You are on page 1of 48

‫جامعة أبو بكر بلقايد – تلمسان‬

‫كلية الحقوق و العلوم السياسية‬

‫محاضرات‬
‫في‬
‫القــانون الجنـــائي العــام‬
‫مطبوعة موجهة للسنة الثانية‬
‫حقوق (جدع مشترك)‬

‫إعداد‬
‫ّماس‬ ‫أ‪ .‬ح‬
‫هديات‬

‫مقـــــــدمــــــــــــة ‪:‬‬
‫الحقوق و مصالح‬ ‫فهو يسعى إلى حماية‬ ‫يعتبر قانون العقوبات من أهم فروع القانون‪،‬‬
‫الجماعة‪ ،‬بهدف تحقيق األمن‪ ،‬االستقرار والسكينة داخل المجتمع‪ ،‬وإقامة العدل بين أفرادها‬
‫عن طريق ما تقرره القوانين العقابية من وسائل ردعية‪.‬‬
‫تعريف قانون العقوبات ‪:‬‬
‫القانونية التي تبين الجرائم و ما يقابلها من‬ ‫يعرف قانون العقوبات بأنه مجموعة من القواعد‬
‫)‪(1‬‬
‫عقوبات أو تدابير أمن‪.‬‬
‫التي تنظم حق الدولة في عقاب مرتكب الجريمة وفقا‬ ‫مجموعة من القواعد القانونية‬ ‫أو هو‬
‫لجزاءات محددة قانونا ‪.‬‬
‫التجريم والجزاء ‪ ،‬وكذا كيفية‬ ‫تلك القواعد القانونية التي تحدد سياسة‬ ‫كما يعرف أيضا بأنه‬
‫)‪(2‬‬
‫إقتضاء الدولة لحقها في العقاب بما يضمن حقوق المتهم‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ولقد أعطيت لهذا القانون عدة تسميات‪ :‬فهناك من‬
‫أطلق عليه "قانون العقوبات" هذا يعني أنه القانون الذي يبين العقوبة المقررة لكل‬
‫جريمة‪ .‬إستنادا إلى أن العقوبة هي أهم ما يميز هذا القانون عن غيره من القوانين األخرى ‪.‬‬
‫لكن هــذه التســمية تقتصــر على العقوبــات دون الجــرائم و ال تــدابير أمن‪ .‬كمــا ســمي بــ ـ‬
‫"القانون الجنائي"نسبة إلى الجناية التي تعتبر من أخطر أنواع الجـرائم ‪ ،‬إال أن هـذه التسـمية لم تسـلم بـدورها من االنتقـاد‪،‬‬
‫بحجة استبعاد الجنح و المخالفات كجرائم و اقتصار‬
‫تطبيق هذا الفرع من القانون على الجنايات فقط‪،‬كما أغفلت العقوبات و تدابير األمن‪ .‬الجانب الثالث أعطى‬
‫لهذا القانون تسمية "القانون الجزائي" باعتبار أن الجزاء يشمل العقوبة‬
‫و تدابير أمن اللذان يقرران لكل جريمة‪.‬‬
‫كال من التسميات الثالثة‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن المشرع الجزائري يميل إلى‬ ‫لذا انتشرت‬
‫استعمال تعبير "قانون العقوبات‪".‬‬
‫طبيعة قانون العقوبات ‪:‬‬
‫هل قانون العقوبات فرع من فروع القانون العام أم فرع من فروع القانون الخاص ؟‬
‫للحفاظ على نظام المجتمع واستقراره‪ ،‬ويحتل بذلك‬ ‫يعتبر أداة قانونية‬ ‫إ 'ن القانون الجنائي‬
‫مكانة هامة بين سائر القوانين األخرى‪.‬‬
‫في حاالت استثنائية‬ ‫فهذا القانون لم يترك أم المتابعة الجنائية بيد األفراد تبعا لمشيئتهم إال‬
‫ر‬
‫جدا ًترجح فيها مصلحة الفرد على أية مصلحة أخرى‪ ،‬أما عدا ذلك فقد منح المجتمع ‪ ،‬الدولة‬
‫ممثلة بالنيابة العامة أمر متابعة الجرائم‪ .‬و إن لم‬
‫يتقدم ضحاياها بشكوى أو بدعوى أمام القضاء‪ ،‬بل حتى و إن رضوا بالجرم‪ .‬و ال‬
‫يمكن فهم ذلك و ال تفسيره إال من خالل المصلحة العامة التي أنيط بها القانون الجنائي ‪.‬‬

‫‪ 1 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬محاضرات في القانون الجنائي العام‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪،2013 ،‬‬
‫ص ‪.12‬‬
‫‪1986‬‬ ‫باتنة ‪،‬‬ ‫‪ 2 -‬سليمان بارش‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري ‪ ،‬دار الشهاب للطباعة والنشر‬
‫‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 3 -‬عبد القادر عدو‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر‪ ، 2010 ،‬ص ‪ 9‬و‬
‫مابعدها‪ .‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 13‬و ‪14.‬‬
‫و لذلك فالقانون الجنائي هو فرع من فروع القانون العام‪ ،‬فهو يهدف إلى حماية النظام‬
‫االجتماعي و السياسي واالقتصادي لكل دولة‪ .‬كما أنه وضع لحماية المصلحة العامة للمجتمع وال يهدف إلى حماية‬
‫مصلحة خاصة ألي فرد من أفراد المجتمع‪ ،‬وإن كان يرتب من جراء‬
‫تطبيقه مصلحة خاصة ألحد األفراد فإنها ليست مقصودة لذاتها وإنما جاءت بطريقة غير‬
‫مباشرة‪ ،‬ذلك أن تحقيق المصلحة العامة يتضمن في طياته تحقيق المصالح الخاصة‪.‬‬
‫عالقة قانون العقوبات بفروع القانون األخرى‬
‫* إن قانون العقوبات له صلة وثيقة بالقوانين األخرى كالقانون الدستوري‪ ،‬حيث أن قانون‬
‫العقوبات جاء ليحمي الحقوق التي يكفلها الدستور مثل الحق في الحياة والحرية الشخصية وحرمة المسكن‪ ،‬كما له عالقة‬
‫بالقانون اإلداري من خالل حمايته للوظيفة العامة من الرشوة‬
‫والفساد وحماية الموظف‪...‬إلخ‬
‫* كما له عالقة بقانون األسرة ‪ ،‬إذ انه يحمي الحقوق المكفولة للزوجين ويعاقب على زنا‬
‫الزوج أو الزوجة‪ ،‬ويعاقب كذلك عن اإلمتناع عن دفع النفقة واإلمتناع عن تسليم الطفل‬
‫المحضـــــون‪...‬إلخ‪،‬‬
‫*ضف إلى ذلك أن قانون العقوبات له عالقة بالقانون المدني والتجاري‪ ،‬اللذان هما غير كافيــان لفــرض احــترام‬
‫قواعدهما الفتقادهما لخصوصية العقوبة‪ ،‬ليأتي قانون العقوبات يعاقب‬
‫على عدم إحترام قواعد القـانون المـدني والتجـاري‪* .‬باإلضــافة‬
‫إلى أن له عالقة بعلم اإلجرام و علم العقاب‬
‫فقانون العقوبات وعلم اإلجرام يتشابهان من حيث أن كالهما يبحث في ظاهرة الجريمة‪ ،‬إال أنهمــا يختلفــان من حيث‬
‫موضــوع كــل واحــد منهمــا‪ ،‬حيث أن قــانون العقوبــات يبحث في أنــواع الجــرائم المختلفــة ويحــدد لهــا أركانهــا‬
‫وعقوباتها‪ ،‬على عكس علم اإلجرام الذي يبحث في الظاهرة اإلجرامية وأسـبابها ‪ ،‬كمــا يسـاعد القاضــي عنــد‬
‫تطبيقه لقانون العقوبات مجال‬
‫العقوبات البديلة والتدابير اإلحترازية التي سوف يقررها وإتخاذها في هذا المجــال‪ .‬أمــا علم العقــاب يهــدف‬
‫إلى دراسة العقوبة والتدابير التي تنفد على المجرم ‪ .‬بمعنى أن علم‬
‫العقاب هو الطريق المنير لتطور قانون العقوبات‪ ،‬كما يرسم له معالمه التي ينبغي أن يسلكها‪.‬‬
‫مضمون قانون العقوبات ‪:‬‬
‫يتضمن قانون العقوبات نوعان من القواعد‪:‬‬
‫‪ ‬القواعد الموضوعية ‪ :‬تب 'ين ما يعد جريمة و العقوبة المقررة لها في إطار مبدأ الشرعية و‬
‫يعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات‪.‬‬
‫و يقسم قانون العقوبات بدوره إلى قسمين ‪ - :‬قسم عام ‪:‬‬
‫يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة ‪ ،‬ببيان األحكام العامة التي تحكم الجريمة و‬
‫العقوبة عن طريق تحديد األركان األساسية للجريمة ‪ ،‬و أحكام المسؤولية الجنائية ‪ ،‬و أنواع‬
‫)‪(4‬‬
‫العقوبات و ظروف تشديدها و ظروف تخفيفها‪.‬‬
‫الخاصة بكل جريمة على حدى‪ ،‬و بيان الحد‬ ‫يهتم بتحديد وصف األركان‬ ‫‪ -‬قسم خاص ‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫األدنى و الحد األقصى للعقوبة المقررة لها‪.‬‬

‫ص‪10.‬‬ ‫‪ 4 -‬بن شيخ لحسين‪ ،‬مبادئ القانون الجزائي العام‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪، 2002 ،‬‬
‫‪ 5 -‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ، 2009 ،‬ص‪14.‬‬
‫تبين اإلجراءات القانونية التي يتعين مراعاتها‪ ،‬و يجب إتباعها طوال‬ ‫‪ ‬القواعد الشكلية ‪:‬‬
‫مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة التحري عن الجريمة ‪ ،‬والتحقيق فيها إلى صدور الحكم‬
‫)‪(6‬‬
‫و تنفيذه‪ .‬و يعبر عن هذه القواعد بقانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين ‪ ،‬نتطرق في الفصل األول إلى‬ ‫و على هذ األساس ت 'م‬
‫ا‬
‫‪ ،‬أما في الفصل الثاني نتعرض إلى أحكام المسؤولية الجزائية‬ ‫دراسة أركان الجريمة‬
‫المترتبة عن الفعل اإلجرامي‪ ،‬وكذا الجزاء الجنائي المقابل للسلوكات المجرمة المرتكبة‪.‬‬

‫الفصـــــــــــل األول ‪:‬‬


‫أركـــــــــــان‬
‫الجریمــــــــــة‬
‫تعرف الجريمة على أنها ‪" :‬نشاط أو امتناع يجرمه القانون ويعاقب عليه‪ "(7).‬أو هي "‪ :‬فعل غير مشروع صادر‬
‫من إرادة جرمية ‪ ،‬يقرر له القانون عقوبة أو تدبيرا احترازيا "‪.‬‬
‫الجريمة يستوجب القانون توفر ثالثة أركان وهي ‪ :‬الركن الشرعي‪ ،‬الركن المادي و‬ ‫لقيام‬
‫الركن المعنوي‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬الركن الشرعي للجريمة‬


‫تقوم التشريعات الجنائية المعاصرة على مبدأ أساسي وهو ما يسمى بمبدأ الشرعية الجنائية أو‬
‫ويستلزم هذا المبدأ وجود قاعدة قانونية تجرم السلوك وتعاقب‬ ‫شرعية الجرائم والعقوبات‪.‬‬
‫عليه (المطلب األول‪ ).‬كما يستلزم أن تكون القاعدة الجنائية سارية في الزمان والمكان الذي‬
‫سريان القاعدة الجنائية من حيث‬ ‫هذا ما يقتضي تحديد نطاق أو‬ ‫ارتكبت فيهما الجريمة‪ ،‬و‬
‫حتى تنطبق القاعدة الجنائية‪ ،‬ينبغي أن ال يخضع هذا‬ ‫الزمان والمكان (المطلب الثاني‪ ).‬و‬
‫السلوك لسبب إباحة أو تبرير يجرده من الصفة اإلجرامية (المطلب الثالث‪).‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬مبــــــــــدأ الشرعيــــــــــة‬
‫و أن العقوبة ال‬ ‫إال نص قانوني‪،‬‬ ‫هو مبدأ أساسي مؤداه أن الجريمة و العقوبة ال ينشئهما‬
‫قانوني‪.‬‬ ‫نص‬ ‫غير‬ ‫يقرها‬
‫الفـــــــــــرع األول ‪ :‬مفهوم مبدأ شرعية الجرائم وظهوره‬
‫نتطرق إلى مفهوم مبدأ الشرعية‪ ،‬وإلى أصله التاريخي‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مفهومـــــــه‬
‫القانون وهذا طبقا لنص المادة األولى من‬ ‫حصر الجرائم و العقوبات في‬ ‫يعني هذا المبدأ‬
‫قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬أي مصدر الصفة غير المشروعة للفعل هو نص القانون ويقال‬

‫‪12.‬‬‫‪ 6 -‬بن شيخ لحسين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬


‫‪ 7 -‬عبد هلال سليمان‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الجريمة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2002 ،‬ص ‪58.‬‬
‫لهذا النص "نص التجريم " وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات والقوانين‬
‫فعال ً‬
‫معينا جريمة إال إذا وجد نصا‬ ‫المكملة له‪ .‬وبالتالي فان القاضي ال يستطيع أن يعتبر ً‬
‫فإذا لم يجد مثل هذا النص فال سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة ‪ ،‬ولو اقتنع‬ ‫يجرم هذا الفعل‪،‬‬
‫)‪(8‬‬
‫بأنه مناقض للعدالة أو األخالق أو الدين ‪ .‬و أساس هذا المبدأ هو حماية الفرد و ضمان‬
‫حقوقه و حريته و ذلك بمنع السلطات العامة من اتخاذ أي إجراء بحقه ‪ ،‬ما لم يكن قد ارتكب‬
‫فعال ينص القانون عليه و يفرض على مرتكبيه عقوبة جزائية ‪.‬‬

‫‪49.‬‬ ‫‪ 8 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬


‫ثانيا ‪ :‬أصله التاريخي‬
‫كانت العقوبات تحكمية و كان في وسع‬ ‫معروفا ففي العصور القديمة‪،‬‬ ‫لم يكن مبدأ الشرعية‬
‫ويفرضوا العقوبة التي يرونها‪.‬كما كانوا‬ ‫أفعال لم ينص القانون عليها‪،‬‬ ‫القضاة أن يجرموا‬
‫يرجعون إلى العرف لتجريم بعض األفعال و تقرير العقوبة لها‪.‬‬
‫و ترجع جذور هذه القاعدة إلى أحكام الشريعة اإلسالمية التي تستند مباشرة على نصوص‬
‫ُسوال ) ‪ ، "(9‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ً‬ ‫صريحة في هذا المعنى ومنها‪ :‬قوله تعالى ‪َ " :‬و َما ُكنَّا ُمعَ ِّ ِّ'ذبي َن َحتَّى َن َْبع َث َر‬
‫ُس ِّل‪ "(10).‬و غيرها من النصوص قاطعة بأنه ال جريمة إال بعد‬ ‫" ِّلئَالَّ َي ُكو َن ِّ ل َّنا َ علَ ََّّلالِّ ُ ح َّ جةٌ ب‬
‫ْعَد ال ُّر‬ ‫ى‬ ‫ِّس‬
‫بيان وال عقوبة إال بعد إنذار‪ ،‬وطبقوا هذه القاعدة على الجرائم ولكنهم لم يطبقونه تطبيقا‬
‫و القصاص‪ .‬بخالف جرائم‬ ‫واحدا في كل الجرائم حيث تم تطبيقه في جرائم الحدود‬
‫)‪(11‬‬
‫أن المصلحة العامة وطبيعة التعازير تقتضي ذلك‪.‬‬ ‫ويرجع ذلك إلى‬ ‫التعازير‬
‫النشأة الحقيقة لهذا المبدأ في القرن الثامن عشر حيث ظهر‬ ‫في القوانين الوضعية فكانت‬ ‫أما‬
‫لتسلط القضاة‬ ‫أمثال مونتسكيو و بيكاريا‬ ‫نتيجة اللنتقادات الشديدة من قبل الفالسفة والفقهاء‬
‫ولقد نص على هذا المبدأ ألول‬ ‫تجريم األفعال و المعاقبة بما لم يرد به نص‪.‬‬ ‫وتحكمهم في‬
‫مرة في المادة الثانية من إعالن حقوق اإلنسان و المواطن الفرنسي الذي صدر في سنة ‪1789‬‬
‫)‪(12‬‬
‫ثم تبنته األمم المتحدة في البيان العالمي لحقوق اإلنسان الصادر في ‪1948 .‬‬
‫العمل بمقتضاه من خالل‬ ‫على احترام المبدأ و‬ ‫أما بالنسبة للتشريع الجزائري‪ ،‬فقد أكد‬
‫)‪(13‬‬
‫النصوص الدستورية ونصوص قانون العقوبات أيضا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أهمية المبدأ والنتائج المترتبة عليه‬
‫سنتطرق في هذه النقطة إلى أهمية مبدأ الشرعية ‪ ،‬و إلى النتائج المترتبة عليه ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬أهمية المبدأ‬
‫تكمن األهمية من خالل أن المبدأ يرتبط بأهم دعائم الدولة و المتمثلة فيما يلي)‪: (14‬‬
‫‪ -‬مبدأ الفصل بين السلطات ‪ :‬يقضي باستقاللية كل سلطة باختصاصها ‪ ،‬فالسلطة التشريعية‬
‫والسلطة القضائية تطبقها عمليا في‬ ‫(تحدد الجرائم وتقدر العقوبات)‪،‬‬ ‫هي التي تسن القوانين‬
‫األحكام و القرارات الصادرة عنها‪ ،‬أما السلطة التنفيذية ‪ ،‬فهي التي تنفذ القوانين ‪.‬‬
‫مرتبط باحترام الدولة للقانون ‪،‬وخضوع الحاكم و‬ ‫فالنظام القانوني‬ ‫‪ -‬مبدأ سيادة القانون ‪:‬‬
‫المحكوم له ومنه يطبق القانون على األفراد و على أجهزة الدولة‪.‬‬
‫)‪(15‬‬
‫كما يهدف هذا المبدأ إلى الموازنة بين المصلحة الفردية و المصلحة الجماعية‪.‬‬

‫‪15.‬‬
‫‪ 9 -‬سورة اإلسراء _ بعض اآلية الكريمة‬
‫‪ 10-‬سورة النساء _ بعض اآلية الكريمة ‪165.‬‬
‫‪ 11 -‬عبد هلال أوهايبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 90‬و‪91.‬‬
‫‪ 12 -‬سمير عالية‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع‪،‬‬
‫لبنان‪ ، 2002 ،‬ص ‪ ،48‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪50.‬‬
‫‪ 13-‬أنظر المواد ‪ 58 ، 59 ، 158‬و ‪ 160‬من دستور ‪ 2016‬و المادة ‪ 1‬و ‪ 2‬من قانون العقوبات‪ - .‬عادل‬
‫‪14‬‬

‫قورة ‪ ،‬محاضرات في قانون العقوبات ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ص‬
‫‪.41‬‬
‫‪ 15 -‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ،80‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪52.‬‬
‫‪ ‬ففي اتجاه مصلحة الفرد ‪ :‬إن المبدأ‬
‫يحمي حرية األشخاص في تقييد السلطة و منعهــا من التحكم في ســلوك األفــراد‪ ،‬فــال يعــاقب الفــرد أو يتــابع إال إذا كــان‬
‫الفعل الذي قام به مجرما قبل إتيانه‪.‬كما أن تصنيف األفعال‬
‫المجرمة يساعد في اجتنابها وتحديد إطار حياة الفرد‪ ،‬فللقانون دور وقائي‪.‬‬
‫‪ ‬في اتجاه مصلحة المجتمع ‪:‬‬
‫‪ -‬تفرد المشرع بالتجريم والعقاب هذا ما يكسب النصوص احتراما عاما لخصوصيتي‬
‫التجريد‪- .‬‬ ‫و‬ ‫العمومية‬
‫يساهم مبدأ الشرعية في تدعيم فكرة االستقرار و خلق العدالة و المساواة بين األفراد و عدم‬
‫التمييز بينهم على أساس طائفي أو طبقي‪،‬كما تحقق فكرة الردع العام‪.‬‬
‫و ال يقتصر مبدأ الشرعية على حماية األبرياء‪ ،‬وإنما يحمي الجناة أيضا من تعسف القضاة‬
‫بإلزام القاضي الحكم بالعقوبة التي جاء بها نص التجريم‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النتائج المترتبة عن المبدأ‬
‫لهذا المبدأ نتائج هامة منها ‪:‬‬
‫لتطبيق العقوبة و جود‬ ‫‪ -‬سريان النص الجنائي على الحاضر والمستقبل فقط ‪ ،‬ويشترط‬
‫النص قبل إتيان الفعل المجرم‪.‬‬
‫(قانون العقوبات والقوانين المكملة له) و‬ ‫‪ -‬التشريع المصدر الوحيد للتجريم والعقاب‬
‫)‪(16‬‬
‫تستبعد كل المصادر األخرى‪.‬‬
‫النص الجنائي‬ ‫‪ -‬تقيد سلطة القاضي في تفسير النص الجنائي‪ :‬لهذا وجب أن يكون‬
‫وإذا وجد القاضي صعوبة أو غموض في‬ ‫حتى يسهل على القاضي التطبيق ‪،‬‬ ‫واضحا‬
‫النص يلجأ إلى التفسير الضيق وهو البحث عن إرادة المشرع وقصده من النص دون‬
‫توسع وهو ما يبرز مبدأ تبعية القاضي للمشرع‪- .‬حضر القياس في‬
‫تفسير النصوص التجريم‪ :‬ليس للقاضي أن يقيس فعال لم يرد نص‬
‫)‪(17‬‬
‫بتجريمه ‪ ،‬على فعل مجرم فيقرر عقوبة الثاني على الفعل األول‪.‬‬
‫‪ -‬قاعدة تفسر الشك لصالح المتهم ‪ :‬في حالة وجود غموض في النص الجنائي واستحال‬
‫التفسير وتساوت في نظره وجوه متعددة‪ ،‬فيفسر في هذه الحالة‬ ‫على القاضي تحديد‬
‫الشك لصالح المتهم ‪ ،‬حيث إذا تعادلت أدلة اإلدانة مع البراءة رجح الثانية‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬تقييم المبدأ‬
‫رغم ما حققه المبدأ من حماية للمصلحة الفردية و الجماعية‪ ،‬إال' أن هناك انتقادات وجهت له‬
‫نوجزها في ما يلي‪ - :‬عدم‬
‫إحاطة النصوص بجميع األفعال والوقائع التي تعد خطيرة اتجاه الفرد والمجتمع‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬الفعل الذي لم يجرمه المشرع ال يعتبر جريمة حتى لو أضر بالصالح العام أو بالحرية‬
‫الفردية أللشخاص‪.‬‬

‫‪ - 16‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪53.‬‬


‫‪ - 17‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪85.‬‬
‫‪ -‬عدم أخالقية المبدأ في بعض الحاالت التي ال يوجد فيها نص‪ ،‬فالمجرم يرتكب أفعال‬
‫)‪(18‬‬
‫ويفلت من العقاب بحجة عدم وجود نص يجرم الفعل ‪.‬‬
‫‪ -‬تقييد حرية القاضي في االستعانة بمصادر أخرى والتوسع في التفسير‪ .‬فاألجدر‬
‫واألولى أن يكون للقاضي نوع من السلطة التقديرية وليس مجرد آلة‪.‬‬
‫‪ -‬القانون الجنائي جامد وبطيء‪ ،‬وبالتالي ال يتماشى مع التطور الدائم للجرائم‪.‬‬
‫‪.‬فجمود النص يمكن التخلص منه‬ ‫الفقه متمسكا بمبدأ الشرعية‬ ‫رغم هذه االنتقادات‪ ،‬ظل‬
‫بمرونة يلجأ لها المشرع في عبارات بحيث يحقق التوازن بين مصلحة المجتمع وحقوق‬
‫حرفيا وال واسعة بحيث يســتغل القاضي هــذه النقطــة ويجــرم‬ ‫األفراد ‪ ،‬فال تكون هذه العبارات ضيقة بحيث يطبقها القاضي ً‬
‫أفعال لم ينص عليه القانون وبالتالي إهدار حقوق األفراد ‪ ،‬كمـا يمكننــا القــول بــأن االســتقرار القــانوني يعلــو على حمايــة‬
‫المصالح المشتركة ‪ ،‬فإذا تبين للمشرع‬
‫فعال ما منافي للنظام السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي بادر إلى تجريمه بنص‪.‬‬ ‫أن ً‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬نطاق تطبيق مبدأ الشرعية‬
‫التي‬ ‫)‪(19‬‬
‫تدابير األمن‬ ‫ينطبق مبدأ الشرعية على تعريف الجرائم و على تحديد العقوبات و‬
‫تطبق على شخص معين‪ ،‬و يتعين على السلطات الثالث مراعاة هذا المبدأ‪.‬‬
‫‪ :‬عمال بمبدأ الشرعية ليس كل األعمال المخالفة للنظام العام‬ ‫‪ 1 -‬من حيث تعريف الجريمة‬
‫مهما بلغت خطورتها تعرض مرتكبيها للعقاب بصفة تلقائية‪ ،‬ومن ثم ال تشكل جريمة‬
‫تستوجب العقاب إال األعمال المنصوص والمعاقب عليها بنص‪ .‬و يقتضي مبدأ الشرعية أن‬
‫يحدد القانون أركان الجريمة‪ ،‬األفعال المكونة لها ‪ ،‬و ظروفها‪ 2 - .‬من حيث‬
‫تحديد العقوبة‪ :‬مثلما أشرنا سابقا أنه ال جريمة إال بنص فحتى العقوبة ال تكون‬
‫إال بنص‪ ،‬والقاعدتان مكملتان ومالزمتان لبعضهما البعض إذ أنه من الضروري أن يكون‬
‫المرء على دراية ليس فقط بأن فعال ما مجرما‪ ،‬بل يجب أيضا أن يعلم بالعقوبة التي يتعرض إليها لو أتى ذلك الفعل‪ ،‬ومن‬
‫ثم يتعين على المشرع أن يتولى بنفسه التنصيص على عقوبة‬
‫أنه تبقى السلطة التقديرية للقاضي فيما يخص الحكم بالحد األدنى أو‬ ‫معينة لكل تجريم‪ .‬غير‬
‫األقصى للعقوبة‪.‬‬
‫‪ 3 -‬من حيث اتخاذ تدابير األمن‪ :‬هل تدخل التدابير االحترازية في نطاق مبدأ الشرعية ؟‬
‫على الرغم من أن المشرع يستهدف من التدابير االحترازية الوقاية االجتماعية ال الجزاء‬
‫ال يمكن تجريد التدابير‬ ‫وهو مجرد إجراء عالجي يستفيد منه المحكوم عليه‪ ،‬إال أنه‬
‫االحترازية من اإليالم وإن كان غير مقصود ‪ ،‬فبعض التدابير االحترازية تصل إلى حد سلب الحرية ولذلك يجب على الشارع‬
‫أن يحدد التدابير ويحدد ماهية كل منها حتى ال يكون وسيلة‬
‫نصوص التجريم‬ ‫تطبق بصورة جامدة مثلها مثل‬ ‫بيد القضاة ‪ ،‬ولكن التدابير ال‬ ‫استغالل‬
‫والعقاب‪ ،‬و ال تكون محددة المدة ‪ ،‬وإنما يترك للقاضي الحرية في أن يختار من بين التدابير‬
‫التي نص عليها الشارع ما يكون مناسباً لخطورة المجرم‪ .‬و إللجابة‬
‫على السؤال السابق‪ ،‬نقول أن التدابير االحترازية تدخل في مبدأ الشرعية بحيث ال‬
‫يستطيع القاضي أن يحكم بغير التدابير المنصوص عليه في القانون‪.‬‬
‫‪ ،‬الجزائر‬ ‫‪ - 18‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬الوجيز في قانون القانون الجزائي العام ‪ ،‬الطبعة الثانية عشر ‪ ،‬دار هومة‬
‫‪ ،‬ص ‪.682013 ،‬‬
‫‪ - 19‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 76‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬سريان النص الجنائي من حيث الزمان ومن حيث المكان‬
‫وضع قانون العقوبات عدة أحكام قانونية بخصوص القانون الواجب التطبيق سواء من حيث‬
‫الزمان أومن حيث المكان‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬سريان النص الجنائي من حيث الزمان‬
‫إن تطبيق النص الجنائي له حدود زمنية‪ .‬فالقوانين الجنائية كغيرها من القوانين الوضعية‬
‫ليست أبدية‪ ،‬و إنما تخضع للتعديل و اإللغاء من أجل تالؤمها مع ظروف المجتمع‪ .‬لهذا‬
‫للنص الجنائي نطاق زمني‪ ،‬و يتك 'رس هذا النطاق من خالل قاعدة أو مبدأ هام و المتمثل في‬
‫مبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬إال' أن لهذا المبدأ استثناء وهذا ما سنراه تبعا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قاعدة عدم رجعية النص الجنائي‬
‫أ‪ .‬تعريف القاعدة ‪:‬‬
‫النص فقط على‬ ‫المبدأ أن النصوص الجنائية ال تسري بأثر رجعي بحيث يطبق‬ ‫نقصد بهذا‬
‫ال يطبق على األفعال‬ ‫إلغائه أو تعديله‪ ،‬و‬ ‫األفعال التي وقعت منذ لحظة العمل به إلى غاية‬
‫التي سبقت صدوره‪ .‬و هو ما يطلق عليه بتطبيق قانون العقوبات بأثر فوري‪.‬‬
‫الدستور الجزائري حيث تنص المادة ‪ 58‬منه على‬ ‫تم اإلعتراف بهذا المبدأ من خالل أحكام‬
‫أن‪" :‬ال إدانة إال بمقتضى قانون صادر قبل إرتكاب الفعل المجرم"‪.‬‬
‫المبدأ ضمن قانون العقوبات حيث تنص المادة الثانية منه‬ ‫كما كرس المشرع الجزائري هذا‬
‫على أن‪ " :‬ال يسري قانون العقوبات على الماضي‪."...‬‬
‫و منه ال يمكن معاقبة شخص على فعل كان مباحا وقت ارتكابه ثم جرمه القانون الجديد‪ ،‬و ال يجوز تطبيق عقوبة‬
‫أشد من تلك التي كانت مقررة وقت ارتكاب الفعل‪.‬فتعتبر هذه القاعدة‬
‫)‪(20‬‬
‫الجرائم‪.‬‬ ‫شرعية‬ ‫لمبدأ‬ ‫الزمة‬ ‫و‬ ‫طبيعية‬ ‫نتيجة‬
‫ب‪ .‬نطاق تطبيق قاعدة عدم الرجعية ‪:‬‬
‫يتوقف تطبيق القاعدة على عنصرين‪:‬‬
‫‪ ‬تحديد وقت العمل بالقانون الجديد‪ :‬أي متى يبدأ العمل بالقانون ومتى ينتهي؟‬
‫‪ -‬يبدأ سريان القانون من يوم نشره في الجريدة الرسمية بعد مرور ‪ 24‬ساعة بالنسبة للجزائر‬
‫ساعة من تاريخ وصول الجريدة‬ ‫يسري بعد ‪24‬‬ ‫العاصمة‪ ،‬أما بالنسبة للواليات األخرى‬
‫)‪(21‬‬
‫الرسمية إلى الدائرة‪.‬‬
‫اشتمال تشريع الحق على‬ ‫بالقانون بإلغائه ‪ ،‬وقد يكون اإللغاء ضمني أي‬ ‫‪ -‬وينتهي العمل‬
‫أحكام تتناول نفس الموضوع الذي تناوله القانون القديم لكن تتعارض معه ‪ ،‬أو يكون اإللغاء‬
‫)‪(22‬‬
‫صريح أي اشتمال القانون الجديد على حكم يقرر صراحة إنهاء العمل بالقانون القديم‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد وقت ارتكاب الجريمة‪ :‬يكمن في تحديد وقت ارتكاب الفعل ال وقت تحقق النتيجة‪.‬‬

‫‪ 20-‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 21- 91.‬أنظر‬


‫المادة ‪ 4‬من األمر رقم ‪ 58 75-‬المؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ 1975‬و المتضمن القانون المدني‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية العدد ‪ 78‬مؤرخة في ‪ 30‬سبتمبر ‪ 1975‬المعدل و المتمم‪.‬‬
‫‪ 22 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪59.‬‬
‫ال تثير إشكال في تحديد وقت ارتكاب الجريمة (الفعل) ‪ ،‬مثل‬ ‫و هناك بعض الجرائم التي‬
‫الجرائم الوقتية أين ترتكب الجريمة في لحظة واحدة ‪،‬كمن يطلق النار على آخر فيقتله على‬
‫)‪(23‬‬
‫الفــور ‪ ،‬فهنــا تخضــع الجريمــة للقــانون الســائد لحظــة وقوعهــا ‪ .‬لكن اإلشـكال‬
‫يطرح في بعض الجرائم‪ ،‬مثل الجريمة المستمرة التي يقوم ركنها المادي على عنصر الدوام واالستمرارية كجريمة‬
‫إخفاء األشياء المسروقة أو جريمة حيازة المخدرات‪ .‬و‬
‫كذلك جريمة االعتياد التي يقوم ركنها المادي على تكرار الفعل المعاقب عليه لقيام الجريمة‬
‫التي يقع ركنها المادي في شكل دفعات‬ ‫الجريمة المتتابعة‬ ‫كجريمة االعتياد على التس 'ول‪ .‬و‬
‫رغم وحدة المشروع اإلجرامي‪.‬‬
‫ففي هذه الجرائم العبرة بوقت النتيجة إذ يطبق القانون الجديد عليها ‪ ،‬وذلك بوصفه القانون‬
‫)‪(24‬‬
‫الذي تم في ظله تنفيذ هذه الجرائم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستثناء الوارد على قاعدة عدم الرجعية‬
‫أ‪ .‬المقصود به ‪:‬‬
‫يتمثل هذا االستثناء في رجعية القانون الجديد وتطبيقه على وقائع حدثت قبل نفاذه ‪ ،‬إذا كان‬
‫أصلح للمتهم‪ .‬و األمر هنا يتعلق بالقوانين الموضوعية دون اإلجرائية التي تسري بأثر‬
‫مباشر‪ .‬فإذا قام المشرع في القانون الجديد بإلغاء نص التجريم أو تخفيف العقوبة فإن ذلك‬
‫يدل على عدم خطورة الفعل على المجتمع وبالتالي يجب أن يستفيد منه المتهم‪ .‬نكون أمام قانونين‬
‫ينظمان نفس الواقعة اإلجرامية‪ ،‬أحدهما قديم و اآلخر جديد ‪ ،‬فأيهما نطبق‬
‫؟‬
‫األصل أن يطبق القاضي القانون الساري وقت ارتكاب الجريمة طبقا لقاعدة عدم رجعية القوانين‪ ،‬لكن إذا كان‬
‫القانون الجديد أقل شدة فيطبق هذا األخير ‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 02‬من ق‪.‬ع‪" .‬ال‬
‫يسري قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل شدة‪".‬‬
‫ب‪ .‬شروطه ‪:‬‬
‫لتطبيق القــانون األصــلح للمتهم ال بــد من تــوافر الشــروط التاليــة ‪ :‬الشرط األ‪%%‬ول‪:‬‬
‫التأكد من أن القانون الجديد هو األصلح للمتهم‪ :‬وهذه المهمة مسندة للقاضي الجنــائي يقــوم بالمقارنــة بين القــانون‬
‫القديم (الذي وقعت في ظله الجريمة وتم إلغائه) وبين‬
‫الضوابط التي يلجأ إليها لتحديد إن كان‬ ‫القانون الجديد الذي تجري في ظله المحاكمة‪ ،‬و‬
‫)‪(25‬‬
‫القانون الجديد أصلح للمتهم أم ال هي‪:‬‬
‫‪ ‬من حيث التجريم‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ألغى القانون الجديد نص التجريم فأصبح الفعل مباحا؛‬
‫‪ -‬إذا أدخل القانون الجديد سببا من أسباب اإلباحة أو مانعا من موانع العقاب لم تكن موجودة‬
‫القانون‬ ‫ظل‬ ‫في‬
‫القديم؛‬

‫ص‪96.‬‬ ‫‪ 23 -‬سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬


‫‪ 24 -‬سمير عالية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 97‬و ‪98.‬‬
‫‪ 25 -‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪117.‬‬
‫‪ -‬إذا أضاف القانون الجديد ركنا من أركان الجريمة لم يكن موجودا في ظل القانون القديم‬
‫(كاشتراط ركن االعتياد)؛ ‪ -‬إذا‬
‫نزل القانون الجديد بجسامة الجريمة ‪ ،‬كأن تكون جناية في القانون القديم و تصبح جنحة‬
‫في القانون الجديد‪ ،‬أو تكون جنحة في القانون القديم و تصبح مخالفة في القانون الجديد ‪ - .‬إذا ألغى القانون الجديد‬
‫ظرفا مشددا للعقاب أو إذا أضاف ظرفا مخففا لم يكن القانون القديم‬
‫ينص عليه‪.‬‬
‫)‪(26‬‬
‫‪ ‬من حيث العقاب‪:‬‬
‫‪ -‬القاعدة العامة‪ :‬أن القانون يكون أصلح للمتهم إذا خفف من العقوبة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا أخذ القانونان بنفس العقوبة‪ ،‬فيكون القانون الجديد أصلح للمتهم إذا جاء بعقوبة أخف‪،‬‬
‫فإذا خفض من الحد األدنى أو من الحد األقصـى أومن الحـدين معـا فهـو األصـلح للمتهم‪ .‬يثـور اإلشـكال في‬
‫حالــــــة مــــــا إذا خفض القــــــانون الجديــــــد من الحــــــد األــــــدنى ورفــــــع من الحــــــد األقصــــــى أو العكس‬
‫يجب المقارنة بين القانون القـديم والجديــد على أسـس موضــوعية‬ ‫هنا‬
‫يســـــــتحق‬ ‫وواقعيـــــــــة‪ ،‬فـــــــــإذا رأى القاضـــــــــي بـــــــــأن المتهم‬
‫وجــدير بتخفيــف العقوبــة عليــه فيطبــق القــانون الــذي خفض من الحــد األــدنى‪ ،‬أمــا إذا رأى القاضــي أن المتهم‬
‫عقوبة‬ ‫يستحق‬
‫مشددة فيطبق القانون الذي خفف من الحد األقصى‪ .‬إذا قرر القانون‬
‫القديم عقوبتين على سبيل الوجوب وجاء القانون الجديد وقررهما على سبيل‬
‫الجواز فإن هذا القانون يكون أصلح للمتهم‪ .‬الشرط‬
‫الثاني‪ :‬صدور القانون الجديد قبل صدور حكم نهائي‬
‫لكي يستفيد المتهم من القانون األصلح له يجب أن يكون هذا القانون الجديد قد صدر قبل‬
‫الحكم نهائيا في الدعوى العمومية‪ ،‬والحكم النهائي هو الحكم الذي ال يقبل الطعن فيه سواء‬
‫بالطرق العادية أو الغير العادية‪ ،‬وعلة هذا الشرط هي المحافظة على االستقرار القانوني‬
‫أللحكام القضائية واحترام حجية الشيء المقضي به‪ .‬فإذا لم تحرك الدعوى العمومية أو أنها‬
‫حركت وصدر فيها حكم ابتدائي وجب على المحكمة الناظرة في الدعوى أن تطبق القــانون األصــلح للمتهم من تلقــاء‬
‫نفسها (محكمة‪ ،‬مجلس‪ ،‬محكمة العليا‪ ).‬أما إذا أصبح الحكم باتا وقت صــدور القــانون الجديــد فإنــه يمتنــع ســريانه على‬
‫الفعل الذي تم الفصل فيه ولو كان هذا القانون‬
‫للمتهم‪.‬‬ ‫أصلحا‬ ‫فعال‬

‫ج ‪ -‬التطبيق الفوري لقانون اإلجراءات أو قوانين الشكل ‪:‬‬


‫على خالف القوانين العقابية التي ال تكون رجعيتها إال بصفة استثنائية ‪ ،‬فإن القوانين الشــكلية الــتي ال تمس بعناصــر التجــريم و ال‬
‫بالمسؤولية و ال بالعقوبة و إنما تتعلق فقط بمعاينة الجرائم و متابعتها فإن مثل هذه القوانين تطبق بصفة اســتثنائية فــور نفاذهــا‬
‫من أجل وقائع ارتكبت قبل‬
‫صدورها ما دام لم يصدر فيها حكم نهائي‪ ،‬وأهمية ذلك أنها تعتبر أفضل من القانون القديم‪،‬‬
‫وأنها تهدف إلى ضمان السير الحسن للعدالة ‪.‬‬

‫‪ ،2010‬ص ‪68‬‬ ‫‪ 26-‬عبد القادر عدو‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات الجزائري – القسم العام – دار هومة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.69 -‬‬
‫غير أن هذا التطبيق للقانون الجديد محكوم بشرطين‪:‬‬
‫وجد لصالح المتهم المتابع أو المحكوم عليه حق‬ ‫ً را‬ ‫ال يطبق القانون الجديد فو‬ ‫‪ -‬أن‬
‫كلما‪،‬‬
‫مكتسب‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يؤدي تطبيق القانون الجديد إلى إبطال اإلجراءات التي تمت صحيحة في ظل القانون‬
‫)‪(27‬‬
‫القديم‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬سريان النص الجنائي من حيث المكان‬
‫لقيام الركن الشرعي يجب أن يكون النص الجنائي ساري المفعول قبل ارتكاب السلوك‬
‫غير‬ ‫هذا‬ ‫أن‬ ‫غير‬ ‫المجرم‬
‫كافي إذ ال بد من تحديد المكان الذي وقعت فيه هذه الجريمة لتحديد القانون الواجب التطبيق‪ ،‬وهو‬
‫عليه‬ ‫يطلق‬ ‫ما‬
‫بسريان النص الجنائي من حيث المكان والذي تحكمه أربعة مبادئ ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مبدأ اإلقليمية‬
‫نقصد بهذا المبدأ سريان قانون العقوبات الجزائري على كل الجرائم المرتكبة على مستوى‬
‫المصلحة‬ ‫اإلقليم الجزائري مهم كانت جنسية الجاني وجنسية المجني عليه‪ ،‬ومهم كانت‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الجديرة بالحماية‪ .‬وال يمتد سلطان هذا القانون خارج الحدود الوطنية‪.‬‬
‫أ‪ .‬تطبيقات المبدأ ‪:‬‬
‫إقليمها‪ ،‬وقد كرست‬ ‫في سيادة الدولة على‬ ‫يتمثل‬ ‫يستند هذ المبدأ على أساس قانوني ها‬
‫م‬ ‫ا‬
‫الجزائري‪ .‬إن تطبيق مبدأ اإلقليمية‬ ‫مختلف تشريعات العالم هذ المبدأ‪ ،‬ومن بينها التشريع‬
‫ا‬
‫يتطلب معرفة أمرين هما تحديد اإلقليم و تحديد مكان الجريمة ‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد إقليم الدولة ‪:‬‬
‫تن 'ص المادة ‪ 03‬من قانون العقوبات على أن ‪" :‬يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي‬
‫ترتكب في أراضي الجمهورية"و يقصد بأراضي الجمهورية ‪،‬حسب المادة ‪ 13‬من دستور‬
‫‪ 2016‬إقليم الدولة والذي يتكون من اإلقليم البري‪ ،‬اإلقليم البحري‪ ،‬و اإلقليم الجوي‪.‬‬
‫‪ -‬اإلقليم البري‪ :‬هو المساحة األرضية التي تباشر الدولة عليها سيادتها والمحددة مع الدول‬
‫المجاورة ويضم األنهار والبحيرات والمضايق‪...‬‬
‫‪ -‬اإلقليم البحري‪ :‬هو جزء من البحر العام يتصل بشواطئ الدولة ويعتبر امتدادا إلقليمها‬
‫البري و غالبا ما يحدد بـــــ ‪ 12‬ميل‪.‬‬
‫)‪(28‬‬
‫‪ -‬اإلقليم الجوي‪ :‬يتمثل في طبقات الهواء التي تعلو كال من اإلقليم البري والبحري ‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد مكان ارتكاب الجريمة ‪:‬‬
‫إن مكان ارتكاب الجريمة هو المكان الذي يتحقق فيه الركن المادي ‪ ،‬وال يطرح إشكال إذا‬
‫كان الركن المادي تم بأكمله في الجزائر‪ ،‬كأن يضرب الجاني الضحية في قطر الجزائر‬
‫فيسبب له جروحا فيها‪.‬‬
‫ص‪97.‬‬ ‫‪ - 27‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪ 28 -‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪135. - 134‬‬
‫لكن اإلشكال قد يطرح في حالة وقوع أحد عناصر الركن المادي في إقليم (السلوك) واآلخر‬
‫َ ام في الجزائر فيموت في إقليم أجنبي‪ .‬فتعتبر‬ ‫(النتيجة) في إقليم آخر‪.‬كأن يضع للضحية س‬
‫)‪(29‬‬
‫الجريمة قد وقعت في اإلقليمين معا‪.‬‬
‫قانون اإلجراءات الجزائري و التي تن 'ص‬ ‫من‬ ‫ففي هذه الحالة يمكن الرجوع إلى المادة‬
‫‪586‬‬
‫على أن ‪" :‬تعد مرتكبة في اإلقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من األعمال المميزة ألحد‬
‫أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر‪".‬‬
‫‪ -‬الجرائم التي تقع على متن السفن‪:‬‬
‫"تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في عرض‬
‫البحر وعلى البواخر التي تحمل الراية أيا كانت جنسية مرتكبها‪ .‬و كذلك الشأن بالنسبة‬
‫للجنايات و الجنح التي ترتكب في ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة‪.‬تجارية أجنبية)‪"(30‬‬
‫‪.‬‬
‫إذن يطبق قانون العقوبات الجزائري على الجنايات والجنح المرتكبة على ظهر السفن في‬
‫الحاالت التالية ‪ - :‬في‬
‫حالة السفينة التي تحمل الراية الجزائرية والمتواجدة في عرض البحر أو المياه الدولية‬
‫التي ال تخضع لسيادة أي دولة‪.‬‬
‫‪ -‬في حالة السفينة التي تحمل راية أجنبية إذا كانت تبحر في المياه اإلقليمية الجزائرية أو‬
‫الجزائري‪.‬‬ ‫الميناء‬ ‫في‬ ‫راسية‬ ‫كانت‬

‫ترتكب على متن طائرات‬ ‫‪ -‬الجرائم التي تقع على ظهر الطائرة ‪:‬‬
‫التي‬ ‫"تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح‬
‫جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة‪.‬‬
‫كما تختص أيضا بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرة أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري‬
‫الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر بعد وقوع الجناية أو الجنحة‬
‫(‪)31‬‬
‫‪".‬‬
‫ترتكب على متن الطائرات‬ ‫إذن يطبق قانون العقوبات الجزائري على الجنايات والجنح التي‬
‫في الحاالت التالية‪:‬‬
‫الراية الجزائرية ووقعت الجريمة على متنها بغض النظر عن‬ ‫‪ -‬حالة الطائرة التي تحمل‬
‫جنسية مرتكبها أو األجواء التي تحلق بها‪.‬‬
‫‪ -‬حالة الطائرة التي تحمل الراية األجنبية على أن يكون الجاني أو المجني عليه جزائري‬
‫الجنسية أو إذا هبطت الطائرة في أحد المطارات الجزائرية بعد ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫تستثنى من تطبيق أحكام المادة ‪ 590‬و المادة ‪ 591‬السفن والطائرات الحربية ألنها امتداد‬
‫لسيادة الدولة‪.‬‬
‫ب‪ .‬االستثناءات الواردة على مبدأ اإلقليمية‬

‫ص‪69.‬‬ ‫‪ 29 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬


‫‪- 30‬أنظر المادة ‪ 590‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري‪.‬‬
‫‪ - 31‬أنظر المادة ‪ 591‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري‪.‬‬
‫هناك أشخاص ال يسري عليهم النص الجنائي الوطني رغم ارتكابهم الجرائم داخل إقليم‬
‫لتمتعهم‬ ‫وذلك‬ ‫الدولة‬
‫بحصـانة وهـؤالء األشـخاص هم‪- :‬‬
‫رئيس الدولة‪ :‬لكن هذا ال يعني أنه معفي من المســؤولية الجنائيــة فطبقــا لنص المــادة ‪ 177‬من الدســتور فإنــه تؤســس‬
‫محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة الرئيس عن األفعال التي توصف‬
‫بأنها خيانة عظمي‪.‬‬
‫بالحصانة البرلمانية وحصانتهم ليست مطلقة‪ ،‬حيث يجوز‬ ‫‪ -‬نواب البرلمان‪ :‬يتمتع النواب‬
‫للنيابة العامة أن تتقدم إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس األمة لرفع‬
‫الحصانة التي تقرر بأغلبية أعضاءه‪.‬‬
‫‪ -‬رؤساء الدول األجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬رجال السلك السياسي األجنبي وهم السفراء و القناصلة‪.‬‬
‫‪ -‬رجال القوات العسكرية األجنبية إذا كانوا متواجدين بإقليم دولة بناء على معاهدة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المبادئ االحتياطية‬
‫ٍ ف ل ض بط‬ ‫اإلجرام أن مبدأ اإلقليمية غير كا‬ ‫لقد أثبتت الضرورات العملية في مكافحة‬
‫جميع‬
‫أنواع الجرائم التي يتعدى نطاقها إقليم الدولة‪ ،‬مما أدى بالمشرع إلى األخذ بمبادئ أخرى‬
‫وهي‪:‬‬ ‫اإلقليمية‬ ‫لمبدأ‬ ‫مكملة‬
‫أ‪ -‬مبدأ الشخصية‪:‬‬
‫‪ ‬تعريفه ‪ :‬يعني أن يطبق النص الجنائي على كل من يحمل الجنسية الجزائرية ولو ارتكب‬
‫جريمة خارج إقليمها وذلك في حالة عودته إلى الجزائر‪ ،‬و علة ذلك حتى ال تكون الجزائر‬
‫موط ًنا للخارجين عن القانون الذي يسيئون إلى وطنهم بارتكابهم جرائم في الخارج‪.‬كما يقتضي هذا المبدأ أنه ال‬
‫يجوز للدولة أن تسلم رعاياها إلى الدولة التي وقعت فيها الجريمة‬
‫(‪.)32‬‬
‫‪ ‬شروطه ‪ :‬تختلف هذه الشروط باختالف طبيعة الجريمة إذا كانت جناية أم جنحة‪.‬‬
‫بالنسبة للجنايات‪ :‬نصت عليها المادة ‪ 582‬من قانون اإلجراءات الجزائية )‪ (33‬و التي تشترط‬
‫لتطبيق المبدأ الشروط التالية ‪:‬‬
‫النظر عن تكييفها‬ ‫‪ -‬أن تك 'يف الواقعة بأ 'نها جناية في نظر قانون العقوبات الجزائري بغض‬
‫في قانون الدولة التي إرتكبت فيها الجريمة ؛‬
‫‪ -‬أن يكون الجاني جزائري الجنسية سواء كانت هذه األخيرة أصلية أو مكتسبة‪ ،‬و حتى و إن‬
‫إكتسب الجاني الجنسية الجزائرية بعد ارتكاب الجريمة فنطبق دائما مبدأ الشخصية)‪ (34‬؛‬

‫‪74.‬‬ ‫‪ 32-‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬


‫‪ 33 -‬تنص المادة ‪ 582‬من قانون اإلجراءات الجزائري على أن ‪" :‬كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب‬
‫عليها في القانون الجزائري ارتكبها جزائري خارج إقليم الجمهورية يجوز أن تتابع ويحاكم فيها في‬
‫الجزائـــــر‪.‬‬
‫غير أنه ال يجوز أن تجري المتابعة أو المحاكمة إال إذا عاد الجاني إلى الجزائر و لم يثبت أنه حكم عليه نهائيا في الخارج وأن يثبت‬
‫في حالة الحكم باإلدانة أنه قضى العقوبة أو سقطت عليه بالتقادم أو حصل‬
‫على العفو عنه‪".‬‬
‫‪ 34-‬أنظر المادة ‪ 584‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري‪.‬‬
‫‪ -‬أن ترتكب الجناية خارج إقليم الدولة ؛‬
‫‪ -‬أن يعود الجاني إلى الجزائر حيث ال تجوز محاكمته غيابيا ؛‬
‫‪ -‬أن ال يكون قد حكم على الجاني نهائيا بالخارج أو قضى العقوبة أو سقطت بالتقادم أو‬
‫يمكن‬ ‫فال‬ ‫عنها‬ ‫بالعفو‬
‫محاكمة الشخص مرتين‪ .‬بالنسبة‬
‫للجنح‪ :‬نصت عليها المادة ‪ 583‬من قانون اإلجراءات الجزائية )‪ (35‬و تنحصر شروط‬
‫تطبيق مبدأ الشخصية بالنسبة للجنح المرتكبة في الخارج من طرف الجزائريين فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون الجريمة موصوفة بجنحة في القانون الجزائري والقانون األجنبي في نفس‬
‫الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الجاني جزائري الجنسية أصلية كانت أم مكتسبة‪.‬‬
‫‪ -‬ارتكاب الجنحة خارج اإلقليم الجزائري‪.‬‬
‫‪ -‬عودة الجاني إلى الجزائر بحيث ال يجوز متابعته وال محاكمته غيابيا‪ - .‬أال' يكون قد‬
‫حكم على الجاني نهائيا أو قضى العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو صدر العفو‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للجنح التي ترتكب ضد األشخاص فال يجوز تحريك الدعوى العمومية إال بنا ًء على‬
‫قدمها‬ ‫شكوى‬
‫المجني عليه أو بنا ًء من السلطات المختصة للدولة‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبــدأ عينيــة النص الجنــائي ‪ :‬معنــاه‬
‫تطــــــبيق النص الجنــــــائي على كــــــل شــــــخص يحمــــــل جنســــــية أجنبيــــــة ارتكب في الخــــــارج جريمــــــة تمس‬
‫بالمصالح‬
‫األساسية للدولة الجزائرية بشرط أن يتم القبض عليه في الجزائر أو أن تحصل عليه عن‬
‫)‪(36‬‬
‫طريق تسليمه من طرف الدولة التي وقعت فيها الجريمة ‪.‬‬
‫لتطبيق مبدأ العينية ال بد من توافر الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪ 1.‬أن يرتكب الجاني جناية أو جنحة تمس بمصلحة أساسية للدولة الجزائرية‪.‬‬
‫‪ 2.‬أن يتمتع الجاني بجنسية أجنبية‪.‬‬
‫‪ 3.‬أن تقع هذه الجناية أو الجنحة خارج إقليم الجزائر‪.‬‬

‫‪ 35 -‬تنص المادة ‪ 583‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري على أن ‪" :‬كل واقعة موصوفة بأنها جنحة‬
‫يجوز المتابعة من أجلها‬ ‫سواء في نظر القانون الجزائري أم في نظر تشريع القطر الذي ارتكبت فيه‬
‫والحكم فيها في الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا‪.‬‬
‫و ال يجوز أن تجري المحاكمة أو يصدر الحكم إال بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة‬
‫‪.582‬‬
‫و عالوة على ذلك فال يجوز أن تجري المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد األفراد إال‬
‫بناء على طلب من النيابة العامة بعد إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببالغ من سلطات القطر‬
‫الذي ارتكبت الجريمة فيه"‪.‬‬
‫‪ -‬تنص المادة ‪ 588‬من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائية على أن "كل أجنبي ارتكب خارج اإلقليم‬ ‫‪36‬‬

‫الجزائري بصفته فاعل أصلي أو شريك في جناية أو جنحة ضد سالمة الدولة الجزائرية أو تزييف النقود أو أوراق مصرفية متداولة‬
‫قانونا بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا ألحكام القانون الجزائري إذا ألقى‬
‫القبض عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه لها‪".‬‬
‫‪ 4.‬أن يتم القبض على الجاني في الجزائر أو أن تحصل عليه الجزائر عن طريق تسليمه من‬
‫طرف الدولة التي وقعت فيها الجريمة‪.‬‬
‫‪ 5.‬أن ال يكون قد حكم على الجاني نهائيا أو قضى العقوبة أو سقطت بالتقادم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مبدأ العالمية ‪:‬‬
‫معناه تطبيق النص الجنائي على كل شخص يحمل جنسية أجنبية ارتكب جريمة ضد‬
‫اإلنسانية في الخارج و ت 'م القبض عليه في الجزائر كجرائم الحرب‪ ،‬اإلرهاب‪ ... ،‬إلخ‪.‬‬
‫و تبرز أهمية هذا المبدأ خاصة في خلق تعاون دولي في مواجهة ومحاربة الجرائم إال أن‬
‫معظم التشريعات لم تقم بتكريسه ومن بينها التشريع الجزائري‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أسباب اإلباحة‬
‫قد يرتكب شخص ما فعال مجرما في القانون الجنائي‪ ،‬ومع ذلك ال يعد' فعله هذا جريمة ومن ث 'م تنتفي في حقه‬
‫المسؤولية الجنائية‪ .‬و هي ما تعرف بحاالت التبرير‪ ،‬إذ تخرج هذه األفعال‬
‫من دائرة التجريم وتعاد إلى دائرة اإلباحة‪.‬‬
‫و منه حتى يكون الفعل مج 'رماً ال يكفي أن يتضمنه ال 'نص التجريمي فقط‪ ،‬بل البد أن يخرج‬
‫من حاالت التبرير الت'ي ن 'ص عليها قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف أسباب اإلباحة و تمييزها عن ما يشبهها‬
‫سنتطرق في األول إلى تعريف أسباب اإلباحة ‪ ،‬ثم نميزها عن األنظمة المشابهة لها‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف أسباب اإلباحة‬
‫تعرف أسباب اإلباحة بأنها تلك الظروف الموضوعية التي تنفي الصفة اإلجرامية عن الفعل‪،‬‬
‫به‪ .‬يرى المشرع الجنائي أن إباحته في مثل الظروف التي‬ ‫وتجعله أمر مباحا ومسموحا‬
‫ا‬
‫)‪(37‬‬
‫ارتكب فيها يحقق مصلحة أهم بالرعاية من المصلحة التي من أجلها جرم الفعل ابتداء‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التفرقة بين أسباب اإلباحة وما يشتبه بها‪:‬‬
‫تختلف أسباب اإلباحة عن موانع المسؤولية‪ ،‬و عن موانع العقاب‪.‬‬
‫أ‪ .‬التمييز بين أسباب اإلباحة وموانع المسؤولية ‪:‬‬
‫تتعلق األولى بالركن الشرعي للجريمة وتؤثر في وجود هاته األخيرة‪ ،‬في حين أن الثانية‬
‫تتعلق بالركن المعنوي لها و ال تؤثر في وجودها فتقوم الجريمة حتى بوجودها غير أنه ال‬
‫تقوم المسؤولية الجنائية‪ .‬كما أن أسباب اإلباحة ذات طبيعة موضوعية ويترتب عن ذلك أ 'ن‬
‫ً‬
‫شريكا يستفيد من هذا السبب المبيح و ُيعُّد قد‬ ‫فاعال ً‬
‫أصليا أو‬ ‫كل من ساهم في الفعل بصفته ً‬
‫ـروعا ال يــترت'ب عليــه شــيء من المتابعــة أو العقــاب‪ .‬على عكس‬ ‫ارتكب فعــالً مشـ ً‬
‫موانع المسؤولية التي تعتـبر ذات طبيعـة شخصـية وبالتـالي ال يسـتفيد الغـير من هـذا المـانع‪ .‬فتظـل الواقعـة محتفظـة بصـفتها‬
‫اإلجرامية ‪ ،‬إال أنه ال يتم توقيع العقوبة على المتهم مع‬
‫)‪(38‬‬
‫بقاءه مسئوال مسؤولية مدنية عن الضرر الذي تسبب فيه للغير جراء الواقعة اإلجرامية ‪.‬‬

‫ص‪161.‬‬ ‫‪ 37-‬عبد هلال أوهايبية ‪،‬المرجع السابق ‪،‬‬


‫‪ 38-‬رمسيس بهنام ‪ ،‬النظرية العامة للقانون الجنائي ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪، 1997 ،‬‬
‫ص ‪ 319‬و ‪ ،320‬عبد القادر عدو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪78.‬‬
‫ب‪ .‬التمييز بين أسباب اإلباحة وموانع العقاب‪:‬‬
‫و تعرف بأسباب اإلعفاء من العقاب وهي ال تتعلق بأركان الجريمة حيث يقتصر أثرها على‬
‫‪.‬والعلة في تقريرها أن‬ ‫مع إبقاء الصفة الجرمية للسلوك‬ ‫العقوبة فقط‬ ‫إعفاء الجاني من‬
‫المصلحة التي يحققها عدم العقاب تفوق من حيث القيمة االجتماعية المصلحة التي يحققها‬
‫)‪(39‬‬
‫توقيع العقاب ‪.‬‬
‫كما أ 'ن موانع العقاب هي ذات طبيعة شخصية و بالتالي ال يستفيد منها إال من تقرر المانع‬
‫لمصلحته‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬أسباب اإلباحة في قانون العقوبات الجزائري‬


‫تتمثل أسباب اإلباحة في ما أمر أو أذن به القانون ‪ :‬الدفاع الشرعي‪ ،‬حالة الضرورة‪ ،‬و رضا‬
‫المجني عليه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ما يأمر أو يأذن به القانون‬
‫تن 'ص الفقرة األولى من المادة ‪ 39‬من قانون العقوبات الجزائري على أ 'ن ‪" :‬ال جريمة إذا كان‬
‫الفعل قد أمر أو أذن به القانون‪".‬‬
‫أ‪ .‬ما يأمر به القانون‪:‬‬
‫إذا أمر القانون األشخاص‪ ،‬بتنفيذ أو القيام بأعمال مع 'ينة فهي تدخل ضمن الواجبات القانونية‬
‫ال 'الزمة ف'إذا قام هؤالء األشخاص بأداء هذه الواجبات كما أمر القانون‪ ،‬فال يمكن اعتبار‬
‫أفعالهم جرائم إذ ليس من المنطق أن يأمر القانون بفعل معين ثم يأتي بعد ذلك للعقاب عليه ‪.‬‬
‫ومنه تعتبر هذه األفعال مشروعة ألنها تتم تنفيذا ألمر صادر عن السلطة المختصة المخولة‬
‫قانونا بإصدار ذلك األمر‪ (40).‬ال 'شاهد الذي يدلي بأسرار حول المت'هم‪ ،‬و لو كانت أمور شائنة‬
‫ال يعتبر مرتكباً لجريمة إفشاء األسرار أو القذف أو ال 'شتم أو ال 'سب‪.‬‬
‫و العتبار أمر القانون من بين أسباب اإلباحة البد من توفر الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون هذه األوامر واردة بنص القانون ذاته أو صادرة عن سلطة مختصة بإصداره‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون منفذ األمر تتوفر فيه الصفة المطلوبة قانونا مثل صفة الطبيب ‪ ،‬وصفة ضابط‬
‫الشرطة القضائية وصفة الموظف‪ ...‬إلخ‪ .‬و من أمثلــة‬
‫األفعال التي أمر بها القانون ‪،‬الطبيب الذي يقوم بالكشف عن مرض معدي ‪ ،‬فــال يعــد مــرتكب لجريمــة إفشــاء الســر‬
‫المهني المعاقب عليها قانونا ألن أحكام قانون الصحة تأمر بذلك‪ .‬و الشاهد الذي يدلي بشـهادته أمـام المحكمـة حـول‬
‫أسرار المتهم ولو كانت أمور شائنة ال‬
‫يعتبر مرتكب لجريمة ال ' تشم أو ال 'سب‪ .‬كذلك تنفيذ أم بالقبض من طرف ضابط الشرطة‬
‫ر‬
‫القضائية والصادر عن قاضي التحقيق ال يعتبر مرتكبا لجريمة االعتداء على الحريات‬
‫الفردية‪.‬‬
‫ب‪ .‬ما يأذن به القانون‪:‬‬

‫ص‪167.‬‬ ‫‪ 39-‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬


‫‪ 40-‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪86.‬‬
‫يعتبر ذلك العمل‬ ‫يقصد به أن يجيز القانون واألعراف في حاالت معينة القيام بعمل حيث‬
‫(بدون ترخيص) جريمة‪ .‬و‬
‫الفرق بين ما يأمر به القانون وبين ما يأذن به ‪ :‬هو أن األ 'ول إجباري يجب القيام به فإذا لم‬
‫يقم به الشخص يتعرض للمساءلة الجنائية‪ ،‬أما الثاني فهو اختياري فإذا قام به كان فعله‬
‫مباحا‪ ،‬وإذا امتنع عنه فال يعرضه للمسؤولية الجزائية‪.‬‬
‫و من تطبيقات ما يأذن به القانون ‪ :‬‬
‫الحاالت التي يأذن بها القانون للموظف العام باستعمال سلطته التقديرية في حدود الرخصة‬
‫فعمله‬ ‫‪،‬‬ ‫له‬ ‫المعطاة‬
‫هنا ال يعد جريمة ألنه مستند إلى إذن من القانون (رخصة) مثال‪ :‬تفتيش المنازل‪.‬‬
‫‪ ‬الحاالت التي يأذن بها القانون للممارسة أحد الحقوق المقررة و هي‪:‬‬
‫‪ ‬حق التأديب ‪:‬‬
‫يخضع لهذا الحق كل من الزوجة واألوالد‪ ،‬و يجد مصدره في الشريعة اإلسالمية إال أن هذا‬
‫)‪(41‬‬
‫الحق يجب أن يكون محاطا ببعض الشروط‪:‬‬
‫‪ -‬حق تأديب الزوجة‪:‬‬
‫يجب على الزوج أوال أن يمر عبر خطوات كالوعظ أوال ‪ ،‬ثم الهجر في المضجع ‪ ،‬وفي‬
‫حالة استمرار المعصية وجب الضرب غير المبرح إلصالح الزوجة ‪ ،‬إذن في هذه الحالة‬
‫يعتبر الفعل مباحا ‪ ،‬لكن في حالة مخالفة هذه األحكام يتحول الفعل إلى جريمة وبالخصوص‬
‫جنحة الضرب المعاقب عليها قانونا‪.‬‬
‫الولي تأديب أوالده الصغار بضرب خفيف ال يترك آثار‬ ‫‪ -‬حق تأديب األوالد ‪ :‬كذلك على‬
‫الجسم‪.‬‬ ‫على‬
‫‪ ‬حق ممارسة األعمال الطبية ‪:‬‬
‫في حقيقة األمر يعتبر الجرح العمدي بمثابة جريمة معاقب عليها قانونا ‪ ،‬لكن في حاالت‬
‫معينة تخرج هذ األفعال عن دائرة التجريم لتدخل في دائرة اإلباحة‪ ،‬لكن يشترط إلباحة‬
‫ه‬
‫الفعل الطبي توفر عدة شروط منها ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطبيب مرخص به قانونا لممارسة هذه األفعال‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون المريض راضيا بالعالج وبالوسيلة المستعملة‪.‬‬
‫)‪(42‬‬
‫‪ -‬أن يكون الهدف من العمل الطبي هو العالج وليس بهدف إجراء تجارب علمية‪.‬‬
‫‪ ‬حق ممارسة األلعاب الرياضية‪:‬‬
‫باستعمال‪.‬العنف على جسم بعضهم البعض‬ ‫المتنافسون‬ ‫في بعض األلعاب الرياضية يقوم‬
‫كالمالكمة و المصارعة و إلى ذلك م يحدث إصابات بجسم المتنافس ‪.‬فإذا حدثت هذه‬
‫'ما‬ ‫ما‬
‫التقنية الرياضية كان الفعل المرتكب في حق جسم الخصم‬ ‫األلعاب العنيفة في حدود أصول‬
‫ويشترط ليصبح فعال مباحا ما‬ ‫الحق في ممارسة األلعاب الرياضية‬ ‫ً‬
‫استنادا إلى‬ ‫فعال ً‬
‫مباحا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون اللعبة معترف بها‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون أفعال العنف قد ارتكبت أثناء ممارسة الرياضة وليس خارجها‪.‬‬

‫‪373. - 372‬‬
‫‪ 41 -‬سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ 42 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪89. - 88‬‬
‫)‪(43‬‬
‫‪ -‬التق 'يد بقواعد اللعبة ‪ ،‬وإال نكون بصدد جريمة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الدفاع الشرعي‬
‫يهدد باالعتداء على حق‬ ‫يعرف الدفاع الشرعي بأنه القوة االل'زم لصد خطر غير مشروع‬
‫ة‬
‫يحميـــــة القـــــانون‪.‬‬
‫هناك من يعتبر الدفاع الشرعي حقا ‪ ،‬وآخرون واجبــا ‪ ،‬ويــرى البعض اآلخــر أنــه رخصــة أو تفــويض قــانوني‬
‫باستعمال سلطة الضبطية اإلدارية في منع الجرائم ‪ ،‬لكن الرأي الراجح يرى‬
‫)‪(44‬‬
‫أن الدفاع الشرعي ترخيص من القانون للمدافع برد االعتداء‪.‬‬
‫أ‪ .‬شروط الدفاع الشرعي ‪:‬‬
‫نظم المشرع الجزائري الدفاع الشرعي في المادتين ‪ 2/39‬و المادة ‪ 40‬من قانون العقوبات ‪.‬‬
‫تن 'ص المادة ‪ 2/39‬على أن ‪" :‬ال جريمة إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع‬
‫المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن ما مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون‬
‫ل‬
‫الدفاع متناسبا مع جسامة الخطر‪ ".‬من خالل هذه المادة يمكن تحليل الشروط الواجب توفرها‬
‫في الدفاع الشرعي و التي تنقسم إلى قسمين‪ ،‬شروط متعلقة بفعل االعتداء وشروط متعلقة‬
‫بفعل الدفاع‪.‬‬
‫‪ 1.‬شروط تتعلق بفعل االعتداء‪:‬‬
‫‪ ‬يجب أن يكون االعتداء غير مشروع‪:‬‬
‫أي أن يقع االعتداء على مصلحة محمية قانونا‪ ،‬وبمعنى آخر أن ال يستند االعتداء إلى أمر أو‬
‫إذن من القانون‪ ،‬أ 'ما إذا وقع االعتداء بأمر من القانون أو بإذن منه‪ ،‬ففي هذه الحاالت يكون‬
‫االعتداء عادال و يفقد الدفاع شرعيته‪ .‬فالشخص الذي أصدرت في حقه السلطة القضائية‬
‫)‪(45‬‬
‫أمرا بقبضه و يقاوم تنفيذ هذا األمر ال يكون في حالة دفاع شرعي‪.‬‬
‫أما بالنسبة االعتداء الصادر من عديمي المسؤولية (المجنون أو الطفل الغير مميز) فهل‬
‫يعتبر اعتداء غير مشروع ؟‬
‫يعتبر غير مشروع وبالتالي‬ ‫المجنون أو الطفل الغير مميز‬ ‫االعتداء الصادر عن‬ ‫أن فعل‬
‫يجوز رده‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون الخطر حاال ‪ :‬يقصد بهذا الشرط أن الخطر قائما فإذا زال الخطر بالعدول مثال فال‬
‫مجال للتمسك بحالة الدفاع الشرعي‪ ،‬و إال تحول إلى اعتداء يرتب المسؤولية الجزائية‪ .‬ولقد‬
‫عبر المشرع الجزائري على هذا الشرط في المادة ‪ 2/39‬بـــ "الضرورة الحالة "‪.‬‬
‫و يكون الخطر حاال في صورتين ‪:‬‬
‫الوقوع‪.‬كمن يخرج و يتهيأ‬ ‫هي أن االعتداء لم يبدأ بعد و لك 'نه على وشك‬ ‫الصورة األولى‪:‬‬
‫بتعبئته بالخراطيش‪ .‬الصورة‬
‫ولم ينتهي ‪ ،‬أي أن الخطر ال يزال قائما‬ ‫الثانية ‪ :‬هي أن يكون االعتداء قد بدأ فعال‬
‫‪46‬‬
‫يهدد بخطر متواصل‪.‬كمن يضرب شخصا و يتهيأ لضربه مرات أخرى ‪ .‬فإذا انتهى فعل‬
‫الخطر أو العدوان ‪ ،‬فنكون بصدد انتقام‪.‬‬

‫ص‪128.‬‬
‫‪ 43-‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬‬
‫‪ 44 -‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪171.‬‬
‫‪ 45 -‬بن شيخ لحسين ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 118‬؛ أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪177.‬‬
‫‪ 46 -‬عبد هلال أوهايبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪200.‬‬
‫لكن ما هو الحال لو أ 'ن المدافع اعتقد خطأ بوجود خطراً عليه (خطر وهمي) أو أن الخطر‬
‫الذي يهدده سوف يقع في المستقبل؟ بالنسبة‬
‫للحالة األولى أي الخطر الوهمي فنعلم أ 'ن أسباب اإلباحة هي أسباب موضوعية‬
‫وليست شخص 'ية إذا يجب البحث عنها في الظروف‪ ،‬المحيطة بال 'سلوك المادي وليس في‬
‫الظروف النفسية للشخص فال يمكن القول بتوافر الد'فاع ال 'شرعي لمجرد الخطر الوهمي الذي‬
‫إال أن هناك اتجاه يعتد بالخطر الوهمي للقول بتوفر الدفاع الشرعي متى‬ ‫يقع فيه ال 'شخص‪.‬‬
‫)‪(47‬‬
‫كان االعتقاد بالخطر مبنيا على أسباب معقولة ‪ .‬أما بالنسبة‬
‫للخطر المستقبلي فهو الخطر الذي ال يحدث فورا ‪ ،‬وبالتالي ال يجوز فيه الدفاع‬
‫الشرعي ألن هناك فرص لتبليغ السلطات وتفادي عنصر الخطر‪.‬‬
‫‪ ‬أن يهدد الخطر النفس أو المال‪ :‬هذا الشرط كرسه أيضا المشرع صراحة في نص المادة‬
‫إلجازة الدفاع الشرعي أن يكون الخطر يهدد النفس‬ ‫السالفة الذكر‪ ،‬حيث يستلزم القانون‬
‫كجريمة القتل ‪ ،‬جريمة الضرب والجرح ‪ ،‬جريمة االغتصاب ‪ ...‬أو يهدد المال كجريمة‬
‫السرقة ‪ ،‬خيانة األمانة ‪ ،‬جريمة النصب و االحتيال ‪...‬‬
‫و قد وسع نص المادة نطاق الدفاع ليشمل نفس ومال الغير‪.‬‬
‫‪ 2.‬شروط تتعلق بفعل الدفاع‪:‬‬
‫إلخراج الدفاع الشرعي من دائرة التجريم وض 'مه ضمن أسباب اإلباحة ‪ ،‬لم يتوقف المشرع‬
‫الجزائري عند وضع شروط بخصوص فعل الخطر فقط ‪،‬و إنما أضاف إليها نوعا آخر من‬
‫الشروط يجب توفرها في فعل الدفاع وهي ‪:‬‬
‫‪ ‬شرط اللزوم ‪ :‬معنى ذلك ضرورة اعتبار فعل الدفاع الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر‪ ،‬ألن في‬
‫حالة وجود وسائل و أخرى أمام المعتدى عليه ال تكيف بجرائم ‪ ،‬فال يمكن للشخص أن يحتج‬
‫أو يبرر فعله على أساس الدفاع الشرعي‪ .‬و مثال ذلك أن يكون باستطاعة المدافع أن يجرد‬
‫ففي هذه الحالة ال يجوز له‬ ‫خصمه من سالحه الذي يهدده به دون تعريض نفسه للخطر‪،‬‬
‫استعمال الدفاع الشرعي بقتل خصمه أو إيذاءه‪.‬‬
‫و مع التسليم بضرورة الجريمة للدفاع‪ ،‬فإنها ال تباح إال بالقدر االلزم للمحافظة على‬
‫الحق‪ (48).‬و‬
‫بما أن الدفاع قد تقرر لمواجهة الخطر الذي يهدد الحق‪ ،‬ومن ثم لكي يتحقق الدفاع الشرعي‬
‫البد أن يتجه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر ‪ ،‬وعليه فإذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر‬
‫وصوب فعله اتجاه شخص أخر‪ ،‬فان الدفاع ال يكون الوسيلة الوحيدة لصد االعتداء‪.‬‬
‫‪ ‬شرط التناسب ‪ :‬يجب أن يكون الد'فاع متناسباً مع الخطر المس 'لط على الشخص ‪ ،‬أي‬
‫المدافع حدود التناسب مع‬ ‫وجوب أن يكون الدفاع متعادال و متكافئا مع الخطر‪ .‬فإذا تجاوز‬
‫االعتداء كان عمله هذا غير مشروع‪.‬‬
‫و مع ذلك فإ 'ن مسألة التناسب مسألة صعبة ودقيقة إذ تحتاج إلى دقة بالغة عند دراسة‬
‫الظروف والوقائع المحيطة بالفعل‪ ،‬و على قاضي الموضوع أن يفحص هذا التناسب فحصا‬

‫‪385.‬‬‫‪ 47 -‬سمير عالية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬


‫‪ 48 -‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪180.‬‬
‫دقيقاً ومن ث 'م يمكنه تقرير وجود حالة الدفاع ال 'شرعي من عدمها ‪ .‬وإذا ثبت أن المدافع تجاوز‬
‫ً‬
‫جنائيا عن فعله مع إمكانية استفادته من الظروف المخففة ‪ (49).‬كما يشترط في الوسيلة‬ ‫حدود الدفاع يسأل‬
‫المستعملة أن تكون متناسبة مع فعل االعتداء ‪.‬ومثال ذلك أنه ال يكون‬
‫في حالة دفاع شرعي الشخص الذي يتعرض لضربة في وجهه فيردها بقتل المعتدي ‪.‬‬
‫ب‪ .‬الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي ‪:‬‬
‫لقد نص المشرع الجزائري على الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي في المادة ‪ 40‬من قانون‬
‫العقوبات كاآلتي‪" :‬يدخل ضمن حاالت الضرورة الحالة للدفاع المشروع‪ 1 - .‬القتل أو الجرح‬
‫أو الضرب الذي يرتكب لدفع إعتداء على حياة الشخص أو سالمة جسمه‬
‫أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو‬
‫كسر شيء منها أثناء الليل‪.‬‬
‫‪ 2 -‬القتل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقة أو النهب بالقوة‪".‬‬
‫يتبين من خالل هذه المادة ‪ ،‬أنها قد أنشأت قرينة قانونية على توفر شروط الدفاع الشرعي‪،‬‬
‫فلقد قرر المشرع الحماية االلزمة لسالمة جسم اإلنسان وضمان حرمة مسكنه من أي اعتداء‬
‫يقع عليه أثناء الل'يل‪ ،‬ويفرقها عن األفعال ال 'تي تت 'م في ال 'نهار‪ .‬ذلك أن ظرف الليل قد يكون‬
‫ممتازا للحرفيين الذين يستعملونه لمفاجأة الناس بالعدوان‪ ،‬وقد تصاحب هذه الحالة ظرفا‬
‫نفسيا يجعل تقدير الخطر أمرا صعبا‪ (50).‬فإذا دخل لص منزال ليال كان لصاحب المـنزل أن‬
‫يدفعه بالقوة االلزمة حتى لو أدت إلى قتله‪.‬‬
‫'سرقة وال 'نهب بالق 'وة‪ ،‬لما تمثله من تهديد لمصالح‬ ‫'شرع حماية خاصة ضد أفعال ال‬ ‫كما ق 'رر‬
‫الم‬
‫المجتمع‪ .‬فأجاز للفرد أن يدافع عن ملكه و عن ملك الغير ضد مرتكبي السـرقة ليال ونهارا‪.‬‬
‫ففي كلتا الحالتين يقوم الحق في الدفاع الشـرعي دون حاجة لبحث لزوم الدفاع أو تناسبه مع‬
‫االعتداء‪.‬‬

‫ج‪ .‬إثبات الدفاع الشرعي و آثاره ‪:‬‬


‫األصل العام أ 'ن عب اإلثبات في المواد الجنائية يقع على جهة االتهام أي على النيابة العامة‪.‬‬
‫إال' أنه في حالة الدفاع الشرعي يقع اإلثبات على المدافع‪.‬‬
‫و بالتالي إذا كان الملف على مستوى النيابة يتعين عليها حفظه وإذا على مستوى التحقيق‬
‫وإذا كان على مستوى جهة الحكم يتعين عليها‬ ‫بانتقاء وجه الدعوة‬ ‫يتعين عليه إصدار أمر‬
‫إصدار حكم بالبراءة‪.‬‬
‫)‪(51‬‬
‫و يترتب عن الدفاع الشرعي عدة آثار‪:‬‬
‫‪ -‬عدم قيام المسؤولية المدنية والجزائية معا‪.‬‬
‫وبالتالي إذا كان الملف على مستوى‬ ‫‪ -‬إنتفاء الركن الشرعي للجريمة ‪ ،‬مم يجعلها مباحة‪.‬‬
‫ا‬
‫النيابة يتعين عليها حفظه و إذا على مستوى التحقيق يتعين عليه إصدار أمر بانتقاء وجه‬
‫الدعوة وإذا كان على مستوى جهة الحكم يتعين عليها إصدار حكم بالبراءة‪.‬‬
‫‪ -‬إمتداد اإلباحة لكل المساهمين في الجريمة‪.‬‬

‫‪ - 49‬عبد هلال أوهايبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪205.‬‬


‫‪140.‬‬ ‫‪ 50-‬عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ 51 -‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪229.‬‬
‫ثالثا ‪:‬حالة الضرورة ورضا المجني عليه ‪:‬‬
‫أ‪ .‬حالة الضرورة ‪:‬‬
‫نقصد بحالة الضرورة حالة الشخص الذي ال يمكنه أن يدفع عن نفسه أو عن غيره شرا‬
‫)‪(52‬‬
‫و بالتالي فيكون‬ ‫محدقا به أو بغيره‪ ،‬إال بارتكاب جريمة أخف بحق أشخاص آخرين‪.‬‬
‫الشخص أمام خيارين إما أن يتحمل أذى معتبرا أصابه في نفسه أو في ماله أو أصاب غيره‪.‬‬
‫فيتم الموازنة بين مصلحتين و تفويت مصلحة على‬ ‫و إما أن يرتكب جريمة أقل خطورة‪.‬‬
‫األخرى لكونها أعلى في القيمة‪.‬‬
‫و مثال ذلك سائق السيارة الذي يصطدم بسيارة أخرى متوقفة تفاديا اللصطدام بأحد المارة‬
‫‪.‬أو الشخص الذي يختلس خبزا حتى ال يمــوت جوعــا‪ .‬هنــاك من‬
‫أدخل حالة الضرورة ضمن موانع المسؤولية كالمشرع المصري واللبناني‪ .‬أمــا المشــرع الفرنســي فقــد اعتبرهــا‬
‫سبب من أسباب اإلباحة ‪(53).‬كونها ال ترتبط بظروف شخصية‬
‫وإنما بظروف موضوعية‪.‬‬
‫إال في حاالت متفرقة كالحالة‬ ‫بالنسبة للمشرع الجزائري فلم ين 'ص حالة الضرورة‬ ‫أما‬
‫على‬
‫من قانون العقوبات على إباحة إجهاض المرأة الحامل‪ ،‬إذا‬ ‫التي وردت في نص المادة ‪308‬‬
‫كان ضروريا إلنقاذ حياة األم من الخطر‪.‬‬
‫‪ 1.‬شروط حالة الضرورة ‪:‬‬
‫‪ ‬الشروط المتعلقة بفعل الخطر ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الخطر موجودا‪ :‬أي وجود نفس يهدد الشخص في نفسه أو في ماله‪ ،‬أو نفس الغير‬
‫أو ماله‪ .‬فيجب أن يكون هذا الخطر مبني على أسس جدية‪ - .‬أن يكون‬
‫الخطر جسيما‪ :‬فال يكون تافها أو بسيطا‪ ،‬والخطر الجسيم هو الذي يتهدد أو ينذر‬
‫)‪(54‬‬
‫بخطر غير قابل إللصالح‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الخطر حاال‪ :‬فال يكون منتهيا أي بدأ ولم ينتهي بعد‪ ،‬و ال يكون هذا الخطر‬
‫مستقبال و إ 'نمــا على وشــك الوقــوع‪ - .‬أن‬
‫ال يكون الفاعل هو الذي تسبب في هذا الخطر ‪ :‬فيجب أن يكون الفاعل مفاجئ بحدوث الخطر فال يجـد من وسـيلة‬
‫تخلصه منه غير ارتكاب الجريمة ‪ .‬فإذا كان الفاعل هو مصدر‬
‫)‪(55‬‬
‫الخطر فال تقوم الضرورة‪.‬‬
‫‪ ‬الشروط المتعلقة بفعل الضرورة ‪:‬‬
‫‪ ‬أن ت 'وجه حالة الضرورة لدرء الخطر المحدق ال غير‪ .‬فارتكاب الفعل يكون ضروري‬
‫للحفاظ على سالمة الشخص أو ماله‪.‬‬
‫‪ ‬أن ال يكون للفاعل خيار سوى ارتكاب الجريمة لدرء الخطر‪ ،‬أ 'ما إذا كان باستطاعته تفادي‬
‫الخطر باختيار حل آخر أو وسيلة أخرى‪ ،‬فمن واجبه عندئذ عدم ارتكاب الجريمة بحجة‬
‫االضطرار لها‪.‬‬
‫‪ 2.‬آثار حالة الضرورة ‪:‬‬
‫‪175.‬‬‫‪ 52 -‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ 53 -‬سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪424.‬‬
‫‪ 54 -‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪178.‬‬
‫‪ 55 -‬عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪179.‬‬
‫بما أن حالة الضرورة ذات طبيعة موضوعية ‪ ،‬فهي تمتد إلى الفاعل و الشريك كما تؤدي‬
‫إلى محو الصفة اإلجرامية عن الفعل ‪ .‬ومن هنا يترتب عن حالة الضرورة اآلثار التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬عدم العقاب على الفعل المرتكب‪.‬‬
‫‪ -‬عدم مساءلة مرتكبه مدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬استفادة كل من الفاعل و الشريك من اإلباحة ‪.‬‬
‫ب‪ .‬رضا المجني عليه ‪:‬‬
‫األصل أنه ال شأن إلرادة الفرد في تجريم الفعل أو إباحته‪ ،‬لذا فاعتراض الشخص على‬
‫أن رضاءه بها ال يعد سببا إلباحتها‪ ،‬فمثال لقد جرم‬ ‫الجريمة ال يعد ركنا في الجريمة‪ ،‬كما‬
‫المشــرع الجزائــري مســاعدة الغــير على االنتحــار طبقــا للمــادة ‪ 273‬من قــانون العقوبــات ‪.‬غــير أن إرادة الفـرد أو‬
‫رضاءه قد يؤدي في بعض األحوال دورا في مجال قانون العقوبات‪ ،‬وهو الـدور الـذي قـد يكـون من شـأنه‬
‫التأثير في قيام الجريمة أو في إباحتها‪ ،‬وهو استثناء عن‬
‫األصل‪ ،‬وفي حدود هذا االستثناء ينحصر اثر الرضا كسبب من أسباب اإلباحة‪.‬‬
‫ففي بعض الحاالت يشترط المشرع لقيام الجريمة أن يقف المجني عليه منها موقف الرفض‪ ،‬أي أن ترتكب بــدون رضــاه‪،‬‬
‫وفي مثل هذه األحوال الضيقة يكون عدم الرضا عنصرا لقيام الجريمة ذاتها ‪.‬ومثـال ذلـك جريمـة االغتصـاب إذا‬
‫تمت المواقعة برضا الفتاة ‪،‬أو جريمة‬
‫انتهاك حرمة منزل إذا سمح صاحب المنزل بالدخول لشخص غريب ‪ .‬فيمكن القول‬
‫أنه إذا ارتبط رضا المجني عليه بمصلحة عامة فال يعتد به ‪ ،‬وإذا تعلق بمصلحة‬
‫خاصة فرضا المجني عليه يبرر الفعل‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الركن المادي للجريمة‬


‫إضافة إلى الركن الشرعي‪ ،‬ال تقوم الجريمة بشكل قانوني صحيح إال بتوفر الركن المادي‪ .‬و‬
‫لدراسة هذا الركن وجب التعرف على عناصره‪ ،‬الشروع في الجريمة‪ ،‬و المساهمة الجنائية ‪.‬‬
‫المطلب األ ّول ‪ :‬عناصر الركن المادي‬
‫سيئة مالم تخرج إلى‬ ‫إن قانون العقوبات ال يعاقب على النوايا الداخلية إللنسان مهم كان‬
‫ا‬
‫الواقع المادي الملموس‪ .‬فال بد إذا نشاط ماد خارجي من أجل العقاب عليه وهذا‬
‫هو‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫الركن المادي‪ .‬و‬
‫يمكن تعريف الركن المادي للجريمة ‪ :‬أنه كل العناصر الواقعية التي يتطلبها النص الجنائي‬
‫التشريعي للجريمة وتكون له طبيعة مادية‬ ‫لقيام الجريمة فهو كل ما يدخل في النموذج‬
‫)‪(56‬‬
‫ملموسة ‪.‬‬
‫و يتكون الركن المادي من ثالثة عناصر وهي السلوك اإلجرامي‪ ،‬النتيجة‪ ،‬و العالقة السببية‬
‫بين السلوك اإلجرامي والنتيجة‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬السلوك اإلجرامي‬

‫‪113‬‬ ‫‪ 56-‬عادل قورة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.‬‬


‫القانون‪.‬‬ ‫يتعارض مع‬ ‫الصادر عن اإلنسان و الذي‬ ‫يقصد بالسلوك اإلجرامي السلوك المادي‬
‫وقد يكون هذا السلوك فعل إيجابي أو فعل سلبي (امتناع‪).‬‬
‫أوال ‪ :‬الفعل اإليجابي‬
‫يقصد بالفعل اإليجابي كل حركة عضوية إرادية يقوم بها اإلنسان وهو في كامل قواه المدركة‬
‫ومتعارضة مع ما يقرره‬
‫القانون ويجب استبعاد الحركة العضوية غير اإلدارية من دائرة السلوك اإلجرامي‪ .‬كأن‬
‫)‪(57‬‬
‫يصاب شخص بإغماء فيسقط على آخر فيؤذيه‪ ،‬فال جريمة عليه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الفعل السلبي‬
‫السلوك السلبي هو االمتناع عن القيام بعمل يفرضه القانون‪ (58).‬فالشخص هنا يقوم‬
‫باتخاذ موقف سلبي تجاه القاعدة القانونية التي توجب عليه العمل كالقاضي‬
‫تمتنع عن إرضاع طفلها ‪،‬أو الشاهد الذي‬ ‫الذي يمتنع عن الفصل في الدعوى‪ ،‬أو األم التي‬
‫وبالتالي فالفعل السلبي هو فعل إرادي مثله مثل الفعل اإليجابي‬ ‫يمتنع عن اإلدالء بشهادته‪.‬‬
‫الذي يرتب المسؤولية الجنائية على صاحبه‪.‬‬
‫و األصل أ 'ن السلوك اإلجرامي بصورتيه ال يتأثر بالوسيلة المستعلمة فيه‪ ،‬فمن يقوم بجريمة‬
‫قتل يستوي فيه أن يستعمل وسيلة السالح الناري أو السالح األبيض أو العصا وغيرها ‪.‬إال أ‬
‫ن القانون قد يعتد بالوسيلة في بعض الحاالت فيجعل منها ظرفا مشدد'اً للعقوبة ومن ذلك‬
‫استعمال السم في جريمة القتل‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬النتيجة اإلجرامية‬
‫النتيجة العنصر الثاني في الركن المادي للجريمة‪ ،‬فهي األثر المادي الخارجي الذي‬ ‫تعتبر‬
‫ترتبه الجريمة‪ .‬و للنتيجة مدلوالن المدلول المادي والمدلول القانوني‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬المفهوم المادي للنتيجة‬
‫يقصد بها كل تغيير يرتبه السلوك اإلجرامي في الوسط الخارجي‪ .‬فنتيجة القتل وفاة الشخص‪،‬‬
‫ً )‪(59‬‬
‫ونتيجة الضرب اإلصابة في جسم اإلنسان بعد أن كان سليما‪.‬‬
‫و وفقا لهذا المعيار قسم الفقهاء الجرائم إلى نوعين‪ :‬جرائم مادية ذات نتيجة كجريمة القتل‬
‫والسرقة والضرب‪...‬‬
‫و جرائم شكلية أو ما يسمى (جرائم السلوك المحض) التي ال تتطلب توافر النتيجة كجريمة‬
‫ترك األطفال‪ ،‬و امتناع القاضي عن الفصل في الدعوى المعروضة عليه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المفهوم القانوني للنتيجة‬
‫القانون‪ً (60).‬‬
‫مثال في‬ ‫حسب هذا المفهوم النتيجة هي االعتداء على مصلحة أو حق يحميه‬
‫جريمة القتل‪ ،‬النتيجة هي المساس بحق الشخص في الحياة‪ ،‬و في جريمة السرقة النتيجة هي‬

‫‪106‬‬‫‪ 57-‬عبد القادر عدو‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.‬‬


‫‪ 58-‬عبد القادر عدو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪106.‬‬
‫‪ 59 -‬عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪149.‬‬
‫‪ 60 -‬عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪150.‬‬
‫الحيازة‪ ،‬وفي جريمة الضرب االعتداء على سالمة‬ ‫المساس بحق الشخص في الملكية و‬
‫الدعوى هي االعتداء على حسن سير العدالة‬ ‫القاضي عن الفصل في‬ ‫ونتيجة امتناع‬ ‫الجسم‪،‬‬
‫‪...‬‬
‫ويؤدي األخذ بهذا المفهوم أن لكل جريمة نتيجة حتى تلك الجرائم التي يطلق عليها الجرائم‬
‫الشكلية ألنها ال تخلو من خطر يهدد المصلحة المحمية من الناحية القانونية‪.‬‬
‫وبناءا على ذلك قسم الفقه الجرائم حسب هذا المفهوم إلى نوعين ‪:‬جرائم الضرر وجرائم‬
‫الخطر‪ .‬فاألولى التي يتحقق فيها العدوان على المصلحة المحمية قانوناً‪ ،‬والثانية فيقصد بها‬
‫األفعال التي جرمها المشرع حتى وإن لم تصل إلى االعتداء على الحق المحمي‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬العالقة السببية‬
‫لكي يكتمل الركن المادي البــد من تحقــق رابطــة الســببية بين الســلوك اإلجــرامي و النتيجــة‪ .‬فال يكفي وقــوع الســلوك‬
‫اإلجرامي من الجاني وتحقق النتيجة الضارة بل البد أن تنسب هذه النتيجة إلى الســلوك اإلجــرامي‪ .‬فعالقــة الســببية إذا هي الصــلة‬
‫التي تربط الفعل بالنتيجة ‪ ،‬فتسند‬
‫أهمية العالقة السببية في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية‪،‬‬ ‫النتيجة إلى فعل الجاني‪ .‬و تبرز‬
‫حيث تستبعد هذه المسؤولية في حالة عدم قيام العالقة السببية بين السلوك و النتيجة‪.‬‬
‫و ال يطرح أي إشكال أو صعوبة عندما يتضح أن الفعل اإلجرامي الذي أتاه الجاني هو الذي‬
‫‪.‬كمن يطلق رصاصة متعمًدا فتصيب‬ ‫أحدث النتيجة الجرمية‪ ،‬فهنا عالقة السببية واضحة‬
‫العالقة السببية بين إطالق الرصاصة (السلوك)‬ ‫عليه فيتوفى في الحال‪ ،‬هنا تقوم‬ ‫المجني‬

‫وتساهم معه في‬ ‫والوفاة (النتيجة‪ ).‬لكن‬


‫عند تدخل عوامل أخرى إلى جانب السلوك اإلجرامي‬ ‫المشكلة تثور‬
‫الفاعل‪ .‬لهذا لقد ظهرت‬ ‫إحداث النتيجة‪ ،‬فهنا يصعب تحديد صلة السببية وبالتالي مسؤولية‬
‫عدة نظريات على مستوى الفقه الجنائي حاولت توضيح مسألة عالقة السببية وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬نظرية تعادل األسباب‬
‫'ن جميع األفعال متساوية في إحداث النتيجة ‪.‬فهي متعادلة دون‬ ‫يرى أصحاب هذه النظرية أ‬
‫ترجيح عامل على آخر من ناحية القوة أو التأثير في إحداث النتيجة ما دام أنها شاركت كلها‬
‫سلوك الجاني من بين هذه العوامل تجب مسائلته‬ ‫في إحداث النتيجة اإلجرامية‪ .‬و لما كان‬
‫)‪(61‬‬
‫لوحده‪ .‬ف‬
‫من ضرب خصمه ثم أهمل الطبيب معالجته ‪ ،‬فنتجت عنه الوفاة ‪ .‬فيسأل الجاني عن النتيجة‬
‫الجرمية بالرغم من تدخل عوامل أخرى (إهمال الطبيب‪).‬‬
‫و حجة هذا الرأي تستند إلى القول بأن العوامل األخرى االلحقة أو المعاصرة ما كانت‬
‫لتحدث النتيجة لو ال فعل الجاني ومن ثم فإ 'ن فعله هو السبب في حدوث النتيجة‪.‬‬

‫‪ ‬تقييم النظرية ‪:‬‬

‫‪223‬‬ ‫‪ 61-‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 107‬؛ سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.‬‬
‫جاءت النظرية بمعيار سهل الستخالص وجود العالقة السببية‪ ،‬إذ يكفي أن يكون السلوك‬
‫ضمن بقية العوامل التي أدت لتحقق النتيجــة حــتى نقــول بتــوفر العالقــة الســببية‪ .‬لكن تعرضت النظريــة لنقــد‬
‫شديد‪ ،‬ذلك أنها تبدأ بالتساوي بين جميع األسباب ثم تنتهي بتحميل كل النتائج لفعل الجاني‪.‬كمــا أنــه من غــير المنطقي وضــع‬
‫األسباب الضعيف منها و القوي على قدم المساواة فهناك مجافاة لروح العدالة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك قد حملت هذه النظرية‬
‫المسؤولية‬
‫للجاني بالرغم من تدخل عوامل أخرى‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬نظرية السبب الفعال (المنتج)‬
‫فإنه البد أن‬ ‫النتيجة الجرمية‬ ‫العوامل في إحداث‬ ‫النظرية أنه إذا تعددت‬
‫يرى أصحاب هذ‬
‫ه‬
‫النتيجة والعوامل األخرى ما إال عوامل‬ ‫يكون معها سبب أساسي وقوي والذي يحدث‬
‫هي‬
‫مساعدة فقط هيئت الظروف لذلك‪ (62).‬فإذا كان فعل الجاني هو السبب األقوى في إحداث‬
‫النتيجة‪ ،‬قامت صلة السببية بين فعله والنتيجة ويسأل عن ارتكاب الجريمة‪ .‬أما' إذا كان فعل‬
‫الجاني ما هو إال' فعل ثانوي‪ ،‬فال يترتب عليه إذا المسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫لقد تعرضت هذه النظرية لجملة من االنتقادات أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬تراعي مصلحة المتهم أكثر من مصلحة الضحية ‪.‬‬
‫‪ -‬تؤدي إلى إفالت المتهم من المسؤولية لو تداخلت مع فعله عوامل أجنبية ولو كان تافهة‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة بحث السبب األقوى من بين األسباب األخرى‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬نظرية السبب المالئم‬
‫يرى أصحاب هذه النظرية أ 'نه إذا كان بمقتضى السير العادي أللمور أن فعل الجاني يمكن‬
‫أن يؤدي وحده إلى إحداث النتيجة‪ ،‬فهنا تقوم صلة السببية بين فعل الجاني والنتيجة‪ ،‬ولو‬
‫تدخلت عوامل جديدة ولكنها كانت عوامل مألوفة مع فعل الجاني فإن صلة السببية تقوم‬
‫ً )‪(63‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫و للتحقق من توفر العالقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة ‪ ،‬نتساءل ما إذا كان سلوك‬
‫الجاني إلى جانب عوامل عادية يمكن أن يؤدي إلى النتيجة؟ فإذا كان كذلك فإ 'ن عالقة السببية‬
‫السببية‬ ‫ال تنقطع‪.‬أما إذا تدخلت عوامل غير مألوفة (شاذة) بجانب فعل الجاني فإ 'ن‬
‫صلة‬
‫تنقطع هنا‪ ،‬والجاني يتحمل نتائج فعله مع العوامل المألوفة دون العوامل الشاذة األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬ماذا يقصد بالعوامل المألوفة‪ ،‬و العوامل الشاذة ؟‬
‫العوامل المألوفة هي التي يعلم الجاني بها أو كان بإمكانه العلم بها‪ ،‬أو يتوقع حدوثها بعد‬
‫ارتكاب الفعل المجرم‪.‬‬
‫أ 'ما العوامل الشاذة فهي العوامل المفاجئة التي ال يمكن العلم بها أو توقع حدوثها‪.‬‬
‫السبب المالئم هي النظرية الراجحة‪ ،‬ألنها تحصر العالقة السببية في نطاق‬ ‫تعتبر نظرية‬
‫)‪(64‬‬
‫معقول ومنطقي ينسجم مع قواعد العدالة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الشروع في الجريمة‬

‫‪156‬‬ ‫‪ 62-‬عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 107‬و ‪ 108‬؛ عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 63 -‬سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 225‬؛ عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪157.‬‬
‫‪156‬‬ ‫‪ 64-‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ 146‬؛ عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.‬‬
‫إذا كانت الجريمة ال تقوم إال بتوفر السلوك اإلجرامي‪ ،‬فإنه ليس من الضروري أن يترتب‬
‫على هذا الفعل نتيجة‪ ،‬حتى تكون محال للجزاء‪ .‬فإذا تحققت النتيجة نكون بصدد الجريمة‬
‫التامة وإذا لم تتحقق نكون بصدد الشروع في ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف الشروع و مراحله‬
‫سنتطرق في هذا الفرع إلى تعريف الشروع و مراحله‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الشروع‬
‫الشروع هو ارتكاب الجاني للسلوك اإلجرامي كله أو بعضه دون أن تتحقق النتيجة‪ .‬أو هو‬
‫الحاالت التي يفشل فيها الفاعل في تحقيق جريمته‪ ،‬فال تتحقق النتيجة المطلوبة لقيام الجريمة‬
‫(‪)65‬‬
‫‪.‬‬
‫لقد نص المشرع الجزائري على الشروع في المادتين ‪ (66) 30‬و ‪ (67) 31‬من قانون العقوبات‬
‫الجزائري‪ ،‬و استعمل مصطلح المحاولة للداللة على البدء في التنفيذ‪.‬‬
‫‪ ‬هل يتصور الشروع في كل الجرائم ؟‬
‫يمكن تص 'ور الشروع في جرائم محددة وعدم تصوره في جرائم أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ال يمكن تص 'ور الشروع إال في الجرائم المادية ذات نتيجة‪ ،‬سواء كانت إيجابية أو سلبية‬
‫‪.‬أما الجرائم الشكلية فال يتصور الشروع فيها و السبب في ذلك هو أنه هذا النوع من الجرائم‬
‫إما أن تنفذ كلها و إما أن ال تنفذ إطالقا‪.‬‬
‫‪ -‬كما ال يمكن تصور الشروع في الجرائم غير العمدية‪ ،‬فما دام القصد الجنائي ركنا في‬
‫الشروع‪ ،‬يبقى الشروع مقصورا على الجرائم العمدية فقط‪.‬‬
‫‪ -‬رغم إمكانية تص 'ور الشروع في المخالفات ‪ ،‬فإن القانون ال يعاقب على البدء في تنفيذ‬
‫المخالفات ‪ ،‬ذلك أن المخالفات هي جرائم بسيطة ال تمثل خطورة إجرامية كبيرة كالجنح‬
‫والجنايات‪.‬‬
‫)‪(68‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مراحل الشروع‬
‫تمر الجريمة قبل تمامها بثالث مراحل وهي ‪:‬‬
‫‪ ‬مرحلة التفكير‪ :‬هي المرحلة األولى التي تتبادر فيها فكرة الجريمة في ذهن الفاعل ‪ .‬ومادام‬
‫أن الفكرة لم تخرج إلى العالم الخارجي فال عقاب عليها ‪ ،‬ألنها ال ترتب أي ضرر على‬
‫المجتمع ‪ ،‬كما أن القانون الجزائي ال يهتم بالنوايا أو المقاصد ‪ ،‬بل يهتم باألفعال المادية‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة اإلعداد للجريمة‪ :‬وهي مرحلة التحضير الرتكاب الجريمة‪ ،‬أي إعداد الوسائل التي‬
‫تستعمل في ارتكابها‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫‪ 65-‬سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 66 -‬تن 'ص المادة ‪ 30‬من ق ع ج على أن "‪ :‬كل المحاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو‬
‫بأفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إال' نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة‬
‫مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله‬
‫مرتكبها"‪.‬‬
‫‪ -‬تن 'ص المادة ‪ 31‬من ق ع ج على أن"‪ :‬المحاولة في الجنحة ال يعاقب عليها إال بناء على نص صريح‬ ‫‪67‬‬

‫في القانون‪ .‬و المحاولة في المخالفة ال يعاقب عليها إطالقا"‪.‬‬


‫‪ 68 -‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 127. - 126‬عبد الرحمن خلفي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪113. - 112‬‬
‫و هذه المرحلة كذلك ال عقاب عليها‪ ،‬إال إذا كانت تشكل أفعاال أو سلوكا يدخل ضمن ماديات جريمة أخــرى‪ .‬فمثــال‬
‫شراء السالح من أجل السرقة ال يعتبر شروعا في السرقة أو القتل بــل مجـرد عمــل تحضــيري‪ ،‬إال أنــه يشــكل جريمــة‬
‫أخرى مستقلة والمتمثلة في جريمة حيازة سالح‬
‫بدون رخصة‪.‬‬
‫في التنفيذ ‪ :‬تعتبر هذ المرحلة الحد' الفاصل بين مرحلة التفكير والتحضير‬ ‫‪ ‬مرحلة البدء‬
‫ه‬
‫للجريمة ‪ ،‬وبين اقترافها‪.‬‬
‫و هذه المرحلة كانت محل خالف فقهي سندرسه في حينه ‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬صور الشروع في الجريمة وعناصره‬
‫للشروع صورتان‪ ،‬كما له عنصران‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬صور الشروع في الجريمة‬
‫ويسمى بـــ "الشروع الناقص"‬ ‫الصورة األولى يبدأ فيها السلوك اإلجرامي وال يكتمل‬
‫أو"الجريمة الموقوفة" و الثاني يكتمل فيها السلوك اإلجرامي وال تقع النتيجة ويسمى بــ‬
‫"الشروع التام" أو"الجريمة الخائبة‪".‬‬
‫أ‪ .‬الجريمة الموقوفة أو الشروع الناقص‪:‬‬
‫بالبدء في نشاطه وعدم استكماله‪ ،‬و‬ ‫هو إيقاف الفعل بعد البدء فيه ‪ ،‬بمعنى قيام الشخص‬
‫بالتالي عدم تحقيق النتيجة ‪ ،‬مثل الشخص الذي يدخل منزل للسرقة ‪ ،‬فيلقى القبض عليه‪.‬‬
‫ب‪ .‬الجريمة الخائبة أو الشروع التام‪:‬‬
‫هو قيام الشخص بالبدء في التنفيذ مع استكمال النشاط كله‪ ،‬لكن النتيجةلم تتحقق لسبب خارج‬
‫عن إرادته ‪ ،‬مثل الشخص الذي يص 'وب بندقيته لقتل شخص معين ‪ ،‬لكنه لم يصـبه‪ .‬إلى جــانب الجريمــة‬
‫الموقوفة والجريمة الخائبة‪ ،‬هنــاك مــا يسـمى بالجريمــة المسـتحيلة)‪ (69‬و الـتي يسـتحيل تحقيقهــا على الصـورة المقصـودة‬
‫بالنظر لظروف أو حاالت يجهلها الفاعل من شأنها أن تجعل وقوعها مستحيال‪ ،‬ففي هذه الحالة تشبه الجريمـة المسـتحيلة‬
‫الجريمة الخائبة بالنظر إلى أن الغاية المتوخاة لم تحصل على الرغم من إتمام كل السلوك اإلجرامي‪ .‬و لكنها تختلف‬
‫بسبب استحالة وقوع النتيجة في مطلق األحوال سواء بسبب انعدام‬ ‫عن الجريمة الخائبة‬
‫المحل كالذي يحاول قتل شخص ميت ‪ ،‬أو بسبب عدم صالحية الوسائل المستعملة كاستعمال‬
‫مسدس خال من الرصاص ‪.‬‬
‫إال أنه لمح إليها ( )‪70‬‬ ‫و لم ينص المشرع الجزائري على الجريمة المستحيلة صراحة‬
‫و‬
‫اعتبرها نوع من الجريمة الخائبة‪ .‬وبالرجوع إلى المادة ‪ 304‬من قانون العقوبات نجد أنه أخذ‬
‫'ل من أجهض امرأة حامال أو مفترض حملها ‪ ...‬أو شرع‬ ‫بالجريمة المستحيلة عندما ذكر "ك‬
‫في ذلك‪".‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عناصر الشروع‬

‫‪30‬‬ ‫‪ 69-‬ألكثر تفاصيل أنظر عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 179‬و مابعدها‪ 70 - .‬أنظر المادة‬
‫من ق‪.‬ع‪.‬ج السابقة الذكر و التي تنص‪ "... :‬حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود‬
‫بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها‪".‬‬
‫يستوجب الشروع توفر عنصران أساسيان‪ ،‬البدء في التنفيذ و وقف التنفيذ لسبب خارج عن‬
‫إرادة الجاني‪.‬‬
‫أ‪ .‬البدء في التنفيذ ‪:‬‬
‫ال يعاقب المشرع على التفكير و التحضير للجريمة باعتبارها أمور داخلية تبقى حبيسة النفس‬
‫ما لم تتحول إلى سلوكات مادية ظاهرة‪ .‬غير أ 'ن مجاوزة الجاني لمرحلة التفكير والتحضير‬
‫إلى البدء في التنفيذ يجعل األمر في غايــة التعقيــد ويحــدث نــوع من التــداخل بين مــا يعتــبر عمــال تحضـيريا ال يشـمله النص‬
‫العقابي وبين البدء في التنفيذ الذي يعاقب عليه باعتباره أحد أركان جريمـة الشــروع‪ .‬فمن يشــتري ســاللم و حبــال من أجــل‬
‫السرقة فهل يعد عمله تحضيريا أم بدأ‬
‫في التنفيذ ؟‬
‫فالتمييز بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ أم بالغ األهمية و لهذا ظهر مذهبان‪،‬‬
‫ر‬
‫المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي‪.‬‬
‫‪ 1.‬المذهب الموضوعي (المادي) ‪:‬‬
‫يرى أصحاب هذ المذهب ‪ ،‬أنه ال يمكن معاقبة الجاني إال إذا بدأ بارتكاب أحد األفعال‬
‫ا‬
‫المادية المكونة للفعل المجرم‪ .‬فال يمكن معاقبة السارق إال إذا وضع يده على الشيء‬
‫المختلس‪.‬‬
‫أ 'ما األفعال السابقة على ذلك فطالما أنها ال تدخل في التعريف القانوني للجريمة فهي ال تعد‬
‫بدءا في التنفيذ مهم كانت قريبة من هذ التنفيذ ككسر الخزانة التي تحتوي على األشياء‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫المراد سرقتها‪.‬‬
‫و يعاب على هذا المذهب أنه حصر الشروع في نطاق ضيق مما يجعل كثير من األفعال‬
‫للمجتمع من األفعال‬ ‫رغم خطورتها تفلت من العقاب‪ ،‬فهذا المذهب ال يوفر الحماية الكافية‬
‫اإلجرامية التي تشكل تهديدا ألمنه واستقراره‪.‬‬
‫‪ 2.‬المذهب الشخصي‪:‬‬
‫المذهب على شخص المجرم ال على ماديات الجريمة‪ .‬فكلما ارتكب فعال وه‬ ‫يعتمد هذ‬
‫و‬ ‫ا‬
‫في التنفيذ ‪ ،‬فكسر السارق‬ ‫يعتقد أنه سوف يؤدي إلى النتيجة الجرمية مباشرة اعتبر بدأ‬
‫للخزانة أو تسلقه للحائط يعد بدأ في التنفيذ ولو لم يستولي على المال‪ .‬و من ثم يعد شروعا‬
‫كل عمل كان الجاني يقصد به ارتكاب الجريمة مباشرة‪ .‬فالمذهب الشخصي أوسع نطاقا من‬
‫المذهب السابق فهو يوفر حماية أوسع للمجتمع من األفعال اإلجرامية‪.‬‬
‫الجزائري بالمذهب الشخصي وهذا ما جسده من خالل نص المادة من‬ ‫لقد أخذ المشرع‬
‫‪30‬‬
‫بضرورة توفر " أفعال ال لبس فيا تؤدي مباشرة إلى ارتكاب‬ ‫اكتفى‬
‫قانون العقوبات‪ ،‬حيث‬
‫الجريمة"‪.‬‬
‫ب‪ .‬وقف التنفيذ لسبب خارج عن إرادة الجاني ‪:‬‬
‫وهو أن يكون عدم إتمام الجريمة وعدم تحقق النتيجة راجعاً لسبب خارج عن إرادة المتهم ‪.‬‬
‫فإذا كان عدم إتمام الجريمة راجع إلى إرادة الجاني ‪،‬فال يعد شروعاً في الجريمة وهو ما‬
‫االختياري الذي ال عقاب عليه وعلة ذلك هو تشجيع الجاني على توقفه من‬ ‫يسمى بالعدول‬
‫ً‬
‫شروعا وبالتالي ال‬ ‫ولهذا هناك فرق بين العدول االختياري الذي ال يعد‬ ‫مواصلة التنفيذ ‪،‬‬
‫يعاقب عليه ‪ ،‬وبين العدول االضطراري الذي يرجع ألسباب خارجة عن إرادة الجاني و‬
‫ً‬
‫شروعا معاقب عليه ‪.‬‬ ‫الذي يعد‬
‫فالعدول االختياري راجع إلى إرادة الفاعل دون تدخل عوامل خارجية مستقلة عنه تؤثر في إرادته ‪ .‬وال عــبرة بســبب‬
‫العــدول ‪ ،‬فقــد يكــون الســبب أخــالقي أو ديــني ‪ ،‬أو شــفقة بــالمجني عليــه ‪ ،‬أو ســبب العـدول هـو الخـوف من العقـاب‬
‫والمحاكمة ‪ ،‬أو ألي سبب آخر‪ .‬المهم أن يتم العدول قبل تنفيــذ الجريمــة‪ ،‬فــإذا تمت هــذه األخــيرة و حــاول الجــاني‬
‫إصالح الضرر فال يعتبر عدوال‬
‫اختياريــــا‪ .‬و‬
‫قد يكون العدول مختلطاُ أي يجمع بين العدول االختياري والعدول االضطراري كمن شرع‬
‫في قتل شخص من بعيد ويتوهم أصوات تناديه فيتوقف عن الجريمة ويفر‪ ،‬فقد اختلف الفقه‬
‫حول اعتبار هذا شروعاً أو ال ؟ فهناك من يغلب العدول االختياري فال يعاقب الجاني‪ ,‬وهناك‬
‫من يغلب العدول االضطراري ويعاقبه ‪ .‬والرأي الراجح هو العبرة بالعمل الغالب‪ ،‬واألمر‬
‫ً )‪(71‬‬ ‫ً‬
‫تحليال دقيقا‪.‬‬ ‫متروك لتقدير القاضي عندما يحل'ل نفسية الفاعل وظروفه‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬عقوبة الشروع في الجريمة‬
‫نفسها عقوبة الجريمة التامة ‪ ،‬فيعاقب على‬ ‫اتفقت أغلب دول العالم في جعل عقوبة الشروع‬
‫فيعاقب عليه في‬ ‫بنفس عقوبة الجنايات التامة ‪ ،‬أما الشروع في الجنح‬ ‫الشروع في الجنايات‬
‫كجريمة السرقة مثال ‪ ،‬أم الشروع في المخالفات فال عقاب عليها‬ ‫حالة وجود نص صريح‬
‫ا‬ ‫إطالقا‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬المساهمة الجنائية‬
‫يعاقب المشرع على الجريمة عندما تكتمل أركانها بغض النظر عن من قام بها‪ ،‬فقد يرتكبها‬
‫ترتكب الجريمة الواحدة من طرف عدة‬ ‫يرتكبها عدة أشخاص‪ ،‬و عندما‬ ‫شخص واحد و قد‬
‫أشخاص نكون بصدد المساهمة الجنائية‪.‬‬
‫فما هي عناصر المساهمة الجنائية ؟ و ما هي صورها ؟‬
‫الفرع األول ‪ :‬عناصر المساهمة الجنائية‬
‫حتى تقوم المساهمة الجنائية يجب أن يرتكب عدة أشخاص جريمة واحدة‪ ،‬كما يجب أن يجمع‬
‫بين هؤالء األشخاص رابطة معنوية واحدة لتنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫و منه تقتضي المساهمة الجنائية وجود عنصرين و هما ‪ :‬وحدة الجريمة ‪ ،‬و تعدد الجناة‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬وحدة الجريمة‬
‫و هي تقوم على وحدتين هما‪ :‬الوحدة المادية للجريمة‪ ،‬و الوحدة المعنوية للجريمة‪.‬‬
‫أ‪ .‬الوحدة المادية للجريمة ‪:‬‬
‫و هي تتحقق بإسهام فعل كل مساهم في تحقيق نتيجة واحدة تتم بها الجريمة‪.‬‬
‫ب‪ .‬الوحدة المعنوية للجريمة ‪:‬‬
‫و تتحقق بقيام رابطة ذهنية تجمع المساهمين في الجريمة تحت لواء مشروع إجرامي واحد‪،‬‬
‫و ذلك عندما يكون هنالك اتفاق إجرامي مسبق بين المساهمين‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪134 - 133‬‬ ‫‪ - 71‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫فإذا تحقق هذان الشرطان فإننا نكون أمام مساهمة جنائية لمجموعة من الجناة في جريمة‬
‫أحدهم رئيسيا دون أفعال‬ ‫واحدة ‪ ،‬قد تكون أدوارهم في الجريمة متساوية ‪ ،‬و قد يكون فعل‬
‫)‪(72‬‬
‫اآلخرين ‪ ،‬و حينئذ يكون عندنا فاعل أصلي و شركاء له ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تعدد الجناة‬
‫أي إرتكاب جريمة واحدة‪ ،‬من طرف عدة أشخاص‪ .‬و في هذا الصدد اختلف الفقه حول‬
‫إمكانية تحديد دور كل مساهم في الجريمة و هو ما نتج عنه ظهور عدة آراء ‪:‬‬
‫أ‪ .‬نظام التوحيد بين المساهمين ‪:‬‬
‫و يرى أصحاب هذا الرأي انه ليس من المنطق أن نميز و نفرق بين أعمال الجناة ‪ ،‬فكل‬
‫مساهم مسؤوالً مسؤولية كاملة عن الجريمة باعتباره فاعال ‪ ،‬أي أن هذا الرأي استبعد كل‬
‫تفرقة بين الفاعل و الشريك‪ .‬و قد‬
‫تعرض هذا الرأي إلى النقد رغم و وضوحه‪ ،‬ألنه يتعارض مع أهداف المعاملة العقابية‬
‫)‪(73‬‬
‫و التي تحدد معاملة كل شخص على أساس دوره و خطورته اإلجرامية‪.‬‬
‫ب‪ .‬ضــرورة التميــيز بين الفاعــل و الشــريك في المســاهمة الجنائيــة ‪ :‬و هــو الــرأي‬
‫الراجح الذي تبنته معظم التشريعات الوضعية ‪ ،‬إذ من غير المنطقي أن يتساوي فعــل من يقــوم بــدور رئيســي في تنفيــذ‬
‫الجريمة مع فعل من يقوم بدور ثانوي فيها ‪ ،‬و عليه فان المســاهمين في الجريمــة ينقســمون إلى فئــتين ‪ :‬فــاعلين أو مســاهمين‬
‫أصليين و شركاء أو فاعلين‬
‫)‪(74‬‬
‫تبعيين ‪.‬‬
‫‪ ‬طبيعة العالقة بين الفاعل و الشريك ‪:‬‬
‫هناك عالقة بين الفاعل و الشريك‪ ،‬فهي عالقة واقعية ال يستطيع القانون أن يتجاهلها‪ ،‬فهناك‬
‫الناحيتين المادية و المعنوية إال أن القانون لم ينشئ‬ ‫الفاعل و الشريك من‬ ‫فروق بين عمل‬
‫التفرقة و إنما قررها ‪ .‬و على الرغم من اإلقرار لهذه العالقة بأهميتها الواقعية و القانونية‪،‬‬
‫العالقة و يمكن ردها إلى عدة‬ ‫فقد اختلف الفقه و تعددت الطرق القانونية للتعبير عن هذه‬
‫)‪(75‬‬
‫نظريات ‪.‬‬
‫‪ 1.‬نظرية االستعارة ‪ :‬و هي نوعان ‪:‬‬
‫‪ 1.1.‬نظرية االستعارة المطلقة ‪:‬‬
‫و مفادها أن الشريك يستعير تجريمه كامال من الفاعل األصلي‪ ،‬و لذا فهو متساو معه في‬
‫المسؤولية و العقاب‪ ،‬إذ يلقي الفاعل بظله كامال على الشريك ‪ ،‬و يؤذي األخذ بهذه النظرية‬
‫على نحو مطلق إلى نتائج غريبة ‪ ،‬فالشريك في جريمة السرقة ال يعاقب إذا كان الفاعل هو‬
‫الفاعل األصلي في جريمة‬ ‫االبن الذي سرق مال أبيه ‪ ،‬و قد تزيد عقوبة الشريك عن عقوبة‬
‫مماثلة ‪ ،‬إذا ما اشترك مع احد الفاعلين بقتل أصولهم‪.‬‬
‫‪ 2.1.‬نظرية االستعارة النسبية ‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫ص ‪136 – 135‬‬ ‫‪ 72-‬منصور رحماني ‪ ،‬الوجيز في القانون الجنائي العام ‪ ،‬دار الهدى ‪ ،‬الجزائر ‪، 2003 ،‬‬
‫‪ 73 -‬مأمون محمد سالمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪388.‬‬
‫‪ 74 -‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪189.‬‬
‫‪ 75 -‬عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 191‬و ما بعدها‪.‬‬
‫و تقضي بضرورة التمييز بين الفاعل األصلي و الشريك من حيث المسؤولية و العقاب ‪،‬‬
‫فالشريك باقترافه أفعال أقل خطورة من أفعال الفاعل يستحق عقابا أخف من عقاب الفاعل ‪.‬‬
‫يستقل بظروفه الشخصية في حين تسري الظروف‬ ‫أما من حيث الظروف فان كل منهما‬
‫العينية على جميع المساهمين‪.‬‬
‫‪ 2.‬نظرية التبعية ‪:‬‬
‫مفادها أن إجرام الشريك بمادياته و معنوياته يختلف عن إجرام الفاعل و ال حاجة لنكران هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬و أن الشريك ليس مستقال استقاالل تاما عن الفاعل ‪ ،‬إذ ال بد من عالقة بينهما ‪ ،‬إال‬
‫أنها عالقة تقتصر على ضرورة وقوع الفعل المجرم من الفاعل األصلي كشرط لعقاب‬
‫الشريك و من تم يكون الفاعل متبوعا و الشريك تابعا‪ ،‬فيعاقب الشريك متى قام الفاعل بسلوك‬
‫غير مشروع ‪ ،‬و لو توافرت للفاعل ظروف شخصية تنفي مسؤوليته الجنائية‪.‬‬
‫و يودي القول باستقالل المساهمين ك 'ل منهم بفعله و ظروفه إلى نتائج هامة نلخصها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬من حيث مقدار العقوبة ‪:‬‬
‫تقدر مسؤولية الشريك على نحو تراعى فيه خطورته الخاصة بغض النظر عن خطورة‬
‫أخف من عقوبة الفاعل بحسب‬ ‫تكون عقوبة الشريك أشد أو‬ ‫أنه قد‬ ‫الفاعل‪ .‬و معنى هذا‬
‫األحوال‪.‬‬
‫‪ ‬استبعاد مسؤولية الشريك عن الجرائم المحتملة ‪:‬‬
‫إن نطاق مسؤولية الشريك تتحدد في نطاق قصده الجنائي ‪ ،‬فال يسأل عن جريمة اقترفها‬
‫محتملة حسب السير العادي أللمور إذا لم تدر في ذهنه عند‬ ‫الفاعل و لو كانت جريمة‬
‫االشتراك‪.‬‬
‫‪ ‬استقالل الفاعل بموانع المسؤولية و موانع العقاب ‪:‬‬
‫ال يتأثر الشريك بموانع المسؤولية أو موانع العقاب التي قد تلحق الفاعل األصلي‪ ،‬و عليه فال‬
‫الشريك عندما تنقضي الدعوى الجنائية عن الفاعل األصلي بسبب التقادم أو‬ ‫تسقط مسؤولية‬
‫العفو الشامل‪.‬‬

‫المسؤولية المدنية على نحو مستقل عن مسؤولية الفاعل‬ ‫‪ ‬احتساب المسؤولية المدنية ‪:‬‬
‫تتم مسؤولية الشريك فيما يخص‬
‫األصلي‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬صور المساهمة الجنائية‬
‫تتم المساهمة الجنائية بواسطة فاعل أصلي وتسمى بالمساهمة األصلية‪ ،‬و بواسطة شريك و‬
‫تسمى بالمساهمة التبعية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬المساهمة األصلية‬
‫الرئيسي هذ‬ ‫بالدور‬ ‫الرئيسي في ارتكاب الجريمة‪ ،‬و قد يقوم‬ ‫نقصد بها ممارسة الدور‬
‫ا‬
‫شخص واحد يسمى الفاعل األصلي ‪ ،‬وقد يقوم به أكثر من شخص ويسمون في هذه الحالة‬
‫فاعلين أصليين‪.‬‬
‫ين‬ ‫العقوبات حيث‬ ‫لقد ك 'رس المشرع الجزائري المساهمة األصلية ضمن أحكام قانون‬
‫ًص‬
‫أو ح على‬ ‫'رض‬ ‫مباشرة في تنفيذ الجريمة‬ ‫مساهمة من ساهم كل‬
‫فاعال‬ ‫'ن ‪:‬‬ ‫على أ‬
‫"يعتبر‬
‫السلطة أو الوالية أو التحايل أو‬ ‫أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال‬ ‫ارتكاب الفعل بالهبة‬
‫)‪(76‬‬
‫التدليس اإلجرامي"‪ . .‬كما‬
‫نص دائما بخصوص المساهمة األصلية على أن"‪ :‬من يحمل شخصا ال يخضع للعقوبة‬
‫)‪(77‬‬
‫بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب الجريمة يعاقب بالعقوبة المقررة لها " ‪.‬‬
‫على ضوء األحكام الواردة في نص المادتين المذكورتين أعاله ‪ ،‬يتضح لنا أن للمساهمة‬
‫األصلية ثالث أنواع و هي‪ :‬الفاعل المباشر ‪ ،‬المحرض ‪ ،‬الفاعل المعنوي‪.‬‬
‫أ‪ .‬الفاعل المباشر ‪:‬‬
‫يقوم بتنفيذ السلوك‬ ‫هو ذلك الشخص الذي يرتكب ماديات الجريمة بصورة مباشرة‪ ،‬أي‬
‫اإلجرامي ‪ ،‬ومثال ذلك الشخص الذي يدخل مسكن غيره ويستولي على المسروقات ‪ .‬نشير في هذا الصدد إلى أ 'نه‬
‫يمكن لعدة مساهمين أن يكونوا بمثابة فاعلين أصليين إذا ظهروا على‬
‫مسرح الجريمة و عاصر نشاطهم زمن وقوع الجريمة‪.‬‬
‫ب‪ .‬المح ّرض‪:‬‬
‫هو ذلك الشخص الذي يخلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر و يحمله على إرتكابها‪.‬‬
‫و نظرا لخطورة الشخص المح 'ر (بكسر الراء)‪ ،‬فقد أخضعه المشرع الجزائري لنفس‬
‫ض‬
‫األحكام التي تطبق على الفاعل المباشر‪ ،‬كما حدد وسائل التحريض وذكرها على سبيل‬
‫الحصر في نص المادة ‪ 41‬من قانون العقوبات‪ ،‬و التي تتمثل في)‪: (78‬‬
‫‪ 1.‬الهبة ‪ :‬ويعني ذلك أن يسعى المحرض إلى تحريض الغير و إقناعه بارتكاب الجريمة‬
‫مقابل شيء ما يقدمه له كهبة‪ ،‬فقد تكون مبلغ من المال وقد تكون سلعة أو عقار أو أي شيء‬
‫آخر‪.‬‬
‫المحرض إلقناع الغير بارتكاب الجريمة مقابل وعد‪ ،‬و مفهوم الوعد‬ ‫‪ 2.‬الوعد‪ :‬هو أن يقنع‬
‫يتم تنفيذ‬ ‫فقد يكون الوعد بتقديم هبة أو القيام بخدمة أو غير ذلك‪ ،‬و‬ ‫أوسع من مفهوم الهبة‪،‬‬
‫الوعد بعد ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫‪ 3.‬التهديد‪ :‬و هو الضغط على إرادة الغير إلقناعه بتنفيذ الجريمة‪ ،‬سواء كان التهديد معنويا‬
‫كأن يهدده بإفشاء سره الذي فيه إضرار به‪ ،‬أو يهدده بالقتل أو األذى مثال‪ .‬و التهديد يجب أن‬
‫يكون التهديد سابقا الرتكاب الجريمة‪.‬‬
‫‪ 4.‬إساءة استغالل السلطة ‪ :‬و هو أن يكون للمحرض السلطة القانونية أو الفعلية على الغير‪،‬‬
‫فيستغلها إلقناع الغير بتبني مشروعه اإلجرامي ‪،‬و تكون السلطة قانونية كما في حالة الرئيس‬
‫و المرؤوس‪ ،‬كما تكون السلطة الفعلية كسلطة المخدوم على خادمه‪.‬‬
‫‪ 5.‬التحايل و التدليس اإلجرامي‪ :‬و قد يقع التحريض بالتحايل على الغير إلقناعه بتنفيذ‬
‫الجريمة و التحايل هو مباشرة المحرض ألعمال مادية تشجع الغير باتخاذ موقفه و ارتكاب‬
‫تعزيز الكذب بأفعال مادية و مظاهر خارجية‬ ‫التدليس اإلجرامي فيقوم على‬ ‫الجريمة ‪ ،‬أم‬
‫ا‬
‫تساهم في إقناع الغير باالنصياع إلى رغبة المحرض‪.‬‬

‫الجزائري‪.‬‬
‫‪ 76 -‬أنظر المادة ‪ 41‬من قانون العقوبات‬
‫‪ 77 -‬أنظر المادة ‪ 45‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 78-‬عبد القادر عدو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 153 – 152‬؛ أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 205 – 204‬؛‬
‫عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪206. - 205‬‬
‫فإذا توفر فعل من األفعال السابقة لدى المحرض و ارتكبت به الجريمة نقول بان المسؤولية في حق المحرض قائمة و‬
‫تبقى هذه المسؤولية متوقفة على الجانب المعنوي و ذلك بأن يكون‬
‫يريدها فإنه ال يعد مسؤوال‬ ‫يكن يتوقعها أولم يكن‬ ‫عالما بحقيقة فعله ‪،‬أما إذا حدثت نتيجة لم‬
‫عنها ‪ ،‬كما لو انصب التحريض على السرقة فقام المنفذ بالقتل‪ ،‬فهنا تبقى مسؤولية المحرض‬
‫محصورة في جريمة السرقة‪.‬‬
‫الذي حرض شخصا على ارتكاب جريمة ‪ ،‬ثم عدل المنفذ عن ذلك بإرادته‪،‬‬ ‫كما المحرض‬
‫)‪(79‬‬
‫فان مسؤولية المحرض تبقى قائمة‪.‬‬
‫ج‪ .‬الفاعل المعنوي ‪:‬‬
‫هناك حاالت أين ال يرتكب فيها الشخص الجريمة ماديا وبطريقة مباشرة ‪ ،‬لكنه يستعمل‬
‫وسيطا الرتكابها فيكون فاعال ذهنيا أو معنويا ‪ ،‬وعليه فإن الفاعل المعنوي هو ذلك الشخص‬
‫الذي يدفع شخصا غير مسؤوال جزائيا الرتكاب جريمة وذلك بالتأثير الكامل على إرادته‪.‬‬
‫لتأثير على إرادة‬ ‫و لم يحدد المشرع الجزائري األساليب التي يستعملها الفاعل المعنوي‬
‫الشخص المستغل‪ ،‬و منه يمكن أن يستعمل جميع الوسائل للسيطرة على المنفذ‪.‬‬
‫والفاعل المعنوي ‪ ،‬حيث يستغل‬ ‫يجب اإلشارة إلى أن هناك اختالف بين كل من المحرض‬
‫األول شخصا مسؤوال جزائيا‪ ،‬في حين يستعمل الثاني شخصا غير مسؤول جزائيا كالقاصر‬
‫أو المجنون‪.‬‬
‫كما أن المحرض ال يسأل إال عن النتائج التي كان يرغب في تحقيقها‪ .‬أ 'ما الفاعل المعنوي‬
‫فيسأل عن النتائج التي أرادها والتي لم يكن يريدها‪ .‬ففي المثال السابق إذا طلب الفاعل‬
‫المعنوي من الشخص غير المسؤول بالسرقة و قام هذا األخير بالقتل والسرقة فيسأل الفاعل‬
‫المعنوي على جريمة القتل أيضا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المساهمة التبعية أو الثانوية أو االشتراك في الجريمة‬
‫االشتراك في الجريمة وصف يطلق على قيام شخص أو عدة أشخاص بتقديم مساعدة مادية‬
‫أو معنوية للفاعل األصلي فدور الشريك في الجريمة يكون مختلفا عن دور الفاعل األصلي‪ ،‬هذا األخير يقوم بدور‬
‫رئيسي يتمثل في تنفيذ الجريمة أو جزء من مادياتها ‪ ،‬في حين يكون‬
‫دور الشريك ثانويا يكتفي بمساعدة الفاعل األصلي‪.‬‬
‫باالشتراك في‬ ‫لقد نظم المشرع الجزائري ضمن قانون العقوبات أحكام قانونية متعلقة‬
‫الجريمة حيث تن 'ص المادة ‪ 42‬من قانون العقوبات على أن "‪ :‬يعتبر شريكا في الجريمة من لم‬
‫يشترك اشتراك مباشرا‪ ،‬ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب‬
‫األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك‪".‬‬
‫'ن ‪" :‬يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو‬ ‫'ص المادة ‪ 43‬من نفس القانون على أ‬ ‫كما تن‬
‫ملجأ اللجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن‬
‫الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكه اإلجرامي‪".‬‬

‫'ن ‪" :‬إذا لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها‬ ‫من قانون العقوبات الجزائري على أ‬ ‫'ص المادة‬ ‫‪79‬‬
‫تن ‪-‬‬
‫‪46‬‬
‫ارتكابها بإرادته و حدها فان المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات‬ ‫لمجرد امتناع من كان ينوي‬
‫المقررة لهذه الجريمة‪".‬‬
‫و األصل أن المساهمة الثانوية تعتبر أعمال تحضيرية ال يعاقب عليها لذاتها‪ ،‬لك 'ن في حالة ما‬
‫أو الشروع فيها‪ ،‬ففي هذ الحالة‬ ‫إذا انتهت هذه األعمال بارتكاب الفاعل األصلي للجريمة‬
‫ه‬
‫تدخل أعمال الشريك في دائرة التجريم و يعاقب على فعله‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى نص المادتين المذكورتين أعاله ‪ ،‬نجد أن للمساهمة الثانوية صورتان وهما‬
‫‪:‬المساعدة على ارتكاب الجريمة و االعتياد على إخفاء و إيواء األشرار ‪.‬‬
‫أ‪ .‬المساعدة أو المعاونـــــــــــــة ‪:‬‬
‫أن تتم في‬ ‫يشترط المشرع الجزائري في المساعدة كصورة أولى اللشتراك في الجريمة‬
‫التحضيرية أو األعمال المسهلة أو المنفذة للجريمة ‪ ،‬لذا لدينا نوعين من‬ ‫حدود األعمال‬
‫المساعدة والمتمثلة في المساعدة السابقة والمساعدة االلحقة‪.‬‬
‫‪ 1.‬المساعدة السابقة ‪ :‬نقصد بها تلك المساعدة التي تسبق ارتكاب الجريمة ‪ ،‬بتعبير آخر‬
‫وجود مدة زمنية تفصل بين تقديم المساعدة وتنفيذ الركن المادي للجريمة (أعمال تحضيرية‪).‬‬
‫تتمثل في تلك المساعدة التي تكون مع بداية أعمال التنفيذ أو‬ ‫‪ 2.‬المساعدة المعاصرة ‪:‬‬
‫تصاحب الخطوات األخيرة في ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫ب‪ .‬االعتياد على إخفاء و إيواء جمعية أشرار ‪:‬‬
‫هو الصورة الثانية من صور المساهمة التبعية‪ .‬يشترط في‬
‫هذه الصورة ضرورة وجود عنصر االعتياد‪ ،‬حيث إذا قام شخص بإخفاء و إيواء‬
‫جمعية أشرار لمرة واحدة‪ ،‬ففي هذه الحالة ال نكون بصدد اشتراك في الجريمة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هذه األفعال المادية‪ ،‬يجب أن يعلم الشريك بأن المساعدة التي يقدمها للفاعل‬
‫األصلي ستستعمل في ارتكاب الجريمة‪ ،‬فمثال يجب على الشريك الذي قدم سالحا للفاعل أن‬
‫يشترط أيضا أن تتجه إرادة‬ ‫ستنفذ به جريمة القتل‪ .‬كما‬ ‫يعلم مسبقا بأن هذا السالح هو الذي‬
‫النتيجة المتوقعة كأثر حتمي‬ ‫ارتكاب هذه الجريمة وإلى تحقيق‬ ‫الشريك إلى المساهمة في‬
‫للجريمة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عقوبة الفاعل األصلي والشريك‬
‫تنص المادة ‪ 44‬من قانون العقوبات الجزائري على أنه "يعاقب الشريك في جناية أو جنحة‬
‫بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة‪.‬‬
‫و ال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال‬
‫بالنســبة للفاعــل أو الشــريك الــذي تتصــل بــه هــذه الظــروف‪ .‬و الظــروف‬
‫الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشــديدها‬
‫أو تخفيفها بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه‬
‫الظروف‪.‬‬
‫و ال يعاقب الشريك في المخالفة على اإلطالق‪".‬‬
‫يتضح من خالل هذ النص أن القانون يضع مبدأ وه توقيع نفس العقوبة على الفاعل‬
‫و‬ ‫ا‬
‫التقديرية للقاضي تسمح‬ ‫األصلي والشريك‪ ،‬لكن مع تطبيق مبدأ تفريد العقاب والسلطة‬
‫بتطبيق عقوبات مختلفة من حيث المقدار بين الشريك والفاعل‪ ،‬لكن دون اختالف نوع‬
‫العقوبة ‪ .‬فإذا كانت الجريمة المرتكبة جناية عوقب الفاعل و الشريك بعقوبة الجناية وال يمكن‬
‫للقاضي فرض عقوبة جنائية على الفاعل وفرض عقوبة الجنحة على الشريك‪.‬‬
‫قد تتصل بالفاعل أو بالشريك ظروف شخصية لصيقة به من شأنها تشديد العقاب أو تخفيفه ‪ ،‬مثال ذلك جناية قتل األصول ‪،‬‬
‫فمن يقتل أمه أو أباه تشدد عليه العقوبة ‪ ،‬فهل يسري ذلك على‬
‫الشريك إذا ساهم مع الفاعل في قتل أب األخير ؟ نفس السؤال يطرح بالنسبة لتوفر‬
‫هذا‬
‫ظرف مادي موضوعي ‪ ،‬مثال ذلك تشديد العقاب على مرتكب السرقة إذا كان يحمل سالحا‬
‫‪ ،‬فهل يسري هذا الظرف المشدد على الشريك ‪.‬‬
‫أ‪ .‬أثر الظروف الشخصية المشددة أو المخففة أو المعفية على كل من الفاعل والشريك ‪:‬‬
‫إن الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها ال تؤثر إال‬
‫)‪(80‬‬
‫في الفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف‪ .‬وهذا ما أخذ به المش 'رع الجزائري‪ .‬و‬
‫هذه مسألة منطقية مادام الظرف شخصي و ليس متعلقا بماديات الجريمة‪.‬‬
‫كصفة الطبيب في جريمة‬ ‫فالظروف الشخصية إما أن تشدد العقوبة إذا كان الظرف مشددا‬
‫أو صفة الولد في جريمة قتل األصول)‪ ،(81‬و إما تخفف العقوبة إذا كان الظرف‬ ‫اإلجهاض‬
‫)‪(82‬‬
‫مخففا كقتل األم لطفل حديث عهد بالوالدة‪.‬‬
‫ب‪ .‬أثر الظروف الموضوعية المشددة أو المخففة على عقاب الفاعل األصلي و الشريك ‪:‬‬
‫قد تتصل بالجريمة ذاتها ظروف موضوعية أي مرتبطة بالركن المادي للجريمة وتؤثر مثال‬
‫في تشديد العقاب‪ ،‬كأن يكون الفاعل يحمل سالحا ‪ ،‬أو يرتكب الجريمة بسبق اإلصرار‬
‫والترصد ‪ .‬فما مدى تأثر الشريك بنتائج هذه الظروف ؟ جاءت المادة ‪44‬‬
‫من قانون العقوبات الجزائري صريحة في هذا الجانب ‪ ،‬حيث تسـري وتـؤثر هـذه الظـروف على الشـريك إذا كـان‬
‫يعلم بها‪ ،‬أي إذا علم أن الفاعل يحمل سالحا‪ ،‬فإن لم يعلم‬
‫بها فال تؤثر عليه‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬الركن المعنوي‬


‫الشرعي والمادي ‪ ،‬بل ال بد من ركن آخر ذو طابع‬ ‫ال يتوقف إتمام الجريمة على الركن‬
‫معنوي‪.‬‬
‫ويقصد بالركن المعنوي الحالة النفسية التي كان عليها الجاني أثناء ارتكابه للجريمة‪ ،‬فهو‬
‫يمثل الجانب الشخصي‪ .‬فالبد أن تصدر الجريمة عن إرادة صاحبها وترتبط بها ارتباطا وثيقا‬
‫‪.‬فهي الرابطة النفسية والمعنوية التي تتصل بين موضوع الجريمة ونفسية مرتكبها ويتخذ‬
‫أساسيتين‪ :‬صورة الخطأ العمدي أو يسمى بالقصد‬ ‫الركن المعنوي للجريمة صورتين‬
‫ما‬
‫الجنائي و صورة الخطأ غير العمدي‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬القصد الجنائي‬

‫‪ 80 -‬أنظر المادة ‪ 44‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬


‫‪ 81 -‬أنظر المادة ‪ 269‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 82 -‬أنظر المادة ‪ 306‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫ستوقع على‬ ‫يلعب القصد الجنائي دورا هاما في تحديد المسؤولية الجزائية والعقوبة التي‬
‫مرتكب الجريمة‪ .‬و سنحاول في هذا المطلب التطرق إلى تعريف القصد الجنائي‪ ،‬عناصره‪،‬‬
‫و صوره‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف القصد الجنائي وعناصره‬
‫أوال ‪ :‬تعريف القصد الجنائي‬
‫)‪(83‬‬
‫لم يعرف المشرع الجزائري القصد الجنائي لكن أشار إليه باستعمال مصطلح "عمدا‪" .‬‬
‫بكل أركانها‬ ‫ولقد عرفه الفقه بأ 'نه ‪ :‬انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم‬
‫)‪(85‬‬
‫القانونية )‪ ،(84‬أو هو إرادة تحقيق الواقعة اإلجرامية مع العلم بعناصرها المكونة لها‪.‬‬
‫إذا فالقصد الجنائي يتكون من عنصرين األول يتمثل في إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫والثاني يتمثل في العلم بك 'ل أركانها القانونية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عناصر القصد الجنائي‬
‫األركان القانونية للجريمة‪ .‬و‬ ‫يتمثل األول في العلم بكل‬ ‫يتكون القصد الجنائي من عنصرين‬
‫الثاني يتمثل في إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة‪ .‬ففي حالة غياب أحدهم ينتفي القصد‬
‫ا‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫أ‪ .‬العـــــلـم ‪:‬‬
‫العلم هو حالة ذهنية أو قدر من الوعي يسبق تحقق اإلرادة و يعمل على إدراك األمور على‬
‫اتجاهها و يعين حدودها في‬ ‫للواقع‪ .‬و العلم بهذا المعنى يرسم إللرادة‬ ‫نحو صحيح مطابق‬
‫)‪(86‬‬
‫تحقيــق الواقعــة اإلجراميــة‪ .‬و لــذلك يجب تــوافر العلم بعناصــر الواقعــة اإلجراميــة‪ .‬و عناصر الواقعــة‬
‫اإلجرامية التي يلزم العلم بها لقيام القصد الجنـائي هي كـل مـا يتطلبـه المشـرع إلعطـاء الواقعـة وصـفها القـانوني و‬
‫تمييزها عن غيرها من الوقائع المشروعة ‪ ،‬فإذا‬
‫إنتفى العلم بأحد هذه العناصر بسبب الجهل أو الغلط إنتفى القصد بدوره‪ .‬و هناك الوقائع التي‬
‫يجب أن يعلم بها الجاني‪ ،‬و الوقائع التي ال يتطلب القانون ضرورة العلم‬
‫بها(‪.)87‬‬
‫‪ 1.‬الوقائع التي يجب العلم بها ‪:‬‬
‫هي الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة و التي يتطلب المشرع أن يحيط علم الجاني بها ‪:‬‬
‫‪ ‬موضـوع الحـق المعتـدى عليـه ‪ :‬لقيــام‬
‫القصد الجنائي وجب أن يكون الجاني على علم بموضوع الحق الذي يعتدي عليه‪ .‬ففي جريمة القتــل مثــال يتطلب القصــد‬
‫أن يكون على علم بأنه يعتدي على إنسان حي ‪ ،‬و في جريمة‬
‫السرقة يجب أن يعلم أن المال مملوك للغير‪ ،‬فإذا كان الجاني يجهل هذه الحقائق إنتفى القصد‪.‬‬
‫‪ ‬العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا ‪:‬‬

‫‪ 83 -‬أنظر على سبيل المثال المواد ‪ 263 ،254‬مكرر ‪ ... 264 ،‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 84 -‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪143.‬‬
‫‪ 85-‬عبد القادر عدو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪182.‬‬
‫‪87‬‬
‫‪ 86-‬عبد هلال سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪- 250.‬‬
‫سمير عالية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 256‬و ما بعدها ؛ عبد الرحمن خلفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 152‬و ما‬
‫بعدها ؛ عبد هلال أوهايبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪331.‬‬
‫إذا اعتقد الجاني أن فعله ال يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا‪ ،‬وقام بفعله على هذا‬
‫األساس‪ ،‬فإن فعله الضار ال يعد جريمة عمدية‪.‬‬
‫‪ ‬العلم بمكان و زمان إرتكاب الفعل ‪:‬‬
‫األصل أن القانون يجرم الفعل في أي مكان وقع أو في أي زمان حدث‪ .‬و لكن قد يشترط في‬
‫كجريمة التجمهر ال تتم إال في مكان عام)‪ ،(88‬كما‬ ‫ترتكب في مكان محدد‬ ‫بعض الجرائم أن‬
‫اشترط القانون في بعض الجرائم أن ترتكب في زمان محدد ‪،‬كالجرائم التي ترتكب في زمن‬
‫)‪(89‬‬
‫الحرب ‪.‬‬
‫‪ ‬العلم ببعض الصفات في الجاني أو المجني عليه ‪:‬‬
‫قد يتطلب المشرع صفة معينة في الجاني أو المجني عليه ‪ ,‬كما يقتضي أن يعلم الجاني بهذه‬
‫في الجاني أن تعلم‬ ‫القصد في الجريمة المرتكبة‪ .‬و من الصفات الخاصة‬ ‫الصفات كي يقوم‬
‫فإذا قامت المرأة بأعمال أجهضتها و هي ال‬ ‫تحاول إجهاض نفسها بأنها حامل‪،‬‬ ‫المرأة التي‬
‫)‪(90‬‬
‫تعلم أنها حامل ال ترتكب جريمة عمدية أي ينتفي قصدها الجنائي‪.‬‬
‫و من الصفات الخاصة بالمجني عليه التي يتطلبها القانون و التي يجب أن يعلمها لتوافر القصد كون المجني عليه قاصرا‬
‫في جربمة اإلغتصاب)‪ ، (91‬أو كونه موظفا في جريمة إهانة‬
‫)‪(92‬‬
‫الموظفين ‪.‬‬
‫‪ ‬العلم بالظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة ‪:‬‬
‫تحقيق نتيجة محددة و توقع هذه النتيجة أمر‬ ‫الجاني من وراء ارتكابه للجريمة ‪،‬‬ ‫يهدف‬
‫فمن يطلق النار على خصمه يتوقع أن يقتله و تكون جريمة‬ ‫مطلوب يتوافر القصد لديه‬
‫عمدية‪.‬‬
‫فيعد الظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة بمثابة ركن لها و لذا وجب إحاطة علم‬
‫تختلف عن جريمة التجمهر البسيط ‪ ،‬لذا وجب علم‬ ‫الجاني به ‪ ،‬فعقوبة التجمهر المسلح‬
‫الجاني بأنه في تجمهر مسلح لتطبيق العقوبات المشددة عليه‪.‬‬
‫‪ 2-‬الوقائع ال‪%‬تي ال يتطلب الق‪%‬انون العلم به‪%‬ا ‪ :‬ترتبـط هـذه‬
‫الوقائع بالجريمة و لكنها ال تعتبر ركنا فيها و لهذا فإن القانون لم يوجب العلم بها و لم يعتبر الجهل مؤثرا‪ ،‬و لذلك فإنها ال‬
‫تؤثر على القصد الجنائي سواء علم به الجاني أو لم‬
‫هي‪:‬‬ ‫الوقائع‬ ‫هذه‬ ‫و‬ ‫يعلم‬
‫‪ ‬عناصر األهلية الجنائية ‪:‬‬
‫أو كان يظن بحكم وظيفته أنه يتمتع بالحصانة و‬ ‫أنه دون السن القانوني‪،‬‬ ‫كأن يعتقد الجاني‬
‫الواقع غير ذلك ففي هذه األحوال ال ينتفي عنه توفر القصد الجنائي و يحاسب على جرائمه‬
‫على أساس العمد‪.‬‬
‫‪ ‬الظروف المشددة المتعلقة بجسامة النتيجة ‪:‬‬

‫‪ 88 -‬أنظر الماد'ة ‪ 97‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬


‫‪ 89 -‬أنظر الماد'تين ‪ 62‬و ‪ 73‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 90 -‬أنظر الماد'ة ‪ 309‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 91 -‬أنظر الماد'ة ‪ 336‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 92 -‬أنظر الماد'ة ‪ 144‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫ال ينفي قصد الجاني كون النتيجة التي حدثت قد تجاوزت ما كان يتوقعه‪ .‬فالقانون يعاقب الجاني على جريمة وفاة‬
‫الضحية بسبب الضرب الذي أحدثه لها‪ .‬رغم عدم رغبته في إحداث‬
‫)‪(93‬‬
‫تلك الوفاة ‪.‬‬
‫‪ ‬الظروف المشددة التي ال تغير من وصف الجريمة ‪:‬‬
‫كما هو معروف فإن العود يؤدي إلى تشديد العقوبة الظرف و ال يغير من وصف الجريمة‪.‬‬
‫فال يقبل دفعه بأنه نسي ارتكابه للجريمة السابقة‪ ،‬بل يعاقب على أساس توفر القصد الجنائي‪.‬‬
‫ب‪ .‬اإلرادة ‪:‬‬
‫اإلرادة هي قوة نفسية تتحكم في سلوك اإلنسان فهي نشاط نفسي يصدر من وعي و إدراك‬
‫فإذا توجهت هذه اإلرادة المدركة و المميزة عن علم لتحقيق‬ ‫بهدف بلوغ غرض معين‪.‬‬
‫الواقعة اإلجرامية بسيطرتها على السلوك المادي للجريمة و توجيهها نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي في الجرائم‬
‫المادية ذات النتيجة‪ .‬في حين يكون توافر اإلرادة كافيا لقيام القصد‬
‫)‪(94‬‬
‫إذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض‪ .‬إال أنه فيما يخص‬
‫الجرائم المادية‪ ،‬فهل يجب أن تسيطر اإلرادة على السلوك و بالنتيجة معا‬
‫أم تسيطر على السلوك فقط ؟‬
‫)‪(95‬‬
‫لهذا انقسم الفقه إلى إتجهان و هما نظرية العلم و نظرية اإلرادة‪:‬‬
‫الجاني تتجه لتحقيق الفعل مع علمه أو توقعه‬ ‫‪ ‬نظرية العـلم ‪ :‬ترى هذه النظرية أن إرادة‬
‫بالنتيجة فاإلرادة ال يمكنها أن تسيطر على األفعال االلحقة على السلوك حيث تقتصر على‬
‫و تأتي النتيجة بعد ذلك طبيعية ال سيطرة إلرادة اإلنـسان عليها‪ .‬و على هذا األساس‬ ‫الفعل‪،‬‬
‫يكفي أن يريد الفاعل الفعل و يتوقع‬ ‫فإن إرادة النتيجة ليست من عناصر القصد الجـنائي إذ‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫و خالصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يقوم على إرادة السلوك و العلم بالنتيجة أو توقعها‪.‬‬
‫ترى هذه النظرية أن اإلرادة تتوجه لتحقيق الفعل المكون للجريمة فهي‬ ‫‪ ‬نظرية اإلرادة ‪:‬‬
‫النتيجة التي يتمثل فيها االعتداء على المصلحة المحمية قانونا‪ ،‬بل أن‬ ‫تريد السلوك و تريد‬
‫اإلجرامية إذا كانت جزءا يعتد' به في تكوين‬ ‫إرادة الفاعل تريد كل واقعة تحدد داللة الفعل‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫و حجة هذا الرأي أن العلم وحده كحالة نفسية مجردة من كل صفة إجـرامية ال يمكن أن‬
‫يوصف باإلجرام‪.‬‬
‫أفعاال و ليس حاالت نفسية ثابتة في حين‪ ،‬أن اإلرادة هي اتجـاه و نشاط‬ ‫فالتجريم يتناول‬
‫تكون مسؤولة إذا ما انحرفت عن الطريق الذي يرسمه القانون‪.‬‬
‫فإرادة‬ ‫و خالصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يتطلب إرادة السلوك و إرادة النتيجة أيضا‪،‬‬
‫السلوك وحدها ال تكفي لقيام القصد الجنائي‪ ،‬و هذه النظرية هي السائدة‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬صور القصد الجنائي‬
‫للقصد الجنائي عدة صور ‪ ،‬تختلف فيما بينها ‪ ،‬نذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ 93 -‬أنظر المادة ‪ 264‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬


‫‪ 94 -‬عبد الرحمن خلفي ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪154.‬‬
‫‪ 95 -‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪260. - 259‬‬
‫أوال ‪ :‬القصد العام و القصد الخاص‬
‫نقصد بالقصد العام إتجاه إرادة الجاني نحو القيام بفعل و هو يعلم أن القانون ينهي عنه وهذا‬
‫القصد موجود في جميع الجرائم العمدية‪ .‬أ 'ما القصد الخاص فهو يتعدى مجرد ارتكاب‬
‫)‪(96‬‬
‫الجريمة بل يهدف‪ ،‬إلى البحث في الغاية التي يريدها الجاني من وراء ارتكابه للجريمة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القصد المحدد و القصد غير المحدد‬
‫يتمثل األول في اتجاه اإلرادة إلى تحقيق النتيجة اإلجرامية في موضوع محدد‪ ،‬مثل سرقة‬
‫شخص معين بالذات‪ .‬أ 'ما القصد غير المحدد ‪ ،‬ففيه تكون النتيجة اإلجرامية غير محددة‪ ،‬مثل‬
‫تفجير شخص لقنبلة أد'ت إلى وفاة عدد غير محدد من األشخاص‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬القصد المباشر والقصد غير المباشر‬
‫يتحقق القصد المباشر عندما تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب جريمة مع علمه بكل أركانها‬
‫التي يتطلبها القانون‪ .‬هذه الصورة للقصد هي التي تم 'يز بين الجرائم العمدية التي تستلزمه‪ ،‬والجرائم غير العمديــة الــتي ال‬
‫تستلزمه‪ ،‬أما القصد غير المباشر والذي يسمى كذلك بالقصد اإلحتمالي فهو إقدام الجاني على نشاط إجرامي معين فتتحقق‬
‫نتيجة أشد جسامة مما توقعه في الجريمة )‪ ،(97‬مثل قيــام الفاعــل بضــرب شــخص معين فــأدى ذلــك الضــرب إلى وفاتــه‪،‬‬
‫فيسأل عن‬
‫الوفاة‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الخطأ غير العمدي‬
‫يعتبر الخطأ غير العمدي الصورة الثانية التي يتخذها الركن المعنوي‪ ،‬فتترتب عنه الجريمة‬
‫غير العمدية‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف الخطأ غير العمدي وعناصره‬
‫سندرس في هذه النقطة مفهوم الخطأ غير العمدي‪ ،‬و كذلك أهم عناصره‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الخطأ غير العمدي‬
‫عندما ال تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة ‪ ،‬لكن تحدث نتيجة ضارة فيسأل عن جريمة‬
‫خطأ‪.‬‬
‫و يعرف الخطأ غير العمدي بأنه "عدم إتخاذ الجاني واجبات الحيطة والحذر‪ ،‬لمنع النتيجة‬
‫الضارة التي كان في وسعه توقعها وتجنبها‪ "(98).‬فهو التصرف ال'ذي ال يتفق مع الحيطة التي‬
‫تتطلبها الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫و من أمثلة الجرائم غير العمدية الحوادث التي تنجم عن مخالفة قانون المرور و غيرها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عناصر الخطأ غير العمدي‬

‫لقد اشترط المشرع الجزائري القصد الخاص في بعض الجرائم أنظر على سبيل المثال المواد ‪،70 ،86‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪ 84...‬من قانون العقوبات‪.‬‬


‫‪ 97 -‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪150.‬‬
‫‪98 -‬عبد هلال أوهايبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 343‬؛ عبد القادر عدو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪198.‬‬
‫من خالل التعريف السابق نستنتج عناصر الخطأ غير العمدي و هي ثالثة ‪ :‬اتجاه إرادة‬
‫الجاني إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬توقع النتيجة الضارة أو إمكانية توقعها ‪ ،‬عدم اتخاذ واجب‬
‫الحيطة والحذر‪.‬‬

‫أ‪ .‬العنصر األول ‪ :‬اإلخالل بواجبات الحيطة و الحذر‬


‫يفترض القانون أ 'ن الحياة االجتماعية تقتضي أن يتوخى الفرد في تصرفاته الحيطة و الحذر ‪،‬‬
‫بأن يأتي عمال أو يقوم بسلوك مفضي لنتيجة إجرامية ‪ ،‬و يتولى القانون عادة بيان حدود هذا‬
‫ما يتوجب على الفرد‬ ‫وقد ال يحيط القانون بكل‬ ‫العمل أو السلوك التي يتوجب مراعاتها‪.‬‬
‫به لتحديد القواعد‬ ‫مراعاته في حياته اليومية‪ .‬و لذلك يثار التساؤل عن المعيار المعمول‬
‫)‪(99‬‬
‫الواجب مراعاتها‪ .‬لذلك ظهر معياران‪ ،‬المعيار الشخصي و المعيار الموضوعي‪.‬‬
‫‪ 1.‬المعيار الشخصي‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا المعيار أنه يجب أن ينظر إلى الشخص المنسوب إليه الخطأ و إلى ظروفه‬
‫'ن سلوك الشخص المفضي للجريمة كان من الممكن تفاديه بالنظر إلى‬ ‫فإذا تبين أ‬ ‫الخاصة ‪،‬‬
‫أن يطالب شخص بقدر من الحيطة و الذكاء‬ ‫صفاته و ظروفه عد مخطئا‪ .‬ذلك أنه ال يمكن‬
‫يفوق ما تحتمله ظروفه االجتماعية و في حدود ثقافته و سنه وحيويته‪.‬‬
‫‪ 2.‬المعيار الموضوعي‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المعتبر مخطئا و بين ما‬
‫كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الحيطة ال يمكن أن يقع فيما وقع فيه‬
‫الجاني ‪ ،‬عد هذا األخير مهمال أو مخطئا ويسأل جنائيا‪.‬‬
‫و يميل الرأي الغالب في الفقه إلى األخذ بالمعيار الموضوعي لتقدير توافر الخطأ الواجب‬
‫للمسؤولية الجنائية‪ ،‬أل 'ن األخذ بالمعيار الشخصي سيؤدي إلى مساءلة معتاد الحذر و االنتباه‬
‫لمجرد هفوة بسيطة‪ ،‬في حين يفلت من المسؤولية معتاد التقصير بالنظر إلى ظروفه الخاصة‪.‬‬
‫ب‪ .‬العنصر الثاني ‪ :‬العالقة النفسية بين اإلرادة و النتيجة‬
‫ال يكفي مجرد االختالل بواجب الحيطة و الحذر لقيام المسؤولية الجنائية على أساس الخطأ ‪،‬‬
‫بل يجب عالوة على ذلك ‪ ،‬من تحقق نتيجة محددة يرتبها السلوك الموصوف باإلخالل‬
‫بواجب الحيطة و الحذر ‪ :‬أي وجود عالقة بين إرادة الجاني المخطئة وبين النتيجة ‪ .‬بمعنى‬
‫ويكون متصال بالنتيجة‬ ‫أن يكون نشاط الجاني السبب المباشر في إحداث الواقعة الجرمية‪،‬‬
‫اتصال السبب بالمسبب إذ ال يتصور قيام الجريمة إال' بخطأ الجاني‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬صور الخطأ غير العمــــدي‬
‫قانون العقوبات الجزائري‬ ‫تبرز لنا صور الخطأ غير العمدي من خالل نص المادة ‪ 288‬من‬
‫'ن‪" :‬كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم‬ ‫'ص‬ ‫حيث تن‬
‫على أ‬
‫انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات‬
‫وب غرامة من ‪ 20.000‬إلى ‪ 100.000‬دج"‬
‫أوال ‪ :‬الرعونة‬

‫‪276. - 275‬‬ ‫‪99 -‬عبد هلال سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬


‫نقصد بها سوء التقدير‪ ،‬و تبرز في كل واقعة مادية تنطوي على الخفة و الطيش ونقص‬
‫المهارة و سوء التصرف مثل الصياد الذي يطلق النار على طائر في مكان آهل‪ ،‬فيصيب أحد‬
‫المارة‪ ،‬و قد يتمثل في طيش الوالدة التي تنقلب في سريرها على ولدها الصغير وه نائم‬
‫و‬
‫فيموت‪...‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عدم االحتياط‬
‫و هو نقص في الحذر الذي يستلزمه ممارسة بعض األعمال الخطرة كالقيام بهدم بناء دون‬
‫لحماية الغير‪ .‬فيراد به عدم التبصر بالعواقب‪ ،‬و هذ الصورة‬ ‫إتخاذ اإلحتياطات االلزمة‬
‫ه‬
‫يدرك الفاعل أنه قد يترتب على عمله نتائج ضارة ومع ذلك يقدم على النشاط و ال يتخذ‬
‫)‪(100‬‬
‫االحتياطات التي تحول دون تحققها‪.‬‬
‫الشخص الذي يسير‬ ‫تطبيقاتها في مجال حوادث المرور‪ ،‬ومثال على ذلك‬ ‫تجد هذه الصورة‬
‫بسرعة فائقة في وسط مزدحم بالناس معتمدا على مهارته في تجنب النتيجة ‪ ،‬إال أنه يجد‬
‫نفسه مصطدما بأحد المارة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلهمال وعدم االنتباه‬
‫الفاعل عن القيام‬ ‫هذه الصورة معاكسة أللولى‪ ،‬حيث يسلك الفاعل سلوك سلبي‪ ،‬إذ يمتنع‬
‫بالتزام مفروض عليه ‪ ،‬و تتسع هذه الصورة لتشمل جميع معالم قلة اإلدراك وقصر المعرفة‬
‫لتفادي وقوع الفعل اإلجرامي‪ .‬و مثال‬
‫عدم االنتباه‪ ،‬الشخص الذي يقوم بحفر بئر و ال يقوم بإضاءة المكان أو تغطيته‪ ،‬فإذا‬
‫)‪(101‬‬
‫حدثت أضرار للغير نتيجة ذلك‪ ،‬فإنه يسأل جزائيا‪.‬‬
‫و مثال عن اإلهمال‪ ،‬الطبيب الذي ينسى آلة في بطن المريض إثر عملية جراحية‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬عدم مراعاة األنظمة‬
‫و عدم مراعاتها قد يؤدي إلى وقوع‬ ‫'ص القانون على بعض القواعد المنظمة للمصالح‪،‬‬ ‫قد ين‬
‫)‪(102‬‬
‫عبارة األنظمة بمفهومها الواسع‪،‬‬ ‫إصابات و ما بسبب ذلك هو الخطأ‪ .‬و تأخذ‬ ‫جرائم و‬
‫الذي يشمل القوانين و اللوائح التنظيمية وتعني هذ الصورة مخالفة التدابير التي تفرضها‬
‫ه‬
‫قوانين األمن العام وأنظمة السير والصحة‪ .‬و الخطأ‬
‫مستقل بحد ذاته ال يتعلق بصور‬ ‫في عدم مراعاة األنظمة و القوانين إنما هو خطأ‬
‫المخالفة للوائح يتحقق معه الخطأ حتى و لو لم يحصل الضرر‪ .‬فإذا‬ ‫الخطأ‪ ،‬و إنما مجرد‬
‫حصل الضرر كنا أمام خطأ إضافي قد يدخل في اإلهمال أو الرعونة أو عدم االنتباه أو عدم‬
‫االحتياط‪.‬‬

‫‪ 100 -‬عادل قورة‪ ،‬محاضرات في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ، 1994 ،‬ص ‪160.‬‬
‫‪ 101 -‬بن شيخ لحسين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪100.‬‬
‫‪120.‬‬ ‫‪ 102-‬منصور رحماني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬

You might also like