-‬ة م‪-‬ع نص املادة ‪ 136‬أعاله فق‪-‬ررت (أن‪-‬ه عن‪-‬دما ت‪-‬رفض احملكم‪-‬ة‬
‫طلب ‪--‬ا بإحال ‪--‬ة املتهم على خب ‪--‬ري يف األم ‪-‬راض العقلي ‪--‬ة‪ ،‬ال ميكنه ‪--‬ا أن تص‪--‬رح ب ‪--‬أن تص‪--‬رح ب ‪--‬أن تص‪--‬رفات املتهم أثن ‪--‬اء التحقي ‪--‬ق واجللس ‪--‬ة جتع‪--‬ل‬
‫احملكمة تعترب أن املتهم مل يصب يف عقله‪.‬‬
‫لكن ميكن أن تق‪--‬ول‪ :‬املدافع مل ي‪--‬دل للمحكم‪--‬ة بأي‪--‬ة حج‪--‬ة على أن موكل‪--‬ه ارتكب أعم‪--‬اال غ‪--‬ري طبيعي‪--‬ة‪ ،‬ومل يالح‪--‬ظ خالل املناقش‪--‬ات‬
‫أنه ال يتمتع بقواه العقلية ( قرار حمكمة النقض الفرنسية عدد ‪ 400‬بتاريخ ‪ 7‬شتنرب ‪.)1977‬‬
‫وه‪-‬ذا املوق‪-‬ف اختذه ك‪-‬ذلك املش‪-‬رع املص‪-‬ري عن‪-‬دما نص يف املادة (‪ )342‬من ق‪-‬انون اإلج‪-‬راءات اجلنائي‪-‬ة لدي‪-‬ه على أن‪-‬ه ‪" :‬إذا ص‪-‬در أم‪-‬ر‬
‫ب‪-‬أن ال وج‪-‬ه إلقام‪-‬ة ال‪-‬دعوى أو حكم ب‪-‬رباءة املتهم‪ ،‬وك‪-‬ان ذل‪-‬ك بس‪-‬بب عاه‪-‬ة يف عقل‪-‬ه ت‪-‬أمر اجله‪-‬ة ال‪-‬يت أص‪-‬درت األم‪-‬ر أو احلكم إذا ك‪-‬انت‬
‫الواقع‪--‬ة جناي‪--‬ة أو جنح‪--‬ة عقوبته‪--‬ا احلبس حبج‪--‬ز املتهم يف أح‪--‬د احملال املع‪--‬دة لألم ‪-‬راض العقلي‪--‬ة‪ ،‬إىل أن ت‪--‬أمر اجله‪--‬ة ال‪--‬يت أص‪--‬درت األم‪--‬ر أو‬
‫احلكم باإلفراج عنه‪ ،‬وذلك بعد اإلطالع على تقرير مدير احملل من مدة العقوبة احملكوم هبا"‪.‬‬
‫‪ .II‬ثبوت الجنون أو العاهة العقلية‪:‬‬
‫إن الفص‪--‬ل يف ثب‪--‬وت حال‪--‬ة اجلن‪--‬ون أو العاه‪--‬ة العقلي‪--‬ة وت ‪-‬وافر ش‪--‬روط امتن‪--‬اع املس‪--‬ؤولية بس‪--‬بب ه‪--‬و ش‪--‬أن قاض‪--‬ي املوض‪--‬وع كم‪--‬ا أكدت‪--‬ه املادة‬
‫‪ 136‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬ألن املش‪-‬رع املغ‪-‬ريب اف‪-‬رتض أن ك‪-‬ل ش‪-‬خص يعت‪-‬رب س‪-‬ليم العق‪-‬ل‪ ،‬ويس‪-‬أل جزئي‪-‬ا عن اجلرمية ال‪-‬يت ارتكبه‪-‬ا ألن‪-‬ه ك‪-‬ان‬
‫سليم العقل وقت ارتكاب اجلرمية حىت يثبت العكس‪.‬‬
‫إذن عبء إثب‪-‬ات اجلن‪-‬ون يق‪-‬ع على ع‪-‬اتق من يدعي‪-‬ه‪ ،‬ف‪-‬املتهم ه‪-‬و ال‪-‬ذي يث‪-‬ري ال‪-‬دفع ب‪-‬اجلنون وقت ارتكاب‪-‬ه اجلرمية وحيق ل‪-‬ه التمس‪-‬ك ب‪-‬ه يف‬
‫ش‪-‬ىت مراح‪-‬ل احملاكم‪-‬ة وبكاف‪-‬ة ط‪-‬رق اإلثب‪-‬ات القانوني‪-‬ة‪ ،‬ولكن ليس للمحكم‪-‬ة أن تعتم‪-‬د التقري‪-‬ر الط‪-‬يب املعطى من اللجن‪-‬ة الطبي‪-‬ة فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق‬
‫حبالة املتهم العقلية دون أن تسمع شهادة األطباء الذين صدر التقرير عنهم‪ ،‬فمسألة اجلنون مسألة فنية خيتص األطباء بتشخيصها‪.‬‬
‫إذ حمكم‪--‬ة املوض‪--‬وع هي ال‪--‬يت تق‪--‬رر وتفص‪--‬ل يف ثب‪--‬وت حال‪--‬ة اجلن‪--‬ون أو العاه‪--‬ة العقلي‪--‬ة‪ ،‬وال رقاب‪--‬ة حملكم‪--‬ة التمي‪--‬يز عليه‪--‬ا يف ذل‪--‬ك‪ ،‬وعلى‬
‫حمكم‪-‬ة اإلس‪-‬تئناف أن تطب‪-‬ق أحك‪-‬ام املادة ‪ ،136‬وبالت‪-‬ايل ت‪-‬تيح للمتهم تق‪-‬دمي البين‪-‬ة على أن‪-‬ه ك‪-‬ان حيث ارتك‪-‬اب اجلرم املس‪-‬ند إلي‪-‬ه مص‪-‬ابا‬
‫مبرض عقلي أعجزه عن إدراك كنه أعماله‪.‬‬
‫ويف حال‪--‬ة ال‪--‬دفع بامتن‪--‬اع املس‪--‬ؤولية للجن‪--‬ون أو العاه‪--‬ة العقلي‪--‬ة يتعني على القاض‪--‬ي إذا رفض ه‪--‬ذا ال‪--‬دفع أن ي‪--‬رد علي‪--‬ه مبا يفن‪--‬ده وإال ك‪--‬ان‬
‫حكمه قاصرا يف التسبيب مما يعيبه ويستوجب متييزه‪.‬‬
‫الغيبوبة الناشئة عن املخدر واملسكر‪:‬‬
‫أثبتت األحباث والدراسات العلمية أن اإلفراط يف تناول العقاقري أو املواد املخدرة أو املسكرة يفضي إىل خلل يف امللكات والقدرات‬
‫الذهنية للشخص حبيث يفقده القدرة على تفهم ما يصدر عنه من أفعال وما يرتتب عليها من نتائج‪ ،‬كما يؤثر على اإلدراك‪ ،‬واإلرادة‬
‫مما يؤدي إىل فقدها أو اإلنتقاص منها‪ ،‬بل أنه قد يؤثر على التكوين العضوي والنفسي للشخص حبيث حيدث هياجا يف اإلنفعاالت‬
‫األمر الذي جيعل الشخص أكثر جرأة وإقداما على ارتكاب اجلرائم‪.‬‬
‫فإذا تناول الشخص العقاقري املخدرة أو املسكرة‪ ،‬وارتكب جرمية وهو حتت تأثريها‪ ،‬فإن األمر ال خيلو من أحد فروض ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون قد تناوهلا عن علم وإرادة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون قد تناوهلا دون علم مباهيتها أو على غري إرادته‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون قد تناوهلا عن عمد بغية ارتكاب اجلرمية اليت وقعت منه‪.‬‬
‫ويطلق على احلالة األوىل اسم الغيبوبة الناشئة عن سكر اختياري‪.‬‬
‫الحالة الثانية اسم الغيبوبة الناشئة عن سكر اضطراري‪.‬‬
‫الحالة الثالثة اسم تناول العقاقري املخدرة أو املسكرة بقصد ارتكاب اجلرائم‪.‬‬
‫وسوف نتناول هذه احلاالت الثالث تباعا على التفصيل التايل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الغيبوبة الناشئة عن سكر اضطراري وأثرها على المسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫اعت‪-‬رب املش‪-‬رع اجلن‪-‬ائي الغيبوب‪-‬ة الناش‪-‬ئة عن س‪-‬كر اض‪-‬طراري مانع‪-‬ا من موان‪-‬ع املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬ألن ارتكاب‪-‬ه للفع‪-‬ل اجملرم ع‪-‬ادة مل يكن‬
‫بإرادته وإمنا لفقده للشعور أو اإلختيار لغيبوبة ناشئة عن عقاقري خمدرة أيا كان نوعها ما دام أخذه هلا كان قهرا أو على غري علم هبا‪.‬‬
‫وعليه فإن اجلرائم اليت تتم حتت تأثري الغيبوبة الناشئة عن هذه العقاقري‪ ،‬حتول دون قيام املسؤولية اجلنائية‪ ،‬بشرطني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يؤدي تعاطي العقاقير أو المواد المخدرة أو المسكرة إلى فقد اإلدراك وقت ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫أي أن يكون اجلاين أثناء ارتكابه اجلرمية يف حالة غيبوبة كاملة ناشئة عن تناول عقاقري خمدرة أو مسكرة‪ ،‬فإذا كانت هذه الغيبوبة جزئية‬
‫فإنه ال يعفى من املسؤولية اجلنائية‪ ،‬وإمنا تعد حالته عذرا خمففا يقتضي ختفيف العقاب‪ ،‬وذلك وفق ما قررته بعض التشريعات اجلنائية‬
‫احلديثة كقانون العقوبات اإلمارايت يف املادة (‪ 60‬فقرة ‪ )2‬واليت نصت”‪:‬‬
‫"أم‪--‬ا إذا مل ي‪-‬رتتب على‪ ......‬العق‪--‬اقري أو املواد املخ‪--‬درة أو املس‪--‬كرة أو غريه‪--‬ا س‪--‬وى نقص أو ض‪--‬عف يف اإلدراك أو اإلرادة وقت ارتك‪--‬اب‬
‫اجلرمية‪ ،‬عد ذلك عذرا خمففا"‪.‬‬
‫الث]]اني‪ :‬أن يك‪--‬ون الش‪--‬خص ق‪--‬د تن‪--‬اول العق‪--‬اقري املخ‪--‬درة قس‪-‬را عن‪--‬ه أو عن غ‪--‬ري علم من‪--‬ه حبقيقته‪--‬ا أو ألي س‪--‬بب آخ‪--‬ر يق‪--‬رر العلم أن‪--‬ه‬
‫يفقد اإلدراك أو اإلرادة‬
‫وتتحق‪-‬ق ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة إذا م‪-‬ا تن‪-‬اول ش‪-‬خص ه‪-‬ذه العق‪-‬اقري نتيج‪-‬ة حلادث ط‪-‬ارئ أو ق‪-‬وة ق‪-‬اهرة‪ ،‬أو نتيج‪-‬ة لوقوع‪-‬ه حتت ت‪-‬أثري إك‪-‬راه م‪-‬ادي‪،‬‬
‫أو معنوي أو تناوهلا وهو جيهل حقيقتها املخدرة أو املسكرة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الغيبوبة الناشئة عن سكر اختياري ومدى تأثيرها على المسؤولية الجنائية‬
‫تنص املادة ‪ 137‬من القانون اجلنائي على أن‪:‬‬
‫" الس‪--‬كر و ح‪--‬االت اإلنفع‪--‬ال أو اإلن‪--‬دفاع الع‪--‬اطفي أو الناش‪--‬ئ عن تع‪--‬اطي املواد املخ‪--‬درة عم‪--‬دا ال ميكن ب‪--‬أي ح‪--‬ال من األح ‪-‬وال أن‬
‫يعدم املسؤولية أو ينقصها‪.‬‬
‫وجيوز وضع اجملرم يف مؤسسة عالجية طبقا ألحكام الفصلني ‪ 80‬و ‪.” 81‬‬
‫ويتض‪--‬ح من ه‪--‬ذا أن يتن‪--‬اول عق‪--‬اقري أو م‪-‬واد خمدرة أو مس‪--‬كرة باختي‪--‬اره وعن علم خبواص‪--‬ها‪ ،‬يس‪--‬أل عن ك‪--‬ل م‪--‬ا يرتكب‪--‬ه من ج‪-‬رائم حتت‬
‫تأثري فقد اإلدراك واإلرادة الناتج عن تعاطي هذه العقاقري أو املواد‪.‬‬
‫وأس‪-‬اس ه‪-‬ذه املس‪-‬ؤولية ه‪-‬و اف‪-‬رتاض العم‪-‬د ال‪-‬ذي ال يقب‪-‬ل إثب‪-‬ات العكس‪ ،‬مبع‪-‬ىن أن الق‪-‬انون اف‪-‬رتض أن الس‪-‬كران باختي‪-‬اره وقت ارتكاب‪-‬ه‬
‫اجلرمية تت‪-‬وافر لدي‪-‬ه إرادة معت‪-‬ربة قانون‪-‬ا‪ ،‬أي مالك‪-‬ا لش‪-‬عوره‪ ،‬وإرادت‪-‬ه‪ ،‬وبالت‪-‬ايل يك‪-‬ون مس‪-‬ؤوال عن اجلرمية ال‪-‬يت ارتكبه‪-‬ا‪ ،‬عم‪-‬ديا ك‪-‬انت أو غ‪-‬ري‬
‫عمدية‪ ،‬ذات قصد عام وقصد خاص‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن السكران باختياره يسأل مسؤولية كاملة عن كافة ما يرتكبه من جرائم كما لو كان يف حالة اإلفاقة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تناول العقاقير المخدرة أو المسكرة بقصد ارتكاب الجرائم‪:‬‬
‫تفرتض هذه احلالة أن اجلاين قد تناول العقاقري املخدرة‪ ،‬أو املسكرة "بغية ارتكاب اجلرمية"‪ ،‬أي أنه قد تناول هذه العقاقري أو املواد‬
‫حىت يستمد منها اجلرأة واإلقدام على تنفيذها‪.‬‬
‫ويف هذه احلالة يسأل اجلاين عن هذه اجلرمية مسؤولية كاملة‪ ،‬وذلك ألنه بتعمده تناول هذه العقاقري‪ ،‬أو املواد يعترب قد بدأ يف تنفيذ‬
‫اجلرمية‪ ،‬وهو يف حالة إدراك واختيار‪ ،‬بل إن بعض التشريعات اجلنائية قد اعتربتا هذا النوع من السكر ظرفا مشددا للجرمية نظرا ملا ينتج‬
‫عنه من خطورة إجرامية‪ ،‬كقانون العقوبات اإليطايل يف مادة (‪ )92‬حيث يقرر أنه ‪" :‬إذا حدثت حالة السكر مقدما بغرض ارتكاب‬
‫جرمية (جنحة)‪ ،‬أو لكي يتخذ منها عذرا فإنه جيب تشديد العقوبة‪.‬‬
‫وبذلك يكون تشديد العقوبة وجوبيا على القاضي"‪.‬‬
‫ج – عدم التمييز لصغر السن القصر‬
‫يقصد بالقصر وصغر السن عدم قدرة اإلنسان على فهم ماهية أفعاله وتقدير نتائجها‪.‬‬
‫وقد اشرتط القانون لتوافر عنصر اإلدراك أو التمييز أن يكون الشخص قد بلغ سنا معينة هو السابعة من عمره‪ ،‬فال يكفي لقيام‬
‫املسؤولية اجلنائية على عاتق مرتكب اجلرمية أن يكون إنسانا‪ ،‬وإمنا يلزم أن يكون متمتعا بالبلوغ والعقل ومها الدعامتان اللتان يقوم عليما‬
‫الوعي واإلرادة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن قصور امللكات العقلية بسبب صغر السن أو فقدان العقل يعترب مانعا من موانع املسؤولية كلية‪.‬‬
‫واملس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة جيب أن تنطل‪--‬ق من ه‪--‬ذا املنطل‪--‬ق‪ ،‬ألن ال‪--‬وعي واإلرادة ال يت‪-‬وافران للص‪--‬غري دفع‪--‬ة واح‪--‬دة‪ ،‬وإمنا ت‪--‬درجييا‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي‬
‫يس ‪--‬توجب ارتب ‪--‬اط مس ‪--‬ؤولية احلدث اجلنائي ‪--‬ة من حيث وجوده ‪--‬ا مبدى م ‪--‬ا يتمت ‪--‬ع ب ‪--‬ه احلدث من ال ‪--‬وعي واإلرادة‪ ،‬وه ‪--‬و م ‪--‬ا تس ‪--‬لم ب ‪--‬ه كاف ‪--‬ة‬
‫التشريعات‪.‬‬
‫وقد اهتم املشرع املغريب باحلدث عندنا نص يف املادة ‪ 138‬على أن‪:‬‬
‫"احلدث الذي مل يبلغ سن اثنيت عشر سنة كاملة يعترب غري مسؤول جنائيا النعدام متييزه"‪.‬‬
‫والع‪--‬ربة يف تق‪--‬دير س‪--‬ن الص‪--‬غري هي ب‪--‬وقت ارتك‪--‬اب اجلرمية ال ب‪--‬وقت احملاكم‪--‬ة‪ ،‬كم‪--‬ا أن تق‪--‬دير الس‪--‬ن مس‪--‬ألة يس‪--‬تقل هبا قاض‪--‬ي املوض‪--‬وع‪،‬‬
‫وق‪--‬د ع‪--‬ين املش‪--‬رع ببي‪--‬ان الوس‪--‬يلة ال‪--‬يت تثبت هبا الس‪--‬ن‪ ،‬فتثبت بوثيق‪--‬ة رمسية‪ ،‬ف‪--‬إذا تع‪--‬ذر ذل‪--‬ك ن‪--‬دبت جه‪--‬ة التحقي‪--‬ق أو احملاكم‪--‬ة طبي‪--‬ا خمتص‪--‬ا‬
‫لتقديرها بالوسائل الفنية‪.‬‬
‫وعموما ميكن تقسيم سن احلدث إىل ثالثة مراحل‪ ،‬يطلق على كل مرحلة منها مصطلحا قانونيا خاصا هبا على النحو التايل‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬الولد‬
‫والول‪-‬د من أمت الس‪-‬ابعة من عم‪-‬ره ومل يتم الثاني‪-‬ة عش‪-‬رة‪ ،‬أم‪-‬ا احلدث ال‪-‬ذي مل يتم الس‪-‬ابعة من عم‪-‬ره فإن‪-‬ه ال يالح‪-‬ق جنائي‪-‬ا حني اقرتاف‪-‬ه أي‬
‫جرمية (املادة ‪.)138‬‬
‫وال عق‪-‬اب على الول‪-‬د إذا ارتكب أي جرمية‪ ،‬ولكن تف‪-‬رض علي‪-‬ه ت‪-‬دابري احلماي‪-‬ة كتس‪-‬ليمه إىل أح‪-‬د والدي‪-‬ه أو أح‪-‬د أف‪-‬راد أس‪-‬رته أو وض‪-‬عه‬
‫حتت إشراف مراقب للسلوك (املادة ‪ 460‬ق‪.‬م‪.‬ج واملادة ‪.)471‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬المراهق‬
‫واملراه‪--‬ق ه‪--‬و من أمث الثاني‪--‬ة عش‪--‬رة من عم‪--‬ره ومل يتم السادس‪--‬ة عش‪--‬رة‪ ،‬وهن‪--‬ا إذا اق‪--‬رتف املراه‪--‬ق جناي‪--‬ة عقوبته‪--‬ا اإلع‪--‬دام ف‪--‬إن مس‪--‬ؤوليته‬
‫تك‪--‬ون ناقص‪--‬ة بس‪--‬بب ع‪--‬دم اكتم‪--‬ال متي‪--‬يزه‪ ،‬ول‪--‬ذلك فه‪--‬و يتمت‪--‬ع بع‪--‬ذر ص‪--‬غر الس‪--‬ن وال جيوز احلكم علي‪--‬ه إال طبق‪--‬ا للمتقض‪--‬يات املق‪--‬ررة يف‬
‫الكتاب الثالث من القانون املتعلق باملسطرة اجلنائية (املادة ‪ 139‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫وإذا ارت‪-‬أت غرف‪-‬ة اجلناي‪-‬ات اإلس‪-‬تئنافية لألح‪-‬داث أن األفع‪-‬ال اجلنائي‪-‬ة املنس‪-‬وبة للح‪-‬دث ثابت‪-‬ة علي‪-‬ه‪ ،‬فإهنا تبت فيه‪-‬ا طبق‪-‬ا للمقتض‪-‬يات‬
‫املق‪-‬ررة يف املواد ‪ 473‬و ‪ 476‬ومن ‪ 481‬إىل ‪ 483‬من ق‪-‬انون املس‪-‬طرة اجلنائي‪-‬ة ( املادة ‪ 492‬ق‪.‬م‪.‬ج) ونفس الق‪-‬ول ينطب‪-‬ق على ج‪-‬زاء‬
‫ارتكابه جناية عقوبتها السجن املؤبد واليت تصبح حمددة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬الفتى‬
‫والف ‪--‬ىت ه ‪--‬و من أمت السادس ‪--‬ة عش ‪--‬رة‪ ،‬وهن ‪--‬ا نالح ‪--‬ظ أن املش ‪--‬رع اجلن ‪--‬ائي ق‪--‬د اف‪--‬رتض اكتم ‪--‬ال إدراك ‪--‬ه ومتي ‪--‬يزه‪ ،‬وأص ‪--‬بح يتمت ‪--‬ع بامللك ‪--‬ات‬
‫النفس‪-‬ية والذهني‪-‬ة ال‪-‬يت تؤهل‪-‬ه إلدراك وتفهم الفع‪-‬ل اإلج‪-‬رامي ال‪-‬ذي ارتكب‪-‬ه‪ ،‬وأمل العقوب‪-‬ة املق‪-‬ررة علي‪-‬ه‪ ،‬مما أج‪-‬از بن‪-‬اءا على ذل‪-‬ك توقي‪-‬ع بعض‬
‫العقوب ‪--‬ات العادي ‪--‬ة على احلدث‪ ،‬إال أن ‪--‬ه اس ‪--‬تبعد عقوب ‪--‬يت اإلع ‪--‬دام واملؤب ‪--‬د من بني العقوب ‪--‬ات ال ‪--‬يت ميكن توقيعه ‪--‬ا عليه‪ .‬فالعقوب ‪--‬ة اجلنائي ‪--‬ة‬
‫املخفف‪--‬ة هن‪--‬ا ال توق‪--‬ع على الف‪--‬ىت اس‪--‬تنادا إىل جس‪--‬امة الفع‪--‬ل ال‪--‬ذي ارتكب‪--‬ه‪ ،‬ولكن اس‪--‬تنادا إىل شخص‪--‬يته‪ ،‬فالعقوب‪--‬ة يف ه‪--‬ذه احلال‪--‬ة هلا دور‬
‫تربوي أو أخالقي‪ ،‬لذلك على القاضي اجلنائي أن يضع يف اعتباره اإلحاطة بشخصية اجلاين وظروف اجلرمية اليت ارتكبها‪.‬‬
‫وق‪--‬د أج‪--‬از املش‪--‬رع اجلن‪--‬ائي املغ‪--‬ريب للقاض‪--‬ي أن حيكم على اجلاين ال‪--‬ذي بل‪--‬غ س‪--‬ن الرش‪--‬د اجلن‪--‬ائي (‪ 16‬س‪--‬نة) وعم‪--‬ر الزال يق‪--‬ل عن ‪18‬‬
‫سنة بتدابري التدبري واحلماية املقررة (املادة ‪ 139‬ق‪ .‬ج‪ .‬م‪.).‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬من يسأل جنائيا‬
‫قلن‪-‬ا أن املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة تؤس‪-‬س على حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار‪ ،‬وهي حري‪-‬ة كم‪-‬ا رأين‪-‬ا مفي‪-‬دة‪ ،‬مث تكلمن‪-‬ا بع‪-‬د ذل‪-‬ك عن الش‪-‬روط ال‪-‬واجب توافره‪-‬ا‬
‫يف اإلرادة حىت يعتد هبا القانون‪ ،‬ويبقى أمامنا سؤال ثالث وأخري‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫من ال‪--‬ذي ميكن مس‪--‬ائلته جنائي‪--‬ا ؟ وه‪--‬ل يفهم من وج‪--‬وب ت‪-‬وافر اإلرادة ال‪--‬يت يعت‪--‬د هبا الق‪--‬انون لقي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة بش‪--‬رطيها التمي‪--‬يز‬
‫وحرية اإلختيار أن هذه املسؤولية ال ميكن أن تتوافر إال يف اإلنسان احلي الطبيعي فقط؟‬
‫ال ش ‪--‬ك يف أن املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة ال تق ‪--‬وم بالنس ‪--‬بة لإلنس ‪--‬ان إال إذا ك ‪--‬ان حي ‪--‬ا فينبغي يف اجلاين أن يك ‪--‬ون إنس ‪--‬انا حي ‪--‬ا‪ ،‬فالتش ‪-‬ريعات‬
‫احلديث‪-‬ة ال تقيم املس‪-‬ؤولية إال على اإلنس‪-‬ان احلي س‪-‬واء اس‪-‬تندت ه‪-‬ذه املس‪-‬ؤولية على حري‪-‬ة اإلختي‪-‬ار‪ ،‬املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‪....".....‬أو على‬
‫احلرية املسؤولية اإلجتماعية"‪.‬‬
‫فاإلنس‪--‬ان احلي ه‪--‬و ال‪--‬ذي يت‪--‬دخل الق‪--‬انون حلماي‪--‬ة حقوق‪--‬ه بوض‪--‬ع نص‪--‬وص التج‪--‬رمي‪ ،‬ال‪--‬يت حتمي ل‪--‬ه ه‪--‬ذه احلق‪--‬وق‪ ،‬وإذا ت‪--‬دخل الق‪--‬انون‬
‫حلماي‪--‬ة إنس‪--‬ان‪ ،‬وبالت‪--‬ايل حلماي‪--‬ة ك‪--‬ل اجملتم‪-‬ع‪ ،‬فإن‪-‬ه يت‪-‬دخل بغ‪-‬رض عق‪-‬اب إنس‪--‬ان يه‪--‬دد بعدوان‪-‬ه حق‪-‬وق إنس‪--‬ان آخ‪--‬ر أو حق‪-‬وق ك‪-‬ل اجملتم‪-‬ع‬
‫يرتتب على ذلك أن املسؤولية اجلنائية ال تقوم ضد ميت‪ ،‬وال مسؤولية جنائية حليوان‪ ،‬فاحليوان ال ميكن أن يكون جانيا أو جمنيا عليه‪.‬‬
‫وإذا ع‪-‬اقب الق‪-‬انون على اإلعت‪-‬داء الق‪-‬انون على اإلعت‪-‬داء على احلي‪-‬وان فليس باعتب‪-‬ار احلي‪-‬وان جمني‪-‬ا علي‪-‬ه‪ ،‬ولكن ألن احلي‪-‬وان يعت‪-‬رب حمال‬
‫للجرمية أي حمل ملكية الغري‪ ،‬واإلعتداء عليه يعترب اعتداء على ملكية الغري‪.‬‬
‫ولكن هل سيتتبع هذا القول قيام املسؤولية اجلنائية للشخص الطبيعي فقط دون الشخص املعنوي أو اإلعتباري؟‬
‫وه‪--‬ل ميكن قي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة لش‪--‬خص‪ ،‬على فع‪--‬ل مل يرتكب‪--‬ه ب‪--‬ل ارتكب‪--‬ه غ‪--‬ريه؟ إن إجابتن‪--‬ا على ه‪--‬ذا الس ‪-‬ؤال س‪--‬تتم ع‪--‬رب بن‪--‬دين‬
‫(األول) ويتعلق باملسؤولية اجلنائية لألشخاص االعتباريني (والثاين) يتعلق باملسؤولية اجلنائية عن فعل الغري‪.‬‬
‫‪ ‬البند األول‪ :‬المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنويين أو اإلعتباريين‪:‬‬
‫تع‪--‬رف األش‪--‬خاص املعنوي‪--‬ة أو اإلعتباري‪--‬ة بأهنا جمموع‪--‬ة من األش‪--‬خاص واألم‪-‬وال ال‪--‬يت تتمت‪--‬ع بالشخص‪--‬ية القانوني‪--‬ة ويع‪--‬رتف هلا الق‪--‬انون‬
‫جبميع احلقوق املدنية "فلها ذمة مالية مستقلة وأهلية قانونية‪ ،‬وهلا حق التقاضي‪.‬‬
‫فالش‪-‬خص املعن‪-‬وي يس‪-‬أل م‪-‬دنيا يف ذل‪-‬ك املس‪-‬ؤولية العقدي‪-‬ة أو املس‪-‬ؤولية التقص‪-‬ريية‪ ،‬ولكن املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة لألش‪-‬خاص املعنوي‪-‬ة تبقى‬
‫حمل جدل‪.‬‬
‫والش‪--‬ك أن ممث‪--‬ل الش‪--‬خص املعن‪--‬وي يعت‪--‬رب مس‪--‬ؤوال مس‪--‬ؤولية جنائي‪--‬ة عن األفع‪--‬ال غ‪--‬ري املش‪--‬روعة ال‪--‬يت ت‪-‬رتكب باس‪--‬م الش‪--‬خص املعن‪--‬وي‪،‬‬
‫فممث‪-‬ل الش‪-‬خص املعن‪-‬وي يس‪-‬أل مس‪-‬ؤولية جنائي‪-‬ة إذا ق‪-‬ام بعملي‪-‬ات هتريب فق‪-‬د أو االجتار هبا‪ ،‬كم‪-‬ا ل‪-‬و ك‪-‬ان ق‪-‬د ق‪-‬ام هبذه العملي‪-‬ات حلس‪-‬ابه‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫ولكن الس‪-‬ؤال ال‪-‬ذي يث‪-‬ار ه‪-‬و معرف‪-‬ة م‪-‬ا إذا ك‪-‬ان الش‪-‬خص املعن‪-‬وي – باعتب‪-‬اره شخص‪-‬ا قانوني‪-‬ا متم‪-‬يزا عن ممثل‪-‬ه ميكن أن يس‪-‬أل عن ه‪-‬ذا‬
‫الفعل وتوقع عليه عقوبات أم ال؟‬
‫لقد انقسم الفقهاء يف هذا اخلصوص إىل فريقني‪:‬‬
‫الفري]]ق األول‪ :‬ينك‪--‬ر املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة لألش‪--‬خاص املعنوي‪--‬ة‪ ،‬وي‪--‬رى أن الش‪--‬خص املعن‪--‬وي ال ميكن أن يك‪--‬ون حمال للمس‪--‬اءلة اجلنائي‪--‬ة‪،‬‬
‫فه‪-‬ذا الش‪-‬خص اف‪-‬رتاض ق‪-‬انوين ع‪-‬دمي اإلرادة ال يس‪-‬تطيع أن يص‪-‬در من‪-‬ه نش‪-‬اط ذايت‪ ،‬ب‪-‬ل إن‪-‬ه يتص‪-‬رف بواس‪-‬طة من يق‪-‬وم بتمثي‪-‬ل قانوني‪-‬ا‪.‬وجيوز‬
‫أن يدعي عليه مدنيا يف شخص ممثله‪.‬‬
‫فالشخص املعنوي له األهلية القانونية بالنسبة للمسائل املدنية‪ ،‬ولكنه من ناحية القانون اجلنائي ليست له أهلية املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫وي‪--‬رى ه‪--‬ذا الفري‪--‬ق أن معظم العقوب‪--‬ات اجلنائي‪--‬ة نفس‪--‬ها ال ميكن تطبيقه‪--‬ا على الش‪--‬خص املعن‪--‬وي‪ ،‬فليس هلا األجس‪--‬ام ال‪--‬يت تس‪--‬جن‪ ،‬أو‬
‫الرؤوس اليت تشنق أو تقطع‪.‬‬
‫ويؤيد بعض الفقهاء يف بريطانيا‪ ،‬هذا الرأي‪ ،‬أما يف فرنسا فإن معظم الفقهاء يؤيدون هذا الرأي ومنهم بوزا وجارا وفيدال ومانويل‪.‬‬
‫الفري]ق الث]]اني‪ :‬وه‪--‬و من الفقه‪--‬اء احملدثني‪ ،‬وي‪--‬ذهب إىل الق‪--‬ول بإمك‪--‬اين قي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة للش‪--‬خص املعن‪--‬وي‪ ،‬وإىل رفض احلجج‬
‫اليت يقوم هبا الفريق األول‪.‬‬
‫فهم يقول‪--‬ون بأن‪-‬ه ليس ص‪-‬حيحا ب‪-‬أن الش‪-‬خص املعن‪-‬وي ال إرادة ل‪-‬ه‪ ،‬فطبق‪-‬ا للنظري‪-‬ات احلديث‪-‬ة ال‪-‬يت انتش‪--‬رت يف أمريك‪-‬ا وبريطاني‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إن‬
‫للش‪-‬خص املعن‪-‬وي وج‪-‬ودا حقيقي‪-‬ا‪ ،‬كم‪-‬ا تت‪-‬وافر ل‪-‬ه إرادة قانوني‪-‬ة‪ ،‬وإنك‪-‬ار ه‪-‬ذه اإلرادة ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه إنك‪-‬ار إمكاني‪-‬ة الش‪-‬خص املعن‪-‬وي يف التعاق‪-‬د‬
‫و االلتزام وإنكار مسؤوليته املدنية‪ ،‬وهي نتيجة تتناقض مع قواعد القانون اليت تعرتف للشخص املعنوي للشخص املعنوي‬
‫بالشخص‪-‬ية القانوني‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا ي‪-‬رتتب على ه‪-‬ذه النتيج‪-‬ة أيض‪-‬ا إه‪-‬دار مص‪-‬لحة اجملتم‪-‬ع ألن الش‪-‬خص املعن‪-‬وي كالش‪-‬ركة أو البن‪-‬ك أو البلدي‪-‬ة‪ ،‬أو‬
‫هيئة احملكمة أو جملس اجلامعة‪ ،‬دورا رئيسيا يف نشاطه العام واخلاص‪.‬‬
‫ويرى هذا الفريق أن إرادة الشخص املعنوي هي إرادة ممثله الذي يتصرف بامسه وحلسابه‪.‬‬
‫أم‪--‬ا زعم الفري‪--‬ق األول ب‪--‬أن اإلع‪-‬رتاف باملس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة لألش‪--‬خاص املعنوي‪--‬ة ي‪-‬رتتب علي‪--‬ه توقي‪-‬ع عقوب‪-‬ات ق‪-‬د يض‪-‬ار منه‪--‬ا األبري‪-‬اء ال‪--‬ذين‬
‫وقعت اجلرمية علي غ‪-‬ري علم منهم وال إرادة مما يعت‪-‬رب ص‪-‬حيحا إذا وقعت علي‪-‬ه فتع‪-‬دت آثاره‪-‬ا إىل أش‪-‬خاص املس‪-‬امهني يف الش‪-‬خص املعن‪-‬وي‬
‫الذين يربطون به فال يعترب ذلك إهدارا ملبدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫فه‪-‬ذه اآلث‪-‬ار ال تتول‪-‬د عن العقوب‪-‬ة نفس‪-‬ها‪ ،‬وإمنا تتول‪-‬د عن العالق‪-‬ات ال‪-‬يت ترتب‪-‬ط بني من وقعت علي‪-‬ه العقوب‪-‬ة أي ممث‪-‬ل الش‪-‬خص املعن‪-‬وي‬
‫إىل غري من وقعت عليه قد حيدث بالنسبة لألشخاص الطبيعيني‪.‬‬
‫فتوقيع عقوبة على اجلاين قد يضار منها من يعوهلم من أفراد أسرته‪ ،‬وليس يف ذلك إخالل مببدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫وق‪-‬د وض‪-‬ع املش‪-‬رع املغ‪-‬ريب ح‪-‬دا لك‪-‬ل خالف ح‪-‬ول مس‪-‬ؤولية الش‪-‬خص املعن‪-‬وي اجلنائي‪-‬ة عن‪-‬دما اع‪-‬رتف هبا وح‪-‬دد هلا العقوب‪-‬ات املقابل‪-‬ة هلا‬
‫عن ‪--‬دما ق ‪--‬رر يف املادة (‪ 127‬ق‪.‬ج) على أن ‪--‬ه‪" :‬ال ميكن أن حيكم على األش ‪--‬خاص املعنوي ‪--‬ة إال بالعقوب ‪--‬ات املالي ‪--‬ة والعقوب ‪--‬ات اإلض ‪--‬افية‬
‫الواردة يف األرقام ‪ 5‬و‪ 6‬و ‪ 7‬من الفصل ‪.36‬‬
‫وجيوز أيضا أن حيكم عليها بالتدابري الوقائية العينية الواردة يف الفصل ‪.62‬‬
‫وقد حدد الفصل ‪ 36‬هذه األرقام اآليت‪:‬‬
‫"‪ -5.....‬املصادرة اجلزئية لألشياء اململوكة للمحكوم عليه‪ ،‬بصرف النظر عن املصادرة املقررة كتدبري وقائي يف الفصل ‪.89‬‬
‫‪ -6‬حل الشخص املعنوي‪.‬‬
‫‪ -7‬نشر احلكم الصادر باإلدانة‪".‬‬
‫أما التدابري الوقائية املقررة مبوجب املادة (‪ 62‬ق‪.‬ج) فإهنا‪:‬‬
‫التدابري الوقائية العينية‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬مصادرة األشياء اليت هلا عالقة باجلرمية أو األشياء الضارة أو اخلطرية أو احملظور امتالكها‪.‬‬
‫‪ .2‬إغالق احملل أو املؤسسة اليت استغلت يف ارتكاب اجلرمية"‪.‬‬
‫واملالح‪-‬ظ أن املش‪-‬رع اجلن‪-‬ائي املغ‪-‬ريب ق‪-‬د ت‪-‬أثر هن‪-‬ا باإلجتاه الع‪-‬ام الس‪-‬ائد ح‪-‬ديثا وال‪-‬ذي يق‪-‬رر مس‪-‬اءلة األش‪-‬خاص املعنوي‪-‬ة جزئي‪-‬ا‪ ،‬وه‪-‬ذا م‪-‬ا‬
‫أك‪--‬ده م ‪-‬ؤمتر اجلمعي‪--‬ة الدولي‪--‬ة للق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ال‪--‬ذي عق‪--‬د ع‪--‬ام ‪ 1935‬يف خبارس‪--‬ت وأوص‪--‬ى املؤمترون بقب‪--‬ول مس‪--‬ؤولية الش‪--‬خص املعن‪--‬وي‬
‫نفسه‪ ،‬على أن يعاقب بالغرامة فقط‪ ،‬على أن يعاقب بالغرامة فقط‪ ،‬وعلى أن من حق اجملتمع اختاذ تدابري وقائية ضده‪ ،‬كاحلل والوقف‪.‬‬
‫والواق‪--‬ع أن أمهي‪--‬ة األش‪--‬خاص املعنوي‪--‬ة تتزاي‪--‬د وتتع‪--‬اظم ب‪--‬اطراد وفق‪--‬ا للتق‪--‬دم احلض‪--‬اري واإلقتص‪--‬ادي‪ ،‬مما يزي‪--‬د يف اتس‪--‬اع دائ‪--‬رة نش‪--‬اط تل‪--‬ك‬
‫األش‪--‬خاص ودخوهلا يف معظم جماالت احلي‪--‬اة على األخص اإلقتص‪--‬ادية منه‪--‬ا األم‪--‬ر ال‪--‬ذي أدى إىل احتالهلا ملكان‪--‬ة خط‪--‬رية على مق‪--‬درات‬
‫اجملتمع ومصاحله‪ ،‬مما أدى إىل تدخل املشرع بتجرمي بعض التصرفات التجارية غري املشروعة كتواجد املنافسة غري املشروعة‬
‫واإلفالس وتقليد العالمات الصناعية والتجارية‪ ،‬والغش يف املقاوالت‪ ،‬ويف استرياد املواد الغذائية‪ ،‬ويف الدعاية التجارية املضللة‪.‬‬
‫ويف نط‪--‬اق الق‪--‬انون اجلن‪--‬ائي ت‪-‬رتكب ه‪--‬ذه األش‪--‬خاص املعنوي‪--‬ة ج‪-‬رائم عادي‪--‬ة ك‪--‬التزوير واإلحتي‪--‬ال وإس‪--‬اءة اإلئتم‪--‬ان‪ ،‬وإص‪--‬دار ش‪--‬يكات ال‬
‫يقابلها رصيد‪.‬‬
‫وهلذا قرر املشرع تدابري املادة (‪ 62‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‬
‫األص ‪--‬ل يف املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة أهنا شخص ‪--‬ية أي ال تق ‪--‬وم إال بالنس ‪--‬بة ملن س ‪--‬اهم يف اجلرمية‪ .‬والعقوب ‪--‬ة بالت ‪--‬ايل ال تن ‪--‬ال إال من يس ‪--‬أل عن‬
‫اجلرمية‪ ،‬وه‪-‬ذان املب‪-‬دآن – مب‪-‬دأ شخص‪-‬ية املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة ومب‪-‬دأ شخص‪-‬ية العقوب‪-‬ة – مب‪-‬دآن جوهري‪-‬ان ويعت‪-‬ربان حج‪-‬ر األس‪-‬اس يف التنظيم‬
‫القانوين للمسؤولية اجلنائية وللعقوبة‪.‬‬
‫وذل ‪--‬ك على عكس املس ‪--‬ؤولية املدني ‪--‬ة‪ ،‬ألن الق ‪--‬انون املدين أق ‪--‬ر ع ‪--‬دة ص ‪--‬ور للمس ‪--‬ؤولية عن أفع ‪--‬ال الغ ‪--‬ري‪ ،‬فمثال املتب ‪--‬وع يس ‪--‬أل عن مجي ‪--‬ع‬
‫األض‪-‬رار ال‪-‬يت يتس‪-‬بب هبا الت‪-‬ابع للغ‪-‬ري‪ ،‬وح‪-‬ارس احلي‪-‬وان مس‪-‬ؤول عن األض‪-‬رار ال‪-‬يت يس‪-‬ببها احلي‪-‬وان‪ ،‬وح‪-‬ارس البن‪-‬اء ك‪-‬ذلك‪ ،‬وح‪-‬ارس األش‪-‬ياء‬
‫ال‪-‬يت تتطلب حراس‪-‬تها ب‪-‬ذل عناي‪-‬ة خاص‪-‬ة مس‪-‬ؤول عم‪-‬ا ق‪-‬د حتدث‪-‬ه ه‪-‬ذه األش‪-‬ياء من أض‪-‬رار للغ‪-‬ري‪ ،‬ك‪-‬ذلك من ل‪-‬ه الوالي‪-‬ة على القاص‪-‬ر مس‪-‬ؤول‬
‫عن أفعال هذا األخري‪ ،‬وذلك بافرتاض قيام قرينة اخلطأ قبل املسؤول‪.‬‬
‫أم‪-‬ا الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬فال يع‪-‬رف اخلط‪-‬أ املف‪-‬رتض من أي ن‪-‬وع ك‪-‬ان‪ ،‬ومن ي‪-‬دعي ص‪-‬دور اخلط‪-‬أ من اجلاين يل‪-‬زم بإثبات‪-‬ه‪ ،‬وإثب‪-‬ات ص‪-‬دور عن‪-‬ه‬
‫شخصيا وإقامة عالقة السببية بني هذا اخلطأ وبني النتيجة‪ ،‬وللقاضي مطلق احلرية يف تقدير الدليل ويف النهاية قبوله أو استبعاده‪.‬‬
‫فاألب ال يس‪-‬أل جنائي‪-‬ا عن خط‪-‬أ ابن‪-‬ه القاص‪-‬ر إال إذا ثبت ص‪-‬دور خط‪-‬أ شخص‪-‬ي من‪-‬ه ه‪-‬و أيض‪-‬ا‪ ،‬فمن س‪-‬لم ابن‪-‬ه القاص‪-‬ر مسدس‪-‬ا مع‪-‬دا‬
‫لالنطالق‪ ،‬ف‪--‬انطلقت رصاص‪--‬ة من‪--‬ه قتلت أو أص‪--‬ابت شخص‪--‬ا آخ‪--‬ر ف‪--‬إن األب يعت‪--‬رب مس‪--‬ؤوال عن القت‪--‬ل اخلط‪--‬أ ألن‪--‬ه ك‪--‬ان علي‪--‬ه أن يق‪--‬در أن‬
‫ول‪-‬ده القاص‪-‬ر جيب أال يعبث بس‪-‬الح ن‪-‬اري مع‪-‬د لالطالق‪ ،‬وه‪-‬ذه املس‪-‬ؤولية مل تقم ض‪-‬د األب إال لص‪-‬دور خط‪-‬أ من‪-‬ه ي‪-‬دخل ض‪-‬من القواع‪-‬د‬
‫العامة يف القانون اجلنائي‪ ،‬وميكن إثبات هذا اخلطأ يف نطاق قواعد اإلثبات اجلنائي دون غريها من قواعد اإلثبات‪.‬‬
‫إذن املس‪--‬ؤول ه‪--‬و ك‪--‬ل من ثبت ارتكاب‪--‬ه خط‪--‬أ م‪--‬ا‪ ،‬أو ك‪--‬ل من ينس‪--‬ب إلي‪--‬ه خط‪--‬أ يك‪--‬ون مس‪--‬ؤوال جنائي‪--‬ا أو على القاض‪--‬ي أن يتحق‪--‬ق من‬
‫وق‪-‬وع اخلط‪--‬أ ونس‪--‬بته إىل ك‪--‬ل من ميكن نس‪--‬بته إلي‪--‬ه‪ ،‬أي أن علي‪-‬ه أن يبحث فيم‪-‬ا وراء اخلط‪--‬أ الظ‪--‬اهر للفاع‪-‬ل املباش‪-‬ر عن اخلط‪-‬أ احلقيقي ملن‬
‫استخدم هذا الفاعل أو أشرف عليه‪ ،‬إذ لوال هذا اخلطأ ملا ارتكب الفاعل املباشر اجلرمية‪.‬‬
‫إذن جيب أن نفرق بني خطأ التنفيذ وخطأ اخلدمة‪ ،‬فكل خطأ يف التنفيذ يقع على كاهل املسؤول أو الرئيس ألن له اإلشراف‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عناصر الركن المعنوي‬
‫ال يكفي لقي ‪--‬ام املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة أن يص ‪--‬در عن اجلاين س ‪--‬لوك إج ‪-‬رامي‪ ،‬ب ‪--‬ل الب ‪--‬د من ت ‪-‬وافر ال ‪--‬ركن املعن ‪--‬وي ال ‪--‬ذي ميث ‪--‬ل روح املس ‪--‬ؤولية‬
‫اجلنائية‪ ،‬ألن هذا الركن ال يقوم إال إذا توافرت اإلرادة اإلجرامية (كما سبق أن رأينا) بشرطيها‪.‬‬
‫وقد اختذ الركن املعنوي يف اجلرمية صورة القصد اجلنائي فتكون اجلرمية عمدية يف حالة ما إذا تعمد اجلاين إحداث النتيجة املعاقب‬
‫عليها‪ ،‬وقد يتخذ صورة اخلطأ فتكون اجلرمية غري عمدية (وذلك يف حالة ما إذا انصرفت إرادة اجلاين إىل النشاط اإلجرامي دون‬
‫النتيجة)‪.‬‬
‫واألصل يف اجلرائم عموما أهنا عمدية باعتبار أن القصد اجلنائي هو الذي يكشف على حنو واضح معىن عصيان القانون واخلروج‬
‫على أحكامه‪.‬‬
‫وعلى ذلك ستتناول دراستنا الرابطة النفسية بني الفاعل والواقعة اإلجرامية يف مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬القصد الجنائي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ غير العمدي‬
‫المطلب األول‪ :‬القصد الجنائي – ‪L’intention Criminelle‬‬
‫إن دراسة القصد اجلنائي باعتباره الصورة األوىل واألساسية للرابطة النفسية اليت يتطلبها القصد اجلرمي للجرمية تقتضي أن نتناول‬
‫ماهيته بأن نعرفه ( البند األول) ويوضح عناصره مث نتناول صوره اليت يعرض فيها( البند الثاين)‪.‬‬
‫‪‬البند األول ‪ :‬ماهية القصد الجنائي‬
‫أوال تعريفه‬
‫مل يضع التشريع اجلنائي املغريب – شأنه يف ذلك شأن أغلب التشريعات اجلنائية‪ -‬تعريفا للقصد اجلنائي‪ ،‬غري أن الفقهاء باملقابل‬
‫حاولوا تعريفه‪ ،‬مما تعددت معه التعريفات اليت وضعت له‪ .‬ونذكر أمهها‪:‬‬
‫عرف‪--‬ه بعض‪--‬هم ‪ " :‬إرادة اخلروج على الق‪--‬انون بعم‪--‬ل أو امتن‪--‬اع" أو "ه‪--‬و إرادة اإلض ‪-‬رار مبص‪--‬لحة حيميه‪--‬ا الق‪--‬انون ال‪--‬ذي يف‪--‬رتض العلم ب‪--‬ه‬
‫عند الفاعل"‪.‬‬
‫وعرف‪-‬ه آخ‪-‬رون ‪" :‬إرادة ارتك‪-‬اب اجلرمية كم‪-‬ا ح‪-‬ددها الق‪-‬انون"‪" ،‬وه‪-‬و علم اجلاين أيض‪-‬ا مبخالف‪-‬ة ن‪-‬واهي الق‪-‬انون ال‪-‬يت يف‪-‬رتض دائم‪-‬ا العلم‬
‫هبا"‬
‫ونورد تعريفا آخر بأنه ‪" :‬توجيه الفعل أو اإلمتناع إىل إحداث النتيجة الضارة اليت تتكون منها اجلرمية"‪.‬‬
‫ويع‪--‬رف القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي ك‪--‬ذلك بأن‪--‬ه "علم اجلاين أن‪--‬ه يق‪--‬وم خمت‪--‬ارا بارتك‪--‬اب الفع‪--‬ل املوص‪--‬وف جرمية يف الق‪--‬انون وعلم‪--‬ه أن‪--‬ه ب‪--‬ذلك خيالف‬
‫أوامره ونواهيه"‪.‬‬
‫ويف مقاب‪--‬ل تعريف‪--‬ات الفق‪--‬ه هلذا القص‪--‬د‪ ،‬ف‪--‬إن تعريف‪--‬ه تش ‪-‬ريعيا يقتض‪--‬ي الرج‪--‬وع إىل النص اجلن‪--‬ائي ال‪--‬ذي يع‪--‬رب املش‪--‬رع اجلن‪--‬ائي من خالل‪--‬ه‬
‫صراحة عن تطلبه للركن املعنوي‪ ،‬وذلك باستخدام تعبريات معينة‪.‬‬
‫من ذل‪-‬ك أن يتطلب املش‪-‬رع العم‪-‬د ص‪-‬راحة يف اجلرمية‪ ،‬ومن ذل‪-‬ك جرمية القت‪-‬ل وف‪-‬ق م‪-‬ا حددت‪-‬ه املادة (‪ 392‬ق‪.‬ج) ‪":‬ك‪-‬ل من تس‪-‬بب‬
‫عم‪-‬دا يف قت‪-‬ل غ‪-‬ريه يع‪-‬د ق‪-‬اتال‪ ،‬ويع‪-‬اقب بالس‪-‬جن املؤب‪-‬د‪ ".......‬وم‪-‬ا قررت‪-‬ه املادة (‪ 479‬ق‪.‬ج يف فقرهتا الثاني‪-‬ة ح‪-‬ول جرمية إمهال األس‪-‬رة‪:‬‬
‫"‪ -2‬ال‪--‬زوج ال‪--‬ذي ي‪--‬رتك عم‪--‬دا‪،‬ألك‪--‬ثر من ش‪--‬هرين ودون م‪--‬وجب ق‪--‬اهر‪ ،‬زوجت‪--‬ه وه‪--‬و يعلم أهنا حام‪--‬ل" يع‪--‬اقب ب‪--‬احلبس من ش‪--‬هر واح‪--‬د إىل‬
‫سنة وغرامة من مائتني إىل مخسمائة درهم‪ ،‬أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط‪.‬‬
‫ويف حال‪--‬ة ت‪--‬وفر س‪--‬بق اإلص‪-‬رار والرتص‪--‬د أو اس‪--‬تعمال الس‪--‬الح تك‪--‬ون العقوب‪--‬ة احلبس من س‪--‬تة أش‪--‬هر إىل س‪--‬نتني والغرام‪--‬ة من م‪--‬ائتني إىل‬
‫ألف درهم‪.‬‬
‫وإزاء س‪--‬كوت غالبي‪--‬ة التش ‪-‬ريعات اجلنائي‪--‬ة عن وض‪--‬ع تعري‪--‬ف ص ‪-‬ريح هلذا القص‪--‬د واختالف تعريف‪--‬ات الفق‪--‬ه ل‪--‬ه‪ ،‬تبقى ل‪--‬ه أس‪--‬بابه‪ ،‬ال‪--‬يت‬
‫ميكن تلخيص‪--‬ها يف وج‪--‬ود نظري‪--‬تني يف حتدي‪--‬د ماهي‪--‬ة القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي وحتدي‪--‬د العناص‪--‬ر ال‪--‬يت يق‪--‬وم عليه‪--‬ا‪ ،‬مها نظري‪--‬ة اإلرادة‪ ،‬وس‪--‬وف نتناوهلا‬
‫بإجياز‪.‬‬
‫أ‪ -‬نظرية العلم بعناصر الفعل اإلجرامي‪:‬‬
‫تق‪-‬وم ه‪-‬ذه النظري‪-‬ة على أن القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي يتحق‪-‬ق ب‪-‬إرادة الس‪-‬لوك اإلج‪-‬رامي‪ ،‬أم‪-‬ا النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة املرتتب‪-‬ة على ه‪-‬ذا الس‪-‬لوك فيكفي أن‬
‫يك‪-‬ون اجلاين عاملا هبا‪ ،‬م‪-‬ع ت‪-‬وافر علم‪-‬ه جبمي‪-‬ع الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت ت‪-‬دخل يف تك‪-‬وين ال‪-‬ركن املادي للجرمية‪ ،‬فاجلاين ال‪-‬ذي ي‪-‬رتكب الفع‪-‬ل وه‪-‬و ع‪-‬امل‬
‫بالنتيجة اإلجرامية اليت سترتتب عليه يكون قد قصد هذه النتيجة‪ ،‬دون حاجة العتبار إرادة النتيجة من عناصر القصد اجلنائي‪.‬‬
‫وي ‪--‬رى أنص ‪--‬ار نظري ‪--‬ة العلم أن اإلرادة هي الس ‪--‬بب املنش ‪--‬ئ للفع ‪--‬ل‪ ،‬وهي هبذا املع ‪--‬ىن تف ‪--‬رتض ق ‪--‬درة ص ‪--‬احبها على إح ‪--‬داث الفع ‪--‬ل من‬
‫عدمه‪.‬‬
‫ويقتص ‪--‬ر دور اإلرادة على الت ‪--‬أثري على أعض ‪--‬اء اجلس ‪--‬م ودفعه ‪--‬ا إىل إتي ‪--‬ان احلرك ‪--‬ات العض ‪--‬لية ال ‪--‬يت يتطلبه ‪--‬ا الس ‪--‬لوك اإلج‪- -‬رامي‪ ،‬فه ‪--‬ذه‬
‫احلرك‪-‬ات العض‪-‬لية هي وح‪-‬دها ال‪-‬يت يص‪-‬ح وص‪-‬فها بأهنا إرادي‪-‬ة أو غ‪-‬ري إرادي‪-‬ة‪ ،‬ل‪-‬ذلك من املنطقي الق‪-‬ول ب‪-‬أن القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ه‪-‬و اجتاه اإلرادة‬
‫إىل إحداث الفعل اإلجرامي‪.‬‬
‫أم‪--‬ا النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة املرتتب‪--‬ة على الس‪--‬لوك فال خيض‪--‬ع إلرادة اإلنس‪--‬ان‪ ،‬ألن ح‪--‬دوثها يك‪--‬ون مثرة لق‪-‬وانني طبيعي‪--‬ة حتمي‪--‬ة‪ ،‬مما يس‪--‬تحيل‬
‫معه عقال تصور أن تكون إلرادة اجلاين سيطرة على هذه القوانني اليت تعمل على إحداث النتيجة‪.‬‬
‫لذلك ي‪-‬رى أنص‪-‬ار ه‪-‬ذه النظري‪-‬ة أن‪-‬ه يكفي لقي‪-‬ام القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي أن تتج‪-‬ه إرادة اجلاين إىل ارتك‪-‬اب الس‪-‬لوك اإلج‪-‬رامي م‪-‬ع توق‪-‬ع النتيج‪-‬ة‬
‫اإلجرامية املرتتبة عليه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية اإلرادة (إرادة تحقيق الفعل اإلجرامي)‬
‫يرى أنص‪-‬ار نظري‪-‬ة اإلرادة أن ت‪-‬وافر القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ال يقتص‪-‬ر على إرادة الفع‪-‬ل‪ ،‬وتوق‪-‬ع النتيج‪-‬ة أو العلم هبا‪ ،‬ب‪-‬ل يس‪-‬تلزم اجتاه إرادة اجلاين‬
‫حنو حتقيق النتيجة اإلجرامية‪ ،‬أي يصدر عن اجلاين نشاط نفسي معني يهدف إىل إحداث هذه النتيجة‪.‬‬
‫ذل‪--‬ك أن دور اإلرادة ال يق‪--‬ف عن‪--‬د حتري‪--‬ك الس‪--‬لوك اإلج ‪-‬رامي ب‪--‬ل يتج‪--‬ه حنو حتقي‪--‬ق النتيج‪--‬ة‪ ،‬والق‪--‬ول بغ‪--‬ري ذل‪--‬ك يع‪--‬ين جتري‪--‬د اإلرادة من‬
‫طبيعتها النفسية وصفتها الواعية املدركة‪ ،‬فالقصد اجلنائي يتوافر إذن وفق هذه النظرية بإرادة الفعل وإرادة النتيجة‪.‬‬
‫ومف‪--‬اد م‪--‬ا تق‪--‬دم أن كال من النظري‪--‬تني يتطلب العلم بالوق‪--‬ائع املكون‪--‬ة للجرمية‪ ،‬وإن ك‪--‬ان أنص‪--‬ار نظري‪--‬ة العلم ينظ‪--‬رون إىل العلم كعنص‪--‬ر‬
‫مس ‪--‬تقل بذات ‪--‬ه يق ‪--‬ف جبانب إرادة الفع ‪--‬ل‪ ،‬بينم ‪--‬ا ينظ ‪--‬ر أنص ‪--‬ار نظري ‪--‬ة اإلرادة إىل العلم باعتب ‪--‬اره ص ‪--‬فة الزم ‪--‬ة يف اإلرادة ال يعت ‪--‬د هبا‪ ،‬إال إذا‬
‫ك‪-‬انت واعي‪-‬ة مدرك‪-‬ة‪ ،‬فهم ي‪-‬رون أن العلم عنص‪-‬ر الزم يف القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ولكن‪-‬ه غ‪-‬ري ك‪-‬ايف‪ ،‬كم‪-‬ا تنف‪-‬ق النظريت‪-‬ان يف تطلب اجتاه اإلرادة إىل‬
‫الفع‪--‬ل اإلج‪-‬رامي‪ ،‬ولكنهم‪--‬ا خيتلف‪--‬ان يف ش‪--‬أن اجتاه اإلرادة حنو حتقي‪--‬ق النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة‪ ،‬فنظري‪--‬ة اإلرادة من عناص‪--‬ر القص‪--‬د اجلن‪--‬ائي‪ ،‬بينم‪--‬ا‬
‫نظرية العلم ترى أنه يكفي أن يكون اجلاين قد علم هبا دون حاجة العتبارها من عناصر القصد‪.‬‬
‫وعلى أس‪-‬اس نظري‪-‬ة اإلرادة يف القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ميكن تعري‪-‬ف القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي بأن‪-‬ه‪" :‬اجتاه إرادة اجلاين حنو ارتك‪-‬اب اجلرمية م‪-‬ع العلم بأركاهنا‬
‫وعناصرها كما يتطلبها القانون"‪.‬‬
‫ثانيــا‪ :‬عناصر القصد الجنائــي‬
‫يتضح من هذا التعريف أن القصد اجلنائي يقوم على عنصرين اثنني مها‪:‬‬
‫أ‪-‬اجتاه إرادة اجلاين حنو ارتكاب اجلرمية‬
‫ب‪-‬العمل بأركان اجلرمية كما عرفها القانون‬
‫أ‪-‬اتجاه اإلرادة إلى ارتكاب الجريمة‬
‫اإلرادة عنص‪-‬ر الزم يف مجي‪-‬ع ص‪-‬ور ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي‪ ،‬س‪-‬واء اختذ ص‪-‬ورة العم‪-‬د أو اخلط‪-‬أ غ‪-‬ري العم‪-‬دي‪ ،‬ذا ك‪-‬ان األس‪-‬اس يف التمي‪-‬يز بني العم‪-‬د‬
‫واخلطأ هو ما هتدف إليه اإلرادة‪.‬‬
‫ففي العم‪--‬د تنص‪--‬ب اإلرادة على الس‪--‬لوك اإلج ‪-‬رامي والنتيج‪--‬ة املع‪--‬اقب عليه‪--‬ا‪ ،‬بينم‪--‬ا يف حال‪--‬ة اخلط‪--‬أ غ‪--‬ري العم‪--‬دي تنص‪--‬رف إىل النش‪--‬اط‬
‫دون النتيجة‪.‬‬
‫فإذا ص‪--‬وب ش‪--‬خص س‪--‬الحه جتاه ش‪--‬خص آخ‪--‬ر وأطل‪--‬ق علي‪--‬ه عي‪--‬ارا ناري‪--‬ا ف‪--‬أرداه ق‪--‬تيال‪،‬يس‪--‬أل عن جرمية القت‪--‬ل العم‪--‬د‪ ،‬ذل‪--‬ك ألن‪--‬ه أراد‬
‫النش‪-‬اط (وه‪-‬و األس‪-‬اس جبس‪-‬م إنس‪-‬ان)‪ ،‬وأراد النتيج‪-‬ة املباش‪-‬رة ( وهي إزه‪-‬اق روح اجملين علي‪-‬ه)‪ ،‬أم‪-‬ا إذا ص‪-‬وب ليطل‪-‬ق ع‪-‬دة أع‪-‬رية ناري‪-‬ة لفض‬
‫مش‪-‬اجرة فأص‪-‬اب أح‪-‬دها شخص‪-‬ا يف ش‪-‬رفة منزل‪-‬ه مما أدى إىل وفات‪-‬ه‪ ،‬فيس‪-‬أل عن قت‪-‬ل خط‪-‬أ ذل‪-‬ك ألن‪-‬ه وإن ك‪-‬ان أراد النش‪-‬اط (إطالق أع‪-‬رية‬
‫نارية) إال أنه مل يرد النتيجة ( وهي إزهاق روح اجملين عليه)‪.‬‬
‫ففي ه‪--‬ذين املث‪--‬الني ينبغي ت ‪-‬وافر اإلرادة‪ ،‬ولكنه‪--‬ا تنص‪--‬رف يف القت‪--‬ل العم‪--‬د إىل ارتك‪--‬اب الس‪--‬لوك اإلج ‪-‬رامي ونتيجت‪--‬ه املباش‪--‬رة (وهي إزه‪--‬اق‬
‫الروح)‪ ،‬يف حني تنصرف يف القتل اخلطأ إىل ارتكاب الفعل اخلاطئ دون نتيجته املباشر‪.‬‬
‫ب‪ -‬العلم بعناصر الجريمة من حيث الواقع والقانون‬
‫يتعني لتوافر القصد اجلنائي (العمد) أن يعلم اجلاين بعناصر اجلرمية من حيث الواقع ومن حيث القانون‪.‬‬
‫‪ .I‬العلم بالوقائ ـع‪:‬‬
‫يل‪-‬زم أن حتي‪-‬ط على اجلاين بك‪-‬ل الوق‪-‬ائع ال‪-‬يت ي‪-‬رتتب على توافره‪-‬ا قي‪-‬ام اجلرمية‪ ،‬ف‪-‬إذا ك‪-‬ان ج‪-‬اهال بالوق‪-‬ائع املادي‪-‬ة للجرمية أو وق‪-‬ع يف غل‪-‬ط يف‬
‫عنصر من عناصرها الواقعية واجلوهرية‪ ،‬فإن ذلك مينع من توافر القصد اجلنائي لديه‪ ،‬وبالتايل ال يسأل على فعله‪.‬‬
‫أم‪--‬ا إذا ك‪--‬ان اجله‪--‬ل أو الغل‪--‬ط يتعل‪--‬ق بوق‪--‬ائع ثانوي‪--‬ة ال ي‪-‬رتتب عليه‪--‬ا قي‪--‬ام اجلرمية وال ي‪--‬ؤثر يف وص‪--‬فها الق‪--‬انوين‪ ،‬فال ي‪-‬رتتب علي‪--‬ه أث‪--‬ر بالنس‪--‬بة‬
‫للقصد اجلنائي أو املسؤولية اجلنائية‪.‬‬
‫فما هي الوقائع اليت يلزم إحاطة علم اجلاين هبا؟‬
‫‪-1‬أركان الجريمة‪:‬‬
‫لكل جرمية أركاهنا اخلاصة اليت يتعني أن حياط علم اجلاين هبا مجيعا‪ ،‬فليزم أن ينصرف علم اجلاين إىل العناصر اليت يتألف منها الركن‬
‫املادي للجرمية بأن حييط علما بالواقعة املكونة لنشاطه اإلجرامي‪ ،‬وأن يتوقع كيفية حدوث النتيجة اإلجرامية‪ ،‬اليت يرتتب كأثر مباشرة‬
‫لفعله‪.‬‬
‫‪ -1-1‬العلم بالواقعة المكونة لنشاطه اإلجرامي‬
‫يلزم أن حييط على اجلاين بأن فعله إمنا يكون عدوانا على احلق الذي حيميه القانون‪ ،‬ففي جرمية القتل يلزم أن يعلم اجلاين أنه يوجه فعله‬
‫ضد إنسان حي بغية إزهاق روحه‪ ،‬فإذا انتفى لديه هذا العلم انتفى القصد اجلنائي‪.‬‬
‫ففي هذه احلالة وأمثاهلا ينتفي القصد اجلنائي لتخلف العلم مبحل اجلرمية " اإلنسان احلي" فال يسأل مرتكب الفعل عن قتل عمد‪ ،‬وإمنا‬
‫قد قتل خطأ إذا توافرت شروطه‪.‬‬
‫وباملثل من يستويل على حقيبة غريه يف املطار معتقدا أهنا حقيبته ال يعد سارقا النتفاء القصد اجلنائي لديه وهكذا‪.‬‬
‫‪ –1-2‬العلم بالنتيجة‪:‬‬
‫جيب أن حياط علم اجلاين بأن النتيجة اإلجرامية – يف اجلرائم ذات النتائج – سوف ترتتب كأثر مباشر لفعله‪ ،‬فيتعني أن يتوقع – حني‬
‫يباشر نشاطه – النتيجة اإلجرامية بعناصرها‪ ،‬اليت حيددها القانون‪.‬‬
‫ففي جرمية القتل يلزم أن يتوقع اجلاين حدوث النتيجة اإلجرامية كأثر لفعله‪ ،‬أي أن يتوقع وفاة اجملين عليه من جراء فعل اإلعتداء‬
‫اإلرادي الذي أنزله به‪ ،‬فإذا مل اجلاين قد توقع حدوث النتيجة بناءا على سلوكه اإلجرامي‪ ،‬فإن القصد اجلنائي ال يقوم لديه‪.‬‬
‫ويف جرمية السرقة يلزم أن يتوقع أن إخراج الشيء من حيازة اجملين عليه هو األثر املرتتب على النشاط الذي يقوم به‪.‬‬
‫‪-1-3‬توقع عالقة سببية‪:‬‬
‫يقصد بتوقع عالقة السببية توقع كيفية حدوث النتيجة اإلجرامية كأثر للفعل‪ ،‬فهل يعين ذلك أنه يلزم توقع الرابطة اليت تصل ما بني‬
‫الفعل والنتيجة وجتعل هذه األخرية أثرا لألول؟‬
‫الواقع أن األمران ال ينفصالن‪ :‬ذلك أن الفاعل حني يتوقع النتيجة اإلجرامية فهو يتوقع يف الوقت نفسه كيفية حدوثها‪.‬‬
‫‪ –2‬العلم بالظروف المشددة التي تغير وصف الجريمة‪:‬‬
‫ذكرنا فيما سبق أن ظروف اجلرمية ليست ركنا يف اجلرمية‪ ،‬فال يشرتط لتوافر القصد اجلنائي أن يعلم هبا اجلاين‪ ،‬ولكن هناك ظروفا‬
‫مشددة أخرى تقلب اجلرمية من اجلنحة إىل جناية‪ ،‬فتعد بالتايل ركنا يف اجلرمية ليست ظرفا مشددا‪.‬‬
‫وتأخذ هذه الظروف حكم أركان اجلرمية فيلزم مبحاسبة اجلاين عنها أن يكون عاملا هبا‪ ،‬وتربير ذلك أن الظرف املشدد الذي يغري من‬
‫وصف اجلرمية إمنا ينشأ يف حقيقة األمر جرمية جديدة تتميز بعناصرها عن اجلرمية يف حالتها األوىل‪.‬‬
‫فحمل السالح أثناء السرقة مشدد يقلب وصف السرقة من جنحة إىل جناية‪ ،‬لذا جيب أن ينصرف علم اجلاين إىل هذا الظرف حىت‬
‫تتوافر حكمة التشديد‪ ،‬فمن يرتدي معطفا وضع فيه شخص دون علمه سالحا‪ ،‬مث ارتكب وهو يرتدي هذا املعطف سرقة معتقدا أنه‬
‫ال حيمل سالحا ال يسأل إال عن سرقة بسيطة‪.‬‬
‫‪- 3‬الشرط المفترض‪:‬‬
‫إذا نص القانون على شرط مفرتض للجرمية يلزم أن حييط علم اجلاين به‪ ،‬فإن كان جيهل وجوده انتفى القصد لديه‪.‬‬
‫وعلى ذلك فال يتوافر القصد يف جرمية القتل العمد إذا كان اجلاين جيهل بأن فعله إمنا ينصب على إنسان حي وال يتوافر يف جرمية‬
‫السرقة إذ كان جيهل بأن فعله ينصب على مال مملوك لغري اجلاين‪ ،‬وال تقوم جرمية اإلجهاض بالنسبة للمرأة اليت جتهض نفسها إال إذا‬
‫كانت عاملة بقيام احلمل‪ ،‬كما ال تقوم جرمية إعطاء شيك بدون رصيد إذا كان املعطي جيهل عدم وجود رصيد كايف له وال تقوم جرمية‬
‫الرشوة إذا كان اجلاين جيهل صنعته كموظف عام‪.‬‬
‫‪ .II‬العلم بالقان ـون‪:‬‬
‫من األصول املقررة يف التشريع أن العلم بالقانون اجلنائي و القوانني العقابية املكملة له مفرتض يف حق كل إنسان فرضا ال يقبل إثبات‬
‫العكس‪ ،‬فال يقبل من أحد اإلعتذار جبهله للقانون أو الغلط فيه‪.‬‬
‫وهذه القاعدة مسلم هبا يف مجيع التشريعات‪ ،‬فبعضها قد نص عليه بصراحة‪ ،‬يف حني أن البعض اآلخر قد اعتربها من املسلمات اليت ال‬
‫حتتاج إىل نص‪ ،‬وقد نصت على هذه القاعدة صراحة املادة ‪ 2‬ق‪.‬ج بقوهلا أنه " ال يسوغ ألحد أن يعتذر جبهل التشريع اجلنائي"‪.‬‬
‫وقد درج جانب من الفقه على اعتبار النص القانوين ركنا شرعيا ثالثا يف اجلرمية (جبانب الركنني املادي واملعنوي)‪ ،‬ويلزم إحاطة علم‬
‫اجلاين به غري أن مسايرة هذا الرأي يؤدي إىل القول بأن علم اإلجرام البد أن ينصرف إىل هذا العنصر أيضا ( أي النص القانوين يف‬
‫اجملرم)‪ ،‬حبيث يقدم اجملرم على اجلرمية‪ ،‬هو عامل أن القانون يعتربها كذلك‪.‬‬
‫واشرتاط هذا العلم يتعارض مع القاعدة األصولية يف القانون اجلنائي‪ ،‬وهي قاعدة افرتاض العلم بالقانون‪ ،‬وأن اجلهل به ليس بعذر‪.‬‬
‫لذا فإن النص القانوين اجملرم للفعل ال يدخل يف بنيان اجلرمية وال يعد من أركاهنا ألنه مصدرها وخالقها من الناحية التشريعية‪ ،‬مما يستلزم‬
‫ضرورة علم اجلاين به‪.‬‬
‫ورغم أن اف‪- -‬رتاض العلم بالق ‪--‬انون خيالف الواق ‪--‬ع يف كث ‪--‬ري من األحي ‪--‬ان‪ ،‬حيث ال يعق ‪--‬ل أن حيي ‪--‬ط ك ‪--‬ل ش ‪--‬خص بك ‪--‬ل الق‪- -‬وانني أو أن‬
‫يفهمه‪--‬ا على الوج‪--‬ه الص‪--‬حيح‪ ،‬إال أن ه‪--‬ذا اإلف ‪-‬رتاض متلي‪--‬ه م‪--‬ع ذل‪--‬ك اعتب‪--‬ارات املص‪--‬لحة العام‪--‬ة ال‪--‬يت تتطلب أن يوض‪--‬ع على ق‪--‬دم املس‪--‬اواة‬
‫العلم الفعلي بالق‪-‬انون والعلم املف‪-‬رتض ب‪-‬ه‪ ،‬وذل‪-‬ك ح‪-‬ىت ال يس‪-‬هل اإلحتج‪-‬اج باجله‪-‬ل بالق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي أو الغل‪-‬ط يف فهم نصوص‪-‬ه‪ ،‬مما ي‪-‬رتتب‬
‫عليه تعطيل أحكامه ويفوت األغراض األساسية اليت هتدف إليها الدولة من وراء مباشرة حقها يف العقاب‪.‬‬
‫ومما جيدر التنوي‪--‬ه ب‪--‬ه يف ه‪--‬ذا املق‪--‬ام أن جانب‪--‬ا من الفق‪--‬ه‪ ،‬ي‪--‬رى أن التفس‪--‬ري الص‪--‬حيح لقاع‪--‬دة ع‪--‬دم ج‪-‬واز اإلعت‪--‬ذار باجله‪--‬ل أو الغل‪--‬ط يف‬
‫الق‪-‬انوين ميكن يف نط‪-‬اق النظري‪-‬ة القاعدي‪-‬ة أو املعياري‪-‬ة لإلمث اجلن‪-‬ائي ال‪-‬يت تص‪-‬ور اإلمث على أن‪-‬ه حكم ب‪-‬اللوم يوج‪-‬ه إىل اجلاين بس‪-‬بب مس‪-‬لكه‬
‫اإلرادي املخالف للواجب الذي تفرتضه القاعدة القانونية اجلنائي اليت يتضمنها نص التجرمي‪.‬‬
‫فإخالل الفاع ‪--‬ل مبا يوجه ‪--‬ه علي ‪--‬ه الق ‪--‬انون من العم ‪--‬ل على معرف ‪--‬ة أحكام ‪--‬ه ومراعاهتا يكفي للوم ‪--‬ه ومؤاخذت ‪--‬ه‪ ،‬ومن مث يت ‪-‬وافر اإلمث يف‬
‫جانبه دون تفرقة يف هذه احلالة بني اجلرمية العمدية أو غري العمدية‪ ،‬طاملا أن العلم بالقانون ال يدخل يف بناء فكرة القصد اجلنائي‪.‬‬
‫وإذا ك‪-‬انت القاع‪-‬دة هي أن الغل‪-‬ط يف الق‪-‬انون ال يص‪-‬لح ع‪-‬ذرا إال أن ه‪-‬ذه القاع‪-‬دة ليس‪-‬ت مطلق‪-‬ة‪ ،‬وإمنا يتعني أن ي‪-‬رد عليه‪-‬ا ق‪-‬د خيف‪-‬ف‬
‫من ح‪--‬دهتا ويتمث‪--‬ل يف حال‪--‬ة غل‪--‬ط الفاع‪--‬ل غلط‪--‬ا حتم‪--‬ا ال ميكن جتنب‪--‬ه بب‪--‬ذل العناي‪--‬ة واحلذر ال‪--‬ذي يب‪--‬ذهلما الش‪--‬خص الع‪--‬ادي احلريص على‬
‫مراعاة أحكام القانون مىت وجد يف نفس ظروف الفاعل‪.‬‬
‫ويف س ‪--‬بيل ت ‪--‬دعيم ه ‪--‬ذا اإلجتاه الفقهي ذهب اجتاه ح ‪--‬ديث يف القض ‪--‬اء إىل اإلع ‪-‬رتاف بالغل ‪--‬ط يف الق ‪--‬انون كم ‪--‬انع للمس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة‬
‫حيث يك‪--‬ون غل‪--‬ط املتهم يف الق‪--‬انون حتمي‪--‬ا‪ ،‬أي من املتع‪--‬ذر علي‪--‬ه تفادي‪--‬ه رغم قيام‪--‬ه ب‪--‬البحث والتح‪--‬ري أو بذل‪--‬ه لق‪--‬در من اإلنتب‪--‬اه ال‪--‬ذي‬
‫يقوم به أو يبذله الشخص العادي يف نفس الظروف‪.‬‬
‫ولع‪-‬ل مما يؤك‪-‬د ه‪-‬ذا اإلجتاه أن بعض التش‪-‬ريعات اجلنائي‪-‬ة ق‪-‬د أقرت‪-‬ه بنص ص‪-‬ريح فخ‪-‬ولت القاض‪-‬ي س‪-‬لطة احلكم ب‪-‬الرباءة حيث يق‪-‬در أن‬
‫املتهم كان معذورا يف جهله أو غلطه يف القانون ( املادة ‪ 20‬من القانون اجلنائي السويسري)‪.‬‬
‫وإذا م‪-‬ا استعرض‪-‬نا أحك‪-‬ام الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي السويس‪-‬ري هن‪-‬ا جند أن املش‪-‬رع يعام‪-‬ل " الغل‪-‬ط يف الواق‪-‬ع" (املاد ة‪)19‬و"الغل]ط يف الق‪-‬انون"‬
‫(م ‪ )20‬معامل‪-‬ة واح‪-‬دة فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق بتق‪-‬دير ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن الش‪-‬خص ال‪-‬ذي وق‪-‬ع يف غل‪-‬ط ويف الظ‪-‬روف الشخص‪-‬ية أو املادي‪-‬ة ال‪-‬يت‬
‫تشكل العنصر املوضعي للجرمية جيد نفسه حتت تأثري غلط يف تقدير الوقائع يف معىن املادة (‪ 20‬جنائي)‪.‬‬
‫وه‪-‬ذا وق‪-‬د ذهب املش‪-‬رع الفرنس‪-‬ي يف املادة ‪ 122‬فق‪-‬رة ‪ 3‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي الفرنس‪-‬ي إىل قب‪-‬ول الع‪-‬ذر يف حال‪-‬ة اخلط‪-‬أ ال‪-‬ذي ال ميكن‬
‫جتنب‪--‬ه حيث تنص على أن‪--‬ه "ال يس‪--‬أل جنائي‪--‬ا من ثبت أن‪--‬ه ق‪--‬د اعتق‪--‬د ب‪--‬أن يف اس‪--‬تطاعته قانون‪-‬ا أن يق‪-‬وم بالعم‪-‬ل‪ ،‬وذل‪--‬ك بن‪-‬اء على خط‪--‬أ يف‬
‫القانون مل يكن يف اإلمكان جتنبه‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬صور القصد الجنائي‬
‫رأينا القصد اجلنائي (العمد) هو انصراف إرادة اجلاين إىل ارتكاب اجلرمية مع العلم بتوافر عناصر القانونية‪.‬‬
‫وقد يتخذ القصد اجلنائي صورا متعددة‪ :‬فقد يكون عاما أو خاصا (أوال)‪ ،‬وقد يكون حمددا أو غري حمدد (ثانيا)‪ ،‬وقد يكون مباشرا‬
‫أو احتماليا (ثالثا)‪ ،‬وقد يكون بسيطا أم مع سبق اإلصرار (رابعا)‪ ،‬ونبني فيما يلي صور القصد اجلنائي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القصد العام والقصد الخاص‪.‬‬
‫القصد العام هو توجيه اإلرادة حنو ارتكاب جرمية مع العلم بعناصرها القانونية‪ ،‬فهو يقوم على عنصري اإلرادة والعلم (كما رأينا)‪.‬‬
‫ويس‪-‬تلزم الق‪-‬انون وج‪-‬وده يف مجي‪-‬ع اجلرائم العمدي‪-‬ة‪ ،‬وق‪-‬د يكتفي ب‪-‬ه يف أغلب اجلرائم مث‪-‬ل اجلروح والض‪-‬رب وهت‪-‬ك الع‪-‬رض وإعط‪-‬اء ش‪-‬يك‬
‫بدون رصيد‪.‬‬
‫أم‪-‬ا القص‪-‬د اخلاص فه‪-‬و يتطلب باإلض‪-‬افة إىل ت‪-‬وافر عنص‪-‬ري القص‪-‬د الع‪-‬امل من علم وإرادة ت‪-‬وافر الغاي‪-‬ة أو الب‪-‬اعث املنص‪-‬وص عليه‪-‬ا يف‬
‫القانون اجلنائي‪.‬‬
‫ومن أمثل‪-‬ة اجلرائم العمدي‪-‬ة ال‪-‬يت يتطلب فيه‪-‬ا الق‪-‬انون قص‪-‬دا خاص‪-‬ا جرمية ال‪-‬تزوير حيث يتطلب الق‪-‬انون فيه‪-‬ا باإلض‪-‬افة إىل تغي‪-‬ري احلقيق‪-‬ة‬
‫أن تنص‪-‬رف إرادة اجلاين إىل واقع‪-‬ة بعي‪-‬دة عن ال‪-‬ركن املادي هي "اس‪-‬تعمال احملرر املزور فيم‪-‬ا زور من أجل‪-‬ه"‪ ،‬فه‪-‬ذا الب‪-‬اعث على ال‪-‬تزوير هم‬
‫ما يسمى بالقصد اخلاص‪.‬‬
‫‪‬جرمية البالغ الك ‪--‬اذب‪ ،‬حيث يل ‪--‬زم جبانب علم اجلاين بك ‪--‬ذب األم ‪--‬ر املبل ‪--‬غ عن ‪--‬ه أن يك ‪--‬ون ق ‪--‬د أق ‪--‬دم على تق ‪--‬دمي البالغ م ‪--‬ع "س ‪--‬وء‬
‫النية"‪ ،‬أي مدفوعا بنية اإلساءة واإلضرار باملبلغ ضده‪.‬‬
‫‪ ‬ويف حالة جرمية النصب يلزم إىل تعمد اإلحتيال أن يتوافر لدى اجلاين نية سلب ثروة الغري كلها أو بعضها‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬المحدد والقصد غير المحدد‬
‫من املس‪-‬لم ب‪-‬ه أن املش‪-‬رع يس‪-‬وي بني القص‪-‬د احملدد والقص‪-‬د غ‪-‬ري احملدد إذا ت‪-‬وافرت هبم‪-‬ا عناص‪-‬ر القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي يف جرمية القت‪-‬ل العم‪-‬د‪،‬‬
‫ألن اجلاين ق‪-‬د توق‪-‬ع إزه‪-‬اق روح إنس‪-‬ان حي واجتهت إلي‪-‬ه إرادت‪-‬ه‪ ،‬وه‪-‬ذا الق‪-‬در ك‪-‬ايف ليق‪-‬وم ب‪-‬ه القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي‪ ،‬فال ع‪-‬ربة بش‪-‬خص اجملين علي‪-‬ه‪،‬‬
‫فكونه رجال أو امرأة واحدا أو متعددا ال أمهية له‪ ،‬إذ أن القانون حيمي حياة كافة الناس‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القصد المباشر والقصد اإلحتمالي‬
‫‪.1‬القصد المباشر‪:‬‬
‫هو ال‪-‬ذي تتج‪-‬ه في‪-‬ه إرادة اجلاين إىل حتقي‪-‬ق نتيج‪-‬ة إجرامي‪-‬ة ي‪-‬رغب يف إح‪-‬داثها‪ ،‬فق‪-‬د يتوق‪-‬ع اجلاين ح‪-‬دوث الوف‪-‬اة كنتيج‪-‬ة حتمي‪-‬ة وض‪-‬رورية‬
‫لفعل‪-‬ه‪ ،‬ويق‪-‬دم رغم ذل‪-‬ك ارتك‪-‬اب فع‪-‬ل اإلعت‪-‬داء‪ ،‬وطاملا أن النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة ت‪-‬رتتب حتم‪-‬ا على الفع‪-‬ل وتنجم عن‪-‬ه مباش‪-‬رة فهي إذن ج‪-‬زء‬
‫منه حبيث ميكن القول بأن من أراد الفعل أيضا النتيجة املرتتبة عليه‪ ،‬ويف هذه احلالة ال يثور أدىن شك يف توافر القصد املباشر للقتل‪.‬‬
‫فمن يطل ‪--‬ق عي ‪--‬ارا ناري ‪--‬ا على ش ‪--‬خص يف مقت ‪--‬ل فيقتل ‪--‬ه‪ ،‬فيس ‪--‬أل عن جرمية قت ‪--‬ل عم ‪--‬د‪ ،‬ألن اجلاين تق ‪--‬ع ه ‪--‬ذه النتيج ‪--‬ة ك ‪--‬أثر حتمي الزم‬
‫لفعله‪.‬‬
‫وق‪--‬د تتول‪--‬د الوف‪--‬اة كنتيج‪--‬ة الزم‪--‬ة وحتمي‪--‬ة من نتيج‪--‬ة أخ‪--‬رى ت‪-‬رتتب مباش‪--‬رة عن فع‪--‬ل اجلاين مث‪--‬ال ذل‪--‬ك من ينس‪--‬ى س‪--‬فينة وهي يف ع‪--‬رض‬
‫البحر لكي حيصل على مبلغ التأمني عليها‪ ،‬فينجم عن ذلك غرق السفينة وهالك باحرهتا واملسافرين عليها‪.‬‬
‫فالوف‪--‬اة هن‪--‬ا ول‪--‬و مل تكن ه‪--‬ذه النتيج‪--‬ة ال‪--‬يت س‪--‬عى اجلاين إىل حتقيقه‪--‬ا من وراء فعل‪--‬ه اإلج ‪-‬رامي‪ ،‬تعت‪--‬رب نتيج‪--‬ة حتمي‪--‬ة والزم‪--‬ة تول‪--‬دت عن‬
‫نتيج‪--‬ة أخ‪--‬رى س‪--‬عى اجلاين إىل حتقيقه‪--‬ا وهي ت‪--‬دمري الس‪--‬فينة‪ ،‬حبيث ال يتص‪--‬ور أن تتحق‪--‬ق ه‪--‬ذه النتيج‪--‬ة بغ‪--‬ري أن حتدث الوف‪--‬اة‪ ،‬وذل‪--‬ك ف‪--‬إن‬
‫القصد املباشر للقتل يعد متوافرا لدى اجلاين‪.‬‬
‫وعلى ض‪-‬وء م‪-‬ا تق‪-‬دم يع‪-‬د القص‪-‬د املباش‪-‬ر الص‪-‬ورة العادي‪-‬ة للقص‪-‬د اجلن‪-‬ائي‪ ،‬حيث تتج‪-‬ه في‪-‬ه إرادة اجلاين إىل حتقي‪-‬ق نتيج‪-‬ة إجرامي‪-‬ة ي‪-‬رغب‬
‫يف إحداثها فهو يقتضي إذن أن يتوقع اجلاين النتيجة اإلجرامية كأثر حتمي الزمه لفعله‪.‬‬
‫‪ .2‬القصد اإلحتمالي‪:‬‬
‫أم‪-‬ا القص‪-‬د اإلحتم‪-‬ايل فه‪-‬و ال‪-‬ذي تتج‪-‬ه فلي‪-‬ه إرادة اجلاين إىل فع‪-‬ل م‪-‬ع توق‪-‬ع النتيج‪-‬ة ك‪-‬أثر ممكن لفعل‪-‬ه حيتم‪-‬ل يف تق‪-‬ديره أن يتح‪-‬دث أو ال‬
‫يتح‪--‬دث ولكن‪--‬ه يقب‪--‬ل احتم‪--‬ال حتقيقه‪--‬ا يف حتقي‪--‬ق النتيج‪--‬ة ال‪--‬يت يس‪--‬تهدفها بفعل‪--‬ه‪ ،‬مث‪--‬ال ذل‪--‬ك أن يقص‪--‬د اجلاين (عم‪--‬رو) فيض‪--‬ع ل‪--‬ه مسا يف‬
‫طعام‪--‬ه ولكن‪--‬ه يتوق‪--‬ع أن يتن‪--‬اول مع‪--‬ه (بك‪--‬ر) ه‪--‬ذا الطع‪--‬ام فيتوق‪--‬ع وفات‪--‬ه مث ميض‪--‬ي يف فعل‪--‬ه راض‪--‬يا هبذا اإلحتم‪--‬ال‪ ،‬وحيدث أن يتن‪--‬اول (بك‪--‬ر)‬
‫بالفع‪-‬ل الطع‪-‬ام م‪-‬ع (عم‪-‬رو) فيم‪-‬وت‪ ،‬أو أن يق‪-‬دم ش‪-‬خص على اغتص‪-‬اب طفل‪-‬ة ص‪-‬غرية‪ ،‬م‪-‬ع توقع‪-‬ه أن ذل‪-‬ك ق‪-‬د ي‪-‬رتتب عن‪-‬ه موهتا‪ ،‬أو يتص‪-‬ور‬
‫هذه النتيجة ولكنه يقلبها إذا حتققت أو ال يبايل حبدوثها‪.‬‬
‫ويتم‪-‬يز القص‪-‬د اإلحتم‪-‬ايل عن القص‪-‬د املباش‪-‬ر يتوق‪-‬ع النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة على أهنا أث‪-‬ر حتمي الزم لفعل‪-‬ه‪ ،‬أم‪-‬ا يف حال‪-‬ة القص‪-‬د اإلحتم‪-‬ايل‬
‫ف‪--‬إن اجلاين يتوق‪--‬ع النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة على أهنا أم‪--‬ر ممكن ق‪--‬د حتدث وق‪--‬د ال حتدث‪ :‬ومث‪--‬ال القص‪--‬د املباش‪--‬ر من يطل‪--‬ق الن‪--‬ار على ع‪--‬دوه يف‬
‫مقت‪--‬ل‪ ،‬وتك‪--‬ون وفات‪--‬ه هي األث‪--‬ر احلتمي الالزم لفعل‪--‬ه‪ ،‬وتك‪--‬ون النتيج‪--‬ة الوحي‪--‬دة ال‪--‬يت يتج‪--‬ه إليه‪--‬ا تفك‪--‬ريه حني ي‪--‬أيت الفع‪--‬ل‪ :‬ومث‪--‬ال القص‪--‬د‬
‫اإلحتم‪-‬ايل حال‪-‬ة من يش‪-‬وه جس‪-‬د آخ‪-‬ر ق‪-‬د يع‪-‬ده الح‪-‬رتاف التس‪-‬ول‪ ،‬فيتوق‪-‬ع وفات‪-‬ه نتيج‪-‬ة لعملي‪-‬ة التش‪-‬ويه ه‪-‬ذه‪ ،‬مث ميض‪-‬ي فيفعل‪-‬ه ق‪-‬ابال هلذه‬
‫النتيجة إن هي حدثت لعداوة قدمية بينهما‪.‬‬
‫‪-3‬موقف الفقه من القصد الجنائي‪:‬‬
‫يتجه رأي السائد يف الفقه اجلنائي إىل القول بتوافر القصد االحتمايل إذا كان اجلاين قد أراد بفعله حتقيق نتيجة معينة‪ ،‬فرتتب عليه‬
‫– فضال عن النتيجة املقصودة‪ -‬نتيجة أخرى كان يف استطاعة اجلاين ومن واجبه أن يتوقعها‪ ،‬فيسأل عن النتيجة الثانية مسؤولية عمدية‬
‫لتوافر القصد اإلحتمايل‪.‬‬
‫مثال ذلك من يعتدي على آخر بالضرب فينتج عن اإلعتداء وفاة أو إصابة بعاهة مستدمية‪ ،‬وال يتطلب هذا الفقه التوقع الفعلي‬
‫للوفاة وإمنا يتطلب استطاعة التوقع أو وجوبه‪ ،‬وبذلك يستبعد من عناصر القصد اإلحتمايل التوقع الفعلي حلادثة الوفاة واإلرادة املتجهة‬
‫إليها‪.‬‬
‫كما يتجه الرأي السائد يف الفقه املقارن إىل قصر نطاق القصد اإلحتمايل على احلاالت اليت ورد بشأهنا نصوص صرحية يف القانون‬
‫مبا يطلق عليه الفقه احلديث تعبري "النتائج اإلحتمالية" أو اجلرائم اليت تتجاوز قصد اجلاين أو اجلرائم املتعدية القصد‪.‬‬
‫واملشروع ال يأخذ بالقصد اإلحتمايل إال يف النصوص اليت يؤاخذ فيها على اجلرمية اليت جتاوز النتيجة قصد اجلاين ولو م يتوقعها‪ ،‬أي‬
‫يف احلاالت اليت يتوقع فيها الفاعل حدوث النتيجة اإلجرامية ومع ذلك يقدم على ارتكاب فعله ويرفض حصول تلك النتيجة اليت‬
‫حصلت وإن كان يأمل يف عدم حصوهلا‪.‬‬
‫ويتض‪-‬ح مما نق‪-‬دم أن القص‪-‬د اإلحتم‪-‬ايل يع‪-‬د مت‪-‬وافر ل‪-‬دى اجلاين إذا تعم‪-‬د يف األص‪-‬ل ارتك‪-‬اب اجلرمية ف‪-‬وقعت نتيج‪-‬ة إجرامي‪-‬ة أخ‪-‬رى أش‪-‬د‬
‫جسامة‪ ،‬توقعها ولكنه مل حيفل هبا وهو ما يسمى "بالنتيجة اإلحتمالية"‪.‬‬
‫فيتعني إذن توافر لدى اجلاين – وفقا هذا الرأي‪ -‬قصد مباشر بالنسبة للنتيجة اليت أراد حتقيقها بارتكاب الفعل‪ ،‬قصد احتمايل بالنسبة‬
‫للنتيجة األشد جسامة‪ ،‬فالقصد اإلحتمايل ال يقوم مستقال بذاته دون أن يستند إىل قصد مباشر يتوافر لدى اجلاين أوال‪ ،‬فإذا مل يتوافر‬
‫القصد املباشر فال سبيل إىل توافر القصد اإلحتمايل‪ ،‬فإذا أفضى فعله إىل نتيجة إجرامية فال يسأل عنها سوى مسؤولية غري عمدية‪.‬‬
‫كم‪--‬ا يتض‪--‬ح من اس‪--‬تعراض ال‪-‬رأي الس‪--‬ائد يف الفق‪--‬ه أن القص‪--‬د اإلحتم‪--‬ايل يقتص‪--‬ر على احلاالت ال‪--‬يت وردت يف ش‪--‬أهنا نص‪--‬وص ص‪--‬رحية‪،‬‬
‫فاملشرع اجلنائي وحده هو الذي يسعه أن يقرر مسؤولية تقوم على أساس من القصد اإلحتمايل‪.‬‬
‫و يس‪-‬تند ال‪-‬رأي الس‪-‬ائد يف الفق‪-‬ه عن‪-‬د حتدي‪-‬ده لفك‪-‬رة القص‪-‬د االحتم‪-‬ايل إىل بعض النص‪-‬وص ال‪-‬يت تقيم مس‪-‬ؤولية اجلاين عن نت‪-‬ائج أش‪-‬د‬
‫جس ‪--‬امة من النت ‪--‬ائج ال ‪--‬يت اجته إليه ‪--‬ا القص ‪--‬د املباش ‪--‬ر دون أن يك ‪--‬ون اجلاين ق ‪--‬د توق ‪--‬ع النتيج ‪--‬ة اجلس ‪--‬يمة ال ‪--‬يت اجتهت إليه ‪--‬ا إرادته‪ .‬و ه ‪--‬ذه‬
‫النص‪-‬وص تف‪-‬رتض أن اجلاين أراد إح‪-‬دات نتيج‪-‬ة معين‪-‬ة توق‪-‬ع لزومه‪-‬ا حينم‪-‬ا أق‪-‬دم على فعل‪-‬ه‪ ،‬و لكن ت‪-‬رتب علي‪-‬ه نتيج‪-‬ة أخ‪-‬رى منه‪-‬ا جس‪-‬امة‬
‫مل تتج ‪--‬ه إليه ‪--‬ا إرادت ‪--‬ه‪ ،‬و ق ‪--‬د يك ‪--‬ون توقعه ‪--‬ا و مل تتج ‪--‬ه إليه ‪--‬ا إرادت ‪--‬ه أو مل يتوقعه ‪--‬ا على اإلطالق و لكن ك ‪--‬ان يف اس ‪--‬تطاعته و من واجب ‪--‬ه‬
‫توقعه‪-‬ا ‪ ،‬فاملش‪-‬رع مل حيدد يف ه‪-‬ذه النص‪-‬وص العالق‪-‬ة النفس‪-‬ية ال‪-‬يت يتعني أن تت‪-‬وافر بني شخص‪-‬ية اجلاين و النتيج‪-‬ة اجلس‪-‬مية‪ ،‬فه‪-‬و مل يفص‪-‬ح‬
‫بأن معيار هذه العالقة هو استطاعه التوقع و وجوبه ‪.‬‬
‫و لكن الفق‪-‬ه و القض‪-‬اء حيددان طبيع‪-‬ة ال‪-‬ركن املعن‪-‬وي (أي العالق‪-‬ة بني شخص‪-‬ية اجلاين و النتيج‪-‬ة اجلس‪-‬يمة) عن‪-‬د تفس‪-‬ري ه‪-‬ذه النص‪-‬وص‬
‫باالس‪-‬تعانة بنص املادة ‪ 403‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬ال‪-‬يت حتدد مس‪-‬ؤولية م‪-‬رتكب جرمية اجلرح أو الض‪-‬رب املفض‪-‬ي إىل املوت دون أن يقص‪-‬د‬
‫بذلك قتال‪.‬‬
‫فاملش‪--‬رع يف‪--‬رتض يف ه‪--‬ذا النص انتف‪--‬اء إرادة النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة (أي انتف‪--‬اء إزه‪--‬اق ال‪--‬روح) ألن‪--‬ه إن ت‪-‬وافرت ه‪--‬ذه اإلرادة ك‪--‬انت النص‪--‬وص‬
‫اخلاصة بالقتل العمد هي الواجبة التطبيق‪.‬‬
‫و على ذل ‪--‬ك فك ‪--‬ل عالق ‪--‬ة نفس ‪--‬ية ترب ‪--‬ط بني اجلاين و ه ‪--‬ذه النتيج ‪--‬ة ال تش ‪--‬مل ني ‪--‬ة إزه ‪--‬اق ال ‪--‬روح تكفي لقي ‪--‬ام جرمية اجلرح أو الض ‪--‬رب‬
‫املفض ‪--‬ي إىل املوت‪ ،‬طاملا ق ‪--‬د يثبت ت ‪-‬وافر القص ‪--‬د املباش ‪--‬ر املتج ‪--‬ه إىل جمرد اإلي ‪--‬ذاء‪ ،‬و ه ‪--‬ذا م ‪--‬ا ح ‪--‬دا بالفق ‪--‬ه إىل تطلب أدىن ص ‪--‬ورة و هي‬
‫اس‪-‬تطاعة التوق‪-‬ع و وجوب‪-‬ه‪ ،‬ألن‪-‬ه إذا انتفى ه‪-‬ذا الق‪-‬در‪ ،‬انتفت ك‪-‬ل عالق‪-‬ة نفس‪-‬ية ترب‪-‬ط بني اجلاين و النتيج‪-‬ة و تغ‪-‬دو مس‪-‬ئوليته عنه‪-‬ا مس‪-‬ؤولية‬
‫مادية حبتة تأباها املبادئ األساسية يف القانون‪.‬‬
‫هذا و ق‪-‬د انتق‪-‬د ج‪-‬انب من الفق‪-‬ه ال‪-‬رأي الس‪-‬ائد و الس‪-‬ابق عرض‪-‬ه لتجاهل‪-‬ه لطبيع‪-‬ة القص‪-‬د االحتم‪-‬ايل حيث حيدده على حنو ال تت‪-‬وافر ل‪-‬ه‬
‫به عناصره‪.‬‬
‫فالقصد االحتمايل نوع من القصد اجلنائي يقوم على ذات عناصره‪ :‬العلم و اإلرادة‪.‬‬
‫و العلم ال‪-‬ذي يتطلب‪-‬ه القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ه‪-‬و العلم احلقيقي املب‪-‬ين على التوق‪-‬ع الفعلي للنتيج‪-‬ة االجرامي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬إذا ذهب ال‪-‬رأي الس‪-‬ائد يف الفق‪-‬ه‬
‫إىل اعتب‪--‬ار القص‪--‬د االحتم‪--‬ايل قائم‪--‬ا على اس‪--‬تطاعة التوق‪--‬ع أو وجوب‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬ذلك معن‪--‬اه أن‪--‬ه يع‪--‬رتف بالقص‪--‬د االحتم‪--‬ايل حيث ال يت ‪-‬وافر العلم‬
‫احلقيقي بعناص‪-‬ر اجلرمية‪ ،‬و يف جتاه‪-‬ل أمهي‪-‬ة أمهي‪-‬ة العلم على ه‪-‬ذا النح‪-‬و إه‪-‬دار لوج‪-‬ود القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي‪ ،‬خاص‪-‬ة إذا م‪-‬ا لوح‪-‬ظ أن‪-‬ه إذا مل يت‪-‬وافر‬
‫العلم احلقيقي بالواقعة فال يتصور اجتاه اإلرادة إليها‪.‬‬
‫هذا باإلض‪--‬افة إىل أن اس‪--‬تطاعة التوق‪--‬ع أو وجوب‪--‬ه عنص‪--‬ر يف اخلط‪--‬أ غ‪--‬ري العم‪--‬دي إذا مل يكن مص‪--‬حوبا ب‪--‬التوقع‪ ،‬ف‪--‬إذا تبث ذل‪--‬ك ف‪--‬إن‬
‫املنط ‪--‬ق الق ‪--‬انوين ي ‪--‬أىب أن تع ‪--‬د يف ذات ال ‪--‬وقت عنص ‪-‬را يف القص ‪--‬د اجلن ‪--‬ائي‪ ،‬ب ‪--‬النظر إىل م ‪--‬ا بني القص ‪--‬د و اخلط ‪--‬أ من اختالف ج ‪--‬وهري يف‬
‫طبيعتهما و عناصرمها‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أن احلج‪--‬ة ال‪--‬يت يعتم‪--‬د عليه‪--‬ا ال‪-‬رأي الس‪--‬ائد يف الفق‪--‬ه‪ ،‬املس‪--‬تمدة من النص‪--‬وص الس‪--‬ابق عرض‪--‬ها حج‪--‬ة غ‪--‬ري قاطع‪--‬ة‪ ،‬حيث ي‪--‬رى يف‬
‫ه‪-‬ذه النص‪-‬وص تطبيق‪-‬ات تش‪-‬ريعية لفك‪-‬رة القص‪-‬د االحتم‪-‬ايل ليس‪-‬ت يف حقيقته‪-‬ا ك‪-‬ذلك‪ ،‬ب‪-‬ل ال ش‪-‬أن هلا على اإلطالق هبذه الفك‪-‬رة‪ ،‬فهي‬
‫تطبيق‪-‬ات ألفك‪-‬ار قانوني‪-‬ة تق‪-‬وم عليه‪-‬ا اجلرائم ال‪-‬يت جتاوز قص‪-‬د اجلاين‪ ،‬ال‪-‬يت يس‪-‬أل عنه‪-‬ا س‪-‬واء توقعه‪-‬ا أو مل يتوقعه‪-‬ا‪ ،‬و مس‪-‬ؤولية اجلاين عنه‪-‬ا‬
‫تق‪--‬ومن على أس‪--‬اس فك‪--‬رة اخلط‪--‬أ غ‪--‬ري العم‪--‬دي‪ ،‬ذل‪--‬ك ب‪--‬أن فك‪--‬رة اس‪--‬تطاعة التوق‪--‬ع و وجوب‪--‬ه هي ب‪--‬ذاهتا الفك‪--‬رة ال‪--‬يت يق‪--‬وم عليه‪--‬ا اخلط‪--‬أ غ‪--‬ري‬
‫العم‪-‬دي‪ ،‬و تق‪-‬وم املس‪-‬ؤولية عن ه‪-‬ذه النت‪-‬ائج على ركن معن‪-‬وي م‪-‬زدوج التك‪-‬وين‪ :‬قص‪-‬د جن‪-‬ائي و خط‪-‬أ غ‪-‬ري عم‪-‬دي‪ ،‬حبيث ينص‪-‬رف القص‪-‬د‬
‫إىل النتيجة األقل جسامة بينما يتعلق اخلطأ بالنتيجة األشد جسامة‪.‬‬
‫و ذل‪--‬ك يع‪--‬رف البعض القص‪--‬د االحتم‪--‬ايل بأن‪--‬ه توق‪--‬ع النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة ك‪--‬أثر ممكن للفع‪--‬ل مث قبوهلا‪ ،‬فيتحق‪--‬ق القص‪--‬د االحتم‪--‬ايل عن‪--‬دما‬
‫يتوق‪-‬ع اجلاين ح‪-‬دوث النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة ك‪-‬أثر ممكن لفعل‪-‬ه حيتم‪-‬ل يف تق‪-‬ديره أن حتدث أو ال حتدث‪ ،‬و لكن‪-‬ه يقب‪-‬ل احتم‪-‬ال حتققه‪-‬ا يف س‪-‬بيل‬
‫حتقيق النتيجة اليت يستهدفها بفعله‪.‬‬
‫فالقص‪-‬د االحتم‪-‬ايل وف‪-‬ق ه‪-‬ذا ال‪-‬رأي ن‪-‬وع من القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي ال يكتفي في‪-‬ه بتوق‪-‬ع النتيج‪-‬ة‪ ،‬و إمنا يل‪-‬زم أن تتج‪-‬ه اإلرادة إىل النتيج‪-‬ة اجتاه‪-‬ا‬
‫يأخ‪--‬د ص‪--‬ورة القب‪--‬ول و القص‪--‬د االحتم‪--‬ايل على ه‪--‬ذا النح‪--‬و يق‪--‬وم – ش‪--‬أنه يف ذل‪--‬ك ش‪--‬أن القص‪--‬د األص‪--‬يل‪ -‬على العلم و اإلرادة‪ ،‬ويأخ ‪-‬ذ‬
‫العلم صورة توقع النتيجة و اإلرادة اليت تتخد صورة قبول هذه النتيجة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬القصد البسيط وسبق اإلصرار‬
‫س‪-‬بق أن ذكرن‪-‬ا أن العم‪-‬ل اإلرادي مير مبراح‪-‬ل ع‪-‬دة‪ ،‬ف‪-‬إذا باش‪-‬ر اجلاين نش‪-‬اطه اإلج‪-‬رامي عن‪-‬د مرحل‪-‬ة عق‪-‬د الع‪-‬زم ك‪-‬ان قص‪-‬ده بس‪-‬يطا‪ ،‬أم‪-‬ا‬
‫إذا جاوز ذلك إىل مرحلة التصميم و أصر على اجلرمية ىثم ارتكبها كان قصده مقرونا بسبق‪.‬‬
‫و قد عرفت املادة ‪ 394‬من القانون اجلنائي سبق اإلصرار بقوهلا‪:‬‬
‫"س‪-‬بق اإلص‪-‬رار ه‪-‬و الع‪-‬زم املص‪-‬مم علي‪-‬ه‪ ،‬قب‪-‬ل وق‪-‬وع اجلرمية على االعت‪-‬داء على ش‪-‬خص معني أو على أي ش‪-‬خص ق‪-‬د يوج‪-‬د أو يص‪-‬ادف‪،‬‬
‫و لو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرّط "‪.‬‬
‫و يالحظ أن املشرع املغريب مل يزد يف تعريفه لسبق اإلصرار عن قوله‪:‬‬
‫" الع ‪--‬زم املص ‪--‬مم علي ‪--‬ه قب ‪--‬ل الفع ‪--‬ل" األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ي ‪--‬وحي بأن ‪--‬ه يكفي لت ‪-‬وافر ه ‪--‬ذا الظ ‪--‬رف أن متض ‪--‬ي ف ‪--‬رتة من ال ‪--‬زمن بني ع ‪--‬زم اجلاين على‬
‫ارتكاب اجلرمية و بني إقدامه على تنفيذها‪.‬‬
‫و ه‪--‬و ب‪--‬ذلك ق‪--‬د أغف‪--‬ل العنص‪--‬ر األساس‪--‬ي يف س‪--‬بق اإلص‪-‬رار و ه‪--‬و العنص‪--‬ر النفس‪--‬ي ال‪--‬ذي يقتض‪--‬ي أن يك‪--‬ون اجلاين ق‪--‬د فك‪--‬ر يف اجلرمية‬
‫تفكريا هادئا مطمئنا مث تصميمه عليها و إقدامه على ارتكاهبا‪.‬‬
‫و على ذلك ميكن تعرف سبق اإلصرار بأنه "التفكري اهلادئ يف اجلرمية و التصميم عليها قبل ارتكاهبا"‪.‬‬
‫و مع‪-‬ىن ذل‪-‬ك أن يت‪-‬وافر للج‪-‬اين – خالل الف‪-‬رتة الزمني‪-‬ة ال‪-‬يت متض‪-‬ي بني انعق‪-‬اد عزم‪-‬ه على ارتك‪-‬اب اجلرمية و بني اإلق‪-‬دام على تنفي‪-‬ذها –‬
‫عنصر اهلدوء و الروية و التفكري اهلادئ املطمئن يف اجلرمية و تدبر عواقبها ‪.‬‬
‫و يقوم سبق اإلصرار على عنصرين ‪ :‬أوهلما عنصر زمين و ثانيهما عنصر نفسي‪.‬‬
‫أوال العنصر الزمني‪:‬‬
‫مس‪-‬تفاد من نص املادة ‪ 394‬من الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي إذ تق‪-‬ول إن‪-‬ه‪" :‬الع‪-‬زم املص‪-‬مم علي‪-‬ه قب‪-‬ل الفعل‪ "...‬و يقتض‪-‬ي ذل‪-‬ك م‪-‬رور ف‪-‬رتة من ال‪-‬زمن‬
‫طالت أو قصرت بني عزم اجلاين على ارتكاب اجلرمية و بني اإلقدام على تنفيذها‪.‬‬
‫و الواق‪-‬ع أن العنص‪-‬ر الزم‪-‬ين ليس مطلوب‪-‬ا لذات‪-‬ه‪ ،‬و إمنا ه‪-‬و ض‪-‬روري إلتاح‪-‬ة الفرص‪-‬ة أم‪-‬ام اجلاين لل‪-‬رتوي أو التفك‪-‬ري يف جرميت‪-‬ه و ه‪-‬و ه‪-‬ادئ‬
‫النفس مطمئن الب‪--‬ال متح‪--‬رر من ت‪--‬أثري االنفع‪--‬االت و االض‪--‬طرابات النفس‪--‬ية فالعنص‪--‬ر الزم‪--‬ين متطلب إذن كش‪--‬رط أساس‪--‬ي لتحق‪--‬ق العنص‪--‬ر‬
‫النفسي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العنصر النفسي‬
‫فيقص ‪--‬د ب ‪--‬ه أن يك ‪--‬ون اجلاين ق ‪--‬د فك ‪--‬ر يف اجلرمية و ص ‪--‬مم عليه ‪--‬ا و أق ‪--‬دم على ارتكاهبا و ه ‪--‬و ه ‪--‬ادئ الب ‪--‬ال متح ‪--‬رر من ث ‪--‬ورة االنفع ‪--‬ال و‬
‫الغضب‪.‬‬
‫و الواق‪-‬ع أن ه‪-‬ذا العنص‪-‬ر ه‪-‬و ال‪-‬ركن األساس‪-‬ي لس‪-‬بق اإلص‪-‬رار و ه‪-‬و عل‪-‬ة تش‪-‬ديد العق‪-‬اب‪ ،‬فاجلاين ال‪-‬ذي يق‪-‬دم على ارتك‪-‬اب جرمية القت‪-‬ل‬
‫راب‪--‬ط اجلأش ه‪--‬ادئ التفك‪--‬ري مطمئن النفس‪ ،‬إمنا يع‪--‬رب عن نفس‪--‬ية خط‪--‬رية‪ ،‬فه‪--‬و أش‪--‬د خط‪-‬را من اجلاين ال‪--‬ذي يق‪--‬دم على القت‪--‬ل بغ‪--‬ري إص‪-‬رار‬
‫حتت تأثري ثورة انفعال و غضب جامح أو اضطراب نفسي‪.‬‬
‫و الع‪-‬ربة يف ت‪-‬وافر س‪-‬بق اإلص‪-‬رار ليس‪-‬ت مبرور ف‪-‬رتة من ال‪-‬زمن بني التفك‪-‬ري يف اجلرمية و الع‪-‬زم على تنفي‪-‬ذها – ط‪-‬ال ه‪-‬ذا ال‪-‬زمن أو قص‪-‬ر –‬
‫بل العربة هي مبا يتيسر للجاين خالل هذه الفرتة من التفكري و التدبري‪ .‬و تطبيقا لذلك قضي بأن "سبق اإلصرار يتوافر مىت ثبت‬
‫ال‪-- -‬رتوي الك ‪--‬ايف ل ‪--‬دى املتهم يف اجلرمية قب ‪--‬ل إقدام ‪--‬ه على ارتكاهبا و بص ‪--‬رف النظ ‪--‬ر عن مق ‪--‬دار ال ‪--‬وقت ال ‪--‬ذي حص ‪--‬ل في ‪--‬ه ال ‪--‬رتوي‪ ،‬ف ‪--‬إذا‬
‫استخلص‪-‬ت احملكم‪-‬ة ه‪-‬ذا الظ‪-‬رف من م‪-‬رور بض‪-‬ع س‪-‬اعات على املتهم و ه‪-‬و يفك‪-‬ر يف أم‪-‬ر جرميت‪-‬ه و عم‪-‬ل على مجع عش‪-‬ريته و إع‪-‬داد عدت‪-‬ه‬
‫يف س‪-‬بيل مفارقته‪-‬ا و من س‪-‬ريه مس‪-‬افة كيلوم‪-‬رتين ح‪-‬ىت وص‪-‬ل إىل مك‪-‬ان احلادث‪-‬ة‪ ،‬فال تقب‪-‬ل من احملك‪-‬وم علي‪-‬ه منازع‪-‬ة أم‪-‬ام اجمللس األعلى يف‬
‫شأن توافر هذا الظرف‪ ،‬فذلك مما يصح يف العقل أن يؤخذ منه أنه كان هادئا و مل يكن يف حالة اضطراب و ثورة فكرية‪.‬‬
‫أم‪--‬ا إذا ثبت أن اجلاين مل يت‪-‬وافر ل‪--‬ه اهلدوء يف التفك‪--‬ري و الت‪--‬دبري و ارتكب جرميت‪--‬ه و ه‪--‬و حتت ت‪--‬أثري عام‪--‬ل الغض‪--‬ب و اهلي‪--‬اج ف‪--‬إن س‪--‬بق‬
‫اإلص ‪-‬رار ال يع‪--‬د مت ‪-‬وافرا‪ .‬و تطبيق‪--‬ا ل‪--‬ذلك‪ ،‬قض‪--‬ت حمكم‪--‬ة النقض املص ‪-‬رية‪ ،‬أن ‪" :‬من أوذي و اه‪--‬تيج ظلم‪--‬ا و طغيان‪--‬ا و ال‪--‬ذي ينتظ‪--‬ر أن‬
‫يتجدد إبقاء هذا األذى الفظيع به‪.‬‬
‫و ال ش‪-‬ك أن‪-‬ه إذا اجتهت نفس‪-‬ه إىل قت‪-‬ل معذب‪-‬ه فإهنا تتج‪-‬ه إىل اجلرم موت‪-‬ورة مما ك‪-‬ان منزعج‪-‬ة وامجة مما س‪-‬يكون‪ ،‬النفس املوت‪-‬ورة املنزعج‪-‬ة‬
‫هي نفس هائج‪-‬ة أب‪-‬دا‪ ،‬ال ي‪-‬دع انزعاجه‪-‬ا س‪-‬بيال إىل الص‪-‬رب و الس‪-‬كون ح‪-‬ىت حيكم العق‪-‬ل –هادئ‪-‬ا متزن‪-‬ا مرتوي‪-‬ا‪ -‬فيم‪-‬ا تتج‪-‬ه إلي‪-‬ه اإلرادة من‬
‫األغراض اإلجرامية اليت تتخيلها قاطعة لشقائها‪.‬‬
‫و ال ش‪--‬ك بن‪--‬اء على ه‪--‬ذا أن‪--‬ه ال حمل للق‪--‬ول بس‪--‬بق اإلص ‪-‬رار إذ ه‪--‬ذا الظ‪--‬رف يس‪--‬تلزم أن يك‪--‬ون ل‪--‬دى اجلاين من الفرص‪--‬ة م‪--‬ا يس‪--‬مح ل‪--‬ه‬
‫بالرتوي و التفكري و املطمئن فيما هو مقدم عليه‪.‬‬
‫و م‪-‬ىت حتق‪-‬ق العنص‪-‬ران الزم‪-‬ين و النفس‪-‬ي ت‪-‬وافر ظ‪-‬رف س‪-‬بق اإلص‪-‬رار‪ ،‬و أنتج أث‪-‬ره يف تش‪-‬ديد عقوب‪-‬ة القت‪-‬ل و رفعه‪-‬ا إىل اإلع‪-‬دام‪ ،‬و ال ي‪-‬ؤثر‬
‫بعد ذلك يف توافر هذا الظرف أن يكون اجلاين قد علق ارتكابه للقتل على شرط أو حدوث أمر معني‪ ،‬من ذلك إصرار املتهم‬
‫على اس ‪--‬تعمال الق ‪--‬وة م ‪--‬ع اجملين عليهم ‪--‬ا إذا منع ‪--‬اه من إزال ‪--‬ة الس ‪--‬د و تص ‪--‬ميمه على ذل ‪--‬ك من ‪--‬ذ الي ‪--‬وم الس ‪--‬ابق‪ ،‬مث حض ‪--‬وره فعال إىل حمل‬
‫احلادث‪-‬ة و مع‪-‬ه الس‪-‬الح ذل‪-‬ك ي‪-‬دل س‪-‬بق اإلص‪-‬رار كم‪-‬ا عرف‪-‬ه الق‪-‬انون‪ .‬كم‪-‬ا ال مين‪-‬ع من ت‪-‬وافر ظ‪-‬رف س‪-‬بق اإلص‪-‬رار تعلي‪-‬ق تنفي‪-‬ذ م‪-‬ا اتف‪-‬ق علي‪-‬ه‬
‫املتهمان من قبل على سنوح الفرصة للظفر باجملين عليه‪ ،‬حىت إذا سنحت قتاله تنفيذا ملا انعقدت عليه نيتهما من قبل‪.‬‬
‫وال حيول دون يب‪-‬ق اإلص‪-‬رار أن يك‪-‬ون قص‪-‬د القت‪-‬ل غ‪-‬ري حمدد فس‪-‬بق اإلص‪-‬رار يتحق‪-‬ق ول‪-‬و ك‪-‬انت ني‪-‬ة القت‪-‬ل ل‪-‬دى اجلاين غ‪-‬ري حمددة قص‪-‬د‬
‫هبا شخصا معينا أو غري معني صادفه كان يصمم على قتل من يعرتض طريقه بغري متييز ليثري الفوضى واالضطراب ويثري فزع الناس‪.‬‬
‫و يف ذل‪--‬ك قض‪--‬ي ب‪--‬أن "إثب‪--‬ات احلكم أو املتهم و أخ‪--‬اه كان‪--‬ا مبي‪--‬تني الني‪--‬ة على قت‪--‬ل من يص‪--‬ادفاه من غرمائهم‪--‬ا أو من يل‪--‬وذ هبم و أن‬
‫اجملين عليه من مشلهم التصميم السابق" (نقض مصري‪.)12/02/1979 ،‬‬
‫كذلك ال يؤثر يف قيام سبق اإلصرار أن يكون اجلاين قد أخطأ يف شخص اجملين عليه أو يف شخصيته أو أخطأ يف توجيه الفعل‪.‬‬
‫فمن يص‪-‬مم على قت‪-‬ل ش‪-‬خحص معني – و لغل‪-‬ط يف ش‪-‬خص اجملين علي‪-‬ه أو أخط‪-‬أ يف تنفي‪-‬ذ اجلرمية‪ -‬أص‪-‬اب شخص‪-‬ا اخ‪-‬ر خالف من‬
‫ك‪--‬ان يقص‪--‬ده يس‪--‬أل عن قت‪--‬ل عم‪--‬د م‪--‬ع س‪--‬بق اإلص‪-‬رار‪ ،‬ذل‪--‬ك ألن س‪--‬بق اإلص‪-‬رار‪ :‬حال‪--‬ة ذهني‪--‬ة قائم‪--‬ة بنفس اجلاين و مالزم‪--‬ة ل‪--‬ه‪ ،‬فم‪--‬ىت ق‪--‬ام‬
‫بتنفي‪-‬ذ اجلرمية ال‪-‬يت أص‪-‬ر على ارتكاهبا اعت‪-‬رب مت‪-‬وافرا يف حق‪-‬ه و ل‪-‬و ك‪-‬ان الفع‪-‬ل ال‪-‬ذي ارتكب‪-‬ه مل يق‪-‬ع على الش‪-‬خص ال‪-‬ذي ك‪-‬ان يقص‪-‬ده ب‪-‬ل وق‪-‬ع‬
‫على غريه‪.‬‬
‫و ينبغي أن مالحظ‪-‬ة أن‪-‬ه إذا مل تت‪-‬وافر ل‪-‬دى اجلاين – يف حال‪-‬ة اخلط‪-‬أ يف الش‪-‬خص – ني‪-‬ة القت‪-‬ل إال س‪-‬اعة اقرتاف‪-‬ه‪ ،‬فال يت‪-‬وافر بالنس‪-‬بة ل‪-‬ه‬
‫ظ‪-‬رف س‪-‬بق اإلص‪-‬رار‪ ،‬كم‪-‬ا ل‪-‬و بيت (خال‪-‬د) الني‪-‬ة على قت‪-‬ل (بك‪-‬ر) و عن‪-‬د ذهاب‪-‬ه إىل املك‪-‬ان ال‪-‬ذي ي‪-‬رجح وج‪-‬وده في‪-‬ه‪ ،‬ال يع‪-‬ثر علي‪-‬ه ولكن‪-‬ه‬
‫يصادف زوجته فتطرأ له فكرة قتلها فيقتلها‪ ،‬فإمنا يوجه إىل (خالد) يف هذه احلالة هو هتمة القتل العمد دون سبق اإلصرار‪ ،‬ذلك‬
‫ألن فك‪-‬رة قت‪-‬ل الزوج‪-‬ة مل تتول‪-‬د يف نفس اجلاين إىل س‪-‬اعة اقرتاف‪-‬ه فال يت‪-‬وافر بالنس‪-‬بة ل‪-‬ه ظ‪-‬رف س‪-‬بق اإلص‪-‬رار‪ ،‬كم‪-‬ا أن ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة ليس‪-‬ت من‬
‫صورة اخلطأ يف التصويب أي اخلطأ يف الشخص‪.‬‬
‫كما أن قيام االتفاق بني املسامهني يف اجلرمية يفيد عادة توافر سبق اإلصرار لدى كل منهم‪.‬‬
‫غري أن التالزم بني االتف ‪--‬اق على القت ‪--‬ل و بني ت‪- -‬وافر س ‪--‬بق اإلص‪- -‬رار ليس أم‪- -‬را حتمي ‪--‬ا‪ ،‬فق ‪--‬د ين ‪--‬وي املش ‪--‬اركون فج ‪--‬أة قت ‪--‬ل اجملين علي ‪--‬ه‪،‬‬
‫ويتفق ‪--‬ون على تنفي ‪--‬ذ ذل ‪--‬ك يف احلال‪ ،‬فال يت‪- -‬وافر س ‪--‬بق اإلص‪- -‬رار‪ ،‬ذل ‪--‬ك ألن الف ‪--‬رتة ال ‪--‬يت اس ‪--‬تغرقها االتف ‪--‬اق بينهم ال تس ‪--‬مح هلم ب ‪--‬الرتوي‬
‫والتفكري اهلادئ‪.‬‬
‫كذلك ق‪--‬د يتحق‪--‬ق الوض‪--‬ع العكس‪--‬ي‪ ،‬أي ق‪--‬د يت ‪-‬وافر س‪--‬بق اإلص ‪-‬رار ل‪--‬دى املش‪--‬اركني يف اجلرمية دون أن يك‪--‬ون بينهم اتف‪--‬اق س‪--‬ابق على‬
‫القت‪-‬ل‪ ،‬فق‪-‬د يص‪-‬مم شخص‪-‬ان – ك‪-‬ل على ح‪-‬دة – على قت‪-‬ل اجملين علي‪-‬ه دون أن يك‪-‬ون بينهم‪-‬ا اتف‪-‬اق‪ ،‬فريتكب‪-‬ا اجلرمية يف ذات ال‪-‬وقت أو يف‬
‫وق‪-‬تني متق‪-‬اربني ول‪-‬ذلك قض‪-‬ي بأن‪-‬ه "إذا تواج‪-‬د شخص‪-‬ان يف حمل الواقع‪-‬ة الرتك‪-‬اب جرمية قت‪-‬ل عم‪-‬د م‪-‬ع س‪-‬بق اإلص‪-‬رار و أطل‪-‬ق أح‪-‬دمها العي‪-‬ار‬
‫الناري‪ ،‬أو أحدث اجلرح الذي متت اجلرمية بسببه فيعترب كالمها فاعال أصليا للجرمية"‪.‬‬
‫و س‪-‬بق اإلص‪-‬رار حال‪-‬ة ذهني‪-‬ة تق‪-‬وم يف نفس اجلاين‪ ،‬فه‪-‬و من األم‪-‬ور النفس‪-‬ية ال‪-‬يت ال يك‪-‬ون ل‪-‬ه يف اخلارج أث‪-‬ر م‪-‬ادي ي‪-‬دل علي‪-‬ه مباش‪-‬رة‪ ،‬و‬
‫إمنا هو يستفاد من وقائع و ظروف خارجية يستخلصه القاضي منها استخالصا سائغا‪.‬‬
‫و الق‪--‬ول بت‪-‬وافر س‪--‬بق اإلص‪-‬رار أو عدم‪--‬ه مس‪--‬ألة موض‪--‬وعية‪ ،‬الفص‪--‬ل فيه‪--‬ا لقاض‪--‬ي املوض‪--‬وع دون معقب علي‪--‬ه من اجمللس األعلى‪ ،‬إال إذا‬
‫ك ‪--‬انت الظ ‪--‬روف و الوق ‪--‬ائع ال ‪--‬يت أثبته ‪--‬ا ال ت ‪--‬ؤدي عقال إىل استخالص ‪--‬ها أو إذا خ ‪--‬رجت احملكم ‪--‬ة عم ‪--‬ا يقتض ‪--‬يه تعري ‪--‬ف س ‪--‬بق اإلص ‪-‬رار يف‬
‫القانون‪.‬‬
‫فس‪-‬بق اإلص‪-‬رار باعتب‪-‬اره من األم‪-‬ور املعنوي‪-‬ة أو الباطني‪-‬ة ال‪-‬يت ال ت‪-‬درك إال باألفع‪-‬ال املادي‪-‬ة ال‪-‬يت يق‪-‬وم هبا اجلاين‪ ،‬و ال‪-‬يت يفص‪-‬ح هبا عم‪-‬ا ك‪-‬ان‬
‫يضمره يف نفسه‪ ،‬ال ميكن إثباته بشهادة الشهود‪ ،‬و إمنا يستنتج يف الغالب من القرائن‪.‬‬
‫و من ذل‪-‬ك أن يع‪-‬د اجلاين للقت‪-‬ل عدت‪-‬ه قب‪-‬ل وقوع‪-‬ه‪ ،‬ك‪-‬أن يش‪-‬رتي الس‪-‬الح ال‪-‬ذي اس‪-‬تعمله يف قت‪-‬ل اجملين علي‪-‬ه بالقت‪-‬ل‪ ،‬أو أن يه‪-‬يئ لنفس‪-‬ه‬
‫مقدما الوسائل اليت متكنه من اهلرب بعد تنفيذ اجلرمية‪.‬‬
‫و ق‪-‬د تس‪-‬تنتج احملكم‪-‬ة س‪-‬بق اإلص‪-‬رار مثال من الض‪-‬غينة الثابت‪-‬ة بني املتهم و اجملين علي‪-‬ه‪ ،‬و من جميء املتهم من بلدت‪-‬ه إىل مك‪-‬ان احلادث‪-‬ة‬
‫الذي يبعد عنها ثالثني كيلومرتا و من تربصه له جبوار الطريق الذي سيمر به حىت إذا ما راه انقض عليه و طعنه بالسكني ‪.‬‬
‫كذلك يس‪-‬تخلص من ت‪-‬دبري خط‪-‬ة القت‪-‬ل باس‪-‬تدراج اجملين علي‪-‬ه إىل منزل‪-‬ه وإعطائ‪-‬ه مس‪-‬كرا إلض‪-‬عاف مقاومت‪-‬ه و إع‪-‬داد ال‪-‬ة القت‪-‬ل وس‪-‬بق‬
‫حتضري غراره لوضعه جثته و عربته لنقلها و إخفائها‪.‬‬
‫و ال تل‪--‬زم احملكم‪--‬ة ب‪--‬ذكر ت ‪-‬وافر س‪--‬بق اإلص ‪-‬رار بص ‪-‬ريح لفظ‪--‬ه‪ ،‬ب‪--‬ل بكفي أن تس‪--‬وق من العب‪--‬ارات م‪--‬ا ي‪--‬دل على قيام‪--‬ه عن‪--‬د اجلاين‪ ،‬ف‪--‬إذا‬
‫ق‪-‬الت إن اجلاين دخ‪-‬ل املس‪-‬جد بس‪-‬كني ك‪-‬انت مع‪-‬ه‪ ،‬و انتق‪-‬ل في‪-‬ه من ص‪-‬ف إىل اخ‪-‬ر مت ختري ل‪-‬ه موض‪-‬عا ب‪-‬القرب من اجملين علي‪-‬ه و غافل‪-‬ه أثن‪-‬اء‬
‫الركوع و اخنفاض األبصار و طعنه بالسكني مث حكمت عليه على اعتبار أن هناك سبق إصرار و تربصا كان حكما صحيحا‪.‬‬
‫خامس ـا‪ :‬أهمية التفرق ـة‬
‫يرتتب على التفرقة بني القصد البسيط و سبق اإلصرار تشديد العقاب يف جرائم االعتداء على احلياة و سالمة اجلسم‪ ،‬أي جرائم‬
‫القتل و اجلرح أو الضرب ( المواد ‪ 410-409-404-403-402-401-400-397-396-393‬من ق‪.‬ج) مبعىن أن‬
‫املشروع مل يعترب سبق اإلصرار ظفرا مشددا‪ ،‬إال بالنسبة جلرائم معينة‪ ،‬فهو إذن ليس سببا عاما للتشديد‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬إثبات القصد الجنائي‪.‬‬
‫ينبغي على احملكم‪-‬ة التثبت من ت‪-‬وافر القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي و إقام‪-‬ة ال‪-‬دليل على حتقق‪-‬ه ح‪-‬ىت حتكم بإدان‪-‬ة املتهم‪ ،‬و يثبت القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي يف القت‪-‬ل‬
‫بإقامة الدليل على اجتاه إرادة اجلاين إىل إزهاق روح اجملين عليه‪ ،‬أي إثبات توافر نية القتل‪.‬‬
‫و القص‪--‬د باعتب‪--‬اره حقيق‪--‬ة نفس‪--‬ية ال تس‪--‬تطيع احملكم‪--‬ة إثبات‪--‬ه إال بطري‪--‬ق االس‪--‬تدالل من املظ‪--‬اهر و اإلم‪--‬ارات اخلارجي‪--‬ة ال‪--‬يت حتي‪--‬ط بفع‪--‬ل‬
‫اجلاين و تنم عم‪-‬ا جيوس يف نفس‪-‬ه‪ ،‬و ه‪-‬و ب‪-‬ذلك مس‪-‬ألة موض‪-‬وعية‪ ،‬يفص‪-‬ل فيه‪-‬ا قاض‪-‬ي املوض‪-‬وع إثبات‪-‬ا أو نفي‪-‬ا على ض‪-‬وء الظ‪-‬روف املطروح‪-‬ة‬
‫أمام‪--‬ه‪ ،‬دون رقاب‪--‬ة من اجمللس األعلى علي‪--‬ه‪ ،‬إال إذا أس‪--‬اء تأوي‪--‬ل الق‪--‬انون يف حتدي‪--‬د ماهي‪--‬ة القص‪--‬د‪ ،‬أو ش‪--‬اب قض‪--‬اءه س‪--‬وء االس‪--‬تدالل‪ ،‬ب‪--‬أن‬
‫كانت األسباب اليت يستند إليها يف القول بتوافر نية القتل ال تؤدي فعال إىل ثبوته‪.‬‬
‫و ليس هن‪-‬اك مظه‪-‬را بذات‪-‬ه يقط‪-‬ع بقي‪-‬ام القص‪-‬د على س‪-‬بيل القط‪-‬ع و احلثم‪ ،‬ألن ه‪-‬ذه املظ‪-‬اهر ليس‪-‬ت هي ذات القص‪-‬د‪ ،‬و ال هي أدل‪-‬ة‬
‫قاطع‪-‬ة تفص‪-‬ح عن‪-‬ه يف ك‪-‬ل حال‪-‬ة على س‪-‬بيل احلتم‪ ،‬و إمنا هي ق‪-‬رائن بس‪-‬يطة و إم‪-‬ارات كاش‪-‬فة تسرتش‪-‬د هبا احملكم‪-‬ة يف اس‪-‬تخالص ت‪-‬وافر ني‪-‬ة‬
‫القتل‪ ،‬فقد تصدق و قد ال تصدق‪.‬‬
‫ومن املظ‪-‬اهر اخلارجي‪-‬ة ال‪-‬يت يس‪-‬تدل عليه‪-‬ا بت‪-‬وافر ني‪-‬ة القت‪-‬ل‪ ،‬اس‪-‬تعمال وس‪-‬يلة قاتل‪-‬ة‪ ،‬العالق‪-‬ة ال‪-‬يت ترب‪-‬ط اجلاين ب‪-‬اجملين علي‪-‬ه‪ ،‬وض‪-‬ع اإلص‪-‬ابة‬
‫من جسم اجملين عليه‪ ،‬عدد اإلصابات اليت أحدثها و أسباب القتل‪.‬‬
‫و لكن ه‪--‬ذه املظ‪--‬اهر جمرد ق‪-‬رائن بس‪--‬يطة كم‪--‬ا س‪--‬لف الق‪--‬ول‪ ،‬فال يكفي أن تثبت احملكم‪--‬ة أح‪--‬دمها ح‪--‬ىت يك‪--‬ون يف ذات‪--‬ه دليال على حتق‪--‬ق‬
‫نية القتل‪.‬‬
‫و تأسيس‪--‬ا على ذل‪--‬ك ب‪-‬أن جمرد اس‪-‬تعمال س‪-‬الح قات‪-‬ل بطبيعت‪-‬ه ال يفي‪-‬د حتم‪-‬ا ت‪-‬وافر ني‪-‬ة القت‪-‬ل‪ ،‬فق‪-‬د يس‪--‬تعمل الش‪--‬خص س‪-‬الحا ناري‪-‬ا‬
‫بقص‪--‬د اإلره‪--‬اب لفض مش‪--‬اجرة مثال فيص‪--‬يب أح‪--‬د األش‪--‬خاص‪ ،‬فم‪--‬ع أن االل‪--‬ة قاتل‪--‬ة بطبيعته‪--‬ا‪ ،‬إال أن قص‪--‬د القت‪--‬ل منتفي‪--‬ا‪ ،‬و ق‪--‬د قض‪--‬ي‬
‫ك‪-‬ذلك ب‪-‬أن‪" :‬إطالق العي‪-‬ار الن‪-‬اري ص‪-‬وب اجملين علي‪-‬ه ال يفي‪-‬د حتم‪-‬ا أن اجلاين ن‪-‬وى إزه‪-‬اق روح‪-‬ه‪ ،‬و اإلص‪-‬ابة يف مقت‪-‬ل ال يص‪-‬ح أن يس‪-‬تنتج‬
‫منها قصد القتل‪ ،‬إال إذا ثبت أن اجلاين صوب العيار إىل اجملين عليه معتمدا إصابته يف املوضع الذي عد مقتال من جسمه‪.‬‬
‫و قد تستخلص احملكمة نية القتل على الرغم من استعمال اجلاين أداة غري قاتلة بطبيعتها‪ ،‬أو أن تكون اإلصابة يف غري مقتل‪.‬‬
‫و تطبيق‪--‬ا ل‪--‬ذلك قض‪--‬ي بت ‪-‬وافر ني‪--‬ة القت‪--‬ل على ال‪--‬رغم من أن اجلاين ق‪--‬د اس‪--‬تعمل عص‪--‬ا ق‪--‬د أع‪--‬دها للقت‪--‬ل‪ ،‬اس‪--‬تنادا إىل أن العص‪--‬ا ق‪--‬د‬
‫اس‪-‬تعملت بطريق‪-‬ة تقط‪-‬ع بوج‪-‬وده‪ ،‬كم‪-‬واالة اجلاين ض‪-‬رب اجملين علي‪-‬ه هبا على رأس‪-‬ه ح‪-‬ىت هتش‪-‬مت‪ ،‬و م‪-‬ا دامت ه‪-‬ذه األداة حتدث القت‪-‬ل‪ ،‬و‬
‫ما دام الطبيب قد أثبت حدوث الوفاة نتيجة إصابة رضية فيجوز أن تكون هذه الوفاة قد نتجت من الضرب بالعصا‪.‬‬
‫و قد تستخلص احملكمة نية القتل لدى اجلاين و لو مل يستعمل سالحا ما‪ ،‬كأن يعمد إىل خنق اجملين عليه بيده أو بغرقه يف املاء‪.‬‬
‫و على ذل‪-‬ك خنلص إىل أن‪-‬ه ال يكفي إثب‪-‬ات ت‪-‬وافر ني‪-‬ة القت‪-‬ل‪ ،‬أن تعتم‪-‬د حمكم‪-‬ة املوض‪-‬وع على ج‪-‬رد ن‪-‬وع االل‪-‬ة املس‪-‬تعملة‪ ،‬أو الوس‪-‬يلة‬
‫املستعملة‪ ،‬أو موضع اإلصابة‪ ،‬و إمنا جيب عليها أن تستخلص هذه النية من وقائع الدعوى و ظروفها و مالبساهتا‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ غير العمد‬
‫تمهيد و تقسيم‬
‫اخلط‪--‬أ غ‪--‬ري العم‪--‬دي ه‪--‬و ص‪--‬ورة ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي يف اجلرائم غ‪--‬ري العمدي‪--‬ة‪ .‬و األص‪--‬ل أن يعني املش‪--‬رع ب‪--‬النص ص‪--‬ورة ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي يف ك‪--‬ل‬
‫جرمية‪ ،‬ف‪-‬إن س‪-‬كت عن بي‪-‬ان ذل‪-‬ك ك‪-‬ان مف‪-‬اد ذل‪-‬ك أن‪-‬ه يقتض‪-‬ي القص‪-‬د اجلن‪-‬ائي يف اجلرائم العمدي‪-‬ة‪ .‬إذ القاع‪-‬دة أن تك‪-‬ون اجلرائم عمدي‪-‬ة‪ ،‬و‬
‫االستثناء أن تكون غري عمدية‪.‬‬
‫و عليه سنقسم دراسة هذا املبحث إىل ثالثة فروع‪:‬‬
‫خنصص أولها ملاهية اخلطأ و صوره‪.‬‬
‫و خنصص الثاني ملعيار اخلطأ و أنواعه‪.‬‬
‫و خنصص الثالث لوحدة اخلطأ و درجته‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ماهية الخطأ و صوره‬
‫‪‬البند األول‪ :‬ماهية الخطأ غير العمدي‬
‫مل يضع املشرع تعريفا للخطأ يبني فيه ماهيته‪ ،‬و إمنا اكتفى بذكر بعض صور معينة له يف بيانه للجرائم غري العمدية السيما جرائم‬
‫القتل و اإلصابة اخلطأ‪ ،‬حيث ذكر يف املواد (‪ -192-433-432‬فقرة ‪ 2‬و ‪ 311‬من ق‪.‬ج) اإلمهال و الرعونة و عدم االحتياط و‬
‫عدم مراعاة القوانني أو اللوائح أو األنظمة‪.‬‬
‫و ميكن تعريف اخلطأ بأنه "إخالل بالتزام عام يفرضه املشرع على األفراد بالتزام مراعاة احليطة فيما يباشرونه حرصا على احلقوق و‬
‫املصاحل اليت حيميها القانون‪.‬‬
‫و يتمثل جوهر اخلطأ وفقا هلذا التعريف يف‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬عدم التزام اجلاين اجتناب التصرفات اخلطرة أو مباشرهتا يف حدود تسمح بتجنب خطرها‪.‬‬
‫ثاني]ا‪ :‬ع‪-‬دم توق‪-‬ع اجلاين ح‪-‬دوث النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة ال‪-‬يت ك‪-‬ان من واجب‪-‬ه و يف اس‪-‬تطاعته توقعه‪-‬ا أو ح‪-‬ىت م‪-‬ع توقع‪-‬ه هلا اعتق‪-‬د أهنا لن تق‪-‬ع‪،‬‬
‫ألنه مل يتخذ عند مباشرة لسلوكه ما كان يف وسعه‪ ،‬و ما كان جيب عليه أن يتخذه من عناية و احتياط و جذر ليحول دون حدوثها‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬صور الخطأ غير العمدي‬
‫مل ينص املش‪-‬رع على ص‪-‬ور اخلط‪-‬أ علال س‪-‬بيل احلص‪-‬ر‪ ،‬ب‪-‬ل أورده‪-‬ا على س‪-‬بيل املث‪-‬ال‪ ،‬و هي من الش‪-‬مول حبيث تتس‪-‬ع جلمي‪-‬ع حاالت‪-‬ه‪ ،‬و‬
‫بالت‪--‬ايل فال يل‪--‬زم أن تت‪-‬وافر مجيعه‪--‬ا ح‪--‬ىت يق‪--‬وم ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي يف اجلرائم غ‪--‬ري العمدي‪--‬ة‪ ،‬ب‪--‬ل يكفي ت‪-‬وافر إح‪--‬داها‪ ،‬ك‪--‬ذلك مل يس‪--‬تخدم املش‪--‬رع‬
‫املغ‪--‬ريب تعب‪-‬ريا واح‪--‬دا للدالل‪--‬ة على مع‪--‬ىن اخلط‪--‬أ‪ ،‬فه‪--‬و يكتفي ب‪--‬ذكر اإلمهال في (المواد ‪ 311-192/2-433-432‬ق‪.‬ج) و ي‪--‬ذكر‬
‫اإلمهال و عدم االحتياط (المواد ‪.)192/2-609/36-433-432‬‬
‫و ق‪--‬د أورد املش‪--‬رع يف ش‪--‬أن ج‪-‬رائم القت‪--‬ل غ‪--‬ري العم‪--‬دي ع‪--‬دة ص‪--‬ور للخط‪--‬أ‪ ،‬مجع فيه‪--‬ا نص املادة ‪432‬ج ال‪--‬يت تقض‪--‬ي أن‪--‬ه‪" :‬من ارتكب‬
‫بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إمهاله أو عدم مراعاته النظم أو القوانني قتال غري عمدي‪."...‬‬
‫و يالح‪-‬ظ أن ه‪-‬ذه التعب‪-‬ريات و إن ك‪-‬انت يف ظاهره‪-‬ا ت‪-‬دل على حص‪-‬ر ص‪-‬ور اخلط‪-‬أ‪ ،‬إال أهنا يف الواق‪-‬ع من الش‪-‬مول حبيث تتس‪-‬ع جلمي‪-‬ع‬
‫حاالته‪ ،‬و عليه فيكفي أن يتوافر إحدى هذه الصور حىت تقوم مسؤولية اجلاين عن اخلطأ غري العمدي‪.‬‬
‫و سنوجز فيما يلي معىن كل صورة من هذه الصور‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬الرعـون ـة‬
‫الرعون ‪--‬ة‪ ،‬لغ ‪--‬ة تع ‪--‬ين الطيش و اخلف ‪--‬ة‪ ،‬و هي ترمجة غ ‪--‬ري دقيق ‪--‬ة لكلم ‪--‬ة ‪ maladresse‬و تع ‪--‬ين س ‪--‬وء التق ‪--‬دير‪ ،‬و نقص امله ‪--‬ارة‪ ،‬و‬
‫احلدق‪ ،‬و الدراسة‪ ،‬و اجلهل باملبادئ األساسية و األصول الفنية ملباشرة املهنة‪.‬‬
‫و تتحق‪--‬ق الرعون‪--‬ة إذا أق‪--‬دم اجلاين على نش‪--‬اطه‪ ،‬فعال ك‪--‬ان أو نش‪--‬اطا‪ ،‬دون مراع‪--‬اة األص‪--‬ول الفني‪--‬ة‪ ،‬إم‪--‬ا خلفت‪--‬ه و س‪--‬وء تص‪--‬رفه‪ ،‬و إم‪--‬ا‬
‫لنقص كفاءت‪-‬ه الفني‪-‬ة‪ ،‬مث‪-‬ال ذل‪-‬ك الط‪-‬بيب ال‪-‬ذي جيري عملي‪-‬ة جراحي‪-‬ة دون مراع‪-‬اة املب‪-‬ادئ األساس‪-‬ية و األص‪-‬ول العلمي‪-‬ة املتع‪-‬ارف عليه‪-‬ا‪ ،‬و‬
‫الص‪-‬يديل ال‪-‬ذي جيه‪-‬ز خمدرا لالس‪-‬تعانة ب‪-‬ه يف إج‪-‬راء عملي‪-‬ة جراحي‪-‬ة بنس‪-‬بة تزي‪-‬د عن النس‪-‬بة املس‪-‬موح هبا طبي‪-‬ا في‪-‬رتتب على ذل‪-‬ك وف‪-‬اة املريض‪،‬‬
‫و املهن‪-‬دس ال‪-‬ذي يص‪-‬مم بن‪-‬اء و ه‪-‬و غ‪-‬ري ملم بالقواع‪-‬د العلمي‪-‬ة و األص‪-‬ول الفني‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬أدى ذل‪-‬ك إىل اهني‪-‬اره‪ ،‬و املول‪-‬د ال‪-‬ذي يغف‪-‬ل رب‪-‬ط احلب‪-‬ل‬
‫الس‪-‬ري لطف‪-‬ل و يرتك‪-‬ه بغ‪-‬ري رعاي‪-‬ة و عناي‪-‬ة بع‪-‬د مول‪-‬ده‪ ،‬م‪-‬ع أن‪-‬ه ول‪-‬د قب‪-‬ل املوع‪-‬د الط‪-‬بيعي‪ ،‬و املق‪-‬اول ال‪-‬ذي يش‪-‬يد بلكون‪-‬ا ب‪-‬دون دع‪-‬ائم حتمل‪-‬ه‬
‫أو يرتكب خطأ يف عملية اإلمسنت املسلح فيسقط البلكون على أناس كانوا فيه م يؤدي حبياهتم‬
‫كما تتوافر الرعونة أيضا يف حالة ما إذا أقدم اجلاين على عمل غري مقدر خطورته و غري منتبه إىل النتائج الضارة اليت ميكن أن‬
‫ترتتب عليه‪.‬‬
‫مثال ذلك من يقود سيارة مث يغري اجتاه سريه فجأة دون أن ينبه املارة فيصيب إنسانا‪ ،‬أو من يقود سيارة و هو غري ملم بالقيادة‬
‫إملام كافيا‪ ،‬و من يلقي حجرا من بناء غري متوقع أن يصيب أحدا فإذا به يصيب أحد املارة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم االحتياط و التحرز‬
‫و هي صورة من صور اخلطأ الذي ينطوي عليه نشاط إجيايب يقوم به اجلاين و يدل على عدم التبصر أو عدم تدبر العواقب‪.‬‬
‫فيتحق‪--‬ق االحتي‪--‬اط إذا ك‪--‬ان اجلاين ق‪--‬د توق‪--‬ع النت‪--‬ائج الض‪--‬ارة ال‪--‬يت ت ‪-‬رتتب على فعل‪--‬ه‪ ،‬و م‪--‬ع ذل‪--‬ك ال يتخ‪--‬ذ االحتياط‪--‬ات ال‪--‬يت من ش‪--‬أهنا‬
‫احليلولة دون وقوع هذه النتائج‪.‬‬
‫مث ‪--‬ال ذل ‪--‬ك س‪--‬ائق الس ‪--‬يارة ال ‪--‬يت يقوده‪--‬ا بس ‪--‬رعة كب ‪--‬رية يف طري ‪--‬ق غ ‪--‬اص بالن ‪--‬اس فيص‪--‬يب أح ‪--‬دهم جبراح ي ‪--‬ؤدي ب ‪--‬ه فيم ‪--‬وت‪ ،‬و ص‪--‬احب‬
‫الس‪--‬فينة الص‪--‬غرية ال‪--‬يت حيمله‪--‬ا ب‪--‬أكثر مما حتتم‪--‬ل فتغ‪--‬رق بركاهبا‪ ،‬و من يق‪--‬ود س‪--‬يارة رغم ض‪--‬عف ش‪--‬ديد يف ق‪--‬وة إبص‪--‬اره فيقت‪--‬ل طفال‪ ،‬و من‬
‫يسلم فرسا غري ملجم لصيب ال يستطيع كبح مجاحه‪ ،‬و املرضعة اليت تنام جبوار رضيعها فتتقلب عليه أثناء نومها و تقتله‪.‬‬
‫و ق‪-‬د حكم تطبيق‪-‬ا هلذه الص‪-‬ورة من ص‪-‬ور اخلط‪-‬أ غ‪-‬ري العم‪-‬دي مبس‪-‬ؤولية ص‪-‬احب البن‪-‬اء ال‪-‬ذي يش‪-‬رع يف هدم‪-‬ه س‪-‬واء بنفس‪-‬ه أو بواس‪-‬طة‬
‫عم‪--‬ال يكلفهم ب‪--‬ذلك حتت مالحظت‪--‬ه دون أن يتخ‪--‬ذ االحتياط‪--‬ات املعقول‪--‬ة ال‪--‬يت تقي األنفس مما ق‪--‬د يص‪--‬يبها من األض‪-‬رار‪ ،‬و حكم أيض‪--‬ا‬
‫مبس‪-‬ؤولية الكمس‪-‬اري ال‪-‬ذي يعطي س‪-‬ائق القط‪-‬ار إش‪-‬ارة القيلم قب‪-‬ل أن يتأك‪-‬د من ن‪-‬زول ال‪-‬راكب من‪-‬ه‪ ،‬فيتس‪-‬بب بع‪-‬دم احتياط‪-‬ه يف س‪-‬قوطه و‬
‫إصابته جبروح‪ ،‬و من يقود سيارة على يسار الطريق فيصيب شخصا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬اإلهمال و عدم االنتباه‬
‫تتحق‪--‬ق ه‪--‬ذه الص‪--‬ورة بإغف‪--‬ال اجلاين اختاذ م‪--‬ا يقتض‪--‬يه واجب احليط‪--‬ة و احلذر و م‪--‬ا متلي‪--‬ه قواع‪--‬د اخلربة األنس‪--‬انية العام‪--‬ة توقع‪--‬ا للنت‪--‬ائج‬
‫الض‪-‬ارة‪ .‬فاخلط‪-‬أ يف ه‪-‬ذه الص‪-‬ورة يتخ‪-‬ذ مظه‪-‬را س‪-‬لبيا يتمث‪-‬ل يف ت‪-‬رك أو امتن‪-‬اع عن اختاذ العناي‪-‬ة الالزم‪-‬ة لتجنب ح‪-‬دوث النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة‪ ،‬و‬
‫ه ‪--‬و ب ‪--‬ذلك خيتل ‪--‬ف عن ص ‪--‬ورة اخلط ‪--‬أ يف حال ‪--‬ة ع ‪--‬دم االحتي ‪--‬اط أو التح ‪--‬رز‪ ،‬حيث يتخ ‪--‬ذ اجلاين موقف ‪--‬ا إجيابي ‪--‬ا يتس ‪--‬م بع ‪--‬دم احلذر وت ‪--‬دبر‬
‫العواقب‪.‬‬
‫و مث ‪--‬ال اإلمهال و ع ‪--‬دم االنتب ‪--‬اه‪ ،‬ص ‪--‬احب األش ‪--‬ياء ال ‪--‬يت يرتكه ‪--‬ا يف طري ‪--‬ق ع ‪--‬ام دون أن يض ‪--‬ع عليه ‪--‬ا مص ‪--‬باحا ليال أو على حف ‪--‬رة يف‬
‫الطري‪-‬ق الع‪-‬ام لتنبي‪-‬ه املارة‪ ،‬إذا تس‪-‬بب ذل‪-‬ك يف قت‪-‬ل أو ج‪-‬رح املارة‪ ،‬و األم ال‪-‬يت ت‪-‬رتك ولي‪-‬دها مبف‪-‬رده جبوار موق‪-‬د غ‪-‬از مش‪-‬تعل على م‪-‬اء فيس‪-‬قط‬
‫علي‪--‬ه املاء الس‪--‬اخن و يقتل‪--‬ه‪ ،‬و ح‪--‬ارس جماز الس‪--‬كة احلديدي‪--‬ة‪ ،‬إذا مل يب‪--‬ادر إىل حتذير املارة يف ال‪--‬وقت املناس‪--‬ب و تن‪--‬بيههم إىل ق‪--‬رب م‪--‬رور‬
‫القط‪--‬ار و ت ‪-‬راخى يف إغالق اجملاز من ض‪--‬لفتيه‪ ،‬و مل يس‪--‬تعمل املص‪--‬باح األمحر يف التح‪--‬ذير‪ ،‬مبا أدى إىل وق‪--‬وع ح‪--‬ادث تص‪--‬ادم ت ‪-‬رتب علي‪--‬ه‬
‫وف‪-‬اة بعض األش‪-‬خاص‪ ،‬و مس‪-‬تعمل االل‪-‬ة البخاري‪-‬ة ال‪-‬ذي ال يتخ‪-‬ذ ط‪-‬رق الوقاي‪-‬ة املانع‪-‬ة ألخطاره‪-‬ا على اجلمه‪-‬ور فتج‪-‬ذب شخص‪-‬ا من ثياب‪-‬ه‬
‫و تقتله‪ ،‬و حارس املنزل الذي يهمل يف صيانته فينهار و يرتتب على ذلك هالك بعض السكان‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬عدم مراعاة القوانين و اللوائح و األنظمة‬
‫تعترب خمالفة القوانني و االوائح و األنظمة صورة قائمة بذاهتا ترتتب عليها مسؤولية اجلاين عن القتل اخلطأ أو اإلصابة اخلطأ‪ ،‬حىت لو‬
‫مل يتوافر يف حقه أي صورة من صور اخلطأ األخرى‪ ،‬ألن خمالفة ما تنص عليه القوانني و اللوائح و األنظمة خطأ قائم بذاته‪.‬‬
‫و يتحق‪-‬ق اخلط‪-‬أ يف ه‪-‬ذه الص‪-‬ورة عن‪-‬دما يك‪-‬ون س‪-‬لوك اجلاين‪ ،‬فعال أو امتناع‪-‬ا‪ ،‬خمالف‪-‬ا لقواع‪-‬د الس‪-‬لوك االم‪-‬رة الص‪-‬ادرة عن الدول‪-‬ة و ال‪-‬يت‬
‫هلا ق‪-‬وة اإلل‪-‬زام الق‪-‬انوين‪ ،‬س‪-‬واء أك‪-‬انت ص‪-‬ادرة عن الس‪-‬لطة التش‪-‬ريعية ك‪-‬القوانني‪ ،‬أو عن الس‪-‬لطة التنفيذي‪-‬ة ك‪-‬اللوائح أو الق‪-‬رارات اإلداري‪-‬ة‪ ،‬أو‬
‫عن أفراد عاديني كاألنظمة اليت يفرضها رب العمل على عماله لتنظيم ممارسة العمل يف منشاته‪.‬‬
‫و يطلق على هذه الصورة من اخلطأ تعبري "اخلطأ اخلاص" متييزا هلا عن الصورة السابقة اليت يطلق عليها مصطلح "اخلطأ العام"‪.‬‬
‫و لكن ذل‪-‬ك ال يع‪-‬ين أن جمرد خمالف‪-‬ة الق‪-‬وانني والل‪-‬وائح ك‪-‬اف ملس‪-‬اءلة اجلاين عن النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة ال‪-‬يت وقعت‪ ،‬و إمنا ينبغي ت‪-‬وافر عالق‪-‬ة‬
‫سببية بني تلك املخالفة و بني النتيجة اإلجرامية‪ ،‬فعالقة السببية شرط أساسي يف املساءلة‪.‬‬
‫و ق‪-‬د حكم تطبيق‪-‬ا ل‪-‬ذلك‪ ،‬بأن‪-‬ه من املق‪-‬رر أن "ع‪-‬دم مراع‪-‬اة الق‪-‬وانني و الق‪-‬رارات و الل‪-‬وائح و األنظم‪-‬ة‪ ،‬و إن أمكن اعتب‪-‬اره مس‪-‬تقال بذات‪-‬ه‬
‫يف جرائم القتل اخلطأ‪ ،‬إال أن هذا مشروط بأن تكون هذه املخالفة هي بذاهتا سبب احلادث‪ ،‬حبيث ال يتصور وقوعه لوالها‪.‬‬
‫مث‪--‬ال ذل‪--‬ك أن يق‪--‬ود ش‪--‬خص س‪--‬يارة ب‪--‬دون ت‪--‬رخيص قي‪--‬ادة فيص‪--‬دم أح‪--‬د املارة و يقتل‪--‬ه‪ ،‬مث يت‪--‬بني أن س‪--‬بب الوف‪--‬اة ترج‪--‬ع إىل خط‪--‬أ اجملين‬
‫علي‪-‬ه وح‪--‬ده‪ ،‬ال‪--‬ذي ان‪-‬دفع أم‪-‬ام الس‪--‬يارة فج‪--‬أة‪ ،‬و من مس‪--‬افة قريب‪--‬ة و مل يتمكن الس‪--‬ائق من مفادات‪-‬ه رغم أن‪-‬ه ك‪-‬ان يس‪--‬ري بس‪--‬رعة معقول‪-‬ة‪ ،‬و‬
‫يس‪-‬تعمل إش‪-‬ارات التنبي‪-‬ه الالزم‪-‬ة‪ ،‬و أن‪-‬ه اختد كاف‪-‬ة االحتياط‪-‬ات الالزم‪-‬ة لتاليف وق‪-‬وع احلادث‪ ،‬فال يس‪-‬أل املتهم – يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة‪ -‬عن وف‪-‬اة‬
‫اجملين علي‪--‬ه رغم ثب‪--‬وت خطئ‪--‬ه لقي‪--‬ادة الس‪--‬يارة ب‪--‬دون ت‪--‬رخيص النتف‪--‬اء رابط‪--‬ة الس‪--‬ببية بني خطئ‪--‬ه و النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة ال‪--‬يت وقعت و إن ك‪--‬ان‬
‫يسأل عن جرمية أخرى هي قيادة السيارة بدون ترخيص‪.‬‬
‫و يقص‪-‬د ب‪-‬اللوائح يف ه‪-‬ذه الص‪-‬ورة من ص‪-‬ور اخلط‪-‬أ معناه‪-‬ا الواس‪-‬ع ال‪-‬ذي يش‪-‬مل مجي‪-‬ع الق‪-‬وانني و الق‪-‬رارات و األوام‪-‬ر ال‪-‬يت توض‪-‬ع حلف‪-‬ظ‬
‫النظ ‪--‬ام‪ ،‬و األمن‪ ،‬و ص ‪--‬يانة املص ‪--‬لحة العام ‪--‬ة‪ ،‬و تنظيم الص ‪--‬ناعات و املهن املختلف ‪--‬ة‪ ،‬كم ‪--‬ا تش ‪--‬مل أيض ‪--‬ا املواد ال‪- -‬واردة يف الب ‪--‬اب اخلاص‬
‫باملخالف‪-‬ات يف الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي‪ ،‬فع‪-‬دم مراع‪-‬اة الل‪-‬وائح غالب‪-‬ا م‪-‬ا يك‪-‬ون خمالف‪-‬ة معاقب‪-‬ا عليه‪-‬ا‪ ،‬و يعت‪-‬رب جرمية و ل‪-‬و مل ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه نت‪-‬ائج ض‪-‬ارة‪،‬‬
‫فإذا ترتب عليه النتيجة الضارة فإن اجلاين يكون قد ارتكب جرميتني‪ ،‬خمالفة الالئحة و القتل أو اإلصابة اخلطأ‪.‬‬
‫فإذا ك‪--‬انت اجلرميت‪--‬ان ناش‪--‬ئتني عن فع‪--‬ل واح‪--‬د وجب تط‪--‬بيق (املادة ‪ 435‬ق‪.‬ج)‪ ،‬و احلكم بعقوب‪--‬ة اجلرمية األش‪--‬د فيت‪-‬وافر ب‪--‬ذلك حال‪--‬ة‬
‫التعدد للجرائم‪.‬‬
‫مث‪--‬ال ذل‪--‬ك أن يتس‪--‬بب قائ‪--‬د الس‪--‬يارة يف قت‪--‬ل ش‪--‬خص أو إص‪--‬ابته‪ ،‬ألن‪--‬ه جتاوز يف س‪--‬رعته احلد األقص‪--‬ى للس‪--‬رعة ال‪--‬يت يس‪--‬مح هبا ق‪--‬انون‬
‫املرور‪ ،‬أو ألنه التزام يسار الطريق أو سار بسيارته وسط الطريق‪ ،‬أو ألنه أركب فيها عددا من األشخاص يتجاوز العدد املقرر‪.‬‬
‫أما إذا كانت اجلرميتان ناشئتني عن فعلتني‪ ،‬فإن العقوبات تتعدد فتوقع على اجلاين عقوبة كل جرمية على حدة‪.‬‬
‫مث‪--‬ال ذل‪--‬ك أن يعه‪--‬د ص‪--‬احب الس‪--‬يارة قي‪--‬ادة س‪--‬يارته إىل ش‪--‬خص يعلم أن‪--‬ه غ‪--‬ري م‪--‬رخص ل‪--‬ه بالقي‪--‬ادة‪ ،‬فص‪--‬دم ه‪--‬ذا الش‪--‬خص أح‪--‬د املارة‬
‫فقتله‪.‬‬
‫‪‬البند الثالث‪ :‬حصر صور الخطأ‬
‫يالحظ أن صور اخلطأ اليت نص عليها القانون اجلنائي ميكن ردها إىل صورتني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬صورة إجيابية اخلطأ‪ :‬و ذلك حني يقدم اجلاين على فعله غري متوقع نتائجه اخلطرة أو دون حدوثها إذا ما توقعها (الرعونة و‬
‫عدم االحتياط و التحرز)‪.‬‬
‫ثانيـا‪ :‬صوره السلبيـة‪:‬‬
‫و يف هذه الصورة يتخذ اجلاين موقفا سلبيا‪ ،‬حيث ال يتخذ االحتياطات اليت يوجبها عليه واجب احليطة و احلذر‪ ،‬و يدخل يف هذه‬
‫الصورة حالة اإلمهال و عدم االنتباه‪ ،‬أما عدم مراعاة القوانني و اللوائح‪ ،‬فيتخذ صورة إجيابية أو صورة سلبية حبسب ما إذا كانت هذه‬
‫القوانني و اللوائح تنهي عن فعل (فيأخذ اخلطأ صورة إجيابية) أو تأمر بفعل (فيأخد اخلطأ صورة سلبية)‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬معيار الخطأ و أنواعه‬
‫‪‬البند األول‪ :‬معيار الخطأ‬
‫أثار البحث يف حتديد املعيار الذي ينبغي االعتداد به يف تقدير العناية اليت جيب على اجلاين اختاذها خالفا يف الفقه‪.‬‬
‫فاجته البعض إىل األخ‪-‬ذ باملعي‪--‬ار الشخص‪--‬ي البحث و ال‪--‬ذي يرج‪--‬ع يف تق‪--‬ديره إىل الظ‪-‬روف اخلاص‪--‬ة باجلاين‪ ،‬كدرج‪--‬ة ذكائ‪--‬ه‪ ،‬و مس‪--‬توى‬
‫تعليم ‪--‬ه‪ ،‬و خربات ‪--‬ه الشخص ‪--‬ية‪.‬بينما اجته البعض االخ ‪--‬ر إىل األخ ‪--‬ذ مبعي ‪--‬ار موض ‪--‬وعي ه ‪--‬و معي ‪--‬ار الش ‪--‬خص الع ‪--‬ادي املتوس ‪--‬ط يف ح ‪--‬ذره و‬
‫انتباه‪-‬ه‪ ،‬و ال‪-‬ذي ميارس نش‪-‬اطه بعناي‪-‬ة رب األس‪-‬رة‪ ،‬ف‪-‬إذا اتض‪-‬ح أن اجلاين ال‪-‬تزم يف س‪-‬لوكه الق‪-‬در من احليط‪-‬ة و الفطن‪-‬ة و االنتب‪-‬اه ال‪-‬ذي يلتزم‪-‬ه‬
‫ه ‪--‬ذا الش ‪--‬خص‪ ،‬فال ميكن نس ‪--‬بة اخلط ‪--‬أ يف حق ‪--‬ه‪ ،‬أم ‪--‬ا إذا ت ‪--‬بني أن ‪--‬ه ن ‪--‬زل يف س ‪--‬لوكه عن ه ‪--‬ذا الق ‪--‬در‪ ،‬فلم يتوق ‪--‬ع النتيج ‪--‬ة اإلجرامي ‪--‬ة و العلم‬
‫بعناصرها‪ ،‬و مل يعمل بالتايل على تفاديها‪ ،‬فإنه يكون قد أخطأ‪ ،‬و ذلك دون اعتداد بامللكات الشخصية للمتهم و ظروفه اخلاصة‪.‬‬
‫وينتق‪-‬د البعض معي‪-‬ار الش‪-‬خص املعت‪-‬اد اليق‪-‬ظ‪ ،‬ألن‪-‬ه ال يتواف‪-‬ق م‪-‬ع الواق‪-‬ع و يتن‪-‬اقض م‪-‬ع احلقيق‪-‬ة‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن‪-‬ه يف‪-‬رتض خط‪-‬أ أن مجي‪-‬ع الن‪-‬اس‬
‫متس ‪--‬اويني أو باس ‪--‬تطاعتهم أن يكون‪- -‬وا ك ‪--‬ذلك‪ ،‬و أن مجي ‪--‬ع الن ‪--‬اس ميلك ‪--‬ون أو يف مق ‪--‬دورهم أن ميلك‪- -‬وا ذات إمكاني ‪--‬ات االنتب ‪--‬اه واليقظ ‪--‬ة‬
‫واإلدراك ورد الفعل‪.‬‬
‫مجيع الناس ميلكون أو يف مقدورهم أن ميلكوا ذات إمكانيات االنتباه واليقظة واإلدراك ورد الفعل‪.‬‬
‫و ي‪--‬ذهب ج‪--‬انب اخ‪--‬ر من الفق‪--‬ه إىل األخ‪-‬ذ مبعي‪--‬ار خمتل‪--‬ط‪ ،‬قوام‪--‬ه الش‪--‬خص املعت‪--‬اد من نفس الفئ‪--‬ة ال‪--‬يت ينتمي إليه‪--‬ا اجلاين ل‪--‬و وج‪--‬د يف‬
‫نفس الظروف اخلارجية اليت أحاطت باجلاين والسيما ما تعلق منها بزمان النشاط ومكانه‪.‬‬
‫و على ذل‪--‬ك ف‪-‬إذا ال‪--‬تزم اجلاين يف تص‪--‬رفه ق‪-‬ادرا من احليط‪--‬ة و احلذر يواف‪-‬ق م‪-‬ا ك‪-‬ان يلتزم‪-‬ه الش‪--‬خص املعت‪-‬اد إذا وج‪--‬د يف مث‪-‬ل ظروف‪-‬ه‪ ،‬فال‬
‫ميكن نسبة اخلطأ يف حقه‪ ،‬أما إذا بذل قادرا من احليطة و احلذر أقل من ذلك فإنه يكون قد أخطأ‪.‬‬
‫و تطبيق‪--‬ا ل‪--‬ذلك‪ ،‬ينبغي أن يك‪--‬ون اختي‪--‬ار الش‪--‬خص املعت‪--‬اد من فئ‪--‬ة األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين ينتمي إليهم اجلاين و ليس من بني مجي‪--‬ع الن‪--‬اس‬
‫كاف‪--‬ة‪ ،‬فال ميكن تق‪--‬دير م‪--‬دى احليط‪--‬ة و احلذر ال‪--‬ذي جيب أن يلم ب‪--‬ه ط‪--‬بيب ميارس الطب الع‪--‬ام اض‪--‬طرته ظ‪--‬روف قهري‪--‬ة إىل إج ‪-‬راء عملي‪--‬ة‬
‫جراحية جبراح أخصائي‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬نوع ـا الخطـأ‬
‫قسم الفقه اخلطأ إىل نوعني‪ :‬اخلطأ غري الواعي و اخلطأ الواعي‬
‫أوال‪ :‬الخطأ غير الواعي‬
‫و يطل‪-‬ق علي‪-‬ه أيض‪-‬ا اخلط‪-‬أ البس‪-‬يط أو اخلط‪-‬أ بغ‪-‬ري تبص‪-‬ر‪ ،‬ويتحق‪-‬ق ه‪-‬ذا اخلط‪-‬أ إذا مل يكن اجلاين يتوق‪-‬ع أن س‪-‬لوكه ق‪-‬د ي‪-‬ؤدي إىل ح‪-‬دوث‬
‫النتيجة اإلجرامية‪ ،‬بينما كان يف استطاعته وواجبا عليه أن يتوقعها‪ ،‬وأن يعمل على تالفيها‪ ،‬فإذا تركت أم كوبا به مادة‬
‫سامة على منض‪-‬دة قريب‪--‬ة من ي‪-‬د طفله‪--‬ا غ‪--‬ري متص‪-‬ورة أن‪-‬ه بوس‪-‬عه أن يش‪--‬رب من ه‪-‬ذا الك‪-‬وب و ميوت‪ ،‬و ه‪-‬و م‪-‬ا حيدث فعال‪ ،‬فالنتيج‪-‬ة‬
‫هن‪-‬ا‪( ،‬أي وف‪-‬اة الكف‪-‬ل) متوقع‪-‬ة يف ذاهتا و ت‪-‬دخل يف نط‪-‬اق الس‪-‬ري الع‪-‬ادي لألم‪-‬ور‪ ،‬و يف إمك‪-‬ان املرأة املتوس‪-‬طة االنتب‪-‬اه من فئ‪-‬ة ه‪-‬ذه األم و‬
‫يف ظروفها‪ ،‬أن تتوقع احلادث‪ ،‬و أن تعمل على تفاديه‪.‬‬
‫أم‪-‬ا إذا ك‪-‬انت النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة غ‪-‬ري متوقع‪-‬ة يف ذاهتا أي ك‪-‬ان ح‪-‬دوثها مثرة عوام‪-‬ل ش‪-‬اذة ال ت‪-‬دخل يف نط‪-‬اق الس‪-‬ري الع‪-‬ادي لألم‪-‬ور‪ ،‬ف‪-‬إن‬
‫عالق‪-‬ة الس‪-‬ببية بني اخلط‪-‬أ و النتيج‪-‬ة تنقطع‪ .‬مث‪-‬ال ذل‪-‬ك إذا أخلت ممرض‪-‬ة بواجبه‪-‬ا و أعطت املريض س‪-‬هوا دواءه م‪-‬رتني ب‪-‬دال من أن تعطي‪-‬ه‬
‫ل‪-‬ه م‪-‬رة واح‪-‬دة‪ ،‬كم‪-‬ا تقض‪-‬ي تعليم‪-‬ات الط‪-‬بيب‪ ،‬و لكن شخص‪-‬ا وض‪-‬ع مسا يف زجاج‪-‬ة ال‪-‬دوء يف الف‪-‬رتة ال‪-‬يت مض‪-‬ت بني املرتني‪ ،‬ف‪-‬رتتب على‬
‫تن‪-‬اول املريض للجرع‪-‬ة الثاني‪-‬ة وفات‪-‬ه‪ ،‬فعلى ال‪-‬رغم من أن املمرض‪-‬ة ق‪-‬د أخلت بواجب‪-‬ات احليط‪-‬ة و احلذر املفروض‪-‬ة عليه‪-‬ا فلم يكن يف وس‪-‬عها‬
‫توقع وفاة املريض‪ ،‬األمر الذي تنتفي معه عالقة السببية‪ ،‬و عليه فال ينسب إليها اخلطأ بالنسبة هلذه النتيجة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الخطـأ الواعـي‬
‫و يطل‪--‬ق علي‪--‬ه أيض‪--‬ا اخلط‪--‬أ م‪--‬ع التوق‪--‬ع أو اخلط‪--‬أ م‪--‬ع التبص‪--‬ر‪ ،‬و يتحق‪--‬ق إذا توق‪--‬ع اجلاين ح‪--‬دوث النتيج‪--‬ة املرتتب‪--‬ة على نش‪--‬اطه و لكن‪--‬ه ال‬
‫يقبله‪-‬ا و يأم‪-‬ل يف ع‪-‬دم حتققه‪-‬ا ويعتق‪-‬د أهنا لن تتحق‪-‬ق معتم‪-‬دا على مهارت‪-‬ه وحذق‪-‬ه‪ ،‬و مث‪-‬ال ذل‪-‬ك الس‪-‬ائق ال‪-‬ذي ينطل‪-‬ق مس‪-‬رعا بس‪-‬يارته يف‬
‫ش‪--‬ارع مكت‪--‬ظ بالمارة متوقع‪--‬ا أن‪--‬ه ق‪--‬د يقت‪--‬ل أو يص‪--‬يب أح‪--‬د املارة‪ ،‬ولكن‪--‬ه يس‪--‬تمر يف القي‪--‬ادة بس‪--‬رعة معتم‪--‬دا على مهارت‪--‬ه يف القي‪--‬ادة لتف‪--‬ادي‬
‫وق‪--‬وع جرمية القت‪--‬ل أو اإلص‪--‬ابة‪ ،‬فيخيب تق‪--‬ديره و تق‪--‬ع النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة‪ .‬أو الش‪--‬خص ال‪--‬ذي يه‪--‬دد اخ‪--‬ر بس‪--‬الح ن‪--‬اري يعلم أن‪--‬ه حمش‪--‬و‬
‫بالرصاص فينطلق العيار على غري إرادته و يصيب اجملين عليه‪.‬‬
‫فج‪--‬وهر اخلط‪--‬أ ال‪-‬واعي إذن ه‪--‬و ت‪--‬وفر علم اجلاين بإمك‪--‬ان ح‪--‬دوث النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة املرتتب‪--‬ة على نش‪--‬اطه‪ ،‬و إغفال‪--‬ه اختاذ االحتياط‪--‬ات‬
‫الكفيلة ملنع وقوعها حبيث كان يف استطاعته أو من واجبه أن يتخذ احتياطات أكرب‪.‬‬
‫و حتدي‪-‬د ج‪-‬وهر اخلط‪-‬أ ال‪-‬واعي على ه‪-‬ذا النح‪-‬و يس‪-‬مح ب‪-‬القول أن ه‪-‬ذه الص‪-‬ورة من اخلط‪-‬أ جتاوز نط‪-‬اق القص‪-‬د االحتم‪-‬ايل أو غ‪-‬ري املباش‪-‬ر‬
‫و تش‪-‬رتك مع‪-‬ه يف إمك‪-‬ان توق‪-‬ع اجلاين ح‪-‬دوث النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة بن‪-‬اء على س‪-‬لوكه اخلاطئ‪ ،‬و لكن يف ص‪-‬ورة القص‪-‬د االحتم‪-‬ايل‪ ،‬ف‪-‬إن اجلاين‬
‫ال يك‪-‬رتث هبا و بالت‪-‬ايل ال يتخ‪-‬ذ االحتياط‪-‬ات للحيلول‪-‬ة دون ح‪-‬دوثها‪ ،‬مما يع‪-‬ين أن‪-‬ه يس‪-‬توي لدي‪-‬ه ح‪-‬دوثها و ع‪-‬دم ح‪-‬دوثها‪ ،‬بينم‪-‬ا يف ص‪-‬ور‬
‫اخلط‪-‬أ ال‪-‬واعي ف‪-‬إن اجلاين ال يقبله‪-‬ا و يأم‪-‬ل يف ع‪-‬دم ح‪-‬دوثها و يعم‪-‬ل على تفاديه‪-‬ا‪ ،‬حبيث إذا تأك‪-‬د لدي‪-‬ه أن نش‪-‬اطه س‪-‬وف يس‪-‬تتبع حتم‪-‬ا‬
‫تلك النتيجة لتوقف عن إثباته‪.‬‬
‫و يكش ‪--‬ف التط ‪--‬بيق العملي عن أن اخلط ‪--‬أ غ ‪--‬ري ال‪- -‬واعي يك ‪--‬ثر وقوع ‪--‬ه على عكس اخلط ‪--‬أ ال‪- -‬واعي‪ ،‬فه ‪--‬ذا األخ ‪--‬ري ال يش ‪--‬كل يف مجي ‪--‬ع‬
‫احلاالت الدرج‪-‬ة األك‪-‬ثر خط‪-‬ورة من ج‪-‬انب املتهم‪ .‬و ال‪-‬رأي الس‪-‬ائد فقه‪-‬ا يض‪-‬ع كال الن‪-‬وعني على ق‪-‬دم املس‪-‬اواة من حيث اخلط‪-‬ورة و القابلي‪-‬ة‬
‫للعقاب‪ ،‬على عكس خمتلف درجات القصد اجلاين‪.‬‬
‫و م‪-‬ع ذل‪-‬ك ي‪-‬ذهب ج‪--‬انب من الفق‪-‬ه إىل الق‪-‬ول ب‪-‬أن الدرج‪--‬ة األك‪-‬ثر خط‪-‬ورة للخط‪-‬أ هي حال‪-‬ة اخلط‪-‬أ ال‪-‬واعي‪ ،‬و يلي‪-‬ه يف درج‪--‬ة اخلط‪-‬ورة‬
‫حالة اخلطأ غري الواعي‪ ،‬ذلك ألن اخلطأ الواعي ميكنه يف حاالت معينة االقرتاب من القصد االحتمايل الذي يصعب متييزه عنه‪.‬‬
‫و غ ‪--‬ين عن البي ‪--‬ان أن ‪--‬ه إذا ثبت أن اجلاين ال ‪--‬تزم قواع ‪--‬د احليط ‪--‬ة و احلذر و العناي ‪--‬ة الواجب ‪--‬ة‪ ،‬و ب ‪--‬الرغم من ذل ‪--‬ك فإن ‪--‬ه مل يتوق ‪--‬ع النتيج ‪--‬ة‬
‫اإلجرامي‪--‬ة ك‪--‬ل م‪--‬ا ك‪--‬ان يف وس‪--‬ع الش‪--‬خص املعت‪--‬اد أن يتخ‪--‬ذه من احتياط‪--‬ات‪ ،‬فال وج‪--‬ه لنس‪--‬بة اخلط‪--‬أ إلي‪--‬ه‪ ،‬ذل‪--‬ك أن احلادث الفج‪--‬ائي ه‪--‬و‬
‫الذي أدى إىل وقوع النتيجة اإلجرامية اليت يعاقب عليها القانون مما جعل توقعها أمرا غري ممكن بالنسبة للشخص العادي احلريص‪.‬‬
‫و ق‪--‬د ث‪--‬ار البحث يف الفق‪--‬ه و القض‪--‬اء بش‪--‬أن حتدي‪--‬د درج‪--‬ة اخلط‪--‬أ الالزم لقي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية اجلنائي‪--‬ة يف اجلرائم غ‪--‬ري العمدي‪--‬ة‪ ،‬و ق‪--‬د انقس‪--‬م‬
‫الرأي إىل اجتاهني رئيسيني‪ :‬أوهلما ينادي بازدواج اخلطأ املدين و اخلطأ اجلنائي‪ ،‬و ثانيهما ينادي بوحدة اخلطأ اجلنائي و املدين‪.‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬ازدواج الخطأ‬
‫يذهب أنص‪--‬ار ه‪--‬ذا االجتاه إىل أن اخلط‪--‬أ اجلن‪--‬ائي جيب أن يك‪--‬ون أش‪--‬د جس‪--‬امة من اخلط‪--‬أ املدين‪ ،‬فاخلط‪--‬أ اجلس‪--‬يم ش‪--‬رط لقي‪--‬ام املس‪--‬ؤولية‬
‫اجلنائية‪ ،‬أما املسؤولية املدنية فيكفي فيها أي خطأ و لو كان يسريا‪ ،‬و حجتهم يف ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الضرر يف اخلطأ املدين ال يلحق إىل املدعي عليه أي من إصابة الضرر أما الضرر يف اخلطأ اجلنائي فإنه يلحق اجملتمع ككل‪.‬‬
‫‪.2‬أن الق‪-‬انون املدين ال يه‪-‬دف إال جملرد تع‪-‬ويض الض‪-‬رر‪ ،‬أم‪-‬ا الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي فيه‪-‬دف من وراء العق‪-‬اب إىل ردع اجلاين و محاي‪-‬ة اجملتم‪-‬ع‬
‫من ش‪--‬ره‪ ،‬و الن ‪--‬اس عرض ‪--‬ة يف حي ‪--‬اهتم لألخط ‪--‬ار التافه ‪--‬ة ال ‪--‬يت ال يأب ‪--‬ه هلا اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬و ال ي ‪--‬أثر اجلاين بالعق‪--‬اب عليه ‪--‬ا‪ ،‬ألن ه‪--‬ذا العق‪--‬اب لن‬
‫جيدي يف ردع‪-‬ه‪ ،‬ل‪-‬ذا يكفي تع‪-‬ويض الض‪-‬رر الناش‪-‬ئ عن مث‪-‬ل ه‪-‬ذا اخلط‪-‬أ التاف‪-‬ه‪ ،‬و ال ض‪-‬رورة بع‪-‬د ذل‪-‬ك لت‪-‬دخل املش‪-‬رع اجلن‪-‬ائي لف‪-‬رض العقوب‪-‬ة‬
‫على مرتكبه‪.‬‬
‫‪ .3‬فض‪-‬ال عن ذل‪-‬ك ف‪-‬إن الق‪-‬ول بوح‪-‬دة اخلط‪-‬أين ال حيق‪-‬ق العدال‪-‬ة‪ ،‬ألن‪-‬ه ال ي‪-‬دع للقاض‪-‬ي إال أن خيت‪-‬ار بني أم‪-‬رين كالمها مك‪-‬روه‪ ،‬فه‪-‬و إم‪-‬ا‬
‫أن جيرب على احلكم باإلدان‪-‬ة رغم تفاه‪-‬ة اخلط‪-‬أ تس‪-‬هيال حلص‪-‬ول املض‪-‬رور للتع‪-‬ويض‪ ،‬و إم‪-‬ا أن حيكم ب‪-‬رباءة املتهم من اخلط‪-‬أ اجلن‪-‬ائي‪،‬‬
‫وحينئذ يضيع حتما على املضرور حقه يف التعويض رغم ثبوت اخلطأ و الضرر معا‪.‬‬
‫‪ .4‬يقع عبء اخلطأ املدين على عاتق املدعي يف دعوى التعويض‪ ،‬أما عبء إثبات اخلطأ اجلنائي فيقع على عاتق سلطة االهتام‪.‬‬
‫و يؤيد هذا االجتاه مجهور الفقهاء يف فرنسا‪ ،‬و بعض الفقهاء يف املغرب و مصر‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬وحدة الخطأ‬
‫يذهب أنص‪-‬ار ه‪-‬ذا االجتاه إىل أن اخلط‪-‬أ اجلن‪-‬ائي ال خيتل‪-‬ف يف م‪-‬دى جس‪-‬امته عن اخلط‪-‬أ املدين‪ ،‬فك‪-‬ل درج‪-‬ة من اخلط‪-‬أ ت‪-‬رتب املس‪-‬ؤولية‬
‫املدنية تكفي يف الوقت ذاته لرتتيب املسؤولية اجلنائية يف اجلرائم غري العمدية‪.‬‬
‫ذل‪-‬ك أن الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي ال يعل‪-‬ق العق‪-‬اب على درج‪-‬ة جس‪-‬امة اخلط‪-‬أ‪ ،‬و إمنا ه‪-‬و يعلقه‪-‬ا على حص‪-‬ول نتيج‪-‬ة ض‪-‬ارة معين‪-‬ة ي‪-‬رى فيه‪-‬ا من‬
‫اجلس ‪--‬امة م ‪--‬ا يس ‪--‬تدعي جترميه ‪--‬ا و العق ‪--‬اب عليه ‪--‬ا‪ ،‬و ب ‪--‬ذلك ينحص ‪--‬ر الف ‪--‬ارق بني اخلط ‪--‬أ املدين و اخلط ‪--‬أ اجلن ‪--‬ائي يف أن الق ‪--‬انون املدين يعت ‪--‬د‬
‫بالض‪-‬رر الن‪-‬اتج عن اخلط‪-‬أ أي ك‪-‬انت ص‪-‬ورته‪ ،‬أم‪-‬ا الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي فيتخ‪-‬ذ أن‪-‬واع معين‪-‬ة من‪-‬ه يورده‪-‬ا على س‪-‬بيل احلص‪-‬ر ويع‪-‬اقب على وقوعه‪-‬ا‪،‬‬
‫أم‪-‬ا اخلط‪-‬أ الالزم لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة فال خيتل‪-‬ف يف م‪-‬دى جس‪-‬امته عن اخلط‪-‬أ الالزم لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية املدني‪-‬ة‪ ،‬و ل‪-‬ذا جيب أن يع‪-‬اقب على‬
‫اخلط‪-‬أ مهم‪-‬ا ك‪-‬انت درجت‪-‬ه و مهم‪-‬ا ك‪-‬انت جس‪-‬امته‪ ،‬و إذا ك‪-‬ان ال جيوز أن تؤخ‪-‬ذد درج‪-‬ة اخلط‪-‬أ بعني االعتب‪-‬ار لقي‪-‬ام املس‪-‬ؤولية اجلنائي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬إن‬
‫من اجلائز أن يكون لدرجة اخلطأ اعتبارها عند التقدير القضائي للجزاء‪ ،‬فعلى القاضي يف حدود سلطته‬
‫التقديري ‪--‬ة بني احلدين األقص ‪--‬ى واألدىن‪ ،‬أن ي ‪--‬دخل درج ‪--‬ة اخلط ‪--‬أ يف حس ‪--‬ابه فيجع ‪--‬ل منه ‪--‬ا يف بعض احلاالت ظرف ‪--‬ا مش ‪--‬ددا للجرمية غ ‪--‬ري‬
‫العمدي‪-‬ة‪ .‬إذا وقعت اجلرمية نتيج‪-‬ة إخالل اجلاين مبا تفرض‪-‬ه علي‪-‬ه أص‪-‬ول وظيفت‪-‬ه أو مهنت‪-‬ه أو حرفت‪-‬ه أو ك‪-‬ان حتت ت‪-‬أثري س‪-‬كر أو ختدير عن‪-‬د‬
‫وقوع احلادث‪.‬‬
‫ويستند أنصار هذا اإلجتاه إىل عدة حجج أمهها‪:‬‬
‫أن‪-‬ه من التن‪-‬اقض أن يقض‪-‬ي القاض‪-‬ي اجلن‪-‬ائي ب‪-‬رباءة املتهم لع‪-‬دم وج‪--‬ود اخلط‪-‬أ‪ ،‬مث ي‪-‬أيت القاض‪-‬ي املدين بع‪-‬د ذل‪-‬ك وحيكم علي‪-‬ه ب‪-‬التعويض‬
‫تأسيسا على قيام اخلطأ‪ ،‬فالقول بوحدة اخلطأين املدين واجلنائي بعني على حتقيق أغراضها ويزيل التناقض بينهما يف القضية الواحدة‪.‬‬
‫يالح ‪--‬ظ يف العص‪--‬ر للح ‪--‬ديث أن املس‪--‬ؤولية املدني‪--‬ة مل تع‪--‬د كافي‪--‬ة لتحقي‪--‬ق احلماي‪--‬ة الكافي ‪--‬ة ملص‪--‬لحة اجملتم‪--‬ع واحملافظ‪--‬ة على أرواح الن ‪--‬اس‬
‫وس‪-‬المتهم الص‪-‬حية والبدني‪-‬ة‪ ،‬نظ‪-‬را النتش‪-‬ار نظ‪-‬ام الت‪-‬أمني ض‪-‬د األخط‪-‬ار واإلص‪-‬ابات وال‪-‬ذي يتكف‪-‬ل بتغطي‪-‬ة التع‪-‬ويض احملك‪-‬وم ب‪-‬ه فال يش‪-‬عر‬
‫الفاعل املخطئ بنتيجة خطئه مما يستلزم وجود جزاء جنائي مهما كان اخلطأ يسريا‪.‬‬
‫ب – الخطأ المادي والخطأ المهني‪:‬‬
‫يقص‪--‬د باخلط‪--‬أ املادي اإلخالل بقواع‪--‬د احليط‪--‬ة واحلذر العام‪--‬ة ال‪--‬يت حتكم نش‪--‬اط مجي‪--‬ع األف ‪-‬راد‪ ،‬أم‪--‬ا اخلط‪--‬أ امله‪--‬ين فه‪--‬و إخالل أص‪--‬حاب‬
‫املهن كاألطباء والصيادلة واملهندسني واحملامني بالقواعد العلمية واألصول الفنية اليت حتكم هذه املهن وتفيد أصحاهبا عند ممارستهم هلا‪.‬‬
‫ومث‪-‬ال اخلط‪-‬أ املادي إج‪-‬راء الط‪-‬بيب عملي‪-‬ة جراحي‪-‬ة وه‪-‬و يف حال‪-‬ة س‪-‬كر أو مش‪-‬لول الي‪-‬د أو يغف‪-‬ل تعقيم األدوات اجلراحي‪-‬ة‪ ،‬ومث‪-‬ال اخلط‪-‬أ‬
‫املهين أ‪ ،‬يتوىل القيام جبراحة طبيب ال يكون متخصصا فيها‪.‬‬
‫وق ‪--‬د ث ‪--‬ار التس ‪--‬اؤل عن درج ‪--‬ة اخلط ‪--‬أ امله ‪--‬ين الالزم ‪--‬ة لقي ‪--‬ام املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة ألص ‪--‬حاب املهن الفني ‪--‬ة‪ ،‬فه ‪--‬ل يكفي لتقري ‪--‬ر مس ‪--‬ؤوليتهم‬
‫احلمائية مطلق اخلطأ أم جيب أن جيب أن يكون على درجة معينة من اجلسامة؟‬
‫اختل‪-‬ف الفق‪-‬ه يف اإلجاب‪-‬ة على ه‪-‬ذا التس‪-‬اؤل اختالف‪-‬ا كب‪-‬رية‪ ،‬فق‪-‬د ح‪-‬اول بعض‪-‬هم الرج‪-‬وع إىل التفرق‪-‬ة بني اخلط‪-‬أ اجلس‪-‬يم واخلط‪-‬أ اليس‪-‬ري يف‬
‫تقرير مسؤولية األطباء‪ ،‬فال يسألون إال إذا كان اخلطأ املرتكب جسيما‪.‬‬
‫وتطبيق‪-‬ا هلذه التفرق‪-‬ة قض‪-‬ى ب‪-‬أن "مس‪-‬ؤولية الط‪-‬بيب هلا وجه‪-‬ان ‪ :‬أح‪-‬دمها متعل‪-‬ق بص‪-‬ناعته وه‪-‬و م‪-‬ا يع‪-‬رب عن‪-‬ه خبط‪-‬أ املهن‪-‬ة‪ ،‬وثانيهم‪-‬ا ليس‬
‫متعلق‪-‬ا ب‪-‬ذلك وال ش‪-‬أن ل‪-‬ه ب‪-‬الفن يف ذات‪-‬ه‪ ،‬فخط‪-‬أ املهن‪-‬ة ال يس‪-‬لم ب‪-‬ه إال يف ح‪-‬االت اجله‪-‬ل الفاض‪-‬ح‪ ،‬والوج‪-‬ه الث‪-‬اين ال خيض‪-‬ع لس‪-‬لطان التق‪-‬دير‬
‫الف‪-‬ين الط‪-‬يب واجلدل العلمي‪ ،‬ألن‪-‬ه خط‪-‬أ ع‪-‬ادي يق‪-‬ع في‪-‬ه الط‪-‬بيب خمالف‪-‬ا ب‪-‬ذلك القواع‪-‬د املق‪-‬ررة طبيب‪-‬ا فه‪-‬و مس‪-‬ؤول عن‪-‬ه‪ ،‬وه‪-‬ذا الن‪-‬وع من اخلط‪-‬أ‬
‫يقع حتت املسؤولية العامة ‪ :‬شأن الطبيب فيه شأن أي شخص آخر‪.‬‬
‫وعل‪-‬ة ه‪-‬ذه التفرق‪-‬ة عن‪-‬د أص‪-‬حاب ه‪-‬ذا ال‪-‬رأي ه‪-‬و وج‪-‬وب ختوي‪-‬ل أص‪-‬حاب املهن الفني‪-‬ة حري‪-‬ة كب‪-‬رية يف ممارس‪-‬ة مهنتهم ح‪-‬ىت يس‪-‬هل عليهم‬
‫مس ‪--‬ايرة اآلراء والنظري ‪--‬ات احلديث ‪--‬ة واإلنتف ‪--‬اع هبا بع ‪--‬د التحق ‪--‬ق من ص ‪--‬حتها ح ‪--‬ىت ينم ‪--‬و العلم ويزده ‪--‬ر‪ ،‬ألن ‪--‬ه من املص ‪--‬لحة أال تتول ‪--‬د ل ‪--‬ديهم‬
‫اخلشية من املسؤولية اجلنائيةـ‪ ،‬واخلوف من العقاب على كل خطأ يقرتف مما ال يوفر لديهم اإلطمئنان على ممارسة مهنتهم‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أن كث‪-‬ريا من املس‪--‬ائل الفني‪--‬ة املتعلق‪--‬ة مبمارس‪--‬ة املهن‪--‬ة هي حمل خالف بني الفن‪--‬يني‪ ،‬فم‪--‬ا ي‪-‬راه بعض‪--‬هم خط‪--‬أ خط‪--‬أ ي‪-‬راه البعض اآلخ‪--‬ر‬
‫ص ‪-‬وابا‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي ي‪--‬ؤدي إىل إقح‪--‬ام القض‪--‬اء يف جمال ش‪--‬أنك‪ ،‬إذ يف‪--‬رض علي‪--‬ه التثبت من ك‪--‬ل خط‪--‬أ ف‪--‬ين ول‪--‬و ك‪--‬ان يس ‪-‬ريا وأن خيوض يف‬
‫مناقش‪--‬ات علمي‪--‬ة جيدر ب‪--‬ه أال يوغ‪--‬ل فيه‪--‬ا ص‪--‬ونا ل‪--‬ه من زل‪--‬ل وال يعص‪--‬مه من‪--‬ه أن يرج‪--‬ع إىل نص‪--‬ح األطب‪--‬اء (أو أص‪--‬حاب املهن) ومش‪--‬ورهتم‪،‬‬
‫ألن القاضي ينبغي أن حيكم مبا يؤمن به هو ال مبا يؤمن به غريه‪.‬‬
‫على أن الرأي الراجح يف الفقه والقضاء يذهب إىل أن التفرقة بني اخلطأ املادي واخلطأ اجلنائي حمل نقد لإلعتبارات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن ه‪--‬ذه التفرق‪--‬ة ليس هلا س‪--‬ند من نص‪--‬وص الق‪--‬انون‪ ،‬فه‪--‬ذه النص‪--‬وص ال تف‪--‬رق أص‪--‬ال بني م‪--‬ا ي‪--‬دعى خط‪--‬أ مادي‪--‬ا وم‪--‬ا يس‪--‬مى خط‪--‬أ‬
‫فني‪--‬ا‪ ،‬ه‪--‬ذا باإلض‪--‬افة إىل أن التفرق‪--‬ة ص‪--‬عبة التط‪--‬بيق‪ ،‬فهي إن ب‪--‬دت ميس‪--‬رة يف بعض احلاالت فإهنا ليس‪--‬ت ك‪--‬ذلك يف ح‪--‬االت أخ‪--‬رى‪ ،‬فمن‬
‫امليس‪-‬ور الق‪-‬ول ب‪-‬أن الط‪-‬بيب ال‪-‬ذي جيري عملي‪-‬ة جراحي‪-‬ة وه‪-‬و يف حال‪-‬ة س‪-‬كر أو مش‪-‬لول الي‪-‬د‪ ،‬ق‪-‬د ارتكب خط‪-‬أ مادي‪-‬ا‪ ،‬ولكن‪-‬ه من الص‪-‬عب‬
‫الق‪-- - - - - - - - - -‬ول ب‪-- - - - - - - - - -‬أن نس‪-- - - - - - - - - -‬يان قطع‪-- - - - - - - - - -‬ة ش‪-- - - - - - - - - -‬اش أو أداة جراحي‪-- - - - - - - - - -‬ة داخ‪-- - - - - - - - - -‬ل بطن املريض يعت‪-- - - - - - - - - -‬رب خط‪-- - - - - - - - - -‬أ مادي‪-- - - - - - - - - -‬ا أو خ‪-- - - - - - - - - -‬ط‬
‫أو خط‪--‬أ فني‪--‬ا‪ ،‬وك‪--‬ذلك األم‪--‬ر ل‪--‬و أغف‪--‬ل الط‪--‬بيب األم‪--‬ر بنق‪--‬ل املريض إىل املستش‪--‬فى يف ال‪--‬وقت املناس‪--‬ب‪ ،‬فق‪--‬د اعتربت‪--‬ه إح‪--‬دى احملاكم خط‪--‬أ‬
‫ماديا يف حني أن األمر بالنقل إىل املستشفى حيتاج إىل تقدير حالة املريض الطبية وما قد يتعرض له لو بقي خارج املستشفى‪.‬‬
‫‪ -2‬أما القول بأن احملكمة تقضي بإعفاء األطباء (أصحاب املهن) من املسؤولية عن خطئهم الفين أو املهين اليسري حىت ال يقعدهم‬
‫اخلوف من املسؤولية عن اإلقدام املفيد‪ ،‬فإن املصلحة تقضي أيضا احلفاظ على أرواح الناس ومحايتهم ضد خطأ األطباء أيا كانت‬
‫درجته‪.‬‬
‫أما الرغبة يف عدم خوض القضاء يف مناقشة مسائل علمية فنية يشق عليه أن يستقر فيها على رأي قاطع سليم‪ ،‬فهم أمر ال يقتصر‬
‫على الدعاوى اليت تثار فيها مسؤولية األطباء أو أصحاب املهن الفنية‪ ،‬حيث ميكن للقضاء أن يلجأ يف هذه احلاالت وغريها إىل أهل‬
‫اخلربة ليسرتشد برأيهم فيما غمض عليه‪.‬‬
‫وقد تبىن قانون العقوبات هذا الرأي األخري عندما شدد العقاب على جرمييت القتل واجلرح خطأ إذا وقعت أيهما نتيجة إخالل اجلاين‬
‫مبا تفرضه عليه أصول وظيفته‪ ،‬أو مهنته‪ ،‬أو حرفته‪.‬‬
‫وق‪-‬د اجتهت أحك‪-‬ام القض‪-‬اء اجلن‪-‬ائي إىل أن مس‪-‬ؤولية الط‪-‬بيب ختض‪-‬ع للقواع‪-‬د العام‪-‬ة م‪-‬ىت حتق‪-‬ق وج‪-‬ود خط‪-‬أ مهم‪-‬ا ك‪-‬ان نوع‪-‬ه‪ ،‬س‪-‬واء أك‪-‬ان‬
‫خط‪-‬أ فني‪-‬ا مهني‪-‬ا أو غ‪-‬ري ف‪-‬ين وال مه‪-‬ين‪ ،‬جس‪-‬يما أو يس‪-‬ريا‪ ،‬وتطبيق‪-‬ا ل‪-‬ذلك قض‪-‬ى بأن‪-‬ه م‪-‬ادام املتهم وه‪-‬و ط‪-‬بيب م‪-‬زج ال‪-‬دماء مبحل‪-‬ول الطرط‪-‬ري‬
‫ب ‪--‬دل من املاء املقط ‪--‬ر‪ ،‬ال ‪--‬ذي ك ‪--‬ان يتعني مزج ‪--‬ه ب ‪--‬ه‪ ،‬فق ‪--‬د أخط ‪--‬أ س ‪-‬واء ك ‪--‬ان ق ‪--‬د وق ‪--‬ع يف ه ‪--‬ذا اخلط ‪--‬أ وح ‪--‬دة أو أش ‪--‬رك مع ‪--‬ه املريض في ‪--‬ه ألن‬
‫اس‪-‬تيثاق الط‪-‬بيب من كن‪-‬ه ال‪-‬دواء ال‪-‬ذي يتناول‪-‬ه املريض أو فيم‪-‬ا يطلب من‪-‬ه يف قي‪-‬ام ب‪-‬ذل العناي‪-‬ة يف ش‪-‬فائه‪ ،‬وبالت‪-‬ايل ف‪-‬إن التق‪-‬اعس عن حتري‪-‬ه‬
‫والتحرز فيه واإلحتياط له إمهال خيالف كل قواعد املهنة وتعاليمها‪ ،‬وال يصح اإلستناد إىل ارهاق الطبيب يف العمل‪.‬‬
‫‪‬البند الثاني‪ :‬درجة الخطأ‬
‫أ – شخصية الخطأ‪.‬‬
‫إن التسوية بني املسؤولية اجلنائية واملسؤولية املدنية يف أساسها ال تكون إال يف صورة ‪ .........‬من صور املسؤولية املبنية على خطأ‬
‫شخصي‪ ،‬أما احلاالت اليت تقوم فيها املسؤولية املدنية على خطأ مفرتض كاملسؤولية الناشئة عن أفعال الغري‪ ،‬أو عن حيازة‬
‫األشياء وعن حراسة احليوان والبناء واآلالت امليكانيكية‪ ،‬فال يعرتف هبا القانون اجلنائي‪ ،‬ألن هذا القانون ال يعرف اخلطأ املفرتض‪ ،‬وال‬
‫تقوم املسؤولية اجلنائية إال على أساس اخلطأ الشخصي‪ ،‬فال جيوز أن يسأل اإلنسان جنائيا عن فعل غريه ولو كان مكلفا باإلشراف‬
‫عليه‪ ،‬إال إذا قام الدليل على أن هذا اإلنسان ارتكب بسلوكه خطأ شخصيا‪.‬‬
‫وعلى ذل‪--‬ك فال جيوز أن يعت‪--‬رب الوال‪--‬د مس‪--‬ؤوال جنائي‪--‬ا عن ك‪--‬ل جرمية يرتكبه‪--‬ا ابن‪--‬ه القاص‪--‬ر املقيم مع‪--‬ه‪ ،‬وال املتب‪--‬وع عن ك‪--‬ل جرمية يرتكبه‪--‬ا‬
‫الب‪--‬الغ‪ ،‬وال ال‪--‬زوج عن ك‪--‬ل جرمية تقرتفه‪--‬ا زوجت‪--‬ه القاص‪--‬رة‪ ،‬ولكن ه‪--‬ؤالء يس‪--‬ألون م‪--‬دنيا ويل‪--‬تزمون ب‪--‬دفع التع‪--‬ويض عن األض ‪-‬رار ال‪--‬يت حيدثها‬
‫غريهم ممن هم خاضعون لرقابتهم أو تابعون هلم ما مل يلبثوا أهنم قاموا بواجب الرقابة‪ ،‬إذ أن الضرر قد وقع بسبب أجنيب ال يد هلم فيه‪.‬‬
‫ويتض ‪--‬ح مما تق‪--‬دم أن ‪--‬ه يف احلاالت ال ‪--‬يت يقيم الق‪--‬انون املدين املس ‪--‬ؤولية املدني ‪--‬ة على أس‪--‬اس اخلط ‪--‬أ املف‪--‬رتض‪ ،‬تص‪--‬ح ب ‪-‬راءة املتهم جنائي ‪--‬ا م‪--‬ع‬
‫احلكم علي‪-‬ه ب‪-‬التعويض‪ ،‬وال يك‪-‬ون مثة تن‪-‬اقض بني احلكم اجلن‪-‬ائي القاض‪-‬ي ب‪-‬الرباءة واحلكم املدين القاض‪-‬ي ب‪-‬التعويض‪ ،‬إذ ق‪-‬د ينتفي اخلط‪-‬أ‬
‫الشخص‪--‬ي وه‪--‬و أس‪--‬اس املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة‪ ،‬على حني أن اخلط ‪--‬أ املدين مف‪--‬رتض ثبوت ‪--‬ه بنص الق‪--‬انون‪ ،‬وال ختتص إال بنظ ‪--‬ر ال ‪--‬دعوى املدني ‪--‬ة‬
‫املتفرعة عن اجلرمية‪.‬‬
‫ب – تعدد الخطأ‪:‬‬
‫إذا ك‪--‬انت النتيج‪--‬ة املع‪--‬اقب عليه‪--‬ا قتال أو إص‪--‬ابة ناش‪--‬ئة عن خط‪--‬أ اجلاين وح‪--‬ده‪ ،‬فال ص‪-‬عوبة حيث يعت‪-‬رب مق‪-‬رتف ه‪--‬ذا اخلط‪--‬أ ف‪-‬اعال أص‪--‬ليا‬
‫جلرمية القت‪--‬ل أو اإلص‪--‬ابة خط‪--‬أ‪ ،‬ولكن ق‪--‬د حيدث أحيان‪--‬ا أن تق‪--‬ع النتيج‪--‬ة اإلجرامي‪--‬ة بن‪--‬اء على خط‪--‬أين يقرتفهم‪--‬ا شخص‪--‬ان فكي‪--‬ف تكي‪--‬ف‬
‫عندئذ املسؤولية اجلنائية؟‬
‫إذا ك‪--‬ان احلادث ولي‪--‬د خط‪--‬أ شخص‪--‬ني مس‪--‬تقلني – ق‪--‬ام ك‪--‬ل منهم‪--‬ا بنش‪--‬اطه اإلج‪-‬رامي مس‪--‬تقال عن اآلخ‪--‬ر‪ -‬اعت‪--‬رب ك منهم‪--‬ا ف‪--‬اعال يف‬
‫اجلرمية غ‪-‬ري العمدي‪-‬ة ول‪-‬و أن النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة واح‪-‬دة‪ ،‬وال يس‪-‬وغ يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة الق‪-‬ول ب‪-‬أن خط‪-‬أ أح‪-‬دمها ينفي املس‪-‬ؤولية عن اآلخ‪-‬ر‪ ،‬وإمنا‬
‫يع‪-‬د ك‪-‬ل من س‪-‬اهم خبطئ‪-‬ه يف النتيج‪-‬ة مس‪-‬ؤوال عنه‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إذا س‪-‬لم ش‪-‬خص س‪-‬يارته إىل آخ‪-‬ر لقيادهتا وه‪-‬و يعلم أن‪-‬ه غ‪-‬ري م‪-‬رخص ل‪-‬ه يف القي‪-‬ادة‪،‬‬
‫فإن‪--‬ه ال خيطئ ألن تص‪--‬رفه ه‪--‬ذا خيالف أحك‪--‬ام ق‪--‬انون املرور‪ ،‬ف‪--‬إذا م‪--‬ا أخط‪--‬أ قائ‪--‬د س‪--‬يارة وص‪--‬دم شخص‪--‬ا فقتل‪--‬ه‪ ،‬ف‪--‬إن كال من مال‪--‬ك الس‪--‬يارة‬
‫وقائدها يعترب مسؤوال جنائيا عن جرمية قتل خطأ وفاعال فيها‪.‬‬
‫وق‪-‬د يس‪-‬اهم اجملين علي‪-‬ه خبطئ‪-‬ه يف إح‪-‬داث النتيج‪-‬ة اإلجرامي‪-‬ة‪ ،‬فمن املس‪-‬لم ب‪-‬ه أن خط‪-‬أ اجملين علي‪-‬ه ال ميح‪-‬و مس‪-‬ؤولية اجلاين م‪-‬ىت ت‪-‬بني من‬
‫وق‪--‬ائع ال‪--‬دعوى أن خط‪--‬أ اجلاين س‪--‬اهم أيض‪--‬ا يف إح‪--‬داث النتيج‪--‬ة فتظ‪--‬ل مس‪--‬ؤوليته اجلنائي‪--‬ة قائم‪--‬ة‪ ،‬إذ ال مقاص‪--‬ة بني األخط‪--‬اء يف الق‪--‬انون‬
‫اجلن‪-‬ائي‪ ،‬ولكن ق‪-‬د يك‪-‬ون خلط‪-‬أ اجملين علي‪-‬ه أث‪-‬ر يف تق‪-‬دير عقوب‪-‬ة اجلاين فتخف‪-‬ف تبع‪-‬ا ملق‪-‬دار جس‪-‬امته‪ ،‬كم‪-‬ا أن‪-‬ه ق‪-‬د ي‪-‬ؤثر يف التع‪-‬ويض املدين‬
‫حسبما يراه القاضي‪.‬‬
‫غري أن‪-‬ه إذا ك‪-‬ان خط‪-‬أ اجملين علي‪-‬ه كافي‪-‬ا بذات‪-‬ه إلح‪-‬داث النتيج‪-‬ة‪ ،‬أي أن النتيج‪-‬ة ك‪-‬انت س‪-‬تحدث حتم‪-‬ا بن‪-‬اء على خطئ‪-‬ه بص‪-‬رف النظ‪-‬ر‬
‫عن خطأ اجلاين‪ ،‬فال يسأل هذا األخري رغم حصول خطأ منه‪.‬‬
‫وتطبيق‪--‬ا ل‪--‬ذلك قض‪--‬ى بأن‪--‬ه من املق‪--‬رر أن خط‪--‬أ اجملين علي‪--‬ه يقط‪--‬ع رابط‪--‬ة الس‪--‬ببية م‪--‬ىت اس‪--‬تغرق خط‪--‬أ اجلاين وك‪--‬ان كافي‪--‬ا بذات‪--‬ه إلح‪--‬داث‬
‫النتيج‪--‬ة‪ ،‬فمن يق‪--‬ود س‪--‬يارته بس‪--‬رعة أك‪--‬رب من الس‪--‬رعة ال‪--‬يت يس‪--‬مح هبا ق‪--‬انون املرور فيص‪--‬دم شخص‪--‬ا ألقى بنفس‪--‬ه فج‪--‬أة حتت الس‪--‬يارة‪ ،‬ففي‬
‫ه‪--‬ذه احلال‪--‬ة يك‪--‬ون خط‪--‬أ اجملين علي‪--‬ه وح‪--‬ده ه‪--‬و الس‪--‬بب يف الوف‪--‬اة أو اإلص‪--‬ابة‪ ،‬وال تك‪--‬ون هن‪--‬اك عالق‪--‬ة س‪--‬ببية بني خط‪--‬أ اجلاين وه‪--‬و س‪--‬ريه‬
‫بسرعة أكرب من السرعة املقررة وبني وفاة اجملين عليه وإصابته‪ ،‬فال يسأل اجلاين إال عن قيادة السيارة بسرعة متجاوزة‪.‬‬
‫ت – شيوع الخطأ‬
‫إذا ش‪-‬اع اخلط‪-‬أ بني اث‪-‬نني من املتهمني‪ ،‬ومل يقم ال‪-‬دليل الق‪-‬اطع على ص‪-‬حة إس‪-‬ناد اخلط‪-‬أ إىل أح‪-‬د منهم‪-‬ا ‪ ،‬وجب حف‪-‬ظ ال‪-‬دعوى العام‪-‬ة‬
‫لع‪-‬دم األدل‪-‬ة أو احلكم برباءهتم‪-‬ا إذا مل تس‪-‬تطع احملكم‪-‬ة تع‪-‬يني املخطئ منهم‪-‬ا‪ ،‬فق‪-‬د قض‪-‬ى يف قض‪-‬ية قت‪-‬ل خط‪-‬أ ح‪-‬دث بس‪-‬بب ع‪-‬دم االحتي‪-‬اط‬
‫يف قي‪-‬ادة إح‪-‬دى الس‪-‬يارات العام‪-‬ة‪ ،‬وأن احلادث‪-‬ة وقعت إم‪-‬ا خبط‪-‬أ املس‪-‬اعد وإم‪-‬ا خبط‪-‬أ الس‪-‬ائق ألن الس‪-‬يارة إم‪-‬ا أن تك‪-‬ون ق‪-‬د حتركت قب‪-‬ل أن‬
‫يعطي املس‪-‬اعد إش‪-‬ارة التح‪-‬رك‪ ،‬وهبذا يك‪-‬ون اخلط‪-‬أ ق‪-‬د وق‪-‬ع من الس‪-‬ائق‪ ،‬وإم‪-‬ا أن يك‪-‬ون املس‪-‬اعد ق‪-‬د أعطى ه‪-‬ذه اإلش‪-‬ارة قب‪-‬ل أن يتأك‪-‬د من‬
‫نزول اجملين عليه من السيارة فتحرك السائق‪.‬‬
‫بن‪-‬اء على ه‪-‬ذه اإلش‪-‬ارة‪ ،‬ويف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة تك‪-‬ون احلادث‪-‬ة ق‪-‬د وقعت خط‪-‬أ املس‪-‬اعد‪ .‬ومبا أن التحقي‪-‬ق مل حيل ه‪-‬ذه النقط‪-‬ة فيك‪-‬ون اخلط‪-‬أ ق‪-‬د‬
‫وق‪-‬ع من أح‪-‬دمها‪ .‬وبن‪-‬اء على ذل‪-‬ك تك‪-‬ون التهم‪-‬ة غ‪-‬ري ثابت‪-‬ة على أي منهم‪-‬ا‪ ،‬ولكن ه‪-‬ذا ال مين‪-‬ع من مس‪-‬ؤولية الش‪-‬ركة ال‪-‬يت يعم‪-‬ل فيه‪-‬ا ويتبعه‪-‬ا‬
‫املساعد والسائق مدنيا‪ ،‬ألن النتيجة الضارة وهي الوفاة حصلت من خطأ مستخدميها ولو تعذر تعيني مرتكب هذا اخلطأ بينهم‪.‬‬
‫ث‪ -‬إثبات الخطأ‬
‫سبق أن ذكرن‪--‬ا أن س‪--‬لطة االهتام هي ال‪--‬يت يق‪--‬ع على عاتقه‪--‬ا إثب‪--‬ات اخلط‪--‬أ اجلن‪--‬ائي يف ج‪--‬انب اجلاين‪ ،‬إذ أن اخلط‪--‬أ ه‪--‬و ال‪--‬ركن املعن‪--‬وي يف‬
‫جرمية القت‪--‬ل اخلط‪--‬أ‪ ،‬ل‪--‬ذلك جيب على احملكم‪--‬ة أن تثبت ت‪-‬وافره يف حكمه‪--‬ا الص‪--‬ادر باإلدان‪--‬ة‪ ،‬وأن يك‪--‬ون بياهنا لعناص‪--‬ر اخلط‪--‬أ واض‪--‬حا وإال‬
‫كان حكمها قاصر التسبيب‪.‬‬
‫وال يكفي لبي‪--‬ان ت‪-‬وافر اخلط‪--‬أ أن ت‪--‬ذكر احملكم‪--‬ة أن املتهم بس‪--‬بب رعونت‪--‬ه أو إمهال‪--‬ه أو ع‪--‬دم اح‪-‬رتازه أو خمالفت‪--‬ه لل‪-‬وائح ق‪--‬د تس‪--‬بب يف وف‪--‬اة‬
‫اجملين علي ‪--‬ه‪ ،‬وإمنا ينبغي أن ي ‪--‬بني احلكم أيض ‪--‬ا كيفي ‪--‬ة حتق ‪--‬ق الص ‪--‬ورة ال ‪--‬يت ذكره ‪--‬ا للخط ‪--‬أ‪ ،‬إذ ال ت ‪-‬رتتب املس ‪--‬ؤولية اجلنائي ‪--‬ة على ألف ‪--‬اظ عام ‪--‬ة‬
‫مبهم‪-‬ة‪ .‬على أن‪-‬ه يل‪-‬زم أن ت‪-‬ذكر احملكم‪-‬ة اخلط‪-‬أ لفظ‪-‬ا أو أن تش‪-‬ري إىل إح‪-‬دى ص‪-‬وره ال‪-‬يت ح‪-‬ددها الق‪-‬انون طاملا أن حكمه‪-‬ا ق‪-‬د بني األفع‪-‬ال‬
‫الصادرة من املتهم واليت تنطوي على اخلطأ‪.‬‬
‫وم‪--‬ىت أثبت قاض‪--‬ي املوض‪--‬وع ت ‪-‬وافر اخلط‪--‬أ يك‪--‬ون ق‪--‬د فص‪--‬ل يف مس‪--‬ألة موض‪--‬وعية ال رقاب‪--‬ة فيه‪--‬ا من اجمللس األعلى‪ ،‬طاملا أن اس‪--‬تنتاجه مل‬
‫يكن خمالفا لتعريف اخلطأ أو جمافيا للمنطق‪.‬‬
‫وهبذا نك‪-‬ون ق‪-‬د انتهين‪-‬ا من توض‪-‬يح األحك‪-‬ام العام‪-‬ة للجرمية يف الق‪-‬انون اجلن‪-‬ائي الع‪-‬ام من خالل أركاهنا الثالث الق‪-‬انوين واملادي واملعن‪-‬وي‪،‬‬
‫على أن خنص ‪--‬ص الكت ‪--‬اب الث ‪--‬اين لألحك ‪--‬ام العام ‪--‬ة ال ‪--‬يت يتعني توفره ‪--‬ا يف الش ‪--‬خص ح ‪--‬ىت ميكن أن تت‪- -‬وافر في ‪--‬ه ص ‪--‬فة اجملرم طبق ‪--‬ا للقواع ‪--‬د‬
‫املنصوص عليها يف القانون اجلنائي العام‪.‬‬
‫فهـرس المـواد‬
‫فصل تمهيدي‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف القانون الجنائي و تحديد طبيعته القانونية‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف القانون الجنائي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة القانون الجنائي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مكانة القانون الجنائي بالنسبة للفروع القانونية األخرى و العلوم المرتبطة و استقالليته عنهما‬
‫المطلب األول‪ :‬عالقة القانون الجنائي بفروع القانون األخرى‬
‫الفرع األول‪ :‬عالقة القانون الجنائي بباقي فروع القانون العام‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة القانون الجنائي بفروع القانون الخاص‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة القانون الجنائي بالعلوم الجنائية المساعدة‬
‫الفرع األول‪ :‬العلوم السابقة الرتكاب الجريمة‬
‫البند األول‪ :‬علم اإلجرام‬
‫البند الثاني‪ :‬علم العقاب‬
‫البند الثالث‪ :‬علم السياسة الجنائية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العلوم الالحقة الرتكاب الجريمة‬
‫البند األول‪ :‬علم اكتشاف الجرائم أو علم التحقيق الجنائي‬
‫البند الثاني‪ :‬علم اإلحصاء الجنائي و علم األنتربولوجيا الجنائية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مصادر القانون الجنائي و مراحل تطوره في المغرب و أقسامه‬
‫المطلب األول‪ :‬مصادر القانون الجنائي‬
‫الفرع األول‪ :‬الدستور‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القانون‬
‫الفرع الثالث‪ :‬المعاهدات الدولية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل تطور القانون الجنائي في المغرب و أقسامه‬
‫الفرع األول‪ :‬تطور القانون الجنائي المغربي‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيمات القانون الجنائي المغربي‬
‫البند األول‪ :‬األحكام العامة أو القسم العام‬
‫البند الثاني‪ :‬الجنائي الخاص أو القسم الخاص‬
‫البند الثالث‪ :‬القانون الجنائي التكميلي‬
‫البند الرابع‪ :‬قانون المسطرة الجنائية‬
‫الفصل األول‪ :‬الركن القانوني‬
‫تقديم‬
‫المبحث األول‪ :‬مبدأ الشرعية و التجريم‬
‫المطلب األول‪ :‬ال جريمة و ال عقوبة إال بنص‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بالمبدأ‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تأصيل المبدأ‬
‫البند األول‪ :‬في التشريع اإلسالمي‬
‫البند الثاني‪ :‬في القوانين األوروبية‬
‫البند الثالث‪ :‬القانون المغربي‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أهمية المبدأ‬
‫الفرع الرابع‪ :‬نقد المبدأ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬رصد قواعد القانون الجنائي‬
‫الفرع األول‪ :‬وجود نص تشريعي مكتوب‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عمومية القاعدة التشريعية و تجريدها‬
‫الفرع الثالث‪ :‬استنفاد القانون الجنائي الجديد للمراحل التشريعية‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تفسير قواعد القانون الجنائي‬
‫الفرع األول‪ :‬قاعدة التفسير الضيق لصالح المتهم‬
‫الفرع الثاني‪" :‬القواعد الناشئة عن مبدأ التفسير الضيق لمصلحة المتهم"‬
‫البند األول‪ :‬منع استعمال القياس في القانون الجنائي‬
‫البند الثاني‪ :‬ال يجوز إتمام قاعدة جنائية يعتريها نقص‬
‫البند الثالث‪ :‬يفسر النص الغامض دوما لفائدة المتهم‬
‫البند الرابع‪ :‬المرجحات التي تحكم ظاهرة التنازع بين القواعد الجنائية‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نطاق تطبيق قواعد القانون الجنائي‬
‫الفرع األول‪ :‬نطاق تطبيق القاعدة الجنائية من حيث الزمان‬
‫البند األول‪ :‬مبدأ عدم رجعية القواعد الجنائية‬
‫البند الثاني‪ :‬استثناءات على مبدأ عدم رجعية القواعد الجنائية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان‬
‫البند األول‪ :‬مبدأ إقليمية القانون الجنائي‬
‫البند الثاني‪ :‬مبدأ اختصاص الشخصي‬
‫البند الثالث‪ :‬مبدأ االختصاص العيني‬
‫البند الرابع‪ :‬مبدأ عالمية االختصاص الجنائي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب التبرير ‪-‬األحكام العامة‪-‬‬
‫تمهيد ‪ :‬ماهية أسباب التبرير و طبيعتها‬
‫المطلب األول‪ :‬تقسيم أسباب التبرير و نطاق اثارها‬
‫الفرع األول‪ :‬األسباب العامة و األسباب الخاصة‬
‫الفرع الثاني‪ :‬األسباب المطلقة و األسباب النسبية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الجهل بأسباب التبرير و الغلط فيها‬
‫الفرع األول‪ :‬الجهل بأسباب التبرير‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الغلط في التبرير‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب المادة ‪( 124‬ق‪.‬ج) المبررة‬
‫الفرع األول‪ :‬تنفيذ أمر القانون و السلطة الشرعية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حالة الضرورة و القوة القاهرة‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الدفاع الشرعي‬
‫تقديم‬
‫البند األول‪ :‬شروط الدفاع الشرعي‬
‫البند الثاني‪ :‬الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي (المادة ‪)125‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أسباب التبرير التي لم تتعرض لها المادة ‪( 124‬ق‪.‬ج)‬
‫البند األول‪ :‬ممارسة الحق‬
‫البند الثاني‪ :‬حق مباشرة األعمال الطبية‬
‫البند الثالث‪ :‬ممارسة األلعاب الرياضية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬رضاء المجني عليه‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الركن المادي‬


‫تمهيد و تقسيم‬
‫المبحث األول‪ :‬عناصر الركن المادي للجريمة‬
‫المطلب األول‪ :‬الفعل‪ -‬العمل أو االمتناع‪-‬‬
‫البند األول‪ :‬الفعل االيجابي‬
‫البند الثاني‪ :‬االمتناع‬
‫المطلب الثاني‪ :‬النتيجة اإلجرامية‬
‫البند األول‪ :‬النتيجة في مدلولها المادي‬
‫البند الثاني‪ :‬النتيجة في مدلولها القانوني‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة السببية بين النشاط المجرم و النتيجة‬
‫البند األول‪ :‬نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب‬
‫البند الثاني‪ :‬نظرية السببية المالئمة أو السببية المنتجة‬
‫البند الثالث‪ :‬نظرية السببية المباشرة نظرية السبب األقوى أو المهيمن‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مراحل ارتكاب الركن المادي الشروع في الجريمة‪-‬المحاولة‪-‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التنظيم التشريعي للشروع في الجريمة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل الجريمة التي ال يعاقب عليها القانون‬
‫البند األول‪ :‬التفكير في الجريمة و التصميم عليها‬
‫البند الثاني‪ :‬األعمال التحضيرية للجريمة –مرحلة الشروع‪-‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مراحل الجريمة التي يعاقب عليها القانون و معايير التمييز بينها و بين العمل التحضيري‬
‫البند األول‪ :‬مرحلة الشروع في الجريمة‬
‫البند الثاني‪ :‬معايير التمييز بين مرحلة التحضير و مرحلة الشروع‬
‫البند الثالث‪ :‬معيار –مذهب‪ -‬المشرع المغربي‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عناصر المحاولة –أركانها‪-‬‬
‫البند األول‪ :‬البدء في التنفيذ –مادي‪-‬‬
‫البند الثاني‪ :‬انعدام العدول اإلرادي عن تحقيق النتيجة‬
‫المطلب الخامس‪ :‬صور المحاولة –الشروع‪-‬‬
‫البند األول‪ :‬المحاولة في صورة لجريمة الموقوفة‬
‫البند الثاني‪ :‬المحاولة في صورة الجريمة الخائبة‬
‫البند الثالث‪ :‬المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة‬
‫المطلب السادس‪ :‬عقاب المحاولة – الشروع‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الركن المعنوي‬
‫تمهيد و تقسيم‬
‫المبحث األول‪ :‬أساس الركن المعنوي‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلرادة اإلنسانية بين الحرية و التقييد‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اإلرادة القانونية‬
‫الفرع األول‪ :‬شرطا اإلرادة المعتبرة قانونا‬
‫البند األول‪ :‬التمييز‬
‫البند الثاني‪ :‬حرية االختيار‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موانع العقاب و المسؤولية‬
‫البند األول‪ :‬موانع العقاب‬
‫البند الثاني‪ :‬موانع المسؤولية‬
‫الفرع الثالث‪ :‬من يسأل جنائيا‬
‫البند األول‪ :‬المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنويين أو االعتباريين‬
‫البند الثاني‪ :‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عناصر الركن المعنوي‬
‫المطلب األول‪ :‬القصد الجنائي‪L’intention Criminelle -‬‬
‫البند األول‪ :‬ماهية القصد الجنائي‬
‫البند الثاني‪ :‬صور القصد الجنائي‬
‫البند الثالث‪ :‬القصد المحدد و القصد غير المحدد‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ غير العمدي‬
‫تمهيد و تقسيم‬
‫الفرع األول‪ :‬ماهية الخطأ و صوره‬
‫البند األول‪ :‬ماهية الخطأ غير العمدي‬
‫البند الثاني‪ :‬صور الخطأ غير العمدي‬
‫البند الثالث‪ :‬حصر صور الخطأ‬
‫الفرع الثاني‪ :‬معيار الخطأ و أنواعه‬
‫البند األول‪ :‬معيار الخطأ‬
‫البند الثاني‪ :‬نوعا الخطأ‬
‫الفرع الثالث‪ :‬وحدة الخطأ و درجته‬
‫البند األول‪ :‬وحدة الخطأ‬
‫البند الثاني‪ :‬درجة الخطأ‬
‫تمهيد و تقسيم‬
‫أ‪ -‬شخصية الخطأ‬
‫ب‪ -‬تعدد الخطأ‬
‫ت ‪ -‬شيوع الخطأ‬
‫ث‪-‬إثبات الخطأ‬

You might also like