Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
يشكل القانون الجنائي الخاص جزءا من القانون الجنائي ـ الذي يتولى تحديد أنواع
األفعال والتروك التي تقتضي التجريم وتتطلب وضع عقوبات إزاء مرتكبيها ،حيث يقوم
بضبط األعمال واألفعال المجرمة ،وكذا الجزاءات المقررة لها ـ وألنه فرع من هذا القانون،
فإن له عالقة بالتجريم والعقاب ،ومقتضياته مضمنة في القانون الجنائي المغربي الصادر
بموجب الظهير الشريف رقم ،.94.95.1بتاريخ 02فبراير ،..90والذي عرف عدة
تعديالت متتالية للكثير من مقتضياته القانونية التي ترجع أسبابها إلى ظروف خاصة كانت
تقتضي هذا التعديل91
بتعبير آخر ،فإن القانون الجنائي ينقسم إلى قسمين ،قسم عام وقسم خاص ،فأما القسم العام
فيشتمل على كافة األحكام والقواعد التي تطبق على كافة أنواع الجرائم والعقوبات ،بحيث
يهتم بالمبادئ العامة واألساسية التي تؤطر للجريمة على مستوى القواعد العامة المتعلقة
بالتجريم والعقاب ،والتي تطبق على كل الجرائم مهما اختلفت وتنوعت ،فهو الذي يحدد
األركان العامة للجريمة وأنواع العقوبات ومن هو المجرم وماهية التدابير الوقائية ومتى
تتحقق المسؤولية ،وما هي حاالت انتفاءها؟ 9بتعبير آخر ،فهو القسم الذي يضم القواعد العامة
التي تخضع لها كل الجرائم والعقوبات 9ويعرف باسم النظرية العامة للقانون الجنائي9
أما بالنسبة للقسم الخاص ،وعلى عكس القانون الجنائي العام ،فهو الذي يهتم بدراسة كل
جريمة على حدة من حيث تحققها وتحديد عناصرها المادية والمعنوية وظروف ارتكابها
1على أن تسمية القانون الجنائي ال تعتعمد من طرف كل البلدان ،بحيث أن أغلبها يستعمل مصطلح قانون العقوبات ،خصوصا في بلدان
الشرق العربي ،وهي مقتبسة من القانون الفرنسي الذي يستعمل مصطلح القانون العقابي ،ومنهم من يستعمل مصطلح ،المجلة الجزائية كما هو
األمر بالنسبة لتونس والجزائر9
والعقوبات الخاصة بها؛ بتعبير آخر ،فهو الجانب الذي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات
المقررة لها ،وقد عرفه بعض الفقه بأنه:
" تلك المادة الحقوقية التي يتناول فيها المشرع بالتعداد كافة األفعال و التروك التي يعتبرها
جرائم ،وذلك بتحديده العناصر الخاصة بكل جريمة على حدة والعقاب المناسب لزجر
2
مرتكبها ،والظروف المختلفة التي من شأنها أن تشدد العقاب أو تخففه عليه"9
في حين عرفه البعض اآلخر بالقول:
" القسم الخاص ال يعرف إال بالركون إلى محتواه وهذا المحتوى ليس سوى كافة الجرائم ـ
أفعاال كانت أم مجرد امتناع ـ سواء وقعت في صورة تامة أم في صورة منقوصة والتي أسبغ
عليها المشرع الجنائي داخل النظام القانوني ما وصف بالجريمة بحسبانها في اعتقاده كذلك،
مقررا لمن يرتكبها على النحو الموصوف في القاعدة المجرمة جزاءا جنائيا أيا كانت صورة
3
ذلك الجزاء"9
وما يمكن قوله في هذا الصدد ،هو أن القانون الجنائي الخاص يعد موضوع السياسة الجنائية
التي تنتهجها الدولة سواء تعلق األمر بالتجريم أو العقاب ،بحيث تكون هي المرجع للتمييز
بين األفعال المباحة واألفعال الممنوعة وغير المشروعة ،وتعتمد في ذلك على كل الوسائل
والتدابير الممكنة لزجر الجريمة وقبلها دراسة األسباب والعوامل المؤدية إلى ظهور هذه
الجريمة9
فالقانون الجنائي الخاص ،كما سبق وذكرنا ،هو مجموعة من القواعد القانونية التي
تستهدف حماية مصالح وحقوق األفراد داخل المجتمع بغض النظر عن كونها مصالح فردية
أو جماعية ،وذلك من خالل تحديد العناصر التي تتكون منها كل جريمة على حدة ،و
الظروف التي يمكن أن تتحقق فيها هذه الجريمة ،والعقوبات المقررة لزجر مرتكبها9
ومع ذلك فان االقتصار على هذ ه العناصر الخاصة بكل جريمة قد ال يغني عن ضرورة
اللجوء إلى األحكام العامة التي تكون قابلة للتطبيق على كافة الجرائم كيفما كانت 4،على
اعتبار أن القسم العام يشكل النظرية العامة للقانون الجنائي والذي يعمل على تأصيل هذا
2ـ د العلمي عبد الواحد ،شرح القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي ،الطبعة األولى،ص7:
3ـ د محمد زكي أبو عامر ،د سليمان عبد المنعم ،القانون العقوبات الخاص ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة ، 0225ص7:و 8
4ـ يرى بعض الفقه بأن القسم العام يمهد لدراسة القسم الخاص :األول بمثابة التمهيد وإرساء المبادئ األساسية ،والثاني بمثابة التنظيم التفصيلي
الموضوعي"9
د محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص ،دار النهضة العربية،..88ص. :
القانون ،في حين فإن القسم الخاص يتولى الجانب التطبيقي لهذه النصوص وذلك راجع ـ
كما يؤكد أغلبية الفقه ـ إلى أن القانون الجنائي الخاص أقدم ظهورا من القانون الجنائي العام
الذي نشأت قواعده عن طريق استقراء قواعد القسم الخاص 95فهو أقدم ظهورا من القسم العام
بحيث لم يظهر هذا األخير إال حديثا بعد أن برزت الدراسات الفقهية القانونية وبدأت بالتطور
فكانت سببا في إعادة قراءة كل ما له عالقة بالقسم الخاص من جرائم والعمل على استنباط
األحكام والقواعد المشتركة بينها وجمعها في قواعد عامة تسري على الجريمة بصفة عامة9
5ـ وللقسم الخاص من القانون الجنائي عالقة و صلة بباقي فروع القانون األخرى ،فادا كان هدا الفرع يعنى بتطبيق نصوص القسم العام فان قانون
المسطرة الجنائية يتولى البحث عن الدالئل الدافعة إلى ارتكاب الجريمة ورفع الدعوى الجنائية ،ثم التحقيق مع الجاني إلى أن يصدر الحكم9
محمد زكي أبو عامر و سليمان عبد المنعم ،مرجع سابق ،ص .9 :وما بعدها9
بها ،بما في ذلك الجرائم المالية مثل النصب وإصدار شيك بدون رصيد ،أو خيانة األمانة أو
التملك بدون حق9
ـ خصائص القانون الجنائي الخاص:
ويتميز القانون الجنائي الخاص بمجموعة من الخصائص يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
أوال :أنه وخالفا للقانون الجنائي العام يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع مسايرا
بذ لك المصالح األساسية لمجموع األفراد الدين يعيشون داخله ،ففي البداية لم تكن الجرائم
التي يختص بها هذ ا الجانب من القانون يتجاوز صورا محددة تتمثل خاصة في جرائم
االعتداء على الحياة والسالمة الجسدية ( كالقتل ،والجرح ،والضرب ،)999،واالعتداء على
المال كالسرقة ،واالعتداء على العرض كاالغتصاب
لكن مع تطور المجتمع 6ظهرت أنواع أخرى من األفعال التي استدعت تدخل المشرع
لتجريمها ،من ذ لك مثال جريمة إفشاء السر المهني ،جرائم القتل الناتجة عن حوادث السير،
الجرائم المعلوماتية ،كما ظهرت أيضا جرائم أخرى لها عالقة بحماية الفرد في اعتباره
وكرامته من ذلك جرائم القذف والسب وجرائم التعذيب.
إضافة إلى ظهور جرائم أخرى لها عالقة بالدولة التي أصبحت تلعب دورا أساسيا في
مختلف المجاالت ،حيث ظهرت الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي كالتجسس،
والمس بالثقة العامة وغيرها9
ثانيا :ازدواجية حماية مصالح أفراد المجتمع من طرف القانون الجنائي الخاص وبعض
القوانين األخرى يطرح في بعض األحيان صعوبة وتعارض حول هذه الصلة ،فمثال الحيازة
تنتمي أصال للقانون المدني الذي يتولى تنظيمها وتحديد عناصرها وأيضا حمايتها لكن
لقصور هدده الحماية يتدخل القانون الجنائي ويجعل من صور االعتداء على المال أو حيازة
مال الغير جريمة يعاقب عليها ،فهل تطبق قاعد القانون الجنائي أم قاعدة القانون المدني؟
يرى بعض الفقه المؤيد لمبدأ استقالل القاعدة الجنائية بأنه يجب االقتصار على المفهوم
الجنائي ولو كان متعارضا مع المفهوم في القانون الذي تنتمي إليه القاعدة أصال و ذلك
7
لتشديد العقاب على مرتكب الجريمة9
خطة الدراسة:
إن دراستنا لهذا الفرع من القانون سوف تقتصر على عدد محدد من الجرائم التي توالها
المشرع بالتنظيم ،بحيث سنتطرق إلى بعض الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي ويتعلق
األمر بجريمتي المؤامرة واالعتداء ثم جريمة العصابات المسلحة ،وبعض الجرائم الماسة
بأمن الدولة الخارجي كحمل السالح ضد المغرب ،و تسليم سر من اسرار الدفاع الوطني
8ـ جاسم خريبط خلف،شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص ،مطبعة زين الحقوقية واألدبية ،الطبعة األولى ،0202 ،ص99:
9ـ د محمد زكي أبو عامر وسليمان عبد المنعم ،مرجع سابق،ص00:
10ـ د محمد زكيى ،مرجع سابق،ص01:
لسلطة أجنبية أو ألحد عمالئها أو الحصول عليه قصد تسليمه ،وبعض الجرائم الماسة بالثقة
العامة كالرشوة والتزوير،وأخرى يعتبر إتيانها إخالال باآلداب العامة من قبيل الفساد
واالغتصاب والخيانة الزوجية وصورا من جرائم االعتداء على األشخاص خصوصا
جريمتي القتل العمد والقتل الخطأ،وأخيرا جريمة السرقة كنموذج من جرائم األموال9
الفصل األول
الجرائم الماسة بأمن الدولة
تتمتع الدولة با عتبارها شخصا معنويا بعدد من الحقوق التي تقتضي الحماية ،والكثير من
المصالح التي تستدعي من يقوم عليها ويتوالها ،وفي نفس الوقت يكون ملزما بحمايتها
والتصدي لمن يحاول االعتداء عليها 9ولعل هذا هو ما دفع بالمشرع المغربي والتشريعات
المقارنة للتدخل وتولي حماية هذه الحقوق والمصالح ،ومن خاللها حماية أمن واستقرار
المجتمع وأيضا استقالل وسيادة هذه الدولة9
إن تطور الدولة بكافة مرافقها زاد من وظائفها وكذلك من مصالحها ،األمر الذي أصبح
يستدعي العمل بشكل أكبر لحمايتها والمحافظة عليها من كل ما يمكن أن يمس بها أو يلحقها
من اعتداءات قد تهدد كيانها واستقرارها وسيادتها ،وهو ما أدى إلى تجريم مجموعة األفعال
عرفت بالجرائم الماسة بأمن الدولة أو ضد أمن الدولة ،وهي جرائم تمس بكيفية مباشرة كيان
الدولة القانوني ،بحيث تكون الدولة هي محل االعتداء الذي تتحقق به جرائم أمن الدولة9
وعلي ه ،فالمقتضيات القانونية التي تجرم وتعاقب هذه الجرائم تهدف أساسا إلى توفير الحماية
الالزمة والمتطلبة ـ وبشكل كبير ـ للدولة ولحقوقها األساسية إن على المستوى الداخلي أو
على المستوى الخارجي من جهة ،ومن جهة أخرى حتى ال تختلط بالجرائم التي تستهدف
األشخاص أو األموال أو غيرهما والتي تمس بدورها بكيان الدولة ولكن بطريقة غير
مباشرة9
وال يقصد بجرائم أمن الدولة ،الجرائم التي ترتكب ضد األشخاص الحاكمين كما كان األمر
في السابق ،حيث لم تكن التشريعات القديمة تميز بين الجرائم التي تمس بأمن الدولة الداخلي
وتلك التي تمس بأمن الدولة الخارجي ،ولكنها كانت تشكل نوعا واحدا من الجرائم وهي التي
تمس بشخص الحاكم ،والذ ي كان المساس به وبحياته يؤدي إلى انهيار الدولة أو تعطيل
سيرها9
أما حاليا فالتمييز بينهما قائم على اعتبارات تتعلق بطبيعة الحق المعتدى عليه ومدى
خطورة وجسامة هذا االعتداء9
وعموما،فالمقصود بهذه الجرائم كل األفعال التي التي تمس كيان الدولة باعتبارها شخصا
اعتباريا حيث تصبح سالمتها مهددة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو خارجيا متى تم
االعتداء على حقوقها 9
وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة فإن المشرع المغربي أفرد مجموعة من النصوص
القانونية التي يستهدف من خاللها المحافظة على أمن الدولة المغربية ،وتتمثل في الفصول
من .91إلى 0.8من القانون الجنائي المغربي9
وبإطالعنا على هذه النصوص نستنتج ما يلي:
1ـ أن المشرع المغربي قسم هذه الجرائم إلى جرائم تمس أمن الدولة الداخلي وهي التي تقع
على كيان الدولة الداخلي و تستهدف إحداث تغيير في النظام السياسي للدولة ،وإثارة الفتنة
والقيام بأعمال إرهابية داخل البلد،وأهمها جريمة المؤامرة واالعتداء على حياة الملك أو
شخصه( المادة .91و ،) .95أو االعتداء على حياة ولي العهد أو شخصه ( المادة .94و
،) .99أو االعتداء الذي يكون الهدف منه قلب نظام الحكم9
وفي هذا الصدد يرى بعض الفقه أن الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي كأنها موجهة ضد
الح ٌكام أنفسهم ،أو نظامهم الدستوري أو السلطات الدستورية أو ضد النظام االجتماعي بقصد
تعليب أشخاص آخرين أو قلب نظام الحكم911
وفي المقابل جرائم يشكل اقترافها مساسا بأمن الدولة الخارجي ،وهي التي تهدد سيادة
الدولة واستقاللها ،وأهمها جريمة الخيانة والتي تتحقق بحمل المواطن للسالح ضد المغرب،
أو بمباشرته التصاالت مع السلطة أجنبية لتسهيل دخول القوات األجنبية إلى المغرب وأيضا
جريمة التجسس9
وسيرا مع التقسيم أعاله يرى الفقيه " غارو" بأن جرائم األمن الداخلي تقع على الحكومة في
حين أن جرائم أمن الدولة الخارجي تقع على الدولة أو األمة بأسرها912
ونعتقد أن كال من الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وتلك التي تمس أمن الدولة الداخلي
تقع على الدولة وتستهدف أمنها واستقرارها وسيادتها واستقاللها9وإن كانا يختلفان من حيث
11سمير عالية ،الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي ،دراسة مقارنة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى ،02..
ص99 :
12
R.Garraud ;Tr. Théorie et pratique du droit pénal français ;3n°1197 ;p :460.
جسامة الخطورة مادام أن الجرائم التي تتعلق بأمن الدولة الخارجي ضررها يكون أكبر
وأخطر ألنه يمسها في وجودها وكيانها9
2ـ اعتماد المشرع المغربي األسلوب الوقائي و االحتياطي في تنظيمه للجرائم الماسة بأمن
الدولة ،حيث جرمت بعض النشاطات التي ال يمكن اعتبارها جريمة إذا ما اعتمدنا القواعد
العامة في القانون الجنائي 9فحينما جرم المشرع الجنائي جريمة االعتداء على حياة الملك أو
شخصه وعاقب عليه ،فإنه جرم أيضا المؤامرة ضد حياة الملك أو شخصه ،والمؤامرة ـ كما
يعرف ـ ما هي إال اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب الجريمة وان لم يؤد ذلك إلى أي
عمل من أعمال البدء في التنفيذ ،ورغم ذلك فقد جرمها المشرع الجنائي وعاقب على إتيانها
خروجا عن القواعد العامة التي ال تعاقب على االتفاق وال تعتبره جريمة9
ونفس األسلوب اتبعه المشرع في جرائم أمن الدولة الخارجي ( الفصل ./..0من القانون
الجنائي ) الذي جرم فيه مسألة الحصول بأية وسيلة من الوسائل على سر من أسرار الدفاع
الوطني وان لم تقع بيد العدو وعاقب عليها 9معنى ذلك أن النتيجة ليست عنصرا الزما لتحقق
الركن المادي الذي به سيتحقق الجرم وإنما يكفي تحقق الفعل كعنصر وليس كركن،فمجرد
الحصول على المعلومة السرية كاف وإن لم يتم تسليمها للقول بتحقق النتيجة مادام أنه كفعل
تتحقق به هذه النتيجة ويلزم مساءلة ومعاقبة من قام بذلك9
3ـ استبعاد الجرائم الماسة بأمن الدولة من نطاق الجرائم السياسية،على أن هذا ال يعني عدم
اعتبارها جرائم و االعفاء من مساءلة مرتكبيها ولكن األمر ال يعدو أن يكون اختالف من
حيث العقوبات المقررة وكدا األحكام القانونية التي تسري على المجرم السياسي دون غيره
من المجرمين 9وفي هذا الصدد يقول الفقه أن الجاسوسية قديما كانت تعتبر من جرائم
اإلضرار بالذات الملكية ،لكنها اليوم تعد من الجرائم التي تضر بالمجتمع والدولة9
الفرع األول
الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي
يقصد بجرائم أمن الدولة الداخلي ،الجرائم التي يكون الهدف من ارتكابها المس بأمن
وسالمة الدولة وزعزعة استقرارها ،بحيث ال يقتصر األمر على االعتداء على فرد أو
مجموعة من األفراد ،بل يتعداه ليلحق بكل أفراد المجتمع والوطن الواحد ،لذلك يعمل
المشرع على ضمان حماية مصالح هذا الوطن بكل مكوناته من االعتداءات واألفعال غير
المشروعة التي قد تهدد كيانه واستقراره وأمنه السياسي واالجتماعي9
و المشرع المغربي كغيره من التشريعات لم يعرف الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي
واكتفى باإلشارة إليها في كل من الفرع األول من الباب األول من الكتاب الثالث من القانون
الجنائي ( الفصول من .91إلى ، ).82في حين أشار إلى الجرائم الماسة بسالمة الدولة
الداخلية في الفرع الثالث ( الفصول من 02.إلى 913)027
13نظم المشرع المصري الجرائم الماسة بأمن الدولة في الكتاب الثاني من قانون العقوبات ،والذي خص من خالله الجنايات والجنح
المضرة بأمن حكومة من جهة الخارج بالباب األول ،والجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل بالباب الثاني ( المواد من 89إلى ).20
أما بالنسبة للقانون الفرنسي ،فقد كانت هذه الجرائم تسمى ب" الجرائم المخلة بأن الدولة" وهو التعبير الذي اعتمدته العديد من التشريعات العربية،
والذي تخلى عنه المشرع الفرنسي وعوضه ب" الجرائم الماسة بالمصالح األساسية لألمة"
)Des atteintes aux intérêts fondamentaux de la nation ( article 410-1
وسوف نقتصر في هذا الفرع على دراسة كل من جريمة المؤامرة وجريمة االعتداء
وجريمة العصابات المسلحة9
المبحث األول
جريمة المؤامرة complot
نظم المشرع المغربي جريمة المؤامرة بمقتضى الفصول ،.74 ،.75 ،.71 ،.70و02.
من القانون الجنائي ،14وعرفها في المادة .74من نفس القانون بقوله:
" المؤامرة هي التصميم على العمل ،متى كان متفقا عليه ومقررا بين شخصين أو أكثر"9
وأول ما يثير االنتباه عند قراءة هذا المقتضى :
أوال :أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا صريحا ودقيقا لجريمة المؤامرة ،وإنما اعتبرها
اتفاق أو تصميم على العمل يتم بين شخصين أو أكثر ألجل تحقيق إحدى األفعال اإلجرامية
المنصوص عليها قانونا وعلى سبيل الحصر9
ثانيا :خروج المشرع الجنائي عن المبدأ العام الذي يقضي بعدم معاقبة مجرد األفكار والنوايا
وان كانت عبارة عن اتفاق ما دامت لم تخرج عن ذهن أصحابها ولم تخرج إلى الواقع
وتصبح فعال ماديا مل موسا ،ولعل السبب في الخروج عن هذا المبدأ ،أن المشرع اعتبر مثل
هذ ه االتفاقات خطرا على كيان الدولة السياسي وما تؤدي إليه من عدم االستقرار واضطراب
في المجتمع 9بت عبير آخر،أن المشرع المغربي ال يعاقب على االتفاق الجنائي العام ـ إن صح
القول ـ والمنصب على إتيان أحد األفعال المجرمة والمعاقب عليها ،وإنما يعاقب على
االتفاق الجنائي الخاص والمتعلق ببعض الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وهي جريمة
المؤامرة9على أن هذا التشدد في معاقبة االتفاق الجنائي محصور من حيث نطاقه في الجرائم
المنصوص عليها في الفصول .70و .71و .75و 02.من القانون الجنائي ،وذلك على
خالف المشرع المصري الذي لم يجعل من هذا المبدأ استثناءا وإنما جعله مبدأ عاما ( المادة
58من قانون العقوبات المصري)915
إن تحقق جريمة المؤامرة يقتضي توفر األركان والشروط العامة التي أقرها القانون
بالنسبة لكل الجرائم ،إال أن خصوصية هذه الجريمة ـ من حيث تحققها بمجرد االتفاق ـ
يجعل مسألة تحديد شروطها مسألة دقيقة نوعا ما ،بحيث يمكن إجمال العناصر الالزم
توفرها في المؤامرة كالتالي :
ـ أن يتحقق االتفاق
ـ أن يتم بين شخصين أو أكثر
ـ أن يكون مصمما ومقررا عليه
ـ أن يكون االتفاق من أجل تحقيق األفعال المنصوص عليها في النصوص .70ـ .71ـ
.75و 02.من القانون الجنائي9
" يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما ،أو على األعمال المجهزة أو المسهلة الرتكابها ،ويعتبر االتفاق
الجنائي سواء كان الغرض منه جائزا أم ال ،ادا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه ،وكل من اشترك في
اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد إشراكه بالسجن"9
وعموما ،تتحقق جريمة المؤامرة بتوافر أركانها المتمثلة في الركن مادي والركن المعنوي9
16وفي هذا الصدد اعتبر القانون اإلنجليزي أن إرادة الزوجين تكون إرادة واحدة شرط ثبوت عالقة الزوجية بينهما وأن تكون قائمة9
حياة الملك أو شخصه ،أو ضد حياة ولي العهد ،ثم ارتكب بمفرده ودون مساعدة أحد عمال أو
بدأ فيه بقصد إعداد التنفيذ ،يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات"9
ثانيا :أن قيام شخص بدعوة آخرين لالتفاق معه على ارتكاب أحد االفعال المذكورة في
الفصول األربعة السالفة الذكر ،يكفي متى استجاب لدعوته بعض األفراد دون غيرهم ،حيث
تتحقق جريمة المؤامرة ،أما في حالة ،العكس أي أنه لم يستجب له أحد ،فال تتحقق الجريمة
ولكن يعاقب من دعا إلى التآمر بعقوبة جريمة الدعوة التي لم تقبل للتآمر على حياة الملك أو
شخصه كما حددها الفصل .79من القانون الجنائي بقوله " :من دعا إلى التآمر ضد حياة أو
شخص الملك أو ولي العهد،ولم تقبل دعوته ،يعاقب بالسجن من خمس غلى عشر سنوات"9
ثالثا :أن االتفاق الجنائي المكون للمؤامرة إذا صدر صحيحا بين شخصين قامت الجريمة
منذ االتفاق ،بحيث تتبث مساءلة الجناة وقت االتفاق وليس عند المحاكمة ،فلو أن أحد
المؤتمرين أصيب بخلل عقلي أو بجنون أو كانت له فرصة االستفادة من عفو كان عاما أو
خاصا ،فإن ذلك ال يؤدي إلى انتفاء جريمة المؤامرة بسبب بقاء أحد المؤتمرين وحده معرضا
للمتابعة والمحاكمة ألن العبرة في قيام الجريمة بوقت االتفاق وليس بوقت المحاكمة9
رابعا :ضرورة أن يكون االتفاق الجنائي جديا ،وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون أطراف
االتفاق مصممين وعازمين حقيقة على تنفيذ هذا االتفاق 9أما إذا كان االتفاق غير جدي بأن
كان أحد أطرافه يتفق مع اآلخر من أجل استدراجه في الكالم للبوح له بنيته وبما يشعر به
من استياء وعدم رضا عن األوضاع ،فإن الطرف المستدرج ال يتابع بجريمة المؤامرة وذلك
النعدام التوافق بين ارادته وإرادة باقي األطراف9
خامسا :أن يكون االتفاق مصمما عليه أو مقررا بين أطرافه ،وهكذا ،فإن النقاش الذي
يدور بين عدة أشخاص حول أوضاع البالد وسخطهم عليها ورغبتهم في تغييرها اليشكل
ركنا ماديا في جريمة المؤامرة ألنه ال يتضمن تصميما على العمل متفقا عليه ومقررا بين
أطرافه9
= وأخيرا ،فانه يجب اإلشارة إلى أن قيام الركن المادي في جريمة المؤامرة ال يشترط فيه
أن يكون االتفاق المصمم عليه في شكل معين ،بحيث قد يكون شفويا كما يمكن أن يكون
مكتوبا 9وذ لك ألن المشرع لم يتعرض لشكل االتفاق في نص من النصوص القانونية وألن
األ مر يتعلق بإثبات االتفاق وليس بوجوده أو قيامه ،واإلثبات في المادة الجنائية يمكن أن تتم
بكافة طرق اإلثبات 917كما أنه لم يشترط فيه أن يكون علنيا أو سريا ،بحيث كيفما كانت
الصورة التي تحقق من خاللها هذا االتفاق اعتد به قانونا وإن كان غالبا ما يكون بصفة
علنية9
17ـ هل تتحقق المحاولة في جريمة المؤامرة؟ إن اإلجابة على هدا السؤال تتطلب منا الرجوع إلى مقتضيات المادة ..5من القانون الجنائي حيث أ،
محاولة ا لجناية ال تتحقق إال بالشروع في تنفيذها أو بأعمال ال لبس فيها وتهدف مباشرة إلى ارتكابها ادا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل األثر المتوخى
منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها9
وهكذا وبناء على المادتين .74و ..5فال يمكن الحديث عن محاولة في جريمة المؤامرة و دلك ألن الركن المادي يتكون فقط من االتفاق المصمم
غليه الرتاب الجريمة أو الجرائم المحددة ،وكان من الممكن التحدث عن المحاولة في جريمة المؤامرة لو أن ركنها المادي كان يتكون من نشاط
مادي خارجي قابل للتنفيذ ولو جزئيا9
الجرائم التي سمي القانون االتفاق عليها مؤامرة 9فمنهم من استلزم ضرورة توفره إلى جانب
القصد العام بعنصريه اإلرادة والعلم ،بينما اعتبر جانب آخر أن هدا األخير يكفي لقيام الركن
المعنوي لجريمة المؤامرة9
18ـ قرار المجلس األعلى ،عدد ،74.الصادر بتاريخ ..ماي ،..95منشور بمجلة القضاء والقانون عدد ، 9899.ص19.:
يكن مصمما عليه ،والقانون ال يجرم االتفاق العرضي ،وإنما يمجرم االتفاق الذي يكون
جديا ومصمما عليه ويدوم ويستمر إلى أن يتم اكتشافه 9وعليه فإن معاقبة من يعدل من
المتآمرين عن اتفاقهم يكون بمثابة المشجع والدافع لهم إلى تنفيذ مخططهم واتفاقهم.
وعموما ،فإن عدول المتآمرين عن ارتكاب جريمتهم ال يؤدي إلى سقوط المؤامرة التي قامت
من الناحية القانونية ،ألن العدول طوعا عن جريمة قد ارتكبت ال يكون ممكنا ،وألن العدول
االختياري ينصرف في هذه الحالة إلى عدم اقتراف جريمة أخرى وهي جريمة االعتداء
والذي يعتبر ندما حيث ال يكون له أي أثرعلى قيام المسؤولية الجنائية لمقترفي الفعل
اإلجرامي وال على العقاب أو اإلفالت منه9
المبحث الثاني
جريمة االعتداء
وعموما ،فإن االعتداء لم يكن له أي تنظيم قانوني يحدد عناصره أو القواعد والضوابط
التي تحكمه ويخضع لها في تنظيمه وذلك راجع إلى الدور الذي كانت تلعبه سلطة القاضي
التقديرية واتي كان يتمتع بها في تقريره لألحكام ،إضافة إلى أن االعتداء ال يتطلب تحققه
البدء في تنفيذ الفعل كما هو األمر حاليا وإنما يتحقق بمجرد القيام بأي عمل تحضيري ـ أي
الشروع البعيد ـ وباالتفاق الجنائي على القيام به9
وبناء على ما سبق ،فان مفهوم االعتداء في القانون المغربي ال يختلف عما هو عليه في
القانون المقارن وخاصة القانون الفرنسي ،وعليه فان االعتداء في القانون المغربي يشمل
بعض جرائم أمن الدولة سواء كانت تامة أو جاءت في صورة محاولة9
21ـ وقد اختلف الفقه في هدا الصدد ،فجانب منه يرى بأن عبارة " معاقب عليها " الواردة في المادة ..5و ..4من القانون الجنائي تفيد عدم
المعاقبة على األعمال التحضيرية ،وكذلك تحقق العقاب على محاولة االعتداء ادا كان القانون يعاقب عليها ،والمادتان ..5و ..4من قج تعاقبان
على المحاولة في الجنايات بصفة مطلقة وفي الجنح ادا وجد نص قانوني يقضي بدلكن مما يعني أن االعتداء ادا كان جنحة في الفصل 1/.97فال
عقاب على محاولتها النعدام النص
د أحمد الخمليشي ،القانون الجنائي الخاص ،الجزء األول ،الطبعة الثانية ،..89ص958:
في حين يرى جانب آخر أن المشرع ا‘ تمد في هده الحالة لمعاقبة الجاني النتيجة المحققة بغض النظر عن قصده ،والجرائم التي يعاقب فيها المشرع
عن النتيجة فقط باستقالل عن قصد الجاني ال تتصور فيها المحاولة9
د العلمي عبد الواحد ،مرجع سابق،ص919:
على الرغم من أن جريمة االعتداء تتحقق بمجرد قيام محاولة معاقب عليها ،فان االشتراك
فيها ممكن ودلك اعتمادا على ما هو مقرر في نص المادة .0.من القانون الجنائي ،التي
اعتبرت مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ،ولكنه أتى أحد
األفعال اآلتية:
.ـ أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه ،ودلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة أو
استغالل سلطة أو والية أو تحايل أو تدليس إجرامي9
0ـ قدم أسلحة أوأد وات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل ،مع علمه بأنها
ستستعمل لدلك9
1ـ ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في األعمال التحضيرية أو األعمال المسهلة
الرتكابها ،مع علمه بدلك9
5ـ تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الدين
يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال
مع علمه بسلوكهم اإلجرامي9
وعموما ،فانه ال يشترط للمعاقبة على االشتراك في االعتداء حصول النتيجة المستهدفة من
طرف الجاني ،وإنما يكفي أن يأتي الفاعل األصلي نشاطا معاقبا عليه وحتى إن لم تتحقق
النتيجة وبقيت عبارة عن محاولة 9وعليه ،فانه يعتبر شريكا من قام بأحد األنشطة المذكورة
في المادة .0.من قج مع علمه بأنه ستستعمل لدلك9
الفرع الثاني
الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي
22ـ تتميز المادة الجنائية بالحرية في اإلثبات حيث يكون للنيابة العامة \أن تثبت وجود القصد الجنائي فلجريمة االعتداء بكافة طرق اإلثبات9
وهو ما أكده القضاء المغربي بقوله:
" وحيث أن الفصل 088من (ق9م9ج) ينص على انه يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل االثبات ما عدا األحوال التي يقضي القانون فيها
بخالف ذلك ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم.
وحيث أن جرائم المس بسالمة أمن الدولة الداخلية المتابع من أجلها المتهمون لم يحدد فيها القانون وسيلة معينة الثباتها فمرد األمر اذن الى االعتقاد
الصميم بناء على ما جرى فيا لتحقيق وراج في جلسات الحكم.
وحيث أن لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير الدالئل التي تقدم لها"9
قرار محكمة االستيناف بالرباط ،ملف عدد 420/91:بتاريخ .9دجنبر 9..91
دراستنا في هذا الصدد سوف تقتصر على جريمتي التجسس والخيانة باعتبارهما من أخطر
وأقدم الجرائم التي تمس بأمن الدولة الخارجي9
23
وقد قسم اإلسالم الجرائم على ثالثة أقسام :جرائم الحدود ،وجرائم القصاص ،وجرائم التعزير
السرقة – – فجرائم الحدود هي التي تعاقب بالحد ،والحد هو العقوبة المقررة حقا هلل تعالى ،وهي سبع جرائم :الزنا – القذف – الشرب
الحرابة – الردة – البغي 9أما جرائم القصاص والدية فهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أو دية،أي أن العقوبة في هذه الحالة تكون
بتقدير حق لألفراد وهي خمس :القتل العمد ،القتل شبه العمد ،القتل الخطأ ،الجناية على ما دون النفس عمدا ،الجناية على ما دون النفس
خطأ ،ومعنى الجناية على ما دون النفس ،اإلعتداء الذي ال يؤدي للموت كالجرح والضرب وعن جرائم التعزير فإنها الجرائم التي
يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير ،و التعزير هو التأديب ،وهي ار غير محددة كما خالفا لجرائم الحدود و جرائم
القصاص والدية ،وعقوبتها غير مقدرة بحيث يبقى للقاضي السلطة في تحديد عقوبة كل جريمة بما يالئم ظروفها ،وقد أشارت
.الشريعة إلى بعضها من ذلك الربا وخيانة األمانة ،والسب ،والرشوة،
24ـ ينص الفصل .8.على تجريم خمسة أنواع من األفعال التي يعتبرها خيانة ويعاقب على القيام بها باإلعدام سماء ارتكبت وقت الحرب أو وقت
السلم ،في حين أن الفصل .80ينص على ثالثة أنواع من األفعال والتي ال يعاقب باإلعدام عليها إال وقت الحرب9
في حين اعتبر قانون العقوبات الجزائري بموجب نص المادة : 9.
" يرتكب جريمة الخيانة ويعاقب باإلعدام كل جزائري وكل عسكري أو بحار في خدمة الجزائر يقوم بأحد
األعمال التالية:
-حمل السالح ضد الجزائر ،
-القيام بالتخابر مع دولة أجنبية بقصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر أو بتقديم الوسائل الالزمة لذلك سواء بتسهيل دخول القوات
األجنبية إلى األرض الجزائرية أو زعزعت والء القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو بأية طريقة أخرى 9
-تسليم قوات جزائرية أو أرض أو مدن أو حصون أو منشآت أو مراكز أو مخازن أو مستودعات حربية أو عتاد أو ذخائر أو مبان أو سفن أو
مركبات للمالحة الجوية مملوكة للجزائر أو مخصصة للدفاع عنها إلى دولة أجنبية أو إلى عمالئها،
وجريمة الخيانة ليست من الجرائم السياسية التي يكون الهدف األول فيها هو الدفاع عن
الحقوق السياسية والحريات العامة للمواطنين وكذا تسوية أوضاعهم والرفع من مستواهم
المعيشي ،وإنما الدافع إليها يكون أنانيا وخاص بمن يقوم بذلك بحيث إما أنه يرغب في
الحصول على المال وإما في االنتقام9
ثانيا :التجسس
يقصد بكلمة تجسس استقصاء األخبار واآلثار واإلطالع عليها بكيفية غير مشروعة،25
والتجسس كما يمكن أن يكون على األفراد يمكن أن يكون على الدولة وذلك لتقصي أخبارها
ومعرفة أحوالها في ميادين معينة وحساسة والقيام بتسليم تلك األخبار والمعلومات لدولة
أجنبية غالبا ما تكون عدوة للبلد الوطن9
وغالبا ما يكون للتجسس عالقة بالتطور الذي تعرفه الدولة في مختلف المجاالت على
كافة المستويات سواء التكنولوجي أو المستوى االقتصادي أو المستوى األمني ،وخاصة
تتعلق بهذين المجالين على المستوى العلمي والعسكري بحيث أن تسليم أية معلومة
األخيرين للبلد العدو يكون له أثر كبير ومضاعفات خطيرة على أمن واستقرار بل أحيانا
حتى على سيادة الوطن9
وقد خصص القانون الجنائي المغربي الفصول .8.و .80و .84لجريمتي الخيانة
والتجسس والتي يتضح من أن المشرع قد تفادى وضع تعريف لهاتين الجريمتين واقتصر
من خالل مقتضياتها على اإلشارة إلى األفعال والوقائع التي يعتبر القيام بها خيانة أو تجسس9
كما يمكن ،ومن خالل قراءة هذين الفصلين ،مالحظة أن الفعل المشكل لجريمة الخيانة هو
نفسه الفعل المشكل لجريمة التجسس والخالف الوحيد بينهما يتمثل في أن الفعل األول يكون
مرتكبه مغربيا ،بينما الفعل الثاني يكون مرتكبه أجنبيا ،وبالتالي قان وصف الجريمة على
أنها خيانة أم تجسس يرتبط بصفة الفاعل والمرتكب لهذه الجريمة9
-إتالف أو إفساد سفينة أو سفن أو مركبات للمالحة الجوية أو عتاد أو مؤن أو مبان أو إنشاءات من أي نوع كانت ذلك بقصد اإلضرار بالدفاع
الوطني أو إدخال عيوب عليها أو التسبب في وقوع حادث وذلك تحقيقا ً لنفس القصد99
" يرتكب جريمة التجسس ويعاقب باإلعدام كل أجنبي يقوم بأحد األفعال المنصوص عليها
في الفقرات 0و 1و 5من المادة 9.وفي المادة 90ويعاقب من يحرض على إرتكاب إحدى
الجنايات المنصوص عليها في هذه المادة والمواد 9.و 90و 91أو يعرض إرتكابها
بالعقوبة المقررة للجناية ذاتها"9
وعموما ،فقد تشدد المشرع كثيرا في توقيع العقوبة على الخائن والتي هي اإلعدام ،وذلك
راجع لكون هذ ا األخير يعتبر ناكرا للجميل وخائنا للعهد الذي يربطه بوطنه ،ويكون بعمله
هذا السبب الرئيسي في إلحاق األذى والضرر بوطنه وكذلك بباقي المواطنين9
المبحث األول
جريمة حمل السالح ضد المغرب
26ـ ينص الفصل 9من ظهير 9شتنبر ..48المتعلق بالجنسية المغربية على ما يلي:
" يعتبر مغربيا:
أوال :الولد المنحدر من أم مغربية وأب مجهول9
ثانيا :الولد المزداد من أم مغربية وأب مجهول"9
كما ينص الفصل 7من نفس القانون على أنه:
" يعتبر مغربيا:
أوال :الولد المزداد في المغرب من أم مغربية وأب ال جنسية له9
ثانيا :الولد المزداد في المغرب من أبوين مجهولين 9غير أن الولد المزداد في المغرب من أبوين مجهولين يعد كأنه لم يكن مغربيا قط ،ادا ثبت
خالل قصوره ،أن نسبه من أجنبي وكان يتمتع بالجنسية التي ينتمي إليها هدا األجنبي طبق قانونه الوطني"9
ـ وأن يكون كل من األب واألم مزدادين بالمغرب ،فال يكفي ازدياد أحدهما بالمغرب دون
اآلخر9
0ـ أوعن طريق التجنس وذلك بحكم القانون أو عن طريق الزواج 9والمالحظ أن المشرع
المغربي أقر التحاق أحد الزوجين بجنسية اآلخر ـ حينما يتعلق األمر بزواج مختلط -بالنسبة
للزوجة فقط دون الزوج ,وهو ما أشارت إليه الفقرة األولى من الفصل .2من قانون
الجنسية التي جاء فيها " " :يمكن للمرأة األجنبية المتزوجة من مغربي بعد مرور خمس
سنوات على األقل على إقامتهما معا في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة أن تتقدم أثناء قيام
العالقة الزوجية إلى وزير العدل بتصريح الكتساب الجنسية المغربية" .
فالزوجة األجنبية يمكنها الحصول على جنسية زوجها المغربي ,وال يمكن للزوج األجنبي
أن يحصل على جنسية زوجته المغربية عن طريق الزواج ،ولكن يجب أن يسلك طريقا آخر
.وهو التجنيس متى استوفى الشروط القانونية للحصول على الجنسية المغربية9
وعلى أساس ما سبقت اإلشارة إليه ،يمكن القول بأن الشخص الذي ال جنسية له أو الذي
يكون في وضعية ال يسمح له فيها باكتساب الجنسية المغربية ،ال يمكن اعتباره مغربيا؛
وبالتالي ال يمكن اعتبار حمله للسالح ضد المغرب جناية خيانة يعاقب عليها باإلعدام9
على أن اإلشكال يثور بالنسبة للشخص يحمل جنسيتين ويعطيه القانون الحق في اختيار
الجنسية التي يريد عند بلوغه سن الرشد ،كما هو الشأن بالنسبة ألبناء المتجنس القاصرين
وذلك بمقتضى نص المادة .8من قانون الجنسية والتي تقضي في
فقرتها الثالثة بأنه:
" 999يسوغ أن تمنح وثيقة التجنيس الجنسية المغربية ألبناء المتجنس القاصرين الغير
المتزوجين ،غير أن األوالد القاصرين الدين كانوا يبلغون .9سنة على األقل في تاريخ
تجنيسهم يجوز لهم أن يتخلوا عن الجنسية المغربية بين السنة الثامنة عشرة والحادية والعرين
من عمرهم" 9فمتى قام هذا األخير بحمل السالح ضد المغرب ،هل يعتبر خائنا؟9
إن قراءة نص المادة .8تعني بأن المشرع يعتبر القاصر الذي لم يبلغ بعد سن .8سنة
مغربيا ،وبالتالي فحمله للسالح بعد بلوغه هذه السن مع عدم اختياره لجنسية أبيه المتجنس
بالجنسية المغربية ،معناه أنه مغربي وعلى ىذلك يعتبر مرتكبا لجناية الخيانة ضد بلده أي
جريمة حمل السالح ضد المغرب9
نفس الشيء بالنسبة لمن يحمل جنسيتين في نفس الوقت ( جنسية مغربية وأخرى فرنسية
مثال ) ،فقد اختلف الفقه بصدد اعتبار حمله للسالح ضد المغرب خيانة متى قام بذلك وهو
مدرك لما يفعل وغير مكره على ذلك ،فجانب منه يقول بأنه يكون مغربيا ويجب مؤاخذته
على جريمة الخيانة طبقا للفصل .8.من القانون الجنائي ،بينما الجانب اآلخر يعتبر بأن
حمل السالح من طرف شخص يحمل جنسيتين فيه إعالن عملي و مادي عن اتجاه نيته إلى
التخلي عن الجنسية المغربية لذلك ال يمكن مؤاخذته بجناية الخيانة9
27ـ وقد كان للحرب العالمية الثانية دورها في هدا التفسير الواسع الذي أصبغ على جريمة الخيانة وحمل السالح ضد فرنسا9
والتنظيف والتمريض يهيئ الظروف المناسبة والمالئمة للقيام بالعمل المطلوب من الجيش
وهو االنتصار وألن أبسط األمور أهمها9
الفصل الثاني
جرائم اإلخالل بالثقة العامة
أشار المشرع المغربي إلى هذه الجرائم في الباب الثالث من الجزء األول من الكتاب الثالث
وسماها بالجنايات والجنح التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ،28وجرائم اإلخالل بالثقة
العامة من الجرائم التي يؤدي ارتكابها إلى زعزعة الثقة التي تكون بين األفراد والدولة من
خالل موظفيها وهي نوعين:
النوع األول يرتكب من طرف الموظفين العموميين ومن في حكمهم وتضم الرشوة
واستغالل النفوذ واالختالس9
النوع الثاني يرتكبه الموظفون وغير الموظفين وتلتقي في أن ركنها المادي يقوم على الكذب
وتغيير الحقيقة والخداع والتزييف واالنتحال9
28ـ والتي أشار إليها المشرع المصري في الفصل الثاني وأطلق عليها اسم الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة ،والمشرع اللبناني الذي
سماها بالجرائم الماسة باإلدارة ودلك في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاص9
على أنه تجب اإلشارة في هذا الصدد إلى أن تسميتها بالجرائم الموظفين ضد النظام العام
ليس معناه أنها ال ترتكب إال من طرف الموظفين العموميين ،وإنما يمكن أن يرتكب البعض
منها من طرف أشخاص غير موظفين اي ليست لهمه صفة الموظف العمومي ،من ذلك
جريمة استغالل النفوذ التي قد ترتكب من طرف الموظف وغير الموظف9
وعموما ،فرغبة من المشرع الجنائي في حماية المبادئ والقواعد التي يقوم على أساسها أداء
الوظيفة العمومية دفعته لتجريم العديد من مظاهر السلوك سواء كانت عبارة عن القيام بعمل
أم امتناعا عن عمل ومن بينها الرشوة والتزوير9
المبحث األول
الرشوة
يعد حسن سير اإلدارة ونزاهتها من األمور التي تعمل الدولة على ضمانها وذلك من
خالل اختيارها لموظفين يتولون القيام بهذه المهمة مقابل أجر يحصلون عليه ،فالخدمة أو
العمل الذي يتولى هذا الموظف القيام به ،إنما يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة يلتزم
من خالله بأداء الواجب المفروض عليه وبعدم طلبه أوحصوله على أي مقابل إضافي من
صاحب المصلحة9
وعليه فكل محاولة من طرف الموظف في استغالل وظيفته أو العمل الملتزم به
واالستفادة بالتالي من مقابل إضافي ممن له مصلحة ،يكون سببا في عرقلة سيرها و يشكك
في نزاهتها حيث يصبح الحصول على الخدمة أو المصلحة قاصرا على القادرين من
المجتمع على أداء هذه العطية أو المبلغ المالي اإلضافي دون غيرهم 9
ويمكن تعريف الرشوة بأنها اتجار الموظف بوظيفته ،وبتعبير آخر هي كل عمل أو
امتناع عن عمل يقوم على المتاجرة بالوظيفة الموكولة للموظف أو من في حكمه ،أو اإلخالل
بأحد األعمال أو الواجبات التي عليه القيام بها أو االمتناع عن القيام بها ،وذلك مقابل منفعة
خاصة له أو لغيره كقبوله أو أخذه عطية أو وعدا أو طلبه لمنفعة أو هدية9
ويمكن أن نستخلص من هذا التعريف المستفاد من الفصول المنظمة لجريمة الرشوة أن:29
.ـ أن المشرع عند تجريمه للرشوة اعتمد في ذلك على فكرة المتاجرة بالوظيفة أو المهمة
الموكولة للموظف ،ألن في ذلك انحراف عن المقتضيات و القوانين المنظمة لهذه الوظيفة
والتي تجعل منها مصدرا للكسب غير المشروع 9بتعبير آخر فقد اعتمد المشرع وهو ينظم
جريمة الرشوة على عنصر االتجار بالوظيفة من خالل انحراف الموظف عن الطريق
العادي في أداء مهمته وجعلها مصدرا للكسب غير المشروع 9
ويمكن اعتبار الرشوة من الجرائم التعزيرية في النظام الجنائي اإلسالمي ،وأدلة تحريمها
ثابتة بالكتاب والسنة 931فالرشوة ال تستقيم مع أي من مبادئ الشريعة اإلسالمية ،وتتعارض
مع ما يمكن اعتباره قواعد تنظيم عالقة المحكومين بالحكام وعمال الدولة932
وعموما ،سوف نبحث الرشوة من خالل التعرض لكل من عناصر جريمة المرتشي في
الفقرة األولى ،وعناصر جريمة الراشي في الفقرة الثانية ،ثم عقوبة الرشوة في الفقرة الثالثة9
" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من
خمسة آالف درهم إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة
:أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل
0ـ إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده ،وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته
.السلطة اإلدارية أو القضائية أو اختاره األطراف
1ـ االنحياز لصالح أحد األطراف أو ضده ،وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو
.أحد أعضاء هيئة المحكمة
5ـ إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات
كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب
.أسنان أو مولدة
إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر
سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم ،دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة
المقدمة أو المعروضة"9
بأن تحقق جريمة المرتشي واقعا وقانونا تقتضي توفر العناصر التالية:
أوال :صفة المرتشي9
ثانيا :الركن المادي أي الفعل الصادر عن المرتشي9
ثالثا :الركن المعنوي أي القصد الجنائي9
إضافة إلى الركن القانوني والذي تجسده المادتان أعاله بتجريمهما المتاجرة في الوظيفة أو
الخدمة الموكولة لكل من توفرت فيه الصفة المحددة في النص ،وكذلك بتقريرهما للعقاب
المناسب لكل فئة من هذه الفئات9
أ ـ الموظف العمومي
قد يظهر للوهلة األولى أن تحقق هذا المقتضى أو الشرط ال يطرح أي إشكال يمكن أن يثار،
لكن الحقيقة غير ذلك مادام أن تطبيقه في المجال العملي ال يخلو أحيانا من إثارة بعض
الصعوبات ،ويرجع ذلك باألساس إلى أن تعريف الموظف العمومي وتحديد فكرة
االختصاص في مجال الوظيفة من المقتضيات التي يختص بتنظيمها القانون اإلداري وليس
القانون الجنائي وإن أشار إلى ذلك9
وهكذا ،و لكي تستكمل جريمة المرتشي أركانها يجب أن يكون الفاعل موظفا عموميا،أو أن
يكون ممن يدخل في حكم الموظف العمومي ،فمن هو الموظف العمومي؟9
يتنازع تعريف الموظف العمومي في القانون المغربي تعريفان ،األول وهو ما جاء به
القانون اإلداري بمقتضى ظهير 05فبراير ..48المتعلق بالنظام األساسي للوظيفة
العمومية ودلك في المادة الثانية منه والتي جاء فيها:
" يعد موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص
بأسالك اإلدارة التابعة للدولة"9
وحسب هذا التعريف فالموظف العمومي يعتبر كذلك:
= إذا تقلد وظيفة عامة من قبل سلطة تملك حق تعيينه قانونا وبطريقة مشروعة وفقا للقانون
وبقرار من هذه السلطة المختصة ،كما لو كان يعمل في وزارات الحكومة أو في مصالحها أو
األجهزة التابعة لها ،أو من يعمل في المرافق العامة التابعة للدولة وذلك بغض النظر عن
المهمة التي يتوالها أو المكانة التي تكون له داخل اإلدارة ،أو نطاق اختصاصه مادام أن كل
من يعمل في اإلدارة له دور فيها قد يساء استغالله ألجل غايات مخالفة للشرف المهني
وللنزاهة التي تفرضها عليه هذه الوظيفة9
= أن تكون هذه الوظيفة قارة وذلك للتمييز بينه وبين من يعمل بصفة مؤقتة9
= أن يتم ترسيمه في هذه الوظيفة ،وال يكون ذلك ممكنا إال بعد مرور مدة من معينة من
الزمن9
أما التعريف الثاني فهو ما جاء به القانون الجنائي من خالل الفصل 005منه والذي يقول:
" يعد موظفا عموميا ،في تطبيق أحكام التشريع الجنائي ،كل شخص كيفما كانت صفته،
يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بدلك
في خدمة الدولة ،أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة
ذات نفع عام9
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع دلك فان هده الصفة تعتبر باقية له
بعد انتهاء خدمته ،ادا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها"9
والمالحظ من خالل هذ ا التعريف أن المشرع الجنائي قد وسع من مفهوم الموظف العمومي
خالفا للقانون اإلداري الذي جاء تعريفه ضيقا بحيث أن كل موظف عمومي حسب هذا
القانون يعد كذلك بالنسبة للقانون الجنائي ،بينما العكس غير صحيح9وهو ما يمكن معه من
توسيع دائرة المسؤولية التي تضيق حسب تعريف قانون الوظيفة العمومية الذي يتطلب توفر
شروط معينة العتباره الشخص موظفا عموميا وبالتالي مرتشيا متى قبل وعدا أوعطية أو
طلبها أو تسلمها9
ويرجع السبب في ذلك إلى أن االتجار في وضعية قانونية لشخص ما يعتبر محل ثقة عند
الناس ،يعد إخالال بالتزامه بأداء عمله على أحسن وجه وكذلك إخالال بمبدأ المساواة بين
المواطنين ،وعلى هذا األساس يجب أن يعامل بالصرامة الالزمة ويعاقب على عمله هذا
ليكون عبرة بالنسبة للغير9
من هنا كان التوسع في مفهوم الموظف العام عند تطبيق أحكام القانون الجنائي عن نظيره
اإلداري9
كما أنه وإضافة لما سبق ،ال يشترط في الشخص لكي يعتبر موظفا عموميا أن يكون من
األطر العليا أو الدنيا للوظيفة العمومية ،فسواء كا ن من كبار الموظفين أو من صغارها،أو
كان مرسما أو متمرنا ،مؤقتا أو مياوما ،مدنيا أو عسكريا ،اعتبر في عداد الموظف العمومي
وطبقت عليه أحكام ومقتضيات الرشوة متى توفرت أركانها وعناصرها ،وذلك ألن مقتضيا
ت الفصل 005من القانون الجنائي جاءت عامة وعبرت عن ذلك بقولها " كيفما كانت
صفته"،شريطة أن يكون موظفا في اإلدارة الوطنية المغربية أو يباشر مهمة يساهم بها في
خدمة الدولة المغربية أو المصالح العمومية9
وهكذا ،فالشخص الني يمكن اعتباره موظفا عموميا حسب الفصل 005من القانون الجنائي
يشترط فيه :
ـ مباشرة وظيفة أو مهمة9
ـ المساهمة في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات
العمومية أو مصلحة ذات نفع عام9
وهكذا ،فالشخص يعد موظفا عموميا متى باشر وظيفة عمومية يساهم بها في خدمة
الدولة ،وبتكليف من قبل السلطة المخولة قانونا لذلك ،ويكون إما عن طريق التعيين أو
االنتخاب كأعضاء البرلمان أو أعضاء المجالس المحلية9
لكن ما الحكم لو باشر الموظف خدمة أو وظيفة بناءا على تكليف معيب كأن يباشر وظيفة
أو عمال ال يدخل في اختصاصه ،أي أن يباشر عمله بناء على تكليف معيب أو بدون تكليف
أصال ،أو أن يكون تعيينه باطال؟9
لم ينص المشرع المغربي على حالة االختصاص الموهوم أو المنعدم وذلك خالفا للمشرع
المصري الذي أدرج هذه الحالة ضمن حاالت االختصاص التي تجيز تطبيق عقوبة الرشوة
وذلك في المادة .21مكرر من قانون العقوبات 934
ويرى الفقه أن هات ه الحالة تقتضي التمييز بين فرضيتين ،األولى تعتبر الشخص موظفا
عموميا رغم كون تعيينه شابه عيب ،وذلك ادا كان هذا العيب شكليا ليس جسيما ،يفقده صفة
الموظف العمومي ،حيث يعاقب هنا باعتباره مرتشيا إن هو قبل أو أخذ مقابال للعمل أو
االمتناع9
37ـ وهدا ما قصده المشرع المغربي من خالل الفقرة الرابعة نص الفصل 058من القانون الجنائي التي جاء فيها:
" إعطاء شهادة كاذ بة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة بصفته
طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة"9
كان وفقا للقوانين أو بناء على تفويض شفوي أو كتابي 9كان جزئيا أو غير مباشر ،كان
اختصاصه القيام بعمل أو االمتناع عن العمل9
أ ـ االختصاص بالعمل
يقصد باالختصاص بالعمل أو االمتناع عنه ،صالحية الشخص في القيام بهذا العمل أو عدم
صالحيته للقيام به إما بصفة مباشرة بأن تكون له السلطة المباشرة والصالحية للقيام بعمل
معين على غرار الموظف المكلف بالمصادقة على التوقيعات مثال 9أو بصفة غير مباشرة
بحيث يكفي أن تكون له عالقة بالعمل الوظيفي ،كما لو دوره استشاريا فقط ولكن أثر على
من بيده اتخاذ القرار.
وأل ن االختصاص بالعمل أو االمتناع عنه يعتبر السبب الدافع إلى القيام بالرشوة ،وجب أن
يكون من األعمال الداخلة في االختصاص الوظيفي للمرتشي سواء كان مشروعا ومطابقا
للقوانين واألنظمة والتعليمات أو كان مخالفا لها9
على أنه ال يشترط في اختصاص الموظف بالعمل أن يتواله لوحده ،بل يعتبر كذلك ـ اي
مختصا في العمل ـ وإن تولى القيام بجزء منه بحيث شاركه الغير في هذا العمل9مما يعني أن
جزء أو قدر من االختصاص كاف العتبار الموظف مختصا في العمل وبالتالي مرتكبا
لجريمة المرتشي متى استكملت باقي العناصر والشروط9
ويرى بعض الفقه بأن العمل الذي يقوم به الموظف مقابل الفائدة ،يجب أن يكون ممكنا من
38
الناحية الواقعية فإن كان مستحيال استحالة مطلقة أي عدما فال تقوم الجريمة9
وعموما ،فإن الشخص يعتبر غير مختص إذا ما حظر عليه القانون القيام بعمل معين
كالقائد أو الباشا الذي يمنع عليه الفصل في قضية يرجع اختصاصها للمحكمة ،فإذا تلقى مبلغا
من المال من شخص ما وذلك من أجل تحقيق مطلبه الذي يتمثل في إفراغ المكتري من محل
سكناه دون اللجوء إلى المحكمة فال يعد مرتشيا وإنما مستغال لنفوذه وذلك لعدم اختصاصه
أصال بهذا العمل ،ولكن يعد مرتشيا إذا أخد مبلغا من المال ممن حكم عليه بتنفيذ حكم اإلفراغ
الصادر عن المحكمة المختصة9
ب ـ االمتناع عن العمل
والطلب في جريمة المرتشي إما ان يكون عبارة عن عرض يتم من طرف المرتفق صاحب
المصلحة ،وقد يكون في صورة وعد بمقابل وذلك حينما يطلب المرتشي من المرتفق أو
الراشي أن يحدد له مبلغا معينا من المال أو يتولى تقديم مساعدة معينة كوعده بوظيفة أفضل
له أو ألحد أقربائه كابنه أو زوجته مثال ،أو الحصول على امتيازات معينة ليس له الحق فيها
أو غيرها من الصور الوعد التي يقوم بها الركن المادي لجريمة المرتشي 9كما يمكن أن
يكون في صورة طلب هبة أو هدية او أية فائدة اخرى حيث تسمى الرشوة في هذه الحالة ـ
حسب بعض الفقه ـ بالرشوة المعجلة وهي الصورة العادية في جريمة المرتشي ،هذا األخير
الذي يأخذ ثمنا معجال مقابل قيامه بالعمل أو االمتناع عنه 9
وقد يطرح مشكل معرفة طبيعة المقابل ،هل يشترط أن يكون ماديا أم أن المنفعة غير المادية
تصلح أن تكون مقابال تتحقق به الجريمة ؟ ثم هل يشترط أن يكون المقابل المسلم للمرتشي
مناسبا ومن نفس قيمة المصلحة التي يطلبها الراشي؟ .
بالرجوع إلى النصوص القانونية يالحظ أن المشرع ال يشترط ضرورة تعادل أو تناسب
قيمة العطية أو المنفعة أو الوعد مع العمل المطلوب من الموظف ،وإنما متى تحققت الغاية
من الرشوة تحققت بالتالي جريمة المرتشي ومتى انعدمت ـ الغاية ـ كأن يتم تقديم العطية
على سبيل المجاملة أو الهدية دون أن يكون الغرض منها قيام الموظف بعمل أو مصلحة
للراشي ،فان الجريمة ال تقوم وقيام جريمة المرتشي ال يعتد فيه بوجوب أن يكون طلب
المنفعة لمصلحة الموظف شخصيا ،وإنما طلب هذه المصلحة أوالفائدة أو الهبة للغير كاألب
أو الزوجة أو األخ يكون سببا كافيا لقيام جريمة المرتشي وبالتالي وجوب معاقبته على هذا
األساس9
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هنالك مجموعة من العناصر التي يجب أن تتوفر لكي يتحقق
بها الطلب وبالتالي الركن المادي لجريمة المرتشي وهي:
ـ أن يكون الطلب إراديا أي صادرا عن الموظف ومعبرا عن إرادته الحقيقية والجادة في
الحصول على مقابل عن العمل أو الخدمة التي ينوي القيام بها للغير ،بحيث ادا كان طلبه
غير جدي أي هزليا فال مجال للحديث عن الرشوة9
ـ أن يتحقق علم الغير بهذا الطلب ،فالرشوة وان كانت عمال غير مشروع تستوجب لتحققها
أن يصل إلى علم هذا الغير صاحب الحاجة طلب المرتشي9
0ـ القبول:
يعد قبول الموظف الرشوة التي عرضت عليه من طرف صاحب المصلحة نشاطا مكونا
لجريمة المرتشي ،وقبول الموظف يفترض فيه أن يسبقه عرض من طرف العارض وأن
يتعلق هذا العرض بإعطاء شيء أو بعطية أو بمقابل عن الخدمة التي يرغب فيها من قدم
العرض ،ويطلق الفقه على هذه الصورة اسم الرشوة اآلجلة ،ألن الثمن الذي ارتضاه
الموظف لنفسه منفعة يستفيد منها هو أو غيره في زمن الحق 939ويعتبره جانب آخر بأنه
نشاط سلبي عكس الطلب من طرف الموظف الذي يقبل فائدة أو عرضا أو وعدا من صاحب
المصلحة ،ذلك أن الذي يقوم بالعمل االيجابي في هذه الحالة هو صاحب الحاجة أي الجانب
اآلخر وليس الموظف940
ويعتبر القبول صحيحا بأية صورة ورد بها خاصة وأن المشرع لم يشترط أي شكل خاص
لذلك 9وعليه ،فقد يأتي في شكل قول أو كتابة أو أي تصرف آخر يفهم منه قبول الموظف لما
عرض عليه من رشوة مقابل ما سيقوم به من عمل أو امتناع لصالح صاحب المصلحة 9على
39ـ د عوض محمد عوض ،الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ،اإلسكندرية ،..84ص8.. :
40ـ د عبد الواحد العلمي ،مرجع سابق،ص:
أنه تجدر اإلشارة إلى ضرورة أن يكون القبول الصادر عن الموظف تعبيرا صحيحا وجادا،
أما إذا كان قبوله للوعد أو العطية قد تم على سبيل المزاح أو الهزل ،أو تظاهر بالقبول انتفت
جريمة المرتشي في مواجهته ،ونكون في مثل هذه الحاالت أمام عرض من طرف الراشي9
وفي هذا الصدد ،يرى بعض الفقه بأن قبول الرشوة من قبل الموظف يكون معاقبا عليه ولو
كان العرض الذي تم من طرف صاحب الحاجة ،كان القصد منه كشف اتجار الموظف بعمله
الوظيفي ،ذلك أن حكمة تقرير العقاب لجريمة المرتشي هي حماية الثقة العامة في أعمال
الوظيفة ومجازاة كل من يتاجر بها941
في حين يرى البعض اآلخر أن في هذا االتجاه نوع من المغاالة في العقاب على الرشوة،
ذلك أن قبول الموظف لعرض غير جاد بالرشوة من جانب صاحب المصلحة يشكل جريمة
ظنية ،والجرائم الظنية ،أي تلك التي ال تقوم إال في ذهن فاعلها ،ال عقاب عليها942
ونحن نتفق مع االتجاه الذي يقول بضرورة معاقبة الموظف على قبوله للعطية وان لم يكن
ذلك جديا ،وذلك لضرب النية اإلجرامية التي تكون لديه وأيضا ليكون عبرة لغيره من
الموظفين حفاظا على الثقة التي تكون للمواطنين في الموظف عامة وتدعيما لمبدأ المساواة
بينهم9
لكن تحقق جريمة المرتشي عن طريق قبوله للهدية أو العطية أو الوعد يقتضي وجوبا
إثبات ذلك ،وهو ما يثير صعوبة من حيث الواقع ،فمتى أخذ أو تسلم المرتشي محل الرشوة
وقبضه ،فإنه يكون من السهل إثبات األمر خصوصا إذا كان عبارة عن نقود أو شيء مادي
ملموس من قبيل سلسلة ذهبية أو خاتم أو مبلغ مالي وضع بحساب الموظف ،عكس ما إذا
كانت الرشوة قائمة على مجرد وعد بشيء ما وهوما يثير صعوبة في إثبات االتفاق بين
الراشي والموظف المرتشي 9إضافة إلى أن األمر ال يتطلب إثبات أن شيئا ما عرض على
الموظف بل األمر يتطلب إثبات أنه قبله9
وفي هذا الصدد أيدت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض قرارا لمحكمة االستيناف بآسفي جاء
فيه:
45
1ـ التسلم
يعني التسلم حصول الموظف أو من في حكمه بالفعل على الهبة أو الهدية أو العطية أو
الفائدة مقابل القيام بالعمل أو االمتناع عنه 9ويطلق على هده الصورة الرشوة العاجلة946
والتسلم يعتبر الصورة الغالبة في الواقع ،وبه تتحقق جريمة الرشوة حيث يسهل إثباتها
مقارنة مع باقي صور الركن المادي للجريمة والتي تكون فيها صورتها القانونية بعيدة عن
43قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض ،عدد ،./578ملف جنحي عدد ،02.5/0558بتاريخ 0.ماي ،02.5غير منشور
44قرار الغرفة الحنائية بمحكمة التقض عدد ،.270ملف رقم ،18090بتاريخ ،..75 /5/..موقع محكمتي
45ـ وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات المصري األخذ9
46ـ إذا كان المشرع المغربي ينص على التسلم كإحدى ال صور التي تقوم بها جريمة المرتشي ،فإن المشرع اللبناني وعل خالف ذلك اقتصر على
إيراد الطلب والقبول فقط وأغفل بذلك النص على التسلم الفعلي للمقابل عن القيام بالعمل أو االمتناع عنه من طرف الموظف9
صورتها الواقعية 9وال عبرة بالطرقة التي يتم بها التسليم ،فقد يكون صريحا بالتسليم المادي
للهبة أو العطية أو مبلغ من النقود أو غيره ،كما يمكن أن يكون ضمنيا ،من دلك أن يضع
صاحب الحاجة مبلغا من النقود في درج مكتب الموظف تحت نظره ودون اعتراض منه9
كما أنه ليس من الضروري أن يكون الموظف هو من حصل على الهدية أو الهبة بنفسه ،بل
يكفي أن يتم االنتفاع لحساب شخص آخر كابنه أو زوجه لتقوم جريمة الرشوة9
كما أنه ال عبرة بأن يكون التسليم واقعا قبل أو بعد إنجاز العمل أو االمتناع عن العمل ،اذ كل
ما يشترط هنا هو حصول التسليم لهبة أو لهدية أو منفعة أخرى من أجل إنجاز الفعل أو
االمتناع عنه9
وإن كان القضاء ذهب في غير هذا االتجاه حينما اعتبر أن قيام جريمة الرشوة البد أن يكون
فيه الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو الهبة أو الهدية أو غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل
أو االمتناع عنه 9وهذا موقف مغاير لما يقع في الواقع خصوصا في الحاالت التي يتم فيها
االتفاق بين الموظف أو من في حكمه وبين الراشي على عدم أداء مبلغ أو محل الرشوة إال
بعد إنجاز العمل او االمتناع عن العمل المتفق عليه9
كما ال يشترط حصول التسليم من طرف الراشي مباشرة بل يعتبر قائما وان تم عن طريق
وسيط9
وعموما ،فالفرق بين قبول الوعد وتسلم الهبة أو الهدية هو أن التنفيذ يكون مؤجال في الحالة
األولى بينما يتعين تعجيله في الحالة الثانية ،إما قبول العرض فقد يتم االتفاق على وقت
محدد لتنفيذه كما يمكن أن يتم دون تحديد لموعد أو وقت لذلك بحسب نوع العرض المقدم من
الراشي الطريقة التي سيقدم بها للمرتشي9
48
الفقرة الثانية :عناصر جريمة الراشي
ينص الفصل 04.من القانون الجنائي على ما يلي:
" من استعمل عنفا أو تهديدا ،أو قدم وعدا أو عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي
يحصل على القيام بعمل أو االمتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة مما أشير إليه في
الفصول 051إلى ،042وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون أي اقتراح من جانبه،
يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول ،سواء أكان لإلكراه أو للرشوة نتيجة أم ال"9
والمالحظ من خالل هذا النص أن المشرع يأخذ بالنظام المزدوج لجريمة الرشوة وذلك بأن
اعتبر جريمة الراشي جريمة مستقلة عن جريمة المرتشي حيث يدان الراشي وحده أو يبرأ
وذلك باستقالل عن الموظف أو من في حكمه والذي قد يدان بدوره باستقالل عن الراشي9
وإضافة إلى ما سبق يمكن أن نالحظ أيضا أن الركن المادي لجريمة الراشي قد يكون وحده
كافيا لتحققها ،لكن األمر غير ذلك بحيث يلزم أن يتوفر القصد الجنائي لدى الراشي ما دام أن
هذه الجريمة ليست من الجرائم غير العمدية بل العكس هو الصحيح بحيث يجب أن يتوافر
القصد الجنائي ومؤداه اتجاه نية الراشي إما إلى الوعد أو عرض أو إعطاء شيء ما وإما
التهديد مقابل الحصول على ما يريده من الموظف أو من في حكمه9
وعموما ،يتحقق الركن المادي لجريمة المرتشي بما يلي:
.ـ استعمال العنف أو التهديد:
المقصود بذلك توليد حالة من الرعب واإلكراه عند الموظف لدفعه إلى مخالفة ما يمليه عليه
الواجب وما تفرضه عليه مبادئ الوظيفة التي يعمل بها ،من ذلك مسكه من يده وإجباره على
توقيع رخصة ،9أو تهديده بالتعرض لزوجه أو احد أبناءه9
47ـ د أحمد فتحي سرور ،الوسيط في قانون العقوبات -القسم الخاص ،دار النهضة العربية،..82 ،ص9.49 :
48ـ لم يشترط المشرع المغربي في الراشي أية صفة خاصة لكي تتحقق جريمة الراشي ،فسواء كان موظفا أو مكلفا بخدمة عامة أو لم يكن كذلك
بأن كان شخصا عاديا من عامة الناس فانه يعد مرتكبا لهذا النوع من األعمال متى تحققت عناصره وتوفر لديه القصد الجنائي للقيام بهذا الفعل ،بل
أكثر من ذلك ليس ضروريا أن يكون الراشي هو صاحب الحاجة المباشر وإنما يمكن أن يتم العمل أو االمتناع عن العمل لمصلحة شخص آخر غير
الراشي كابنه أو زوجه أو صديقه9
والمالحظ أن المشرع المغربي لم يحدد وسائل العنف أو التهديد وال درجتهما في الفصل
04.من القانون الجنائي ،لذلك فان هذه الصورة من صور الركن المادي لجريمة الراشي
تقوم بغض النظر عن طبيعة اإلكراه المستعمل ضد الموظف ،سواء كان هذا اإلكراه ماديا أو
معنويا 9وعليه ،فإذا كان اإلكراه على القيام بعمل أو امتناع عنه المستعمل ضد الموظف ال
يدخل في اختصاصه ،فان جريمة الراشي ال تقوم9
وعموما ،فاإلكراه يجب أن يكون عمال غير مشروع قانونا ،أما إذا كان مشروعا كاللجوء
إلى القضاء أو الشكاية ضد الموظف أمام رؤساءه فان صورة الركن المادي ال تقوم في هذه
الجريمة9
األصل أن جريمة الرشوة تقوم بطرفيها الراشي والمرتشي ،لكن أحيانا قد يوجد
معهماطرف ثالث يكون هو الواسطة او الرائش بينهما ،والوسيط هو كل شخص يقوم يربط
الصلة بين طرفي الجريمة ـ الراشي والمرتشي بحيث يتولى مساعدتها إما بالتمهيد
للجريمة أو بتنفيذها 9بتعبير آخر فعمل الوسيط يكون هو تسهيل ارتكاب الجريمة من أحد
الطرفين أو منهما معا ،بحيث أن الراشي غالبا ال يجرؤ على دفع مقابل الرشوة خشية أن ال
يقبلها الموظف ،كما أن هذا األخير يعمل على صد الرشوة التي يقدمها صاحب الحاجة
خوفا من أن يضبط 9وهكذا يتدخل الوسيط بينهما أ لتسهيل علمية االرتشاء فيكون بذلك حلقه
الوصل بين الراشي والمرتشي 9
و المالحظ أن المشرع المغربي لم يتولى هذا الفعل بالتنظيم ،مع العلم أن عمل الوسيط يكون
من نفس قيمة وخطورة عمل كل من الراشي والمرتشي ،واكتفى باعتباره في حكم المشارك
في جريمة الرشوة طبقا ألحكام الفصل .0.من القانون الجنائي والذي يعتبر من خالل
الفقرة الثالثة مشاركا في الجريمة كل من ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في
األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكابها مع علمه بذلك 9ومعنى هذا أن الوسيط المشارك
في جريمة الرشوة اليمكن مساءلته إال إذا تحققت جريمة الرشوة فعال مادام أنه يستمد
صفته اإلجرامية من إجرام الفاعل األصلي بغض النظر عن كونه الراشي أو المرتشي 9
المبحث الثاني
جرائم التزييف والتزوير واالنتحال
تتنوع الجرائم الماسة بالثقة العامة وتتعدد ،إال أنها رغم هذا التعدد فإنها تتوحد في حماية
المصلحة القانونية التي يعتدى عليها ،وتعتبر جرائم التزييف والتزوير واالنتحال من الجرائم
الماسة بالثقة ،وهي تقوم على تغيير الحقيقة عمدا للخداع بوقائع كاذبة ،وقد اختلف الفقه حول
الدوافع واألسباب وراء تجريم التزوير في المحررات وكذا المصلحة التي يهدف القانون
بتجريمه لهذه األفعال حمايتها ،حيث ذهب الرأي الغالب الى أن علة التجريم تكمن في رغبة
المشرع في حماية الثقة العامة و محاولة ضمان االستقرار والثبات الذي ينبغي أن يحيط
بالمعامالت وباقي مظاهر الحياة القانونية في المجتمع ،مادام أن الناس يعتمدون على
األوراق المكتوبة كوسيلة لإلثبات وفض النازعات القائمة بينهم.
وفي هذا الصدد يرى البعض أن الحكمة التي يرمي إليها المشرع من خالل تجريم التزوير
ليست التصدي للكذب و تغيير الحقيقة كفكرة مجردة ألن ذلك دور الدين و األخالق ،و لكن
قصده حماية أدلة اإلثبات التي يُع ّدها و ينشئها الناس بمناسبة معامالتهم تحسبا الستعمالها
عند الحاجة أمام المصالح العامة و خصوصا أمام القضاء ،و ما يؤكد ذلك أن باب التزوير
في قانون العقوبات يشمل حماية أختام الدولة و الدمغات و العالمات و يُجرم شهادة الزور و
اليمين الكاذبة و هي كلها وسائل إثبات.49
49
نجيمي جمال ،قراءة في جريمة تزوير المحررات على ضوء القضاء ،مندى األوراس القانوني ،ص0:
وقد خص المشرع المغربي الباب السادس لجرائم التزوير والتزييف واالنتحال من خالل
الفصول من 115إلى 1..من القانون الجنائي ،على أننا في هذه الدراسة سوف نقتصر
على بعضها وهي المذكورة في الفرع الثالث من الباب أعاله ،ويتعلق األمر بتزوير األوراق
الرسمية أوالعمومية
والتي نظمها من خالل الفصول 14.إلى 149من القانون الجنائي950
تعريف التزوير
خالفا لبعض التشريعات التي لم تعرف التزويرـ كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجزائري
والقانون المصري مثال ـ فقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 14.من القانون الجنائي
بقوله:
" تزوير األوراق هي تغيير الحقيقة فيها بسوء نية ،تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى
51
وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون"9
نفس الشيء بالنسبة لقانون العقوبات الفرنسي (الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من -10-10
0991بموجب القانون رقم 0001-92المؤرخ في )0992-02-01والذي عرفه
52
جاء فيها " :يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة ،من شأنه بموجب المادة 0-110
إحداث ضرر ،و ينجز بأية وسيلة كانت ،و ينصب على محرر أو على أية دعامة للتعبير
عن األفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات
نتائج قانونية ".وقانون العقوبات السوري الذي اعتبر من خالل المادة ": 100التزوير هو
تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحت ّج بهما
يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي".
50ـ عالج المشرع اللبناني التزوير في المواد من 541إلى 570من قانون العقوبات ،وعرفه في المادة 541بقوله:
" التزوير هو تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع أو البيانات التي يثبها صك أو مخطوط يشكل مستندا ،بدافع إحداث ضرر مادي أو معنوي أو
اجتماعي"9
51ـ وعرفه الفقه الفرنسي بأنه:
" تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا"9
- V.E.Garçon. Code pénal annoté, précité, art.145, 157.n° 19.
52ـ جاء فيها:
« Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causer un préjudice et
accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autre support d'expression de la
pensée qui a pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir la preuve d'un droit ou d'un fait ayant des
conséquences juridiques
كما عرفه الفقه أيضا واعتبره ،كل تغيير للحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها
القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر ،و مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أع ّد له.
والمالحظ من خالل هذا التعريف ،أوال أن محل جريمة التزوير هو المحرر الذي لم يتم
تعريفه من طرف المشرع مادام أنه من الصعب وضع تعريف له حيث ترك للفقه مهمة القيام
بذلك9
ثانيا أ ن التزوير باعتباره تغييرا للحقيقة في محرر لن يتحقق إال بإحدى الطرق التي حددها
القانون ثالثا أن هذا التزوير الذي يتعين أن يتم بالطرق المحددة قانونا يجب ن يحدث ضررا
للغير9
وعموما ،يمكن تلخيص عناصر جريمة التزوير فيما يلي :
أوال :أن يقع تغيير الحقيقة في محرر
ثانيا :أن يتم تغيير الحقيقة بالطرق التي حصرها القانون9
ثالثا :أن يكون من شأن هذا التغيير للحقيقة إحداث ضرر للغير9
رابعا :أن يتوفر القصد الجنائي9
53ـ رمسيس بنهام ،قانون العقوبات القسم الخاص ،منشأة المعارف ،ص9095:
54ـ محمود محمود مصطفى ،مرجع سابق،ص9.1 :
55ـ عوض محمد عوض ،مرجع سابق،ص9.75:
وعرفه الفقه المغربي بأنه:
" كل شيء مادي يتضمن كتابة تفيد معنى عند قارئها مهما كانت اللغة التي صدرت بها
56
الكتابة ،ومهما كانت الطريقة التي تمت بها سواء كتابة أو بآلة كاتبة أو بقلم أو غيره"9
وعموما ،فانه ليس هنالك اختالف بين هذه التعريفات للمحرر باعتباره شيئا ماديا مكتوبا
مادام أن الكتابة تعتبر من األركان الالزمة لقيامه ،وهو ما يستنتج ضمنيا من النصوص
القانونية والتي يفهم منها أنها تشير إلى الكتابة ،لكن هل الكتابة المقصودة تقتضي أن تمون
بلغة معينة وبطريقة خاصةن ام ان األمر ال يتطلب ذلك؟.التعبير الذي تضمنه الفصل 050
من القانون الجنائي جاء عاما بحيث لم يشترط لغة معينة وال شكل خاص ،زعليه ،فالكتابة
بأية لغة تمت ـ شريطة أن تكون لغة متعارف عليها ومفهومة ـ و بأية وسيلة أوطريقة
حررت اعتبر تغييرها ـ متى توفرت الشروط القانونية ـ تزويرا 9وعلى هذا األساس يمكن
القول بأن جوهر التزوير يتمثل في تغيير الحقيقة المكتوبة بحيث أن كل تغيير لحقيقة لم تكن
مكتوبة يستبعد من نطاق تطبيق هذه الجريمة ،كأن يقع التغيير بالقول كشهادة الزور أو
بالفعل كالغش في البضائع9
ولكي تتوفر صفة المحرر في المكتوب يجب أن يتضمن تعبيرا عن واقعة أو تقريرا عن
عمل معين لكي يحقق األثر المتوخى منه 9وعليه ،فان انعدام تحقق ذلك في المحرر كما لو
كانت الورقة بيضاء وليس بها سوى التوقيع مثال فال مجال العتبارها محررا9
لكن ،هل يمكن لجريمة التزوير أن تتحقق متى كان محلها منصبا على الدعائم الحديثة
المعدة لتسجيل البيانات و من بينها األقراص المرنة و األقراص المضغوطة التي أصبحت
تستعمل بشكل كبير إلى جانب البريد اإللكتروني و غيرها من الوسائل واألساليب التي
أصبحت متداولة على نطاق واسع عبر شبكة اإلنترنت ؟.
عمومية النص القانوني وعدم تحديده للطرق وال للوسائل التي يمكن استعمالها لتغيير
حقيقة البيانات المضمنة في المحرر بغض النظر عن شكله ،تحقق هذا التغيير باليد أو
بالقلم أو باستعمال مواد سائلة أو صلبة أو غيرها ،إضافة إلى عدم تحديده لشكل المحرر
يمكن القول أن كل وسيلة تؤدي إلى إحداث التغيير في المحرر كان مكتوبا يدويا أو بآلة
59حسني محمد سليمان ،قانون العقوبات القسم الخاص ،منشورات زين الحقوقية،بيروت لبنان ،ط ،0202ص998:
علمه ورضاه كما لو دس له المحرر بين أوراق أخرى فوقع عليه دون انتباه منه ودون أن
تتجه إرادته إلى االلتزام به9
60ـ أحمد أمين ،شرح قانون العقوبات األهلي ،القسم الخاص ،القاهرة ،لجنة التأليف والترجمة والنشر ،...5 ،ص127:
.ـ التزييف أو التحريف في الكتابة أو التوقيع ،ويتحقق التزييف في هذه الحالة بتغيير
الحقيقة أي تغيير التوقيع أو الكتابة باصطناع كتابة أو توقيع ونسبته إلى الغير خالفا للحقيقة،
و تندرج هذه الحالة ضمن صور التزوير المادي9
0ـ اصطناع اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء أو إضافتها في تلك المحررات بعد
تحريرها9
وطرق التزوير في هذه الحالة تنقسم إلى قسمين هما:
أ ـ اصطناع اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء9
ب ـ إضافة اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء9
والمالحظ أن هذه الطرق تنتمي لطرق التزوير المادي وذلك ألن المشرع استعمل كلمة
اصطناع اتفاقات أو إضافتها بعد تحريرها 9على أن عدم إشارة المشرع إلى هذه الطرق عند
حصره لطرق التزوير المادي المرتكبة من طرف القضاة أو الموظفون العموميين أو العدول
أو الموثقون في المادة 140من القانون الجنائي ،ليس معناه أن الموظف عند اصطناعه
لمحرر متضمنا التفاق ال يكون مزورا وإنما يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لتزوير معنوي ،ما
دام أنه أثبت واقعة وهو يعلم عدم صحتها ،أو تزوير مادي ألنه وضع توقيعا على المحرر
ونسبه للغير9
وإضافة غلى ما سبق فان ارتكاب األشخاص غير الموظفين لهذه الطرق في التزوير لن
تكون عقوبته السجن المؤبد كما أشار إلى ذلك الفصلين 140و 141من ق ج ،وإنما يعاقب
بالسجن من .2إلى 02سنة حسب مقتضيات الفصل 145من نفس القانون 9لكن إن هو قام
باصطناع رخص ة مثال لفتح محل تجاري ،أو شهادة مدرسية للعمل بها ،فانه يعتبر مزورا
لكنه ال يعاقب بالعقوبة المقررة في الفصل السابق اإلشارة إليه ،وإنما يعاقب بحسب ما أقره
الفصل 192ق ج ،61ألن الورقة التي اصطنعها ال تتضمن اتفاقا أو ابراءا أو تضمينا أو
التزاما9
62ـ نقض جنائي مصري صادر بتاريخ ..ديسمبر ،..99مجموعة أحكام محكمة النقض ،س ،.7ص9.079 :
ـ نقض جنائي بتاريخ 9مارس ،..55مجموعة القواعد القانونية ،ج ،9ق ،1.1ص9501:
63ـ مأمون سالمة ،مرجع سابق ،ص9551 :
64ـ V.R.Garraud. Traité théorique et pratique de droit pénal. T 4.n° 1394.
65ـ محمد لبيب شنب ،المسؤولية عن األشياء ،رسالة ،القاهرة ،بند 915
ويمكن أن يكون معنويا وهو الذي يصيب الشرف أو االعتباري في حق آخر غير حقوقه
المالية ،من ذلك التزوير في شهادة مدرسية أو جواز السفر أو انتحال اسم في عقد زواج9
والضرر إما أن يقع حاال وهو الذي يحدث فعال وذلك باستعمال المحرر المزور ،وإما أن
يكون محتمال وهو الذي من الممكن أن يحصل ومن الممكن أن ال يحصل 9كما أنه قد يكون
مستقبال وهو الذي ال يكون حاال ولكن محقق الوقوع في المستقبل
وعموما ،فإن الضرر المرتب للعقاب عن التزوير يشمل كل أنواع الضرر ،خالفا
للمسؤولية المدنية التي ال تقضي بالتعويض إال على الضرر الحال والمستقبل9
الفصل الثالث
الجرائم الماسة باآلداب
66ـ V. Donnedieu de vabres, Essai sur la notion de préjudice dans la théorie générale du faux documentaire.
Sirey. 1943.p :231.
67ـ أحمد أمين ،مرجع سابق،ص9048 :
ـ محمود محمود مصطفى ،مرجع سابق،ص9..0:
تطلق الجرائم الماس باآلداب أو جرائم العرض كما يسميها بعض الفقه ،على كل الجرائم
التي تخرج عن إطار األخالق العامة والقيم والمبادئ السامية والسائدة في المجتمع968
وقد تعرض المشرع المغربي لجرائم العرض في الفرع السادس من الباب الثامن من خالل
الفصول 581إلى 5.9من القانون الجنائي تحت عنوان "في انتهاك اآلداب" وفي الفرع
السابع من نفس الباب من خالل الفصول 5.7إلى 425ق ج تحت عنوان " إفساد الشباب
وفي البغاء" ،ـ إضافة إلى المواد من 4.إلى 99من قانون الصحافة التي عاقبت على
األفعال المنتهكة لآلداب العامة ـ والتي تولت تحديد األركان العامة التي يقتضيها تحقق
جرائم الفساد والخيانة الزوجية واالغتصاب والشذوذ الجنسي ،حيث تتحقق من خالل كل
ممارسة جنسية خارج إطار العالقة الزوجية المشروعة سواء كانت برضى الطرفين أو
بإكراه أحدهما ،بين رجل وامرأة أو بين فردين من نفس الجنس97069
كما عاقبت على التحريض على العالقات الجنسية غير المشروعة وأعمال الوساطة واالتجار
والمساعدة على ارتكابها واإلخالل العلني بالحياء ،ونشر وتوزيع الصور والرسوم المنافية
لألخالق واآلداب9
وسوف نقتصر في دراستنا لهذا النوع من الجرائم على جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية
ثم جريمة االغتصاب9
المبحث األول
جريمة الفساد
جريمةةة الفسةةاد أو جريمةةة الزنةةا كمةةا يسةةميها بعةةض الفقةةه ،مةةن الجةةرائم الماسةةة بةةاألخالق
واآلداب التي جرمتها الةديانات السةماوية ومةن بينهةا اإلسةالم الةذي لةم يكتةف بتجريمهاا وإنماا
فرض عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة ،قال تعاالى ":الزانياة والزاناي فاجلادوا
68ـ اختلفت التشريعات الوضعية حول تقرير العقاب على جرائم العرض ،فمنها من تشدد في ذلك واعتبر كل العالقات الخارجة عن إطار رابطة
الزواج جريمة فساد يستحق القائم بها أقصى العقوبات ومن بينها المشرع المغربي 9في حين اقتصر جانب آلخر على المعاقبة على االتجار في بغاء
الغير وإكراهه على ممارسة الجني خارج إطار العالقة الزوجية9
واتخذ اتجاه ثالث موقفا وسطا بحيث ال يعاقب على الفساد والزنا اللذان يتمان برضا أطرافه ،وتعاقب على الجرائم التي يكون أحد طرفيها متزوجا
أو قاصرا ويمارس البغاء بصفة اعتيادية9
69خصص المشرع المصري لجرائم االعتداء على العرض الباب الرابع من الكتاب الثالـث من قانـون العقوبات تحت عنوان " هتك
العرض وفساد األخالق"
70ـ أحمد الخمليشي ،القانون الجنائي الخاص ،الجزء الثاني ،الطبعة الثانية 9..89ص9004:
كل واحد منهما مائاة جلادة و ال تأخاذكم بهماا رأفاة فاي ديان ن إن كناتم تؤمناون بااو والياوم
اآلخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ".71
كماا جرمتهاا السانة أيضاا فعان عباد ن بان مساعود ـ رضاي ن عنا ـ قاال :قاال رجال :ياا
رسول ن ،أي ذنب أعظام عناد ن ،قاال :أن تجعال و نادا وهاو خلقاق ،فقاال لا :إن ذلاق
لعظيم ،ثم أي قال :أن تقتل ولدق خشية أن يطعم معق ،قال :ثم أي ،قال :أن تزاناي حليلاة
جارق ،فأنزل ن عز وجل تصديقها :والذين ال يادعون ماهللا ن إلهاا خخار ،وال يقتلاون الانفس
لا العااذاب يااوم التااي حاارم ن اااال بااالحق ،وال يزنااون ،وم يفعاال ذلااق يلااق اثامااان يضاااع
القيامة ويخلد فيها مهانا".
وعن عمر بن الخطاب رضي ن عن قال ":إن ن بعث محمد باالحق وأنازل عليا الكتااب
فكان ما أنزل ن علي خية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول ن (صلى ن عليا وسالم)
ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد الرجم فاي كتااب ن فيضالوا
بترق فريضة أنزلها ن في كتاب فإن الرجم في كتاب ن الحق على من زنى".
و تعتبر جريمة الفساد من الجرائم االستثنائية لكونها تمس باألمن االجتماعي و األخالقي
لكل شخص داخل المجتمع ولكونها تتعلق بعرض الناس و شرفهم من جهة ،ومن جهة
أخرى ،ألن المشرع خصها بوسائل إثبات معينة تختلف عن تلك التي اعتمدها بالنسبة لباقي
الجرائم حيث يقضي فيها بحرية اإلثبات9
وقد أشار المشرع لجريمة الفساد في الفرع السادس،الخاص بانتهاك اآلداب ،من الباب
الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام األسرة واألخالق العامة ،من خالل المادة 5.2
من القانون الجنائي التي جاء فيها:
" كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال ترتبط بينهما عالقة زوجية تكون جريمة الفساد،
ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة" 972حيث لم يميز المشرع المغربي في
74ـ وهو ما أكده المجلس األعلى من خالله قراره التالي والذي جاء فيه:
" حيث أنه من جهة فبمقتضى الفصل 5.2من القانون الجنائي فإن كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال تربط بينها عالقة الزوجية تكون جريمة
الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة"9
قرار رقم 757.الصادر بتاريخ 0أكتوبر ، ..85منشور مجموعة قرارات المجلس األعلى ،المادة الجنائية من ..8.إلى ،...4ص954 :
75ـ العلمي عبد الواحد ،مرجع سابق،ص9.45:
" الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 5.2و 5..ال تثبت إال بناء على محضر رسمي
يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب
أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي"9
يعتبر نص الفصل 5.1استثناءا من القاعدة العامة المقررة بمقتضى المادة 088من قانون
المسطرة الجنائية76التي تقر مبدأ حرية اإلثبات ،وذلك باشتراطه ضرورة أن يتم إثبات
جريمة الفساد بإحدى الوسائل الثالث 77المنصوص عليها أعاله وهو ما يتباه قضاء محكمة
النقض 78في قرار له نقض من خالله قرار محكمة االستيناف بقوله :
" وحيث أنه ال ينتج ال من الحكم االبتدائي وال من القرار المطعون فيه المؤيد له وال من
سائر أوراق الملف أن هناك محضرا رسميا حرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة
التلبس أو اعترافا تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهمة أو اعترافا قضائيا بارتكاب
الجريمة مما هو مشروط توفره في الفصل 5.1من القانون المذكور ،وعليه فإن المحكمة لما
أصدرت قرارها على النحو المذكور لم تجعل لما قضت به أساسا صحيحا من اقانون
79
ولإلبطال"9 للنقض وعرضته
وفي قرار آخر:
" قرينة وجود المتهمين تحت سقف واحد غير كافية إلدانتهما من أجل جنحة الفساد."80
ويمكن تلخيص هذه الوسائل في الصور التالية وهي:
أشار إلى هذه الجريمة الفصل 5..من القانون الجنائي الذي يقول:
" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ،وال
تجوز المتابعة في هذه الحالة إال بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه9
إال أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج المملكة ،فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا
بمتابعة الزوج اآلخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة"9
وعلة تجريم فعل الخيانة الزوجية من طرف المشرع ،ترجع إلى رغبته في حماية العالقة
الزوجية وكذا الحقوق التي تترتب عليها والتي تقوم على اإلخالص واالحترام حماية لألسرة
والمجتمع9
وخالفا للمشرع المغربي الذي سمى هذه الجريمة بالخيانة الزوجية ،فإن العديد من
التشريعات العربية تسميها جريمة الزنا وتميز في هذا الصدد بين زنا الزوج وزنا الزوجة
من حيث توفر الشروط الالزمة لقيامها وكذا من حيث العقوبة المخصصة لها ،من ذلك قانون
العقوبات المصري من خالل المادة 071جاء فيها " :المرأة المتزوجة التي تثبت زناها
يحكم عليها بالحبس لمدة ال تزيد على سنتين" ،والمادة 077تنص على أن ":كل زوج زنى
في منزل الزوجية وثبت عليه هذا األمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة ال تزيد على
ستة أشهر"9
نفس األمر بالنسبة للقانون العراقي في المادة ( )0-177من قانون العقوبات رقم ...لسنة
..9.التي تقول:
" .ـ تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها
_0ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية"9
والمالحظ من خالل ما سبق ،أن الغريب في تنظيم جريمة الزنا بالنسبة للتشريعين أعاله
اشتراطهما شروطا خاصة لتبوث الخيانة الزوجية بالنسبة للزوج وهو ضرورة أن يحصل
االتصال الجنسي والمواقعة التي تعتبر عنصرا الزما لقيام الركن المادي في بيت الزوجية،
مما يعني أن تحقق هذا الفعل في غير مكان الزوجية تنعدم معه عناصر الجريمة كاملة9من
االختالفات أيضا أن العقوبة المقررة في حق الزوجة أشد من تلك المقررة في حق الزوج
كما لو أن خيانة الزوجة أعظم وأشد من خيانة الزوج في حين أن األمر سيان بالنسبة
لكليهما9
وعموما ،فدراسة جريمة الخيانة الزوجية حسب التشريع المغربي تقتضي أن نعرض
ألركانها ،والقيود المقررة إلمكانية متابعة الجاني9
86قرار محكمة النقض عدد ،87.7بتاريخ ،../.0/..89ملف جنحي عدد ،84/.982.منشور بالموقع اإللكتروني :محكمتي
87ـ على أنه تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن رابطة الزواج تظل قائمة خالل عدة الطالق الرجعي ،حيث تتحقق جريمة الخيانة الزوجية سواء
بالنسبة للرجل أو للمرأة إذا ما تحققت أركانها9
88ـ وهو ما أكده المجلس األعلى بقوله:
" لما أبرزت المحكمة أن المتهم لم يكن متزوجا وقت فتح المتابعة ضده وأنه كان قد طلق زوجته فإن إدانته والحالة هذه بجريمة الفساد تكون
مطابقة للقانون"
ـ قرار رقم 578الصادر بتاريخ .9فبراير ،..78منشور بمجلة المحاماة عدد ،02ص9.1. :
رابعا :أن المشرع المغربي كان ظل يميز بين المرأة و الرجل بخصوص استفادة هذا
األخير من العذر المعفي من العقاب حال ارتكابه جريمة قتل أو ضرب أو جرح ضد
زوجته و شريكها عند ضبطهما متلبسين بالخيانة الزوجية.
إال أنه تراجع عن هذا التمييز بموجب القانون رقم 10-21الذي عدل الفصل 104من
القانون الجنائي بحيث أصبح من حق الزوجين معا االستفادة من العذر المخفض للعقوبة في
جرائم القتل أو الجرح أو الضرب متى ارتكبهما أحد الزوجين ضد الزوج اآلخر و شريكه
عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.
ويشترط في الخيانة ا لزوجية باعتبارها من الجرائم العمدية ضرورة توفر القصد الجنائي،
بحيث يجب أن يكون كل من الرجل والمرأة المقترفين لفعل الخيانة الزوجية مدركا وعالما
بعدم مشروعية هذا الفعل ،وال ينتفي إال بسبب خلل عقلي او جنون أو أن يكون أحدهما في
حالة سكر غير اختيارية أو تم تخديره ،مثل هذه األوضاع ينتفي فيها القصد الجنائي ،لكن اذا
كان السكر او المخدرقد حصل بكيفية اختيارية قامت مسؤولية الجاني وذلك عمال بما تقره
مقتضيات الفصل .17من القانون الجنائي التي جاء فيها ":السكر و حاالت االنفعال او
االندفاع العاطفي او الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا،ال يمكن بأي حال من األحوال
ان يعدم المسؤولية او ينقصها"
89ـ قرار رقم 15.5الصادر بتاريخ .8أبريل ،..84ملف جنحي ،7.97.مجموعة قرارات المجلس األعلى ،ص9.25 :
الزوجين خارج تراب المملكة ،فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج اآلخر
الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة"990
وإضافة إلى ذلك فالمشرع لم يشترط شكال خاصا بالشكاية وعلى هذا األساس يمكن أن تتم
بطريقة كتابية أو شفوية أو بأية وسيلة أخرى 9كما يمكن تقديمها من طرف المعني باألمر
شخصيا أو من طرف وكيله9
أما عن إمكانية التنازل عن الشكاية فقد نص الفصل 5.0من القانون الجنائي على أن:
تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن
جريمة الخيانة الزوجية"9
وبناء على نص هذا الفصل يمكن القول بأن تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا
لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها991
وإذا وقع التنازل من طرف أحد الزوجين عن شكايته فإن ذلك يضع حدا آلثار الحكم
بالمؤاخذة مع اإلشارة في هذا الصدد إلى أن المشارك في جريمة الخيانة الزوجية ال يستفيد
من هذا التنازل9
المبحث الثالث
جريمة االغتصاب
90ـ ويرى بعض الفقه بأن للنيابة العامة السلطة التقديرية في إثارة الدعوى العمومية أو عدم إثارتها وذلك حسب تقديرها لظروف ممارسة المرأة
للفساد مادام أن النص استعمل عبارة " يمكن للنيابة العامة متبعتها" 9عل أننا نعتقد وخالفا لهذا الرأي بأن النيابة العامة ملزوم بمتابعة المرأة التي
تمارس الفساد مهما كانت ظروف هذه الممارسة مادامت أركان تحقق الفساد متوفرة ،بل أكثر من ذلك فهي مجبرة على القيام بالمتابعة ومسألة أن
عبارة يمكن ا لتي أوردها النص القانوني يمكن تفسيرها بأنها استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بضرورة تقديم شكاية من طرف أحد الزوجين
للمتابعة على أن األمر يختلف في هذه الحالة ألن المشرع اشترط شروط محددة لذلك وهي أن تمارس المرأة الفساد بصورة واضحة وأن يكون
زوجها مقيما بالخارج9
91ـ وفي هذا تطبيق لنص المادة الثالثة من قانون المسطرة المدنية التي حددت حاالت وأسباب سقوط الدعوى العمومية وجعلت سحب الشكاية إن
كانت شرطا للمتابعة من بين أسبابها9
" ا الغتصاب هو مواقعة رجل المرأة بدون رضاها ،ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى
عشر سنوات9
فإذا كانت سن المجني عليها تقل عن خمسة عشر عاما ،فإن العقوبة هي السجن من عشر
إلى عشرين سنة"9
وفي القانون المصري تعرض المشرع لجريمة االغتصاب واعتبرها جناية ،حيث جاء في
المادة 762التي ":من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة،
فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو مالحظتها أو ممن لهم
سلطة عليها أو كان خادما عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب باألشغال الشاقة المؤبدة9"92
92وقد أولى القانون الدولي اهتماما بجريمة االغتصاب حيث أشار من خالل الفقرة األولى من المادة السابعة من النظام األساسي
للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (روما) التي وصفت جريمة االغتصاب على أنها جريمة ضد اإلنسانية عندما ترتكب بطريقة منظمة ضد مجموعة
.من السكان المدنيين ،كذلك أشارت إليها العديد من االتفاقيات والمعاهدات الدولية في موادها،
،كما أشارت إليه المادة 72من اتفاقية جنيف التي تحظر بصفة خاصة االغتصاب،كما ورد حظر االغتصاب ضمنيا واالعتداء الجنسي في المادة
4الفقرة 1من البروتوكول اإلضافي الثاني المتعلق بالنزاعات المسلحة التي تنص على أنه « لجميع األشخاص الحق في احترام
شخصهم وشرفهم" ،وكذا المادة 46من اتفاقية الهاي لسنة 9 1092
والمادة ، 26الفقرة األولى من البروتوكول اإلضافي األول التي تقضي بحماية النساء من االغتصاب كما يحظر االغتصاب بصفته جريمة ضد
اإلنسانية بموجب المادة 5من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا ،كما أشارت إليه المادة 72في فقرتها الثانية من الباب الرابع
جاء فيها " :يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن وال سيما ضد االغتصاب واإلكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن"9
الجريمة على األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكاب الجريمة كاستدراج المجني عليها إلى
منزل الجاني أو تقديم ملجأ للقيام بفعلته9
إضافة إلى ما سبق ومن خالل قراءة نص الفصل 589قد يعتقد أن مواقعة الرجل لزوجته
دون رضاها يعد جريمة اغتصاب ،إذا كان هذا األمر مسلما به في بعض القوانين المقارنة
كالقانون السويدي مثال ،فإنه بالنسبة للقانون المغربي ال مجال لذلك مادام أن الشريعة
اإلسالمية الدين الرسمي للبالد تبيح للزوج التمتع بزوجته متى شاء ولكن شرطة عدم
التعسف9
وعموما ،فإن تحقق جريمة االغتصاب يستلزم تحقق ركنيها المادي والمتمثل في مواقعة
الرجل لمرأة ال تربطه بها عالقة الزوجة مع انتفاء رضا المرأة بذلك ،والمعنوي وهو القصد
الجنائي9
95
الموطأ لإلمام مالق " ( " 437 / 2ـ
الفصل الرابع
جرائم األشخاص
من بين أهم الحقوق التي تسعى التشريعات والقوانين الجنائية إلى حمايتها ،الحق في الحياة
والحق في السالمة الجسدية باعتبارهما من بين أهم الحقوق الشخصية اللصيقة بالفرد .ولعل
السبب في أهمية هذه الحقوق يرجهللا باألساس إلى كونها ضرورية لوجود الفرد والمجتمهللا
ال مجال الستمرار معا وفي نفس الوقت ،فال مجال لوجود المجتمهللا دون أفراد ،كما أن
وجود المجتمهللا دون حماية قانونية لحقوق هؤالء األفراد والتي من بينها حق في الحياة.
وتبتدئ هذه الحماية منذ والدة اإلنسان حيا ،96إلى حين وفات بل وحتى بعد ذلق حيث أن
االعتداء على جثت الموتى يعتبر فعال مجرما.
والقانون الجنائي تعرض لجرائم االعتداء ضد األشخاص في الباب السابهللا والباب الثامن
من الكتاب الثالث ومن بينها االعتداء على حرمة المسكن والقذ والسب وإفشاء األسرار
واختطا األطفال والقاصرين وجرائم اإلجهاض.
وعموما سو نقتصر في هذا الفصل على دراسة أهم هذه الجرائم وهي جريمتي القتل
العمد والقتل الخطأ.على اعتبار أن القتل إما أن يكون مقصودا وإما أن يكون ناتجا عن
خطأ.
96بل قبل ذلق منذ تكون جنينا في أحشاء أم ،حيث تمنهللا من القيام بإجهاض نفسها دون عذر مستند إلى ضرورة كالمرض أو
خطورة الحمل على حياتها .وقد نظم وقد نظم المشرع األحكام الخاصة بهذه الجرائم في الفرع الثاني من الباب الرابع من الجزء األول من الكتاب
الثالث من القانون الجنائي وذلك ي الفصول من 098إلى 9070
القتل العمد
روح اإلنسان يعتبر القتل العمد من أخطر جرائم االعتداء على األشخاص ألن يستهد
وهي ما تسعى التشريعات السماوية والوضعية إلى حمايتها ،وتظهر هذه الحماية من خالل
قساوة العقوبة المقررة لعقاب من يرتكب هذه الجريمة وهي اإلعدام وقد قسمها القانون
الجنائي المغربي إلى القتل العمد والقتل الخطأ ،كما أشار إلى حاالت أخرى يتحقق فيها
أو الحرمان من التغذية أو الضرب الموت إما بسبب اإلجهاض أو بسبب اإليذاء والعن
المفضي الى الموت وايرها من الصور والحاالت .ودراسة هذه الجريمة يستوجب بحث:
أوال :أركانها العامة
ثانيا :العقوبة المقررة لها بحسب اقترانها إما
المشددة لها ـ بالظرو
ـ باألعذار القانونية المخففة لها
المبحث األول
أركان جريمة القتل العمد
المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة القتل ،واكتفى بالنص في الفصل لم يعر
392من القانون الجنائي على ما يلي:
" كل من تسبب عمدا في قتل ايره يعد قاتال".
على أن بعض الفق ذهب في تعريف للقتل بأن كل اعتداء على حياة الغير يترتب علي
وفات .97واعتبره جانب خخر أن كل إزهاق لروح إنسان عمدا يدعى قتال عمدا ،98وعرف
الفق الفرنسي بأن :تدمير متعمد واير عادل لحياة إنسان بفعل إنسان خخر.99
99
René Garraud, traité théorique et pratique du droit pénal ;édition Sirey 1889
« l’homicide volontaire et la destruction volontaire et injuste de la vie d’un homme par le fait d’un autre
» homme
100إضافة إلى العناصر الثالثة المشار إليها أعاله ،يضيف بعض الفقه عنصرا ثالثا يعتبره الزما لتحقق الركن المادي لجريمة القتل العمد
وهو إزهاق روح إنسان بواسطة شخص آخر 9أي إن الجاني والمجني عليه شخصان مختلفان 9فإذا ما قرر الشخص إنهاء حياته بنفسه كانت الواقعة
انتحارا وليست قتال بالمعني القانوني 9ومما ال شك فيه أن التمييز بين الحالتين له أهمية كبيرة ذلك أن أغلب التشريعات الجنائية ال ترى في االنتحار
.أو الشروع فيه جريمة9
أوال :النشاط الصادر عن الجاني
يفترض في جريمة القتل أن تنهي حياة إنسان معين ،هذه اإلنهاء يقتضي قيام الجاني بفعل
معين ،تنتج عن نتيجة الموت ،وتكون بينهما عالقة سببية.
وعلي نقول بأن الركن المادي لجريمة القتل العمد يتكون من عناصر ثالثة: 101
1ـ نشاط صادر عن الجاني
2ـ تحقق النتيجة اإلجرامية وهي إزهاق روح المجني علي
3ـ توفر العالقة السببية بين نشاط الجاني و النتيجة اإلجرامية
101إضافة إلى العناصر الثالثة المشار إ ليها أعاله ،يضيف بعض الفقه عنصرا ثالثا يعتبره الزما لتحقق الركن المادي لجريمة القتل العمد
وهو إزهاق روح إنسان بواسطة شخص آخر 9أي إن الجاني والمجني عليه شخصان مختلفان 9فإذا ما قرر الشخص إنهاء حياته بنفسه كانت الواقعة
انتحارا وليست قتال بالمعني القانوني 9ومما ال شك فيه أن التمييز بين الحالتين له أهمية كبيرة ذلك أن أغلب التشريعات الجنائية ال ترى في االنتحار
.أو الشروع فيه جريمة9
القتل يتعبير خخر ،ما هي طبيعة النشاط الذي يجب أن يتحقق ب الركن المادي لجريمة
102
. القتل العمد
أوال :النشاط المادي لجريمة القتل
لم يحدد المشرع المغربي طبيعة النشاط الذي يقوم ب القتل ،واكتفى بالقول في الفصل
392من القانون الجنائي ":كل من تسبب في قتل ايره يعد قاتال".
ما يمكن استنتاج من هذا النص ،هو أن كل نشاط صادر عن الجاني عن قصد يعتبر
صورة من صور الركن المادي ،وذلق بغض النظر عن الوسائل المستعملة إلنجاز هذه
الجريمة ،كانت قاتلة بطبيعتها أم ال ،كاستعمال سالح أبيض أو استعمال سالح ناري او خلة
حادة ،أو دفهللا الضحية ورميها من مكان عال أو القيام بخنقها .
ولعل التمييز بين األنشطة والوسائل المستعلمة في القتل العمد يظهر من خالل مدى
قوتها في إثبات القصد الجنائي لدى الفاعل أو في عدم إثباتها ،ذلق أن قيام الفاعل بإزهاق
روح المجني علي بوسائل تعتبر بطبيعتها قاتلة ،يشكل قرينة قوية وواقعية على أن نية
المعتدي تتج نحو ا لقتل ،أما إذا كانت هذه الوسائل ال تؤدي بطبيعتها عادة إلى القتل
كالضرب مثال ،أو التشابق باأليدي ،أو التدافهللا ،فإنها تعتبر قرينة بسيطة يمكن للجاني إقامة
الدليل على أن لم يكن يقصد عند القيام بها قتل الضحية ،فيتم تكييفها على هذا األساس
تكييفا مناسبا للفعل.
فالقتل يتحقق بكل وسيلة أو نشاط صالح لتحقيق الموت في اللحظة التي ارتكب فيها.
وعلى أن التسبب في القتل ال يقصد ب قيام الجاني شخصيا بتنفيذ النشاط المادي المؤدي
المجني علي شخصيا فيقوم ب بنفس ،أو إلى القتل ،وإنما يمكن أن ينفذ النشاط من طر
بالفاعل المعنوي. شخص خخر يتم تسخيره للقيام بهذا الفعل وهو ما يعر من طر
و ال يشترط في النشاط ضرورة أن يصيب جسم الضحية ،أي ال يشترط أن يكون الفعل
إيجابيا فقط وإنما يجوز أن يكون سلبيا كذلق .وعلي فمجرد قيام الجاني بحبس الضحية في
102ـ يميز الفقه في هذا الصدد بينما إذا كان النشاط ايجابيا كاف إلحداث القتل في الغالب كإغراق الضحية و إطالق عيار ناري عليه ،وبين ما إذا
كن نشاطا إيجابيا غير كاف عادة إلحداث الموت كالضرب باليد ،وبين النشاط اإليجابي الذي ال يمس الضحية لكن يؤثر فيه نفسيا كتهديده وإساءة
استعماله للدفع به إلى االنتحار ،وبين النشاط السلبي كاالمتناع عن تقديم الدواء في الوقت الناسب ،أو امتناع المولد عن ربط الحبل السري للوليد9
مكان ما دون طعام وماء أدى إلى موتها يعد قتال .أو القيام بوضهللا قنبلة أو مادة متفجرة في
العتبار القتل محققا. المكان الذي ستتواجد ب الضحية يكون كا
وقد عرفت مسألة االعتداد بالفعل السلبي كنشاط مكون لجريمة القتل خالفا جعلت القضاء
الفرنسي يقضي بعدم مسؤولية المتهم في الجرائم التي يكون نشاطها مجرد امتناع عن الفعل
في الجرائم العمدية ومنها القتل الالعتبارات التالية :
أوال انعدام وجود نص قانوني يقضي بذلق ،كون جريمة القتل جريمة فعل طبيعت أن يكون
ماديا.
ثانيا أن إثبات القصد في الجرائم التي يكون النشاط فيها سلبيا وهو االمتناع يكون صعبا بل
وأحيانا مستحيال.
ثالثا أن تفسير النص القانوني بشكل موسهللا يجمهللا بين األفعال المادية اإليجابية والسلبية
في تجاوز لمبدأ شرعية الجرائم ولسلطة القاضي في تفسير النصوص القانونية.
لكن رام هذه التبريرات فقد ذهب جانب خخر من الفق إلى القول بإمكانية اعتبار الفعل
السلبي من األنشطة التي تقوم بها جريمة القتل.
وعموما يعتبر االمتناع الذي هو نشاط سلبي مكونا للركن المادي لجريمة القتل العمد ،ألن
المشرع سوى بين الفعل اإليجابي والفعل السلبي ،وإن كان جانب من الفق يرى بأن
االمتناع الذي هو النشاط السلبي ال يمكن أن يكون الركن المادي لجريمة القتل العمد إال إذا
كان القانون يضهللا التزاما بعدم االمتناع على عاتق الشخص المتابهللا بالقتل ،كالممرضة التي
تمتنهللا عن إعطاء المريض الدواء في وقت إلى أن مات.
بينما يعارض جانب خخر هذا الرأي ويرى بأن العبرة هي بتسبب الجاني بنشاط السلبي
في إزهاق روح المجني علي عمدا ،وضرورة معاقبت على هذا األساس سواء كان مصدر
هذا االمتناع هو القانون أو هو العقد.
إذا ،ما يمكن استنتاج مما سبق ،أن الوسائل التي يكون الجاني قد أعدها ابتداء وترق أمر
،تعتبر نشاطا مكونا للركن المادي في جريمة القتل العمد ،فالعبرة إتمام الجريمة للظرو
للقول بأن القتل تحقق هو بحصول النتيجة بغض النظر عن كيفية التسبب فيها وال بالطريقة
التي تمت بها.
ثانيا :النشاط المعنوي في جريمة القتل
السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو التالي:
جسم الضحية نشاطا مكونا هل يمكن اعتبار األفعال واألعمال المعنوية التي ال تستهد
103
للركن المادي لجريمة القتل متى أدى ذلق إلى موت الضحية أم ال
الفق في اإلجابة على هذا السؤال ،فمنهم من يقول بعدم اعتبار هذا الفعل ولو أن لقد اختل
إيجابي مكون للركن المادي لجريمة القتل ،على أساس أن يصعب إثبات أن الموت تحقق
بسبب (أي الفعل المعنوي ) كون ال يترق دليال على الجسم.
بينما يذهب رأي خخر إلى القول بإمكانية مساءلة الجاني عن هذه األفعال إذا كان الجاني قد
تعمد بالفعل إزهاق روح المجني علي وذلق لسببين:
األول :أن الرأي القائل بعدم المساءلة على األفعال المعنوية المؤدية إلى القتل يستند إلى
صعوبة إثبات عالقة السببية بين األفعال والوفاة ،وهذا استناد اير مقنهللا ألن المطلوب هو
هل تصلح هذه األفعال أن تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في جريمة القتل أم ال،
أما إثبات األفعال والعالقة السببية فهو أمر متروق للقضاء.
الثاني :هو أن المشرع في الفصل 392من القانون الجنائي جاء عاما واعتبر الشخص
قاتال متى تسبب في قتل ايره ،وقد جاءت هذه الكلمة " تسبب" مطلقة و عامة لم يميز فيها
بين الفعل المادي أو المعنوي ،لذلق فالقضاء لن يكون ملزما إال بالبحث عما إذا كانت عالقة
السببية قائمة بين النشاط اإلجرامي والنتيجة أم اير قائمة.
وهكذا ،فاالعتداد بوسيلة معنوية من قبيل إخبار الجاني الضحية بخبر سيء وهو يعلم
بمرض بالقلب أدى إلى فزع فمات ،او قيام الزوج باستفزاز زوجت بكالم جارح فدفعها
إلى إنهاء حياتها ،يعد سببا أدى إلى الموت وبالتالي نشاطا مكونا للركن المادي لجريمة القتل
والتي في تنظيمها لم يميز المشرع فيها بين األفعال كانت مادية أو معنوية ،إيجابية أو
سلبية.
103ـ من ذلك األعمال التي تؤثر على نفسية المجني عليه كمعاملة الزوج معاملة قاسية والدفع بها إلى التخلص من حياتها باالنتحار عن طريق رمي
نفسها من عل سطح البيت أو شرب السم9
يعتبر تحقق النتيجة العنصر الثاني المكون للركن المادي لجريمة القتل العمد التي تعتبر
بدورها من جرائم النتيجة،وعلى هذا األساس يتعين تحققها في الواقهللا وذلق بإزهاق روح
المجني علي والذي يجب أن يكون إنسانا ،وأن يؤدي نشاط الجاني الى موت ،فالوفاة إذا
هي النتيجة الالزمة لقيام جريمة القتل ،وال تقوم مقامها عنها أية نتيجة أخرى .فلو أن الضحية
أصيبت بجروح خطيرة أو بطعنات قاتلة لكنها لم تحقق نتيجة الموت ،فال مجال العتبار الفعل
قلب الضحية لبضهللا دقائق قتال .بل ال مجال العتبار الفعل قتال ولو كانت نتيجت توق
استرجهللا بعدها وعي .
حيات فتحقق القتل قانونا وواقعا ال يكون إال بتحقق النتيجة التي هي موت المجني علي بتوق
توقفا فعليا .فالموت هو النتيجة المعتبرة في كل جرائم القتل ،لذلق فمتى توفر قصد القتل كانت
قصد الجريمة قتال ،ما لم يتوفر القصد ووقهللا الموت بسبب خطأ ،كان القتل خطأ ،أما إذا تخل
القتل وعدم ارتكاب الخطأ ،وحصل إيذاء بالضرب مثال أدى إلى الموت كان جريمة الضرب
المفضي إلى الموت.
الغير ،فلو قام هو شخصيا ـ وموت المجني علي يجب أن يكون بفعل أو بنشاط من طر
أي المجني علي ـ بقتل نفس عد انتحارا وليس قتال.
ويقوم القصد الجنائي في جريمة القتل بعنصرين اثنين وهما العلم واإلرادة9
.ـ فعلم الجاني بعناصر جريمة ا لقتل يتحقق بمعرفته اليقينية بأن النشاط الصادر عنه من
شأنه أن يؤدي إلى موت الضحية 9معنة هذا أن الجاني يجب أن يكون مستوعبا أن فعل
االعتداء الصادر عنه غير مشروع وسيؤدي ال محالة إلى الموت ،فعلمه يجب أن يتجه نحو
النشاط ومعه النتيجة أيضا 9أي أن النشاط غير مشروع وأن نتيجته الموت 9فمتى انتفى لديه
هذا العلم تهدم الركن المعنوي ومعه القصد الجنائي9
ولذلك لو أردنا أن نجيب على السؤال المتعلق بمتى يتحقق القصد الجنائي في جريمة القتل
العمد؟ 9يكون ذلك من خالل التمييز بين الحاالت والصور التالية والتي يختلف تكييفها بتوفر
القصد الجنائي أو بانعدامه:
أوال :أن يقوم الجاني بقتل المجني عليه دون إدراك منه وال توجيه إلرادته نحو تحقيق
النتيجة اإلجرامية بأن قام مثال بإطالق رصاصة عند مسه للزناد صدفة ودون رغبة منه في
ذلك مما أدى إلى إصابة أحد األشخاص وأدى إلى موته9
ثانيا :وهي الحالة ا لتي يقوم فيها الجاني عن قصد وإرادة ووعي منه بقتل أحد األغيار لكن
عن غلط أو عن جهل بالواقعة التي أدت إلى ذلك 9مثال أن يستعمل ممثل مسدسا على أنه غير
حقيقي ،ويضغط على الزناد ظنا منه أن الرصاص غير حقيقي ،لكن يقع الضحية ميتا 9،أو
في الحالة التي يطلق فيها صياد النار على أحد األشخاص معتقدا أن األمر يتعلق بحيوان9
ففي هاتين الصورتين يمكن القول بأن القصد الجنائي لم يكن متوفرا بالنسبة للمثل والصياد،
وبالتالي فإن جريمة القتل العمد لن تقوم ،والذي سيتحقق هنا هو جريمة القتل الخطأ التي لم
يتوفر فيها القصد الجنائي9
ثالثا :أن يقوم شخص باالعتداء على الغير عن قصد وإرادة لكن دون أن تتوفر لديه النية
والرغبة في قتله ،كمن يقوم بضرب آخر ضربا عنيفا أدى إلى موته9
رابعا :وهذه الحالة األخيرة هي التي يقوم فيها الجاني باالعتداء على المجني عليه وفي نيته
قتله والقضاء عليه بإزهاق روحه 9ففي هذه الصورة تتحقق جريمة القتل العمد في صورتيها
الواقعية والقانونية وذلك بتوفر ركنيها المادي وهو الفعل الصادر عن الجاني والمعنوي وهو
نيته في القتل وتحقق بالتالي النتيجة وهي موت الضحية حيث تجب هنا معاقبة الجاني على
هذا األساس9
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بقولها:
" لكن حيث أنه بالرجوع إلى وثائق الملف تبين أن المتهم (س) اعترف بكونه اشترى سالحا
ناريا وكان يهدف بواسته إلى قتل الضحية ،وذهب إلى منزله وأحضر بندقيته وأطلق
الرصاص عليه وأصابه في يده"9107
0ـ أما توفر اإلرادة فمعناه أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل اإلعتداء على حياة
المجني عليه ،فمتى انتفت انتفى القصد الجنائي9وهكذا ،لو قام الجاني بقتل الغير وهو تحت
تأثير الكحول أو مخدر ما فال مجال العتبار إرادته منعدمة ألنه قام باألمر وهو مريد لذلك،
لكن لو أنه كان تحت تأثير إكراه مادي كتنزيم مغناطيسي مثال انعدمت إرادته واعتبر الفاعل
األصلي هو المسؤول عن الجريمة9
كذلك لو أن إرادة الجاني اتجهت غلى النشاط دون تحقيق النتيجة وهي الموت ،ال يعد مرتكبا
لجريمة القتل العمد وإنما لجريمة القتل الخطأ ،كمن يقوم بحركات تنشيطية بآالت حادة أو
سكاكين فينفلت إحداها من يده وتصيب أحد المتفرجين9
ويشترط بعض الفقه لكي يقوم الركن المعنوي،أن يتحقق القصد العام وهو توجيه إرادة
الفاعل إلى القيام باعتداء ضد إنسان مع العلم بحقيقة ما يقوم به ،إلى جانب القصد الخاص
وهو استهدافه بذلك االعتداء إزهاق روح الضحية والقضاء على حياته9108
107قرار الغرفة الجنحية عدد ./..2.بتاريخ ،01/9/0225ملف جنحي عدد ،7.99/0220 :موقع محكمتي
108ـ أحمد الخمليشي ،مرجع سابق ،ص909:
وقد سار جانب من القضاء في هذا لالتجاه واشترط ضرورة توف ر القصد العام إلى جانب القصد الخاص من ذلك ما جاء في قرار للمجلس األعلى
من أنه:
" يجب على الحكم في حالة اإلدانة من أجل القتل عمدا أن يثبت أن المعتدي قد فكر بالفعل في هذه النتيجة وأنه قام بالفعل بالعمل المنسوب له من
أجل الحصول عليها"9
بينما يرى البعض اآلخر بأن القصد الجنائي في هذه الجريمة هو القصد الجنائي بمفهومه
العام المتطلب في كافة الجرائم كيفما كانت والذي يقوم على عنصرين هما العلم بطبيعة
النشاط الذي يقوم به الجاني والثاني هو إرادته إتيان هذا الفعل لتحقيق النتيجة التي هي إزهاق
روح المجني عليه9109
وعمو ما ،فإنه كلما توفرت نية إزهاق روح المجني عليه إال وتوفر القصد الجنائي لدى
الفاعل بحيث ال يتأثر ببعض الوقائع التي قد ترافق هذا القصد9
وهكذا ،فإن القصد الجنائي ال ينتفي في الحاالت التالية:
.ـ أن يكون الباعث على القتل بريئا بدافع الشفقة ،فهذا الدافع ال يؤثر في تحقيق
المسؤولية الجنائية ألنه يتساوى مع الباعث بدافع الكراهية أو الحقد كما أن البواعث تعتبر
أمورا نفسية ال أثر لها على قيام القصد الجنائي9
0ـ أن توافر القصد الجنائي عند الفاعل ال ينتفي بسبب أنه لم يستهدف ضحية معينة ،كما لو
ألقى بقنبلة على تجمع من الخصوم قصد قتل أي أحد منهم فالقصد هنا يتحقق بموت أي واحد
منهم9
1ـ القصد الجنائي لدى الجاني ال ينتفي وال يتأثر بحجة أنه قتل شخصا غير الذي كان يريد
قتله فعال9
5ـ أن نية القتل ال تنتفي قانونا وإن انتفت واقعيا كمن يتعاطى شرب مواد تفقده عقله كالخمر
أو المخدرات9110
المبحث الثاني
الظروف المشددة في القتل العمد
قرار رقم .82الصادر بتاريخ ..يناير ،..92منشور بمجلة القضاء والقانون عدد ،08ص901 :
109ـ عبد الواحد العلمي ،مرجع سابق ،ص:
110ـ وهو ما يؤكده الفصل .17من القانون الجنائي بقوله:
" السكر وحاالت االنفعال أو االندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا ،ال يمكن بأي حال من األحوال أن يعدم المسؤولية أو
ينقصها"9
عقوبة القتل العمد البسيط كما هي محددة في الفصل 1.0من القانون الجنائي هي السجن
المؤبد ،إال أن هذه العقوبة تتشدد وتصبح إعداما متى صاحب القتل العمد أحد الظروف
المشددة التي حددها القانون وهي:
.ـ سبق اإلصرار بمقتضى الفصل 1.0من ق ج9
0ـ الترصد بمقتضى الفصل 1.1من ق ج9
1ـ قتل أحد األصول بمقتضى الفصل 1.9من ق ج9
5ـ اقتران القتل العمد بجناية بمقتضى الفصل 1.0من ق ج9
4ـ ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة بمقتضى الفصل 1.0من ق ج9
9ـ القتل عن طريق التعذيب أو األفعال الوحشية بمقتضى الفصل 1.0من ق ج9
7ـ قتل األطفال الذين يقل عمرهم عن .0بالضرب أو الجرح أو العنف أو اإليذاء أو بتعمد
حرمانهم من التغذية أو العناية بمقتضى الفصل 5.2من ق ج9
8ـ القتل الناشئ عن جناية الخصاء بمقتضى الفصل 5.0من ق ج9
.ـ القتل الناتج عن اإلحراق العمدي أو أعمال التخريب بمقتضى الفصول 585و 584و
488من ق ج والمادة من ظهير .0ماي ..9.بشأن المحافظة على السكك الحديدية
وأمنها9
وسوف نقتصر في دراستنا هذه على البعض من هذه الظروف المشددة للعقوبة في جريمة
القتل العمد9
الفقرة األولى :سبق اإلصرار
عرف المشرع المغربي هذا الظرف في المادة 15من القانون الجنائي حيث قال:
" سبق اإلصرار هو العزم المصمم عليه ،قبل وقوع الجريمة ،على االعتداء على شخص
معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف ،حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو
شرط"9
من خالل هذا التعريف يتضح الفرق بين القتل العمد البسيط والقتل العمد المقترن بسبق
اإلصرار ،ذلك أن القاتل عمدا يفترض أنه يأتي الجريمة على إثر أو فور تقريره إتيانها ،كمن
يثور تحت تأثير إهانة مثال فيهاجم المجني عليه ويقتله 9في حين أن القاتل عمدا مع سبق
اإلصرار ال يقوم بتنفيذ فعله إال بعد أن يعزم عليه ويتخذ قراره وذلك بعد تفكير عميق قد
يطول وقد يقتصر حيث يطرد التردد في إتيان فعله فيهيئ الوسائل المادية التي سيستعملها في
القتل ثم ينفذ فعله 9من هنا فهو يكون إنسانا خطرا على أمن وسالمة المجتمع مادام التصميم
على القتل لم يتغير مع مرور الوقت الفاصل بين اتخاذه للقرار وتنفيذه له ،لذلك يكون عقابه
اإلعدام9
111ـ وهو ما قرره المجلس األعلى من خالل قراره التالي الذي جاء فيه:
" وحيث أنه حسب محتويات الملف فإنها لم تصمم العزم على قتله قبل ذلك وبذلك فإن عنصر سبق اإلصرار غير متوفر في النازلة هذا فضال
على أن سبق اإلص رار كعنصر قانوني تستخلص المحكمة توفره من وقائع النازلة التي تستقل بتقديرها تبعا لسلطتها التقديرية التي ال تخضع فيها
لرقابة المجلس األعلى مما تكون معه الوسيلة مخالفة للواقع من جهة وعلى غير أساس من جهة أخرى"9
قرار رقم 5071الصادر بتاريخ .5يونيو ،..88مجموعة قرارات المجلس األعلى ..8.ـ ،...4ص9074 :
112قرار عدد ،.0/.2ملف جنحي رقم ،0229/.4.44بتاريخ ،0229/./08منشور على الموقع اإللكتروني :محكمتي
وأخيرا يجب اإلشارة إلى أن سبق اإلصرار من الظروف الشخصية التي ال تسري إال على
من توفرت فيه من الجناة والمشاركين وكذا المساهمين وذلك عمال بمقتضيات الفقرة الثانية
من الفصل .12من القانون الجنائي9
المبحث الثالث
األعذار المخففة في القتل العمد
خفف المشرع عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد إلى الحبس أو السجن إذا توافر أحد
األعذار المخففة من هذه العقوبة وهي:
.ـ قتل األم لوليدها( الفصل 1.7من القانون الجنائي)9
0ـ القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم( الفصل
5.9من ق ج)9
1ـ القتل المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت
مسكون أو أحد ملحقاتها ( الفصل 5.7من ق ج)9
5ـ قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية( الفصل 5.8من
ق ج )9
وسوف نقتصر في دراستنا هذه على كل من القتل الحاصل نتيجة استفزاز والقتل المرتكب
من طرف أحد الزوجين ضد زوجه وشريكه وهما متلبسين بالخيانة الزوجية9
الفقرة الثانية :القتل الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد زوجه أو شريكه حال مفاجئتهما
متلبسين بالزنا
أشار المشرع إلى هذا العذر في الفصل 5.8من القانون الجنائي بقوله:
" يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب ،إذا ارتكبها أحد
الزوجين ضد الزوج اآلخر و وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية"9
وتعرض ألثره في تخفيف العقوبة وذلك في الفصل 501من نفس القانون والذي بمقتضاه
يقضي القاضي متى ثبت العذر المخفف للعقوبة ،تخفيض هذه األخيرة من اإلعدام أو السجن
المؤبد إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات9
ولعل السبب في تقرير هذا العذر راجع باألساس إلى االستفزاز الذي يشعر به أحد الزوجين
تجاه اآلخر والناتج عن االعتداء على شرفه وعرضه9114
ويشترط لقيام هذا العذر:
114ـ على أن استفادة الزوجة من العذر المخفف لعقوبة القتل نتيجة استفزاز لم يتم إال بعد التعديل الذي عرفه الفصل 5.8بموجب
القانون رقم 21ـ ، 05حيث كان الزوج وحده من له الحق في تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها متى ضبط زوجته وهي تمارس الفساد مع عشيقها،
ويرى بعض الفقه أن علة تقرير هذا العذر بالنسبة للزوج دون الزوجة راجع إلى هول المفاجأة الذي يكون شديدا على الزوج من غيره ،ثم يرجع
ويقول إنه مع التسليم بأن انفعال الزوج قد ال يعادله انفعال غيره إال أنه ينبغي أن يتمتع بالعذر المخفف بسبب االستفزاز كل من الزوجة واألب وباقي
األقارب عند مفاجأة الزوج أو إحدى القريبات متلبسة بعالقة جنسية غير مشروعة9
ـ أحمد الخمليشي ،مرجع سابق ،ص 85 :و 984
أوال :أن يكون القاتل زوجا للزوج المقتول الذي تم ضبطه مع الغير9
فرابطة الزوجية تعتبر شرطا الزما إلمكانية االستفادة من هذا العذر بأن تكون قائمة غير
منفصلة بطالق بائن9
على أن األمر يختلف متى تعلق األمر بطالق رجعي ألنه يأخذ حكم الزواج القائم وال يزيل
رابطة الزوجية ،وذلك متى تم ضبط الزوجة من طرف الزوج وهي متلبسة بالزنا أثناء فترة
العدة ،أما بعد انتهاء هذه الفترة فأنها تعتبر في حكم المطلقة طالقا بائنا ويعتبر قتلها من
طرف طليقها قتال عمدا ال يستفاد فيه من عذر التخفيف9
والواضح أن هذا العذر كما سبقت اإلشارة إلى ذلك ،ال يستفيد منه سوى الزوج الذي قتل
زوجته أما باقي أفراد األسرة كاألب أو االبن أو غيرهما فإنهم ال يستفيدون من ذلك ويكون
حكمهم حكم القاتل قتال عمدا9
تناول المشرع المغربي الجرائم الماسة باألموال بمواد قانونية متعددة ،حيث خصص لها
الباب التاسع من الكتاب الثالث من القانون الجنائي ،تحت عنوان" في الجنايات والجنح
المتعلقة باألموال"9
وتعتبر جرائم األموال تلك األفعال التي تهدد الحقوق المالية للفرد ،ذات الطبيعة االقتصادية
بغض النظر عن قيمتها باالعتداء عليها من خالل سرقتها وانتزاعها من صاحبها واالستيالء
عليها دون وجه حق 9وتعد هذه الجرائم من أخطر الجرائم التي تهدد االستقرار االجتماعي
ومن بينها جريمة السرقة التي أشار إليها القانون الجنائي من خالل الفصل 424حيث عرفها
تمييزا لها عن باقي الجرائم المشابهة له من قبيل النصب وخيانة األمانة والتي تمس األموال
بدورها ،كما تعرض للسرقة البسيطة التي ترتكب في ظروف عادية وتعتبر بالتالي جنحة9
ومن خالل االطالع على النصوص القانونية التي تتعلق بالسرقة والتي تمتد من الفصل
424إلى الفصل 415يتضح أن المشرع يقتضي توفر ظروف معينة ويحدد عقوبة خاصة
بكل نوع من أنواع السرقات التي تتحقق ويتغير تكييفها من جنحة إلى جناية متى اقترنت
بظرف معين حسب ما أقره القانون9لكن هذا األمر ال يفهم منه أن كل فعل سرقة يقتضي توفر
شروط خاصة به ،بل هي نفس األركان والشروط التي اشترطها المشرع عند تعريفه للسرقة
من خالل الفصل 424من القانون الجنائي بحيث ال تتغير وإنما الذي يتغير هو العقاب وذلك
حسب ظروف التشديد أو التخفيف التي تصاحبها و تقترن بها كما سبقت اإلشارة إلى ذلك9
وسوف نبحث جريمة السرقة من خالل المحاور التالية :
الفقرة األولى :اركانها
الفقرة الثانية :الظروف المشددة لها
الفقرة الثالثة :األعذار القانونية فيه
115
الققرة األولى :أركان جريمة السرقة
عرف القانون الجنائي السرقة من خالل الفصل 424جاء فيه: 116
" من اختلس عمدا ماال مملوكا للغير يعد سارقا ،ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات
وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم"9
فالسرقة حسب نص الفصل أعاله هي أخذ مال الغير وإالستيالء عليه بدون رضاء صاحبه
مع علمه حين أخذه لهذا المال بأنه مملوك للغير بحيث تتجه إرادته المعتبرة قانونا إلى تحقيق
النتيجة المرجوة من فعل السرقة 9
وللسرقة ركنان :ركن مادي ويتألف من فعل االختالس ويكون محله المنقول المملوك
للغير ،وركن معنوي وهو نية التملك للمال المختلس9
.115السرقة لغة هي أخذ المال خفية ،وشرعا هي أخذ مال معين المقدار ،غير مملوك لألخذ9
وجريمة السرقة لدي جمهور الفقهاء تتحقق بتوفر الشروط التالية:
..ـ وجود مال منقول معين المقدار
.ـ ملكية هذا المال المنقول لشخص معين
.ـ اختالس هذا المال بمعرفة شخص أخر بقصد تملكه .
116المقابلة للمادة 142من قانون العقوبات الجزائري والتي جاء فيها:
"يعد سارقا كل من اختلس غشا شيئا غير مملوك له 9999ويعاقب على الشروع في السرقة بالعقوبات المقررة للجريمة التامة وتطبق العقوبات ذاتها
على مختلس المياه أو الغاز أو الكهرباء"9
وفي القانون المصري من خالل نص المادة 1..من قانون العقوبات جاء فيها " :كل من اختلس منقوال مملوكا لغيره فهو سارق"9
"السرقة هي أخذ مال الغير المنقول دون رضاه (اي السرقة ال تقع اال على المال المنقول عكس جرائم إساءة االئتمان واالختالس التي تقع على 1
)المال المنقول وغير المنقول)
)ـ إن القوى المحرزة تنزل منزلة األشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية( كالكهرباء مثالا
.
يتكون الركن المادي بجريمة السرقة من عنصرين :فعل االختالس ،وأن ينصب هذا
االختالس على مال مملوك للغير9
: .فعل االختالس
لم يعرف المشرع المغربي االختالس ،وقد اختلف الفقه فى وضع مفهوم لالختالس ،بحيث
انقسم إلى قسمين اعتمد جانب منهما النظرية التقليدية في حين أخذ الجانب الثاني بمفهوم
النظرية الحديثة فى تعريفها لالختالس9
أ ـ النظرية التقليدية
يتحقق االختالس حسب أصحاب هذه النظرية بنزع الشيء أو نقله أو أخذه من حيازة
صاحبه وإدخاله في حيازة الجاني بغير علم المجني عليه ودون رضاه ،فالنشاط الصادر عن
الجاني يشكل فعال ماديا أخذ من خالله الشيء محل االعتداء ونزعه من صاحبه ليدخله في
حيازته بغض النظر عن الوسائل التي استعملها لذلك كانت عبارة عن آلة أو عصا أو بيديه
،أو أنه هيأ الوسائل التي تحقق هذه النتيجة بذاتها ،فكل ما يشترط هو أن يتحقق االستيالء
بفعل الجاني بغض النظر عن الطريقة المستعملة لذلك9
كما أن االختالس ال يقع إال إذا حصل نقل الشيء أو نزعه من حيازة صاحبه على حيازة
الجاني بغض النظر عن بقائه في حيازة هذا األخير أو تسليمه للغير 9كل هذا ال يعتد به
قانونا إال متى تم دون علم المجني عليه ودون رضاه ،وهو ما يعني أن حصول التسليم ينفي
االختالس سواء تم برضا المجني عليه أو عن غلط أو نتيجة تدليس وكانت له صفة الحائز
للشيء محل االختالس9
على أن اعتماد هذا المفهوم من طرف القضاء لم يكن ليستمر خصوصا في الحالة التي
يحصل فيها تسليم الشيء من أجل االطالع عليه أو فحصه ورده بعد ذلك ،حيث غير من
موقفه وأصبح يأخذ بفكرة التسليم االضطراري ،ومعناه أنه متى حصل تسليم شيء تقتضيه
ضرورة التعامل فهذا ال يمنع من تحقق االختالس ،فمثال لو أخذ شخص من صاحب محل
للمجوهرات خاتما من ذهب لتفحصه ورؤيته عن قرب ،وتسلمه منه فعال ثم الذ بالفرار ،فإنه
يعتبر سارقا 9فمثل هذه الصورة وغيرها هي التي يتحقق بها التسليم االضطراري الذي ال
االختالس9 به ينتفي
ب ـ النظرية الحديثة :
أما بالنسبة ألصحاب النظرية الحديثة ،فقد اعتمدوا تعريفا جديدا لالختالس تفاديا للعيوب
واالنتقادات التي عرفها الفقه التقليدي ،وفي هذا الصدد ربط الفقيه الفرنسى جارسون بين
فكرة االختالس وفكرة الحيازة في القانون المدنى ،وقال إن الحيازة تنقسم إلى ثالثة أنواع
وهي :الحيازة الكاملة والحيازة الناقصة أو المؤقتة والحيازة العارضة9
.
الحيازة الكاملة :وتكون لمالك الشيء أو لمن يدعي ملكيته،بغض النظر عن كونه حسن أو
سيء النية ـ كالسارق مثال ـ وتتكون هذه الحيازة من عنصرين ،عنصر مادي وهو كل
األفعال التي يباشرها الحائز على الشيء ،وعنصر معنوي وهو نية أخذ الشيء واستعماله
كما لو كان مالكا له9
الحيازة المؤقتة :فتكون لمن يحصل على الشيء ويحوزه بموجب سند يخوله العنصر
المادي دون الحق في ملكه،أي الحق في استعماله دون أن يكون مالكا له بحيث تظل الملكية
لغيره ،كما لو استأجره أو قام برهنه9
اما الحيازة العارضة :فهي التي تتحقق حين يقع الشيء بيد شخص ال يملك ال الحيازة
الكاملة وال الحيازة المؤقتة ،بحيث ال يكون له أي حق على هذا الشيء فال هو بمالك له وال
بمكتر وال براهن له9
فاالختالس حسب جارسون هو االستيالء على حيازة الشيء بعنصريها المادي
والمعنوي بدون علم وال رضا مالكه أو حائزه السابق 9وبتعبير آخر ،فاالختالس يتحقق بتوفر
عنصرين :االستيالء على الشيء ،وعدم رضا المالك أو الحائز9
وهكذا ،يتحقق االختالس باستيالء الغير على الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي في
حالتين :في الحالة األولى يعمل فيها الجاني على إنهاء حيازة سابقة وينشئ حيازة جديدة
ومستقلة ،يحصل بها نزع للشيء من مالكه أو حائزه ليدخل في حيازة الجاني ،بغض النظر
عن الطريقة التي تم بها هذا األخذ سواء خفية أو بعلم المجني عليه ولكن دون رضاه9
وفي الحالة الثانية يتم فيها تسليم الشيء للجاني تسليما ماديا ووضعه بين يديه من طرف
المالك ،ولكن دون أن ينقل له الحيازة الكاملة أو ناقصة ،فيحتفظ به بنية امتالكه يتحقق
االختالس ويعتبر سارقا ،كما لو تعلق األمر بصاحب سيارة أجرة الذي يفر بحقائب المسافر
بعد أن وضعها بالسيارة9
ويمكن تلخيص عناصر االختالس في :النشاط المحقق لالختالس ،وأن يتم هذا االختالس
دون رضا المجني عليه
أوال :نشاط االختالس ويكون بسلب الجاني حيازة الشيء من المجني عليه ،بحيث يكون
هو السبب في خروج هذه الحيازة من يد هذا األخير بصدور نشاط إيجابي عنه 9على أن
تحقق هذا النشاط ال يشترط فيه ن يكون صادرا عن الجاني شخصيا ويقوم به بنفسه ،فيعتبر
الجرم قائما وإن عمد إلى تكليف غيره ممن ال تتوفر فيه األهلية الكاملة مثال كما لو حرض
طفال على سرقة مبلغ نقدي أو سرقة خاتم من ذهب ،أو كما لو استعمل آلة للتمكن من محل
السرقة 9أو قام بإلهاء صاحب المحل وقام غيره بالسرقة9
أن يحصل االختالس بدون رضا المجني عليه ،هذا العنصر لم يشر إليه المشرع ثانيا:
المغربي عند تعريفه لجريمة السرقة ،لكن تحقق االختالس يقتضي ،باإلضافة إلى قيام
الجاني بنشاط يمكنه من حيازة محل السرقة ،أن يتم بدون رضا المجني عليه 9ومعنى ذلك،
أن تحقق الرضا في الحيازة ينفي تحقق االختالس على اعتبار أن السرقة ال تقوم إال
باالعتداء على حيازة الغير لما يملك أي على من له صفة على الشيء 9وعليه ،متى انعدم
رضا من له صفة المالك على الشيء تحقق االختالس ومتى تحقق رضا من له صفة المالك
على الشيء انعدم االختالس وإن كان هذا الشيء في حيازة غيره9
2ـ محل االختالس:
يقصد بمحل االختالس الشيء الذي تتعلق به حقوق المعتدى عليه ويقع عليه الفعل
اإلجرامي9ويشترط فيه توافر أن أوال يكون ماألً ذو طبيعة مادية وثانيا أن يكون ماال منقوال
وثالثا أن يكون مملوكا للغير.
أ ـ أن يكون محل االختالس ماال ذو طبيعة مادية
ال يصلح الشيء محال لالختالس إال إذا كان ماال،ويقصد بالمال"كل شيء يصلح محال لحق
عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية" ،117وقد عرفه القانون المدني المصري بأنه":كل
شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محال للحقوق المالية"9
واألشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي ال يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها،أما
األشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون فهي التي ال يجيز القانون أن تكون محال للحقوق
المالية.
وال تنتفي صفة المال عن األشياء التي تكون حيازتها غير مشروعة أو محرمة كالمخدرات
أو الكحول أو غيرها،فيتحقق االختالس وإن كان محله من المواد الممنوع حيازتها أو
التعامل فيها9ذلك أن المشرع المغربي يحمي حق الملكية لذاته بحيث متى كان يمكن تملك
الشيء وله قيمة،فال ينظر حينها فيما إذا كانت حيازته مباحه أم محرمه أو فيما إذا كان
الحائز للمال قد حصل عليه عن طريق مشروع أم غير مشروع 9ويعني ذلك وجوب توافر
أمران في محل االختالس أولهما أن يكون الشيء قابال للتملك وثانيهما أن يكون شيئا ذا قيمة
بحيث يمكن أن تكون قيمة المال المختلس مادية تقدر بثمن أو معنوية9
ب ـ أن يكون موضوع االختالس حقا منقوال:
التمييز بين المنقول والعقار هو موضوعات القانون المدني،فالعقار هو كل شيء مستقر
بحيزه ثابت فيه ال يمكن نقله دون تلف"أما المنقول فهو كل شيء يمكن نقله من مكان آلخر
دون تلف 9وهو ما يعتد به القانون الجنائي ـ وإن لم تتم اإلشارة إلى ذلك بصفة صريحة ـ
بحيث يعتبر المنقول كل شيء مادي يمكن نقله من مكان آلخر9
واعتمادا على ما أقره القانون المدني فس هذا الصدد فالمنقول يشمل ،المنقول بطبيعته
كالنقود واألثاث والحيوانات و يدخل في إطاره أيضا العقار بالتخصيص وهو في حقيقته
منقول بطبيعته رصد لخدمة العقار،كأدوات الزراعة ومعدات وآالت المصنع 9ويشمل ايضا
العقار باإلتصال ـ كما يسميه بعض الفقه ـ كالشبابيك واألبواب واألشجار المزروعة بالعقار9
ت ـ أن يكون موصوع االختالس مملوكا للغير
117المال لغة هو كل ما يقتنى ويحوزه االنسان بالفعل ،سواء أكان عينا أم منفعة ،كالذهب أو الفضة
واصطالحا فهو كل ما يمكن أن يملكه اإلنسان ،وينتفع به على وجه معتاد ،سواء كان مملوكا بالفعل أو كان قابال للتملك كالطير في الهواء والسمك
في الماء 9وهذا يعني أن المال هو كل ما يملك قيمة اقتصادية تقدر بالنقود سواه كانت في حيازة شخص وفي ملكه أو كان غير مملوك ألي شخص
.ما دام يقبل أن يحاز ويملك
يشترط في موضوع االختالس أن يكون مملوكا للغير،والمقصود بذلك تحقق اإلعتداء على
الملكية ال يتصور إال إذا انصب على ما ًل مملوك للغير ،فإذا وقع الفعل على مال مملوك
للمتهم فإنه ال يعد سرقة وإنما يكون استعمال لحق له عليه ،في حين إذا انصب على مال غير
مملوك ألحد فهو إكتساب مشروع لملكيته9والفعل في الحالتين مشروع فال يقوم به االختالس،
ومعنى ذلك أن الفصل في تحقق االختالس من عدمه يفترض فصال في ملكية المال المدعى
باختالسه 9ولفهم هذا الشرط يتعين التطرق إلى ثالثة صور وهي:
الصورة األولى:
أن يكون المال مملوكا للمتهم ،فاألصل أنه ال أحد يسرق ماله وإنما استعماله لهذا المال يكون
مشروعا ومستمدا من الملكية التي له على هذا المال 9ويستوي في ذلك كونه سيء النية وعمد
إلى اختالس المال اعتقادا منه أن غيره هم المالك األصلي وليس هو 9وال يمنع من اعتبار
المتهم مالكا للمال ،أن يكون محظوراً عليه التصرف فيه -بناءاً على سند ملكية أو على أي
سبب قانوني آخر -فشرط المنع من التصرف ال ينفي الملكية وإذا كان المال مملوكا للمتهم
وفي حيازة غيره فاسترده عنوة أو بالقوة ،فال يكون بذلك أيضا مختلسا،ذلك أن االعتداء على
الحيازة دون الملكية ال يقوم به االختالس،فال يعتبر مختلسا المكري الذي يسترد العين
المكتراة من المكتري9
الصورة الثانية:
أن يكون المال مملوكا للغير ،ومعنى ذلك أن يكون المال المختلس مملوكا لشخص آخر غير
المتهم بسرقته ،حيث يتحقق االعتداء بنزع أو أخذ الملكية والذي تقوم به جريمة السرقة9وفي
هذا الصدد وجبت اإلشارة إلى أنه ال يشترط أن يكون اسم المالك معلوما أو معروفا وسواء
كان فردا واحدا أو أشخاص متعددين ،كما يستوي في ذلك أن يكون هذا الشخص طبيعيا أو
معنويا 9وتثير هذه الصورة عدة فرضيات :
أوال :فرضية المال المملوك على الشياع :
وهي الحالة التي يقع فيها االختالس من المالك على مال ال يملكه وحده وإنما يشاركه في
ملكيته شخص أو عدة أشخاص على الشياع 9فالملكية على الشياع تعني"أن يكون كل شريك
مالكا بنسبة نصيبه في كل ذرة من ذرات المال المشترك" ،لذلك فأخذ أو نزع أي جزء من
هذا المال يعتبر إعتداء على ملكية الشريك وبالتالي اختالسا ،كما لو أخذ الجاني المتهم جزءا
من مال الورثة مستندا في ذلك على كونه وريثا ايضا ،مثل هذا التصرف ال ينفي تحقق
االختالس ألن فيه اعتداء على ملكية باقي الورثة باعتبارهم شركاء في اإلرث وفي الملكية9
كما يعتبر االختالس محققا وإن استند في تصرفه على استعماله لنصيبه من اإلرث مثال ذلك
أنه في حالة الشياع ال مجال لمعرفة الجزء أو النصيب الخاص بكل شريك وإنما الملكية
للشركاء جميعا بالنسبة للشيء كامال9
ثانيا :فرضية المال المفقود أو الضائع
يمكن تعريف المال الضائع بأنه المال الذي فقد صاحبه السيطرة عليه دون نية التخلي عنه
وعن ملكيته له9وهو بهذا يختلف عن المال المباح الذي ال مالك له 9فمتى حصل الغير على
هذا المال الضائع كان لصاحبه الحق في إسترداده منه وإن كان حصوله عليه تم بطريق
شرعي من خالل شرائه من الغير بحسن نية وذلك في غضون مدة ثالث سنوات حسب
مقتضيات الفصل 549مكرر من ق ل ع 9118وعموما ،من أخذ ماال مملوكا للغير ـ وملكيته
مازالت قائمة ـ وإن كان مفقودا ،اعتبر في حكم المختلس ،ذلك أن استيالء من عثر عليه يعد
اعتداء على ملكية صاحبه ،وهو ما أشار إليه الفصل 407من القانون الجنائي الذي جاء فيه:
" من عثر مصادفة على منقول ،وتملكه بدون أن يخطر به مالكه وال الشرطة المحلية يعاقب
بالحبس من شهر إلى سنة9
ويعاقب بنفس العقوبة من تملك ،بسوء نية منقوال وصل إلى حيازته صدفة أو خطأ"9
الصورة الثالثة:
أن يكون المال غير مملوك ألحد ،مثل هذا المال متى تم اإلستيالء عليه اليعد اختالسا،
والسبب في ذلك راجع إلى كونه ماال غير مملوك ألحد ،وألن هذا الفعل ال يتضمن فكرة
اإلعتداء على ملكية الغير9ويكون المال غير مملوك ألحد إذا كان مباحا إما بحسب أصله كما
لو تعلق األمر بالثروات الطبيعية كمن اصطاد سمكا أو طائرا ،فهذ أشياء مباحة ،119بل
حصوله عليها يجعله في حكم المالك لها ،واعتداء الغير عليه بنزعها منه يجعل هذا الغير
118جاء فيه " :من ضاع له أو سرق من ه شيء كان له الحق في استرداده ،خالل ثالث سنوات من يوم الضياع أو السرقة ،ممن يكون
هذا الشيء موجودا بين يديه 9ولهذا األخير أن يرجع على من تلقى الشيء منه"9
119ويجب عدم الخلط بين األموال المباحة واألموال المملوكة للدولة ،حيث ان االستيالء على األولى يعتبر مباحا ويعطي من استولى
عليها الحق في تملكها ،بينما االستيالء على ألثانية ـ أموال الدولة ـ يعد اختالسا تتحقق به جريمة السرقة ،كمن يقتلع أشجارا من الطريق العام ،أو
يصطاد طيورا من الحدائق العمومية99
مختلسا وسارقا 9أو أن يكون مباحا متى تم التخلي عنه9
وقد يكون هذا المال متروكا ،بحيث يصبح بدون مالك وذلك متى تخلى عنه بقصد التخلي
عن ملكيته 9بتعبير آخر ،أن يستغني عنه صاحبه ويتخلى عن حيازته ،فيكون بذلك ماال ال
مالك لهومتى استولى عليه أحد من األغيار ال يعتبر مختلسا ،من ذلك المالبس المتخلى عنها
واألمتعة البالية الملقاة بالطرق العامة9