You are on page 1of 118

‫محاضرات في القانون الجنائي الخاص ـ السداسية الرابعة‬

‫ذة فريدة اليوموري‬


‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‬

‫مقدمة‬
‫يشكل القانون الجنائي الخاص جزءا من القانون الجنائي ـ الذي يتولى تحديد أنواع‬
‫األفعال والتروك التي تقتضي التجريم وتتطلب وضع عقوبات إزاء مرتكبيها‪ ،‬حيث يقوم‬
‫بضبط األعمال واألفعال المجرمة‪ ،‬وكذا الجزاءات المقررة لها ـ وألنه فرع من هذا القانون‪،‬‬
‫فإن له عالقة بالتجريم والعقاب‪ ،‬ومقتضياته مضمنة في القانون الجنائي المغربي الصادر‬
‫بموجب الظهير الشريف رقم ‪ ،.94.95.1‬بتاريخ ‪ 02‬فبراير ‪ ،..90‬والذي عرف عدة‬
‫تعديالت متتالية للكثير من مقتضياته القانونية التي ترجع أسبابها إلى ظروف خاصة كانت‬
‫تقتضي هذا التعديل‪91‬‬
‫بتعبير آخر‪ ،‬فإن القانون الجنائي ينقسم إلى قسمين‪ ،‬قسم عام وقسم خاص‪ ،‬فأما القسم العام‬
‫فيشتمل على كافة األحكام والقواعد التي تطبق على كافة أنواع الجرائم والعقوبات‪ ،‬بحيث‬
‫يهتم بالمبادئ العامة واألساسية التي تؤطر للجريمة على مستوى القواعد العامة المتعلقة‬
‫بالتجريم والعقاب‪ ،‬والتي تطبق على كل الجرائم مهما اختلفت وتنوعت‪ ،‬فهو الذي يحدد‬
‫األركان العامة للجريمة وأنواع العقوبات ومن هو المجرم وماهية التدابير الوقائية ومتى‬
‫تتحقق المسؤولية ‪،‬وما هي حاالت انتفاءها؟‪ 9‬بتعبير آخر‪ ،‬فهو القسم الذي يضم القواعد العامة‬
‫التي تخضع لها كل الجرائم والعقوبات‪ 9‬ويعرف باسم النظرية العامة للقانون الجنائي‪9‬‬
‫أما بالنسبة للقسم الخاص‪ ،‬وعلى عكس القانون الجنائي العام‪ ،‬فهو الذي يهتم بدراسة كل‬
‫جريمة على حدة من حيث تحققها وتحديد عناصرها المادية والمعنوية وظروف ارتكابها‬

‫‪ 1‬على أن تسمية القانون الجنائي ال تعتعمد من طرف كل البلدان‪ ،‬بحيث أن أغلبها يستعمل مصطلح قانون العقوبات‪ ،‬خصوصا في بلدان‬
‫الشرق العربي‪ ،‬وهي مقتبسة من القانون الفرنسي الذي يستعمل مصطلح القانون العقابي ‪ ،‬ومنهم من يستعمل مصطلح ‪ ،‬المجلة الجزائية كما هو‬
‫األمر بالنسبة لتونس والجزائر‪9‬‬
‫والعقوبات الخاصة بها؛ بتعبير آخر‪ ،‬فهو الجانب الذي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات‬
‫المقررة لها‪ ،‬وقد عرفه بعض الفقه بأنه‪:‬‬
‫" تلك المادة الحقوقية التي يتناول فيها المشرع بالتعداد كافة األفعال و التروك التي يعتبرها‬
‫جرائم‪ ،‬وذلك بتحديده العناصر الخاصة بكل جريمة على حدة والعقاب المناسب لزجر‬
‫‪2‬‬
‫مرتكبها‪ ،‬والظروف المختلفة التي من شأنها أن تشدد العقاب أو تخففه عليه"‪9‬‬
‫في حين عرفه البعض اآلخر بالقول‪:‬‬
‫" القسم الخاص ال يعرف إال بالركون إلى محتواه وهذا المحتوى ليس سوى كافة الجرائم ـ‬
‫أفعاال كانت أم مجرد امتناع ـ سواء وقعت في صورة تامة أم في صورة منقوصة والتي أسبغ‬
‫عليها المشرع الجنائي داخل النظام القانوني ما وصف بالجريمة بحسبانها في اعتقاده كذلك‪،‬‬
‫مقررا لمن يرتكبها على النحو الموصوف في القاعدة المجرمة جزاءا جنائيا أيا كانت صورة‬
‫‪3‬‬
‫ذلك الجزاء"‪9‬‬
‫وما يمكن قوله في هذا الصدد ‪ ،‬هو أن القانون الجنائي الخاص يعد موضوع السياسة الجنائية‬
‫التي تنتهجها الدولة سواء تعلق األمر بالتجريم أو العقاب‪ ،‬بحيث تكون هي المرجع للتمييز‬
‫بين األفعال المباحة واألفعال الممنوعة وغير المشروعة‪ ،‬وتعتمد في ذلك على كل الوسائل‬
‫والتدابير الممكنة لزجر الجريمة وقبلها دراسة األسباب والعوامل المؤدية إلى ظهور هذه‬
‫الجريمة‪9‬‬
‫فالقانون الجنائي الخاص‪ ،‬كما سبق وذكرنا‪ ،‬هو مجموعة من القواعد القانونية التي‬
‫تستهدف حماية مصالح وحقوق األفراد داخل المجتمع بغض النظر عن كونها مصالح فردية‬
‫أو جماعية‪ ،‬وذلك من خالل تحديد العناصر التي تتكون منها كل جريمة على حدة‪ ،‬و‬
‫الظروف التي يمكن أن تتحقق فيها هذه الجريمة‪ ،‬والعقوبات المقررة لزجر مرتكبها‪9‬‬
‫ومع ذلك فان االقتصار على هذ ه العناصر الخاصة بكل جريمة قد ال يغني عن ضرورة‬
‫اللجوء إلى األحكام العامة التي تكون قابلة للتطبيق على كافة الجرائم كيفما كانت‪ 4،‬على‬
‫اعتبار أن القسم العام يشكل النظرية العامة للقانون الجنائي والذي يعمل على تأصيل هذا‬
‫‪ 2‬ـ د العلمي عبد الواحد‪ ،‬شرح القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬ص‪7:‬‬
‫‪ 3‬ـ د محمد زكي أبو عامر‪ ،‬د سليمان عبد المنعم‪ ،‬القانون العقوبات الخاص‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة ‪ ، 0225‬ص‪7:‬و ‪8‬‬
‫‪ 4‬ـ يرى بعض الفقه بأن القسم العام يمهد لدراسة القسم الخاص‪ :‬األول بمثابة التمهيد وإرساء المبادئ األساسية‪ ،‬والثاني بمثابة التنظيم التفصيلي‬
‫الموضوعي"‪9‬‬
‫د محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪،..88‬ص‪. :‬‬
‫القانون ‪ ،‬في حين فإن القسم الخاص يتولى الجانب التطبيقي لهذه النصوص وذلك راجع ـ‬
‫كما يؤكد أغلبية الفقه ـ إلى أن القانون الجنائي الخاص أقدم ظهورا من القانون الجنائي العام‬
‫الذي نشأت قواعده عن طريق استقراء قواعد القسم الخاص‪ 95‬فهو أقدم ظهورا من القسم العام‬
‫بحيث لم يظهر هذا األخير إال حديثا بعد أن برزت الدراسات الفقهية القانونية وبدأت بالتطور‬
‫فكانت سببا في إعادة قراءة كل ما له عالقة بالقسم الخاص من جرائم والعمل على استنباط‬
‫األحكام والقواعد المشتركة بينها وجمعها في قواعد عامة تسري على الجريمة بصفة عامة‪9‬‬

‫ـ عالقة القانون الجنائي الخاص ببعض القوانين األخرى ‪:‬‬


‫وللقانون الجنائي الخاص عالقة بباقي فروع القانون األخرى‪ ،‬ومن بينها الدستور والذي‬
‫يلتقي معه في العديد من المقتضيات ‪ ،‬حيث يتحقق من خاللها التكامل الذي يقتضيه تحقيق‬
‫السلم واألمن االجتماعيين‪ 9‬من ذلك ما جاءت به الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 01‬من الدستور‬
‫التي تؤكد على أن " قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان"‪9‬‬
‫نفس الشيء في الفصل‪ ...‬بقوله ‪ " :‬يعتبر كل مشتبه فيه و متهم بارتكاب جريمة بريئا‬
‫إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به"‪9‬‬
‫فقرينة البراءة أصبحت بمقتضى الدستور مبدأ من خالله يتم ضمان حرية وأمن الفرد‬
‫المشتبه فيه إلى حين صدور الحكم إما باإلدانة أو البراءة‪9‬‬
‫وللقانون الجنائي الخاص عالقة أيضا بقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬فمعلوم أن القانون الجنائي‬
‫يتضمن مجموعة من القواعد القانونية التي تجرم األفعال والتروك‪ ،‬وتحدد لكل منها عقوبتها‬
‫الخاصة بها‪ ،‬وهو األمر الذي يقتضي قواعد إجرائية يتعين احترامها لضمان تطبيق‬
‫مقتضيات هذا القانون من طرف الجهات المختصة من قبيل الشرطة القضائية وقاضي‬
‫التحقيق والنيابة العامة وقاضي الحكم‪9‬‬
‫وتظهر عالقة القانون الجنائي الخاص بالقانون التجاري أيضا ‪،‬من خالل الحماية التي‬
‫يوفرها للحقوق المالية‪ ،‬فمعلوم أن القانون الجنائي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات الخاصة‬

‫‪ 5‬ـ وللقسم الخاص من القانون الجنائي عالقة و صلة بباقي فروع القانون األخرى‪ ،‬فادا كان هدا الفرع يعنى بتطبيق نصوص القسم العام فان قانون‬
‫المسطرة الجنائية يتولى البحث عن الدالئل الدافعة إلى ارتكاب الجريمة ورفع الدعوى الجنائية ‪ ،‬ثم التحقيق مع الجاني إلى أن يصدر الحكم‪9‬‬
‫محمد زكي أبو عامر و سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .9 :‬وما بعدها‪9‬‬
‫بها‪ ،‬بما في ذلك الجرائم المالية مثل النصب وإصدار شيك بدون رصيد‪ ،‬أو خيانة األمانة أو‬
‫التملك بدون حق‪9‬‬
‫ـ خصائص القانون الجنائي الخاص‪:‬‬
‫ويتميز القانون الجنائي الخاص بمجموعة من الخصائص يمكن إجمال أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه وخالفا للقانون الجنائي العام يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع مسايرا‬
‫بذ لك المصالح األساسية لمجموع األفراد الدين يعيشون داخله‪ ،‬ففي البداية لم تكن الجرائم‬
‫التي يختص بها هذ ا الجانب من القانون يتجاوز صورا محددة تتمثل خاصة في جرائم‬
‫االعتداء على الحياة والسالمة الجسدية ( كالقتل‪ ،‬والجرح‪ ،‬والضرب‪ ،)999،‬واالعتداء على‬
‫المال كالسرقة‪ ،‬واالعتداء على العرض كاالغتصاب‬
‫لكن مع تطور المجتمع‪ 6‬ظهرت أنواع أخرى من األفعال التي استدعت تدخل المشرع‬
‫لتجريمها‪ ،‬من ذ لك مثال جريمة إفشاء السر المهني‪ ،‬جرائم القتل الناتجة عن حوادث السير‪،‬‬
‫الجرائم المعلوماتية‪ ،‬كما ظهرت أيضا جرائم أخرى لها عالقة بحماية الفرد في اعتباره‬
‫وكرامته من ذلك جرائم القذف والسب وجرائم التعذيب‪.‬‬
‫إضافة إلى ظهور جرائم أخرى لها عالقة بالدولة التي أصبحت تلعب دورا أساسيا في‬
‫مختلف المجاالت‪ ،‬حيث ظهرت الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي كالتجسس‪،‬‬
‫والمس بالثقة العامة وغيرها‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬ازدواجية حماية مصالح أفراد المجتمع من طرف القانون الجنائي الخاص وبعض‬
‫القوانين األخرى يطرح في بعض األحيان صعوبة وتعارض حول هذه الصلة‪ ،‬فمثال الحيازة‬
‫تنتمي أصال للقانون المدني الذي يتولى تنظيمها وتحديد عناصرها وأيضا حمايتها لكن‬
‫لقصور هدده الحماية يتدخل القانون الجنائي ويجعل من صور االعتداء على المال أو حيازة‬
‫مال الغير جريمة يعاقب عليها‪ ،‬فهل تطبق قاعد القانون الجنائي أم قاعدة القانون المدني؟‬
‫يرى بعض الفقه المؤيد لمبدأ استقالل القاعدة الجنائية بأنه يجب االقتصار على المفهوم‬
‫الجنائي ولو كان متعارضا مع المفهوم في القانون الذي تنتمي إليه القاعدة أصال و ذلك‬
‫‪7‬‬
‫لتشديد العقاب على مرتكب الجريمة‪9‬‬

‫‪ 6‬ـ ونقصد بدلك االنتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي‪9‬‬


‫‪ 7‬ـ د محمود نجيب حسن‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪1 :‬‬
‫في حين يرى جانب آخر بأن قاعدة القانون الجنائي تحمي قاعدة غير جنائية وبالتالي فإنه‬
‫يجوز التقيد بالمفهوم غير الجنائي وإن أدى ذلك إلى تضييق دائرة العقاب على بعض‬
‫الجرائم‪9‬‬
‫وفي هذا اإلطار يعتبر البعض أن نصوص القانون الخاص لها األولوية المطلقة عند‬
‫التعارض بينها وبين القواعد العامة‪ ،‬فهي التي يجب أن تطبق أخذا بالقاعدة األصولية التي‬
‫تقول‪ :‬أن الخاص يقيد العام‪98‬‬
‫واتخذ جانب ثالث موقفا وسطا واعتبر أن ترجيح أحد الرأيين السابقين يتوقف أوال على‬
‫ضرورة احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬وثانيا أن يكون مالئما لمبدأ احترام الحقوق‬
‫الفردية األساسية لإلنسان‪99‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن القانون الجنائي الخاص يعتبر تجسيدا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬ومعنى‬
‫ذ لك أن يتولى المشرع تحديد األفعال التي تعتبر جرائم وكدا العقوبات المقررة لها بمقتضى‬
‫نصوص قانونية‪ ،‬بحيث أنه ال يجوز اعتبار فعل أو عمل ما جريمة تستحق العقاب أو الجزاء‬
‫ما لم يكن مقررا بمقتضى نص قانوني يجرمه‪9‬‬
‫بل أكثر من ذلك يرى بعض الفقه بأن مجرد النص القانوني للجريمة ال يكفي بذاته لضمان‬
‫تجسيد مبدأ الشرعية‪ ،‬وإنما يلزم أن يكون النص من التفصيل والدقة بحيث يمكن الوقوف‬
‫على كافة األركان والعناصر التي يقوم بها البنيان القانوني للجريمة ويختلف بغياب إحداها‪910‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬
‫إن دراستنا لهذا الفرع من القانون سوف تقتصر على عدد محدد من الجرائم التي توالها‬
‫المشرع بالتنظيم ‪،‬بحيث سنتطرق إلى بعض الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي ويتعلق‬
‫األمر بجريمتي المؤامرة واالعتداء ثم جريمة العصابات المسلحة‪ ،‬وبعض الجرائم الماسة‬
‫بأمن الدولة الخارجي كحمل السالح ضد المغرب ‪،‬و تسليم سر من اسرار الدفاع الوطني‬

‫‪ 8‬ـ جاسم خريبط خلف‪،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬مطبعة زين الحقوقية واألدبية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0202 ،‬ص‪99:‬‬
‫‪ 9‬ـ د محمد زكي أبو عامر وسليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪00:‬‬
‫‪ 10‬ـ د محمد زكيى ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪01:‬‬
‫لسلطة أجنبية أو ألحد عمالئها أو الحصول عليه قصد تسليمه‪ ،‬وبعض الجرائم الماسة بالثقة‬
‫العامة كالرشوة والتزوير‪،‬وأخرى يعتبر إتيانها إخالال باآلداب العامة من قبيل الفساد‬
‫واالغتصاب والخيانة الزوجية وصورا من جرائم االعتداء على األشخاص خصوصا‬
‫جريمتي القتل العمد والقتل الخطأ‪،‬وأخيرا جريمة السرقة كنموذج من جرائم األموال‪9‬‬

‫الفصل األول‬
‫الجرائم الماسة بأمن الدولة‬
‫تتمتع الدولة با عتبارها شخصا معنويا بعدد من الحقوق التي تقتضي الحماية‪ ،‬والكثير من‬
‫المصالح التي تستدعي من يقوم عليها ويتوالها‪ ،‬وفي نفس الوقت يكون ملزما بحمايتها‬
‫والتصدي لمن يحاول االعتداء عليها‪ 9‬ولعل هذا هو ما دفع بالمشرع المغربي والتشريعات‬
‫المقارنة للتدخل وتولي حماية هذه الحقوق والمصالح ‪،‬ومن خاللها حماية أمن واستقرار‬
‫المجتمع وأيضا استقالل وسيادة هذه الدولة‪9‬‬
‫إن تطور الدولة بكافة مرافقها زاد من وظائفها وكذلك من مصالحها‪ ،‬األمر الذي أصبح‬
‫يستدعي العمل بشكل أكبر لحمايتها والمحافظة عليها من كل ما يمكن أن يمس بها أو يلحقها‬
‫من اعتداءات قد تهدد كيانها واستقرارها وسيادتها ‪ ،‬وهو ما أدى إلى تجريم مجموعة األفعال‬
‫عرفت بالجرائم الماسة بأمن الدولة أو ضد أمن الدولة‪ ،‬وهي جرائم تمس بكيفية مباشرة كيان‬
‫الدولة القانوني‪ ،‬بحيث تكون الدولة هي محل االعتداء الذي تتحقق به جرائم أمن الدولة‪9‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فالمقتضيات القانونية التي تجرم وتعاقب هذه الجرائم تهدف أساسا إلى توفير الحماية‬
‫الالزمة والمتطلبة ـ وبشكل كبير ـ للدولة ولحقوقها األساسية إن على المستوى الداخلي أو‬
‫على المستوى الخارجي من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى حتى ال تختلط بالجرائم التي تستهدف‬
‫األشخاص أو األموال أو غيرهما والتي تمس بدورها بكيان الدولة ولكن بطريقة غير‬
‫مباشرة‪9‬‬
‫وال يقصد بجرائم أمن الدولة‪ ،‬الجرائم التي ترتكب ضد األشخاص الحاكمين كما كان األمر‬
‫في السابق‪ ،‬حيث لم تكن التشريعات القديمة تميز بين الجرائم التي تمس بأمن الدولة الداخلي‬
‫وتلك التي تمس بأمن الدولة الخارجي‪ ،‬ولكنها كانت تشكل نوعا واحدا من الجرائم وهي التي‬
‫تمس بشخص الحاكم ‪،‬والذ ي كان المساس به وبحياته يؤدي إلى انهيار الدولة أو تعطيل‬
‫سيرها‪9‬‬
‫أما حاليا فالتمييز بينهما قائم على اعتبارات تتعلق بطبيعة الحق المعتدى عليه ومدى‬
‫خطورة وجسامة هذا االعتداء‪9‬‬
‫وعموما‪،‬فالمقصود بهذه الجرائم كل األفعال التي التي تمس كيان الدولة باعتبارها شخصا‬
‫اعتباريا حيث تصبح سالمتها مهددة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو خارجيا متى تم‬
‫االعتداء على حقوقها ‪9‬‬
‫وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة فإن المشرع المغربي أفرد مجموعة من النصوص‬
‫القانونية التي يستهدف من خاللها المحافظة على أمن الدولة المغربية‪ ،‬وتتمثل في الفصول‬
‫من ‪ .91‬إلى ‪ 0.8‬من القانون الجنائي المغربي‪9‬‬
‫وبإطالعنا على هذه النصوص نستنتج ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن المشرع المغربي قسم هذه الجرائم إلى جرائم تمس أمن الدولة الداخلي وهي التي تقع‬
‫على كيان الدولة الداخلي و تستهدف إحداث تغيير في النظام السياسي للدولة‪ ،‬وإثارة الفتنة‬
‫والقيام بأعمال إرهابية داخل البلد‪،‬وأهمها جريمة المؤامرة واالعتداء على حياة الملك أو‬
‫شخصه( المادة ‪ .91‬و ‪ ،) .95‬أو االعتداء على حياة ولي العهد أو شخصه ( المادة ‪ .94‬و‬
‫‪ ،) .99‬أو االعتداء الذي يكون الهدف منه قلب نظام الحكم‪9‬‬
‫وفي هذا الصدد يرى بعض الفقه أن الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي كأنها موجهة ضد‬
‫الح ٌكام أنفسهم‪ ،‬أو نظامهم الدستوري أو السلطات الدستورية أو ضد النظام االجتماعي بقصد‬
‫تعليب أشخاص آخرين أو قلب نظام الحكم‪911‬‬
‫وفي المقابل جرائم يشكل اقترافها مساسا بأمن الدولة الخارجي‪ ،‬وهي التي تهدد سيادة‬
‫الدولة واستقاللها‪ ،‬وأهمها جريمة الخيانة والتي تتحقق بحمل المواطن للسالح ضد المغرب‪،‬‬
‫أو بمباشرته التصاالت مع السلطة أجنبية لتسهيل دخول القوات األجنبية إلى المغرب وأيضا‬
‫جريمة التجسس‪9‬‬
‫وسيرا مع التقسيم أعاله يرى الفقيه " غارو" بأن جرائم األمن الداخلي تقع على الحكومة في‬
‫حين أن جرائم أمن الدولة الخارجي تقع على الدولة أو األمة بأسرها‪912‬‬
‫ونعتقد أن كال من الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وتلك التي تمس أمن الدولة الداخلي‬
‫تقع على الدولة وتستهدف أمنها واستقرارها وسيادتها واستقاللها‪9‬وإن كانا يختلفان من حيث‬

‫‪ 11‬سمير عالية‪ ،‬الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى ‪،02..‬‬
‫ص‪99 :‬‬
‫‪12‬‬
‫‪R.Garraud ;Tr. Théorie et pratique du droit pénal français ;3n°1197 ;p :460.‬‬
‫جسامة الخطورة مادام أن الجرائم التي تتعلق بأمن الدولة الخارجي ضررها يكون أكبر‬
‫وأخطر ألنه يمسها في وجودها وكيانها‪9‬‬
‫‪ 2‬ـ اعتماد المشرع المغربي األسلوب الوقائي و االحتياطي في تنظيمه للجرائم الماسة بأمن‬
‫الدولة‪ ،‬حيث جرمت بعض النشاطات التي ال يمكن اعتبارها جريمة إذا ما اعتمدنا القواعد‬
‫العامة في القانون الجنائي‪ 9‬فحينما جرم المشرع الجنائي جريمة االعتداء على حياة الملك أو‬
‫شخصه وعاقب عليه‪ ،‬فإنه جرم أيضا المؤامرة ضد حياة الملك أو شخصه‪ ،‬والمؤامرة ـ كما‬
‫يعرف ـ ما هي إال اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب الجريمة وان لم يؤد ذلك إلى أي‬
‫عمل من أعمال البدء في التنفيذ ‪،‬ورغم ذلك فقد جرمها المشرع الجنائي وعاقب على إتيانها‬
‫خروجا عن القواعد العامة التي ال تعاقب على االتفاق وال تعتبره جريمة‪9‬‬
‫ونفس األسلوب اتبعه المشرع في جرائم أمن الدولة الخارجي ( الفصل ‪ ./..0‬من القانون‬
‫الجنائي ) الذي جرم فيه مسألة الحصول بأية وسيلة من الوسائل على سر من أسرار الدفاع‬
‫الوطني وان لم تقع بيد العدو وعاقب عليها‪ 9‬معنى ذلك أن النتيجة ليست عنصرا الزما لتحقق‬
‫الركن المادي الذي به سيتحقق الجرم وإنما يكفي تحقق الفعل كعنصر وليس كركن‪،‬فمجرد‬
‫الحصول على المعلومة السرية كاف وإن لم يتم تسليمها للقول بتحقق النتيجة مادام أنه كفعل‬
‫تتحقق به هذه النتيجة ويلزم مساءلة ومعاقبة من قام بذلك‪9‬‬
‫‪3‬ـ استبعاد الجرائم الماسة بأمن الدولة من نطاق الجرائم السياسية‪،‬على أن هذا ال يعني عدم‬
‫اعتبارها جرائم و االعفاء من مساءلة مرتكبيها ولكن األمر ال يعدو أن يكون اختالف من‬
‫حيث العقوبات المقررة وكدا األحكام القانونية التي تسري على المجرم السياسي دون غيره‬
‫من المجرمين‪ 9‬وفي هذا الصدد يقول الفقه أن الجاسوسية قديما كانت تعتبر من جرائم‬
‫اإلضرار بالذات الملكية‪ ،‬لكنها اليوم تعد من الجرائم التي تضر بالمجتمع والدولة‪9‬‬
‫الفرع األول‬
‫الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي‬

‫يقصد بجرائم أمن الدولة الداخلي‪ ،‬الجرائم التي يكون الهدف من ارتكابها المس بأمن‬
‫وسالمة الدولة وزعزعة استقرارها‪ ،‬بحيث ال يقتصر األمر على االعتداء على فرد أو‬
‫مجموعة من األفراد‪ ،‬بل يتعداه ليلحق بكل أفراد المجتمع والوطن الواحد‪ ،‬لذلك يعمل‬
‫المشرع على ضمان حماية مصالح هذا الوطن بكل مكوناته من االعتداءات واألفعال غير‬
‫المشروعة التي قد تهدد كيانه واستقراره وأمنه السياسي واالجتماعي‪9‬‬
‫و المشرع المغربي كغيره من التشريعات لم يعرف الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي‬
‫واكتفى باإلشارة إليها في كل من الفرع األول من الباب األول من الكتاب الثالث من القانون‬
‫الجنائي ( الفصول من ‪ .91‬إلى ‪ ، ).82‬في حين أشار إلى الجرائم الماسة بسالمة الدولة‬
‫الداخلية في الفرع الثالث ( الفصول من ‪ 02.‬إلى ‪913)027‬‬

‫‪ 13‬نظم المشرع المصري الجرائم الماسة بأمن الدولة في الكتاب الثاني من قانون العقوبات ‪ ،‬والذي خص من خالله الجنايات والجنح‬
‫المضرة بأمن حكومة من جهة الخارج بالباب األول‪ ،‬والجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل بالباب الثاني ( المواد من ‪ 89‬إلى ‪).20‬‬
‫أما بالنسبة للقانون الفرنسي‪ ،‬فقد كانت هذه الجرائم تسمى ب" الجرائم المخلة بأن الدولة" وهو التعبير الذي اعتمدته العديد من التشريعات العربية‪،‬‬
‫والذي تخلى عنه المشرع الفرنسي وعوضه ب" الجرائم الماسة بالمصالح األساسية لألمة"‬
‫)‪Des atteintes aux intérêts fondamentaux de la nation ( article 410-1‬‬
‫وسوف نقتصر في هذا الفرع على دراسة كل من جريمة المؤامرة وجريمة االعتداء‬
‫وجريمة العصابات المسلحة‪9‬‬

‫المبحث األول‬
‫جريمة المؤامرة ‪complot‬‬

‫نظم المشرع المغربي جريمة المؤامرة بمقتضى الفصول ‪ ،.74 ،.75 ،.71 ،.70‬و‪02.‬‬
‫من القانون الجنائي‪ ،14‬وعرفها في المادة ‪ .74‬من نفس القانون بقوله‪:‬‬
‫" المؤامرة هي التصميم على العمل‪ ،‬متى كان متفقا عليه ومقررا بين شخصين أو أكثر"‪9‬‬
‫وأول ما يثير االنتباه عند قراءة هذا المقتضى ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا صريحا ودقيقا لجريمة المؤامرة‪ ،‬وإنما اعتبرها‬
‫اتفاق أو تصميم على العمل يتم بين شخصين أو أكثر ألجل تحقيق إحدى األفعال اإلجرامية‬
‫المنصوص عليها قانونا وعلى سبيل الحصر‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬خروج المشرع الجنائي عن المبدأ العام الذي يقضي بعدم معاقبة مجرد األفكار والنوايا‬
‫وان كانت عبارة عن اتفاق ما دامت لم تخرج عن ذهن أصحابها ولم تخرج إلى الواقع‬
‫وتصبح فعال ماديا مل موسا‪ ،‬ولعل السبب في الخروج عن هذا المبدأ ‪،‬أن المشرع اعتبر مثل‬
‫هذ ه االتفاقات خطرا على كيان الدولة السياسي وما تؤدي إليه من عدم االستقرار واضطراب‬
‫في المجتمع‪ 9‬بت عبير آخر‪،‬أن المشرع المغربي ال يعاقب على االتفاق الجنائي العام ـ إن صح‬
‫القول ـ والمنصب على إتيان أحد األفعال المجرمة والمعاقب عليها ‪ ،‬وإنما يعاقب على‬
‫االتفاق الجنائي الخاص والمتعلق ببعض الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وهي جريمة‬
‫المؤامرة‪9‬على أن هذا التشدد في معاقبة االتفاق الجنائي محصور من حيث نطاقه في الجرائم‬
‫المنصوص عليها في الفصول ‪ .70‬و ‪ .71‬و ‪ .75‬و ‪ 02.‬من القانون الجنائي‪ ،‬وذلك على‬
‫خالف المشرع المصري الذي لم يجعل من هذا المبدأ استثناءا وإنما جعله مبدأ عاما ( المادة‬
‫‪ 58‬من قانون العقوبات المصري)‪915‬‬

‫‪ 14‬المقابلة للمواد ‪ 77‬على ‪ 81‬من قانون العقوبات الجزائري‪9‬‬


‫‪ 15‬ـ التي تقول‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬أ ن معاقبة المشرع على المؤامرة باعتبارها اتفاقا‪ ،‬ال يعني معاقبة االتفاق الجنائي كونه‬
‫يشكل بداية ارتكاب الجريمة أو المرحلة األولى الرتكاب الجريمة‪ ،‬وإنما العقاب يطال‬
‫االتفاق ألنه يشكل الجريمة في حد ذاتها‪ ،‬وألنه تحقق بوجود قصد جنائي ألكثر من شخص‬
‫أي قصد جنائي جم اعي وليس قصد جنائي فردي وجب ترجمته واقعا ببدء الفعل أو شروع‬
‫في العمل‪ 9‬فالمؤامرة تمون في البداية عبارة عن تبادل األراء والتفاهم على الغاية المبتغاة من‬
‫االتفاق ‪ ،‬ثم اتخاذ القرار النهائي والحاسم من أجل تنفيذ هذا االتفاق‪9‬‬
‫ولعل هذا األمر هو الذي جعل المشرع المغربي يشدد العقوبة خصوصا وأن األمر يتعلق‬
‫أوال بتعدد اإلرادات‪ ،‬وثانيا بتهديد أمن واستقرار الدولة‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬أن المشرع المغربي حينما عاقب على جريمة المؤامرة لم يشترط ضرورة تحقق‬
‫النتيجة‪ ،‬وبالتالي فكلما ثبت االتفاق على إتيان أحد األفعال المنصوص عليها حصرا تحققت‬
‫المؤامرة‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة المؤامرة‬

‫إن تحقق جريمة المؤامرة يقتضي توفر األركان والشروط العامة التي أقرها القانون‬
‫بالنسبة لكل الجرائم ‪ ،‬إال أن خصوصية هذه الجريمة ـ من حيث تحققها بمجرد االتفاق ـ‬
‫يجعل مسألة تحديد شروطها مسألة دقيقة نوعا ما‪ ،‬بحيث يمكن إجمال العناصر الالزم‬
‫توفرها في المؤامرة كالتالي ‪:‬‬
‫ـ أن يتحقق االتفاق‬
‫ـ أن يتم بين شخصين أو أكثر‬
‫ـ أن يكون مصمما ومقررا عليه‬
‫ـ أن يكون االتفاق من أجل تحقيق األفعال المنصوص عليها في النصوص ‪ .70‬ـ ‪ .71‬ـ‬
‫‪ .75‬و ‪ 02.‬من القانون الجنائي‪9‬‬

‫" يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما‪ ،‬أو على األعمال المجهزة أو المسهلة الرتكابها‪ ،‬ويعتبر االتفاق‬
‫الجنائي سواء كان الغرض منه جائزا أم ال‪ ،‬ادا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه‪ ،‬وكل من اشترك في‬
‫اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد إشراكه بالسجن"‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬تتحقق جريمة المؤامرة بتوافر أركانها المتمثلة في الركن مادي والركن المعنوي‪9‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي‬


‫إن اعتبار المشرع المغربي جريمة المؤامرة من جرائم الخطر معناه أن مجرد االتفاق فيها‬
‫يجيز معاقبة مرتكبها‪ ،‬فركنها المادي ال يتطلب تحقق العناصر العامة والمتطلبة أصال في‬
‫جرائم النتيجة وهي‪ :‬الفعل أو االمتناع عن الفعل والنتيجة وعالقة السببية بينهما‪ ،‬وإنما يكفي‬
‫وجود اتفاق مصمم على تنفيذه بين شخصين أو أكثر كما جاء في الفصل ‪ .74‬من القانون‬
‫الجنائي‪9‬‬
‫والمقصود باالتفاق توافق ارادتين أو أكثر في التآمر على اقتراف إحدى الجرائم الواردة في‬
‫الفصول ‪ ،.75 ،.71 ،.70‬و ‪ 02.‬من القانون الجنائي‪ ،‬أما إذا تم االتفاق على جرائم‬
‫أخرى غير تلك المذكورة في هذه الفصول فانه ال يعتبر مؤامرة‪9‬‬
‫ويشترط في هذا االتفاق‪:‬‬
‫ـ أن يكون بين شخصين على األقل‪ ،‬بحيث ال يشترط في هذا االتفاق أن يتخذ شكل منظمة‬
‫دائمة أو عصابة فيكفي مجرد اتحاد إرادتين أو أكثر لقيام االتفاق‪ ،‬بغض النظر عن طريقة‬
‫تنظيمه أو المدة التي سيستمر فيها ‪.‬‬
‫ـ أن تك ون إرادتهما معتبرة قانونا‪ ،‬بحيث ال تتحقق المؤامرة ما لم يكن ممكنا مساءلة أحد‬
‫أطراف االتفاق جنائيا بأن كان مختال عقليا أو مكرها أو مجبرا مثال‪ 9‬فالقانون ال يعتد بإرادة‬
‫منعدم األهلية أو ناقصها ‪،‬فال محل لتحقق المؤامرة متى كانت أهلية أحد طرفي االتفاق ـ متى‬
‫كان العدد ال يتجاوز اثنين ـ غير مكتملة ومعتبرة قانونا‪916‬‬
‫ـ كما يجب أن يكون التوافق بين االرادتين محققا وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬ويترتب على ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن القرار المتخذ من طرف شخص واحد الرتكاب إحدى الجرائم الواردة في‬
‫الفصول األربعة السابقة ال يعتبر مؤامرة ‪،‬وإنما هي جريمة خاصة يعاقب عليها المشرع في‬
‫المادة ‪ .78‬من القانون الجنائي الذي جاء فيه أن ‪ " :‬من عقد العزم على ارتكاب اعتداء ضد‬

‫‪ 16‬وفي هذا الصدد اعتبر القانون اإلنجليزي أن إرادة الزوجين تكون إرادة واحدة شرط ثبوت عالقة الزوجية بينهما وأن تكون قائمة‪9‬‬
‫حياة الملك أو شخصه‪ ،‬أو ضد حياة ولي العهد‪ ،‬ثم ارتكب بمفرده ودون مساعدة أحد عمال أو‬
‫بدأ فيه بقصد إعداد التنفيذ‪ ،‬يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات"‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن قيام شخص بدعوة آخرين لالتفاق معه على ارتكاب أحد االفعال المذكورة في‬
‫الفصول األربعة السالفة الذكر‪ ،‬يكفي متى استجاب لدعوته بعض األفراد دون غيرهم‪ ،‬حيث‬
‫تتحقق جريمة المؤامرة‪ ،‬أما في حالة ‪،‬العكس أي أنه لم يستجب له أحد‪ ،‬فال تتحقق الجريمة‬
‫ولكن يعاقب من دعا إلى التآمر بعقوبة جريمة الدعوة التي لم تقبل للتآمر على حياة الملك أو‬
‫شخصه كما حددها الفصل ‪ .79‬من القانون الجنائي بقوله‪ " :‬من دعا إلى التآمر ضد حياة أو‬
‫شخص الملك أو ولي العهد‪،‬ولم تقبل دعوته‪ ،‬يعاقب بالسجن من خمس غلى عشر سنوات"‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن االتفاق الجنائي المكون للمؤامرة إذا صدر صحيحا بين شخصين قامت الجريمة‬
‫منذ االتفاق‪ ،‬بحيث تتبث مساءلة الجناة وقت االتفاق وليس عند المحاكمة ‪،‬فلو أن أحد‬
‫المؤتمرين أصيب بخلل عقلي أو بجنون أو كانت له فرصة االستفادة من عفو كان عاما أو‬
‫خاصا‪ ،‬فإن ذلك ال يؤدي إلى انتفاء جريمة المؤامرة بسبب بقاء أحد المؤتمرين وحده معرضا‬
‫للمتابعة والمحاكمة ألن العبرة في قيام الجريمة بوقت االتفاق وليس بوقت المحاكمة‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬ضرورة أن يكون االتفاق الجنائي جديا‪ ،‬وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون أطراف‬
‫االتفاق مصممين وعازمين حقيقة على تنفيذ هذا االتفاق‪ 9‬أما إذا كان االتفاق غير جدي بأن‬
‫كان أحد أطرافه يتفق مع اآلخر من أجل استدراجه في الكالم للبوح له بنيته وبما يشعر به‬
‫من استياء وعدم رضا عن األوضاع‪ ،‬فإن الطرف المستدرج ال يتابع بجريمة المؤامرة وذلك‬
‫النعدام التوافق بين ارادته وإرادة باقي األطراف‪9‬‬
‫خامسا‪ :‬أن يكون االتفاق مصمما عليه أو مقررا بين أطرافه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن النقاش الذي‬
‫يدور بين عدة أشخاص حول أوضاع البالد وسخطهم عليها ورغبتهم في تغييرها اليشكل‬
‫ركنا ماديا في جريمة المؤامرة ألنه ال يتضمن تصميما على العمل متفقا عليه ومقررا بين‬
‫أطرافه‪9‬‬
‫= وأخيرا‪ ،‬فانه يجب اإلشارة إلى أن قيام الركن المادي في جريمة المؤامرة ال يشترط فيه‬
‫أن يكون االتفاق المصمم عليه في شكل معين‪ ،‬بحيث قد يكون شفويا كما يمكن أن يكون‬
‫مكتوبا‪ 9‬وذ لك ألن المشرع لم يتعرض لشكل االتفاق في نص من النصوص القانونية وألن‬
‫األ مر يتعلق بإثبات االتفاق وليس بوجوده أو قيامه‪ ،‬واإلثبات في المادة الجنائية يمكن أن تتم‬
‫بكافة طرق اإلثبات‪ 917‬كما أنه لم يشترط فيه أن يكون علنيا أو سريا‪ ،‬بحيث كيفما كانت‬
‫الصورة التي تحقق من خاللها هذا االتفاق اعتد به قانونا وإن كان غالبا ما يكون بصفة‬
‫علنية‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬


‫تعتبر جريمة المؤامرة من الجرائم العمدية التي ال يتصور وقوعها عن طريق الصدفة‬
‫أو الخطأ‪ ،‬فهي ال تقوم إال بتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل وذلك باتجاه إرادته نحو تحقيق‬
‫الجريمة‪9‬‬
‫والقصد الجنائي في جريمة المؤامرة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لكافة الجرائم‪ ،‬يقتضي ضرورة‬
‫توافر عنصريه العلم واإلرادة‪ ،‬أي أن يكون الجاني عالما بطبيعة االتفاق المنعقد مع شخص‬
‫أو أشخاص آخرين وبالغرض من هذا االتفاق‪ ،‬بتعبير آخر‪ ،‬أن يكون الجاني على علم وبينة‬
‫بالهدف من االتفاق ؛ وأن يكون مريدا وراغبا فيما يتفق بصدده ‪،‬بحيث ال يجب أن يكون‬
‫مكرها وال مجبرا على إبرام االتفاق والتآمر بالتالي الرتكاب أحد األفعال المجرمة قانونا‬
‫والمنصوص عليها حصرا‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يسقط الركن المعنوي وال تتحقق الجريمة إذا انتفى علم الشخص بطبيعة االتفاق و‬
‫بالغرض منه أو كان غير مريد له وال قاصدا له‪9‬‬
‫وعليه‪ ،‬فمن يتفق مع شخص آخر على القتل‪ ،‬وهو يقصد إحدى الجرائم المحققة للمؤامرة‪،‬‬
‫في حين الطرف اآلخر تتجه نيته لقتل عدو له‪ ،‬فال يعاقب على أساس أنه متآمر النتفاء القصد‬
‫الجنائي المحقق لجريمة المؤامرة وتبوثه بالنسبة لجريمة القتل‪9‬‬
‫وقد اختلف الفقه حول مدى ضرورة توفر القصد الجنائي الخاص والدي يعني أن تكون‬
‫لدى أعضاء المؤامرة عند تقرير االتفاق النية اإلجرامية والقصد الرتكاب جريمة معينة من‬

‫‪ 17‬ـ هل تتحقق المحاولة في جريمة المؤامرة؟ إن اإلجابة على هدا السؤال تتطلب منا الرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ ..5‬من القانون الجنائي حيث أ‪،‬‬
‫محاولة ا لجناية ال تتحقق إال بالشروع في تنفيذها أو بأعمال ال لبس فيها وتهدف مباشرة إلى ارتكابها ادا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل األثر المتوخى‬
‫منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها‪9‬‬
‫وهكذا وبناء على المادتين ‪ .74‬و ‪ ..5‬فال يمكن الحديث عن محاولة في جريمة المؤامرة و دلك ألن الركن المادي يتكون فقط من االتفاق المصمم‬
‫غليه الرتاب الجريمة أو الجرائم المحددة‪ ،‬وكان من الممكن التحدث عن المحاولة في جريمة المؤامرة لو أن ركنها المادي كان يتكون من نشاط‬
‫مادي خارجي قابل للتنفيذ ولو جزئيا‪9‬‬
‫الجرائم التي سمي القانون االتفاق عليها مؤامرة‪ 9‬فمنهم من استلزم ضرورة توفره إلى جانب‬
‫القصد العام بعنصريه اإلرادة والعلم‪ ،‬بينما اعتبر جانب آخر أن هدا األخير يكفي لقيام الركن‬
‫المعنوي لجريمة المؤامرة‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عقوبة جريمة المؤامرة‬


‫يختلف عقاب المؤامرة باختالف صورها أي باختالف الموضوع الذي يستهدفه‬
‫المتآمرون‪،‬أو ادا ما صاحبها ظرف من ظروف التشديد( انظر المواد ‪،.75 ،.71 ،.70‬‬
‫و‪ 02.‬من القانون الجنائي )‪9‬‬
‫وقد شدد المشرع المغربي العقاب في جميع صور المؤامرة في حالة ما إذا تبع التآمر عمل‬
‫أو بدء في هذا العمل الهدف منه تنفيذ الجريمة‪9‬‬
‫وقد أخد المشرع المغربي هذ ا عن القانون الفرنسي الذي ميز بين النشاط الذي ال يعتبر‬
‫سوى إعداد لتنفيذ الهدف من التآمر‪ ،‬وبين النشاط الذي يكون شروعا أو بدءا في التنفيذ‬
‫للغرض من المؤامرة‪ ،‬فالنشاط األول هو ما يعرف بالمؤامرة ويعتبر ظرفا مشددا فيها يرفع‬
‫العقوبة بحسب كل حالة من الحاالت المنصوص عليها‪ ،‬أما النشاط الثاني والذي يعد شروعا‬
‫في تنفيذ الهدف من التآمر فقد اعتبره المشرع جريمة خاصة أشد من المؤامرة من حيث‬
‫الخطورة وأطلق عليها اسم " جريمة االعتداء"‪9‬‬
‫إذا‪ ،‬فعقاب المؤامرة في الحاالت العادية ال يثير أية صعوبة‪ ،‬في حين ادا ما أرفقت هذه‬
‫الجريمة بظرف من ظروف التشديد كعمل تحضيري مثال‪ ،‬فأن وصفها يتغير من مؤامرة إلى‬
‫جريمة اعتداء‪ ،‬وذلك بحسب تكييف القاضي لهذا العمل التحضيري‪ ،‬هل هو شروع أم‬
‫محاولة الرتكاب الجريمة؟‬
‫وفي هذ ا الصدد فقد ميز القضاء بين العمل التحضيري الذي يعد " ظرف تشديد" في‬
‫المؤامرة ويعتبر " بدءا في التنفيذ" ليصبح جريمة اعتداء‪ ،‬حين قال‪:‬‬
‫" يعتبر عمال تحضيريا وبالتالي ظرفا مشددا في جريمة المؤامرة شروع المتآمر فعال في‬
‫تأسيس خاليا تقتصر بادئ دي بدء على تدريب الناس على استعمال السالح‪ ،‬وأنه يكون بدءا‬
‫في التنفيذ وبالتالي جريمة اعتداء أفعال المتهم الذي كان قد عقد العزم على تنفيذ‬
‫‪18‬‬
‫جريمته‪"999‬‬
‫هذا من جهة‪ ،‬من جهة أخرى فعقوبة المؤامرة تختلف باختالف صورها فتكون إما جناية أو‬
‫جنحة يحسب ما لو تحققت نتيجتها أو لم تتحقق‪ ،‬وذلك على الشكل التالي‪:‬‬
‫ـ تكون جناية حسب الفصول ‪ .70‬و ‪ .71‬و ‪ .75‬و‪ .79‬و‪ .78‬بحيث تتراوح العقوبة‬
‫مابين خمس وعشر سنوات وتشدد متى اقترنت بعمل تحضيري أو بدء في التنفيذ حيث تصل‬
‫إلى ثالثين سنة وقد تصل إلى اإلعدام متى تعلق األمر بمؤامرة ضد حياة الملك أو شخصه‪9‬‬
‫ـ تكون جنحة حسب ما أقرته مقتضيات الفصل ‪ .77‬من ق ج والذي عاقب كل من دعا‬
‫للتآمر ولم تقبل دعوته وكان موضوعها القضاء على النظام أو إقامة نظام آخر مكانه أو‬
‫تغيير الترتيب لوراثة العرش أو دفع الناس إلى حمل السالح ضد سلطة الملك حسب‬
‫مقتضيات الفصل ‪ .9.‬ق ج‪ ،‬وذلك بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات‪9‬وأيضا الحاالت‬
‫التي أقرها الفصل ‪ .7.‬وهي الحبس من سنة غلى خمس سنوات أو من ستة أشهر غلى‬
‫سنتين وغرامة وذلك حسب ما لو تعلق األمر بإهانة موجهة للملك أو ألحد أعضاء األسرة‬
‫المالكة‪9‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬العدول عن تنفيذ المؤامرة‬


‫األصل أن المؤامرة تقوم بمجرد اتفاق أطرافها على ارتكاب الجريمة‪ ،‬لكن متى قرر أحد‬
‫المتآمرين العدول والتراجع اختياريا ً عن هذا االتفاق‪ ،‬هل تقوم الجريمة في حقه ؟ اختلف‬
‫الفقه في الجواب على هذا السؤال ‪ ،‬فمنهم من يعتبر أن المؤامرة تتحقق بمجرد حصول‬
‫االتفاق ‪ ،‬وال مجال لالعتداد بعد ذلك بعدول المتآمرين أو بعدول أحدهم‪ ،‬كونه ال يعدو أن‬
‫يكون مجرد ندم الحق بعد إتمام الجريمة‪ 9‬وسندهم في ذلك أن المشرع ال يعاقب المتآمر الذي‬
‫يقوم بإخبار السلطة بوجود مؤامرة وذلك قبل البدء بأي فعل إلتمامها وتنفيذها‪ 9‬ومنهم من‬
‫يرى أنه ال مجال لمعاقبة من يعدل من المتآمرين عن اتفاقه قبل الشروع في تنفيذ المؤامرة‪9‬‬
‫وحجتهم في ذلك أن عدول المتآمر معناه أنه ال يكون متفقاً‪ ،‬أي إن اتفاقه كان عرضيا ً ولم‬

‫‪ 18‬ـ قرار المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،74.‬الصادر بتاريخ ‪ ..‬ماي ‪ ،..95‬منشور بمجلة القضاء والقانون عدد ‪، 9899.‬ص‪19.:‬‬
‫يكن مصمما عليه‪ ،‬والقانون ال يجرم االتفاق العرضي‪ ،‬وإنما يمجرم االتفاق الذي يكون‬
‫جديا ومصمما عليه ويدوم ويستمر إلى أن يتم اكتشافه‪ 9‬وعليه فإن معاقبة من يعدل من‬
‫المتآمرين عن اتفاقهم يكون بمثابة المشجع والدافع لهم إلى تنفيذ مخططهم واتفاقهم‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن عدول المتآمرين عن ارتكاب جريمتهم ال يؤدي إلى سقوط المؤامرة التي قامت‬
‫من الناحية القانونية‪ ،‬ألن العدول طوعا عن جريمة قد ارتكبت ال يكون ممكنا‪ ،‬وألن العدول‬
‫االختياري ينصرف في هذه الحالة إلى عدم اقتراف جريمة أخرى وهي جريمة االعتداء‬
‫والذي يعتبر ندما حيث ال يكون له أي أثرعلى قيام المسؤولية الجنائية لمقترفي الفعل‬
‫اإلجرامي وال على العقاب أو اإلفالت منه‪9‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫جريمة االعتداء‬

‫الفقرة األولى‪ :‬معنى االعتداء‬


‫االعتداء لغة معناه المساس بحق من الحقوق الخاصة بالفرد كحقه في الحياة و حقه في‬
‫السالمة الجسدية‪ ،‬وحقه في امتالك األم)وال‪ ،‬فالقاتل حينما يرتكب جريمة قتل فهو بهذا يكون‬
‫قد اعتدى على حياة المقتول المجني عليه وحرمه بالتالي من حقه في الحياة‪ ،‬وإذا لم يقتله‬
‫يكون قد هدده في العيش بسالم ‪ ،‬واللص حينما يسرق مال غيره فإنه يكون قد اعتدى على‬
‫ملك هذا الغير ‪9‬‬
‫أما من الناحية القانونية‪ ،‬فقد عرف هذا المفهوم تطورا كبيرا قبل أن يستقر به األمر على‬
‫ما هو عليه اليوم‪ ،‬ففي القرن ‪ .5‬والى بداية القرن ‪ (..‬مع صدور مدونة نابليون سنة ‪.8.2‬‬
‫) كان مصطلح " اعتداء" يعني الشروع أو المحاولة‪ ،‬بحيث أن من كان ينوي قتل آخر أو‬
‫يقوم بعمل أو فعل من شأنه أن يزهق روح هذا األخير لكنه ال ينجح يعتبر معتديا ومرتكبا‬
‫لجريمة " االعتداء" على هذ ا األساس‪ ،‬وهكذا كان األمر بالنسبة لباقي األفعال التي يعتبر‬
‫مجرد المحاولة للقيام بها محققا لها وبالتالي سببا كافيا لتوقيع العقوبة على الفاعل‪ 9‬فالقاعدة‬
‫هي أن الفاعل ادا لم يحقق النتيجة المتوخاة من عمله أو نشاطه اإلجرامي تكون الجريمة تامة‬
‫أما إذا لم يحقق ذلك ألي سبب خارجي وأن الشروع والبدء في تنفيذه نشاطه يسمى اعتداءا‬
‫‪19‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن االعتداء لم يكن له أي تنظيم قانوني يحدد عناصره أو القواعد والضوابط‬
‫التي تحكمه ويخضع لها في تنظيمه وذلك راجع إلى الدور الذي كانت تلعبه سلطة القاضي‬
‫التقديرية واتي كان يتمتع بها في تقريره لألحكام ‪ ،‬إضافة إلى أن االعتداء ال يتطلب تحققه‬
‫البدء في تنفيذ الفعل كما هو األمر حاليا وإنما يتحقق بمجرد القيام بأي عمل تحضيري ـ أي‬
‫الشروع البعيد ـ وباالتفاق الجنائي على القيام به‪9‬‬
‫وبناء على ما سبق ‪ ،‬فان مفهوم االعتداء في القانون المغربي ال يختلف عما هو عليه في‬
‫القانون المقارن وخاصة القانون الفرنسي‪ ،‬وعليه فان االعتداء في القانون المغربي يشمل‬
‫بعض جرائم أمن الدولة سواء كانت تامة أو جاءت في صورة محاولة‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان جريمة االعتداء‬


‫أوال‪ :‬الركن المادي‬
‫يقوم الركن المادي لجريمة االعتداء بإتيان الفاعل نشاطا ماديا يشكل محاولة‪ ،‬بحيث أن‬
‫مجرد المحاولة يكون كافيا لتحقق الجريمة بصريح نص المادة ‪ .72‬من القانون الجنائي التي‬
‫تقول‪:‬‬
‫" يتحقق االعتداء بمجرد وجود محاولة معاقب عليها"‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فان النشاط اإلجرامي المكون للركن المادي لالعتداء ال يشترط فيه تحقيق النتيجة‬
‫اإلجرامية التي يريدها الفاعل‪ ،‬بل يكفي أن تتوفر شروط المحاولة المنصوص عليها في‬
‫‪20‬‬
‫الفصل ‪ ..5‬من قج‪9‬‬
‫والمالحظ من خالل ما سبق أن‪:‬‬

‫‪ 19‬ـ د العلمي عبد الواحد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪:‬‬


‫‪ 20‬ـ ادا كان المشرع المغربي قد اشترط تعدد األشخاص في جريمة المؤامرة فانه بالنسبة لجريمة االعتداء غير مشترط لقيام الركن المادي بحيث‬
‫يكفي فرد واحد لتحققها‪9‬‬
‫& جريمة االعتداء ال تتحقق باألعمال التحضيرية أو التمهيدية لدلك‪ ،‬بل البد من البدء في‬
‫تنفيذ الجريمة‪ ،‬ودلك إما بالشروع في إتيان فعل االعتداء أو بإتيان أعمال ال لبس فيها تهدف‬
‫تحقيق النتيجة اإلجرامية‪9‬‬
‫والمعيار المعتمد علي ه للتمييز بين العمل التحضيري أو التمهيدي‪ ،‬والشروع أو البدء في‬
‫التنفيذ الذي ال لبس فيه والدي يعتبر محاولة هو نفس المعيار الذي تمت دراسته ضمن‬
‫المقتضيات الخاصة بالقسم العام للقانون الجنائي‪ ،‬والتي تميز بين العمل التحضيري‬
‫والشروع في المحاولة‪9‬‬
‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن اعتبار الفعل أو النشاط عمال تحضيرا أو بدءا في‬
‫التنفيذ يشكل جريمة اعتداء هو مسألة من مسائل القانون التي تخضع لمراقبة المجلس األعلى‬
‫وليس للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع‪9‬‬
‫& اعتبار المشرع الفعل المشكل للمحاولة اعتداء معاقب عليه واستبعاده لألعمال التحضيرية‬
‫من هدا النطاق‪ ،‬ليس معناه استبعاد محاوالت االعتداءات المكونة لجنحة من الجنح من‬
‫العقاب‪921‬‬
‫& أنه كلما كان النشاط اإلجرامي مكونا لمحاولة معاقب عليها تتحقق جريمة االعتداء بغض‬
‫النظر عن صور هده المحاولة سواء كانت موقوفة أو خائبة أو كانت مستحيلة ( المواد ‪..5‬‬
‫و ‪ ..7‬من القانون الجنائي )‪ 9‬كما أنه متى تخلف ركن من أركانها فان االعتداء ال يتحقق وال‬
‫يقوم‪ 9‬وعليه‪ ،‬ادا عدل الشخص عن إتمام فعله أو نشاطه اإلجرامي عدوال اختياريا دون تدخل‬
‫أي سبب أجنبي أو خارجي‪ ،‬فال يمكن مساءلته لعدم اكتمال الركن المادي الذي ال يقوم إال‬
‫بإتيان نشاط يحقق محاولة‪9‬‬

‫المشاركة في جريمة االعتداء‬

‫‪ 21‬ـ وقد اختلف الفقه في هدا الصدد‪ ،‬فجانب منه يرى بأن عبارة " معاقب عليها " الواردة في المادة ‪ ..5‬و ‪ ..4‬من القانون الجنائي تفيد عدم‬
‫المعاقبة على األعمال التحضيرية‪ ،‬وكذلك تحقق العقاب على محاولة االعتداء ادا كان القانون يعاقب عليها‪ ،‬والمادتان ‪ ..5‬و ‪ ..4‬من قج تعاقبان‬
‫على المحاولة في الجنايات بصفة مطلقة وفي الجنح ادا وجد نص قانوني يقضي بدلكن مما يعني أن االعتداء ادا كان جنحة في الفصل ‪ 1/.97‬فال‬
‫عقاب على محاولتها النعدام النص‬
‫د أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،..89‬ص‪958:‬‬
‫في حين يرى جانب آخر أن المشرع ا‘ تمد في هده الحالة لمعاقبة الجاني النتيجة المحققة بغض النظر عن قصده‪ ،‬والجرائم التي يعاقب فيها المشرع‬
‫عن النتيجة فقط باستقالل عن قصد الجاني ال تتصور فيها المحاولة‪9‬‬
‫د العلمي عبد الواحد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪919:‬‬
‫على الرغم من أن جريمة االعتداء تتحقق بمجرد قيام محاولة معاقب عليها‪ ،‬فان االشتراك‬
‫فيها ممكن ودلك اعتمادا على ما هو مقرر في نص المادة ‪ .0.‬من القانون الجنائي‪ ،‬التي‬
‫اعتبرت مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها‪ ،‬ولكنه أتى أحد‬
‫األفعال اآلتية‪:‬‬
‫‪ .‬ـ أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه‪ ،‬ودلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة أو‬
‫استغالل سلطة أو والية أو تحايل أو تدليس إجرامي‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ قدم أسلحة أوأد وات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل‪ ،‬مع علمه بأنها‬
‫ستستعمل لدلك‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في األعمال التحضيرية أو األعمال المسهلة‬
‫الرتكابها‪ ،‬مع علمه بدلك‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الدين‬
‫يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال‬
‫مع علمه بسلوكهم اإلجرامي‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فانه ال يشترط للمعاقبة على االشتراك في االعتداء حصول النتيجة المستهدفة من‬
‫طرف الجاني‪ ،‬وإنما يكفي أن يأتي الفاعل األصلي نشاطا معاقبا عليه وحتى إن لم تتحقق‬
‫النتيجة وبقيت عبارة عن محاولة‪ 9‬وعليه‪ ،‬فانه يعتبر شريكا من قام بأحد األنشطة المذكورة‬
‫في المادة ‪ .0.‬من قج مع علمه بأنه ستستعمل لدلك‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬


‫تعتبر جريمة االعتداء من الجرائم العمدية التي تستدعي ضرورة تحقق الركن المعنوي‬
‫والذي بدوره لن يتحقق إال إذا أتى الجاني النشاط اإلجرامي المكون للركن المادي عن علم‬
‫وإرادة‪ ،‬أي أن يكون عالما ومريدا تحقيق األهداف واألفعال المنصوص عليها في الفصول‬
‫‪ 9.97 9.99 9.94 9.919.95‬و ‪ 02.‬من القانون الجنائي‪922‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي‬

‫‪ 22‬ـ تتميز المادة الجنائية بالحرية في اإلثبات حيث يكون للنيابة العامة \أن تثبت وجود القصد الجنائي فلجريمة االعتداء بكافة طرق اإلثبات‪9‬‬
‫وهو ما أكده القضاء المغربي بقوله‪:‬‬
‫" وحيث أن الفصل ‪ 088‬من (ق‪9‬م‪9‬ج) ينص على انه يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل االثبات ما عدا األحوال التي يقضي القانون فيها‬
‫بخالف ذلك ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم‪.‬‬
‫وحيث أن جرائم المس بسالمة أمن الدولة الداخلية المتابع من أجلها المتهمون لم يحدد فيها القانون وسيلة معينة الثباتها فمرد األمر اذن الى االعتقاد‬
‫الصميم بناء على ما جرى فيا لتحقيق وراج في جلسات الحكم‪.‬‬
‫وحيث أن لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير الدالئل التي تقدم لها"‪9‬‬
‫قرار محكمة االستيناف بالرباط‪ ،‬ملف عدد ‪ 420/91:‬بتاريخ ‪ .9‬دجنبر ‪9..91‬‬
‫دراستنا في هذا الصدد سوف تقتصر على جريمتي التجسس والخيانة باعتبارهما من أخطر‬
‫وأقدم الجرائم التي تمس بأمن الدولة الخارجي‪9‬‬

‫معنى الخيانة والتجسس‬


‫أوال‪ :‬الخيانة‬
‫يقصد بالخيانة‪ ،‬حسب تعريف الفقه‪ ،‬نقض العهد بكيفية ماكرة والتي تكون بين فرد وفرد‬
‫آلخر كما يمكن أن تكون بين الفرد والدولة والتي يقوم المواطن بنقض العهد والوالء‬
‫واإلخالص لوطنه المفروض عليه دستوريا‪ 9‬وتعتبر الخيانة في السنة و القرآن معصية‬
‫كبيرة‪ ،‬ورغم ذلك فهي ال تعد في التشريع الجنائي اإلسالمي من جرائم الحدود والقصاص‬
‫وإنما يكون لإلمام وحده تحديد العقاب المناسب للخائن والتي قد تصل إلى حد القتل‪923‬‬
‫وبالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي المغربي المنظمة للخيانة ( الفصلين ‪ .8.‬و ‪.80‬‬
‫)‪ 24‬نجد المشرع لم يعط تعريفا لمصطلح الخيانة وإنما اكتفى بذكر األعمال التي يعتبر إتيانها‬
‫خيانة‪ ،‬والتي جاءت على سبيل الحصر لخطورتها ولتشديد العقوبة فيها‪9‬‬

‫‪23‬‬
‫وقد قسم اإلسالم الجرائم على ثالثة أقسام‪ :‬جرائم الحدود‪ ،‬وجرائم القصاص‪ ،‬وجرائم التعزير‬

‫السرقة – – فجرائم الحدود هي التي تعاقب بالحد‪ ،‬والحد هو العقوبة المقررة حقا هلل تعالى‪ ،‬وهي سبع جرائم‪ :‬الزنا – القذف – الشرب‬
‫الحرابة – الردة – البغي‪ 9‬أما جرائم القصاص والدية فهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أو دية‪،‬أي أن العقوبة في هذه الحالة تكون‬
‫بتقدير حق لألفراد وهي خمس‪ :‬القتل العمد‪ ،‬القتل شبه العمد‪ ،‬القتل الخطأ‪ ،‬الجناية على ما دون النفس عمدا‪ ،‬الجناية على ما دون النفس‬
‫خطأ‪ ،‬ومعنى الجناية على ما دون النفس‪ ،‬اإلعتداء الذي ال يؤدي للموت كالجرح والضرب وعن جرائم التعزير فإنها الجرائم التي‬
‫يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير‪ ،‬و التعزير هو التأديب‪ ،‬وهي ار غير محددة كما خالفا لجرائم الحدود و جرائم‬
‫القصاص والدية‪ ،‬وعقوبتها غير مقدرة بحيث يبقى للقاضي السلطة في تحديد عقوبة كل جريمة بما يالئم ظروفها ‪ ،‬وقد أشارت‬
‫‪.‬الشريعة إلى بعضها من ذلك الربا وخيانة األمانة‪ ،‬والسب‪ ،‬والرشوة‪،‬‬

‫‪ 24‬ـ ينص الفصل ‪ .8.‬على تجريم خمسة أنواع من األفعال التي يعتبرها خيانة ويعاقب على القيام بها باإلعدام سماء ارتكبت وقت الحرب أو وقت‬
‫السلم‪ ،‬في حين أن الفصل ‪ .80‬ينص على ثالثة أنواع من األفعال والتي ال يعاقب باإلعدام عليها إال وقت الحرب‪9‬‬
‫في حين اعتبر قانون العقوبات الجزائري بموجب نص المادة ‪: 9.‬‬
‫" يرتكب جريمة الخيانة ويعاقب باإلعدام كل جزائري وكل عسكري أو بحار في خدمة الجزائر يقوم بأحد‬
‫األعمال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حمل السالح ضد الجزائر ‪،‬‬
‫‪ -‬القيام بالتخابر مع دولة أجنبية بقصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر أو بتقديم الوسائل الالزمة لذلك سواء بتسهيل دخول القوات‬
‫األجنبية إلى األرض الجزائرية أو زعزعت والء القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو بأية طريقة أخرى ‪9‬‬
‫‪ -‬تسليم قوات جزائرية أو أرض أو مدن أو حصون أو منشآت أو مراكز أو مخازن أو مستودعات حربية أو عتاد أو ذخائر أو مبان أو سفن أو‬
‫مركبات للمالحة الجوية مملوكة للجزائر أو مخصصة للدفاع عنها إلى دولة أجنبية أو إلى عمالئها‪،‬‬
‫وجريمة الخيانة ليست من الجرائم السياسية التي يكون الهدف األول فيها هو الدفاع عن‬
‫الحقوق السياسية والحريات العامة للمواطنين وكذا تسوية أوضاعهم والرفع من مستواهم‬
‫المعيشي‪ ،‬وإنما الدافع إليها يكون أنانيا وخاص بمن يقوم بذلك بحيث إما أنه يرغب في‬
‫الحصول على المال وإما في االنتقام‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬التجسس‬
‫يقصد بكلمة تجسس استقصاء األخبار واآلثار واإلطالع عليها بكيفية غير مشروعة‪،25‬‬
‫والتجسس كما يمكن أن يكون على األفراد يمكن أن يكون على الدولة وذلك لتقصي أخبارها‬
‫ومعرفة أحوالها في ميادين معينة وحساسة والقيام بتسليم تلك األخبار والمعلومات لدولة‬
‫أجنبية غالبا ما تكون عدوة للبلد الوطن‪9‬‬
‫وغالبا ما يكون للتجسس عالقة بالتطور الذي تعرفه الدولة في مختلف المجاالت على‬
‫كافة المستويات سواء التكنولوجي أو المستوى االقتصادي أو المستوى األمني‪ ،‬وخاصة‬
‫تتعلق بهذين المجالين‬ ‫على المستوى العلمي والعسكري بحيث أن تسليم أية معلومة‬
‫األخيرين للبلد العدو يكون له أثر كبير ومضاعفات خطيرة على أمن واستقرار بل أحيانا‬
‫حتى على سيادة الوطن‪9‬‬
‫وقد خصص القانون الجنائي المغربي الفصول ‪ .8.‬و ‪ .80‬و ‪ .84‬لجريمتي الخيانة‬
‫والتجسس والتي يتضح من أن المشرع قد تفادى وضع تعريف لهاتين الجريمتين واقتصر‬
‫من خالل مقتضياتها على اإلشارة إلى األفعال والوقائع التي يعتبر القيام بها خيانة أو تجسس‪9‬‬
‫كما يمكن‪ ،‬ومن خالل قراءة هذين الفصلين‪ ،‬مالحظة أن الفعل المشكل لجريمة الخيانة هو‬
‫نفسه الفعل المشكل لجريمة التجسس والخالف الوحيد بينهما يتمثل في أن الفعل األول يكون‬
‫مرتكبه مغربيا‪ ،‬بينما الفعل الثاني يكون مرتكبه أجنبيا‪ ،‬وبالتالي قان وصف الجريمة على‬
‫أنها خيانة أم تجسس يرتبط بصفة الفاعل والمرتكب لهذه الجريمة‪9‬‬

‫‪ -‬إتالف أو إفساد سفينة أو سفن أو مركبات للمالحة الجوية أو عتاد أو مؤن أو مبان أو إنشاءات من أي نوع كانت ذلك بقصد اإلضرار بالدفاع‬
‫الوطني أو إدخال عيوب عليها أو التسبب في وقوع حادث وذلك تحقيقا ً لنفس القصد‪99‬‬

‫‪ 25‬ـ عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪4.:‬‬


‫وفي نفس االتجاه خص المشرع الجزائري المادة ‪ 95‬من قانون العقوبات لجريمة التجسس‬
‫حيث جاء فيها‪:‬‬

‫" يرتكب جريمة التجسس ويعاقب باإلعدام كل أجنبي يقوم بأحد األفعال المنصوص عليها‬
‫في الفقرات ‪ 0‬و‪ 1‬و‪ 5‬من المادة ‪ 9.‬وفي المادة ‪ 90‬ويعاقب من يحرض على إرتكاب إحدى‬
‫الجنايات المنصوص عليها في هذه المادة والمواد ‪ 9.‬و ‪ 90‬و‪ 91‬أو يعرض إرتكابها‬
‫بالعقوبة المقررة للجناية ذاتها"‪9‬‬

‫وعموما‪ ،‬فقد تشدد المشرع كثيرا في توقيع العقوبة على الخائن والتي هي اإلعدام‪ ،‬وذلك‬
‫راجع لكون هذ ا األخير يعتبر ناكرا للجميل وخائنا للعهد الذي يربطه بوطنه‪ ،‬ويكون بعمله‬
‫هذا السبب الرئيسي في إلحاق األذى والضرر بوطنه وكذلك بباقي المواطنين‪9‬‬

‫المبحث األول‬
‫جريمة حمل السالح ضد المغرب‬

‫تعرضت لهذه الجريمة المادة ‪ .8.‬من قج في فقرتها األولى بقولها‪:‬‬


‫" يؤاخذ بجناية الخيانة‪ ،‬ويعاقب باإلعدام‪،‬كل مغربي ارتكب‪ ،‬في وقت السلم أو في وقت‬
‫الحرب‪ ،‬أحد األفعال اآلتية‪:‬‬
‫‪ .‬ـ حمل السالح ضد المغرب"‪9‬‬
‫والمالحظ من خالل هذا النص أن المشرع اعتبر هذه الجريمة جناية ووصفها بالخيانة متى‬
‫ارتكبها المغربي وذلك سواء تم الفعل في وقت الحرب أو في وقت السلم حيث عاقب عليها‬
‫باإلعدام‪ 9‬كما أنه استثنى في المادة ‪ .84‬من نفس القانون واقعة حمل السالح ضد المغرب‬
‫من أن تعتبر تجسسا متى اقترفها أجنبي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬يكون هذا النشاط جريمة خيانة في القانون‬
‫المغربي دون أن يشكل جريمة تجسس اذا ما ارتكبه أجنبي‪9‬‬
‫أركان جريمة حمل السالح ضد المغرب‬
‫أوال‪ :‬الركن المادي‬
‫يتحقق الركن المادي في جريمة حمل السالح ضد المغرب متى كانت جنسية الفاعل مغربية‪،‬‬
‫أي اتصاف الجاني بصفة مغربي‪ ،‬وبحمل هدا األخير للسالح ضد المغرب‪9‬‬
‫‪ .‬ـ شرط الجنسية المغربية‬
‫فيما يخص الشرط المتعلق بصفة المغربي فقط جاء دلك واضحا في الفصل ‪ .8.‬قج الذي‬
‫أدان كل شخص يحمل الجنسية المغربية بجريمة الخيانة‪ ،‬سواء كانت هذه الجنسية مكتسبة‬
‫بطريقة ‪:‬‬
‫‪26‬‬
‫بتوفر الشروط التي أقرها القانون‬ ‫‪ .‬ـ أصلية عن طريق النسب أو االزدياد بالمغرب‬
‫والمتمثلة فيما يلي‪:‬‬

‫ـ ضرورة ازدياد كل من األب واألم بالمغرب ‪ ،‬والمقصود ب " في المغرب" مجموع‬


‫التراب المغربي والمياه اإلقليمية المغربية والسفن والطائرات لتي لها جنسية مغربية (‬
‫الفصل ‪ 4‬من قانون الجنسية المغربي)‪9‬‬

‫ـ أن يتم االزدياد بعد دخول قانون الجنسية حيز التطبيق‪9‬‬

‫‪ 26‬ـ ينص الفصل ‪ 9‬من ظهير ‪ 9‬شتنبر ‪ ..48‬المتعلق بالجنسية المغربية على ما يلي‪:‬‬
‫" يعتبر مغربيا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الولد المنحدر من أم مغربية وأب مجهول‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬الولد المزداد من أم مغربية وأب مجهول"‪9‬‬
‫كما ينص الفصل ‪ 7‬من نفس القانون على أنه‪:‬‬
‫" يعتبر مغربيا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الولد المزداد في المغرب من أم مغربية وأب ال جنسية له‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬الولد المزداد في المغرب من أبوين مجهولين‪ 9‬غير أن الولد المزداد في المغرب من أبوين مجهولين يعد كأنه لم يكن مغربيا قط‪ ،‬ادا ثبت‬
‫خالل قصوره‪ ،‬أن نسبه من أجنبي وكان يتمتع بالجنسية التي ينتمي إليها هدا األجنبي طبق قانونه الوطني"‪9‬‬
‫ـ وأن يكون كل من األب واألم مزدادين بالمغرب ‪،‬فال يكفي ازدياد أحدهما بالمغرب دون‬
‫اآلخر‪9‬‬

‫‪ 0‬ـ أوعن طريق التجنس وذلك بحكم القانون أو عن طريق الزواج‪ 9‬والمالحظ أن المشرع‬
‫المغربي أقر التحاق أحد الزوجين بجنسية اآلخر ـ حينما يتعلق األمر بزواج مختلط ‪ -‬بالنسبة‬
‫للزوجة فقط دون الزوج‪ ,‬وهو ما أشارت إليه الفقرة األولى من الفصل ‪ .2‬من قانون‬
‫الجنسية التي جاء فيها ‪ " " :‬يمكن للمرأة األجنبية المتزوجة من مغربي بعد مرور خمس‬
‫سنوات على األقل على إقامتهما معا في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة أن تتقدم أثناء قيام‬
‫العالقة الزوجية إلى وزير العدل بتصريح الكتساب الجنسية المغربية‪" .‬‬

‫فالزوجة األجنبية يمكنها الحصول على جنسية زوجها المغربي‪ ,‬وال يمكن للزوج األجنبي‬
‫أن يحصل على جنسية زوجته المغربية عن طريق الزواج ‪ ،‬ولكن يجب أن يسلك طريقا آخر‬
‫‪.‬وهو التجنيس متى استوفى الشروط القانونية للحصول على الجنسية المغربية‪9‬‬
‫وعلى أساس ما سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬يمكن القول بأن الشخص الذي ال جنسية له أو الذي‬
‫يكون في وضعية ال يسمح له فيها باكتساب الجنسية المغربية‪ ،‬ال يمكن اعتباره مغربيا؛‬
‫وبالتالي ال يمكن اعتبار حمله للسالح ضد المغرب جناية خيانة يعاقب عليها باإلعدام‪9‬‬
‫على أن اإلشكال يثور بالنسبة للشخص يحمل جنسيتين ويعطيه القانون الحق في اختيار‬
‫الجنسية التي يريد عند بلوغه سن الرشد‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة ألبناء المتجنس القاصرين‬
‫وذلك بمقتضى نص المادة ‪ .8‬من قانون الجنسية والتي تقضي في‬
‫فقرتها الثالثة بأنه‪:‬‬
‫"‪ 999‬يسوغ أن تمنح وثيقة التجنيس الجنسية المغربية ألبناء المتجنس القاصرين الغير‬
‫المتزوجين‪ ،‬غير أن األوالد القاصرين الدين كانوا يبلغون ‪ .9‬سنة على األقل في تاريخ‬
‫تجنيسهم يجوز لهم أن يتخلوا عن الجنسية المغربية بين السنة الثامنة عشرة والحادية والعرين‬
‫من عمرهم"‪ 9‬فمتى قام هذا األخير بحمل السالح ضد المغرب‪ ،‬هل يعتبر خائنا؟‪9‬‬
‫إن قراءة نص المادة ‪ .8‬تعني بأن المشرع يعتبر القاصر الذي لم يبلغ بعد سن ‪ .8‬سنة‬
‫مغربيا‪ ،‬وبالتالي فحمله للسالح بعد بلوغه هذه السن مع عدم اختياره لجنسية أبيه المتجنس‬
‫بالجنسية المغربية‪ ،‬معناه أنه مغربي وعلى ىذلك يعتبر مرتكبا لجناية الخيانة ضد بلده أي‬
‫جريمة حمل السالح ضد المغرب‪9‬‬
‫نفس الشيء بالنسبة لمن يحمل جنسيتين في نفس الوقت ( جنسية مغربية وأخرى فرنسية‬
‫مثال )‪ ،‬فقد اختلف الفقه بصدد اعتبار حمله للسالح ضد المغرب خيانة متى قام بذلك وهو‬
‫مدرك لما يفعل وغير مكره على ذلك‪ ،‬فجانب منه يقول بأنه يكون مغربيا ويجب مؤاخذته‬
‫على جريمة الخيانة طبقا للفصل ‪ .8.‬من القانون الجنائي‪ ،‬بينما الجانب اآلخر يعتبر بأن‬
‫حمل السالح من طرف شخص يحمل جنسيتين فيه إعالن عملي و مادي عن اتجاه نيته إلى‬
‫التخلي عن الجنسية المغربية لذلك ال يمكن مؤاخذته بجناية الخيانة‪9‬‬

‫‪ 0‬ـ شرط حمل السالح ضد المغرب‬


‫لكي يقوم الركن المادي في هذه الصورة من صور الخيانة يلزم أن يقوم المواطن بحمل‬
‫السالح ضد المغرب‪ ،‬فما المقصود بدلك؟‬
‫لقد أجمع الفقه الفرنسي في هذا الصدد على تفسير هذه العبارة تفسيرا واسعا لدرجة أنه‬
‫عاقب كل فرنسي انضم إلى جيش أجنبي معاد عن جناية الخيانة مهما كانت الخدمة أو العمل‬
‫الذي قام به داخل الجيش حتى وإن كان عمال يدويا كالطبخ أو التنظيف‪927‬‬
‫أما بالنسبة للفقه المغربي فقد كان تفسيره لهذا المفهوم أضيق من سابقه الفرنسي‪ ،‬حينما‬
‫اعتبر عبار ة حمل السالح ضد المغرب هو حمل المغربي للسالح فعال ضد بلده في دولة‬
‫معادية‪ ،‬سواء وقت الحرب أو وقت السلم‪ 9‬كما يعتبر إنجاز أية خدمة من أي نوع كانت‬
‫تساعد الجيش المعادي وتؤازره في مواجهة الجيش المغربي كتقديم االستشارات الفنية‬
‫والمعلومات الحربية والميدانية‪ ،‬وبصفة عامة كل خدمة تكون ضرورية للوصول إلى هدفه‬
‫وهو االنتصار حمل للسالح‪ 9‬أما الخدمات واألعمال البسيطة كالتمريض والكنس والتنظيف‬
‫فتخرج عن المعنى السابق وال تعتبر مشكلة لجريمة حمل السالح ضد المغرب‪9‬‬
‫على أننا نعتقد بأن هذه الخدمات‪ ،‬والتي يعتبرها بعض الفقه أعماال بسيطة‪ ،‬لها دورها‬
‫الغير البسيط والدي ال يستهان به في الرفع من معنويات الجيش المعادي‪ ،‬فمجرد هذا الكنس‬

‫‪ 27‬ـ وقد كان للحرب العالمية الثانية دورها في هدا التفسير الواسع الذي أصبغ على جريمة الخيانة وحمل السالح ضد فرنسا‪9‬‬
‫والتنظيف والتمريض يهيئ الظروف المناسبة والمالئمة للقيام بالعمل المطلوب من الجيش‬
‫وهو االنتصار وألن أبسط األمور أهمها‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬


‫يعتبر حمل الس الح ضد المغرب من الجرائم العمدية التي يشترط لقيامها ضرورة تحقق‬
‫القصد الجنائي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فان يشترط لقيام هذه الجريمة أن يتعمد الجاني حمل السالح وأن‬
‫يكون مدركا لما يقوم به وعالما به أيضا‪ ،‬بحيث اذا كان يجهل أنه مغربي مثال أو يعتقد أنه‬
‫ليس كذلك أو يحمل السالح ضد المغرب نتيجة غلط أو إكراه أو تدليس فانه ال يعتبر مذنبا‬
‫وبالتالي ال يعاقب على أساس أنه مرتكب لجريمة حمل السالح ضد المغرب‪9‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫جرائم اإلخالل بالثقة العامة‬

‫أشار المشرع المغربي إلى هذه الجرائم في الباب الثالث من الجزء األول من الكتاب الثالث‬
‫وسماها بالجنايات والجنح التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام‪ ،28‬وجرائم اإلخالل بالثقة‬
‫العامة من الجرائم التي يؤدي ارتكابها إلى زعزعة الثقة التي تكون بين األفراد والدولة من‬
‫خالل موظفيها وهي نوعين‪:‬‬
‫النوع األول يرتكب من طرف الموظفين العموميين ومن في حكمهم وتضم الرشوة‬
‫واستغالل النفوذ واالختالس‪9‬‬
‫النوع الثاني يرتكبه الموظفون وغير الموظفين وتلتقي في أن ركنها المادي يقوم على الكذب‬
‫وتغيير الحقيقة والخداع والتزييف واالنتحال‪9‬‬

‫‪ 28‬ـ والتي أشار إليها المشرع المصري في الفصل الثاني وأطلق عليها اسم الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬والمشرع اللبناني الذي‬
‫سماها بالجرائم الماسة باإلدارة ودلك في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاص‪9‬‬
‫على أنه تجب اإلشارة في هذا الصدد إلى أن تسميتها بالجرائم الموظفين ضد النظام العام‬
‫ليس معناه أنها ال ترتكب إال من طرف الموظفين العموميين‪ ،‬وإنما يمكن أن يرتكب البعض‬
‫منها من طرف أشخاص غير موظفين اي ليست لهمه صفة الموظف العمومي‪ ،‬من ذلك‬
‫جريمة استغالل النفوذ التي قد ترتكب من طرف الموظف وغير الموظف‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فرغبة من المشرع الجنائي في حماية المبادئ والقواعد التي يقوم على أساسها أداء‬
‫الوظيفة العمومية دفعته لتجريم العديد من مظاهر السلوك سواء كانت عبارة عن القيام بعمل‬
‫أم امتناعا عن عمل ومن بينها الرشوة والتزوير‪9‬‬

‫المبحث األول‬
‫الرشوة‬

‫يعد حسن سير اإلدارة ونزاهتها من األمور التي تعمل الدولة على ضمانها وذلك من‬
‫خالل اختيارها لموظفين يتولون القيام بهذه المهمة مقابل أجر يحصلون عليه ‪ ،‬فالخدمة أو‬
‫العمل الذي يتولى هذا الموظف القيام به‪ ،‬إنما يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة يلتزم‬
‫من خالله بأداء الواجب المفروض عليه وبعدم طلبه أوحصوله على أي مقابل إضافي من‬
‫صاحب المصلحة‪9‬‬
‫وعليه فكل محاولة من طرف الموظف في استغالل وظيفته أو العمل الملتزم به‬
‫واالستفادة بالتالي من مقابل إضافي ممن له مصلحة ‪،‬يكون سببا في عرقلة سيرها و يشكك‬
‫في نزاهتها حيث يصبح الحصول على الخدمة أو المصلحة قاصرا على القادرين من‬
‫المجتمع على أداء هذه العطية أو المبلغ المالي اإلضافي دون غيرهم ‪9‬‬
‫ويمكن تعريف الرشوة بأنها اتجار الموظف بوظيفته‪ ،‬وبتعبير آخر هي كل عمل أو‬
‫امتناع عن عمل يقوم على المتاجرة بالوظيفة الموكولة للموظف أو من في حكمه‪ ،‬أو اإلخالل‬
‫بأحد األعمال أو الواجبات التي عليه القيام بها أو االمتناع عن القيام بها ‪،‬وذلك مقابل منفعة‬
‫خاصة له أو لغيره كقبوله أو أخذه عطية أو وعدا أو طلبه لمنفعة أو هدية‪9‬‬
‫ويمكن أن نستخلص من هذا التعريف المستفاد من الفصول المنظمة لجريمة الرشوة أن‪:29‬‬
‫‪ .‬ـ أن المشرع عند تجريمه للرشوة اعتمد في ذلك على فكرة المتاجرة بالوظيفة أو المهمة‬
‫الموكولة للموظف‪ ،‬ألن في ذلك انحراف عن المقتضيات و القوانين المنظمة لهذه الوظيفة‬
‫والتي تجعل منها مصدرا للكسب غير المشروع‪ 9‬بتعبير آخر فقد اعتمد المشرع وهو ينظم‬
‫جريمة الرشوة على عنصر االتجار بالوظيفة من خالل انحراف الموظف عن الطريق‬
‫العادي في أداء مهمته وجعلها مصدرا للكسب غير المشروع ‪9‬‬

‫‪ 0‬ـ أن تحقق جريمة الرشوة يتطلب وجود طرفين وهما‪:‬‬


‫المرتشي وهو الموظف العام الذي يقبل أو يطلب منفعة خاصة له أو لغيره‪،‬‬
‫والراشي وهو صاحب المصلحة الذي يقوم بتقديم المنفعة أو يعد بها أو يقبل طلب الموظف‬
‫‪ 309‬وهنا وجبت اإلشارة إلى أن المشرع يجرم عرض الرشوة من جانب صاحب المصلحة‬
‫ولو لم يتم قبوله من طرف الموظف ويعاقب بالتالي على جريمة الراشي باعتبارها جريمة‬
‫مستقلة ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أن الركن المادي في جريمة الرشوة له طبيعة خاصة تقتضي البحث في سلوك كل‬
‫الفاعلين‪ ،‬على اعتبار أن العالقة التي تكون بين الراشي و المرتشي عبارة عن اتفاق غير‬
‫مشروع يتاجر بواسطته هذا األخير في عمله الوظيفي‪ 9‬لذلك فالمالحظ أن المشرع لم‬
‫يحصر هذا السلوك في تعريف محدد إنما جعله يشمل قيام الموظف أو من في حكمه بأداء‬
‫عمل أو االمتناع عن عمل من أعمال وظيفته والذي يكون في صورة اإلخالل بواجبات هذه‬
‫الوظيفة‪9‬‬
‫‪ 29‬ـ راجع الفصول من ‪ 058‬إلى ‪ 049‬من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬المقابلة للمواد ‪ 14.‬إلى ‪ 145‬من قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬والمواد من ‪.21‬‬
‫الى‪ ...‬من قانون العقوبات المصري‪9‬‬
‫‪ 30‬ـ أجمعت التشريعات المقار نة على تجريم الرشوة والعقاب عليها لكنها اختلفت في تنظيمها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فجانب اعتبر الرشوة تتكون من جريمتين‬
‫مستقلتين‪ ،‬وهما جريمة المرتشي الذي يجب أن يكون موظفا والتي يسميها الفقه الفرنسي بالرشوة السلبية‪ ،‬وجريمة الراشي الذي ال يشترط فيه أية‬
‫صفة بحيث متى قدم مقابال عن الخدمة التي يريد قضاءها للموظف اعتبر راشيا ويطلق على الرشوة في هده الحالة تسمية الرشوة االيجابية‪ 9‬ومن بين‬
‫هده التشريعات التشريع الفرنسي والتشريع اللبناني والتشريع المغربي‪9‬‬
‫أما الجانب الثاني‪ ،‬فيعتبر الرشوة جريمة واحدة يرتكبها الموظف العمومي الذي يستغل وظيفته وحده كفاعل أصلي‪ ،‬أما من يقدم له المقابل ألداء هده‬
‫الخدمة فيعتبر شريكا له وتسري عليه أحكام المشاركة‪ ،‬من بينها المشرع المصري واإليطالي‪9‬‬
‫والخالف الذي يمكن مالحظته بالنسبة لالتجاهين هو أنه في حالة رفض الموظف العمومي للرشوة فان الراشي ال يعاقب بالنسبة لالتجاه الثاني‪،‬‬
‫بينما في االتجاه األول فانه يبقى مستحقا للعقاب بالرغم من رفض قبول الرشوة من طرف الموظف‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ أن تحقق جريمة الرشوة لم يعد مقتصرا على ارتكابها من طرف الموظف العمومي‪ ،‬بل‬
‫إن نطاقها امتد ليشمل طوائف أخرى من األشخاص الذين ال يتقلدون وظيفة عمومية ليشمل‬
‫حتى العاملين في المشروعات الخاصة ‪9‬‬
‫وقد اختلفت التشريعات في تنظيمها لجريمة الرشوة حيث انقسمت إلى اتجاهين أحدهما يعتد‬
‫بنظام وحدة تجريم الرشوة واآلخر يأخذ بنظام ازدواجية التنظيم‪:‬‬
‫أ ـ نظام وحدة الرشوة‪:‬‬
‫حسب هذا االتجاه تعتبر الرشوة جريمة واحدة ‪ ،‬يكون من خاللها الموظف المرتشي‬
‫والراشي متساويين من حيث ارتكاب الجريمة وكذا من حيث المعاقبة عليها؛ ‪ ،‬أي أن الراشي‬
‫والمرتشي حسب هذا النظام إما أن يكونان معا فاعالن أصليان في جريمة الرشوة أو أن‬
‫أحدهما يكون فاعال أصليا وهو المرتشي واآلخر يكون شريكا وهو الراشي ‪9‬و يتمثل األساس‬
‫الذي يعتمده هذا االتجاه في األخذ بهذا النظام في أن جوهر الرشوة هو االتجار بأعمال‬
‫الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما ال يمكن تصور وقوعه إال من طرف الموظف ‪،‬‬
‫فالمرتشي إذن هو الذي يجسد الرشوة ألنه يخل بواجبات األمانة التي تلقيها الوظيفة على‬
‫عاتقه ‪9‬أما الراشي أو الوسيط بين الراشي و المرتشي فكالهما يعتبر شريكا متى توفرت‬
‫شروط المشاركة ‪ 9‬ويأخذ بهذا النظام العديد من التشريعات من بينها المشرع اللبناني‬
‫واإليطالي والمصري من خالل المادة ‪ .21‬التي جاء فيها‪:‬‬
‫" كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية ألداء عمل من‬
‫أعمال وظيفته يعد مرتشيا ويعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة ال تقل عن ألف جنيه وال‬
‫تزيد على ما أعطى أو وعد به"‪9‬‬
‫وجاء في المادة ‪ .27‬مكرر‪ ":‬يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك‬
‫يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا اخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها"‬
‫ب ـ نظام ازدواجية تنظيم الرشوة ‪:‬‬
‫ويعتمد الثنائية في التنظيم من حيث اعتبار جريمة الراشي مستقلة عن جريمة المرتشي‪9‬‬
‫وفي هذا الصدد ميز الفقه بين الرشوة السلبية وهي التي تقع من جانب الموظف العام‬
‫بطلب أو قبوله للوعد أو عن طريق األخذ و ذلك ألداء عمل من أعمال وظيفته أو االمتناع‬
‫عن أداءه‪9‬‬
‫والرشوة االيجابية و هي تلك التي تقع من جانب صاحب المصلحة بإعطائه المقابل‬
‫للموظف العام أو عرضه عليه أو وعده به‪9‬‬
‫فحسب هذا االتجاه تكون كل جريمة مستقلة عن األخرى من حيث األحكام التي تنظمها‬
‫سواء تعلق األمر بالمسؤولية أو بالعقوبة المقررة لكل منهما‪ 9‬وذلك ألن الراشي ال يعد‬
‫مشاركا وال مساهما في عمل المرتشي بل فاعال أصليا لفعل مستقل عن فعله‪ 9‬ومن‬
‫التشريعات التي تأخذ بهذا النظام التشريع األلماني والعراقي والسوداني و الفرنسي‬
‫والمغربي‪9‬‬

‫ويمكن اعتبار الرشوة من الجرائم التعزيرية في النظام الجنائي اإلسالمي‪ ،‬وأدلة تحريمها‬
‫ثابتة بالكتاب والسنة‪ 931‬فالرشوة ال تستقيم مع أي من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وتتعارض‬
‫مع ما يمكن اعتباره قواعد تنظيم عالقة المحكومين بالحكام وعمال الدولة‪932‬‬
‫وعموما‪ ،‬سوف نبحث الرشوة من خالل التعرض لكل من عناصر جريمة المرتشي في‬
‫الفقرة األولى‪ ،‬وعناصر جريمة الراشي في الفقرة الثانية‪ ،‬ثم عقوبة الرشوة في الفقرة الثالثة‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عناصر جريمة المرتشي‬


‫يستفاد من نص الفصل ‪ 058‬والذي جاء فيه‪:‬‬

‫" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من‬
‫خمسة آالف درهم إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة‬
‫‪:‬أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل‬

‫‪ 31‬ـ يقول عز وجل في كتابه الحكيم‪:‬‬


‫" وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون"‪9‬اآلية ‪ .87‬من سورة البقرة‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫" لعن رسول هللا صلى ـ هللا عليه وسلم ـ الراشي والمرتشي‪ ،‬والراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل‪ ،‬والمرتشي اآلخذ"‪9‬‬
‫‪ 32‬ـ االستاد عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ ..5. ،‬القاهرة‪،‬ص‪9042:‬‬
‫‪ .‬ـالقيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو‬
‫االمتناع عن هذا العمل‪ ،‬سواء كان عمال مشروعا أو غير مشروع‪ ،‬طالما أنه غير مشروط‬
‫بأجر‪ 9‬وكذلك القيام أو االمتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إال أن‬
‫‪.‬وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله‬

‫‪ 0‬ـ إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده‪ ،‬وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته‬
‫‪.‬السلطة اإلدارية أو القضائية أو اختاره األطراف‬

‫‪ 1‬ـ االنحياز لصالح أحد األطراف أو ضده‪ ،‬وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو‬
‫‪.‬أحد أعضاء هيئة المحكمة‬

‫‪ 5‬ـ إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات‬
‫كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب‬
‫‪.‬أسنان أو مولدة‬

‫إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر‬
‫سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم‪ ،‬دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة‬
‫المقدمة أو المعروضة"‪9‬‬

‫والفصل ‪ 05.‬من القانون الجنائي الذي يقول‪:‬‬


‫" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة‪ ،‬ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وبغرامة من خمسة‬
‫آالف درهم إلى مائة ألف درهم؛ كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل‪ ،‬من أي نوع‬
‫كان طلب أو قبل عرضا أو وعدا‪ ،‬أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو‬
‫مكافأة‪ ،‬مباشرة أو عن طريق وسيط‪ ،‬دون موافقة مخدومه ودون علمه‪ ،‬وذلك من أجل القيام‬
‫بعمل أو االمتناع عن عمل من أعمال خدمته أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية‬
‫ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله‪.‬‬
‫إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون عقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر‬
‫سنوات‪ ،‬والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم‪ ،‬دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة‬
‫‪.‬المقدمة أو المعروضة"‪9‬‬

‫بأن تحقق جريمة المرتشي واقعا وقانونا تقتضي توفر العناصر التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬صفة المرتشي‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المادي أي الفعل الصادر عن المرتشي‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬الركن المعنوي أي القصد الجنائي‪9‬‬
‫إضافة إلى الركن القانوني والذي تجسده المادتان أعاله بتجريمهما المتاجرة في الوظيفة أو‬
‫الخدمة الموكولة لكل من توفرت فيه الصفة المحددة في النص‪ ،‬وكذلك بتقريرهما للعقاب‬
‫المناسب لكل فئة من هذه الفئات‪9‬‬

‫أوال‪ :‬شرط الصفة‬


‫تعتبر الرشوة من جرائم دوي الصفة‪ ،‬أي الجرائم التي ال يمكن تصور وقوعها إال ادا توفرت‬
‫في من يرتكبها الصفة التي يشترطها القانون لدلك‪ 9‬وهي بهذا جريمة طائفة معينة من‬
‫األشخاص الدين جاء ذكرهم في القانون على سبيل الحصر‪ ،33‬اضافة إلى ذلك يجب أن‬
‫يكون هدا الشخص مختصا بالعمل أو االمتناع عن العمل الذي ارتشي من أجله أو تلقى‬
‫المقابل للقيام به أو االمتناع عن دلك‪ ،‬أو أن تكون الوظيفة التي يقوم بها قد سهلت له القيام‬
‫بذلك‪9‬‬

‫‪ 1‬ـ أن يكون المرتشي ممن يمكنهم ارتكاب" جريمة المرتشي"‪:‬‬


‫حدد القانون الجنائي طائفة األشخاص الممكن أن يرتكبوا جريمة المرتشي في‪:‬‬
‫أ ـ الموظفين العموميين‬
‫ب ـ القضاة المحلفون وأعضاء هيئة المحكمة‬
‫ت ـ المحكمون الخبراء‬
‫ج ـ المتولون لمراكز نيابية‬

‫‪ 33‬ـ راجع الفصلين ‪ 058‬و ‪ 05.‬من القانون الجنائي المغربي‪9‬‬


‫د ـ األطباء والجراحون وأطباء األسنان والمولدات‬
‫ع ـ العمال والمستخدمون والموكلون‬

‫أ ـ الموظف العمومي‬
‫قد يظهر للوهلة األولى أن تحقق هذا المقتضى أو الشرط ال يطرح أي إشكال يمكن أن يثار‪،‬‬
‫لكن الحقيقة غير ذلك مادام أن تطبيقه في المجال العملي ال يخلو أحيانا من إثارة بعض‬
‫الصعوبات‪ ،‬ويرجع ذلك باألساس إلى أن تعريف الموظف العمومي وتحديد فكرة‬
‫االختصاص في مجال الوظيفة من المقتضيات التي يختص بتنظيمها القانون اإلداري وليس‬
‫القانون الجنائي وإن أشار إلى ذلك‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬و لكي تستكمل جريمة المرتشي أركانها يجب أن يكون الفاعل موظفا عموميا‪،‬أو أن‬
‫يكون ممن يدخل في حكم الموظف العمومي‪ ،‬فمن هو الموظف العمومي؟‪9‬‬
‫يتنازع تعريف الموظف العمومي في القانون المغربي تعريفان‪ ،‬األول وهو ما جاء به‬
‫القانون اإلداري بمقتضى ظهير ‪ 05‬فبراير ‪ ..48‬المتعلق بالنظام األساسي للوظيفة‬
‫العمومية ودلك في المادة الثانية منه والتي جاء فيها‪:‬‬
‫" يعد موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص‬
‫بأسالك اإلدارة التابعة للدولة‪"9‬‬
‫وحسب هذا التعريف فالموظف العمومي يعتبر كذلك‪:‬‬
‫= إذا تقلد وظيفة عامة من قبل سلطة تملك حق تعيينه قانونا وبطريقة مشروعة وفقا للقانون‬
‫وبقرار من هذه السلطة المختصة‪ ،‬كما لو كان يعمل في وزارات الحكومة أو في مصالحها أو‬
‫األجهزة التابعة لها‪ ،‬أو من يعمل في المرافق العامة التابعة للدولة وذلك بغض النظر عن‬
‫المهمة التي يتوالها أو المكانة التي تكون له داخل اإلدارة‪ ،‬أو نطاق اختصاصه مادام أن كل‬
‫من يعمل في اإلدارة له دور فيها قد يساء استغالله ألجل غايات مخالفة للشرف المهني‬
‫وللنزاهة التي تفرضها عليه هذه الوظيفة‪9‬‬
‫= أن تكون هذه الوظيفة قارة وذلك للتمييز بينه وبين من يعمل بصفة مؤقتة‪9‬‬
‫= أن يتم ترسيمه في هذه الوظيفة‪ ،‬وال يكون ذلك ممكنا إال بعد مرور مدة من معينة من‬
‫الزمن‪9‬‬

‫أما التعريف الثاني فهو ما جاء به القانون الجنائي من خالل الفصل ‪ 005‬منه والذي يقول‪:‬‬
‫" يعد موظفا عموميا‪ ،‬في تطبيق أحكام التشريع الجنائي‪ ،‬كل شخص كيفما كانت صفته‪،‬‬
‫يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بدلك‬
‫في خدمة الدولة‪ ،‬أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة‬
‫ذات نفع عام‪9‬‬
‫وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع دلك فان هده الصفة تعتبر باقية له‬
‫بعد انتهاء خدمته‪ ،‬ادا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها"‪9‬‬
‫والمالحظ من خالل هذ ا التعريف أن المشرع الجنائي قد وسع من مفهوم الموظف العمومي‬
‫خالفا للقانون اإلداري الذي جاء تعريفه ضيقا بحيث أن كل موظف عمومي حسب هذا‬
‫القانون يعد كذلك بالنسبة للقانون الجنائي‪ ،‬بينما العكس غير صحيح‪9‬وهو ما يمكن معه من‬
‫توسيع دائرة المسؤولية التي تضيق حسب تعريف قانون الوظيفة العمومية الذي يتطلب توفر‬
‫شروط معينة العتباره الشخص موظفا عموميا وبالتالي مرتشيا متى قبل وعدا أوعطية أو‬
‫طلبها أو تسلمها‪9‬‬
‫ويرجع السبب في ذلك إلى أن االتجار في وضعية قانونية لشخص ما يعتبر محل ثقة عند‬
‫الناس‪ ،‬يعد إخالال بالتزامه بأداء عمله على أحسن وجه وكذلك إخالال بمبدأ المساواة بين‬
‫المواطنين‪ ،‬وعلى هذا األساس يجب أن يعامل بالصرامة الالزمة ويعاقب على عمله هذا‬
‫ليكون عبرة بالنسبة للغير‪9‬‬
‫من هنا كان التوسع في مفهوم الموظف العام عند تطبيق أحكام القانون الجنائي عن نظيره‬
‫اإلداري‪9‬‬
‫كما أنه وإضافة لما سبق‪ ،‬ال يشترط في الشخص لكي يعتبر موظفا عموميا أن يكون من‬
‫األطر العليا أو الدنيا للوظيفة العمومية‪ ،‬فسواء كا ن من كبار الموظفين أو من صغارها‪،‬أو‬
‫كان مرسما أو متمرنا‪ ،‬مؤقتا أو مياوما‪ ،‬مدنيا أو عسكريا‪ ،‬اعتبر في عداد الموظف العمومي‬
‫وطبقت عليه أحكام ومقتضيات الرشوة متى توفرت أركانها وعناصرها ‪،‬وذلك ألن مقتضيا‬
‫ت الفصل ‪ 005‬من القانون الجنائي جاءت عامة وعبرت عن ذلك بقولها " كيفما كانت‬
‫صفته"‪،‬شريطة أن يكون موظفا في اإلدارة الوطنية المغربية أو يباشر مهمة يساهم بها في‬
‫خدمة الدولة المغربية أو المصالح العمومية‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالشخص الني يمكن اعتباره موظفا عموميا حسب الفصل ‪ 005‬من القانون الجنائي‬
‫يشترط فيه ‪:‬‬
‫ـ مباشرة وظيفة أو مهمة‪9‬‬
‫ـ المساهمة في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات‬
‫العمومية أو مصلحة ذات نفع عام‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالشخص يعد موظفا عموميا متى باشر وظيفة عمومية يساهم بها في خدمة‬
‫الدولة‪ ،‬وبتكليف من قبل السلطة المخولة قانونا لذلك‪ ،‬ويكون إما عن طريق التعيين أو‬
‫االنتخاب كأعضاء البرلمان أو أعضاء المجالس المحلية‪9‬‬
‫لكن ما الحكم لو باشر الموظف خدمة أو وظيفة بناءا على تكليف معيب كأن يباشر وظيفة‬
‫أو عمال ال يدخل في اختصاصه‪ ،‬أي أن يباشر عمله بناء على تكليف معيب أو بدون تكليف‬
‫أصال‪ ،‬أو أن يكون تعيينه باطال؟‪9‬‬
‫لم ينص المشرع المغربي على حالة االختصاص الموهوم أو المنعدم وذلك خالفا للمشرع‬
‫المصري الذي أدرج هذه الحالة ضمن حاالت االختصاص التي تجيز تطبيق عقوبة الرشوة‬
‫وذلك في المادة ‪ .21‬مكرر من قانون العقوبات ‪934‬‬
‫ويرى الفقه أن هات ه الحالة تقتضي التمييز بين فرضيتين‪ ،‬األولى تعتبر الشخص موظفا‬
‫عموميا رغم كون تعيينه شابه عيب‪ ،‬وذلك ادا كان هذا العيب شكليا ليس جسيما‪ ،‬يفقده صفة‬
‫الموظف العمومي‪ ،‬حيث يعاقب هنا باعتباره مرتشيا إن هو قبل أو أخذ مقابال للعمل أو‬
‫االمتناع‪9‬‬

‫‪ 34‬ـ والتي جاء فيها‪:‬‬


‫" يعتبر مرتشيا ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخد وعدا أو عطية‬
‫ألداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو لالمتناع عنه"‪9‬‬
‫فوفقا لهده المادة يعتبر الموظف الذي يزعم أو يعتقد خطأ أنه مختص بالعمل المطلوب منه القيام به أو االمتناع عن القيام به مرتكبا لجريمة الرشوة‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالمشرع المصري توسع في معنى االختصاص فعاقب على االتجار بالعمل الوظيفي حتى في حالة االختصاص الموهوم‪9‬‬
‫أما الثانية‪ ،‬فتتمثل في الحالة التي يكون فيها التعيين مشوبا بعيب جوهري له أهميته بحيث‬
‫يكون من الجسامة التي تمنع الشخص من القيام بوظيفته نهائيا كحالة انتحال شخص لوظيفة‬
‫رجل سلطة‪ ،‬وفي هده الحالة ال يتابع الشخص بجريمة الرشوة ألنه ليس موظفا عموميا بناءا‬
‫على نص الفصل ‪ 005‬من القانون الجنائي‪935‬‬
‫ونعتقد أنه يجب التمييز هنا بين الحالة التي تتحقق فيها الرشوة عن طريق تسلم أو حصول‬
‫المرتشي على مبلغ العمل أو االمتناع أو على الهدية‪ ،‬والحالة التي ال تتحقق فيها هده الصورة‬
‫وتكون مجرد طلب أو قبول من طرف المرتشي للقيام بالعمل أو االمتناع عنه‪ ،‬ففي الحالة‬
‫األولى يعاقب المرتشي على أساس تحقق الجريمة بكافة عناصرها المادية والمعنوية‪ ،‬أما في‬
‫الحالة الثانية فنرى أنه ال مجال لمعاقبته ألن خطأه في تقدير اختصاصه أو توهمه له قد يكون‬
‫راجعا إلى أسباب ال دخل له فيها‪ ،‬أو إلى خطأ الراشي أو الغير الذي أوهمه بدلك‪ ،‬إضافة إلى‬
‫دلك ـ وكما يرى بعض الفقه ـ ففي ذلك تكريس للجريمة الظنية التي ال تقوم إال في ذهن‬
‫الفاعل دونما أساس من الواقع والتي ال عقاب عليها‪936‬‬
‫ب ـ القضاة والمحلفون وأعضاء هيئة المحكمة‬
‫أورد نص الفصل ‪ 005‬من القانون الجنائي كلمة " قضاة" التي جاءت مطلقة‪ ،‬بحيث أنه لم‬
‫ي حدد من المقصود بذلك‪ ،‬وعلى هذا األساس فإنها تعتبر مطلقة وبالتالي‪ ،‬فهي تشمل كل‬
‫أعضاء الهيئات القضائية من قضاة حكم أو قضاة تحقيق أ‪ ,‬أعضاء النيابة العامة‪9‬‬
‫أما أعضاء هيئة المحكمة فهم باقي األشخاص المشكلين لهيئتها دون الموظفين العموميين‬
‫كالمستشارين في القضايا االجتماعية‪9‬‬
‫ت ـ المحكمون والخبراء‬
‫قد تستدعي بعض الحاالت لجوء األطراف إلى التحكيم ودلك استثناءا عن المبدأ العام الذي‬
‫يقضي بفض النزاعات أمام السلطة القضائية‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فان المحكم يقوم بنفس الوظيفة التي‬
‫يقوم بها القضاء‪ 9‬لدلك‪ ،‬تشدد المشرع وأدخله ضمن الطوائف التي يمكن أن ترتكب جريمة‬
‫الرشوة‪9‬‬

‫‪ 35‬ـ عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 :‬‬


‫‪ 36‬ـ محمد زكي أبو عامر‪ ،‬قانون العقوبات ـ القسم الخاص‪ ،‬مكتبة الصحافة‪ ،..8. ،‬ص‪.9:‬‬
‫نفس الشيء بالنسبة للخبراء‪ ،‬حيث يضطر القاضي أحيانا إلى اللجوء إلى الخبرة في بعض‬
‫األمور الفنية‪ ،‬وعلى هذا األساس تم إدخالهم في زمرة األشخاص الدين يمكن أن يرتكبوا‬
‫جريمة الرشوة سواء تم تعيينهم من قبل أطراف أو من قبل المحكمة أو من قبل إحدى‬
‫السلطات اإلدارية‪9‬‬
‫ج ـ المتولون لمراكز نيابية‬
‫تشمل هذه الطائفة نواب الشعب في البرلمان‪ ،‬وأعضاء المجالس البلدية أو القروية‪ ،‬ومجالس‬
‫العماالت واألقاليم‪ ،‬وأعضاء الغرف التجارية والصناعية والفالحية وغيرها‪9‬‬
‫د ـ األطباء والجراحون أطباء األسنان والمولدات‬
‫يجب أ ن نميز في هذه الحالة بين ما ادا كانت هذه الفئة من األشخاص يعتبرون موظفين‬
‫عموميين بحيث يدخلون في دائرة الطوائف التي يمكن أن ترتكب الرشوة‪ ،‬وبين ما ادا كانوا‬
‫يعملون بالقطاع الخاص ما دام أنه في هذه الحالة األخيرة يكون بامكانهم تقديم شواهد كاذبة‬
‫أو بيانات غير صحيحة وذلك مقابل فائدة أو عطية أو هبة‪ ،‬من هنا فإنهم يعتبرون مرتشين‬
‫ويعاقبون على هذا األساس‪937‬‬
‫ر ـ العمال والمستخدمون والموكلون بأجر‬
‫إن هذه الطائفة تعمل أصال في القطاع الخاص وال تتحقق لها صفة الموظف بشكل مباشر‬
‫وبمفهوم الفصل ‪ 005‬من القانون الجنائي‪ ،‬بل تستمد هذه الطائفة صفة الموظف حكما‬
‫بموجب الفصل‪ ،‬وقد أدخلهم المشرع ضمن طائفة األشخاص الدين يرتكبون جريمة الرشوة‬
‫حين يطلبون أو يتسلمون هبة أو هدية أو مكافأة أو يقبلون بدون علم رئيسهم أو المخدوم‬
‫وبدون موافقته على وذلك رغبة منه في المحافظة على المقاوالت والمشاريع الخاصة‪9‬‬

‫‪ 2‬ـ االختصاص بالعمل أو االمتناع عن القيام بالعمل‪:‬‬


‫لكي تقوم جريمة المرتشي وجب أن يكون الموظف مختصا بالعمل الموكول غليه القيام به‪،‬‬
‫والمالحظ أن المشرع المغربي قد توسع في تحديده لنطاق االختصاص‪ ،‬بحيث يعتبر كذلك‬

‫‪ 37‬ـ وهدا ما قصده المشرع المغربي من خالل الفقرة الرابعة نص الفصل ‪ 058‬من القانون الجنائي التي جاء فيها‪:‬‬
‫" إعطاء شهادة كاذ بة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة بصفته‬
‫طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة"‪9‬‬
‫كان وفقا للقوانين أو بناء على تفويض شفوي أو كتابي‪ 9‬كان جزئيا أو غير مباشر‪ ،‬كان‬
‫اختصاصه القيام بعمل أو االمتناع عن العمل‪9‬‬
‫أ ـ االختصاص بالعمل‬
‫يقصد باالختصاص بالعمل أو االمتناع عنه‪ ،‬صالحية الشخص في القيام بهذا العمل أو عدم‬
‫صالحيته للقيام به إما بصفة مباشرة بأن تكون له السلطة المباشرة والصالحية للقيام بعمل‬
‫معين على غرار الموظف المكلف بالمصادقة على التوقيعات مثال‪ 9‬أو بصفة غير مباشرة‬
‫بحيث يكفي أن تكون له عالقة بالعمل الوظيفي‪ ،‬كما لو دوره استشاريا فقط ولكن أثر على‬
‫من بيده اتخاذ القرار‪.‬‬
‫وأل ن االختصاص بالعمل أو االمتناع عنه يعتبر السبب الدافع إلى القيام بالرشوة‪ ،‬وجب أن‬
‫يكون من األعمال الداخلة في االختصاص الوظيفي للمرتشي سواء كان مشروعا ومطابقا‬
‫للقوانين واألنظمة والتعليمات أو كان مخالفا لها‪9‬‬
‫على أنه ال يشترط في اختصاص الموظف بالعمل أن يتواله لوحده‪ ،‬بل يعتبر كذلك ـ اي‬
‫مختصا في العمل ـ وإن تولى القيام بجزء منه بحيث شاركه الغير في هذا العمل‪9‬مما يعني أن‬
‫جزء أو قدر من االختصاص كاف العتبار الموظف مختصا في العمل وبالتالي مرتكبا‬
‫لجريمة المرتشي متى استكملت باقي العناصر والشروط‪9‬‬
‫ويرى بعض الفقه بأن العمل الذي يقوم به الموظف مقابل الفائدة‪ ،‬يجب أن يكون ممكنا من‬
‫‪38‬‬
‫الناحية الواقعية فإن كان مستحيال استحالة مطلقة أي عدما فال تقوم الجريمة‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن الشخص يعتبر غير مختص إذا ما حظر عليه القانون القيام بعمل معين‬
‫كالقائد أو الباشا الذي يمنع عليه الفصل في قضية يرجع اختصاصها للمحكمة‪ ،‬فإذا تلقى مبلغا‬
‫من المال من شخص ما وذلك من أجل تحقيق مطلبه الذي يتمثل في إفراغ المكتري من محل‬
‫سكناه دون اللجوء إلى المحكمة فال يعد مرتشيا وإنما مستغال لنفوذه وذلك لعدم اختصاصه‬
‫أصال بهذا العمل‪ ،‬ولكن يعد مرتشيا إذا أخد مبلغا من المال ممن حكم عليه بتنفيذ حكم اإلفراغ‬
‫الصادر عن المحكمة المختصة‪9‬‬
‫ب ـ االمتناع عن العمل‬

‫‪ 38‬ـ د أحمد فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.59:‬‬


‫د محمد زكي أبو عامر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪79:‬‬
‫أحيانا يكون العمل المطلوب من الموظف أن يمتنع عن القيام بعمل معين‪ ،‬بحيث يبقى تحقق‬
‫الرشوة رهين بقيام الموظف بما يمنعه عليه القانون‪ ،‬بغض النظر عن كون هذا االمتناع‬
‫مشروعا او غير مشروع طالما تلقى الموظف مقابال لهذا االمتناع‪.‬‬
‫فالسلوك االجرامي الذي يعتد به لقيام جريمة المرتشي هو إخالل هذا األخير بالواجبات‬
‫الوظيفية الملزم بها وذلك إما بأداء عمل مخالف للقانون أو باالمتناع عن أداء عمل يفرضه‬
‫عليه القانون‪ ،‬من ذلك أن يمتنع رجل الشرطة عن تحرير محضر عن جريمة وقعت بالفعل‬
‫وذلك مقابل مبلغ من المال أو فائدة أو عطية‪ 9‬أو أن يمتنع موظف عن إحالة شكوى الى‬
‫الجهات المختصة ‪ ،‬أو أن يمتنع خبير انتدبته المحكمة عن ادراج بعض المعطيات بتقريره‬
‫رغم أهميتها في القضية‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فان معرفة ما إذا كان الشخص مختصا بالعمل أو االمتناع عنه مرده إلى القانون‬
‫الذي يح دد بكيفية مباشرة الشخص المختص بإجراء معين كتسجيل الحقوق العينية بالنسبة‬
‫للمحافظ‪ ،‬أو منع حدوث عمليات التهريب بالنسبة لشرطة الجمارك‪ ،‬أو بكيفية غير مباشرة‬
‫بعقد االختصاص إلدارة معينة حيث يكون كل موظف في هذه الحالة مرتشيا إذا ما أخد‬
‫مقابال عن القيام بالعمل أو االمتناع عنه‪9‬‬
‫وقد توسع القانون الجنائي في تحديده لمفهوم االختصاص حين اعتبر الموظف مرتشيا ولو‬
‫كان عمله أو االمتناع عنه والذي أخذ عنه مقابال أو عطية أو أية فائدة أخرى ال يدخل في‬
‫اختصاصه وظيفته وإنما وظيفته هي التي سهلت له ذلك أو كان من الممكن أن تسهله له‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المادي لجريمة المرتشي‬


‫لقيام الركن المادي في جريمة المرتشي‪ ،‬والعتبارها من جرائم الخطر‪ ،‬فان إتيان الفاعل‬
‫ألي نشاط من شأنه أن يلوث سمعة وشرف الوظيفة العمومية التي ينتسب إليها‪ ،‬أو تلطيخ‬
‫سمعة المشروع الخاص الذي يعمل به‪ ،‬وزعزعة ثقة األغيار الذين يتعاملون معه فيه وذلك‬
‫دون اشتراط أي مساس فعلي بالوظيفة العامة أو المشروع الخاص‪ ،‬يكفي لتحققه‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فان الركن المادي لجريمة المرتشي تتحقق بتوفر العناصر التالية والتي أشار‬
‫إليها الفصل ‪ 058‬من القانون الجنائي وهي‪ :‬الطلب والقبول والتسلم‪9‬‬
‫‪ .‬ـ الطلب‪:‬‬
‫يمكن أن تتحقق جريمة المرتشي بمجرد قيام الموظف بطلب منفعة مقابل العمل أو االمتناع‬
‫عن العمل المختص بالقيام به‪ ،‬وتعتبر هذه الصورة األكثر حدوثا في جريمة الرشوة‪،‬‬
‫والموظف هو من تكون له المبادرة هنا في تحقيق هذه الجريمة‪ 9‬وسواء كان هذا الطلب‬
‫صريحا أو ضمنيا كفتح درج مكتبه أمام من يريد قضاء حاجته أو باإلشارة‪ ،‬فمجرد طلب‬
‫الموظف أو من في حكمه لمنفعة من صاحب الحاجة يكون كافيا لقيام جريمة الرشوة سواء‬
‫استجاب له من وجه إليه الطلب أو لم يستجب‪9‬‬

‫والطلب في جريمة المرتشي إما ان يكون عبارة عن عرض يتم من طرف المرتفق صاحب‬
‫المصلحة ‪ ،‬وقد يكون في صورة وعد بمقابل وذلك حينما يطلب المرتشي من المرتفق أو‬
‫الراشي أن يحدد له مبلغا معينا من المال أو يتولى تقديم مساعدة معينة كوعده بوظيفة أفضل‬
‫له أو ألحد أقربائه كابنه أو زوجته مثال ‪،‬أو الحصول على امتيازات معينة ليس له الحق فيها‬
‫أو غيرها من الصور الوعد التي يقوم بها الركن المادي لجريمة المرتشي‪ 9‬كما يمكن أن‬
‫يكون في صورة طلب هبة أو هدية او أية فائدة اخرى حيث تسمى الرشوة في هذه الحالة ـ‬
‫حسب بعض الفقه ـ بالرشوة المعجلة وهي الصورة العادية في جريمة المرتشي ‪ ،‬هذا األخير‬
‫الذي يأخذ ثمنا معجال مقابل قيامه بالعمل أو االمتناع عنه ‪9‬‬

‫وقد يطرح مشكل معرفة طبيعة المقابل ‪،‬هل يشترط أن يكون ماديا أم أن المنفعة غير المادية‬
‫تصلح أن تكون مقابال تتحقق به الجريمة ؟ ثم هل يشترط أن يكون المقابل المسلم للمرتشي‬
‫مناسبا ومن نفس قيمة المصلحة التي يطلبها الراشي؟ ‪.‬‬
‫بالرجوع إلى النصوص القانونية يالحظ أن المشرع ال يشترط ضرورة تعادل أو تناسب‬
‫قيمة العطية أو المنفعة أو الوعد مع العمل المطلوب من الموظف‪ ،‬وإنما متى تحققت الغاية‬
‫من الرشوة تحققت بالتالي جريمة المرتشي ومتى انعدمت ـ الغاية ـ كأن يتم تقديم العطية‬
‫على سبيل المجاملة أو الهدية دون أن يكون الغرض منها قيام الموظف بعمل أو مصلحة‬
‫للراشي ‪،‬فان الجريمة ال تقوم وقيام جريمة المرتشي ال يعتد فيه بوجوب أن يكون طلب‬
‫المنفعة لمصلحة الموظف شخصيا‪ ،‬وإنما طلب هذه المصلحة أوالفائدة أو الهبة للغير كاألب‬
‫أو الزوجة أو األخ يكون سببا كافيا لقيام جريمة المرتشي وبالتالي وجوب معاقبته على هذا‬
‫األساس‪9‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هنالك مجموعة من العناصر التي يجب أن تتوفر لكي يتحقق‬
‫بها الطلب وبالتالي الركن المادي لجريمة المرتشي وهي‪:‬‬
‫ـ أن يكون الطلب إراديا أي صادرا عن الموظف ومعبرا عن إرادته الحقيقية والجادة في‬
‫الحصول على مقابل عن العمل أو الخدمة التي ينوي القيام بها للغير‪ ،‬بحيث ادا كان طلبه‬
‫غير جدي أي هزليا فال مجال للحديث عن الرشوة‪9‬‬
‫ـ أن يتحقق علم الغير بهذا الطلب‪ ،‬فالرشوة وان كانت عمال غير مشروع تستوجب لتحققها‬
‫أن يصل إلى علم هذا الغير صاحب الحاجة طلب المرتشي‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ القبول‪:‬‬

‫يعد قبول الموظف الرشوة التي عرضت عليه من طرف صاحب المصلحة نشاطا مكونا‬
‫لجريمة المرتشي‪ ،‬وقبول الموظف يفترض فيه أن يسبقه عرض من طرف العارض وأن‬
‫يتعلق هذا العرض بإعطاء شيء أو بعطية أو بمقابل عن الخدمة التي يرغب فيها من قدم‬
‫العرض‪ ،‬ويطلق الفقه على هذه الصورة اسم الرشوة اآلجلة‪ ،‬ألن الثمن الذي ارتضاه‬
‫الموظف لنفسه منفعة يستفيد منها هو أو غيره في زمن الحق‪ 939‬ويعتبره جانب آخر بأنه‬
‫نشاط سلبي عكس الطلب من طرف الموظف الذي يقبل فائدة أو عرضا أو وعدا من صاحب‬
‫المصلحة‪ ،‬ذلك أن الذي يقوم بالعمل االيجابي في هذه الحالة هو صاحب الحاجة أي الجانب‬
‫اآلخر وليس الموظف‪940‬‬

‫ويعتبر القبول صحيحا بأية صورة ورد بها خاصة وأن المشرع لم يشترط أي شكل خاص‬
‫لذلك‪ 9‬وعليه‪ ،‬فقد يأتي في شكل قول أو كتابة أو أي تصرف آخر يفهم منه قبول الموظف لما‬
‫عرض عليه من رشوة مقابل ما سيقوم به من عمل أو امتناع لصالح صاحب المصلحة‪ 9‬على‬

‫‪ 39‬ـ د عوض محمد عوض‪ ،‬الجرائم المضرة بالمصلحة العامة‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،..84‬ص‪8.. :‬‬
‫‪ 40‬ـ د عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪:‬‬
‫أنه تجدر اإلشارة إلى ضرورة أن يكون القبول الصادر عن الموظف تعبيرا صحيحا وجادا‪،‬‬
‫أما إذا كان قبوله للوعد أو العطية قد تم على سبيل المزاح أو الهزل‪ ،‬أو تظاهر بالقبول انتفت‬
‫جريمة المرتشي في مواجهته‪ ،‬ونكون في مثل هذه الحاالت أمام عرض من طرف الراشي‪9‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يرى بعض الفقه بأن قبول الرشوة من قبل الموظف يكون معاقبا عليه ولو‬
‫كان العرض الذي تم من طرف صاحب الحاجة‪ ،‬كان القصد منه كشف اتجار الموظف بعمله‬
‫الوظيفي‪ ،‬ذلك أن حكمة تقرير العقاب لجريمة المرتشي هي حماية الثقة العامة في أعمال‬
‫الوظيفة ومجازاة كل من يتاجر بها‪941‬‬
‫في حين يرى البعض اآلخر أن في هذا االتجاه نوع من المغاالة في العقاب على الرشوة‪،‬‬
‫ذلك أن قبول الموظف لعرض غير جاد بالرشوة من جانب صاحب المصلحة يشكل جريمة‬
‫ظنية‪ ،‬والجرائم الظنية‪ ،‬أي تلك التي ال تقوم إال في ذهن فاعلها‪ ،‬ال عقاب عليها‪942‬‬
‫ونحن نتفق مع االتجاه الذي يقول بضرورة معاقبة الموظف على قبوله للعطية وان لم يكن‬
‫ذلك جديا‪ ،‬وذلك لضرب النية اإلجرامية التي تكون لديه وأيضا ليكون عبرة لغيره من‬
‫الموظفين حفاظا على الثقة التي تكون للمواطنين في الموظف عامة وتدعيما لمبدأ المساواة‬
‫بينهم‪9‬‬
‫لكن تحقق جريمة المرتشي عن طريق قبوله للهدية أو العطية أو الوعد يقتضي وجوبا‬
‫إثبات ذلك‪ ،‬وهو ما يثير صعوبة من حيث الواقع ‪ ،‬فمتى أخذ أو تسلم المرتشي محل الرشوة‬
‫وقبضه‪ ،‬فإنه يكون من السهل إثبات األمر خصوصا إذا كان عبارة عن نقود أو شيء مادي‬
‫ملموس من قبيل سلسلة ذهبية أو خاتم أو مبلغ مالي وضع بحساب الموظف‪ ،‬عكس ما إذا‬
‫كانت الرشوة قائمة على مجرد وعد بشيء ما وهوما يثير صعوبة في إثبات االتفاق بين‬
‫الراشي والموظف المرتشي‪ 9‬إضافة إلى أن األمر ال يتطلب إثبات أن شيئا ما عرض على‬
‫الموظف بل األمر يتطلب إثبات أنه قبله‪9‬‬
‫وفي هذا الصدد أيدت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض قرارا لمحكمة االستيناف بآسفي جاء‬
‫فيه‪:‬‬

‫‪ 41‬ـ د حسن المرصفاوي‪ ،‬قانون العقوبات الخاص‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬ص‪07:‬‬


‫‪ 42‬ـ د محمد زكي أبو عامر‪ ،‬د سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪550:‬‬
‫" أن عملية تسلم المتهم لمبلغ ‪ 022‬درهم كرشوة بدورها محل شك‪ ،‬وذلك أن المشتكي‬
‫صرح بأنه لما توجه رفقة رجال الدرك إلى السوق األسبوعي بجماعة التوابت وتحت مراقبة‬
‫هؤالء عرض على المتهم مبلغ ‪ .222‬درهم فرفض هذا األخير ‪ ،‬وعاد المشتكي غلى رجال‬
‫الدرك وأخبرهم بواقعة الرفض فاتصلوا بالسيد وكيل الملك لذي أمرهم بضبط المتهم في حالة‬
‫تلبس ‪ ،‬فعاد المشتكي من جديد إلى المتهم وعرض عليه المبلغ المالي محددا مبلغ ‪ 022‬درهم‬
‫‪،‬وبعد أخذ ورد وضعها بجيب المتهم الذي قبل ‪ ،‬وهذه واقعة مخالفة للواقع فإذا كان المشتكي‬
‫والمتهم قد وقعا في خالف وخصام رفض خالله المتهم مبلغ ‪ .222‬درهم فكيف تأتى له قبول‬
‫مبلغ أقل محدد في مبلغ ‪ 022‬درهم مما يفيد صحة قبول المتهم بأن المشتكي هو الذي ألقى‬
‫بمبلغ ‪ 022‬درهم بجيب المتهم ليحضر رجال الدرك المراقبين ويلقوا القبض عليه وهو ما‬
‫جعل عملية االرتشاء مشوبة بالشك‪ ،‬مما يتعين معه التصريح ببراءة المتهم والقول بتأييد‬
‫الحكم المستأنف لمصادفته الصواب‪"439‬‬
‫وفي قرار آخر‪:‬‬
‫" حيث نه من الثابت أن هوية كل من الموظف الموقع للجواز ومن الوسيط المزعوم ظلت‬
‫مجهولة‪ ،‬كما ا‪ ،‬المتهم يجهل مصير المبلغ الذي زعم بدله مما يكون معه القضاة قد استوحوا‬
‫دليل ارتشاء من مجرد افتراضات وتخمينات وركزوا قضاءهم باإلدانة على أساس غير‬
‫صحيح من الواقع والقانون‪ ،‬فيكون إذن الوجه المستدل به على النقض جديرا باالعتبار‬
‫ويتعين قبوله‪"449‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ 1‬ـ التسلم‬
‫يعني التسلم حصول الموظف أو من في حكمه بالفعل على الهبة أو الهدية أو العطية أو‬
‫الفائدة مقابل القيام بالعمل أو االمتناع عنه‪ 9‬ويطلق على هده الصورة الرشوة العاجلة‪946‬‬
‫والتسلم يعتبر الصورة الغالبة في الواقع‪ ،‬وبه تتحقق جريمة الرشوة حيث يسهل إثباتها‬
‫مقارنة مع باقي صور الركن المادي للجريمة والتي تكون فيها صورتها القانونية بعيدة عن‬
‫‪ 43‬قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض‪ ،‬عدد‪ ،./578‬ملف جنحي عدد ‪ ،02.5/0558‬بتاريخ ‪ 0.‬ماي ‪ ،02.5‬غير منشور‬
‫‪ 44‬قرار الغرفة الحنائية بمحكمة التقض عدد ‪ ،.270‬ملف رقم ‪ ،18090‬بتاريخ ‪ ،..75 /5/..‬موقع محكمتي‬
‫‪ 45‬ـ وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات المصري األخذ‪9‬‬
‫‪ 46‬ـ إذا كان المشرع المغربي ينص على التسلم كإحدى ال صور التي تقوم بها جريمة المرتشي‪ ،‬فإن المشرع اللبناني وعل خالف ذلك اقتصر على‬
‫إيراد الطلب والقبول فقط وأغفل بذلك النص على التسلم الفعلي للمقابل عن القيام بالعمل أو االمتناع عنه من طرف الموظف‪9‬‬
‫صورتها الواقعية‪ 9‬وال عبرة بالطرقة التي يتم بها التسليم‪ ،‬فقد يكون صريحا بالتسليم المادي‬
‫للهبة أو العطية أو مبلغ من النقود أو غيره‪ ،‬كما يمكن أن يكون ضمنيا‪ ،‬من دلك أن يضع‬
‫صاحب الحاجة مبلغا من النقود في درج مكتب الموظف تحت نظره ودون اعتراض منه‪9‬‬
‫كما أنه ليس من الضروري أن يكون الموظف هو من حصل على الهدية أو الهبة بنفسه‪ ،‬بل‬
‫يكفي أن يتم االنتفاع لحساب شخص آخر كابنه أو زوجه لتقوم جريمة الرشوة‪9‬‬
‫كما أنه ال عبرة بأن يكون التسليم واقعا قبل أو بعد إنجاز العمل أو االمتناع عن العمل‪ ،‬اذ كل‬
‫ما يشترط هنا هو حصول التسليم لهبة أو لهدية أو منفعة أخرى من أجل إنجاز الفعل أو‬
‫االمتناع عنه‪9‬‬
‫وإن كان القضاء ذهب في غير هذا االتجاه حينما اعتبر أن قيام جريمة الرشوة البد أن يكون‬
‫فيه الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو الهبة أو الهدية أو غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل‬
‫أو االمتناع عنه‪ 9‬وهذا موقف مغاير لما يقع في الواقع خصوصا في الحاالت التي يتم فيها‬
‫االتفاق بين الموظف أو من في حكمه وبين الراشي على عدم أداء مبلغ أو محل الرشوة إال‬
‫بعد إنجاز العمل او االمتناع عن العمل المتفق عليه‪9‬‬
‫كما ال يشترط حصول التسليم من طرف الراشي مباشرة بل يعتبر قائما وان تم عن طريق‬
‫وسيط‪9‬‬

‫وعموما‪ ،‬فالفرق بين قبول الوعد وتسلم الهبة أو الهدية هو أن التنفيذ يكون مؤجال في الحالة‬
‫األولى بينما يتعين تعجيله في الحالة الثانية ‪،‬إما قبول العرض فقد يتم االتفاق على وقت‬
‫محدد لتنفيذه كما يمكن أن يتم دون تحديد لموعد أو وقت لذلك بحسب نوع العرض المقدم من‬
‫الراشي الطريقة التي سيقدم بها للمرتشي‪9‬‬

‫ثالثا‪ :‬الركن المعنوي (القصد الجنائي)‬


‫تعتبر جريمة المرتشي من الجرائم العمدية التي يتطلب قيامها ضرورة توفر القصد الجنائي‬
‫لدى المرتشي ـ الموظف أو من في حكمه ـ ويتحقق دلك بمجرد اتجاه نية هذا األخير إلى‬
‫الطلب أو القبول أو التسلم ألية فائدة كيفما كانت معنوية أو مادية‪ ،‬وهو يعلم أن هذا المقابل‬
‫نظير اتجاره بوظيفته العامة سواء قبل الطرف اآلخر ما طلب منه أو لم يقبل‪9‬‬
‫فق يام جريمة المرتشي قانونا تقتضي اتجاه إرادة الفاعل إلى إتيان أحد المظاهر السلوكية التي‬
‫نص عليها المشرع من طلب أو قبول أو أخد الفائدة أو الوعد بها‪ ،‬ويجب باإلضافة إلى إرادة‬
‫‪47‬‬
‫السلوك انصراف نية الفاعل إلى االستيالء على الفائدة بقصد التملك أو االنتفاع‪9‬‬

‫‪48‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عناصر جريمة الراشي‬
‫ينص الفصل ‪ 04.‬من القانون الجنائي على ما يلي‪:‬‬
‫" من استعمل عنفا أو تهديدا‪ ،‬أو قدم وعدا أو عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي‬
‫يحصل على القيام بعمل أو االمتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة مما أشير إليه في‬
‫الفصول ‪ 051‬إلى ‪ ،042‬وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون أي اقتراح من جانبه‪،‬‬
‫يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول‪ ،‬سواء أكان لإلكراه أو للرشوة نتيجة أم ال"‪9‬‬
‫والمالحظ من خالل هذا النص أن المشرع يأخذ بالنظام المزدوج لجريمة الرشوة وذلك بأن‬
‫اعتبر جريمة الراشي جريمة مستقلة عن جريمة المرتشي حيث يدان الراشي وحده أو يبرأ‬
‫وذلك باستقالل عن الموظف أو من في حكمه والذي قد يدان بدوره باستقالل عن الراشي‪9‬‬
‫وإضافة إلى ما سبق يمكن أن نالحظ أيضا أن الركن المادي لجريمة الراشي قد يكون وحده‬
‫كافيا لتحققها‪ ،‬لكن األمر غير ذلك بحيث يلزم أن يتوفر القصد الجنائي لدى الراشي ما دام أن‬
‫هذه الجريمة ليست من الجرائم غير العمدية بل العكس هو الصحيح بحيث يجب أن يتوافر‬
‫القصد الجنائي ومؤداه اتجاه نية الراشي إما إلى الوعد أو عرض أو إعطاء شيء ما وإما‬
‫التهديد مقابل الحصول على ما يريده من الموظف أو من في حكمه‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬يتحقق الركن المادي لجريمة المرتشي بما يلي‪:‬‬
‫‪ .‬ـ استعمال العنف أو التهديد‪:‬‬
‫المقصود بذلك توليد حالة من الرعب واإلكراه عند الموظف لدفعه إلى مخالفة ما يمليه عليه‬
‫الواجب وما تفرضه عليه مبادئ الوظيفة التي يعمل بها‪ ،‬من ذلك مسكه من يده وإجباره على‬
‫توقيع رخصة‪ ،9‬أو تهديده بالتعرض لزوجه أو احد أبناءه‪9‬‬
‫‪ 47‬ـ د أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ -‬القسم الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪،..82 ،‬ص‪9.49 :‬‬
‫‪ 48‬ـ لم يشترط المشرع المغربي في الراشي أية صفة خاصة لكي تتحقق جريمة الراشي‪ ،‬فسواء كان موظفا أو مكلفا بخدمة عامة أو لم يكن كذلك‬
‫بأن كان شخصا عاديا من عامة الناس فانه يعد مرتكبا لهذا النوع من األعمال متى تحققت عناصره وتوفر لديه القصد الجنائي للقيام بهذا الفعل‪ ،‬بل‬
‫أكثر من ذلك ليس ضروريا أن يكون الراشي هو صاحب الحاجة المباشر وإنما يمكن أن يتم العمل أو االمتناع عن العمل لمصلحة شخص آخر غير‬
‫الراشي كابنه أو زوجه أو صديقه‪9‬‬
‫والمالحظ أن المشرع المغربي لم يحدد وسائل العنف أو التهديد وال درجتهما في الفصل‬
‫‪ 04.‬من القانون الجنائي‪ ،‬لذلك فان هذه الصورة من صور الركن المادي لجريمة الراشي‬
‫تقوم بغض النظر عن طبيعة اإلكراه المستعمل ضد الموظف‪ ،‬سواء كان هذا اإلكراه ماديا أو‬
‫معنويا‪ 9‬وعليه‪ ،‬فإذا كان اإلكراه على القيام بعمل أو امتناع عنه المستعمل ضد الموظف ال‬
‫يدخل في اختصاصه‪ ،‬فان جريمة الراشي ال تقوم‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فاإلكراه يجب أن يكون عمال غير مشروع قانونا‪ ،‬أما إذا كان مشروعا كاللجوء‬
‫إلى القضاء أو الشكاية ضد الموظف أمام رؤساءه فان صورة الركن المادي ال تقوم في هذه‬
‫الجريمة‪9‬‬

‫‪ 0‬ـ االستجابة لطلب الرشوة‪:‬‬


‫تعني هذه الصورة من صور الركن المادي لجريمة الراشي أن هذا األخير ال يقوم بعرض‬
‫رشوة من نقود أو هدايا أو عطية أو غيرها على المرتشي‪ ،‬ولكن هذا األخير هو من يطلبها‬
‫منه فيستجيب له صاحب المصلحة وهو الراشي حيث يقبل القيام بهذا العمل أو يمتنع عن‬
‫القيام به وهو مختار غير مجبر أو ملزم بذلك‪ 9‬وعلى هذا األساس يعتبر مرتكبا لجريمة‬
‫الرشوة‪ ( ،‬أي جريمة الراشي)‪ 9‬وهو بهذا يكون ساعد الموظف على اإلخالل بواجبه المهني‬
‫ودفعه ألى االتجار بوظيفته‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فانه يجب أن تكون هذه االستجابة لطلب الرشوة بعلم من صاحب المصلحة الذي‬
‫يدفع المقابل وهو يعلم مسبقا بأنه غبر واجب عليه‪ ،‬أما إذا كان ال يعلم بذلك معتقدا أن األمر‬
‫يتعلق بأداء ضريبة وقام بذلك عن غلط‪ ،‬فانه ال يعتبر مرتكبا لجريمة الراشي خالفا للموظف‬
‫الذي يعتبر مرتكبا لجريمة المرتشي‪9‬‬

‫‪ 1‬ـ تقديم وعد أو عرض‪:‬‬


‫تقوم هذه الصورة من صور الركن المادي لجريمة الراشي على إغراء الموظف أو من في‬
‫حكمه على المتاجرة بوظيفته‪ ،‬لذلك فان مجرد تقديم وعد أو عرض يعتبر كافيا لقيام هذه‬
‫الجريمة بغض النظر عن قبول الموظف أو رفضه لذلك‪ ،‬شرط أن يكون هذا العرض أو‬
‫الوعد جادا ‪9‬‬

‫المشاركة في جريمة الرشوة‬

‫األصل أن جريمة الرشوة تقوم بطرفيها الراشي والمرتشي‪ ،‬لكن أحيانا قد يوجد‬
‫معهماطرف ثالث يكون هو الواسطة او الرائش بينهما‪ ،‬والوسيط هو كل شخص يقوم يربط‬
‫الصلة بين طرفي الجريمة ـ الراشي والمرتشي بحيث يتولى مساعدتها إما بالتمهيد‬
‫للجريمة أو بتنفيذها‪ 9‬بتعبير آخر فعمل الوسيط يكون هو تسهيل ارتكاب الجريمة من أحد‬
‫الطرفين أو منهما معا‪ ،‬بحيث أن الراشي غالبا ال يجرؤ على دفع مقابل الرشوة خشية أن ال‬
‫يقبلها الموظف ‪ ،‬كما أن هذا األخير يعمل على صد الرشوة التي يقدمها صاحب الحاجة‬
‫خوفا من أن يضبط‪ 9‬وهكذا يتدخل الوسيط بينهما أ لتسهيل علمية االرتشاء فيكون بذلك حلقه‬
‫الوصل بين الراشي والمرتشي ‪9‬‬

‫و المالحظ أن المشرع المغربي لم يتولى هذا الفعل بالتنظيم‪ ،‬مع العلم أن عمل الوسيط يكون‬
‫من نفس قيمة وخطورة عمل كل من الراشي والمرتشي ‪ ،‬واكتفى باعتباره في حكم المشارك‬
‫في جريمة الرشوة طبقا ألحكام الفصل ‪ .0.‬من القانون الجنائي والذي يعتبر من خالل‬
‫الفقرة الثالثة مشاركا في الجريمة كل من ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في‬
‫األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكابها مع علمه بذلك ‪ 9‬ومعنى هذا أن الوسيط المشارك‬
‫في جريمة الرشوة اليمكن مساءلته إال إذا تحققت جريمة الرشوة فعال مادام أنه يستمد‬
‫صفته اإلجرامية من إجرام الفاعل األصلي بغض النظر عن كونه الراشي أو المرتشي ‪9‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬عقوبة الرشوة‬


‫يشمل النظام ا لعقابي لجريمة الرشوة مجموعة من العقوبات التي نص عليها المشرع جزاء‬
‫ارتكاب الجريمة سواء كانت جريمة مرتشي أو جريمة راشي‪ ،‬وهي بهذا قد تكون سالبة‬
‫للحرية وإما أن تكون عبارة عن عقوبة مالية‪ 9‬وعموما‪ ،‬يمكن تقسيم هذه العقوبة إلى عقوبات‬
‫أصلية وعقوبات إضافية‪9‬‬
‫أوال‪ :‬العقوبات األصلية‬
‫هذه العقوبات إما أنها عقوبات جنحية وإما أنها عقوبات جنائية‪9‬‬
‫‪.‬ـ العقوبات الجنحية‪:‬‬
‫نظمت هاته العقوبات مقتضيات الفصلين ‪ 058‬و ‪ 05.‬من القانون الجنائي بالنسبة للمرتشي‬
‫وهي الحبس من سنتين إلى خمس سنوات‪ ،‬وهي نفس العقوبة المقررة بالنسبة للراشي‬
‫بمقتضى الفصل ‪ 04.‬من نفس القانون‪9‬‬
‫على أن ارتكاب الرشوة في مجال المشاريع الخاصة يغير من مدة العقوبة المقررة بالنسبة‬
‫لهذه الجريمة والتي تتحدد من سنة إلى ثالث سنوات بالنسبة لكل من الراشي والمرتشي‪9‬‬
‫وإضافة إلى هذه العقوبة قرر المشرع فرض عقوبة مالية إلى جانبها وذلك بكيفية إلزامية‬
‫وتتمثل في غرامة مالية من ‪ 042‬درهم إلى ‪ 4222‬درهم‪9‬‬
‫‪0‬ـ العقوبات الجنائية‪:‬‬
‫تصبح جريمة الرشوة جناية وتعاقب بالعقوبة المقررة لذلك في الحاالت التالية‪:‬‬
‫= إذا كان الغرض من الرشوة القيام بعمل يكون جناية في القانون‪ ،‬وقد أشار إلى هذه الحالة‬
‫الفصل ‪ 040‬من القانون الجنائي حيث يكفي حصول الرشوة لتوقيع عقوبة الجناية التي وقع‬
‫االتفاق بصددها من ذلك التزوير في محرر رسمي‪9‬‬
‫= إذا كانت رشوة أحد رجال القضاء قد أدت إلى صدور حكم بعقوبة جناية ضد المتهم‪،‬‬
‫وينظم هذه العقوبة الفصل ‪ 041‬من القانون الجنائي والذي يستفاد منه أنه يجب أن يكون‬
‫التشديد عاما بحيث يشمل جميع أطراف مرتكبي الجريمة مع ضرورة صدور حكم بعقوبة‬
‫جناية ضد المتهم‪ ،‬وذك ألنه إذا لم يصدر هذا الحكم فان التشديد ال محل له‪ ،‬كأن تكون‬
‫القضية ما تزال في طور التحقيق أو المحاكمة‪ ،‬لكن ال يشترط أن يكون الحكم باتا بل يكفي ـ‬
‫لحصول التشديد ـ أن يصدر قابال للطعن فيه‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬العقوبات اإلضافية‬
‫تعرض المشرع لهذه العقوبات في الفصلين ‪ 044‬و ‪ 049‬من القانون الجنائي وهي‪:‬‬
‫المصادرة‪ ،‬وهي ال تقع على النقود التي تقدم رشوة غالبا وإنما تنصب على كل ما قدمه‬
‫الراشي فعال كمقابل ( أسهم‪ ،‬عقار‪ ،‬ذهب‪ 9)999‬وهكذا‪ ،‬ال تقع المصادرة على مجرد الوعد‬
‫بتقديم شيء كأن يعده بتمليكه لعقار ما‪9‬‬
‫الحرمان‪ ،‬من بعض الحقوق المنصوص عليها في الفصل ‪ 52‬من القانون الجنائي‬

‫المبحث الثاني‬
‫جرائم التزييف والتزوير واالنتحال‬

‫تتنوع الجرائم الماسة بالثقة العامة وتتعدد‪ ،‬إال أنها رغم هذا التعدد فإنها تتوحد في حماية‬
‫المصلحة القانونية التي يعتدى عليها ‪،‬وتعتبر جرائم التزييف والتزوير واالنتحال من الجرائم‬
‫الماسة بالثقة‪ ،‬وهي تقوم على تغيير الحقيقة عمدا للخداع بوقائع كاذبة‪ ،‬وقد اختلف الفقه حول‬
‫الدوافع واألسباب وراء تجريم التزوير في المحررات وكذا المصلحة التي يهدف القانون‬
‫بتجريمه لهذه األفعال حمايتها‪ ،‬حيث ذهب الرأي الغالب الى أن علة التجريم تكمن في رغبة‬
‫المشرع في حماية الثقة العامة و محاولة ضمان االستقرار والثبات الذي ينبغي أن يحيط‬
‫بالمعامالت وباقي مظاهر الحياة القانونية في المجتمع ‪ ،‬مادام أن الناس يعتمدون على‬
‫األوراق المكتوبة كوسيلة لإلثبات وفض النازعات القائمة بينهم‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يرى البعض أن الحكمة التي يرمي إليها المشرع من خالل تجريم التزوير‬
‫ليست التصدي للكذب و تغيير الحقيقة كفكرة مجردة ألن ذلك دور الدين و األخالق‪ ،‬و لكن‬
‫قصده حماية أدلة اإلثبات التي يُع ّدها و ينشئها الناس بمناسبة معامالتهم تحسبا الستعمالها‬
‫عند الحاجة أمام المصالح العامة و خصوصا أمام القضاء‪ ،‬و ما يؤكد ذلك أن باب التزوير‬
‫في قانون العقوبات يشمل حماية أختام الدولة و الدمغات و العالمات و يُجرم شهادة الزور و‬
‫اليمين الكاذبة و هي كلها وسائل إثبات‪.49‬‬

‫‪49‬‬
‫نجيمي جمال‪ ،‬قراءة في جريمة تزوير المحررات على ضوء القضاء‪ ،‬مندى األوراس القانوني‪ ،‬ص‪0:‬‬
‫وقد خص المشرع المغربي الباب السادس لجرائم التزوير والتزييف واالنتحال من خالل‬
‫الفصول من ‪ 115‬إلى ‪ 1..‬من القانون الجنائي‪ ،‬على أننا في هذه الدراسة سوف نقتصر‬
‫على بعضها وهي المذكورة في الفرع الثالث من الباب أعاله‪ ،‬ويتعلق األمر بتزوير األوراق‬
‫الرسمية أوالعمومية‬
‫والتي نظمها من خالل الفصول‪ 14.‬إلى ‪ 149‬من القانون الجنائي‪950‬‬

‫تعريف التزوير‬
‫خالفا لبعض التشريعات التي لم تعرف التزويرـ كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجزائري‬
‫والقانون المصري مثال ـ فقد عرفه المشرع المغربي في الفصل ‪ 14.‬من القانون الجنائي‬
‫بقوله‪:‬‬
‫" تزوير األوراق هي تغيير الحقيقة فيها بسوء نية‪ ،‬تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى‬
‫‪51‬‬
‫وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون"‪9‬‬
‫نفس الشيء بالنسبة لقانون العقوبات الفرنسي (الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من ‪-10-10‬‬
‫‪ 0991‬بموجب القانون رقم ‪ 0001-92‬المؤرخ في ‪ )0992-02-01‬والذي عرفه‬
‫‪52‬‬
‫جاء فيها‪ " :‬يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة‪ ،‬من شأنه‬ ‫بموجب المادة ‪0-110‬‬
‫إحداث ضرر‪ ،‬و ينجز بأية وسيلة كانت‪ ،‬و ينصب على محرر أو على أية دعامة للتعبير‬
‫عن األفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات‬
‫نتائج قانونية‪ ".‬وقانون العقوبات السوري الذي اعتبر من خالل المادة ‪ ": 100‬التزوير هو‬
‫تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحت ّج بهما‬
‫يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي‪".‬‬

‫‪ 50‬ـ عالج المشرع اللبناني التزوير في المواد من ‪ 541‬إلى ‪ 570‬من قانون العقوبات‪ ،‬وعرفه في المادة ‪ 541‬بقوله‪:‬‬
‫" التزوير هو تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع أو البيانات التي يثبها صك أو مخطوط يشكل مستندا‪ ،‬بدافع إحداث ضرر مادي أو معنوي أو‬
‫اجتماعي‪"9‬‬
‫‪ 51‬ـ وعرفه الفقه الفرنسي بأنه‪:‬‬
‫" تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا"‪9‬‬
‫‪- V.E.Garçon. Code pénal annoté, précité, art.145, 157.n° 19.‬‬
‫‪ 52‬ـ جاء فيها‪:‬‬
‫‪« Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causer un préjudice et‬‬
‫‪accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autre support d'expression de la‬‬
‫‪pensée qui a pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir la preuve d'un droit ou d'un fait ayant des‬‬
‫‪conséquences juridiques‬‬
‫كما عرفه الفقه أيضا واعتبره‪ ،‬كل تغيير للحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها‬
‫القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر‪ ،‬و مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أع ّد له‪.‬‬
‫والمالحظ من خالل هذا التعريف ‪ ،‬أوال أن محل جريمة التزوير هو المحرر الذي لم يتم‬
‫تعريفه من طرف المشرع مادام أنه من الصعب وضع تعريف له حيث ترك للفقه مهمة القيام‬
‫بذلك‪9‬‬
‫ثانيا أ ن التزوير باعتباره تغييرا للحقيقة في محرر لن يتحقق إال بإحدى الطرق التي حددها‬
‫القانون ثالثا أن هذا التزوير الذي يتعين أن يتم بالطرق المحددة قانونا يجب ن يحدث ضررا‬
‫للغير‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬يمكن تلخيص عناصر جريمة التزوير فيما يلي ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يقع تغيير الحقيقة في محرر‬
‫ثانيا ‪ :‬أن يتم تغيير الحقيقة بالطرق التي حصرها القانون‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يكون من شأن هذا التغيير للحقيقة إحداث ضرر للغير‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬أن يتوفر القصد الجنائي‪9‬‬

‫الفقرة األولي‪ :‬أن يكون تغيير الحقيقة حاصال في محرر من المحررات‬


‫لم تتضمن النصوص القانونية الخاصة بجريمة التزوير تعريفا للمحرر الذي يقع عليه‬
‫التزوير‪ ،‬وفي هذا الصدد تعددت التعريفات التي جاء بها الفقه‪ ،‬فمنهم من اعتبره كل ما‬
‫يتضمن عبارات خطية مدونة بلغة يمكن أن يفهمها الناس‪ 953‬ومنهم من قال بأنه كل مسطور‬
‫يتضمن عالمات ينتقل بها الفكر لدى النظر إليها من شخص آلخر‪ 954‬ومنهم من عرفه بأنه‪:‬‬
‫" كل مكتوب يفصح عن شخص من صدر عنه ويتضمن ذكرا لواقعة أو تعبيرا عن إرادة‬
‫من شأنه إنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهاءه أو إثباته‪ ،‬سواء أعد المحرر لذلك أساسا أو‬
‫‪55‬‬
‫ترتب عليه هذا األثر بقوة القانون"‪9‬‬

‫‪ 53‬ـ رمسيس بنهام‪ ،‬قانون العقوبات القسم الخاص‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬ص‪9095:‬‬
‫‪ 54‬ـ محمود محمود مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9.1 :‬‬
‫‪ 55‬ـ عوض محمد عوض‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9.75:‬‬
‫وعرفه الفقه المغربي بأنه‪:‬‬
‫" كل شيء مادي يتضمن كتابة تفيد معنى عند قارئها مهما كانت اللغة التي صدرت بها‬
‫‪56‬‬
‫الكتابة‪ ،‬ومهما كانت الطريقة التي تمت بها سواء كتابة أو بآلة كاتبة أو بقلم أو غيره"‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فانه ليس هنالك اختالف بين هذه التعريفات للمحرر باعتباره شيئا ماديا مكتوبا‬
‫مادام أن الكتابة تعتبر من األركان الالزمة لقيامه‪ ،‬وهو ما يستنتج ضمنيا من النصوص‬
‫القانونية والتي يفهم منها أنها تشير إلى الكتابة‪ ،‬لكن هل الكتابة المقصودة تقتضي أن تمون‬
‫بلغة معينة وبطريقة خاصةن ام ان األمر ال يتطلب ذلك؟‪.‬التعبير الذي تضمنه الفصل ‪050‬‬
‫من القانون الجنائي جاء عاما بحيث لم يشترط لغة معينة وال شكل خاص‪ ،‬زعليه‪ ،‬فالكتابة‬
‫بأية لغة تمت ـ شريطة أن تكون لغة متعارف عليها ومفهومة ـ و بأية وسيلة أوطريقة‬
‫حررت اعتبر تغييرها ـ متى توفرت الشروط القانونية ـ تزويرا ‪9‬وعلى هذا األساس يمكن‬
‫القول بأن جوهر التزوير يتمثل في تغيير الحقيقة المكتوبة بحيث أن كل تغيير لحقيقة لم تكن‬
‫مكتوبة يستبعد من نطاق تطبيق هذه الجريمة‪ ،‬كأن يقع التغيير بالقول كشهادة الزور أو‬
‫بالفعل كالغش في البضائع‪9‬‬
‫ولكي تتوفر صفة المحرر في المكتوب يجب أن يتضمن تعبيرا عن واقعة أو تقريرا عن‬
‫عمل معين لكي يحقق األثر المتوخى منه‪ 9‬وعليه‪ ،‬فان انعدام تحقق ذلك في المحرر كما لو‬
‫كانت الورقة بيضاء وليس بها سوى التوقيع مثال فال مجال العتبارها محررا‪9‬‬
‫لكن‪ ،‬هل يمكن لجريمة التزوير أن تتحقق متى كان محلها منصبا على الدعائم الحديثة‬
‫المعدة لتسجيل البيانات و من بينها األقراص المرنة و األقراص المضغوطة التي أصبحت‬
‫تستعمل بشكل كبير إلى جانب البريد اإللكتروني و غيرها من الوسائل واألساليب التي‬
‫أصبحت متداولة على نطاق واسع عبر شبكة اإلنترنت ؟‪.‬‬
‫عمومية النص القانوني وعدم تحديده للطرق وال للوسائل التي يمكن استعمالها لتغيير‬
‫حقيقة البيانات المضمنة في المحرر بغض النظر عن شكله ‪ ،‬تحقق هذا التغيير باليد أو‬
‫بالقلم أو باستعمال مواد سائلة أو صلبة أو غيرها‪ ،‬إضافة إلى عدم تحديده لشكل المحرر‬
‫يمكن القول أن كل وسيلة تؤدي إلى إحداث التغيير في المحرر كان مكتوبا يدويا أو بآلة‬

‫‪ 56‬ـ العلمي عبد الواحد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9.14:‬‬


‫كاتبة أو بواسطة الحاسوب أو عبارة عن قرص أو عبارة عن وثيقة إلكترونية يعد جريمة‬
‫تزوير‪.‬‬
‫و قد نص المشرع الفرنسي في قانون العقوبات على هذه الدعائم الجديدة إلى جانب‬
‫المحررات التقليدية فأصبح إحداث أي تغيير فيها يعد تزويرا ‪.‬‬

‫الفقرةالثانية‪ :‬تغيير الحقيقة بالطرق القانونية‬


‫يعد عنصر تغيير الحقيقة أساس قيام جريمة التزوير ‪،‬ألن انتفاءه يعني انتفاء التزوير مادام‬
‫أن الجريمة ال تقوم أصال بغير فعل إجرامي‪9‬‬
‫والمقصود بتغيير الحقيقة حسب بعض الفقه‪ ،‬هو إنشاء حقيقة مخالفة أو تحريف حقيقة قائمة‪،‬‬
‫وهذا يقتضي وجود حقيقتين الزائفة منهما‪ 57‬هي الماثلة في المحرر‪9‬‬
‫وقد عرفه جانب آخر بأنه‪:‬‬
‫" تغيير الحقيقة أن ينسب شخص في محرر أمورا لغيره دون رضاه بحيث يحدث بهذا‬
‫‪58‬‬
‫التغيير تعديال في عناصر المركز القانوني للغير"‪9‬‬
‫ويمكن القول بأن تغيير الحقيقة هو كل فعل من شأنه مخالفة حقيقة معينة وذلك باستبدالها‬
‫ووضع حقيقة مزيفة وكاذبة مكانها والتي من شأنها إلحاق الضرر بالغير‪ 9‬من ذلك تحرير‬
‫شهادة مدرسية أو شهادة ميالد وتضمينها لبيانات غير حقيقية‪ ،‬أو تضمينها لبيانات حقيقية‬
‫ولكن يتم إنسابها زورا لغير صاحبها‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فانه يلزم لقيام جريمة التزوير قانونا أن يتم تغيير الحقيقة في المحرر بإحدى‬
‫الطرق التي نص عليها القانون حصرا‪ 9‬وهكذا‪ ،‬فالتزوير إما أن يكون تزويرا ماديا وإما أن‬
‫يكون تزويرا معنويا‪9‬‬
‫التزوير المادي هو كل تغيير للحقيقة في محرر قائم فعال وذلك إما بالحدف لبعض بنوده أو‬
‫بالتعديل أو بالزيادة ‪ ،‬وإما أن يكون بخلق محرر لم يكن موجودا أصال ونسبته إلى الغير‪9‬‬
‫بتعبير آخر‪ ،‬فالتزوير المادي هو كل تغيير للحقيقة يمكن إدراكه ماديا عن طريق الحس أو‬

‫‪ 57‬ـ د محمد عوض محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪..0 :‬‬


‫‪ 58‬ـ محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪452 :‬‬
‫العين سواء بالزيادة أو الحد ف أو التعديل أو بإنشاء محرر ال وجود له أصال‪ 9‬وقد عرفه‬
‫بعض الفقه بأنه عيب في صحة الصك‪959‬‬
‫أما التزوير المعنوي‪ ،‬فهو كل تغيير للحقيقة في مضمون المحرر وجوهره ومعناه‪ ،‬أو في‬
‫ظروف ومالبسات تحريره تغييرا ال يمكن إدراك أثره بسهوله‪ ،‬وذلك بتضمين الفاعل‬
‫اتفاقات تخالف ما تم االتفاق عليه حقيقة‪9‬‬
‫أوال‪ :‬طرق التزوير المنصوص عليها في الفصل ‪ 352‬من القانون الجنائي‬
‫وهي طرق مادية ال يرتكبها إال القضاة والموظفون والموثقون والعدول شرط حدوث التغيير‬
‫وقت أو أثناء قيامهم بوظائفهم وهي‪:‬‬
‫‪ .‬ـ وضع توقيعات مزورة‪:‬‬
‫يقتضي منا الحديث عن هذه الحالة توضيح معنى التوقيع ثم تحديد المقصود بعبارة وضع‬
‫توقيعات مزورة‬
‫التوقيع أو اإلم ضاء أو التعالم أو الختم‪ ،‬هو اإلشارة أو العالمة التي توضع غالبا في أسفل‬
‫األوراق المحررة من طرف من صدر منه هذا المحرر كالبائع أو المشتري أو غيره ممن‬
‫يلزم وضع توقيعه على المحرر ( كعقد البيع ) وكالشاهد الذي حضر وقت تحريره أو‬
‫كالمشبوه فيه الذي اطلع عليه بعد ذلك‪9‬‬
‫والمشرع لم يشترط في التوقيع أن يأتي في شكل معين بحيث يمكن أن يكون عبارة عن‬
‫اسم من صدر عنه أو عبارة عن عالمة أو إشارة أو عبارة عن بصمة األصبع ‪9‬‬
‫أما المقصود بوضع توقيع مزور‪ ،‬فهو أن يقوم شخص ما باستعمال توقيع يعود لشخص‬
‫آخر دون حق ودون الحصول على إذن أو تفويض منه بذلك‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فان تغيير الحقيقة يقوم بمجرد وضع التوقيع أو اإلمضاء‪ ،‬بحيث ال يشترط أن‬
‫يكون تقليدا لإلمضاء الصحيح للشخص الحقيقي‪ ،‬وإذا حدث ووقع تقليد فال أهمية لدرجة‬
‫إتقانه لهذا التقليد‪ 9‬ويتحقق التزوير بهذه الطريقة وذلك بتوقيع الفاعل على المحرر بإمضاء‬
‫ليس له وإنما لشخص آخر‪ ،‬ومع ذلك فهنالك حاالت يتم فيها التزوير بهذا الشكل ولو كان‬
‫الشخص المنسوب إليه المحرر هو الذي قام بالفعل بالتوقيع وذلك في حالة أخذه منه بدون‬

‫‪ 59‬حسني محمد سليمان‪ ،‬قانون العقوبات القسم الخاص‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط ‪ ،0202‬ص‪998:‬‬
‫علمه ورضاه كما لو دس له المحرر بين أوراق أخرى فوقع عليه دون انتباه منه ودون أن‬
‫تتجه إرادته إلى االلتزام به‪9‬‬

‫‪ 0‬ـ تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع‪:‬‬


‫تتحقق هذه الصورة من التزوير بتغيير محرر قائم أو بتغيير في الكتابة المحرر بها المحرر‬
‫أو في التوقيع الموضوع عليه بالحد ف أو التعديل أو اإلضافة‪ ،‬وتشمل هذه الحالة كافة‬
‫األساليب المادية التي يتصور تحققها بعد االنتهاء من تحرير المحرر‪ 9‬من ذلك حدف إمضاء‬
‫صحيح ووضع إمضاء مزور بدال عنه‪ ،‬أو القيام بتمزيق جزء من المحرر إذا كان ذلك يحقق‬
‫الهدف المتمثل في تغيير المحرر أو مضمونه‪ ،‬أو زيادة كلمات لم تكن مدونة بالمحرر والتي‬
‫قد تغير مضمونه‪ ،‬كالزيادة في قيمة مبلغ الدين مثال‪9‬‬
‫ويتعين اإلشارة في هذا اإلطار‪ ،‬إلى أن التغيير الجزئي للمحرر الذي يؤدي إلى تغيير‬
‫الحقيقة تتحقق بواسطته نفس النتيجة التي يحققها التغيير الكلي للمحرر وهي قيام جريمة‬
‫التزوير‪9‬‬

‫‪ 1‬ـ وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين‪:‬‬


‫ويتم ذلك بوضع أو إيراد اسم خيالي في المحرر من طرف األشخاص الموكول إليهم القيام‬
‫بتحرير الوثيقة‪ 9‬أما استبدال أشخاص بآخرين فيتحقق حينما يقوم الموظف العام أو العدل أو‬
‫القاضي بكتابة اسم شخص معين حقيقي بدل اسم شخص آخر‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬طرق التزوير المنصوص عليها في الفصل‪ 353‬من القانون الجنائي‬


‫يشتمل هذا الفصل على حاالت التزوير المعنوي التي تتحقق متى ارتكبت من طرف‬
‫الموظف العام أو العدل أو الموثق وذلك أثناء مزاولته لمهمته أو وظيفته حيث يقوم بتغيير‬
‫جوهر المحرر أو إحداث تغيير في ظروف تحريره وذلك إما‪:‬‬
‫‪ .‬ـ بكتابة الفاعل التفاقات تخالف ما اتفق عليه أو مارسمه أو أماله األطراف المعنيون‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ذلك أن يطلب المتعاقدان من الموثق تحرير عقد بيع وبدال من ذلك يقوم بتحرير عقد‬
‫هبة‪ 9‬أو أن يقوم العدل بتدوين مهر أقل من المهر المتفق عليه بين الزوجين‪ 9‬ويستوي أن يكون‬
‫التزوير بهذا الشكل شامال للمحرر بأكمله أو لجزء منه فقط أو لبند من بنوده‪ ،‬من ذلك أن‬
‫يثبت الموثق أن البائع يقر بقبضه للثمن كامال بينما هو طلب إثبات قبضه لجزء منه فقط‪ 9‬وال‬
‫يؤثر في قيام جريمة التزوير بهذه الطريقة أن يكون صاحب الشأن المقر قد وقع على‬
‫المحرر متى ثبت جهله بما تم تدوينه في المحرر‪960‬‬
‫‪ 0‬ـ بإثب ات صحة وقائع يعلم الفاعل أنها غير صحيحة‪ ،‬من ذلك أن يثبت العدل أن الزوجة‬
‫خالية من الموانع الشرعية للزواج مع أن العكس هو الصحيح بأن كانت مازالت في عصمة‬
‫رجل آخر أو لم تنته من عدتها بعد‪ 9‬وكذلك أن يذكر الموظف العام تاريخا غير التاريخ‬
‫الحقيقي الذي دون فيه المحرر أو الوثيقة‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ بإثبات الفاعل لوقائع على أنه اعترف بها لديه أو أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك‪،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أن المحقق أن المتهم اعترف بالجريمة في حين أنه لم يعترف بذلك‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات المتلقاة‪9‬‬

‫ثالثا‪ :‬طرق التزوير المنصوص عليها في الفصل ‪ 353‬من القانون الجنائي‬


‫هذه الطرق منها ما هو مادي‪ ،‬ومنها ما هو معنوي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ 60‬ـ أحمد أمين‪ ،‬شرح قانون العقوبات األهلي‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬القاهرة‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،...5 ،‬ص‪127:‬‬
‫‪ .‬ـ التزييف أو التحريف في الكتابة أو التوقيع‪ ،‬ويتحقق التزييف في هذه الحالة بتغيير‬
‫الحقيقة أي تغيير التوقيع أو الكتابة باصطناع كتابة أو توقيع ونسبته إلى الغير خالفا للحقيقة‪،‬‬
‫و تندرج هذه الحالة ضمن صور التزوير المادي‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ اصطناع اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء أو إضافتها في تلك المحررات بعد‬
‫تحريرها‪9‬‬
‫وطرق التزوير في هذه الحالة تنقسم إلى قسمين هما‪:‬‬
‫أ ـ اصطناع اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء‪9‬‬
‫ب ـ إضافة اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء‪9‬‬
‫والمالحظ أن هذه الطرق تنتمي لطرق التزوير المادي وذلك ألن المشرع استعمل كلمة‬
‫اصطناع اتفاقات أو إضافتها بعد تحريرها‪ 9‬على أن عدم إشارة المشرع إلى هذه الطرق عند‬
‫حصره لطرق التزوير المادي المرتكبة من طرف القضاة أو الموظفون العموميين أو العدول‬
‫أو الموثقون في المادة ‪ 140‬من القانون الجنائي‪ ،‬ليس معناه أن الموظف عند اصطناعه‬
‫لمحرر متضمنا التفاق ال يكون مزورا وإنما يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لتزوير معنوي‪ ،‬ما‬
‫دام أنه أثبت واقعة وهو يعلم عدم صحتها‪ ،‬أو تزوير مادي ألنه وضع توقيعا على المحرر‬
‫ونسبه للغير‪9‬‬
‫وإضافة غلى ما سبق فان ارتكاب األشخاص غير الموظفين لهذه الطرق في التزوير لن‬
‫تكون عقوبته السجن المؤبد كما أشار إلى ذلك الفصلين ‪ 140‬و ‪ 141‬من ق ج ‪ ،‬وإنما يعاقب‬
‫بالسجن من ‪ .2‬إلى ‪ 02‬سنة حسب مقتضيات الفصل ‪ 145‬من نفس القانون‪ 9‬لكن إن هو قام‬
‫باصطناع رخص ة مثال لفتح محل تجاري‪ ،‬أو شهادة مدرسية للعمل بها‪ ،‬فانه يعتبر مزورا‬
‫لكنه ال يعاقب بالعقوبة المقررة في الفصل السابق اإلشارة إليه‪ ،‬وإنما يعاقب بحسب ما أقره‬
‫الفصل ‪ 192‬ق ج‪ ،61‬ألن الورقة التي اصطنعها ال تتضمن اتفاقا أو ابراءا أو تضمينا أو‬
‫التزاما‪9‬‬

‫‪ 61‬ـ تقول الفقرة األولى من الفصل ‪ 192‬من القانون الجنائي‪:‬‬


‫" من زيف أو زور أو غير في الرخص أو الشهادات أو الكتيبات أو البطاقات أو النشرات أو التواصيل أو جوازات السفر أو أوامر الخدمة أو‬
‫أوراق الطريق أو جوازات المرور‪ ،‬أو أية وثيقة أخرى تصدرها اإلدارات العامة إثباتا لحق أو هوية أو صفة أو منح ترخيص‪ ،‬يعاقب بالحبس من‬
‫ستة أشهر إلى ثالث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف وخمسمائة درهم‪9‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل ‪ ،52‬لمدة ال تقل عن خمس سنوات وال‬
‫تزيد على عشر‪"9‬‬
‫‪ 1‬ـ إضافة أو حدف أو تحريف الشروط أو التصريحات أو الوقائع التي خصصت تلك‬
‫المحررات إلثباتها أو اإلدالء بها‪:‬‬
‫هذه الحالة يتحقق بها التزوير المادي إذا كان الحدف أو اإلضافة أو التحريف للشروط أو‬
‫التصريحات أو الوقائع إلثبات المحررات أو اإلدالء بها وقع بعد تحريرها‪ 9‬أما إذا وقع‬
‫ال حدف أو اإلضافة أو التحريف للشروط أو التصريحات أو الوقائع إلثبات المحررات أثناء‬
‫أو قبل تحريرها فإننا نكون أمام تزوير معنوي‪9‬‬

‫‪ 5‬ـ خلق أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص بآخرين‪:‬‬


‫هذه الوسيلة كباقي الوسائل السابقة للتزوير قد تكون تزويرا ماديا متى تمت وتحققت بعد‬
‫تحرير المحرر‪ ،‬على أنها تصبح تزويرا معنويا متى تمت قبل أو أثناء الحرير‪9‬‬

‫الفقرة الثالثة‪:‬أن يرتب تغيير الحقيقة ضررا بالغير‬


‫تحقق الضرر من جراء التزوير جدال فقهيا وقضائيا بالنسبة لبعض‬ ‫أثارت مسألة‬
‫التشريعات من بينها فرنسا و مصر ولبنان‪ ،‬وذلك حول ما إذا كان يكفي لقيام التزوير قانونا‬
‫ومعاقبة الجاني على ذلك أن يكون التغيير الذي لحق الحقيقة قد تم بإحدى الطرق المحددة‬
‫قانونا‪ ،‬أم أنه يجب إضافة إلى ذلك أن يؤدي هذا العمل إلى إلحاق الضرر بالغير؟‪9‬‬
‫قبل أن نعرض آلراء الفقه وكذا القضاء في هذا الصدد نشير إلى أن المشرع المغربي كان‬
‫واضحا في هذا الشأن حين أكد من خالل مقتضيات الفصل ‪ 14.‬من القانون الجنائي على‬
‫ضرورة أن يسبب التغيير في حقيقة المحرر ضررا متى تم بإحدى الطرق المنصوص عليها‬
‫قانونا‪9‬‬
‫وبالرجوع إلى موقف الفقه والقضاء فقد انقسم إلى اتجاهين‪ ،‬اتجاه معارض إللزامية تحقق‬
‫الضرر وي برر موقفه باعتماده على ما يقضي به المنطق الذي يفترض حماية الثقة العامة في‬
‫المحرر وبالتالي فان أي تغيير في بياناته من شأنه أن يحقق ضررا بتلك المصلحة وهو‬
‫ضرر مفترض ليس في حاجة إلى إثبات ومن ثم فالعقاب على التزوير ال يتوقف على تحققه‬
‫الفعلي‪962‬‬
‫والحقيقة أن هذا االتجاه يوسع من دائرة العقاب على جريمة التزوير وذلك بمجرد تغيير‬
‫الحقيقة ودون اشتراط تحقق الضرر بسبب ذلك‪9‬‬
‫وقد انتقد بعض الفقه هذا االتجاه حين اعتبر أن هذا األمر يخرج عن قصد المشرع ذلك أن‬
‫تغيير الحقيقة ال ينصرف إلى مطلق الحقيقة وإنما إلى الحقيقة المثبتة في المحرر‪ ،‬فوكيل‬
‫النيابة الذي يغفل عن توقيع محضر التحقيق عقب االنتهاء منه ثم يوقعه في لحظة ثانية الشك‬
‫أنه يغير من الحقيقة عند إقفال المحضر‪ ،‬والموثق الذي يغفل عن إثبات توقيع الشاهد لحظة‬
‫تحرير العقد ثم يطلبه لوضع اإلمضاء الشك أنه يغير من حقيقة المحرر‪ ،‬وال يتصور في مثل‬
‫هذه الفروض أن نكون بصدد تزوير معاقب عليه‪963‬‬
‫أما االتجاه المؤيد وهو االتجاه الغالب‪ ،‬فيقضي بضرورة تحقق الضرر باعتباره شرطا يحد‬
‫من إطالق النصوص ويحول دون امتدادها إلى وقائع ال يسوغ فيها العقاب‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس فإذا كان المشرع يحمي الثقة العامة في المحررات فليس كل تغيير من شأنه أن‬
‫يحدث إخالال بتلك الثقة‪ ،‬وإنما فقط التغيير الذي ينشأ عنه ضرر فعلي أو على األقل احتمال‬
‫الضرر‪964‬‬
‫وعموما‪ ،‬فان المنطق والعدالة يقتضيان ضرورة تحقق الضرر للغير من جراء تغيير حقيقة‬
‫المحرر‪ ،‬وعلى هذا األساس فان المحكمة تكون ملزمة بالتثبت من ذلك‪ ،‬وأن تبين الوقائع‬
‫التي تظهر هذا الضرر وإال عرضت حكمها للنقض‪9‬‬
‫والضرر كما عرفه الفقه‪ ،‬هو كل مساس بحق أو مصلحة لشخص ما مساسا يفوت عليه‬
‫ربحا ويكبده خسارة أو يؤذيه في مركزه االجتماعي أو في عاطفته أو شعوره‪965‬‬
‫والضرر قد يكون ماديا يلحق باألموال والممتلكات أي بالذمة المالية للشخص ‪ ،‬وهو الغالب‬
‫في جريمة التزوير من ذلك تزوير عقد بيع شيء معين كعقار أو سيارة أو اصطناع سند دين‪9‬‬

‫‪ 62‬ـ نقض جنائي مصري صادر بتاريخ ‪ ..‬ديسمبر ‪ ،..99‬مجموعة أحكام محكمة النقض‪ ،‬س ‪ ،.7‬ص‪9.079 :‬‬
‫ـ نقض جنائي بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪ ،..55‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج ‪ ،9‬ق ‪ ،1.1‬ص‪9501:‬‬
‫‪ 63‬ـ مأمون سالمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪9551 :‬‬
‫‪ 64‬ـ ‪V.R.Garraud. Traité théorique et pratique de droit pénal. T 4.n° 1394.‬‬
‫‪ 65‬ـ محمد لبيب شنب‪ ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬رسالة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بند ‪915‬‬
‫ويمكن أن يكون معنويا وهو الذي يصيب الشرف أو االعتباري في حق آخر غير حقوقه‬
‫المالية‪ ،‬من ذلك التزوير في شهادة مدرسية أو جواز السفر أو انتحال اسم في عقد زواج‪9‬‬
‫والضرر إما أن يقع حاال وهو الذي يحدث فعال وذلك باستعمال المحرر المزور‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون محتمال وهو الذي من الممكن أن يحصل ومن الممكن أن ال يحصل‪ 9‬كما أنه قد يكون‬
‫مستقبال وهو الذي ال يكون حاال ولكن محقق الوقوع في المستقبل‬
‫وعموما‪ ،‬فإن الضرر المرتب للعقاب عن التزوير يشمل كل أنواع الضرر ‪ ،‬خالفا‬
‫للمسؤولية المدنية التي ال تقضي بالتعويض إال على الضرر الحال والمستقبل‪9‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬الركن المعنوي‬


‫جرائم التزوير من الجرائم العمدية التي يستلزم قيامها ضرورة تحقق القصد الجنائي لدى‬
‫الفاعل وذلك في صورتيه العامة والخاصة‪ 9‬فاألول يتحقق باتجاه إرادة الفاعل إلى تغيير‬
‫الحقيقة وكذلك إلى أثره المثمتل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة‪ ،‬كما يلزم‬
‫أيضا لتحقق القصد العام أن يكون الفاعل عالما بكافة العناصر المكونة لسلوك التزوير أي‬
‫تغيير الحقيقة بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا‪ ،‬وأن يرتب ذلك ضررا للغير‪9‬‬
‫وبناءا على ما سبق فإن القصد العام ينتفي متى كان الفاعل حسن النية وذلك بأن غير الحقيقة‬
‫نتيجة غلط أو جهل بحقيقة الوقائع التي أدت إلى حدوث جريمة التزوير‪9‬أو أن يكون قد أكره‬
‫على القيام بالتزوير سواء كان اإلكراه الممارس عليه إكراها ماديا كأخذ يده وإجباره على‬
‫التوقيع ‪ ،‬أو إكراها معنويا كتهديده بقتل أحد أقربائه كابنه مثال‪ 9‬أو أن ال يكون مدركا لما يقوم‬
‫به وذلك بأن كان قاصرا أو مجنونا‪9‬‬
‫أما الثاني وهو القصد الخاص والذي يتحقق متى كانت للفاعل الرغبة واإلرادة في تحقيق‬
‫غ اية أو هدف من وراء تغييره للحقيقة عن طريق التزوير‪9‬وقد اختلف الفقه في تحديد‬
‫مضمون القصد الخاص في جريمة التزوير‪ ،‬فهو لدى البعض نية اإلضرار بثروة الغير أو‬
‫بكرامته واعتباره‪ 966‬ولدى البعض اآلخر هو نية استعمال المحرر المزور فيما زور من‬
‫أجله‪967‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫الجرائم الماسة باآلداب‬

‫‪ 66‬ـ ‪V. Donnedieu de vabres, Essai sur la notion de préjudice dans la théorie générale du faux documentaire.‬‬
‫‪Sirey. 1943.p :231.‬‬
‫‪ 67‬ـ أحمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9048 :‬‬
‫ـ محمود محمود مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9..0:‬‬
‫تطلق الجرائم الماس باآلداب أو جرائم العرض كما يسميها بعض الفقه‪ ،‬على كل الجرائم‬
‫التي تخرج عن إطار األخالق العامة والقيم والمبادئ السامية والسائدة في المجتمع‪968‬‬
‫وقد تعرض المشرع المغربي لجرائم العرض في الفرع السادس من الباب الثامن من خالل‬
‫الفصول ‪ 581‬إلى ‪ 5.9‬من القانون الجنائي تحت عنوان "في انتهاك اآلداب" وفي الفرع‬
‫السابع من نفس الباب من خالل الفصول ‪ 5.7‬إلى ‪ 425‬ق ج تحت عنوان " إفساد الشباب‬
‫وفي البغاء"‪ ،‬ـ إضافة إلى المواد من ‪ 4.‬إلى ‪ 99‬من قانون الصحافة التي عاقبت على‬
‫األفعال المنتهكة لآلداب العامة ـ والتي تولت تحديد األركان العامة التي يقتضيها تحقق‬
‫جرائم الفساد والخيانة الزوجية واالغتصاب والشذوذ الجنسي‪ ،‬حيث تتحقق من خالل كل‬
‫ممارسة جنسية خارج إطار العالقة الزوجية المشروعة سواء كانت برضى الطرفين أو‬
‫بإكراه أحدهما‪ ،‬بين رجل وامرأة أو بين فردين من نفس الجنس‪97069‬‬
‫كما عاقبت على التحريض على العالقات الجنسية غير المشروعة وأعمال الوساطة واالتجار‬
‫والمساعدة على ارتكابها واإلخالل العلني بالحياء‪ ،‬ونشر وتوزيع الصور والرسوم المنافية‬
‫لألخالق واآلداب‪9‬‬
‫وسوف نقتصر في دراستنا لهذا النوع من الجرائم على جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية‬
‫ثم جريمة االغتصاب‪9‬‬

‫المبحث األول‬
‫جريمة الفساد‬
‫جريمةةة الفسةةاد أو جريمةةة الزنةةا كمةةا يسةةميها بعةةض الفقةةه‪ ،‬مةةن الجةةرائم الماسةةة بةةاألخالق‬
‫واآلداب التي جرمتها الةديانات السةماوية ومةن بينهةا اإلسةالم الةذي لةم يكتةف بتجريمهاا وإنماا‬
‫فرض عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة ‪،‬قال تعاالى‪ ":‬الزانياة والزاناي فاجلادوا‬

‫‪ 68‬ـ اختلفت التشريعات الوضعية حول تقرير العقاب على جرائم العرض‪ ،‬فمنها من تشدد في ذلك واعتبر كل العالقات الخارجة عن إطار رابطة‬
‫الزواج جريمة فساد يستحق القائم بها أقصى العقوبات ومن بينها المشرع المغربي‪ 9‬في حين اقتصر جانب آلخر على المعاقبة على االتجار في بغاء‬
‫الغير وإكراهه على ممارسة الجني خارج إطار العالقة الزوجية‪9‬‬
‫واتخذ اتجاه ثالث موقفا وسطا بحيث ال يعاقب على الفساد والزنا اللذان يتمان برضا أطرافه‪ ،‬وتعاقب على الجرائم التي يكون أحد طرفيها متزوجا‬
‫أو قاصرا ويمارس البغاء بصفة اعتيادية‪9‬‬
‫‪ 69‬خصص المشرع المصري لجرائم االعتداء على العرض الباب الرابع من الكتاب الثالـث من قانـون العقوبات تحت عنوان " هتك‬
‫العرض وفساد األخالق"‬

‫‪ 70‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة الثانية ‪9..89‬ص‪9004:‬‬
‫كل واحد منهما مائاة جلادة و ال تأخاذكم بهماا رأفاة فاي ديان ن إن كناتم تؤمناون بااو والياوم‬
‫اآلخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "‪.71‬‬
‫كماا جرمتهاا السانة أيضاا فعان عباد ن بان مساعود ـ رضاي ن عنا ـ قاال‪ :‬قاال رجال ‪ :‬ياا‬
‫رسول ن‪ ،‬أي ذنب أعظام عناد ن ‪ ،‬قاال ‪ :‬أن تجعال و نادا وهاو خلقاق‪ ،‬فقاال لا ‪ :‬إن ذلاق‬
‫لعظيم‪ ،‬ثم أي قال‪ :‬أن تقتل ولدق خشية أن يطعم معق‪ ،‬قال‪ :‬ثم أي ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تزاناي حليلاة‬
‫جارق‪ ،‬فأنزل ن عز وجل تصديقها‪ :‬والذين ال يادعون ماهللا ن إلهاا خخار‪ ،‬وال يقتلاون الانفس‬
‫لا العااذاب يااوم‬ ‫التااي حاارم ن اااال بااالحق‪ ،‬وال يزنااون‪ ،‬وم يفعاال ذلااق يلااق اثامااان يضاااع‬
‫القيامة ويخلد فيها مهانا‪".‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي ن عن قال‪ ":‬إن ن بعث محمد باالحق وأنازل عليا الكتااب‬
‫فكان ما أنزل ن علي خية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول ن (صلى ن عليا وسالم)‬
‫ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد الرجم فاي كتااب ن فيضالوا‬
‫بترق فريضة أنزلها ن في كتاب فإن الرجم في كتاب ن الحق على من زنى"‪.‬‬
‫و تعتبر جريمة الفساد من الجرائم االستثنائية لكونها تمس باألمن االجتماعي و األخالقي‬
‫لكل شخص داخل المجتمع ولكونها تتعلق بعرض الناس و شرفهم من جهة ‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ألن المشرع خصها بوسائل إثبات معينة تختلف عن تلك التي اعتمدها بالنسبة لباقي‬
‫الجرائم حيث يقضي فيها بحرية اإلثبات‪9‬‬
‫وقد أشار المشرع لجريمة الفساد في الفرع السادس‪،‬الخاص بانتهاك اآلداب‪ ،‬من الباب‬
‫الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام األسرة واألخالق العامة‪ ،‬من خالل المادة ‪5.2‬‬
‫من القانون الجنائي التي جاء فيها‪:‬‬
‫" كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال ترتبط بينهما عالقة زوجية تكون جريمة الفساد‪،‬‬
‫ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة"‪ 972‬حيث لم يميز المشرع المغربي في‬

‫‪ 71‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪0 :‬‬


‫‪ 72‬ومعنى الفساد مرادف للزنا ‪ ،‬وله معاني كثيرة في اللغة وأشهرها المباشرة المحرمة‪ ،‬واصطالحا معناه وطء المرأة دون وجود عقد‬
‫شرعي‪ 9‬وأجمع أغلب فقهاء الشريعة اإلسالمية تعريف هذه الجريمة‬
‫فالمذهب الحنفي يرى أن ‪ ” :‬الزنا هو اسم للوطء الحرام من قبل المرأة الحية في حالة االختيار‪ ،‬في دار العدل ممن التزم أحكام اإلسالم‪. ،‬‬
‫وعن المذهب الشافعي ‪ ” :‬الزنا هو وطء رجل من أهل دار اإلسالم امرأة محرمة عليه من غير عقد وال شبهة عقد والملك ‪ ،‬وهو مختار عالم ‪.‬‬
‫بالتحريم"‪9‬‬
‫المذهب المالكي ‪ ”:‬الزنا هو وطء مكلف فرج امرأة الملك له فيه تعمدا" وعرفـوه أيضا بأنه‪“ :‬كل وطء وقع على غير نكاح صحيح المذهب ‪.‬‬
‫الحنبلي‪ ”:‬الزنا هو وطء امرأة من قبلها حراما ال شبهة له في وطئها فهو زان‪ ،‬ويجب عليـه الحد‬
‫تجريمه للفساد بين الرجل والمرأة ‪ ،‬خالفا للقانون السوري الذي فرق في هذا الصدد بين‬
‫زنا الزوج وزنا الزوجة ‪ ،‬يتضح ذلك من خالل مقتضيات المادة ‪ 571‬التي جاء فيها‪:‬‬
‫" ‪.‬ـ تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنتين ‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجا ً وإال فالحبس من شهر إلى‬
‫سنة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ فيما خال اإلقرار القضائي والجنحة المشهودة ال يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إال ما‬
‫نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها‪".‬‬
‫وحتى تتحقق جريمة الفساد يتعين توفر أركانها العامة ‪ ،‬حيث تكون معاقبة مرتكبيها قائمة‬
‫بعد أن يتم إثباتها ثانيا‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة الفساد‬


‫كما هو الشأن بالنسبة للجريمة بصفة عامة‪ ،‬فإن أركان جريمة الفساد تتمثل أساسا في الركن‬
‫المادي ثم الركن المعنوي وهو ما أكده القضاء حينما اعتبر‪ " :‬قرينة وجود المتهمين تحت‬
‫سقف واحد غير كافية إلدانتهما من أجل جنحة الفساد"‪ 973‬وهو ما يعني ضرورة توفر‬
‫األركان الالزمة لقيام هذه الجريمة ‪9‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي‬


‫يتحقق الركن المادي لجريمة الفساد بحصول اتصال جنسي بين رجل وامرأة ‪ ،‬والمقصود‬
‫باالتصال الجنسي الجماع الذي يكون عادة بين رجل وامرأة أو بين الزوج وزوجته‪ ،‬فالزواج‬
‫والزنا مظهران لنفس الفعل وهو المواقعة ؛ غير أن األول مشروع دينيا وقانونيا‪ ،‬والثاني‬
‫محرم شرعا ومجرم قانونا‪9‬‬

‫‪ 73‬قرار عدد ‪ ،.142‬بتاريخ ‪ ،.2/20/.4‬ملف عدد ‪ ،88/.5.50‬مجلة المعيار‪ ،‬ص ‪..0‬‬


‫واعتبار المواقعة جرما يقتضي انعدام العالقة الزوجية بين كل من المرأة والرجل طرفي‬
‫الفعل‪ 9‬كما أن تحقق جريمة الفساد ال يشترط فيه ضرورة انتهاء العالقة الجنسية ‪ ،‬أي دون‬
‫أن يحقق الطرفين رغبتهما من هذه المواقعة‪ ،‬وإنما مجرد االتصال الجنسي يشكل عنصرا‬
‫في تحقق الركن المادي الذي تقوم به الجريمة‪ 9‬كما أن األمر ال يقتضي ضرورة تكرار‬
‫العملية الجنسية بين الرجل والمرأة ألكثر من مرة بل حدوثها لمرة واحدة يكفي لتحقق الفساد‪9‬‬
‫واشتراط المشرع انعدام وجود عالقة زوجية بين المرأة والرجل المقيمين للعالقة الجنسية‪،‬‬
‫معناه أن جريمة الفساد تنتفي بوجود عقد الزواج وإن كان هذا الزواج فاسدا‪ 974‬ونفس الشيء‬
‫إذا تعلق األمر بحدوث وطء أثناء فترة العدة من طالق رجعي حيث تعتبر المواقعة إذ ذاك‬
‫بمثابة استرجاع الرجل للمرأة المطلقة إلى عصمته‪975‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬


‫يتحقق الركن المعنوي لجريمة الفساد بتوفر القصد لدى كل من المرأة والرجل في القيام‬
‫بالمعاشرة الجنسية مع إدراكهما لحقيقة التصرف الذي يقومان به‪ ،‬وعلمهما بانعدام وجود‬
‫رابطة الزوجية بينهما‪9‬‬
‫بتعبير آخر‪ ،‬فإنه يلزم أن يكون كل من الفاعلين عالما ومريدا الرتكاب هذا العمل‬
‫اإلجرامي‪ ،‬فإذا تحقق ال علم واإلرادة تحقق الركن المعنوي لجريمة الفساد وثبت بالتالي الحق‬
‫في مساءلة كل منهما ومعاقبته بما هو مقرر قانونا‪9‬‬
‫على أن وجود عالقة الزوجية ينفي تحقق الركن المعنوي وإن كان الطرفين غير عالمين بها‬
‫أو يجهالن وجودها وبالتالي فلهما الحق في إثباتها ونفي جريمة الفساد عنهما‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إثبات جريمة الفساد‬


‫تنص المادة ‪ 5.1‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬

‫‪ 74‬ـ وهو ما أكده المجلس األعلى من خالله قراره التالي والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" حيث أنه من جهة فبمقتضى الفصل ‪ 5.2‬من القانون الجنائي فإن كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال تربط بينها عالقة الزوجية تكون جريمة‬
‫الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة"‪9‬‬
‫قرار رقم ‪ 757.‬الصادر بتاريخ ‪ 0‬أكتوبر ‪ ، ..85‬منشور مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬المادة الجنائية من ‪ ..8.‬إلى ‪ ،...4‬ص‪954 :‬‬
‫‪ 75‬ـ العلمي عبد الواحد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9.45:‬‬
‫" الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 5.2‬و ‪ 5..‬ال تثبت إال بناء على محضر رسمي‬
‫يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب‬
‫أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي"‪9‬‬
‫يعتبر نص الفصل ‪ 5.1‬استثناءا من القاعدة العامة المقررة بمقتضى المادة ‪ 088‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪76‬التي تقر مبدأ حرية اإلثبات‪ ،‬وذلك باشتراطه ضرورة أن يتم إثبات‬
‫جريمة الفساد بإحدى الوسائل الثالث‪ 77‬المنصوص عليها أعاله وهو ما يتباه قضاء محكمة‬
‫النقض‪ 78‬في قرار له نقض من خالله قرار محكمة االستيناف بقوله ‪:‬‬
‫" وحيث أنه ال ينتج ال من الحكم االبتدائي وال من القرار المطعون فيه المؤيد له وال من‬
‫سائر أوراق الملف أن هناك محضرا رسميا حرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة‬
‫التلبس أو اعترافا تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهمة أو اعترافا قضائيا بارتكاب‬
‫الجريمة مما هو مشروط توفره في الفصل ‪ 5.1‬من القانون المذكور‪ ،‬وعليه فإن المحكمة لما‬
‫أصدرت قرارها على النحو المذكور لم تجعل لما قضت به أساسا صحيحا من اقانون‬
‫‪79‬‬
‫ولإلبطال"‪9‬‬ ‫للنقض‬ ‫وعرضته‬
‫وفي قرار آخر‪:‬‬
‫" قرينة وجود المتهمين تحت سقف واحد غير كافية إلدانتهما من أجل جنحة الفساد‪."80‬‬
‫ويمكن تلخيص هذه الوسائل في الصور التالية وهي‪:‬‬

‫‪ 76‬ـ التي تقول‪:‬‬


‫" يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ما عدا األحوال التي يقضي القانون فيها بخالف ذلك‪ ،‬ويحكم القاضي حسب اعتقاده‬
‫الصميم‪9‬‬
‫فإذا رأى أن اإلثبات غير قائم قرر عدم إدانة المتهم وحكم ببراءته"‪9‬‬
‫‪ 77‬ـ وهو ما أكد عليه المجلس األعلى من خالل القرار التالي والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" ال يكفي في إثبات الجريمة المعاقب عليها في الفصل ‪ 5..‬ق ج أن تقول المحكمة أنها اقتنعت بثبوت الجريمة بل البد أن تبني حكمها على أحد‬
‫دالئل اإلثبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 5.1‬من نفس القانون"‪9‬‬
‫ـ قرار عدد ‪ 00.‬الصدر بتاريخ ‪ 8‬يناير ‪ ،..72‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ .2.‬ـ ‪،..2‬ص‪95.2:‬‬
‫وفي نفس السياق انظر‪:‬‬
‫ـ قرار ‪ .5‬يناير ‪ ،..80‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ ،10‬ص‪9.12 :‬‬
‫‪ 78‬قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض عدد ‪ 1.99‬سنة ‪ ،..80‬منشور بالموقع اإللكتروني ‪ :‬محكمتي‬
‫‪ 79‬نفس الشيء أكده قرار محكمة االستيناف بالدارالبيضاء جاء فيه‪:‬‬
‫" فال يمكن مثال تطبيق مقتضيات المادة ‪ 420‬من القانون الجنائي لمجرد تواجد رجل و امرأة في بيت واحد ألن ذلك ال يعني تحريضا على الفساد‬
‫مادام المحضر خاليا من أي وصف أو عبارة تفيد ذلك‪ ،‬ومادامت الوسائل المغرية غير متوفرة والطرف المحرض له منعدما‬
‫قرار محكمة االستيناف بالدارالبيضاء بتاريخ ‪ ،...2/.0/..‬عدد ‪ ، .474‬ملف جنحي عدد ‪ ،.2/7712./.2459‬مجلة المحاكم‬
‫‪.‬ا المغربية‪ ،‬عدد ‪ 99‬ص‪02.9‬‬
‫‪ .80‬قرار محكمة النقض ( المجلس األعلى سابقا ) عدد ‪ ،.142‬بتاريخ ‪ ،.2/20/.4‬ملف عدد ‪ ،88/.5.50‬مجلة المعيار‪ ،‬ص ‪..0‬‬
‫‪ .‬ـ محضر ضابط الشرطة القضائية المحرر في حالة التلبس‪ :81‬والذي يكتفي فيه الضابط‬
‫بتسجيل الوقائع التي شاهدها بحيث يبقى للمحكمة السلطة والصالحية في اعتبارها تمثل حالة‬
‫للتلبس أم ال وبالتالي ثبوت جريمة الفساد في حق المتهم أو العكس هذا من جهة‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى فإن حالة التلبس تعتبر من المسائل الخاصة بالجريمة وليس بالجاني وعلى هذا‬
‫األساس إذا ثبتت الجريمة اتهم بها كل من الفاعل األصلي والمساهمين والمشاركين وإن لم‬
‫يتم ضبطهم في حالة التلبس‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ االعتراف المضمن في مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم‪ :‬والمقصود بذلك االعتراف‬
‫الصادر عن المتهم بالجريمة أي تلك األوراق التي يقوم المتهم بكتابتها ‪ ،‬لكن هل يشترط أن‬
‫تكون هذه المكاتيب واألوراق مكتوبة بيد المتهم شخصيا أم يجوز االعتداد بها وإن كانت‬
‫مكتوبة من طرف الغير؟ ‪9‬‬
‫ال يوجد بالقانون مقتضى قانوني يجيب على هذا التساؤل‪ ،‬وعليه يمكن القول أن انه يعد من‬
‫األوراق المكتوبة الصادرة من المتهم تلك األوراق التي وإن لم تكتب بيده إال أنها موقعة من‬
‫طرفه بأية وسيلة بالكتابة أو بالبصمة أو أو غيرها من الطرق شرط أن يكون عالما بما‬
‫يحتويه هذا المحرر ‪ ،‬كما يمكن انه أن يكون المحرر المكن اعتماده كوسيلة إلثبات الفساد‪،‬‬
‫مكتوبا باللغة العربية أو بأية لغة أخري‪ 9‬هذا من جهة‪ ،‬من جهة أخرى هل يمكن أن تقوم‬
‫التسجيالت الصوتية مقام المكاتيب واألوراق المكتوبة من طرف المتهم؟ جوابا على هذا‬
‫السؤال يمكن القول أن اعتماد االعتراف المضمن بالمكاتيب واألوراق كوسيلة لإلثبات يفهم‬
‫منه عدم إمكانية أن تقوم التسجيالت الصوتية مقامها لوجود الفرق بين الطريقتن في التعبير‬
‫أوال‪ ،‬وألن إمكانية تقليد األصوات أصبحت من األمور الممكنة واقعا وهو ما يستدعي‬
‫إستبعاد اعتمادها إلثبات الفساد‪9‬‬

‫‪ 81‬ـ والتي حددتها المادة ‪ 48‬من قانون المسطرة الجنائية بقولها‪:‬‬


‫" يعتبر التلبس في الجناية أو الجنحة قائما في إحدى األحوال اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬في حالة إنجاز الفعل الجنائي أو على إثر إنجازه‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬في حالة ما إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬في حالة ما إذا وجد المجرم بعد مرور زمن قصير على ارتكاب فعلته حامال أسلحة أو أشياء يستدل منها على أنه شارك في الفعل اإلجرامي‬
‫أو وجدت عليه آثار أو على أمارات تثبت مشاركته‪9‬‬
‫وتتسم بصفة التلبس بالجناية أو الجنحة كل جناية أو جنحة تقع ولو في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة داخل منزل‬
‫التمس صاحبه من وكيل الدولة أو الملك أو أحد ضباط الشرطة القضائية التثبت منها"‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬يخضع االعتراف المكتوب في قيمته اإلثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة على أساس‬
‫أنه ليس حجة قاطعة وإنما يمكن استبعاده متى ثبت أنه غير صحيح أو غير واضح أو غير‬
‫مقنع‪ 9‬إضافة إلى ما سبق يمكن للمحكمة أن تأخذ باالعتراف المكتوب بأكمله أو تقوم بتجزئته‬
‫وتأخذ بالبعض دون اآلخر‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ االعتراف القضائي‪ :‬وسيلة من وسائل اإلثبات التي نص عليها المشرع في الفصلين‬
‫‪ 524‬و ‪ 5.2‬من قانون االلتزامات والعقود ‪،‬وهو ما يصدر عن المتهم من إقرار على نفسه‬
‫بارتكاب الجريمة‪ ،‬أمام هيئة المحكمة التي تنظر الدعوى لتقضي بعد ذلك اما بثبوت الفعل‬
‫اإلجرامي وباإلدانة أو بالبراءة متى انتفت وسيلة اإلثبات‪ ،‬اما أن كان االعتراف أمام الغير‬
‫فإنه ال يعد اعترافا ‪9‬‬
‫ويمكن االعتداد باالعتراف القضائي في جريمة الفساد سواء أخذ به القاضي بأكمله أو بجزء‬
‫منه شرط أن يكون صريحا وأن يتعلق بالجريمة التي يحقق فيها دون غيرها‪9‬‬
‫إال أن السؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو‪ :‬هل يمكن للمحكمة أن تعتد بوسائل إثبات‬
‫أخرى غير تلك المنصوص عليها في الفصل ‪ 5.1‬من القانون الجنائي؟‪9‬‬
‫لقد اختلف الفقه في اإلجابة على هذا السؤال فجانب يرى بأنه ال يجوز ذلك ألن إضافة‬
‫وسائل إثبات غير تلك المنصوص عليها في الفصل السالف الذكر معناه أن المحكمة لم‬
‫تطمئن في إدانة المتهم لما توفر لديها م ن الوسائل‪ ،‬وتكون على هذا األساس قد بنت اقتناعها‬
‫بثبوت الجريمة على وسائل إثبات ال يقرها القانون‪9‬‬
‫أما اال تجاه الثاني فيرى بأنه يجوز ذلك مادام أن هذه اإلضافة هي مجرد تأكيد لإلثبات‬
‫المستخلص من الوسائل المذكورة في الفصل ‪95.1‬‬
‫وقد برر بعض الفقه موقفه المؤيد إلمكانية االعتماد على وسائل أخرى غير تلك المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ ،5.1‬بأن الشريعة اإلسالمية بدورها تعاقب على جريمة الزنا‪ ،‬وتشترط‬
‫لذلك أن يتحقق اإلقرار أو شهادة أربعة شهود على حصول واقعة الزنا أمام أعينهم‪ ،‬فلماذا لم‬
‫يأخذ المشرع المغربي بالشهادة كدليل إثبات على غرار الشريعة اإلسالمية مادام أنه ال‬
‫يتصور اتفاق أربعة أشخاص على الكذب بعد حلفهم اليمين؟‪9‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫جريمة الخيانة الزوجية‬

‫أشار إلى هذه الجريمة الفصل ‪ 5..‬من القانون الجنائي الذي يقول‪:‬‬
‫" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وال‬
‫تجوز المتابعة في هذه الحالة إال بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه‪9‬‬
‫إال أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج المملكة‪ ،‬فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا‬
‫بمتابعة الزوج اآلخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة"‪9‬‬
‫وعلة تجريم فعل الخيانة الزوجية من طرف المشرع‪ ،‬ترجع إلى رغبته في حماية العالقة‬
‫الزوجية وكذا الحقوق التي تترتب عليها والتي تقوم على اإلخالص واالحترام حماية لألسرة‬
‫والمجتمع‪9‬‬
‫وخالفا للمشرع المغربي الذي سمى هذه الجريمة بالخيانة الزوجية‪ ،‬فإن العديد من‬
‫التشريعات العربية تسميها جريمة الزنا وتميز في هذا الصدد بين زنا الزوج وزنا الزوجة‬
‫من حيث توفر الشروط الالزمة لقيامها وكذا من حيث العقوبة المخصصة لها ‪،‬من ذلك قانون‬
‫العقوبات المصري من خالل المادة ‪ 071‬جاء فيها ‪ " :‬المرأة المتزوجة التي تثبت زناها‬
‫يحكم عليها بالحبس لمدة ال تزيد على سنتين"‪ ،‬والمادة ‪ 077‬تنص على أن ‪":‬كل زوج زنى‬
‫في منزل الزوجية وثبت عليه هذا األمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة ال تزيد على‬
‫ستة أشهر"‪9‬‬
‫نفس األمر بالنسبة للقانون العراقي في المادة (‪ )0-177‬من قانون العقوبات رقم ‪ ...‬لسنة‬
‫‪ ..9.‬التي تقول‪:‬‬
‫"‪ .‬ـ تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها‬
‫‪_0‬ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية"‪9‬‬
‫والمالحظ من خالل ما سبق ‪ ،‬أن الغريب في تنظيم جريمة الزنا بالنسبة للتشريعين أعاله‬
‫اشتراطهما شروطا خاصة لتبوث الخيانة الزوجية بالنسبة للزوج وهو ضرورة أن يحصل‬
‫االتصال الجنسي والمواقعة التي تعتبر عنصرا الزما لقيام الركن المادي في بيت الزوجية‪،‬‬
‫مما يعني أن تحقق هذا الفعل في غير مكان الزوجية تنعدم معه عناصر الجريمة كاملة‪9‬من‬
‫االختالفات أيضا أن العقوبة المقررة في حق الزوجة أشد من تلك المقررة في حق الزوج‬
‫كما لو أن خيانة الزوجة أعظم وأشد من خيانة الزوج في حين أن األمر سيان بالنسبة‬
‫لكليهما‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فدراسة جريمة الخيانة الزوجية حسب التشريع المغربي تقتضي أن نعرض‬
‫ألركانها‪ ،‬والقيود المقررة إلمكانية متابعة الجاني‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة الخيانة الزوجية‬


‫يعتبر الفعل المكون لجريمة الفساد هو نفسه الواجب تحققه في جريمة الخيانة الزوجية‬
‫إلمكانية تحققها وبالتالي معاقبة الجاني فيها‪ ،‬فالمواقعة إذا تعتبر عنصرا الزما في الخيانة‬
‫الزوجية بغض النظر عن اكتمال العالقة الجنسية ودون اعتبار لسن المرأة أو الرجل‪9‬‬
‫وبالرغم من أن الجريمتين تتفقان حول نفس الفعل فإنهما يختلفان من حيث أن الفاعلين في‬
‫الحالة األولى يكونان غير متزوجين أما في الحالة الثانية فإنه يجب أن يكون أحدهما أو‬
‫كالهما متزوجا‪9‬‬
‫على أن هذا ال يمنع من اإلشارة إلى بعض الخصائص التي يثيرها شرط تطلب صفة‬
‫الزوجية في أطراف العالقة في جريمة الخيانة الزوجية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن صياغة الفصل ‪ 5..‬من القانون الجنائي تفيد بأن المشرع يعاقب المتزوج‬
‫المرتكب للزنا بعقوبة أشد من تلك المقررة لمعاقبة مرتكب جريمة الفساد‪ ،‬لذلك فإنه إذا كان‬
‫الطرفين معا متزوجين فإنهما سيعاقبان بالعقوبة المقررة للخيانة الزوجية‪ 9‬على أن اإلشكال‬
‫يثور متى كان أحد المرتكبين للخيانة الزوجية غير متزوج‪ ،‬بحيث يطرح السؤال التالي‪ :‬هل‬
‫يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة الخيانة الزوجية أم لجريمة الفساد؟‪9‬‬
‫لم تتعرض النصوص القانونية لهذا اإلشكال‪ ،‬لذلك فإن الحل الممكن تطبيقه في مثل هذه‬
‫األحوال هو ما قررته األحكام العامة في القانون الجنائي وعلى هذا األساس فإن صفة‬
‫الزوجية التي تعتبر ظرفا ماديا يغير من وصف الجريمة من جريمة فساد إلى جريمة خيانة‬
‫زوجية كما تعتبر ظرف تشديد للعقوبة مرتبط بشخص الفاعل ألن توافر هذه الصفة هو الذي‬
‫يكيف الجريمة على أنها جريمة خيانة زوجية وليست جريمة فساد‪ ،‬وهذه الصفة تنتهي أخيرا‬
‫لتصبح ظرفا مختلطا عينيا وشخصيا‪ 982‬والقضاء يعتبر الظروف المختلطة كالظروف العينية‬
‫من حيث أثرها‪ ،‬وهكذا فإن مشارك الزوج غير المتزوجة أو مشاركة الزوجة غير المتزوج‬
‫يعتبران مشاركان في جنحة الخيانة الزوجية وليس في جنحة الفساد عمال مقتضيات الفصل‬
‫‪ .12‬من القانون الجنائي‪983‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن إثبات جريمة الخيانة الزوجية يت م بنفس الوسائل التي يتم بها إثبات جريمة الفساد‬
‫والمقررة في الفصل ‪ 5.1‬من القانون الجنائي‪984‬‬
‫وفي هذا الصدد اعتبر القضاء بـأن محضر الشرطـة الذي يستخلص منه أن المتهمين‬
‫كانا في خلـوة تامـة ولم يشر بتاتا إلى معاينـة المتهميـن وهما في حالة تلبس بالجريمة بمفهوم‬
‫الفصل ‪ 489‬من قانون المسطرة الجنائية ال يجوز االعتماد عليه للحكم باإلدانة ‪ ،85‬كما أكد ‪:‬‬
‫"بأن المحضر الذي يعتد به إلثبات الجريمة هو المحضر الذي يحرره أحد ضباط الشرطـة‬
‫القضائية في حالة التلبس ال المحضر المرتكز على شهادة الشهود الذين صرحوا بـأن‬
‫المتهمين وجـدا مختلين في الـداليـة "‬
‫وفي قرار آخر‪:‬‬
‫" لكن حيث أن الحكم المطعون فيه عندما لم يأخذ بعين االعتبار االعتراف الوارد في‬
‫المحضرين المدلى بهما اقتراف المطلوبة في النقض جنحة الخيانة الزوجية واقتراف جنحة‬
‫المشاركة فيها من طرف (س‪ ).‬والموقعين من طرفهما والتي تنزل منزلة مكاتب صادرة‬
‫عن المتهم ‪،‬يكون قد أخطأ في التأويل الصحيح لنصوص المتابعة‪ ،‬ذلك التأويل الذي أعطاه‬

‫‪ 82‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪04. :‬‬


‫‪ 83‬ـ والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة‪9‬‬
‫وال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو إعفاء من العقوبة إال بالنسبة لمن تتوفر فيه‪9‬‬
‫أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة‪ ،‬والتي تغلظ العقوبة أو تخفضها‪ ،‬فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة‬
‫ولو كانوا يجهلونها"‪9‬‬
‫‪ 84‬ـ ومن قرارات المجلس األعلى في الموضوع‪:‬‬
‫" حيث أن الفصل المذكور (‪ )5.1‬ينص على أن الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 5.2‬و ‪ 5..‬ال تثبت إال بناء على محضر رسمي يحرره‬
‫ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء عل اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي‪9‬‬
‫وحيث إن القرار المطعون فيه الذي أيد الحكم االبتدائي في مبدأ اإلدانة وأخذ العارض من أجل المشاركة في الخيانة الزوجية طبقا للفصل ‪ 5.‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي معتبرا أن حالة التلبس متوفرة في النازلة والحالة أنه من الثابت أن المتهمة كانت بالمطبخ مع الخادمة ولما سمعت بوصول‬
‫رجال الشرطة اختفت بغرفة النوم تحت السرير بينما العارض كان بحجرة أخرى يتناول طعام العشاء مع ضيوفه‪9‬‬
‫وحيث أن القرار المطعون فيه المرتكز على مثل هذه الحالة العتبار العارض في حالة تلبس وإدانته يكون خرق مقتضيات الفصلين ‪ 48‬و ‪5.1‬‬
‫المشار إليهما أعاله وتعرض للنقض واإلبطال"‪9‬‬
‫قرار رقم ‪ ...75‬الصادر بتاريخ ‪ ..‬دجنبر ‪ ،..84‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬ص‪9.08 ،.07 :‬‬
‫‪ .85‬قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 8‬يناير ‪ ..72‬مجلة القضاء و القانون عدد‪ ..2-.2.‬ص ‪5.2‬‬
‫القانون لمقتضيات الفصل ‪ 5.1‬من مجموعة القانون الجنائي وبالتالي يكون قد بنى حكمه‬
‫على أساس غير صحيح من القانون وعرض بذلك حكمه للنقض واإلبطال"‪986‬‬
‫لكن السؤال الذي يطرح في هذا الشأن هو‪ :‬ما الحكم في الحالة التي يضبط فيها الزوج‬
‫زوجته مع شريكها فارتكب جريمة قتل بأن قتل الشريك وفرت الزوجة‪ ،‬هل يطلب من‬
‫الزوج إثبات الزنا بالوسائل المحددة حصرا في القانون أم أنه يجوز له إثباتها بأية وسيلة من‬
‫الوسائل القانونية لإلثبات خاصة القرائن وشهادة الشهود؟‪9‬‬
‫يجيب الفقه على هذا السؤال ويقول بأن إثبات الجريمة بالوسائل الثالث المحددة قانونا قاصر‬
‫على حالة المتابعة من طرف النيابة العامة طبقا للمادة ‪ 5..‬من القانون الجنائي‪ ،‬أما دون هذه‬
‫الحالة والتي يراد منها إثبات واقعة المفاجأة بالزنا المشكلة لعذر قانوني مخفف من العقوبة‬
‫فيجوز إثباته بكافة وسائل اإلثبات‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬جريمة الخيانة الزوجية تستلزم كما سبق القول أن يكون أحد الزوجين على األقل‬
‫متزوجا‪،‬هل يعني هذا ضرورة بقاء هذا الشخص متزوجا إلى حين اقترافه لجريمة الخيانة‬
‫الزوجية أم أن مجرد كونه كان متزوجا يكفي العتباره كذلك عند وقوع الفعل المجرم؟‬
‫تبعا إلحكام الشريعة اإلسالمية فإن الزواج ال يلزم بقاؤه مستمرا لكي تثبت صفة اإلحصان‬
‫لحين الزنا حتى ولو تزوج الفاعل من امرأة بنكاح صحيح ثم زال هذا النكاح وبقي مجردا‬
‫وزنى فيجب رجمه‪9‬‬
‫لكن بالنسبة للقانون الجنائي المغربي‪ ،‬فرابطة الزواج يجب أن تكون قائمة وقت اقتراف‬
‫الجريمة‪ ،‬أما إذا انتفت هذه الصفة عند ارتكاب الفعل المجرم فإن الخيانة الزوجية لن تتحقق‬
‫وإنما سنكون أمام جريمة فساد‪ ،87‬إضافة إلى أن الفاعل إذا كان مطلقا أو متوفى عنه زوجه‬
‫فلن يواجه بشكاية من الزوج اآلخر ألنه متوفي أو ألنه مطلق‪988‬‬

‫‪ 86‬قرار محكمة النقض عدد ‪ ،87.7‬بتاريخ ‪ ،../.0/..89‬ملف جنحي عدد ‪ ،84/.982.‬منشور بالموقع اإللكتروني‪ :‬محكمتي‬
‫‪ 87‬ـ على أنه تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن رابطة الزواج تظل قائمة خالل عدة الطالق الرجعي‪ ،‬حيث تتحقق جريمة الخيانة الزوجية سواء‬
‫بالنسبة للرجل أو للمرأة إذا ما تحققت أركانها‪9‬‬
‫‪ 88‬ـ وهو ما أكده المجلس األعلى بقوله‪:‬‬
‫" لما أبرزت المحكمة أن المتهم لم يكن متزوجا وقت فتح المتابعة ضده وأنه كان قد طلق زوجته فإن إدانته والحالة هذه بجريمة الفساد تكون‬
‫مطابقة للقانون"‬
‫ـ قرار رقم ‪ 578‬الصادر بتاريخ ‪ .9‬فبراير ‪ ،..78‬منشور بمجلة المحاماة عدد ‪،02‬ص‪9.1. :‬‬
‫رابعا‪ :‬أن المشرع المغربي كان ظل يميز بين المرأة و الرجل بخصوص استفادة هذا‬
‫األخير من العذر المعفي من العقاب حال ارتكابه جريمة قتل أو ضرب أو جرح ضد‬
‫زوجته و شريكها عند ضبطهما متلبسين بالخيانة الزوجية‪.‬‬

‫إال أنه تراجع عن هذا التمييز بموجب القانون رقم ‪ 10-21‬الذي عدل الفصل ‪ 104‬من‬
‫القانون الجنائي بحيث أصبح من حق الزوجين معا االستفادة من العذر المخفض للعقوبة في‬
‫جرائم القتل أو الجرح أو الضرب متى ارتكبهما أحد الزوجين ضد الزوج اآلخر و شريكه‬
‫عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية‪.‬‬

‫ويشترط في الخيانة ا لزوجية باعتبارها من الجرائم العمدية ضرورة توفر القصد الجنائي‪،‬‬
‫بحيث يجب أن يكون كل من الرجل والمرأة المقترفين لفعل الخيانة الزوجية مدركا وعالما‬
‫بعدم مشروعية هذا الفعل‪ ،‬وال ينتفي إال بسبب خلل عقلي او جنون أو أن يكون أحدهما في‬
‫حالة سكر غير اختيارية أو تم تخديره‪ ،‬مثل هذه األوضاع ينتفي فيها القصد الجنائي ‪ ،‬لكن اذا‬
‫كان السكر او المخدرقد حصل بكيفية اختيارية قامت مسؤولية الجاني وذلك عمال بما تقره‬
‫مقتضيات الفصل ‪ .17‬من القانون الجنائي التي جاء فيها ‪":‬السكر و حاالت االنفعال او‬
‫االندفاع العاطفي او الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا‪،‬ال يمكن بأي حال من األحوال‬
‫ان يعدم المسؤولية او ينقصها"‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية‬


‫إذا كانت النيابة العامة غير مقيدة في جريمة الفساد بحيث يمكنها متابعة الجاني أو التهم في‬
‫هذه الجريمة دونما تقديم شكوى أو طلب بذلك من طرف المعني باألمر‪ ،‬فإنها في جريمة‬
‫الخيانة الزوجية ال يجوز لها تحريك الدعوى العمومية إال بناءا على شكوى من الزوج أو‬
‫الزوجة المجني عليها حسب نص الفقرة األولى من الفصل ‪ 5..‬التي جاء فيها ‪:‬‬
‫" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وال‬
‫تجوز المتابعة في هذه الحالة إال بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه"‬
‫وهو ما أكده القضاء بقوله ‪ ":‬حيث أنه بمقتضى الفصل الثاني المذكور ( ‪ )5..‬يعاقب‬
‫بالتزاني الواقع بين شخصين مرتبطين مع غيرهما برباط الزوجية شريطة تقديم شكوى من‬
‫زوج أحدهما أو زوجيهما معا‪9‬‬
‫وحيث يتجلى من تنصيصات القرار المطعون فيه أن طالب النقض متزوج وله تسعة أبناء‬
‫وأنه أدين من أجل الفساد في حين أن إدانته كانت واجبة طبقا للفصل ‪ 5..‬من القانون‬
‫الجنائي شريطة أن تكون شكوى به بالخيانة الزوجية من طرف زوجته‪9‬‬
‫وحيث إنه ال توجد بالملف شكوى ضد العارض من طرف زوجته فإن تطبيق الفصل ‪5.2‬‬
‫‪89‬‬
‫من القانون الجنائي عليه لم يكن في محله"‪9‬‬
‫فتقديم الشكوى من طرف أحد الزوجين يعد إجراءا جوهريا يعبر من خالله أحد الزوجين‬
‫عن رغبته في المتابعة بتحريك الدعوى العمومية‪ ،‬بحيث ال يجوز للنيابة العامة تحريكها من‬
‫تلقاء نفسها والسبب يرجع إلى رغبة المشرع في حماية مصلحة الزوج أو الزوجة التي يمكن‬
‫أن تتضرر من جراء المتابعة القانونية وتتضرر معها سمعة ومصلحة األسرة والعائلة ‪ 9‬كما‬
‫أن تقديم الشكوى يعد حقا شخصيا لكال الزوجين وهو ما يعني أن موت أحدهما ال يعط الحق‬
‫للورثة في المتابعة ‪9‬‬
‫لكن ما الحكم في الحالة التي ترتكب فيها أكثر من جرم ومعها خيانة زوجية‪ ،‬من ذلك مثال‬
‫ممارسة البغاء والخيانة الزوجية‪ ،‬هل يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ؟‪9‬‬
‫جوابا على هذا السؤال نقول بأنه يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى بالنسبة للجريمة‬
‫األولى والتي ال تتطلب تقديم شكوى بتوفر أركانها وشروطها‪ ،‬دون أن تتجاوز حدودها في‬
‫عدم المتابعة على الخيانة الزوجية دون تقديم شكاية باألمر من طرف المعني ‪9‬‬
‫وال تتحررالنيابة العامة من هذا القيد إال في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب‬
‫المملكة وتبث على أحدهما تعاطي االخيانة الزوجية بصفة ظاهرة‪ ،‬وهذا ما أكدته الفقرة‬
‫األخيرة من الفصل ‪ 5..‬من القانون الجنائي التي جاء فيها‪ " :‬غير أنه في حالة غياب أحد‬

‫‪ 89‬ـ قرار رقم ‪ 15.5‬الصادر بتاريخ ‪ .8‬أبريل ‪ ،..84‬ملف جنحي ‪ ،7.97.‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬ص‪9.25 :‬‬
‫الزوجين خارج تراب المملكة‪ ،‬فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج اآلخر‬
‫الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة‪"990‬‬
‫وإضافة إلى ذلك فالمشرع لم يشترط شكال خاصا بالشكاية وعلى هذا األساس يمكن أن تتم‬
‫بطريقة كتابية أو شفوية أو بأية وسيلة أخرى ‪ 9‬كما يمكن تقديمها من طرف المعني باألمر‬
‫شخصيا أو من طرف وكيله‪9‬‬
‫أما عن إمكانية التنازل عن الشكاية فقد نص الفصل ‪ 5.0‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬
‫تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن‬
‫جريمة الخيانة الزوجية"‪9‬‬
‫وبناء على نص هذا الفصل يمكن القول بأن تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا‬
‫لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها‪991‬‬
‫وإذا وقع التنازل من طرف أحد الزوجين عن شكايته فإن ذلك يضع حدا آلثار الحكم‬
‫بالمؤاخذة مع اإلشارة في هذا الصدد إلى أن المشارك في جريمة الخيانة الزوجية ال يستفيد‬
‫من هذا التنازل‪9‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫جريمة االغتصاب‬

‫ينص الفصل ‪ 589‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬

‫‪ 90‬ـ ويرى بعض الفقه بأن للنيابة العامة السلطة التقديرية في إثارة الدعوى العمومية أو عدم إثارتها وذلك حسب تقديرها لظروف ممارسة المرأة‬
‫للفساد مادام أن النص استعمل عبارة " يمكن للنيابة العامة متبعتها"‪ 9‬عل أننا نعتقد وخالفا لهذا الرأي بأن النيابة العامة ملزوم بمتابعة المرأة التي‬
‫تمارس الفساد مهما كانت ظروف هذه الممارسة مادامت أركان تحقق الفساد متوفرة‪ ،‬بل أكثر من ذلك فهي مجبرة على القيام بالمتابعة ومسألة أن‬
‫عبارة يمكن ا لتي أوردها النص القانوني يمكن تفسيرها بأنها استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بضرورة تقديم شكاية من طرف أحد الزوجين‬
‫للمتابعة على أن األمر يختلف في هذه الحالة ألن المشرع اشترط شروط محددة لذلك وهي أن تمارس المرأة الفساد بصورة واضحة وأن يكون‬
‫زوجها مقيما بالخارج‪9‬‬
‫‪ 91‬ـ وفي هذا تطبيق لنص المادة الثالثة من قانون المسطرة المدنية التي حددت حاالت وأسباب سقوط الدعوى العمومية وجعلت سحب الشكاية إن‬
‫كانت شرطا للمتابعة من بين أسبابها‪9‬‬
‫" ا الغتصاب هو مواقعة رجل المرأة بدون رضاها‪ ،‬ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى‬
‫عشر سنوات‪9‬‬
‫فإذا كانت سن المجني عليها تقل عن خمسة عشر عاما‪ ،‬فإن العقوبة هي السجن من عشر‬
‫إلى عشرين سنة"‪9‬‬
‫وفي القانون المصري تعرض المشرع لجريمة االغتصاب واعتبرها جناية‪ ،‬حيث جاء في‬
‫المادة ‪ 762‬التي‪ ":‬من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة‪،‬‬
‫فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو مالحظتها أو ممن لهم‬
‫سلطة عليها أو كان خادما عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة‪9"92‬‬

‫المالحظ من خالل هذا النص‪:‬‬


‫ـ أن جريمـــة االغتصاب مــن الجرائم المادية ال الشكلية ألن العنصر المكون لها هو‬
‫المواقعة بدون رضاء المرآة وهو في نفس الوقت يشكل حدثا عدواني على الحرية الجنسية ‪،‬‬
‫مادام أن انعدام المرأة ينفي اعتبار وقوع الجريمة راجع إلى سلوك صادر منها و إنما‬
‫تحقق هذه الجريمة يكون مصدره فعل صادر عن الرجل ‪9‬‬
‫ـ أن جناية االغتصاب من جنايات ذوي الصفة حيث يلزم فيها أن يكون الفاعل األصلي ذكرا‬
‫والمجني عليه أنثى‪9‬‬
‫وإذا كان األصل أن المرأة ال يمكن أن تكون فاعلة أصلية في هذا النوع من الجرائم‪ ،‬إال‬
‫أنه يمكن أن تكون مشاركة فيها إذا أتت أحد األفعال الواردة في المادة ‪ .0.‬من القانون‬
‫الجنائي بأن تكون قد قدمت وسيلة لكي تستعمل في الجريمة كمنوم ‪،‬أو تساعد مرتكب‬

‫‪ 92‬وقد أولى القانون الدولي اهتماما بجريمة االغتصاب حيث أشار من خالل الفقرة األولى من المادة السابعة من النظام األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (روما) التي وصفت جريمة االغتصاب على أنها جريمة ضد اإلنسانية عندما ترتكب بطريقة منظمة ضد مجموعة‬
‫‪.‬من السكان المدنيين‪ ،‬كذلك أشارت إليها العديد من االتفاقيات والمعاهدات الدولية في موادها‪،‬‬
‫‪ ،‬كما أشارت إليه المادة ‪ 72‬من اتفاقية جنيف التي تحظر بصفة خاصة االغتصاب‪،‬كما ورد حظر االغتصاب ضمنيا واالعتداء الجنسي في المادة‬
‫‪ 4‬الفقرة ‪ 1‬من البروتوكول اإلضافي الثاني المتعلق بالنزاعات المسلحة التي تنص على أنه « لجميع األشخاص الحق في احترام‬
‫شخصهم وشرفهم"‪ ،‬وكذا المادة ‪ 46‬من اتفاقية الهاي لسنة ‪9 1092‬‬
‫والمادة ‪ ، 26‬الفقرة األولى من البروتوكول اإلضافي األول التي تقضي بحماية النساء من االغتصاب كما يحظر االغتصاب بصفته جريمة ضد‬
‫اإلنسانية بموجب المادة ‪ 5‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا ‪ ،‬كما أشارت إليه المادة ‪ 72‬في فقرتها الثانية من الباب الرابع‬
‫جاء فيها ‪ " :‬يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن وال سيما ضد االغتصاب واإلكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن‪"9‬‬
‫الجريمة على األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكاب الجريمة كاستدراج المجني عليها إلى‬
‫منزل الجاني أو تقديم ملجأ للقيام بفعلته‪9‬‬
‫إضافة إلى ما سبق ومن خالل قراءة نص الفصل ‪ 589‬قد يعتقد أن مواقعة الرجل لزوجته‬
‫دون رضاها يعد جريمة اغتصاب‪ ،‬إذا كان هذا األمر مسلما به في بعض القوانين المقارنة‬
‫كالقانون السويدي مثال‪ ،‬فإنه بالنسبة للقانون المغربي ال مجال لذلك مادام أن الشريعة‬
‫اإلسالمية الدين الرسمي للبالد تبيح للزوج التمتع بزوجته متى شاء ولكن شرطة عدم‬
‫التعسف‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن تحقق جريمة االغتصاب يستلزم تحقق ركنيها المادي والمتمثل في مواقعة‬
‫الرجل لمرأة ال تربطه بها عالقة الزوجة مع انتفاء رضا المرأة بذلك‪ ،‬والمعنوي وهو القصد‬
‫الجنائي‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الركن المادي‬


‫ال يتحقق الركن المادي جريمة االغتصاب إال بتحقق المواقعة من طرف رجل على امرأة‬
‫وذلك دون رضاها‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن الركن المادي يقتضي توفر عنصرين‪ :‬عنصر الو‬
‫قاع من رجل المرأة‪ ،‬وعنصر انعدام رضا المرأة‪9‬‬
‫أوال‪ :‬تحقق المواقعة‬
‫يمكن تعريف المواقعة بأنها العالقة الطبيعية التي تكون بين رجل وامرأة ‪،‬وهو ما يعنى أن‬
‫ماعدا هذا األمر من أفعال أخرى ال يمكن اعتباره مواقعة واتهام من قام به باالغتصاب‪،‬‬
‫وإنما يمكن وصفه بأنه إخالل علني بالحياء أو مس بعرض المرأة‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإنه يكفي أن تقع مواقعة الرجل للمرأة لقيام جريمة االغتصاب إذا كان ذلك قد وقع‬
‫دون رضاها‪ ،‬وقد جرم المشرع هذا الوقاع وذلك حماية لشرف المرأة‪ 9‬وهكذا‪ ،‬فإن المرأة‬
‫التي وقع عليها الو قاع ضد إرادتها ال يشترط أن تكون بكرا أو متزوجة أو ثيبا‪ ،‬فالمشرع‬
‫جرم هذا الفعل حماية لعرض المرأة وبغض النظر عن وضعيتها االجتماعية وإن كان‬
‫فسادها معروفا ومعلوما بين الناس وحصل اغتصابها كرها‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬انعدام رضا المرأة‬
‫يعتبر السبب الذي دفع المشرع إلى التشدد في عقوبة هذه الجريمة هو ما يشكله هذا الفعل‬
‫من مساس بحق المرأة في صيانة شرفها‪ 9‬هذا المساس الذي ال يتحقق ما لم يكن فعل الوقاع‬
‫الذي أتاه الرجل قد تم بدون رضاها‪ ،‬أما إذا كان ذلك بمحض إرادتها فإن الغاية المقصودة‬
‫من تجريم االغتصاب تنتفي وتكيف الواقعة إذاك بجريمة الزنا ‪،‬على أساس أن رضا المرأة‬
‫أو انعدامه هو المعيار للتمييز بين جريمة الفساد وجريمة االغتصاب‪9‬‬
‫وانعدام الرضا عند المرأة يظهر من خالل انتفاء مساهمتها اإلرادية في تنفيذ النشاط‬
‫اإلجرامي الذي أتاه الفاعل وليس بالوسائل التي يأتيها الجاني النعدام الرضا لدى المرأة‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يعتبر الجاني مرتكبا لجريمة االغتصاب إذا استعمل ‪:‬‬
‫اإلكراه المادي‪ :‬و يقصد به أعمال العنف التي توجه لجسم المجني عليها بهدف إفشال‬
‫مقاومتهـا‪ ،‬كما يمكن اعتباره العنف الذي يستهدف تخويف المجني عليها حتى ال تبدي‬
‫مقاومــة‪ 9‬وقد يكون العنف أيضا في صورة الضرب أو الجرح أو القوة من أجل شل حركة‬
‫‪9‬‬ ‫عليها ‪9‬‬ ‫المرأة المجني‬
‫و ال يشترط أن يستمر اإلكراه طوال فترة المواقعة ‪،‬بل يكفي أن يكون المتهم قـــد استعمل‬
‫اإلكراه في البداية لصد مقاومة المجني عليها‪ ،‬بحيث متى استسلمت‪ ،‬ولم تعد تستطيع‬
‫المقاومة تحقق اإلكراه‪9‬‬
‫وقد يستعمل الجاني اإلكراه معنوي ‪ :‬ويقصد به التهديد الصادر من الجاني ضد المحني‬
‫عليها يتوعدها من خالله بأذى ضدها أو ضد أحد أقربائها من قبيل ابنها أو زوجها مثال‪،‬‬
‫لحملها على االنصياع له ‪ ،‬من قبيل شهر سكين في وجهها أو بتهديدهــا بفضيحة‪ ، ،‬علما أن‬
‫الخطر هنا ال يشترط فيه أن يكون حقيقيا بـل يجوز أن يكون وهميـــا‪9.‬‬
‫وتعتبر المرأة الفاقدة للوعي أو لإلدراك أو التمييز نتيجة قصور أو خلل عقلي أو سكر غير‬
‫اختياري غير راضية إذا ما تم اغتصابها‪9‬‬
‫إن إثبات انعدام الرضا عند المرأة بمواقعتها من طرف المتهم يكون صعبا في أغلب‬
‫الحاالت‪ ،‬لذلك أعطى المشرع للقاضي أمر تقدير مدى انعدام رضاها من تحققه‪9‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬
‫تعتبر جريمة االغتصاب من الجرائم العمدية التي يتطلب تحققها ضرورة توافر علم الجاني‬
‫بحقيقة نشاطه الذي يقوم به وهو مواقعة امرأة دون رضاها ودون أن تكون بينه وبينها‬
‫عالقة زواج وإن كان بعض الفقه يرى بأن هذه القرينة قرينة بسيطة يمكن للمتهم أن يدحضها‬
‫بإثبات وقوعه في غلط أو جهل حال دون إدراكه لحقيقة الواقعة التي ارتكبها مثل الغلط في‬
‫شخص زوجته أو الجهل بانتهاء عالقته الزوجية معها‪ 993‬إضافة إلى ضرورة أن يكون مريدا‬
‫لهذا العمل غير مجبر على القيام به‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن استخالص وجود القصد الجنائي في جريمة االغتصاب يرجع إلى محكمة‬
‫الموضوع التي لها الصالحية في تقرير توفر أو انعدام توفر الركن المعنوي إلمكانية توقيع‬
‫العقوبة على الجاني والمحددة في السجن من خمس إلى عشر سنوات‪ 9‬إال أنه يجب اإلشارة‬
‫في هذ ا اإلطار إلى أن العقوبة تتغير متى كان هنالك ظرف من ظروف التشديد مرافقا‬
‫لالغتصاب من ذلك قصور المجني عليها بأن كان عمرها ال يتجاوز ‪ .4‬عاما وذلك بالسجن‬
‫من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬وأيضا عند افتضاض بكارتها وهو ما أكده الفصل ‪ 588‬من‬
‫القانون الجنائي‪994‬‬
‫وعقوبة االاتصاب في الشريعة إقامة الحد برجم المغتصب متى كان محصنا ً ‪ ،‬وجلده‬
‫مائة جلدة وتغريب عام إن كان اير محصن‪. .‬ويجب علي حسب بعض الفق أداء مهر‬
‫للمراة المغتصبة ‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول اإلمام مالق رحم ن‪ " :‬األمر عندنا في الرجل‬
‫يغتصب المرأة بكرا كانت أو ثيبا‪ :‬أنها أنها إن كانت حرة ‪ :‬فعلي صداق مثلها ‪ ,‬وإن كانت‬
‫أ َمة ‪ :‬فعلي ما نقص من ثمنها ‪ ،‬والعقوبة في ذلق على المغتصب ‪ ،‬وال عقوبة على‬

‫‪ 93‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪909. :‬‬


‫‪ 94‬ـ والذي يقول‪:‬‬
‫" في الحالة المشار إليها في الفصول ‪ 585‬إلى ‪ ، 587‬إذا نتج عن الجريمة افتضاض بكارة المجني عليها‪ ،‬فإن العقوبة تكون على التفصيل اآلتي‪:‬‬
‫ـ السجن من خمس إلى عشر سنوات‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفصل ‪9585‬‬
‫ـ السجن من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة األولى من الفصل ‪9584‬‬
‫ـ السجن من عشرين سنة إلى ثالثين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل ‪9584‬‬
‫ـ السجن من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة األولى من الفصل ‪9589‬‬
‫ـ السجن من عشرين إلى ثالثين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل ‪9589‬‬
‫على أنه إذا كان الجاني أحد األشخاص المشار إليها في الفصل ‪ ،587‬فإن الحد األقصى المقرر للعقوبة في كل فقرة من فقراته يكون هو العقاب"‪9‬‬
‫‪95‬‬
‫‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫كل "‬ ‫ذلق‬ ‫في‬ ‫المغتصبة‬

‫‪95‬‬
‫الموطأ لإلمام مالق " ( ‪ " 437 / 2‬ـ‬
‫الفصل الرابع‬
‫جرائم األشخاص‬
‫من بين أهم الحقوق التي تسعى التشريعات والقوانين الجنائية إلى حمايتها‪ ،‬الحق في الحياة‬
‫والحق في السالمة الجسدية باعتبارهما من بين أهم الحقوق الشخصية اللصيقة بالفرد‪ .‬ولعل‬
‫السبب في أهمية هذه الحقوق يرجهللا باألساس إلى كونها ضرورية لوجود الفرد والمجتمهللا‬
‫ال مجال الستمرار‬ ‫معا وفي نفس الوقت‪ ،‬فال مجال لوجود المجتمهللا دون أفراد‪ ،‬كما أن‬
‫وجود المجتمهللا دون حماية قانونية لحقوق هؤالء األفراد والتي من بينها حق في الحياة‪.‬‬
‫وتبتدئ هذه الحماية منذ والدة اإلنسان حيا‪ ،96‬إلى حين وفات بل وحتى بعد ذلق حيث أن‬
‫االعتداء على جثت الموتى يعتبر فعال مجرما‪.‬‬
‫والقانون الجنائي تعرض لجرائم االعتداء ضد األشخاص في الباب السابهللا والباب الثامن‬
‫من الكتاب الثالث ومن بينها االعتداء على حرمة المسكن والقذ والسب وإفشاء األسرار‬
‫واختطا األطفال والقاصرين وجرائم اإلجهاض‪.‬‬
‫وعموما سو نقتصر في هذا الفصل على دراسة أهم هذه الجرائم وهي جريمتي القتل‬
‫العمد والقتل الخطأ‪.‬على اعتبار أن القتل إما أن يكون مقصودا وإما أن يكون ناتجا عن‬
‫خطأ‪.‬‬

‫‪ 96‬بل قبل ذلق منذ تكون جنينا في أحشاء أم ‪ ،‬حيث تمنهللا من القيام بإجهاض نفسها دون عذر مستند إلى ضرورة كالمرض أو‬
‫خطورة الحمل على حياتها‪ .‬وقد نظم وقد نظم المشرع األحكام الخاصة بهذه الجرائم في الفرع الثاني من الباب الرابع من الجزء األول من الكتاب‬
‫الثالث من القانون الجنائي وذلك ي الفصول من ‪ 098‬إلى ‪9070‬‬
‫القتل العمد‬

‫روح اإلنسان‬ ‫يعتبر القتل العمد من أخطر جرائم االعتداء على األشخاص ألن يستهد‬
‫وهي ما تسعى التشريعات السماوية والوضعية إلى حمايتها‪ ،‬وتظهر هذه الحماية من خالل‬
‫قساوة العقوبة المقررة لعقاب من يرتكب هذه الجريمة وهي اإلعدام وقد قسمها القانون‬
‫الجنائي المغربي إلى القتل العمد والقتل الخطأ‪ ،‬كما أشار إلى حاالت أخرى يتحقق فيها‬
‫أو الحرمان من التغذية أو الضرب‬ ‫الموت إما بسبب اإلجهاض أو بسبب اإليذاء والعن‬
‫المفضي الى الموت وايرها من الصور والحاالت‪ .‬ودراسة هذه الجريمة يستوجب بحث‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أركانها العامة‬
‫ثانيا‪ :‬العقوبة المقررة لها بحسب اقترانها إما‬
‫المشددة لها‬ ‫ـ بالظرو‬
‫ـ باألعذار القانونية المخففة لها‬

‫المبحث األول‬
‫أركان جريمة القتل العمد‬

‫المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة القتل‪ ،‬واكتفى بالنص في الفصل‬ ‫لم يعر‬
‫‪ 392‬من القانون الجنائي على ما يلي‪:‬‬
‫" كل من تسبب عمدا في قتل ايره يعد قاتال"‪.‬‬
‫على أن بعض الفق ذهب في تعريف للقتل بأن كل اعتداء على حياة الغير يترتب علي‬
‫وفات ‪ .97‬واعتبره جانب خخر أن كل إزهاق لروح إنسان عمدا يدعى قتال عمدا‪ ،98‬وعرف‬
‫الفق الفرنسي بأن ‪ :‬تدمير متعمد واير عادل لحياة إنسان بفعل إنسان خخر‪.99‬‬

‫‪ 97‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪5.4 :‬‬


‫‪ 98‬رؤوف عبيد‪ ،‬جرائم االعتداء على األشخاص واألموال‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،02.4‬ص‪..:‬‬
‫ويتضح من خالل نص الفصل ‪ 392‬أن لكي يتحقق القتل ـ باعتبارها جريمة كباقي‬
‫الجرائم ـ ضرورة توفر األركان العامة وأولها الركن القانوني الذي يعتبر المادة القانونية‬
‫المعول عليها لتحديد الصفة الجرمية للفعل من خالل ما يتطلب من عناصر‪ ،‬وتحديد العقوبة‬
‫المقررة ل وذلق عمال بالمبدأ القانوني التالي ‪ :‬ال جريمة وال عقوبة إال بالنص‪ .‬فعندما تقهللا‬
‫الجريمة يجب البحث فيما إذا كانت تستجمهللا كل العناصر والشروط التي حددها النص‬
‫القانوني حتى يمكن تطبيق العقوبة المناسبة ‪.‬‬
‫إضافة إلى الركن القانوني يلزم توفر كل من الركن المادي والذي عبر عن النص بالتسبب‬
‫في قتل شخص للغير أي بتوفر نشاط يترتب عن إزهاق روح الغير‪ .‬وهذا الركن ال يقتصر‬
‫توفره بالنسبة لجريمة القتل العمد بل هو الزم أيضا في جميهللا صور القتل عمدا كانت أو‬
‫خطأ‪.‬‬
‫و الركن المعنوي ومعناه أن يكون الركن المادي قد حدث عن قصد ونية إجرامية ثابتة‪،‬‬
‫وهذا الركن هو الذي يميز جريمة القتل العمد عن جريمة القتل الخطأ أو نتيجة إهمال‪.‬‬
‫إضافة إلى هذه األركان وجب توفر عنصر مهم وهو محل الجريمة والمتمثل في الضحية‬
‫الذي يجب أن يكون حيا‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الركن المادي‬


‫يتكون الركن المادي لجريمة القتل العمد من عناصر ثالثة‪: 100‬‬
‫‪ .‬ـ نشاط صادر عن الجاني‬
‫‪ 0‬ـ تحقق النتيجة اإلجرامية وهي إزهاق روح المجني عليه‬
‫‪ 1‬ـ توفر العالقة السببية بين نشاط الجاني و النتيجة اإلجرامية‬

‫‪99‬‬
‫‪René Garraud, traité théorique et pratique du droit pénal ;édition Sirey 1889‬‬
‫‪« l’homicide volontaire et la destruction volontaire et injuste de la vie d’un homme par le fait d’un autre‬‬
‫» ‪homme‬‬
‫‪ 100‬إضافة إلى العناصر الثالثة المشار إليها أعاله‪ ،‬يضيف بعض الفقه عنصرا ثالثا يعتبره الزما لتحقق الركن المادي لجريمة القتل العمد‬
‫وهو إزهاق روح إنسان بواسطة شخص آخر‪ 9‬أي إن الجاني والمجني عليه شخصان مختلفان‪ 9‬فإذا ما قرر الشخص إنهاء حياته بنفسه كانت الواقعة‬
‫انتحارا وليست قتال بالمعني القانوني‪ 9‬ومما ال شك فيه أن التمييز بين الحالتين له أهمية كبيرة ذلك أن أغلب التشريعات الجنائية ال ترى في االنتحار‬
‫‪.‬أو الشروع فيه جريمة‪9‬‬
‫أوال‪ :‬النشاط الصادر عن الجاني‬
‫يفترض في جريمة القتل أن تنهي حياة إنسان معين‪ ،‬هذه اإلنهاء يقتضي قيام الجاني بفعل‬
‫معين‪ ،‬تنتج عن نتيجة الموت ‪،‬وتكون بينهما عالقة سببية‪.‬‬
‫وعلي نقول بأن الركن المادي لجريمة القتل العمد يتكون من عناصر ثالثة‪: 101‬‬
‫‪ 1‬ـ نشاط صادر عن الجاني‬
‫‪ 2‬ـ تحقق النتيجة اإلجرامية وهي إزهاق روح المجني علي‬
‫‪ 3‬ـ توفر العالقة السببية بين نشاط الجاني و النتيجة اإلجرامية‬

‫أوال‪ :‬النشاط الصادر عن الجاني‬


‫األصل أن المشرع الجنائي ال يعاقب على النوايا مهما كانت سيئة وخطيرة ألنها ال تشكل‬
‫خطورة على الحياة العامة مادامت كامنة في ضمير صاحبها‪ ،‬ولعل السبب في ذلق راجهللا‬
‫إلى رابة المشرع في إفساح المجال للشخص للرجوع عن ما يفكر ب من أعمال سيئة‬
‫وتشجيع على التخلي عن تنفيذ نواياه‪ .‬إضافة إلى أن العقاب على مجرد النوايا واألفكار قد‬
‫مسبقا أن سيعاقب سواء‬ ‫يكون دافعا مشجعا على إتمام تنفيذ الجريمة مادام المجرم يعر‬
‫نفذ جريمت أو لم ينفذها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن العزم على إزهاق روح إنسان ال يتم إال إذا ترجم إلى العالم الخارجي وذلق في‬
‫صورة نشاط مادي‪ ،‬وعلى هذا األساس إذا مات شخص ما كنا أمام جريمة قتل عمد‪ ،‬أما إذا‬
‫لم يمت فإننا سنكون بصدد محاولة في القتل العمد إذا تحققت عناصرها وأركانها طبقا لما‬
‫هو مقرر قانونا‪.‬‬
‫والمشرع لم يحدد وصفا معينا وخاصا بفعل القتل‪ ،‬لذلق نطرح السؤال التالي‪ :‬هل يجب‬
‫ان يكون فعل القتل في صورة معينة ما هي األفعال التي تصلح أن تكون نشاطا لتحقق‬

‫‪ 101‬إضافة إلى العناصر الثالثة المشار إ ليها أعاله‪ ،‬يضيف بعض الفقه عنصرا ثالثا يعتبره الزما لتحقق الركن المادي لجريمة القتل العمد‬
‫وهو إزهاق روح إنسان بواسطة شخص آخر‪ 9‬أي إن الجاني والمجني عليه شخصان مختلفان‪ 9‬فإذا ما قرر الشخص إنهاء حياته بنفسه كانت الواقعة‬
‫انتحارا وليست قتال بالمعني القانوني‪ 9‬ومما ال شك فيه أن التمييز بين الحالتين له أهمية كبيرة ذلك أن أغلب التشريعات الجنائية ال ترى في االنتحار‬
‫‪.‬أو الشروع فيه جريمة‪9‬‬
‫القتل يتعبير خخر‪ ،‬ما هي طبيعة النشاط الذي يجب أن يتحقق ب الركن المادي لجريمة‬
‫‪102‬‬
‫‪.‬‬ ‫القتل العمد‬
‫أوال‪ :‬النشاط المادي لجريمة القتل‬
‫لم يحدد المشرع المغربي طبيعة النشاط الذي يقوم ب القتل‪ ،‬واكتفى بالقول في الفصل‬
‫‪ 392‬من القانون الجنائي ‪ ":‬كل من تسبب في قتل ايره يعد قاتال"‪.‬‬
‫ما يمكن استنتاج من هذا النص‪ ،‬هو أن كل نشاط صادر عن الجاني عن قصد يعتبر‬
‫صورة من صور الركن المادي‪ ،‬وذلق بغض النظر عن الوسائل المستعملة إلنجاز هذه‬
‫الجريمة‪ ،‬كانت قاتلة بطبيعتها أم ال ‪،‬كاستعمال سالح أبيض أو استعمال سالح ناري او خلة‬
‫حادة‪ ،‬أو دفهللا الضحية ورميها من مكان عال أو القيام بخنقها ‪.‬‬
‫ولعل التمييز بين األنشطة والوسائل المستعلمة في القتل العمد يظهر من خالل مدى‬
‫قوتها في إثبات القصد الجنائي لدى الفاعل أو في عدم إثباتها‪ ،‬ذلق أن قيام الفاعل بإزهاق‬
‫روح المجني علي بوسائل تعتبر بطبيعتها قاتلة‪ ،‬يشكل قرينة قوية وواقعية على أن نية‬
‫المعتدي تتج نحو ا لقتل‪ ،‬أما إذا كانت هذه الوسائل ال تؤدي بطبيعتها عادة إلى القتل‬
‫كالضرب مثال‪ ،‬أو التشابق باأليدي‪ ،‬أو التدافهللا‪ ،‬فإنها تعتبر قرينة بسيطة يمكن للجاني إقامة‬
‫الدليل على أن لم يكن يقصد عند القيام بها قتل الضحية‪ ،‬فيتم تكييفها على هذا األساس‬
‫تكييفا مناسبا للفعل‪.‬‬
‫فالقتل يتحقق بكل وسيلة أو نشاط صالح لتحقيق الموت في اللحظة التي ارتكب فيها‪.‬‬
‫وعلى أن التسبب في القتل ال يقصد ب قيام الجاني شخصيا بتنفيذ النشاط المادي المؤدي‬
‫المجني علي شخصيا فيقوم ب بنفس ‪ ،‬أو‬ ‫إلى القتل‪ ،‬وإنما يمكن أن ينفذ النشاط من طر‬
‫بالفاعل المعنوي‪.‬‬ ‫شخص خخر يتم تسخيره للقيام بهذا الفعل وهو ما يعر‬ ‫من طر‬
‫و ال يشترط في النشاط ضرورة أن يصيب جسم الضحية‪ ،‬أي ال يشترط أن يكون الفعل‬
‫إيجابيا فقط وإنما يجوز أن يكون سلبيا كذلق‪ .‬وعلي فمجرد قيام الجاني بحبس الضحية في‬

‫‪ 102‬ـ يميز الفقه في هذا الصدد بينما إذا كان النشاط ايجابيا كاف إلحداث القتل في الغالب كإغراق الضحية و إطالق عيار ناري عليه‪ ،‬وبين ما إذا‬
‫كن نشاطا إيجابيا غير كاف عادة إلحداث الموت كالضرب باليد‪ ،‬وبين النشاط اإليجابي الذي ال يمس الضحية لكن يؤثر فيه نفسيا كتهديده وإساءة‬
‫استعماله للدفع به إلى االنتحار‪ ،‬وبين النشاط السلبي كاالمتناع عن تقديم الدواء في الوقت الناسب‪ ،‬أو امتناع المولد عن ربط الحبل السري للوليد‪9‬‬
‫مكان ما دون طعام وماء أدى إلى موتها يعد قتال‪ .‬أو القيام بوضهللا قنبلة أو مادة متفجرة في‬
‫العتبار القتل محققا‪.‬‬ ‫المكان الذي ستتواجد ب الضحية يكون كا‬
‫وقد عرفت مسألة االعتداد بالفعل السلبي كنشاط مكون لجريمة القتل خالفا جعلت القضاء‬
‫الفرنسي يقضي بعدم مسؤولية المتهم في الجرائم التي يكون نشاطها مجرد امتناع عن الفعل‬
‫في الجرائم العمدية ومنها القتل الالعتبارات التالية ‪:‬‬
‫أوال انعدام وجود نص قانوني يقضي بذلق‪ ،‬كون جريمة القتل جريمة فعل طبيعت أن يكون‬
‫ماديا‪.‬‬
‫ثانيا أن إثبات القصد في الجرائم التي يكون النشاط فيها سلبيا وهو االمتناع يكون صعبا بل‬
‫وأحيانا مستحيال‪.‬‬
‫ثالثا أن تفسير النص القانوني بشكل موسهللا يجمهللا بين األفعال المادية اإليجابية والسلبية‬
‫في تجاوز لمبدأ شرعية الجرائم ولسلطة القاضي في تفسير النصوص القانونية‪.‬‬
‫لكن رام هذه التبريرات فقد ذهب جانب خخر من الفق إلى القول بإمكانية اعتبار الفعل‬
‫السلبي من األنشطة التي تقوم بها جريمة القتل‪.‬‬
‫وعموما يعتبر االمتناع الذي هو نشاط سلبي مكونا للركن المادي لجريمة القتل العمد‪ ،‬ألن‬
‫المشرع سوى بين الفعل اإليجابي والفعل السلبي‪ ،‬وإن كان جانب من الفق يرى بأن‬
‫االمتناع الذي هو النشاط السلبي ال يمكن أن يكون الركن المادي لجريمة القتل العمد إال إذا‬
‫كان القانون يضهللا التزاما بعدم االمتناع على عاتق الشخص المتابهللا بالقتل‪ ،‬كالممرضة التي‬
‫تمتنهللا عن إعطاء المريض الدواء في وقت إلى أن مات‪.‬‬
‫بينما يعارض جانب خخر هذا الرأي ويرى بأن العبرة هي بتسبب الجاني بنشاط السلبي‬
‫في إزهاق روح المجني علي عمدا‪ ،‬وضرورة معاقبت على هذا األساس سواء كان مصدر‬
‫هذا االمتناع هو القانون أو هو العقد‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما يمكن استنتاج مما سبق‪ ،‬أن الوسائل التي يكون الجاني قد أعدها ابتداء وترق أمر‬
‫‪،‬تعتبر نشاطا مكونا للركن المادي في جريمة القتل العمد‪ ،‬فالعبرة‬ ‫إتمام الجريمة للظرو‬
‫للقول بأن القتل تحقق هو بحصول النتيجة بغض النظر عن كيفية التسبب فيها وال بالطريقة‬
‫التي تمت بها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النشاط المعنوي في جريمة القتل‬
‫السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو التالي‪:‬‬
‫جسم الضحية نشاطا مكونا‬ ‫هل يمكن اعتبار األفعال واألعمال المعنوية التي ال تستهد‬
‫‪103‬‬
‫للركن المادي لجريمة القتل متى أدى ذلق إلى موت الضحية أم ال‬
‫الفق في اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬فمنهم من يقول بعدم اعتبار هذا الفعل ولو أن‬ ‫لقد اختل‬
‫إيجابي مكون للركن المادي لجريمة القتل‪ ،‬على أساس أن يصعب إثبات أن الموت تحقق‬
‫بسبب (أي الفعل المعنوي ) كون ال يترق دليال على الجسم‪.‬‬
‫بينما يذهب رأي خخر إلى القول بإمكانية مساءلة الجاني عن هذه األفعال إذا كان الجاني قد‬
‫تعمد بالفعل إزهاق روح المجني علي وذلق لسببين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الرأي القائل بعدم المساءلة على األفعال المعنوية المؤدية إلى القتل يستند إلى‬
‫صعوبة إثبات عالقة السببية بين األفعال والوفاة‪ ،‬وهذا استناد اير مقنهللا ألن المطلوب هو‬
‫هل تصلح هذه األفعال أن تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في جريمة القتل أم ال‪،‬‬
‫أما إثبات األفعال والعالقة السببية فهو أمر متروق للقضاء‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو أن المشرع في الفصل ‪ 392‬من القانون الجنائي جاء عاما واعتبر الشخص‬
‫قاتال متى تسبب في قتل ايره‪ ،‬وقد جاءت هذه الكلمة " تسبب" مطلقة و عامة لم يميز فيها‬
‫بين الفعل المادي أو المعنوي‪ ،‬لذلق فالقضاء لن يكون ملزما إال بالبحث عما إذا كانت عالقة‬
‫السببية قائمة بين النشاط اإلجرامي والنتيجة أم اير قائمة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فاالعتداد بوسيلة معنوية من قبيل إخبار الجاني الضحية بخبر سيء وهو يعلم‬
‫بمرض بالقلب أدى إلى فزع فمات‪ ،‬او قيام الزوج باستفزاز زوجت بكالم جارح فدفعها‬
‫إلى إنهاء حياتها‪ ،‬يعد سببا أدى إلى الموت وبالتالي نشاطا مكونا للركن المادي لجريمة القتل‬
‫والتي في تنظيمها لم يميز المشرع فيها بين األفعال كانت مادية أو معنوية‪ ،‬إيجابية أو‬
‫سلبية‪.‬‬

‫‪ 103‬ـ من ذلك األعمال التي تؤثر على نفسية المجني عليه كمعاملة الزوج معاملة قاسية والدفع بها إلى التخلص من حياتها باالنتحار عن طريق رمي‬
‫نفسها من عل سطح البيت أو شرب السم‪9‬‬
‫يعتبر تحقق النتيجة العنصر الثاني المكون للركن المادي لجريمة القتل العمد التي تعتبر‬
‫بدورها من جرائم النتيجة‪،‬وعلى هذا األساس يتعين تحققها في الواقهللا وذلق بإزهاق روح‬
‫المجني علي والذي يجب أن يكون إنسانا‪ ،‬وأن يؤدي نشاط الجاني الى موت ‪ ،‬فالوفاة إذا‬
‫هي النتيجة الالزمة لقيام جريمة القتل‪ ،‬وال تقوم مقامها عنها أية نتيجة أخرى‪ .‬فلو أن الضحية‬
‫أصيبت بجروح خطيرة أو بطعنات قاتلة لكنها لم تحقق نتيجة الموت‪ ،‬فال مجال العتبار الفعل‬
‫قلب الضحية لبضهللا دقائق‬ ‫قتال‪ .‬بل ال مجال العتبار الفعل قتال ولو كانت نتيجت توق‬
‫استرجهللا بعدها وعي ‪.‬‬
‫حيات‬ ‫فتحقق القتل قانونا وواقعا ال يكون إال بتحقق النتيجة التي هي موت المجني علي بتوق‬
‫توقفا فعليا‪ .‬فالموت هو النتيجة المعتبرة في كل جرائم القتل‪ ،‬لذلق فمتى توفر قصد القتل كانت‬
‫قصد‬ ‫الجريمة قتال‪ ،‬ما لم يتوفر القصد ووقهللا الموت بسبب خطأ‪ ،‬كان القتل خطأ‪ ،‬أما إذا تخل‬
‫القتل وعدم ارتكاب الخطأ‪ ،‬وحصل إيذاء بالضرب مثال أدى إلى الموت كان جريمة الضرب‬
‫المفضي إلى الموت‪.‬‬
‫الغير‪ ،‬فلو قام هو شخصيا ـ‬ ‫وموت المجني علي يجب أن يكون بفعل أو بنشاط من طر‬
‫أي المجني علي ـ بقتل نفس عد انتحارا وليس قتال‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عالقة السببية بين نشاط الجاني والنتيجة اإلجرامية‬


‫لكي يكتمل الركن المادي لجريمة القتل العمد يجب أن يتوفر إلى جانب النشاط الصادر عن‬
‫الجاني والنتيجة اإلجرامية وجود عالقة سببية تربط بينهما‪ 9‬والمقصود بذلك أن يكون هذا‬
‫النشاط هو الذي أدى إلى حدوث هذه النتيجة أي يكون بينها ارتباط‪9‬‬
‫والمالحظ أنه في غالبية الحاالت تكون عالقة السببية واضحة ال تثير أي إشكال قانوني مكن‬
‫يقوم بغرس سكين في قلب الضحية فيرديه قتيال سواء في نفس اللحظة أو عند نقله إلى‬
‫المستشفى أو في طريق نقله إليها‪ ،‬ففي هذه الحاالت ال يطرح أي إشكال بصدد معرفة عالقة‬
‫السببية بين النشاط والنتيجة المحققة‪ 9‬لكن هنالك حاالت عديدة تثير فيها عالقة السببية إشكاال‬
‫قانونيا حيث تظل غير واضحة وذلك بسبب اشتراك عوامل أخرى إلى جانب نشاط الجاني‬
‫في إحداث الوفاة‪ ،‬من ذلك مرض المجني عليه‪ ،‬أو اشتراك عدة جناة في إطالق النار أو خطأ‬
‫الطبيب أو ألن نشاط الجاني ال يؤدي عادة إلى القتل كالضرب مثال‪ ،‬ففي كل هذه الحاالت‬
‫تكون عالقة السببية بين النشاط والنتيجة غير واضحة وهذا ما دفع بالفقه إلى البحث عن حل‬
‫لهذا اإلشكال‪ ،‬حيث ظهرت العديد من النظريات الفقهية محاولة إيجاد معيار قار يمكن‬
‫االعتماد عليه لتحديد وجود عالقة السببية‪9104‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن أمر استخالص وتوفر عالقة السببية يكون بيد القاضي الذي يدرس كل حالة‬
‫على حدة ويرى ما إذا كانت متوفرة أم ال‪ 9‬وهكذا‪ ،‬فإن الحكم الذي يغفل بيان عالقة السببية‬
‫يبقى حكما قاصر التعليل بحيث أن القاضي ملزم بأن يرتكز على علل مقبولة مستمدة من‬
‫وقائع الدعوى وإال عرض حكمه للنقض‪ ،‬كما يجب أن تكون الوقائع كافية إلقناع المجلس‬
‫األعلى بثبوت عالقة السببية أو نفيها‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬محل جريمة القتل‬
‫ال حديث عن تحقق القتل إال باالعتداء على حياة شخص ما‪ ،‬وهو أمر يعني أن يكون هذا‬
‫الشخص على قيد الحياة‪ .‬بتعبير خخر‪ ،‬جريمة القتل ال تقهللا إال إذا كان المجني علي إنسانا ً‪،‬‬
‫فمتى انتفت هذه الصفة انتفت معها جريمة القتل‪،‬كما لو وقهللا االعتداء قبل بدأ الحياة أو بعد‬
‫انتهاءها‪ ،‬مهللا إمكانية معاقبة مرتكبها على جريمة أخرى ‪ .‬على أن السؤال الذي يطرح في‬
‫هذا الصدد هو التالي‪ :‬متى تبتدئ حياة اإلنسان العتبار االعتداء علي ـ متى تحققت أركان‬
‫ـ قتال عمدا ‪.‬‬
‫يمكن القول هنا بأن حياة اإلنسان تبدأ وهو جنين في رحم أم ـ وإن كان ال يعتبر إنسانا‬
‫بالمعنى المقصود في هذه الدراسةـ ألن االعتداء علي عن طريق إسقاط يشكل جريمة‬
‫يعاقب عليها القانون وهي جريمة اإلجهاض وليس جريمة القتل العمد‪.105‬‬
‫لكن متى ابتدأت والدت والتي يحددها االبية الفق ببدأ المخاض واستعداد الجنين لمغادرة‬
‫رحم أم وإن لم تكن عملية الوالدة قد انتهت بعد‪ ،106‬فالمولود في هذا الفترة يمكن اعتباره‬
‫إنساسنا حيا خالل هذه الفترة التي تستغرقها عملية الوالدة كانت طبيعية أو بطريقة أخرى ـ‬

‫‪ 104‬ـ للمزيد من اإليضاح حول موضوع عالقة السببية انظر‪:‬‬


‫فريدة اليوموري‪ ،‬عالقة السببية بين الخطأ والضرر في مجال المسؤولية التقصيرية ـ دراسة مقارنة ـ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫الدار البيضاء ‪9 0222‬‬
‫‪ 105‬ـ راجع نص الفصل ‪ 55.‬من القانون الجنائي‪9‬‬
‫‪ 106‬ـ وهو ما تبناه المشرع المغربي من خالل نص الفصل ‪ 1.7‬من القانون الجنائي حيث تعرض لقتل الطفل الوليد والذي لم يشترط في ضرورة‬
‫انفصاله عن جسم أمه‪9‬‬
‫عملية قيصرية مثال ـ وليس بتمام الوالدة واالنتهاء منها‪ .‬وعلي ‪ ،‬فإن إزهاق روح المولود‬
‫في هذه المرحلة يعتبر جريمة قتل عمد وليس إجهاضا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فببداية عملية الوالدة يخرج‬
‫مهللا الحياة الخارجية ‪،‬متأثرا بعواملها التي تجعل‬ ‫الجنين ليصبح إنسانا ً قادرا على التكي‬
‫الغير كما هو األمر بالنسبة لباقي الناس‪ ،‬وال عبرة‬ ‫من محال قابال لالعتداء علي من طر‬
‫في ذلق بالعيوب أو التشوهات أو األمراض التي قد يكون مصابا بها‪.‬‬
‫إن العبرة في تطبيق أحكام القتل العمد هي بكون اإلنسان حيا فقط‪ ،‬فال يهم إن كان مشوها‬
‫أو مريضا بمرض خطير أو معوقا‪.‬‬
‫أما عن وقت ولحظة موت اإلنسان فقد عرفت خالفا فقهيا ـ وإن كانت ال تثير صعوبة في‬
‫تحديدها بسبب التقدم العلمي الذي عرف المجال الطبي‪ ،‬ويمكن تلخيص هذا الجدل في‬
‫فيها كل أجهزة اإلنسان عن‬ ‫موقفين‪ ،‬أحدهما يرى أن الموت يتحقق في الحالة التي تتوق‬
‫المخ والقلب والتنفس وايرها من األجهزة ‪ .‬وثانيهما وهو‬ ‫العمل‪ ،‬وهو ما ينجم عن توق‬
‫االتجاه الحديث والذي يعتبر اإلنسان قد فارق الحياة وتحقق موت بانتهاء حياة المخ‪ .‬وهكذا‬
‫فكل نشاط أو فعل يعجل بموت الضحية قبل حلول أجل يعد قتال‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن التشريعات المقارنة ومنها المغربي‪،‬أقرت حماية لألشخاص حتى‬
‫بعد الوفاة فعاقبت على كل من قام بانتهاق حرمة القبور بموجب الفصول من ‪ 262‬إلى‬
‫‪ 242‬من القانون الجنائي ‪ ،‬فمن قام بهدم المقابر أو لوثها ي~أية وسيلة يعاقب بالحبس من‬
‫‪ 6‬اشهر إلى سنتين وارامة مالية من ‪ 222‬إلى ‪ 022‬درهم‪.‬ومن انتهق قبرا أو دفن جثة أو‬
‫استخرجها خفية يعاقب بالحبس من ‪ 3‬اضهر على ‪ 2‬سنتين وارامة من ‪ 222‬إى ‪022‬‬
‫درهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬


‫يعتبر الركن المعنوي أو القصد الجنائي الركن الثاني والالزم لقيام جريمة القتل العمد‪،‬‬
‫والمقصود به توافر النية اإلجرامية لدى الجاني من أجل تحقيق النتيجة اإلجرامية والمتمثلة‬
‫في إزهاق روح الضحية‪9‬‬
‫ويعتبر القصد الجنائي معيارا للتمييز بين القتل العمد والقتل الخطأ‪ ،‬وذلك ألن الفعل الذي‬
‫يؤدي إلى إزهاق روح المجني عليه‪ ،‬يتأثر بمدى توفر القصد والنية اإلجرامية لدى الجاني‬
‫في إحداث النتيجة التي هي القتل وإزهاق روح المجني عليه من عدمها‪9‬‬

‫ويقوم القصد الجنائي في جريمة القتل بعنصرين اثنين وهما العلم واإلرادة‪9‬‬
‫‪ .‬ـ فعلم الجاني بعناصر جريمة ا لقتل يتحقق بمعرفته اليقينية بأن النشاط الصادر عنه من‬
‫شأنه أن يؤدي إلى موت الضحية‪ 9‬معنة هذا أن الجاني يجب أن يكون مستوعبا أن فعل‬
‫االعتداء الصادر عنه غير مشروع وسيؤدي ال محالة إلى الموت‪ ،‬فعلمه يجب أن يتجه نحو‬
‫النشاط ومعه النتيجة أيضا‪ 9‬أي أن النشاط غير مشروع وأن نتيجته الموت‪ 9‬فمتى انتفى لديه‬
‫هذا العلم تهدم الركن المعنوي ومعه القصد الجنائي‪9‬‬
‫ولذلك لو أردنا أن نجيب على السؤال المتعلق بمتى يتحقق القصد الجنائي في جريمة القتل‬
‫العمد؟‪ 9‬يكون ذلك من خالل التمييز بين الحاالت والصور التالية والتي يختلف تكييفها بتوفر‬
‫القصد الجنائي أو بانعدامه‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن يقوم الجاني بقتل المجني عليه دون إدراك منه وال توجيه إلرادته نحو تحقيق‬
‫النتيجة اإلجرامية بأن قام مثال بإطالق رصاصة عند مسه للزناد صدفة ودون رغبة منه في‬
‫ذلك مما أدى إلى إصابة أحد األشخاص وأدى إلى موته‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬وهي الحالة ا لتي يقوم فيها الجاني عن قصد وإرادة ووعي منه بقتل أحد األغيار لكن‬
‫عن غلط أو عن جهل بالواقعة التي أدت إلى ذلك‪ 9‬مثال أن يستعمل ممثل مسدسا على أنه غير‬
‫حقيقي‪ ،‬ويضغط على الزناد ظنا منه أن الرصاص غير حقيقي‪ ،‬لكن يقع الضحية ميتا‪ 9،‬أو‬
‫في الحالة التي يطلق فيها صياد النار على أحد األشخاص معتقدا أن األمر يتعلق بحيوان‪9‬‬
‫ففي هاتين الصورتين يمكن القول بأن القصد الجنائي لم يكن متوفرا بالنسبة للمثل والصياد‪،‬‬
‫وبالتالي فإن جريمة القتل العمد لن تقوم ‪،‬والذي سيتحقق هنا هو جريمة القتل الخطأ التي لم‬
‫يتوفر فيها القصد الجنائي‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يقوم شخص باالعتداء على الغير عن قصد وإرادة لكن دون أن تتوفر لديه النية‬
‫والرغبة في قتله‪ ،‬كمن يقوم بضرب آخر ضربا عنيفا أدى إلى موته‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬وهذه الحالة األخيرة هي التي يقوم فيها الجاني باالعتداء على المجني عليه وفي نيته‬
‫قتله والقضاء عليه بإزهاق روحه‪ 9‬ففي هذه الصورة تتحقق جريمة القتل العمد في صورتيها‬
‫الواقعية والقانونية وذلك بتوفر ركنيها المادي وهو الفعل الصادر عن الجاني والمعنوي وهو‬
‫نيته في القتل وتحقق بالتالي النتيجة وهي موت الضحية حيث تجب هنا معاقبة الجاني على‬
‫هذا األساس‪9‬‬
‫وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بقولها‪:‬‬
‫" لكن حيث أنه بالرجوع إلى وثائق الملف تبين أن المتهم (س) اعترف بكونه اشترى سالحا‬
‫ناريا وكان يهدف بواسته إلى قتل الضحية‪ ،‬وذهب إلى منزله وأحضر بندقيته وأطلق‬
‫الرصاص عليه وأصابه في يده"‪9107‬‬
‫‪ 0‬ـ أما توفر اإلرادة فمعناه أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل اإلعتداء على حياة‬
‫المجني عليه‪ ،‬فمتى انتفت انتفى القصد الجنائي‪9‬وهكذا‪ ،‬لو قام الجاني بقتل الغير وهو تحت‬
‫تأثير الكحول أو مخدر ما فال مجال العتبار إرادته منعدمة ألنه قام باألمر وهو مريد لذلك‪،‬‬
‫لكن لو أنه كان تحت تأثير إكراه مادي كتنزيم مغناطيسي مثال انعدمت إرادته واعتبر الفاعل‬
‫األصلي هو المسؤول عن الجريمة‪9‬‬
‫كذلك لو أن إرادة الجاني اتجهت غلى النشاط دون تحقيق النتيجة وهي الموت‪ ،‬ال يعد مرتكبا‬
‫لجريمة القتل العمد وإنما لجريمة القتل الخطأ‪ ،‬كمن يقوم بحركات تنشيطية بآالت حادة أو‬
‫سكاكين فينفلت إحداها من يده وتصيب أحد المتفرجين‪9‬‬
‫ويشترط بعض الفقه لكي يقوم الركن المعنوي‪،‬أن يتحقق القصد العام وهو توجيه إرادة‬
‫الفاعل إلى القيام باعتداء ضد إنسان مع العلم بحقيقة ما يقوم به‪ ،‬إلى جانب القصد الخاص‬
‫وهو استهدافه بذلك االعتداء إزهاق روح الضحية والقضاء على حياته‪9108‬‬

‫‪ 107‬قرار الغرفة الجنحية عدد ‪ ./..2.‬بتاريخ ‪ ،01/9/0225‬ملف جنحي عدد‪ ،7.99/0220 :‬موقع محكمتي‬
‫‪ 108‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪909:‬‬
‫وقد سار جانب من القضاء في هذا لالتجاه واشترط ضرورة توف ر القصد العام إلى جانب القصد الخاص من ذلك ما جاء في قرار للمجلس األعلى‬
‫من أنه‪:‬‬
‫" يجب على الحكم في حالة اإلدانة من أجل القتل عمدا أن يثبت أن المعتدي قد فكر بالفعل في هذه النتيجة وأنه قام بالفعل بالعمل المنسوب له من‬
‫أجل الحصول عليها"‪9‬‬
‫بينما يرى البعض اآلخر بأن القصد الجنائي في هذه الجريمة هو القصد الجنائي بمفهومه‬
‫العام المتطلب في كافة الجرائم كيفما كانت والذي يقوم على عنصرين هما العلم بطبيعة‬
‫النشاط الذي يقوم به الجاني والثاني هو إرادته إتيان هذا الفعل لتحقيق النتيجة التي هي إزهاق‬
‫روح المجني عليه‪9109‬‬
‫وعمو ما‪ ،‬فإنه كلما توفرت نية إزهاق روح المجني عليه إال وتوفر القصد الجنائي لدى‬
‫الفاعل بحيث ال يتأثر ببعض الوقائع التي قد ترافق هذا القصد‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن القصد الجنائي ال ينتفي في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ .‬ـ أن يكون الباعث على القتل بريئا بدافع الشفقة‪ ،‬فهذا الدافع ال يؤثر في تحقيق‬
‫المسؤولية الجنائية ألنه يتساوى مع الباعث بدافع الكراهية أو الحقد كما أن البواعث تعتبر‬
‫أمورا نفسية ال أثر لها على قيام القصد الجنائي‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ أن توافر القصد الجنائي عند الفاعل ال ينتفي بسبب أنه لم يستهدف ضحية معينة‪ ،‬كما لو‬
‫ألقى بقنبلة على تجمع من الخصوم قصد قتل أي أحد منهم فالقصد هنا يتحقق بموت أي واحد‬
‫منهم‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ القصد الجنائي لدى الجاني ال ينتفي وال يتأثر بحجة أنه قتل شخصا غير الذي كان يريد‬
‫قتله فعال‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ أن نية القتل ال تنتفي قانونا وإن انتفت واقعيا كمن يتعاطى شرب مواد تفقده عقله كالخمر‬
‫أو المخدرات‪9110‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الظروف المشددة في القتل العمد‬

‫قرار رقم ‪ .82‬الصادر بتاريخ ‪ ..‬يناير ‪ ،..92‬منشور بمجلة القضاء والقانون عدد ‪،08‬ص‪901 :‬‬
‫‪ 109‬ـ عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ 110‬ـ وهو ما يؤكده الفصل ‪ .17‬من القانون الجنائي بقوله‪:‬‬
‫" السكر وحاالت االنفعال أو االندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا‪ ،‬ال يمكن بأي حال من األحوال أن يعدم المسؤولية أو‬
‫ينقصها"‪9‬‬
‫عقوبة القتل العمد البسيط كما هي محددة في الفصل ‪ 1.0‬من القانون الجنائي هي السجن‬
‫المؤبد‪ ،‬إال أن هذه العقوبة تتشدد وتصبح إعداما متى صاحب القتل العمد أحد الظروف‬
‫المشددة التي حددها القانون وهي‪:‬‬
‫‪ .‬ـ سبق اإلصرار بمقتضى الفصل ‪ 1.0‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ الترصد بمقتضى الفصل ‪ 1.1‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ قتل أحد األصول بمقتضى الفصل ‪ 1.9‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ اقتران القتل العمد بجناية بمقتضى الفصل ‪ 1.0‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 4‬ـ ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة بمقتضى الفصل ‪ 1.0‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 9‬ـ القتل عن طريق التعذيب أو األفعال الوحشية بمقتضى الفصل ‪ 1.0‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 7‬ـ قتل األطفال الذين يقل عمرهم عن ‪ .0‬بالضرب أو الجرح أو العنف أو اإليذاء أو بتعمد‬
‫حرمانهم من التغذية أو العناية بمقتضى الفصل ‪ 5.2‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ 8‬ـ القتل الناشئ عن جناية الخصاء بمقتضى الفصل ‪ 5.0‬من ق ج‪9‬‬
‫‪ .‬ـ القتل الناتج عن اإلحراق العمدي أو أعمال التخريب بمقتضى الفصول ‪ 585‬و ‪ 584‬و‬
‫‪ 488‬من ق ج والمادة من ظهير ‪ .0‬ماي ‪ ..9.‬بشأن المحافظة على السكك الحديدية‬
‫وأمنها‪9‬‬
‫وسوف نقتصر في دراستنا هذه على البعض من هذه الظروف المشددة للعقوبة في جريمة‬
‫القتل العمد‪9‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬سبق اإلصرار‬
‫عرف المشرع المغربي هذا الظرف في المادة ‪ 15‬من القانون الجنائي حيث قال‪:‬‬
‫" سبق اإلصرار هو العزم المصمم عليه‪ ،‬قبل وقوع الجريمة‪ ،‬على االعتداء على شخص‬
‫معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف‪ ،‬حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو‬
‫شرط"‪9‬‬
‫من خالل هذا التعريف يتضح الفرق بين القتل العمد البسيط والقتل العمد المقترن بسبق‬
‫اإلصرار‪ ،‬ذلك أن القاتل عمدا يفترض أنه يأتي الجريمة على إثر أو فور تقريره إتيانها‪ ،‬كمن‬
‫يثور تحت تأثير إهانة مثال فيهاجم المجني عليه ويقتله‪ 9‬في حين أن القاتل عمدا مع سبق‬
‫اإلصرار ال يقوم بتنفيذ فعله إال بعد أن يعزم عليه ويتخذ قراره وذلك بعد تفكير عميق قد‬
‫يطول وقد يقتصر حيث يطرد التردد في إتيان فعله فيهيئ الوسائل المادية التي سيستعملها في‬
‫القتل ثم ينفذ فعله‪ 9‬من هنا فهو يكون إنسانا خطرا على أمن وسالمة المجتمع مادام التصميم‬
‫على القتل لم يتغير مع مرور الوقت الفاصل بين اتخاذه للقرار وتنفيذه له‪ ،‬لذلك يكون عقابه‬
‫اإلعدام‪9‬‬

‫عناصر سبق اإلصرار‬


‫يتضح من خالل نص الفصل ‪ 1.5‬من القانون الجنائي أن هذا الظرف يستلزم لقيامه توفر‬
‫عنصرين أولهما نفسي وثانيهما زمني‪9‬‬
‫أوال‪ :‬العنصر النفسي‬
‫والمقصود به أن الجاني قد فكر في مشروعه اإلجرامي بهدوء أعصاب وقدر العواقب التي‬
‫ستنجم عنه وعن القيام به وارتضى تحمل النتائج التي ستنجم عنه وقام بتنفيذه‪ 9‬وقد أشار إلى‬
‫هذا العنصر صراحة الفصل ‪ 15‬من القانون الجنائي عند تعريفه لعنصر اإلصرار‪9‬‬
‫ويعتبر العنصر النفسي المبرر األساسي لرفع عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد إلى‬
‫اإلعدام‪ 9‬ويتضح من خالل نص الفصل ‪ 1.5‬من ق ج أن سبق اإلصرار يتحقق حتى ولو‬
‫كان العزم متجها إلى ارتكاب القتل عمدا دون تحديد الشخص المقتول‪ ،‬كمن يعزم على قتل‬
‫أي أحد سيجده بداخل المنزل الذي ينوي سرقته‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن سبق اإلصرار ال يتوفر وينبني عليه تشديد العقوبة إال إذا ثبت أن الجاني كان‬
‫في كامل هدوء أعصابه وقد استعاد حالته الطبيعية والعادية التي كان عليها قبل الحادث الذي‬
‫أثار أعصابه‪ ،‬أما إذا لم يتثبت هذا األمر فإن عنصر اإلصرار ينتفي ويقضى بمعاقبة الجاني‬
‫على القتل العمد فقط‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬العنصر الزمني‬
‫يقصد بالعنصر لزمني أن يكون التصميم على القتل المقرر من طرف الجاني والمصمم على‬
‫تنفيذه سابقا على ارتكاب الجريمة‪ ،‬وقد تضمن الفصل ‪ 1.5‬من القانون الجنائي هذا العنصر‬
‫وأشار إليه صراحة بقله‪ :‬قبل وقوع الجريمة‪ ،‬إذن فالبد من أ‪ ،‬تمر فترة من الزمن بين مرحلة‬
‫العزم على ارتكاب القتل والقيام بذلك فعال‪ 9‬ويمكن القول في هذا الصدد بأن ثبوت الفاصل‬
‫الزمني بين التصميم على ارتكاب الجريمة والقيام بذلك هو قرينة قانونية على أن الجاني‬
‫استعاد هدوءه النفسي وصمم على القتل وهو في حالة طبيعية غير مكره وال مندفع بسبب‬
‫األحداث التي كانت وراء تقريره هذا‪ 9‬على أن هذه القرينة تبقى قابلة إلثبات العكس من‬
‫طرف الجاني‪9‬‬
‫ولم يحدد المشرع المغربي المدة الزمنية التي يمكن االعتداد بها واعتبار أن سبق اإلصرار‬
‫قد تحقق‪ ،‬لذلك فإن األمر يبقى بيد القضاء الذي يكون له الحق في تقرير وجود أو عدم وجود‬
‫هذا الظرف المشدد للعقوبة وذلك حسب وقائع كل قضية على حدة‪9111‬‬
‫ثالثا‪ :‬إثبات سبق اإلصرار‬
‫يمكن إثبات ظرف سبق اإلصرار بكافة وسائل اإلثبات وذلك من طرف النيابة العامة‪ ،‬على‬
‫أن قضاة الموضوع عند استخالصهم لهذا الظرف ‪،‬عليهم أن يبينوا في قراراتهم المتخذة في‬
‫هذا اإلطار األفعال المنسوبة للمتهم والتي تشكل جريمة قتل مع سبق اإلصرار‪ ،‬وذلك حتى‬
‫يتأتى لمحكمة النقض مراقبة مدى سالمة األحكام والقرارات المتخذة في استخالص هذا‬
‫الظرف‪9‬‬
‫وهو ما يزكيه القرار التالي‪ ،‬جاء فيه ‪:‬‬
‫" وحيث إنه بثبوت نقصان مسؤولية المتهم ال يمكن القول بتوافر عنصري اإلصرار‬
‫ولترصد لنقصان اإلرادة لدى المتهم وذلك أن مقتضيات الفصل ‪ 1.5‬من القانون الجنائي‬
‫تقتضي أن يكون المتهم قد خطط مسبقا لجريمة القتل وفكر في وسيلة ارتكابها وأن يكون له‬
‫الوقت الكافي لالستعداد للفعل وأن مقتضيات الفصل ‪ 1.4‬من القانون الجنائي تقتضي‬
‫التربص بالضحية قصد قتلها وإن ذلك ال يستقيم إال مع تمتع الفاعل بكامل قواه العقلية"‪9112‬‬

‫‪ 111‬ـ وهو ما قرره المجلس األعلى من خالل قراره التالي الذي جاء فيه‪:‬‬
‫" وحيث أنه حسب محتويات الملف فإنها لم تصمم العزم على قتله قبل ذلك وبذلك فإن عنصر سبق اإلصرار غير متوفر في النازلة هذا فضال‬
‫على أن سبق اإلص رار كعنصر قانوني تستخلص المحكمة توفره من وقائع النازلة التي تستقل بتقديرها تبعا لسلطتها التقديرية التي ال تخضع فيها‬
‫لرقابة المجلس األعلى مما تكون معه الوسيلة مخالفة للواقع من جهة وعلى غير أساس من جهة أخرى"‪9‬‬
‫قرار رقم ‪ 5071‬الصادر بتاريخ ‪ .5‬يونيو ‪ ،..88‬مجموعة قرارات المجلس األعلى ‪ ..8.‬ـ ‪ ،...4‬ص‪9074 :‬‬
‫‪ 112‬قرار عدد ‪ ،.0/.2‬ملف جنحي رقم ‪ ،0229/.4.44‬بتاريخ ‪ ،0229/./08‬منشور على الموقع اإللكتروني ‪ :‬محكمتي‬
‫وأخيرا يجب اإلشارة إلى أن سبق اإلصرار من الظروف الشخصية التي ال تسري إال على‬
‫من توفرت فيه من الجناة والمشاركين وكذا المساهمين وذلك عمال بمقتضيات الفقرة الثانية‬
‫من الفصل ‪ .12‬من القانون الجنائي‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الترصد‬


‫عرف المشرع الترصد في الفصل ‪ 1.4‬من القانون الجنائي بقوله‪:‬‬
‫" الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد‬
‫قتله أو ارتكاب العنف ضده"‪9‬‬
‫من خالل قراءتنا لهذا الفصل نستنتج أن للترصد عنصرين يجب توافرهما لتحققه وهما‬
‫العنصر الزمني والعنصر المكاني‪9‬‬
‫أوال‪ :‬العنصر الزمني‬
‫ويعني ضرورة انقضاء فترة من الزمن يظل خاللها الجاني ينتظر إلى أن تسمح له الفرصة‬
‫بقتل المجني عليه‪ ،‬ولم يحدد المشرع هذه الفترة بزمن محدد ابتداء‪ ،‬ولكن المهم هو أن تمر‬
‫فترة أو مدة من الزمن التي قد تكون طويلة أو قصيرة حيث يظل الجاني منتظرا الفرصة‬
‫المواتية والتي قد تكون مرور المجني عليه أو خروجه من بيته أو من عمله وذلك لينفذ‬
‫مشروعه بقتله‪9‬‬
‫ويبقى لمحكمة الموضوع أمر البث فيما إذا كانت الفترة الزمنية التي قضاها الجاني متربصا‬
‫للضحية كافية أم ال لتحقق هذا العنصر وتشديد العقوبة على أساسه والذي تخضع فيه لرقابة‬
‫المجلس األعلى على اعتبار أن الترصد مصطلح يرجع أمر البث في توافر عناصره القانونية‬
‫إلى المجلس األعلى‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬العنصر المكاني‬


‫يتحقق هذا العنصر بتربص الجاني بهدف قتل المجني عليه في مكان واحد أو في عدة أمكنة‬
‫‪ 9‬وقد أورد المشرع هذا العنصر صفة مطلقة بحيث سوى بينها سواء كانت ظاهرة كالسوق‬
‫أو غير ظاهرة كاالختباء وراء حائط أو في منزل الضحية‪ ،‬مادام أن المهم هو أن يظل‬
‫الجاني بمكان ما قابعا فيه وفي نيته إزهاق روح الضحية‪9‬‬
‫ويرجع عدم تمييز المشرع بين المكان الظاهر وغبر الظاهر إلى رغبته في ضرب النية‬
‫اإلجرامية الكامنة في نفسه المجرم الذي قد يلجأ إلى الغدر أو الخديعة لقتل المجني عليه وذلك‬
‫على غفلة منه ومباغتته بدل مواجهته وحرمانه بالتالي من الدفاع عن نفسه‪9‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن ظرف الترصد قابل لإلثبات بكافة وسائل اإلثبات ‪ ،‬حيث يجوز‬
‫للنيابة العامة إثباته بالكتابة أو بشهادة الشهود أو باالعتراف أو بالقرائن (الفصل ‪ 088‬من‬
‫القانون الجنائي)‪ 9‬لكن هذا ال ينفي أن علل المحكمة أخذها بهذا العنصر وتبين الوقائع التي‬
‫استخلصت منها هذا الظرف ألن أحكامها مراقبة من طرف محكمة النقض‪9‬‬
‫وخالفا لظرف سبق اإلصرار‪ ،‬فإن ظرف الترصد من الظروف العينية التي تتعلق بتنفيذ‬
‫الجريمة والتي يمتد أثرها إلى كافة المساهمين والمشاركين في الجريمة سواء علموا بها أو لم‬
‫يكونوا على علم بها‪9‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬قتل أحد األصول‬


‫تصبح جريمة القتل أخطر وأفضع متى وقعت على أحد األصول‪ ،‬لذلك فقد تشدد المشرع‬
‫في عقوبتها باإلعدام في الفصل ‪ 1.9‬من القانون الجنائي بقوله‪:‬‬
‫" من قتل أحد أصوله عمدا يعاقب لإلعدام"‪9‬‬
‫لكن ما المقصود باألصول؟‬
‫خالفا للقانون الفرنسي الذي حدد المقصود باألصل وجعله في األب واألم شرعيين كانوا‬
‫أويالتبني أو طبيعيين‪ ،‬ثم األصول الشرعيين بمقتضى المادة ‪ 0..‬من القانون الجنائي‬
‫الفرنسي‪ ،‬فإن القانون المغربي لم يحدد المقصود باألصل‪ ،‬لكن ذلك لم يمنع من اعتبار هذا‬
‫األخير إما األب أو الجد مهما عال‪ ،‬وإما األم أو الجدة ومها علت باإلضافة إلى أم األب وأب‬
‫األم مهما كانت درجتهما‪9‬‬
‫ويجب التنبيه إلى أنه ال يكفي أن يكون المقتول من األصول تشديد العقوبة ورفعها إلى‬
‫اإلعدام‪ ،‬بل البد أن تكون رابطة القرابة شرعية من جهة األب دون اشتراطها من جهة األم‬
‫التي تكفي فيها القرابة ولو كانت غير شرعية‪ 9‬وهذا ما تقضي به المادة ‪ .59‬من مدونة‬
‫األسرة التي سوت بين األمومة الشرعية واألمومة غير الشرعية‪ 113‬وذلك خالفا لألبوة‪9‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا بالنسبة لهذا الظرف‪:‬‬
‫أن قتل أحد األصول ليعتبر ظرف تشديد في القتل العمد يجب أن يكون القاتل على علم‬
‫ومعرفة تامة بأن من يقوم بإزهاق روحه أو يحاول ذلك هو أصل من أصوله‪ ،‬أما إذا لم يكن‬
‫عالما بذلك فإن العقاب ال يشدد‪9‬‬
‫أن قتل األصول من الظروف الشخصية التي تخص سوى الجاني‪ ،‬أما المساهمين أو‬
‫المشاركين معه فال تشدد العقوبة بالنسبة لهم‪9‬‬
‫الفقرة الخامسة‪ :‬اقتران القتل العمد بجناية‬
‫شدد المشرع المغربي عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد إلى اإلعدام إذا ما اقترن هذا الفعل‬
‫بجناية وذلك بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل ‪ 1.0‬من القانون الجنائي حين قالت‪:‬‬
‫" إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى"‪9‬‬
‫فهذه الحالة تتحقق متى قام الجاني بارتكاب جريمة قتل ويقرنها بجناية أخرى مستقلة سابقة‬
‫أو معاصرة أو الحقة لها‪9‬‬
‫فاالقتران معناه المصاحبة الزمنية بين ارتكاب الجاني للقتل العمد وارتكابه لجناية أخرى‬
‫سواء كان ذلك قبل إنجاز القتل أو أثناء ذلك أو بعد ذلك‪ 9‬وبالرجوع إلى المبادئ العامة نالحظ‬
‫بأن هذه الحالةـ اقتران القتل العمد بجناية ـ ما هي إال حالة من حاالت تعدد الجرائم والتي‬
‫تكون عقوبتها عمال بالقواعد العمة في هذا الصدد هي العقوبة المقررة للجناية األشد (‬
‫الفصل ‪ .02‬من القانون الجنائي)‪ 9‬لكن المشرع وخروجا عن هذه القواعد ونظرا لخطورة‬
‫الجاني الذي يرتكب جناية القتل العمد ويقرنها بجريمة أخرى تعتبر أيضا جناية ارتأى تشديد‬
‫العقوبة وذلك بإعدام الجاني‪9‬‬

‫‪ 113‬ـ التي تقول‪:‬‬


‫" تستوي البنوة لألم في اآلثار التي تترب عليها سواء كانت ناتجة عن عالقة شرعية أوغير شرعية"‪9‬‬
‫العنصر الزمني في االقتران‬
‫ال يقوم االقتران في هذا النوع من الجرائم إال إذا تمت المصاحبة الزمنية بين ارتكاب جريمة‬
‫القتل العمد والجناية األخرى لكي يشدد العقاب‪ ،‬سواء كانت هذه المصاحبة قبل أو أثناء أو‬
‫بعد تنفيذ الجريمة‪ 9‬على أن المالحظ أن المشرع لم يحدد طول الفترة الزمنية التي تعتبر كافية‬
‫لقيام هذا الظرف‪ ،‬وهذا ما يدعو إلى ترك األمر بيد المحكمة التي تبقى لها السلطة كاملة‬
‫لتقدير هذه الفترة‪9‬‬
‫ولكي يتحقق االقتران يجب أن تتحقق جريمة القتل العمد بإزهاق روح المجني عليه وليس‬
‫بمحاولة ذ لك فقط‪ ،‬وأن يقرنها بجريمة أخرى وأن تكون هذه الجريمة جناية وإن كان المشرع‬
‫لم يشترط أن تكون هذه الجناية من نوع معين حيث يستوي فيها أن تكون إيذاء عمديا أو‬
‫سرقة أو خيانة أو غيرها من الجنايات‪9‬‬
‫ويلزم أن تكون الجناية المقترنة بالقتل العمد معاقبا عليها‪ ،‬بحيث ال يجب أن يكون الجاني‬
‫متمتعا بعذر يعفيه من المسؤولية‪ ،‬ألن إذا كانت الجناية المقترنة بالقتل العمد غير معاقب‬
‫عليها تعذر توقيع عقوبة اإلعدام ألننا سنكون آنذاك أمام جريمة القتل العمد وحدها وعقوبة‬
‫هذه األخيرة هي السجن المؤبد وليس اإلعدام‪9‬‬
‫وإضافة إلى ما سبق يلزم أن تكون الجناية التي تشدد بموجبها عقاب القتل العمد مستقلة في‬
‫أركانها عن جريمة القتل العمد‪ ،‬مثال أن يقصد الجاني قتل شخص معين عند التصويب لطلق‬
‫الرصاصة فيخطؤه ويقتل شخصا آخر كان بجانبها أو معه كسائقه‪ 9‬ففي هذه الحالة يكون‬
‫الجاني قد ارتكب جنايتين األولى هي القتل العمد والثانية هي محاولة القتل العمد ألنهما معا‬
‫تشتركان في أن ركنهما المادي واحد ‪،‬وألن النشاط الذي صدر عن الجاني واحد وهو إطالق‬
‫النار على المجني عليه‪ ،‬لذلك النكون أمام حالة اقتران قتل عمد بجناية وإنما أمام حالة من‬
‫حاالت تعدد الجرائم‪9‬‬
‫على أن الحكم يختلف فيما لو كان الجاني يود قتل شخصين في نفس الوقت فأطلق النار على‬
‫كل واحد منهما باستقالل فقتل أحدهما وأخطأ اآلخر‪ 9‬فهنا يعاقب باإلعدام القتران جريمة‬
‫القتل العمد بجناية وهي محاولة القتل التي لم تتحقق فيها النتيجة ألن فعله ليس واحدا وإنما‬
‫استقل كل فعل عن اآلخر في كال الجريمتين‪9‬‬
‫وعموما‪ ،‬يجب أن ت كون الجناية التي يتشدد بها عقاب القتل العمد جناية في األصل ومستقلة‬
‫في وصفها عن القتل العمد‪ 9‬وهكذا‪ ،‬إذا كانت الجناية جنحة في األصل لكنها تحولت إلى‬
‫جناية‪ ،‬وذلك بسبب صيرورة القتل العمد عنصرا من عناصرها أو ظرفا مشددا فيها‪ ،‬كما في‬
‫السرقة بإكراه أدى إلى قتل ‪ ،‬فإنها ال تعتبر جناية مقترنة بجريمة القتل العمد ألنها لم تصبح‬
‫كذلك إال بسبب القتل‪9‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫األعذار المخففة في القتل العمد‬

‫خفف المشرع عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد إلى الحبس أو السجن إذا توافر أحد‬
‫األعذار المخففة من هذه العقوبة وهي‪:‬‬
‫‪ .‬ـ قتل األم لوليدها( الفصل ‪ 1.7‬من القانون الجنائي)‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم( الفصل‬
‫‪ 5.9‬من ق ج)‪9‬‬
‫‪ 1‬ـ القتل المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت‬
‫مسكون أو أحد ملحقاتها ( الفصل ‪ 5.7‬من ق ج)‪9‬‬
‫‪ 5‬ـ قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية( الفصل ‪ 5.8‬من‬
‫ق ج )‪9‬‬
‫وسوف نقتصر في دراستنا هذه على كل من القتل الحاصل نتيجة استفزاز والقتل المرتكب‬
‫من طرف أحد الزوجين ضد زوجه وشريكه وهما متلبسين بالخيانة الزوجية‪9‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القتل العمد الحاصل نتيجة استفزاز‬


‫تعرض الفصل ‪ 5.9‬من القانون الجنائي لهذا العذر بقوله‪:‬‬
‫" يتوفر عذر مخفف للعقوبة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز‬
‫ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما"‪9‬‬
‫وبناء على هذ ا النص فإن تخفيف عقوبة القتل العمد راجع إلى حالة االستفزاز التي يكون‬
‫فيها الجاني عند قيامه بالجريمة والتي تفقده التحكم في أعصابه حي يرتكب الجريمة مندفعا‬
‫تحت تأثير االنفعال‪9‬‬
‫ويتعين أن نشير في هذا اإلطار إلى أن‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن االعتداء الذي يتحقق به االستفزاز يجب أن يكون إما بالضرب أو العنف الجسيم‪،‬‬
‫والضرب هو المساس بالسالمة الجسدية بأية وسيلة كانت باليد أو بآلة أو بالرجل أو غيرها‪،‬‬
‫أما العنف الجسيم فيمكن أن ندخل فيه العديد من األفعال التي تؤدي إلى المساس بسالمة‬
‫الجسد كتقييد أرجل أو أيدي الجاني أو حبسه في مكان مهجور‪ 9‬وعلى هذا األساس فإن أعمال‬
‫اإلثارة األخرى غير الضرب والعنف الجسيم ال يمكن اعتبارهما وسيلة الستفزاز الشخص‬
‫كالسب والقذف واإلهانة‪9‬‬
‫وال يكفي أن يتحقق االعتداء بالضرب أو العنف ليتحقق االستفزاز‪ ،‬بل يجب إضافة إلى ذلك‬
‫أن يكون هذا االعتداء جسيما‪ 9‬وفي هذا الصدد تجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يأت بمعيار‬
‫لتحديد جسامة العنف‪ ،‬مما يفتح المجال أمام المحكمة التي يبقى لها أمر استخالص جسامة‬
‫الضرب أو العنف من عدمه من ظروف الحادث الموضوعية‪ ،‬وكذلك من الظروف الذاتية أو‬
‫الشخصية للجاني‪9‬‬
‫وقد سوى المشرع من خالل الفصل ‪ 5.9‬أن يكون القاتل هو الذي تعرض للضرب أو‬
‫العنف أو شخص آخر كزوجته أو ابنه‪ ،‬كما أن النص القانوني لم يشترط وجود قرابة بين‬
‫القاتل وبين الشخص الذي تعرض للضرب أو العنف الجسيم‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن يكون الضرب أو العنف الجسيم غير مشروع‪ ،‬بحيث لو كان مشروعا كالعنف‬
‫الصادر من رجل أمن الذي يقيد أيدي المجرم حتى ال يفر وذلك في حدود القانون فإنه ال‬
‫يعتبر اعتداءا‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يوجه رد الفعل الذي هو القتل ضد الشخص المستفز الذي صدر عنه الضرب أو‬
‫العنف الجسيم وليس ضد شخص آخر ‪،‬ألنه في هذه الحالة ال مجال للحديث عن توفر عذر‬
‫التخفيف الذي هو االستفزاز‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬أن يحدث الفعل المتمثل في قتل الجاني لمن استفزه عقب انتهاء االعتداء مباشرة وليس‬
‫أثناء ممارسة الضرب أو العنف الجسيم‪ ،‬ألنه حينئذ نكون أمام دفاع شرعي وليس حالة عذر‬
‫مخفف‪ 9‬إضافة إلى أن عنصر الزمن في مثل هذه الحاالت يلعب دورا مهما في مساعدة‬
‫القاضي على التوصل إلى القرار الصائب خاصة وأنه كلما طالت المدة الفاصلة بين‬
‫االستفزاز وبين رد فعل المستفز إال وقام الشك حول انتفاء العذر المخفف للحكم على أساس‬
‫أن انفعال الجاني والذي قد يدفع به إلى ارتكاب جريمة القتل قد ينقص يخف تأثيره‪9‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القتل الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد زوجه أو شريكه حال مفاجئتهما‬
‫متلبسين بالزنا‬
‫أشار المشرع إلى هذا العذر في الفصل ‪ 5.8‬من القانون الجنائي بقوله‪:‬‬
‫" يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب‪ ،‬إذا ارتكبها أحد‬
‫الزوجين ضد الزوج اآلخر و وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية"‪9‬‬
‫وتعرض ألثره في تخفيف العقوبة وذلك في الفصل ‪ 501‬من نفس القانون والذي بمقتضاه‬
‫يقضي القاضي متى ثبت العذر المخفف للعقوبة ‪ ،‬تخفيض هذه األخيرة من اإلعدام أو السجن‬
‫المؤبد إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات‪9‬‬
‫ولعل السبب في تقرير هذا العذر راجع باألساس إلى االستفزاز الذي يشعر به أحد الزوجين‬
‫تجاه اآلخر والناتج عن االعتداء على شرفه وعرضه‪9114‬‬
‫ويشترط لقيام هذا العذر‪:‬‬

‫‪ 114‬ـ على أن استفادة الزوجة من العذر المخفف لعقوبة القتل نتيجة استفزاز لم يتم إال بعد التعديل الذي عرفه الفصل ‪ 5.8‬بموجب‬
‫القانون رقم ‪ 21‬ـ‪ ، 05‬حيث كان الزوج وحده من له الحق في تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها متى ضبط زوجته وهي تمارس الفساد مع عشيقها‪،‬‬
‫ويرى بعض الفقه أن علة تقرير هذا العذر بالنسبة للزوج دون الزوجة راجع إلى هول المفاجأة الذي يكون شديدا على الزوج من غيره‪ ،‬ثم يرجع‬
‫ويقول إنه مع التسليم بأن انفعال الزوج قد ال يعادله انفعال غيره إال أنه ينبغي أن يتمتع بالعذر المخفف بسبب االستفزاز كل من الزوجة واألب وباقي‬
‫األقارب عند مفاجأة الزوج أو إحدى القريبات متلبسة بعالقة جنسية غير مشروعة‪9‬‬
‫ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 85 :‬و ‪984‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون القاتل زوجا للزوج المقتول الذي تم ضبطه مع الغير‪9‬‬
‫فرابطة الزوجية تعتبر شرطا الزما إلمكانية االستفادة من هذا العذر بأن تكون قائمة غير‬
‫منفصلة بطالق بائن‪9‬‬
‫على أن األمر يختلف متى تعلق األمر بطالق رجعي ألنه يأخذ حكم الزواج القائم وال يزيل‬
‫رابطة الزوجية‪ ،‬وذلك متى تم ضبط الزوجة من طرف الزوج وهي متلبسة بالزنا أثناء فترة‬
‫العدة ‪ ،‬أما بعد انتهاء هذه الفترة فأنها تعتبر في حكم المطلقة طالقا بائنا ويعتبر قتلها من‬
‫طرف طليقها قتال عمدا ال يستفاد فيه من عذر التخفيف‪9‬‬
‫والواضح أن هذا العذر كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬ال يستفيد منه سوى الزوج الذي قتل‬
‫زوجته أما باقي أفراد األسرة كاألب أو االبن أو غيرهما فإنهم ال يستفيدون من ذلك ويكون‬
‫حكمهم حكم القاتل قتال عمدا‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬قتل الزوج لزوجه وهي متلبس بالزنا‬


‫والمقصود بتلبس الزوج بالزنا أن يتم يضبطه من طرف زوجه مع شريكه يقترفان‬
‫الجريمة بالفعل أو على إثر اقترافهما لها‪9‬‬
‫وقد توسع الفقه والقضاء حول مفهوم التلبس حيث يعتبر في نظرهما التلبس محققا متى‬
‫تمت مفاجأة الزوج وهو في حالة ال تدع مجاال للشك في أنه ارتكب جريمة الخيانة الزوجية‪9‬‬
‫لكن هذا ليس معناه أن التلبس وحده كاف للتمتع بعذر التخفيف وإنما يجب إضافة إلى ذلك أن‬
‫ال يكون الزوج عالما بخيانة زوجه بأن ضبط أحدهما اآلخر مثال‪ ،‬لكن لعدم توفره على سالح‬
‫في تلك اللحظة أو لخوفه من شريك الزوج أو الزوجة لم يقم بالقتل ساعتها حينما اكتشف‬
‫الخيانة وانتظر إلى أن سمحت له الفرصة مرة أخرى وقام بقتل الزوج أو بقتلهما معا هي‬
‫أو هو والشريك ‪9‬‬
‫وعموا‪ ،‬فإن عذر التخفيف من العقوبة بسبب ضبط الزوجة أو الزوج متلبسا بالزنا‪ ،‬يتحقق‬
‫ولو توفر عنصر اإلصرار والترصد بأن كانت الشكوك قائمة وعمد إلى مراقبة تصرفاته ‪9‬‬
‫ثالثا‪ :‬ارتكاب جريمة القتل أثناء المفاجأة‬
‫يعتبر هذا الشرط شرطا بديهيا مادام أن الزوج (الرجل أو المرأة )يرتكب جريمة القتل ضد‬
‫زوجه أو ضده وضد شريكه أثناء ضبطهما مرتكبين للزنا‪ ،‬ألن تخفيف العقوبة في هذه الحالة‬
‫يقوم على أساس انفعال الزوج الناتج عن مفاجأته بما رآه‪ ،‬وقيامه بالقتل تحت تأثير الغضب‬
‫الذي نتج عن هذا االنفعال‪ 9‬وقد اشترط المشرع هذا األمر صراحة وذلك إلعطاء هذا العذر‬
‫الصفة القانونية‪ 9‬وهكذا‪ ،‬إذا ما استعاد الزوج وعيه وهدوء أعصابه بأن مرت مدة من الزمن‬
‫على الواقعة والمفاجأة ثم قام بعد ذلك بقتل الزوج فإنه يعتبر آنذاك مرتكبا لجريمة قتل عمد‬
‫ألنه كان ضابطا ألعصابه و مدركا لما يقوم به‪9‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫جرائم األموال‬

‫تناول المشرع المغربي الجرائم الماسة باألموال بمواد قانونية متعددة‪ ،‬حيث خصص لها‬
‫الباب التاسع من الكتاب الثالث من القانون الجنائي‪ ،‬تحت عنوان" في الجنايات والجنح‬
‫المتعلقة باألموال"‪9‬‬
‫وتعتبر جرائم األموال تلك األفعال التي تهدد الحقوق المالية للفرد‪ ،‬ذات الطبيعة االقتصادية‬
‫بغض النظر عن قيمتها باالعتداء عليها من خالل سرقتها وانتزاعها من صاحبها واالستيالء‬
‫عليها دون وجه حق‪ 9‬وتعد هذه الجرائم من أخطر الجرائم التي تهدد االستقرار االجتماعي‬
‫ومن بينها جريمة السرقة التي أشار إليها القانون الجنائي من خالل الفصل ‪ 424‬حيث عرفها‬
‫تمييزا لها عن باقي الجرائم المشابهة له من قبيل النصب وخيانة األمانة والتي تمس األموال‬
‫بدورها ‪ ،‬كما تعرض للسرقة البسيطة التي ترتكب في ظروف عادية وتعتبر بالتالي جنحة‪9‬‬
‫ومن خالل االطالع على النصوص القانونية التي تتعلق بالسرقة والتي تمتد من الفصل‬
‫‪ 424‬إلى الفصل ‪ 415‬يتضح أن المشرع يقتضي توفر ظروف معينة ويحدد عقوبة خاصة‬
‫بكل نوع من أنواع السرقات التي تتحقق ويتغير تكييفها من جنحة إلى جناية متى اقترنت‬
‫بظرف معين حسب ما أقره القانون‪9‬لكن هذا األمر ال يفهم منه أن كل فعل سرقة يقتضي توفر‬
‫شروط خاصة به‪ ،‬بل هي نفس األركان والشروط التي اشترطها المشرع عند تعريفه للسرقة‬
‫من خالل الفصل ‪ 424‬من القانون الجنائي بحيث ال تتغير وإنما الذي يتغير هو العقاب وذلك‬
‫حسب ظروف التشديد أو التخفيف التي تصاحبها و تقترن بها كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪9‬‬
‫وسوف نبحث جريمة السرقة من خالل المحاور التالية ‪:‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬اركانها‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الظروف المشددة لها‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬األعذار القانونية فيه‬

‫‪115‬‬
‫الققرة األولى ‪ :‬أركان جريمة السرقة‬
‫عرف القانون الجنائي السرقة من خالل الفصل ‪ 424‬جاء فيه‪: 116‬‬
‫" من اختلس عمدا ماال مملوكا للغير يعد سارقا‪ ،‬ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات‬
‫وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم"‪9‬‬
‫فالسرقة حسب نص الفصل أعاله هي أخذ مال الغير وإالستيالء عليه بدون رضاء صاحبه‬
‫مع علمه حين أخذه لهذا المال بأنه مملوك للغير بحيث تتجه إرادته المعتبرة قانونا إلى تحقيق‬
‫النتيجة المرجوة من فعل السرقة ‪9‬‬
‫وللسرقة ركنان ‪ :‬ركن مادي ويتألف من فعل االختالس ويكون محله المنقول المملوك‬
‫للغير‪ ،‬وركن معنوي وهو نية التملك للمال المختلس‪9‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي‬

‫‪ .115‬السرقة لغة هي أخذ المال خفية‪ ،‬وشرعا هي أخذ مال معين المقدار ‪ ،‬غير مملوك لألخذ‪9‬‬
‫وجريمة السرقة لدي جمهور الفقهاء تتحقق بتوفر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪..‬ـ وجود مال منقول معين المقدار‬
‫‪ .‬ـ ملكية هذا المال المنقول لشخص معين‬
‫‪.‬ـ اختالس هذا المال بمعرفة شخص أخر بقصد تملكه ‪.‬‬
‫‪ 116‬المقابلة للمادة ‪ 142‬من قانون العقوبات الجزائري والتي جاء فيها‪:‬‬
‫"يعد سارقا كل من اختلس غشا شيئا غير مملوك له ‪ 9999‬ويعاقب على الشروع في السرقة بالعقوبات المقررة للجريمة التامة وتطبق العقوبات ذاتها‬
‫على مختلس المياه أو الغاز أو الكهرباء‪"9‬‬
‫وفي القانون المصري من خالل نص المادة ‪ 1..‬من قانون العقوبات جاء فيها‪ " :‬كل من اختلس منقوال مملوكا لغيره فهو سارق"‪9‬‬

‫وفي قانون لعقوبات السوري من خالل المادة ‪ 90.‬جاء فيها‪:‬‬

‫"السرقة هي أخذ مال الغير المنقول دون رضاه (اي السرقة ال تقع اال على المال المنقول عكس جرائم إساءة االئتمان واالختالس التي تقع على ‪1‬‬
‫)المال المنقول وغير المنقول)‬

‫)ـ إن القوى المحرزة تنزل منزلة األشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية( كالكهرباء مثالا‬

‫‪.‬‬
‫يتكون الركن المادي بجريمة السرقة من عنصرين‪ :‬فعل االختالس‪ ،‬وأن ينصب هذا‬
‫االختالس على مال مملوك للغير‪9‬‬
‫‪ : .‬فعل االختالس‬
‫لم يعرف المشرع المغربي االختالس ‪ ،‬وقد اختلف الفقه فى وضع مفهوم لالختالس ‪ ،‬بحيث‬
‫انقسم إلى قسمين اعتمد جانب منهما النظرية التقليدية في حين أخذ الجانب الثاني بمفهوم‬
‫النظرية الحديثة فى تعريفها لالختالس‪9‬‬

‫أ ـ النظرية التقليدية‬
‫يتحقق االختالس حسب أصحاب هذه النظرية بنزع الشيء أو نقله أو أخذه من حيازة‬
‫صاحبه وإدخاله في حيازة الجاني بغير علم المجني عليه ودون رضاه ‪ ،‬فالنشاط الصادر عن‬
‫الجاني يشكل فعال ماديا أخذ من خالله الشيء محل االعتداء ونزعه من صاحبه ليدخله في‬
‫حيازته بغض النظر عن الوسائل التي استعملها لذلك كانت عبارة عن آلة أو عصا أو بيديه‬
‫‪،‬أو أنه هيأ الوسائل التي تحقق هذه النتيجة بذاتها‪ ،‬فكل ما يشترط هو أن يتحقق االستيالء‬
‫بفعل الجاني بغض النظر عن الطريقة المستعملة لذلك‪9‬‬
‫كما أن االختالس ال يقع إال إذا حصل نقل الشيء أو نزعه من حيازة صاحبه على حيازة‬
‫الجاني بغض النظر عن بقائه في حيازة هذا األخير أو تسليمه للغير‪ 9‬كل هذا ال يعتد به‬
‫قانونا إال متى تم دون علم المجني عليه ودون رضاه‪ ،‬وهو ما يعني أن حصول التسليم ينفي‬
‫االختالس سواء تم برضا المجني عليه أو عن غلط أو نتيجة تدليس وكانت له صفة الحائز‬
‫للشيء محل االختالس‪9‬‬
‫على أن اعتماد هذا المفهوم من طرف القضاء لم يكن ليستمر خصوصا في الحالة التي‬
‫يحصل فيها تسليم الشيء من أجل االطالع عليه أو فحصه ورده بعد ذلك‪ ،‬حيث غير من‬
‫موقفه وأصبح يأخذ بفكرة التسليم االضطراري ‪،‬ومعناه أنه متى حصل تسليم شيء تقتضيه‬
‫ضرورة التعامل فهذا ال يمنع من تحقق االختالس‪ ،‬فمثال لو أخذ شخص من صاحب محل‬
‫للمجوهرات خاتما من ذهب لتفحصه ورؤيته عن قرب ‪،‬وتسلمه منه فعال ثم الذ بالفرار ‪،‬فإنه‬
‫يعتبر سارقا‪ 9‬فمثل هذه الصورة وغيرها هي التي يتحقق بها التسليم االضطراري الذي ال‬
‫االختالس‪9‬‬ ‫به‬ ‫ينتفي‬
‫ب ـ النظرية الحديثة ‪:‬‬
‫أما بالنسبة ألصحاب النظرية الحديثة‪ ،‬فقد اعتمدوا تعريفا جديدا لالختالس تفاديا للعيوب‬
‫واالنتقادات التي عرفها الفقه التقليدي ‪،‬وفي هذا الصدد ربط الفقيه الفرنسى جارسون بين‬
‫فكرة االختالس وفكرة الحيازة في القانون المدنى‪ ،‬وقال إن الحيازة تنقسم إلى ثالثة أنواع‬
‫وهي ‪ :‬الحيازة الكاملة والحيازة الناقصة أو المؤقتة والحيازة العارضة‪9‬‬
‫‪.‬‬
‫الحيازة الكاملة‪ :‬وتكون لمالك الشيء أو لمن يدعي ملكيته‪،‬بغض النظر عن كونه حسن أو‬
‫سيء النية ـ كالسارق مثال ـ وتتكون هذه الحيازة من عنصرين ‪ ،‬عنصر مادي وهو كل‬
‫األفعال التي يباشرها الحائز على الشيء ‪ ،‬وعنصر معنوي وهو نية أخذ الشيء واستعماله‬
‫كما لو كان مالكا له‪9‬‬
‫الحيازة المؤقتة ‪ :‬فتكون لمن يحصل على الشيء ويحوزه بموجب سند يخوله العنصر‬
‫المادي دون الحق في ملكه‪،‬أي الحق في استعماله دون أن يكون مالكا له بحيث تظل الملكية‬
‫لغيره‪ ،‬كما لو استأجره أو قام برهنه‪9‬‬
‫اما الحيازة العارضة ‪ :‬فهي التي تتحقق حين يقع الشيء بيد شخص ال يملك ال الحيازة‬
‫الكاملة وال الحيازة المؤقتة ‪ ،‬بحيث ال يكون له أي حق على هذا الشيء فال هو بمالك له وال‬
‫بمكتر وال براهن له‪9‬‬
‫فاالختالس حسب جارسون هو االستيالء على حيازة الشيء بعنصريها المادي‬
‫والمعنوي بدون علم وال رضا مالكه أو حائزه السابق‪ 9‬وبتعبير آخر‪ ،‬فاالختالس يتحقق بتوفر‬
‫عنصرين‪ :‬االستيالء على الشيء ‪ ،‬وعدم رضا المالك أو الحائز‪9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتحقق االختالس باستيالء الغير على الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي في‬
‫حالتين ‪ :‬في الحالة األولى يعمل فيها الجاني على إنهاء حيازة سابقة وينشئ حيازة جديدة‬
‫ومستقلة ‪،‬يحصل بها نزع للشيء من مالكه أو حائزه ليدخل في حيازة الجاني ‪،‬بغض النظر‬
‫عن الطريقة التي تم بها هذا األخذ سواء خفية أو بعلم المجني عليه ولكن دون رضاه‪9‬‬
‫وفي الحالة الثانية يتم فيها تسليم الشيء للجاني تسليما ماديا ووضعه بين يديه من طرف‬
‫المالك‪ ،‬ولكن دون أن ينقل له الحيازة الكاملة أو ناقصة‪ ،‬فيحتفظ به بنية امتالكه يتحقق‬
‫االختالس ويعتبر سارقا ‪،‬كما لو تعلق األمر بصاحب سيارة أجرة الذي يفر بحقائب المسافر‬
‫بعد أن وضعها بالسيارة‪9‬‬

‫ويمكن تلخيص عناصر االختالس في ‪ :‬النشاط المحقق لالختالس‪ ،‬وأن يتم هذا االختالس‬
‫دون رضا المجني عليه‬
‫أوال ‪ :‬نشاط االختالس ويكون بسلب الجاني حيازة الشيء من المجني عليه ‪ ،‬بحيث يكون‬
‫هو السبب في خروج هذه الحيازة من يد هذا األخير بصدور نشاط إيجابي عنه‪ 9‬على أن‬
‫تحقق هذا النشاط ال يشترط فيه ن يكون صادرا عن الجاني شخصيا ويقوم به بنفسه‪ ،‬فيعتبر‬
‫الجرم قائما وإن عمد إلى تكليف غيره ممن ال تتوفر فيه األهلية الكاملة مثال كما لو حرض‬
‫طفال على سرقة مبلغ نقدي أو سرقة خاتم من ذهب‪ ،‬أو كما لو استعمل آلة للتمكن من محل‬
‫السرقة‪ 9‬أو قام بإلهاء صاحب المحل وقام غيره بالسرقة‪9‬‬
‫أن يحصل االختالس بدون رضا المجني عليه‪ ،‬هذا العنصر لم يشر إليه المشرع‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫المغربي عند تعريفه لجريمة السرقة‪ ،‬لكن تحقق االختالس يقتضي ‪ ،‬باإلضافة إلى قيام‬
‫الجاني بنشاط يمكنه من حيازة محل السرقة‪ ،‬أن يتم بدون رضا المجني عليه‪ 9‬ومعنى ذلك‪،‬‬
‫أن تحقق الرضا في الحيازة ينفي تحقق االختالس على اعتبار أن السرقة ال تقوم إال‬
‫باالعتداء على حيازة الغير لما يملك أي على من له صفة على الشيء‪ 9‬وعليه‪ ،‬متى انعدم‬
‫رضا من له صفة المالك على الشيء تحقق االختالس ومتى تحقق رضا من له صفة المالك‬
‫على الشيء انعدم االختالس وإن كان هذا الشيء في حيازة غيره‪9‬‬
‫‪ 2‬ـ محل االختالس‪:‬‬
‫يقصد بمحل االختالس الشيء الذي تتعلق به حقوق المعتدى عليه ويقع عليه الفعل‬
‫اإلجرامي‪9‬ويشترط فيه توافر أن أوال يكون ماألً ذو طبيعة مادية وثانيا أن يكون ماال منقوال‬
‫وثالثا أن يكون مملوكا للغير‪.‬‬
‫أ ـ أن يكون محل االختالس ماال ذو طبيعة مادية‬
‫ال يصلح الشيء محال لالختالس إال إذا كان ماال‪،‬ويقصد بالمال"كل شيء يصلح محال لحق‬
‫عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية"‪ ،117‬وقد عرفه القانون المدني المصري بأنه‪":‬كل‬
‫شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محال للحقوق المالية"‪9‬‬
‫واألشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي ال يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها‪،‬أما‬
‫األشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون فهي التي ال يجيز القانون أن تكون محال للحقوق‬
‫المالية‪.‬‬
‫وال تنتفي صفة المال عن األشياء التي تكون حيازتها غير مشروعة أو محرمة كالمخدرات‬
‫أو الكحول أو غيرها‪،‬فيتحقق االختالس وإن كان محله من المواد الممنوع حيازتها أو‬
‫التعامل فيها‪9‬ذلك أن المشرع المغربي يحمي حق الملكية لذاته بحيث متى كان يمكن تملك‬
‫الشيء وله قيمة‪،‬فال ينظر حينها فيما إذا كانت حيازته مباحه أم محرمه أو فيما إذا كان‬
‫الحائز للمال قد حصل عليه عن طريق مشروع أم غير مشروع ‪9‬ويعني ذلك وجوب توافر‬
‫أمران في محل االختالس أولهما أن يكون الشيء قابال للتملك وثانيهما أن يكون شيئا ذا قيمة‬
‫بحيث يمكن أن تكون قيمة المال المختلس مادية تقدر بثمن أو معنوية‪9‬‬
‫ب ـ أن يكون موضوع االختالس حقا منقوال‪:‬‬
‫التمييز بين المنقول والعقار هو موضوعات القانون المدني‪،‬فالعقار هو كل شيء مستقر‬
‫بحيزه ثابت فيه ال يمكن نقله دون تلف"أما المنقول فهو كل شيء يمكن نقله من مكان آلخر‬
‫دون تلف‪ 9‬وهو ما يعتد به القانون الجنائي ـ وإن لم تتم اإلشارة إلى ذلك بصفة صريحة ـ‬
‫بحيث يعتبر المنقول كل شيء مادي يمكن نقله من مكان آلخر‪9‬‬
‫واعتمادا على ما أقره القانون المدني فس هذا الصدد فالمنقول يشمل ‪،‬المنقول بطبيعته‬
‫كالنقود واألثاث والحيوانات و يدخل في إطاره أيضا العقار بالتخصيص وهو في حقيقته‬
‫منقول بطبيعته رصد لخدمة العقار‪،‬كأدوات الزراعة ومعدات وآالت المصنع ‪9‬ويشمل ايضا‬
‫العقار باإلتصال ـ كما يسميه بعض الفقه ـ كالشبابيك واألبواب واألشجار المزروعة بالعقار‪9‬‬
‫ت ـ أن يكون موصوع االختالس مملوكا للغير‬

‫‪ 117‬المال لغة هو كل ما يقتنى ويحوزه االنسان بالفعل ‪ ،‬سواء أكان عينا أم منفعة ‪ ،‬كالذهب أو الفضة‬
‫واصطالحا فهو كل ما يمكن أن يملكه اإلنسان‪ ،‬وينتفع به على وجه معتاد‪ ،‬سواء كان مملوكا بالفعل أو كان قابال للتملك كالطير في الهواء والسمك‬
‫في الماء ‪ 9‬وهذا يعني أن المال هو كل ما يملك قيمة اقتصادية تقدر بالنقود سواه كانت في حيازة شخص وفي ملكه أو كان غير مملوك ألي شخص‬
‫‪.‬ما دام يقبل أن يحاز ويملك‬
‫يشترط في موضوع االختالس أن يكون مملوكا للغير‪،‬والمقصود بذلك تحقق اإلعتداء على‬
‫الملكية ال يتصور إال إذا انصب على ما ًل مملوك للغير‪ ،‬فإذا وقع الفعل على مال مملوك‬
‫للمتهم فإنه ال يعد سرقة وإنما يكون استعمال لحق له عليه‪ ،‬في حين إذا انصب على مال غير‬
‫مملوك ألحد فهو إكتساب مشروع لملكيته‪9‬والفعل في الحالتين مشروع فال يقوم به االختالس‪،‬‬
‫ومعنى ذلك أن الفصل في تحقق االختالس من عدمه يفترض فصال في ملكية المال المدعى‬
‫باختالسه ‪ 9‬ولفهم هذا الشرط يتعين التطرق إلى ثالثة صور وهي‪:‬‬
‫الصورة األولى‪:‬‬
‫أن يكون المال مملوكا للمتهم‪ ،‬فاألصل أنه ال أحد يسرق ماله وإنما استعماله لهذا المال يكون‬
‫مشروعا ومستمدا من الملكية التي له على هذا المال‪ 9‬ويستوي في ذلك كونه سيء النية وعمد‬
‫إلى اختالس المال اعتقادا منه أن غيره هم المالك األصلي وليس هو‪ 9‬وال يمنع من اعتبار‬
‫المتهم مالكا للمال ‪،‬أن يكون محظوراً عليه التصرف فيه ‪ -‬بناءاً على سند ملكية أو على أي‬
‫سبب قانوني آخر‪ -‬فشرط المنع من التصرف ال ينفي الملكية وإذا كان المال مملوكا للمتهم‬
‫وفي حيازة غيره فاسترده عنوة أو بالقوة‪ ،‬فال يكون بذلك أيضا مختلسا‪،‬ذلك أن االعتداء على‬
‫الحيازة دون الملكية ال يقوم به االختالس‪،‬فال يعتبر مختلسا المكري الذي يسترد العين‬
‫المكتراة من المكتري‪9‬‬
‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫أن يكون المال مملوكا للغير‪ ،‬ومعنى ذلك أن يكون المال المختلس مملوكا لشخص آخر غير‬
‫المتهم بسرقته‪ ،‬حيث يتحقق االعتداء بنزع أو أخذ الملكية والذي تقوم به جريمة السرقة‪9‬وفي‬
‫هذا الصدد وجبت اإلشارة إلى أنه ال يشترط أن يكون اسم المالك معلوما أو معروفا وسواء‬
‫كان فردا واحدا أو أشخاص متعددين ‪،‬كما يستوي في ذلك أن يكون هذا الشخص طبيعيا أو‬
‫معنويا‪ 9‬وتثير هذه الصورة عدة فرضيات ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬فرضية المال المملوك على الشياع ‪:‬‬
‫وهي الحالة التي يقع فيها االختالس من المالك على مال ال يملكه وحده وإنما يشاركه في‬
‫ملكيته شخص أو عدة أشخاص على الشياع‪ 9‬فالملكية على الشياع تعني"أن يكون كل شريك‬
‫مالكا بنسبة نصيبه في كل ذرة من ذرات المال المشترك" ‪،‬لذلك فأخذ أو نزع أي جزء من‬
‫هذا المال يعتبر إعتداء على ملكية الشريك وبالتالي اختالسا‪ ،‬كما لو أخذ الجاني المتهم جزءا‬
‫من مال الورثة مستندا في ذلك على كونه وريثا ايضا‪ ،‬مثل هذا التصرف ال ينفي تحقق‬
‫االختالس ألن فيه اعتداء على ملكية باقي الورثة باعتبارهم شركاء في اإلرث وفي الملكية‪9‬‬
‫كما يعتبر االختالس محققا وإن استند في تصرفه على استعماله لنصيبه من اإلرث مثال ذلك‬
‫أنه في حالة الشياع ال مجال لمعرفة الجزء أو النصيب الخاص بكل شريك وإنما الملكية‬
‫للشركاء جميعا بالنسبة للشيء كامال‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬فرضية المال المفقود أو الضائع‬
‫يمكن تعريف المال الضائع بأنه المال الذي فقد صاحبه السيطرة عليه دون نية التخلي عنه‬
‫وعن ملكيته له‪9‬وهو بهذا يختلف عن المال المباح الذي ال مالك له‪ 9‬فمتى حصل الغير على‬
‫هذا المال الضائع كان لصاحبه الحق في إسترداده منه وإن كان حصوله عليه تم بطريق‬
‫شرعي من خالل شرائه من الغير بحسن نية وذلك في غضون مدة ثالث سنوات حسب‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 549‬مكرر من ق ل ع‪ 9118‬وعموما‪ ،‬من أخذ ماال مملوكا للغير ـ وملكيته‬
‫مازالت قائمة ـ وإن كان مفقودا ‪ ،‬اعتبر في حكم المختلس ‪،‬ذلك أن استيالء من عثر عليه يعد‬
‫اعتداء على ملكية صاحبه‪ ،‬وهو ما أشار إليه الفصل ‪ 407‬من القانون الجنائي الذي جاء فيه‪:‬‬
‫" من عثر مصادفة على منقول‪ ،‬وتملكه بدون أن يخطر به مالكه وال الشرطة المحلية يعاقب‬
‫بالحبس من شهر إلى سنة‪9‬‬
‫ويعاقب بنفس العقوبة من تملك‪ ،‬بسوء نية منقوال وصل إلى حيازته صدفة أو خطأ"‪9‬‬
‫الصورة الثالثة‪:‬‬
‫أن يكون المال غير مملوك ألحد‪ ،‬مثل هذا المال متى تم اإلستيالء عليه اليعد اختالسا‪،‬‬
‫والسبب في ذلك راجع إلى كونه ماال غير مملوك ألحد ‪،‬وألن هذا الفعل ال يتضمن فكرة‬
‫اإلعتداء على ملكية الغير‪9‬ويكون المال غير مملوك ألحد إذا كان مباحا إما بحسب أصله كما‬
‫لو تعلق األمر بالثروات الطبيعية كمن اصطاد سمكا أو طائرا ‪ ،‬فهذ أشياء مباحة‪ ،119‬بل‬
‫حصوله عليها يجعله في حكم المالك لها‪ ،‬واعتداء الغير عليه بنزعها منه يجعل هذا الغير‬
‫‪ 118‬جاء فيه ‪ " :‬من ضاع له أو سرق من ه شيء كان له الحق في استرداده‪ ،‬خالل ثالث سنوات من يوم الضياع أو السرقة‪ ،‬ممن يكون‬
‫هذا الشيء موجودا بين يديه‪ 9‬ولهذا األخير أن يرجع على من تلقى الشيء منه‪"9‬‬
‫‪ 119‬ويجب عدم الخلط بين األموال المباحة واألموال المملوكة للدولة‪ ،‬حيث ان االستيالء على األولى يعتبر مباحا ويعطي من استولى‬
‫عليها الحق في تملكها‪ ،‬بينما االستيالء على ألثانية ـ أموال الدولة ـ يعد اختالسا تتحقق به جريمة السرقة‪ ،‬كمن يقتلع أشجارا من الطريق العام‪ ،‬أو‬
‫يصطاد طيورا من الحدائق العمومية‪99‬‬
‫مختلسا وسارقا‪ 9‬أو أن يكون مباحا متى تم التخلي عنه‪9‬‬
‫وقد يكون هذا المال متروكا‪ ،‬بحيث يصبح بدون مالك وذلك متى تخلى عنه بقصد التخلي‬
‫عن ملكيته‪ 9‬بتعبير آخر‪ ،‬أن يستغني عنه صاحبه ويتخلى عن حيازته ‪ ،‬فيكون بذلك ماال ال‬
‫مالك لهومتى استولى عليه أحد من األغيار ال يعتبر مختلسا‪ ،‬من ذلك المالبس المتخلى عنها‬
‫واألمتعة البالية الملقاة بالطرق العامة‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬


‫تعتبر السرقة من الجرائم العمدية التي تقتضي توفر الركن المعنوي في صورة قصد‬
‫جنائي‪،‬والقصد الجنائي‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬يتكون من عنصرين هما العلم واإلرادة‪9‬و في‬
‫جريمة السرقة يعني أن يكون الجاني على علم بعناصر الجريمة ‪ ،‬أي أنه يجب أن يعلم بأنه‬
‫يستولي على منقول مملوك للغير بدون رضاه‪،‬وأن تتجه إرادته إلى نزعه وأخذ ه واختالسه ‪،‬‬
‫أي أن تصبح له الحيازة الكاملة على هذا المال‪..‬‬
‫‪ 1‬ـ عنصر العلم‬
‫ال يكفي أن تتوفر اإلرادة الرتكاب فعل االختالس و يتحقق بالتالي القصد العام في جريمة‬
‫السرقة‪،‬وإنما يجب فضال عن ذلك‪ ،‬أن يكون الجاني على علم بأركان الجريمة فيكون عالما‬
‫بأنه يقوم بفعل اختالس‪،‬أي إخراج الشيء من حيازة المالك األصلي وإدخاله في حيازته دون‬
‫رضاء المجني عليه‪،‬وبأن فعله يقع على مال منقول مملوك للغير‪ .‬بتعبير آخر‪،‬ال يكفي علم‬
‫الجاني أن المال في حيازة غيره ـ الذي لم يرض بخروجه منها ـ وهو يجهل أن من شأن‬
‫فعله المساس بهذه الحيازة‪،‬فهذا الجهل ينفي العلم باالعتداء على حيازة الغير وينفي تبعا لذلك‬
‫القصد‪9‬فمن يقود سيارة وضع فيها شخص دون علمه ماال منقوال مملوكا لغيره‪ ،‬ال يتوافر لديه‬
‫القصد‪،‬ألنه ال يعلم وقت فعله‪-‬وهو يقود السيارة – أن بداخلها مال يعود للغير‪9‬‬
‫إضافة على ما سبق‪ ،‬يجب أن يكون الفاعل عند اختالسه لمال الغير عالما بأنه يختلس مال‬
‫الغير بدون رضائه‪،‬فإذا كان يعتقد حين أخذ هذا المال أن صاحبه يرضى بذلك ‪،‬فال يكون‬
‫سارقا النتفاء القصد الجنائي‪9‬‬
‫‪ 0‬ـ اإلرادة‬
‫ال يكتمل الركن المعنوي في جريمة السرقة إال إذا اتجهت إرادة الجاني إلى إخراج الشيء‬
‫من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازته‪ ،‬وأن تكون هذه اإلرادة معتبرة قانونا بأن يكون‬
‫مدرك ا لما يقوم به غير مكره وال مجبرا للقيام بهذا الفعل ‪،‬فإذا أكره شخص على القيام بفعل‬
‫اإلختالس إكراها ماديا كان أومعنويا تخلفت إرادته في إرتكاب اإلختالس وينتفي بالتالي‬
‫القصد الجنائي في الجريمة ‪.‬‬

You might also like