You are on page 1of 21

‫ّة لـ‪:‬‬

‫بحث في مادة اإلجراءات الجزائي‬


‫مرحلة ما قبل المحاكمة‬

‫ّب‬
‫ّا المؤد‬
‫األستاذة المشرفة‪ :‬سري‬

‫بإعداد الطّالبين‪:‬‬
‫ّار الهذلي‬
‫نص‬
‫يسر محفوظي‬
‫باعتبار أن قواعد القانون الجزائي تقوم أساسا على مبدأ الشرعيّة كمبدأ دستوري تعاقب على دساتير‬
‫نص قانوني سابق الوضع‬ ‫الجمهوريّة التونسيّة والذي يقوم على أن ال يعاقب شخص ّاال بمقتضى ّ‬
‫المجرم ويحدد جزاء لكل من يقوم به ان كان ايجابيّا او يمتنع عن القيام به ان كان سلبيّا‬ ‫ّ‬ ‫يؤ ّ‬
‫طر الفعل‬
‫هذه القواعد تسعى بصفة أولى الى حماية المجتمع وأمنه من خالل تبيان ك ّل ما له وما عليه فتقيه‬
‫من كل تجاوز وتردع كل من يخالف قواعده‪ ،‬وباعتبار أن قواعد القانون الجزائي قواعد موضوعيّة‬
‫ظم إجراءات المحاكمة‬ ‫تعتبر قواعد اإلجراءات الجزائيّة قواعد شكليّة فهي مجموعة القواعد التي تن ّ‬
‫ويكون ذلك على مراحل تبدأ منذ صدور الجريمة وينتهي دورها عند صدور حكم نهائي بات ال‬
‫يقبل الطعن ال بالطرق العاديّة او االستثنائيّة ويكون هاجسها تحقيق المساواة بين االفراد في ما‬
‫حق حقّه فوقوع الشخص في‬ ‫يخص الخطوات التي تقوم بها أجهزة تطبيق القانون وإعطاء ك ّل ذي ّ‬
‫يجرده من انسانيّته وال ينفي عنه حقوقه لذلك هذه القواعد تعتبر الميزان الذي يحمي‬ ‫دائرة االتهام ال ّ‬
‫شك يمكن‬ ‫سبا ألي ّ‬ ‫المجتمع من جهة ويحمي كرامة الشخص المظنون فيه من جهة أخرى وذلك تح ّ‬
‫ان يشوب القضايا مما يؤدي لظلم المظنون فيه‪ ،‬فيتبيّن بعد فترة من وضع الشخص في دائرة االتهام‬
‫سم اإلجراءات الجزائيّة من حيث تطبيقها زمنيّا الى مراحل‬ ‫انه بريء من الجرم المنسوب اليه‪ .‬وتق ّ‬
‫تبدأ بمرحلة ما قبل احتكاك القضاء الجالس بالقضيّة وتنتهي بعد صدور حكم بات على المتّهم‬
‫ويكون موضوع درسنا حول المرحلة ما قبل القضائية باعتبار انها من اهم المراحل التي لها دور‬
‫مهم في سير القضيّة نظرا لتشعّب هذه المرحلة وأهميتها في تبيان انتساب الجريمة للمظنون فيه من‬
‫عدمه‪ ،‬فك ّل مخرجات هذه المرحلة من نتائج لألبحاث والتحقيقات ومن فحوصات ومعاينات وغيرها‬
‫من االدلّة تعود للقضاء الجالس كمؤيّدات وقرائن تدحض قرينة البراءة التي يتمتّع بها كل شخص‬
‫ويت ّم على أساسها الحكم القضائي ومعاقبة المظنون فيه الذي أصبح متّهما ومن ث ّم أصبح مجرما‬
‫يمر بها الشخص الواقع في‬ ‫المشرع بين هذه المراحل التي ّ‬‫ّ‬ ‫بطريقة مؤ ّكدة ورغم أنّه تطبيقيّا لم يميّز‬
‫دائرة االتهام (وهذا يظهر في اعتماده لهذه المصطلحات بطريقة متشابهة في النصوص‬
‫القانونيّة)(‪ ،)1‬اال أنّه لغويّا وتطبيقيّا يجب التمييز بين هذه المصطلحات فشتّان بين من ّ‬
‫شك فيه‬
‫الرتكابه لجرم ومن ثبت عليه ارتكاب الجريمة‪ .‬كما تعتبر القواعد االجرائيّة تطبيقا لمبادئ العدالة‬
‫واالنصاف فترمي الى تطبيق القواعد التي تحقق العدالة في اطار القانون دون ان تح ّل مظلمة على‬
‫المتّهم فيتم كفال حقّه والتأ ّكد م ّما قام به وذلك تطبيقا للقاعدة األصوليّة المستمدّة من التشريع‬
‫اإلسالمي والواردة في القول النبوي "ادرؤوا الحدود بالشبهات"‪ ،‬ومفاد هذه القاعدة أن ك ّل حاكم‬
‫يمس من كرامة الذات البشريّة‪ ،‬من حريّتها‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫ي حكم من شأنه أن‬ ‫ملزم بأن يتريّث في اصدار أ ّ‬
‫حقوقها‪ ،‬أو حتى من حياتها‪ ...‬وأن يتم التّأ ّكد من الجرم المنسوب لكل شخص وقع في دائرة االتهام‬
‫وهذا ما تسعى له قواعد اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫فان أهمية الشخص ال تقل أهمية من المجتمع‪ ،‬وخاصة في تطبيق القانون الجزائي باعتبار ان كل‬
‫سا من االستقرار االجتماعي فالحاكم هنا من واجبه ان يتريّث‬ ‫اخالل من قواعده يعتبر شائكا وما ّ‬
‫وان يتأنّى لتطبيق القاعدة الموضوعيّة وذلك من خالل تطبيق القواعد االجرائيّة قبلها‪ ،‬ودائما ما‬
‫نرى أثر هذه القواعد في الجانب التطبيقي خاصة وان الجرائم ال تخلوا منها المحاكم باعتبار أن‬
‫مجرم يتسبّب في نتيجة اجراميّة ويمكن ان يكون‬ ‫ّ‬ ‫يجره الرتكاب فعل‬
‫لإلنسان جانب شرس يمكن ان ّ‬

‫مرة "استنطاق ذي الشبهة" وأخرى "استنطاق المتّهم" وكان ذلك في ذات السياق‬
‫الفصول ‪ 72‬و‪ 73‬م‪.‬إ‪.‬ج ورد فيه ّ‬
‫مطول ومع ّمق للقيام به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا الفعل ناتج عن تفكير‬
‫أ ّما تاريخيّا وكغيرها من مواد القانون في التشريع الوضعي التونسي الحديث‪ ،‬يظهر أثر التشريع‬
‫الوضعي الفرنسي في مادّة اإلجراءات الجزائيّة اذ ّأول النصوص التي تعنى باإلجراءات الجزائيّة‬
‫تعود الى فترة االستعمار الفرنسي وهو االمر العلي الصادر في ‪ 30‬ديسمبر ‪ 1921‬والذي تلى‬
‫صدور المجلّة الجنائيّة (‪ )2‬بسبع سنوات‪ ،‬وت ّم العمل بهذا األمر في الشأن االجرائي الى حين صدور‬
‫مجلّة اإلجراءات الجزائيّة بموجب القانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ ،1968‬والذي يالحظ انها ذات طابع‬
‫ساسة شهدتها البالد التونسيّة والذي يمكن‬‫تونسي مشروع ال سيما وان األمر العلي صادر في فترة ح ّ‬
‫أن ينتج عنه نقائص وكذلك صدور المجلّة يعتبر احدى أوجه استقالل التشريع الوضعي التونسي‬
‫عن المنظومة التشريعيّة الفرنسيّة حتى وان تشابها في األحكام‪ ،‬ولكن ذلك لم يمنع المجالس‬
‫التشريعيّة الالحقة من تنقيح المجلّة لكي تتماشى المنظومة التشريعيّة مع الواقع المجتمعي المعيش‬
‫ولتكريس الحقوق الدستوريّة الواردة في الدساتير التي تكتسب صفة الشرعيّة والمتماشية مع المبادئ‬
‫الدوليّة‪ .‬وفي مرحلة جمع االدلّة او المرحلة ما قبل القضائيّة نذكر أهم التنقيحات الواردة على مجلّة‬
‫اإلجراءات الجزائيّة أال وهو تنقيح سنة ‪ 1987‬بموجب القانون عدد ‪ 70‬والذي قام بتنظيم اإليقاف‬
‫طرا بمنشور صادر عن وزير الداخليّة بسنة ‪ ،1970‬وكذلك‬ ‫التحفظي والذي قبل هذا التنقيح كان مؤ ّ‬
‫تنقيح سنة ‪ 2016‬بموجب القانون عدد ‪ 05‬والذي قام بتأطير أدق إلجراء اإليقاف والذي ال يمكن أن‬
‫سفي بين يدي أعوان الضابطة‬ ‫ينكر شخص أن هذا االجراء اعتبر في مرحلة طويلة اجراء تع ّ‬
‫العدليّة وسلطتهم التقديريّة ليصبح بين يدي القضاء وليتماشى هذا االجراء مع القاعدة الدستوريّة‬
‫الواردة في الفصل ‪ 29‬من دستور سنة ‪.)3( 2014‬‬
‫كللللللل ّل هلللللللذه اللللللللتلللللللفلللللللاصللللللللللللليلللللللل تللللللل جلللللللعلللللللل ملللللللن اللللللللجلللللللديلللللللر اللللللللتسلللللللللللللاؤل‬
‫كيف يتمظهر التأطير التشريعي للمرحلة ما قبل القضائية؟‬
‫ا ل يضلللللمن فيهما‬ ‫تقسلللللم مرحلة البحث عن القرائن واالدلّة الى مرحلتين أسااااااسااااايتين ّال‬
‫ّ‬
‫الثاني‬ ‫المش ّرع حماية للمظن ن فيه ّال‬

‫‪2‬والتي أصبحت تدعى المجلّة الجزائيّة بعد تنقيح‪2005‬‬


‫‪ " 3‬ال يمكن إيقاف شخص أو االحتفاظ به إال في حالة التلبس أو بقرار قضائي‪ ،‬ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه‪ ،‬وله‬
‫أن يني ب محاميا‪ .‬وتحدد مدة اإليقاف واالحتفاظ بقانون ‪".‬‬
‫ما ق بل‬ ‫ّل‪ :‬أطوار المرح لة‬
‫الجزء األو‬
‫ّة‬
‫القضائي‬
‫يقر الفصلللللل ‪ 19‬من دسلللللتور ‪ " 2014‬األمن الوطني أمن جمهوري قواته مكلفة بحفظ األمن‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والنظام العام‪ ،‬وحماية األفراد والمؤسلللللللسللللللللات والممتلكات‪ ،‬وإنفاذ القانون‪ ،‬في كنف احترام‬
‫أن ك ّل من محافظي ّ‬
‫الشلللللللرطة‬ ‫الحريات وفي إطار الحياد التا ّم ‪ ".‬ويعتبر الفصلللللللل ‪ 13‬من م‪.‬إ‪.‬ج ّ‬
‫وضلللبّاطها ورؤسلللاء مراكزها‪ ،‬وك ّل من ضلللبّاط الحرس الوطني وضلللبّاط صلللفّه ورؤسلللاء مراكزه‪،‬‬
‫"معنيين بتلقي التقللارير واالعالمللات المتعلّقللة بتلللك الجرائم" (أي الجرائم التي أحللاطوا بهللا علمللا)‬
‫ويكون ذلك من خالل اخباره بهذه الجرائم واحالة ك ّل ما يتعلّق بها من إرشلللللادات ومحاضلللللر‪ .‬ومن‬
‫خالل هذين الفصللللللللين تتّضلللللللح مالمح الخطوة األولى التي يتم القيام بها لكي تبدأ مرحلة ما قبل‬
‫المحاكمة وهي تحرير محا ضر في الغرض ليتم إثر ذلك القيام بالبحث ا لي وهذا ه الط ر األ ل‬
‫في مرحلة ما قبل المحاكمة ّالفرع األ ل وهنا ال يمكن الحديث عن أبحاث مأموري الضلللللللابطة‬
‫العدليّة ّاال قبل قرار فتح التحقيق والذي يقوم به وجوبا قاضلللللللي التحقيق ليتم التأكد مبدئيّا من براءة‬
‫المظنون فيه من عدمها ّالفرع الثاني ‪.‬‬

‫الفرع ا ل‪ :‬مرحلة البحث األ لي‪:‬‬


‫بعد ان يتلقى أعوان الضلللللللابطة العدليّة التصلللللللريحات التي لحقهم العلم بها من اقوال وافعال قام بها‬
‫الشخص المظنون فيه واعالم وكيل الجمهوريّة بالجريمة محل النظر‪ ،‬يقوم وكيل الجمهوريّة بأمرهم‬
‫األولي‪ .‬هذه المرحلة تعتبر متشللللللعّبة لما يت ّم فيها من إجراءات تعتبر ذات وزن وقيمة‬ ‫بالقيام بالبحث ّ‬
‫ها ّمتين للوصللللول الى الحقيقة والى ضللللمان حق المظنون فيه ان كان بريئا ومعاقبته بطريقة قويمة‪،‬‬
‫سه من ضرر‪ .‬ورغم أه ّمية هذه المرحلة تطبيقيّا ّاال انه لم يرد‬ ‫قانونيّة‪ ،‬وعادلة‪ ،‬حماية للمجتمع لما م ّ‬
‫تعريف تشلللللللريعي لها فتعددت التعريفات الفقه يّة ‪ ،‬ولكن يمكن اختزال البحث االولي في انه اجراء‬
‫يتولى مأمور الضلللللللابطة العدليّة القيام به بناءا على اذن من النيابة العموميّة بهدف الحصلللللللول على‬
‫معلومات ودالئل ّأوليّة حول جريمة معيّنة(‪ .)4‬فبعد ان يصلللللللدر امر وكيل الجمهورية للقيام بالبحث‬
‫االولي يقوم أعوان الضلابطة العدليّة بالتحري على كل التفاصليل التي يمكن ان تسلاعد للوصلول الى‬ ‫ّ‬
‫الحقيقلللة‪ ،‬وال يكون ذللللك ّاال في اطلللار االلتزام بلللالقلللانون واحترام خصلللللللوصل ّ‬
‫لللللليلللات األفراد‪.‬‬
‫كما يتم اسللللتدعاء ذي الشللللبهة ألخذ أقواله وتصللللريحاته وللبحث عن مدى اتّصللللاله بالجريمة محل‬
‫النّظر ويكون االسللتدعاء حسللب الفصللل ‪ 68‬من م‪.‬إ‪.‬ج "بطريقة اداريّة أو بواسللطة العدل المنفذ وهو‬
‫يحتوي على ما يلي‬
‫‪ -‬أوال اسم ذي الشبهة ولقبه وحرفته وعنوانه‪.‬‬
‫‪-‬ثانيا مكان الحضور وتاريخ وساعته‪.‬‬

‫األولي ومقتضيات المحاكمة العادلة‪ ،‬ص‪ ،1‬مقال الكتروني على‬


‫‪ 4‬مح ّمد بوزويتة قاضي تحقيق أول بالمحكمة االبتدائيّة بصفاقس‪ ،‬البحث ّ‬
‫موقع المنهل ‪.https://platform.almanhal.com/files/2/103404‬‬
‫‪-‬ثالثا نوع التهمة‪".‬‬
‫تعتبر طريقلة االسلللللللتلدعلاء للحضلللللللور لالسلللللللتنطلاق ذات طلابع رسلللللللمي وذللك لعلدّة اعتبلارات‪.‬‬
‫منها ما هو قانوني‪ ،‬فإضلفاء الصلبغة اإلدارية أو الرسلميّة من خالل عدل التنفيذ يكون بهدف ضلمان‬
‫وصول االستدعاء لالستنطاق‪ ،‬ولكي يعلم ذو الشبهة بما نسب له من تهم‪ ،‬ومنها ما هو نفسي ليتهيّأ‬
‫لمرحلة البحث فيعلم ما له من حقوق ويدلي بأقواله وهو عالم بما له وما عليه‪.‬‬
‫من ث ّم يتم تحرير محضلللر ثان‪ ،‬يحتوي على جميع التفاصللليل التي ت ّم الوصلللول لها في هذه الخطوة‪،‬‬
‫وصلللللللل لها في البحث دون زيادة أو نقصلللللللان‪ .‬وذلك يعود‬
‫كاألدلة او االقوال او النتائج التي ت ّم الت ّ‬
‫لضلللمان الحياد والعدل ولتبيان ما نسلللب للمتهم وما لم ينسلللب‪ ،‬ومن خالل هذا المحضلللر يتم تكييف‬
‫الوقائع كما بلغت للضابطة العدليّة‪.‬‬
‫ان المشتبه فيه هو من ارتكب الجريمة‪ ،‬أي‬ ‫شك فعلي ّ‬
‫كما يمكن لوكيل الجمهوريّة في حالة وجود ّ‬
‫في الحاالت التي تقتضيها ضرورة البحث أن يأذن بإيقاف المشتبه فيه‪ .‬ويعتبر االحتفاظ أو اإليقاف‬
‫االجراء الذي يمكن بمقتضاه لمأموري الضابطة العدلية (من محافظي الشرطة و ضباطها و رؤساء‬
‫مراكزها و ض باط الحرس و ضباط صفه و رؤساء مراكزه و اعوان الضابطة العدلية من القمارق)‬
‫احتجاز ذي الشبهة لعدد من الساعات تحت أشراف ورقابة وكيل الجمهورية وبموجب‬
‫إذن مسبق منه يترك أثرا كتابي(‪.)5‬‬
‫سف عليه او‬ ‫ولئن وردت في الفصل ‪ 13‬مكرر (جديد)(‪ )6‬ضمانات لذي الشبهة لكي ال يت ّم التع ّ‬
‫حريته‪ ،‬والتي تظهر من خالل تضييق سلطات الضابطة العدليّة من حرس وشرطة‬ ‫االعتداء على ّ‬
‫في اتخاذ قرار االيقاف‪ ،‬وجعلها منحصرة في يد وكيل الجمهوريّة وبإذن منه‪ّ ،‬اال انّه ال يمكن أن‬
‫أن هذا التضييق مطلق ومحدد‪.‬‬ ‫نقر ّ‬
‫ّ‬
‫فبداية‪ ،‬مصطلح "في الحاالت التي تقتضيها ضرورة البحث" الوارد في الفصل ‪ 13‬مكرر جديد في‬
‫حد ذاته يعتبر مطلق‪ ،‬فال يمكن حصر تلك الحاالت‪.‬‬
‫أن الجرائم الواردة في المجلّة الجزائيّة وفي القوانين التي‬
‫وذلك يمكن أن يجد تبريره نظريّا في ّ‬
‫لحقتها تعتبر كثيرة‪ ،‬ال يمكن تعدادها في فصل واحد ولو باإلشارة ألرقام الفصول ليتم الفرز بين‬
‫الجرائم التي تقتضي فيها ضرورة البحث عن غيرها‪ ،‬وذكرها صلب الفصل سيؤثّر على الصياغة‬
‫الفنيّة للقاعدة القانونيّة التي يجب أن تكون واضحة ومفهومة لدى العموم وتتميّز باقتضابها ودقّتها‬
‫فيتم ضمان قرينة العلم بالقانون‪ ،‬خصوصا وان اإلحالة للجرائم تكون خارجيّة م ّما سيعرقل علم‬
‫االفراد بها‪ ،‬هذا من جانب‪.‬‬
‫االولي‬
‫ومن الجانب التطبيقي‪ ،‬الحاالت التي تقتضيها ضرورة البحث تختلف حسب التوثيق ّ‬
‫للجريمة‪ ،‬فيمكن أن تقع مجموعة من الجرائم يعاقب عليها نفس الفصل القانوني بطرق مختلفة‪ ،‬وأال‬
‫مرة أخرى يكون البحث وجوبيّا وها ّما حسب الحيثيات‪.‬‬ ‫مرة وفي ّ‬
‫يوجب البحث في ّ‬

‫‪ 5‬سعيدة القاسمي‪ ،‬الضمانات اإلجرائية في مرحلة ما قبل المحاكمة في المادة الجزائية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬علوم جنائية‪-2002 ،‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪1.‬‬
‫‪ 6‬بعد تنقيح م‪.‬إ‪.‬ج بموجب القانون عدد ‪ 05‬لسنة ‪2016‬‬
‫لكن هذا ال يمنع القول من أن الصياغة الفضفاضة لضرورة البحث ‪-‬والتي تبقى فيها السلطة‬
‫التقديريّة لوكيل الجمهوريّة حسب ما وصل له من أعوان الضابطة العدليّة‪ ،-‬تمس من حريّة الفرد‬
‫وتفضي الى تعطيل مصالحه خاصة في حال ان تبيّنت براءته‪.‬‬
‫ولكن رغم ما تشوبه عبارة ضرورة البحث من غموض يضع القانون عدد ‪ 05‬لسنة ‪ 2016‬عدّة‬
‫يخص إيقاف المشتبه‬‫ّ‬ ‫ضمانات للمتّهم‪ ،‬ولكن قد وردت عبارات الفصل ‪ 11‬من م‪.‬إ‪.‬ج واضحة فيما‬
‫ويتطرق الفصل ‪ 33‬من المجلّة الى حاالت التلبّس‬ ‫ّ‬ ‫فيه في الجنح والجنايات المتلبّس بها(‪،)7‬‬
‫فيصنّفها بين تلبّس حقيقي يقع في حالتين‬
‫" أوال إذا كانت مباشرة الفعل في الحال أو قريبة من الحال‪.‬‬
‫ثانيا إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا وراءه أو وجد هذا األخير حامال ألمتعة أو وجدت به‬
‫آثار أو عالمات تدل على احتمال إدانته‪ ،‬بشرط وقوع ذلك في زمن قريب جدا من زمن وقوع‬
‫الفعلة‪".‬‬
‫وتلبّس حكمي‪ ،‬يكون في " كل جناية أو جنحة اقترفت بمحل سكنى استنجد صاحبه بأحد مأموري‬
‫الضابطة العدل ية لمعاينتها ولو لم يحصل ارتكابها في الظروف المبينة بالفقرة السابقة‪".‬‬
‫وهنا يظهر التوسيع التشريعي لسلطات مأموري الضابطة العدليّة في أن يتّخذوا قرارات وكيل‬
‫الجمهوريّة‪ ،‬ويجد ذلك تبريراته في حماية المجتمع من الجرائم التي يمكن أن يقوم بها المتلبّس من‬
‫صي الى الحقيقة مباشرة دون أن تطول مدّة البحث والتحقيق لمكافحة‬ ‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ليتم التق ّ‬
‫الجريمة والوقاية منها في أسرع وقت ممكن‪ ،‬وذلك نظرا إلمكانية اختفاء معالم الجريمة بسبب‬
‫عوامل خارجيّة تؤثر فيها‪.‬‬
‫لهذا يت ّم توسيع سلطات مأموري الضابطة العدليّة اثناء األبحاث االوليّة‪ ،‬ليتم تعجيل اتخاذ بعض‬
‫اإلجراءات خروجا عن القواعد العامة والصارمة‪ ،‬لضمان سرعة االثبات سعيا للعمل بالقاعدة‬
‫سف في‬ ‫"الحق يعلو وال يعلى عليه"‪ ،‬ولكن هذه السرعة غالبا ما تؤدي الى حدوث التع ّ‬ ‫ّ‬ ‫األصوليّة‬
‫معاملة ذي الشبهة‪ .‬و يمكن القول هنا ان حالة التلبس التي ادت الى تداخل صالحيات كل جهاز ادت‬
‫في بعض الحاالت الى االخفاق في الوصول الى السياسة المبتغاة وهي الموازنة بين المحافظة على‬
‫حقوق المتهم وحماية المصلحة العامة عبر معاقبة مرتكبي الجريمة‪.‬‬
‫األولي‪ ،‬وهي وثيقة مه ّمة‬
‫إثر إيقاف المشتبه فيه واستنطاقه واخذ أقواله‪ ،‬يتم تحرير محضر البحث ّ‬
‫خوله من أن يتخذ القرار المناسب‪ .‬تحتوي هذه الوثيقة على مجموعة من‬ ‫لوكيل الجمهوريّة ت ّ‬
‫التنصيصات ت ّم ذكرها في الفصل ‪ 13‬مكرر جديد من م‪.‬إ‪.‬ج نذكر منها على سبيل المثال "موضوع‬
‫الجريمة الواقع ألجلها االحتفاظ‪ ،‬هويّة المحتفظ به‪ ،‬اعالم ذي الشبهة باإلجراء المتّحذ ضدّه وسببه‬
‫ومدّته وقابليّته للتّمديد ومدّة ذلك‪ "...‬ويت ّم إحالة الوثائق لوكيل الجمهوريّة عند انتهاء األبحاث ّ‬
‫األوليّة‬
‫التي قامت بها الضابطة العدليّة‪ ،‬ويهدف هذا المحضر لتمكين السلط القضائيّة بالتثبّت من األفعال‬
‫المنسوبة للمحتفظ به والتي تمثّل جرائم‪ ،‬ولبيان صنف الجريمة المنسوبة اليه مخالفة كانت ام جنحة‬
‫ام جناية‪ ،‬ولتحديد مسؤوليات من قام بالجريمة وشركائه في ذلك ان وجدوا‪ ،‬كذلك للتثبّت من الظروف‬

‫‪ 7‬الفصل ‪ 11‬م‪.‬إ‪.‬ج " مأمورو الضابطة العدلية المشار إليهم باألعداد ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬من الفصل ‪ 10‬هم مساعدون لوكيل الجمهورية‪ ،‬ولهم في‬
‫الجنايات والجنح المتلبس بها ما له من السلط وعليهم أن يعلموه حاال بما قاموا به من األعمال‪ ،‬وليس لهم فيما عدا ذلك إجراء أي عمل من‬
‫أعمال التحقيق ما لم يكونوا مأذونين بإجرائه بإذن كتابي"‪.‬‬
‫التي حدثت فيها الجريمة‪ ...‬أي ان يحتوي البحث على كل االدلّة‪ ،‬وعلى تكييف األفعال المرتكبة‪،‬‬
‫ولكن ال يجب ان يتض ّمن أي اتهام ضمانا لقرينة البراءة التي لم يت ّم دحضها رسميّا‪.‬‬
‫االولي ليت ّم االنتقال للمرحلة التالية‪.‬‬
‫عند إحالة الملفات لوكيل الجمهوريّة تنتهي مرحلة البحث ّ‬
‫حسب الفصل ‪ 19‬من م‪.‬إ‪.‬ج تو ّجه الشكايات واالعالمات من طرف مأموري الضابطة العدليّة المكلّفين‬
‫االولي الى وكيل الجمهوريّة‪ ،‬ليقوم هذا األخير بدراسة الملفّات ألخذ القرار المناسب‬‫بالقيام بالبحث ّ‬
‫في القضية‪ ،‬ويكون وكيل الجمهوريّة قاضي من الرتبة الثالثة ويمثل أساسا النيابة العموميّة عند محاكم‬
‫الدّرجة األولى‪ ،‬تتم تسمية وكيل الجمهوريّة عن طريق أمر رأسي بناء على رأي مطابق للمجلس‬
‫األعلى للقضاء ويقوم بمعيّة مساعديه بمهامه تحت اشراف الوكيل العام لدى محكمة االستئناف‬
‫والمدّعين العموميين لدى محاكم االستئناف‪ ،‬فإ ّما يقوم وكيل الجمهوريّة بالتع ّهد مباشرة اثر معاينته‬
‫للجرائم في اطار مهامه أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الشكايات والبالغات والمحاضر والبرقيات‬
‫التي يتلقاها من مراكز الشرطة أو الحرس الوطني‪.‬‬
‫اثر تلقّي وكيل الجمهوريّة المحاضر والملفات من قبل أعوان الضابطة العدليّة يقوم وكيل الجمهوريّة‬
‫بسماع المشتبه فيه واذا كان موقوفا يتم سماعه اثناء احالته وبدون تأخير فيتم إيقاف المشتبه فيه مؤقتا‬
‫سجن الموجود بالمحكمة )‪ (geôle‬الى حين ان يتم سماعه من قبل وكيل الجمهوريّة‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫اثر سماع المشتبه فيه وتحليل تصريحاته ومدى مطابقتها لما ورد في المحاضر الواردة من قبل أعوان‬
‫الضابطة العدليّة يكيّف وكيل الجمهوريّة األفعال وعلى ضوء ذلك يقر الوجهة المقبلة للقضيّة وحسب‬
‫وجدانه الخالص وسلطته التقديريّة يقضي وكيل الجمهوريّة مآل القضيّة‪ ،‬لتظهر هنا الخطوات األخيرة‬
‫فيقرر مصير القضيّة من قبل وكيل الجمهوريّة فيقوم هذا األخير‬‫لمرحلة البحث األولي ّ‬
‫ينص الفصل ‪ 335‬مكرر من م‪.‬إ‪.‬ج "يهدف الصلح بالوساطة‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬اما باقتراح الصلح على األطراف‬
‫في المادة الجزائية إلى ضمان جبر األضرار الحاصلة للمتضرر من األفعال المنسوبة إلى المشتكى‬
‫به مع إذكاء الشعور لديه بالمسؤولية والحفاظ على إدماجه في الحياة االجتماعية‪ ".‬ونستنتج أن فكرة‬
‫الصلح بالوساطة تتبلور حول استبدال العقاب الجزائي بجبر الضرر الذي تسببت فيه الجريمة‬
‫من قبل المت ّهم المذنب لضحيّة جرمه‪ .‬وال يت ّم هذا االجراء ّ‬
‫اال عند اعتراف المت ّهم بأفعاله‪،‬‬
‫ويتم إثر ذلك الصلح بوساطة وكيل الجمهوريّة ويكون من اقتراحه أو بطلب من المشتكى به‬
‫اال في حاالت‬ ‫او من المتضرر أو من محامي أحدهما‪ ،‬وال يكتسب الصلح الجزائي الشرعيّة ّ‬
‫المشر ع بحصرها في الفصل ‪ 335‬ثالثا(‪ )8‬من م‪.‬إ‪.‬ج نذكر منها حالة الفصل ‪ 218‬م‪.‬ج‬ ‫ّ‬ ‫قام‬
‫بالقو ة‬
‫ّ‬ ‫المتع ل ّق ب ممارسة العنف أو ما ورد في الفصل ‪ 255‬م‪.‬ج المتع لّق بانتزاع عقار الغير‬
‫وغيرها من الجنح والمخالفات الواردة في الفصل‪ .‬إذا وافق األطراف على الصلح يقوم وكيل‬

‫‪8‬الفصل ‪ 335‬ثالثا " لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفيــن قبل إثارة الدعوى العمومية‪ ،‬إما من تلقاء‬
‫نفسه أو بطلب من المشتكى به أو من المتضرر أو من محامي أحدهما وذلك في مــادة المخالفـــات وفــي الجنــح المنصوص عليها بالفقرة‬
‫األولى من الفصل ‪ 218‬والفصـــــول ‪ 220‬و‪ 225‬و‪ 247‬و‪ 248‬و‪ 255‬و‪ 256‬و‪ 277‬و‪ 280‬و‪ 282‬و‪ 286‬و‪ 293‬والفقــرة األولـــى مــن‬
‫الــفصــل ‪ 297‬والفصـــول ‪ 298‬و‪ 304‬و‪ 309‬من المجلة الجنائية وبالقانون عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 1962‬المؤرخ في ‪ 24‬ماي ‪ 1962‬المتعلق‬
‫بجريمة عدم إحضار المحضون‪.‬‬
‫كما يمكن لوكيل الجمهوريّة دون غيره إذا اقتضت ظروف الفعل ذلك عرض الصلح بالوساطة في الجريمة المنصوص عليها بالفصل ‪264‬‬
‫من المجلّة الجزائيّة إذا كان المشتكى به غير عائد وتبيّن له أن النزعة اإلجرامية غير متأصلة فيه بناء على بحث اجتماعي يأذن مصالح‬
‫العمل االجتماعي بإجرائه حول الحالة العائليّة المادية واألدبية للمشتكى به‪".‬‬
‫الجمهوريّة بتحرير محضر في الغرض يتلو ه على الحاضرين في الجلسة ليتم على ضوء ذلك‬
‫امضاؤه من قبل جميع الحاضرين ‪ .‬ويترت ّب على الصلح الجزائي ان وافق األطراف انتهاء‬
‫الدعوى العموميّة ويت ّم حفظ الملف‪.‬‬
‫‪-‬أو حفظ القضيّة يمكن لوكيل الجمهورية ان يقوم بحفظ القضي ّة وعلى عكس الصلح الجزائي‬
‫المشر ع الحاالت التي يمكن اني يت ّم‬‫ّ‬ ‫والذي ت ّم حصر الحاالت التي يمكن أن يقع فيها لم يحدد‬
‫فيها حفظ القضيّة ويبقى ذلك رهين سلطته التقديريّة فنذكر على سبيل المثال إن كانت األفعال‬
‫المنسوبة للمظنون فيه غير معاقب عنها قانوني ّا أو يتبيّن أنه ليس المذنب‪ ،‬فيغيب السبب الذي‬
‫ينبني عليه مالحقة المظنون فيه فيترت ّب عن قرار حفظ القضيّة‪ ،‬عدم مالحقة الشخص المشتبه‬
‫فيه قضائي ّا واذا لم يوافق المتضرر على قرار الحفظ ال تتحمل النيابة العموميّة مسؤوليّة‬
‫ص ة ( ‪. )9‬‬
‫فيخول له القانون اثارة الدعوى على مسؤولي ّته الخا ّ‬
‫ّ‬ ‫إصراره‬
‫‪-‬أو التخ لّي عن القضيّة حسب الفصل ‪ 104‬م‪.‬إ‪.‬ج يمكن لوكيل الجمهوري ّة أن يقوم بالتخلي‬
‫عن القضي ّة لـ"عدم أهليّة النظر فيها" يكون ذلك عندما يت ّضح له أ ن الملف ليس من‬
‫ص ة بالنظر لتقوم بات ّخاذ‬
‫اختصاصاته فيقرر التخلي عن القضيّة ويحيلها للنيابة العمومي ّة المخت ّ‬
‫القرار المناسب فيها ‪ ،‬ويشترط إلحالة القضيّة أ ن يكون المشتبه فيه معلوم ليس مجهول فتكون‬
‫االحالة مباشرة بعد ان ينظر وكيل الجمهوري ّة في ملف القضي ّة ويستمع لتصريحات المت ّهم‬
‫ص ة بالن ّظر‬
‫فيقوم بإحالتها للمحكمة المخت ّ‬
‫*اذا كان المتهم قد ارتكب جنحة مدّتها أقل من سنة أو جريمة الجرح أ و القتل على وجه‬
‫الخطأ يق وم بإحالة الملف لحاكم الناحية‪ ،‬وفي المخالفات كذلك‪.‬‬
‫*اذا كان المت ّهم قد ارتكب جنحة تتجاوز السنة ما عدى الجريمتين المذكورتين سابقا‬
‫فتكون من اختصاص الدائرة الجناحيّة للمحكمة االبتدائيّة‪.‬‬
‫* اذا ارتكب قاصر مخالفة او جنحة تكون من اختصاص قاضي األطفال‪.‬‬
‫‪-‬أو يأذن بتتبع المشتبه فيه فيأمر وكيل الجمهوري ّة بفتح ت حقيق لتنطلق المرحلة الثانية لفترة‬
‫قبل المحاكمة والتي لها دور هام في سير القضي ّة‪.‬‬

‫‪ 9‬الفصل ‪ 36‬م‪.‬إ‪.‬ج"حفظ القضية من طرف وكيل الجمهورية ال يمنع المتضرر من إثارة الدعوى العمومية على مسؤوليته الشخصية وفي‬
‫هذه الصورة يمكنه عن طريق القيام بالحق الشخصي إما طلب إحالة القضية على التحقيق أو القيام مباشرة لدى المحكمة‪".‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مرحلة التحقيق‪:‬‬
‫إثر اصدار وكيل الجمهوريّة قرار التّتبع‪ ،‬أو إصرار المتضرر على ان يتم تتبع المت ّهم على‬
‫صة بعد قرار وكيل الجمهوريّة بحفظ القضيّة تنطلق مرحلة التحقيق‪.‬‬ ‫مسؤوليّته الخا ّ‬
‫وهي الخطوة الثانية في مرحلة البحث عن القرائن واألدلّة التي من شأنها ادانة المتّهم أو تبرئته‪،‬‬
‫فيتع ّهد قاضي التّحقيق بالقضيّة للتم ّكن من اثبات وجود الجريمة ولتحديد مصير القضيّة الجزائيّة في‬
‫ان تتم احالتها أمام المحكمة لتتم محاكمة المتّهم‪ ،‬فيكون التحقيق اجباري في الجنايات واختياري‬
‫بالنسبة للجنح والمخالفات(‪.)10‬‬
‫الرتبة الثّانية وال ينتمي‬
‫من ناحية المبدأ‪ ،‬ال يقوم بالتحقيق االّ قاضي التحقيق وهو قاضي جالس من ّ‬
‫للنيابة العموميّة‪ ،‬يكلّف قاضي لتحقيق في هذه المرحلة بالنظر في الملف تحت رقابة دائرة االتهام‬
‫المتكونة من رئيس محكمة االستئناف ومستشارين اثنين‪.‬‬‫ّ‬
‫ويضع القانون على ذ ّمة قاضي التّحقيق عدّة وسائل تساعده في الكشف عن الحقيقة والوصول الى‬
‫المذنب‪ ،‬فيقوم حسب الفصل ‪ 14‬من مجلة اإلجراءات الجزائيّة بمعاينة الجريمة فيما عدى الجنايات‬
‫بوصفها اخطر نوع من الجرائم ال يتع ّهد قاضي التّحقيق بالنازلة اال بقرار من ممثّل النيابة العموميّة‬
‫والمتمثّل في وكيل الجمهوريّة(‪.)11‬‬
‫حسب الفصل ‪ 54‬م‪.‬إ‪.‬ج يقوم قاضي التحقيق بسماع الشهود بمعيّة كاتبه والذي يقوم بكتابة كل ما‬
‫يدلي به الشهود من اقوال وذلك بعد استدعائهم ا ّما بطريقة اداريّة او عن طريق عدل تنفيذ ويحذّرهم‬
‫تعرضهم للتبعات الجزائيّة(‪ ،)12‬وذلك للوقاية من الوقوع‬ ‫بأن شهادتهم ان كانت زورا بإمكانها أن ّ‬
‫في المظلمة ولكي يتح ّمل الشاهد مسؤوليّة ك ّل ما يدلي به من أقوال سواء كانت تساعد المتّهم‬
‫لإلفالت من العقاب أو تثبت عليه القضيّة‪ .‬وللتأ ّكد من صدق الشاهد وعزمه على القيام بشهادة الح ّق‬
‫يقوم بأداء اليمين أمام قاضي التحقيق على قول الحقيقة‪ ،‬ورغم أ ّن هذه الخطوة ال تعتبر ناجعة ألنها‬
‫ترتبط بجانب ديني عقائدي للشخص والذي يمكن أن يكون هذا األخير بعيدا عن ك ّل دين سماوي‬
‫فمن جانب ان قام بأداء اليمين لن يؤثّر ذلك في صدق قوله من غيابه ومن جهة أخرى لن يت ّم التأ ّكد‬
‫من صدق شهادته ولو اثر أدائها ألن اليمين ال تعبّر عن انتمائه العقائدي‪ ،‬لذلك من األنجع ان يوضع‬
‫نص قانوني للغرض وأن ال يت ّم اعتماد الشهادة كوسيلة اثبات حاسمة تتوقف اثرها أعمال البحث ّاال‬ ‫ّ‬
‫ان كانت هي الوسيلة الوحيدة للوصول للحقيقة‪.‬‬
‫ولضمان الحماية القانونيّة للشهود يت ّم سماعهم بعيدا عن المظنون فيه ولضمان الحياد يت ّم سماع ك ّل‬
‫شاهد على حدى وذلك للتثبّت من عدم المؤامرة على المظنون فيه أو المدّعي فيسعى قاضي التحقيق‬

‫‪ 10‬الفصل ‪ 74‬م‪.‬إ‪.‬ج " التحقيق وجوبي في مادة الجنايات‪ ،‬أما في مادة الجنح والمخالفات فهو اختياري ما لم ينص القانون على‬
‫خالف ذلك ‪".‬‬
‫‪ 11‬الفصل ‪ 28‬م‪.‬إ‪.‬ج " ع لى وكيل الجمهورية في صورة الجناية أن يعلم فورا الوكيل العام للجمهورية والمدعي العمومي المختص‬
‫وأن يطلب حاال من حاكم التحقيق الذي بمنطقته إجراء بحث قانوني ‪".‬‬

‫المقررة للجريمة التي هي‬


‫ّ‬ ‫‪ 12‬الفصل ‪ 241‬م‪.‬ج‪ ":‬يعاقب كل من تعمد إخفاء الحقيقة سواء كان ذلك في مضرة أو مصلحة المتهم بالعقوبة‬
‫موضوع القضية لكن بدون أن يكون العقاب متجاوزا للسجن مدة عشرين عاما‪.‬‬
‫ويستوجب زيادة على ذلك خطية قدرها ثالثة آالف دينار‪".‬‬
‫ألن يكون محايدا للوصول لألدلّة التي يمكنها مساعدته التخاذ قراره‪ ،‬ومن ث ّم يت ّم استدعاء المتّهم‬
‫لالستنطاق ان كان في حالة سراح وان كان موقوفا يتم جلبه الستنطاقه على أن ال يتجاوز المدّة‬
‫المحدّدة لإليقاف‪.‬‬
‫ويعتبر االستنطاق أهم اجراء يمكن ان يحدث في مرحلة التحقيق وال يمكن أن يقوم به مبدئيّا ّاال‬
‫أن المشتبه فيه في مرحلة االستنطاق يصبح رسميّا متّهما ّاال أنه اليزال متمتّعا‬ ‫حاكم التّحقيق‪ ،‬رغم ّ‬
‫بقرينة البراءة مالم يقع البت في القضيّة بحكم‪ ،‬يتيح االستنطاق لذي الشبهة فرصة إبعاد التهمة‬
‫عنه أو االعتراف بها(‪ )13‬اذ انه يقصد به مواجهة المظنون فيه بالتهمة المنسوبة إليه ومطالبته‬
‫بإبداء رأيه فيها ومناقشتها تفصيال في أدلة الدعوى إثباتا أو نفيا كمحاولة للكشف عن الحقيقة ويمثل‬
‫استنطاق ذي الشبهة في ح ّد ذاته ضمانة من ضمانات الحرية في مرحلة التحقيق باعتبار أنه ال‬
‫يمكن لحاكم التحقيق أن يصا در حق ذي الشبهة في حريته إال عبر المرور بهذه المرحلة األساسية‪،‬‬
‫حيث تعتبر من أهم أعمال التحقيق التي تخول ذي الشبهة مناقشة األدلة المتوفرة ضده وذل ك من‬
‫يقر باألفعال المنسوبة اليه بعد ان يعلمه قاضي‬ ‫خالل محاولة حاكم التحقيق بجعل المت ّهم ّ‬
‫التحقيق بها وبالنصوص ال قانونيّة المتع لّقة بها والبراهين الموجودة امامه والتي تثبت عليه‬
‫تخو ل للمتهم فرصة اثبات عكسها‪.‬‬‫التهمة لكي ّ‬
‫اثر ذلك يتم تحرير محضر ويتم امضاؤه من قبل قاضي التحقيق‪ ،‬كاتبه‪ ،‬المت ّهم‪ ،‬وأي شخص‬
‫ي طرف االمتناع عن االمضاء ويجب أن يت ّم‬ ‫كان حاضرا لحظة االستنطاق كما يحق أل ّ‬
‫تنصيص ذلك مع تبيان ال سبب الذي جعل الشخص يرفض االمضاء‪ ،‬كما يح ّق لقاضي التحقيق‬
‫كذلك بأن يقوم بمكافحات سواء بين الشهود والمت ّهم او أن يكافح ال شّهود بعضهم ببعض(‪)14‬‬
‫وذلك قصد مقارنة تصريحاتهم وأقوالهم وللوصول الى الحقيقة وفي المكافحة يتأكّد القاضي‬
‫من مدى دقّ ة الشهادات التي ت ّم تقديمها له أن يو ّج ه لهم ما شاء من األسئلة حول القضيّة‬
‫وسماع تصريحاتهم‪ ،‬كما يحق للمحامين أن يكونوا حاضرين للمكافحات ما عدى في الجرائم‬
‫االرهابيّة يمكن للقاضي أن يمنع محامي المت ّهم من الحضور وذلك نظرا لخطورة الجريمة‬
‫المنسوبة للمت ّهم‪ ،‬رغم أ ن الشهادات الحيّة يمكن أن تكون كافية ان صدرت من أشخاص‬
‫اال أنّه ذلك ال يمنع قاضي التحقيق‬ ‫صادقين قاموا بمراقبة الجريمة خطوة بخطوة اثناء حدوثها ّ‬
‫بصفته مكلف بالتحقيق في القضايا الجزائية والبحث بدون توان عن الحقيقة ومعاينة جميع‬
‫األمور التي يمكن أن تستند عليها ا لمحكمة لتأييد حكمها(‪ )15‬من أن يتو ّج ه لمكان حدوث‬
‫الجريمة لجمع كل األد لّة التي من شأ نها أن تساعده للوصول الى الحقيقة كما أنه بإمكانه أن‬
‫يستعين بخبير عدلي ليلجئ لخبرته في غير التحقيق ويكون الخبير العدلي المعي ّن متخصص‬
‫في ميدان معي ّن يقوم في القضيّة بأبحاث ومعاينات سواء كانت طبي ّة أو كيميائي ّة أو علمي ّة‪...‬‬
‫من ث ّم ة يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بإيقاف المت ّهم تحف ّظي ّا‪ ،‬ويعتبر اإليقاف التح ف ّظي‬
‫ينص الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج أنه ال يتم اتخاذه اال في‬ ‫ّ‬ ‫إجراءا استثنائي ّا حسب الفصل ‪ ،84‬كما‬

‫‪ 13‬الفصل ‪ 69‬م‪.‬إ‪.‬ج‬
‫‪ 14‬الفصل ‪ 65‬م‪.‬إ‪.‬ج " ولحاكم التحقيق عند االنتهاء من سماع الشهود أن يلقي أسئلة عليهم وأن يكافح بعضهم ببعض أو بذي‬
‫الشبهة وأن يجري بمساعدتهم سائر األعمال لكشف الحقيقة‪".‬‬
‫‪ 15‬مكلف بالتحقيق في القضايا الجزائية والبحث بدون توان عن الحقيقة ومعاينة جميع األمور التي يمكن أن تستند عليها المحكمة‬
‫لتأييد حكمها‬
‫حاالت الت ّلب ّس في الجنايات والجنح أو عند ظهور قرائن قويّة تستلزم القيام به‪ ،‬ويكون‬
‫االيقاف التحفظي من خالل سلب الحريّة للمتهم وحبسه قبل أن يحال على المحاكمة ويهدف‬
‫سر يّة الت ّحقيق كذلك‪ ،‬نظرا ألن القيام‬
‫لمنع القيام بجرائم أخرى‪ ،‬لضمان تنفيذ العقاب ولحماية ّ‬
‫به ال يكون اال ّ في الحاالت الخطيرة وعند اقتراب النيابة العموميّة للوصول الى الحقيقة‪.‬‬
‫ونظرا لخطورة هذا االجراء والستثنائي ّته حدّد الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج ال سّتة أشهر كمدّة ال يجب أن‬
‫اال في حاالت استثنائيّة تقتضيها ضرورة البحث ويت ّم الت ّمديد بمقتضى قرار‬‫يت ّم ت جاوزها ّ‬
‫مع ل ّل بعد ان يأخذ قاضي التح قيق رأي وكيل الجمهوريّة في ذلك‪.‬‬
‫على ضوء جميع المعاينات التي يقوم بها حاكم التحقيق‪ ،‬وعلى ضوء النتائج التي يقوم بها‬
‫الخبراء‪ ،‬واألبحاث التي سبق وان قامت بها النيابة العموميّة‪ ،‬وعلى ضوء شهادات الشهود‪،‬‬
‫يقر ر قاضي‬
‫األو لي والتحقيق ّ‬‫والمكافحات‪ ،‬وغيرها من الخطوات التي تتم في مرحلتي البحث ّ‬
‫التحقيق مصير القضيّة‪ ،‬فيختم الت ّحقيق‪.‬‬
‫قبل اصدار قرار ختم الت ّحقيق يلزم قاضي التحقيق بإرسال ملف القضيّة لوكيل الجمهوريّة‬
‫يخص أعمال الت ّحقيق كما يمكنه أن يطلب‬ ‫ّ‬ ‫كامال‪ ،‬ويلتزم هذا األخير أن يدلي بمالحظاته فيما‬
‫من قاضي الت ّحقيق بأن يقوم بأبحاث أخرى‪ ،‬ولكن في هذه الحالة ال يكون حاكم التحقيق ملزما‬
‫بأن يأخذ بعين االعتبار مالحظات وكيل الجمهوري ّة وعليه يمكنه ختم الت ّحقيق فتتعدّد النتائج‬
‫الممكنة في هذه المرحلة فإ ّم ا أن‬
‫‪-‬يأمر بإيقاف الت ّتب ّع وحفظ القضيّة ويكون ذلك ألن قاضي التحقيق قد تو ّ‬
‫ص ل الى أن المتهم‬
‫ليس مذنبا وتم اثبات قرينة براءته‪ ،‬أو ا ّن األفعال المنسوبة للمت ّهم ال تشكّ ل جريمة‪ ،‬أو أن ّه‬
‫يتبي ّن عن طريق أبحاث نفسيّة أن المتهم متمتع لمانع من موانع المسؤوليّة أو لسبب من‬
‫يقر ر انهاء ال دّعوى العموميّة فيصدر قاضي التحقيق قرار في االفراج‬ ‫أسباب االباحة‪ ،‬وهنا ّ‬
‫عن المتهم ان كان في حالة اإليقاف الت ّحف ّظي‪.‬‬
‫‪-‬أو يتخل ّى عن القضيّة لعدم االختصاص ويظهر عدم االختصاص لقاضي التحقيق في ا ّن‬
‫مرجع نظر القضيّة الترابي ال يدخل في اختصاصه‪ ،‬أو في حالة عدم االختصاص الحكمي أي‬
‫ص ة كالمحكمة العسكريّة ‪ ،‬في هذه الحاالت يقوم قاضي‬ ‫أن تك ون القضيّة من أنظار محكمة مخت ّ‬
‫التحقيق بأعمال التحقيق االستعجاليّة وذلك لتسهيل المأموريّة لمن سينظر في القضي ّة بعده‬
‫ص الح العام ولو كانت القضيّة ال تعود اليه بالنظر فحماية‬
‫ويرجع ذلك لهاجس حماية ال ّ‬
‫المجتمع وتطبيق القانون وردع المذنب من اختصاص ك ّل شخص يسعى لتطبيق القانون‪.‬‬
‫ص ة ويضع على ذ ّم تها‬ ‫وهنا يقوم وكيل الجمهوري ّة بتوجيه ملف القضيّة الى المحكمة المخت ّ‬
‫المشتبه فيه على الحالة التي كانت عليها‪ ،‬ونعني بذلك ان كان موقوفا تبقى بطاقة اإليداع‬
‫سارية المفعول وان كان في حالت سراح يبقى في حالته تلك الى أن يأتي ما يخالف ذلك‪.‬‬
‫‪-‬كما يمكن لقاضي الت ّحقيق أن يحيل المت ّهم على دائرة االت ّهام تكون هذه اإلحالة "إذا رأى‬
‫قاضي التحقيق أن األفعال تشكل جناية فإنه يقرر إحالة المظنون فيه على دائرة االتهام مع‬
‫بيان وقائع القضية وقائمة في المحجوز ات‪ )16(".‬على ان يبقى المت ّهم في نفس الحالة التي هو‬

‫‪ 16‬الفصل ‪( 107‬جديد) نقح بمقتضى القانون عدد ‪ 114‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 22‬نوفمبر ‪1993‬‬
‫يقر ر قاضي التحقيق باإلفراج عنه‬
‫عليها الى ان تقوم دائرة االتهام بالنظر في القضيّة ان لم ّ‬
‫مؤق ّتا‪ .‬إثر الن ّظر في الملف يمكن ل دائرة االتهام ا ّم ا أن تأذن بتتبعات جديدة ضد اشخاص لم‬
‫يخص أفعال جديدة في‬
‫ّ‬ ‫يشملهم البحث من البداية‪ ،‬كما يم كنها ان تأذن بإجراء تحقيق فيما‬
‫بملف القضيّة‪ .‬أو ان تأذن بالقيام ببحث تكميلي مقتصر على األعمال التي ت ّم‬‫ّ‬ ‫عالقة مباشرة‬
‫عليها القيام بالبحث التكميلي‪ .‬أو ان توقف الت ّتبّع وهنا ال يمكن للقائم بالحق الشخصي بأن‬
‫يطلب تعقيب القرارات الصادرة عن د ائرة االت ّهام‪.‬‬
‫ص ة وفي هذه المرحلة تنتهي مرحلة ما قبل المحاكمة‬ ‫‪-‬أو ان يحيل المت ّهم أمام المحكمة المخت ّ‬
‫ص ة بالنظر الموجودة‬
‫لكي تبدأ مرحلة المحاكمة ويتم البت في الق ضيّة من قبل الدائرة المخت ّ‬
‫ص ة‪.‬‬
‫في المحكمة المخت ّ‬
‫ومع تشعّب هذه المرحلة ودقّتها نظرا لما يمكن أن تنتج على المت ّهم من تبعات لم يقف‬
‫كر س مجموعة من‬ ‫المشر ع على تنصيص اإلجراءات والشكلي ّات التي يجب ات ّباعها بل ّ‬ ‫ّ‬
‫الضمانات التي يتمتّع بها المت ّهم بصفته الحلقة الضعيفة في القضيّة رغم تمت ّعه بقرينة البراءة‬
‫ويضع جزاء لكل اخالل بالقواعد اإلجرائية‪.‬‬
‫ّة‬
‫الجزء الثاني‪ :‬الحماية القانوني‬
‫للمتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة‪:‬‬
‫يضع الفصل ‪ 199‬م‪.‬إ‪.‬ج ا لإلخالل بالق اعد ا رائية‪ ،‬والذي يتمحور حول البطالن أساسا‬
‫نتطرق ّأوال للضمانات التي يتمتع‬
‫ّ‬ ‫الثاني ولمعرفة مدى وكيفيّة تطبيق هذا الفصل يجب ان‬ ‫ّال‬
‫بها المتهم ف ي مرحلتي البحث والتحقيق والتي تكون بمثابة الخطوط الحمراء التي يجب على السلط‬
‫األ ل‬ ‫صة في هتين المرحلتين أال تتجاوزها ّال‬
‫المخت ّ‬

‫الفرع األ ل‪ :‬الضمانات القان نية للمتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة‪:‬‬


‫ال شك ان ادانة المتهم بجريمة تعرضه ألخطر القيود على حريته الشخصية‪ ،‬وهذه االخطار ال سبيل الى‬
‫توقيها اال على ضوء ضمانات فعلية‪ .‬لكن قبل تعداد هذه الضمانات ال بد من ازاحة الغموض عن هذا‬
‫المصطلح اوال‪ .‬ان هذا مصطلح الضمانات لم يتناوله المشرع وال فقه القضاء وال الفقه لتعريفه ونظرا‬
‫ألنّه مصطلح مستمد من الواقع ليس قانوني بحت‪ ،‬فالمقصود بالضمانات اصطالحا هي حماية الشخص‬
‫من ضرر يهدده او تعويضه عن ضرر وقع عليه وهو ما يمنح للمتهم في الدعوى الجزائية على وجه‬
‫الضرورة لحسن سير القضاء ولتفادي االخطاء القضائية‪ .‬و من هنا تبرز االهمية القصوى لقانون‬
‫اإلجراءات الجزائية الذي يوفر الضمانات الضرورية عند اتهامه وكيفية معاملته في جميع مراحل‬
‫الدعوى و كيفية محاكمته محاكمة عادلة و اسناده الحق في الدفاع عن نفسه و االستعانة بمحام ولكن إذا‬
‫عدنا الى المعاجم اللغوية ألدركنا تعدد التعريفات التي وحد بينها المضمون‪ ،‬نذكر من الضّمانات‬
‫األولي والتّحقيق االبتدائي‪ ،‬تلك‬
‫المشرع حماية للمتّهم في مرحلتي البحث ّ‬ ‫ّ‬ ‫القانونيّة التي يضعها‬
‫تخص أساسا‬
‫ّ‬ ‫المذكورة صلب القانون عدد ‪ 05‬لسنة ‪ 2016‬الصادر بـ‪ 02‬فيفري ‪ 2016‬والتي‬
‫األولي‪.‬‬
‫مرحلة البحث ّ‬
‫األولي وبالتحديد اجراء اإليقاف‪ ،‬اذ كما ذكرنا سابقا يعتبر‬ ‫هذا القانون اعتنى أساسا بمرحلة البحث ّ‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫س فيه من حقوق الشّخص‪ ،‬لذلك يضع‬ ‫اإليقاف خطيرا على المتّهم وذلك لما يمكن أن ت ُ َم َّ‬
‫مجموعة من القواعد االجرائيّة التي تهدف الى حماية هذا األخير من االعتداءات الذي يمكن أن‬
‫صة في حالة التّلبّس التي يو َجب‬
‫تقوم بها أعوان الضابطة العدليّة من حرس وشرطة اثر ايقافه‪ ،‬خا ّ‬
‫أن قرينة البراءة التي يتمتّع بها ك ّل شخص‬‫فيها اإليقاف آليّا دون مشورة وكيل الجمهوريّة‪ ،‬ورغم ّ‬
‫أن ذلك ال يبرهن من أن كرامة الذات البشريّة ال تق ّل أه ّميّة عن مصلحة المجتمع‬ ‫قد ت ّم دحضها ّاال ّ‬
‫والتي يجب أن يت ّم االعتداء عليها كانتقام للشخص المجرم خصوصا في دولة القانون التي تضع‬
‫للشخص حاالت ال تقوم فيها مسؤوليّته‪ ،‬اذ أن المتلبّس في ح ّد ذاته يمكن ان يكون غير مسؤول‬
‫مبرر بسبب من أسباب االباحة‬ ‫جزائيّا لتمتّعه بموانع المسؤوليّة الجزائيّة‪ ،‬أو ان الفعل الذي قام به ّ‬
‫شرعي الذي ترتّب عنه قتل‪ ،‬وفي هذه المستندات القانونيّة يظهر تبرير وجود‬ ‫كحالة الدّفاع ال ّ‬
‫الضمانات القانونيّة التي يتمتّع بها المتّهم‪.‬‬
‫الزمني‪ ،‬اإليقاف ال يت ّم ّاال بإذن من وكيل الجمهوريّة ولو في حالة التّلبّس بجنحة أو‬
‫وحسب التّرتيب ّ‬
‫بجناية‪ ،‬وتظهر أه ّمية االذن باإليقاف في انّه صادر عن السلك القضائي الذي يتميّز بسعيه لتطبيق‬
‫القانون في إطار الحياد والذي يتّسم بالنزاهة‪ ،‬واالذن باإليقاف يجب ان يكون في ح ّد ذاته مبني على‬
‫مكونين بما‬‫سبب قانوني حقيقي ونظرا ألنه من الناحية الواقعيّة يعتبر أعوان الضابطة العدليّة غير ّ‬
‫مكون قانونيّا إلضفاء مشروعيّة لإليقاف‪،‬‬‫فيه الكفاية من الناحية القانونيّة يجب ان يتد ّخل طرف ّ‬
‫مكرر (جديد) من مجلّة‬‫إضافة لضمان اتّخاذ اجراء اإليقاف على اذن قضائي يضع الفصل ‪ّ 13‬‬
‫اإلجراءات الجزائيّة والذي ت ّم تنقيحه بموجب القانون عدد ‪ 05‬لسنة ‪ 2016‬مدّة محدّدة ال يجب أن‬
‫يت ّم تجاوزها لالحتفاظ بالمظنون فيه وهي ‪ 24‬ساعة بالنسبة للمخالفات ال يمكن تمديدها و‪ 48‬ساعة‬
‫بالنسبة للجنح وال يمكن تمديدها اال لـ‪ 24‬ساعة أخرى بإذن من وكيل الجمهوريّة‪ ،‬وبالنسبة للجنايات‬
‫‪ 48‬ساعة ال يمكن تمديدها ّاال لـ‪ 48‬ساعة أخرى ويكون التمديد مبنيّا على اذن كتابي معلّل من‬
‫شخص المظنون فيه‪ .‬على ان يت ّم عرض المحتفظ به‬ ‫وكيل الجمهوريّة وذلك لعدم تعطيل مصالح ال ّ‬
‫على وكيل الجمهوريّة في غضون المدّة المذكورة مصحوبا بملف البحث ليت ّم سماعه من قبله‪.‬‬
‫األولي‪،‬‬
‫وعلى أعوان الضابطة العدليّة أن يحترموا كيان المظنون فيه اإلنساني في مرحلة البحث ّ‬
‫المشرع العون المكلّف بالقيام بالبحث ّ‬
‫األولي بتالوة تلك‬ ‫ّ‬ ‫ورغم افتراض قرينة العلم بالقانون يجبر‬
‫الحقوق للمتّهم ليحيط بها علما ويطالب بها ولكي ال يكون مصير االجراء البطالن‪.‬‬
‫شخص أثناء مرحلة اإليقاف الحق في التسخير الطبّي ويتمحور في أن‬ ‫من الحقوق التي يتمتّع بها ال ّ‬
‫يبرر من ناحية وقائيّة‬ ‫الشّخص الموقوف يح ّق له في أن يتمتّع بزيارة طبيب أثناء إيقافه‪ ،‬وذلك ّ‬
‫سبا ألن الموقوف يمكن ان يكون حامال لمرض مزمن فيتم التّرخيص له بأن ينال عالجه‪ ،‬ومن‬ ‫تح ّ‬
‫انجر عنه ع ّدة‬
‫ّ‬ ‫ناحية عالجيّة لكي يتمتّع الموقوف بالعالج مثال في حالة إيقافه اثر تبادل عنف‬
‫جروح فيتم تضميد تلك الجروح وعالجها‪.‬‬
‫حق يتمتّع به الموقوف ليس واجبا بأن يت ّم القيام به ّاال انّه‬ ‫ومن ناحية أخرى التسخير الطبّي رغم أنّه ّ‬
‫من الناحية التطبيقيّة من المستحسن أن تت ّم المطالبة به‪ ،‬وذلك لسهولة اثبات االعتداءات الواقعة من‬
‫س َّخر بإعداد شهادة طبيّة‬ ‫األولي يقوم ال ّ‬
‫طبيب ال ُم َ‬ ‫طرف أعوان الضابطة العدليّة فقبل ان يت ّم البحث ّ‬
‫ي ثاني فتتم مقارنة‬ ‫في الغرض في حالة وقوع أي اعتداء يمكن للموقوف ان يطالب بفحص طب ّ‬
‫الشهائد الطبيّة التي ت ّم تحريرها قبل وبعد االعتداء فيحاسب األعوان المكلّفين بالبحث على‬
‫منصوص الفصل ‪ 101‬مكرر جديد على جريمة التّعذيب‪.‬‬
‫إضافة للتّسخير الطبّي يتمتّع المتّهم بحق الدّفاع في كافة مراحل المحاكمة‪ ،‬اذ في مرحلة البحث‬
‫األولي يح ّق للمتّهم أن يطالب باالتّصال بمحاميه أو بأحد أفراد عائلته (أصال كان أو فرعا أو‬ ‫ّ‬
‫ي شخص يختاره الموقوف‪ ،‬إلعالمه بمسألة إيقافه ليت ّم وضع محامي له يضمن حقوقه‬ ‫قرينا)‪ ،‬أو أ ّ‬
‫أثناء البحث علما وأنّه يتمتّع بالحق في الدّفاع فإنابة محامي تضمن له هذا الحق وهذا الحق يفضي‬
‫يحق له حسب الفصل ‪ 13‬رابعا من م‪.‬إ‪.‬ج الجلوس في‬ ‫ّ‬ ‫بدوره لوجود ح ّق آخر اذ أن المتّهم بدوره‬
‫األولي ويمكن أن تتم المقابلة‬‫حجرة لمدّة نصف ساعة على انفراد مع محاميه قبل القيام بالبحث ّ‬
‫يصرح به من أقوال بإمكانها‬ ‫ّ‬ ‫مجدّدا في حالة التّمديد‪ ،‬هذا الضّمان يجعل المتّهم عالما بما يجب أن‬
‫صة وأنّه يتمتّع بالحق في‬ ‫تبرئته وإزالة التّهمة عنه أو تخفيف األضرار التي يمكن أن تمسّه‪ ،‬خا ّ‬
‫الكذب‪ ،‬وفي حالة العسر المادي للمتّهم يمكن أن يتم تسخير محامي ليقوم بإنابته‪.‬‬
‫إضافة الى ذلك تم اقرار العديد من الضمانات في هذا الصدد من خالل تقييد االيقاف التحفظي‬
‫ويعني مصطلح االيقاف التحفظي هو اصدار امر بإلقاء القبض على المتهم ووضعه في السجن‬
‫احتياطيا الى ان يصدر حكم في التهمة او يقع االفراج عنه قبل ذلك ويحرم المضنون فيه من حريته‬
‫إثر توجيه التهمة عليه وذلك الى صدور الحكم بالبراءة او االدانة‪.‬‬
‫فاإليقاف التحفظي هو اخطر اجراءات التحقيق على االطالق لما ينطوي عليه من سلب لحرية ذي‬
‫الشبهة لفترة من الزمن قد تطول او تقصر بحسب تطور اجراءات البحث والتحري ومع ذلك فقد‬
‫اجازها المشرع ألسباب ق ّدر انها اولى بالرعاية ومنها الحرص على الحيلولة دون عرقلة المتهم‬
‫للتحقيق او تضليله للمحقق لذلك اعتبرها المشرع إجراءا استثنائيا قيده بشروط و طرق تنفيذ‪.‬‬
‫اذ تنقسم شروط اإليقاف التّحفظي الى شروط شكلية من ناحية والتي تهم السلطة الموكول لها القيام‬
‫بهذا اإلجراء وكذلك البطاقات القضائية‪ ،‬والمتمثّلة في قاضي التحقيق ودائرة االتهام والقضاء‬
‫المجلسي والنيابة العمومية ‪.‬‬
‫ففيما يتعلق بالجهة األولى اقتضى الفصل ‪ 80‬من م‪.‬إ‪.‬ج " ‪.‬لحاكم التحقيق بعد استنطاق ذي الشبهة‬
‫أن يصدر بطاقة إيداع في السجن بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وذلك إذا كانت الفعلة تستوجب‬
‫عقابا بالسجن أو عقابا أش ّد"‬
‫أما فيما يتعلق بالجهة الثانية وهي دائرة االتهام فيمكن لها إصدار بطاقة إيداع ض ّد المظنون فيه‬
‫وذلك حسب مقتضيات أحكام الفصل ‪ 117‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وهي كهيئة قضائية عندما تمارس هذا‬
‫اإلجراء فإن ذلك يمثل ضمانة هامة من الضمانات القضائية للحرية الشخصية للمظنون فيه‪.‬‬
‫و الجهة القضائية الثالثة هي النيابة العمومية فلها أن تصدر البطاقات القضائية وذلك ضمانا لنجاعة‬
‫البحث وسرعة اقتفاء أثار الجريمة حتى ال تضيع أدلتها‪.‬‬
‫ومن ناحية الجهة الرابعة وهي القضاء المجلسي الذي له إصدار البطاقات القضائية كسلطة قضائية‬
‫مستقلة عن سلطتي االدعاء والتحقيق‪.‬‬
‫و في خصوص مسالة البطاقات القضائية فان االيقاف التحفظي ال يؤذن به بصفة عشوائية بل ال بد‬
‫من وسيلة وهي بطاقة االيداع التي تتضمن االمر الصادر من المحاكم الى كبير حراس السجن‬
‫لقبول المتهم واعتقاله‪ ،‬ونجد الى جانب بطاقة اإليداع يصدر الحاكم بطاقة الجلب إذا لم يحضر‬
‫المشتبه به‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى الى شروط موضوعيّة والتي تعنى باألشخاص المعنيين باإليقاف التحفظي اذ انه‬
‫لم يرد في شأنهم تحديد في مجلة اإلجراءات الجزائية ويذهب الرأي على اعتبار أن كل شخص‬
‫حامت حوله الشبهات وتوفرت في جانبه حاالت الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬يمكن إيقافه تحفظيا ويحق‬
‫لقاضي التحقيق إصدار بطاقة إيداع كلما استوجبت الفعلة عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ‪.‬‬
‫غير أنه هناك فئات قد منحها المشرع حماية خاصة وهي األحداث ومن يتمتعون بحصانة‪ .‬فالحدث‬
‫هو القاصر الذي تجاوز عمره ‪ 13‬عاما‪ ،‬ونظرا لصغر سنّه ولعدم بلوغه سن الرشد ال يمكن‬
‫وضعه مؤقتا بمحل اإليقاف من طرف حاكم األحداث أو حاكم التحقيق أو دائرة االتهام إال إذا ظهر‬
‫من المتحتّم اللجوء لهذه الوسيلة وفقط في حاالت الجنايات(‪ ،)17‬أو ظهر أنه ال يمكن اتخاذ غيرها‬
‫ينص الفصل ‪ 94‬من م‪.‬إ‪.‬ج " ال يمكن وضع الطفل بمحل اإليقاف إال ّ إذا تبيّن أنه‬ ‫ّ‬ ‫من التدابير اذ‬
‫من الضروري اتخاذ هذا اإلجراء أو ظهر أنه ال يمكن اتخا ذ غيره من التدابير‪ ،‬وفي هذه‬
‫ص ة وعند التعذر وبصفة مؤقتة بجناح خاص باألطفال‬ ‫الصورة يودع الطفل بمؤسّ سة مخت ّ‬
‫بالسجن مع حتمية فصله ليال عن بقية الموقوفين" وذلك قصد حمايته من كل احتكاك يمكن ان‬
‫يقوم به الطفل الحدث مع بقيّة المجرمين لكي ال يتأث ّر بهم‪.‬‬
‫أما المتمتعون بحصانة فهم‪:‬‬
‫أوال الممثلون الديبلوماسيون الذين ال يمكن تتبعهم من أجل جرائم ارتكبوها في البالد التي يمثلون‬
‫بالدهم فيها‪.‬‬
‫ثانيا أعضاء مجلس النواب إذ ال يمكن إجراء تتبع أو إيقاف ضدهم طيلة نيابتهم في تهمة أو جناية‬
‫وجنحة ما لم يرفع مجلس النواب الحصان ة عنهم‪ ،‬أما في حالة التلبس فيوقف ويعلم المجلس حاال‪.‬‬
‫ث الثا للقضاة الذين يمنع تتبعهم أو سجنهم من أجل جناية أو جنحة بدون إذن من المجلس األعلى‬
‫للقضاء ولكن في حالة التلبس بجناية أو جنحة يجوز إلقاء القبض عليهم ويعلم المجلس األعلى‬
‫للقضاء فورا‬
‫أن اإللمام بضمانات الحرية في مرحلة التحقيق ال ينحصر في دراسة الضمانات الحرية‬ ‫على ّ‬
‫المستمدة من خالل تقييد اإليقاف بل تعداه إلى تحديد مدّته‪ ،‬اذ تض ّمن الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج تحديدا للمدة‬
‫تنص‬
‫ّ‬ ‫التي من الممكن أن يستمر خاللها اإليقاف فحدّد المدّة االصليّة التي ال يجب تجاوزها حيث‬
‫الفقـرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج على ان "اإليقاف التحفظي في الحاالت المنصوص عليها بالفقرة‬
‫السابقة ال يجوز أن يتجاوز الستة أشهر" وهنا المشرع قد ضبط األجل األقصى الذي ال يمكن‬
‫لسلطة اإليقاف ان تتجاوزه‪.‬‬
‫المشرع من وضع مدّة مضافة أخرى اذ يمكن‬‫ّ‬ ‫ولكن تحديد مدّة اإليقاف فيه هذه الفترة لم يمنع‬
‫لقاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وبمقتضى قرار معلّل لكي يتم تقييد سلطة قاضي‬
‫التحقيق في المساس بحرية المظنون فيه وكضمانا قانونيا يحميه طوال مدة التحقيق ال يمكن تمديد‬
‫فترة اإليقاف ّاال مرة واحدة‬
‫‪-‬فبالنسبة للجنح ال تزيد فيها مدة التّمديد عن ‪ 3‬أشهر لكي تصبح المدّة القصوى لإليقاف التحفّظي‬
‫في الجنح ‪ 9‬أشهر‪.‬‬
‫‪-‬وبالنسبة للجنايات مرتين ال تزيد مدة ك ّل واحدة على ‪ 4‬أشهر لكي تصبح أقصى مدّة ‪ 14‬شهرا‪.‬‬
‫أن المتهم في فترة اإليقاف التّحفّظي له جملة من الضمانات األخرى كضمان الحق في‬
‫على ّ‬
‫االفراج( )‪ ،‬والحق في التعويض‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫والحق في الدفاع والذي يظهر من خالل توجيه االتهام وهو إجراء يقوم به قاضي التحقيق‪ ،‬يشعر‬
‫المظنون فيه باألفعال المنسوبة إليه والنصوص القانونية المنطبقة عليها وتوجيه االتهام هو الفيصل‬
‫بين المرحلة التي يكون فيها حقوق الشخص الواقع ضده التتبع شبه غائبة والمرحلة التي تنشأ‪،‬‬

‫‪ 17‬الفصل ‪ 94‬م‪.‬إ‪.‬ج " الطفل الذي لم يتجاوز سن الخامسة عشر عاما ال يمكن إيقافه تحفظيا إذا كان مت ّهما بارتكاب مخالفة أو‬
‫جنحة"‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ينص الفصل ‪ 85‬م‪.‬إ‪.‬ج في فقرة األخيرة على أنّه "يتحتم اإلفراج بضمان أو بدونه بعد االستنطاق بخمسة أيام عن المتهم الذي له مقر‬
‫ّ‬ ‫‪18‬‬

‫معيّن بالتراب التونسي" على ان ال يكون قد حكم عليه سابقة لمدّة ال تتجاوز ثالثة اشهر في جنح ال يتجاوز عقابها العامين‪.‬‬
‫فبإتمام هذا العمل يتمكن المظنون فيه من بقية الحقوق المترتبة عليها وخاصة الح ّق في عدم اإلجابة‬
‫ّ‬
‫والحق في االستعانة بمحام ليتم تطبيق الحق في الدّفاع‪.‬‬ ‫الفورية‬
‫و ال يكون حق الدفاع مؤمنا بصورة مجدية ما لم يكن للمتهم حق االطالع على كل ما تعلق به في‬
‫االدعاء‪ .‬فال يجوز أن تجمع األدلة او تناقش بغياب المتهم‪ ،‬وانما يجب إعالمه سريعا وتفصيال‬
‫وبلغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة اليه وبأسبابها‪ ،‬لكي يتسنى له تحضير دفاعه بروية‪ .‬وبهذا‬
‫المعنى فرض الفصل ‪ 69‬من مجلة االجراءات الجزائية على قاضي التحقيق عند مثول المدعى‬
‫عليه أمامه في المرة األولى ان يحيطه علما "بالجريمة المسندة اليه فيلخص له وقائعها ويطلعه على‬
‫األدلة المتوافرة لديه وعلى الشبهات القائمة ضده لكي يتمكن من تفنيدها والدفاع عن نفسه‪ ،‬كما‬
‫فرضت على قاضي التحقيق أن يمكن محامي الدفاع من االطالع على اوراق الملف قبل ‪ 24‬ساعة‬
‫على االقل من االستنطاق‪.‬‬
‫كم يتمتع المتهم بالحق في عدم اإلجابة أو الصمت والهدف من إقرار هذا الحق هو حماية ذي‬
‫الشبهة من ك ّل اعتراف يمكن أن يصدر عنه بصفة غير مركزة تفاديا للتصريحات المضرة‬
‫بمصالحه والتي قد تحدث له المفاجأة والروعة أثناء التحقيق في األصل ويوفر التنبيه بعدم اإلجابة‬
‫الفورية للمظنون فيه خيارين اثنين‬
‫إما أن يدلي بصفة مباشرة وتلقائية وحرة بتصريحاته بعيدا عن الضغوطات الفكرية والنفسية وإما‬
‫مجرد استيضاحات حول هوية‬ ‫ّ‬ ‫أن يلتزم المظنون فيه الصمت لمدّة معينة بما يصير الحضور األول‬
‫هذا األخير‪.‬‬
‫وبالنسبة للحق في الصمت اقتضى الفصل ‪ 74‬م‪.‬إ‪.‬ج " ‪.‬أنه إذا امتنع ذي الشبهة عن الجواب أو‬
‫أظهر عيوبا تمنعه وليست فيه فإن حاكم التحقيق ينذره بأن البحث في القضية ال يتوقف عن جوابه‬
‫وينص على هذا اإلنذار بالتقرير‪".‬‬
‫ّ‬
‫ويبرر الحق في الصمت تمتيع المظنون فيه على تمتعه بقرينة البراءة والتي تفيد ان النيابة العمومية‬
‫تتحمل أصال إثبات ارتك اب ذي الشبهة للفعل اإلجرامي والبحث عن المؤيدات طالما يتمتع بقرينة‬
‫البراءة التي تغذيها قاعدة مفادها أن الشك ينتفع به المتهم‬
‫وعلى عكس الحق في الصمت يتمتع المظنون فيه بالحق في التكلم اذ يتمتّع المتّهم بالحق في اإلجابة‬
‫على أسئلة قاضي التحقيق وله أن يختار الصيغ ة المناسبة للجواب وله أن يتحكم في مضمون إجابته‬
‫كأن يقول "ال" أو "نعم"‪.‬‬
‫أن هذه الضمانات دون وضع جزاء في حال مخالفتها ال تعتبر نافعة نظرا ألن الرقابة على‬ ‫ا ّل ّ‬
‫المشرع جزاءا في حال وجود اخالل بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مخالفتها يمكن أن ال تتوفّر بطريقة دائمة لذلك وضع‬
‫ا مخالفة الق اعد ا رائية‪:‬‬ ‫الفرع الثاني‪:‬‬
‫ال يمكن أن تتحقق محاكمة عادلة بدون إجراءات جزائية صحيحة وشرعية‪ ،‬باعتبار أن اإلجراءات‬
‫الجزائية تهدف إلى حماية مصلحة الفرد والمجتمع والعمل على حسن سير العدالة فإن هذه الحماية‬
‫ال تتحقق إال بوضع جزاء على مخالفة تلك القواعد‪ .‬لهذا رتّب المشرع جزاء البطالن عن كل عمل‬
‫يكون فيه خرقا للقواعد اإلجرائية التي فرضها القانون حتى ال تبقى تلك القواعد مجرد ضمانات‬
‫نظرية‪ .‬وأقرت معظم التشريعات الحديثة البطالن كوسيلة ضرورية لتحقيق سالمة العدالة وهيبتها‬
‫في جميع مراحل الدعوى الجزائية فه و جزاء اإلخالل بالقواعد اإلجرائية وأهمية هذا الجزاء يتمثل‬
‫في ضمان حقوق المتقاضين والمشبوه فيهم حتى يضمن لهم الحق في محاكمة عادلة وتسري منذ‬
‫اللحظة األولى للبحث‪ ،‬اذ يتسلط على اإلجراء المخالف للقانون ويمنعه من ترتيب آثاره‪.‬‬
‫والبطالن عادة يكون قائما على مبدأ "ال بطالن بدون نص" وهو المبدأ المعتمد في المادة المدنيّة‬
‫والذي ت ّم تكريسه في عدّة فصول قانونيّة في المجلّة المدنيّة كالفصل ‪ 325‬م‪.‬إ‪.‬ع والفصل ‪330‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬وقد نظم المشرع التونسي البطالن في المادة الجزائيّة صلب فصل وحيد ذي صياغة ُمقتضبة‬
‫وهو الفصل ‪ 199‬م‪.‬إ‪.‬ج الذي جاء فيه أنه‪ ":‬تبطل كل األعمال واألحكام المنافية للنصوص المتعلقة‬
‫بالنظام العام أو القواعد اإلجرائية األساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية" مكرسا بذلك نظرية‬
‫البطالن الجوهري‪ ،‬اذ في هذا الصدد ظهرت عدّة نظريّات فقهيّة حول البطالن تتأرجح بين‬
‫ا لبطالن القانوني والبطالن الجوهري في حين يرى بعض الفقهاء وجوب التفريق بين البطالن‬
‫المطلق والبطالن النسبي في حين يرى فريق آخر وجوب التفريق بين المبطالت ذات الطبيعة‬
‫العامة وأخرى ذات الطبيعة الخاصة على أنّه يمكن االنتهاء إلى أربعة توجهات كبرى(‪ )19‬والذي‬
‫ان البطالن ال يمكن أن يثار‬ ‫سكين بفكرة ّ‬‫ينبني أساسا على فكرة الضّرر اذ أنصار هذا المذهب متم ّ‬
‫ّاال في حالة وجود ضرر قد ّ‬
‫مس المتّهم‪ ،‬وذلك يجد تبريراته في الصبغة الحمائيّة التي تكسبها‬
‫القواعد االجرائيّة للمتّهم اذ اعتبرت محكمة التّعقيب "إجراءات التتبع تهم النظام العام لمساسها‬
‫بمصلحة المتهم الشرعية"(‪)20‬‬
‫إن البطالن المتعلق بالبحث األولي تنقسم إلى أحكام خاصة بمحضر االحتفاظ (الفصل ‪ 13‬مكرر‬
‫م‪.‬ا‪.‬ج)‪ ،‬واألحكام العامة لبطالن أعمال باحث البداية (الفصلين ‪ 155‬و‪ 199‬م ا ج)‪.‬‬
‫بالنسبة ألحكام البطالن الخاصة بمحضر االحتفاظ قد جاء في الفقرة العاشرة من الفصل ‪ 13‬مكرر‬
‫ما يلي " تبطل ك ّل األعمال المخالفة لإلجراءات المشار إليها بهذا الفصل‪ "..‬ورغم ان هذه الفقرة‬
‫تعتبر ضمانا للمحكومين فإن تاريخ وضعها بموجب القانون عدد ‪ 5‬لسنة ‪ 2016‬المنقح لمجلة‬
‫االجراءات الجزائية يعتبر متأ ّخرا بعض الشيء نضرا لما كانت منظومة اإلجراءات الجزائيّة تنفّذ‬
‫بطريقة اعتباطيّة متوقّفة على فصل وحيد فضفاض‪ .‬وفقه القضاء أصبح يعتبر مخالفة مقتضيات هذا‬

‫‪ 19‬المبطالت اإلجرائية خمسون سنة من فقه قضاء محكمة التعقيب في المادة الجزائية‪ -‬القاضي مصطفى بن جعفر‪ ،‬رئيس دائرة بمحكمة‬
‫التعقيب‬
‫‪ .20‬تع‪.‬ج ‪ 54063‬مؤرخ في ‪ 1994/06/21‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ 1994‬ص‪. 27‬مذكور لدى مصطفى بن جعفر‪ ،‬خمسون سنة من فقه‬
‫قضاء محكمة التعقيب في المادة الجزائية‪ ،‬المبطالت اإلجرائية‪ .‬ملتقى نصف قرن من القضاء الجزائي‪.‬‬
‫الفصل موجب للبطالن وملزما للخضوع لها‪ ،‬وهو ما يستوجب بيان حاالت البطالن‪ ،‬اذ حسب‬
‫الفصل ‪ 13‬مكرر جديد فهي تتمحور حول‬
‫غياب االذن المسبق لوكيل الجمهوريّة‬
‫اذ يجبر الفصل ‪ 13‬مكرر جديد من م‪.‬إ‪.‬ج مأموري الضابطة العدلية المبينين بالعددين ‪ 3‬و‪ 4‬من‬
‫الفصل ‪ "10‬و" مأموري الضابطة العدلية من أعوان الديوانة في نطاق ما تخوله لهم مجلة الديوانة"‬
‫ان ال يقوموا بإيقاف المشتبه فيه‪" ،‬إال بعد أن يأذن لهم وكيل الجمهورية بذلك"‪.‬‬
‫تجاوز مدة االحتفاظ‪:‬‬
‫كما ذكرنا سابقا ال يجب أن تتجاوز مدّة االحتفاظ الحد األقصى الذي وضعه القانون وهو ‪ 24‬ساعة‬
‫للمخالفات و‪ 72‬ساعة بالتمديد للجنح و‪ 96‬ساعة بالتمديد للجنايات على أن يكون التّمديد بإذن كتابي‬
‫معلّل من وكيل الجمهوريّة‪.‬‬
‫غياب التنصيصات التي يجب أن يتض ّمنها المحضر‬
‫في هذا الصدد جاء في القرار التعقيبي الجزائي عدد‪ 4001‬المؤرخ في ‪ 13‬اكتوبر ‪ 2004‬ما‬
‫يلي"ان االحتفاظ بالمتهم من يوم ‪ 2004_02_24‬على الساعة الثامنة صباحا و تقديم المحضر الى‬
‫النيابة العمومية يوم ‪ 2004_02_25‬ليكون بذلك المظنون فيه قد قضى يومين بحالة ايقاف ‪ -‬رغم‬
‫التنصيص على انه بحالة احتفاظ و لم يقع تدوين ساعة االيقاف و ال اليوم فيه خرق للفصل ‪ 13‬م ا‬
‫ج مكرر الذي اوجب ان يتضمن المحضر" تاريخ بداية االحتفاظ و نهايته يوما وساعة ومع ذلك لم‬
‫تشر المحكمة الى ذلك الخلل رغم تعلقه بالنظام العام فضال عن التمسك به من طرف محاميه مما‬
‫يجعل الحكم ضعيف التعليل هاضما لحقوق الدفاع خارقا للقانون و متعين النقض" وهنا يظهر الدّور‬
‫سامية رغم‬‫الحمائي لمحكمة التّعقيب المنصف للمتّهم والساعي لضمان حقوقهم االنسانيّة الكونيّة ال ّ‬
‫غياب التنقيحات التي تعتبر حديثة‪.‬‬
‫كما أنّه أي حق يتم سلبه للمتهم أو عدم منحه له يعتب اخالال اجرائيا موجب لإلبطال وذلك نظرا‬
‫لاللتزام الذي فرضه القانون على مأموري الضابطة العدلية في ان يعلموا المتّهم بحقوقه وأن‬
‫يوفّروها له كالحق في التسخير ال ّ‬
‫طبّي‪ ،‬عدم اعالمه باإلجراء المنفّذ ضدّه‪ ،‬عدم منحه حقّه في انابه‬
‫محام‪.‬‬
‫أ ّما بالنسبة لألحكام العامة لبطالن أعمال باحث البداية فهي تنقسم إلى أحكام تتعلق بشكليات‬
‫المحاضر‪ ،‬وأحكام تهم أعمال باحث البداية‪.‬‬
‫بالنسبة لألحكام المتعلّقة بالشكليات يعتبر اعتماد محاضر البحث يعتبر خلل شكلي ووجه من اوجه‬
‫البطالن فعلى منصوص الفصل ‪ 155‬م‪.‬إ‪.‬ج على مايلي"‪:‬المحضر ال يعتمد كحجة اال اذا كان من‬
‫الوجهة الشكلية محررا طبق القانون و ضمن به محرره ما سمعه او شاهده شخصيا اثناء مباشرته‬
‫لوظيفه في مادة من اختصاصه" وذلك لما تمثّله األقوال من أهميّة فتعتبر حاسمة ومصيريّة للمتّهم‬
‫لذلك تحريرها بطريقة حرفيّة مطابقة للواقع يعتبر واجبا من واجبات باحث البداية وتعد أقوال المتهم‬
‫أو اعترافاته أو تصريحات الشهود باطلة إذا ثبت أنها صدرت نتيجة للتعذيب أو اإلكراه (فقرة ثانية‬
‫مضافة بموجب مرسوم عدد ‪ 106‬لسنة ‪ 2011‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪ 2011‬يتعلق بتنقيح وإتمام‬
‫المجلة الجزائية ومجلة اإلجراءات الجزائية)‪.‬‬
‫هذا الفصل يتضمن سببين مستقلين لعدم اعتماد المحضر من الناحية الشكلية وهما‪:‬‬
‫عدم احترام شكليات تحرير المحضر هنا ال بد من التثبت من كون المحضر تام الموجبات وال‬
‫توجد فيه تشطيبات أو إضافات ومحرر من جهة مختصة مع مراعاة األحكام الخاصة إن وجدت‬
‫مثلما هو الحال بالنسبة لمحاضر الديوانة‪.‬‬
‫ثبوت التعذيب أو اإلكراه فال يعتد بأقوال المتهم أو اعترافاته أو تصريحات الشهود لدى باحث‬
‫البداية التي ثبت وأنها قد صدرت تحت التعذيب أو اإلكراه وال يعتمد بالتالي المحضر‬
‫ينص على أنه " يعاقب بالسجن‬‫ّ‬ ‫مكرر من المجلّة الجزائيّة الذي‬
‫كحجة بموجب أحكام الفصل ‪ّ 101‬‬
‫مدة ثمانية أعوام الموظف العمومي أو شبهه الذي يخضع شخصا للتعذيب وذلك حال مباشرته‬
‫لوظيفه أو بمناسبة مباشرته له‪.‬‬
‫ويقصد بالتعذيب كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما‬
‫بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على فعل ارتكبه أو‬
‫يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو تخويفه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم أو العذاب الشديد‬
‫ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز أيّا كان نوعه‪ ".‬وهنا يتم التأ ّكد من أن مصلحة المتهم تهم‬
‫ينص الفصل ‪ 23‬من‬ ‫ّ‬ ‫النظام العام نظرا لوجود هذه القاعدة صلب القواعد الموضوعيّة‪ .‬كذلك‬
‫يقر أن "ال تسقط جريمة التعذيب بالتقادم"‪.‬‬
‫الدستور الذي ّ‬
‫فلئن أخذ التشريع التونسي بالمبطالت الجوهرية وبعض المبطالت النصية السالف اإلشارة إليها‬
‫سكا بالشكل من التشريع الفرنسي‪ ،‬وترك المجال مفتوحا للقاضي قصد‬ ‫أعاله إالّ أنّه كان أق ّل تم ّ‬
‫النص وألحد الشروط الثالثة الواردة‬
‫ّ‬ ‫ي إجراء يكون باطال بشرط أن يكون مخالفا لروح‬ ‫تقدير أ ّ‬
‫بالفصل ‪ ،)21(199‬وهنا تظهر السّلطة التقديريّة للقاضي وهذا يجد تبريره في أن القاضي مجبر‬
‫على النزاهة والتّأني في اصدار األحكام ولكن ذلك ال يمنع من أن قلّة االهتمام بالشكل تفضي لوجود‬
‫عدّة نقائص وأبرزها الالمساواة بين المتقاضين والتي تكون رهينة رأي القاضي المشرف عن‬
‫القضيّة‪.‬‬
‫وهذا ما يظهر في عدّة قرارات تعقيبيّة التي يتغيّر فيها البطالن الجوهري من حالة ألخرى ففي‬
‫قرار تم الحكم ببطالن اإلجراءات نظرا لغياب محضر الحجز(‪ )22‬وفي قرار اخر(‪ )23‬ت ّم‬
‫البطالن لعدم امضاء المظنون فيه على المحضر ولم يتم التنصيص على هذا االمتناع‪ .‬ولكن سعيا‬
‫من محكمة التعقيب لحماية المظنون فيه اعتبرت اثارة البطالن مسألة تهم النظام العام ويمكن لها ان‬
‫تثيره من تلقاء نفسها فقد ذهبت في القرار التعقيبي الجزائي عدد ‪ 26735‬الصادر بتاريخ‬
‫‪( 2016/05/20‬غير منشور) الى تقرير ما يلي " حيث خال الملف مما يفيد حصول باحث البداية‬
‫على ترخيص مسبق (طبق الفصل ‪ 23‬من القانون عدد ‪ )1992/52‬يخول لالعوان الدخول الى‬

‫‪ 21‬البطالن في البحث االبتدائي‪ ،‬قراءة في فقه قضاء محكمة التّعقيب‪ -‬أحمد داوود يعقوب محام وأستاذ جامعي‬
‫‪ 22‬قرار تعقيبي الجزائي عدد ‪ 25235‬الصادر بتاريخ ‪(2016/06/24‬غير منشور)‬
‫‪ 23‬قرار تعقيبي الجزائي عدد ‪25652‬الصادر بتاريخ ‪(2016/06/20‬غير منشور)‬
‫منزل الطاعن وتفتيشه وتبين من مستندات الحكم المعقب أن المحكمة لم تجب عن الدفع المثار لديها‬
‫والرامي إلى طلب ابطال جميع اجراءات التتبع عمال بالفصل ‪ 199‬م ا ج‪ .‬وحيث وإن اشترط‬
‫الفصل ‪ 23‬المذكور وجود ترخيص كتابي مسبق من وكيل الجمهورية لتفتيش ودخول محالت‬
‫السكنى التي قد يوجد بها مواجد مخدرة إال أنه نص أيضا على وجوب مراعاة الفصل ‪ 94‬م ا ج‬
‫المتعلقة بشروط التلبس وبالرجوع للفصل ‪ 94‬المذكور يتضح أن تفتيش محالت السكنى هو من‬
‫خصائص حاكم التحقيق دون سواه إال في حالة التلبس وفق ما نص عليه الفصل ‪ 95‬م ا ج‪ .‬وحيث‬
‫ان وضعية الحال ال تندرج في احدى صور التلبس المشار إليها بالفصل ‪ 33‬م ا ج كما نص الفصل‬
‫‪ 11‬م ا ج ان مأموري الضابطة العدلية هم مساعدون لوكيل الجمهورية ولهم في الجنات والجنح‬
‫المتلبس بها ماله من السلط وعليهم أن يعلموه حاال بما قاموا به من األعمال وليس لهم فيما عدا ذلك‬
‫إجراء أي عمل من أعمال التحقيق ما لم يكونوا مأذونين بإجرائه بإذن كتابي‪ .‬وحيث أن محالفة‬
‫القرار المطعون فيه لقواعد االجراءات االساسية ومصلحة المتهم الشرعية تخول لمحكمة التعقيب‬
‫اثارتها من تلقاء نفسها عمال بالفصل ‪ 269‬م ا ج‪ )24(".‬ويعتبر هذا القرار اثباتا ألهميّة اإلجراءات‬
‫الجزائيّة وأثرها على اصدار حكم مدروس قائم على درء الحدود بالشبهات ساع لحماية المجتمع من‬
‫ناحية والكرامة البشريّة من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪ 24‬البطالن في البحث االبتدائي‪ ،‬قراءة في فقه قضاء محكمة التّعقيب‪ -‬أحمد داوود يعقوب محام وأستاذ جامعي‬

You might also like