You are on page 1of 45

‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫جامعة محمد ألاول‬


‫مسلك القانون الخاص‬ ‫كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية‬
‫وجدة‬

‫بحث لنيل شهادة اإلجازة في القانون الخاص‬


‫تحت عنوان‪:‬‬

‫ضمانات املحاكمة العادلة‬


‫في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫تحت إشراف ألاستاذ‬


‫د‪ .‬العربي البوبكري‬ ‫إنجاز الطالب ‪:‬‬
‫‪ -‬جابري زكرياء‬
‫‪ -‬رقم الطالب ‪1905459 :‬‬

‫السنـة الجامع ـيـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬


‫‪2022/2021‬‬
‫‪1433‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫يعد الحق في محاكمة العادلة من بين أهم الحقوق ألاساسية لإلنسان التي‬

‫أقرتها القوانين الدولية بصفة عامة والقوانين الوطنية بصفة خاصة‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫توافق املجتمع الدولي مع مجموعة متنوعة من املعايير ألاساسية لضمان املحاكمة‬

‫العادلة التي تهدف من جهة إلى محاكمة مرتكب الفعل وفقا للضوابط القانونية على‬

‫ما اقترفه بالتحديد‪ .‬وجبر ألاضرار الالحقة بضحايا الجريمة واملحيط الاجتماعي الذي‬

‫تسبب فيه الفعل إلاجرامي من جهة أخرى‪ .‬وفي إطار موضوع املحاكمة العادلة؛ نجد‬

‫إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان املؤرخ في ‪ 01‬دجنبر ‪ 0491‬أكد على هذا الحق في‬

‫مادته العاشرة ‪ ،1‬كما تضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية الحق‬

‫في ضمان املحاكمة العادلة لألشخاص‪ ،‬واعتبره معيارا من معاير القانون الدولي‬

‫إلانساني الذي يهدف إلى حماية ألاشخاص من انتقاض حقوقهم ألاساسية وحرمانهم‬

‫منها بصورة غير قانونية أو تعسفية‪ ،‬وأهمها الحق في الحياة والحرية ‪.2‬‬

‫ومواكبة للمواثيق الدولية في مجال حقوق إلانسان‪ ،‬فقد تضمن الدستور‬

‫املغربي سنة ‪ 1100‬اعترافا كامال للحريات العامة والحقوق الفردية من بينها الحق في‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنصت هذه المادة على أنه "لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع اآلخرين الحق في أن تنظر قضية محكمة مستقلة ومحايدة‪،‬‬
‫نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته و في أية تهمة جزائية توجه إليه"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نصت المادة ‪ 41‬منه على أنه " من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة‬
‫مستقلة و حيادية منشأة بحكم القانون"‪.‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املحاكمة العادلة‪ .‬برغم من أن قانون املسطرة الجنائية املغربي لم يتضمن بشكل‬

‫صريح النص على الحق في املحاكمة العادلة‪ .‬وإن كان قد أورد مجموعة من التدابير‬

‫إلاجرائية الذي هدف من خاللها تقرير هذا الحق وترسيخه طيلة أطوار التحقيق‬

‫واملحاكمة‪ ،‬بل حتى أمام الشرطة القضائية خاصة في مرحلة البحث التمهيدي‪.‬‬

‫كما تعتبر املحاكمة العادلة من أبرز وأهم ألاعمدة ألاساسية التي تهدف إلى‬

‫حماية إلانسان من كل ما شأنه املس بحقوقه وكرامته في جميع مراحل الدعوى‪ ،‬منذ‬

‫لحظة إيقافه والبحث عنه من قبل الشرطة القضائية في ما يعرف بالبحث التهميدي‬

‫الذي يهمنا في هذا املوضوع‪ ،‬ومرورا باستنطاقه أمام النيابة العامة وبالتحقيق‬

‫إلاعدادي وصوال إلى املحاكمة‪ .‬خصوصا بعدما أصبحت املحاكمة العادلة اليوم‬

‫تستمد مرجعيتها من الدستور الذي عمل على تكريسها في الباب الثاني منه‪ ،‬املتعلق‬

‫بالحريات والحقوق ألاساسية‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 12‬على أن‪:‬‬

‫"قرينة البراءة والحق في املحاكمة العادلة مضمونان" وكذلك ثم ترسيخها في‬

‫الفصل ‪ 011‬من الدستور والذي أكد فيه أن "لكل شخص الحق في محاكمة عادلة‬

‫وفي حكم يصدر داخل أجل معقول"‪ .‬وتتجلى أهمية املوضوع املتمثل في " ضمانات‬

‫املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي" من خالل الارتباط البالغ بين حقوق‬

‫املشبوه فيه الذي تم إيقافه على ذمة التحريات التي تجريها الشرطة القضائية عندما‬

‫يصل إلى علمها خبر وقوع جريمة‪ ،‬إما بناء على تعليمات النيابة العامة أو بمبادرة‬

‫مباشرة منه‪ ،‬مع واجب هذا الجهاز في ضمان التحرك الفعال ملحاصرة نتائج الفعل‬

‫‪1‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫إلاجرامي وردعه‪ ،‬و محو ألاثر الاجتماعي للجريمة الذي يسببه بقاء مجرم في حالة‬

‫فرار‪.‬‬

‫لذا نتساءل حول كيفية إيجاد هذا التوازن والانسجام بين شيئين متعارضين‬

‫بشكل يبرز من خالله دور إيجابي لجهاز الشرطة القضائية في ضمان إجراءات‬

‫املحاكمة العادلة واحترام إلاجراءات القانونية املنصوص عليها في مرحلة البحث‬

‫التمهيدي التي طاملا كانت مطالب ملحة للهيئات الحقوقية الدولية والوطنية املهتمة‬

‫بمجال الحقوق ألاساسية لإلنسان‪.‬‬

‫خاصة بعدما أوكل قانون املسطرة الجنائية للشرطة القضائية صالحية التثبت‬

‫من وقوع الجرائم وجمع ألادلة عنها والبحث عن مرتكبها‪ ،‬وفي سبيل هذه املهمة‬

‫يتلقون الشكايات والوشايات ويجرون بشأنها ألابحاث التمهيدية طبقا ملا هو‬

‫منصوص عليه في القانون‪ ،3‬وتسعى الشرطة القضائية من خالل مباشرة هذه‬

‫التحريات إلى الوصول إلى الحقيقة وجمع ألادلة املادية للفعل إلاجرامي‪.‬‬

‫وصونا لحقوق ألافراد؛ وضع املشرع إطارا قانونيا وتنظيميا يحدد مسار ألابحاث‬

‫في الزمان واملكان مع تكريس أهمية هذه املرحلة أي ما قبل املحاكمة في قيام محاكمة‬

‫عادلة‪ .‬ومن هنا يمكننا صياغة إلاشكالية على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬يقصد بالبحث التمهيدي "التحريات التي تنجز قبل التحقيق و المحاكمة لضبط و جمع األدلة عن وقائع الجريمة‪ ،‬وعن األشخاص‬
‫المشبوه فيهم‪ ،‬تنجزه أساسا الشرطة القضائية طبقا لما هو منصوص عليه في المسطرة الجنائية و النصوص المنظمة للشرطة‬
‫القضائية في أنواع من الجرائم الخاصة‬
‫‪ "-‬أحمد الخمليشي‪ :‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ :‬الجزء األول‪ ،‬الصفحة ‪.712‬‬

‫‪2‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫‪-‬إلى أي حد استطاع املشرع الجنائي في قانون املسطرة الجنائية توفير ضمانات‬

‫املحاكمة العادلة في إطار البحث التمهيدي ؟‬

‫وعموما فإن هذا املوضوع يعالج اشكالية املحاكمة العادلة في اطار البحث‬

‫التمهيدي من خالل تفعيل الضمانات الدستورية ومدى توفيرها من طرف املشرع‬

‫الجنائي إلاجرائي‪.‬‬

‫ومن أجل إلاجابة على هاته إلاشكالية‪ ،‬واستجالء الغموض وتوضيح الرؤيا؛‬

‫ارتئينا لتقسيم وموضوعنا إلى مبحثين أساسيين كما هو على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ ‬املبحث ألاول ‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬دور التشريع الجنائي في توفير املحاكمة‬ ‫‪‬‬

‫العادلة‬

‫‪3‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املبحث ألاول‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة‪.‬‬


‫وكما تم إلاشارة على أن الحق في املحاكمة العادلة يشكل أحد ألاعمدة‬

‫ألاساسية لدولة الحق والقانون وملجأ لحماية إلانسان من التعسف والشطط‬

‫والتمييز والاعتداء؛ لذلك حظي هذا الحق بمكانة خاصة كرستها الصكوك الدولية في‬

‫مجال حقوق إلانسان من إلاعالن العالمي الحقوق إلانسان إلى العهد الدولي الخاص‬

‫بالحقوق املدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من إلاعالنات و‬

‫القواعد ذات الصلة‪.‬‬

‫وبعدما أصبحت اليوم املحاكمة العادلة في القانون املغربي تستمد مرجعتيها من‬

‫الدستور الجديد الذي عمل على تكريسها في الفصل ‪ 12‬وترسيخها في الفصل ‪011‬‬

‫من الدستور‪ ،‬فإننا سنعمد على تقسيم هذا املبحث الى مطلبين؛ حيث سنخصص‬

‫(املطلب ألاول للحديث عن مبدأ قرينة البراءة ‪ .‬بينما نخصص في املطلب الثاني)‬

‫للحديث عن مبدأ الشرعية الجنائية‪.‬‬

‫املطلب ألاول‪ :‬مبدأ قرينة البراءة‬


‫استهل املشرع املغربي في قانون املسطرة الجنائية بإقرار مبدأين هامين؛ تدعيما‬

‫للمسار الحقوقي الذي تنهجه الدولة مع مطلع القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وسيرا‬

‫باحتكاك مع املسار الديموقراطي الذي يعرفه العالم‪ ،‬إلى إقرار قرينة البراءة وتفسير‬

‫الشك لفائدة املتهم كمبدأين راسخين لضمان املحاكمة العادلة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫إن قرينة البراءة أقرها املشرع ملواجهة كل اتهام كاذب أو اقتناع مسبق وكذا‬

‫إلبعاد احتمال أي خطأ قضائي الذي يبقى حاضرا في جميع مراحل الدعوى الجنائية‪.‬‬

‫والهدف ألاساس ي لقرينة البراءة هو إشهار الحقيقة واقرار مبدأ املساواة‪.‬‬

‫فالحقوق املضمونة للدفاع تكون غير تامة دون مبدأ مساواة الجرائم والعقوبات‬

‫الذي ترجع حقيقته الى مبدأ قرينة البراءة املضمون لكل منهم‪.‬‬

‫وسنتطرق في هذا املطلب للحديث عن قرينة البراءة في التشريع املغربي ( الفقرة‬

‫ألاولى ) ثم بعدها نعرج الحديث عن القيمة القانونية لقرينة البراءة ( الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬قرينة البراءة في التشريع املغربي‪.‬‬


‫إذا كان مبدأ "قرينة البراءة" غير منصوص عليه في ظهير ‪ 0494‬املنظم لقانون‬

‫املسطرة الجنائية امللغى‪ ،‬وال في الدستور املغربي لسنة ‪ 0441‬أو الدساتير التي صدرت‬

‫قبله‪ ،‬فإن قانون املسطرة الجنائية الجديد قد أقر مبدأين هامين‪ ،‬هما‪:‬‬

‫قرينة البراءة وتفسير الشك لفائدة املتهم في املادة ألاولى منه والتي تنص على أنه‪:‬‬

‫"كل متهم أو مشتبه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر‬

‫مكتسب لقوة الش يء املقض ي به‪ ،‬بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات‬

‫القانونية‪...‬ويفسر الشك الفائدة املتهم"‬

‫وجاءت صياغة هذه املادة مشابهة لصياغة املادة ‪ 00‬من إلاعالن العالمي‬

‫لحقوق إلانسان واملادة ‪ 09‬من العهد الولي للحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬حيث تقرر‬

‫‪5‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املادتان بأن كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى حين ثبوت إدانته قانونا في إطار محاكمة‬

‫عادلة‪.‬‬

‫إن النص صراحة على قرينة البراءة‪ ،‬هو مظهر من مظاهر مالئمة التشريعات‬

‫الوطنية مع املواثيق الدولية‪ ،‬ذلك أن املغرب قد صادق على العهد الدولي للحقوق‬

‫املدنية والسياسية‪ ،‬ونص على الالتزام بحقوق إلانسان املتعارف عليها دوليا‪ .‬وقد نوه‬

‫املشرع املغربي بالنص صراحة على قرينة البراءة في ديباجة قانون املسطرة الجنائية‬

‫رقم ‪11.10‬‬

‫وأحاطها بعدة تدابير عملية لتعزيزها وتقويتها‪ ،‬من بينها‪:‬‬

‫• اعتبار الاعتقال الاحتياطي واملراقبة القضائية تدبيرين استثنائيين‪.‬‬

‫• تحسين ظروف الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي‪ ،‬وإحاطتها بإجراءات مراقبة‬

‫صارمة من طرف السلطة القضائية‪.‬‬

‫• ترسيخ حق املتهم بإشعاره بالتهمة املوجهة إليه‪.‬‬

‫• حقه في الاتصال بمحام خالل فترة تمديد الحراسة النظرية‪ ،‬وحق املحامي في‬

‫تقديم مالحظات كتابية خالل تلك الفترة‪.‬‬

‫• حقه في أن تشعر عائلته بوضعه تحت الحراسة النظرية‪.‬كما أقر املشرع في‬

‫الفقرة الثانية من املادة ألاولى مبدأ الشك يفسر ملصلحة املتهم"‪ ،‬والذي يقض ي بأال‬

‫‪6‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫يدان املتهم إال بناء على أدلة ثابتة قاطعة‪ ،‬وكل شك في أدلة إلادانة تجعل الحكم‬

‫باملؤاخذة غير مبني على أساس‪.‬‬

‫وقاعدة الشك يفسر ملصلحة املتهم ما هي إال نتيجة لقرينة البراءة التي ال تسمح‬

‫بأن يدان الشخص بناء على التخمينات أو الظنون أو الاحتماالت‪ ،‬ألنها ال ترقى إلى‬

‫درجة اليقين بثبوت الجريمة‪ ،‬واليقين هو الذي ينفي افتراض البراءة في املتهم الفقرة‬

‫الثانية‪ :‬القيمة القانونية لقرينة البراءة معلوم أن افتراض البراءة في املتهم ‪4‬يتطلب‬

‫عدم مطالبته بتقديم أي دليل على براعته فبإمكانه أن يتخذ موقفا سلبيا تجاه‬

‫الدعوى املقامة ضده ‪ ،‬وعلى النيابة ويرى بعض الفقه أن النيابة العامة هي امللزمة‬

‫بتقديم ألادلة التي تكشف عن الحقيقة سواء ضد املتهم أو في صالحه ‪.‬‬

‫فليس من مهمتها اصطياد ألادلة ضد التهم أو حشدها جزافا لإليقاع به ‪ ،‬ألن‬

‫واجها ينحصر في كشف الحقيقة إيجابا أو سلبا فقط ‪ ،‬كما علها تحديد ما إذا كانت‬

‫هناك أدلة كاف التقديم املتهم إلى املحاكمة وال يجوز أن يتغير موقفها أمام املحكمة ‪،‬‬

‫بل عليها أن تقدم للمحكمة ألادلة الصادقة التي تفيد في كشف الحقيقة سواء كانت‬

‫في صالح املتهم أو ضده ‪.‬‬

‫‪ -4‬محمد بازي‪ ،‬االعتراف الجنائي في القانون المغربي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪،‬‬

‫‪ .7002/7002‬ص ‪471‬‬

‫‪7‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫ويعتبر مخالفا لوظيفة النيابة العامة الاقتصار على جمع العامة تقديم الدليل‬

‫على ثبوت التهمة املنسوبة إليه ألادلة ضد والواقع إن عبء إلاثبات وإن كان يقع على‬

‫كاهل النيابة العامة بالخصوص عبء اثبات التهمة ‪ ،‬فإن وظيفتها مع ذلك هي إثبات‬

‫الحقيقة بجميع صورها‪ ،‬وعلى املحكمة أن تبحث بنفسها من خالل إجراءات‬

‫املحاكمة عن هذه الحقيقة‪ ،‬دون أن تحمل املتهم عبء اثبات البراءة فهذه ألاخيرة أمر‬
‫‪5‬‬
‫مفترض وال محل إلثباتها أمام املحكمة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القيمة القانونية لقرينة البراءة‬

‫لم تبقى قرينة البراءة في التشريعات الحديثة مجرد صورة تزين قانون املسطرة‬

‫الجنائية‪ ،‬بل أصبحت إطارا ينظم إجراءات البحث والتحقيق واملحاكمة‪ .‬فاعتبار‬

‫املشتبه فيه أو املتهم بريئا يعني معاملته على هذا ألاساس‪ ،‬وتمتيعه بكافة الضمانات‬

‫القانونية إلى حين صدور حكم في الدعوى العمومية‪.‬‬

‫وألهمية هذا املبدأ‪ ،‬والعتبارات مختلفة؛ فإنه أحيط بضمانات تكفل احترامه‬

‫حتى ال يتحول إلى مجرد قرينة ال تكفل حقوق املتهم‪ .‬ويمكن إجمال الاعتبارات التي‬

‫ساقها الفقه الجنائي تأييدا لهذا املبدأ فيما يلي‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬لطيفة الداودي ‪ .‬دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق أخر التعديالت ‪ .‬الطبعة الخامسة ‪ .7047‬ص ‪217‬‬

‫‪8‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫‪ .1‬عبء إلاثبات يتحمله الطرف الذي حرك الدعوى العمومية‪ ،‬أما املتهم فهو‬

‫غير ملزم بإثبات براءته‪ ،‬ألن ألاصل هو البراءة والاتهام استثناء‪ ،‬فإذا لم ينجح املدعي‬

‫في تقديم دليل إلادانة وجب إلابقاء على ألاصل‪.‬‬

‫‪ . .2‬يسهم هذا املبدأ في تجنب ألاخطاء القضائية التي تؤدي إلى إدانة ألابرياء‪،‬‬

‫فهذه ألاخطاء تفقد الثقة في النظام القضائي‪ ،‬ذلك أن قرينة البراءة تستلزم بأن تبقى‬

‫إلادانة على الجزم واليقين ال على الظن والاحتمال‪ ،‬وكل شك في ألادلة يجب أن‬

‫يفسر ملصلحة املتهم‪ .3 .‬إذا لم تفترض البراءة في املتهم‪ ،‬فإنه سيكون ملزما بإثبات‬

‫وقائع سلبية وهو دليل يصعب تقديمه‪ ،‬ويصبح املتهم غير قادر على إثبات براءته‪ ،‬مما‬

‫سيؤدي إلى تسليم املحكمة بجرمه ولو لم يقدم رافع الدعوى دليال ضده‪ ،‬وهذا ما‬

‫يتعارض ومصلحة املجتمع‪ ،‬فهي وإن كانت تقتض ي إدانة املجرمين فإنها تأبى إدانة‬

‫ألابرياء وإذا كانت قرينة البراءة تبقى قائمة بغض النظر عن وقوع الجريمة أو كيفية‬

‫ارتكابها أو طبيعة إلاجراءات املتخذة من أجل الكشف عن الحقيقة‪.‬‬

‫‪ -‬فهل يجوز اتخاذ بعض إلاجراءات املاسة بحرية املتهم كاالعتقال الاحتياطي أو‬

‫الوضع تحت الحراسة النظرية أو بحرمة مسكنه كالتفتيش قبل صدور الحكم البات‬

‫الذي ينفي البراءة ؟‬

‫هنا نكون أمام قرينتين متعارضتين؛ أحدهما قرينة على براءة املتهم وألاخرى‬

‫قرينة على ارتكاب الجريمة‪ ،‬فاألولى تحمي مصلحة املتهم‪ ،‬والثانية تحمي مصلحة‬

‫‪9‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املجتمع‪ ،‬ويتعين التوفيق بينهما‪ ،‬أي التوفيق بين قرينة البراءة ومتطلبات حماية أمن‬

‫واستقرار املجتمع‪ .‬فاعتقال املتهم إجراء خطير يمس بحرية الفرض املفترضة براءته‪،‬‬

‫إال أن إلاجراء قد تقتضيه حاجيات التحقيق‪ ،‬فبقاء املتهم في حالة سراح سيمكنه من‬

‫التأثير في الشهود أو العبث بأدلة إلادانة‪ ،‬بل وقد يساعده على الهروب من تنفيذ‬

‫الحكم الذي سيصدر ضده‪.‬‬

‫ويتضح مما سبق أنه ال تختلف تطبيقات قاعدة افتراض البراءة في القانون‬

‫الوضعي عنها في القانون إلاسالمي‪ ،‬بل إن بعض املحاكم املغربية في تطبيقها لنتائج‬

‫مبدأ افتراض البراءة‪ ،‬تؤسس قضائها دون حرج على قواعد فقهية إسالمية‪.‬‬

‫فال يوجد تعارض بين ما تقرره النظم القانونية املعاصرة من أن ألاصل في‬

‫إلانسان البراءة وبين ما سبق أن قرره الفقهاء املسلمون من أن ألاصل براءة الذمة"‪.‬‬

‫وإذا كانت القاعدة الفقهية إلاسالمية أوسع نطاقا في تطبيقها من القاعدة‬

‫القانونية‪ ،‬فإنهما تلتقيان في املجال الجنائي‪ ،‬حيث تفرضان بناء إدانة املتهم على دليل‬

‫قاطع‪ ،‬وإذا لم يتوافر مثل هذا الدليل فإنه يتعين على القاض ي الحكم ببراءة املتهم‪،‬‬

‫فال فرق إذن من حيث النتيجة بين قضاء جنائي يقوم على ألاحكام إلاسالمية‪ ،‬وبين‬

‫قضاء جنائي يقوم أساسه على النظريات إلاجرائية الحديثة‪ ،‬فاختالف التعبير عن‬

‫القاعدة عند الفقهاء املسلمون عن فقهاء القانون الوضعي ال أثر له على نتيجتها‪،‬‬

‫والعبرة باملقاصد واملعاني ال باأللفاظ واملباني‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية‬


‫فقد ظهر تطبيق هذا املبدأ لألول مرة في إنجلترا في العهد ألاعظم‪ ،‬بعد ذلك‬

‫سيرى النور في فرنسا وثم إقراره إثر قيام الثورة الفرنسية لحقوق إلانسان واملواطن‬

‫في عام ‪ 0814‬والذي نص في مادته ‪" 1‬ال جريمة وال عقوبة إال بنص"‪.‬‬

‫وفي معالجتنا لهذا املطلب سنتطرق إلى فقرتين أساسيتين‪( ،‬الفقرة ألاولى)‬

‫سنتناول مفهوم مبدأ الشرعية‪ ،‬بينما في (الفقرة الثانية) سنتطرق ملبدأ الشرعية‬

‫كأهم ضمانة في املحاكمة العادلة ‪.‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية‬

‫ولقد عالجنا هذا املبدأ من خالل إعطائنا مجموعة من التعاريف منها ما هو‬

‫تشريعي ومنها ما هو فقي‪ .‬حيث عرفه بعض الفقه بأنه ضرورة خضوع الفعل أو‬

‫الامتناع لنص من نصوص التجريم‪ ،‬كما عرفه البعض آلاخر اختصارا ب " ال جريمة‬

‫وال عقوبة إال بنص سابق"‪ .‬كما نجد املشرع املغربي عرفه في الفصل الثالث من‬

‫القانون الجنائي "ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال‬

‫معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون"‪ .‬أما املشرع اللبناني فقد نص في املادة ألاولى‬

‫من قانون العقوبات على ما يلي‪ " :‬ال تفرض عقوبة وال تدبير احترازي أو إصالحي من‬

‫أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه" من خالل قراءة أولية لهذه‬

‫التعريفات الفقهية منها والتشريعية؛ فإنه يبدو أن كل هذه التعاريف متفقة حول‬

‫‪11‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫مسألة أساسية وهي أن التجريم والعقاب يجب أن يكون سباقا لوقوع الفعل الذي‬

‫أثاره الشخص‪ ،‬بمعنى أنه ال تجوز مسألة أي فرد عن أي فعل مهما كان ضارا إال إذا‬

‫جرمه القانون بنص من نصوص التجريم‪.‬‬

‫كما ال يجوز معاقبته إال بالعقوبات الذي يكون القانون قد قررها في الجريمة‬

‫التي اقترفها‪ .‬ومن جهة أخرى فإن مبدأ الشرعية التي يخضع لها القانون ليست‬

‫قاصرة على تحديد الجرائم والعقوبات فحسب‪ ،‬بل هي شرعية تعود كل مراحل‬

‫تدخل القانون الجنائي منذ وقوع الجريمة حتى محاكمة الجرم وتنفيذ العقاب في‬

‫شأنه‪.‬‬

‫بمعنى أن شرعية الجريمة والعقوبة تمثل الحلقة ألاولى من الشرعية الجنائية‬

‫تتلوها الشرعية إلاجرائية‪ ،‬وبيعني أخر أنه ال يجوز اتخاد إجراء ضد أي شخص ما لم‬

‫يكن القانون هو مصدر هذا إلاجراء وما لم يكن القانون مسموحا به من طرف‬

‫القانون‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك املرحلة الثالثة من مراحل الشرعية الجنائية وهي مرحلة‬

‫التنفيذ العقابي‪ ،‬وهي تعني ضرورة أن يكون القانون هو مصدر القواعد التي تخضع‬
‫‪6‬‬
‫لها إجراءات معاملة املجنونين وإجراءات تنفيذ العقوبات عموما‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام" طبعة ‪ 2002‬صفحة ‪67‬‬

‫‪12‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية كأهم ضمانة في املحاكمة العادلة ‪.‬‬
‫يعتبر مبدأ الشرعية ضمانا هاما من ضمانات الحرية الفردية وحماية املصلحة‬

‫العامة ويكتس ي هذا املبدأ قيمة دستورية ببالدنا فبالرجوع إلى الفقرة ألاولى من‬

‫الفصل ‪ 12‬من الدستور نجده ينص على أنه ‪" :‬ال يجوز إلقاء القبض على أي شخص‬

‫ومتابعته أو إدانته إال في الحاالت وطبقا لإلجراءات التي ينص عليها القانون "‪.‬‬

‫وأصل هذا املبدأ في الشريعة إلاسالمية قوله تعالى‪ " :‬وما كنا معذبين حتى‬

‫نبعت رسوال " وبقوله عز وجل‪ " :‬وما كان ربك مهلك القوى حتى يبعث في أمتها رسوال‬

‫يتلوا عليهم آياتنا "‪ .‬ونظرا لألهمية هذا املبدأ‪ ،‬كذلك فقد كرسه املشرع في القانون‬

‫الجنائي الذي جاء فيه‪" :‬ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعتبر جريمة بصريح‬

‫القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون "‪ .‬كما منح املشرع املغربي أهمية‬

‫لهذا املبدأ من خالل جعله قاعدة دستورية تماسيا مع العديد من التشريعات‬

‫الجنائية املعاصرة وجملة من الدساتير الحديثة ومع إلاعالن العلمي لحقوق إلانسان‬

‫الذي جاء فيه ‪ " :‬البد أن أي شخص من جراء فعل أو ترك إال إذا كان ذلك يعتبر‬

‫جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت ارتكابه وكذلك ال توقع عقوبة أشد من تلك‬
‫‪7‬‬
‫التي كان يجب توقيعها وقت ارتكاب الجريمة ‪".‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ --‬عرض في مادة قانون المسطرة الجنائية حول موضوع‪" :‬ضمانات المحاكمة العادلة "‪ ،‬من إنجاز طلبة ماستر االستشارة‬
‫القانونية‪ ،‬الفوج الثالث‪ ،‬كلية الحقوق سال‪ ،‬تحت إشراف األستاذة بوعدي‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2012-2013‬‬

‫‪13‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫من خالل مما سبق ذكره نستشف أن السلوك مهما كان ضارا باملجتمع ال يمكن‬

‫إخضاعه لجزاء جنائي ما لم يكن هناك نص صريح يجرمه ويحدد العقوبة املقررة‬

‫له‪ ،‬لذا وجب على القاض ي أن يحكم بالبراءة مهما كانت قيمة الفعل‪ ،‬ويعني ال يمكن‬

‫للقاض ي أن يجرم أفعاال لم يجرمها القانون وال يمكنه أن يعاقب بعقوبات لم‬
‫‪8‬‬
‫يحددها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬الدكتور هشام بوحوص‪" :‬محاضرات في القانون الجنائي المغربي السداسي الثاني "‪ ،‬كلية الحقوق بطنجة ‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪2016-2017‬‬

‫‪14‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املبحث الثاني‪ :‬دور التشريع الجنائي في توفير املحاكمة العادلة‬


‫إن عملية التثبت من وقوع الجرائم وما يقتضيه ذلك من وجوب البحث عن‬

‫مرتكبها وجمع ألادلة عنها التي من املمكن أن تسندها إلهم هي ما يسمى بالبحث‬

‫التمهيدي‪ 9‬ويتولى القيام بهذه املرحلة حسب مقتضيات املادتين ‪ 01‬و‪ 81‬من قانون‬

‫املسطرة الجنائية‪ ،‬جهاز الشرطة القضائية بكل مسؤولية وإخالص‪ ،‬من خالل احترام‬

‫ضمانات املحاكمة العادلة‪ ،‬التي تضمن الحد ألادنى من الحقوق بالنسبة للمتهم‪،‬‬

‫حيث تبدأ من أول لحظة يتم فيها القبض عليه إلى غاية الانتهاء من كافة إلاجراءات‬

‫ألاخرى املتعلقة بالتحقيق معه بخصوص ألافعال املنسوبة إليه‪.‬‬

‫وبالتالي فمرحلة ما قبل املحاكمة تعتبر أهم مرحلة لسير الدعوى العمومية‪ ،‬إذ‬

‫أثناءها يواجه الشخص مؤسسة الدولة وبها تقاس درجة احترامها لحقوق إلانسان‬

‫التي كفلها التشريع الجنائي املغربي‪.‬‬

‫فضباط الشرطة القضائية أثناء قيامهم بمهامهم‪ ،‬يمارسون مجموعة من‬

‫إلاجراءات والعمليات نظمها قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬ورتب عليها جملة من آلاثار‬

‫القانونية؛ حيث ينبغي احترامها وتطبيقها بصرامة متناهية كما ابتغاها القانون‬

‫وانصرفت إليها إرادة املشرع ضمانا الشروط املحاكمة العادلة وتسييجا لقرينة البراءة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بد الواحد العلمي‪ ،‬شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬طبعة ‪ ،2007‬ص ‪10 .343‬‬

‫‪15‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫وعلى هذا ألاساس‪ ،‬سنعالج مختلف الضمانات القانونية الواجب احترامها‬

‫والحرص على تفعيلها من قبل ضباط الشرطة القضائية في إطار البحث التمهيدي‪،‬‬

‫من خالل دراسة ضمانات الوضع تحت الحراسة النظرية (املطلب ألاول)‪ ،‬وضمانات‬

‫التفتيش (املطلب الثاني)‪ .‬وهي ضمانات وضعها املشرع املغربي لفائدة املتهم سواء‬

‫تعلق ألامر بمساطر البحث التلبس ي أو بمساطر البحث العادي‪.‬‬

‫املطلب ألاول‪ :‬ضمانات الوضع تحت الحراسة النظرية الوضع تحت‬


‫الحراسة النظرية ‪.‬‬
‫هو إجراء أشرعه القانون املغربي في املادة ‪ 11‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬في‬

‫نطاق الجرائم املتلبس بها واملادة ‪ 11‬من ذات القانون بالنسبة للجرائم غير املتلبس‬

‫بها‪ .‬بمقتضاه يسمح لضابط الشرطة القضائية إبقاء شخص أو عدة أشخاص رهن‬

‫إشارته لحاجيات يقتضيها البحث التمهيدي"‪ 10،‬مع الوجه نفع متعة في القانون‬

‫الدولي‪.‬‬

‫ويعتبر الوضع تحت الحراسة النظرية من أخطر إلاجراءات التي يقوم بها ضابط‬

‫الشرطة القضائية لتعلقها بحرية إلانسان وأمنه القانوني‪ ،‬لذلك نظم املشرع هذا‬

‫املقتض ى بشروط ضمانا إلاجراءات البحث وكذا الشخص املوقوف‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ع المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة ‪.401‬‬

‫‪16‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫ومن الضمانات الشكلية املمنوحة للشخص تحت الحراسة النظرية‪ ،‬إخباره أنه‬

‫تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها وله الحق في‬

‫الصمت (الفقرة ألاولى)‪ ،‬وأيضا له حق التمتع بتعيين محام أو طلب تعيينه في إطار‬

‫املساعدة القضائية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفقرة ألاولى‪ :‬الحق في الصمت ‪.‬‬

‫يعتبر حق املتهم في الصمت من حقوق الدفاع والتي تعد حجر الزاوية بالنسبة‬

‫للمحاكمة العادلة‪ ،‬وضمانة أساسية ومهمة لحماية حرية ألافراد وحقوقهم‪.‬‬

‫وحق املتهم في الصمت‪ ،‬إنما يأتي إعماال لقرينة البراءة ونتيجة من نتائجها‪ ،‬هذه‬

‫القرينة التي تفترض حسب املادة ألاولى من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬أن املتهم بريئ‬

‫حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات؛ إذ أن هذه القرينة تبقى قائمة طوال جميع‬

‫إجراءات الدعوى الجزائية‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ال يطلب من املتهم إثبات براءته القائمة‬

‫أصال بمقتض ى قرينة البراءة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الاتجاه الغالب في الفقه يقرر منح املتهم‬

‫الحرية الكاملة في إبداء أي أقوال‪ ،‬وله الحق في أن يلتزم الصمت"‪.‬‬

‫وحق املتهم في الصمت‪ ،‬يسري على جميع املتهمين‪ ،‬سواء أكان املتهم مبتدأ في‬

‫إلاجرام أم من أصحاب السوابق‪ .‬وبالتالي ال يمكن إزالة هذه الصفة عنه أو حرمانه‬

‫من الحماية التي يقررها القانون‪ .‬وعلى هذا ألاساس‪ ،‬ومن أجل ملس هذا الحق خالل‬
‫‪11‬‬
‫الفهد هادي حبتور‪ ،‬حق المتهم في الصمت‪ ،‬مقال منشور بمجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية دمنهور العدد الثاني المجلد‬
‫التاسع‪ ،2016 ،‬ص ‪.726‬‬

‫‪17‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫مرحلة البحث التمهيدي‪ ،‬يتعين علينا بداية معرفة ألاساس القانوني لحق املتهم في‬

‫الصمت (أوال)‪ ،‬ثم بعدها نعرج إلى جزاء خرق الحق في الصمت في مرحلة البحث‬

‫التمهيدي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أحقية املتهم في الصمت من ضمانات املحاكمة العادلة‬

‫الهدف من إقرار هذا املقتض ى الذي جاء به املشرع املغربي في التعديالت التي‬

‫طالت قانون املسطرة الجنائية (‪ 08‬أكتوبر ‪ ،)1100‬هوتي الشخص املوقوف نفسيا‬

‫وإحاطته باألفعال الجرمية املنسوبة إليه وألاسباب الداعية إلى اعتقاله‪ ،‬فضال عن‬

‫تعريفه بحقوقه التي يكلفها له القانون ما لم يتنازل عنها‪.‬‬

‫ونظرا ألهمية ذلك‪ ،‬فقد جعل منه املشرع املغربي قاعدة دستورية واجبة‬

‫التطبيق عندما نص في الفصل ‪ 12‬من الدستور على أنه‪ ....." :‬يجب إخبار كل شخص‬

‫تم اعتقاله‪ ،‬على الفور وبكيفية يفهمها‪ ،‬بدواعي اعتقاله وبحقوقه‪ ،‬ومن بينها حقه في‬

‫التزام الصمت‪ ...‬وعليه‪ ،‬نجد أن حق املتهم في الصمت قد تم تعزيزه في الدستور‬

‫املغربي تأكيدا على أهميته في تحقيق املحاكمة العادلة‪.‬‬

‫ويعتبر هذا الحق مفروضا سواء تعلق ألامر بالجريمة املتلبس بها أو في غير‬

‫حاالت التلبس‪.‬‬

‫إال أنه بالرجوع ملقتضيات املادة ‪ 19‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬يحق لضابط‬

‫الشرطة القضائية أن يمنع أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع‬

‫‪18‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الجريمة‪ ،‬إلى أن تنتهي تحرياته‪ ،‬بل وله أن يحتفظ بهم ووضعهم تحت الحراسة‬

‫النظرية إذا كانت ضرورة البحث تقتض ي ذلك‪ ،‬وأنه ملزما بإخبار كل شخص تم‬

‫وضعه رهن الحراسة النظرية في حقه في التزام الصمت‪.‬‬

‫‪ -‬وهنا يطرح سؤال هل من حق هؤالء التزام الصمت؟‬

‫إن حقوق ألاطراف تختلف باختالف مراكزهم في الدعوى العمومية‪ ،‬ذلك أن‬

‫وضعية املتهم بجريمة معينة‪ ،‬تختلف اختالفا تاما عن وضعية الشاهد على الجريمة‬

‫من الناحية القانونية‪.‬‬

‫فإذا كان املتهم ال يجبر على الجواب عن ألاسئلة التي توجه إليه أثناء البحث‬

‫التمهيدي‪ ،‬باعتبار حق الصمت من حقوق الدفاع‪ .‬فإن وضعية الشاهد تتطلب‬

‫الاخبار والتجاوب مع ضباط الشرطة القضائية‪.‬‬

‫وعليه فإن الشاهد ال يحق له التزام الصمت بل يتعين عليه قول الحقيقة‪،‬‬

‫وحتى املتهم يتعين عليه الاخبار عما يعرفه بخصوص الجريمة املنسوبة لغيره تحت‬

‫طائلة العقوبة املقررة في الفصل ‪ 281‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬جزاء خرق أحقية املتهم في الصمت‪.‬‬

‫تشترط املادتان ‪ 11‬و‪ 11‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬اللتان تخوالن لضباط‬

‫الشرطة القضائية إمكانية وضع ألاشخاص تحت الحراسة النظرية‪ ،‬بأن يكون هذا‬

‫الوضع قد اقتضته‬

‫‪19‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫ضرورة البحث الذي يقوم به مع ضرورة احترام الضمانات الدستورية‬

‫والقانونية للمتهم أثناء هذه املرحلة‪ ،‬خاصة حقه في التزام الصمت‪ .‬إال أن القراءة‬

‫املتأنية للمادة ‪ 11‬أعاله‪ ،‬تظهر بجالء عدم ترتيب املشرع املغربي أي جزاء قانوني في‬

‫حالة خرق املقتضيات الواردة فيها‪ ،‬مما يطرح إشكالية الجزاء املترتب في حالة خرق‬

‫هذه املقتضيات ومن ضمنها أحقية املتهم في الصمت‪.‬‬

‫فال يوجد نص صريح يقرر بطالن إجراءات ضباط الشرطة القضائية في حالة‬

‫خرقهم لهذا الحق‪ .‬وبخالف مرحلة البحث التمهيدي‪ ،‬نجد املشرع املغربي قد رتب‬

‫بطالن إجراءات قاض ي التحقيق في حالة خرقها للمقتضيات القانونية؛ حيث نصت‬

‫املادة ‪ 101‬من قانون املسطرة الجنائية على أنه‪.‬‬

‫"يترتب كذلك البطالن عن خرق املقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت‬

‫نتيجتها املساس بحقوق الدفاع لكل طرف من ألاطراف‪."...‬‬

‫واضح من خالل نص هذه الفقرة‪ ،‬أن املشرع املغربي عزز حماية حقوق املتهم‬

‫من خالل بطالن كل إجراء يقوم به قاض ي التحقيق‪ ،‬خاصة وأن إجراءات هذا ألاخير‬

‫كثيرة ومتعددة‪ .‬وبالتالي كان على تشريع قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬تقرير أي جزاء على‬

‫مخالفة أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية املقررة باملادة ‪ 11‬من قانون املسطرة‬

‫‪20‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الجنائية‪ ،‬دون إبقاء صمته نظرا ألهمية هذه املرحلة من البحث التمهيدي‪ ،‬وما قد‬

‫يسفر عنها من نتائج تسعف أجهزة الحكم في تقدير حكمها‪.12‬‬

‫حيث كان على املشرع املغربي النص صراحة على بطالن مخالفة إجراءات‬

‫الوضع تحت الحراسة النظرية كما هو الشأن بالنسبة لبطالن املحاضر املتعلقة‬

‫بتفتيش املنازل في املادة ‪ 12‬من قانون املسطرة الجنائية التي صرح فيها بأنه‪ " :‬يعمل‬

‫باإلجراءات املقررة في املواد ‪ 94‬و‪ 11‬و‪ 11‬أعاله تحت طائلة بطالن إلاجراء املعيب وما‬

‫قد يترتب عنه من إجراءات "‬

‫وعليه‪ ،‬فإذا ثبت أن الضابطة القضائية خرقت املادة ‪ 11‬من قانون املسطرة‬

‫الجنائية وتعاضت عن إشعار الظنين بحقوقه املنصوص عليها في تلك املادة‪ ،‬فإن‬

‫البحث التمهيدي املنجز في حق الظنين املذكر يكون قد استهل بخرق القانون وخلل‬

‫شكلي‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن املحضر املنجز في ظل هذه الوضعية يكون باطال وعديم ألاثر‪ ،‬ألن‬

‫ما بني على باطل‪ ،‬فهو باطل‪.‬‬

‫‪ 12‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬مرجع سابق‪104 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في تعيين محام‪.‬‬


‫من أهم الحقوق التي ينبغي أن يبلغ بها كل شخص يقبض عليه ويوضع تحت‬

‫الحراسة النظرية‪ ،‬حقه في الاستعانة بمحام‪ .‬وهو حق کرسة الدستور املغربي ‪1100‬‬

‫من خالل املادة ‪ 12‬املومأ إليها أعاله‪ ،‬حينما أكد على أحقية املتهم في الاستفادة‪ ،‬في‬

‫أقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية‪ .‬ويمكن الوقوف على هذه الفقرة‪ ،‬من خالل‬

‫معرفة أهمية تعيين املحامي (أوال)‪ ،‬وأهم إلاجراءات التي وضعها املشرع إلاجرائي في‬

‫سبيل استفادة املتهم من محام ملؤازرته (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أهمية تعيين املحامي‬

‫إن حق الدفاع من أهم ضمانات املحاكمة العدلة في الخصومة الجزائية‪،‬‬

‫ولذلك فإن دور املحامي في هذه الخصومة يتعدى مجرد مساعدة املتهم ليصبح دوره‬

‫مساعدا للعدالة ومدافعا عن الحريات والحقوق‪ ،‬ولذلك يجوز للمتهم أن يستعين‬

‫بمدافع عنه في جميع مراحل الخصومة الجنائية بدءا بمرحلة البحث التمهيدي‪ .‬كما‬

‫أن مشورة املحامي القانونية‪ ،‬تمكن في مرحلة ما قبل املحاكمة الشخص املشتبه فيه‬

‫أو املتهم بارتكاب جرم جنائي من حماية حقوقه ومن البدء في إعداد دفاعه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫ولهذه املساعدة بالنسبة للمحتجزين أهميتها من حيث تمكينهم من الطعن في‬

‫مشروعية احتجازهم‪ ،‬كما توفر لهم حماية مهمة من التعذيب وغيره من ظروف سوء‬
‫‪13‬‬
‫املعاملة‪ ،‬ومن إكراههم على تقديم اعترافات تدينهم‪.‬‬

‫وتبدو الحكمة من إقرار حق الاستعانة بمحام في أن إلانسان حينما يكون في‬

‫موضع الاتهام قد يعجزه املوقف الذي هو فيه عن تقديم حججه على نحو سليم‪،‬‬

‫بحيث يعجز عن الدفاع عن نفسه‪ ،‬وتكون النتيجة أن يدان بجريمة هو بريئ منها‪ ،‬وال‬

‫سبيل للتغلب على هذه املشكلة سوى أن يكون إلى جانبه محام يتولى عنه مهمة‬

‫الدفاع بكل ما أوتي من كفاءة وخبرة‪ .‬ويدعم هذه الفكرة التسليم بأن حق الدفاع‬

‫ليس من حقوق املتهم وحده بل إنه يدخل ضمن حقوق املجتمع أيضا‪ ،‬فمصلحة‬

‫املجتمع واضحة في الحرص على أال يدان بریئ وأال يفلت مجرم من العقاب‪.‬‬

‫وال يتعارض حق املتهم في الاستعانة بمحام بماله‪ ،‬من حق الدفاع عن نفسه‬

‫بنفسه‪ ،‬وهذا هو حقه ألاساس ي الذي ال يجوز تقييده أو الانتقاص منه‪ ،‬وذلك ألن‬

‫حق الدفاع أصالة أسبق وجودا من الحق في اختيار محام‪14 .‬ثانيا‪ :‬إجراءات تعيين‬

‫محامي املتهم قلنا فيما سبق‪ ،‬أن حق املتهم في تعيين املحامي من الضمانات التي‬

‫أقرها الدستور املغربي إلى جانب حقوق أخرى حسب الفصل ‪ 12‬منه‪ .‬ومن ثم كان‬

‫‪13‬‬
‫منظمة العفو الدولية‪ ،‬دليل المحاكمة العادلة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص‪43‬‬
‫‪14‬‬
‫الريد محمد أحمد‪ ،‬احترام حق الدفاع ضمانة للمحاكمة العادلة‪ ،‬مقال منشور بمجلة األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬قسم‬
‫العلوم االقتصادية والقانونية‪ ،‬العدد ‪ ،2013 ،11‬ص ‪.123‬‬

‫‪23‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫لزاما على املشرع الجنائي‪ ،‬مواكبة هذا الحق من خالل تحديد إجراءات الاستفادة من‬

‫أحقية املتهم في تعيين املحامي‪.‬‬

‫فإذا التمس الشخص املوقوف تعيين محام ملؤازرته وقام بتعيينه‪ ،‬يقوم ضابط‬

‫الشرطة القضائية بإشعار املحامي املعين مع إخبار نقيب هيئة املحامين التابع لها‬

‫املحامي بذلك‪ .‬أما إذا التمس الشخص املوضوع تحت تدابير الحراسة النظرية‪ ،‬تعيين‬

‫محام له في إطار املساعدة القضائية‪ ،15‬يقوم ضابط الشرطة القضائية بإشعار نقيب‬

‫هيئة املحامين الذي يتولى تعيين أحد املحامين لهذه الغاية‪ ،‬وتتم عملية إلاتصال بين‬

‫املحامي والشخص املوقوف‪ ،‬قبل انتهاء نصف املدة ألاصلية للحراسة النظرية"‪.16‬‬

‫وإذا كان هذا هو ألاصل فإنه قد يتم تأجيل أو تأخير اتصال املحامي بموكله‬
‫‪17‬‬
‫بصفة استثنائية وفق الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن يتعلق ألامر بوقائع تكون جناية مما يجعل الجنح غير خاضعة لهذا‬

‫إلاستثناء؛‬

‫‪ -‬أن يكون التأخير قد اقتضته ضرورة البحث؛‬

‫‪15‬‬
‫نظام المساعدة القضائية هو نظام يمنح لألشخاص الذين ال يقدرون ماديا على ممارسة حق التقاضي‪ .‬وذلك حتى يتمكنوا من‬
‫ممارسة حقوقهم أو الدفاع عنها أمام القضاء‪ ،‬والذي يجد أساسه في المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم‬
‫‪7.5.14‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 17‬نونبر ‪ " 1177‬أحمد قيلش‪ ،‬مجيدة السعدية‪ ،‬سعاد حميدي‪ ،‬محمد زنون‪ ،‬عبد الغني حدوش‪ ،‬الشرح العملي‬
‫لقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ -‬الرباط ‪ ،2016‬ص ‪.36‬‬
‫‪17‬‬
‫انظر المادة ‪ 77‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫‪ -‬أن يكون التأجيل بناء على طلب ضابط الشرطة القضائية وتحت إشراف‬

‫النيابة العامة التي يمكنها أن تأذن بذلك أو ترفضه؛‬

‫‪ -‬أال تتجاوز مدة التأخير اثني عشر ساعة إبتداء من انتهاء نصف املدة ألاصلية‬

‫للحراسة النظرية؛‬

‫‪ -‬إذا تعلق ألامر بجريمة إرهابية أو بالجرائم املشار إليها في املادة ‪ 011‬من قانون‬

‫املسطرة الجنائية‪ ،‬فإن إلاتصال باملحامي يتم قبل انصرام املدة ألاصلية للحراسة‬

‫النظرية على أال يتجاوز ذلك التأخير مدة ‪ 91‬ساعة ابتداء من انصرام املدة ألاصلية‬

‫للحراسة‪ .‬وعليه؛ ال يمكن إجراء هذه املقابلة أو إلاتصال إال بترخيص من النيابة‬

‫العامة وملدة ال تتجاوز ثالثين (‪ )21‬دقيقة‪ ،‬تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية‬

‫وفي ظروف من شأنها أن تكفل سرية املقابلة‪ ،‬وتفعيال لهذه الضمانة القانونية التي‬

‫منحها املشرع للشخص املوضوع تحت تدابير الحراسة النظرية‪ ،‬فإنه منح لضابط‬

‫الشرطة القضائية وبصفة استثنائية إلاذن للمحامي باإلتصال بالشخص الذي طلبه‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫وقيده بشرطين‪:‬‬

‫‪ -‬تعذر الحصول على ترخيص من النيابة العامة لبعد املسافة أو أي سبب آخر‬

‫خارج عن إرادة ضابط الشرطة القضائية؛‬

‫‪18‬‬
‫انظر المادة ‪ 30‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫۔ تحریر تقرير بذلك ورفعه فورا إلى النيابة العامة؛ وقد وسع املشرع املغربي‬

‫من دور املحامي أثناء الاستنطاق أمام النيابة العامة‪ ،‬ومكنه من استعمال ثالث‬

‫إمكانيات‪.‬‬

‫‪ -‬التماس إجراء فحص طبي على موكله الذي كان تحت الحراسة النظرية؛ ‪-‬‬

‫إلادالء بوثائق أو إثباتات كتابية‬

‫‪ -‬التماس إطالق سراح موكله مقابل كفالة‪ .‬وعليه؛ يتضح أن املشرع إلاجرائي‬

‫مكن املتهم من أحقية الاستعانة بمحام سواء تعلق ألامر بمسطرة البحث التلبس ي‬

‫حسب املادة ‪ 11‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬أو بمسطرة البحث العادي حسب‬

‫املادة ‪ 11‬من ذات القانون‪.‬‬

‫كون أن الوضع تحت الحراسة النظرية من أخطر إلاجراءات التي يقوم بها‬

‫ضابط الشرطة القضائية وملا لها من تأثير على نفسية إلانسان وحريته وأمنه‬

‫القانوني‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫املطلب الثاني‪ :‬ضمانات التفتيش‪.‬‬


‫عرف إدريس بلمحجوب التفتيش أنه ‪ " :‬إلاجراء الدقيق الذي ينصب على‬

‫الشخص و املحل والذي أحاطه املشرع بضمانة خاصة سواء أثناء البحث التمهيدي‬
‫‪19‬‬
‫أو التلبس ي‪ ،‬وكذا التحقيق وذلك ملا تقتضيه الجريمة لتثبت منها‪".‬‬

‫هذا إلاجراء الذي ينصب على املنزل كما يمكن أن ينصب على ألاشخاص‪ ،‬مع‬

‫احترام الضمانات القانونية و إلاجراءات املخولة للجهة املوكولة لها تبني هذا إلاجراء و‬

‫منه سنقسم هذا املطلب الفقرتين‪ ،‬التفتيش في املنازل (الفقرة ألاولى)‪ ،‬ثم تفتيش‬

‫ألاشخاص (الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬تفتيش املنازل‬


‫يظهر للوهلة ألاولى أن ضمانات التفتيش في الحاالت العادية أكثر وضوحا من‬

‫الحالة املشهودة التلبسية)‪.‬‬

‫حيث نجد هذه املرحلة تتميز عن الحالة املشهودة بأن لها قيود إضافية في‬

‫إجراءاتها‪ ،‬سواء في الحراسة النظرية أو التفتيش‪ ،‬وهذا ألاخير هو الذي تتركز عليه‬

‫الدراسة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫د يوسف أديب ‪ ,‬إجراءات تفتيش المنازل ‪ ,‬موضوع ماستر في المنازعات في كلية موالي إسماعيل بمكناس ‪ ,‬مدرج بموقع‬
‫‪www.Marocdroit.com‬‬
‫‪.‬تاريخ الزيارة ‪21/12/2020‬‬

‫‪27‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫يقوم ضابط الشرطة القضائية بمهامه إما بناءا على تعليمات النيابة العامة أو‬

‫تلقائيا بشكاية أو وشاية (‪ 81‬من قانون املسطرة الجنائية)‪.‬‬

‫و معه يقوم بسائر املهام املوكولة له لكن املشرع خص بالذكر في ما يتعلق‬

‫بالبحث التمهيدي‪ ،‬الحراسة النظرية و التفتيش ملا لهم من خطورة على الحرمات و‬

‫الحريات ‪ ,‬و منه سنقسم هذه الفقرة إلى شقين ‪ ,‬التفتيش في الجنح و الجنايات (أوال)‬

‫ثم التفتيش في الجرائم إلارهابية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬التفتيش في الجنح والجنايات‬

‫خارج حاالت التلبس نص املشرع في قانون املسطرة الجنائية ضمن فصلها ‪،84‬‬

‫أنه للدخول إلى منزل به أدوات إلاقناع و تفتيشه البد لضابط الشرطة القضائية‬

‫الحصول على موافقة صريحة و مكتوبة بخط يد الشخص الذي سيجرى التفتيش في‬

‫منزله‪ ،‬وإذا كان ال يحسن الكتابة يشار في املحضر إلى موافقته لكن يطرح هنا إشكال‬

‫ذلك باستغالل ضابط الشرطة القضائية لهذه الصالحية ويقوم باإلشارة في املحضر‬

‫إلى املوافقة ؟ لكن الحال أن املشرع كما ذكرنا يستلزم لهذه إلامكانية عدم القدرة‬

‫على الكتابة (أمي)‪ ،‬هناك قرار قضائي بهذا الشأن مفاده أن ضابط الشرطة القضائية‬

‫دخلوا في الحالة غير التلبسية إلى مسكن أستاذ دون إذن مكتوب منه و أشار إلى‬

‫موافقته لكن هذا ال يستوي لكون ألاستاذ يحسن الكتابة وهو ما جعل محضر‬

‫‪28‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫التفتيش و ما تم حجزه باطال‪ 20‬يسوي املشرع بين منزل املشتبه فيه وبين منزل الغير‪،‬‬

‫عند التصريح املكتوب بخط اليد واملوافقة على الدخول يستند ضابط الشرطة‬

‫القضائية في إجراءاته للفصول من ‪ 94‬و ‪ 11‬و ‪ 11‬و ‪ 12‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫املهم هو الحيازة القانونية ‪ ،21‬إال أن العمل القضائي يعتبر املوافقة هي مجرد‬

‫التوقيع على التصريح املحرر من قبل ضابط الشرطة القضائية الستغالل الوقت‪،‬‬

‫لكن ذهب بعض الوكالء العامون للملك إلى القول أن إذن النيابة العامة كافي‬

‫للدخول للمنزل املراد التفتيش فيه‪ ،‬أخذا بعين الاعتبار التقادم متى اوشكت الجريمة‬

‫على التقادم إال وكان الانتهاك مسموح به و الولوج للمسكن بإتباع إجراءات التلبس‪.‬‬

‫هناك من قال بأن هذا إلاذن هو مالذ و مفر للهاربين من السلطة و املجرمين و‬

‫يتساءلون عند الحل‪ ،‬جاء ألاستاذ الحسن بوعيس ي و مع إشارته لتشدد محكمة‬

‫النقض الفرنسية في إلاذن املكتوب من صاحب املنزل إقرارها الصادر بتاريخ ‪ 11‬يناير‬

‫‪ 0492‬و تكون الصيغة كالتالي ‪" :‬علما مني بحقي في الاعتراض على الدخول إلى منزلي ‪,‬‬

‫فإني أسمح لكم بالدخول إليه ‪ ,‬قصد القيام بالتفتيش ‪22‬والحجز الضروري" ما الحل‬

‫متى اعترض املجرم أو الشخص عن التفتيش املطلوب منه ؟ و كما قلنا أن ضابط‬

‫الشرطة القضائية يعود للنيابة العامة ملنحه إلاذن وهو ما عاب عليه الحسن‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬قرار محكمة اإلستئناف‪ ,‬الرباط‪ ,‬صادر بتاريخ ‪ 1137-03-23‬في ملف جنحي رقم‪86/2327‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ .‬زينب عيوش‪ ،‬ضمانات المتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة ‪ ,‬الطبعة األولى ‪ ,‬مطبعة أفولكي تزنيت ‪ , 2001,‬ص ‪. 36‬‬
‫‪22‬‬
‫يجب اإلشارة إلى ضرورة التمييز بين التفتيش التنقيبي (‪ )fouille perquisition‬والذي يستلزم اإلذن ‪ ,‬والتفتيش الوقائي‬
‫والهدف منه حفاظا على سالمة الشخص و الغير ‪ ,‬و هو يتم رغم عدم موافقته ‪ ,‬لحجز األدوات الضارة ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫البوعيس ي واعتبره إجراء قانوني وان النيابة العامة متى حضرت عليها الامتثال للقانون‬

‫و أخذ إلاذن من صاحب املنزل و الحل هنا هو محاصرة املجرم أو منزله‪ ,‬و العمل على‬

‫اختتام املحضر فورا و إحالته إلى النيابة العامة املختصة فورا‪ ،‬و الذي يلتمس من‬

‫قاض ي التحقيق وهذا ألاخير يعمد إلى إنابة ضباط الشرطة القضائية‪ 23‬املتواجدين في‬

‫عين املكان للقيام بإجراءات التحقيق و هي ما تفتح املجال لهم للقيام بما يرونه‬

‫مالئما و الدخول للمنزل قصد تفتيشه‪ ،‬ملا كان له في ظل قانون املسطرة الجنائية‬

‫السابق من سلطة واسعة في القيام بماله أن يظهر الحقيقة ‪ ،24‬لكن في النص الحالي‬

‫‪ 1111‬نجده يمنح لقاض ي التحقيق صالحية القيام بكل ما يراه صالحا للكشف عن‬

‫الحقيقة مع التقيد بالقانون (‪ 19‬من قانون املسطرة الجنائية) وهوما يجعلنا نقول‬

‫أنه هو آلاخر ملزم بأخذ إذن صاحب املنزل ‪.‬‬

‫يثور إشكال آخر وهو الحالة التي نراها في املجتمع املغربي و غيره‪ ،‬أن أشخاص‬

‫يكترون شقة كل بغرفته‪ ,‬هل يستلزم هنا ضابط الشرطة القضائية الحصول على‬

‫إذن جماعي لهم للدخول للمنزل‪ ،‬ثم إذن صاحب الغرفة أم أنه يكتفي بإذن أحدهم‬

‫للدخول إلى املنزل و غرفه ؟ املنطقي‪ ،‬وباستعمال القياس‪ ،‬ما دام الفندق يستلزم‬

‫إذن صاحب الغرفة و ردهات الفندق هي عمومية ال يلزمه إلاذن نقول أن املوافقة‬

‫الزمة من صاحب الغرفة في املنزل املكتري من عدة أشخاص‪ ،‬والدخول للمنزل‪ ،‬ما‬

‫‪23‬‬
‫انظر الفصل ‪ 37‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪24‬الحسن البوعيسي‪ ،‬عمل الضابطة القضائية بالمغرب ‪ ,‬دراسة نظرية تطبيقية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ,4444,‬ص ‪204‬‬

‫‪30‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫دام مشترك ال بد من إذن جماعي‪ ،‬أو إذن الشخص الذي سيتم تفتيش غرفته‪ ,‬حيث‬

‫أنه متى لم يكن صاحب الغرفة فال حق لغيره بمنح إلاذن لضابط الشرطة القضائية‬

‫للدخول للغرفة رغم إمكانية منحه إلاذن للدخول للمنزل ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التفتيش في الجرائم إلارهابية‬

‫في الجرائم إلارهابية يكون إلاذن املمنوح من صاحب املنزل أو رفضه للتفتيش‬

‫املوقع على منزله‪ ،‬ال يكون له جدوى‪ ،‬بحيث انه إذا امتنع أو تعذر عليه إعطاء إلاذن ‪,‬‬

‫بوشرت عملية التفتيش‪ ،‬بناءا على إذن كتابي من النيابة العامة املختصة‪ ،‬سواء‬

‫حضر أو امتنع عن الحضور‪ ،‬لكن عليه استدعاء شاهدين لهذه العملية غير مرؤوسين‬

‫من قبل ضابط الشرطة القضائية املكلف باإلجراء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تفتيش ألاشخاص‬


‫التفتيش الجسدي فيه مساس بحرمة الجسد للشخص‪ ،‬لكن لتحقيق العدالة‬

‫البد من التفتيش لكن مع احترام الحرمات إقرارا للتوازن ‪ ,‬و ذلك متى كان الشخص‬

‫يحمل أشياء مفيدة في الجريمة املبحوث فيها عن ادلة‪.‬‬

‫لكن هذا إلاجراء غير واضح املعالم في النصوص إلاجرائية الجنائية املغربية‪،‬‬

‫ومنه سنحاول معالجة هذا ألامر (اوال) ثم نقف على إلاشكاليات املثارة (ثانيا)‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫أوال‪ :‬جواز التفتيش الجسدي‪.‬‬

‫لم ينظم املشرع املغربي في نصوص معينة التفتيش الجسدي ‪ -‬الفصل ‪ -10‬على‬

‫غرار املشرع الفرنس ي‪ ،‬وال نعلم لحد الساعة ملاذا ال يزال املشرع الوطني تابع لفرنسا‪,‬‬

‫عكس التشريع املصري الذي نظم هذا التفتيش في املادة ‪ 91‬من قانون إلاجراءات‬

‫الجنائية بقوله ‪ " :‬في ألاحوال التي يجوز فيها القبض قانونا على املتهم ‪ ،‬يجوز ملأمور‬

‫الضبط القضائي أن يفتشه"‪ ،‬فسر الفقه هذا أنه متى كان الشخص ستسلب منه‬

‫حريته والتي هي أقص ى حد من ناحية الانتهاكات فال بأس من التفتيش‪ ،‬وكذا املشرع‬

‫املغربي اقتصر على تبني هذا إلاجراء في حالة كان الشخص موضوع رهن الحراسة‬

‫النظرية‪ ،‬في إطار ما يعرف بالتفتيش الوقائي‪ ,‬و حالة التنظيم بنصوص خاصة كما هو‬

‫الحال في املادة ‪ 19‬املتعلقة بمصلحة الدرك امللكي ‪:‬‬

‫" كل شخص يقع القبض عليه أو يتهم أو يعتقل أو يظن أنه يحمل أسلحة أو‬

‫أشياء من شأنها أن تضر باألمن العمومي يجب تفتيشه من لدن الدرك امللكي ‪ ,‬يمتد‬

‫لهؤالء ألاشخاص ‪ ,‬و كذا ألامتعة‪"..‬هو خليط من التفتيش التنقيبي و الوقائي ‪ ,‬ثم نجد‬

‫الفصل ‪ 2‬من ظهير ‪" :0488‬ألجل تطبيق هذه املدونة و رغبة في البحث عن الغش ‪,‬‬

‫يجوز ألعوان إلادارة أن يقوموا بمعاينة البضائع ووسائل النقل و تفتيش ألاشخاص "‬

‫‪32‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫برجوعنا للفصل ‪ 10‬من قانون املسطرة الجنائية نجده ينص على التفتيش‬

‫الجسدي من قبل ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬يقع على الشخص املوضوع رهن‬

‫الحراسة النظرية‪ ،‬و تسري حتى على حالة التلبس بجناية أو جنحة‪.‬‬

‫هذا و نجد أن التفتيش الجسدي يثير عدة إشكاليات هو ما سنعالجه في الشق‬

‫الثاني من هذه الفقرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اشكاليات التفتيش الجسدي‪.‬‬


‫تثار إشكاالت في هذا إلاجراء‪ ،‬بدءا بإجراءات التفتيش التي ال نجد لها أي نص ‪,‬‬

‫هو ما دفع بعض الفقه للقول بأنه البأس من القياس على صالحيات التفتيش املقرر‬

‫للمنازل‪ ،‬هو ما رفضه الجانب املقابل بحجة الشرعية الجنائية و يفسر النص بشكل‬

‫ضيق‪ ،‬لكن املشرع املغربي سرعان ما أتي في الفصل ‪ 11-0‬من مسودة مشروع قانون‬

‫املسطرة الجنائية الذي اعتبر ‪":‬يجوز الضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإجراء‬

‫التفتيش الجسدي على ألاشخاص املشار إليهم في املادة أعاله بواسطة أشخاص من‬

‫جنسهم وفي ظروف تصان فيها كرامتهم مع ضمان فعالية املراقبة"‪ .‬ومنه فهو خاضع‬

‫إلجراءات تفتيش املنازل‪.‬‬

‫أما إلاشكال املوالي هو التفتيش الداخلي لجسم إلانسان‪ ،‬شرط عدم إلحاق‬

‫ضرر بجسم الشخص و صحته‪ ،‬أجاز املشرع املغربي هذا النوع‪ ،‬حسب ما هو مقرر في‬

‫الفصل ‪ 98‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬على أنه يقوم ضابط الشرطة القضائية‬

‫‪33‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫عند إلاقتضاء‪ -‬بأخذ البصمات من مکان ارتكاب الجريمة‪ ،‬أو لدى املشتبه فيهم‬

‫بارتكابها ‪.‬‬

‫‪-‬هل يمكن للشخص رفض التفتيش املجرى عليه ؟‬

‫جوابا على هذا إلاشكال في الحاالت العادية و حسب الصيغة املقررة في الفصل‬

‫ال مجال للرفض‪ ،‬و املشرع الفرنس ي نجاوز هذا الحد إلى اعتبار الرفض جريمة‪ ،‬لكن و‬

‫حسب ألاستاذ الحسن البوعيس ي يجعل الرفض مقبوال كما يفيد التفتيش بتصريح‬

‫مكتوب من الشخص ‪ ,‬كما هو الحال في التشريع إلانجليزي ‪.‬‬

‫لم تقف إلاشكاالت إلى هذا الحد بل هناك ما هو أهم هو التفتيش من بني‬

‫جنس الشخص املقرر في حقه إلاجراء‪ ،‬هذا إلاشكال هدفه حماية و إقرار و صيانة‬

‫آلاداب والقيم وألاخالق و النظام العام ‪ ,‬ثم الحفاظ على ألاعراض؛ سواء بالنسبة‬

‫لألنثى أو الذكر‪.‬‬

‫فال يجوز تفتيش أنثى إال من بني جنسها تحت طائلة البطالن ‪ ,‬سواء كانت طفلة‬

‫أو طاعنة في السن ‪ ,‬قد يتم من الزوج على زوجته وهذا ال أساس له لكونه غير ذي‬

‫صفة وهو تقليل من قيمتهم ومساس بكيانهم‪ ،‬والزوج قد يخفي على ضابط الشرطة‬

‫القضائية ألادلة ‪ ,‬ومتى أظهرها سيؤدي هذا ال مجال للشقاق‪ .‬و ما حکم التفتيش‬

‫الطبيب الذكر لألنثى‪ ،‬إجابة عليه نورد قرار شہير ملحكمة النقض املصرية أن كشف‬

‫‪34‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الطبيب على املرأة في مناطقها الحساسة ال يمس شرعية إلاجراء کونه خبير و محلف و‬

‫يتعامل بشكل متواصل مع هذا الجنس ‪.25‬‬

‫ما حكم حضور ضابط الشرطة القضائية للتفتيش املجرى من قبل الانثى على‬

‫من هي من جنسها‪ ،‬ذهب بعض الفقه للقول انه يتم بقبولها وعدم كشف عورتها‬

‫أمام ضابط الشرطة القضائية‪ ،‬و جانب آخر اعتبر العورة ال تمس بالتحسس بل‬

‫تمس بالنظر و إلقاء النظر على املناطق الحساسة يعد مساسا بها و يجعل التفتيش‬

‫باطال ‪.‬‬

‫يمكننا القول أن هذه القاعدة ال تسري بإطالقها بل يمكن لضابط الشرطة‬

‫القضائية تفتيش املرأة دون الوصل ملناطقها الحساسة ‪ ,‬كأخذ ش يء من يديها أو‬

‫امسك بيدها لينزع منهما ما يشكل جريمة (املخدرات)‪.‬‬

‫هذا كله تابع من الواقع العملي في مجال التفتيش املتعلق باألشخاص واملنازل ‪,‬‬

‫تنهای مهام التفتيش من قبل ضابط الشرطة القضائية بتحرير محضر بما قام به ‪ ,‬و‬

‫حيث أنه يعد صورة عن مدى شرعية إلاجراء ‪ ,‬الذي قد يبطله القاض ي متى وجد فيه‬

‫خلل أو مساس بالحرمات و انتهاك للحقوق‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬قرار محكمة النقض المصرية‪ ،‬صادر بتاريخ ‪1167-1-11‬‬

‫‪35‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫‪:‬‬ ‫خاتمة‬

‫ال شك أن أي نص قانونی مهما بلغت درجة دقته وحسن بناؤه وسلمت‬

‫صياغته‪ ،‬يبقى عمال إنسانيا قوامه القصور والنقصان‪ ،‬وال يكون بمنأى عن املراجعة‬

‫والانتقاد والتنقيح‪ ،‬وهو ما يتم في الغالب عبر تعديالت قانونية تأخذ في الاعتبار‬

‫مقاصد السياسة الجنائية في الدولة والتي تتحول باستمرار‪ ،‬متأثرة في ذلك بتحول‬

‫الظاهرة إلاجرامية ذاتها‪.‬‬

‫واملشرع الجنائي يبقى مدعوا دون غيره إلى إحداث نوع من التوازن والانسجام‬

‫بين مصلحتين تقفان على طرفي نقيض‪ ،‬فهناك مصلحة الفرد بما تقتضيه من‬

‫محافظة على حقوقه وحرياته‪ ،‬وهناك مصلحة املجتمع بما تتطلبه من صرامة في‬

‫التعامل مع كل من يهدد طمأنينته وكيانه‪ ،‬في معادلة صعبة كلما نجح املشرع في‬

‫حلها‪ ،‬إال وجاءت قوانينه متوازنة توصف بالدقة والفاعلية‪ ،‬واذا اختل هذا التوازن‬

‫لصالح هذه الجهة أو تلك سقطت القواعد القانونية في فخ الركاكة والغموض وعدم‬

‫الفاعلية‪ ،‬وإذا اقترن إصدارها وحالة استعجال فرضتها حوادث مجتمعية غير متوقعة‬

‫زاد هذا الاختالل اختالال آخر‪ ،‬لتصل هذه القواعد القانونية إلى مرحلة السوء‪.‬‬

‫انطالقا من كل ما تقدم ذكره‪ ،‬يتضح أن املشرع من خالل النصوص املنظمة‬

‫إلجراءات البحث والتحري عن الجرائم والتي أدرجها في قانون املسطرة الجنائية‪،‬‬

‫حاول جاهدا التوفيق بين مصلحتين مهمتين ومتضاربتان‪ ،‬وهما حق الدولة في توقيع‬

‫‪36‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الجزاء على الجناة وكذا حق هؤالء في الاستفادة من كل الضمانات التي تؤدي حتما‬

‫إلى محاكمة عادلة تستجيب لكافة الشروط الواردة في القوانين الوطنية واملكرسة في‬

‫املواثيق الدولية‪ .‬فخالل مرحلة البحث التمهيدي بشقيه العادي والتلبس ي‪ ،‬منح‬

‫املشرع للشرطة القضائية بمختلف درجاتها مجموعة من الصالحيات والسلطات لكي‬

‫يكون دورهم في هذه املرحلة فعاال باعتبار مرحلة البحث التمهيدي بوابة وقنطرة‬

‫عبور إلى الدعوى العمومية‪.‬‬

‫فيمكن للشرطة القضائية خالل مرحلة البحث والتحري عن الجرائم بعد‬

‫توصلهم بشكاية أو وشاية أو إخبارية أن يقوموا باالنتقال ملسرح الجريمة‪ ،‬ويباشروا‬

‫توقيف الجناة ومنعهم من الفرار وجمع ألادلة حول الجريمة‪ ،‬وتحرير محاضر توثق كل‬

‫ذلك‪ ،‬كما يمكنهم وضع ألاشخاص املوقوفين رهن تدابير الحراسة النظرية إذا توفرت‬

‫شروطها‪ ،‬مع ضرورة احترام مددها وإجراءات تمديدها‪ ،‬كما يمكنهم كذلك تفتيش‬

‫املنازل وحجز ما بها من وسائل لإلقناع‪ ،‬وذلك في الساعات املسموح بها قانونا‪ ،‬ويؤدي‬

‫أي خرق إلجراء من إجراءات التفتيش إلى بطالن محضر هذا ألاخير وما قد ينتج عنه‬

‫من إجراءات أخرى‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الئحة املراجع املعتمدة‪:‬‬


‫• أحمد الخمليش ي‪ :‬شرح قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ .‬لطيفة الداودي؛ دراسة في قانون املسطرة الجنائية وفق آخر التعديالت‪.‬‬

‫الطبعة الخامسة ‪.1101‬‬

‫• عبد الواحد العلمي‪ :‬شرح القانون الجنائي املغربي‪ ،‬القسم العام‪ ،‬طبعة‬

‫‪ • .1111‬الدكتور هشام بوحوص‪ :‬محاضرات في القانون الجنائي املغربي السداس ي‬

‫الثاني‪ ،‬كلية الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪1101 / 1109‬‬

‫• عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد املتعلق باملسطرة الجنائية‪،‬‬

‫الجزء ألاول‪ ،‬طبعة ‪.1111‬‬

‫• أحمد قيلش‪ ،‬مجيدة السعدية‪ ،‬سعاد حميدي‪ ،‬محمد زنون‪ ،‬عبد الغني‬

‫حدوش‪ ،‬الشرح العملي لقانون املسطرة الجنائية‪ ،‬مطبعة ألامنية‪ -‬الرباط ‪.1108‬‬

‫• زینب عيوش‪ ،‬ضمانات املتهم في مرحلة ما قبل املحاكمة‪ ،‬الطبعة ألاولى‪،‬‬

‫مطبعة أفولكي‪ ،‬تزنيت ‪.1114‬‬

‫• الحسن البوعيس ي‪ ،‬عمل الضابطة القضائية باملغرب ‪ ،‬دراسة نظرية‬

‫تطبيقية‪ ،‬الطبعة ألاولى‪.0440 ،‬‬

‫• محمد بازي‪ ،‬الاعتراف الجنائي في القانون املغربي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة‬

‫لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪1111/1118،‬‬

‫‪38‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫‪ -‬عرض في مادة قانون املسطرة الجنائية حول موضوع ‪ ،‬ضمانات املحاكمة‬

‫العادلة ‪ ،‬من إنجاز طلبة ماستر الاستشارة القانونية‪ ،‬الفوج الثالث ‪ ،‬كلية‬

‫الحقوق سال تحت إشراف ألاستاذة بوعدي ‪ ،‬السنة الجامعية ‪1102 / 1101‬‬

‫• فهد هادي حبتور‪ ،‬حق املتهم في الصمت‪ ،‬مقال منشور بمجلة كلية الدراسات‬

‫إلاسالمية والعربية ‪ -‬دمنهور العدد الثاني ‪ -‬املجلد التاسع‪1108 ،‬‬

‫• لريد محمد أحمد‪ ،‬احترام حق الدفاع ضمانة للمحاكمة العادلة‪ ،‬مقال‬

‫منشور بمجلة ألاكاديمية للدراسات الاجتماعية وإلانسانية‪ ،‬قسم العلوم الاقتصادية‬

‫والقانونية‪ ،‬العدد ‪.1101 ،04‬‬

‫• يوسف ادیب‪ ،‬إجراءات تفتيش املنازل‪ ،‬موضوع ماستر في املنازعات‪ ،‬في كلية‬

‫موالي اسماعيل بمكناس‪ ،‬منشور على موقع التالي ‪Www.marocdroit.com:‬‬

‫‪39‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الفهرس‬

‫المقدمة‪0 ...................................................................................... :‬‬

‫املبحث ألاول ‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة‪3 .................................... .‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬دور التشريع الجنائي في توفير املحاكمة العادلة ‪3 ......................‬‬

‫املبحث ألاول‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة‪4 .................................... .‬‬

‫املطلب ألاول‪ :‬مبدأ قرينة البراءة ‪4 ..............................................................‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬قرينة البراءة في التشريع املغربي‪. ............................................... .‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القيمة القانونية لقرينة البراءة ‪3 ...............................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية ‪11 .....................................................‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية ‪11 ..............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية كأهم ضمانة في املحاكمة العادلة ‪13 ............... .‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬دور التشريع الجنائي في توفير املحاكمة العادلة ‪1. ............................‬‬

‫املطلب ألاول‪ :‬ضمانات الوضع تحت الحراسة النظرية الوضع تحت الحراسة النظرية ‪17 . .‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬الحق في الصمت‪16 ............................................................ .‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في تعيين محام‪22 ....................................................... .‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬ضمانات التفتيش‪26 .......................................................... .‬‬

‫‪40‬‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في مسطرة البحث التمهيدي‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬تفتيش املنازل ‪26 ................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تفتيش ألاشخاص ‪31 ..........................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬اشكاليات التفتيش الجسدي‪33 ........................................................ .‬‬

‫خاتمة ‪37 ..................................................................................... :‬‬

‫الئحة املراجع املعتمدة‪33 ..................................................................... :‬‬

‫الفهرس ‪40 .....................................................................................‬‬

‫‪41‬‬

You might also like