Professional Documents
Culture Documents
ّب
ّا المؤد
األستاذة المشرفة :سري
بإعداد الطّالبين:
ّار الهذلي
نص
يسر محفوظي
باعتبار أن قواعد القانون الجزائي تقوم أساسا على مبدأ الشرعيّة كمبدأ دستوري تعاقب على دساتير
نص قانوني سابق الوضع الجمهوريّة التونسيّة والذي يقوم على أن ال يعاقب شخص ّاال بمقتضى ّ
المجرم ويحدد جزاء لكل من يقوم به ان كان ايجابيّا او يمتنع عن القيام به ان كان سلبيّا ّ يؤ ّ
طر الفعل
هذه القواعد تسعى بصفة أولى الى حماية المجتمع وأمنه من خالل تبيان ك ّل ما له وما عليه فتقيه
من كل تجاوز وتردع كل من يخالف قواعده ،وباعتبار أن قواعد القانون الجزائي قواعد موضوعيّة
ظم إجراءات المحاكمة تعتبر قواعد اإلجراءات الجزائيّة قواعد شكليّة فهي مجموعة القواعد التي تن ّ
ويكون ذلك على مراحل تبدأ منذ صدور الجريمة وينتهي دورها عند صدور حكم نهائي بات ال
يقبل الطعن ال بالطرق العاديّة او االستثنائيّة ويكون هاجسها تحقيق المساواة بين االفراد في ما
حق حقّه فوقوع الشخص في يخص الخطوات التي تقوم بها أجهزة تطبيق القانون وإعطاء ك ّل ذي ّ
يجرده من انسانيّته وال ينفي عنه حقوقه لذلك هذه القواعد تعتبر الميزان الذي يحمي دائرة االتهام ال ّ
شك يمكن سبا ألي ّ المجتمع من جهة ويحمي كرامة الشخص المظنون فيه من جهة أخرى وذلك تح ّ
ان يشوب القضايا مما يؤدي لظلم المظنون فيه ،فيتبيّن بعد فترة من وضع الشخص في دائرة االتهام
سم اإلجراءات الجزائيّة من حيث تطبيقها زمنيّا الى مراحل انه بريء من الجرم المنسوب اليه .وتق ّ
تبدأ بمرحلة ما قبل احتكاك القضاء الجالس بالقضيّة وتنتهي بعد صدور حكم بات على المتّهم
ويكون موضوع درسنا حول المرحلة ما قبل القضائية باعتبار انها من اهم المراحل التي لها دور
مهم في سير القضيّة نظرا لتشعّب هذه المرحلة وأهميتها في تبيان انتساب الجريمة للمظنون فيه من
عدمه ،فك ّل مخرجات هذه المرحلة من نتائج لألبحاث والتحقيقات ومن فحوصات ومعاينات وغيرها
من االدلّة تعود للقضاء الجالس كمؤيّدات وقرائن تدحض قرينة البراءة التي يتمتّع بها كل شخص
ويت ّم على أساسها الحكم القضائي ومعاقبة المظنون فيه الذي أصبح متّهما ومن ث ّم أصبح مجرما
يمر بها الشخص الواقع في المشرع بين هذه المراحل التي ّّ بطريقة مؤ ّكدة ورغم أنّه تطبيقيّا لم يميّز
دائرة االتهام (وهذا يظهر في اعتماده لهذه المصطلحات بطريقة متشابهة في النصوص
القانونيّة)( ،)1اال أنّه لغويّا وتطبيقيّا يجب التمييز بين هذه المصطلحات فشتّان بين من ّ
شك فيه
الرتكابه لجرم ومن ثبت عليه ارتكاب الجريمة .كما تعتبر القواعد االجرائيّة تطبيقا لمبادئ العدالة
واالنصاف فترمي الى تطبيق القواعد التي تحقق العدالة في اطار القانون دون ان تح ّل مظلمة على
المتّهم فيتم كفال حقّه والتأ ّكد م ّما قام به وذلك تطبيقا للقاعدة األصوليّة المستمدّة من التشريع
اإلسالمي والواردة في القول النبوي "ادرؤوا الحدود بالشبهات" ،ومفاد هذه القاعدة أن ك ّل حاكم
يمس من كرامة الذات البشريّة ،من حريّتها ،من ّ ي حكم من شأنه أن ملزم بأن يتريّث في اصدار أ ّ
حقوقها ،أو حتى من حياتها ...وأن يتم التّأ ّكد من الجرم المنسوب لكل شخص وقع في دائرة االتهام
وهذا ما تسعى له قواعد اإلجراءات الجزائية.
فان أهمية الشخص ال تقل أهمية من المجتمع ،وخاصة في تطبيق القانون الجزائي باعتبار ان كل
سا من االستقرار االجتماعي فالحاكم هنا من واجبه ان يتريّث اخالل من قواعده يعتبر شائكا وما ّ
وان يتأنّى لتطبيق القاعدة الموضوعيّة وذلك من خالل تطبيق القواعد االجرائيّة قبلها ،ودائما ما
نرى أثر هذه القواعد في الجانب التطبيقي خاصة وان الجرائم ال تخلوا منها المحاكم باعتبار أن
مجرم يتسبّب في نتيجة اجراميّة ويمكن ان يكون ّ يجره الرتكاب فعل
لإلنسان جانب شرس يمكن ان ّ
مرة "استنطاق ذي الشبهة" وأخرى "استنطاق المتّهم" وكان ذلك في ذات السياق
الفصول 72و 73م.إ.ج ورد فيه ّ
مطول ومع ّمق للقيام به.
ّ هذا الفعل ناتج عن تفكير
أ ّما تاريخيّا وكغيرها من مواد القانون في التشريع الوضعي التونسي الحديث ،يظهر أثر التشريع
الوضعي الفرنسي في مادّة اإلجراءات الجزائيّة اذ ّأول النصوص التي تعنى باإلجراءات الجزائيّة
تعود الى فترة االستعمار الفرنسي وهو االمر العلي الصادر في 30ديسمبر 1921والذي تلى
صدور المجلّة الجنائيّة ( )2بسبع سنوات ،وت ّم العمل بهذا األمر في الشأن االجرائي الى حين صدور
مجلّة اإلجراءات الجزائيّة بموجب القانون عدد 23لسنة ،1968والذي يالحظ انها ذات طابع
ساسة شهدتها البالد التونسيّة والذي يمكنتونسي مشروع ال سيما وان األمر العلي صادر في فترة ح ّ
أن ينتج عنه نقائص وكذلك صدور المجلّة يعتبر احدى أوجه استقالل التشريع الوضعي التونسي
عن المنظومة التشريعيّة الفرنسيّة حتى وان تشابها في األحكام ،ولكن ذلك لم يمنع المجالس
التشريعيّة الالحقة من تنقيح المجلّة لكي تتماشى المنظومة التشريعيّة مع الواقع المجتمعي المعيش
ولتكريس الحقوق الدستوريّة الواردة في الدساتير التي تكتسب صفة الشرعيّة والمتماشية مع المبادئ
الدوليّة .وفي مرحلة جمع االدلّة او المرحلة ما قبل القضائيّة نذكر أهم التنقيحات الواردة على مجلّة
اإلجراءات الجزائيّة أال وهو تنقيح سنة 1987بموجب القانون عدد 70والذي قام بتنظيم اإليقاف
طرا بمنشور صادر عن وزير الداخليّة بسنة ،1970وكذلك التحفظي والذي قبل هذا التنقيح كان مؤ ّ
تنقيح سنة 2016بموجب القانون عدد 05والذي قام بتأطير أدق إلجراء اإليقاف والذي ال يمكن أن
سفي بين يدي أعوان الضابطة ينكر شخص أن هذا االجراء اعتبر في مرحلة طويلة اجراء تع ّ
العدليّة وسلطتهم التقديريّة ليصبح بين يدي القضاء وليتماشى هذا االجراء مع القاعدة الدستوريّة
الواردة في الفصل 29من دستور سنة .)3( 2014
كللللللل ّل هلللللللذه اللللللللتلللللللفلللللللاصللللللللللللليلللللللل تللللللل جلللللللعلللللللل ملللللللن اللللللللجلللللللديلللللللر اللللللللتسلللللللللللللاؤل
كيف يتمظهر التأطير التشريعي للمرحلة ما قبل القضائية؟
ا ل يضلللللمن فيهما تقسلللللم مرحلة البحث عن القرائن واالدلّة الى مرحلتين أسااااااسااااايتين ّال
ّ
الثاني المش ّرع حماية للمظن ن فيه ّال
5سعيدة القاسمي ،الضمانات اإلجرائية في مرحلة ما قبل المحاكمة في المادة الجزائية ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،علوم جنائية-2002 ،
،2003ص1.
6بعد تنقيح م.إ.ج بموجب القانون عدد 05لسنة 2016
لكن هذا ال يمنع القول من أن الصياغة الفضفاضة لضرورة البحث -والتي تبقى فيها السلطة
التقديريّة لوكيل الجمهوريّة حسب ما وصل له من أعوان الضابطة العدليّة ،-تمس من حريّة الفرد
وتفضي الى تعطيل مصالحه خاصة في حال ان تبيّنت براءته.
ولكن رغم ما تشوبه عبارة ضرورة البحث من غموض يضع القانون عدد 05لسنة 2016عدّة
يخص إيقاف المشتبهّ ضمانات للمتّهم ،ولكن قد وردت عبارات الفصل 11من م.إ.ج واضحة فيما
ويتطرق الفصل 33من المجلّة الى حاالت التلبّس ّ فيه في الجنح والجنايات المتلبّس بها(،)7
فيصنّفها بين تلبّس حقيقي يقع في حالتين
" أوال إذا كانت مباشرة الفعل في الحال أو قريبة من الحال.
ثانيا إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا وراءه أو وجد هذا األخير حامال ألمتعة أو وجدت به
آثار أو عالمات تدل على احتمال إدانته ،بشرط وقوع ذلك في زمن قريب جدا من زمن وقوع
الفعلة".
وتلبّس حكمي ،يكون في " كل جناية أو جنحة اقترفت بمحل سكنى استنجد صاحبه بأحد مأموري
الضابطة العدل ية لمعاينتها ولو لم يحصل ارتكابها في الظروف المبينة بالفقرة السابقة".
وهنا يظهر التوسيع التشريعي لسلطات مأموري الضابطة العدليّة في أن يتّخذوا قرارات وكيل
الجمهوريّة ،ويجد ذلك تبريراته في حماية المجتمع من الجرائم التي يمكن أن يقوم بها المتلبّس من
صي الى الحقيقة مباشرة دون أن تطول مدّة البحث والتحقيق لمكافحة جهة ،ومن جهة أخرى ليتم التق ّ
الجريمة والوقاية منها في أسرع وقت ممكن ،وذلك نظرا إلمكانية اختفاء معالم الجريمة بسبب
عوامل خارجيّة تؤثر فيها.
لهذا يت ّم توسيع سلطات مأموري الضابطة العدليّة اثناء األبحاث االوليّة ،ليتم تعجيل اتخاذ بعض
اإلجراءات خروجا عن القواعد العامة والصارمة ،لضمان سرعة االثبات سعيا للعمل بالقاعدة
سف في "الحق يعلو وال يعلى عليه" ،ولكن هذه السرعة غالبا ما تؤدي الى حدوث التع ّ ّ األصوليّة
معاملة ذي الشبهة .و يمكن القول هنا ان حالة التلبس التي ادت الى تداخل صالحيات كل جهاز ادت
في بعض الحاالت الى االخفاق في الوصول الى السياسة المبتغاة وهي الموازنة بين المحافظة على
حقوق المتهم وحماية المصلحة العامة عبر معاقبة مرتكبي الجريمة.
األولي ،وهي وثيقة مه ّمة
إثر إيقاف المشتبه فيه واستنطاقه واخذ أقواله ،يتم تحرير محضر البحث ّ
خوله من أن يتخذ القرار المناسب .تحتوي هذه الوثيقة على مجموعة من لوكيل الجمهوريّة ت ّ
التنصيصات ت ّم ذكرها في الفصل 13مكرر جديد من م.إ.ج نذكر منها على سبيل المثال "موضوع
الجريمة الواقع ألجلها االحتفاظ ،هويّة المحتفظ به ،اعالم ذي الشبهة باإلجراء المتّحذ ضدّه وسببه
ومدّته وقابليّته للتّمديد ومدّة ذلك "...ويت ّم إحالة الوثائق لوكيل الجمهوريّة عند انتهاء األبحاث ّ
األوليّة
التي قامت بها الضابطة العدليّة ،ويهدف هذا المحضر لتمكين السلط القضائيّة بالتثبّت من األفعال
المنسوبة للمحتفظ به والتي تمثّل جرائم ،ولبيان صنف الجريمة المنسوبة اليه مخالفة كانت ام جنحة
ام جناية ،ولتحديد مسؤوليات من قام بالجريمة وشركائه في ذلك ان وجدوا ،كذلك للتثبّت من الظروف
7الفصل 11م.إ.ج " مأمورو الضابطة العدلية المشار إليهم باألعداد 2و 3و 4من الفصل 10هم مساعدون لوكيل الجمهورية ،ولهم في
الجنايات والجنح المتلبس بها ما له من السلط وعليهم أن يعلموه حاال بما قاموا به من األعمال ،وليس لهم فيما عدا ذلك إجراء أي عمل من
أعمال التحقيق ما لم يكونوا مأذونين بإجرائه بإذن كتابي".
التي حدثت فيها الجريمة ...أي ان يحتوي البحث على كل االدلّة ،وعلى تكييف األفعال المرتكبة،
ولكن ال يجب ان يتض ّمن أي اتهام ضمانا لقرينة البراءة التي لم يت ّم دحضها رسميّا.
االولي ليت ّم االنتقال للمرحلة التالية.
عند إحالة الملفات لوكيل الجمهوريّة تنتهي مرحلة البحث ّ
حسب الفصل 19من م.إ.ج تو ّجه الشكايات واالعالمات من طرف مأموري الضابطة العدليّة المكلّفين
االولي الى وكيل الجمهوريّة ،ليقوم هذا األخير بدراسة الملفّات ألخذ القرار المناسببالقيام بالبحث ّ
في القضية ،ويكون وكيل الجمهوريّة قاضي من الرتبة الثالثة ويمثل أساسا النيابة العموميّة عند محاكم
الدّرجة األولى ،تتم تسمية وكيل الجمهوريّة عن طريق أمر رأسي بناء على رأي مطابق للمجلس
األعلى للقضاء ويقوم بمعيّة مساعديه بمهامه تحت اشراف الوكيل العام لدى محكمة االستئناف
والمدّعين العموميين لدى محاكم االستئناف ،فإ ّما يقوم وكيل الجمهوريّة بالتع ّهد مباشرة اثر معاينته
للجرائم في اطار مهامه أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الشكايات والبالغات والمحاضر والبرقيات
التي يتلقاها من مراكز الشرطة أو الحرس الوطني.
اثر تلقّي وكيل الجمهوريّة المحاضر والملفات من قبل أعوان الضابطة العدليّة يقوم وكيل الجمهوريّة
بسماع المشتبه فيه واذا كان موقوفا يتم سماعه اثناء احالته وبدون تأخير فيتم إيقاف المشتبه فيه مؤقتا
سجن الموجود بالمحكمة ) (geôleالى حين ان يتم سماعه من قبل وكيل الجمهوريّة. في ال ّ
اثر سماع المشتبه فيه وتحليل تصريحاته ومدى مطابقتها لما ورد في المحاضر الواردة من قبل أعوان
الضابطة العدليّة يكيّف وكيل الجمهوريّة األفعال وعلى ضوء ذلك يقر الوجهة المقبلة للقضيّة وحسب
وجدانه الخالص وسلطته التقديريّة يقضي وكيل الجمهوريّة مآل القضيّة ،لتظهر هنا الخطوات األخيرة
فيقرر مصير القضيّة من قبل وكيل الجمهوريّة فيقوم هذا األخيرلمرحلة البحث األولي ّ
ينص الفصل 335مكرر من م.إ.ج "يهدف الصلح بالوساطة ّ -اما باقتراح الصلح على األطراف
في المادة الجزائية إلى ضمان جبر األضرار الحاصلة للمتضرر من األفعال المنسوبة إلى المشتكى
به مع إذكاء الشعور لديه بالمسؤولية والحفاظ على إدماجه في الحياة االجتماعية ".ونستنتج أن فكرة
الصلح بالوساطة تتبلور حول استبدال العقاب الجزائي بجبر الضرر الذي تسببت فيه الجريمة
من قبل المت ّهم المذنب لضحيّة جرمه .وال يت ّم هذا االجراء ّ
اال عند اعتراف المت ّهم بأفعاله،
ويتم إثر ذلك الصلح بوساطة وكيل الجمهوريّة ويكون من اقتراحه أو بطلب من المشتكى به
اال في حاالت او من المتضرر أو من محامي أحدهما ،وال يكتسب الصلح الجزائي الشرعيّة ّ
المشر ع بحصرها في الفصل 335ثالثا( )8من م.إ.ج نذكر منها حالة الفصل 218م.ج ّ قام
بالقو ة
ّ المتع ل ّق ب ممارسة العنف أو ما ورد في الفصل 255م.ج المتع لّق بانتزاع عقار الغير
وغيرها من الجنح والمخالفات الواردة في الفصل .إذا وافق األطراف على الصلح يقوم وكيل
8الفصل 335ثالثا " لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفيــن قبل إثارة الدعوى العمومية ،إما من تلقاء
نفسه أو بطلب من المشتكى به أو من المتضرر أو من محامي أحدهما وذلك في مــادة المخالفـــات وفــي الجنــح المنصوص عليها بالفقرة
األولى من الفصل 218والفصـــــول 220و 225و 247و 248و 255و 256و 277و 280و 282و 286و 293والفقــرة األولـــى مــن
الــفصــل 297والفصـــول 298و 304و 309من المجلة الجنائية وبالقانون عدد 22لسنة 1962المؤرخ في 24ماي 1962المتعلق
بجريمة عدم إحضار المحضون.
كما يمكن لوكيل الجمهوريّة دون غيره إذا اقتضت ظروف الفعل ذلك عرض الصلح بالوساطة في الجريمة المنصوص عليها بالفصل 264
من المجلّة الجزائيّة إذا كان المشتكى به غير عائد وتبيّن له أن النزعة اإلجرامية غير متأصلة فيه بناء على بحث اجتماعي يأذن مصالح
العمل االجتماعي بإجرائه حول الحالة العائليّة المادية واألدبية للمشتكى به".
الجمهوريّة بتحرير محضر في الغرض يتلو ه على الحاضرين في الجلسة ليتم على ضوء ذلك
امضاؤه من قبل جميع الحاضرين .ويترت ّب على الصلح الجزائي ان وافق األطراف انتهاء
الدعوى العموميّة ويت ّم حفظ الملف.
-أو حفظ القضيّة يمكن لوكيل الجمهورية ان يقوم بحفظ القضي ّة وعلى عكس الصلح الجزائي
المشر ع الحاالت التي يمكن اني يت ّمّ والذي ت ّم حصر الحاالت التي يمكن أن يقع فيها لم يحدد
فيها حفظ القضيّة ويبقى ذلك رهين سلطته التقديريّة فنذكر على سبيل المثال إن كانت األفعال
المنسوبة للمظنون فيه غير معاقب عنها قانوني ّا أو يتبيّن أنه ليس المذنب ،فيغيب السبب الذي
ينبني عليه مالحقة المظنون فيه فيترت ّب عن قرار حفظ القضيّة ،عدم مالحقة الشخص المشتبه
فيه قضائي ّا واذا لم يوافق المتضرر على قرار الحفظ ال تتحمل النيابة العموميّة مسؤوليّة
ص ة ( . )9
فيخول له القانون اثارة الدعوى على مسؤولي ّته الخا ّ
ّ إصراره
-أو التخ لّي عن القضيّة حسب الفصل 104م.إ.ج يمكن لوكيل الجمهوري ّة أن يقوم بالتخلي
عن القضي ّة لـ"عدم أهليّة النظر فيها" يكون ذلك عندما يت ّضح له أ ن الملف ليس من
ص ة بالنظر لتقوم بات ّخاذ
اختصاصاته فيقرر التخلي عن القضيّة ويحيلها للنيابة العمومي ّة المخت ّ
القرار المناسب فيها ،ويشترط إلحالة القضيّة أ ن يكون المشتبه فيه معلوم ليس مجهول فتكون
االحالة مباشرة بعد ان ينظر وكيل الجمهوري ّة في ملف القضي ّة ويستمع لتصريحات المت ّهم
ص ة بالن ّظر
فيقوم بإحالتها للمحكمة المخت ّ
*اذا كان المتهم قد ارتكب جنحة مدّتها أقل من سنة أو جريمة الجرح أ و القتل على وجه
الخطأ يق وم بإحالة الملف لحاكم الناحية ،وفي المخالفات كذلك.
*اذا كان المت ّهم قد ارتكب جنحة تتجاوز السنة ما عدى الجريمتين المذكورتين سابقا
فتكون من اختصاص الدائرة الجناحيّة للمحكمة االبتدائيّة.
* اذا ارتكب قاصر مخالفة او جنحة تكون من اختصاص قاضي األطفال.
-أو يأذن بتتبع المشتبه فيه فيأمر وكيل الجمهوري ّة بفتح ت حقيق لتنطلق المرحلة الثانية لفترة
قبل المحاكمة والتي لها دور هام في سير القضي ّة.
9الفصل 36م.إ.ج"حفظ القضية من طرف وكيل الجمهورية ال يمنع المتضرر من إثارة الدعوى العمومية على مسؤوليته الشخصية وفي
هذه الصورة يمكنه عن طريق القيام بالحق الشخصي إما طلب إحالة القضية على التحقيق أو القيام مباشرة لدى المحكمة".
الفرع الثاني :مرحلة التحقيق:
إثر اصدار وكيل الجمهوريّة قرار التّتبع ،أو إصرار المتضرر على ان يتم تتبع المت ّهم على
صة بعد قرار وكيل الجمهوريّة بحفظ القضيّة تنطلق مرحلة التحقيق. مسؤوليّته الخا ّ
وهي الخطوة الثانية في مرحلة البحث عن القرائن واألدلّة التي من شأنها ادانة المتّهم أو تبرئته،
فيتع ّهد قاضي التّحقيق بالقضيّة للتم ّكن من اثبات وجود الجريمة ولتحديد مصير القضيّة الجزائيّة في
ان تتم احالتها أمام المحكمة لتتم محاكمة المتّهم ،فيكون التحقيق اجباري في الجنايات واختياري
بالنسبة للجنح والمخالفات(.)10
الرتبة الثّانية وال ينتمي
من ناحية المبدأ ،ال يقوم بالتحقيق االّ قاضي التحقيق وهو قاضي جالس من ّ
للنيابة العموميّة ،يكلّف قاضي لتحقيق في هذه المرحلة بالنظر في الملف تحت رقابة دائرة االتهام
المتكونة من رئيس محكمة االستئناف ومستشارين اثنين.ّ
ويضع القانون على ذ ّمة قاضي التّحقيق عدّة وسائل تساعده في الكشف عن الحقيقة والوصول الى
المذنب ،فيقوم حسب الفصل 14من مجلة اإلجراءات الجزائيّة بمعاينة الجريمة فيما عدى الجنايات
بوصفها اخطر نوع من الجرائم ال يتع ّهد قاضي التّحقيق بالنازلة اال بقرار من ممثّل النيابة العموميّة
والمتمثّل في وكيل الجمهوريّة(.)11
حسب الفصل 54م.إ.ج يقوم قاضي التحقيق بسماع الشهود بمعيّة كاتبه والذي يقوم بكتابة كل ما
يدلي به الشهود من اقوال وذلك بعد استدعائهم ا ّما بطريقة اداريّة او عن طريق عدل تنفيذ ويحذّرهم
تعرضهم للتبعات الجزائيّة( ،)12وذلك للوقاية من الوقوع بأن شهادتهم ان كانت زورا بإمكانها أن ّ
في المظلمة ولكي يتح ّمل الشاهد مسؤوليّة ك ّل ما يدلي به من أقوال سواء كانت تساعد المتّهم
لإلفالت من العقاب أو تثبت عليه القضيّة .وللتأ ّكد من صدق الشاهد وعزمه على القيام بشهادة الح ّق
يقوم بأداء اليمين أمام قاضي التحقيق على قول الحقيقة ،ورغم أ ّن هذه الخطوة ال تعتبر ناجعة ألنها
ترتبط بجانب ديني عقائدي للشخص والذي يمكن أن يكون هذا األخير بعيدا عن ك ّل دين سماوي
فمن جانب ان قام بأداء اليمين لن يؤثّر ذلك في صدق قوله من غيابه ومن جهة أخرى لن يت ّم التأ ّكد
من صدق شهادته ولو اثر أدائها ألن اليمين ال تعبّر عن انتمائه العقائدي ،لذلك من األنجع ان يوضع
نص قانوني للغرض وأن ال يت ّم اعتماد الشهادة كوسيلة اثبات حاسمة تتوقف اثرها أعمال البحث ّاال ّ
ان كانت هي الوسيلة الوحيدة للوصول للحقيقة.
ولضمان الحماية القانونيّة للشهود يت ّم سماعهم بعيدا عن المظنون فيه ولضمان الحياد يت ّم سماع ك ّل
شاهد على حدى وذلك للتثبّت من عدم المؤامرة على المظنون فيه أو المدّعي فيسعى قاضي التحقيق
10الفصل 74م.إ.ج " التحقيق وجوبي في مادة الجنايات ،أما في مادة الجنح والمخالفات فهو اختياري ما لم ينص القانون على
خالف ذلك ".
11الفصل 28م.إ.ج " ع لى وكيل الجمهورية في صورة الجناية أن يعلم فورا الوكيل العام للجمهورية والمدعي العمومي المختص
وأن يطلب حاال من حاكم التحقيق الذي بمنطقته إجراء بحث قانوني ".
13الفصل 69م.إ.ج
14الفصل 65م.إ.ج " ولحاكم التحقيق عند االنتهاء من سماع الشهود أن يلقي أسئلة عليهم وأن يكافح بعضهم ببعض أو بذي
الشبهة وأن يجري بمساعدتهم سائر األعمال لكشف الحقيقة".
15مكلف بالتحقيق في القضايا الجزائية والبحث بدون توان عن الحقيقة ومعاينة جميع األمور التي يمكن أن تستند عليها المحكمة
لتأييد حكمها
حاالت الت ّلب ّس في الجنايات والجنح أو عند ظهور قرائن قويّة تستلزم القيام به ،ويكون
االيقاف التحفظي من خالل سلب الحريّة للمتهم وحبسه قبل أن يحال على المحاكمة ويهدف
سر يّة الت ّحقيق كذلك ،نظرا ألن القيام
لمنع القيام بجرائم أخرى ،لضمان تنفيذ العقاب ولحماية ّ
به ال يكون اال ّ في الحاالت الخطيرة وعند اقتراب النيابة العموميّة للوصول الى الحقيقة.
ونظرا لخطورة هذا االجراء والستثنائي ّته حدّد الفصل 85م.إ.ج ال سّتة أشهر كمدّة ال يجب أن
اال في حاالت استثنائيّة تقتضيها ضرورة البحث ويت ّم الت ّمديد بمقتضى قراريت ّم ت جاوزها ّ
مع ل ّل بعد ان يأخذ قاضي التح قيق رأي وكيل الجمهوريّة في ذلك.
على ضوء جميع المعاينات التي يقوم بها حاكم التحقيق ،وعلى ضوء النتائج التي يقوم بها
الخبراء ،واألبحاث التي سبق وان قامت بها النيابة العموميّة ،وعلى ضوء شهادات الشهود،
يقر ر قاضي
األو لي والتحقيق ّوالمكافحات ،وغيرها من الخطوات التي تتم في مرحلتي البحث ّ
التحقيق مصير القضيّة ،فيختم الت ّحقيق.
قبل اصدار قرار ختم الت ّحقيق يلزم قاضي التحقيق بإرسال ملف القضيّة لوكيل الجمهوريّة
يخص أعمال الت ّحقيق كما يمكنه أن يطلب ّ كامال ،ويلتزم هذا األخير أن يدلي بمالحظاته فيما
من قاضي الت ّحقيق بأن يقوم بأبحاث أخرى ،ولكن في هذه الحالة ال يكون حاكم التحقيق ملزما
بأن يأخذ بعين االعتبار مالحظات وكيل الجمهوري ّة وعليه يمكنه ختم الت ّحقيق فتتعدّد النتائج
الممكنة في هذه المرحلة فإ ّم ا أن
-يأمر بإيقاف الت ّتب ّع وحفظ القضيّة ويكون ذلك ألن قاضي التحقيق قد تو ّ
ص ل الى أن المتهم
ليس مذنبا وتم اثبات قرينة براءته ،أو ا ّن األفعال المنسوبة للمت ّهم ال تشكّ ل جريمة ،أو أن ّه
يتبي ّن عن طريق أبحاث نفسيّة أن المتهم متمتع لمانع من موانع المسؤوليّة أو لسبب من
يقر ر انهاء ال دّعوى العموميّة فيصدر قاضي التحقيق قرار في االفراج أسباب االباحة ،وهنا ّ
عن المتهم ان كان في حالة اإليقاف الت ّحف ّظي.
-أو يتخل ّى عن القضيّة لعدم االختصاص ويظهر عدم االختصاص لقاضي التحقيق في ا ّن
مرجع نظر القضيّة الترابي ال يدخل في اختصاصه ،أو في حالة عدم االختصاص الحكمي أي
ص ة كالمحكمة العسكريّة ،في هذه الحاالت يقوم قاضي أن تك ون القضيّة من أنظار محكمة مخت ّ
التحقيق بأعمال التحقيق االستعجاليّة وذلك لتسهيل المأموريّة لمن سينظر في القضي ّة بعده
ص الح العام ولو كانت القضيّة ال تعود اليه بالنظر فحماية
ويرجع ذلك لهاجس حماية ال ّ
المجتمع وتطبيق القانون وردع المذنب من اختصاص ك ّل شخص يسعى لتطبيق القانون.
ص ة ويضع على ذ ّم تها وهنا يقوم وكيل الجمهوري ّة بتوجيه ملف القضيّة الى المحكمة المخت ّ
المشتبه فيه على الحالة التي كانت عليها ،ونعني بذلك ان كان موقوفا تبقى بطاقة اإليداع
سارية المفعول وان كان في حالت سراح يبقى في حالته تلك الى أن يأتي ما يخالف ذلك.
-كما يمكن لقاضي الت ّحقيق أن يحيل المت ّهم على دائرة االت ّهام تكون هذه اإلحالة "إذا رأى
قاضي التحقيق أن األفعال تشكل جناية فإنه يقرر إحالة المظنون فيه على دائرة االتهام مع
بيان وقائع القضية وقائمة في المحجوز ات )16(".على ان يبقى المت ّهم في نفس الحالة التي هو
16الفصل ( 107جديد) نقح بمقتضى القانون عدد 114لسنة 1993المؤرخ في 22نوفمبر 1993
يقر ر قاضي التحقيق باإلفراج عنه
عليها الى ان تقوم دائرة االتهام بالنظر في القضيّة ان لم ّ
مؤق ّتا .إثر الن ّظر في الملف يمكن ل دائرة االتهام ا ّم ا أن تأذن بتتبعات جديدة ضد اشخاص لم
يخص أفعال جديدة في
ّ يشملهم البحث من البداية ،كما يم كنها ان تأذن بإجراء تحقيق فيما
بملف القضيّة .أو ان تأذن بالقيام ببحث تكميلي مقتصر على األعمال التي ت ّمّ عالقة مباشرة
عليها القيام بالبحث التكميلي .أو ان توقف الت ّتبّع وهنا ال يمكن للقائم بالحق الشخصي بأن
يطلب تعقيب القرارات الصادرة عن د ائرة االت ّهام.
ص ة وفي هذه المرحلة تنتهي مرحلة ما قبل المحاكمة -أو ان يحيل المت ّهم أمام المحكمة المخت ّ
ص ة بالنظر الموجودة
لكي تبدأ مرحلة المحاكمة ويتم البت في الق ضيّة من قبل الدائرة المخت ّ
ص ة.
في المحكمة المخت ّ
ومع تشعّب هذه المرحلة ودقّتها نظرا لما يمكن أن تنتج على المت ّهم من تبعات لم يقف
كر س مجموعة من المشر ع على تنصيص اإلجراءات والشكلي ّات التي يجب ات ّباعها بل ّ ّ
الضمانات التي يتمتّع بها المت ّهم بصفته الحلقة الضعيفة في القضيّة رغم تمت ّعه بقرينة البراءة
ويضع جزاء لكل اخالل بالقواعد اإلجرائية.
ّة
الجزء الثاني :الحماية القانوني
للمتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة:
يضع الفصل 199م.إ.ج ا لإلخالل بالق اعد ا رائية ،والذي يتمحور حول البطالن أساسا
نتطرق ّأوال للضمانات التي يتمتع
ّ الثاني ولمعرفة مدى وكيفيّة تطبيق هذا الفصل يجب ان ّال
بها المتهم ف ي مرحلتي البحث والتحقيق والتي تكون بمثابة الخطوط الحمراء التي يجب على السلط
األ ل صة في هتين المرحلتين أال تتجاوزها ّال
المخت ّ
والحق في الدفاع والذي يظهر من خالل توجيه االتهام وهو إجراء يقوم به قاضي التحقيق ،يشعر
المظنون فيه باألفعال المنسوبة إليه والنصوص القانونية المنطبقة عليها وتوجيه االتهام هو الفيصل
بين المرحلة التي يكون فيها حقوق الشخص الواقع ضده التتبع شبه غائبة والمرحلة التي تنشأ،
17الفصل 94م.إ.ج " الطفل الذي لم يتجاوز سن الخامسة عشر عاما ال يمكن إيقافه تحفظيا إذا كان مت ّهما بارتكاب مخالفة أو
جنحة"
ّ ّ
ينص الفصل 85م.إ.ج في فقرة األخيرة على أنّه "يتحتم اإلفراج بضمان أو بدونه بعد االستنطاق بخمسة أيام عن المتهم الذي له مقر
ّ 18
معيّن بالتراب التونسي" على ان ال يكون قد حكم عليه سابقة لمدّة ال تتجاوز ثالثة اشهر في جنح ال يتجاوز عقابها العامين.
فبإتمام هذا العمل يتمكن المظنون فيه من بقية الحقوق المترتبة عليها وخاصة الح ّق في عدم اإلجابة
ّ
والحق في االستعانة بمحام ليتم تطبيق الحق في الدّفاع. الفورية
و ال يكون حق الدفاع مؤمنا بصورة مجدية ما لم يكن للمتهم حق االطالع على كل ما تعلق به في
االدعاء .فال يجوز أن تجمع األدلة او تناقش بغياب المتهم ،وانما يجب إعالمه سريعا وتفصيال
وبلغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة اليه وبأسبابها ،لكي يتسنى له تحضير دفاعه بروية .وبهذا
المعنى فرض الفصل 69من مجلة االجراءات الجزائية على قاضي التحقيق عند مثول المدعى
عليه أمامه في المرة األولى ان يحيطه علما "بالجريمة المسندة اليه فيلخص له وقائعها ويطلعه على
األدلة المتوافرة لديه وعلى الشبهات القائمة ضده لكي يتمكن من تفنيدها والدفاع عن نفسه ،كما
فرضت على قاضي التحقيق أن يمكن محامي الدفاع من االطالع على اوراق الملف قبل 24ساعة
على االقل من االستنطاق.
كم يتمتع المتهم بالحق في عدم اإلجابة أو الصمت والهدف من إقرار هذا الحق هو حماية ذي
الشبهة من ك ّل اعتراف يمكن أن يصدر عنه بصفة غير مركزة تفاديا للتصريحات المضرة
بمصالحه والتي قد تحدث له المفاجأة والروعة أثناء التحقيق في األصل ويوفر التنبيه بعدم اإلجابة
الفورية للمظنون فيه خيارين اثنين
إما أن يدلي بصفة مباشرة وتلقائية وحرة بتصريحاته بعيدا عن الضغوطات الفكرية والنفسية وإما
مجرد استيضاحات حول هوية ّ أن يلتزم المظنون فيه الصمت لمدّة معينة بما يصير الحضور األول
هذا األخير.
وبالنسبة للحق في الصمت اقتضى الفصل 74م.إ.ج " .أنه إذا امتنع ذي الشبهة عن الجواب أو
أظهر عيوبا تمنعه وليست فيه فإن حاكم التحقيق ينذره بأن البحث في القضية ال يتوقف عن جوابه
وينص على هذا اإلنذار بالتقرير".
ّ
ويبرر الحق في الصمت تمتيع المظنون فيه على تمتعه بقرينة البراءة والتي تفيد ان النيابة العمومية
تتحمل أصال إثبات ارتك اب ذي الشبهة للفعل اإلجرامي والبحث عن المؤيدات طالما يتمتع بقرينة
البراءة التي تغذيها قاعدة مفادها أن الشك ينتفع به المتهم
وعلى عكس الحق في الصمت يتمتع المظنون فيه بالحق في التكلم اذ يتمتّع المتّهم بالحق في اإلجابة
على أسئلة قاضي التحقيق وله أن يختار الصيغ ة المناسبة للجواب وله أن يتحكم في مضمون إجابته
كأن يقول "ال" أو "نعم".
أن هذه الضمانات دون وضع جزاء في حال مخالفتها ال تعتبر نافعة نظرا ألن الرقابة على ا ّل ّ
المشرع جزاءا في حال وجود اخالل بها.
ّ مخالفتها يمكن أن ال تتوفّر بطريقة دائمة لذلك وضع
ا مخالفة الق اعد ا رائية: الفرع الثاني:
ال يمكن أن تتحقق محاكمة عادلة بدون إجراءات جزائية صحيحة وشرعية ،باعتبار أن اإلجراءات
الجزائية تهدف إلى حماية مصلحة الفرد والمجتمع والعمل على حسن سير العدالة فإن هذه الحماية
ال تتحقق إال بوضع جزاء على مخالفة تلك القواعد .لهذا رتّب المشرع جزاء البطالن عن كل عمل
يكون فيه خرقا للقواعد اإلجرائية التي فرضها القانون حتى ال تبقى تلك القواعد مجرد ضمانات
نظرية .وأقرت معظم التشريعات الحديثة البطالن كوسيلة ضرورية لتحقيق سالمة العدالة وهيبتها
في جميع مراحل الدعوى الجزائية فه و جزاء اإلخالل بالقواعد اإلجرائية وأهمية هذا الجزاء يتمثل
في ضمان حقوق المتقاضين والمشبوه فيهم حتى يضمن لهم الحق في محاكمة عادلة وتسري منذ
اللحظة األولى للبحث ،اذ يتسلط على اإلجراء المخالف للقانون ويمنعه من ترتيب آثاره.
والبطالن عادة يكون قائما على مبدأ "ال بطالن بدون نص" وهو المبدأ المعتمد في المادة المدنيّة
والذي ت ّم تكريسه في عدّة فصول قانونيّة في المجلّة المدنيّة كالفصل 325م.إ.ع والفصل 330
م.إ.ع ،وقد نظم المشرع التونسي البطالن في المادة الجزائيّة صلب فصل وحيد ذي صياغة ُمقتضبة
وهو الفصل 199م.إ.ج الذي جاء فيه أنه ":تبطل كل األعمال واألحكام المنافية للنصوص المتعلقة
بالنظام العام أو القواعد اإلجرائية األساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية" مكرسا بذلك نظرية
البطالن الجوهري ،اذ في هذا الصدد ظهرت عدّة نظريّات فقهيّة حول البطالن تتأرجح بين
ا لبطالن القانوني والبطالن الجوهري في حين يرى بعض الفقهاء وجوب التفريق بين البطالن
المطلق والبطالن النسبي في حين يرى فريق آخر وجوب التفريق بين المبطالت ذات الطبيعة
العامة وأخرى ذات الطبيعة الخاصة على أنّه يمكن االنتهاء إلى أربعة توجهات كبرى( )19والذي
ان البطالن ال يمكن أن يثار سكين بفكرة ّينبني أساسا على فكرة الضّرر اذ أنصار هذا المذهب متم ّ
ّاال في حالة وجود ضرر قد ّ
مس المتّهم ،وذلك يجد تبريراته في الصبغة الحمائيّة التي تكسبها
القواعد االجرائيّة للمتّهم اذ اعتبرت محكمة التّعقيب "إجراءات التتبع تهم النظام العام لمساسها
بمصلحة المتهم الشرعية"()20
إن البطالن المتعلق بالبحث األولي تنقسم إلى أحكام خاصة بمحضر االحتفاظ (الفصل 13مكرر
م.ا.ج) ،واألحكام العامة لبطالن أعمال باحث البداية (الفصلين 155و 199م ا ج).
بالنسبة ألحكام البطالن الخاصة بمحضر االحتفاظ قد جاء في الفقرة العاشرة من الفصل 13مكرر
ما يلي " تبطل ك ّل األعمال المخالفة لإلجراءات المشار إليها بهذا الفصل "..ورغم ان هذه الفقرة
تعتبر ضمانا للمحكومين فإن تاريخ وضعها بموجب القانون عدد 5لسنة 2016المنقح لمجلة
االجراءات الجزائية يعتبر متأ ّخرا بعض الشيء نضرا لما كانت منظومة اإلجراءات الجزائيّة تنفّذ
بطريقة اعتباطيّة متوقّفة على فصل وحيد فضفاض .وفقه القضاء أصبح يعتبر مخالفة مقتضيات هذا
19المبطالت اإلجرائية خمسون سنة من فقه قضاء محكمة التعقيب في المادة الجزائية -القاضي مصطفى بن جعفر ،رئيس دائرة بمحكمة
التعقيب
.20تع.ج 54063مؤرخ في 1994/06/21ن.م.ت 1994ص. 27مذكور لدى مصطفى بن جعفر ،خمسون سنة من فقه
قضاء محكمة التعقيب في المادة الجزائية ،المبطالت اإلجرائية .ملتقى نصف قرن من القضاء الجزائي.
الفصل موجب للبطالن وملزما للخضوع لها ،وهو ما يستوجب بيان حاالت البطالن ،اذ حسب
الفصل 13مكرر جديد فهي تتمحور حول
غياب االذن المسبق لوكيل الجمهوريّة
اذ يجبر الفصل 13مكرر جديد من م.إ.ج مأموري الضابطة العدلية المبينين بالعددين 3و 4من
الفصل "10و" مأموري الضابطة العدلية من أعوان الديوانة في نطاق ما تخوله لهم مجلة الديوانة"
ان ال يقوموا بإيقاف المشتبه فيه" ،إال بعد أن يأذن لهم وكيل الجمهورية بذلك".
تجاوز مدة االحتفاظ:
كما ذكرنا سابقا ال يجب أن تتجاوز مدّة االحتفاظ الحد األقصى الذي وضعه القانون وهو 24ساعة
للمخالفات و 72ساعة بالتمديد للجنح و 96ساعة بالتمديد للجنايات على أن يكون التّمديد بإذن كتابي
معلّل من وكيل الجمهوريّة.
غياب التنصيصات التي يجب أن يتض ّمنها المحضر
في هذا الصدد جاء في القرار التعقيبي الجزائي عدد 4001المؤرخ في 13اكتوبر 2004ما
يلي"ان االحتفاظ بالمتهم من يوم 2004_02_24على الساعة الثامنة صباحا و تقديم المحضر الى
النيابة العمومية يوم 2004_02_25ليكون بذلك المظنون فيه قد قضى يومين بحالة ايقاف -رغم
التنصيص على انه بحالة احتفاظ و لم يقع تدوين ساعة االيقاف و ال اليوم فيه خرق للفصل 13م ا
ج مكرر الذي اوجب ان يتضمن المحضر" تاريخ بداية االحتفاظ و نهايته يوما وساعة ومع ذلك لم
تشر المحكمة الى ذلك الخلل رغم تعلقه بالنظام العام فضال عن التمسك به من طرف محاميه مما
يجعل الحكم ضعيف التعليل هاضما لحقوق الدفاع خارقا للقانون و متعين النقض" وهنا يظهر الدّور
سامية رغمالحمائي لمحكمة التّعقيب المنصف للمتّهم والساعي لضمان حقوقهم االنسانيّة الكونيّة ال ّ
غياب التنقيحات التي تعتبر حديثة.
كما أنّه أي حق يتم سلبه للمتهم أو عدم منحه له يعتب اخالال اجرائيا موجب لإلبطال وذلك نظرا
لاللتزام الذي فرضه القانون على مأموري الضابطة العدلية في ان يعلموا المتّهم بحقوقه وأن
يوفّروها له كالحق في التسخير ال ّ
طبّي ،عدم اعالمه باإلجراء المنفّذ ضدّه ،عدم منحه حقّه في انابه
محام.
أ ّما بالنسبة لألحكام العامة لبطالن أعمال باحث البداية فهي تنقسم إلى أحكام تتعلق بشكليات
المحاضر ،وأحكام تهم أعمال باحث البداية.
بالنسبة لألحكام المتعلّقة بالشكليات يعتبر اعتماد محاضر البحث يعتبر خلل شكلي ووجه من اوجه
البطالن فعلى منصوص الفصل 155م.إ.ج على مايلي":المحضر ال يعتمد كحجة اال اذا كان من
الوجهة الشكلية محررا طبق القانون و ضمن به محرره ما سمعه او شاهده شخصيا اثناء مباشرته
لوظيفه في مادة من اختصاصه" وذلك لما تمثّله األقوال من أهميّة فتعتبر حاسمة ومصيريّة للمتّهم
لذلك تحريرها بطريقة حرفيّة مطابقة للواقع يعتبر واجبا من واجبات باحث البداية وتعد أقوال المتهم
أو اعترافاته أو تصريحات الشهود باطلة إذا ثبت أنها صدرت نتيجة للتعذيب أو اإلكراه (فقرة ثانية
مضافة بموجب مرسوم عدد 106لسنة 2011بتاريخ 22أكتوبر 2011يتعلق بتنقيح وإتمام
المجلة الجزائية ومجلة اإلجراءات الجزائية).
هذا الفصل يتضمن سببين مستقلين لعدم اعتماد المحضر من الناحية الشكلية وهما:
عدم احترام شكليات تحرير المحضر هنا ال بد من التثبت من كون المحضر تام الموجبات وال
توجد فيه تشطيبات أو إضافات ومحرر من جهة مختصة مع مراعاة األحكام الخاصة إن وجدت
مثلما هو الحال بالنسبة لمحاضر الديوانة.
ثبوت التعذيب أو اإلكراه فال يعتد بأقوال المتهم أو اعترافاته أو تصريحات الشهود لدى باحث
البداية التي ثبت وأنها قد صدرت تحت التعذيب أو اإلكراه وال يعتمد بالتالي المحضر
ينص على أنه " يعاقب بالسجنّ مكرر من المجلّة الجزائيّة الذي
كحجة بموجب أحكام الفصل ّ 101
مدة ثمانية أعوام الموظف العمومي أو شبهه الذي يخضع شخصا للتعذيب وذلك حال مباشرته
لوظيفه أو بمناسبة مباشرته له.
ويقصد بالتعذيب كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما
بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على فعل ارتكبه أو
يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو تخويفه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم أو العذاب الشديد
ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز أيّا كان نوعه ".وهنا يتم التأ ّكد من أن مصلحة المتهم تهم
ينص الفصل 23من ّ النظام العام نظرا لوجود هذه القاعدة صلب القواعد الموضوعيّة .كذلك
يقر أن "ال تسقط جريمة التعذيب بالتقادم".
الدستور الذي ّ
فلئن أخذ التشريع التونسي بالمبطالت الجوهرية وبعض المبطالت النصية السالف اإلشارة إليها
سكا بالشكل من التشريع الفرنسي ،وترك المجال مفتوحا للقاضي قصد أعاله إالّ أنّه كان أق ّل تم ّ
النص وألحد الشروط الثالثة الواردة
ّ ي إجراء يكون باطال بشرط أن يكون مخالفا لروح تقدير أ ّ
بالفصل ،)21(199وهنا تظهر السّلطة التقديريّة للقاضي وهذا يجد تبريره في أن القاضي مجبر
على النزاهة والتّأني في اصدار األحكام ولكن ذلك ال يمنع من أن قلّة االهتمام بالشكل تفضي لوجود
عدّة نقائص وأبرزها الالمساواة بين المتقاضين والتي تكون رهينة رأي القاضي المشرف عن
القضيّة.
وهذا ما يظهر في عدّة قرارات تعقيبيّة التي يتغيّر فيها البطالن الجوهري من حالة ألخرى ففي
قرار تم الحكم ببطالن اإلجراءات نظرا لغياب محضر الحجز( )22وفي قرار اخر( )23ت ّم
البطالن لعدم امضاء المظنون فيه على المحضر ولم يتم التنصيص على هذا االمتناع .ولكن سعيا
من محكمة التعقيب لحماية المظنون فيه اعتبرت اثارة البطالن مسألة تهم النظام العام ويمكن لها ان
تثيره من تلقاء نفسها فقد ذهبت في القرار التعقيبي الجزائي عدد 26735الصادر بتاريخ
( 2016/05/20غير منشور) الى تقرير ما يلي " حيث خال الملف مما يفيد حصول باحث البداية
على ترخيص مسبق (طبق الفصل 23من القانون عدد )1992/52يخول لالعوان الدخول الى
21البطالن في البحث االبتدائي ،قراءة في فقه قضاء محكمة التّعقيب -أحمد داوود يعقوب محام وأستاذ جامعي
22قرار تعقيبي الجزائي عدد 25235الصادر بتاريخ (2016/06/24غير منشور)
23قرار تعقيبي الجزائي عدد 25652الصادر بتاريخ (2016/06/20غير منشور)
منزل الطاعن وتفتيشه وتبين من مستندات الحكم المعقب أن المحكمة لم تجب عن الدفع المثار لديها
والرامي إلى طلب ابطال جميع اجراءات التتبع عمال بالفصل 199م ا ج .وحيث وإن اشترط
الفصل 23المذكور وجود ترخيص كتابي مسبق من وكيل الجمهورية لتفتيش ودخول محالت
السكنى التي قد يوجد بها مواجد مخدرة إال أنه نص أيضا على وجوب مراعاة الفصل 94م ا ج
المتعلقة بشروط التلبس وبالرجوع للفصل 94المذكور يتضح أن تفتيش محالت السكنى هو من
خصائص حاكم التحقيق دون سواه إال في حالة التلبس وفق ما نص عليه الفصل 95م ا ج .وحيث
ان وضعية الحال ال تندرج في احدى صور التلبس المشار إليها بالفصل 33م ا ج كما نص الفصل
11م ا ج ان مأموري الضابطة العدلية هم مساعدون لوكيل الجمهورية ولهم في الجنات والجنح
المتلبس بها ماله من السلط وعليهم أن يعلموه حاال بما قاموا به من األعمال وليس لهم فيما عدا ذلك
إجراء أي عمل من أعمال التحقيق ما لم يكونوا مأذونين بإجرائه بإذن كتابي .وحيث أن محالفة
القرار المطعون فيه لقواعد االجراءات االساسية ومصلحة المتهم الشرعية تخول لمحكمة التعقيب
اثارتها من تلقاء نفسها عمال بالفصل 269م ا ج )24(".ويعتبر هذا القرار اثباتا ألهميّة اإلجراءات
الجزائيّة وأثرها على اصدار حكم مدروس قائم على درء الحدود بالشبهات ساع لحماية المجتمع من
ناحية والكرامة البشريّة من ناحية أخرى.
24البطالن في البحث االبتدائي ،قراءة في فقه قضاء محكمة التّعقيب -أحمد داوود يعقوب محام وأستاذ جامعي