You are on page 1of 7

‫ⴱⵉⵔⵖⵎⵍⵏⵜⵉⴷⵍⴳⴰⵜ‬ ‫اململكة املغربية‬

‫ⵜⵢⵜⴰⵎⴰⵜⵜⵢⴰⵔⵓⵎⵜⵏⵜⴼⵅⵉⵙⵙⵏⴰⵜ‬ ‫رئاسة النيابة العامة‬

‫كلمة السيد الوكيل العام للملك‪،‬‬


‫رئيس النيابة العامة‬

‫في الندوة الوطنية المنظمة حول موضوع‪:‬‬


‫"العمل القضائي وضمانات المحاكمة العادلة في ضوء‬
‫الدستور وتحديات الممارسة"‬

‫يوم الجمعة ‪ 24‬فبراير ‪2023‬‬

‫بالمعهد العالي للقضاء بالرباط‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم والصالة والسالم على سيد المرسلين‬


‫‪ -‬السيد الرئيس األول ملحكمة النقض‪ ،‬الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة‬

‫القضائية؛‬

‫‪ -‬السيد وزيرالعدل؛‬

‫‪ -‬السيد املندوب الوزاري املكلف بحقوق اإلنسان؛‬

‫‪ -‬السيد وسيط اململكة؛‬

‫‪ -‬السادة املسؤولون القضائيون؛‬

‫‪ -‬السادة ممثلوا القطاعات الحكومية؛‬

‫‪ -‬حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير واالحترام الواجب‬

‫لشخصه‪.‬‬

‫يشرفني أن أتناول الكلمة نيابة عن السيد رئيس النيابة العامة الذي يتواجد‬
‫في مهمة رسمية خارج أرض الوطن‪ ،‬فبمشاعر يطبعها السرور واالعتزاز‪ ،‬يشرفني أن‬
‫أشارك بمعيتكم في أشغال الجلسة االفتتاحية لهذه الندوة العلمية املتميزة املنظمة‬
‫بشراكة بين املجلس األعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل‬
‫واملندوبية الوزارية لحقوق اإلنسان والتي تجسد املبدأ الدستوري املتعلق بالتعاون بين‬
‫السلط‪ ،‬هذه الندوة التي التئم لجمعها في هذا اليوم املبارك من شهر شعبان قامات‬
‫وازنة من القضاة املمارسين واملحامين واألساتذة الجامعيين والحقوقيين من أجل‬
‫تدارس ومناقشة موضوع له راهنيته بالنظر لتعلقه بدور القضاء في إعمال وتكريس‬
‫ضمانات املحاكمة العادلة في ضوء الدستوروتحديات املمارسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وبهذه املناسبة يطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم االمتنان لكل من‬
‫ساهم من قريب أو بعيد في تنظيم هذا اللقاء املتميز وتيسير أسباب انعقاده‪.‬‬

‫حضرات السيدات والسادة؛‬

‫إن انعقاد هذه الندوة يأتي في سياق تطبعه مجموعة من التحوالت الحبلى‬
‫بالعديد من املستجدات التي أسهمت في تقوية ضمانات املحاكمة العادلة ببالدنا‪ ،‬في‬
‫مقدمتها دستور اململكة الذي عمل على دسترة مجموعة من املبادئ األساسية‬
‫للمحاكمة العادلة حيث نص بشكل صريح في الفصل ‪ 23‬منه على أن قرينة البراءة‬
‫والحق في محاكمة عادلة مضمونان‪ ،‬وهو ما أعاد الدستور التأكيد عليه في الفصل‬
‫‪ 120‬والذي نص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وما هذا التأكيد إال دليل‬
‫على محورية ضمانات وشروط املحاكمة العادلة في مجال العدالة‪ ،‬هذه املكتسبات‬
‫الدستورية التي تعززت بصدور القانون املتعلق بالتنظيم القضائي رقم ‪ 38.15‬والذي‬
‫حملت مقتضياته مجموعة من املستجدات التي تتصل بحقوق املتقاضين والحق في‬
‫الدفاع وتيسير الولوج إلى العدالة بما يضمن تحقيق الشروط العادلة للمحاكمة‪.‬‬
‫وكما ال يخفى على حضراتكم فموضوع املحاكمة العادلة والضمانات املتعلقة بها‬
‫في امليدان الجنائي يعد من أهم االنشغاالت الحقوقية في مختلف الدول وتتابعها‬
‫العديد من الهيئات واآلليات الدولية املهتمة بحقوق االنسان‪.‬‬
‫ويأتي مصدر هذا االنشغال من كون مجال ونطاق املحاكمة العادلة يخص قضايا‬
‫بالغة الدقة والخطورة‪ ،‬بالنظر لكونها تنصب على حقوق أصيلة وجوهرية‪ ،‬في مقدمتها‬
‫الحق في الحياة واألمن والسالمة والحرية والكرامة اإلنسانية باهتمام بالغ‪.‬‬
‫ولقد شاع تداول تعبير املحاكمة العادلة‪ ،‬حتى كادت تختزل في امليدان الجنائي‬
‫ً‬
‫فقط‪ ،‬وذلك بسبب آرتباطه في األذهان باملجاالت ذات الصلة بالحرية وبتقييدها‪ ،‬علما‬

‫‪2‬‬
‫أن املحاكمة العادلة مطلوبة وضرورية في أي فرع من فروع العدالة‪ ،‬سواء كانت مدنية‬
‫أو جنائية‪.‬‬
‫ً‬
‫واستحضارا لألهمية التي يحظى بها موضوع املحاكمة العادلة ضمن النقاشات‬
‫ً ً‬
‫القانونية والحقوقية‪ ،‬فقد أولى الحوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة حيزا هاما‬
‫لهذا املوضوع‪ ،‬حيث شكل تعزيز ضمانات املحاكمة العادلة أحد األهداف الفرعية‬
‫ًُ َ‬
‫املكونة للهدف الرئيس ي الخاص بتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات‪.‬‬
‫كما حظي هذا املوضوع بحيز وافر من النقاش ضمن الندوات الجهوية التي عرفها‬
‫الحوار‪ ،‬حيث تم تخصيص ندوتين جهويتين على غير العادة ملوضوع تطوير العدالة‬
‫الجنائية وتعزيز ضمانات املحاكمة العادلة مما يعكس األهمية القصوى التي يحظى‬
‫بها هذا املوضوع في عالقته بالعدالة الجنائية‪.‬‬
‫فالحق في املحاكمة العادلة يشكل أحد األعمدة األساسية لدولة القانون وهو‬
‫األمر الذي جعل هذا الحق يحظى بمكانة خاصة كرستها الصكوك الدولية املرتبطة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بحقوق اإلنسان بدءا من اإلعالم العاملي لحقوق اإلنسان‪ ،‬مرورا بالعهد الدولي الخاص‬
‫بالحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬والذي أكد في مادته ‪ 14‬على مجموعة من املبادئ التي‬
‫ً‬
‫باتت تشكل اليوم مرجعا كونيا لألنظمة الجنائية الحديثة وجوهرا لكل محاكمة‬
‫ً‬
‫عادلة‪ ،‬وصوال إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من اإلعالنات والقواعد واملبادئ‬
‫الدولية ذات الصلة بحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وإذا كانت املحاكمة العادلة تختزل مجموعة من الحقوق والضمانات القانونية‬
‫والقضائية التي ينبغي أن يتمتع بها أطراف الدعوى‪ ،‬فإن القضاء يظل املعول عليه‬
‫لتفعيل هذه الضمانات‪ ،‬وهو ما فتئ جاللة امللك محمد السادس نصره هللا وأيده يؤكد‬
‫عليه في العديد من ذرره الغالية‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء في نص الخطاب السامي الذي‬
‫ألقاه جاللة امللك بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير يوم ‪ 29‬يناير ‪ 2003‬ما‬
‫نصه‪( :‬وتظل غايتنا إيجاد قضاء متخصص يكفل الفعالية في البت في المنازعات‬

‫‪3‬‬
‫ويضمن الحق في المحاكمة العادلة ومساواة المواطنين أمام القانون في جميع‬
‫الظروف واألحوال) انتهى النطق امللكي السامي‪.‬‬

‫حضرات السيدات الفضليات والسادة األفاضل؛‬


‫لقد بادرت بالدنا منذ مدة إلى االنخراط في املجهودات الرامية إلى تعزيز القيم‬
‫الكونية لحقوق اإلنسان من خالل دسترة مجموعة من الضمانات القانونية‬
‫والقضائية التي تشكل جوهر املحاكمة العادلة‪ ،‬حيث شكل دستور ‪ 2011‬طفرة نوعية‬
‫في مجال حقوق اإلنسان بالنظر للزخم الحقوقي الذي جاءت به الوثيقة الدستورية‬
‫والتي ارتقت بالقضاء إلى سلطة أناطت بها مهمة حماية حقوق األشخاص والجماعات‬
‫وحرياتهم وأمنهم القضائي‪.‬‬
‫ولقد كان للقضاء املغربي بمختلف أصنافه ودراجته دور كبير في تكريس وإعمال‬
‫املبادئ األساسية للمحاكمة العادلة من خالل العديد من األحكام والقرارات التي‬
‫تنطق بمجموعة من املبادئ الكونية لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وإلى جانب الدور الذي يضطلع به القضاء في هذا املجال‪ ،‬أقر املشرع املغربي‬
‫مجموعة من الضمانات الرامية إلى تعزيز شروط املحاكمة العادلة‪ ،‬من ذلك‬
‫التنصيص على قرينة البراءة كأصل وتكريس الطابع االستثنائي للتدابير السالبة‬
‫للحرية وتعزيز الرقابة القضائية على أماكن الحرمان من الحرية‪ ،‬والحق في‬
‫الدفاع والحق في املناقشة الحضورية لوسائل اإلثبات والحق في التزام الصمت‪ ،‬إلى‬
‫جانب ضمان الحق في السالمة الجسدية‪ ،‬وغيرها من الضمانات القانونية األخرى التي‬
‫يعمل القضاء على تفعيلها وحسن تنزيلها على أرض الواقع باعتباره املؤتمن دستوريا‬
‫على حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وفقا للفصل ‪117‬‬
‫من الدستور‪.‬‬

‫حضرات السيدات والسادة؛‬


‫‪4‬‬
‫ً‬
‫إن رئاسة النيابة العامة واستحضارا منها للمهام الدستورية والقانونية املنوطة‬
‫بها تحرص إلى جانب قضاة النيابة العامة بمحاكم اململكة على ضمان تكريس شروط‬
‫املحاكمة العادلة للجميع بصرف النظر عن املراكز القانونية ألطراف الدعوى‪.‬‬
‫ً‬
‫كما تحرص أيضا من خالل املهام التي تضطلع بها على مستوى تنفيذ السياسة‬
‫الجنائية على جعل موضوع تفعيل ضمانات املحاكمة العادلة أحد أولويات السياسة‬
‫الجنائية والتي تتجسد بشكل فعلي من خالل الدوريات التي وجهتها رئاسة النيابة‬
‫العامة لقضاتها والتي تحثهم فيها على ضرورة السهر على تفعيل املبادئ األساسية‬
‫للمحاكمة العادلة التي يكفلها القانون للجميع‪ ،‬السيما في ما يتعلق بترشيد استعمال‬
‫اآلليات القانونية املاسة واملقيدة للحريات واحترام الكرامة اإلنسانية وتكريس حقوق‬
‫الدفاع باعتبارها حقا دستوريا وقانونيا لفائدة املتهمين والضحايا على حد سواء‪،‬‬
‫وتفعيل كافة الشروط املتطلبة للمحاكمة العادلة بوصفها أحد أهم الحقوق األساسية‬
‫لإلنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫وسعيا إلذكاء الوعي الحقوقي لدى قضاة النيابة العامة وتملكهم للمعايير الكونية‬
‫املتعلقة بشروط املحاكمة العادلة‪ ،‬بادرت رئاسة النيابة العامة بشراكة مع املجلس‬
‫األعلى للسلطة القضائية إلى اعتماد برنامج تكويني يستهدف تعزيز قدرات القضاة في‬
‫مجال حقوق اإلنسان حيث اشتمل هذا البرنامج على عدة وحدات للتكوين انصبت في‬
‫جانب كبير منها على املبادئ الكونية للمحاكمة العادلة كما هو متعارف عليها دوليا‬
‫بموجب االتفاقيات والصكوك الدولية حيث استفاد من هذا البرنامج التكويني حوالي‬
‫‪ 922‬قاض وقاضية من بينهم ‪ 203‬مسؤوال قضائيا‪.‬‬

‫حضرات السيدات والسادة؛‬

‫‪5‬‬
‫ً‬
‫إذا كانت املحاكمة العادلة حديث األمس فإنها ستظل حديث اليوم والغد أيضا‬
‫وذلك بالنظر ملا تحمله من القيم واملبادئ اإلنسانية الراقية التي أصبحت راسخة في‬
‫الضمير اإلنساني على مر عقود من الزمن‪ ،‬وناضلت الشعوب من أجل ضمان تكريسها‬
‫َ ً‬
‫دستوريا وقانونيا وقضائيا‪ ،‬كما ستظل نذرا يحمل فيه القضاة مهمة حمايتها وتكريسها‬
‫وضمان تمتع األطراف بظاللها‪.‬‬
‫ال يسعني في ختام هذه الكلمة إال أن أجدد شكري لكل القائمين على هذا العرس‬
‫العلمي املتميز‪.‬‬
‫والشكر موصول أيضا لكافة األساتذة الذين سيؤطرون بمداخالتهم القيمة‬
‫النقاش على مدار يومين كاملين‪ ،‬سيتم خاللهما تناول مجموعة من املواضيع القانونية‬
‫الدقيقة‪ ،‬وإني على يقين بأن هذه الندوة ستتمخض عنها مخرجات واقتراحات وأفكار‬
‫خالقة من شأنها اإلسهام في تعزيز إعمال الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة‬
‫وتعزيز الحقوق والحريات بما يخدم العدالة ببالدنا لتكون في مستوى تطلعات جاللة‬
‫امللك محمد السادس نصره هللا وأيده‪.‬‬

‫وفقنا هللا‪ ،‬جميعا ً لما يحبه ويرضاه والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like