Professional Documents
Culture Documents
1
لئن كان الشعور بالرغبة في العدل واإلحساس به ق ائم في النفس البش رية من ذ أق دم عص ور الت اريخ ،فإنن ا
اليوم في أمس الحاج ة إلي ه ألن النفس البش رية حباه ا هللا بحاس ة العدال ة ال تطمئن وال تقتن ع إال بم ا ه و
عادل.
و هو ما ينطب ق على األحك ام ال تي هي من ص نع البش ر أي ًا ك ان نوعه ا أو موض وعها فيس توي أن تك ون
المنازعة مدنية أو جزائية وحتى يكون الحكم صحيحًا عادًال وبعيدًا عن دائ رة الخط أ الب د للقاض ي من بي ان
األسباب الكافية والسائغة التي تبرر صدور حكمه في الواقع والقانون على النحو الذي صدر علي ه وإال ك ان
الحكم معيبًا ،فااللتزام بالتسبيب و التعليل ُيعد أحد الركائز األساسية التي تحكم العملية القضائية التي تأخذ بها
ة. ول إلى العدال بيل الوص ة في س ة المتقدم ة القانوني ة األنظم كاف
بإعتبار أن الحق في محاكمة عادلة هو من الحقوق األساسية للفرد.حتى أن المجتمع الدولي وضع مجموع ة
متنوعة من األسس والمبادئ لضمان هذا الحق وهي تهدف إلى حماية حق وق األش خاص من ذ لحظ ة القبض
عليهم وأثناء تقديمهم للمحاكمة وحتى محاكمتهم ،و أكد على واجب إحترامها ،ألن ع دم إحترامه ا ي ؤدي بن ا
إلى إنتهاكها بالكامل ،وخاصة حق الفرد في محاكمة عادلة .
وعلى الرغم من أن معاهدات حقوق اإلنسان األربع ال تشير صراحة إلى الحق في حكم مسبب أو معل ل ،إَّال
أن هذا الحق ُمتأصل في األحكام المتعلقة ” بالمحاكمة العادلة” ،حيث أن المادة ( )22/2من النظام األساس ي
للمحكمة الجنائية الدولي ة الخاص ة بروان دا والم ادة ( )23/2من النظ ام األساس ي للمحكم ة الجنائي ة الدولي ة
الخاصة بيوغسالفيا السابقة تنصان كلتاهما على أن األحكام الصادرة عن هاتين المحكمتين ” يجب أن تك ون
مرفوقة ب رأي خطي مس بب يمكن أن ي ذيل ب آراء منفص لة أو مخالف ة ” .وتفي د الم ادة ( )74/5من النظ ام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن الق رارات الص ادرة عن غرف ة المحاكم ة ” يجب أن تك ون خطي ة وأن
تتضمن بيانًا كامًال ومسببًا بالنتيجة التي توصلت إليها غرفة المحكمة بشأن األدلة واإلستنتاجات”.
و لعل فهم المسألة موضوع الدراسة ال تصح إال باإلتيان على المفاهيم األساسية المكونة لها بدءا بالتسبيب.
التسبيب في اللغة العربية مصدر كلمة سبب والسبب هو كل شيء يتوصل به الى غيره.
وقد يكون بمعنى الطريق ومنه قوله تعالى ((وآتيناه من كل شيء سببا فاتبع س ببا)) والس بب ه و م ا يوص ل
الى الشيء فالباب موصل إلى البيت والحبل موصل الى الماء وهكذا ،ووفقا لهذا الم دلول ف إن أس باب الحكم
هي ما تسوقه المحكمة من أدلة واقعية وحجج قانونية لحكمها .وأما
في الفقه الوضعي فُيطلق التسبيب على بيان األسباب الواقعية والقانونية التي ق ادت القاض ي إلى الحكم ال ذي
نطق به ،واألسباب الواقعية هي التأكيدات واإلثبات ات ال تي تتص ل ب الواقع في ماديات ه وفيم ا يتعل ق بوج ود
الواقعة أو عدم وجودها وإسنادها إلى القانون.أي أن
التسبيب هو التسجيل الدقيق الكامل للنشاط المبذول من القاضي حتى النطق بالحكم ،وهو وسيلة القاض ي في
التعلي ل على ص حة النت ائج ال تي انتهى إليه ا في منط وق الحكم ال ذي أص دره .وأم ا
المدلول التشريعي للتسبيب
فلم ُيبينه ال الُمشّر ع التونسي و الالمصري وكذلك الفرنسي ولكنه اكتفى بالنص على وج وب اش تمال الحكم
على األسباب التي ُبني عليها ،فالتسبيب وفقًا لهذا المدلول يع ني بي ان األس باب الواقعي ة والقانوني ة وأس باب
الرد على الطلبات المهمة والدفوع الجوهرية التي قادت القاضي إلى الحكم الذي انتهى إليه.
أما التعليل فيعني التسجيل الدقيق و الكامب النشاط القضائي المبذول من المحكمة حتى النط ق ب الحكم ،ه ذا
النشاط هو مجموعة مجموعة من األسانيد الواقعية ،المنطقية و القانونية التي إستقام عليه ا ه ذا المنط وق و
يعود ظهور هذا اللفض أول مرة كمصطلح قانوني و لغ وي إلى فرنس ا و يقص د ب ه تض من الحكم لألس باب
الضرورية التي
أدت إلى وجوده.
و عليه فإن تسبيب األحكام و القرارات القضائية يعد حقًا لألطراف أو المتقاضين قبل أن يكون واجبًا مهنيًا
للقاضي و يصنف ضمن المبادئ و القواعد األساسية التي وضعها المشرع لحسن س ير جه از القض اء أو
العدالة ,و الضمان الحقيقي الذي ُيلجأ إليه لتحقيق األمن القض ائي إض افة إلى المب ادئ األخ رى المتعلق ة
بحماية الحقوق و الحريات في المجتمع ,فكلما اس تقام التعلي ل و التس بيب ثبت ال دليل على ش رعية الحكم و
القرار ,وتأكد الهدف الذي يسعى إليه المشرع واألط راف في آن واح د ,وإذا ح اد القاض ي عن التزام ه
هذا ,سواء بالتقصير في تسبيبه لحكمه أو قراره أو شابهما االنعدام أو الغموض ف إن م آل الح ق أو اله دف
هو الزوال ,و ينصرف عمل القاضي بذلك إلى التعسف و بالتالي انعدام الضمانات التي ُسطرت ل ه ض من
واجباته المهنية .
و لئن كانت هذه لمحة عن مفهوم التسبيب و التعليل في اللغة و اإلصطالح فإن أهمية ه ذه الض مانة تقتض ي
العودة إلى أصل تطورها عبر تاريخ أهم النظم القانونية و هو التنظيم الفرنسي ،ذلك أن ه قب ل الق رن الث امن
عشر لم يكن هناك إلتزام بتعليل األحكام مثال ،حيث كانت المحاكم خالل الق رن الث الث عش ر ح رة في ذك ر
األسباب متى و كيفما أرادت ثم تطور األمر فأصبح التعليل فيما بعد عملية الحقة إلصدار الحكم يتم إج راءه
بطلب من مجلس األطراف .
و لم يظهر التعليل كواجب قانوني في فرنسا إال في القرن الثامن عش ر كم ا س بق و أش رنا ،ليق ع فيم ا بع د
اإلستقرار على تكريس قاعدة "ضرورة التعليل"بنص المادة 207من الدستور لس نة 1797ال ذي ج اء في ه
أنه" يجب أن تكون األحكام مسببة كما يجب بيان نصوص القانون المطبقة " .لكن يمكن الق ول أن القض اة و
الفقهاء المسلمين كان لهم السبق في البحث عن أس باب و عل ل األحك ام و أن الفض ل يرج ع له ؤالء في أنهم
أول من نظر إلى القوانين و األحكام نظرة فلسفية فأمعنوا في بحث عللها و أوغلوا في تمحيص أسبابها ح تى
أنهم إستنبطوا لذلك علم ا س موه"علم أص ول الفق ه" بالت الي فال غراب ة أن يك ون الس بب أو العل ة منهج ا في
البحث لديهم و حجة في المجادلة و برهان في اإلقناع .
و عليه يمكن القول أن القضاة المسلمين كان لهم عظيم الفضل في إرساء عديد القواعد القانونية الموض وعية
منها و اإلجرائية .
أما على مستوى القوانين الوضعية العربية الحديثة فلم يكن نظام تعلي ل األحك ام الجزائي ة قاص را على النظم
القانونية األوروبية بل ،عرفته هي األخرى فنص علي ه الفص ل 54من الدس تور الكوي تي .كم ا وق ع إق رار
نفس القاعدة في قانون اإلجراءات الجزائية اللبناني في الفصل . 323
أما في تونس فقد نص المشروع على تعليل األحكام الجزائية ص راحة بالفص ل 168من مجل ة اإلج راءات
الجزائية الص ادرة بمقتض ى الق انون ع دد 23الم ؤرخ في 24جويلي ة 1968المتعل ق بإع ادة تنظيم ق انون
المرافعات الجنائي و الذي نص على :
"يجب أن يذكر بكل حكم؛
أوال""...
ثانيا""...
ثالثا""...
رابعا" المستندات الواقعية و القانونية و لو في صورة الحكم بالبراءة"
خامسا" نص الحكم القاضي بالعقاب أو البراءة و النصوص الزجرية الواقع تطبيقها".
أما على المستوى النظري ،فإن تعليل األحك ام و تس بيبها ال يق ل أهمي ة عن الض مانات األخ رى ال تي تق وم
عليها المحاكمة العادلة مثل حق الدفاع ،قرينة البراءة ،المساواة بين الخصوم ،و مبدأ حياد القاضي حتى
أن هذه الضمانة وق ع التنص يص عليه ا ض من العه د ال دولي الحق وق المدني ة و السياس ية في الم ادة 66و
اإلتفاقية األوروبية في إطار تنظيم المحكمة األوروبي ة في مادته ا ال 15و النظ ام األساس ي لمحكم ة الع دل
الدولية في مادتها ال...56
لكن على الرغم من قوة التكريس القانوني التي حظى بيها هذا المبدأ إال أن الرؤية ال تنفك أن تكون ض بابية
أحيانا خاصة فيما يتعلق باألحكام المستوجة للتعليل و التسبيب من عدمها! م ع وج ود اإلش ارة إلى األنظم ة
األنڨلوسكسونية التي لم تأخ ذ به ذا المب دأ كمب دأ دس توري ،ذل ك أنه ا ال تأخ ذ بوجوبي ة التس بيب و التعلي ل
لألحكام القضائية رابطة ذلك بربح الوقت .
و أما على المس توى التط بيقي،ف إن لتس بيب و تعلي ل األحك ام الجزائي ة أهمي ة خاص ة ،وذل ك على ع دة
مستويات ،فإذا كان التسبيب مجرد ض مان للتحق ق من قي ام القض اة بواجب اتهم من الناحي ة التنظيمي ة ،فإن ه
يدخل في إط ار مب دأ المالءم ة ،مم ا يع د من ص ميم الس لطة التش ريعية ،وواق ع األم ر أن جمي ع ض مانات
المحاكمة المنصفة أو العادلة ،ال دليل على احترامها إال أسباب الحكم التي تكشف عن مدى ال تزام المحكم ة
بمراعاة هذه الضمانات ،فاسباب الحكم هي المرآة الناصعة الجدلي ة ال تي ت بين م دى إتب اع القاض ي القواع د
واإلجراءات التي نص عليها القانون ،ومدى احترامها للضمانات التي أوجبها القانون ،وم دى ُحس ن تط بيق
المحكمة له .ويحتاج تحرير األحكام الجزائية إلى عناي ة خاص ة ،فاألحك ام في ه ذه الم واد يجب أن تب نى
على الجزم واليقين ال على الحدس والتخمين ،فال يصح سندًا لإلدانة أن يذكر القاض ي في حكم ه أن ه ي رجح
ارتكاب المتهم للجريمة ،بل يتعَّين عليه أن يكشف عن يقينه بأن المتهم ارتكب الجريمة ،ثم يدّلل على أس باب
هذا اليقين.
و إستنادا على ذلك فإن لتسبيب األحكام وتدعيمها باألسانيد والحجج القانونية الالزم ة أهمي ة عملي ة كب يرة
بالنسبة للخصوم أطراف الدعوى وأصحاب المصلحة فيها ،وبالنسبة للقاضي ،والرأي العام.
و هو ماسيقع التطرق إليه على التوالي؛
✓اوال :أهمية التسبيب بالنسبة للخصوم:
التسبيب و التعليل يوفر القناع ة ل دى أص حاب العالق ة في الحكم الص ادر بحقهم إذ س يتمكن الط رف ال ذي
خسر دعواه من االطالع على األسباب ال تي حملت المحكم ة على ع دم األخ ذ بدفع ه ودع واه وبي ان الحجج
القانونية المتبعة في ذلك .
✓ثانيا :أهمية التسبيب للرأي العام:
من خالل بيان أسباب األحكام يولد لدى ال رأي الع ام أو الش عب االقتن اع باألحك ام ع دالتها على إعتب ار ان
األحكام الجزائية تصدر من القض اء باس م الش عب ،وبن اء على ذل ك فمن ح ق ال رأي أو الش عب ممارس ة
رقابته على تلك األحكام والتحقق من صحتها وعدالتها مما يؤدي إلى قناعت ه وحتم ًا تزي د ثقت ه في القض اء،
ويعُد إطالع الرأي العام على األسباب وسيلة فعالة لتحقيق مصداقية الحكم الجزائي الصادر باإلدانة وتحقي ق
أثره في الردع العام ،فهذا الردع ال يتحقق إَّال باقتناع الناس جميع ًا بعدال ة ه ذا الحكم ،ويتمكن ال رأي الع ام
من االطالع على األحك ام الجنائي ة من خالل م ا ينش ر في الص حف والمجالت وغيره ا ،ل ذلك ف إن نش ر
األحكام بمسبباتها وحججها يساهم في التوعية والتنوير بمخاطر ومأالت ارتكاب األفعال المجرمة والعقوبات
التي تترتب عليها.
✓ ثالثا :أهمية تسبيب الحكم و تعليله بالنسبة للقاضي:
أن القاضي بتسبيب حكمه يحصنه ويحمي ه ،فه و إن رجح دليًال على آخ ر ،أو اقتن ع بطلب ،أو أس قط دفع ًا،
وجب عليه في جميع الحاالت ذكر األسباب ال تي دفعت ه ل ذلك ،أي أن القاض ي ُيحِّل ل كي ف وص ل إلى ه ذه
النتيجة وال يكون ذلك طبعًا إَّال بعد مناقشة كافة المس ائل ال تي أثاره ا الخص وم أن تأيي دًا أو معارض ة ،وأن
يؤسس حكمه على نصوص من القانون ،فالقاضي ال ذي يل تزم بتس بيب األحك ام و تعليله ا ين أى بنفس ه عن
مخاطر مراجعة أحكامه من المحاكم األعلى درجة في التقاض ي ،أو إلغ اء أحكام ه وقرارات ه وإع ادة أوراق
الدعوى الجنائية النظر فيها من جديد ،إضافة إلى أن الواقع في تونس يظهر ان بعض حوادث اإلعت داء على
بعض القضاة كان دافعها سوء تسبيب بعض األحكام .
و لعل حديثنا هذا عن التسبيب و التعليل لألحكام و خاصة بالنظر لألهمي ة ال تي يكتس بها ه ذا المب دأ ،و من
باب مزيد دراسته ،فإنه لنا شرعية طرح التساؤل التالي؛
_كيف يمثل تعليل األحكام و تسبيبها ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة ؟.
إن اإلقامة داخل هذا الطرح تقتضي منا دراسة هذا المبدأ من شتى الجوانب ،ل ذلك س ُيعنى الج زء األول من
البحث بدراسة دور التعليل و التسبيب في تعزيز الثقة في القضاء()1 هذا.
في حين ُيخصص الجزء الثاني لبيان كيفية أن تعليل األحكام و تسبيبها ضمانة لرقابة محكمة التعقيب (.)2
.2ا لجزء الثاني :تعليل األحكام و تسبيبها ضمانة لممارسة محكمة التعقيب لرقابتها:
من البديهي القول أن التعقيب ليس درجة ثالثة من درجات التقاضي ،بل هو طعنا غير عادي يوجه ضد
الحكم الصادر عن قاضي األصل بغية مراقبة حسن تطبيقه للقانون (فرع أول) و في بعض األحيان و
خاصة في حاالت التعقيب الثاني تنظر محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في واقع النزاع و ذلك لتوحيد
اآلراء (فرع ثاني)
الفرع األول :تعليل األحكام و تسبيبها ضمانة لمراقبة حسن تطبيق القانون :
لقد عدد الفصل 175من مجلة المرافعات المدنية و التجارية مداخل الطعن بالتعقيب و حصرها فال يقبل
الطعن اال اذا توفرت صورة من أسباب الطعن بالتعقيب ،و هي مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو
تأويله و خرق قواعد االختصاص الحكمي و اإلفراط في السلطة و عدم مراعاة الصيغ الشكلية في
اإلجراءات أو األحكام و التي رتب القانون على عدم مراعاتها البطالن أو السقوط و تناقض األحكام
الصادرة بين نفس الخصوم و في ذات الموضوع و السبب و القضاء بغير طلبات الخصوم أو تناقض
أجزاء الحكم و صدور الحكم على فاقد األهلية دون تمثيله تمثيال صحيحا .هنا نالحظ عدم تعرض هذا
الفصل صراحة لمسألة التعليل و التسبيب ،لكن المطعن المتعلق بالخطأ في تطبيق القانون أو تأويله على
عالقة وطيدة بالتسبيب و التعليل ضرورة أنه على قاضي األصل تبرير اختياره للنص المنطبق على وقائع
النزاع و هو ما يعرف بالتسبيب كما يجد نفسه مضطرا أحيانا الى تأويل القواعد عند غموضها أو حتى
سكوتها .و هنا قد يصيب قاضي الموضوع و قد يخطأ في ذلك و هو ما يفتح المجال ألطراف النزاع للطعن
بالتعقيب استنادا على ضعف في التعليل و يسمح لمحكمة التعقيب ببسط رقابتها من هاته الناحية دون
التعرض ألصل النزاع .و هذا يمثل بال شك ضمانة إضافية من ضمانات المحاكمة العادلة .كما أن المطعن
المتعلق باالفراط في السلطة على عالقة بمسألة حسن التسبيب و التعليل الن قاضي األصل عندما تتشكل
قناعاته يجب أن يحسن تسبيبها و تعليلها حتى ال يرمى باإلفراط في السلطة و يكون ضعف التعليل او غيابه
سببا جديا لنقض حكمه و هو ما يمثل أيضا ضمانة جيدة للمتقاضين.
من ناحية أخرى ،حصر الفصل 357مكرر من مجلة الحقوق العينية حاالت او مداخل الطعن بالتعقيب
في األحكام الصادرة عن المحكمة العقارية و القاضية بالتسجيل أو الترسيم الناتج عن حكم التسجيل فكانت
شبيهة بتلك التي وردت بمجلة المرافعات المدنية و التجارية و ال سيما اذا كان الحكم مبنيا على مخالفة
القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله و كذلك اذا كان هناك افراط في السلطة.
و هما الحالتان اللتان لهما عالقة متينة بتعليل و تسبيب األحكام.
أما إذا كان النزاع جزائيا ،فإن المشرع اشترط صراحة تعليل الحكم عالوة على تسبيبه و ذلك صلب
الفصل 168من مجلة اإلجرائات الجزائية حيث نص على أنه" :يجب أن يذكر بكل حكم … :رابعا:
المستندات الواقعية و القانونية ولو في صورة الحكم بالبراءة …" و المستندات الواقعية هي التعليل اما
المستندات القانونية فهي التسبيب ،حيث اشترطها هذا الفصل و بصفة آمرة مما يجعل مخالفتها سببا حقيقيا و
جديا للطعن بالتعقيب و موجبا للنقض .و هذا يمثل ضمانة حقيقية من ضمانات المحاكمة العادلة بالنسبة
للمتقاضين حيث أن قاضي الموضوع يحرص على التسبيب الجيد و التعليل المستساغ لحكمه حتى ال يكون
عرضة للنقض من طرف محكمة التعقيب.
و لعل هذا التعرض الصريح لمسألة التسبيب و التعليل في مجلة اإلجرائات الجزائية ،خالفا لمجلة
المرافعات المدنية و التجارية و خالفا أيضا لمجلة الحقوق العينية ،يجد تبريره في كون النزاع الجزائي
يشتمل على عقوبات أشد وطأة و أكثر صرامة من تلك التي نجدها في النزاع المدني ،حيث انه من غير
المعقول أن يصدر مثال حكما بالسجن أو باإلعدام دون أن يكون مسببا تسبيبا جيدا و معلال تعليال كافيا ،و
حتى ال يكون عرضة للنقض و هذا تكريسا و ضمانة لمبادئ المحاكمة العادلة في النزاع الجزائي.
من جهة أخرى تعرض القانون عدد 40لسنة 1972و المنظم للمحكمة اإلدارية في فصوله 11جديد و
12و 13و 13ثالثا جديد إلى حاالت نظر المحكمة اإلدارية تعقيبا في األحكام الصادرة عن المحاكم
العدلية و ذلك في النزاعات الجبائية و النزاعات المتعلقة بالتسجيل بالقائمات االنتخابية لالنتخابات الرئاسية
و التشريعية و البلدية و كذلك الشأن بالنسبة للنزاعات في مختلف الهيئات المهنية و كذلك في نزاعات اللجان
المصرفية .لكن هذه الفصول سكتت عن تحديد مداخل الطعن بالتعقيب.
و في غياب نص تشريعي يعدد مداخل الطعن بالتعقيب ،فإن المحكمة اإلدارية قد تكفلت بتحديدها و خاصة
حالة ضعف التعليل و التسبيب ،حيث ما انفكت تذكر للمتقاضين و من ورائهم المحامين بما استقر عليه فقه
قضائها في خصوص تحديد مدلول تعليل األحكام الذي و خاصة في القرار التعقيبي عدد 39425الصادر
عن المحكمة اإلدارية و الذي يقتضي "التنصيص على االعتبارات الواقعية و األسباب القانونية التي تم
على أساسها اتخاذ الحكم او القرار و التي أدت إلى تشكيل قناعة القاضي ،و هو يتجاوز بالتالي ايراد
طلبات الخصوم و أوجه دفاعهم الى تمحيص مستنداتهم و مناقشة أدلتهم و استخالص النتائج منها و
تطبيق القواعد القانونية عليها حتى يتمكن كل طرف من معرفة ما له و ما عليه "
و ال يقتضي التعليل الرد على جميع الدفوعات المقدمة الى قاضي األصل بل يكفي فقط الرد على الدفوعات
الجوهرية حتى يتمكن المتقاضي من االقتناع بوجاهته أو مناقشته قضائيا عند االقتضاء و بصفة تمكن
قاضي التعقيب من ممارسة رقابته عليه .و هذا يمثل بطبيعة الحال ضمانة للمحاكمة العادلة بالنسبة
للمتقاضين.
إن الدوائر التعقيبية لمحكمة التعقيب و الدوائر التعقيبية للمحكمة اإلدارية ،تراقب حسن تعليل األحكام و
تسبيبها من طرف قضاة الموضوع دون التعرض ألصل النزاع ،لكن ذلك ال يقصي الدوائر المجتمعة
لمحكمة التعقيب و الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية من فرضية تدخلها في األصل حين يتعلق األمر بحاالت
تعقيب ثاني أو إذا مثل النزاع جدال فقهيا او فقه قضائيا لوضع حد لذلك الجدل.
الفرع الثاني :تعليل األحكام و تسبيبها ضمانة لتوحيد اآلراء:
اذا تم الطعن بالتعقيب ضد حكم نهائي صادر عن محكمة إستئناف ،و تم التمسك بمطعن ضعف التعليل
و التسبيب ،فإن الدائرة التعقيبية المتعهدة تنظر في مدى وجاهة ذلك المطعن و حينها تنقض الحكم و يكون
نقضها دون إحالة أي كما أن الحكم لم يصدر اصال ،أو تنقضه مع اإلحالة إلى المحكمة التي أصدرته إلعادة
النظر بهيئة جديدة .تعيد محكمة االستئناف النظر من جديد في اصل النزاع و تصدر الهيئة الجديدة حكمها
الذي يكون قابال للطعن بالتعقيب مرة ثانية ،و إذا أصرت الهيئة الحكمية الجديدة على نفس الرأي ،و إذا تم
تعقيبه مرة ثانية من أجل نفس السبب و المطعن ،فإن النظر يصبح من مشموالت الدوائر المجتمعة لمحكمة
التعقيب اذا كان النزاع مدنيا أو من أنظار الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية اذا تعلق األمر باالختصاص
التعقيبي للمحكمة اإلدارية.
إن الهدف من إحالة الملف على أنظار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب أو على أنظار الجلسة العامة
للمحكمة اإلدارية يتمثل في حسم النزاع نهائيا و وضع حد للجدل القائم و من خالل ذلك توحيد اآلراء و
االجتهادات القضائية.
و في هذا اإلطار اقتضى الفصل 72جديد من القانون عدد 40لسنة 1972و المتعلق بالمحكمة
اإلدارية انه "تقتصر الجلسة العامة اذا ما رفع لديها حكم مطعون فيه على النظر في المطاعن القانونية
التي سبق التمسك بها لدى حاكم األصل اال اذا كان المطعن المثار ألول مرة أمام التعقيب متعلقا بالنظام
العام أو كان متعلقا بعيب تسرب الي الحكم المطعون فيه و ال يمكن معرفته اال باالطالع على ذلك الحكم.
غير انه يمكن للجلسة العامة ،و بإثارة من الطاعن أن تراقب الوجود المادي للوقائع التي انبنى عليها
الحكم المطعون فيه و تبحث ان كان حاكم األصل قد أعطاها وصفا قانونيا صحيحا "
لم يستعرض هذا الفصل بصفة صريحة الحاالت التي يمكن بموجبها الطعن بالتعقيب ،و اكتفى التعرض
لضرورة حسن التعليل عبر عبارة " ...أن تراقب الوجود المادي للوقائع… " كما أنه أشار الى ضرورة
التسبيب الجيد من خالل عبارة " ...ان كان حاكم األصل قد أعطاها وصفا قانونيا صحيحا"
في هاته الحالة ،ال تكتفي محكمة التعقيب بمجرد مراقبة حسن تطبيق القانون ،لتتعداه الى النظر في أصل
النزاع عبر التثبت من الوجود المادي للوقائع التي انبنى عليها الحكم المطعون فيه اي انها سوف تتثبت من
أن الحكم معلال تعليال كافيا او خالف ذلك ،كما أنها سوف تبحث في ما إذا كان قاضي األصل قد أعطاها
وصفا قانونيا صحيحا من عدمه ،لتتدخل و تضع تسبيبا جديدا ينهي النزاع و الجدل.
و قد اتيح للمحكمة اإلدارية ان تفسر التعليل في قرارها التعقيبي الحديث عدد 312642الصادر
بتاريخ 25جانفي 2017و الذي جاء فيه ما يلي :
"حيث استقر فقه قضاء هذه المحكمة على ان تعليل األحكام يقتضي من المحكمة تفحص كل المطاعن
المقدمة بعريضة الدعوى ثم الرد عليها أو على الجدي منها و تضمين قرارها جملة األسباب الواقعية و
القانونية التي أدت إلى تشكيل قناعتها و الي اتخاذ قرارها على أساسها بصورة ال يشوبها القصور أو
التناقض ،و ذلك حتى يتمكن المتقاضي من االقتناع بوجاهته أو مناقشة قرارها قضائيا و على نحو يمكن
قاضي التعقيب من بسط رقابته عليها"
نجد في هذا القرار بلورة لمدلول مطعن التعليل و توحيدا لآلراء و االجتهادات القضائية في خصوص
تعليل األحكام و تسبيبها عبر افصاح المحكمة تعقيبيا على حكمها في أصل النزاع لتكرس بذلك ضمانة من
ضمانات المحاكمة العادلة.