You are on page 1of 174

‫‪2‬‬

‫ُ‬
‫ض‬
‫حا رات‬‫م‬
‫ي‬‫ف‬
‫ئ‬ ‫ل‬
‫القانون ا حناي العـام‬

‫ب‬
‫د‪ .‬فريد روا ح‬

‫‪2023 2022‬‬
‫قائمة املُختصرات‬

‫الفصل‬ ‫‪ -‬الف‪:‬‬
‫القانون‬ ‫ـ القا‬
‫الما ّدة‬ ‫‪ -‬الم‪:‬‬
‫الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬ ‫ـ ج‪.‬ر‪:‬‬
‫دون دار نشر‬ ‫ـ د‪.‬د‪.‬ن‪:‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‬ ‫ـ د‪.‬م‪.‬ج‪:‬‬
‫طبعة دون تاريخ‬ ‫ـ ط‪.‬د‪.‬ت‪:‬‬
‫طبعة‬ ‫ـ ط‪:‬‬
‫قرار الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا‬ ‫ـ غ‪.‬ج‪.‬م‪.‬ع‪:‬‬
‫قانون االجراءات الجزائية الجزائري‬ ‫‪ -‬ق‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ج‪:‬‬
‫القانون الجنائي المغربي‬ ‫‪ -‬ق‪.‬ج‪.‬م‪:‬‬
‫قانون العقوبات الجزائري‬ ‫‪ -‬ق‪.‬ع‪.‬ج‪:‬‬
‫قانون العقوبات الفرنسي‬ ‫‪ -‬ق‪.‬ع‪.‬ف‪:‬‬
‫القانون المدني الجزائري‬ ‫ـ ق‪.‬م‪.‬ج‪:‬‬
‫قبل الميالد‬ ‫ـ ق‪.‬م‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬مفهوم القانون الجنائي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التط ّور التاريخي للقانون الجنائي‬
‫المبحث الثالث‪ :‬دور الفقه في تطوير القانون الجنائي‬
‫المبحث الرابع‪ :‬التعريف بالجريمة‬
‫الباب األوّل‪ :‬نظرية اجلرمية‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية‬


‫المبحث الثاني‪ :‬سريان قانون النصّ الجنائي من حيث الزمان‬
‫المبحث الثالث‪ :‬سريان قانون النصّ الجنائي من حيث المكان‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أسباب اإلباحة‬

‫المبحث األول‪ :‬عناصر الركن المادي‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الشروع في الجريمة (ال ُمحاولة الجنائية)‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ال ُمساهمة الجنائية‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم العمدية(القصد الجنائي)‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المسؤولية الجزائية ل ُمرتكب الجريمة‬

‫الباب الثّاني‪ :‬نظرية اجلزاء اجلنائي‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬مفهوم العقوبة وتصنيفاتها وبدائلها‬


‫المبحث الثاني‪ :‬ظروف العقوبة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تنفيذ العقوبة وانقضاؤها‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬مفهوم التدابير األمنية‬


‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع التدابير األمنية في القانون الجزائري‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تنفيذ التدابير األمنية‬
‫‪2‬‬
‫مُقدّمة‬
‫تتطلّبُ الحياة الجماعية تنظيم سلوكات األفراد وعالقاتهم بوضع قواعد تُح ّدد الحقوق والواجات من‬
‫أجل التوفيق بين المصالح ال ُمتضاربة وتحقيق النظام واالستقرار في المعامالت‪ ،‬ومنع الفوضى واختالل‬
‫التوازن‪ .‬والقانون هو اإلطار التنظيمي للعالقات االنسانية داخل المجتمع‪ ،‬حيث يُح ّدد قواعد سلوك األفراد‬
‫في الجماعة‪ ،‬ويُنظّم كيفية رد الفعل على السلوكات ال ُمضرّة بالجماعة‪ .‬من هذه القواعد ما يهدف إلى تنظيم‬
‫العالقات المالية التجارية بين األفراد كالقانون المدني والتجاري‪ ،‬ومنها ما يهدف إلى تنظيم عالقات السلطة‬
‫باألفراد أو بغيرها من السلطات داخل المجتمع كالقانون اإلداري والقانون الدستوري‪ ،‬ومنها ما يهدف إلى‬
‫تنظيم اإلطار األمني الذي تتحرك فيه كافة العالقات السابقة من أجل درء أي عدوان أو عصيان أو خرق يقع‬
‫على النظام الذي ارتضاه المجتمع‪ ،‬وهي رسالة القانون الجنائي الذي يهت ّم بالجريمة كظاهرة اجتماعية تُ ِ‬
‫الزم‬
‫اإلنسان وتنتشر في ُكل المجتمعات اإلنسانية بمختلف أنواعها‪ ،‬التقليدية وال ُمعاصرة‪ ،‬ال ُمتخلّفة وال ُمتط ّورة‪.‬‬
‫والجريمة سُلوك انساني ُمنحرف له آثا ٌر سلبية ُمد ّمرة‪ ،‬ليس على الشخص المجني عليه فقط‪ ،‬بل على‬
‫ال ُمجتمع وقيمه الما ّدية والمعنوية‪ .‬فهي اعتداء على األمن واالطمئنان االجتماعي العام‪.‬‬
‫وحماية المجتمع ومصالحه من هذه الظاهرة تحتاج إلى نظام عقابي يضع قيودًا على تصرفات األفراد‬
‫ويردعهم في أي اعتداء منهم على أمن الجماعة ونظامها واستقرارها‪ ،‬ويقمع كل سلوك يمثل اعتدا ًءا على‬
‫حياة الفرد وماله وسالمته الجسدية‪ ،‬وذلك هو الدور الذي يؤ ّديه القانون الجنائي‪.‬‬
‫يمثل القانون الجنائي ركيزة أساسية لل ّدولة‪ ،‬ألنّه يحفظ كيانها السياسي واالجتماعي واالقتصادي‪ .‬حيث‬
‫يقع على عاتق الدولة واجب حفظ األمن وتحقيق الطمأنينة واالستقرار في المجتمع وإقامة العدل بالتص ّدي‬
‫لألفعال اإلجرامية و ُمكافحتها من االعتداء على حقوق وحريات األفراد والمصالح الجوهرية للمجتمع‪ ،‬مثلما‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ب ّ‬
‫أن " الدولة مسؤولة‬ ‫ال ُمع ّدل سنة ‪2222‬‬ ‫نصّت عليه الما ّدة ‪ 28‬من الدستور الجزائري لسنة ‪6991‬‬
‫عن أمن األشخاص وال ُممتلكات " ونصّت الما ّدة ‪ 99‬منه ّ‬
‫بأن "تضمن الدّولة عدم انتهاك ُحرمة اإلنسان‪،‬‬
‫ويحظر أي عنف بدني أو معنوي‪ ،‬أو أي مساس بالكرامة‪.".‬‬
‫ومن أبرز الوسائل التي تستعملها الدولة في ُمكافحة ظاهرة الجريمة‪ ،‬وضع النصوص والقواعد‬
‫التشريعية لتجريم األفعال الخطرة وعقابها‪ ،‬فقد نصّت الفقرة ‪ 3‬من المادّة ‪ 33‬من الدستور الجزائري مثالً‬
‫بأنّه " يعاقب القانون على التعذيب‪ ،‬وعلى المعامالت القاسية‪ ،‬والالإنسانية أو المهينة‪ ،‬واالتجار بالبشر"‪.‬‬
‫وكذلك وضع النصوص التي تكفل العقاب من الناحية العملية وهي النصوص اإلجرائية التي تنظم‬
‫التحقيق والمحاكمة تنفيذ األحكام‪.‬‬

‫)‪ (1‬الدستور الجزائري لسنة ‪ 6991‬المصادق عليه في استفتاء ‪ 28‬نوفمبر ‪ ،6991‬الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪-91‬‬
‫‪ 898‬المؤرخ في ‪ 22‬رجب ‪6862‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 2‬ديسمبر ‪6991‬م‪ ،‬ج ر ‪ 21‬بتاريخ ‪ 8‬ديسمبر ‪6991‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء ‪ 6‬نوفمبر ‪ ،2222‬الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪ 882-22‬المؤرخ‬
‫في ‪ 61‬جمادى األولى‪6882‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 92‬ديسمبر ‪2222‬م‪ ،‬ج ر ‪ 82‬بتاريخ ‪ 92‬ديسمبر ‪2222‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الباب األوّل‪ :‬نظرية اجلرمية‬

‫الجريمة فعل غير مشروع صادر عن إرادة جُرمية يُق ّر ُر له القانون عقوبةً أو تدبيرًا احترازيًا‪.‬‬
‫تقوم الجريمة بحسب هذا التعريف على ثالثة أركان هي‪:‬‬
‫ـ الركن الشرعي يُمثل الوجود القانوني للجريمة‪ ،‬إذ ال جريمة دون قانون يقرّر عدم مشروعية الفعل‪.‬‬
‫ـ الركن الما ّدي يُمثّل ما ّديات الجريمة وهي السلوك اإلنساني ونتائجه فال جريمة دون فعل‪.‬‬
‫ـ الركن المعنوي يمثل الجانب النفسي للجريمة‪ ،‬يتعلّق بالنوايا االجرامية فالجريمة دون خطء جنائي‪.‬‬
‫فإذا فُقد أحد هذه األركان أو اختلت شروطه تنعدم الجريمة‪.‬‬
‫وتُس ّمى عناصر الجريمة الثالثة باألركان العا ّمة‪ ،‬ألنّها مشروطة في ك ّل جريمة‪ .‬وتُقابلها األركان‬
‫صة للجريمة‪ ،‬التي تُشترط في بعض الجرائم وتختلف من جريمة إلى أخرى‪ ،‬ويتكفّل النص القانوني‬ ‫الخا ّ‬
‫الخاص المقرر للجريمة بتحديدها‪ ،‬وهي تضاف إلى األركان العا ّمة لتُح ّدد نوعها وطبيعتها‪ .‬مثل أن يكون‬
‫المجني عليه حيًا في جريمة القتل‪ ،‬وأن يكون المرتشي موظفًا في جريمة الرشوة‪ ،‬وأن يكون الشيء‬
‫المختلس ماالً منقوالً مملو ًكا للغير في جريمة السرقة‪.‬‬

‫القانون الجنائي فرع من فروع القانون الوضعي‪ ،‬يهت ّم بالجناية (الجريمة) من حيث أحكام منعها‬
‫وقمعها بالعقاب‪ .‬وهو باعتباره جزء من النظام القانوني في ال ّدولة يسعى إلى إقرار قواعد سلوك ونشاط‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫نتعرّف في هذا الفصل التمهيدي على مفهوم القانون الجنائي وتط ّوره التاريخي ودور الفقه في تطويره‬
‫ثم تعريف الجريمة باعتبارها موضوع القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ندرس في هذا المبحث تعريفات القانون الجنائي وطبيعته وعالقته بفروع القانون األخرى‪.‬‬

‫للقانون الجنائي معنى واسع ومعنى ضيّق‪.‬‬

‫القانون الجنائي هو " مجموع القواعد التي تُحدّد النظام القانوني للفعل ال ُمج ّرم ور ّد فعل ال ُمجتمع‬
‫إزاء ُمرتكب هذا الفعل بتطبيق عقوبة أو تدبير أمن‪ ،‬والقواعد اإلجرائية التي تُنظّم الدعوى الجنائية"‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم ينقسم القانون الجنائي إلى فرعين أساسيين هما‪ :‬فرع القانون الجنائي الموضوعي يهت ّم‬
‫بالجرائم والعقوبات ويُس ّمى قانون العقوبات‪ ،‬وفرع القانون الجنائي الشكلي أو اإلجرائي‪ ،‬يهتم بإجراءات‬
‫التحقيق في الجرمية وطرق إثباتها‪ ،‬ومحاكمة مرتكبيها أمام القضاء‪ ،‬ويُس ّمى قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫هو القانون الجنائي الموضوعي أي قانون العقوبات‪ ،‬ويتمثل في مجموع القواعد التي تهدف إلى تحديد‬
‫األفعال ال ُمضا ّدة للمجتمع‪ ،‬وتمييز األشخاص الذين يمكن إقامة مسؤوليتهم عنها ووضع العقوبات ال ُمطبّقة‬
‫عليهم"‪ .‬أو هو " مجموعة من القواعد القانونية تُح ّدد األفعال التي تُع ُّد جرائم وتُبيّن العقوبات ال ُمقرّرة لها"‪،‬‬

‫ويض ُّم قانون العقوبات نوعين من القواعد‪ ،‬قواعد عا ّمة المبادئ العا ّمة التي تسري على أركان الجريمة‬
‫وأحكام العقوبة بصفة عا ّمة‪ ،‬تُشكل ما يُس ّمى بقانون العقوبات العام‪ ،‬وقواعد خاصّة بكل جريمة على حدة‪،‬‬
‫تبيّن أركانها وتُح ّدد عقوبتها‪ ،‬تُشكل ما يسمى بقانون العقوبات الخاص‪.‬‬
‫ونظرية الجريمة والجزاء الجنائي تتناول أحكام القسم العام من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫توجد جزء من الجرائم والقواعد الجزائية في تقنين العقوبات‪ ،‬ويوجد جزء آخر منها في تقنينات‬
‫أخرى‪ ،‬في باب األحكام الجزائية‪.‬‬

‫تقنين العقوبات الجزائري هو القانون الصادر بموجب األمر ‪ 611-11‬المؤرّخ في ‪8‬جوان ‪،6911‬‬
‫ينقسم إلى جزئين أساسيين‪ :‬يتناول الجزء األ ّول القسم العام بعنوان "المبادئ العا ّمة"‪ ،‬ويتناول الجزء الثاني‬
‫القسم الخاص بعُنوان "التجريم"‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬قانون العقوبات العام (األحكام العا ّمة المواد من‪ 1‬إلى‪ُ 00‬مك ّرر‪)1‬‬

‫أ) أحكام تمهيدية‪:‬‬


‫ـ مبدأ ال ّشرعية الجنائية‪( ،‬م ‪) 26‬‬
‫ـ تطبيق قانون العقوبات من حيث ال ّزمان‪( ،‬م‪)22‬‬
‫ـ تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان‪( ،‬م‪)29‬‬

‫ب) الكتاب األ ّول‪ :‬العقوبات وتدابير األمن‬


‫ـ الباب(‪ )6‬العقوبات ال ُمطبّقة على األشخاص الطبيعية(المواد ‪ 8‬ـ ‪)68‬‬
‫ـ الباب(‪ُ 6‬مكرّر)عقوبات األشخاص المعنوية(المواد ‪ُ 68‬مكرّرـ ‪ُ 68‬مكرّر‪)9‬‬
‫ـ الباب(‪ )2‬تدابير األمن‪( ،‬المواد ‪69‬ـ ‪)21‬‬

‫جـ) الكتاب الثاني‪ :‬األفعال واألشخاص الخاضعون للعقوبة‬


‫ـ الباب(‪ )6‬الجريمة‪ :‬المواد ‪22‬ـ‪ (82‬تقسيم الجرائم‪ ،‬المحاولة‪ ،‬تع ّدد الجرائم‪ ،‬األفعال المبرّرة)‬
‫ـ الباب(‪)2‬مرتكبو الجريمة‪ :‬م‪86‬ـ‪(12‬المساهمون في الجريمة‪ ،‬المسؤولية الجزائية‪ ،‬شخصيّة العقوبة)‬

‫صة المواد من‪ 01‬إلى‪:).704‬‬


‫ثانياا‪ :‬قانون العقوبات الخاص (األحكام الخا ّ‬

‫والجنح وعقوباتها‪ :‬يُقسّم أنواع الجرائم في أربع أبواب‬


‫ُ‬ ‫أ) الكتاب الثالث‪ :‬الجنايات‬
‫ـ الباب األ ّول‪ :‬الجنايات والجُنح ض ّد الشيء العمومي وهي سبع (‪ )2‬فئات في سبع فصول‬
‫‪6‬‬
‫ـ الباب الثاني‪ :‬الجنايات والجُنح ض ّد األفراد وهي أربع(‪ )8‬فئات في أربع فصول‬
‫ـ الباب الثالث‪ :‬الجرائم الماسّة باالقتصاد الوطني وال ُمؤسّسات العمومية وهو ُملغى‬
‫ـ الباب الرّابع‪ :‬جرائم الغش والتدليس في المواد الغذائية‪.‬‬

‫ب) الكتاب الرابع‪ :‬ال ُمخالفات وعقوباتها‪:‬يُقسّم ال ُمخالفات إلى فئتين ويبيّن أحكامها ال ُمشتركة‬
‫ـ الباب األ ّول‪ :‬ال ُمخافات من الفئة األولى و ُكلّها من درجة واحدة‪.‬‬
‫ـ الباب الثاني‪ :‬ال ُمخافات من الفئة الثانية وتُقسّم حسب دراجاتها إلى ثالث درجات‪.‬‬
‫ـ الباب الثالث‪ :‬أحكام ُمشتركة بين ُمختلف ال ُمخالفات‪.‬‬

‫ال يمكن ذكر ما ورد من جرائم وأحكام جزائية في جميع القوانين‪ ،‬لكن نكتفي بذكر أه ّم األمثلة عنها‪:‬‬

‫‪ )1‬جرائم ال ُمخدّرات‪ :‬في قانون الوقاية من ال ُمخ ّدرات المؤثرات العقلية واإلتجار بهما ومكافحتها‬
‫القانون رقم ‪ 68-28‬في ‪ 21‬ديسمبر‪. 2228‬‬
‫‪ )2‬جرائم الفساد‪ :‬في قانون مكافحة الفساد ‪ 26-21‬في ‪ 22‬فيفري ‪ .2221‬كالرشوة واالختالس‪.‬‬
‫‪ )3‬جرائم التهريب‪ :‬في قانون مكافحة التهريب‪ ،‬أمر‪ 21-21‬مؤرّخ في ‪ 29‬غشت ‪.2221‬‬
‫‪ )7‬الجرائم الجمركية‪ :‬في قانون الجمارك ‪ 62-98‬ال ُمرّخ في ‪ 22‬غشت‪.6998 ،‬‬
‫‪ )5‬الجرائم التجارية‪ :‬ـ في القانون التجاري األمر‪ 19-21 ،‬في ‪21‬سبتمبر‪6921‬م كجرائم الشركات‬
‫‪ )0‬جرائم اإلستهالك‪ :‬في قانون حماية ال ُمستهلك وقمع الغش‪ ،‬رقم ‪29‬ـ‪.29‬‬
‫‪ )4‬الجرائم الضريبية‪ :‬في قانون الضرائب ال ُمباشرة والرسوم ال ُمماثلة القانون ‪ 91-92‬سنة ‪6992‬‬
‫‪ُ )8‬مخالفات ال ُمرور‪ :‬في قانون تنظيم حركة المرور ‪14-01‬في ‪ 19‬غشت ‪ 2001‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم‬
‫صحة‪ :‬في قانون الصحّة رقم ‪68‬ـ‪ 66‬المؤرّخ في ‪ 2‬يوليو ‪ .2268‬المع ّدل والمت ّمم‬
‫‪ )3‬جرائم ال ّ‬
‫سة باألطفال‪ :‬في قانون حماية الطفل ‪61‬ـ‪ 62‬المؤرّخ في ‪ 61‬يوليو‪.2261‬‬
‫‪ )10‬الجرائم الما ّ‬
‫‪ )11‬الجرائم البحرية‪ :‬في القانون البحري باألمر ‪ 80-76‬في ‪ 23‬أكتوبر‪ 1976‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم‪.‬‬
‫‪ )12‬جرائم االتصاالت اإللكترونية‪ :‬قانون البريد واالتصاالت اإللكترونية‪18‬ـ‪ 28‬في‪62‬ماي ‪.2268‬‬

‫‪7‬‬
‫يختلف الفقه حول تصنيف القانون الجنائي من بين فروع القانون الخاص أو فروع القانون العام‪.‬‬

‫يدخل في آن واحد في كال الفرعين‪ ،‬فهو يدخل في القانون العام ألنّه يقوم على فكرة الدفاع عن‬
‫ال ُمجتمع‪ ،‬وهو من جهة أخرى يدخل في نطاق في القانون الخاص نظرًا لل ُمبرّرات التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬أغلب الجرائم التي يُنظمها تقع على األفراد وتُضرُّ بمصالحهم الخاصّة‪،‬‬
‫‪ )2‬القضاء الجزائي الذي يفصل في الجرائم ينتمي إلى القضاء العادي الذي يمثل أمامه األفراد‪،‬‬
‫‪ )3‬القضاء الجزائي يفصل في طلبات المجني عليه بالتعويض الذي يفصل فيه القضاء المدني‪،‬‬
‫‪ )4‬في بعض الجرائم تقصد القاعدة الجنائية أشخاصًا ُمعيّنين كاألصول والفروع والخدم والزوجين‪،‬‬
‫ق للمضرور تحريك الدعوى الجزائية‪ ،‬وفي بعض الجرائم التحركها النيابة إالّ بشكواه‪.‬‬
‫‪ -5‬يح ّ‬

‫يُعتبر هذا الرأي هو الراجح وستند إلى الحجج التالية‪:‬‬


‫‪ )1‬يحتوي على قواعد آمرة ُمتعلّقة بالنظام العام وال يُمكن تص ّور االتفاق على ُمخالفتها‪.‬‬
‫‪ )2‬يُنظم عالقة طرفاها من جهة الدولة باعتبارها صاحبة الحق في العقاب وتوقيعه‪ ،‬والفرد من جهة‬
‫ثانية باعتباره ُمرتكب للجريمة أو ضحيتها‪ .‬وال يتأثر حق الدولة في العقاب بعفو المجني عليه وتنازله عن‬
‫حقوقه‪ ،‬فالنيابة العا ّمة ُممثلة المجتمع في الدعوى الجنائية ال يُمكنها التنازل عن هذه الدعوى‪.‬‬
‫‪)3‬الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي تُصيب األفراد كالقتل والضرب والسرقة‪ ،‬تُمثّل‬
‫اعتدا ًءا غير ُمباشر على مصالح أساسية لل ُمجتمع وقيمه‪ ،‬فأصل الحماية الموجهة هنا للحق في الحياة والحق‬
‫في السالمة الجسدية وحق الملكية هي حماية لألفراد بصفة عا ّمة ومصلحة لل ُمجتمع بأن يكون ُمستق ًّرا آمنًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث يقع االعتدا ُء‬ ‫‪ )7‬ينظم القانون الجنائي الكثير من الجرائم ال ُموجّهة ُمباشرةً ض ّد مصالح المجتمع‪،‬‬
‫ُ‬
‫حيث‬ ‫على ال ّدولة باعتبارها ُممثلة لل ُمجتمع‪ ،‬كجرائم أمن الدولة من جهة الداخل والخارج وجرائم االختالس‬
‫ال جدال في انتماء القواعد القانونية التي تُنظم هذه الجرائم إلى القانون العام‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫القانون الجنائي شريك للقوانين كلّها‪ ،‬يتدخل في مجال كل منها ليشمله بحمايته ُكلّما تحقق في هذا‬
‫المجال ما يبلغ من الجسامة ح ّد اإلجرام‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬القانون الجنائي هو قانون ُمسان ٌد للقوانين األخرى‪:‬‬

‫يُعاون هذه القوانين ويدع ُمها عندما يحمي حقوقًا تعترف بها وتُنظمها‪ ،‬حماية ُمباشرة أو غير ُمباشرة‪:‬‬
‫أ) بشكل ُمباشر‪:‬‬
‫ُ‬
‫حيث ال يكاد ق ٌ‬
‫انون يخلو‬ ‫تم ّكن القانون الجنائي من التغلغل في كل فروع القانون ماعدا القانون المدني‪،‬‬
‫من األحكام الجزائية‪ ،‬وهي التي تُس ّمى في مجموعها بالقوانين العقابية الخاصّة‪.‬‬

‫ب) بشكل غير ُمباشر‪:‬‬


‫‪ )1‬يَدعم القانون المدني بحماية حقوق يُنظمها كحق الملكية وحق الحيازة مثالً بالعقاب على السرقة‬
‫(م ‪ 912‬وما بعدها ق ع)‪ ،‬والنصب واالحتيال (م ‪ 922‬ق ع)‪ ،‬وخيانة األمانة (م ‪ 982-921‬ق ع)‪ ،‬والتع ّدي‬
‫على األمالك العقارية (م ‪ 981‬ق ع)‪ ،‬وحرق الممتلكات(م ‪ 991 ، 991‬ق ع)‪.‬‬
‫‪ )2‬ويُساعد القانون التجاري بمعاقبة المساس باالئتمان التجاري وباألوراق التجارية‪ ،‬كجريمة‬
‫التفليس (م ‪ 989،988‬ق ع) وجريمة إصدار شيك بدون رصيد (م ‪ 921-928‬ق ع) ويحمي الشركات‬
‫التجارية من خالل جرائم الشركات التجارية في الباب ‪ 2‬تحت عنوان أحكام جزائية (المواد‪.)840-801‬‬
‫‪ )3‬ويُساعد قانون األسرة بحماية بعض الحقوق التي يُنظمها‪ ،‬بالعقاب مثالً على الخيانة الزوجية (م‬
‫‪ 999‬ق ع) وترك األسرة وعدم تسديد النفقة (م ‪ 992-992‬ق ع)‪ ،‬ويحمي األخالق واألداب بتجريم الفعل‬
‫الفاضح العلني وهتك العرض واالغتصاب والفسق والدعارة (م‪ 988-999‬ق ع)‪.‬‬
‫‪ )7‬وله عالقة بالقانون الدستوري في حماية النظام الدستوري لل ّدولة و ُمؤسساتها الدستورية‪ ،‬مثالً‬
‫بالنصّ على الجنايات والجنح ض ّد الدستور (م‪ 666-622‬ق ع)‪ ،‬كجرائم االنتخاب‪ ،‬واالعتداء على‬
‫الحريات‪ .‬والجنايات والجنح ض ّد أمن الدولة (م‪ 91-16‬ق ع) كجرائم الخيانة والتجسس والتع ّدي على سلطة‬
‫ال ّدولة والدفاع الوطني وسالمة أرض الوطن والمؤامرات وحركات التمرّد‪.‬‬
‫‪ )5‬وتظهر عالقة القانون الجنائي بالقانون اإلداري في حماية النظم اإلدارية وصيانة الوظيف‬
‫العمومي من عبث الموظفين واألفراد‪ ،‬بالعقاب على الرشوة واستغالل النفوذ وتواطؤ الموظفين وتجاوز‬
‫السلطة اإلدارية والقضائية(م‪ 689-662‬ق ع)‪ ،‬أو أو األفعال التي يكون ضحيتها الموظف‪ ،‬كجرائم اإلهانة‬
‫‪9‬‬
‫واالعتداء على الموظفين ومؤسسات ال ّدولة‪ .‬أو حماية بعض الوثائق والشهادات اإلدارية واألختام من‬
‫التزوير والتقليد‪( ،‬م‪ 229-221‬ق ع)‪ ،‬وانتحال الوظيفة(م ‪ُ 219-282‬مكرّر ق ع)‪.‬‬
‫‪ )0‬يتقاطع القانون الجنائي مع القانون الدّولي فيُعالج تسليم ال ُمجرمين والتعاون الدولي في مجال‬
‫القضاء الجنائي والحجز وال ُمصادرة والتسليم ال ُمراقب‪ ،‬وفي ُمالحقة الجرائم العابرة للحدود والجرائم الدولية‬
‫كجرائم الحرب والجرائم ض ّد اإلنسانية وغيرها والقضاء الجنائي الدولي‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬استعانة القانون الجنائي بالقوانين األخرى‪:‬‬


‫‪ )1‬يعود القانون الجنائي إلى القانون المدني مثالً في تعريف عقود األمانة في جريمة خيانة األمانة‪.‬‬
‫‪ )2‬ويعود إلى القانون التجاري في تعريف الشيك في جرائم الشيك‪.‬‬
‫‪ )3‬ويرجع إلى القانون اإلداري لتعريف الموظف والوظيفة العمومية بالنسبة للجرائم ال ُمتعلّقة بهما‬
‫‪ )7‬وفي القانون الدولي نجد القانون الجنائي يستعين به في تعيين الحدود وتقاسيم البحر عند تطبيقه‬
‫على الجرائم ال ُمرتكبة في الخارج وفق مبدأ اإلقليمية وبمبدأ الشخصية ومبدأ العينية ومبدأ العالمية‪ ،‬وعند‬
‫تطبيق قاعدة قانون دولة العلم في السفن والطائرات‪.‬‬
‫‪ )5‬وينصّ الدستور على ع ّدة مبادئ جنائية كمبدأ قرينة البراءة (الم‪ )86‬ومبدأ الشرعية الجنائية وعدم‬
‫رجعية القانون الجنائي(الم‪ )89‬ومبدأ الشرعية اإلجرائية(الم‪ )88‬ومبدأ شخصية العقوبة(الم‪ )612‬وحق‬
‫الدفاع في القضايا الجزائية(الم‪.)621‬‬

‫‪ )1‬يُشكل القانونان وجهين لعُملة واحدة‪ ،‬أو شقين لجسم واحد هو القانون الجنائي بمفهومه الواسع‪،‬‬
‫أحدهما يُمثل الشق الموضوعي‪ ،‬واآلخر يُمثل الشق اإلجرائي‪ ،‬وكالهما يهدف إلى مكافحة الجريمة‪.‬‬
‫عترفًا بجريمته‪ ،‬إالّ باتباع إجراءات منصوص‬
‫‪ )2‬السبيل إلى تطبيق العقوبة على شخص ولو كان ُم ِ‬
‫عليها في قانون االجراءات الجزائية‪ ،‬وصدور حكم قضائي‪.‬‬
‫‪ )3‬قانون اإلجراءات الجزائية هدفه تطبيق قانون العقوبات فب ُمجرّد وقوع الجريمة ينشأ لل ُمجتمع الحق‬
‫في العقاب يُبيّن إجراءات وكيفيات اقتضائها قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬فهذا األخير هو الذي يضع قانون‬
‫العقوبات موضع التنفيذ‪ ،‬فقانون اإلجراءات الجزائية يح ّدد أساليب البحث والتحرّي عن الجريمة والتحقيق‬
‫فيها وكيفية إحالة ُمرتكبها على القضاء‪ ،‬وإجراءات ال ُمحاكمة وكيفية صدور الحكم والطعن فيه‪.‬‬
‫‪ )7‬ومن جهة أخرى يتض ّمن قانون اإلجراءات الجزائية بعض القواعد الجنائية الموضوعية ال ُمتصلة‬
‫بحماية اإلجراءات التحقيق مثل جريمة تغيير حالة األماكن التي وقعت فيها الجناية(الما ّدة ‪ 89‬من ق إ ج)‪.‬‬
‫وجريمة إفشاء أسرار التحقيق(الما ّدة ‪ .)81‬وجريمة كشف هوية الشاهد والخبير(الما ّدة ‪ُ 11‬مكرّر‪.)28‬‬
‫‪11‬‬
‫القانون الجنائي قديم قدم الشعوب والمجتمعات‪ّ ،‬‬
‫ألن الجريمة الزمت االنسان منذ أ ّول لحظة له في‬
‫األرض حينما قتل قابيل شقيقه هابيل‪ ،‬خارقًا بذلك أولى قواعد السلوك االجتماعي التي ظهرت لتصون‬
‫الجماعة الصغيرة فمنذ ذلك الوقت كان القتل ُمح ّر ًما ويمثل ظُل ًما جزاؤه عظي ٌم(‪ .)1‬وتط ّور القانون الجنائي‬
‫أن ُك ّل جريمة يُقابلها جزاء على‬
‫بتط ّور الجريمة والعقوبة عبر العصور‪ ،‬وظ ّل راس ًخا في الفكر االنساني ّ‬
‫أساس أنّها ش ٌّر يُقابله شرٌ‪ ،‬ك ُمعادلة عادلة الزمة لنجاة البشرية واستقرارها في حياة آمنة ُمطمئنّة‪.‬‬
‫ولفهم معالم القانون الجنائي في الوقت الحاضر البُ ّد من استعراض مراحل تطّ ُّوره ومن ث ّم نعرف كيف‬
‫تط ّور قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬

‫م ّر النظام العقابي في تاريخه بثالث مراحل أساسية‪ ،‬هي مرحلة ُمجتمعات ما قبل نشأة الدولة‪ ،‬ث ّم‬
‫مرحلة التشريعات القديمة‪ ،‬ث ّم مرحلة الفكر العقابي الحديث‪.‬‬

‫بسبب افتقار هذه المجتمعات البدائية ما قبل نشأة الدولة إلى التنظيم القانوني‪ ،‬لم تكن العقوبة في هذا‬
‫العصر ُمنظمة وال هادفة‪ ،‬ولكن تط ّور هذا الوضع شيئًا فشيئًا في مرحلتين أساسيتين‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬مرحلة العدالة الخا ّ‬


‫صة (االنتقام الفردي(‪:‬‬
‫تُعتبر حالة االنتقام الفردي هي الصورة األولى للنظام العقابي في المجتمع االنساني‪ ،‬وتميّزت‬
‫بالخصائص التالية‪:‬‬
‫أ) كانت العقوبة تعبّر عن غريزة االنتقام من طرف الفرد المجني عليه ض ّد ُمرتكب الجريمة‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب غياب سلطة ُمهيمنة‪ .‬حيث اتخذت شكل االنتقام الذي يؤ ّدي إلى حرب صغيرة بين العائلتين بالقتل‬
‫واالسترقاق ونهب األموال‪ .‬باإلضافة إلى ذلك كانت السلطة تنحصر في إطار األسرة‪ ،‬حيث يمارس ربّ‬
‫األسرة سلطة التأديب على من أذنب من أفرادها تصل إلى ح ّد القتل والطرد‪.‬‬

‫هللا ربَّ ْالعال ِمين )‪ (28‬إِنِّي أُ ِري ُد أن تبُوء بِإ ِ ْث ِمي‬


‫ي يدك لِت ْقتُلنِي ما أنا بِبا ِس ٍط ي ِدي إِليْك ِأل ْقتُلك ۖ إِنِّي أخافُ َّ‬
‫) ( قال هللا تعالى لئِن بسطت إِل َّ‬
‫‪1‬‬

‫ار و َٰذلِك جزا ُء الظَّالِ ِمين )‪ (29‬فطوَّع ْ‬


‫ت لهُ ن ْف ُسهُ ق ْتل أ ِخي ِه فقتلهُ فأصْ بح ِمن ْالخا ِس ِرين (‪)92‬‬ ‫وإِ ْث ِمك فت ُكون ِم ْن أصْ حا ِ‬
‫ب النَّ ِ‬

‫‪11‬‬
‫ب) كان المعتدى عليه خص ًما وحك ًما في نفس الوقت‪ ،‬في مواجهة المعتدي الذي ال يوجد أي وازع‬
‫أخالقي أو ديني يمنعه من التهجم على غيره إلشباع غرائزه وأنانيته‪ .‬فالقانون الوحيد الذي يحكم عالقة‬
‫المعتدي والمعتدى عليه هو قانون القوة‪.‬‬

‫جـ) كانت الجرائم غير محدودة وغير ُمعيّنة‪ ،‬وكان هدف العقاب هو إشباع غريزة وليس تحقيق‬
‫مصلحة‪ ،‬وكانت العقوبة وحشية وغير مناسبة للجريمة وجسامة الضرر في أغلب الحاالت‪.‬‬

‫د) لم يكن يُفرّق بين الحق المدني والحق الجنائي‪ ،‬فقد كانت العقوبة الجنائية والجزاء المدني يختلطان‪،‬‬
‫وال يوجد ح ٌّد فاصل بينهما‪ ،‬مثل قتل المدين ال ُمتخلّف عن سداد دينه وتقطيع أوصاله بعد قتله إذا تع ّدد دائنوه‪،‬‬
‫أو بيعه عبدًا إذا لم يقتل‪ .‬وكانت الفدية تُع ّد عقابًا وليس تعويضًا‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬مرحلة العدالة الجماعية والمعاملة بالمثل والدّية‪:‬‬


‫بتط ّور االنسان واتصاله بغيره‪ ،‬وانضمام األُسر والعشائر إلى بعضها البعض تحت ضغط الضرورة‬
‫والمصالح ال ُمشتركة‪ ،‬تش ّكلت القبائل‪ ،‬وتقلّصت مصلحة الفرد وانكمشت سلطته‪ ،‬وأصبح رئيس الجماعة‬
‫(القبيلة) هو المنوط به توقيع العقوبات بحسب نوع الجريمة‪ ،‬فهناك جرائم تمس حرمة الجماعة كتدنيس‬
‫ال ُمق ّدسات‪ ،‬والسحر والتسميم‪ ،‬وعقوبتها االستئصال أو النفي من أجل حفظ نظام الجماعة وأمنها واسمرار‬
‫كيانها‪ .‬وهناك الجرائم التي تحدث داخل الجماعة من أحد أعضائها على فرد آخر منها‪ ،‬كالقتل والزنا‬
‫بالمحارم وفيها عقوبة القتل وما دون القتل‪.‬‬
‫ظهر في هذه المرحلة نظام القصاص أو المعاملة بالمثل كنظام مهذب لحقن الدماء والح ّد من التطاحن‬
‫بين العشائر والقبائل‪ ،‬ففي هذا الطور ارتفع ُمستوى األخالق واتضحت مفاسد االلتجاء للقوة‪.‬‬
‫بدأ الحد من االنتقام‪ ،‬باللجوء إلى الصلح تُ ّم الدية من أجل تفادي الحرب‪ ،‬وأصبح العقاب ُمرتبطًا‬
‫بالمصلحة الجماعية وليس بالفرد فقط‪ ،‬واصبح تطبيقه من اختصاص الجماعة وليس الفرد‪.‬‬

‫مع نشأة الدولة بمعناها الدستوري الحديث وبسط سلطتها وسيادتها على إقليمها ومن فيه‪ ،‬أصبح‬
‫القانون من أبرز العناصر ال ُمميّزة لنظام الدولة‪ ،‬فهو الذي يقيم أجهزتها وينظم عالقات األفراد فيما بينهم‬
‫ومع الدولة‪ ،‬وأضحى فرض الجزاء على اإلخالل بالنظام من واجبات الدولة‪ ،‬وصار الفرد في مواجهة‬
‫سلطة الدولة وليس شيخ القبيلة‪ ،‬وتبلورت أحكام المسؤولية الجزائية للفرد‪ ،‬وحلّت فكرة العقوبة بمعناها‬
‫‪12‬‬
‫القانوني الفردي محل العقوبة الجماعية‪ ،‬وتكفّلت الدولة بتنفيذها بعد محاكمة قضائية‪ ،‬ومن ث ّم ظهرت‬
‫ُمد ّونات عقابية في بالد بين النهرين ومصر والبحر المتوسط‪ .‬وظهرت في شرائع اإلغريق والرومان‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬في الحضارة الفرعونية (من ‪ 3150‬سنة ق م إلى ‪ 332‬ق م)‪:‬‬


‫عرفت األُسر الفرعونية األولى عقوبتي اإلعدام والتعذيب بالنار وجدع األنف‪ ،‬في جرائم التمرّد على‬
‫الملك والمساس بال ُمق ّدسات والسحر والكسب غير المشروع‪ .‬وعرفت األسر المتأخرة بين سنة ‪ 261‬ق م‬
‫وسنة ‪ 182‬ق م عقوبات اإلعدام بالصلب والذبح والعقاب بالسجن القاسي وكذا األشغال الشاقة وعقوبات‬
‫مالية يحكم بها الكهنة‪ ،‬وتض ّمنت نُظُ ًما ُمتط ّورةً أكثر في المحاكمات وإجراءاتها‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬الجرائم والعقوبات في البالد العربية‪:‬‬


‫أ) في الدولة البابلية األولى(‪1837‬سنة ق م ـ‪ 1531‬ق م)‬
‫يُعتبر قانون أو الئحة حمورابي أعرق النصوص التي ت ّم سنُّها لتأطير الرّدع‪ ،‬يرجع أصلها إلى أزيد‬
‫من ‪ 68‬قرنًا قبل الميالد‪ ،‬حيث تض ّمنت هذه الالئحة مجموعة من الجرائم ُخ ّ‬
‫صصت لها جزاءات ردعية‬
‫تراعي شخص الجاني وشخص الضحية إذا ما كان من العبيد أو من األحرار‪ ،‬وخطورة األفعال ال ُمقترفة‪.‬‬
‫كما عرف قانون حمورابي نظام القصاص والدية‪ ،‬غير ّ‬
‫أن القانون اآلشوري الذي صدر بعد زوال أسرة‬
‫حمورابي قيّد بعض الشيء في عقوبة القصاص‪.‬‬

‫ب) في شبه الجزيرة العربية‪:‬‬


‫بعد اندثار الدولة البابلية‪ ،‬بقي العرب يعيشون في شكل قبائل‪ ،‬ال يحكمهم نظا ٌم ُموحّد بل يخضعون‬
‫ألعراف وتقاليد قديمة مصدرها التجارب وال ُمعتقدات وما وصل إليهم من النصارى واليهود‪ .‬وكان من بينها‬
‫في العصر الجاهلي الثأر واالنتقام الجماعي‪ ،‬وكانت حياتهم قائمة على السلب والنهب والشجاعة والكرم ولم‬
‫تكن تعتبر هذه األفعال من قبيل الجرائم فيما عدا القتل‪.‬‬
‫ث ّم دعى النّاسُ بتأثير من عقالئهم وحُكمائهم إلى الدية االختيارية والصلح‪ ،‬طلبًا للسالم والوئام وحقنا‬
‫للدماء بعدما فتكت بهم الحروب الثأرية مثل حروب عبس وذبيان‪ ،‬وحروب بكر وتغلب‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬في الدولة الرومانية (من القرن ‪ 5‬قبل الميالد إلى القرن ‪ 0‬ميالدي)‪:‬‬
‫ـ في الجمهورية الرومانية (بعد الملكية وقبل االمبراطورية) تأتي األلواح اإلثنى عشر بروما (بين‬
‫السنتين ‪ 816‬و‪ 889‬ق م) كأقدم نصوص قانونية مكتوبة بعد قانون حمورابي‪ ،‬حيث نجد في هذه األلواح‬
‫تدخل السلطة ال ُمشرّعة لتحديد العقوبات وتطبيقها على شخص ُمقترف الجرائم وإحداث نوع من المالءمة‬

‫‪13‬‬
‫بين ضرر الجريمة وضرر العقوبة مثل جرائم اإلجهاض في الفصول ‪ 229‬إلى ‪ 268‬تتراوح عقوباتها بين‬
‫قتل الجاني ودفع مبالغ مالية للضحية أو أهله‪ ،‬وفي الفصول ‪ 691‬إلى ‪ 222‬عقوبة إعدام عين الجاني وكسر‬
‫عظمه وقلع سنّه‪ ،‬بجرائم إعدام عين شخص من األعيان وكسر عظمه وقلع سنّه‪.‬‬
‫واهت ّمت الدولة الرومانية بتنظيم القضاء وتنظيم السجون‪ ،‬وتحديد الجرائم والعقوبات‪ ،‬وكانت الجرائم‬
‫تنقسم إلى الجرائم العا ّمة كخيانة الدولة والحريق العمد والتهرّب من الجندية واإلساءة للديانة وأماكن العبادة‪.‬‬
‫والجرائم الخاصّة كالسرقة وعدم الوفاء بالدين والضرب والجرح وانتهاك الشرف‪ .‬وكان هناك تمييز في‬
‫العقوبات بين طبقات األشراف كالنفي بدل القتل‪ ،‬وأواسط الناس كقطع الرقبة وافتراس الحيوان والشنق‬
‫والصلب‪.‬‬

‫نزل القرآن في شبه الجزيرة العربية بلغة قومها‪ ،‬وسرعان ما انتشر اإلسالم في األقطار ال ُمجاورة‬
‫وانتقلت إليها لغتهم العربية‪ ،‬وقد أبقت الشريعة االسالمية على عادات العرب ال ُمستحسنة فيهم لعدم منافاتها‬
‫العدالة واآلداب‪ ،‬واتبعت فيما نسخته سبيل التدرّج حتى ال يكون وقع انتقالها شديدًا على النفس‪.‬‬
‫تمتاز الشريعة االسالمية بالكمال من حيث النظريات والمبادي لس ّد حاجات الجماعة في كل زمان‬
‫ومكان‪ّ ،‬‬
‫ألن مصدر التشريع في اإلسالم هو هللا تعالى فهو خالق البشر والعالم بما يُصل ُح حياتهم‪ ،‬فأقام‬
‫التشريع اإلسالمي بما فيه النظام الجنائي على مجموعة من األسس‪:‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬حفظ كرامة االنسان‪:‬‬


‫كرّم ال ّدين اإلسالمي االنسان في حياته ومماته ككيان ما ّدي ومعنوي‪ ،‬وأصبحت حياته و ُحرّيته ُمق ّدسة‬
‫ومحفوظة منذ والدته إلى مماته‪ .‬قال هللا تعالى‪:‬‬

‫ثانياا‪ :‬حفظ مصالح العباد في الكليات الخمس‪:‬‬


‫ق ّدمت الشريعة االسالمية حماية جنائية لمصالح أساسية للفرد عاقبت من خاللها على الجرائم الخطيرة‬
‫التي تمس الكليات الخمس‪ ،‬وهي الدين والنفس والعقل وال ِعرض والمال‪ ،‬بنصوص ثابتة‪ ،‬وتركت تنظيم‬
‫المخالفات البسيطة لولي األمر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثالثاا‪ :‬مبدأ الرحمة العا ّمة بالناس‪:‬‬
‫الرحمة هي غاية األحكام الشرعية في اإلسالم‪ ،‬فالرسالة التي بعث بها هللا بها نبيّه ُمح ّمد هي الرحمة‬
‫للعالمين وهي للناس جميعًا تع ّم وال تخص‪ ،‬قال هللا تعالى‬

‫‪ ،‬والرحمة مقرونة بالعدل فال تخفض حقًا وال تُقيم باطالً‪،‬‬

‫حيث قال النبي صلّى هللا عليه وسلّم " أنا نبي المرحمة وأنا نبي الملحمة"‪ ،‬فالملحمة هي أخذ الباطل بما‬
‫أن من ال يرحم ال يُرحم‪ ،‬إذ ليست‬ ‫يستحق وحمل المبطلين على الجا ّدة‪ ،‬ف ِمن قوانين هذه الرحمة الحقيقية ّ‬
‫الرحمة هنا مرادفًا للتسامح والشفقة والرفق والرأفة بل بالعكس‪ ،‬يكون في التسامح والشفقة والرأفة ما يُخفي‬
‫في ثناياه أشد أنواع القسوة خاصّة في ُمعاملة ال ُمجرمين ومن مظاهر ذلك أن يُسمي هللا الرفق بالظالم رأفة‪،‬‬
‫في قوله تعالى في تنفيذ عقوبة الجلد في جريمة الزنى‪،‬‬
‫ۖ‬
‫‪ ،‬ففي إنزال العقوبة خير عام وعدل وأل ٌم رادع للشر ومانع لإلثم‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬مبادئ العدل وال ُمساوة بين النّاس‪:‬‬


‫أرسى اإلسالم مبادئ العدل والمساواة بين جميع النّاس دون فوارق اجتماعية‪ ،‬قال هللا تعالى‬

‫وجاءت الشريعة االسالمية بمبدأ المساواة بين جميع الناس بنصوص صريحة منها‪:‬‬
‫ۖ‬
‫ويُكرّر هذا المعنى رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم " ال فضل لعربي على أعجمي إالّ‬
‫بالتقوى"‪ .‬وهذا المبدأ لم تعرفه القوانين الوضعية إالّ في نهاية القرن (‪ )68‬وبداية القرن (‪.)69‬‬
‫وجاء في خطبة الخليفة الراشد أبي بكر الص ّديق على النّاس عند تولّيه الخالفة سنة ‪ 66‬هـ "‪..‬‬
‫الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقّه‪ ،‬والقو ُ‬
‫ي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ‪ ."..‬وجاء‬
‫في عهد عمر بن الخطّاب ألبي موسى األشعري سنة ‪ 68‬هـ والمتض ّمن لشروط القضاء قوله رضي هللا عنه‬
‫" القضاء فريضة ُمحكمة و ُسنّة ُمتّبعة‪ ،‬فافهم إذا أدلي إليك فإنّه ال ينفع تكلُّ ُم بحق ال نفاذ له‪ ،‬وآسْ بين النّاس‬
‫ٌ‬
‫ضعيف من عدلِك‪."..‬‬ ‫ٌ‬
‫شريف في حيفك وال ييأس‬ ‫في وجهك ومجل ِسك حتى ال يطمع‬

‫سا‪ :‬إرساء نظام جنائي ُمتط ّور‪:‬‬


‫خام ا‬
‫جاء اإلسالم بفلسفة جزائية جديدة‪ ،‬تقوم على إعطاء الدولة سلطة العقاب‪ ،‬وتجريم األفعال ال ُمخالِفة‬
‫ألسس المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وقد كان تشريعًا مكتوبًا و ُمح ّددًا و ُمعلنًا‪ ،‬وأقام المعاملة العقابية على أساس العدل‬

‫‪15‬‬
‫بالجزاء المتناسب مع جسامة الجريمة‪ ،‬وأسس المسؤولية الجزائية على حُريّة االختيار‪ ،‬وأقر مبادئ سامية‬
‫كشرعية الجريمة والجزاء‪ ،‬وشخصية العقوبة وتفريدها و ُمالءمتها‪ ،‬والبراءة األصلية‪...‬إلخ‪ .‬واعتبر الجريمة‬
‫معصية هلل‪ ،‬وصنّف الجرائم المقترنة بالعقوبة أوالكفارة أوالدية‪ ،‬تصنيفًا فريدًا ُمتميّ ًزا إلى جرائم الحدود‪،‬‬
‫وجرائم القصاص‪ ،‬وجرائم التعزير‪.‬‬

‫شهد الغرب ابتدا ًء من القرن الرابع ميالدي نظا ًما جنائيًا تراوح بين قليل من األنسنة واالفراط في‬
‫الردع‪ ،‬بسب القانون الكنسي واستقرار المسيحية كدين للدولة البيزنطية‪ ،‬وأصبحت المنظومة العقابية وسيلة‬
‫للولوج إلى قلوب الناس ومحاسبتهم على معتقداتهم‪ ،‬فحصل من تنويع الجرائم واإلكثار من العقوبات ما يزيد‬
‫في إرهاق الناس وتتقتيلهم‪ .‬وشهدت أوروبا خالل القرون الوسطى فترة ظلماء مع ما يُعرف بمحاكم التفتيش‪،‬‬
‫فجرّمت كل ما هو ُمخالف للمأثور كالسحر والعزوبية واألدب غير المألوف والفن غير المستساغ‪ ،‬وتن ّوعت‬
‫العقوبات بين الحرق وتمزيق األبدان‪ ،‬وبرّرت فنون وآالت التعذيب‪.‬‬
‫كانت القوانين الوضعية قبل الثورة الفرنسية مزيجًا من القواعد اآلمرة والناهية الموروثة عن الرومان‬
‫وغيرهم‪ ،‬إضافة إلي بعض المبادئ األخالقية والعادات والتقاليد والسوابق القضائية‪ ،‬وبعض القواعد الدينية‬
‫في ظل اختالف الديانات والمذاهب‪ .‬لكنّها كانت ُمختلّةً ال تُقي ُم عدالً وال تُحقّ ُ‬
‫ق استقرارًا‪ ،‬بسبب تحكم الكنيسة‬
‫ُ‬
‫حيث اتسمت بقسوة العقوبات وكثرة التعذيب واإلعدام‪.‬‬ ‫وغياب سيادة القانون‪.‬‬

‫مع تطور المجتمعات االنسانية وما حققته من تقدم حضاري ونمو فكري وثقافي‪ ،‬تهذبت النظم الجنائية‬
‫تحت تأثير التيارات الفكرية والفلسفية التي دعت إلى إعادة النظر في العقوبة وفي السياسات الجنائية المتبعة‬
‫بوجه عام في المجتمعات الحديثة‪ ،‬و ُمالءمة القوانين مع التطور الحاصل في مختلف مناحي الحياة الفكرية‬
‫والسياسية‪ ،‬بشكل يراعي العقالنية في الرّدع وتُق ّر بحقوق المستهدفين بالمنظومة الجزائية‪ ،‬وكان من رواد‬
‫هذه الصحوة مارتن لوثر‪ ،‬مونتيسكيو‪ ،‬فولتير‪ ،‬ميرابو‪ ،‬جون لوك‪ ،‬وجان جاك روسو‪.‬‬
‫أصبحت القوانين تنظم عالقات األفراد الما ّدية وشؤون األمن ونظام الحكم‪ ،‬فكانت شعارات الثورتين‬
‫األمريكية والفرنسية في أواخر القرن(‪)68‬هي الحرية والعدالة واإلخاء وال ُمساواة واحترام آدمية االنسان‬
‫وكرامته‪ ،‬وتأ ّكدت هذه األفكار والمبادئ في إعالن حقوق االنسان والمواطن في فرنسا(‪)6289‬وانعكست‬
‫على التشريعات الجنائية ف ُحرّم التعذيب و ُخفّضت حاالت اإلعدام وألغيت ال ُمصادرة الجماعية لألموال‪ ،‬وقُرّر‬
‫مبدأ الشرعية الجنائية‪ ،‬ومبدأ شخصية العقوبة‪ ،‬ومبدأ ال ُمساواة أمام القضاء‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫عرف التشريع الجنائي في الجزائر تط ّورًا عبر مراحل طُبّق فيها النظام الجنائي االسالمي والنظم‬
‫العقابية الغربية‪ ،‬حيث يُق ّسم مسار تط ّوره إلى مرحلتين‪ :‬ما قبل اإلستقالل‪ ،‬وما بعد اإلستقالل‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬مرحلة ما قبل اإلستقالل (‪:)1302‬‬

‫أ) قبل االحتالل الفرنسي‪:‬‬


‫كانت الشريعة اإلسالمية هي المطبقة في الجزائر في جميع مناحي الحياة‪ ،‬وذلك ُمن ُذ الفتح االسالمي‬
‫في المغرب العربي وشمال أفريقيا‪ ،‬حيث طُبّق في الجانب الجنائي ذلك التقسيم الشرعي الثالثي للجرائم‬
‫وعقوباتها وعي جرائم الحدود وجرائم القصاص وجرائم التعازير‪ ،‬وتلك المبادئ الجنائية المتعلّقة بشرعية‬
‫التجريم والعقاب وشخصية المسؤولية وبعض طرق اإلثبات‪.‬‬
‫واستم ّرتطبيق الشريعة االسالمية لفترة قصيرة بعد االحتالل‪ ،‬حيث كان األمير عبد القادر في الغرب‬
‫الجزائري يُعيّن القضاة من بين فقهاء الشريعة في المذهب المالكي‪.‬‬

‫ب) أثناء اإلحتالل الفرنسي‪:‬‬


‫ـ ُمنذ أن أصبحت الجزائر ُمستعمرة فرنسية وإلى غاية ‪ 6912‬ظ ّل يسري في ربوعها قانون العقوبات‬
‫الفرنسي الذي يرجع تاريخه لسنة ‪6862‬م ويُعرف بقانون نابوليون‪.‬‬
‫حيث عملت الدولة الفرنسية بعد احتاللها الجزائر على فرض تشريعاتها في الجزائر تحقيقًا لمصالحها‬
‫االستعمارية فأصدرت أمرًا في سنة ‪ 6886‬يقضي بتطبيق القانون الفرنسي في المسائل الجزائية واختصاص‬
‫القضاء الفرنسي بها‪ ،‬باإلضافة إلى بعض األحكام الخاصّة باألهالي من حيث أنواع خاصّة من الجرائم‬
‫واالجراءات المتعلّقة بها تس ّمى باألفعال ال ُمعادية للوجود الفرنسي بالجزائر‪.‬‬
‫وعملت الدولة الفرنسية االستعمارية على تجزئة القوانين إلى نوعين‪ ،‬أحدهما هو قانون العقوبات‬
‫الفرنسي الذي يُطبّق على الدعاوى التي يكون طرفاها أو أحد طرفيها من األوربيين‪ ،‬والثاني هو القانون‬
‫الفقه اإلسالمي المالكي يسري على الدعاوى بين الجزائريين‪.‬‬
‫ـ بتاريخ‪ 21‬سبتمبر‪ 6882‬أنهت فرنسا القضاء اإلسالمي وطبّقت على الجزائريين عقوبات غير‬
‫قانونية لم تكن موجودة في قانون العقوبات الفرنسي كالغرامة الجماعية واإلعتقال والوضع تحت الرقابة‪.‬‬
‫ـ وبتاريخ ‪ 69‬نوفمبر‪ 6988‬تحت ظروف دولية ووطنية صدر األمر الفرنسي الذي يُخضع جميع‬
‫الجزائريين للتشريع النافذ والساري على الفرنسيين‪.‬‬
‫ـ إبّان الثورة الجزائرية ابتداء من ‪ 6918‬ع ّدلت السلطات الفرنسية القانون بإنشاء المحاكم الخاصّة‬
‫والعسكرية ل ُمحاكمة الجزائريين وأهدرت الحريات بشكل فظيع ألنّها اعتبرت الثورة تمرُّ دًا‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫ثانياا‪ :‬مرحلة ما بعد االستقالل عام (‪:)1302‬‬
‫ـ استم ّر تطبيق قانون العقوبات الفرنسي بموجب األمر رقم ‪ 612/12‬المؤرّخ في ‪ 96‬ديسمبر الذي‬
‫يقضي بتمديد سريان مفعول التشريعات الفرنسية في الجزائر ما عدا ما يتنافى منها مع السيادة الوطنية‪،‬‬
‫وذلك إلى غاية صدور قانون العقوبات الجزائري سنة ‪ .6911‬وصدرت قبله وبعده ع ّدة قوانين‪.‬‬

‫أ) قبل نفاذ قانون العقوبات‪:‬‬


‫ـ صدرت بعض القوانين والمراسيم كان منها قانون قمع جرائم المساس باألمالك الشاغرة رقم ‪86-18‬‬
‫المؤرخ في ‪ 22‬جانفي ‪ .6918‬وقانون قمع جرائم باقتناء أسلحة الصيد والذخيرة‪ ،‬المرسوم ‪19‬ــ‪.81‬‬
‫ـ في سنة ‪ 6911‬صدر قانون العقوبات الجزائري بموجب األمر رقم ‪66‬ـ‪ 611‬المؤرخ في ‪ 68‬صفر‬
‫‪ 6981‬هـ الموافق ‪ 8‬يونيو سنة ‪ .6911‬وهو القانون الساري المفعول ابتدا ًء من ‪61‬يونيو‪ 6911‬إلى هذا‬
‫اليوم‪ ،‬واستم ّد ال ُمشرّع ُمعظم أحكامه من قانون العقوبات الفرنسي‪ُ ،‬مستعينًا بالقانونين المصري والمغربي‪.‬‬
‫ودخلت عليه ع ّدة تعديالت منذ سنوات السبعينات إلى اليوم‪.‬‬

‫ب) بعد صدور قانون العقوبات‪:‬‬


‫ـ قانون المجالس الخاصة بقمع الجرائم االقتصادية‪ ،‬باألمر ‪11‬ـ‪ ،682‬المؤرخ في ‪ 26‬جوان‪.6911‬‬
‫ـ قانون القضاء العسكري ‪ ،6926‬األمر ‪26‬ـ‪ 28‬في ‪ 22‬إبريل‪ ،6926‬ال ُمع ّدل والمت ّمم بالقا ‪68‬ـ‪.68‬‬
‫ـ قانون تنظيم السجون وإصالح المساجين لسنة ‪ ،6922‬ال ُمستبدل بالقانون ‪ 28-21‬بتاريخ ‪1‬فبراير‬
‫‪ ،2221‬بقانون تنظيم السجون وإعادة اإلدماج االجتماعي للمحبوسين وال ُمع ّدل والمت ّمم بالقانون ‪68‬ـ‪.26‬‬
‫ـ قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية و ُمكافحتها رقم ‪.68-28‬‬
‫ـ قانون الوقاية من تبييض األموال وتمويل اإلرهاب ومكافحتهما رقم ‪ 26-21‬المع ّدل والمت ّمم‪.‬‬
‫ـ وقانون الوقاية من الفساد و ُمكافحته رقم ‪ 26-21‬المع ّدل والمت ّمم‪.‬‬
‫ـ قانون الوقاية من جرائم تكنولوجيا اإلعالم واإلتصال ومكافحتها رقم ‪.28-29‬‬
‫ـ قانون الوقاية من عصابات األحياء و ُمكافحتها باألمر رقم ‪.29-22‬‬

‫‪18‬‬
‫ساهم الفقه في تطوير القانون الجنائي‪ ،‬وذلك بتأثير الفقه اإلسالمي منذ القرن السادس(‪ )1‬ميالدي‬
‫وبتأثير مدارس الفكر العقابي السائدة في أوروبا ابتدا ًء من القرن الثامن عشر(‪ )68‬ميالدي‪.‬‬

‫في القرن الثامن عشر(‪ )68‬للميالد ظهرت حركة إصالحية في أوربا‪ ،‬قادها ال ُمفكرون والفالسففة ضف ّد‬
‫الظلم الذي كان ُمسلّطًا على النّاس والخلل في النظام الجنائي ككل في تلك الحقبة التاريخيفة التفي اتسفم بقسفوة‬
‫ووحشففية العقوبففات وعففدم تناسففبها مففع الضففرر االجتمففاعي الففذي تُحدثففه الجريمففة‪ ،‬وبففتحكم القضففاء والهففوى‬
‫والرغبة في إرضاء الحاكم بعيداً عن تحقيق المساواة بين المواطنين‪.‬‬
‫وكان لهذه الحركة العلمية األثر العميق في تطوير القانون الجنائي األوروبي وتثبيت أسسه النظريّة‪.‬‬
‫حيث واجهوا ُمشكلة الجريمة بطريقة علمية‪ ،‬فتأسّست من هذه الحركة مدارس فقهية في التأصيل الفكري‬
‫للقانون الجنائي‪ ،‬تُناقش األساس الفلسفي الذي تقوم عليه المسؤولية الجزائية ومبادئ التجريم والعقاب‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬المدرسة التقليدية (سنة ‪:)1407‬‬


‫تأسّست على يد الفيلسوف والمفكر اإليطالي سيزار بيكاريا ‪ Cesar Beccaria‬من خالل مؤلفه‬
‫الشهير " الجرائم والعقوبات"(‪ )6218‬ومن رواد المدرسة أيضًا العالم اإلنجليزي جيرمي بنتام ‪Jeremy‬‬
‫‪ Bentham‬والعالم األلماني أنسلم فويرباخ ‪.)1(Anselm von Feuerbach‬‬

‫أ) مبادئ المدرسة التقليدية‪:‬‬


‫تُمثل هذه المدرسة المذهب اإلرادي في المسؤولية الجزائية‬
‫‪ )1‬األساس القانوني للتجريم والعقاب (مبدأ الشرعية الجنائية)‪ :‬بحيث ال تكون هناك جريمة وال‬
‫عقوبة إال بمقتضى نص قانوني واضح ومح ّدد‪.‬‬
‫‪ )2‬أساس المسؤولية الجنائية ح ّرية االختيار ( المسئولية األخالقية ) أي حرية الموازنة والتخير بفين‬
‫طريق الخير وطريق الشر وهي متساوية لدى جميع األفراد ‪ ،‬مما يوجب‪:‬‬
‫‪ -‬المساواة التامة بين جميع المجرمين الذين يتمتعون بملكتي اإلدراك والتميز‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد مبدأ العقوبة ذات الحد الواحد‪ ،‬بحيث ينحصر دور القاضي في تطبيق العقوبة المقررة قانونا ً‪.‬‬

‫)‪ (1‬ومن أنصار المدرسة ـ الفيلسوف‪ ،‬جان جاك روسو ‪ Jean-Jacques Rousseau‬والفيلسوف األلماني إيمانويل‬
‫كانت )‪.)Immanuel Kant‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬ال وجففود لمبففدأ تفريففد العقوبففة‪ ،‬والمغففايرة فففي المعاملففة العقابيففة مففن جففان إلففى أخففر حسففب ظففروف‬
‫وشخصية كل مجرم على حدة‪.‬‬
‫‪ -‬الوجود لفكرة المسئولية المخففة أو األخفذ بنظفام العففو الخفاص‪ .‬فضفوابط التجفريم والعقفاب ضفوابط‬
‫مادية وموضوعية مجردة‪.‬‬
‫‪ )3‬أساس الحق في العقاب المنفعة‪ :‬يستند إلى أفكار الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو‪ّ ،‬‬
‫بأن األفراد‬
‫تنازلوا للسلطة العامة (الدولة) عن حقهفم ففي الفدفاع عفن أنفسفهم وعفن أمفوالهم فالجريمفة التفي توجفب توقيفع‬
‫العقاب‪ ،‬تعتبر إخالالً بتنفيذ العقد الذي أبرمه أفراد ال ُمجتمفع بتنفازلهم عفن بعفض حريفاتهم وحقفوقهم للجماعفة‬
‫في سبيل المحافظة على الباقي منها‪ .‬ومن ثم يكون جزاء الخروج على الجماعة بالقدر الفالزم فقفط لحمايتهفا‪.‬‬
‫فففال يجففوز للسففلطة العامففة (الدولففة) أن تسففرف فففي الحففق فففي العقففاب و أن ال تسففتعمله إال بالقففدر الففذي يحقففق‬
‫المنفعة العامة‪.‬‬
‫‪ )7‬وظيفة العقوبة‪ :‬هي الردع الخاص والردع العام‪ ،‬بمنع الجاني من تكرار جرمه في المستقبل‪،‬‬
‫ومنع أقرانه من تقليده‪ .‬فالجريمة وقد وقعت بالفعل فال تكون العقوبة للتنكيل بكائن حساس وإنما في نفعها في‬
‫منع وقوع الجريمة مستقبالً‪ .‬بالردع الخاص الذي ينصرف إلي المجرم نفسه بترهيبه بالعقوبة وإنذاره‪.‬‬
‫والردع العام الذي ينصرف إلي الجماعة ككل‪.‬‬

‫ب) تقدير المدرسة التقليدية‪:‬‬


‫المدرسة لها فضل على القانون الجنائي في الدعوة إلى إقرار مبدأ الشرعية الجنائية في مجالي التجريم‬
‫والعقاب‪ ،‬ومنع القضاة من الفتحكم والهفوى‪ ،‬وإظهفار أهميفة األخفذ بالمسفؤولية األخالقيفة القائمفة علفى الخطفأ‬
‫الشخصي‪ ،‬والدعوة إلى التخفيف من قسوة العقوبات‪ ،‬ومنع الوسائل الوحشية في التنفيذ العقابي‪.‬‬
‫لم تفلت المدرسة من النقد وقد تعدت أوجه القصور بشأنها والتي يمكن إيجازها في اآلتي‪:‬‬
‫ُ‬
‫حيث أقامت أسفس‬ ‫‪ )1‬ال تراعي شخص المجرم وعوامل انحرافه والظروف الفارقة من جان إلى آخر‪.‬‬
‫التجريم والعقاب على قواعد موضوعية مجرّدة ولقد ترتب على ذلك عدم تحقيفق العدالفة والمسفاواة‪ ،‬فمعاملفة‬
‫المجرم العائد على قدم المساواة مع المجرم البادئ هو عين الظلم‪.‬‬
‫‪ )2‬عيب الجزاء ال ُمح ّدد الثابت ينفي وظيفة الرّدع‪ ،‬فنفس العقوبة لكل المجفرمين المقتفرفين لفعفل واحفد‬
‫ال يمكن أن يكون رادعا ً لهم جميعا ً‪ ،‬حيث أن اخفتالفهم ففي التكفوين الخلقفي والنفسفي مفن شفأنه أن يجعفل هفذا‬
‫الجزاء ناقصا ً بالنسبة لبعضهم وكافيا ً بالنسبة للبعض اآلخر ومتجاوزاً للبعض األخير‪.‬‬
‫‪ )3‬إهمال الوسائل األخرى للعالج وتهذيب وإصالح وتأهيل المجفرم بحيفث ال يعفاود ارتكفاب الجريمفة‬
‫مففرة أخففرى‪ .‬وذلففك بال ُمغففاالة فففي وظيفففة الففردع وجعففل العقوبففة هففي الوسففيلة الوحيففدة ال ُمعف ّول عليهففا كوظيفففة‬
‫اجتماعية للتشريع العقابي‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫ولهذا ظهرت المدرسة التقليدية الجديدة لتصحيح النقص‪ ،‬ومن الجديد الذي جاءت به‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫أن المسؤولية تزيد درجاتها وتنقص بحسب مقدار الحرّية الذي يزيد وينقص‪.‬‬
‫ألن حرية الفرد تنتهي عند بداية حرّية اآلخرين(كا ْن ْ‬
‫ت)‪.‬‬ ‫ـ إضافة أساس العدالة ال ُمطلقة لحق العقاب‪ّ ،‬‬
‫ـ والج مع بين فكرة العدالة المطلقفة ونظريفة المنفعفة االجتماعيفة ينفتج عنفه عفدم زيفادة العقفاب علفى مفا‬
‫تستدعيه المنفعة من اسفتقرار األمفن واسفتتبابه ففي المجتمفع‪ .‬وينفتج عنفه اإلهتمفام بشخصفية المجفرم ومفن ثف ّم‬
‫إقرار نظام الظروف المخففة والمشددة ومبدأ التفريد العقابي‪.‬‬

‫ثانياا ‪ :‬المدرسة الوضعية اإليطالية (سنة ‪:)1840‬‬

‫أ) التعريف بالمدرسة الوضعية ومبادئها‪:‬‬


‫ـ من أبرز رواد المدرسة الوضعية‪ :‬الطبيب اإليطالي وعالم جريمة‪ Cesare Lombroso‬سيزار‬
‫لومبروزو مؤسس المدرسة التكوينية الوضعية في نظريات تفسير السلوك اإلجرامي‪ .‬والقاضي اإليطالي‬
‫رافاييل غاروفالو‪ ،Raffaele Garofalo‬عالم االجتماع اإليطالي أنريكو فيري ‪Enrico Ferri‬‬
‫ـ تُمثل هذه المدرسة مذهب الحتمية‪ ،‬ظهرت في إيطاليا في الربع الخير من القرن (‪ )69‬وتميّزت‬
‫باعتمادها على المناهج العلمية في دراسة ظاهرة الجريمة من أه ّم ما جاءت به هذه المدرسة‪:‬‬
‫‪ )1‬المجرم حينما يرتكب الجريمة يكون محتو ًما و ُمجبرًا ومدفوعًا الرتكابها بِقِوى طبيعيى وبيولوجية‬
‫ال يستطيع ُمقاومتها‪ ،‬فهوليس ُح ًّرا‪.‬‬
‫‪ )2‬مناط المسؤولية الجزائية هو الخطورة اإلجرامية‪ ،‬وهي التي تُعطي الدولة حق التدخل بالرّد على‬
‫المجرم إليقاف خطورته وحماية المجتمع منها‪.‬‬
‫‪ )3‬المسؤولية اجتماعية وليست أخالقية‪ ،‬حيث تُلزمه بالخضوع إلجراءات ضرورية في المجتمع‬
‫بصفة المجرم شخص مريض ال ينفع معه الحبس أو السجن بل يحتاج إلى عالج‪.‬‬
‫‪ )7‬يخضع المجرم لتدابير وقائية أو احترازية تتناسب وحجم الجريمة التي ارتكبها‪ ،‬كعالجه في‬
‫المستشفى‪ ،‬أو إرساله إلى المالجئ أو المستعمرات الزراعية بدالً من العقوبة‪.‬‬
‫‪ )5‬تقسيم المجرمين ومعاملتهم على أساس هذا التقسم في طوائف‪:‬‬
‫المجرم بالفطرة‪ ،‬المجرم بالعادة‪ ،‬المجرم المجنون‪ ،‬والمجرم بالعاطفة والمجرم العرضي‪ .‬حيث توجود‬
‫فوارق تشريحية بين الهياكل العظمية للمجرمين‪ .‬وللمجرم في الغالب وجنات مفرطحة وذقن عريضة بارزة‪،‬‬
‫والسارق يده تكون طويلة‪ ،‬ويد القاتل قصيرة‪ .‬والعقوبات ال ُمطبّقة عليهم تختلف حسب كل طائفة‪ .‬فالمجرم‬
‫بالميالد وبالعادة له عقوبة استئصالية بإقصائه من المجتمع كالعزل والحجز المؤبد واإلعدام أما المجرم‬
‫المريض وبالنجرم بالصدفة فقابل للعالج‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫ب) تقدير المدرسة الوضعية‪:‬‬
‫ـ كان لهذه المدرسة الفضل في اتخاذ مبدأ تفريد العقاب ونظام إصالح األحداث ووقف تنفيذ العقوبات‪،‬‬
‫وإصالح المجرمين المعتادين وطرق تحقيق الشخصية وتدابير الوقاية من اإلجرام‪.‬‬
‫أن هذه المدرسة تُنتقد من الجوانب التالية‪:‬‬
‫ـ غير ّ‬
‫بأن أي شخص تتوفر فيه صفة أو صفات ِخ ْلقية‪ ،‬أو صفات نفسية‬
‫‪ )1‬مخالفة مبدأ الشرعية بالقول ّ‬
‫ومنهم ال ُمجرم بالميالد يجب أن يتعرض إلحدى التدابير الوقائية‪ ،‬ويُعامل معاملة المجرمين ولو لم يرتكب‬
‫أ ّ‬
‫ي فعل يعاقب عليه القانون‪.‬‬
‫‪ )2‬هناك الكثير ممن تتوفّر فيهم هذه الصفات ولم يرتكبوا جرائم‪ ،‬يعني أنّهم أسوياء سلوكيًا‪.‬‬
‫‪ )3‬إذا كانت الجريمة حتمية فيزيولوجية إذن فال أمل في عالج الجاني‪ ،‬ومن ث ّم ال معنى للمسؤولية‬
‫الجزائية‪ ،‬وهذه النتيجة تتعارض مع فكرة ّ‬
‫أن اإلنسان سيّد نفسه وسلوكاته‪.‬‬
‫‪ )7‬النظرية تُهمل دور وتأثير عوامل البيئة على اإلنسان سواء بالسلب أو اإليجاب‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬مدرسة الدفاع االجتماعي (سنة ‪:)1375‬‬


‫أ) التعريف بمدرسة الدفاع االجتماعي‪:‬‬
‫ـ يتزعم الفقيه اإليطالي فيليبو جراماتيكا ‪ Filippo Grammatica‬رائد الدفاع االجتماعي التقليدي‪،‬‬
‫واآلخر معتدل بزعامة القاضي الفرنسي مارك أنسل ‪ُ ،Marc Ancel‬مؤسّس الدفاع االجتماعي الجديد‪/‬‬
‫ـ حركة الدفاع االجتماعي تهدف إلى حماية كل من المجتمع والمجرم من الظاهرة اإلجرامية ولها‬
‫اتجاهان أحدهما متطرف‪ ،‬ومن مبادئها‪:‬‬
‫‪ )1‬إستبدال نظام قانون العقوبات التقليدي بنظام الدفاع االجتماعي من خالل هيئات اجتماعية تهتم‬
‫بالشخص وأفكار اإلنحراف والتضاد مع المجتمع والتداربير اإلجتماعية العالجية‪ ،‬واستبعاد القانون الجنائي‬
‫والقضاء الجنائي والمسؤولية الجزائية وفكرة الجريمة والعقاب‪.‬‬
‫‪ )2‬أنكار حق الدولة في العقاب والتأكيد على واجب الدولة في التأهيل االجتماعي اعتمادًا على‬
‫معطيات العلوم التجريبية لفحص شخصية الجاني وتوقيع التدبير المناسب لكل حالة‪.‬‬

‫ب) انتقاد مدرسة الدفاع االجتماعي القديمة‪:‬‬


‫‪ )1‬استبعاد القانون الجنائي باعتباره أداة الدولة القسرية ووسيلة لتدعيم السياسة الجنائية قد يؤدي‬
‫لزعزعة كيان الدولة‪.‬‬
‫‪ )2‬عجز النظرية عن تحقيق الردع العام خا ّ‬
‫صة في الجرائم الخطيرة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ )3‬اسبدال الضابط القانوني الواضح في تحديد الجريمة بضابط التكيّف االجتماعي ال ُمميّع الغامض‬
‫بسبب إنكار الحرية والمسؤولية الجزائية‪.‬‬
‫‪ )7‬تهديد الحريات الفردية بترك تقدير التكيّف االجتماعي والتأهيل للسلطة التنفيذية‪.‬‬
‫ولهذا جاء مارك أنسل بنظرية الدفاع االجتماعي الجديدة ودعا إلى‪:‬‬
‫ـ االعتراف بقانون العقوبات وضرورة تطويره‪.‬‬
‫ـ ُمراعاة الجانب اإلنساني للمجرم باحترام وحماية حقوقه وضمانها بالشرعية وكفالة المحاكمة العادلة‪.‬‬
‫ـ الدمج بين العقوبات والتدابير في التعامل مع المجرم‪.‬‬
‫ـ التمسك بمدأ العدالة ال ُمقيّدة بالمنفعة‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬المذهب التوفيقي وموقف المشرع الجزائري‬


‫أ) ظهور المذاهب التوفيقية‪:‬‬
‫ظهرت مدارس أخرى ذات توجّه توفيقيي‪ ،‬حاولت الجمع بين أفكار المدارس ال ُمختلفة السابقة‪ ،‬وكان‬
‫من أبرزها "المؤتمر الدولي لقانون العقوبات"الذي أسّسه"هامل برنس"‪ ،‬و"جون ليست"‪ .‬وتمثلت‬
‫المنهجية التوفيقية لهذه المدرسة في أنّها‪:‬‬
‫‪ )1‬تعترف بحرية اإلرادة وتأسيس المسؤولية الجزائية على اإلدراك والتمييز واالختيار لدى الفاعل‪.‬‬
‫‪ )2‬ترى تع ّدد وظائف العقوبة بين الردع‪ ،‬وإصالح الجاني وتهذيبه‪.‬‬
‫‪ )3‬تأخذ بفكرة التدابير االحترازية بالنسبة ألشخاص الذين ينطوون على خطورة إجرامية‪.‬‬

‫ب) منهج ال ُمش ّرع الجزائري في التجريم والعقاب‪:‬‬


‫اقتبس المشرع الجزائري الكثير من األحكام والمبادئ من أفكار هذه المدارس‪ ،‬حيث سار على منهاج‬
‫المدرسة التوفيقية التي صار لها الغلبة في الفقه الجنائي وتأثرت بها القوانين في ُمختلف الدول‪:‬‬
‫‪ )1‬في قانون العقوبات الجزائري‪:‬‬
‫ـ تقسيم الجرائم بحسب درجات خطورتها إلى جنايات وجنح و ُمخالفات بموجب المواد ‪22‬ـ ‪ 29‬من ق‬
‫ع ج‪ .‬وتنويع الجزاء بحسب هذا المعيار كما هو منصوص عليه في الما ّدة ‪ 1‬وما بعدها‪.‬‬
‫ـ أساس المسؤولية الجزائية هو حرّية اإلرادة في المواد ‪ 16-82‬ق ع‪ .‬فهي تماتنع لدى عديم اإلرادة‬
‫كالمجنون وال ُمكره وصغير السّن‪.‬‬
‫ـ منهج المعاملة الجنائية للجاني هو الجمع بين العقوبة لغرض الردع‪ ،‬والتدبير االحترازي لغرض‬
‫الوقاية في المواد ‪ 8‬إلى ‪ 21‬من ق ع‪ .‬وتقسيم العقوبات إلى أصلية وتكميلية‪ ،‬وميّز في أنواعها بين العقوبة‬
‫السالبة للحرية والمالية والتقليص من حاالت عقوبة اإلعدام‪ ،‬والنّص على بدائل العقوبة السالبة للحرّية‬
‫المتمثّلة في العمل للنفع العام ووقف التنفيذ والمراقبة اإللكترونية‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫ـ مبدأ التفريد القانوني والقضائي للجزاء الجنائي ويظهر ذلك في المواد ‪ 12‬من ق ع تحت عنوان‬
‫شخصية العقوبة‪ ،‬بتنظيم ظروف التخفيف والتشديد والفترة األمنية‪ .‬وجعل العقوبات في أغلبها ذات ح ّدين‬
‫أدنى وأقصى‪ .‬كما يظهر في الما ّدة ‪ 9‬من قانون تنظيم السجون وإعادة اإلدماج االجتماعي للمحبوسين رقم‬
‫‪21‬ـ‪ 28‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم‪ .‬بقوله " يرتكز تطبيق العقوبة السالبة للحرية على مبدأ تفريد العقوبة "‪.‬‬

‫‪ )2‬في قانون تنظيم السجون وإعادة اإلدماج االجتماعي للمحبوسين (رقم ‪05‬ـ‪ 07‬ال ُمعدّل وال ُمت ّمم)‬
‫ـ بالنسبة لهدف القانون ورد في الما ّدة األولى من هذا القانون أنّه يهدف إلى تكريس مبادئ وقواعد‬
‫إلرساء سياسة عقابية قائمة على الدفاع االجتماعي‪ ،‬تجعل من العقوبة وسيلة لحماية ال ُمجتمع بواسطة إعادة‬
‫التربية واإلدماج اإلجتماعي للمحبوسين‪.‬‬
‫ـ تفريد الجزاء الجنائي من حيث التنفيذ‪ ،‬نصّت الما ّدة ‪ 9‬بأنّه يرتكز تنفيذ العقوبة السالبة للحرية على‬
‫مبدأ تفريد العقوبة المتمثل في معاملة المحبوس بحسب وضعيته الجزائية والبدنية والعقلية‪.‬‬
‫ـ ُ‬
‫تدخل الجهاز القضائي في مرحلة تطبيق العقوبة عن طريق قاضي تطبيق العقوبات وتحت إشراف‬
‫النيابة العامة‪ ،‬كما هو ُمبيّن في المواد ‪ 62‬إلى ‪ 68‬والمواد ‪ 22‬و‪ 29‬وغيرها‪.‬‬
‫ـ دراسة شخصية الجاني من أجل إخضاعه للعالج العقابي قصد تحقيق إعادة تأهيله إجتماعيًا‪.‬‬
‫‪5‬ـ مؤسسات تنفيذ الجزاء الجنائي‪ :‬يُنظم هذا القانون‪ ،‬مؤسسات الدفاع االجتماعي في الباب الثاني‪،‬‬
‫والمؤسسات العقابية في الباب الثالث‪.‬‬

‫‪ )3‬في قانون اإلجراءات الجزائية‪:‬‬


‫ـ مبادئ المحاكمة العادلة وضماناتها‪ ،‬مثل حق الدفاع وقرينة البراءة‪ ،‬حق المحاكمة المنصفة‬
‫والسريعة‪ ،‬تأويل الشك لمصلحة ال ُمتّهم‪ ،‬حق الطعن‪..‬‬
‫ـ ضمانات ال ُمشتبه فيه والمتهم خالل المتابعة‪.‬‬
‫ـ تقييد الدعوى العمومية بشكوى المضرور أو إذن أو طلب الهيئات اإلدارية العمومية في ع ّدة جرائم‪.‬‬
‫‪ )7‬بدائل الدعوى العمومية نصّ على بدائل ال ُمتابعة أمام القضاء الجزائي‪ ،‬وهي الصلح الجنائي‬
‫والوساطة الجنائية والتسوية الجنائية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يتميّز الفقه الجنائي اإلسالمي عن الفكر الوضعي بأسبقيته في إرساء المبادئ الجنائية بقرون عديدة‪،‬‬
‫وبكماله وعدله ال ُمطلق وبمصدره الرباني الخبير بشؤون الخلق وليس مصدره البشر‬
‫(الجاثية)‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬فلسفة الفكر العقابي في الشريعة اإلسالمية‬


‫أ) خصائص النظام الجنائي اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ )1‬أساس المسؤولية الجزائية‪:‬‬
‫ُ‬
‫تنحصر مسؤولية اإلنسان في نطاق اإلرادة والحرّية‪ ،‬فقدرة اإلنسان على اإلختيار تتح ّدد بنشاطه‬
‫فهو بذلك أهل أن يتح ّمل‬ ‫اإلرادي‬
‫تبعة سلوكه‪ ،‬مسؤوالً ع ّما يكون ل ُحرّيته فيه يد‪ ،‬وفيما يكون له عليه س ٌ‬
‫ُلطان ويلحق به الثواب والعقاب‪.‬‬

‫والتكليف يكون بقدر‬


‫االستطاعة‪ ،‬قال تعالى‬

‫‪ )2‬علّة التجريم والعقاب‪:‬‬


‫ـ العلّة العا ّمة ألحكام الشريعة اإلسالمية هي الرّحمة والهدى للناس جميعًا‬
‫أي ّ‬
‫أن‬

‫أحكام الشرع تهدي النّاس إلى ُسبُل الرشاد‪ ،‬والرحمة بهم في صيانة مصالحهم الجديرة باالعتبار‪.‬‬
‫وعلّة التجريم والعقاب في الشريعة هو تحقيق مصالح العباد‪ ،‬بتجريم اإلعتداء على المصالح ال ُكلّية‬
‫الخمسة في المجتمع والتي البقاء لإلنسان حيًّا كري ًما إال بها‪ ،‬وهي الدين والعقل والنفس والنسل والمال‪.‬‬
‫ألن في إتيانها أو تركها ضر ٌر بنظام الجماعة و ُشرّع‬
‫واألفعال ال ُمعتبرة جرائم يؤمر بها أو يُنهى عنها ّ‬
‫العقاب لعدم كفاية النهي واألمر‪ ،‬فالعقاب هو الذي يحم ُل النّاس على التزام األوامر والنواهي‪.‬‬

‫ب) مبادئ التجريم والعقاب في الفقه الجنائي اإلسالمي‪:‬‬


‫‪ )1‬مبدأ شخصية العقوبة‪:‬‬
‫القصاصُ في الشريعة االسالمية شخصي يوقع على مقترف الجرم فقط‪ْ ،‬‬
‫فإن شاء الضحية أخذ‬
‫بالقِصاص أو يعفو‪ ،‬مع تعزير الجاني من ولي األمر‪ ،‬قال تعالى‬

‫‪.‬‬ ‫وقال تعالى‬

‫‪25‬‬
‫‪ )2‬مبدأ القصد والنية‪:‬‬
‫ينبغي توفّر العنصر المعنوي النفسي في الجريمة والتمييز بين العمد والخطأ‪ ،‬قال النبي(ص)" إنّما‬
‫امرئ ما نوى " (رواه الشيخان)‪ .‬ومثاله التمييز بين القتل العمد والقتل الخطأ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫األعمال بالنيّات وإنّما لك ّل‬
‫وانتفاء العقوبة بانتفاء اإلرادة عند اإلكراه أو الضرورة‪ .‬قال هللا ع ّز وجل‪:‬‬

‫النص‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )3‬مبدأ الشرعية وعدم رجعية‬
‫من القواعد الفقهية في الفقه اإلسالمي أنّه "ال حُكم على أفعال العقالء قبل ورود النّص"‪ .‬وقد ورد في‬
‫القرآن الكريم الكثير من اآليات التي تُقرّر المبدأ منها قوله تعالى‬

‫‪ )7‬مبدأ قرينة البراءة‪:‬‬


‫من القواعد الفقهية في الشريعة اإلسالمية ّ‬
‫أن "األصل في األشياء اإلباحة واألصل في األفعال الجواز‬
‫واألصل براءة الذ ّمة "‪ .‬وقاعدة "إدرؤوا الحدود بالشبهات"‪.‬‬
‫‪ )5‬مبدأ ال ُمساواة‪:‬‬
‫ياجسّد في قول رسول هللا ألسامة بن زيد عندما جاء يشفع في تنفيذ الحد"أتشفع في ح ٍّد من حدود هللا‪،‬‬
‫لقد أهلك من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الوضيع أقاموا عليه الح ّد‪ ،‬وأي ُم هللاِ‬
‫ُ‬
‫لقطعت يدها"‪.‬‬ ‫ْ‬
‫سرقت‬ ‫لو ّ‬
‫أن فاطمة بنت ُمح ّمد‬
‫‪ )0‬العقوبات الشرعية زواجر جوابر‪:‬‬
‫تكون العقوبات غالبًا من جنس الجريمة رحمة بالمجتمع تُحقق الردع وتجبر الضرر وتأخذ بعفو‬
‫المجني عليه‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أثر الفقه الجنائي اإلسالمي على التشريعات الوضعية‪:‬‬


‫بقي أثر الفقه اإلسالمي واضحًا في بلدان العالم اإلسالمي كالقانون السعودي واليمني واإليراني‬
‫وبدرجة أقل في البلدان األخرى ومنها التشريع الجزائري‪ّ ،‬‬
‫ألن اإلسالم من ُمك ّونات هوية الدولة وتاريخها‪،‬‬
‫ّ‬
‫ونستشف مظاهره في تجريم السلوكات ال ُمتنافية مع القيم األخالقية والدينية‪ ،‬كجرائم الفساد وجرائم انتهاك‬
‫العرض وانتهاك الحرمة وغيرها‪ .‬كما قرّر حماية جنائية ض ّد إهانة الدين اإلسالمي والمساس بشعائر‬
‫اإلسالم واإلساءة إلى الرسول صلّى هللا عليه وسلّم وباقي األنبياء(الما ّدة ‪ُ 688‬مكرّر‪ 2‬ق ع ج)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تمهي ًدا لدراسة األركان العا ّمة للجريمة باعتبارها مضمون القانون الجنائي العام‪ ،‬ينبغي التعريف‬
‫بالجريمة بتوضيح مفهومها وأنواعها وتصنيفاتها في الفقه والتشريع‪.‬‬

‫يتضح مفهوم الجريمة ببيان تعريفاتها وعناصرها وتمييزها عن غيرها من المفاهيم القانونية ال ُمشابهة‪.‬‬

‫الجريمة بصفة عا ّمة تعني الفعل الذي يوجب مال ًما ويستوجب عقابًا‪ ،‬لكن بهدف تحديد من ينطب ُ‬
‫ق عليه‬
‫وصف ال ُمجرم يختلف العلماء في تعريف الجريمة باختالف تخصّصهم ومنظورهم‪:‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬تعريف الجريمة‪:‬‬


‫‪ )1‬عند علماء اللغة‪ :‬أصل كلمة "جريمة" هي " الكسْبُ والق ْ‬
‫ط ُع " ‪ ،‬وقد ُخصّصت ُمن ُذ القديم لمعنى‬
‫حيث ينتهي معناها اللُغوي إلى " فعل األمر الذي ال يُستحسن"‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ُ‬ ‫الكسب المكروه غير ال ُمستحسن‪،‬‬
‫ال ُمجرم هو " الذي يفعل األمر ال ُمستهجن غير ال ُمستحسن ويُصرُّ عليه ويتسم ّر فيه"‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‬
‫‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‬

‫ٌ‬
‫خالف لألخالق واآلداب والعدالة يُخلُّ بنظام المجتمع‬‫‪ )2‬بالمنظور االجتماعي‪:‬الجريمة هي سلوك ُم‬
‫وقِيمه ويُسبّب ضررًا بمصالح األفراد وحقوقهم‪ .‬ويُعرّفها عالم االجتماع األمريكي ‪Edwin Sutherland‬‬
‫ك تُحرّمه الدولةُ لِضرره بها‪ ،‬ويُمكن أن تر ّد عليه بعقوبة "‪.‬‬
‫بأنّها " سلو ٌ‬

‫أن الجنايات تُطلق على كل الجرائم التي تُو ِجبُ حدًا أو‬
‫‪ )3‬في الفقه اإلسالمي‪ :‬بيّن اإلمام ابن رشد ّ‬
‫قصاصًا أو كفارةً‪ ،‬سوا ٌء كانت على األبدان أو على األموال أو على الفروج أو على األعراض أو تع ّديًا على‬
‫ما حرمه هللا عز وجل‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث‬ ‫وأجمع الفقهاء على ضبط مفهوم الجريمة وتمييّزها عن اإلثم والخطيئة بالعقاب الدنياوي من‬
‫سُلطان القضاء عليها فيُقرّرون حسب ما جاء في كتاب األحكام السُلطانية للماوردي بأنّها " محضورات‬

‫‪27‬‬
‫شرعية زجر هللا تعالى عنها بح ٍّد أو تعزير"‪ .‬والح ّد هو العقوبات المحدودة ال ُمق ّدرة شرعًا بنصّ الكتاب‬
‫أوالسنة ويدخل فيها القصاص والديات والحدود‪.‬‬

‫‪ )7‬في القانون الوضعي‪ :‬أغلب التشريعات ومنها ال ُمشرّع الجزائري ال تُعرّف الجريمة لعدم أهميته‬
‫ّ‬
‫وألن وضع التعاريف للمفاهيم القانونية العا ّمة هو عمل فقهي وليس من عمل المشرّع‪ ،‬بل يُعطي تعريفات‬
‫خاصّة ل ُكل جريمة على حدة بتحديد أركانها والجزاء ال ُمقرّر لها‪.‬‬
‫إالّ ّ‬
‫أن المشرّع المغربي يخرج عن األغلبية الساحقة ويُعرّف الجريمة في الفصل ‪ 662‬من القانون‬
‫الجنائي " كل عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه " ويذ ُكر القانون الجنائي‬
‫المغربي علة التجريم‪ ،‬في الفصل األول الذي ينُصّ ّ‬
‫بأن "هذا القانون يحدد أفعال اإلنسان التي يعتبرها‬
‫جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات وتدابير وقائية"‪.‬‬

‫ب للجريمة‪ ،‬نذ ُك ُر من‬


‫تعريف ُمناس ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ )5‬تعريف فقهاء القانون الجنائي‪ :‬اجتهد الفقه الجنائي في وضع‬
‫بينها تعريف األستاذ محمود نجيب حُسني‪ " :‬الجريمة فعل غير مشروع صادر عن إرادة ُجرمية يُق ّر ُر له‬
‫القانون عقوبةا أو تدبي ارا احترازياا "‪ .‬وتُع ّرف بأنّها " كل فعل أو امتناع عن فعل يُح ّرمه المجتمع تحت‬
‫تهديد عقوبة جزائية "‪.‬‬
‫والتجريم هو العمل الذي يقوم به ال ُمشرّع كي يجعل من سلوك ما حامال للوصف االجرامي‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬عناصر الجريمة‪:‬‬


‫‪ )1‬العنصر القانوني (عدم المشروعية)‪ :‬يُس ّمى الركن الشرعي للجريمة‪ ،‬فال تقوم بفعل مشروع‪ ،‬بل‬
‫بفعل غير مشروع يكون ُمخالفًا للقانون الجنائي‪ ،‬ولم يكن في الظروف التي ارتُكب فيها خاضعًا لسبب تبرير‬
‫كالدفاع عن النفس مثالً‪ ،‬فال يكون الفعل جريمةً إال بوجود نصٌّ قانوني يُعطيه وصف الجريمة‪ " ،‬ال جريمة‬
‫وال عقوبة إال بنصّ قانوني "‪.‬‬

‫‪ )2‬العنصر المادي (الفعل)‪ :‬القانون الجنائي ال يُعاقب إال على الوضيعات االجرامية التي تتجسّد بح ّد‬
‫أدنى من النشاط الما ّدي‪ ،‬فمجرّد النوايا واألفكار اإلجرامية تفلت من القانون الجنائي إذا لم تتجسّد في العالم‬
‫الخارجي بأفعال تُمثل الجانب الما ّدي للجريمة‪.‬‬
‫فالركن الما ّدي هو فعل يُرتّبُ اعتدا ًء على حق أو مصلحة يحميها القانون‪ ،‬بكون هذا السلوك اإلجرامي‬
‫في صورة حركة إيجابية أو في صورة امتناع‪ .‬إذم يقوم الركن الما ّدي في غالب أنواع الجرائم اإليجابية على‬
‫ثالث عناصر هي السلوك االجرامي والنتيجة االجرامية ورابطة السببية بين السلوك والنتيجة‪ .‬وبالنسبة‬
‫للجرائم السلبية فهي تقوم على ُمجرّد امتناع الجاني عن القيام بما فرض عليه القانون‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫إن ُمجرّد الواقعة الما ّدية التي ينصّ عليها القانون الجنائي ال‬
‫‪ )3‬العنصر المعنوي (اإلرادة اإلجرامية)‪ّ :‬‬
‫تكفي لقيام الجريمة‪ ،‬فالجزاء الجنائي يرتكز على ركن ثالث هو إسناد الواقعة االجرامية إلى الجاني‪ ،‬وهذه‬
‫الرابطة الشخصية بين الجاني والفعل الجرمي تسمى الركن المعنوي أو النفسي للجريمة‪ .‬يقتضي أن يكون‬
‫الفعل الجرمي صادرًا من شخص له إرادة واعية ُحرّة وقادرة على اإلدراك والتمييز‪ ،‬وقد إتجهت نيته إلى‬
‫الفعل ونتيجته‪.‬‬

‫أ ّوالا تمييز الجريمة الجنائية عن الجريمة المدنية‪:‬‬


‫ك ّل من الجريمة الجنائية والجريمة المدنية فع ٌل غير مشروع‪ ،‬وقد يكون نفس الفعل مش ّكالً جريمة‬
‫جزائية ومدنية في نفس الوقت‪ْ ،‬إذ كلُّ خطأ جزائي يمكن أن يكون خطءاً مدنيًا‪ّ .‬‬
‫لكن الجريمة المدنية هي‬
‫الفعل الصادر عن خطء ي ُ‬
‫ُحدث ضررًا بالغير‪ ،‬ويكون جزاؤه التزام ُمرتكبه بالتعويض جب ًرا لهذا الضرر‪،‬‬
‫فالجريمة المدنية قوامها عنصر الضرر والخطأ والعالقة السببية بينهما‪ .‬بينما الجريمة الجنائية هي عدوان‬
‫على أمن المجتمع وطمأنينته‪ ،‬وتقوم بمجرّد إتيان الفعل أو محاولة اقترافه وال تقوم بالضرورة على الضرر‪،‬‬
‫وعليه فالجريمتان تتمايزان من حيث المصدر القانوني وطبيعة الجزاء وطبيعة المسؤولية‪.‬‬
‫‪ )1‬من حيث الركن الشرعي‪ُ :‬كل جريمة جنائية ُمقرّرة بنصّ قانوني خاص بها في قانون العقوبات أو‬
‫ي فعل دون تحديد يُسبّب ضررًا للغير‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫القوانين العقابية ال ُمك ّملة له‪ ،‬أ ّما الجريمة المدنيّة فهي أ ّ‬
‫ي قانون‪ .‬حيث تستم ّد عدم مشروعيتها من النص العام للما ّدة ‪ 628‬من ق م‪" .‬‬
‫هذا الفعل منصوصًا عليه بأ ّ‬
‫ُك ُّل فعل أيّاا كان‪ ..‬يرتكبه الشخص بخطئه ويُسبّب ضررًا للغير يُلزم من كان سببًا في ُح ُدوثه بالتعويض "‪.‬‬

‫‪ )2‬من حيث الركن المادّي‪ :‬الجريمة المدنية تفترض دائ ًما وجود ضرر بينما الجريمة الجنائية يمكن‬
‫أن توجد بدون ضرر كالمحاولة الجنائية‪ ،‬أو التحريض الجنائي أو اإلتفاق الجنائي ومثل التس ّول‪.‬‬

‫‪ )3‬من حيث الركن المعنوي‪ :‬عادة ما يتشابه الخطأ الجنائي والخطأ المدني‪ ،‬لكن يختلفان في ّ‬
‫أن‬
‫الجرائم الجنائية تتفرّق إلى جرائم عمدية وجرائم غير عمدية‪ ،‬والمسؤولية الجزائية تتفاوت تبعًا للخطأ‬
‫ّ‬
‫السن‪،‬‬ ‫العمدي والخطأ غير العمدي وتبعًا لمقدار حرية اإلرادة وقد تنعدم بالنسبة للمجنون وال ُمكرة وصغير‬
‫في حين يكفي لقيام الجريمة المدنية الخطأ‪ ،‬والمسؤولية المدنية تقوم في كل األحوال وال تتأثر بنقصان‬
‫اإلرادة أو امتناعها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ )7‬من حيث العقوبة‪ :‬تختلف الجريمة الجنائية في عقوباتها التي قد تكون الحبس أو الغرامة أو اإلعدام‬
‫أو األشغال الشاقّة بينما عقوبة الجريمة المدنية هي التعويض المدني عن الضرر‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬تمييز الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية‪:‬‬


‫‪ )1‬من حيث الجريمة ذاتها‪ :‬الجريمة التأديبية تقوم بمخالفة قانون أو نظام فئة أو مهنة يوقع بمقتضاها‬
‫على المخالف جزاءات تأديبية‪ ،‬مثل مخالفات المحامين واألطباء والقضاة والموظفين لقوانينهم المهنية‪ .‬حيث‬
‫تقع جريمتهم على الهيأة التي ينتمون إليها‪ ،‬بينما الجريمة الجنائية هي مخالفة لقانون العقوبات‪ ،‬تمثل اعتدا ًء‬
‫يقع على المجتمع ككل‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الجريمة التأديبية ال يختص بها القضاء الجنائي بل الهيأة التأديبية للجهة لتي‬
‫ينتمي إليها المخالف‪ .‬وقد يُشكل الفعل الواحد جريمة جنائية وجريمة تأديبية كالرشوة واختالس األموال‬
‫العمومية في قانون ُمكافحة الفساد‪.‬‬

‫‪ )2‬من حيث العقوبة‪ :‬يختلف مصدرها وطبيعتها فهي ُمح ّددة في قانون العقوبات بالنسبة للجريمة‬
‫الجنائية وينطق بها القاضي الجنائي‪ ،‬بينما العقوبات التأديبية فهي إجراءات تتعلّق بالمهنة قد تكون توبي ًخا أو‬
‫منعًا مؤقّتًا أو مؤبّدًا من مزاولة المهنة‪ ،‬تقرّرها الهيئات التأديبية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫قسم منها طائفةً من الجرائم المتجانسة‪.‬‬
‫تُقسّم الجرائم في تصنيفات قانونية وفقهية وشرعية‪ ،‬يض ُّم كلُّ ٍ‬

‫أ ّوالا‪:‬التقسيم القانوني الثالثي ألنواع الجرائم‪:‬‬


‫بموجب المادة ‪ 22‬من قانون العقوبات الجزائري تنقسم الجرائم بحسب درجة خطورتها إلى جنايات‬
‫وجنح ومخالفات‪ ،‬حيث يت ّم التمييز بينها من خالل العقوبات األصلية المطبقة عليها والمنصوص عليها في‬
‫الما ّدة ‪ 1‬و‪ُ 1‬مكرّر من ق ع‪ .‬والعبرة في تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة في التشريع وليس بالعقوبة‬
‫التي ينطق بها القاضي‪.‬‬

‫‪ )1‬الجناية‪ :‬هي الجريمة التي عقوبتها اإلعدام أو السجن المؤبّد أو السجن المؤقت من ‪ 1‬إلى ‪ 92‬سنة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى الغرامة في حالة الحكم بالسجن ال ُمؤقّت‪.‬‬

‫‪ )2‬الجنحة‪ :‬هي الجريمة التي عقوبتها الحبس ألكثر من شهرين إلى خمس سنوات والغرامة التي‬
‫تجاوز ‪ 22 222‬دج‪ .‬وقد تُش ّدد عقوبة الحبس إلى أكثر من ‪1‬سنوات‪ ،‬مثل عقوبة الحبس من ‪ 62‬إلى‪ 22‬سنة‬
‫في جنح ال ُمخ ّدرات(الم‪62‬من قانون مكافحة ال ُمخ ّدرات)‪ .‬وعقوبة الحبس من سنتين‪ 2‬إلى ‪ 62‬سنوات في‬
‫جرائم السرقة باستعمال العنف الما ّدة ‪ُ 912‬مكرّر ق ع ج‪ ،‬وجرائم الرشوة واإلختالس(الم‪21‬و‪29‬من قانون‬
‫مكافحة الفساد)‪ .‬ويت ّم التمييز بين الجنحة ال ُمش ّددة والجناية ذات العقوبة السالبة للحرية مؤقتًا‪ ،‬من حيث‬
‫طبيعتها فعقوبة الجناية هي السجن )‪ (Réclusion‬وعقوبة الجنحة هي الحبس )‪.(Emprisonnement‬‬

‫‪ )3‬المخالفة‪ :‬هي كل جرم يستوجب عقوبة الحبس م ّدة يوم واحد إلى شهرين أو غرامة ‪2 222‬دج‬
‫إلى‪ 22 222‬دج‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬اآلثار المترتبة عن التقسيم القانوني الثالثي للجرائم (فائدة التصنيف)‬


‫أ) بالنسبة لألحكام الموضوعية‪:‬‬
‫من بين األمثلة على اختالف األحكام الموضوعية بين الجناية والجنحة وال ُمخالفة نذكر ما يلي‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫شترط مبدأ الشخصية في سريان أحكام قانون‬
‫‪ )1‬في أحكام سريان القانون الجنائي من حيث المكان‪ :‬ي ِ‬
‫العقوبات الجزائري الجرائم ال ُمرتكبة في الخارج ازدواجية التجريم في الجنحة أي في القانون الجزائري‬
‫وقانون البلد مكان الجريمة‪ ،‬وال يشترطُ في الجناية ازدواجية التجريم‪.‬‬
‫‪ )2‬في أحكام المحاولة أو الشروع‪ :‬حسب المادّة ‪ 30‬و‪ 31‬من ق ع ج يُعاقب على الشروع في‬
‫الجنايات والجنح وال عقاب على الشروع في المخالفات‪ .‬وحسب المادّة ‪ 30‬يُعاقب على الشروع في أيّة‬
‫جناية ُمطلقًا دون الحاجة إلى نصّ خاص‪ ،‬لكن في الجنح ال يُعاقب على الشروع إال إذا نصّ القانون على‬
‫ذلك‪ ..‬مثالً نصّ ال ُمشرّع على تجريم وعقاب السرقة كجريمة تا ّمة في الفقرة األولى من الما ّدة ‪ 912‬ونصّ‬
‫على عقاب الشروع في جريمة السرقة في الفقرة الرابعة (الما ّدة ‪ " 7/912‬ويُعاقب على الشروع في هذه‬
‫الجنحة بالعقوبات ذاتها ال ُمقرّرة للجريمة التا ّمة"‪.‬‬
‫‪ )3‬في أحكام اإلشتراك‪ :‬حسب المادّة ‪ 77‬من ق ع ج يُعاقب الشريك على اشتراكه في الجنايات‬
‫والجنح وال عقاب على اإلشتراك في المخالفات‪.‬‬
‫‪ )7‬في العود‪ :‬يعتبر عائ ًدا إلى الجناية من يُعيد ارتكاب جناية في أي وقت بعد إدانته عن الجناية‬
‫األولى(الم‪ُ 18‬مكرّر من ق ع ج)‪ ،‬ويُعتبر عائدًا إلى الجنحة من يعود إلى ارتكاب الجنحة نفسها أو جنحة‬
‫ُمماثلة خالل ‪1‬سنوات التالية لتاريخ انقضاء عقوبة الجنحة األولى (الم‪ُ 18‬مكرّر‪ 3‬ق ع ج)‪ .،‬ويُعتبر عائدًا‬
‫إلى ال ُمخالفة من يعود إلى ارتكاب المخالفة نفسها خالل سنة تالية لقضاء العقوبة (الما ّدة ‪18‬مكرّر‪ 7‬ق ع ج)‪.‬‬
‫‪ )5‬في تقادم العقوبة‪ :‬تتقادم عقوبة الجناية بمضي ‪ 22‬سنة ابتدا ًءا من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم‬
‫نهائيًا(الم ‪ 169‬ق إ ج) و تتقادم عقوبة الجنحة بمرور‪ 1‬سنوات ابتدا ًءا من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم أو‬
‫القرار نهائيًا‪ ،‬إالّ إذا كانت ُم ّدة العقوبة تزيد عن هذا الح ّد فيكون التقادم وفق ُم ّدة العقوبة (الم ‪ 168‬ق إ ج)‬
‫وتتقادم عقوبة ال ُمخالفة بمرور سنتين ابتدا ًءا من التاريخ صيرورة الحكم أو القرار نهائيًا (الم‪ 161‬ق إ ج)‬

‫ب) بالنسبة لألحكام اإلجرائية‪ :‬من أمثلة اختالف األحكام اإلجرائية بين نذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬االختصاص القضائي‪ :‬تختصّ بالجناية محكمة الجنايات(االبتدائية واالستئنافية) وهي ُمختلفة في‬
‫تشكيلها ونظامها وإجراءاتها عن الجهات القضائية المختصّة في الجنح والمخالفات والتي هي قسم الجنح‬
‫والمخالفات في المحكمة والغرفة الجزائية في المجلس‪.‬‬
‫‪ )2‬التحقيق‪ :‬التحقيق القضائي االبتدائي (من طرف قاضي التحقيق) وجوبي في الجنايات واختياري‬
‫في الجنح وجوازي في ال ُمخالفات (الما ّدة ‪ 11‬ق إ ج)‪.‬‬
‫‪ُ )3‬مدّة تقادم الدعوى الجزائية‪ :‬تتقادم الجريمة أو الدعوى العمومية في الجنايات بعد ُمضي عشر‬
‫(‪ )62‬سنوات من تاريخ ارتكابها دون اتخاذ أي إجراء للتحقيق أو المتابعة(الما ّدة ‪ 2‬ق إ ج)‪ ،‬وفي الجنح‬
‫بمرور ثالث (‪ )9‬سنوات(الما ّدة ‪ 8‬ق إ ج)‪ ،‬وفي ال ُمخالفات بمرور سنتين (‪()2‬الما ّدة ‪ 9‬ق إ ج)‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ )7‬الوساطة الجنائية‪ :‬يُمكن تطبيق إجراء الوساطة الجنائية في ال ُمخالفات عمو ًما‪ ،‬وفي بعض الجنح‪،‬‬
‫وال تجوز الوساطة في الجنايات(الما ّدة ‪92‬مكرّر‪ 2‬ق إ ج)‪.‬‬
‫‪ )5‬المثول الفوري‪ :‬تُطبّق إجراءات المثول الفوري في قضايا الجنح ال ُمتلبّس بها التي ال تقتضي‬
‫التحقيق‪ ،‬وال تُطبّق في الجنايات والمخالفات(م‪999‬مكرّر ق إ ج)‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬تصنيف الجرائم بحسب الركن الشرعي‪:‬‬


‫تُقسّم الجرائم بحسب طبيعتها أو على أساس الركن الشرعي إلى ثالث أنواع هي الجرائم العادية من‬
‫جهة‪ ،‬والجرائم العسكرية والجرائم السياسية من جهة أخرى‪.‬‬
‫أ) الجرائم العسكرية وجرائم القانون العام‪:‬‬
‫‪ )1‬التمييز بين الجريمتين‪ :‬الجرائم العادية أو جرائم القانون العام هي األفعال التي يرتكبها عا ّمة‬
‫الناس يُخالفون بها أحكام قانون العقوبات والنصوص الجنائية في القوانين الخاصّة‪ .‬أ ّما الجريمة العسكرية‬
‫فتتميّز عن العادية إ ّما بصفة ُمرتكبها وهو الشخص العسكري أو شبه العسكري‪ ،‬وإ ّما بطبيعة المصلحة‬
‫المحمية وهي النظام العسكري‪ .‬حيث يجري تقسيمها إلى نوعين من الجرائم العسكرية هي الجرائم العسكرية‬
‫البحتة و الجرائم العسكرية ال ُمختلطة‪.‬‬
‫ـ الجرائم العسكرية البحتة‪ :‬هي التي يرتكبها أفراد الجيش العسكريون‪ ،‬أوشبه العسكريين‪ ،‬ينصُّ عليها‬
‫قانون القضاء العسكري الصادر بموجب األمر ‪26‬ـ‪ 28‬المؤرّخ في ‪ 22‬أفريل ‪ 6926‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم‬
‫بالقانون رقم‪68‬ـ‪ 68‬بتاريخ ‪ 29‬يوليو‪ 2268‬مثل جريمة الفرار من الخدمة الوطنية‪ ،‬والعصيان‪ ،‬واإلخالل‬
‫بالشرف والواجب العسكري‪ ،‬وجرائم اإلخالل بالنظام العسكري(المواد ‪ 281 ،222 ،222‬ق ق ع)‪.‬‬
‫ـ الجرائم العسكرية ال ُمختلطة‪ :‬لها ثالث صور‪:‬‬
‫ـ الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العام والقوانين الخاصّة والتي يرتكبها العسكريون أو‬
‫شبه العسكريين أثناء الخدمة‪ ،‬مثل جريمة السرقة واالختالس والقتل والسب والشتم‪.‬‬
‫ـ الجرائم التي يرتكبها المدنيون مخالفةً للنظام العسكري(الما ّدة ‪ 21‬ق ق ع)‪ ،‬مثل جريمة التحريض‬
‫على الفرار‪ ،‬وجريمة تدمير منشئات عسكرية‪.‬‬
‫ـ الجرائم التي يرتكبها المدنيون خرقًا لكال القانونين‪ ،‬قانون القضاء العسكري‪ ،‬وقانون العقوبات‪ ،‬مثل‬
‫جرائم الخيانة والتخابر مع العدو‪ ،‬والتجنيد لصالح العدو‪ ،‬والتآمر على سالمة الوطن(المواد‪19-11‬ق ع ج)‬
‫وتكوين قوات ُمسلّحة بدون أمر أو إذن السلطة الشرعية(الم‪ 82‬ق ع)‪ ،‬وتولّى قيادة عسكرية بدون وجه حق‬
‫(الم‪ 86‬ق ع)‪ .‬وارتداء بزة نظامية أو حمل نياشين بغير وجه حق(الم‪288‬ق‪.‬ع)‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ )2‬فائدة التمييز هي ّ‬
‫أن الجريمة العسكرية تخضع لنظام خاصّ بها‪ ،‬سواء من حيث إجراءات المتابعة‬
‫أو من حيث الرّدع‪ ،‬حيث تختصّ بها المحكمة العسكرية الموجودة على ُمستوى كل ناحية عسكرية‪،‬‬
‫وقُضاتها من العسكريين فيما عدا رئيس جلسة المحكمة العسكرية أو مجلس االستئناف العسكري أو غرفة‬
‫االتهام(الم ‪ 21‬ق ق ع)‪ ،‬وتختص في الدعوى العمومية دون الدعوى المدنية‪ ،‬وال تخضع الجرائم العسكرية‬
‫البحتة ألحكام العود وتُطبّق باإلضافة للعقوبات الواردة في قانون العقوبات العام‪ ،‬عقوبات عسكرية كالعزل‬
‫بالفصل من الجيش والحرمان من الرُتبة ومن حمل الشارات وارتداء البِ ّزة العسكرية‪.‬‬

‫ب) الجريمة العادية والجريمة السياسية‪:‬‬


‫‪ )1‬التمييز بين الجريمتين‪ :‬يعتمد المذهب الشخصي معيار الدّافع‪ّ ،‬‬
‫بأن الجريمة السياسية هي التي‬
‫يكون باعث ارتكابها سياسيًا‪ ،‬مهما كان نوع الجريمة ونوع الشخص الذي يرتكبها ونوع المصلحة المعتدى‬
‫عليها‪ ،‬مثل القتل والتخريب من أجل قلب نظام الحكم‪.‬‬
‫ويعتمد المذهب الموضوعي على معيار موضوع الجريمة‪ ،‬بأنّها الجريمة التي تُخلُّ بتنظيم وسير‬
‫المصالح السياسية للدولة أو سير السلطات أو الحقوق السياسية للمواطنين‪ ،‬ومثالها الجرائم اإلنتخابية وجرائم‬
‫أمن الدولة وحركات التمرّد والمؤامرة والتجمهر‪ ،‬الخيانة والتجسّس والجرائم ض ّد السلطة وسالمة التراب‬
‫الوطني‪ ،‬وجرائم التقتيل والتخريب ال ُمخلّة بالدولة‪ ،‬والجرائم اإلرهابية‪.‬المواد (المواد‪ 621-16‬ق ع)‪.‬‬

‫‪ )2‬فائدة التمييز بين الجريمتين‪ :‬ـ عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين بموجب الما ّدة ‪ 198‬ق إ ج‪،‬‬
‫" ال يقبل التسليم في الحاالت اآلتية ‪ - ...:‬إذا كانت للجناية أو الجنحة صبغة سياسية أو إذا تبين من‬
‫الظروف أن التسليم مطلوب لغرض سياسي"‪ .‬وتنص المادة ‪ 89‬من الدستور " ال يمكن بأ ّ‬
‫ي حال من‬
‫ق اللّجوء " ‪.‬‬
‫األحوال أن يُسلّم أو يُطرد الجئ سياس ّي يتمتّع قانونا بح ّ‬
‫ـ عدم جواز الحكم باإلكراه البدني أو تطبيقه في قضايا الجرائم السياسية (الما ّدة ‪ 2/122‬ق إ ج)‪.‬‬
‫ـ كانت المحاكم العسكرية تختصّ بالجرائم السياسية بموجب الفقرة ‪ 9‬من الما ّدة ‪ 21‬من قانون القضاء‬
‫العسكري‪ ،‬وهي جرائم أمن الدولة المنصوص عليها في قانون العقوبات إذا كان ُمرتكبوها مدنيون‪ ،‬عندما‬
‫تفوق عقوبتها ‪1‬سنوات حب ًسا‪ .‬لكن ت ّم إلغاء هذا االختصاص بإلغاء هذه الفقرة عند تعديل القانون في ‪.2268‬‬

‫ثانياا‪ :‬تصنيف الجرائم بحسب الركن المادّي‪:‬‬


‫تنقسم الجرائم بحسب الرّكن الما ّدي تقسيمات تعتمد إ ّما على طبيعة موضوع السلوك اإلجرامي‪ ،‬أو‬
‫مراحل ارتكاب السلوك اإلجرامي‪ ،‬أو الدور الذي يُؤ ّديه الجاني في ارتكاب هذا السلوك عند تع ّدد الفاعلين‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫أ) تقسيم الجرائم بحسب طبيعة السلوك‪:‬‬
‫تختلف أنواع الجرائم بإختالف طبيعة السلوك اإلجرامي‪ ،‬إلى جرائم إيجابة وسلبية‪ ،‬جرائم وقتية‬
‫و ُمستمرة‪ ،‬جرائم بسيطة واعتيادية‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ )1‬الجرائم اإليجابة والسلبية‪:‬‬


‫ـ الجريمة اإليجابية‪ :‬هي كل فعل يقوم فيه الجاني بنشاط ايجابي يعاقب عليه قانون العقوبات‪ ،‬أي‬
‫بحركة عضوية ينهى القانون عن إتيانها‪ ،‬كالقتل والضرب والجرح والسرقة والتزوير وحمل السالح …الخ‪.‬‬
‫ـ الجريمة السلبية‪ :‬هي االمتناع عن فعل يفرضه القانون‪ ،‬وذلك باتخاذ موقف سلبي من أمر القانون‪.‬‬
‫ومن أمثلة الجرائم السلبية‪ ،‬امتناع القاضي عن الحكم في القضايا (الم‪ 691‬ق‪.‬ع) وامتناع المواطن عن‬
‫مكرر‪2‬‬ ‫التبليغ عن جناية (الم‪ 96‬ق ع)‪ ،‬وجريمة سكوت الموظف عن أعمال التعذيب التي علِم بها(الم‪263‬‬
‫ق ع ج) وجريمة اإلمتناع عن تقديم ُمساعدة لشخص في حالة خطر(الم ‪ 682‬ق ع)‪ .‬واالمتناع عن دفع‬
‫النفقة (الم‪ 996‬ق ع)‪ ،‬وامتناع الشاهد عن اإلدالء بالشهادة (المواد ‪ 89‬و‪ 92‬و‪ 229‬ق إ ج)‪.‬‬
‫ألن الشروع ال يكون إالّ في‬
‫وليس لهذا التقسيم من أهمية عملية إال في موضوع الشروع في الجريمة‪ّ ،‬‬
‫الجرائم اإليجابية‪ ،‬وال يُتصور وقوعه في الجرائم السلبية‪.‬‬

‫‪ )2‬الجرائم الفورية وال ُمستمرة‪:‬‬


‫ـ الجريمة الفورية(اآلنية)‪ :‬هي الجريمة التي يقع ركنها المادي في زمن محدود‪ ،‬أي أنّها تقع في فترة‬
‫زمنية قصيرة فيكون فيها السلوك اإلجرامي عبارة عن فعل ما ّدي يبدأ و ينتهي على الفور‪ ،‬مثل جريمة القتل‬
‫بإزهاق الروح(الم ‪ 218‬ق‪.‬ع)‪ ،‬والسرقة باختالس مال منقول مملوك للغير(الم‪ 912‬ق‪.‬ع)‪.‬‬
‫ـ الجريمة المستمرة‪ :‬هي الجريمة التي تتطلّب م ّدة زمنية معيّنة لتكوينها‪ ،‬وتظل االرادة االجرامية‬
‫خاللها ثابتة مثابرة‪ .‬إذن يكون سلوكها نشاطًا متج ّددًا تستمر به حالة اإلجرام لفترة من الزمن قد تطول أو‬
‫تقصر بارادة الجاني‪ ،‬وتكون النتيجة كذلك بطبيعتها تقبل االستمرار‪ .‬مثل جرائم إخفاء األشياء المسروقة‪.‬‬
‫(الم‪ 982‬ق‪.‬ع) والحبس دون وجه حق (الم‪ 622‬ق ع) وارتداء بِ ّزة نظامية دون وجه حق(الم‪288‬ق ع)‬
‫واستعمال المح ّررات المز ّورة‪(.‬الم‪ 222‬ق ع) واختطاف األشخاص(الم‪ 291‬ق ع)‪.‬‬
‫وتمكن أهمية التفرقة بين الجريمتين في ّ‬
‫أن الجريمة الوقتية تخضع للقانون الساري وقت ارتكابها‪ ،‬أ ّما‬
‫الجريمة المستمرة فإنّها تخضع للقانون الذي تنتهي في ظلّه حالة االستمرار‪ .‬كما أنّه يمكن أن تقع الجريمة‬
‫المستمرة في إقليمين أو أكثر‪ ،‬وفي الغالب ال يحدث ذلك في الجريمة الوقتية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ )3‬الجرائم البسيطة واالعتيادية‪:‬‬
‫ـ الجريمة البسيطة‪ :‬هي الجرائم التي يتك ّون ركنها الما ّدي من فعل إجرامي واحد ال يلزم فيه التكرار‬
‫أو اإلعتياد‪ ،‬كجريمة الضرب أو الجرح‪.‬‬
‫ـ الجريمة اإلعتيادية‪ :‬هي الجريمة التي تتك ّون من تكرار واقعة ُمعيّنة ال عقاب عليها في ذاتها وإنّما‬
‫النضمامها إلى مثيلتها ـ خالل فترة زمنية ُمعيّنة ـ انضما ًما يكشف عن اعتياد الجاني على ارتكاب هذا النوع‬
‫من الوقائع‪ ،‬مثل االعتياد على الفجور والدعارة‪( .‬المواد ‪ 988 ،981‬ق ع ج)‪.‬‬
‫أن الجرائم االعتيادية تُعتبر ُمرتكبة في تاريخ وقوعها للمرّة الثانية‪ ،‬فيسري‬
‫وتكمن أه ّميّة التمييز‪ ،‬في ّ‬
‫عليها القانون الجديد من تاريخ نفاذه بأثره المباشر ما دامت المرّة الثانية للجريمة قد تحقّقت في ظلّه‪ .‬وتُعتبر‬
‫ُمرتكبةً في اإلقليم أو البلد الذي تحقّققت فيه مرّتين‪ ،‬ويسري عليها قانون هذه الدولة‪ ،‬طبقًا لمبدأ اإلقليمية‪.‬‬

‫‪ )7‬الجريمة ال ُمر ّكبة والجريمة المتتابعة األفعال‪:‬‬


‫ـ الجريمة ال ُمر ّكبة هي الجريمة التي يتكون ركنها المادي من ع ّدة أفعال‪ ،‬مثل جريمة النصب (الم‪922‬‬
‫ق‪.‬ع) فلقيامها ال ب ّد من استعمال االحتيال ثم سلب مال الغير‪.‬‬
‫ـ الجريمة المتتابعة األفعال‪ :‬يكون السلوك اإلجرامي فيها عبارة عن مجموعة أفعال متالحقة يعتبر كل‬
‫واحد منها سلو ًكا ممنوعًا قانونًا‪ ،‬تربط بينها وحدة الغرض اإلجرامي ووحدة اإلرادة اإلجرامية وحدة‬
‫المصلحة المعتدى عليها‪ ،‬وتفصل بينها فواصل زمنية تتوقف على ظروف الجريمة‪ .‬مثل جريمة إقامة‬
‫المباني دون ترخيص‪ ،‬أو السرقة على ُدفعات أو الضرب بع ّدة ضربات‪.‬‬

‫ب) تقسيم الجرائم من حيث آثارها‪:‬‬


‫‪ )1‬الجريمة المادّية والجريمة الشكلية‪ :‬تنقسم الجرائم من حيث األثر والنتيجة الناجمة عنها إلى‬
‫قسمين هما الجرائم المادية والجرائم الشكلية‪.‬‬
‫ـ الجرائم المادية‪ :‬تُسمى كذلك "جرائم النتيجة" أو" جرائم الضرر" وهي الجرائم التي تُحدث‬
‫بطبيعتها نتيجة ما ّدية محسوسة واعتداء فعلي وضار بالقيمة المحمية قانونًا‪ ،‬كعنصر من عناصر الركن‬
‫المادي‪ ،‬يُح ِدث تغييرًا في العالمي الخارجي كنتيجة ما ّدية‪ ،‬أو يحدث إخالالً وخرقًا في النظام القانوني كنتيجة‬
‫قانونية‪ .‬مثل جريمة النصب التي تحتوي على نوعي النتيجة‪ ،‬فاختالس المال بطريق الغش هو نتيجة مادية‪،‬‬
‫والتعدي على الملكية هو نتيجة قانونية‪ .‬أو مثل جريمة القتل التي تتم بإحداث الوفاة بإزهاق الروح بسلوك‬
‫ما ّدي كالخنق أو اطالق الوصاص أو الطعن بخنجر في مقتل‪ ،‬والفعل يمثل اعتدا ًء على الحق في الحياة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ـ الجرائم الشكلية‪ :‬وتُسمى كذلك "جرائم الخطر" هي الجرائم التي ال تحدث بطبيعتها أيّة نتيجة ما ّدية‬
‫ضارّة بمصلحة محمية قانونًا‪ ،‬فال يكون فيها حصول النتيجة الجرمية الما ّدية عنصراً في الركن المادي‪.‬‬
‫ومثال ذلك حيازة سالح بدون ترخيص‪ ،‬وحيازة المخدرات‪ ،‬وحيازة نقود مزيفة‪.‬‬
‫ـ أهمية هذا التصنيف‪ :‬تنطبق على الجرائم المادية‪ ،‬جميع أحكام النظرية العا ّمة في قانون العقوبات‪،‬‬
‫بينما تُستثنى الجرائم الشكلية من ثالث موضوعات رئيسية‪ ،‬فال شروع في الجرائم الشكلية‪ ،‬وال يمكن تصور‬
‫الخطأ غير المقصود فيها‪ ،‬وال يُثار فيها بحث العالقة السببية‪ّ ،‬‬
‫ألن هذه العناصر ُمرتبطة بالنتيجة اإلجرامية‪.‬‬

‫‪ )2‬الجرائم التا ّمة والجرائم الناقصة‪ :‬تُصنّف الجرائم بحسب مراحلها في تحقيق النتيجة إلى جرائم‬
‫تا ّمة وجرائم ناقصة‪ ،‬فقد يختلف العقاب بحسب ما إذا كانت الجريمة تا ّمة أو ُمجرّد شروع‪.‬‬
‫ـ الجريمة التامة‪ :‬هي الجريمة التي يقوم فيها الفاعل بجميع األفعال الالزمة لوقوعها وتتحقق نتيجتها‬
‫كاملة‪ .‬كمن يريد ارتكاب جريمة سرقة منزل فيدخل إليه ويجمع المسروقات ويفر به‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث يبدأ الفاعل بتنفيذها ولكنّه‬ ‫ـ الجريمة الناقصة‪ :‬هي الجريمة التي تنقُصُها النتيجة اإلجرامية‪،‬‬
‫ألسباب خارجة عن إرادته ال تتحقق نتيجة الجريمة‪ ،‬إ ّما لعدم إتمام الفعل أو لخيبة أثره رغم إتمامه‪ ،‬أو ّ‬
‫ألن‬
‫النتيجة ُمستحيلة التحقّق‪ .‬كمن يُطلق النار على شخص لقتله فال يصيبه‪ ،‬أو يُصيبُه في غير مقتل‪ ،‬أو يستعمل‬
‫سالحًا غير قاتل‪ ،‬أو كمن يُطلق النار على جثة شخص ميّت‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬تصنيف الجرائم بحسب الركن المعنوي‪:‬‬


‫تنقسم الجرائم بحسب الركن المعنوى إلى الجرائم العمدية المقصودة‪ ،‬والجرائم غير العمدية غير‬
‫المقصودة‪ ،‬والجرائم ال ُمتع ّدية القصد‪:‬‬
‫أ) الجرائم العمدية‪ :‬هي التي تتطلّب توفّر القصد الجنائي لدى ُمرتكبها‪ ،‬ويتحقّق ذلك بشيئين اثنين‪ ،‬هما‬
‫توجّه إرادة الجاني ال ُحرّة إلى ارتكاب الفعل ال ُمج ّرم‪ ،‬و ِع ْل ُم الجاني بعناصر الجريمة‪.‬‬

‫ب) الجرائم غير العمدية‪ :‬هي التي يتك ّون رُكنُها المعنوي من الخطأ أو عدم القصد‪ ،‬وتتمثّ ُل صو ُر‬
‫الخطأ في اإلهمال وال ّر ُعونة وعدم االنتباه وعدم االحتياط و ُمخالفة اللوائح والقوانين‪ ،‬تؤ ّدي إلى حدوث نتائج‬
‫إجرامية ال يُري ُدها الشخص‪.‬‬

‫جـ) الجرائم ال ُمتعدّية القصد‪ :‬هي الجرائم العمدية التي يتوفّ ُر فيها القصد لدى الجاني إلحداث نتيجة‬
‫إجرامية ُمعيّنة‪ ،‬ولكن فعله يؤ ّدي إلى حدوث نتائج أخرى باإلضافة إلى النتيجة التي يُري ُدها‪ ،‬مثل الضرب‬
‫ضي إلى الوفاة أو العاهة ال ُمستديمة دون قصد إحداثها‪ .‬فالفاعل الذي اتجهت إرادتُه ونيّتُه إلى‬
‫والجرح ال ُمف ِ‬
‫الضرب والجرح فقط‪ ،‬يتح ّمل مسؤولية النتائج األخرى بتكييف خاصّ لجريمته وهو الضرب والجرح‬

‫‪37‬‬
‫العمدي ال ُمفضي إلى بتر عضو أو عاهة مستديمة أو فقد البصر(الما ّدة‪ 2/218‬ق ع ج) أو الوفاة دون قصد‬
‫إحداثها(الما ّدة‪ 9/218‬ق ع ج) وليس جريمة الضرب والجرح العمدي(الما ّدة‪ 6/218‬ق ع ج) وال القتل‬
‫العمد(الما ّدة ‪ 218‬و‪ 216‬ق ع ج) وال القتل الخطأ(الما ّدة‪ 288‬ق ع)‪ .‬ففائدة التقسيم هي اختالف التكييف‬
‫الجنائي لألفعال ومن ث ّم اختالف العقوبة‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬تقسيم الجرائم في الشريعة االسالمية‪:‬‬


‫تنقسم الجرائم بحسب أنواع عقوباتها إلى أثالثة أقسام جرائم القصاص والحدود والتعزير‪:‬‬
‫أ) جرائم القصاص‪ :‬يُقص ُد بالقصاص المساواة والمماثلة بين الجريمة والعقوبة‪ .‬يعني أن يُعاقب‬
‫المجرم بمثل فعله فيُقتل كما قتل ويُجرح كما جرح‪ ،‬وهو عقوبة ُمق ّدرة ثبت أصلها بالكتاب‪ ،‬وتفصيلها بالسنة‪.‬‬
‫شرّع هللا ع ّز وج ّل القصاص في القرآن الكريم بقوله تعالى‬

‫ـ وقال تعالى‬
‫‪.‬‬
‫وتطبّق ال ّدية بصفتها قصاصًا معنويًا في جرائم القصاص غير العمدية الواقعة على النفس (القتل)‪،‬‬
‫والواقعة على البدن (الجرح)‪ .‬وفي الجرائم العمدية التي يمتنع فيها القصاص بالعفو أو عدم توفّر شروطه‪.‬‬
‫ويكون القصاص في ثالثة أنواع من الجرائم هي القتل العمد والضرب العمد والجرح العمد‪.‬‬

‫ب) جرائم الحدود‪:‬‬


‫هي الجرائم التي عقوباتها ُمق ّدرة شرعًا بنصّ شرعي ثابت‪ ،‬وقد سُميت حدوداً ألنّها تفصل وتحجز‬
‫الناس عن الوقوع في الجريمة‪ ،‬وتمنعهم من العود إليها بعد أخذ العقوبة المكافئة الزاجرة‪ .‬وهي سبعة أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬الردّة‪ :‬قال صلّى هللا عليه وسلّم "من ب ّدل دينه فاقتلوه"‪ " ،‬ال يح ّل دم امرئ مسلم إالّ بإحدى ثالث‬
‫الثيّب الزاني‪ ،‬والنفسُ بالنفس‪ ،‬والتار ُ‬
‫ك لدينه ال ُمفارق للجماعة"‪.‬‬
‫‪ )2‬الحرابة‪:‬‬

‫‪ )3‬البغي‪:‬‬

‫‪ )7‬السرقة‪:‬‬

‫‪ )5‬القذف‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ )0‬شرب الخمر‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم قال"إذا شربوا الخمر فاجلدوهم‪.)1(" ...‬‬
‫‪ )4‬الزنا‪ :‬ح ُّد غير ال ُمحصن جلد مئة‬
‫وح ّد الثيب الرج ُم‪ ،‬فعن عبد‬
‫أن ُعمر بن الخطّاب رضي هللا عنه خطب فقال " ّ‬
‫إن هللا تعالى بعث ُمح ّمدًا‬ ‫هللا ابن عبّاس رضي هللا عنهما ّ‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم بالحق‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب‪ ،‬فكان فيما أنزل عليه آية الرّجم‪ ،‬فقرأناها ووعيناها‪ ،‬ورجم‬
‫خشيت إن طال زمان أن يقول قائل ما نجد الرّجم في كتاب هللا تعالى‪ ،‬وأي ُم هللا‬‫ُ‬ ‫رسول هللا ورجمنا‪ ،‬وإنّي‬
‫(‪)2‬‬
‫لوال أن يقول النّاسُ زاد عمر في كتاب هللا لكتبتها " ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وآية الرّجم م ّما نُسخ تالوةً وبقي حك ًما‪.‬‬

‫جـ) جرائم التعزير‪:‬‬


‫التعزير لغةً يأتي بمعنى التأديب وأصلُه من العزر أي الرّد والردع‪ ،‬وهو غير ُمق ّدر‪ ،‬بل ُمف ّوضٌ إلى‬
‫رأي اإلمام‪ ،‬ويُطبّق على الكبير وعلى الصبي‪ ،‬وعلى المسلم والذ ّمي‪ .‬وجرائم التعازير هي جرائم ومخالفات‬
‫شرعية ليس فيها ح ٌّد وال قصاص وال كفّارة‪ ،‬تُ ِرك تحدي ُدها لولي األمر بحسبب ما يُق ّدره في مصالح العباد‬
‫في كل زمان‪ .‬وبالنسبة ألنواع العقوبات‪ ،‬فهناك التعزير بالقتل في جرائم الجوسسة أو اللواط‪ ،‬مثالً على‬
‫خالف بين المذاهب األربعة‪ ،‬والتعزير بغير القتل في الجرائم األخرى من غير الح ّد والقصاص‪ ،‬كالضرب‬
‫والجلد‪ ،‬والنفي (التغريب) واإلبعاد والحبس‪ ،‬والتغريم ومصادرة المال والتشهير‪ .‬ومن أمثلة جرائم التعازير‬
‫السب والشتم‪ ،‬واألفعال المخلّة بالحياء‪ ،‬وحيازة الخمر‪ ،‬واإلفطار في رمضان‪..‬إلخ‪.‬‬

‫ي في ُسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة و ُمسند اإلمام أحمد عن ُمعاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫)‪ُ (1‬ر ِو َ‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري و ُمسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ُمختص ًرا و ُمطوّ ال‪ً.‬‬
‫‪39‬‬
‫الفصل األوّل‪:‬‬
‫الرّكن الشرعي للجرمية‬
‫يُقصد بالركن الشرعي للجريمة صفة عدم المشروعية للفعل‪ ،‬أو الوصف والتكييف الجنائي للفعل‪،‬‬
‫أن للجريمة ركنان فقط‪ ،‬ركن ما ّدي وركن‬
‫أن هناك جانب من الفقه ال يعترف بالركن الشرعي ويعتبر ّ‬
‫غير ّ‬
‫معنوي‪ ،‬على أساس ّ‬
‫أن النص القانوني هو خالق الجريمة ال يصحُّ أن يكون جز ًءا منها‪.‬‬
‫أن الركن الشرعي يتمثّل في صفة عدم المشروعية وهي ُمنفصلة عن النصّ‬
‫إالّ أن الراجح في الفقه ّ‬
‫القانوني‪ ،‬فهذا األخير هو مصدر عدم المشروعية‪ .‬ويستند الركن الشرعي للجريمة إلى شروط أساسية هي‪:‬‬
‫شرط خصوع الفعل للنّص القانوني للتّجريم والعقاب (مبدأ الشرعية الما ّدة ‪ 6‬ق ع ج)‪ .‬وشرط عدم‬
‫خضوع الفعل لنصّ اإلباحة‪.‬‬

‫المادّة ‪ » : 1‬ال جريمة وال عقوبة أو تدبير أمن بغير قانون «‪.‬‬

‫ورد في هذه الما ّدة أربع(‪ُ )8‬مصطلحات وهي‪:‬‬


‫‪6‬ـ الجريمة‪ :‬فع ُل غير مشروع صادر عن إرادة جُرمية يُقرّر له القانون جزا ًءا جنائيًا‪.‬‬
‫‪2‬ـ العقوبة‪:‬جزا ٌء جنائي يُقرّره القانون ويُطبّقه القاضي على ُمرتكب الجريمة بغرض الردع واإلصالح‬
‫والعدالة‪.‬‬
‫‪9‬ـ التدبير األمني‪ :‬إجراءا قانوني في مواجهة الخطورة اإلجرامية‪ ،‬يُطبّقه القاضي للوقاية والعالج‪.‬‬
‫‪8‬ـ "القانون" مجموع القواعد الملزمة التي تُنظّم عالقات األفراد في ال ُمجتمع‪.‬‬
‫تتض ّمن عبارة النّص شرط القانونيّة في التّجريم والعقاب والتدبير األمني‪ .‬أي يجعل للقاعدة الجنائية‬
‫مصدرًا وحيدًا هو القانون‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫تنص المادّة األولـى من قانون العقوبات الجزائري على مبدأ الشرعية الجنائية " ال جريمة وال‬
‫ّ‬
‫نص عليه كذلك المادّة ‪ 73‬من الدستور الجزائري " ال إدانة إالّ‬
‫عقوبة أو تدبير أمن بغير قانون"‪ .‬وت ّ‬
‫بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المُجرّ م "‪ .‬وفي قانون اإلجراءات الجزائية تنص الما ّدة األولى "‬
‫يقوم هذا القانون على مبادئ الشرعية والمحاكمة العادلة واحترام كرامة وحقوق اإلنسان"‪.‬‬
‫وعلى المستوى الدولي نصّت على مبدأ الشرعية الجنائية المادّة ‪ 2/11‬من اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان لسنة ‪ ،)1(6988‬والمادّة ‪ 15‬فقرة ‪ 6‬و‪ 2‬من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية‪ ،6911‬والمادّة‬
‫‪ 4‬من اإلتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان ‪.6912‬‬
‫تدور الفكرة األساسية لهذه النصوص حول ُمصطلح "القانون"‪ ،‬فعبارة النّص تتض ّمن شرط القانونيّة‬
‫في التّجريم والعقاب والتدبير األمني‪ .‬تشترط أن يكون للقاعدة الجنائية مصدرًا وحيدًا هو القانون‪.‬‬
‫المقصود بمبدأ الشرعية الجنائية هو اشتراط قانونية التّجريم والعقاب‪ ،‬وذلك أل ّن القانون الجنائي يُع ُّد‬
‫من أخطر القوانين التي تملكها السلطة السياسية في الدولة بهيئاتها الثالثة‪ ،‬وذلك لمساسه بالحقوق والحريات‬
‫األساسية لألفراد‪ ،‬فهو يتض ّمن عقوبات خطيرة كاإلعدام‪ ،‬والسجن المؤبّد والسجن المؤقت والغرامة‬
‫وال ُمصادرة والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫بغرض تحديد ماهية المبدأ البد من توضيح معناه في الفقه والتشريع وتقديره ببيان جوانبه اإليجابية‬
‫التي لقي على أساسها التأييد‪ ،‬وسلبياته التي لقي بسببها االنتقاد‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬


‫أ) تعريف مبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬
‫يُعبّر عن هذا المبدأ بعبارة " ال جريمة وال عقوبة إالّ بنص قانوني " وذلك يعني ّ‬
‫أن مصدر الصفة‬
‫غير المشروعة للفعل وعقوبته هو نص القانون‪ ،‬وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات‬
‫والقوانين المكملة له والقوانين الجزائية الخاصة‪ .‬وبالتالي فإ ّن القاضي ال يستطيع أن يعتبر فعالً ُمعينا ً جريمة‬
‫إال إذا وجد ن ًّ‬
‫صا يُجرم هذا الفعل ويُح ّدد عناصره وعقوبته‪ ،‬فإذا لم يجد مثل هذا النص فال سبيل إلى اعتبار‬
‫الفعل جريمةً ولو اقتنع بأنّه مناقض للعدالة أو األخالق أو الدين‪ .‬فكل فعل ال ينصّ القانون على تجريمه‬

‫(‪ )1‬المادّة ‪ 2/11‬من اإلعالن العالمي لحقوق االنسان " ال يُدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل‬
‫جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي‪ ،‬كما ال توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي"‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫وعقابه ال يؤاخذ عليه فاعلُه‪ّ ،‬‬
‫ألن األصل في األشياء اإلباحة وهي غير مح ّددة وإنّما األفعال المجرّمة هي‬
‫المحصورة والمح ّددة‪.‬‬

‫ب) نطاق مبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬


‫يشمل نطاق المبدأ الجانبين الموضوعي واإلجرائي‪ ،‬فبالمفهوم العام الواسع للقانوني الجنائي يت ّم‬
‫التمييز بين الشرعية الجنائية الموضوعية والشرعية الجنائية االجرائية‪:‬‬
‫‪ )1‬النطاق الموضوعي‪ :‬ح ّدد ال ُمشرّع الجزائري في الما ّدة األولى من قانون العقوبات النطاق‬
‫الموضوعي للمبدأ بثالث عناصر هي الجريمة والعقوبة والتدابير االحترازية‪.‬‬
‫ـ الجريمة‪ :‬تقتضي إدانة الشخص بالوصف الجنائي ُمطابقة فعله للنموذج التشريعي الوارد في نصّ‬
‫التجريم‪ُ ،‬ممثالً في قانون العقوبات والقوانين العقابية ال ُمك ّملة‪ ،‬حيث يجب أن يحتوي النص على كافّة‬
‫العناصر التي يتطلبها النموذج التشريعي للجريمة‪ ،‬فيُعرّف كل جريمة بأركانها‪.‬‬
‫ـ العقوبة‪ :‬ال يحق للقاضي أن يحكم بعقوبة غير منصوص عليها وال أن يحكم بأش ّد من العقوبة‬
‫المنصوص عليها‪.‬‬
‫ـ التدابير االحترازية‪ :‬هي تدابير أمنية تُطبّق على من هم في حالة خطورة إجرامية‪ ،‬بحيث ال يستطيع‬
‫القاضي أن يحكم بغير التدابير المنصوص عليها في القانون‪.‬‬

‫‪ )2‬النطاق اإلجرائي‪ :‬تقتضي الشرعية الجنائية اإلجرائية أن ال يقوم القاضي أو الشرطة القضائية‬
‫باتخاذ أي إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق تجاه الشخص المشتبه فيه أو المتهم إالّ في إطار ما ينصّ‬
‫عليه قانون االجراءات الجزائية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬تاريخ مبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬


‫أ) في العصور القديمة‪:‬‬
‫كان المبدأ في بدايته عرفيًا‪ ،‬أي أعراف ُمستقرّة يطبقها ويتناقلها ُح ّكام الجماعات وكبار شيوخها‪،‬‬
‫فينفّذون بموجبها على الجاني عقوبة تكافئ جريمته ك ّمًا ونوعًا‪ .‬ثم أخذت تظهر إلى جوار األعراف قواعد‬
‫مكتوبة على األحجار وتُذاع في الساحات العا ّمة‪ .‬ث ّم جاء في التوراة ككتاب سماوي تنظيم لعقوبات تطبّق‬
‫على مجموعة من الجرائم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ب) في العصر اإلسالمي‪:‬‬
‫كانت الشريعة اإلسالمية في القرن‪ 1‬ميالدي هي السبّاقة في تقرير المبدأ في صورته المتط ّورة‪،‬‬
‫جاءت بها نصوص القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ )1‬من القرآن الكريم‪ :‬يستند المبدأ على نصوص صريحة تعتبر ّ‬
‫أن الشرع يُنذ ُر قبل أن يُعاقب‬
‫ـ‬

‫‪.‬‬

‫‪ )2‬من القواعد الفقهية‪ :‬تُجسّد المبدأ قاعدة " ال حكم على أفعال العقالء قبل ورود النّصّ " أي ّ‬
‫أن‬
‫أفعال المكلّف المسؤول ال يُمكن وصفها بأنّها ُمحرّمة مادام لم يرد نصٌّ بتحريمها‪ ،‬وال حرج على المكلف أن‬
‫يفعلها أو يتركها‪ ،‬حتى يُنصّ على تحريمها‪ .‬وـ قاعدة " األصل في األشياء اإلباحة واألصل في األفعال‬
‫الجواز واألصل في الذ ّمة البراءة"‪.‬‬

‫جـ) في القرون الوسطى والعصر الحديث‪:‬‬


‫‪ )1‬في القرون الوسطى كان أ ّول ظهور لبوادر المبدأ في القانون اإلنكليزي عندما نصّ عليه ميثاق‬
‫هينري األ ّول‪ ،‬ث ّم تض ّمنه دستور كالريندون وأ ّكده بعد ذلك العهد األعظم(‪ )Magna Charta‬الذي أصدره‬
‫الملك جون سنة ‪ ،6261‬حيث نصّت الما ّدة ‪ 99‬منه " ال يمكن إنزال عقاب ما بأي إنسان إالّ بمحاكمة‬
‫قانونية من أنداده طبقًا لقانون البالد "‪.‬‬

‫‪ )2‬في العصر الحديث‪ :‬نادى بهذا المبدأ الفقهاء والفالسفة أل ّول مرّة في القرن‪ ،68‬وكان من أبرزهم‬
‫الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو في كتابه "روح القوانين"‪ ،‬والفقيه اإلطالي سيزار بيكاريا في كتابه "‬
‫الجرائم والعقوبات" والذي كان يقول " ّ‬
‫إن القوانين المنشورة هي وحدها التي تستطيع أن تضع العقوبات‬
‫المطبّقة على الجرائم "‪ .‬وأ ّول من صاغ المبدأ في العبارة المشهورة هو الفقيه فيورباخ "ال جريمة وال‬
‫عقوبة إالّ بقانون" ‪."Nullum Crimen Nulla Poena Sine Lege‬‬
‫نصّ عليه بعد ذلك بهذه الصيغة إعالن حقوق اإلنسان والمواطن الفرنسي في ‪ 21‬أوت ‪6289‬م إبّان‬
‫الثورة الفرنسية في المواد ‪ 8 ،2 ،1‬منه‪ .‬ثُ ّم أدرج في الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1791‬وتض ّمنه قانون‬
‫العقوبات الفرنسي لسنة ‪ 6862‬في الما ّدة ‪ 8‬منه‪ ،‬ث ّم انتشر المبدأ بعد ذلك في القوانين األوربية والعربية‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كان المبدأ محل نقاش فقهي بين مؤيّد له على أساس جملة من المزايا وال ُمبررات‪ ،‬وبين ُمعارض له‬
‫على أساس بعض العيوب واالنتقادات‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ُ :‬مب ّررات المبدأ‪:‬‬
‫الغرض من المبدأ هو حماية اإلنسان من خطر التجريم والعقاب وجعله في مأمن من تح ّكم وتعسّف‬
‫القاضي وشطط اإلدارة‪ ،‬كما أنّه يحمي المصلحة العا ّمة في المجتمع ويستند إلى ع ّدة ُمبرّرات‪:‬‬
‫‪ )1‬مبدأ سيادة القانون‪ :‬يرتبط مبدأ الشرعية الجنائية بمبدأ سيادة القانون عند حلول الدول الديمقراطية‬
‫في أوروبا أواخر القرن‪ ،68‬محل ال ّدولة البوليسية واألنظمة الملكية االستبدادية‪ .‬وبموجبه ُكرّست قاعدة‬
‫المساواة في المسؤولية الجزائية وألغي تميّز اإلقطاعيين والنبالء ورجال ال ّدين‪.‬‬
‫‪ )2‬مبدأ فصل السلطات‪ :‬يستند مبدأ الشرعية الجنائية إلى مبدأ تمايز السلطات في االختصاصات‬
‫والصالحيات‪ ،‬فليس للقاضي أن يُجرّم فعالً أو يعاقب عليه دون االستناد إلى قانون‪ ،‬وليس للسلطة التنفيذية‬
‫أن تختصّ بالتشريع في مجال الجرائم والعقوبات‪.‬‬
‫‪ )3‬ضمان الحقوق والحريات الفردية‪ ،‬يضع المبدأ ح ًّدا فاصالً واضحًا بين ما هو ُمجرّم وما هو ُمباح‬
‫من األفعال‪ ،‬فمن ارتكب فعالً غير ُمجرّم فهو في مأمن من ال ُمساءلة الجنائية‪ ،‬بل المبدأ يُشجع األفراد على‬
‫المساهمة في نشاطات الحياة بكل حرية دون خوف‪.‬‬
‫ومن ارتكب فعالً مج ّر ًما فهو في مأمن من إنزال عقوبة أش ّد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب‬
‫ُ‬
‫حيث يسهل اكتشاف أ ّ‬
‫ي‬ ‫الجريمة‪ ،‬فالمبدأ يمنع تح ّكم وتسلّط القضاة والسلطات في الحقوق والحرّيات الفردية‪.‬‬
‫زيغ من القاضي ب ُمجرّد عرض حكمه على ميزان القانون المكتوب‪.‬‬
‫سا قانونياا‪ :‬م ّما يجعلُها ُمبرّرة ومقبولة لدى الرأي العام‪ ،‬فالمبدأ يُذهب سخط‬
‫‪ )7‬يُعطي للعقاب أسا ا‬
‫الناس من قسوة األحكام القضائية‪ ،‬ألنّه حاز رضاهم وثقتهم عند إصداره‪ .‬فمن ارتكب الفعل المجرّم رغم‬
‫التحذير المنشور والمعروف يعلم أنّه جلب العقاب لنفسه بإرادته‪.‬‬
‫‪ )5‬تحقيق مصلحة المجتمع في الوقاية من الجريمة‪ :‬يُحقّق المبدأ مصلحة عا ّمة للمجتمع‪ ،‬من خالل‬
‫التص ّدي للجريمة قبل ارتكابها‪ ،‬ألنّه يضغط على النوايا اإلجرامية ويمنع خروجها إلى الواقع بغرضها‬
‫الرّدعي التّحذيري‪ ،‬فهو يعرّف الفرد سلفًا بما ينتظره إذا أقدم على انتهاك حرمة القانون‪.‬‬

‫الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ثانياا‪ :‬االنتقادات‬
‫‪ )1‬عيب التعارض مع تفريد العقوبة‪ :‬انتُقد بأنّه يعتبر الجريمة كيانًا قانونيًا ُمج ّردًا عن شخص‬
‫ُمرتكبها‪ ،‬ويُح ّدد العقوبة على أساس درجة خطورة األفعال وجسامة ضررها‪ ،‬وال ينظر لخطورة المجرم‪،‬‬
‫وظروفه‪ ،‬فالمبدأ يمنع القاضي من توقيع العقوبة التي يراها ُمالئمةً لظروف ُمرتكبها‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫ونتيجة لهذا االنتقاد جاءت فكرة تفريد العقوبة التي تعطي سلطة تقديرية للقاضي في مالءمة العقوبة‪،‬‬
‫باألخذ بالح ّدين األدنى واألقصى بعدما كانت مح ّددة بمقدار واحد‪ ،‬وبالعقوبات المتنوعة الختيار إحداها‪،‬‬
‫وبظروف التّخفيف ونظام وقف تنفيذ العقوبة وغير ذلك من النظم المستحدثة‪.‬‬

‫‪ )2‬عيب الجمود وحرمان المجتمع من الحماية الكافية‪ :‬يتسبّب هذا المبدأ في جعل التشريع الجنائي‬
‫جامدًا وعاج ًزا عن مواجهة ومواكبة تطور الحياة وتغير الظروف االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬و ُمنتجات العلم‬
‫والتكنولوجيا والمستجدات السريعة التي تسمح بظهور أفعال جديدة على المجتمع ُمخلّة بأمنه ونظامه ال‬
‫ألن المشرع ال يُمكنُه اإلحاطة سلفًا بكل ما قد تتمخض عنه ظروف الحياة‬
‫ينص القانون على تجريمها‪ّ ،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬وال يمكنه أن يحصر جميع السلوكات االضارّة والخطيرة التي يُبدع ال ُمجرم أساليبها على‬
‫المستوى الفردي‪ ،‬وبالتالي يحرم المجتمع من الحماية ض ّد الجرائم غير المنصوص عليها‪ ،‬ويسمح بإفالت‬
‫الكثير من المجرمين من العقوبة‪ ،‬عن طريق استغالل ثغراته واالستفادة من غياب النص التقاء العقوبة‪ ،‬فهو‬
‫مكتوب ومعروف لديهم‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫تتمثل الهيئات ال ُمخاطبة بهذا المبدأ من جهة‪ ،‬في السلطة القضائية باعتبار القاضي يُطبّق القانون وله‬
‫صالحية تفسيره من أجل الحُكم باإلدانة بالجريمة‪ ،‬ولذلك ورد ُمصطلح " اإلدانة " في نص الما ّدة ‪ 89‬من‬
‫الدستور الجزائري " ال إدانة إالّ بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل ال ُمجرّم "‪ .‬ومن جهة أخرى‬
‫السلطة التشريعية باعتبار ال ُمشرّع هو ُمصْ ِدر القانون‪ ،‬حيث ورد ُمصطلح اإلصدار في النّص الدستوري‬
‫أعاله‪ ..." .‬ب ُمقتضى قانون صادر‪ "..‬واإلصدار هو من صالحيات السلطة التشريعية طبقًا للما ّدة ‪ 699‬من‬
‫الدستور‪.‬‬
‫والقانون الجنائي يتميّز بالقسوة والقمع ض ّد الحقوق والحرّيات‪ ،‬من خالل طبيعة العقوبات التي يُقرّرها‬
‫كاإلعدام وسلب الحرّية والحرمان من الحقوق المالية والمدنية والسياسية‪ .‬فالطبيعة الخطرة لهذا القانون‬
‫تقتضي توخي الحذر والحيطة في إصداره وتطبيقه وتفسيره‪ ،‬وذلك هو هدف مبدأ الشرعية‪.‬‬

‫ينتج عن مبدأ الشرعية أن يكون المصدر الوحيد لقاعدة التجريم والعقاب‪ ،‬هو النصّ القانوني المكتوب‪،‬‬
‫على خالف األمر بالنّسبة للقاعدة غير الجنائية في القوانين األخرى كما تنصّ عليه الما ّدة األولى من القانون‬
‫المدني‪ ،‬والتي تجعل للقاعدة القانونية خمسة مصادر‪ ،‬هي القانون وال ّشريعة اإلسالمية والعرف وقواعد‬
‫العدالة ومبادئ القانون الطبيعي‪.‬‬
‫فالسّؤال المطروح يكون حول طبيعة القانون الذي يقصده المشرّع في الما ّدة األولى من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وطريقة صياغته وضوابط إصداره؟ واإللتزامات أو القيود التي يتقيّد بها المشرّع في عملية‬
‫التجريم والعقاب ب ُمقتضى مبدأ الشرعية؟‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬طبيعة القانون‪:‬‬


‫أ) النّص التشريعي كمصدر أصلي للقاعدة الجنائية‪:‬‬
‫يكون القانون مصدرًا للقاعدة الجنائية بمفهومه ال ّدستوري الضّيق أي النصّ التشريعي وهو األصل‬
‫وذلك في مجال الجنايات والجنح الخطيرة‪ ،‬حيث يُقصد بالتشريع ذلك العمل الصّادر عن الهيئة المختصّة‬
‫بالتّشريع وهي البرلمان‪ ،‬بالتّصويت عليه في المجلس ال ّشعبي الوطني ومجلس األ ّمة(الم‪ 668‬من الدستور)‪.‬‬
‫ويُستفاد ذلك من النسخة الفرنسية لنصّ الما ّدة األولى من قانون العقوبات وترجمة كلمة "قانون" ب ُمصطلح‬
‫" ‪ " lois‬الذي يُقصد به التشريع‪ .‬ويُستفاد من نص الما ّدة ‪ 699‬من الدستور التي تجعل مجال قانون‬

‫‪46‬‬
‫العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية والعفو الشامل وتسليم المجرمين‪ ،‬من مجاالت التشريع الحصرية‬
‫بالنسبة للبرلمان‪ .‬وتُر ّكز هذه الما ّدة على الجنايات والجنح باعتبار خطورتها‪.‬‬

‫ب) النّصوص التنظيمية كمصدر استثنائي للقاعدة الجنائية‪:‬‬


‫ويأتي القانون كمصر للقاعدة الجنائية بمفهومه الواسع ليشمل باإلضافة للنص التشريعي النص‬
‫التنظيمي وهو االستثناء خاصّة في مجال الجنح والمخالفات غير الخطيرة‪.‬‬
‫تقتضي الضرورة السماح للسلطة التنفيذية بإصدار قواعد جنائية‪ّ ،‬‬
‫ألن النصوص التنظيمة وسيلة‬
‫سريعة يمكن بواسطتها مواكبة تط ّورات المجتمع‪ .‬وخاصّة في مجال ال ُمخالفات والجنح البسيطة القليلة‬
‫الخطورة‪ ،‬مثلما يُستفاد من نص الما ّدة ‪ 699‬من الدستور التي تُر ّكز على الجنايات والجنح بالنسبة للتشريع‬
‫ُ‬
‫حيث يت ّم تفويض االختصاص بالتشريع إلى السّلطة التنفيذية إ ّما لعدم مقدرة البرلمان‬ ‫وال تذكر ال ُمخالفات‪.‬‬
‫على مواكبة التّغيّرات السريعة الحادثة في المجتمع‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫لتعذر التّشريع في المجاالت التقنية‪ ،‬وإ ّما لوجود‬
‫ظروف استثنائية غير عادية‪.‬‬
‫‪ )1‬األوامر الرئاسية‪ :‬طبقًا للما ّدة ‪ 682‬من ال ّدستور يُعمل بها في حالتين كالهما يُمثل حالة الظروف‬
‫الغير عادية‪ ،‬وهما‪ :‬حالة المسائل العاجلة خالل الشغور أوال ُعطل البرلمانية‪ ،‬والحالة االستثنائية المنصوص‬
‫عليها في الما ّدة ‪ 98‬تتمثل في حالة الخطر ال ّداهم على البالد الذي يُوشك أن يُصيب مؤسساتها الدستورية أو‬
‫استقاللها أوسالمة ترابها‪ .‬و يُشترط عرض القانون على كل غرفة من البرلمان في أ ّول دورة موالية‬
‫للموافقة‪ ،‬ويُع ُّد القانون الغيًا في حالة عدم الموافقة‪.‬‬
‫ومثال ذلك إصدار رئيس الجمهورية ثالث أوامر تشريعية أثناء العطلة البرلمانية الصيفية لسنة ‪2222‬‬
‫لها عالقة بالجرائم والعقوبات وهي األمر ‪ 26-22‬يُع ّدل ويُت ّمم قانون العقوبات‪ ،‬واألمر ‪ 29-22‬المتعلّق‬
‫بالوقاية من عصابات األحياء ومكافحتها‪ .‬واألمر ‪ 28-22‬يُع ّدل ويُت ّمم قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬وت ّمت‬
‫الموافقة على هذه األوامر بموجب القوانين الصادرة عن البرلمان‪.‬‬
‫‪ )2‬المراسيم‪ :‬قد تكون مراسيم رئاسية بمقتضى السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية طلقًا للما ّدة ‪686‬‬
‫من دستور)‪ ،‬وقد تكون مراسيم تنفيذية صادرة عن الوزير األ ّول طبقًا للما ّدة ‪ 662‬من دستور‪.‬‬
‫‪)3‬القرارات‪:‬وهي تلك القرارات الصّادرة إ ّما عن أحد الوزراء‪ ،‬أو عن أحد رؤساء الجماعات المحلّية‪.‬‬

‫جـ) المصادر األخرى غير ال ُمباشرة للقاعدة الجنائية‪:‬‬


‫‪ )1‬الدّستور‪ :‬هو القانون األساسي لل ّدولة يصدر بموجب االستفتاء العام‪ ،‬يمثل مصدرًا للقاعدة الجنائية‬
‫ألنّه يحتوي الكثير من مبادئ القانون الجنائي‪ ،‬مثل قرينة البراءة(الم ‪ )86‬والشرعية الجنائية وعدم رجعية‬
‫القانون(الم‪ )89‬وشخصية العقوبة(الم ‪ )612‬وحق الدفاع(الم ‪...)621‬إلخ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ )2‬المعاهدات واالتّفاقيات والمواثيق الدّولية‪ :‬تكون مصدرًا للقانون الجنائي عندما يُصادق عليها‬
‫أن المعاهدة تسمو على القانون حسب ما تنصّ عليه الما ّدة ‪ 618‬من الدستور‪.‬‬
‫رئيس الجمهورية‪ ،‬حيث ّ‬
‫ومثال ذلك المعاهدات والمواثيق التي تحتوي على أكبر مبادئ القانون الجنائي‪ ،‬كاإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان ‪ 62‬ديسمبر‪ .6988‬والعهد ال ّدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل الجمعية‬
‫العا ّمة لألمم المتّحدة في ‪61‬ديسمبر‪ 6911‬والميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان وال ّشعوب ‪ 28‬جوان‪.6986‬‬
‫وكذلك االتفاقيات الدولية التي تتض ّمن الجرائم وأحكام التعاون الدولي في مكافحتها مثل اتفاقية فيينّا‬
‫ل ُمكافحة اإلتجار غير المشروع بال ُمخ ّدرت والمؤثرات العقلية‪ ،‬ت ّم توقيعها سنة ‪ 6988‬ودخلت حيّز النفاذ سنة‬
‫‪ .)1(6991‬واتفاقية األمم ال ُمتحدة لمكافحة الفساد لسنة ‪.)2(2229‬‬

‫ثانياا‪ :‬ضوابط إصدار القانون الجنائي‪:‬‬


‫مبدأ الشرعية الجنائية يلتزم به ال ُمشرّع كضمانة لعدم إسرافه في التجريم والقسوة في العقاب‪ ،‬وعدم‬
‫التقصير والتفريط في واجب حماية المجتمع من الجرائم‪ ،‬ومن ث ّم يلزمه بمجموعة من الضوابط‪ .‬وإذا لم‬
‫يلتزم بها يُعتبر خارقًا لمبدأ الشرعية ومن ث ّم عدم دستورية النص‪.‬‬
‫أ) من ناحية طريقة الصياغة‪:‬‬
‫يلتزم ال ُمشرّع أثناء صياغته للنصوص الجنائي بمبدأ القابلية للتنبؤ بالمستحدثات المستقبلية‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يكون التجريم واضحًا ومفهو ًما‪ .‬ويكون ذلك باحترام طرق الصياغة‪:‬‬
‫ـ استخدام العبارات الواضحة والصريحة والدقيقة وغيرالغامضة‪ ،‬بحيث تُؤ ّدي الغرض منها‪.‬‬
‫ـ تحديد العناصر المك ّونة الجريمة بدقّة‪ .‬وعقوبة كل جريمة‪ ،‬وظروف تشديدها بوضوح‪.‬‬
‫ـ تحديد التّدابير األمنية وشروط تطبيق ك ّل منها على الحالة المناسبة‪ ،‬والعناصر والعالمات المميزة‬
‫لحالة الخطورة اإلجرامية‪.‬‬
‫ـ مرونة الصياغة‪ ،‬باستعمال األلفاظ العا ّمة التي تسمح بإدخال عدد من األفعال المتشابهة في تكييف‬
‫واحد‪ ،‬خا ّ‬
‫صة في نوع التجريم غير الخطير‪.‬‬

‫ب) من ناحية طريقة السريان‪:‬‬


‫يُمنع على ال ُمشرّع إعطاء األثر الرجعي للقانون الذي يُصدره خاصّة إذا كانت فيه أحكا ًما شديدة‪.‬‬
‫فالما ّدة ‪ 89‬من الدستور تمنع اإلدانة بالنص الصادر بعد وقوع الفعل‪ ،‬يعني إذا نصّ المشرّع في صلب‬
‫القانون بأنّه يسري بأثر رجعي‪ ،‬فإنّه يعتبر غير دستوري‪ ،‬ألنّه يخرق مبدأ الشرعية‪.‬‬

‫(‪)1‬االتفاقية المصادقة عليها من طرف الجزائر بموجب المرسوم الرّئاسي رقم ‪ 86-91‬المؤرّخ في ‪28‬يناير‪ .6991‬ج ر عدد‪2‬‬
‫(‪)2‬االتفاقية المصادق عليها بتحفظ من طرف الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي ‪ 628-28‬بتاريخ ‪ 69‬أبريل ‪ ،2228‬ج ر‪21 ،‬‬
‫‪48‬‬
‫جـ) من الناحية الموضوعية‪:‬‬
‫يهدف مبدأ الشرعية إلى تقييد المشرّع الجنائي بالضوابط التالية‪:‬‬
‫‪6‬ـ أن تتوافق النصوص الجنائية مع الحقوق والحريّات‪ ،‬حيث ينبغي عدم التضييق عليها‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يستند التجريم إلى الضرورة االجتماعية‪ ،‬بتلبية حاجة ال ُمجتمع دون إفراط و ُمغاالة‪ ،‬ودون إفراط‬
‫وتقصير‪ ،‬أي يكون بالقدر الالزم والكافي لحماية مصالح المجتمع‪ ،‬من السلوكات التي فيها خطورة على قيم‬
‫المجتمع األخالقية أو الدينية أو االجتماعية أو االقتصادية‪.‬‬
‫‪9‬ـ أن يكون العقاب مناسبًا لخطورة الجريمة وجسامة ضررها على الشخص محل الحماية‪.‬‬

‫يتعلّق األمر بضوابط تفسير وتطبيق القانون الجنائي‪.‬‬


‫أ ّوالا‪ :‬تطبيق النّص الجنائي‪:‬‬
‫يتمتع القاضي الجنائي ب ُمناسبة فصله في موضوع الجريمة يتمتع بسلطة التكييف‪ :‬أي إعطاء الوصف‬
‫الجنائي للفعل‪ .‬وسُلطة التقدير‪ :‬ألدلّة اإلثبات طبقًا لما تُقرّره الما ّدة ‪ 262‬ق إ ج"‪...‬وللقاضي أن يُصدر حُكمه‬
‫تبعًا القتناعه الخاص"‪ .‬وكذلك المواد‪922‬و‪ 288‬في الماحكمة والمواد ‪ 611-612‬و‪ 692-691‬في التحقيق‪.‬‬
‫ّ‬
‫لكن القاضي الجنائي يخضع لمبدأ الشرعية عند تطبيقه للنصوص الجنائية فيلتزم بطريقة سريانها من‬
‫حيث الزمان والمكان‪ .‬ويلتزم بتطبيق النصّ بالمعنى الحرفي لمضمونه إذا كان واضحًا سلي ًما‪ ،‬فال يجوز له‬
‫التأويل واالجتهاد‪ ،‬إذ ال اجتهاد مع النّص حتى لو بدى له غير عادل أو غير صالح‪.‬‬
‫فإذا كانت تنصّ الفقرة ‪ 6‬من الما ّدة األولى من القانون المدني الجزائري أنّه "ـ تسري النصوص‬
‫التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها‪ " .‬أي يُستخلص الحكم‬
‫من العبارة أو اإلشارة أو الداللة‪ .‬أي من ألفاظ النص وروحه معًا‪ّ ،‬‬
‫فإن القاعدة في تفسير القانون الجنائي‬
‫ى‬
‫السليم الواضح هي األخذ بالمعنى الحرفي دون فحواه‪ ،‬أي بالتقيّد بألفاظه و ُمفرداته إذا كانت تحتمل معن ً‬
‫واحدًا‪ ،‬وبالمعنى االصطالحي للعبارات إذا كان لللفظ أكثر من معنى‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬التّفسير القضائي للقانون الجنائي‪:‬‬


‫ألن النّصّ القانوني عادة يكون مختصرًا وعا ّمًا و ُمج ّردًا‪ ،‬فقد ينطوي على بعض الغموض أحيانًا‬
‫نظرًا ّ‬
‫مثل كلمة "ليالً" في الما ّدة ‪ 919‬وعبارة " الفعل المخ ّل بالحياء " "وهتك العرض" في المواد ‪991-999‬‬
‫وعبارة " الطفل حديث العهد بالوالدة" في الما ّدة ‪ ،2/216‬وأراضي الجمهورية" في الما ّدة ‪ ،9‬وعبارة‬
‫اإلستهزاء بما هو معلوم من الدين بالضرورة في الما ّدة ‪ 2/688‬ق ع ج‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وبغرض تحقيق التماثل والتطابق بين عناصر النموذج القانوني للجريمة وبين عناصر الواقعة‬
‫المتركبة‪ ،‬الب ّد أن يعتمد القاضي الجنائي على عنصر التفسير عندما يكون النصّ قابالً للتفسير‪ ،‬بتحديد‬
‫المعنى الذي يقصده الشارع من ألفاظ النص لجعله صالحًا للتطبيق على الوقائع‪.‬‬
‫ونظرًا لخطورة قانون العقوبات ّ‬
‫فإن تفسيره يختلف عن تفسير القوانين األخرى‪ ،‬فمن أه ّم نتائج مبدأ‬
‫الشرعية الجنائية عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية‪ ،‬وتقيّد القاضي في عمله بالضوابط التالية‪:‬‬
‫أ) اإللتزام بالتّفسير الضيّق‪:‬‬
‫إذا كان النّصّ معيبًا بخطء أوغموض أو نقص أو تعارض‪ ،‬فال يجوز التوسّع في تفسيره‪ ،‬مثل النصّ‬
‫الغامض الذي يحمل أكثر من معنى‪ ،‬يلتزم القاضي بما يكفي لمعرفة قصد المشرّع‪ ،‬وقد ص ّرح المش ّرع‬
‫الفرنسي بهذه القاعدة في الما ّدة‪ 8-666‬من قانون العقوبات‪ّ ،‬‬
‫لكن المشرّع الجزائري لم ينصّ عليها‪ .‬فعلى‬
‫القاضي عندما يجد النص غامضًا أن يعتمد التّفسير الكاشف عن حقيقة إرادة المشرّع من خالل عباراته‬
‫وألفاظه‪ ،‬والبحث في حكمة النصّ وعلّته في إطار مصلحة المتّهم‪ ،‬ويمكنه في سبيل ذلك االسترشاد باألعمال‬
‫التّحضيرية والمذ ّكرات التّفسيرية والظروف التي صدر فيها النّص‪ ،‬أو الرّجوع إلى المصدر التاريخي‬
‫للنّصّ ‪ .‬أوالمقارنة بين النّص بصياغته العربية والنّصّ بصياغته الفرنسي‪.‬‬

‫سر لصالح ال ُمتهم‪:‬‬


‫ب) االلتزام بقاعدة الشك يُف ّ‬
‫إذا لم يتوصل القاضي إلى القصد الحقيقي للنّص أو حصل له شك في معنى النصّ من حيث انطباقه‬
‫على الوقائع يقضي بالبراءة‪ .‬والتّوجّه الحديث في القانون الجنائي يسير نحو رفع القيد عن القاضي وتوسيع‬
‫سلطاته في تطبيق النصوص ومالءمة وتفريد العقوبة‪ ،‬بمراعاة شخصية المتّهم واعتماد معيار خطورة‬
‫اإلجرامية والتخفيف من معيار جسامة الضّرر‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬حضر القياس‪:‬‬


‫ـ القياس ال يكون في حالة النصّ الواضح وال النصّ المعيب‪ ،‬ولكن في حالة انعدام النصّ الذي ينظم‬
‫المسألة‪(،‬غياب النّص أو سكوت القانون) أي ال يوجد نصّ يُجرّم الفعل ويعاقب عليه‪.‬‬
‫والقياس هو الحكم في مسألة لم ينظمها القانون عن طريق استعارة الحكم الذي قرّره القانون لمسألة‬
‫مشابهة‪ .‬أو هو إعطاء حكم حالة منصوص عليها لحالة غير منصوص عليها لتشابه الحالتين في العلّة‪.‬‬
‫ـ وحكم القياس في القانون الجنائي أنّه غير جائز ّ‬
‫ألن األصل حسب مبدأ الشرعية ّ‬
‫أن لك ّل فعل تكييفه‪،‬‬
‫وال يجوز حمل تكييف على فعل غير مجرّم أصالً التحاد علّته مع تكييف الفعل المجرّم المشابه له‪.‬‬
‫وهذه القاعدة مقرّرة أصالً لفائدة المتّهم فال يمكن السماح بانقالبها عليه‪ .‬ولهذا السبب لم يتم قياس سرقة‬
‫الكهرباء وعدم دفع أجرة الفندق أو ثمن األكل في المطاعم على نص جريمة السرقة‪ .‬لكن ال يتعارض القياس‬
‫عندما يصبُ في مصلحة المتهم حيث يجوز للقاضي القياس مثال في مجال أسباب اإلباحة‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫ّ‬
‫إن السلطان الزمني للقانون الجنائي محصور بين لحظة نشأته ولحظة انقضائه‪ ،‬وسريان نصّ التجريم‬
‫أثناء وقوع الجريمة ال يثير ُمشكلة من حيث مجال تطبيقه‪ ،‬لكن الصعوبة تثور عندما تُرتكب الجريمة في‬
‫ظ ّل قانون ما‪ ،‬وتأتي محاكمتُها في ظ ّل قانون آخر يص ُدر بعده ويُحدث تغييرًا في أحكام تلك الجريمة‪ ،‬كأن‬
‫يُنشئ القانون الجديد ظرفً ُمش ّددًا أو يُلغي أحد عناصر الجريمة‪ ،‬فيحصل التّنازع لدى القاضي بين تطبيق‬
‫أن الجريمة ارتُكبت في ظلّه وقام حق المتابعة بموجبه‪ ،‬وبين تطبيق القانون الثاني‬
‫القانون األ ّول على اعتبار ّ‬
‫على اعتبار أنّه هو القانون السّاري المفعول ساعة المحاكمة بعد زوال القانون األ ّول‪.‬‬
‫إن مبدأ األمن القانوني يقتضي ّ‬
‫أن النصّ الجنائي الجديد عندما يصدر ال يُطبّق على الجرائم التي‬ ‫ّ‬
‫ارتكبت قبل صدوره سواء ت ّم محاكمتها نهائيًا أمام القضاء ‪ -‬إذ ال يجوز ُمحاكمة الشخص عن فعل واحد‬
‫أن القانون ال يُطبّق إالّ على الوقائع التي تحدث بعد‬
‫مرّتين – أو لم تتم محاكمته بعد‪ .‬كما أنّه من المؤ ّكد كذلك ّ‬
‫صدوره ودخوله حيّز النفاذ‪.‬‬
‫يجيب ال ُمش ّرع على هذه االشكالية في نصّ الما ّدة الثانية من قانون العقوبات الجزائري‬

‫المادّة ‪ » : 2‬ال يسري قانون العقوبات على الماضي إالّ ما كان منه أق ّل ش ّدة «‪.‬‬

‫هذا النصّ يتض ّمن فكرتين أساسيتين هما القاعدة األصلية والقاعدة االستثنائية نتناولهما في فرعين‪:‬‬
‫المطلب األ ّول‪ :‬عدم سريان قانون العقوبات على الماضي(قاعدة عدم رّجعية القانون الجديد)‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سريان قانون العقوبات األقل ش ّدة على الماضي(قاعدة القانون األصلح للمتهم)‬

‫‪51‬‬
‫تُعتبر قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي مبد ًء دستوريًا وعالميًا‪ ،‬وحديثنا عنها سيكون عن التعريف‬
‫بها‪ ،‬وكيفية تطبيقها على ُمختلف أنواع الجرائم‪.‬‬

‫تسمية "عدم الرجعية" هي ترجمة للنسخة الفرنسية من عبارة الما ّدة‪ 2‬من قانون العقوبات الجزائـري‬
‫» …‪ « La loi pénale n’est pas rétroactive‬فما هو الماضي بالنسبة للقانون؟ وما المقصود‬
‫بالرجعية أو السريان على الماضي؟ وما الحكمة من منع األثر الرجعي للقانون الجنائي؟ وهل ترد عليها‬
‫استثناءات ؟‬

‫أ ّوالا‪ :‬مفهوم قاعدة عدم الرجعية‪:‬‬


‫أ) المقصود بقاعدة عدم الرجعية‪:‬‬
‫مفاد قاعدة عدم الرجعية هو انعدام األثر الرجعي للقانون‪ ،‬أي أنّه ال يسري على الماضي قبل تاريخ‬
‫صدوره أو دخوله حيّز النفاذ‪ .‬ومن ث ّم يُطبّق بأثره الفوري ال ُمباشر ابتدا ًء من تاريخ صدوره أو دخوله حيّز‬
‫النفاذ إلى غاية تريخ إلغائه‪.‬‬
‫ورجعية القانون هي الرجوع بتطبيق القانون إلى الماضي بأن يكون له أثر وسريان في زمن سابق‬
‫مضى قبل تاريخ صدوره‪ ،‬والماضي بالنسبة للقانون هو ُك ّل الوقائع التي حدثت قبل تاريخ صدور القانون‬
‫أونفاذه‪ ،‬فالقانون في هذه الحالة يُعتب ُر جدي ادا بالنسبة للواقعة‪ .‬وهذا بصريح الما ّدة ‪ 43‬من الدستور التي‬
‫تنصّ ‪ " ،‬ال إدانة إال بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل ال ُمج ّرم "‪ ،‬فإذا جاءت ُمحاكمة الفعل في ظل‬
‫قانون آخر جديد‪ ،‬فإنّه يُطبّق القانون الساري وقت ارتكاب الفعل وليس الساري وقت ال ُمحاكمة‪ .‬وهو نفس‬
‫موقف ال ُمشرّع المصري حيث تنصّ الما ّدة ‪ 1‬من قانون العقوبات المصري " يُعاقب على الجرائم ب ُمقتضى‬
‫القانون المعمول به وقت ارتكابها"‪.‬‬

‫عدم الرجعية إذن هي أن ال يرجع القانون في تطبيقه إلى تلك الجرائم ال ُمرتكبة في الماضي قبل تاريخ‬
‫ُ‬
‫حيث لم يكن له وجو ٌد في ذلك التاريخ‪ .‬والقاعدة األصلية تقضي بتطبيق القانون بأثره‬ ‫صدوره أو نفاذه‪،‬‬
‫الفوري المباشر على الوقائع ال ُمعاصرة له التي يتوافق زمنها مع زمنه (ما بين لحظة النفاذ ولحظة اإللغاء)‪.‬‬
‫ومؤ ّدى القاعدة في القانون الجزائي أنّه ال يجوز إدانة شخص من أجل فع ٍل لم يكن ُمج ّر ًما وقت‬
‫ارتكابه‪ ،‬كما ال يجوز أن يُقضى على الجاني بعقوبة أش ّد من تلك التي كانت ُمقرّرة للجريمة وقت ارتكابها‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وتنصّ الما ّدة الثانية من القانون المدني الجزائري(الصادر باألمر ‪ 18-21‬المؤرّخ في ‪ 21‬سبتمبر‬
‫‪ 6921‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم‪ " .‬ال يسري القانون إال على ما يقع في ال ُمستقبل‪ ،‬وال يكون له األثر الرجعي‪،" ...‬‬
‫ويقصد بالمستقبل هنا ما يحدث من وقائع بعد لحظة صدور القانون وليس بعد لحظة إلغائه‪.‬‬

‫ب) تبرير قاعدة عدم الرجعية‪:‬‬


‫‪ )1‬تجد قاعدة عدم الرجعية تبريرها في االستناد إلى مبدأ الشرعية الذي يهدف إلى حماية الحقوق‬
‫والحريات الفردية عن طريق ضبط التجريم والجزاء‪ ،‬وهذا الضبط هو بمثابة إنذار لألفراد ومن ث ّم ّ‬
‫فإن الفرد‬
‫ال يُتابع إال ب ُمقتضى القاعدة التي تض ّمنت هذا االنذار‪ .‬فالقاعدة تنبثق من مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقضي‬
‫بأن " ال جريمة وال عقوبة بغير نصّ قانوني " فهي من نتائجه الحتمية‪ ،‬ألنّه غير ال ُممكن في دولة القانون‬
‫أن يُعاقب شخص بموجب نص قانوني لم يكن موجودًا ومعلو ًما له‪ ،‬وتعتبر القاعدة من بين الحلول التي تعالج‬
‫بها مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان‪ ،‬نصّت عليها الما ّدة ‪ 6-662‬من ق ع الفرنسي‪.‬‬
‫يكتف بالنّص العام في القانون المدني‪ ،‬بل أعاد النصّ على مبدأ عدم‬ ‫ِ‬ ‫وال ُمشرّع الجزائري كذلك لم‬
‫رجعية القانون الجنائي في قانون العقوبات بالموازاة مع مبدأ ال ّشرعية الجنائية‪ ،‬وخرقها يُع ّد خرقًا صار ًخا‬
‫لمبدأ ال ّشرعية الجنائية الذي عليه يكون مدار أحكام التجريم والعقاب والمتابعة‪.‬‬
‫‪ )2‬يقتضي األمن القانوني لألشخاص ال ُمخاطبين بالقانون عدم جواز ُمفاجأة األفراد بقوانين لم تكن‬
‫معروفة لديهم‪ ،‬لكونها لم تكن موجودة وقت ارتكاب الفعل‪ ،‬فاألصل ّ‬
‫أن القانون يُنذر قبل أن يُعاقب‪.‬‬
‫‪ )3‬تُع ُّد القاعدة إحدى الضمانات األساسية لحماية األفراد من تح ُّكم سلطات القوة العمومية‪ ،‬أو الشرطة‬
‫القضائية‪ ،‬أو القضاء‪.‬‬

‫جـ) أصل القاعدة في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫جاءت قاعدة عدم الرجعية ُمقرّرة بالنصوص العا ّمة والخاصّة‪:‬‬
‫‪ )1‬النصوص العا ّمة هي نفس اآليات التي ق ّررت مبدأ الشرعية منها مثالً قوله تعالى‬
‫‪ .‬وقوله تعالى‬
‫أن القانون ينذر قبل أن‬ ‫ضا في الفقه الوضعي‪ ،‬وهي ّ‬ ‫وهذه قاعدة معروفة أي ً‬
‫ألن في اإلنذار تذكرة وتنبيه ومخالفة القاعدة فيه ظلم‪ ،‬وال يقبله العقل البشري ألنّه ُمنافي للعدالة‬ ‫يعاقب‪ّ ،‬‬
‫ولذلك يقول هللا تعالى‪:‬‬
‫فهذه اآليات هي أمثلة على أنه ال جريمة إال بنص وال عقوبة إال بعده‪.‬‬
‫وقد أكدت هذا الحكم القواعد الفقهية‪ ،‬منها قاعدة "ال حُكم على أفعال العقالء قبل ورود النّص"‪.‬‬
‫مقدور للمكلَّف‪ ،‬م ٍ‬
‫علوم له ِعل ًما يح ِملُه على امتثاله"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقاعدة "ال يُكلّف شر ًعا إال بحُكم ُممك ٍن‬

‫‪53‬‬
‫‪ )2‬النصوص الخاصّة ما جاء في تحريم الربا قوله تعالى‬
‫‪ ،‬عبارة " فله ما سلف " فيها عف ٌو ع ّما ُكسب من أموال ربوية قبل‬
‫نزولها‪.‬‬
‫وفي تحريم الزواج بزوجة األب بعد موت األب أو طالقها منه‬
‫وهذا فيه عف ٌو من الناحية الجنائية ع ّما كان من هذه‬
‫الزيجات قبل نزول اآلية‪ ،‬ويمنع استمرارها ابتداء من تاريخ نزول اآلية‪.‬‬

‫وعاقب الشرع على قتل الصيد أثناء اإلحرام وعفى ع ّما سلف من ذلك قبل نزول اآلية‪،‬‬

‫ثانياا‪ :‬استثناءات قاعدة عدم الرجعية‪:‬‬


‫استثناءا على مبدأ منع رجعية القانون على الماضي‪ ،‬تجوز الرجعية والمساس بالحقوق المكتسبة وذلك‬
‫في أربع (‪ )8‬حاالت‪ :‬حالة النص الصريح‪ ،‬حالة النص التفسيري‪ ،‬حالة تعلق النص بالنظام العام‪ ،‬حالة‬
‫النص األصلح للمتهم‪.‬‬
‫وتنصّ الما ّدة ‪ 2‬من قانون العقوبات الجزائري على صورة االستثناء المتعلّق بالقانون األقل ش ّدة من‬
‫القانون الساري وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬وهو ما تت ّم دراسته في الفرع الثاني أدناه‪ .‬لكن االستثناء الذي نقصده‬
‫هنا هو رجعية القانون الجديد رغم كونه أش ّد من القانون ال ُمعاصر للفعل‪ .‬وهي الحاالت التاليةّ‪:‬‬

‫النص الصريح بالرجعية‪:‬‬


‫ّ‬ ‫أ)‬
‫في حالة وجود نصّ قانوني يقضي صراحةً بتطبيقه بأثر رجعي خالفًا لمبدئي الشرعية وعدم‬
‫الرجعية‪ ،‬فإنّه يتعيّن على القاضي تطبيق هذا القانون على األفعال المرتكبة قبل صدوره‪ ،‬إعماالً إلرادة‬
‫المشرع‪ ،‬ويكون ذلك في حاالت نادرة تتسم باالستثنائية والخطورة‪ ،‬حيث يتحتّم تقديم المصلحة الجماعية في‬
‫حفظ النظام العام على حساب المصلحة الفردية‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ )1‬قانون قمع الجرائم االقتصادية الصادر بموجب األمر ‪682-11‬المؤرخ في‪ 26‬جوان‪ 6911‬في‬
‫الما ّدة ‪ " 98‬بال ّرغم من جميع األحكام ال ُمخالفة‪ ،‬يُطبّق هذا األمر على جميع الجرائم ال ُمقترفة قبل نشره‬
‫باستثناء الجرائم التي صدر فيها قرار بإحالتها على المحكمة ال ُمختصّة"‪.‬‬
‫‪ )2‬قانون ُمكافحة اإلرهاب والتخريب الصادر بالمرسوم التشريعي‪ 29-92‬بتاريخ ‪92‬سبتمبر ‪،6992‬‬
‫وهو أش ّد من قانون العقوبات‪ ،‬ينصّ في الما ّدة ‪ 82‬على سريانه على األفعال اإلرهابية المرتكبة قبل صدوره‪.‬‬
‫‪ )3‬ويتفق الفقهاء الشريعة اإلسالمية‪ ،‬على ّ‬
‫أن التشريع الجنائي ليس له األثر الرجعي‪ ،‬ولكن استثناءا‬

‫‪54‬‬
‫يكون له ذلك في صورتين إحداهما وجوبية‪ ،‬والثانية جوازية؛ تتعلق األولى برجعية القانون األصلح للجاني‪،‬‬
‫وتتعلق الثانية برجعية القانون في حالة الجرائم الخطيرة التي تمس النظام العام واألمن العام‪.‬‬
‫‪ )7‬ومن تطبيقات االستثناء في العصر اإلسالمي األ ّول آية القذف‪ ،‬في سورة النّور على حادثة اإلفك‬
‫لعظمة الجريمة‪ ،‬ألنّها طعن في زوج النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكان تطبيق الحد بأثر رجعي أمر البد منه‬
‫لتهدئة النفوس وإخماد الفتنة وردع الناس عن الفتنة‪ .‬كما طُبّقت آية الحرابة من سورة المائدة بأثر رجعي‬
‫على حادثة العرينيين‪ ،‬نظرًا لفضاعة وخطورة جريمة‪ ،‬قطع الطريق على النّاس وقتلهم ونهب أموالهم‪.‬‬

‫النص التفسيري‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ب)‬
‫ُ‬
‫حيث يكون لهذا القانون‬ ‫النصّ التفسيري هو النّصّ الصادر لتحديد أو توضيح معنى نصّ سابق‪،‬‬
‫ُ‬
‫حيث يسري النص الجديد التفسيري على كل ما سرى عليه النصّ السابق حتى لو كان‬ ‫المفسِّر أثرًا رجعيًا‪،‬‬
‫هذا التفسير يجعل القانون أش ّد م ّما كان عليه طبقًا للتفسير القضائي السابق‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫أن هذا القضاء لم‬
‫يكن صائبًا في تفسيره‪ّ ،‬‬
‫ألن التفسير يهدف إلى توضيح نصّ سابق وليس إضافة أحكام جديدة‪ ،‬أو تعديل‬
‫أحكام قائمة‪ ،‬فهو يتبع النصّ األ ّول موضوع التفسير ويندمج فيه‪ ،‬فمن الطبيعي إذن أن يكون تطبيقُهما من‬
‫حيث الزمان واحدًا‪ ،‬مثال تفسير معنى كلمة " الليل" الذي قد يُح ّول جنحة السرقة البسيطة (في النهار) طبقًا‬
‫للما ّدة ‪ 912‬ق ع ج‪ ،‬إلى جناية السرقة الموصوفة (السرقة في جنح الليل) إذا توفر ظرف الليل مع ظرف‬
‫آخر طبقًا للما ّدة ‪ 919‬ق ع ج‪ ،‬أو جنحة السرقة ال ُمش ّددة طبقًا للما ّدة ‪ 918‬ق ع ج‪.‬‬

‫تطبيق القانون على واقع ٍة ما‪ ،‬يقتضي تطابق زمن القانون مع زمن الواقعة الجرمية‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬تحديد زمن القانون‪:‬‬
‫يُح ّدد الدستور تاريخ العمل بالقانون الجديد بتاريخ نشره في الجريدة الرسمية‪ ،‬حيث تنصّ الفقرة الثانية‬
‫من الما ّدة ‪ 28‬من الدستور الجزائري بأنّه " ال يُحتج بالقوانين والتنظيمات إالّ بعد نشرها بالطرق الرسمية‪.‬‬
‫" وينتهي العمل بالقانون بعد إلغائه‪ .‬وعليه ّ‬
‫فإن النصّ التجريمي ال سلطان له قبل نشره وال بعد إلغائه‪.‬‬
‫بعد إصدار القانون من طرف رئيس الجمهورية ال يكون القانون ناف ًذا وساري المفعول إالّ بعد نشره‬
‫في الجريدة الرسمية ب ُم ّدة ‪ 28‬ساعة بالنسبة للجزائر العاصمة وبعد ‪ 28‬ساعة من وصول الجريدة الرسمية‬
‫إلى مق ّر الدائرة في الواليات األخرى (الما ّدة ‪ 8‬من القانون المدني الجزائري)‪.‬‬
‫وخارج هذه القاعدة العا ّمة قد يُح ّدد القانون زمن نفاذه بتاريخ ُمح ّدد يمت ّد أليّام أو أسابيع أو شهور‪،‬‬
‫فتكون العبرة بهذا التاريخ‪ .‬مثل قانون العقوبات الجزائري الذي صدر في ‪ 8‬يونيو ‪ 6911‬ودخل حيّز النفاذ‬
‫بتاريخ ‪ 61‬يونيو ‪ .6911‬وقانون االجراءات المدنية واإلدارية ‪ 29-28‬الذي صدر في ‪ 21‬فيفري ‪،2228‬‬
‫‪55‬‬
‫نُشر في الجريدة الرسمية في‪9‬أفريل‪ ،2228‬وأصبح ساري المفعول بعد سنة من تاريخ نشره‪( .‬الما ّدة‪)6211‬‬
‫ويكون انتهاء سريان القانون في تاريخ إلغائه الصريح‪ ،‬أو انتهاء تاريخ سريانه إن كان م ّؤقتًا‪ ،‬أو‬
‫إلغائه الضمني بالنص الجديد الذي يتعارضُ مضمونه مع مضمون النص القديم‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬تحديد زمن الجريمة‪:‬‬


‫زمن الجريمة هو وقت ارتكابها‪ ،‬ومعيار ارتكاب الجريمة هو تحقق جزء من األجزاء ال ُمك ّونة لرُكنها‬
‫الما ّدي حسب مفهوم الما ّدة ‪ 181‬من قا اإلجراءات الجزائية الجزائري‪ " ،‬تُع ُّد ُمرتكبةا في اإلقليم الجزائري‬
‫ُكل جريمة يكون عمل من األعمال ال ُمميّزة ألحد أركانها ال ُمكونة لها قد ت ّم في الجزائر"‪ .‬فوقت ارتكاب‬
‫الجريمة هو وقت إتيان الفعل الما ّدي للجريمة‪ ،‬وليس بوقت تحقق النتيجة‪ّ ،‬‬
‫ألن الفعل هو أ ّول جزء يتحقق من‬
‫الناحية الزمنية وقبل النتيجة‪ .‬والجريمة اآلنية التي يت ّم تنفيذها في لحظة واحدة‪ ،‬ال تطر ُح صعوبة‪ ،‬فتاريخها‬
‫هو تاريخ الفعل كالسرقة والسّب والضرب‪ .‬لكن تُطرح الصعوبة في الجرائم التي يدخل فيها عنصر الزمن‪:‬‬

‫أ) الجرائم ال ُمتراخية النتيجة‪:‬‬


‫الجريمة ال ُمتراخية النتيجة هي التي يق ُع فعلها فيوقت ُمعيّد ويتراخى أو يتأ ّخر تحقُّق نتيجتها في الزمن‬
‫إلى وقت الحق‪ .‬فال ُمسلّم به هو ّ‬
‫أن وقت ارتكاب الجريمة هو وقت إتيان السلوك ال ُمك ّون لها وليس وقت تحقق‬
‫النتيجة االجرامية‪ّ ،‬‬
‫ألن بإتيان السلوك أو الشروع فيه يتحقق االعتداء على المصلحة القانونية محل الحماية‬
‫الجنائية‪ ،‬مثل جريمة القتل التي تتراخى فيها نتيجة إزهاق الروح م ّدة طويلة‪ ،‬فالعبرة في تاريخها بوقت فعل‬
‫االعتداء على الشخص بقطع النظر عن تاريخ النتيجة التي هي الوفاة‪.‬‬

‫ب) الجريمة ال ُمستم ّرة‪:‬‬


‫الجريمة ال ُمستمرّة هي التي يستمرُّ ارتكابها ل ُم ّدة زمنية‪ ،‬أي يمت ُّد رُكنها الما ّدي فترة من الزمن‪ ،‬مثل‬
‫جريمة االتفاق الجنائي أو جمعية األشرار المنصوص عليها في الما ّدة ‪ 621‬من ق ع ج‪ ،‬وجريمة إخفاء‬
‫األشياء المسروقة أو ال ُمتحصّلة من جناية أو جنحة‪ ،‬المنصوص عليها في الما ّدة ‪ 982‬من ق ع ج‪ ،‬فهذه‬
‫الجرائم قد تبدأ حالة استمراها قبل صدور القانون الجديد وتستم ّر قائمةً بعد صدوره وحينئذ يُطرح التساؤل‬
‫حول القانون الوجب التطبيق عليها تطبيقًا لمبدأ عدم الرجعية‪ ،‬فقد استق ّر الفقه والقضاء على وجوب خضوع‬
‫هذا النوع من الجرائم للقانون الثاني (الجديد) طالما ّ‬
‫أن الجريمة ال ُمستمرة ظلت قائمة بعد العمل به‪ .‬فهي‬
‫ُمرتكبة في كل لحظة من لحظات استمرارها‪ .‬والعبرة في تاريخها بنهاية حالة االستمرار‪ ،‬فإذا كانت بداية‬
‫الجريمة في ظل قانون ونهايتها في ظل قانون آخر‪ ،‬يُطبّق القانون الثاني باعتبارها ُمرتكبةً في ظلّه وليس في‬
‫ذلك رجعية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫جـ) الجريمة االعتيادية‪:‬‬
‫الجريمة االعتيادية هي التي يتحقّق فيها السلوك اإلجرامي بتكرار الفعل المحظور‪ ،‬بحيث ال يكفي‬
‫وقوع الفعل مرّة واحدة لقيام الجريمة‪ ،‬بل يُشترط لقيامها عنصر االعتياد الذي يكون بتكرار الجريمة أكثر‬
‫من مرّة‪ ،‬مثل جريمة التسول التي عرّفتها الما ّدة ‪ 691‬ق ع ج " يعاقب بالحبس من شهر إلى ‪ 1‬أشهر كل‬
‫من اعتاد على ُممارسة التس ّول في أ ّ‬
‫ي مكان كان وذلك رغم توفر وسائل العيش لديه‪ ."....‬ومثل جريمة‬
‫ُممارسة الدعارة التي نصّت عليها الما ّدة ‪988‬ق ع ج " يُعاقب بالحبس من سنتين إلى ‪ 1‬سنوات وبغرامة‬
‫من ‪ 22 222‬دج إلى ‪ 622 222‬دج ما لم يكن الفعل جريمة أش ّد كل من سمح ألشخاص يحترفون الدعارة‬
‫باالعتياد على ممارسة الفسق ِس ًّرا في محالت أو أماكن غير مستعملة من الجمهور ويحوزها بأيّة صفة‬
‫كانت"‪ .‬والعبرة في تاريخها بتاريخ المرّة الثانية‪ ،‬حيث يُطبّق القانون الذي تحقق فيه االعتياد ولو كان أش ّد‬
‫من القانون الذي اقترفت فيه المرّة األولى‪ ،‬وليس في ذلك سريان على الماضي‪.‬‬

‫د) الجريمة ال ُمتتابعة األفعال‪:‬‬


‫الجريمة ال ُمتتابعة األفعال هي الجريمة التي يقوم ُمرت ِكبها بأفعال إجرامية ُمتع ّددة و ُمتماثلة ُك ٌّل منها‬
‫يُش ّكل جريمة بذاتها ولكنّها تُمثل جميعها اعتدا ًءا على حق واحد تنفي ًذا لمشروع إجرامي واحد‪ .‬مثل سرقة‬
‫ُمحتويات منزل على ُدفُعات‪ ،‬فهي تُع ُّد ُمرتكبةً في تاريخ آخر دفعة فيطبّق القانون الذي ارتُكبت في ظلّه‬
‫الجريمة في دفعتها األخيرة حتى ولو كان أسوء للمتهم من القانون الساري في تاريخ الدفعات األولى‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫يتض ّمن الشق الثاني من الما ّدة ‪ 2‬ق ع ج قاعدة رجعية القانون األقل ش ّدة‪ ،‬وهو الحكم الذي صرّح به‬
‫ال ُمشرّع كاستثناء وارد على قاعدة عدم الرجعية المنصوص عليه في نفس النّص‪.‬‬
‫نتناول في هذا المطلب‪ ،‬بيان المقصود بهذه القاعدة‪ ،‬و ُمب ّرراتها ث ّم شروط تطبيقها‪ ،‬ث ّم استثناءاتها‪.‬‬

‫نبيّن فيما يلي المقصود من القاعدة وأساسها في النصوص الشرعية والقانونية و ُمبرّراتها‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬المقصود بقاعدة رجعية القانون األقل شدّة ومب ّرراتها‪:‬‬
‫أ) المقصود بالقاعدة‪:‬‬
‫خالفًا للقاعدة السابقة(عدم الرجعية) يُطبّق القانون الجديد بأثر رجعي على جريمة حدثت قبل تاريخ‬
‫نفاذه وقبل الحكم النهائي فيها‪ ،‬وذلك إذا كان هذا القانون الجديد أق ّل ش ّدة على الجاني وأفضل له من القانون‬
‫األصلي الذي ارتُكبت في ظله الجريمة‪.‬‬

‫ب) ُمبررات القاعدة‪:‬‬


‫أن المجتمع الذي خفّف من ش ّدة القانون هو في ذلك يستجيب إال لمشاعر‬
‫‪ )1‬الدواعي اإلنسانية‪ :‬يعني ّ‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فالمبادئ القانونية العامة تفترض دائ ًما ُمراعاة المدعى عليه حتى لو كان ذلك في قواعد اإلدانة‬
‫والعقاب‪ ،‬حيث يتوجب دو ًما الميول إلى ما هو أقل قسوة‪ .‬وما دام ال ُمش ّرع قد اعترف بشدة القانون األول‬
‫فمن غير العدل إخضاع المتهم له بتطبيق عقوبة أو تشديدها في الوقت التي يعترف فيه المشرع بعدم جدواها‬
‫أو بزيادتها في الشدة‪.‬‬

‫‪ُ )2‬مقتضيات السياسة الجنائية‪ :‬إن الحق في العقاب ُمق ّرر للمجتمع وهو حر في التنازل عنه إذا‬
‫ارتأى ذلك‪ ،‬وإن للفرد حق في الرفق والتسامح متى كان المجتمع ال يعارض ذلك‪ ،‬فتغيير القانون من قبل‬
‫المشرع هو تأكيد على عدم تمشي النظام القانوني السابق مع مصلحة المجتمع‪ ،‬فال يكون ثمة جدوى من‬
‫تطبيقه‪ ،‬ألنه في نظر المشرع يتجاوز الحدود الالّزمة لحماية المصلحة االجتماعية‪.‬‬

‫إن تطبيق القانون األقل ش ّدة بأثر رجعي ال يتنافى مع الحكمة من‬
‫‪ )3‬نتائج مبدأ الشرعية الجنائية‪ّ :‬‬
‫مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪ .‬بل هو من أهم النتائج المباشرة لمبدأ الشرعية‪ ،‬وهو مقرر لمصلحة المتهم‬
‫حتى ال يفاجأ بجزاء لم يكن يوجد ما ينذره باستحقاقه عن السلوك الذي أقدم عليه‪ ،‬فمتى كان صالح المتهم هو‬
‫‪58‬‬
‫الذي اقتضى ذلك‪ ،‬فإنه من البديهي جواز تجاوز هذا المبدأ والخروج عليه‪ ،‬ما دامت رحمة القانون صادرة‬
‫عن عمل تشريعي سليم‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬األساس القانوني والشرعي لقاعدة رجعية القانون األقل شدّة‪:‬‬


‫أ) أساس القاعدة في النصوص القانونية الدولية والتشريع الوطني‪:‬‬
‫ـ يُعتبر سريان قانون العقوبات األق ّل ش ّدة على الماضي مبد ًءا عالميًا ن ّ‬
‫صت عليه المادة ‪ 2/66‬من‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ‪62‬ديسمبر‪ 6988‬الذي تبنته الجزائر في دستور ‪ ،6919‬على عدم رجعية‬
‫صت عليه المادة ‪ 6/61‬من‬
‫القانون األش ّد وفي ذلك إجازة لرجعية القانون األقل شدة بمفهوم المخالفة‪ .‬ون ّ‬
‫الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الداخل حيز النفاذ في الجزائر بتاريخ ‪ 23‬مارس‪ ..." :1340‬ال‬
‫يجوز فرض أيّة عقوبة تكون أشد من تلك التي كانت سارية المفعول وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬وإذا حدث بعد‬
‫ينص على عقوبة أخف‪ ،‬وجب أن يستفيد ُمرتكب الجريمة من هذا التخفيف"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ارتكابها أن صدر قانون‬
‫ـ وكرّس المشرّع الجزائري مبدأ رجعية القانون األقل ش ّدة في نصّ الما ّدة الثانية من قانون العقوبات‬
‫ُمنذ صدوره في ‪ 8‬يونيو ‪ 6911‬بموجب األمر ‪" 611-11‬ال يسري قانون العقوبات على الماضي إالّ ما كان‬
‫منه أقل شدة"‪ .‬وأ ّكد القضاء الجزائري على تطبيق المبدأ ُمنذ ذلك الوقت في قرارات عديدة (‪.)1‬‬

‫ب) أساس القاعدة في الشريعة االسالمية‪:‬‬


‫يستد ّل الفقهاء على هذه القاعدة في الشريعة اإلسالمية بتطبيق النبي صلى هللا عليه وسلم آليتي الظهار‬
‫واللعان عند نزولهما‪ ،‬على وقائع حدثت قبل نزولهما‪ ،‬آية الظهار في سورة ال ُمجادلة في قضية خولة بنت‬
‫مالك بن ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت‪ .‬وآية اللّعان في سورة النور في قضية هالل بن أميّة وزوجته‪،‬‬
‫وهي قوله تعالى‬

‫واعتبر هؤالء الفقهاء أن هذا التطبيق كان بسبب خفة حكمهما مقارنة مع حكمهما في الجاهلية‪ ،‬فإذا كان‬
‫الظهار فيه بعض الخالف‪ ،‬فيكاد الفقهاء والمفسرون يجمعون على أن آية اللعان نزلت تخفيفًا على األزواج‬
‫الذين يرمون أزواجهم بالزنا ويكون ذلك من باب تطبيق الحكم األخف ولو كان شريعة الحقة للواقعة‪.‬‬
‫ومن تطبيقات ذلك في جرائم الدماء في الشريعة اإلسالمية آية القصاص التي جاءت بالمساواة في‬
‫‪ ،‬حيث طُبّقت‬ ‫العقوبة وبإمكانية العفو‪ ،‬قال تعالى في ختامها‬

‫اآلية بأثر رجعي على جرائم قتل سابقة على نزولها‪ ،‬كان يُطالب فيها بقصاص غير عادل يميّز بين الشريف‬

‫(‪ )1‬مثل قرار الغرفة الجنائية للمجلس األعلى آنذاك الصادر بتاريخ ‪ 8‬مارس ‪ ،6919‬أنظر احسن بوسقيعة‪ ،‬قانون العقوبات في‬
‫ضوء ال ُممارسة القضائية‪ ،‬منشورات بيرتي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.2268 ،68‬‬
‫‪59‬‬
‫والوضيع والعبد والحر والرجل والمرأة‪ ،‬فيالحظ ّ‬
‫أن أحكام رجعية النصّ األصلح للجاني في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬تقضي ب ّ‬
‫أن حكم هذا النصّ هو األولى بالتطبيق من الحكم القديم إذا كان لم يفصل بعد في القضية‪،‬‬
‫وإذا ت ّم الفصل فال تُنفّذ العقوبة ويعاد الفصل فيها طبقا للنصّ الجديد أو يوقف تنفيذه إذا كان قد بدء تنفيذه‪.‬‬

‫يُشترط لتطبيق القاعدة شرطان أساسيان‪ ،‬هما أن يكون القانون الجديد أقل ش ّدة على المتهم من القانون‬
‫الذي ارتُ ِكبت في ظلّه الجريمة‪ .‬وأن يكون هذا القانون قد صدر قبل صدور الحكم النهائي على ال ُمتهم‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬أن يكون القانون الجديد أق ّل شدّة من القانون الذي وقعت في ظلّه الجريمة‪:‬‬
‫ما هو القانون األقل ش ّدة؟ وما هي الضوابط والمعايير التي تتحكم في تحديده؟‬
‫أ) مفهوم القانون األقل شدّة (القانون األصلح للمتهم)‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن أثر القانون الجنائي على األفراد في طبيعته هو إنزال األلم بهم بواسطة العقاب الذي يمس أبدانهم‬
‫وحريّاتهم واعتبارهم وذممهم المالية‪ ،‬ولذلك فالقانون األق ّل ش ّدة على ال ُمتّهم هو الذي تكون آثار أحكامه أق ّل‬
‫أل اما وقسوة‪ ،‬وأكثر رحمة ورأفة بالشخص‪ ،‬ويُنشئ له مرك ًزا ووضعًا أفضل له من غيره من القوانين‪.‬‬
‫وقد درج الفقه والقضاء والتشريع في التعبير عن القانون الذي يحمل هذا المعنى على استعمال‬
‫عبارات ومصطلحات مختلفة ُكلّها تصب في مفهوم واحد‪ ،‬هو جعل المتهم في وضع ومركز أفضل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫استعمل الفقه والمشرّع المصري في المادة ‪ 1‬من ق ع مصطلح " القانون األصلح للمتهم "‬
‫واستعمل المشرع الفرنسي في المادة ‪ 9/6–662‬ق ع مصطلح" القانون األقل شدة "‬
‫(‪ )Les dispositions les moins sévères‬ويعبّر عنه الفقه الفرنسي بمصطلح " القانون األكثر خفّة "‬
‫(‪ .)La loi plus douce‬واستعمل قانون العقوبات الجزائري في المادة ‪ 2‬عبارة " القانون األقل شدة"‪.‬‬
‫وأغلب استعماالت القضاء الجزائري تأخذ بمصطلح "القانون األصلح للمتهم"(‪ ،)2‬كما استعمل أغلب ال ُكتاب‬
‫هذا مصطلح"القانون األصلح للمتهم" )‪.( La loi plus favorable au prévenu‬‬

‫ب) معايير تقدير شدّة القانون (صالحية القانون لل ُمتهم)‪:‬‬


‫يت ّم اعتماد معايير ُمعيّنة لمعرفة ما إذا كان القانون أنّه أقل ش ّدة أو أكثر ش ّدة من غيره‪ ،‬وتتعلّق هذه‬
‫المعايير بنصوص التجريم ونصوص العقاب‪.‬‬

‫)‪ (1‬تنصّ الما ّدة ‪ 1‬من قانون العقوبات المصري " يُعاقب على الجرائم ب ُمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها"‪ .‬أنظر‪،‬‬
‫النحاس‪ ،‬قانون العقوبات طبقاا آلخر التعديالت‪ ،‬دار ال ُمصطفى لالصدارات القانونية‪ ،‬ط د ت‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫عالء ّ‬
‫(‪ )2‬مثل قرار الغرفة الجنائية للمحكمة العليا رقم ‪ 998661‬بتاريخ ‪ 69‬جويلية ‪ ،2262‬وقرار غ ج في ‪ 8‬مارس ‪ ،6919‬وقرار غ‬
‫ج في ‪28‬ديسمبر‪ ،6986‬أنظر احسن بوسقيعة‪ ،‬قانون العقوبات في ضوء ال ُممارسة القضائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.9 ،2‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ )1‬المعايير المطبقة على نصوص التجريم‪:‬‬
‫‪1‬ـ إلغاء التجريم‪ :‬إذا ألغى القانون الجديد التجريم الذي ينص عليه القانون القديم‪ ،‬فال يوجد أي شك في‬
‫أنّه هو األقل ش ّدة‪ ،‬حيث تنتفي به صفة الجريمة نهائيًا عن الفعل ويصير ُمباحًا‪ .،‬وقد نصّت المادة ‪ 1‬من ق إ‬
‫ج ج على ّ‬
‫أن إلغاء النص التجريمي هو من أسباب انقضاء الدعوى العمومية‪.‬‬
‫‪2‬ـ التضييق من دائرة التجريم‪ :‬يعني أن تقل عدد األفعال التي تنطوي تحت نصّ التجريم‪ .‬حيث يكون‬
‫المكونة للجريمة بشكل يجعل تحقق وتكوين الجريمة‬
‫ِ‬ ‫القانون أق ّل ش ّدة إذا جاء يُع ّدل من العناصر واألركان‬
‫صعبًا‪ .‬مثل اشتراط ثبوت العمد وسوء النية في الجريمة بعدما كان وجود العمد ُمفترضًا‪ ،‬أو مثل تحويل‬
‫الجريمة البسيطة إلى جريمة اعتياد بإضافة شرط االعتياد‪ ،‬وبال ُمقابل يُعتبر القانون أكثر ش ّدة إذا زاد من عدد‬
‫األفعال التي المعاقب هليها بموجبه‪ ،‬مثال حذف مصطلح ذي مفهوم ضيّق واستبداله بمصطلح واسع‬
‫فضفاض يعتبر تشديدًا‪.‬‬
‫‪3‬ـ التوسيع من دائرة اإلباحة‪ :‬يعتبر القانون أق ّل ش ّد إذا نصّ على سبب جديد يضاف إلى أسباب‬
‫اإلباحة أو موانع المسؤولية أو موانع العقاب‪ ،‬حيث يرتفع عدد األفعال التي تشملها دائرة اإلباحة‪ ،‬وكان هذا‬
‫السبب أو المانع متوفّرًا بالنسبة للمتهم‪.‬‬
‫‪7‬ـ التخفيف من درجة التجريم‪ :‬يكون القانون أق ّل ش ّد‪:‬‬
‫ـ إذا غيّر من تكييف الجريمة في االتجاه األقل شدة‪ ،‬فيُجنّح الجناية أو يح ّول الجنحة إلى مخالفة مثل‬
‫قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ‪ 26-21‬المؤرّخ في ‪ 22‬فبراير ‪ 2221‬الذي ح ّول جنايات االختالس‬
‫والرشوة التي كان منصوصًا عليها في قانون العقوبات إلى جنح‪.‬‬
‫ألن ظروف التشديد تُمثل جز ًء من التجريم‪ ،‬وبالمقابل‬ ‫ـ إذا ألغى ظرف تشديد للجريمة يعتبر تخفيفًا ّ‬
‫يصبح القانون أسوء للمتهم إذا أظاف ظروف تشديد جديدة تكون ُمتوفّرة في حالة ال ُمتهم‪.‬‬

‫‪ )2‬المعايير المطبقة على نصوص العقاب‪ :‬يُعتبر القانون الجديد أقل ش ّدة من غيره إذا جاءت أحكامه‬
‫ُمخفّفة لجانب العقاب‪ ،‬استنا ًدا إلى معايير يتعين اللجوء إليها حسب األولية والترتيب الذي أورده‪:‬‬
‫‪1‬ـ إلغاء العقوبة‪ :‬إ ّما أن يلغي القانون الجديد العقوبة ُكلّية وهذا يعني إلغاء التجريم وإباحة الفعل‪ ،‬أو‬
‫يُلغي العقوبة مع استبدلها بتدبير أمن دون إلغاء التجريم‪.‬‬
‫‪2‬ـ تخفيف نوع العقوبة‪ :‬يعتمدعلى تصنّف العقوبات بحسب تصنيف الجرائم من حيث خطورتها‪،‬‬
‫فعقوبة الجنحة أخف من عقوبة الجناية بقطع النظر عن ال ُمدة‪ ،‬فمثال الحبس في الجنحة لمدة ‪62‬سنوات يُعتبر‬
‫أقل ش ّدة من السجن في الجناية لمدة ‪ 5‬سنوات‪ ،‬وعقوبة المخالفة أقل ش ّدة من عقوبة الجنحة‪ ،‬فالحبس شهرين‬
‫ّ‬
‫ولكن محكمة النقض الفرنسية خالفت القاعدة في‬ ‫في المخالفة أقل ش ّدة من الغرامة‪ 22. 222‬دج في الجنحة‪.‬‬
‫أن الحبس دائ ًما يكون أكثر ش ّدةً من الغرامة‪.‬‬
‫هذه الحالة واعتبرت ّ‬

‫‪61‬‬
‫‪3‬ـ تخفيف درجة العقوبة‪:‬عندما ينصّ كال القانونين على عقوبة من نفس النوع‪ ،‬يلجأ القاضي إلى‬
‫المقارنة بينهما من حيث درجات النوع الواحد للعقوبة‪ ،‬مستن ًدا إلى ال ُسلّم القانوني للعقوبات‪ ،‬حيث يُرتب‬
‫المشرع الجزائري العقوبات األصلية للشخص الطبيعي في الما ّدة ‪ 1‬من ق ع ترتيبًا تنازليًا من حيث الش ّدة‪.‬‬
‫ـ النوع األ ّول عقوبات الجنايات‪ ،‬وفيها ثالث (‪ )9‬درجات هي اإلعدام هو األش ّد‪ ،‬ثُ ّم السجن المؤبد‪،‬‬
‫أقل ش ّدة ثُ ّم السجن المؤقت‪ ،‬أقل ش ّدة‪.‬‬
‫ـ النوع الثاني عقوبات الجنح درجتان وهي الحبس أكثر من شهرين إلى ‪ 5‬سنوات أو أكثر‪ .‬ثُ ّم الغرامة‬
‫المالية بأكثر من ‪ 22. 222‬دج‪.‬‬
‫ـ النوع الثالث عقوبات المخالفات درجتان وهي الحبس من يوم واحد على األق ّل إلى شهرين على‬
‫األكثر‪ .‬ثُ ّم الغرامة المالية أقل من ‪ 22. 222‬دج‪.‬‬
‫‪7‬ـ إنقاص مقدار العقوبة‪ :‬عندما تتماثل أنواع ودرجات العقوبات في القوانين مح ّل المقارنة‪ ،‬يقارن‬
‫ُ‬
‫حيث يكون القانون‬ ‫ُ‬
‫حيث المقدار وهو ال ُم ّدة في العقوبة السالبة للحرّية‪ ،‬أوالمبلغ المالي في الغرامة‪،‬‬ ‫بينها من‬
‫أقل ش ّدة إذا نزل بالحد األقصى أواألدنى للعقوبة أو بهما م ًعا‪.‬‬
‫لكن الصعوبة تكون عندما يرفع أحد الح ّدين ويخفض اآلخر‪ ،‬حيث يُس ّمى هذا النوع من القوانين‬
‫بالقوانين المتراوحة بين الش ّدة والخفة‪ ،‬وقد اختلفت اآلراء بشأن المعيار المتبع‪.‬‬
‫القانون (ق‪ )6‬يُعاقب بالحبس من ‪9‬أشهر إلى‪ 5‬سنوات‬ ‫مثال‪:‬‬
‫القانون (ق‪ )2‬يُعاقب بالحبس من سنة إلى ‪9‬سنوات‬
‫ـ الرأي األ ّول يعتبر القانون الذي يخفض الحد األدنى للعقوبة‪ ،‬هو األصلح لل ُمتهم على أساس أنّه ي ُم ُّد‬
‫ي بالمتهم أن يستفيد منه‪.‬‬
‫سلطة القاضي في التخفيف‪ ،‬ويكشف عن سماحة وتساهل المشرع‪ ،‬فحر ٌ‬
‫لكن يعاب على هذا الرأي بأ نّه يُعرّض المتهم لخطر توقيع عقوبة الح ّد األقصى نظير أمل االستفادة‬
‫من التخفيف في الحد األدنى‪ ،‬فيعاقب بعقوبة أش ّد م ّما كانت عليه في القانون القديم‪.‬‬
‫ـ الرأي الثاني يعتبر القانون أصلح للمتهم إذا خفض الح ّد األقصى للعقوبة‪ ،‬ب ُحجّة أنّه ي ُح ُّد من سلطة‬
‫القاضي في التشديد ورفع العقوبة أكثر م ّما كانت عليه‪ ،‬وهذا مضمون للمتهم وليس مجرّد أمل‪ ،‬أ ّما عن الحد‬
‫األدنى فيمكن للقاضي أن يخترقه وينزل به إذا توفرت ظروف التخفيف‪.‬‬
‫ـ الرأي ثالث يرى ضرورة المزج بين القانونين واألخذ بالحد المخفض من كل قانون‪ .‬لكن يعاب على‬
‫بأن القاضي يجاوز به سلطاته‪ ،‬ألنّه يؤ ّدي به إلى خلق قانون ثالث الهو الجديد وال القديم‪.‬‬
‫هذا الرأي ّ‬
‫ـ الرأي األرجح هو الرجوع إلى ظروف المتهم والجريمة‪ ،‬فإذا كان المتهم جديرًا بالح ّد األقصى طبّق‬
‫القانون الذي يخفض الحد األقصى‪ .‬وإذا كان جديرًا بالح ّد األدنى طبّق القانون الذي يُخفّض الحد األدنى‪.‬‬
‫‪5‬ـ إلغاء العقوبة التكميلية‪ :‬يكون القانون أصلح للمتهم إذا ألغى عقوبة تكميلية كان ينصّ عليها في‬
‫القانون القديم‪ .‬والعقوبات التكميلية هي عقوبة مضافة إلى العقوبة األصلية‪ ،‬وهي مح ّددة على سبيل الحصر‬
‫‪62‬‬
‫في الما ّدة ‪ 9‬من قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬كالحرمان من ُممارسة الحقوق الوطنية المدنية والعائلية‪،‬‬
‫وال ُمصادرة الجزئية لألموال‪ ،‬وتحديد اإلقامة‪..‬إلخ‪.‬‬
‫‪0‬ـ التخيير بين عقوبتين‪ :‬إذا كان القانون يُعطي الخيار للقاضي بين عقوبتين يكون أق ّل ش ّدة على‬
‫المتهم وأصلح له من القانون الذي يجعل العقوبة وجوبية ويفرض على القاضي تطبيقها‪ ،‬فالنّص على الخيار‬
‫بين الحبس أو الغرامة مثل جريمة القذف في المادة ‪ 298‬ق ع ج‪ ،‬يكون أق ّل ش ّدة من النصّ على الحبس‬
‫والغرامة م ًعا مثل السرقة في الما ّدة ‪ 912‬ق ع ج‪.‬‬

‫‪ )3‬معايير تقدير الش ّدة في القوانين ال ُمر ّكبة‪ :‬قد يكون القانون متراوحًا بين الش ّدة والخفة‪ ،‬فيكون في‬
‫جزء أصلح لل ُمتهم‪ ،‬وفي جزء آخر أسوء‪ ،‬فينبغي التمييز بين القانون القابل للتجزئة وغير القابل للتجزئة‪.‬‬
‫يكون القانون قابالً للتجزئة إذا تض ّمن موضوعات ومجاالت تطبيق مختلفة‪ ،‬بحيث ال يؤ ّدي الفصل‬
‫بينهما إلى التناقض مع إرادة المشرع‪ ،‬فهنا تكون الرجعية بالنسبة للجزء األصلح للمتهم دون األجزاء‬
‫األخرى األسوأ له‪ ،‬وعندها تكون فكرة الجمع بين القوانين جائزة عند تع ّددها‪ .‬فيؤخذ باألجزاء األصلح من‬
‫كل قانون‪ .‬أ ّما إذا كان القانون غير قابل للتجزئة‪ ،‬أي ال يمكن الفصل بين موضوعاته‪ ،‬فهنا إ ّما أن يطبق كله‬
‫أو ال يطبق‪ ،‬وال يمكن تطبيق أحد جوانبه دون باقي الجوانب‪ ،‬وفكرة الجمع غير ممكنة‪.‬‬
‫ولتقدير مدى صالحية القانون في هذه الحالة يجب النظر إلى القانون ككل عن طريق األخذ باالتجاه‬
‫العام للنص أو باألحكام األساسية وهي تلك األحكام التي تعطي للقانون الصفة الرئيسية والغالبة فيه‪ .‬فمثال إذا‬
‫كان القانون يتعلق من جهة بطبيعة الجزاء ومن جهة أخرى بمقداره‪ ،‬فالعبرة بالجانب المتعلق بطبيعة الجزاء‬
‫ألنّه هو الذي يمثل الحكم األساسي في النص‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬الشرط المتعلّق بالحكم البات (النهائي)‪:‬‬


‫صت على شرط الحكم البات ُمعظم تشريعات ال ّدول‪ ،‬ولم تنصّ عليه الما ّدة‪ 2‬من قانون العقوبات‬
‫ن ّ‬
‫أن الرجعية تكون بالنسبّة للقانون األقل ش ّدة ولم تُبيّن لمن تكون رجعية هذا‬
‫الجزائري حيث قرّرت على ّ‬
‫ضا؟‬
‫القانون‪ ،‬هل بالنسبة للمتهم ومن ث ّم يُشترط عدم صدور الحكم البات أو بالنسبة للمحكوم عليه أي ً‬
‫أ( صدور القانون األقل شدّة قبل الحكم البات على المتّهم‪:‬‬
‫الحُكم البات أو كما يُصطلح عليه في قوانين أخرى بالحكم النهائي أو ال ُمبرم‪ ،‬هو الحكم الذي فصل في‬
‫الدعوى الجزائية بشكل نهائي فال يكون قابالً للطعن فيه ال بالمعارضة وال باالستئناف وال بالنقض‪ ،‬ومن ث ّم‬
‫فطالما لم يحز قوة الشيء المقضي به يتعيّن تطبيق القانون األصلح للمتهم حتى ولو كانت القضية على‬
‫مستوى المحكمة العليا إثر طعن بالنقض‪ .‬وال يوجد في القانون الجزائري نصّ صريح على هذا الشرط‪ ،‬غير‬

‫‪63‬‬
‫أنّه مطلوب استنا ًدا إلى المبادئ األساسية للقانون وجوب احترام قوة الشيء المقضي فيه‪ ،‬فلو صدر القانون‬
‫األقل ش ّدة بعد الحكم البات‪ ،‬فال يستفيد منه المحكوم عليه‪.‬‬

‫ب( حالة إباحة الفعل بعد الحكم البات على المتّهم‪:‬‬


‫صت الما ّدة ‪662‬ـ‪ 8‬من قانون العقوبات الفرنسي أنّه يتوقف تنفيذ العقوبة التي يُقضى بها بشأن ٍ‬
‫فعل‬ ‫ن ّ‬
‫أصبح غير مجرَّم بموجب قانون جديد صدر بعد الحكم النهائي‪ .‬ونصّت المادة ‪ 1‬فقرة‪ 9‬من قانون العقوبات‬
‫المصري على توقف تنفيذ الحكم وانتهاء جميع أثاره الجنائية عند صدور القانون الجديد الملغي للطابع‬
‫اإلجرامي عن الفعل‪ ،‬يعني سقوط العقوبة إذا لم تكن قد نُفّذت‪ ،‬ويتوقف تنفيذها إذا كان قد بُ ِدئ في تنفيذها‪.‬‬
‫وإن كان قد اختلف الفقه بشأن استرداد الغرامة التي دفعها المحكوم عليه‪ ،‬إالّ أنّه ال يؤثّر هذا القانون على‬
‫الجانب المدني في القضية‪.‬‬
‫ّ‬
‫لكن قانون العقوبات الجرائري لم ينصّ في المادة ‪ 2‬منه على امتداد الرجعية إلى ما بعد الحكم البات‪،‬‬
‫ولذلك فال مجال الستفادة المحكوم عليه من القانون األقل ش ّدة الصادر بعد الحكم البات احترا ًما لحجّية‬
‫األحكام القضائية وقوة الشيء المحكوم فيه‪ ،‬حتى لو أباح القانون الجديد الفعل أو جاء بسب إباحة أو مانع من‬
‫موانع المسؤولية ينطبق على حالة الشخص‪ .‬وعادة ما يستفيد المحكوم عليه في هذه الحالة من عفو رئاسي‪.‬‬

‫تتمثل صورة اإلستثناء في أنّه رغم كون القانون الجديد أق ّل ش ّدة وصدر قبل الحكم البات‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن‬
‫ق القانون األ ّول الذي ارتكبت الواقعة في ظلّه‪ ،‬وال يُراعي مصلحة ال ُمتهم في تطبيق القانون‬
‫القاضي يُطبّ ُ‬
‫الجديد األق ّل ش ّدة‪ ،‬وذلك بسبب مصلحة عا ّمة تكون أولى باالعتبار من المصلحة الفردية للمتّهم‪ .‬ويتعلّق‬
‫األمر بالقوانين المؤقتة والقوانين اإلجرائية‪.‬‬

‫حالة القوانين المؤقتة‪:‬‬


‫قد يُصدر المشرع قوانين تسري لفترة معيّنة‪ ،‬يُح ّددها صراحة بالنصّ على تاريخ انتهاء العمل‬
‫بالقانون‪ ،‬أو يأتي بها ليواجه ظروفا عابرة ينتهي القانون بانتهائها‪ ،‬حيث يكون توقيتها مستفاد من طبيعة‬
‫الظروف التي جاءت فيها والحاالت التي تحكمها‪.‬‬
‫فهناك بعض التشريعات تنصّ على أنّه ال يُطبّق مبدأ رجعية القانون األصلح للمتهم على الوقائع‬
‫المرتكبة في ظل القانون الذي تكون فترة نفاذه ُمح ّددة بزمن ُمعين‪ .‬حيث إذا جاءت ُمحاكمتها بعد انتهاء‬
‫سريان القانون المؤقت‪ ،‬يطبّقه القاضي رغم انتهائه وكونه األشد من القانون الذي يخلُفه‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫نصت المادة ‪ 8/1‬من قانون العقوبات المصري "غير أنّه في حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور‬
‫حكم باإلدانة فيها وكان ذلك عن فعل وقع مخالفاا لقانون ينهي عن ارتكابه في فترة ُمحددة فإن انتهاء هذه‬
‫الفترة ال يحول دون السير في الدعوى أو تنفيذ العقوبة المحكوم بها "‪ .‬حيث يعتبر هذا النصّ استثنا ًء يرد‬
‫على الفقرتين ‪ 2‬و‪ 9‬من نفس المادة‪ ،‬وخروجا عن فكرة الرجعية‪.‬‬
‫ونصّت على هذا االستثناء تشريعات دول أخرى مثل قانون العقوبات اللبناني في الما ّدة‪ ،2‬والقانون‬
‫الجنائي المغربي في الفصل ‪ّ .7‬‬
‫لكن القانون الجزائري لم يُق ّرر هذا اإلستثناء‪.‬‬
‫أن عدم تطبيق القانون المؤقت استجابةً لمبدأ الرجعية‪ ،‬يُؤدي إلى التقليل من قيمة‬
‫ويُب ّرر هذا اإلستثناء ب ّ‬
‫وشأن القانون ال ُمؤقت‪ ،‬وضياع الغرض المقصود منه وبالتالي محو ثقة األفراد فيه‪ .‬وأ ّن في ذلك تشجيع‬
‫للمنحرفين على مخالفته ما داموا يعلمون تاريخ انتهائه‪ ،‬حيث يتفادون تطبيقه بمجرد تعطيل إجراءات‬
‫ال ُمحاكمة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬حالة القوانين الشكلية (اإلجرائية)‪:‬‬


‫نُميّز بين القوانين الشكلية أو اإلجرائية البحتة والقوانين ذات الطبيعة ال ُمزدوجة‪.‬‬
‫أ) القوانين اإلجرائية البحتة‪:‬‬
‫نظَّم ال ُمشرّع الفرنسي مسألة سريان القوانين الجنائية الشكلية التي ال تتعلّق ال بالتجريم وال بالعقاب‪،‬‬
‫وإنّما باالجراءات الجزائية أو بالتنفيذ العقابي في الما ّدة ‪2 -662‬و‪ 9-662‬و‪ 8-662‬من قانون العقوبات‪،‬‬
‫والمبدأ العام فيها هو تطبيق النص اإلجرائي الجديد فور صدوره‪ ،‬على وقائع سابقة على صدوره‪ ،‬وذلك‬
‫بالنسبة لإلجراءات التي لم يت ّم اتخاذها بع ُد في مجال اإلختصاص والمتابعة وطرق الطعن والتقادم وطرق‬
‫اإلثبات‪ ،‬وإجراءات تنفيذ العقوبة‪ .‬وتبقى اإلجراءات ال ُمتخذة طبقًا للنص القديم صحيحة وال يُطبق عليها‬
‫القانون الجديد‪ .‬ومبُبرّر ذلك هو ّ‬
‫أن هذه النصوص االجرائية تهدف إلى ضمان السير الحسن لجهاز العدالة‪.‬‬
‫فإذا كان للمتهم حق اجرائي ُمكتسب فال يُطبّق عليه القتانون الجديد المتعلّق به بأثر فوري‪ ،‬مثل القانون الذي‬
‫يحذف طريقًا من طرق الطعن أو قلّص من ُمهلة الطعن أو آثاره‪ ،‬فإذا استفاد المتهم عند صدور حكم إدانته‪،‬‬
‫من طريق طعن وفق آجال ُمعيّنة‪ ،‬فإنّه يُستبعد القانون الجديد المتعلّق بها لكونه يمس حقًّا ُمكتسبًا وكذلك‬
‫اإلجراءات التي اتخذت بشكل صحيح وفق القانون القديم فال يجوز أن يؤ ّدي سريان القانون الجديد إلى‬
‫ابطالها‪.‬‬
‫أن ُكل قانون يُع ّدل حق ال ُمالحقة يُطبّق على الجرائم‬
‫ـ في قانون العقوبات اللبناني نصّت الما ّدة ‪8‬فقرة‪ّ 6‬‬
‫السابقة له إذا كان أكثر ُمراعاةً لل ُم ّدعى عليه‪ ،" .‬ويكون أصلح للم ّدعى عليه مثالً إذا قيّد حرّية النيابة في‬
‫تحريك الدعوى العمومية‪ ،‬كأن يُعلّق إقامتها على شكوى أو طلب أو إذن‪ ،‬حيث يترتب على سريانه بأثر‬
‫رجعي‪ ،‬القضاء بعدم قبول الدعوى الجزائية غير ال ُمقيّدة بالقيد‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ )2‬في القانون الجزائري‪ :‬تتعلّق الما ّدة الثانية من قانون العقوباتب السريان الزمني لقانون العقوبات‪،‬‬
‫أ ّما بالنسبة للنصوص الجنائية اإلجرائية‪ ،‬فلم يُنظم ال ُمشرّع أحكام سريانها الزمني ال في قانون العقوبات وال‬
‫في قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬على خالف اإلجراءات المدنية‪ ،‬التي نظّم سريانها الزمني في المادتين‬
‫السابعة والثامنة من القانون المدني‪.‬‬
‫أ ّما القضاء الجزائري فيقضي بتطبيق النصوص اإلجرائية فو ًرا ولو على وقائع ارتكبت قبل تاريخ‬
‫صدورها سواء أكانت في صالح المتهم أو في غير صالحه أل نّها تهدف دائ ًما إلى حسن سير العدالة(‪.)1‬‬

‫ب) القواعد الجنائية ذات الطابع المزدوج‪:‬‬


‫صا موضوعية ألنّها وردت في قانون العقوبات‪ ،‬لكنّها‬
‫يثور النقاشُ حولها‪ ،‬فهي من جهة تُمثل نصو ً‬
‫من جهة أخرى تُعتبر قواعد إجرائية من حيث مضمونها الذي يتعلق بطرق وأساليب اقتضاء حق الدولة في‬
‫العقاب‪ ،‬مثل النصوص ال ُمق ِّررة لقيد الشكوى في بعض الجرائم كجريمة الزنا)الم ‪ 999‬ق ع ج(‪ .‬وإجراء‬
‫صفح الضحية المضرورعن الجاني الذي يضع ح ًّدا للمتابعة الجزائية في جرائم االهمال العائلي في الما ّدتين‬
‫‪992‬و ‪ 996‬والزنا في الما ّدة ‪ .999‬ق ع ج‪ ،‬فهناك جانب من الفقه يرى ّ‬
‫أن هذه النصوص هي ذات طابع‬
‫موضوعي‪ ،‬وجانب آخر من الفقه يعتبرها من النصوص الشكلية‪ ،‬تُطبّق فور صدورها‪ ،‬والمحكمة العليا في‬
‫القضاء الجزائري اعتبرت إجراء صفح الضحية من النصوص الشكلية‪.‬‬

‫(‪ )1‬قرار غ ج في ‪ 8‬مارس ‪ ،6919‬احسن بوسقيعة‪ ،‬قانون العقوبات في ضوء ال ُممارسة القضائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪66‬‬
‫ّ‬
‫إن مسألة سريان القانون الجنائي من حيث المكان ُمرتبطة بوجود إجرام يتجاوز حدود الدولة‪ ،‬مثل‬
‫الجرائم السيبرانية أو جرائم القتل أو التهريب‪ .‬حيث يكون للجريمة عنص ٌر أجنب ٌي‪ ،‬كأن يكون الجاني أو‬
‫الضحية من جنسية أجنبية أو تكون للجريمة ال ُمرتكبة في الخارج ضحايا أو أضرار في الجزائر‪.‬‬
‫فهذه الوضعية تطرح اإلشكال حينئذ حول مدى تطبيق القانون الجزائري؟ وهو ما يُعرف بإشكال‬
‫تنازع القوانين من حيث المكان وتنازع االختصاص القضائي بين الدول‪.‬‬
‫يُعالج ال ُمشرّع الجزائري هذه المسألة في الما ّدة الثالثة من قانون العقوبات والمواد ‪ 189‬إلى ‪ 196‬من‬
‫قانون االجراءات الجزائية‪.‬‬

‫المادّة ‪ 3‬من ق ع ج‪ » :‬يُطبّق قانون العقوبات على كافّة الجرائم المرتكبة في أراضي الجمهورية‪.‬‬
‫كما يطبّق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية الجزائرية‬
‫طبقاا ألحكام قانون اإلجراءات الجزائية «‪.‬‬

‫يُميّز هذا النّص بين حكم الجرائم ال ُمرتكبة داخل إقليم الجمهورية وحكم الجرائم ال ُمرتكبة في الخارج‪.‬‬

‫مفاد مبدأ اإلقليمية أن يُطّبق قانون العقوبات على جميع الجرائم ال ُمرتكبة في إقليم الدولة بصرف النظر‬
‫عن جنسية مرتكبيها سواء كانوا وطنيين أو أجانب أو عديمي الجنسية‪ ،‬مع مراعاة االستثناءات ال ُمق ّررة في‬
‫القانون العام الداخلي والقانون الدولي‪ .‬ويجد المبدأ ُمبرّره في ّ‬
‫أن تطبيق قانون البلد الذي وقعت فيه الجريمة‬
‫يُعتبر من أه ّم مظاهر سيادة الدولة على إقليمها‪ ،‬ويُسهّل البحث عن أدلّة إثبات الجريمة أوجراءات التحقيق‬
‫فيها و ُمحاكمة الجاني عنها‪ .‬ويُحقق أهداف العقوبة خاصّة الردع العام والعدالة وتهدئة مشاعر السُخط‬
‫اإلجتماعي عن الجريمة‪ .‬ويتماشى مع مبدأ الشرعية ومصلحة المتهم‪.‬‬
‫ويتطلّب تطبيق مبدأ اإلقليمية عنصرين هما تحديد مكان ارتكاب الجريمة وتحديد اإلقليم‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪:‬‬

‫تحديد مكان ارتكاب الجريمة يتطلّب االستناد إلى المعيار العام الذي يُظهر تحقق ارتكابها عندما تجتمع‬
‫عناصرها في حيز جغرافي واحد‪ ،‬وعندما تتوزع عناصرها في أكثر من إقليم‪ ،‬وعندما يشترك في الجريمة‬
‫الواحدة أطراف تتواجد في أكثر من أقليم‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬المعيار العام الرتكاب الجريمة‪:‬‬


‫تنصّ المادة ‪ 181‬من قانون اإلجراءات الجزائية أنّه " تعد مرتكبة في اإلقليم الجزائري كل جريمة‬
‫يكون عمل من األعمال ال ُمميّزة ألحد أركانها المكونة لها قد ت ّم في الجزائر"‪ .‬وهذا يعني أن مكان ارتكاب‬
‫الجريمة هو مكان تحقق الركن الما ّدي‪ ،‬حيث ال تثور صعوبة إذا كان الركن الما ّدي بأكمله ت ّم في القطر‬
‫الجزائري‪ ،‬فاالختصاص يعود للسلطات القضائية الجزائرية‪.‬‬
‫ـ وإذا كان األصل في تحديد مكان الجريمة هو بعنصري الركن الما ّدي السلوك أو النتيجة أو كالهما‪،‬‬
‫فإنّه ال عبرة باألعمال التحضيرية التي ال يقوم بها الشروع‪ ،‬ألنّها ليست من ُمك ّونات الركن الما ّدي فهي‬
‫غير ُمعاقب عليها كشراء سالح في البلد (أ) وتنفيذ القتل في البلد(ب) ال تُعتبر الجريمة قائمة في البلد األ ّول‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن شراء السالح من األعمال التحضيرية لجريمة القتل‪.‬‬
‫ـ والعبرة بالنتائج األخرى الحاصلة بعد حدوث نتيجة الجريمة‪ ،‬فإن كانت هذه النتائج تشكل جريمة‬
‫ُمستقلة فيتح ّدد االختصاص بمكان وقوعها‪ ،‬مثل إخفاء األشياء المسروقة أو إخفاء جثة القتيل‪.‬‬
‫ـ وجرائم االمتناع تُعد مرتكبة في اإلقليم الجزائري إذا حصل فيه االمتناع عن فعل ما يأمر به القانون‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬حالة تو ّزع عناصر الركن المادّي على أكثر من إقليم واحد‪:‬‬
‫يقتضي مفهوم مبدأ اإلقليمية أ ّن كل الدول التي تو ّزعت عليها عناصر الجريمة الواحدة تُعتبر الجريمة‬
‫ُمرتكبةً فيها‪ ،‬سواء تحقّق فيها الفعل أو جزء منه أو النتيجة‪ .‬وتطبيقًا لذلك نصّت الما ّدة‪ 345‬من ق ع ج‬
‫" تطبق العقوبات المنصوص عليها في المواد ‪ 982‬إلى ‪ 988‬ق ع (التحريض على الفسق والدعارة) حتى‬
‫ولو كانت بعضُ األفعال المكونة لعناصر الجريمة قد وقعت خارج أراضي الجمهورية‪.‬‬
‫ـ في الجرائم المتراخية النتيجة‪ ،‬يُطبّق القانون الجزائري عندما يقع الفعل في الجزائر والنتيجة في‬
‫دولة أخرى‪ .‬فهنا يقع الركن الما ّدي في إقليمين‪ ،‬كأن يضع الجاني الس ّم للضحية في الجزائر‪ ،‬وتحدث الوفاة‬
‫في إقليم أجنبي‪ ،‬حيث يجوز محاكمة الجاني في أحد اإلقليمين‪ .‬ونفس الحكم عندما يقع الفعل في الخارج‬
‫والنتيجة في الجزائر‪.‬‬
‫ـ وفي الجرائم المستم ّرة إذا كانت حالة االستمرار قامت في اإلقليم الجزائري يكون قانونها مخت ًّ‬
‫صا‬
‫بنظر الجريمة‪ ،‬سواء بدأت الجريمة ال ُمستمرّة أو انتهت في الجزائر أو مرّت على الجزائر‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫ثالثاا‪ :‬حالة الشريك في جريمة وقعت في الخارج‪:‬‬
‫طبقًا للما ّدة ‪ 181‬ق ع ج يمت ّد االختصاص بتطبيق قانون العقوبات الجزائري استنادًا إلى مبدأ‬
‫صا‬
‫اإلقليمية‪ ،‬إلى الجناية أو الجنحة التي يت ّم ارتكابها في إقليم دولة أخرى‪ ،‬ويكون أحد الشركاء فيها شخ ً‬
‫متواج ًدا في اإلقليم الجزائري بقطع النظر عن جنسيته‪ ،‬حيث تشترط الما ّدة‪ :‬أن يثبت ارتكاب الجريمة في‬
‫الخارج بحكم نهائي صادر عن الجهات القضائية األجنبية‪ .‬وأن تت ّم في الجزائر أعمال اإلشتراك في هذه‬
‫الجريمة‪ .‬وأن تكون الجريمة ُمعاقبًا عليها في كال القانونين الجزائري واألجنبي (قاعدة ازدواجية التجريم)‪.‬‬

‫نميّز بين اإلقليم الطبيعي الذي يُح ّدد بالمجال البرّي والبحري والج ّوي‪ ،‬واإلقليم الحكمي‪ ،‬الذي يمثل‬
‫حالة السفن والطائرات‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬اإلقليم الطبيعي‪:‬‬
‫في مفهوم الما ّدة ‪ 6/9‬من ق ع ج " يُطبّق قانون العقوبات على كافّة الجرائم التي تُرتكب في أراضي‬
‫ُ‬
‫حيث يتح ّدد اإلقليم في القانون‬ ‫الجمهورية " ويقصد بأراضي الجمهورية إقليم الدولة بالمعنى الدستوري‪،‬‬
‫الدولي العام ووفقًا للما ّدة‪ 68‬من الدستور الجزائري بالمجال البرّي والمجال الجوي والمجال البحري‪.‬‬
‫أ) المجال الب ّري‪:‬‬
‫يُقصد به اإلمتداد الترابي للدولة في نطاق حدودها البرّية‪ ،‬أي المساحات األرضية التي تُباشر الدولة‬
‫سيادتها عليها وتقوم فيها بالخدمات العا ّمة‪.‬ويشم ُل كذلك مساحات المياه التي تحت جوف األرض والقنوات‬
‫واألنهار التي ت ُمرُّ به سواء أنهار وطنية أو دولية‬

‫ب) المجال البحري‪:‬‬


‫بيّنت االتفاقية المتعلقة بالبحر اإلقليمي لسنة ‪ 1958‬في ما ّدتها األولى أن سيادة الدولة تمت ّد خارج‬
‫إقليمها البرّي ومياهها الداخلية إلى حزام من البحر مالصق لشواطئها يسمى البحر اإلقليمي يشمل جز ًء من‬
‫البحر يقع بين شاطئ الدولة وبداية البحر الدولي‪ ،‬وقد استقر العرف الدولي على تحديد المياه اإلقليمية بـ ‪9‬‬
‫أميال بحرية كحد أدنى ويجوز لكل دولة أن تُم ّدده إلى ‪ 62‬ميل بحري كح ّد أقصى حسب معاهدة مونتي‬
‫كوباي ‪ .6982‬وقد ح ّدد المرسوم ‪ 829-19‬المؤرّخ في ‪62‬أكتوبر‪ 6919‬اإلقليم البحري بالمياه اإلقليمية‬
‫ال ُممت ّدة بمسافة‪62‬ميل بحري(الميل البحري يساوي‪ 6819‬كم) إبتدا ًء من خط األساس الذي يُح ّدد بأبعد نقطة‬
‫برّية محاذية للبحر‪ .‬وفي الجرائم الجمركية تضاعف المسافة بـ‪62‬ميل أخرى ليشمل ما يُس ّمى في قواعد‬
‫القانون الدولي بالمنطقة ال ُمتاخمة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫جـ) المجال الج ّوي‪:‬‬
‫بيّنت إتفاقية باريس للمالحة الج ّوية ‪ّ 6969‬‬
‫أن لكل دولة سيادة كاملة وانفرادية على طبقات الهواء التي‬
‫تعلو إقليمها البري وبحرها اإلقليمي ولمستعمراتها‪ .‬وأ ّكدت على ذلك اتفاقية شيكاغو للطيران المدني ‪1944‬‬
‫التي اعتبرت الهواء عنصرًا تابعًا إلقليم الدولة‪.‬‬
‫أ ّما طبقات الجو العليا واألجرام السماوية فهي تخرج عن سيادة الدول بموجب اتفاقية ‪69‬ديسمبر‪6911‬‬
‫المتعلقة بتنظيم استغالل الطبقات العليا في الجولكنّها لم تُح ّدد المسافة بين الفضاء وطبقات الجو العليا‪.‬‬
‫وقد كفل قانون العقوبات الجزائري حماية جنائية للمجال الج ّوي للدولة الجزائرية‪ ،‬واعتبر خرق‬
‫المجال الجوي من الجرائم الماسّة بالدفاع الوطني‪ ،‬حيث عاقبت الما ّدة ‪ 9/22‬منه بعقوبة السجن من ‪ 62‬إلى‬
‫‪ 22‬سنة كل من حلّق فوق األراضي الجزائرية باستعمال أيّة طائرة أجنبية دون أن يكون ُمص ّرحًا له‬
‫ب ُمقتضى تصريح من السلطة الجزائرية أو اتفاق دبلوماسي‪.‬‬

‫الحكمي‪( :‬حالة السفن والطائرات)‪:‬‬


‫ثانياا‪ :‬اإلقليم ُ‬
‫يلحق بإقليم الدولة السفن والطائرات الجزائرية‪ ،‬أيًا كان مكان وجودها ما لم تكن خاضعة حسب أحكام‬
‫القانون الدولي لمقتضيات مخالِفة ألحكام الموا ّد ‪ 192‬و‪ 196‬ق إج ج‪.‬‬

‫أ) حاالت الجرائم ال ُمرتكبة على متن السفن‪:‬‬


‫‪ )1‬بالنسبة للسفن الجزائرية‪:‬‬
‫ـ الجرائم ال ُمرتكبة على متن السفينة المدنية التجارية في عرض البحر‪ :‬تختص الجهات القضائية‬
‫الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي تُرتكب في عرض البحر على البواخر المدنية التجارية التي‬
‫تحمل ال ّراية الجزائرية أيًّا كانت جنسية مرتكبيها (الما ّدة ‪ 6/192‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ الجرائم ال ُمرتكبة على متن السفينة المدنية الجزائرية الراسية في موانئ أجنبية تخضع حسب‬
‫األعراف الدولية لقانون جنسيتها ما لم تمت ّد الجريمة خارج السفينة إلى الميناء‪.‬‬
‫ـ الجرائم ال ُمرتكبة على متن السفينة الجزائرية الحربية‪ :‬تقضي األعراف الدولية بأنّها تخضع لقانون‬
‫جنسيتها (دولة العلم)‪ .‬في أي مكان ُوجدت‪ .‬ويُستفاد ذلك من الفقرة الثانية من الما ّدة ‪ 192‬بمفهوم المخالفة‬
‫عندما حصرت األمر بالنسبة للباخرة األجنبية على السفينة التجارية فقط‪.‬‬

‫‪ )2‬بالنسبة للسفن األجنبية الراسية في الميناء الجزائري‪ :‬تخضع الجنايات والجنح التي تُرتكب في‬
‫ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية للقضاء الجزائري‪ ،‬حتّى ولو لم تمت ّد الجريمة إلى‬
‫الميناء وهذا خالفًا للعرف الدولي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ب) حاالت الجرائم ال ُمرتكبة على متن الطائرات‪:‬‬
‫نصّت عليها المادة‪ 196‬من ق إ ج ج التي ميّزت بين الطائرات الجزائرية والطائرات األجنبية‪.‬‬
‫‪ )1‬بالنسبة للطائرات الجزائرية تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي‬
‫ترتكب على متن طائرات جزائرية مدنية أو عسكرية‪ ،‬أيًّا كانت جنسية مرتكب الجريمة أو ضحيتها‪.‬‬
‫‪ )2‬بالنسبة للطائرات األجنبية‪ :‬تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات أو الجنح التي‬
‫ترتكب على متن الطائرات األجنبية في حالتين‪:‬‬
‫ـ الحالة األولى‪ :‬إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية وذلك في أي أجواء كانت الطائرة‪.‬‬
‫وهذا تطبيق لمبأ الشخصية‪.‬‬
‫ـ الحالة الثانية‪ :‬عندما ال يكون أحد طرفي الجريمة جزائريًا يُطبّق القانون الجزائري إذا هبطت‬
‫الطائرة في مطار جزائري بعد وقوع الجناية أو الجنحة‪ ،‬وتختصّ بها المحكمة التي يقع في دائرة‬
‫اختصاصها المطار أو مكان القبض على الجاني في حالة فراره‪.‬‬

‫تُس ّمى كذلك بقواعد تطبيق القانون من حيث األشخاص‪ ،‬وهي حاالت حصانة تُعفي أصحابها من‬
‫الخضوع للقانون والقضاء الجزائري رغم ارتكابهم لجرائم في القطر الجزائري‪ .‬وهي تنقسم إلى قسمين هما‬
‫اإلستثناءات ال ُمرتبطة بالقانون الداخلي واإلستثناءات ال ُمرتبطة بالقانون الدولي‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬اإلستثناءات ال ُمرتبطة بالقانون الداخلي‪:‬‬


‫أ) حصانة رئيس الجمهورية الجزائرية والوزير األ ّول‪:‬‬
‫‪ )1‬رئيس الجمهورية‪ :‬حسب األعراف الدستورية يتمتّع رئيس الجمهورية بحصانة كاملة من‬
‫المسؤولية الجزائية والمدنية حتى يتمكن من ممارسة صالحياته ومها ّمه الدستورية الكبيرة‪ ،‬فيُستثنى من‬
‫الخضوع لقانون العقوبات عن الجرائم التي يرتكبها أثناء ممارسته لمهامه الرئاسية أو بمناسبتها‪ ،‬فال يمكن‬
‫محاكمته عنها إالّ بعد زوال صفة الرئاسة عنه‪.‬‬
‫ويُسأل رئيس الجمهورية فقط عن جرائم الخيانة العظمى في محكمة خاصّة حسب ما تنصّ عليه المادة‬
‫‪ 689‬من الدستورالجزائري‪ ،‬وهي المحكمة العُليا لل ّدولة‪ ،‬يح ّدد قانون عضو ّ‬
‫ي تشكيلتها وتنظيمها وسيرها‬
‫واإلجراءات المطبّقة‪ ،‬غير أنّه منذ ‪ 6991‬ولح ّد الساعة لم يصدر هذا القانون العضوي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ )2‬الوزير األ ّول‪ :‬بموجب الفقرة الثانية من الما ّدة ‪ 689‬من الدستورالجزائري يتمتّع الوزير األ ّول‬
‫بحصانة من المساءلة الجنائية عن الجنايات والجنح‪ ،‬الّتي يرتكبها بمناسبة تأديته مهامه فال يُحاكم إالّ أمام‬
‫المحكمة العليا لل ّدولة‪.‬‬

‫ب) حصانة أعضاء البرلمان‪:‬‬


‫طبقًا للما ّدة ‪ 629‬من الدستور الجزائري يتمتّع بالحصانة البرلمانيّة عضو البرلمان من نّ ّواب المجلس‬
‫الشعبي الوطني وأعضاء مجلس األ ّمة م ّدة نيابتهم ومه ّمتهم البرلمانيّة‪ ،‬وذلك بالنسبة لكافة األعمال المرتبطة‬
‫بممارسة مهامهم البرلمانية‪ ،‬أو في األعمال غير المرتبطة بالمهام‪.‬‬
‫‪ )1‬بالنسبة لألفعال ال ُمرتبطة بالمهام البرلمانية‪ :‬ال يمكن أن يُتابع نواب البرلمان أو يوقفوا وال أن‬
‫ترفع عليهم أيّة دعوى مدنيّة أو جزائيّة أو يسلّط عليهم أ ّ‬
‫ي ضغط بسبب أداء مهامهم المح ّددة في الدستور‬
‫خالل انعقاد دورات المجلسين‪ ،‬وما عبّروا عنه من آراء أو ما تلفّظوا به من كالم‪ ،‬أو بسبب تصويتهم خالل‬
‫ممارسة مها ّمهم البرلمانيّة (الما ّدة ‪.)629‬‬

‫‪ )2‬بالنسبة لألفعال غير المرتبطة بالمهام البرلمانية‪ :‬تنصّ المادة ‪ 692‬من الدستور أنّه يمكن أن‬
‫يكون عضو البرلمان محل متابعة قضائية عن األعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانية بعد تنازل صريح‬
‫من المعني عن حصانته‪ .‬وفي حال عدم التنازل عن الحصانة يُمكن لجهات اإلخطار إخطار المحكمة‬
‫الدستورية الستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمها‪.‬‬
‫فطبقًا لهذا النّص يجوز متابعة أحد أعضاء البرلمان بسبب جناية أو جنحة ارتكبها خارج إطار مهامه‬
‫المعتادة‪ ،‬وذلك بشرط التنازل الصريح منه‪ ،‬أو بقرار رفع الحصانة عنه من المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫ـ وفي حالة تلبُّس أحد أعضاء البرلمان بجنحة أو جناية يمكن توقيفه‪ ،‬ويخطر فورًا بذلك مكتب‬
‫المجلس ال ّشعب ّي الوطن ّي أو مكتب مجلس األ ّمة حسب الحالة‪ .‬ويمكن للمكتب المخطر أن يطلب إيقاف‬
‫المتابعة وإطالق سراح النّائب أوعضو مجلس األ ّمة‪ ،‬ليعمل بأحكام الما ّدة ‪ 692‬من الدستور‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬اإلستثناءات ال ُمرتبطة بالقانون الدولي‪:‬‬


‫من بين استثناءات مبدأ اإلقليمية حصانة بعض الشخاص األجانب في إطار القانون الدولي واألعراف‬
‫الدولية والدبلوماسية‪ ،‬احترا ًما لسيادة الدول التي يمثلونها‪ ،‬وال يمكن في حالة ارتكاب هؤالء األشخاص‬
‫لجرائم داخل الدولة المضيفة إالّ أن يُطلب منهم المغادرة‪ .‬لتت ّم متابعتهم عنها في بلدهم األصلي‬
‫‪ )1‬رؤساء الدول األجنبية‪ :‬تُستثنى الجرائم التي تُرتكب أثناء ُممارسة المهامهم أوخارجها أثناء‬
‫ممارسة الحياة الشخصية‪ ،‬من طرف رؤساء الدول األجنبية أو ملوكها أو أمراءها أو أعضاء مجلس رئاسي‬

‫‪72‬‬
‫يدير الدولة أو قائد ثورة أو حركة تحرُّ ر ُمعترف بها أو زعيم روحي‪ ،‬وأعضاء الوفد المرافق وأفراد العائلة‪.‬‬
‫وال عبرة في كون زيارة الشحص رسمية أو خاصة‪.‬‬
‫‪ )2‬أعضاء السلك السياسي األجنبي‪ :‬وهم رؤساء الحكومات والوزراء و ُكتَّاب الدولة ورجال‬
‫المنظمات الدولية‪ .‬يستم ُّدون حصانتهم من المعاهدات الدولية وقوانين المنظمات التي يتبعونها‪.‬‬
‫‪ )3‬أعضاء السلك القنصلي‪ :‬طبقًا التفاقية فيينا المؤرخة في‪28‬أفريل‪ 1963‬المتعلقة بالعالقات‬
‫القنصلية‪ ،‬يُمنح لهم حصانة بالنسبة للجرائم التي يرتكبونها أثناء القيام بوظائفهم أو بسببها‪ّ ،‬‬
‫لكن الجرائم التي‬
‫يرتكبونها خارج إطار الوظيفة ينعقد فيها االختصاص لقانون البلد الذي يتواجدون به‪.‬‬
‫‪ )7‬أعضاء السلك الدبلوماسي والبعثات السياسية الخاصة وممثلو المنظمات الدولية أو اإلقليمية‪:‬‬
‫تشملهم الحصانة بصرف النظر عن درجاتهم وألقابهم‪ ،‬ويستوي أن تتعلق الجرائم بممارسة مهامهم أو‬
‫بمناسبة متابعة شؤون حياتهم الخاصة( اتفاقية فيينا لسنة‪.)1961‬‬
‫‪ )5‬رجال القوات األجنبية المسلّحة‪ :‬يتمتع العسكريون األجانب المرابطون في اإلقليم بصفة قانونية‬
‫بالحصانة بنا ًء على ات فاقية بين الدولة التي ينتمي إليها العسكريون والدولة المستضيفة‪ ،‬فال يخضعون للقضاء‬
‫الوطني ع ّما يقع منهم من جرائم بمناسبة تأديتهم لمهامهم‪ ،‬أو داخل المناطق المخصصة لهم‪.‬‬

‫مبدأ اإلقليمية الذي يحكم الجرائم ال ُمرتكبة في اإلقليم الجزائري ال يكفي وحده لطبيق القانون الجزائري‬
‫على كل الجرائم ال ُمرتبطة بشكل مباشر أو غير ُمباشر بالجزائر‪ ،‬حيث ال ينطبق على الجرائم المرتكبة‬
‫خارج اإلقليم الجزائري إضرارًا بمصالح الدولة و ُمواطنيها‪ ،‬أو إذا ارتكبها أحد رعاياها‪ .‬ولذلك نصّت الفقرة‬
‫الثانية من الما ّدة ‪ 9‬من قانون العقوبات على كيفية تطبيقه بالنسبة للجرائم ال ُمرتكبة في الخارج‪ ،‬بنصّها أنّه "‬
‫كما يطبّق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية الجزائرية‬
‫طبقًا ألحكام قانون اإلجراءات الجزائية "‪.‬‬
‫ويكون ذلك استنادًا إلى المبادئ االحتياطية التي يتد ّعم بها مبدأ اإلقليمية‪ ،‬تُنظمها المواد ‪ 182‬إلى ‪196‬‬
‫من قانون اإلجراءات الجزائية والتي تُحيل إليها الما ّدة ‪ 2/9‬ق ع ج‪ .‬وهذه المبادئ هي مبدأ الشخصية ومبدأ‬
‫العينية‪ ،‬باإلضافة إلى مبدأ العالمية الذي ال يأخذ به ال ُمشرّع الجزائري‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫يقوم هذا المبدأ على أساس جنسية الشخص‪ ،‬فيقضي بسريان قانون العقوبات الجزائري على الجريمة‬
‫ال ُمرتكبة في الخارج عندما يرتكبها جزائري أو يكون ضحيّتها جزائرياا‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬بالنسبة للجريمة التي يرتكبُها جزائري(الصورة اإليجابية لمبدأ الشخصية)‪:‬‬
‫يُشترط لتطبيق قانون العقوبات الجزائري وفق مبدأ الشخصية مجموعة من الشروط التالية نصّت‬
‫عليها المواد ‪ 182‬إلى ‪ 188‬من قانون االجراءات الجزائية الجزائري‪.‬‬
‫‪ )1‬إرتكاب جناية أو جنحة من طرف جزائري في الخارج‪ ،‬أ ّما إذا ارتكب ُمخالفة حسب القانون‬
‫الجزائري فال يُطبّق القانون الجزائري عليه حتى لو كانت جريمةً خطيرةً في الخارج فيه‪.‬‬
‫‪ )2‬شرط الجنسية الجزائرية للجاني حتى ولو اكتسبها بعد ارتكابه الجريمة‪ ،‬وحتى لو فقدها بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ )3‬عودة الجاني إلى الجزائر‪ ،‬عودة اختيارية أو إجبارية بالتسليم‪.‬‬
‫‪ )7‬عدم صدور حكم بات في البلد األجنبي من أجل نفس الفعل‪ ،‬ألنّه ال يجوز ُمحاكمة شخص عن فعل‬
‫واح ٍد مرّتين‪ .‬فإذا ت ّمت ُمحاكمته في الخارج فيشترطُ أن اليكون قضى العقوبة أو سقطت بالتقادم أو العفو‪.‬‬
‫‪ )5‬شرط ازدواجية التجريم‪ :‬يُظيف المشرع بالنسبة للجنح دون الجنايات‪ ،‬شرط ازدواجية التجريم‪،‬‬
‫أي إذا كان الفعل يوصف بالجنحة في التشريع الجزائري فيجب أن يوصف كذلك جنحة على األقل في قانون‬
‫الدولة األجنبية‪.‬‬
‫ضد األفراد يُشترط تقديم شكوى من الشخص المضرور إلى النيابة‬
‫‪ )0‬شرط الشكوى في الجنح ّ‬
‫العامة‪ ،‬أو ببالغ من سلطات القطر الذي ارتكب الجريمة فيه‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬بالنسبة للجرائم المرتكبة ض ّد الجزائريين(الصورة السلبية لمبدأ الشخصية)‪:‬‬


‫عند ارتكاب مواطني الدول األجنبية ألعمال إجرامية بالخارج يكون ضحيتها رعيّة جزائري نصّ‬
‫المشرع الجزائري في الما ّدة ‪ 188‬من قانون اإلجراءات الجزائية عند تعديله في ستة ‪ 2261‬على أنّه‪":‬‬
‫تجوز ُمتابعة و ُمحاكمة كل أجنبي وفقًا ألحكام القانون الجزائري ارتكب خارج اإلقليم الجزائري بصفة فاعل‬
‫أصلي أو شريك‪ ،‬أيّة جناية أو جنحة إضرارًا ب ُمواطن جزائري"‪ .‬وتتم المحاكمة بعد أن يت ّم تسليم هذا‬
‫األجنبي إلى الدولة الجزائرية‪ ،‬وال يثبت أنّه حوكم نهائيًا في الخارج من أجل نفس الجناية أو الجنحة‪ ،‬وال‬
‫يثبت أنه قضى م ّدة عقوبته إن ت ّمت محاكمته في الخارج‪ ،‬أو م ّر عليها التقادم الجنائي أو صدر العفو عليه‬
‫بشأنها‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬المقصود بالمبدأ‪:‬‬
‫يقصد بهذا المبدأ في مفهوم المش ّرع الجزائري‪ ،‬سريان قانون الدولة على الجرائم التي ترتكب خارج‬
‫إقليمها‪ ،‬والتي تشكل إعتدا ًء على مصالحها األساسية والحيوية االقتصادية والسياسية من طرف أجانب‪ ،‬وقد‬
‫نظم المشرع الجزائري تطبيق قانون العقوبات الجزائري وفق مبدأ العينية‪ ،‬في المواد ‪ 188‬و‪ 189‬من قانون‬
‫اإلجراءات الجزائية‪ .‬فح ّدد الحاالت التي يطبق فيها في الما ّدة ‪ 188‬التي نصّت أنّه‪ " :‬تجوز ُمتابعة و ُمحاكمة‬
‫كل أجنبي وفقًا ألحكام القانون الجزائري ارتكب خارج اإلقليم الجزائري بصفة فاعل أصلي أو شريك في‬
‫جناية أو جنحة ض ّد أمن الدّولة الجزائرية‪ ،‬أو مصالحها األساسية أو المحالت الدبلوماسية والقنصلية‬
‫الجزائرية وأعوانها‪ ،‬أو تزييفاا لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة قانوناا بالجزائر‪ ،‬أو أيّة جناية أو‬
‫رتكب إضرا ارا ب ُمواطن جزائري"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جنحة تُ‬
‫‪6‬ـ جرائم أمن ال ّدولة(المواد‪ُ 91-16‬مكرّر ق ع ج) مثل جرائم الخيانة والتجسس‪ ،‬واالعتداء على‬
‫الدفاع الوطني‪ ،‬والمؤامرات والجرائم ض ّد السلطة وسالمة التراب الوطني‪ ،‬والتقتيل والتخريب ال ُمخل‬
‫بال ّدولة‪.‬‬
‫‪2‬ـ جرائم المساس بمصالح لدولة األساسية‪ :‬أي بالمصالح الحيوية االقتصادية أو االجتماعية أو‬
‫سياسية‪.‬‬
‫‪9‬ـ جرائم تزوير النقود أو األوراق المصرفية ال ُمتداولة قانونًا في الجزائر(المواد‪ 698-692‬ق ع ج)‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬تسليم األشخاص ال ُمتهمين‪:‬‬


‫تنص الما ّدة ‪ 189‬من ق إ ج ج على أنّه ال يمكن أن تجري بالجزائر أيّة متابعة ضد أجنبي من أجل‬
‫جناية أو جنحة اقتُ ِرفت في الخارج إذا أدلى بما يثبت أنّه حوكم نهائيًا في الخارج من أجل نفس الجناية أو‬
‫الجنحة أو إذا أدلى بما يثبت أنه قضى مدة عقوبته أو م ّر عليها التقادم الجنائي أو صدر العفو عليه بشأنها‪.‬‬
‫وتسليم األشخاص تُنظم شروطه وإجراءاته وآثاره المواد ‪ 192‬إلى ‪ 222‬من ق إ ج وهو إجراء يُبيح‬
‫للدولة طلب الحصول من دولة أخرى على شخص يتواجد في إقليمها في وقت كانت محاكم الدولة الطالبة‬
‫للتسليم تتهمه أو حكمت عليه من أجل ارتكاب جناية أو جنحة‪ ،‬ويكون طلب التسليم بالطريق الدبلماسي‬
‫وبمعرفة وزير الخارجية الذي يُح ّوله إلى وزير العدل‪ ،‬وتُحقّق فيه النيابة العا ّمة وي ُّ‬
‫ُبت فيه بقرار المحكمة‬
‫العليا تبيّن فيه رأيها بقبول طلب التسليم أو رفضه بعد استجواب المتهم وسماع المرافعات‪.‬‬
‫ويت ّم التسليم بشروط‪6 :‬ـ أن ال يكون هذا الشخص من رعايا الدولة المطلوب منها التسليم‪ّ ،‬‬
‫ألن الدولة‬
‫ال تسلم مواطنيها‪2 .‬ـ أن ال يكون الجئًا سياسيًا وأن ال يكون من أجل جريمة سياسية‪9 .‬ـ أن ال يكون قد سبقت‬
‫ُمحاكمته وعقابه في الدولة المطلوبة‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫يقضي هذا المبدأ بتطبيق قانون الدولة وباختصاص قضائها الوطني في مالحقة مرتكب جرائم دولية‬
‫ذات الطابع العالمي (عبر الوطني)‪ ،‬يح ّددها تشريع الدولة بغض النظر عن جنسية الجاني أو المجني عليه أو‬
‫مكان إرتكاب الجريمة الدولية وعندما يُلقى القبض على المجرم في إقليمها‪ ،‬فالمبدأ يمثل صورة من صور‬
‫التضامن والتعاون الدولي في ُمكافحة الجريمة التي تشكل اعتدا ًءا على مصالح مشتركة لكل الدول وعدم‬
‫إفالتها من العقاب‪.‬‬
‫فضابط اختصاص القانون والقضاء الوطني بجريمة وقعت في دولة أخرى هو نوع الجريمة‪ ،‬وهي‬
‫الجريمة الدولية (التي تمس مصالح ُمشتركة للمجتمع الدولي تُه ّدد األمن والسلم الدوليين)‪.‬‬
‫يُشترطُ في تطبيق مبدأ العالمية‪:‬‬
‫‪6‬ـ أن ينُصّ عليه القانون الداخلي‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن تكون الجريمة من الجرائم التي ينعقد فيها االختصاص العالمي‪،‬‬
‫‪9‬ـ أن يت ّم القبض على المتهم في إلقليم الدولة التي تتبنى المبدأ‪.‬‬
‫وال يوجد في القانون الجزائري ما يفيد ّ‬
‫أن المشرع الجزائري قد تبنى هذا المبدأ شأنه في ذلك شأن‬
‫معظم التشريعات المقارنة‪ .‬فقليلة هي الدول التي كرّسته‪ ،‬منها بلجيكا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا‪ ،‬وسوريا‪،‬‬
‫وذلك بسبب صعوبة هذا اإلختصاص العالمي والمشاكل التي يُثيرها والضغوط الدولية والحرج الدبلوماسي‪،‬‬
‫ولذلك ع ّدلت بلجيكا شروطه بما يحصر عدد الحاالت واالحتماالت التي ينعقد فيها اختصاصها العالمي‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى ينعقد االختصاص العالمي للمحكمة الجنائية الدولية بموجب نظامها األساسي ال ُمعتمد‬
‫بروما في‪ 62‬جويلية ‪ .6998‬تختصّ بالجرائم الدولية األربعة‪ ،‬جرائم الحرب‪ ،‬الجرائم ض ّد اإلنسانية‪ ،‬جرائم‬
‫اإلبادة الجماعية‪ ،‬جرائم العدوان‪ ،‬ولكن هذا قضاء دولي مصدره القانون الدولي‪ ،‬بينما االختصاص العالمي‬
‫ينعقد للقضاء الوطني طبقًا للقانون الداخلي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫إلى جانب الشرط اإليجابي لقايم الركن الشرعي‪ ،‬والمتمثّل في وجود نصّ التجريم والعقاب‪ ،‬يوجد‬
‫شرط ثان سلبي وهو عدم وجود نصّ يُقرّر سبب اإلباحة‪ ،‬وقد نظّم ال ُمشرّع الجزائري أسباب اإلباحة في‬
‫الما ّدتين ‪ 99‬و‪ 82‬من قانون العقوبات‪ ،‬وس ّماها " األفعال ال ُمب ّررة "‪.‬‬

‫المادّة ‪ » :33‬ال جريمة‪:‬‬


‫‪1‬ـ إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون‪،‬‬
‫‪2‬ـ إذا كن الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالّة للدّفاع المشروع عن النفس‪ ،‬أو عن الغير أو عن مال‬
‫مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبًا مع جسامة االعتداء"‪.‬‬

‫المادّة ‪ " :70‬يدخل ضمن حاالت الضرورة الحالّة للدّفاع المشروع‪:‬‬


‫‪1‬ـ القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سالمة جسمه أو لمنع تسلّق‬
‫الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء اللّيل‪.‬‬
‫‪2‬ـ الفعل الذي يرتكب لل ّدفاع عن النفس أو عن الغير ض ّد مرتكبي السرقات أو النهب بالق ّوة «‪.‬‬

‫المطلب األ ّول نتناول األحكام العا ّمة ألسباب اإلباحة وأنواعها‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدفاع الشرعي باعتباره أهم أسباب اإلباحة‬

‫األفعال ال ُمبرّرة هي جرائم ارتُ ِك ْ‬


‫بت في ظل ظروف تُعفي صاحبها من المسؤولية الجزائية‪ ،‬حيث‬
‫تُس ّمى هذه الظروف بأسباب اإلباحة‪ .‬نبيّن في هذا الفرع أحكامها العا ّمة من حيث مفهومها وأنواعها‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬ماهية أسباب اإلباحة‪:‬‬


‫أسباب اإلباحة هي مجموعة من الظروف الموضوعية اللصيقة بماديات الجريمة‪ ،‬أي بالركن المادي‬
‫للجريمة‪ ،‬تُج ِّر ُد الواقعة من صفتها اإلجرامية رغم استكمالها سائر العناصر القانونية الالزمة لقيام الجريمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث تجعل الفعل مباحًا بالرغم من تطابقه مع الواقعة المجرمة بنص القانون‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن المشرّع يرى إباحة‬
‫الفعل في مثل هذه الظروف يحقق مصلحة أولى بالرعاية من المصلحة التي جرّم من أجلها الفعل ابتدا ًء‪.‬‬
‫أسباب اإلباحة أو األفعال المبرّرة هي أسباب موضوعية النتفاء المسؤولية الجنائية تمثل عائقًا أمام‬

‫‪77‬‬
‫التكييف الجنائي للفعل بعضها يكون ناج ًما عن واجب قانوني تأمر به سلطة شرعية‪ ،‬وبعضها اآلخر قد‬
‫يكون مصدره ممارسة حق يأذن به القانون تحقيقًا لمصلحة مشروعة‪ ،‬ومن ث ّم يرد االستثناء على التجريم‬
‫فيصبح الممنوع مسموحًا‪ .‬وقد أ ّكد المشرع هذه الحاالت‪ ،‬بنصوص صريحة تُنظم قواعدها‪ ،‬وس ّماها‬
‫«األفعال ال ُمب ّررة»‪ ،‬في الما ّدتين ‪ 99‬و‪ 82‬من قانون العقوبات في الباب المتعلّق بالجريمة‪ ،‬ضمن الكتاب‬
‫الثاني المتعلّق باألفعال واألشخاص الخاضعون للجريمة‪ .‬ور ّدها إلى ثالثة أسباب للتبرير أو اإلباحة وهي‪:‬‬
‫ما يأذن به القانون‪ .‬وما يأ ُمر به القانون والدفاع الشرعي‪.‬‬
‫ـ كما توجد حاالت أخرى لإلباحة في بعض الدول وليست ُمقرّرة بنصّ عام في التشريع الجزائري‬
‫ولكن يُنظّم حاالت محدودة بنصوص خاصّة وهي‪ :‬ـ حالة الضرورة ـ ورضاء المجني عليه‪.‬‬
‫وإذا كانت الما ّدة ‪ 688‬من قانون العقوبات اللبناني تنُصّ صراحةً على تطبيق أسباب اإلباحة بالنسبة‬
‫للشخص المعنوي‪ ،‬فإنّه ال يوجد في القانون الجزائري ما ينص على ذلك‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬الغلط في أسباب اإلباحة‪:‬‬


‫من شروط سبب اإلباحة أن يكون موجودًا فعالً‪ ،‬بأن يكون الخط ُر حقيقيًا في الدفاع الشرعي‪ ،‬ورضاء‬
‫الضحية غير معيب‪ ،‬وأمر السلطة صحيحًا‪ .‬ولذلك ّ‬
‫فإن الغلط في أسباب اإلباحة ينفي اإلستفادة منها‪ ،‬فإن كان‬
‫يؤثر في الركن المعنوي ويُح ّول المسؤولية من العمد إلى الخطأ‪ ،‬فهو ال يؤثر في الركن الشرعي وال‬
‫أن أسباب اإلباحة ُمتوفّرة بجميع شروطها في حين أنّها غير متوفّرة‪ ،‬اليكون فعله‬
‫الما ّدي‪ .‬فإذا توهّم الشخص ّ‬
‫ُمب ّررًا‪ ،‬كمن يقتل شخصًا ظنًّا منه أنّه مصدر خطر‪ .‬أو من يضرب شخصًا غريبًا دخل في الليل إلى بيته‬
‫صا‪ ،‬ثُ ّم يتبيّن أنّه شخص قريب‪ ،‬أوالضابط الذي يعتق ُد خطأ ً ّ‬
‫أن أمرًا قد صدر إليه من رئيسه بتفتيش‬ ‫يظنّه ل ًّ‬
‫بيت أو القبض على شخص‪ .‬حيث يُسأل الفاعل في كل هذه الحاالت عن الجريمة غير العمدية‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬تقسيمات أسباب اإلباحة‪:‬‬


‫أ) بحسب الجانب الوضوعي‪:‬‬
‫تنقسم إلى أسباب إباحة عا ّمة وأسباب إباحة خاصة‪ ،‬األولى هي التي تُبي ُح أيّة جريمة من الجرائم دون‬
‫استثناء‪ ،‬مثل الدفاع الشرعي‪ .‬واألسباب الخاصة تتقرر بالنسبة لبعض الجرائم دون البعض اآلخر‪ ،‬كإباحة‬
‫القذف أثناء الدفاع أمام المحاكم‪ ،‬والجرح بالنسبة للطبيب في العمليات الجراحية‪ ،‬وضرب التأديب لإلبن‪.‬‬
‫ب) بحسب الجانب الشخصي‪:‬‬
‫تنقسم إلى أسباب إباحة مطلقة وأسباب إباحة نسبية‪ ،‬فاألولى هي التي يستفيد منها بصفة مطلقة كل‬
‫شخص وجد في الظروف المنصوص عليها ضمن النص المقرر للسبب‪ ،‬مثل الدفاع الشرعي‪ ،‬بينما أسباب‬
‫اإلباحة النسبية‪ ،‬تقتصر االستفادة منها على أشخاص تتوفر فيهم صفة معينة تُعد من شروط تطبيق سبب‬
‫اإلباحة‪ ،‬كالطبيب في إجراء العمليات الجراحية‪ ،‬والزوج في تأديب زوجته‪ ،‬والموظف في تنفيذ القانون‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫ّأولا‪ :‬أسباب اإلباحة وموانع المسؤولية‪:‬‬
‫‪ -‬موانع المسؤولية الجزائية عبارة عن عوامل داخلية شخصية تتعلق بشخصية الجاني‪(،‬صغر السن أو‬
‫وفقدان االدراك والتمييز والجنون أو اإلكراه) تجعل إرادته غير ُمعتبرة قانونًا‪ ،‬فموانع المسؤولية الجزائية‬
‫تُؤثّر في الركن المعنوي‪ ،‬وال تؤثر في الركن الشرعي وال المادي للجريمة‪ ،‬بينما أسباب اإلباحة ذات طبيعة‬
‫موضوعية تتعلّق بالفعل وتزيل عنه الصفة الجرمية فهي تهدم الركن الشرعي‪.‬‬
‫ولهذا يُعبّر ال ُمشرّع الجزائري عن أثر موانع المسؤولية في المواد‪ 89-82‬ق ع بعبارة "العقوبة" إذ‬
‫ُ‬
‫حيث يُمكن تطبيق التدابير االحترازية‪ .‬بينما أسباب اإلباحة عبّر ال ُمشرّع‬ ‫ينتفي بها العقاب وليس الجريمة‪،‬‬
‫عن أثرها في الما ّدتين ‪ 99‬و‪ 82‬ق ع بعبارة " الجريمة‪ ،" ..‬ألنّها تنتفي بها الجريمة تما ًما‪.‬‬
‫‪ -‬موانع المسؤولية الجزائية ال تنتفي المسؤولية المدنية حيث يلزم الشخص أو مسؤوله المدني‬
‫بتعويض ما سببته أفعاله من أضرار مادية‪ .‬بينما في األفعال ال ُمبرّر تنتفي المسؤولية الجزائية والمدنية‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق أسباب اإلباحة يستفيد منه كل شخص ساهم في الجريمة‪ ،‬باعتبارها ظروفًا لصيقةً بالجريمة‪،‬‬
‫بينما موانع المسؤولية باعتبارها لصيقة بشخصية الجاني‪ ،‬فال يستفيد منها إال من توفرت لديه‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أسباب اإلباحة عن موانع العقاب‪:‬‬


‫موانع العقاب شخصية تتعلق بشخص الجاني‪ ،‬تحول دون توقيع الجزاء على من توفّرت في حقه‪ ،‬وال‬
‫تمتد إلى غيره من المساهمين معه في الجريمة‪ ،‬وهي ال تنفي قيام الجريمة وال تحول دون قيام المسؤولية‬
‫الجنائية‪ ،‬وال المسؤولية المدنية‪ .‬ومثالها األعذار ال ُمعفية من العقاب في الم ‪ 12‬ق ع " األعذار هي حاالت‬
‫ُمح ّددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا‬
‫كانت أعذارًا معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة‪ .‬ومع ذلك يجوز للقاضي في حالة اإلعفاء أن يطبق‬
‫تدابير األمن على المعفي عنه"‪.‬‬

‫نظّم المشرع األفعال ال ُمبرّرة بالما ّدتين ‪ 99‬و‪ 82‬من قانون العقوبات وهي‪6 :‬ـ ما يأذن به القانون‬
‫ويُس ّمى في تشريعات أخرى ُممارسة الحق‪ ،‬و ‪2‬ـ ما يأ ُمر به القانون ويُس ّمى في تشريعات أخرى أداء‬
‫الواجب‪ ،‬و ‪9‬ـ الدفاع الشرعي‪ .‬كما تظيف بعض الدول حاالت أخرى هي حالة الضرورة‪ ،‬ورضاء الضحية‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬أمر القانون (أداء الواجب القانوني)‪:‬‬


‫إذا كان السلوك مرتكبًا بأمر القانون بمفهومه الواسع‪ ،‬أي التشريع أو التنظيم أو أوامر السلطة‬
‫‪79‬‬
‫اإلدارية‪ ،‬فهو ال يخضع للتجريم والعقاب‪ ،‬إ ْذ يُعتبر سلو ًكا ُمب ّررًا ينفي المسؤولية الجزائية والمدنية‪ ،‬فال يُعقل‬
‫أن يأمر القانون بفعل ث ّم يُعاقب عليه‪.‬‬
‫ومن أمثلته واجب الطبيب وهياكل مؤسسات الصحّة في اإلبالغ عن المرض ال ُمعدي بموجب الما ّدة‬
‫‪ 299‬من قانون الصحة(القانون رقم ‪68‬ـ‪ 66‬المؤرّخ في ‪ 2‬يوليو‪ ،)2268‬فال يُدانُون عنه بجريمة إفشاء الس ّر‬
‫المهني بموجب الما ّدة ‪ 926‬ق ع‪ .‬وكذلك ال يُسأل الموظف ال ُمكلّف بتنفيذ حكم اإلعدام عن جريمة القتل‬
‫العمد‪ ،‬وال يُسأل ُمدير المؤسسة العقابية عن جريمة احتجاز األشخاص بدون وجه حق عندما يُنفيذ الحكم‬
‫بالسجن‪ ،‬وال ضابط الشرطة القضائية تنفي ًذا ألمر قاضي التحقيق بالقبض على المتهم‪ .‬وال يُسأل الشاهد عن‬
‫القذف عند اإلدالء بشهادته‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ـ ويدخل في تنفيذ القانون تنفيذ األوامر الشرعية الصادرة عن السلطة اإلدارية ال ُمختصّة‪ ،‬في مجال‬
‫حيث يُشترطُ شرطان هما أن يكون األمر مشروعًا ُمستوفيًا‬
‫ُ‬ ‫الفعل الصادر عن الموظف تنفي ًذا ألمر رئيسه‪،‬‬
‫للشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون في األمر‪ ،‬وأن يكون صادرًا من السلطة الشرعية‬
‫المختصّة بإصدار األمر‪ ،‬مثل قيام الشرطة بأمر من سلطتهم الرئاسية بنقل سيارة أحد الخواص‪ ،‬من مكانها‬
‫دون إذنه صاحبها‪ ،‬فال يتابعون بجريمة السرقة‪.‬‬
‫ـ فإذا األمر الصادر إلى الموظف غير مشروع وكان الموظف يعلم بعدم مشروعيته ورغم ذلك قام‬
‫بتفيذه فإنّه ال يُبا ُح فعله ويُسأل عن جريمة عمدية لتوافر القصد الجنائي لديه‪ .‬ففي جرائم االعتداء على‬
‫الحريات تنصّ المادة‪ 107‬يعاقب الموظف العمومي بالسجن المؤقت من ‪ 1‬سنوات إلى ‪ 62‬سنوات إذا أمر‬
‫تح ُّكمي أوماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر(‪ .)1‬ونصّت المادة‬
‫بعمل َ‬
‫أن ُمرتكب الجنايات المنصوص عليها في المادة‪ 107‬مسؤول شخصياا مسؤولية مدنية وكذلك ال ّدولة‬
‫‪ّ 108‬‬
‫على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل‪.‬‬
‫وإذا كان الموظف يجهل عدم مشروعية األمر الصادر إليه‪ ،‬فال أثر لهذا الجهل على المسؤولية‬
‫الجنائية للموظف إذا تعلق بقواعد قانون العقوبات‪ ،‬اذ العلم بها ُمفترض عند كل الناس‪ ،‬أ ّما اذا تعلق الجهل‬
‫بقواعد غير قانون العقوبات ّ‬
‫فإن القصد الجنائي ينتفي وتنتفي به المسؤولية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬إذن القانون( استعمال الحق)‪:‬‬


‫إذن القانون هو ح ٌّ‬
‫ق أو مصلحة يعترف بها القانون ويحميها فيسمح تبعًا لذلك ببكل ما هو مالئم‬
‫لتحقيقها واستخالص مزاياها‪ ،‬وسبب اإلباحة أو التبرير يكون وسيلة مشروعة لممارسة هذا الحق‪ ،‬قد يُقرّره‬

‫)‪ " (1‬قرار المحكمة العليا الصادر في ‪ 6986-21-22‬يقضي بأنه ‪ ":‬إن تنفيذ الموظف ألوامر غير قانونية واردة عن مسؤوليه‬
‫ال تدخل في إطار األعذار القانونية المنصوص عليها في المواد من ‪ 222‬إلى ‪ 289‬ق ع ج‪ .‬وما دامت ال تدخل في نطاق األعذار‬
‫التي تعد أسباب شخصية خاصة‪ ،‬فهي ال تعد أيضا سبب من أسباب اإلباحة "‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫القانون لصاحب المصلحة أو للغير‪ ،‬مثل حق التأديب لمصلحة األسرة‪ ،‬وحق الطبيب في العالج لمصلحة‬
‫المريض‪.‬‬
‫والقانون هنا هو بمفهومه العام الواسع أي القواعد القانونية والشرعية والعرفية المكتوبة أو غير‬
‫المكتوبة ‪ ، -‬بشرط أن يُستعمل الحق من صاحب الصفة وأن ال يتعسَّف في استعماله‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪6‬ـ إذن القانون للمواطنين بأن يقبضوا على المتلبّس بالجريمة ويقتادوه إلى أقرب مركز شرطة أو‬
‫درك(الم‪ 16‬ق إ ج)‪ .‬دون أن يُتابعو بجناية القبض على األشخاص واحتجازهم بالما ّدة‪ 296‬ق ع‪.‬‬
‫‪2‬ـ تأديب الصغار بالضرب الخفيف‪ ،‬م ّمن له حق التأديب وهو األب أو الولي‪ ،‬أو من ينوب األب‬
‫بمقتضى قانون أو عقد‪ ،‬حيث يستثني نصّ الما ّدة ‪ 219‬ق ع في جريمة العنف ض ّد القٌصّر أفعال التأديب‬
‫بقولها " ‪ ...‬فيما عدا اإليذاء الخفيف‪."..‬‬
‫‪9‬ـ استعمال الرخص القانونية‪ :‬مثل أعمال الجراحة الطبية في حدود قانون أخالقيات الطبّ ‪ ،‬وكذلك‬
‫العنف الذي يقع خالل ُممارسة األلعاب الرياضية كالمصارعة والمالكمة‪ ،‬في حدود احترام قواعد اللعبة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬حالة الضرورة‪:‬‬


‫حالة الضرورة هي " وضعية يتواجد فيها شخص اليمكنه فيها أن يُنقذ أو يحمي ماالً أو حقًا مصلحةً‬
‫إال بارتكاب فع ِل يكون مج ّر ًما لو ارتكب خارج هذه الظروف"فهو خيار بالنسبة للشخص بين دفع الخطر‬
‫بارتكاب جريمة‪ ،‬أو تح ّمل أضرار الخطر‪ .‬إذن تقوم حالة الضرورة على أساس ارتكاب جريمة تؤ ّدي إلى‬
‫التضحية بمصلحة في سبيل صيانة مصلحة أخرى تعلوها من خطر يُحيطُ بها‪ ،‬مثل الطبيب الذي يُجهض‬
‫الحامل فيُضحي بالجنين في سبيل إنقاذ حياة المرأة‪ .‬ومن يُحطّم األبواب من أجل إنقاذ أشخاص من النيران‪.‬‬
‫وإذا كان قانون العقوبات الفرنسي ينصّ عليها في الما ّدة ‪ّ ،2-622‬‬
‫فإن القانون الجزائري ال ينصّ على‬
‫حالة الضرورة كفعل ُمبرّر‪ ،‬ولكن ينصّ على حالة الضرورة التي تنفي المسؤولية الجنائية وال تنفي الجريمة‬
‫وذلك في الما ّدة ‪ " 88‬ال عقوبة لمن اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعه"‪ .‬وهذه القوة تُمثل‬
‫خطرًا يُه ّدد النفس أو المال‪ ،‬يكون جسي ًما وووشي ًكا‪ ،‬وال وسيلة لدفعه إال ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك الما ّدة ‪ 928‬من قانون العقوبات " ال عقوبة على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ‬
‫حياة األم من الخطر متى أجراه طبيب أو جرّاح في غير خفاء وبعد إبالغه السلطة اإلدارية"‪ .‬وتؤ ّكد هذا‬
‫الحكم الما ّدة ‪ 22‬من قانون الصحة(القانون رقم ‪68‬ـ‪ " )66‬يهدف اإليقاف العالجي للحمل إلى حماية صحّة‬
‫األم عندما تكون حياتها أو توازنها النفسي والعقلي ُمه ّددين بخطر بسبب الحمل"‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬رضاء المجني عليه‪:‬‬


‫ـ األصل ّ‬
‫أن رضاء المجني عليه ليس سببًا لتبرير الجريمة‪ ،‬وإذا كان له أثر في بعض الجرائم فهو‬
‫على سبيل االستثناء‪ .‬حيث يأخذ قانون العقوبات اللبناني بهذا السبب لتبرير الجريمة في الما ّدة‪ 187‬منه والتي‬
‫‪81‬‬
‫تنص " إن الفعل الذي يعاقب عليه لتعرضه إلرادة الغير ال يعد جريمة إذا اقترف برضى منه سابق لوقوعه‬
‫أو مالزم له" ويبدو من النص ّ‬
‫أن المشرع اللبناني اعتبر الرضاء سببًا لتبرير فئة معيّنة من الجرائم فقط‪،‬‬
‫وهي التي يعاقب عليها لتعرّضها إلرادة الغير (التي ر ّخص القانون فيها للمجني عليه أن يتصرّف في الحق‬
‫المحمي مثل جرائم الهدم والتخريب واالتالف لممتلكات ومزرعات الغير)‪ ،‬وأ ّما ماعدا ذلك من الجرائم‬
‫فالبد من الرجوع فيها للقواعد العا ّمة‪.‬‬
‫فالرضاء كسبب إباحة هو تنازل الشخص عن مصلحة له يحميها القانون فيقبل االعتداء عليها‪ ،‬وهو‬
‫عادة ال يشمل الجرائم الخطيرة كالقتل والجرح والجرائم الماسّة بالمصالح العا ّمة عندما تقع على أحد األفراد‪.‬‬
‫ـ يُجمع الفقه على عدم اعتبار رضاء المجني عليه من أسباب اإلباحة كقاعدة عا ّمة‪ّ ،‬‬
‫ألن كل جريمة‬
‫ولو كانت ض ّد الفرد تُمثّل اعتدا ًءا على المجتمع والمصالح العا ّمة‪ ،‬وال يقوى رضاء الضحية على إباحتها‪،‬‬
‫ولذلك أغلب الدول ومنها الجزائر ال تنُصّ عليه بنص عام‪ ،‬لكن تكتفي بالنصّ عليها في كل جريمة يرى‬
‫ال ُمشرّع ُمب ّررًا لإلعتداد برضاء المجني عليه فيها‪ ،‬بالنسبة لبعض الحقوق التي يتصرّف فيها الشخص ويقبل‬
‫ث يُشترطُ في هذا الرضاء األهلية بتوفر س ّن الرشد المدني (‪ 69‬سنة)‪ ،‬وخل ّوه من‬
‫تعريضها لالعتداء‪ .‬حي ُ‬
‫عيوب الرضا‪ ،‬وأن يكون ُمعاصرًا للسلوك أو قبله وليس بعده‪.‬‬
‫ـ ويعطي ال ُمشرّع الجزائري أحيانًا للرضاء أه ّمية خاصّة في الحاالت التالية‪:‬‬
‫ـ حالة اشتراط انعدام الرضاء في عناصر الركن الما ّدي‪ :‬كما في دخول منزل مواطن بدون رضاه‬
‫ُ‬
‫حيث تنعدم الجريمة إذا كانت هذه األفعال برضا الضحية‪.‬‬ ‫(الم‪ 691‬ق ع)‪ ،‬واإلغتصاب (الم‪ 981‬ق ع)‪.‬‬
‫ـ حالة الرضاء كقيد على ال ُمتابعة الجزائية‪ :‬يُشترطُ تقديم شكوى من الشخص ال ُمتضرّر لتحريك‬
‫الدعوى الجزائية‪ ،‬كما يُمكنه أن يُوقّف المتابعة بسحب شكواه‪ ،‬مثالً في جرائم خطف القاصرة(م‪ 921‬ق ع)‬
‫وترك األسرة(م‪ 992‬ق ع) والزنا(م‪ 999‬ق ع)‪ ،‬والسرقة بين األقارب(م‪ 919‬ق ع)‪....‬إلخ‪.‬‬
‫ـ الرضاء كشرط لإلباحة‪ :‬في األعمال الطبّية العالجية والجراحية بغرض التبرّع باألعضاء أو زرع‬
‫األنسجة يشترط قانون الصحّة رقم ‪ 21-81‬التعبير من المتبرّع أمام رئيس المحكمة‪ ،‬زمن ال ُمتلقي أم الطبيب‬
‫وشاهدين أو كتابيًا من قبل نائبه (المواد ‪912‬ـ‪.)918‬‬

‫‪82‬‬
‫الدفاع الشرعي في حقيقته فعل غير مشروع لكنّه يُصبح مشروعًا إذا كان هو السبيل الوحيد لحماية‬
‫النفس والمال من خطر غير مشروع يته ّدده أو يته ّدده غيره‪ .‬فما طبيعته وما هي شروطه‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬تعريف الدّفاع الشرعي‪:‬‬


‫الدفاع الشرعي هو حق يقرره القانون ياستمعمال القوة لرد االعتداء الواقع على نفسه أو نفس الغير أو‬
‫ق ُمقرّر في مواجهة النّاس كافة ال يحق رده أو مقاومته‪.‬‬
‫ماله أو مال الغير‪ ،‬وهو ح ٌّ‬
‫يُعرّف أيضًا بأنّه " استعمال القوة الالزمة لص ّد خطر غير مشروع يه ّدد بإيذاء حق يحميه القانون‬
‫حين يتعذر االلتجاء إلى السلطات العا ّمة"‪ .‬وهو يستند إلى فكرة الموازنة بين مصلحتين متعارضتين‪ ،‬هما‬
‫مصلحة المدافع ومصلحة المعتديواعتبار مصلحة المدافع أولى بالحماية والرعاية من مصلحة المعتدي‪.‬‬
‫و أساس الدفاع الشرعي أيضًا أنّه يتوافق مع الفطرة اإلنسانية‪ ،‬فليس من المعقول أن يُفرض على‬
‫اإلنسان تح ّمل االعتداءات الواقعة عليه‪ ،‬أو التحلّي بالجُبن وإلزا ُمه بالهروب من المعتدي وهو قاد ٌر على رد‬
‫صةً في الحاالت التي يتعذر فيها عليه تبليغ السلطات المختصة في الوقت المناسب‬
‫العدوان بنفسه‪ .‬خا ّ‬
‫يس ّمى الدفاع الشرعي في الشريعة اإلسالمية "دفع الصائل" فالصائل هو المعتدي والمصول عليه هو‬
‫المعتدى عليه‪.‬وأصلُه في قوله تعالى‬

‫البقرة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬طبيعة الدّفاع الشرعي‪:‬‬


‫ـ هناك من يعتبره استعمال حق في مواجهة كافّة النّاس‪ ،‬لكن ال يُقابله التزام‪ .‬وهناك من يعتبره أداء‬
‫واجب اجتماعي يفرضه الحرص على صيانة الحقوق وليس واجبًا قانونيًا يُرتبُ جزا ًء لمن يتخلّف عن أدائه‪.‬‬
‫ـ وهناك من يعتبره تفوضًا أو رُخصّة قانونية لل ُمدافع بر ّد االعتداء عن نفسه وغيره ومنع الجريمة‪.‬‬
‫ـ وفقهاء الشريعة اتفقوا بأنّه واجب في حالة االعتداء على العرض‪ ،‬وجائز في حالة االعتداء على‬
‫المال‪ ،‬واختلفوا حول طبيعته في حالة االعتداء على النفس بين الواجب والجائز‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬مجال الدّفاع الشرعي‪:‬‬


‫أ) مجال الدفاع في المادّة ‪ 33‬ق ع‪:‬‬
‫‪ )1‬جرائم االعتداء على النفس‪ :‬المقصود بجرائم االعتداء على النفس تلك الماسّة بالحق في الحياة أي‬
‫‪83‬‬
‫القتل‪ ،‬والحق في السالمة الجسدية كالضرب والجرح وما إليهما‪ .‬واالعتداء على الشرف واالعتبار كالقذف‬
‫والسّب‪ ،‬وجرائم على الحرية كالخطف والحجز العسفي‪ ،‬واالعتداء على العرض وحرمة الحياة الخاصّة‪.‬‬
‫‪ )2‬جرائم االعتداء على المال‪ :‬المقصود بجرائم األموال كل الجرائم الماسّة باألموال سواء كانت هذه‬
‫األخيرة عا ّمة أوخاصّة كالسرقة والنصب واالختالس وخيانة األمانة وحرق الممتلكات‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ـ يستبعد أغلب الفقه الدفاع الشرعي من الجرائم غير العمدية ويحصره في الجرائم العمدية‪.‬‬
‫ـ وإذا كان القانون الفرنسي يحصر الدفاع الشرعي عن المال في الجنايات والجنح (المواد ‪1/622‬‬
‫و‪ 2/622‬ق ع ف) ّ‬
‫فإن المشرّع الجزائري يطبّقه في ال ُمخالفات كذلك‪.‬‬

‫ب) مجال الدفاع في المادّة ‪ 70‬ق ع‪:‬‬


‫هو حسب الفقرة‪ 6‬ـ تسلّق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو‬
‫كسر شيء منها أثناء اللّيل‪ .‬وحسب الفقرة‪ 2‬ـ السرقات أو النهب بالق ّوة‪.‬‬

‫تقتضي ممارسة حق الدفاع الشرعي على الوجه القانوني مراعاة الشروط التي نصّت عليها الما ّدة ‪99‬‬
‫من قانون العقوبات‪ ،‬منها ما يتعلق بفعل العدوان‪ ،‬ومنها ما يتعلق بفعل الدفاع ذاته‪ ،‬وفي حالة الدفاع الممتاز‬
‫ينبغي توافر ظروفه التي تضمنتها الما ّدة ‪ 82‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫وتحقق شروط الدفاع المشروع هي مسألة تقديرية للقضاة الموضوع يخضعون فيها لرقابة المحكمة‬
‫العليا يجب على قضاة الموضوع التأ ّكد منها وتوضيحها في حكمهم‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬شروط فعل االعتداء‪:‬‬


‫ال يمكن لفعل االعتداء أن يُبرّر فعل ال ّدفاع إالّ إذا كان خطرًا حاالًّ وغير مشروع على النفس والمال‪.‬‬
‫أ) الخطر الحال‪:‬‬
‫الخطر يقصد به خطر االعتداء يجب أن يكون الخطر موجودًا ال يمكن إنكاره وحقيقيًا أكيدًا وليس‬
‫مفترضًا أوتوه ًما من الفاعل بأنّه مه ّدد بخطر من المعتدي أو من صنع خياله‪.‬‬
‫والخطر الحا ّل هو الذي يكون حدوثه أم ًرا متوق ًعا ومنتظ ًرا كخطوة تالية مباشرة نصّت عليه المادة‬
‫‪ 99‬بعبارة " الضرورة الحالة" بمعنى أن يكون الخطر في إحدى الحاتين‪:‬‬
‫ـ أن يكون العدوان ُمحْ ِدقًا وعلى وشك الوقوع‪ ،‬يوحي بحتمية بدء العدوان مثل إخراج الخراطيش‬
‫لتعبئة المس ّدس‪ ،‬وال يعت ّد بالخطر المستقبلي طالما توفّر فيه الوقت لالستنجاد بالسلطات‪ّ .‬‬
‫ألن مآل تحققها أم ٌر‬

‫‪84‬‬
‫محتمل الوقوع‪ ،‬وال ُمشرّع الفرنسي يقيّد الدفاع بأن يكون في نفس الوقت الذي يت ّم فيه االعتداء‪ ،‬فال يكون‬
‫الدفاع ض ّد خطر ُمستقبلي‪.‬‬
‫ـ أن يكون قد االعتداء بدأ ولم ينته بعد‪ ،‬كمن ضرب مرّة وأراد أن يزيد أو سرق أشياء على دفعات‪،‬‬
‫وفي مثل هذه الحالة يظل الخطر قائما ومستمرًا طالما لم تتحقق الجريمة كاملة وفي الجرائم المستمرة يظل‬
‫الخطر حاالًّ‪ ،‬والدفاع ضده في أي لحظة دفاعًا مشروعًا‪ .‬ولو كان االعتداء منتهيًا بتحقق النتيجة اإلجرامية‬
‫فال يحق الدفاع ألنه يصير انتقا ًما وعقابًا غير مشروع‪.‬‬

‫ب) الخطر غير المشروع‪:‬‬


‫شرط عدم مشروعية الخطر تتض ّمن الصفة الجرمية للفعل موضوع االعتداء‪ ،‬ومن ث ّم إذا كان هذا‬
‫الفعل مؤسسًا ومبر ًرا قانونًا يسمح له بذلك فإنّه ال يجوز الدفاع الشرعي في مواجهته ألنّه فعل مشروع فمثالً‬
‫ال يجوز لل ُمشتبه فيه المأمور بالقبض عليه أن يُبدي ُمقاومة عند تنفيذ أمر القبض من طرف الشرطي‪.‬‬
‫فالخطر غير المشروع يشكل تهديدًا أوبد ًء باالعتداء على حق يحميه القانون الجنائي‪ ،‬أي يمثل جريمة‪،‬‬
‫ويكفي فيه أن يكون شروعًا أو أعماالً تحضيرية لجريمة‪.‬‬
‫لكن قد تثور صعوبة عندما يتصرّف رجل السلطة العمومية بتصرّف غير شرعي‪ ،‬كأن يتجاوز رجل‬
‫الشرطة القضائية حدود صالحيته في القبض أو اإلحضار فيقوم بضرب ال ُمشتبه فيه المطلوب قبضه‬
‫وإحضاره‪ .‬وتثور الصع وبة كذلك عندما يصدر االعتداء عن عديم المسؤولية الجزائية كالمجنون أو صغير‬
‫السن‪ .‬فهناك من يقول أن موانع المسؤولية ال تنفي الجريمة بل تنفي العقاب فقط‪ ،‬ففعل االعتداء الصادر من‬
‫المجنون أو الصغير أو ال ُمكره يظل خطرًا غير مشروع يجوز الدفاع ض ّده‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬شروط فعل الدّفاع‪:‬‬


‫يُشترطُ في فعل الدفاع أن يكون الز ًما‪ ،‬و ُمتناسبًا مع االعتداء‪.‬‬
‫أ) شرط اللّزوم‪:‬‬
‫يُقصد بهذا أن يكون فعل ال ّدفاع الز ًما لر ّد االعتداء وأنّه ال يمكن درأ الخطر بوسيلة مشروعة أخرى‬
‫كإمكانية طلب تدخل السلطات‪ ،‬حيث عبّر الم ّشرع في الما ّدة ‪ 99‬ق ع ج عن هذا الشرط بكلمة " الضرورة‬
‫الحالة " فإذا كان المدافع يستطيع التخلّص من خطر االعتداء الذي يه ّدده عن طريق فعل ال يع ّد جريمة فال‬
‫يجوز له ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫وال يُعتبر الهروب من الوسائل والحلول البديلة عن الدفاع‪ّ ،‬‬
‫ألن الدفاع حق ال يمكن اإلجبار على‬
‫التنازل عنه‪ ،‬كما ّ‬
‫أن فيه صفة الجبن وهو فعل مشين وماس بالكرامة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ب) شرط التناسب‪:‬‬
‫نصّت الما ّدة صراحة على هذا الشرط بنصّها " ‪ ...‬بشرط أن يكون الدفاع متناسبًا مع جسامة‬
‫االعتداء"‪ ،‬أي بالقدر الضروري لر ِّد االعتداء‪ ،‬ومتعادالً ومتكافئًا مع جسامة الخطر‪ ،‬حيث ير ُّد االعتداء‬
‫بأيسر ما يندفع به‪ ،‬فليس للمعتدى عليه أن يدفعه بالكثير إذا كان يندفع بالقليل‪ّ .‬‬
‫ألن ممارسة حق الدفاع‬
‫الشرعي ال تهدف إلى االنتقام من المعتدي بل إلى تمكين المعتدى عليه من درء الخطر المحدق به أو بغيره‬
‫في ماله أو نفسه‪ ،‬لهذا‪ ،‬وجب أن يستعمل هذا الحق دون إفراط أو تجاوز‪.‬‬
‫وتقدير التناسب بين فعل االعتداء والدفاع هي مسألة موضوع يرجع الفصل فيها للقاضي الذي يُق ّدر‬
‫توافر التناسب من عدمه بمراعاة الظروف والمالبسات في كل حالة على حدة‪ ،‬فال يجوز لمن كان مه ّددًا‬
‫باللطم أن يرتكب جريمة قتل‪.‬‬
‫قد تكون خطورة فعل الدفاع تتجاوز خطروة فعل االعتداء‪ ،‬كما هو الحال أيضًا بالنسبة للمرأة التي‬
‫أن مراقبة التناسب في حالة االعتداء على المال يجب أن تكون أش ّد‪،‬‬
‫تقتل من يحاول اغتصابها‪ .‬في حين ّ‬
‫فالمال يبقى دائما أقل شأنا من الحياة فالدفاع عنه مهما كانت شرعيته ال يمكن أن يصل إلى درجة التضحية‬
‫بحياة إنسان أو إلحاق أضرار خطيرة جدًا غير قابلة للعالج‪ .‬ويجب األخذ بعين االعتبار مقدار الضرر أو‬
‫الوسيلة والحالة النفسية للمدافع وسنّه وجنسه وق ّوته وزمان ومكان االعتداء‪.‬‬
‫ّ‬
‫ضن المدافع المبني على أسباب معقولة مع مراعاة وتقدير كل‬ ‫والمعيار في الشريعة اإلسالمية هو‬
‫واقعة بحسب ظروفها‪.‬‬
‫وك ّل تجاوز ظاهر يسأل عنه صاحبه في حدود ما تجاوز به‪ .‬فالدفاع يبدأ ببدء االعتداء وينتهي‬
‫بانتهائه‪ .‬واختلف في نصب الكمائن والفخاخ وراء األبواب وخلف األسوار ووسط الممرات بقصد قتل‬
‫المعتدين أو جرحهم‪ ،‬فهو جائز عند البعض مثل محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬وغير جائز عند البعض اآلخر‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬حكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي‪:‬‬


‫يقصد بتجاوز الدفاع الشرعي أن يستعمل المدافع قدرًا من القوة يزيد عن القدر الذي كان كافيًا لتجنّب‬
‫الخطر‪ ،‬م ّما يعني عدم تناسب فعل الدفاع مع جسامة االعتداء‪ .‬يعني ّ‬
‫أن المتهم يُفرط في ممارسة حق الدفاع‬
‫المشروع فيُ ِخلُّ بشرط التناسب‪ .‬كأن ي ُر ّد المتهم بالضرب على مجرد التهديد‪ ،‬أو يطعن المعتدي الذي يحمل‬
‫عصا خفيفة بسكين ويقتله‪ ،‬أو يطلق النار على سارق الثمار من البستان‪ .‬وحكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي‬
‫يكون بحسب ما إذا كان التجاوز ُمتع ّمدًا أو غير ُمتع ّمد‪:‬‬
‫ـ في حالة التجاوز المتع ّمد يفقد المتهم حقه في التمسك بالدفاع الشرعي ويُسأل عن النتيجة على أساس‬
‫جريمة عمدية‪ ،‬مثله مثل عدم توافر أي شرط من شروط الدفاع الشرعي األخرى‪.‬‬
‫ـ وفي حالة التجاوز غير ُمتع ّمد ّ‬
‫فإن المتهم يستفيد من التخفيف الوارد بأحكام المواد‪289 ،228 ،222‬‬
‫أن المشرع الجزائري عالج حدود الدفاع الشرعي في هذه الحاالت ُمعالجة خاصة وأفاذ‬ ‫ُ‬
‫حيث ّ‬ ‫ق ع ج‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫الجاني باألعذار ال ُمخففة للعقوبة‪:‬‬
‫المادة‪ " 277‬يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من األعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع‬
‫ضرب شديد من أحد األشخاص"‪.‬‬
‫المادة‪ " 278‬يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من األعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب‬
‫أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو األماآن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار‪ .‬وإذا‬
‫حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة األولى من المادة‪." 40‬‬
‫المادة ‪ " 279‬يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب من األعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على‬
‫الزوج اآلخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا"‪.‬‬
‫المادة‪"280‬يستفيد مرتكب جناية الخصاء من األعذار إذا دفعه الرتكابها وقوع هتك عرض بالعنف"‬
‫المادة‪ " 281‬يستفيد مرتكب الجرح أو الضرب من األعذار المعفية إذا ارتكبها ض ّد شخص بالغ يُفاجؤ‬
‫في حالة تلبس بهتك عرض قاصر لم يكمل السادسة عشرة سواء بالعنف أو بغير عنف"‪.‬‬
‫وح ّددت أحكام التخفيف المادة ‪ " 283‬إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه اآلتي‪:‬‬
‫ـ الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية عقوبتها اإلعدام أو السجن المؤبد‪.‬‬
‫ـ الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق األمر بأية جناية أخرى‪.‬‬
‫ـ الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق األمر بجنحة"‪.‬‬

‫صة الممتازة للدّفاع الشرعي‪:‬‬


‫راب اعا‪ :‬الحاالت الخا ّ‬
‫تتمثّل هذه الحاالت في أفعال دفاع خاصّة ض ّد أفعال اعتداء خاصّة‪ ،‬وتتميز هذه الحاالت عن ال ّدفاع‬
‫المشروع العادي بوجود ظرف الليل حسب الفقرة األولى من الما ّدة ‪ ،82‬وظرف القوة والعنف في الفقرة‬
‫الثانية من نفس الما ّدة‪ ،‬حيث يعتبر الظرفان قرينة على حالة الدفاع المشروع‪ ،‬فيعفى الشخص من إثباتها بل‬
‫يكفيه إثبات الظرف فقط‪ ،‬لكن يبقى هذا األخير قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس من طرف الضحية أو النيابة‪.‬‬
‫إن الحالتين المشار إليهما في الما ّدة ‪ ،82‬ال يشترط فيها لتبرير الفعل توافر الشروط العا ّمة‪ ،‬خاصةً‬
‫سرط شرط اللزم والتناسب‪ ،‬وهذا هو األصل في تسميتها بالحاالت الخاصة أو الممتازة للدفاع الشرعي ْإذ‬
‫أقام المشرع قرينة قانونية على توافر الشروط إذا ارتكب فعل الدفاع في إحدى الحالتين اآلتيتين‪:‬‬
‫الحالة(‪ )1‬هي أن يكون فعل اإلعتداء يتمثّل في تسلّق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو‬
‫األماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء اللّيل‪ .‬وشروطها‪6 :‬ـ أن يكون التسلّق أو الكسر متعلّقًا‬
‫بمسكن أو أحد توابعه‪2 .‬ـ أن يكون الدخول ليالً‪9 .‬ـ أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة‪.‬‬
‫الحالة(‪ )2‬هي أن يكون فعل اإلعتداء يتمثّل في السرقات أو النهب بالق ّوة‪ .‬وشروطها استعمال القوة في‬
‫جريمة النهب والسرقة‪ ،‬وال يشترط الليل‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الركن املادي للجرمية‬
‫يتمثل الركن الما ّدي للجريمة في مجموع العناصر الواقعية الما ّدية التي يتطلّبها النصّ القانوني لقيام‬
‫الجريمة‪ ،‬وهي الفعل غير المشروع‪ ،‬وأثر الفعل وهو النتيجة اإلجرامية‪ ،‬وسبب الفعل وهو العالقة السببية‬
‫الما ّدية بين الفعل والنتيجة‪.‬‬
‫ك آثارًا ما ّدية أو نتائج ضارّة‪ ،‬ورغم ذلك يُعاقب الفاعل عن فعله‬
‫ـ قد يقع الفعل غير المشروع وال يت ُر ُ‬
‫على أساس ال ُمحاولة أو الشروع في الجريمة‪ ،‬أو ل ُمجرّد تهديده المصلحة بخطر اإلعتداء‪ ،‬وهي التي تُس ّمى‬
‫جرائم الخطر‪.‬‬
‫ـ وقد تُرتكب الجريمة الواحدة بمساهمة ع ّدة أشخاص تتماثل أو تختلف أدوارهم في تنفيذ الجريمة‪،‬‬
‫ومن ث ّم تتن ّوع درجات مسؤولياتهم ومراكزهم القانونية‪ ،‬حسب نظرية المساهمة الجنائية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬عناصر الركن الما ّدي للجريمة‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الشروع في الجريمة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ال ُمساهمة الجنائية‬

‫فإن الركن الما ّدي يقوم على مبدأ‬


‫نص قانوني" ّ‬
‫مثلما يقوم الركن الشرعي على مبدأ "ال جريمة بغير ّ‬
‫"ال جريمة بغير فعل" ويُؤ ّكد ذلك الدستور الجزائري بموجب المادة ‪ » 89‬ال إدانة إالّ بمقتضى قانون‬
‫صادر قبل ارتكاب الفعل ال ُم َج ّرم « ‪ .‬والفعل هنا يُقصد به السلوك وما يترتّب عنه من نتائج ضارّة‪.‬‬
‫فالقانون ال يُعاقب اإلنسان على ُمجرّد األفكار والنوايا‪ ،‬وال عن المشاعر واألحاسيس الباطنية‪ ،‬وال‬
‫يتد ّخل إالّ إذا تجسدت هذه األفكار في العالم الخارجي في شك ٍل مادي ملموس‪ ،‬يُلحق الضرر بالفرد أو‬
‫المجتمع‪ .‬ولذلك يُشترط لقيام الجريمة عناصر بناء الركن المادي وهي الفعل والنتيجة وعالقة السببية بينهما‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الفعل االجرامي هو سلوك إنساني يحدث في زمن معين ومكان ُمعيّن قد يكون في صورة قيام بعمل أو‬
‫في صورة امتناع عن عمل‪ .‬إذال جريمة بدون سلوك‪ّ ،‬‬
‫ألن األصل في األفكار والنوايا خروجها من نطاق‬
‫العقاب‪.‬‬

‫يقصد به سلوك إنساني يتمثّل في نشاطٌ ما ّدي يرتكبه اإلنسان عن وعي وإدراك‪ ،‬يُح ِد ُ‬
‫ث به تغييرًا في‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬يؤ ّدي إلى إلحاق ضرر بمصالح محمية قانونًا‪ ،‬أو تعريضها للخطر‪ ،‬وقد يكون السلوك‬
‫عمالً أو امتناعًا عن عمل‪.‬‬
‫كقاعدة عا ّمة ال يكون الزمان والمكان اللذان يح ُد ُ‬
‫ث فيهما السلوك ُمه ّمين‪ ،‬لكن قد يُشكالن أحيانًا ركنًا‬
‫خا ًّ‬
‫صا في الجريمة‪ ،‬مثل جريمة ترك الطفل في مكان خال من الناس(م‪ 968‬ق ع) وجرائم أمن الدولة في‬
‫زمن الحرب(م‪ 12‬ق ع) أو يمثالن ظرفًا ُمش ّد ًدا كالسرقة في الليل أو في األماكن العمومية والمنازل(م‪919‬‬
‫ق ع)‪.‬‬
‫أن الوسيلة التي تُستعمل في تنفيذ السلوكات المجرّمة غير أساسية في قيام الجريمة‪،‬‬
‫وكذلك األصل ّ‬
‫فالقتل هو إزهاق روح إنسان حي‪ ،‬يستوى األمر إن كان بالخنق أو اإلغراق أو السالح األبيض أو السالح‬
‫النّاري‪ ،‬لكن في بعض الحاالت قد يعت ّد القانون بالوسيلة كظرف ُمش ّدد‪ ،‬مثل السرقة باستعمال مفاتيح‬
‫ُمصطنعة‪ ،‬والقتل باستعمال السُّم‪.‬‬

‫قد يتحقّق الفعل اإلجرامي بسلوك إيجابي أو بسلوك سلبي‪.‬‬


‫أ ّوالا‪ :‬السلوك اإليجابي‪( :‬الجريمة اإليجابة)‬
‫ُمعظم الجرائم هي جرائم إيجابية تُرتكب بإتيان فع ٍل ينهى قانون العقوبات عن القيام به‪ ،‬وهي تتحقق‬
‫بتحريك أحد أعضاء الجسم كما في جرائم الضرب والجرح العمديين‪ ،‬واالختالس والقذف‪ .‬فالفعل االيجابي‬
‫حركة عضوية إرادية ككيان ما ّدي يُحدثه أعضاء الجسم لدى المجرم باليد أو اللسان بغية تحقيق آثار مادية‬
‫معينة هي النتيجة االجرامية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ثانياا‪ :‬السلوك السلبي ( الجريمة السلبية)‪:‬‬
‫ـ السلوك السلبي هو " امساك إرادي عن الحركة العضوية في الوقت الذي يجب إتيانها فيه " أو هو‬
‫اتخاذ موقف سلبي تجاه واجب قانوني أمر القانون القيام به" فهو فعل إرادي يُرتّب المسؤولية الجزائية‬
‫لصاحبه‪ ،‬ويُس ّمى جريمة االمتناع‪ ،‬مثل امتناع القاضي عن الحكم في القضايا (‪ 691‬ق‪.‬ع) وامتناع الشاهد‬
‫عن اإلدالء بالشهادة ( المواد ‪ 89‬و‪ 92‬و‪ 229‬من قا اإلج الج)‪ .‬وامتناع من شاهد الجناية عن التبليغ عنها‬
‫(الما ّدة ‪ 96‬ق ع)‪ ،‬وعدم تقديم ُمساعدة لشخص في حالة خطر(‪ 682‬ق ع)‪ .‬واإلمتناع عن دفع النفقة (‪996‬‬
‫ق ع)‪ ،‬وكذا معظم ُمخالفات المرور‪.‬‬
‫ـ من فوائد التمييز بين السلوك السلبي والسلوك اإليجابي أنّه ال يُتص ّور الشروع في جريمة سلبية‪ ،‬كما‬
‫ُ‬
‫حيث درجة المسؤولية الجزائية ومقدار العقوبة بين الجريمة بسبب االمتناع والجريمة‬ ‫ّ‬
‫أن هناك فر ٌ‬
‫ق من‬
‫بوسيلة االمتناع‪.‬‬
‫ع عن تقديم المساعدة‪ .‬فهي تختلف عن الوفاة‬ ‫ـ الجريمة بسبب االمتناع مثل الوفاة الحاصلة بعد امتنا ٍ‬
‫الناجمة عن قتل عمد بسلوك سلبيي‪ ،‬فإذا مات الشخص الذي ُمنع عنه الدواء أوالطعام أو المساعدة ال يُسأل‬
‫ال ُممتنع عن ُمساعدته عن جريمة القتل( الم ‪ 219‬ق ع)‪ ،‬بل عن جريمة عدم تقديم ُمساعدة لشخص في حالة‬
‫خطر(الم‪ 682‬ق ع)‪.‬‬

‫ـ وقد يكون االمتناع وسيلة الرتكاب جريمة إيجابية‪ ،‬لكن ليست مبدأً عا ًّما‪ ،‬وإنّما اكتفى ال ُمشرّع بذكر‬
‫حاالت ُمعيّنة‪ .‬مثل الما ّدة ‪ 269‬ق ع التي تُعاقب ُكل من جرح أو ضرب عمدًا قاصرًا ال تتجاوز ِسنه السادسة‬
‫عشرة أو منع عنه عم ادا الطعام أو العناية إلى الحد الذي يُعرّض صحته للضرر‪ ،‬أو ارتكب ض ّده عم ًدا أي‬
‫عمل آخر من أعمال العنف‪ .‬بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من ‪ 500‬إلى ‪ 5.000‬دج‪ .‬فاعتبرت‬
‫الما ّدة االمتناع مثل أعمال العنف والتع ّدي العمدي بالضرب والجرح‪.‬‬
‫ومثل جريمة ترك األطفال والعاجزين وتعريضهم للخطر بموجب المادة ‪ُ 314‬كل من ترك طفالً‬
‫أوعاج ًزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية وع ّرضهُ للخطر في مكان خا ٍل من الناس‬
‫أو حمل الغير على ذلك يُعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات‪.‬‬
‫ومثله أيضًا ال ُمساهم في جريمة القتل عن طريق منع الناس من إنقاذ القتيل من يد القاتل‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ك ُمعيّن‪ ،‬فإنّه يه ِدف دائ ًما إلى حماية حق أو مصلحة‪ .‬ولذك يُشترط لقيام‬
‫عندما يُعاقِب القانون عن سلو ٍ‬
‫الجريمة أن يكون فعل الشخص أو امتناعه قد تسبّب في ضرر لمركز قانوني أو مصلحة يحميها القانون‪.‬‬
‫وهذا هو ما يُعبّ ُر عنه بالنتيجة اإلجرامية‪ ،‬كأثر ناجم عن النشاط اإلجرامي‪ .‬وقد تكون النتيجة اإلجرامية في‬
‫إحدى صورتين هما النتيجة كحقيقة قانونية ما ّدية والنتيجة كحقيقة قانونية غير ما ّدية‪:‬‬

‫النتيجة بالمدلول الما ّدي لها أثر ما ّدي يتحقق في العالم الخارجي يعت ُّد به القانون‪ ،‬يُيبّب ضررًا ماديًا أو‬
‫معنويًا للمصلحة ال ُمعتدى عليها‪ .‬ففي القتل العمد بجميع أنواعه (المواد ‪ 219-218‬ق ع) يعتبر إزهاق روح‬
‫الشخص والمساس بحقه في الحياة هو النتيجة اإلجرامية‪ .‬وفي جريمة السرقة تكون النتيجة نقل حيازة‬
‫وملكية الشيء المسروق من حيازة مالكه‪ .‬ومثل جريمة الضرب أو الجرح المنصوص عليها في الما ّدة ‪218‬‬
‫ق ع تعتبر اآلالم المترتبة عن الجرح أو الضرب وكذا الشعور باألسى والحسرة من جراء ما تخلفه من‬
‫تشوهات جسدية (ضرر معنوي)‪ ،‬واألضرار الالحقة بالجسد من جروح وكسور‪ ،‬بعدما كان سلي ًما‪،‬‬
‫ومصاريف عالجه‪ ،‬وكذا العجز عن العمل بشكل دائم أو مؤقّت (ضرر مادي)‪ .‬تعتبر هذه األضرار كلها‬
‫نتيجة إجرامية ألعمال الضرب والجرح‪ .‬ولذلك تُس ّمى هذه الجرائم "جرائم الضرر"‪ .‬أو"جرائم النتيجة"‬

‫النتيجة بالمدلول القانوني هي االعتدا ٍء على مصلحة أو حق من الحقوق سواء بإلحاق الضرر بها‪ ،‬أو‬
‫بتهديدها بخطر االعتداء دون أن تُرتّب ضررًا ما ّديًا ملموسًا‪ ،‬وينبني على هذا المعنى ّ‬
‫أن النتيجة ال تكون‬
‫فقط ما ّدية كما في جرائم الضرر‪ ،‬بل تكون أيضًا غير ما ّدية كما في الجرائم الشكلية التي تس ّمى جرائم‬
‫الخطر‪ ،‬مثل حمل السالح بدون ترخيص‪ ،‬واإلتفاق الجنائي‪ ،‬وتزوير العملة‪ ،‬ومثل الشروع في الجريمة‪،‬‬
‫والتحريض على الجريمة‪ ،‬وكلها تُمثل تهديدًا بخطر االعتداء‪ ،‬وتبقى محتملة قد تحدث وقد ال تحدث‪.‬‬
‫وتكمن أه ّمية تحديد النتيجة سواء ما ّدية أو قانونية من جهة في قيام الجريمة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬في‬
‫التمييز بين الشروع والجريمة التا ّمة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫إذا كانت الجريمة هي فعل إجرامي ونتيجة إجرامية فالب ّد من وجود رابطة سببية بين الفعل والنتيجة‪،‬‬
‫فرابطة السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن الما ّدي للجريمة يربط بين العنصرين اآلخرين الفعل‬
‫والنتيجة‪ .‬فال يكفي لتحقق الركن المادي الذي تقوم به الجريمة‪ ،‬مجرّد صدور فعل عن شخص‪ ،‬وترتب‬
‫نتيجة إجرامية‪ ،‬بل يُشترطُ وجود رابطة سببية بين السلوك والنتيجة‪ ،‬أي يجب أن يكون الفعل هو سبب‬
‫فإن الكيان الما ّدي للجريمة ال‬
‫النتيجة‪ .‬فإذا انتفت هذه الرابطة وتحققت النتيجة بشكل ُمستق ّل عن الفعل ّ‬
‫يتحقّق‪ .‬مثل أن يعتدي شخص على آخر بصفعة أو ضربة خفيفة‪ ،‬ثُ ّم يموت المضروب بعد ذلك على إثر‬
‫حادث‪.‬‬
‫تُطر ُح بشأنه إشكالية اقتران فعل الجاني بعوامل خارجية في إحداث النتيجة الجرمية‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬المقصود بعالقة السببية‪:‬‬


‫ُ‬
‫حيث يُعبّر‬ ‫يُقصد بعالقة السببية أن يكون الضرر أو األذى الالحق بالضحية نات ًجا عن نشاط الجاني‪،‬‬
‫القانون عن هذه العالقة باستعمال عبارة " نتج" أو " نشأ" أو " تسبب" أو " ترتب"‪.‬‬
‫ـ وعالقة السببية هي ذات طابع ما ّدي آلنّها تربط بين عنصرين ما ّديين‪ ،‬ولذلك يُق ّد ُر توافرها أو تخلّفها‬
‫بمعيار ما ّدي ال صلة له باعتقاد الجاني وال يؤثّر عليها اعتقاده الخاطئ‪.‬‬
‫ـ وعالقة السببية هي التي تُح ّد ُد مدى مسؤولية الشخص عن النتيجة اإلجرامية التي أحدثها فعله‪ ،‬فإذا‬
‫تبيّن ّ‬
‫أن النتيجة حصلت لسبب آخر فال يُسأل عن الجريمة وقد يُسأل عن الشروع فيها‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬إشكالية عالقة السببية‪:‬‬


‫تثير عالقة السببية على المستوى العملي صعوبةً عندما تلُفُّها ظروف ومالبسات تجعل التأ ُكد منها‬
‫أمرًا صعبًا‪ ،‬وذلك عندما تشترك مع نشاط الجاني أسباب أخرى في إحداث نتيجة إجرامية معينة‪ ،‬قد تكون‬
‫سابقة أو ُمعاصرة أو الحقة لسلوك الجاني‪ .‬فقد يكون السببُ األجنبي سابقًا للجريمة كأن يكون المجني عليه‬
‫مصابًا بمرض قبل الجريمة‪ .‬كمن يوجّه إهانات كالمية جسيمة لشخص في مجمع من الناس‪ ،‬فيؤ ّدى اإلنفعال‬
‫الشديد للضحية إلى إصابته بأزمة قلبية يموت على إثرها‪ ،‬ويتبيّن أنّه كان يُعاني من مرض قلبي‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ظروف يجهلها الفاعل يختلط مفعولها مع دور الفاعل في إحداث‬ ‫ـ وقد تتزامن مع ارتكاب الجريمة‬
‫النتيجة اإلجرامية كجرح الضحية بأداة كانت ُمل ّوثة بجراثيم تؤدي إلى تس ُّممه وموته‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ـ وقد يأتي السبب الحقًا لفعل الجاني‪ ،‬مثل سيارة اإلسعاف التي يقع لها حادث مرور أثناء نقلها إلى‬
‫المستشفى شخصًا كان ضحية ضرب أو جرح‪ ،‬فيُصاب الضحية بكسور أونزيف‪ ،‬ث ّم عند وصوله إلى‬
‫ال ُمستشفى يت ّم عالجه بطريقة غير صحيحة فيموت‪ .‬أو من يضع السم في طعام شخص وقبل أن يلفظ هذا‬
‫األخير أنفاسه يُطلق عليه شخص آخر رصاصات في قلبه ورأسه‪ ،‬فمن هو المسؤول عن موته‪.‬‬

‫قد تكون العوامل األخرى المقترنة بظروف ارتكاب الجريمة متفاوتة‪ ،‬فتكون قويةً وضعيفةً‪ ،‬ظاهرةً‬
‫ُ‬
‫حيث يُطر ُح التساؤل حول درجة المسؤولية ال ُملقاة على عاتق الجاني‪ ،‬فهل يؤاخذ‬ ‫ّ‬
‫وشاذةً‪،‬‬ ‫وخفيةً‪ ،‬مألوفةً‬
‫الفاعل عن النتيجة القريبة المباشرة؟ أم أنّه يجب أن تمت َّد مسؤوليته إلى سلسة النتائج المتتالية باعتبار أنّه لوال‬
‫فعله لما تحققت وبالتالي يجب نسبتها إليه؟‬

‫أ ّوالا‪ :‬نظرية السبب المباشر‪:‬‬


‫أ) مفاد النظرية‪:‬‬
‫ال تقوم رابطة السببية إالّ إذا كانت النتيجة متصلةً اتصاالً ُمباشرًا بفعل الجاني أو كان فعله هو األساس‬
‫في حدوث النتيجة‪ ،‬فإذا تداخلت عوامل أخرى فإنّها تقطع رابطة السببية حتّى ولو كانت تلك العوامل مألوفة‪،‬‬
‫فإذا طعن الجاني المجني عليه بسالح ثم نقل إلى المستشفى وبسبب خطا طبي توفي المجني عليه فإن المتهم‬
‫يُفلت من المساءلة لتوسط سبب آخر بين فعله والنتيجة ولم يعد فعله مباشرًا‪.‬‬

‫ب) انتقاد النظرية‪ :‬تُنتقد نظرية السبب المباشر باالنتقادات التالية‪:‬‬


‫ـ تهت ّم بجانب الجاني وتُهمل جانب الضحية‪ .‬وتُم ّكن الجاني من اإلفالت من العقاب حال وجود عوامل‬
‫ص ُر النتيجة الضا ّرة في عامل واحد فقط‪ ،‬فقد تتظافر عوامل متع ّددة في إحداث‬
‫أخرى إلى جانب سلوكه‪ .‬وتح ُ‬
‫نتيجة واحدة‪ .‬وبالتالي تُهد ُر نظرية ال ُمساهمة الجنائية‪ّ ،‬‬
‫ألن الشريك دوره ثانوي ُمساعد وليس أساسيًا‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬نظرية تعادل األسباب‪:‬‬


‫أ) مضمون النظرية‪:‬‬
‫كل األسباب والعوامل ال ُمتد ّخلة في النتيجة ُمتساوية أو متعادلة في إحداثها‪ ،‬وال فرق بين سبب ُمه ّم‬
‫وقو ّ‬
‫ي وسبب تافه وضعيف‪ .‬فعالقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة‪ ،‬ال يقطعُها مرضُ الضحية السابق‬
‫على الجريمة‪ ،‬وال إهمال الطبيب في عالجه‪ ،‬وال حريق ال ُمستشفى‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ب) انتقاد النظرية‪:‬‬
‫انتقدت النظرية بسبب تناقضها ألنّها من جهة تعترف بتساوي األسباب‪ ،‬ومن جهة تُح ّمل الجاني‬
‫المسؤولية‪ .‬وكذلك تُنتقد ب ُمجافاتها للعدالة ألنّها تُوسّع من نطاق المسؤولية الجزائية فتُح ّمل صاحب السلوك‬
‫شاذا اليؤدي إلى تحقيق النتيجة في العادة‪ ،‬ورغم ُمساهمة باقي‬ ‫ًّ‬ ‫كامل المسؤولية حتى ولوكان سلوكه‬
‫العوامل‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬نظرية السبب المالئم‪:‬‬


‫أ) مبدأ النظرية‪:‬‬
‫إ ّن سلوك الجاني ينبغي أن يكون سببًا مناسبًا ومالئ ًما إلحداث النتيجة اإلجرامية حسب المجرى العادي‬
‫لألمور‪ ،‬وضرورة ُمساهمة نشاط اإلنسان في تتابع الحوادث التي تُسفر عن تحقيق النتيجة‪ ،‬وعدم إمكان‬
‫إسناد هذه النتيجة إلى عامل آخر غير هذا النشاط‪ .‬فإذا تد ّخلت عوامل أخرى مألوفة تُح ِد ُ‬
‫ث النتيجة وفق‬
‫المجرى العادي لألمور وليست شاذة‪ ،‬فإنّها ال تقطع عالقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة‪.‬‬
‫وتطبيقًا لذلك إذا ارتكب الجاني فعل الضرب والجرح ث ّم بعد ذلك حدث لهذه اإلصابات تافقم‬
‫و ُمضاعفات بسبب اإلهمال في العالج أو خطء الطبيب فهذه العوامل ال تقطع عالقة السببية عن الجاني ألنّها‬
‫عوامل مألوفة‪ّ ،‬‬
‫لكن حريق ال ُمستشفى عامل شاذ غي ُر مألوف قد ينفي عالقة السببية بين وفاه الضحية‬
‫بالحريق وفعل الجاني‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث أخذت بمبدأ السبب األ ّول وتفادت التعميم‪ّ ،‬‬
‫لكن‬ ‫هذه النظرية تُح ّدد المسؤولية بنطاق معقول‬
‫الجاني يُسأل عن موت الضحية بسبب المرض إذا كان يُق ّد ُر ويعل ُم بمرضه عند اعتدائه عليه‪.‬‬

‫الموجه للنظرية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ب) النقد‬
‫تنتقد النظرية فيما يخص إمكانية حدوث النتيجة من عدمها حسب المجرى العادي لألمور‪ ،‬ومدى علم‬
‫وتوقع الجاني لحدوث النتيجة من عدمه يخضع للتقدير وال يصحُّ أن تُبنى أحكام القانون الجنائي على التقدير‬
‫‪ .‬ومن جهة أخرى ال يمكن إغفال العوامل الشاذة‪ ،‬كما ّ‬
‫أن ضابط علم وتوقع الجاتي يخلك األمر بالركن‬
‫المعنوي بينما العالقة السببية هي عنصر في الركن الما ّدي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫المادّة ‪ » : 30‬كل محاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة إلى‬
‫ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إال نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو‬
‫لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها «‪.‬‬

‫المادة ‪ » :31‬المحاولة في الجنحة ال يعاقب عليها إالّ بناء على نص صريح في القانون‪.‬‬
‫والمحاولة في المخالفة ال يعاقب عليها إطالقا «‪.‬‬

‫يُعاقب القانون على الجريمة التا ّمة التي اكتملت عناصرها الما ّدة الفعل والنتيجة وعالقة السببية‪ ،‬أي‬
‫السلوكات ال ُمنفّذة للجريمة وتحقيق نتيجتها‪ ،‬إالّ أنّه قد ال يكتمل الركن الما ّدي للجريمة فتتخلّف النتيجة لعدم‬
‫اكتمال تنفيذ الفعل أو لخيبة أثره‪ ،‬أو لكون تحقيق النتيجة أمرًا ُمستحيل الحدوث‪.‬‬
‫عاقبت معظم تشريعات الدول على هذه الجريمة الناقصة التي تُسمى" المحاولة " أو " الشروع "‪.‬‬
‫نظرًا لخطورة الشخص ومحاولته االعتداء على المصلحة المحمية قانونًا‪ ،‬حيث ّ‬
‫أن الضرر لم يحدث ألسباب‬
‫خارجة عن إرادة الجاني‪ ،‬فينبغي الوقوف عند هذه الحالة اإلجرامية الخطرة وتفكيكها بالعقاب‪ ،‬فقد يُكرّر‬
‫الشخص المحاولة مرّة أخرى وينجخ في تحقيق النتيجة‪.‬‬
‫نظّم ال ُمشرّع األحكام العا ّمة للشروع بالما ّدتين‪ 92‬و‪ 96‬ق ع ج ح ّدد مفهوم الشروع وبيّن أركانه‬
‫وأنواعه وعقوبته‪.‬‬
‫المطلب األ ّول‪ :‬مفهوم الشروع كمرحلة من مراحل الجريمة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أركـان الشروع‬

‫ت ُمر الجريمة بأربعة مراحل هي التفكير ث ّم التحضير ث ّم الشروع ث ّم الجريمة التا ّمة‪.‬‬
‫أن القانون ال يُعاقب على ُمجرّد النوايا واألفكار وال على األفعال التحضيرية‪ ،‬بل يُعاقب‬ ‫واألصل ّ‬
‫السلوكات التي تظهر في شكل أفعال انطالقًا من مرحلة الشروع بالبدء بالتنفيذ ث ّم الجريمة التا ّمة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وأحيانًا ي ِد ُّ‬
‫ق معيار التمييز بين مرحلة الالعقاب وهي األعما التحضيرية ومرحلة العقاب التي هي‬
‫الشروع‪ ،‬لذا ينبغي توضيح معنى الشروع ومعياره‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬مرحلة التفكير في الجريمة‪:‬‬


‫أن القانون ال يُعاقب على هذه المرحلة استنادًا إلى مبدأ "ال جريمة بدون سلوك"‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫أ) األصل ّ‬
‫النوايا واألفكار الباطنية يصعُب التأ ّكد منها بدون مظهر خارجي يُترجمها‪.‬‬
‫وقد أعفت الشريعة االسالمية من العقاب من يفكر في الجريمة فقد ورد في الحديث الشريف قوله‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم " من ه ّم بسيئة ولم يعملها لم تُكتب عليه"‪.‬‬
‫فالقاع ّدة في الشريعة اإلسالمية هي عدم العقاب على حديث النفس بالجريمة دون ارتكابها‪ ،‬وأصل‬
‫إن هللا تجاوز ألُ ّمتي ع ّما وس َوست أو حدّثت به نفسها ما لم تعمل‬
‫حديث النّبي صلّى هللا عليه وسلّم " ّ‬
‫ُ‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫به أو تتكلّم" وقوله صلّى هللا عليه وسلّم " ْ‬
‫من َهم بسيّئة فلم يعملها لم تكتب عليه‪ ،‬فإن عملها كتبت سيّئة‬
‫واحدة‪ " .‬وتسري هذه القاعدة في جرائم الحدود وقياسًا عليها في جرائم التعازير‪.‬‬

‫ب) اإلستثناء‪ :‬هناك حاالت استثنائية خاصّة تقتضي فيها المصلحة العامة تدخل المشرع بنصّ خاص‬
‫ي و تزال ُمج ّرد أفكار ونوايا كما هو الحال في‪:‬‬
‫للعقاب على أعمال ليس لها مظه ٌر ماد ٌ‬
‫‪ )1‬االتفاق الجنائي(جمعية أشرار)م‪621‬ق ع"‪..‬وتقوم الجريمة بمج ّرد التصميم على ارتكاب الفعل"‬
‫‪ )2‬التحريض‪ :‬في الما ّدة ‪"81‬إذا لم ترتكب الجريمة المزعم ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي‬
‫ارتكابها بإرادته وحدها ّ‬
‫فإنال ُمح ِرض عليها يُعاقب رغم ذلك بالعقوبات ال ُمقرّرة لهذه الجريمة" والتحريض‬
‫هو خلق فكرة الجريمة في ذهن الشخص والتأثير على إرادته وتوجيهها إلى ارتكابها‪.‬‬
‫ـ المؤامرة‪ :‬في الما ّدة‪.." 9/81‬وتقوم المؤامرة بمج ّرد اتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على‬
‫ارتكابها‪ .‬و ُكل من يَع ِرض تدبير مؤامرة ‪ ...‬دون أن يُقبَ َل َعر ُ‬
‫ضه يُعاقب بالسجن من‪ 1‬إلى‪ 62‬سنوات‪.‬‬
‫ـ التهديد‪ُ " :‬كل من ه ّدد بارتكاب جرائم القتل أو التسميم أو أي اعتداء آخر على األشخاص‪...‬يعاقب‬
‫بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات‪ ...‬وبغرامة من ‪ 22. 222‬دج إلى ‪ 622.222‬دج‪ ،‬إذا كان التهديد‬
‫مصحوبًا بأمر بإيداع مبلغ من النقود في مكان معين أو بتنفيذ أي شرط آخر " (المادة‪ 284‬ق ع ج) ‪.‬‬
‫وإذا لم يكن التهديد مصحوبًا بأي أمر أو شرط فيعاقب الجاني بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات‬
‫وبغرامة من ‪ 22. 222‬دج إلى ‪ 622.222‬دج (الما ّدة ‪ 281‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ سبق اإلصرار‪ :‬كظرف ُمش ّدد في القتل والضرب والجرح المادة ‪" 256‬سبق اإلصرار هو عقد‬
‫العزم قبل ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص ُمعيّن‪." ...‬‬
‫‪96‬‬
‫ثانياا‪ :‬مرحلة التحضير للجريمة‪:‬‬
‫أ) األصل عدم العقاب على األعمال التحصيرية‪:‬‬
‫األعمال التحصيرية هي مرحلة تأتي بعد التفكير والتصميم‪ ،‬تتجسّد بأعمال تُمهّد للجريمة بتحضير‬
‫الوسط ال ُمالئم الرتكابها‪ ،‬مثل تهيئة الوسائل وشراء األدوات التي ستُستعمل في تنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫ال يُعاقب القانون على هذه المرحلة نظرًا ألنّها ليست عمالً تنفيذيًا يدخل في تكوين الركن الما ّدي‬
‫للجريمة‪ ،‬وال تنكشف بها النيّة اإلجرامية‪ ،‬وال تنطوي على خطر يُه ّدد مصلحة ما‪ ،‬والمشرع يريد بذلك‬
‫تشجيع الجناة على العدول وعدم ال ُمضي في طريق الجريمة‪.‬‬

‫ب) اإلستثناء‪:‬‬
‫هناك بعض الحاالت االستثناية الخاصّة‪ ،‬يعاقب عليها القانون إذا ش ّكلت في ح ّد ذاتها جرائم مستتقلّة‪:‬‬
‫ـ أعمال المساهمة الجنائية م ‪ " 82‬يُعتبر شري ًكا في الجريمة من لم يشترك اشترا ًكا مباشرًا‪ ،‬ولكنّه‬
‫ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب األفعال التحضيرية‪ " ...‬ومثالها الما ّدة ‪ 29‬من‬
‫قانون مكافحة المخ ّدرات ‪" 68-28‬يُعاقب الشريك في الجريمة أو في ُك ّل عمل تحضيري‪." ...‬‬
‫ـ تنظيم ارتكاب جريمة في إطار جمعية األشرار‪ .‬معاقب بالما ّدة ‪622‬مكرّر ق ع ج‬
‫ـ تقليد المفاتيح م‪ُ " 919‬كل من قلّد أو زيّف مفاتيح يعاقب بالحبس من‪9‬أشهر إلى سنتين‪ "..‬جفاءت هفذه‬
‫الما ّدة في قسم السرقات وابتزاز األموال أي ّ‬
‫أن تقليد المفتاح ُمجرّم كعمل تحضيري للسرقة‪.‬‬
‫ـ ال ُمساعدة على االنتحار المادة ‪ُ " 273‬كل من ساعد عمدًا شخصًا في األفعال التي تساعده على‬
‫االنتحار أو تسهله له أو زوده باألسلحة أو السم أو باآلالت المعدة لالنتحار مع علمه بأنّها سوف تستعمل‬
‫في هذا الغرض يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نفذ االنتحار"‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬مرحلة الشروع في الجريمة‪:‬‬


‫ُ‬
‫حيث يبدأ فيها الجاني بتنفيذ الجريمة‬ ‫تأتي هذه المرحلة بعد التفكير في الجريمة والتحضير لها‪،‬‬
‫بسلوكات يُعاقب عليها القانون في الجنايات وفي بعض الجنح‪ ،‬مثل فعل الجاني الذي يريد قتل خصمه‬
‫ت يُشفى منها‪ ،‬أو ال يُصيب المجني عليه بأيّة إصابة‪ ،‬ألنّه ال يُحسن الرماية‪ ،‬أو ّ‬
‫ألن الجاني‬ ‫فيُصيبه بإصابا ٍ‬
‫ضبط وهو يُس ّدد سالحه‪ ،‬ففي هذه األحوال يُع ّد فعله شروعًا يُعاقب عليه بصفته ُمحاولة قتل‪.‬‬
‫ُ‬

‫راب اعا‪ :‬مرحلة الجريمة التا ّمة‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫هي مرحلة تمام الجريمة‪ ،‬تتحقّق فيها كافّة عناصر الركن الما ّدي للجريمة أي الفعفل ال ُمجفرّم‪ ،‬والنتيجفة‬
‫التففي يُري ف ُدها الجففاني بهففذا الفعففل‪ ،‬والعالقففة السففببية‪ .‬كففأن يحمففل الجففاني سففالحه محش ف ًوا بالففذخيرة ويتففربّص‬
‫بالمجنى عليه في مكان ينتظر فيه مروره ث ّم يُطلق عليه الرصاص فيقتله فيُسأل عن القتل التام‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬تعريف الشروع في الجريمة‪:‬‬


‫ال ُمحاولة الجنائية أو الشروع في الجريمة هي جريمة ناقصة بُ ِدء فى تنفيذها وتخلّف عنها عنصر‬
‫النتيجة التي كان يُري ُدها الجاني بسبب خيبة أثر الفعل رغم تمامه‪ ،‬أو بسبب عدم اكتمال الفعل بتدخل عوامل‬
‫خارجة عن اإلرادة‪ ،‬أو بسبب استحالة تحقيق النتيجة‪.‬‬
‫عرّف ال ُمشرّع الجزائري ال ُمحاولة أو الشروع في الجريمة في الما ّدة ‪ 92‬من قانون العقوبات‬
‫بأركانها‪ ،‬فال ُمحاولة » ك ّل محاوالت الرتكاب جناية تبّتدىء بالشروع في التنفيذ أو بأفعال ال لبس فيها تؤ ّدي‬
‫مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقّف أو لم يخب أثرها إال نتيجة لظروف مستقلّة عن إرادة‬
‫مرتكبها حتّى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف ما ّدي يجهله مرتكبها «‬
‫ـ والمحاولففة هففي تو ّسففع اسففتثنائي فففي المسففؤولية الجزائيففة لمج فرّد تعففريض المص فلحة للخطففر‪ ،‬خالفًففا‬
‫وخرو ًج عن القواعد العا ّمة التي تشترط توافر األركفان الثالثفة للجريمفة التا ّمفة باعتبارهفا اعتفداء فعلفي علفى‬
‫المصلحة‪.‬‬
‫ـ وهكذا تُعتبر ال ُمحاولة بح ّد ذاتها جريمة مستقلة لها أركانها الثالثفة‪ ،‬ففالركن الشفرعي هفو نفصّ المفا ّدة‬
‫‪ 92‬بالنّسبة للحنايات والنصّ الخاص بالنسبة للجنح‪ .‬والركن الما ّدي هفو البفدء بالتنفيفذ‪ ،‬والفركن المعنفوي هفو‬
‫القصد الجنائي‪.‬‬
‫ونقسم الشروع إلى نوعين هما ال ّشروع الناقص والّشروع التّام‪ .‬وذلك تبعًا لتعريف الشفروع ففي المفا ّدة‬
‫‪ 92‬من ق ع ج "‪ ....‬إذا لم توقّف أو لم يخب أثرها إال نتيجة لظفروف مسفتقلّة عفن إرادة مرتكبهفا حتّفى ولفو‬
‫لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف ما ّدي يجهله مرتكبها"‪.‬‬
‫ـ الشروع الناقص يُس ّمى الجريمة الموقوفة‪ ،‬يوجد فيها البدء في التنفيذ تُ ّم يتوقّف لظروف خارجة عن‬
‫إرادة الجاني‪ .‬ويمكن أن يكون العدول عن إكمال الفعل إراديًا معتبرًا‪ ،‬ويمكن أن يكون اضطراريًا‪.‬‬
‫ـ الشروع التام يُس ّمى الشروع غير الفعّال تكون فيه الجريمة خائبةً و وإذا وجد فيها العدول فإنّه‬
‫يكونعدوالً اضطراريًا غير معتبر‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬العدول عن الجريمة‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫يُشفرطُ لتحقيففق المحاولففة الخاضفعة للعقففاب غيففاب العفدول اإلرادي عففن إكمففال تنفيفذ الجريمففة‪ ،‬فعففدول‬
‫الجاني عن الجريمفة يمنفع قيفام الشفروع بشفرط أن يتفدخل هفذا العفدول ففي الوقفت المناسفب‪ ،‬وأن يكفون فعفالً‬
‫توقيفًا إراديًا لتنفيذ الجريمة‪ .‬فالوقت المناسب للعدول هو قبل اكتمال الجريمة وإال اعتبر عدولفه توبفة متفأخرة‬
‫ليس لها أثر في منع العقاب‪ ،‬مثل من يسعى في إصالح نتفائج جريمتفه كفرد المسفروقات‪ .‬وتجفدر اإلشفارة ّ‬
‫أن‬
‫فرصة العدول تكون في الجرائم الما ّدية أكثر من الجرام الشكلية من حيث الوقت المناسب للعدول‪.‬‬
‫والطابع اإلرادي للعدول يفترض أن يتخلّى الجاني بشكل عفوي عن مشروعه االجرامي‪ .‬أي ّ‬
‫أن التنفيذ‬
‫توقف قسرًا بمانع خارجي أثّر على المجرم وصرفه عن إتمام فعله‪.‬‬
‫فالشروع الذي ينتهي بالعدول عنه اختياريًا ال عقاب عليه‪ّ ،‬‬
‫ألن هفذا األخيفر ينبفئ عفن انعفدام الخطفورة‬
‫ّ‬
‫وألن القففانون يشففجع دائ ًمففا النوايففا الحسففنة فففي التراجففع عففن المشففروع‬ ‫اإلجراميففة التففي هففي علّففة العقففاب‪،‬‬
‫اإلجرامي‪ ،‬بسبب مشاعر نفسية كتأنيب الضمير أو الشفقة بالغريم أو الخشية من العقاب‪.‬‬
‫أ ّما الشفروع الفذي ينتهفي بالعفدول االضفطراي ففال أثفر لفه ففي منفع العقفاب‪ .‬فمفن يفرى بعفد بفدء التنفيفذ‬
‫شهودًا مقبلين أو رجال شرطة متجهين نحوه‪ .‬فتوقفه في هذه الظفروف يُعتبفر عفدوالً اضفطراريًا غيفر إرادي‬
‫ويعاقب على الشروع في الجريمة التي هو بصددها‪.‬‬
‫وال أثر لمشاعر التوبة وما يتبعها إذا جاءت بعد إتمام الجريمة كمن بادر بر ّد الرشوة بعد أخذها‪ ،‬وال‬
‫لمن أشعل النار في مكان أن يعمد إلى إطفائها‪ ،‬إال في بعض الحاالت التي قد تؤخذ فيها كظرف تخفيف‪.‬‬
‫وعندما يصعب وصف العدول باالضطراري أواالختياري يؤخذ بقاعدة تفسير الشك لمصلحة المتّهم‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬الخالف الفقهي حول العقاب على الشروع‪:‬‬


‫اختلف الفقه حول العقاب على الشروع إلى مذهبين موضوعي وشخصي‪.‬‬
‫أ) المذهب الموضوعي‪:‬‬
‫ـ يعت ّد بالضّرر اإلجتماعي‪ْ ،‬إذ ال عقوبة على مجرّد الشروع بفعل يُعرّض المصلحة اإلجتماعية للخطر‬
‫دون أن يُسبب لها ضررًا وال يمثل إخالالً فعليًا بالنظام االجتماعي‪ .‬وال عقاب على مجرّد الشروع ّ‬
‫ألن مناط‬
‫قيام الجريمة هو تحقّق النموذج التشريعي‪ ،‬فالعقوبة مرتبطة بالتحقق الفعلي لضرر الجريمة‪.‬‬
‫ـ يُعاب على النظرية الموضوعية أنّها تسفمح بفإإلفالت مفن العقفاب لكف ّل األفعفال التفي ال تُحفدث نتيجفة‪،‬‬
‫حتّى ولو كان عدم تحقق النتيجة راجع لظروف خارجة عن إرادة الفاعل‪.‬‬
‫ويميل إلى التخفيف من العقوبة على المحاولة‪ ،‬فما دامت النتيجة اإلجرامية لم تتحقق فيكفون مفن العفدل‬
‫أن تخفف عقوبتها عن عقوبة الجريمة التامة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫ب) المذهب الشخصي‪:‬‬
‫ـ ال يهت ّم بالنتيجة الجرمية‪ ،‬وإنّما يعت ُّد بدرجة الفساد واإلنحالل األخالقفي للشفخص أو درجفة خطورتفه‬
‫اإلجراميففة وضففعف قابليتففه لإلصففالح‪ ،‬فف ّ‬
‫فإن الشففروع الففذي يكشففف عففن اإلرادة اإلجراميففة والطبيعففة الخطففرة‬
‫لشخصففية الفاعففل هففو أكثففر خطففورة مففن الجريمففة التا ّمففة‪ ،‬لفذا يجففب أن يُقمففع بصففرامة‪ .‬وعلّتففه‪ ،‬هففو تعففريض‬
‫المصلحة المحمية لخطر االعتداء عليها‪ ،‬فالعبرة بالنية اإلجرامية التي اتجهت لتحقيفق النتيجفة الجرميفة حتّفى‬
‫ولو لم تتحقّق فعالً‪.‬‬
‫ـ يُس ّوي المذهب في العقاب بين الجريمة التامة والجريمة الناقصة‪ّ ،‬‬
‫ألن تخلفف النتيجفة ال يرجفع إلرادة‬
‫الجاني وإنما إلى ظروف خارجة عن إرادته‪ ،‬لذلك فاستحقاقه العقاب ال يقل عن مرتكب الجريمة التامة‪.‬‬
‫ـ يُعففاب علففى النظريففة الشخصففية معاقبففة ك ف ّل أنففواع المحاولففة الرتكففاب الجريمففة دون تمييففز‪ ،‬وبففنفس‬
‫العقوبة المطبّقة على الجريمة التا ّمة لمجرّد ظهور اإلرادة اإلجرامية‪.‬‬

‫جـ) في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫فقهاء الشريعة االسالمية لم يهتموا بوضع نظرية خاصّة للشروع وبهذا المصطلح‪ ،‬ولكنّهم أفتوا‬
‫بالتفرقة بين الجريمة التا ّمة والجريمة غير التا ّمة‪ ،‬فالشروع في الشريعة ال يعاقب عليه ال بقصاص وال بحد‬
‫بل القاعدة ّ‬
‫أن العقاب على الشروع هو عقاب تعزيري‪ ،‬وقواعد التعزير كافية للحكم على الشروع‪ .‬والتعزير‬
‫يُق ّدره ُّ‬
‫ولي األمر وال يكون مثل عقوبة الجريمة التا ّمة وال من جنسه‪ ،‬فال يُعاقب الشروع في السرقة بعقوبة‬
‫السرقة وال يعاقب الشروع في القتل بعقوبة القتل وال الشروع في الزنى بعقوبة الزنا‪ ،‬لقوله صلّى هللا عليه‬
‫وسلّم " من بلغ ح ًّدا في غير ح ّد فهو من المعتدين"‪ .‬ولكن يُجازى الشخص على الفساد‪ ،‬والترويع‪ ،‬وقصد‬
‫الشر والعمل على تنفيذه‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا القصد انتقل من مرتبة التفكير إلى مرتبة السعي والتنفيذ‪ ،‬ولكن فاته التنفيذ‬
‫ألمر لم تكن فيه للجاني إرادة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬موقف التشريع من العقاب على ال ُمحاولة‪:‬‬


‫ك ّل التشريعات ُمتفقة على معاقبة ال ُمحاولة لكن اختلف أساس العقاب لديها‪.‬‬
‫ـ التشريعات التفي تسفتلهم مفن النظريفة الموضفوعية ال تعاقفب علفى الشفروع إالّ ففي جفرائم ُمعيّنفة هفي‬
‫الجنايففات وبعففض الجففنح وهففذا إذا كانففت اإلرادة اإلجراميففة ظففاهرة بواسففطة البففدء فففي التنفيففذ‪ ،‬وفففي جميففع‬
‫الحاالت بعقوبة أق ّل ش ّدة من الجريمة التا ّمة‪.‬‬
‫ـ التشفريعات التفي تكفرّس النظريفة الشخصفية تُعاقفب علفى الشفروع ففي جميفع أنفواع الجفرائم‪ ،‬وبفنفس‬
‫عقوبة الجريمة التا ّمة حتّى ولو كان الفعل بسيطًا وتافهًا أو لم يكن هنفاك بفدء ففي التنفيفذ أصفالً‪ ،‬المهف ّم هفو أ ّن‬
‫اإلرادة الجنائية تظهر بوضوح‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ـ أ ّما التّشريع الجزائري فجاء بحل مستخلص من كال النظريتين‪.‬‬
‫ـ أخذ من المذهب الما ّدي حصر العقاب في بعض الجرائم فقفط وهفي الجنايفات وبعفض الجفنح بموجفب‬
‫النصّ الخاص‪ ،‬فمثالً ال يعاقب على الشروع في جريمة انتهفاك حرمفة منفزل الفعفل المجفرّم بالمفا ّدة‪291‬ق ع‬
‫بينما المادة ‪ 912‬تقرّر صراحة العقاب على الشروع في السرقة‪ .‬وال عقاب على الشروع في المخالفات‪.‬‬
‫ـ ويأخذ بالمذهب الشخصي عندما يساوي بين الشروع والفعل التام في العقوبة‪.‬‬
‫وانتقدت فكرة المساواة في العقوبة بين الشفروع والفعفل التفام فكفان الموقفف المؤيّفد يجفد الحفل للحفاالت‬
‫التي قد ال يستحق فيها الشروع نفس عقوبة الفعل التاّم في التفريد القضائي للعقوبفة وإعطفاء السفلطة للقاضفي‬
‫بتقففدير العقوبففة المناسففبة‪ .‬والمالئمففة بففين حففديها األدنففى واألقصففى‪ ،‬أوالنففزول عففن الحففد األدنففى إن وجففد مففن‬
‫الظروف القضائية المخففة ما يبرر ذلك‪.‬‬

‫لقيام المحاولة الجنائية الشروع في الجريمة حسب الما ّدة ‪ 92‬ق ع ج يُشترط توفّر ثالثة (‪)9‬عناصر‪:‬‬
‫‪6‬ـ البدء بالتنفيذ ‪2‬ـ عدم تحقق النتيجة بتوقف التنفيذ أو خيبته ‪9‬ـ القصد الجنائي‪.‬‬

‫البففدء بالتنفيففذ عنصففر مففا ّدي يتمثففل فففي فعففل أو نشففاط مففا ّدي للسففلوك ال ُمنفّففذ للجريمففة يكشففف عففن نيّففة‬
‫إجرامية ُمعيّنة‪ .‬وقد ثار الجدل الفقهي حول المعيار الذي يميّز به البدء بالتنفيذ عن األفعال التحضيرية‪ ،‬كحف ٍّد‬
‫فاص ٍل بين مرحلتي العقاب والالعقاب‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬موقف الفقه الوضعي من معيار البدء بالتنفيذ‪:‬‬


‫أ) المذهب الموضوعي (المادّي)‪:‬‬
‫يعت ّد هذا المذهب بالخطورة اإلجراميفة لألفعفال ولفيس بنيّفة المجفرم وشخصفه‪ ،‬فاألفعفال التحضفيرية ال‬
‫تدخل في تعريف الجريمة‪ ،‬بينما البدء في التنفيذ يدخل ففي تعريفف الجريمفة وففي ركنهفا المفا ّدي إ ّمفا كعنص ر‬
‫أوجزء مك ّون له مثل الحيازة الما ّدية للشيء المسروق بوضع اليد عليه لتنفيذ السرقة وإ ّما كظرف مشدّد‪ ،‬مثل‬
‫تسلّق حائط المنزل أو نافذته للسرقة‪.‬‬
‫ـ تقدير النظرية‪ :‬هذه النظرية رغم وضوح المعيار عندها‪ ،‬إالّ أنّها تُضيّق كثيرًا من نطاق الشروع إلى‬
‫ح ّد إفالت الكثير من الحاالت من العقاب‪:‬‬
‫‪111‬‬
‫ـ بمعيار العنصر ال ُمك ّون للركن الما ّدي يُترك بدون عقاب من يفاجفأ وهفو ي ُمف ّد يفده ناحيفة جيفب شفخص‬
‫آخر أو ناحية البضائع المعروضة بنيّة السرقة‪ ،‬طالما لم تت ّم حيازته الما ّدية للشيء المراد سرقته‪.‬‬
‫ـ بمعيار ظفرف التشفديد يُعاقفب بعقوبفة جريمفة السفرقة ولفيس القتفل مفن يفدخل إلفى منفزل متسفلّقًا وهفو‬
‫ألن التسلّق وحمل السالح هما من الظروف المش ّددة ففي جريمفة السفرقة‪ .‬كمفا ّ‬
‫أن الترصّفد ففي‬ ‫حامل للسالح‪ّ ،‬‬
‫جريمة القتل ظرف مش ّدد فهو شروع‪ ،‬بينما تصويب السالح ناحية الشخص لفيس بشفروع‪ .‬كمفا أنّفه لفيس كفل‬
‫الجرائم تقترف بظروف تشديد عينيفة‪ ،‬بفل وهنفاك ظفروف تشفديد عينيفة ال يمكفن أن يتصفور معهفا البفدء ففي‬
‫التنفيذ‪ ،‬ظرف الليل أو تعدد األشخاص في السرقة‪.‬‬

‫ب) النظرية الشخصية‪:‬‬


‫تُر ّكز هذه النظرية على النيّة اإلجراميفة وخطورتهفا‪ ،‬فالبفدء بالتنفيفذ هفو إتيفان الفعفل الفذي يكشفف عفن‬
‫اإلرادة النهائية والحاسمة الرتكاب الجريمة‪ ،‬وهو مفا يسف ّميه الفقفه الحفديث"فع ل ال ل بس في ه ي ؤدّي مباش رةا‬
‫إلى ارتك اب الجريم ة " (‪ ،)acte non-équivoque ، acte univoque‬وعليفه فالفعفل يعتبفر شفرو ًعا عنفدما‬
‫يكون متصفالً بالنتيجفة اإلجراميفة أو قريبًفا منهفا عنفد تفوفر نيفة ارتكابهفا‪ .‬ولفيس مه ّمًفا أن يُشف ّكل الفعفل المنفّفذ‬
‫عنصرًا مك ّونًا للركن الما ّدي أو ظرف تشفدي ٍد فيهفا‪ .‬أ ّمفا إذا كفان الفعفل بعيفدًا عفن هفدف الجريمفة فيبقفى عمفالً‬
‫تحضيريًا‪.‬‬
‫ـ يعتبر شارعًا في جريمة السرقة من يبدأ بكسر الخزانة ولو لم يكن قد حاز المسروقات حيازة ما ّدية‪.‬‬
‫وكذلك ال ّدخول ليالً بدون حذاء إلى بيت مسكون بنية السرقة‪ .‬والدخول إلى سيّارة متوقفة‪.‬‬
‫ـ أدان القضاء الفرنسي اتفاق الطبيب مع المرأة الحامل على اإلجهاض وتحديد الثمن وضفبطه متوجهًفا‬
‫إلى بيتها حامال في يده حقيبة األجهزة رغم أن اإلجهاض لم يبدأ فعليًا‪.‬‬
‫ـ ف ولففم تعتبففر المحكمففة بففد ًء فففي التنفيففذ ومففن ث ف ّم شففروعًا فففي جريمففة القتففل مففن يعطففي مبل ًغففا مففن المففال‬
‫وتعليمات لشخص آخر بارتكاب جريمة قتل‪ ،‬ألنّه ال توجد أفعال تؤ ّدي مباشرة لتحقيق نتيجة القتل‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬موقف التشريع‪:‬‬


‫ـ هناك تشريعات تأخذ بالمفهوم الما ّدي فتشترط وجود بدء في تنفيذ الفعل اإلجرامي وال تعاقب عليه‬
‫بنفس عقوبة الجريمة التا ّمة‪ .‬وهناك تشريعات تأثرت بالمفهوم الشخصي فهي ال تشترط البدء في التنفيذ‪،‬‬
‫وتعاقب على الشروع بعقاب الجريمة التامة بمج ّرد تحقق ظروف ومالبسات ال تدع مجاالً للشك في توافر‬
‫النية اإلجرامية لدى الفاعل‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث أنّه يأخذ بالنظرية‬ ‫ـ والمشرّع الجزائري في الما ّدة‪ 92‬ق ع ج فهو أخذ بالمعيارين معًا‪،‬‬
‫الموضوعية عندما يشترط البدء في التنفيذ‪ .‬ويأخذ بالنظرية الشخصية عندما يُع ّرف البدء بالتنفيذ بأنّه أفعال‬

‫‪112‬‬
‫ال لبس فيها تؤدّي مباشرة الرتكاب الجريمة‪ .‬فهو يُو ّسع من نطاق األفعال التي تعتبر شروعًا‪ .‬فالمعياران‬
‫يمكن الجمع بينهما وال ينفي أحدهما اآلخر‪.‬‬

‫الركن الثاني في قيام الشروع حسب المفا ّدة ‪ 92‬ق ع ج هفو عفدم تحقفق النتيجفة ألسفباب أوظفروف ال‬
‫دخل إلرادة الجاني فيها‪ ،‬فال يُتصور الشروع في الجرائم الشكلية التي ليس فيها نتيجة‪.‬‬
‫وعدم تحقق النتيجة يكون إ ّما بالتوقف القسري لتنفيذ الفعل أو لخيبة أثره‪ ،‬أ ّما لو كان التوقّف إراديًا‬
‫وحرًا ال اضطراريًا فإنّه يعتبر عدوالً عن الجريمة يجنّب صاحبه العقاب‪ ،‬كما أنّه يمكن أن يكون عدم تحقق‬
‫النتيجة في الجريمة بسبب أنّها مستحيلة‪ .‬إذن يفترض ركن انعدام النتيجة ثالث حاالت‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬الجريمة الموقوفة‪:‬‬


‫الجريمة الموقوفة هي التي انعدمت فيها النتيجة لتوقف تنفيذ الفعل بأسباب خارجة عن إرادة الجاني‪،‬‬
‫حيث ال يتم ّكن هذا األخير من استنفاذ ك ّل نشاطه‪ .‬كمن يتسلّق السور ث ّم يُمنع من مواصلة ال ّدخول إليه إلتمام‬
‫ُ‬
‫السرقة أو من يضع البنزين إلحراق البيت أو المحاصيل الزراعية لكن ال يتم ّكن من إضرام النّيران بسبب‬
‫إدراكه ومنعه ن طرف شخص آخر‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬الجريمة الخائبة‪:‬‬


‫الجريمة الخائبة هي التي يستنفذ فيها الجاني نشاطه الجرمي‪ ،‬لكن تتخلّف النتيجة لسبب خارج عن‬
‫إرادته‪ ،‬كمن يجمع المسروقات وال يتم ّكن من الخروج بها من المحرز‪ ،‬أو من يُص ّوب المس ّدس ويطلق‬
‫الرّصاص فال يُصيب الهدف لعدم دقّة التصويب‪ ،‬أو كمن تنطفئ ناره بفعل المطر فال يحترق المخزن‪.‬‬
‫من الناحية القانونية ال فرق بين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة فكالهما شروع معاقب عليه‪،‬‬
‫فالما ّدة ‪ 92‬تذكر كال الحالتين بدون تمييز‪ .‬لكن من النّاحية المعنوية في الموقوفة يكون القصد أق ّل وضوحًا‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬الجريمة المستحيلة‪:‬‬


‫ـ هي الجريمة التي ال يمكن أن تتحقق فيها النتيجة اإلجرامية‪ ،‬وهي تختلف عن الجريمة الخائبة من‬
‫أن تحقق النتيجة كان ُممكنًا بالنسبة للجريمة الخائبة بينما لم يكن ممكنًا بالنسبة للجريمة المستحيلة‪.‬‬
‫ناحية ّ‬
‫يثور النقاش واالختالف لدى الفقه عن االعتداد بالشروع وعقابه في الجريمة التي تكون نتيجتها‬
‫مستحيلة الحدوث‪ ،‬كمن يحاو ُل إجهاض امرأة هي أصالً غي ُر حامل‪ ،‬أو من يطلق الرصاص على جثة‬
‫هامدة‪ ،‬أو من يطعم شخصًا ما ّدة غير سا ّمة‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫أ) المذهب الموضوعي‪:‬‬
‫يففرى أنصففار المدرسففة التقليديففة أنّففه ال عقففاب علففى الشففروع فففي الجريمففة المسففتحيلة سففواء السففتحالة‬
‫الوسيلة أو الستحالة المح ّل‪ ،‬وذلك بحجّة أن الفعل لم يسبب أي ضرر اجتماعي وال يُمث ّل تع ّديًا على المصلحة‬
‫أن البدأ في التنفيذ غير ُمتوفّر ْإذ ال يستطيع الشخص تنفيذ ما هو ُمستحيل‪.‬‬
‫المحمية قانونًا‪ .‬كما ّ‬

‫ب) المذهب الشخصي‪:‬‬


‫ذهب أنصار المدرسفة الوضفعي إلفى أنّفه يُعاقفب علفى الشفروع ففي الجريمفة ال ُمسفتحيلة بكافّفة صُفورها‬
‫ومهما كان سبب االستحالة‪ .‬ألنّه ليس قائ ًما على النتيجة أصالً‪ ،‬وإنّما على النية اإلجرامية الخطرة‪.‬‬

‫جـ) المذهب التوفيقي‪:‬‬


‫يميز بين االستحالة المطلقة واالستحالة النسبية‪ .‬وبين اإلستحالة القانونية واالستحالة المادية‪.‬‬
‫‪ )1‬االستحالة المطلقة واالستحالة النسبية‪:‬‬
‫‪ -‬في االستحالة المطلقة ال يُعاقب الشفروع‪ ،‬وهفي تتصّفل بالوسفيلة أوبالموضفوع‪ ،‬فاسفتحالة الموضفوع‬
‫تتمثّل في انعدام موضوع الجريمة‪ ،‬كانعدام الشخص المراد قتله أصالً‪ ،‬أو كونه ميّتًا‪ .‬واستحالة الوسيلة تكون‬
‫لعدم صالحية الوسيلة في إحداث النتيجة‪ ،‬كإطالق الرصاص من سالح خال مفن الفذخيرة ففي محاولفة القتفل‪،‬‬
‫أو من يُس ّمم شخصًا بمواد غير سا ّمة‪.‬‬
‫ـ ف االسففتحالة النسففبية يُعاقففب فيهففا الشففروع‪ ،‬وهففي أن تتخلّففف النتيجففة لوجففود عففائق مففادي يحففول دون‬
‫تحققها‪ ،‬وهي التي يكون موضوعها موجودًا ولكن في غيفر المكفان الفذي يعتقفد الجفاني وجفوده فيفه‪ ،‬كفإطالق‬
‫الرصاص في المكان الذي اعتفاد المجنفي عليفه الوقفوف فيفه‪ .‬وتكفون وسفيلتها صفالحة لكفن الجفاني ال يحسفن‬
‫استعمالها مثل عدم انفجار القنبلة لعدم المهارة والدراية بكيفية استعمالها‪.‬‬

‫‪ )2‬اإلستحالة القانونية واالستحالة المادية‪:‬‬


‫ـ ترجع االستحالة القانونية إلى انعفدام أحفد األركفان القانونيفة للجريمفة ومفن ثف ّم تنتففي الجريمفة وينتففي‬
‫الشروع فيها‪ ،‬مثل انعدام مح ّل الجريمة فال يُع ُّد شار اعا في السرقة مفن يقفوم باإلسفتالء علفى مالفه الشخصفي‪،‬‬
‫وال في القتل من يُطلق الرصاص على ميّت‪ ،‬وال في اإلجهفاض مفن يحفاول إجهفاض امفرأة غيفر حامفل‪ ،‬وال‬
‫في التسميم من يُناول شخصًا ما ّدة غير سا ّمة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ـ تكون االستحالة المادية بتخلُف ظرف ما ّدي يجعل الجاني عاج ًزا عن تحقيفق النتيجفة اإلجراميفة التفي‬
‫يُري ُدها‪ ،‬وهذه الحالة ال تحول دون تحقق الشروع نظرًا لتوافر األركان القانونية الالزمة لقيام الجريمة‪ ،‬مثفل‬
‫ألن الوسيلة عادة ال تكون ركنًا في الجريمة‪.‬‬
‫استحالة الوسيلة (في ماعدا السّم) ّ‬

‫د) موقف المش ّرع الجزائري‪:‬‬


‫يأخذ بمعيار التمييز بين االستحالة الما ّدية واالستحالة القانونية عندما ينصّ " ‪..‬حتّى ولو لم يمكن بلوغ‬
‫الهدف بسبب ظرف مادّي يجهله صاحبها"‪ .‬والظرف الما ّدي قد يتعلّفق بالوسفيلة أو المحف ّل‪ .‬واعتبفر الجريمفة‬
‫ال ُمستحيلة مثل الخائبة وعاقب عليها‪ .‬ولم يعاقب االستحالة القانونية‪.‬‬
‫لكن رغم ذلك يخرج المشرّع عن هذه القاعدة وال يُعاقب على الشروع عند استحالة الوسيلة في‬
‫جريمة التسميم ألنّه يشترط أن تكون المواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجال أو آجال ‪ " ،‬التسميم هو‬
‫االعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجال أو آجال أيا كان استعمال أو إعطاء‬
‫هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها"(م ‪ 212‬ق ع ج)‪.‬‬
‫بينما عاقب اإلستحالة القانونية النعدام المحل في جريمة اإلجهاض في م ‪ 928‬ق ع ج‪ ،‬بقوله " ُكل من‬
‫أجهض امرأة حامال أو مفترض حملها ‪ ....‬أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات‬
‫وبغرامة من ‪ 500‬إلى ‪ 10.000‬دينار"‪.‬‬

‫الشروع ال ُمعاقبُ عليه سوا ٌء كان في ح ّد ذاته سلو ًكا ُمج ّر ًما أو لم يكن جريمة فهو يُعاقب بسبب القصد‬
‫ص ُد شخصًا ليغفله ويسرق منه ماالً‪ّ ،‬‬
‫فإن الترصّد في ح ّد ذاته ليس‬ ‫الذي يُلبِسُه لبُوس اإلجرام‪ ،‬كمن ير ُ‬
‫بجريمة ولكنّه صار جريمة بسبب القصد الذي البسه‪.‬‬
‫إذن يُشترط في العقاب على الشروع أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة التا ّمة بكل عناصرها‪،‬‬
‫حيث يهدف الجاني إلى إتيان السلوك وتحقيق نتيجة معينة‪ ،‬وعلى هذا األساس فالمحاولة تكون دائ ًما جريمة‬
‫عمدية‪ ،‬وال تُتصور في الجرائم غير العمدية ّ‬
‫ألن الجاني ال يهدف فيها إلى تحقيق نتيجتها اإلجرامية‪.‬‬
‫وال محاولة كذلك في الجرائم المتعدية القصد ألن النتيجة التي حدثت تعدت قصد الجاني‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫المادة ‪ : 71‬يعتبر فاعال كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة‬
‫أو الوعد أو تهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية أو التحايل أو التدليس اإلجرامي‪.‬‬
‫المادة ‪ :72‬يعتبر شري اكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا‪ ،‬ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون‬
‫الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك‪.‬‬
‫المادة ‪ : 73‬يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا لالجتماع لواحد أو أكثر من‬
‫األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع‬
‫علمه بسلوكهم اإلجرامي‪.‬‬
‫المادة ‪ : 77‬يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة‪.‬‬
‫وال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال بالنسبة للفاعل أو‬
‫الشريك الذي تتصل به هذه الظروف‪.‬‬
‫والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم‬
‫فيها يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها‪ ،‬بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف‪.‬‬
‫وال يعاقب على االشتراك في المخالفة على اإلطالق‪.‬‬
‫المادة ‪ : 75‬من يحمل شخصا ال يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة‬
‫يعاقب بالعقوبات المقررة لها‪.‬‬
‫المادة ‪ : 70‬إذا لم ترتكب الجريمة المزعم ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته وحدها فإن‬
‫المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة‪.‬‬

‫ض ُر لها‪ ،‬ثُ ّم ينفّذها‪ ،‬وهذا الشخص الجاني‬


‫قد تُرتكب الجريمة من طرف شخص واحد يُف ّكر فيها ثم يُح ّ‬
‫يُطلق عليه إسم " الفاعل" (‪ ،)Auteur‬ولكن قد يستعين الفاعل بشخص أو أكثر‪ ،‬قبل ارتكاب الجريمة أو‬
‫أثناء ارتكابها أو بعد إتمام تنفيذها‪ .‬فيتع ّدد األشخاص ال ُمتدخلون في ارتكاب الجريمة الواحدة‪ ،‬عندما تجمعهم‬
‫رابطةٌ معنوية تجعلهم يتعاونون في إحداث السلوك اإلجرامي ونتيجته‪ .‬وهؤالء األشخاص قد تتساوى‬
‫أدوارهم كما قد تختلف وتتفاوت بأن يقوم بعضهم بنشاط رئيسي خطير فيُس ّمون فاعلين أصليين‪ ،‬ويقوم‬
‫بعضهم اآلخر بنشاط ثانوي غير خطير ويُس ّمون شركاء (‪.)Complices‬‬
‫فاألسئلة التي تُطرح حول خصوصية حالة المساهمة الجماعية في ارتكاب الجريمة من الناحية‬
‫القانونية؟ وفي حالة تباين وتفاوت أدوار المساهمين هل تختلف درجات مسؤولياتهم؟ وما أساس ومعيار‬
‫التفرقة دور الفاعل األصلي ودور الشريك؟‬
‫أو بصيغة أخرى لإلشكالية‪ :‬هل يستوي إجرام الفاعل وإجرام الشريك من حيث المسؤولية؟‬
‫أجاب ال ُمشرّع على هذه التساؤالت بتنظم أحكام المساهمة الجنائية في المواد ‪ 86‬إلى ‪ 81‬من قانون‬
‫العقوبات‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫المساهمة الجنائية أو االشتراك في الجريمة‪ ،‬هي ُممارسة جماعية للنشاط اإلجرامي‪ ،‬تتمثّ ُل في حالة‬
‫تدخلهم عرضيا ً ال يستلزمه القانون‬
‫تع ّدد األشخاص الذين يتد ّخلون في ارتكاب جريمة واحدة‪ ،‬متى كان ُّ‬
‫لتحديد وصف الجريمة‪ .‬وارتكاب الجريمة الواحدة من ع ّدة أشخاص أخطر من جريمة الشخص الواحد‪.‬‬

‫أ) ركن تعدُّد الجناة‪:‬‬


‫تقوم ال ُمساهمة الجنائية على ركن تعدد الجناة بتظافر نشاط ع ّدة أشخاص الرتكاب جريمة واحدة‪ ،‬كأن‬
‫يتعاونوا على سرقة منزل مثالً‪ ،‬سواء تساوت أدوارهم ونشاطتُهم أو اختلفت‪ .‬فتع ّدد األشخاص هو ركن‬
‫ُ‬
‫حيث يمكن أن تُرتكب‬ ‫ضروري في ال ُمساهمة الجنائية لكنّه عرض ٌي وغير ضروري لوقوع الجريمة؟‬
‫الجريمة بدون تع ّدد الجناة‪ ،‬فيقوم بها جا ٍن واحد‪ .‬فمن هذه الناحية تختلف ال ُمساهمة الجنائية عن بعض أنواع‬
‫اإلجرام الجماعي الذي يفترض تع ّدد الجناة في الجريمة ويكون رُكنًا ضرورياا الرتكابها مثل جرائم الجماهير‬
‫التي يرتكبها المتظاهرون‪ .‬ومن أمثلة ذلك في القانون الجزائري ال ُمظاهرات(الما ّدة‪ 26‬من قانون ال ُمظاهرات‬
‫العمومية ‪)28-89‬المؤامرة (الم‪ 28‬ق ع ج) والتجمهر(الم‪ 92‬ق ع ج) والرشوة (الم ‪ 21‬من قانون ُمكافحة‬
‫الفساد) والزنا(الم‪ 999‬ق ع ج)‪ .‬واإلتفاق الجنائي في إطار جمعية أشرار أوعصابة ُمنظمة أوجماعة إرهابية‬
‫حيث يكون التع ّدد ركنًا لقيام الجريمة‪ ،‬في حين أ ّن المساهمة الجنائية تُمثّل اتفاقًا عرضيًا وعفويًا‪.‬‬

‫ب) ركن وحدة الجريمة‪:‬‬


‫ُ‬
‫حيث تقوم بينهم‬ ‫تقوم ال ُمساهمة الجنائية باإلضافة إلى تع ّدد الجناة‪ ،‬على وحدة المشروع اإلجرامي‪،‬‬
‫وحدة ما ّدية هي إتيان نشاط لتحقيق نتيجة إجرامية واحدة‪ ،‬ووحدة معنوية قوامها اتحاد إراداتهم‪.‬‬
‫فالمساهمة الجنائية بذلك تختلف عن إجرام الجماعات الذي تتع ّدد فيه الجرائم بتع ّدد الفاعلين‪ ،‬أين يعمل‬
‫ُك ّل شخص لحسابه أثناء وجودهم في وسط جمهور في حالة هياج‪ ،‬مثل شغب المالعب‪ ،‬والمظاهرات‪ .‬وال‬
‫تنطبق أحكام ال ُمساهمة الجنائية على التواجد العفوي لألشخاص في مسرح الجريمة‪ ،‬كما لو ُوجدوا معًا‬
‫صُدفةً يسرقون في مسكن واحد دون أن توجد بينهم وحدة معنوية‪ ،‬أي ال علم ألحدهم باآلخر ونيته‪.‬‬

‫ُ‬
‫حيث الخطورة‪ ،‬م ّما يترتّب‬ ‫قد تكون سلوكات وأدوار األشخاص المساهمين في الجريمة متفاوتة من‬
‫حيث قد تقتصر مساهمة البعض على سلوك غير خطير يتمثل‬ ‫ُ‬ ‫عنه اختالف أوصافهم ومراكزهم القانونية‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫في ُمجرّد تقديم المساعدة بأفعال سابقة على تنفيذ الجريمة‪ ،‬وقد يُساهم بعضهم اآلخر بأفعال خطيرة تدخل في‬
‫تنفيذ الركن المادي للجريمة‪ ،‬بحيث يصبحون فاعلين رئيسيين في الجريمة وليسوا ُمجرّد ُشركاء‪ ،‬ولذلك ميّز‬
‫ال ُمشرّع بين المساهمة المباشرة للفاعل والمساهمة غير المباشرة للشريك‪ ،‬في المواد ‪ 86‬ـ‪ 89‬ق ع ج‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬معيار التمييز بين األفعال األصلية وأفعال اإلشتراك‪:‬‬


‫تختلف نظريتان في تحديد هذا المعيار‪ ،‬وتختلف مواقف التشريعات في االنحياز إلى إحداهما‪.‬‬
‫أ) النظرية الشخصية‪:‬‬
‫تقوم هذه النظرية على الركن المعنوي للجريمة‪ ،‬فتستند إلى اعتبارات شخصية مر ّدها إرادة الشخص‪،‬‬
‫فالفاعل يرتكبُ الجريمة بنيّة الفاعل باعتبار الجريمة مشروعه هو لذلك يكون حضور الفاعل في الجريمة‬
‫ُ‬
‫بحيث لو كان هو الشخص‬ ‫قويًا وفعّاالً وأساسيًا‪ ،‬بينما الشريك يدخل في مشروع غيره بنيّة ال ُمساعدة فقط‪،‬‬
‫الوحيد لما ارتكبها‪ ،‬ألنّه ليس لديه نيّة ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫انتقد المعيار الشخصي بصعوبته وغموضه نظرًا لتعلُّقه بالجانب النفسي للشخص‪.‬‬

‫ب) النظرية الموضوعية‪:‬‬


‫تستند النظرية إلى الركن الما ّدي للجريمة أي إلى نوع السلوك الذي يرتكبه الشخص ومقدار خطورته‪،‬‬
‫فتعتبِر الفاعل هو الذي يرتكب عمالً تنفيذيًا للجريمة مثلما يُبيّنها النموذج التشريعي‪ ،‬أو يشرع فيه بالبدء‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬فالفاعل دوره رئيسي ُمم ِع ٌن في اإلجرام‪ ،‬بينما الشريك هو الذي يرتكب أفعاالً تحضيرية سابقة على‬
‫التنفيذ ال ترقى إلى درجة األفعال الداخلة في تكوين الركن الما ّدي ال كجريمة تا ّمة وال كشروع‪ ،‬فالشريك‬
‫دوره ثانوي‪ ،‬ال تكون له ي ٌد ُمباشرة في تنفيذ العناصر الما ّدية المكونة للجريمة‪ ،‬و ُمساهمته فيها تبقى عرضية‬
‫وتبعية للفاعل األصلي‪ .‬كمن ي ُم ُّد السارق بمعلومات عن ميعاد خروج صاحب البيت حتى يتم ّكن من سرقتة‪،‬‬
‫ف ُمجرّد تقديم المعلومة ليس في ذاته جريمة‪ ،‬بينما دخول الفاعل إلى البيت وسرقة المال جريمة في ذاته‪.‬‬
‫المعيار الموضوعي يمتاز بوضوحه وسهولة تطبيقه‪ ،‬ويستند إلى أساس قانوني منطقي‪ ،‬هو معيار‬
‫األعمال التحضيرية والشروع‪ .‬وهو المعيار الذي أخذ به ال ُمشرّع في الما ّدة ‪ 86‬بنصّها ّ‬
‫أن الفاعل هو من‬
‫ساهم ُمساهمة ُمباشرة‪ ،‬أي يعت ّد بمعيار البدء بالتنفيذ‪ ،‬ويؤ ّك ُد ذلك في تعريفه ألفعال الشريك بأنّها أعمال‬
‫تحضيرية ُمساعدة ُمسهلة ُمعاونة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أه ّمية التمييز بين الشريك والفاعل األصلي‪:‬‬


‫إستثنا ًء على قاعدة المسؤولية الشخصية على الفعل الشخصي يكون الشريك في الجريمة مسؤوالً عن‬
‫الجريمة التي ارتكبها غيره ل ُمجرّد عالقته الثانوية العرضية التبعية بهذه الجريمة‪ ،‬لذلك هناك أهمية لتمييزه‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫أ) التفريد القضائي لعقوبة الشريك‪:‬‬
‫أن القانون يُس ّوي في العقوبة بين الشريك والفاعل األصلي حسب الما ّدة ‪ 88‬من ق ع ج ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن‬ ‫رغم ّ‬
‫القاضي من الناحية العملية يُعاقب الشريك بعقوبة أخف من عقوبة الفاعل بما له من سلطة تقديرية في‬
‫ُمالءمة العقوبة ضمن مجال الح ّدين األدنى واألقصى‪.‬‬

‫ب) عدم ُمعاقبة الشريك في ال ُمخالفات‪:‬‬


‫ُ‬
‫حيث‬ ‫تنصُّ الما ّدة ‪ 88‬من ق ع ج على قاعدة عا ّمة بأنّه ال عقاب على اإلشتراك في ال ُمخالفات إطالقًا‬
‫يُعاقب الفاعل وحده‪ .‬وأن ُمعاقبة الشريك تكون في الجناية والجنحة فقط‪.‬‬
‫ويُستثنى من هذه القاعدة بعض الحاالت مثل‪ُ :‬مخالفة الضرب والجرح العمدي التي يعاقب فيها‬
‫األشخاص وشركاؤهم الذين يحدثون جروحًا أو يعتدون بالضرب أو أعمال عنف ال ينشأ عنها مرض أو‬
‫عجز عن العمل أكثر من‪ 61‬يو ًما(الم‪ .)442‬و ُمخالفة ال ُمشاجرة بين األشخاص وشركاؤهم في االعتداء أو‬
‫أعمال عنف أو من يلقون عمدًا مواد صلبة أو قاذورات على شخص(الم ‪442‬مكرر)‪.‬‬

‫جـ) تعدّد الفاعلين كظرف ُمشدّد للعقوبة‪:‬‬


‫يكون تع ُّدد الفاعلين ظرفًا ُمش ّددًا للعقوبة لكن من الفاعلين األصليين وليس الشركاء‪ ،‬فإذا كان الفاعل‬
‫واحدًا والباقي ُشركاء‪ ،‬فال يتحقّق ظرف التع ّدد‪ّ ،‬‬
‫ألن ظهور ال ُمساهمين في مسرح الجريمة بأعمالهم ال ُمباشرة‬
‫في تنفيذ الجريمة هو الذي يُرعب الضحية ويُعجزه عن ال ُمقاومة‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن الشركاء ال يظهرون كقاعدة‬
‫عا ّمة في مسرح الجريمة وال يقومون بأعمال تنفيذية‪ .‬ومثال ذلك تشديد عقوبة جنحة السرقة البسيطة إذا‬
‫ارتُكبت بواسطة شخصين أو أكثر (الم ‪ 918‬ق ع ج)‪ .‬أو تح ّولها إلى جناية السرقة الموصوفة إذا ارتكبها‬
‫شخصان واقترنت بظرف آخر كالليل‪ ،‬أوالتسلّق أوالكسر أو استعمال مركبة‪..‬إلخ)‪.‬‬

‫د) إشتراط صفة ُمعيّنة في الفاعل دون الشريك‪ :‬مثل وجوب أن يكون الفاعل موظفًا في جريمة‬
‫الرشوة‪ ،‬ومتز ّوجًا في جريمة الزنا‪.‬‬

‫هـ) اشتراط وقوع الجريمة من الفاعل األصلي لمعاقبة الشريك‪ :‬ال يُسأل الشخص عن جريمة بصفته‬
‫شري ًكا إالّ إذا ارتكبت الجريمة من طرف الفاعل‪ ،‬حيث يجب إثبات فعل اإلشتراك والفعل األصلي‪.‬‬

‫و) ال شروع في أفعال الشريك‪:‬‬


‫يُعاقب على الشروع بالنسبة للبدأ في تنفيذ األفعال األصلية‪ ،‬أ ّما إذا كان البدء بالتنفيذ ُمنصبًّا على أفعال‬
‫االشتراك فال عقاب عليها‪ .‬وإذا عدل الفاعل األصلي عن الجريمة يستفيد شريكه من العدول‪ ،‬وإذا عدل أحد‬
‫الفاعلين األصليين‪ ،‬فال يستفيد الفاعلون اآلخرون من عدوله‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫تتع ّدد صور المساهمة الجنائية‪ ،‬فقد يكون دور أحد ال ُمشاركين رئيسيًا ومباشرًا في تنفيذ الجريمة‪،‬‬
‫فيس ّمى الفاعل أو المساهم المباشر‪ ،‬وقد يكون دور المشارك في الجرية ثانويًا أو تبعيًا فيس ّمى شري ًكا‪ ،‬أو‬
‫مساه ًما غير مباشر‪ ،‬وقد يكون دوره بعيدًا عن التنفيذ الما ّدي للجريمة‪ ،‬ولكن يحمل غيره على ارتكابها‬
‫فيس ّمى ُمح ّرضًا‪ .‬فكيف ف ّرق المشرّع بين هذه األصناف من المساهمين في الجريمة؟‬

‫تقتضي المساهمة األصلية تع ّدد الفاعلين األصليين وقد وصفت المادة‪ 86‬من قانون العقوبات الفاعل‬
‫األصلي بالمساهم المباشر في تنفيذ الجريمة أو ال ُمحرّض " يُعتبر فاعالا ُكلُّ من ساهم ُمساهمة مباشرة في‬
‫تنفيذ الجريمة أو ح ّرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أوال تهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية‬
‫أو التحايل أو التدليس اإلجرامي"(‪ )1‬وأضافت الما ّدة ‪ 81‬الفاعل المعنوي‪ .‬إذن الفاعل األصلي ثالث ألنواع‪:‬‬
‫‪ -9‬الفاعل المعنوي‪.‬‬ ‫‪6‬ـ الفاعل الما ّدي ال ُمساهم ُمباشرةً في تنفيذ الجريمة ‪2‬ـ ال ُمحرّض‬

‫أ ّوالا‪ :‬الفاعل المادّي‪:‬‬


‫الفاعل الما ّدي هو الجاني الذي يرتكب نشاطًا ُمنّف ًذا للجريمة يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة‬
‫كما يتطلبه نصُّ التجريم‪ ،‬بارتكاب السلوك اإلجرامي وتحقيق النتيجة الضا ّرة مع قيام العالقة السببية الما ّدية‪،‬‬
‫والعالقة النفسية المبنية على القصد العام أو الخاص‪ .‬سواء كان الفعل جريمة تا ّمةً أو شروعًا‪.‬‬
‫ـ ال ُمساهم شخصياا بشكل ُمباشر‪ :‬قد يُساهم أكثر من شخص في ارتكاب الجريمة الواحدة فيكون لها‬
‫فاعلين وليس فاعالً واحدًا‪ ،‬وهي صورة المساهمة الجنائية األصلية أو ال ُمساهمة ال ُمباشرة‪ ،‬إذ يُحقّق كل‬
‫ُمساهم جميع عناصر الركن الما ّدي للجريمة كما هو مبين في نموذجها القانوني‪ .‬وقد يتع ّدد ال ُمساهمون في‬
‫تنفيذ األعمال التي يتكون منها الركن المادي للجريمة‪ ،‬مثل أن يضرب كل واحد من الجناة بعض الضربات‬
‫فيموت المجني عليه من مجموع تلك الضربات‪ .‬أو إذا دخلوا إلى المنزل وحمل كل واحد منهم جز ًء من‬
‫المسروقات‪ .‬فكل واحد منهم يس ّمى فاعالً أو فاعالً مع غيره‬
‫ـ وينطبق على هذا أيضًا معيار الشروع‪ ،‬حيث يمكن أن يكون الفاعل من قام بعمل يُع ُّد شروعًا في‬
‫كاف لوحده‪ ،‬واقترح معيار ظهور الشخص في مسرح‬
‫ِ‬ ‫التنفيذ‪ .‬لكن يرى بعض الفقه ّ‬
‫أن معيار الشروع غير‬
‫الجريمة‪ ،‬و ُمعاصرة فعله لوقوع الجريمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬النصّ القديم للمادة‪ 41‬قبل تعديله بالقانون ‪ 04-82‬المؤرخ في ‪ 13‬فبراير ‪ " 1982‬يُعتبر فاعالً ُكلُّ من ساهم ُمساهمة‬
‫مباشرة في تنفيذ الجريمة"(ج ر ‪ 2‬بتاريخ ‪ 13‬فبراير‪.) 1982‬‬
‫‪111‬‬
‫ثانياا‪ :‬ال ُمح ّرض‪:‬‬
‫كان ال ُمحرّض قبل‪ 1382‬يُعتبر شري ًكا في الجريمة طبقًا للما ّدة‪ 82‬وليس فاعالً أصليًا‪ّ ،‬‬
‫لكن ال ُمش ّرع‬
‫الجزائري خالف أغلب تشريعات الدول(‪ )1‬وح ّول التحريض من أفعال اإلشتراك إلى األفعال األصلية‪ ،‬وذلك‬
‫ُ‬
‫حيث نقل الفقرة‪ 6‬من الما ّدة ‪ 82‬إلى‬ ‫في تعديل قانون العقوبات بموجب القا ‪ 04-82‬في ‪ 13‬فبراير‪.1982‬‬
‫الما ّدة ‪ .86‬على أساس ّ‬
‫أن ال ُمحرّض له نيّة الفاعل وله مصلحة من وراء الجريمة ال ُمحرّضة وهو الذي خلق‬
‫الجريمة‪ ،‬وقد أخذ بهذا الموقف كل من التشريع البلجيكي والهلندي واإلسباني والبرتغالي‪.‬‬

‫أ) المقصود بالتحريض‪:‬‬


‫التحريض هو دفع الغير إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬سواء بخلق فكرة الجريمة لديه‪ْ ،‬إذ لم تكن موجودة من‬
‫قبل‪ ،‬أو بتشجيعه على تحقيق فكرة الجريمة التي كانت موجودة لديه قبل التحريض‪ .‬ويُشترطُ‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يكون التحريضُ ُمباش ارا بأن يبُث ال ُمحرِّضُ فكرة الجريمة في نفس الشخص ُمباشرة وصراحة‪،‬‬
‫وليس مجرّد زرع للكراهية والحقد فيه تجاه شخص آخر‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يكون التحريض شخصياا موجهًا لشخص ُمعيّن وليس عا ّمًا موجّها ً إلى عا ّمة النّاس في خطبة أو‬
‫إعالن إلى الجمهور‪ ،‬والذي قد يتخذ جريمة ُمستقلّة بذاتها‪ ،‬مثل التحريض العلني على التجمهرالم‪.622‬‬
‫ويختلف التحريض في الما ّدة ‪ 86‬عن التحريض الخاص غير ال ُمقيّد بالوسيلة مثل التحريض على‬
‫اإلجهاض(الما ّدة ‪ 962‬ق ع ج)‪ ،‬والتحريض على جرائم ال ُمخ ّدرات بموجب الما ّدة ‪ 22‬من قانون ُمكافحة‬
‫ال ُمخ ّدرات ‪ 68/28‬والتحريض على ارتكاب جرائم ُمعينة ُمنصوص عليها بالمواد (‪،622 ،81 ،89 ،82‬‬
‫‪ 916 ،682 ،698‬ق ع ج)‪.‬‬
‫‪ُ )3‬معظم الفقه والتشريعات الغربية والعربية يُظيف شرط وقوع الجريمة ال ُمحرض عليها لتجريم‬
‫و ُمعاقبة ال ُمحرّض عليها‪ ،‬فإذا لم تُرتكب الجريمة فمن غير المنطقي أن يُعاقب ال ُمح ِّرض‪ .‬إالّ ّ‬
‫أن المشرّع‬
‫الجزائري في الما ّدة ‪ 81‬ق ع ج خالف هذا المنطق ونصّ على معاقبة ال ُمحرّض (‪ )L’instigateur‬بشكل‬
‫ُمستقل عن ال ُمحرَّض‪ ،‬إذا لم تُرتكب الجريمة بسبب امتناع الشخص ال ُمحرَّض(بفتح الرّاء)عن تنفيذ الجريمة‪.‬‬

‫ب) وسائل التحريض‪:‬‬


‫ع ّدد المشرع الجزائري في الما ّدة‪ 86‬ق ع على سبيل الحصر وسائل التحريض وهي‪:‬‬
‫‪ )1‬الهبة‪ ،‬منح هدية مالية أو عينيّة للشخص ال ُمحرَّض‪.‬‬
‫‪ )2‬الوعد‪ ،‬الوعد بإعطاء ُمكافأة على تنفيذ الجريمة‪ ،‬قد تكون ال ُمكافأة ما ّدية أو في شكل أداء خدمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الما ّدة‪ 2/626‬من قانون العقوبات الفرنسي‪ .‬الما ّدة ‪ 92‬من المجلّة الجزائية التونسية‪ ،‬الما ّدة ‪ 629‬من القانون الجنائي‬
‫المغربي‪ ،‬الما ّدة ‪ 82‬من قانون العقوبات المصري‪ ،‬الما ّدة ‪ 81‬من قانون العقوبات اإلماراتي‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪ )3‬التهديد‪ّ ،‬‬
‫حث الشخص على ارتكاب الجريمة بالضغط على إرادته بالوعيد التي يُه ّد ُده بالقتل أو‬
‫يء عنه أو صور‪ ،‬إذا لم يرتكب الجريمة‪.‬‬
‫ال ُمساومة بنشر خبر س ّ‬
‫‪ )7‬إساءة استعمال السلطة أو الوالية‪ ،‬بأ يكون لل ُمحرٍّض سلطة قانونية على ال ُمحرَّض كأن يكون‬
‫رئيسه في العمل‪ ،‬أو يكون وليُّه الشرعي مثل األب أو الكفيل بالنسبة للقاصر‪.‬‬
‫‪ )5‬التحايل أو التدليس اإلجرامي ويُقص ُد به ُمباشرةُ أعمال تُهيّج شعور الشخص ال ُمحرَّض وتُشجّعه‬
‫وتُح ّمسُه على ارتكاب الجريمة‪ ،‬كمن ي ّدعي أمام اإلبن العنيف شديد اإلنفعال ّ‬
‫أن أباه تعرّض للضرب‬
‫واإلهانة من طرف فالن‪ ،‬فيوغر صدره عليه ويقنعه بأنّه ينبغي الثأر ألبيه م ّما يجعله يرتكب جريمة ض ّده‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬الفاعل المعنوي‪:‬‬


‫نصّت عليه المادة ‪ 45‬ق ع ج "من يحمل شخصًا ال يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية‬
‫على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات ال ُمقرّرة لها"‪.‬‬
‫الفاعل المعنوي ال يرتكب السلوك المادي للجريمة ولكن يستعين بشخص آخر غير أهل لتح ّمل‬
‫ّ‬
‫السن‪ ،‬بحيث يُسيطر عليه سيطرة تا ّمة ويكون‬ ‫المسؤولية الجزائية‪ ،‬مثالً بسبب الجنون أو اإلكراه أو صغر‬
‫بمثابة أداة في يد الفاعل المعنوي يس ّخرها لتنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫يُشترط لمعاقبة هذا النوع من الفاعلين شرطان‪:‬‬
‫أ) التحريض‪:‬‬
‫ولم يح ّدد المشرّع وسائل التحريض في هذه الصورة فقد تكون باإلغراء والترغيب أو التهديد‬
‫والترهيب‪.‬‬

‫ب) الشخص غير المؤهل للعقاب والمسؤولية‪:‬‬


‫هو الفاعل الما ّدي للجريمة عن طريق التحريض‪ ،‬ينبغي أن يكون من بين األشخاص غير المؤهلين‬
‫جنائيًا للمساءلة والعقاب بسبب صفته كصغير السن أو المجنون‪ ،‬والزوج واألصول والفروع في السرقات‬
‫بين األقارب‪ ،‬أو بسبب وضعه مثل من يفعل الجريمة كفعل ُمبرّر بأمر القانون أو إذن القانون أو الدفاع‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫أن ال ُمشرّع نظّم أحكام الشريك بشكل ُمستقل‬
‫بالرجوع لنص المادتين ‪ 82‬و‪ 89‬من قانون العقوبات نجد ّ‬
‫أن اإلشتراك اليعني القيام بدور رئيسي أو أصلي في تنفيذ الجريمة وإنّما يعني القيام‬
‫عن الفاعل على أساس ّ‬
‫بدور ثانوي ب ُمساهمة غير ُمباشرة في الجريمة‪ .‬فأفعال الشريك غير مجرمة بطبيعتها وإنّما تنجذب إلى دائرة‬
‫التجريم بوصفها حلقة من حلقات المساهمة في ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫أوالا‪ :‬عالقة الشريك بالفاعل األصلي‪:‬‬


‫يسود الفقه الجنائي مجموعة من النظريات تُوسّس فكرة العالقة التي تربط الشريك بالفاعل الرئيسي‬
‫للجريمة‪ ،‬وهي نظرية االستقاللية ونظرية اإلستعارة(التبعية)‪.‬‬
‫أ) نظرية االستقاللية‪:‬‬
‫ُ‬
‫حيث يُعتبر عمل‬ ‫مؤ ّدى النظرية استقالل الشريك عن الفاعل األصلي في مسؤوليته عن الجريمة‬
‫الشريك منفصالً من حيث التجريم والعقوبة عن فعل الفاعل األصلي‪ ،‬ويترتّب عن هذا النتائج التالية‪:‬‬
‫‪6‬ـ الشريك يُسأل جنائيًا بحسب خطورته هو بصرف النظر عن خطورة الفاعل األصلي‪ ،‬ولهذا قد‬
‫تكون مسؤوليته أش ّد من مسؤولية الفاعل األصلي‪.‬‬
‫الخاص به وال يتأثر بما يرتكبه الفاعل من جرائم جديدة لم تكن‬
‫ّ‬ ‫‪2‬ـ الشريك يُسأل جنائيًا بحسب قصده‬
‫في ذهنه‪ .‬كمن يشترك في السرقة ث ّم يقوم الفاعل بالسرقة والقتل‪.‬‬
‫‪9‬ـ الشريك ال يتأثر بموانع السؤولية أو العقاب ال ُمتوفّرة في الفاعل إذا كانت ذات طابع شخصي‪ ،‬وال‬
‫يتأثر بأسباب انقضاء الدعوى المتصلة بالفاعل األصلي كوفاته أو العفو الشامل عنه‪ .‬ولكنّه يتأثر بالظروف‬
‫الما ّدية ال ُمتصلة بالسلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪8‬ـ ال ُمحرِّض يُعاقب حتى ولو امتنع ال ُمحرَّض عن ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫ب) نظرية اإلستعارة‪:‬‬


‫مفا ُدها ّ‬
‫أن الشريك يستم ُّد إجرامه وصفته اإلجرامية من فعل الفاعل األصلي‪ ،‬فهو تابع له ومرتبط‬
‫بمصيره من حيث التجريم والعقاب‪ .‬ويترتّب عن هذه التبعية‪:‬‬
‫‪ 6‬ـ التسوية الكاملة بين الشريك والفاعل من حيث المسؤولية‪ ،‬والعقوبة وظروفها الشخصية‬
‫والموضوعية‪ ،‬بشرط أن تقع الجريمة األصلية‪.‬‬
‫‪2‬ـ ال يُعاقب الشريك إال إذا ارتكب الفاعل الجريمة وال يُعاقب ال ُمح ِّرض على الجريمة إذا امتنع‬
‫ال ُمحرَّض عن ارتكابها‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪9‬ـ الشريك يُسأل في نطاق خطورة الفاعل وبحسب قصد الفاعل فإذا ارتكب الفاعل جرائم جديدة غير‬
‫التي أراد الشريك االشتراك فيها ّ‬
‫فإن الشريك يُسأل عنها‪.‬‬
‫‪8‬ـ يتأثر الشريك بموانع المسؤولية والعقاب وأسباب انقضاء الدعوى الجزائية المرتبطة بالفاعل‪.‬‬
‫النظرية أ ّدت إلى نتائج متناقضة في بعض الحاالت مثل جريمة قتل األصول التي تُش ّدد فيها عقوب‬
‫الشريك‪ ،‬وفكرة معاقبة التحريض على الجريمة رغم عدم وقوعها‪.‬‬
‫حاول أنصار النظرية التخفيف فقالوا باالستعارة النسبية أ ّو ال ُمقيّدة بدل ال ُمطلقة‪ ،‬وفيها أنّه ال يستفيد من‬
‫الظروف الشخصية ال ُمش ّددة أو ال ُمخفّفة للعقوبة إال من توفّرت فيه‪.‬‬

‫جـ) موقف المش ّرع‪ :‬هو المذهب الوسطي‪ ،‬بين التبعية واالستقاللية‪:‬‬
‫‪6‬ـ التبعية‪ :‬من حيث المساواة في العقوبة(الما ّدة ‪ 6/88‬ق ع ج)‪ .‬وتأثر الشريك بالظروف الموضوعية‬
‫اللصيقة بالجريمة (الما ّدة ‪ 9/88‬ق ع ج)‪.‬‬
‫‪2‬ـ اإلستقاللية‪ :‬من حيث‪ :‬ـ ُمعاقبة ال ُمحرّض رغم عدم وقوع الجريمة ال ُمحرّضة(الم‪81‬ق ع ج)‬
‫و ُمعاقبة الفاعل المعنوي (الما ّدة ‪ 81‬ق ع ج)‪ .‬واستقالل الشريك بظروفه الشخصية (الم ‪ 2/88‬ق ع ج)‬
‫ومثاله قتل الطفل الحديث العهد بالوالدة (الما ّدة ‪ 616‬ق ع ج)‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أركان جريمة الشريك‪:‬‬


‫عرّفت المادة ‪ 42‬الشريك في الجريمة بأنّه " من لم يشترك اشترا ًكا مباشرًا‪ ،‬ولكنّه ساعد بكل الطرق‬
‫أوعاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك"‪.‬‬
‫وعرّفت المادة‪ 43‬الشريك الحكمي يأنّه " يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانًا‬
‫لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو‬
‫ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكهم اإلجرامي"‪.‬‬

‫أ) عناصر الركن المادّي لفعل االشتراك‪:‬‬


‫‪ )1‬وقوع جريمة من الفاعل األصلي‪ :‬فعل الشريك تابع لجريمة الفاعل الرئيسي‪ ،‬فالب ّد أن تقع الجريمة‬
‫التا ّمة أو الشروع فيها لمساءلة الشريك‪ ،‬ويشترط أن تكون الجريمة جناية أو جنحة‪.‬‬

‫‪ )2‬السلوك المادي لإلشتراك‪ :‬يتمثل في جميع أعمال المساعدة التي يُق ّدمها الشريك للفاعل األصلي‬
‫بغرض الوصول إلى تحقيق النتيجة اإلجرامية‪ .‬وقد بيّنت المادة ‪ 82‬ق ع صور اإلشتراك في ثالثة أنواع من‬
‫األعمال وهي‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫‪1‬ـ األعمال التحضيرية‪ :‬وهي األعمال التي تقع قبل تنفيذ الجريمة وتتضمن التحضير لها‪ .‬كتقديم‬
‫معلومات عن مكان السرقة‪ ،‬أو شراء سالح أو توفير مركبة‪.‬‬
‫‪2‬ـ األعمال ال ُمس ّهلة لتنفيذ الجريمة‪ :‬وهي أعمال المساعدة التي تعاصر ارتكاب الجريمة أي األعمال‬
‫التي تقع بعد البدء في تنفيذ الجريمة بغرض جعل هذا التنفيذ أكثر سهولة‪ ،‬أو إلزالة عقبة تعترض تحقيق‬
‫الجريمة‪ .‬وهي أعمال تقع غالبًا في غير مسرح الجريمة‪ ،‬مثل قيام أحدهم بتعطيل المجني عليه عن العودة‬
‫إلى منزله حتى تتم السرقة فيه‪.‬‬
‫‪3‬ـ األعمال ال ُمت ّممة‪ :‬وهي معونة ومساعدة تُعاصر المرحلة الختامية لتنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫‪7‬ـ إيواء األشرار‪ :‬بسبب المخاطر التي يتع ّرض لها المجتمع في تشجيع أعمال اإلجرام وتقديم المكان‬
‫اآلمن لمن يُخ ّل بأمن الدولة‪ ،‬اعتبرت المادة ‪ 89‬من قانون العقوبات في حُكم أفعال االشتراك االعتاد على‬
‫تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان لإلجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد‬
‫أمن الدولة أو األمن العام‪ ،‬أو ضد األشخاص‪ ،‬أو األموال مع علمهم بسلوكهم اإلجرامي‪.‬‬

‫ب) الركن المعنوي‪:‬‬


‫ـ يتفق الفقه على أمكانية تص ّور ال ُمساهمة األصلية في الجرائم غير العمدية كالمساهمة في القتل الخطأ‬
‫أو الجرح الخطأ من أكثر من شخص‪ ،‬حيث يُعتبرون فاعلين أصليين‪ .‬لكن يختلف الفقه في إمكانية تص ّور‬
‫ال ُمساهمة غير ال ُمباشرة في الجريمة غير العمدية بين ُمؤيّد ومعارض‪ .‬والراجح هو ّ‬
‫أن الركن المعنوي‬
‫لإلشتراك هو القصد الجنائي المطلوب للجريمة العمدية‪ ،‬والقائم على العلم واإلرادة‪.‬‬
‫‪ )1‬العلم هو إحاطة الشريك عل ًما بأركان الواقعة اإلجرامية موضوع اإلشتراك‪ ،‬أي علم الشريك‬
‫بماهية سلوكه وبسلوك اآلخرين‪ ،‬فمن يُعير سيّارته لصديقه وكان يجهل أنّه سينقل بها المخ ّدرات أو‬
‫المسروقات ال يُع ُّد شري ًكا في هذه الجرائم‪ ،‬ومن يصنع مفتاحًا لشخص وهو ال يعلم أنّه سيستخدمه في فتح‬
‫مسكن وسرقة محتوياته ال يع ُّد شري ًكا في السرقة‪.‬‬
‫‪ )2‬اإلرادة يجب أن تتجه ارادة الشريك إلى مساعدة الفاعل في تحقيق الواقعة اإلجرامية‪ .‬فمن يبيع‬
‫خنجرًا لشخص آخر وهو يعلم أنّه سيستعمله في جريمة اإلعتداء ال يُسأل عن هذه الجريمة إالّ إذا اتجه قصده‬
‫للمساهمة في هذه الجريمة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬عقوبة الشريك‪:‬‬


‫هناك نظامان يُؤسّسان مسؤولية الشريك‪ ،‬النظام األ ّول يُس ّوي بين جميع ال ُمساهمين في الجريمة من‬
‫حيث المسؤولية والعقاب‪ ،‬مهما اختلفت أدوارهم‪ ،‬وهذا استنادًا إلى نظرية تعادل األسباب‪ ،‬وبحجّة أنّه لو ال‬
‫مساهمة وتدخل نشاط كل واحد منهم لما تحققت النتيجة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫والنظام الثاني يفرق بين المساهمين وفقًا لدرجة خطورة سلوكهم وال يس ّوي بينهم في العقوبة‬
‫والمسؤولية‪ ،‬ويميّز بين فئة المساهمين األصليين األكثر خطورة وذوي النشاط األكثر أه ّمية‪ ،‬والمساهمين‬
‫التابعين ذوي النشاط األقل أه ّمية‪ ،‬ويترتب عليه االختالف في العقوبة‪.‬‬

‫أ) مبدأ ُمساواة العقوبة بين الشريك والفاعل األصلي‪:‬‬


‫ـ يقضي هذا المبدأ بمعاقبة الشريك في الجناية أو الجنحة بنفس العقوبة المقرّرة للفاعل األصلي (المادة‬
‫‪ 88‬من قانون العقوبات)‪ .‬وكذلك األمر إذا ت ّم االشتراك في مخالفة ينصّ القانون على عقوبة اإلشتراك فيها‪.‬‬
‫ويستند المبدأ إلى فكرة تبعية الشريك للفاعل األصلي واستعارة التجريم والعقاب‪.‬‬
‫لكن التشريعات لم تأخذ المبدأ على إطالقه بل خفّفت من ُمقتضياته ألنّه يتنافى مع مبادئ علم اإلجرام‬
‫ـ ّ‬
‫على أساس ّ‬
‫أن الشريك أق ّل خطورة من الفاعل األصلي‪ ،‬ويتنافى مع علم العقاب‪ ،‬وعلى أساس تناقضه مع‬
‫مبدأ تفريد العقاب‪ .‬فقد تختلف عقوبة فاعل أصلي عن عقوبة فاعل أصلي آخر أو عن عقوبة الشريك‪ ،‬إعماالً‬
‫لمبدأ التفريد القضائي للعقوبة‪ ،‬بما للقاضي من سلطة في تقدير العقوبة بالخيار بين الح ّدين األدنى واألقصى‪،‬‬
‫والخيار بين الحبس أو الغرامة‪ ،‬والخيار بين نفاذ العقوبة ووقف التنفيذ‪ ،‬أو تخفيفها بظروف التخفيف التي‬
‫أجازتها الما ّدة ‪ 19‬ق ع ج‪ .‬أو التفريد التشريعي باالستناد إلى نصوص القانون التي تمايز بين عقوبة الشريك‬
‫والفاعل األصلي في مثل جريمة الهروب الم ‪ 688‬وال ُمساعدة على الهروب الم ‪ 696‬و‪ 692‬ق ع ج‪ ،‬أو مثل‬
‫الظروف ال ُمش ّددة ال ُمح ّددة بالقانون‪ ،‬أين يكون القاضي ُمجبرًا على تطبيقها وليس له تقدير‪.‬‬

‫ب) أثر الظروف على عقوبة الشريك‪:‬‬


‫‪ )1‬أثر الظروف الموضوعية‪ :‬هي الظروف العينية أو الما ّدية ال ُمتصلة بالركن المادي للجريمة‪ ،‬تُغيّ ُر‬
‫من خطورته زيادةً ونُقصانًا‪ .‬والقاعدة فيها أنّه إذا كانت ظروفًا ُمش ّددة فهي تسري على المساهم سواء كان‬
‫فاعالً أو شري ًكا بشرط أن يكون عال اما بها الم ‪ 9/88‬ق ع ج‪ .‬وإذا كانت ظروفًا ُمخففةً فإنّها تسري على‬
‫جميع المساهمين سواء علموا بها أو لم يعلموا‪.‬‬
‫‪1‬ـ الظروف الموضوعية ال ُمشدّدة قد ترجع إلى وسيلة الجريمة مثل الكسر والتسلّق‪ ،‬وحمل السالح‬
‫الظاهر واستعمال المركبة والمفاتيح ال ُمصطنعة واستعمال العنف والق ّوة في السرقة الم‪ 916‬ق ع ج‪ ،‬أو السّم‬
‫في القتل) أو زمان الجريمة ليالً أو نهارًا الم ‪ 919‬أو زمن الفتنة والزلزال والفيضان والحريق واالنفجار‬
‫واإلضطرابات‪ 916‬ق ع ج أو مكانها (في الطرق العمومية ووسائل نقل المسافرين والموانئ‬
‫والمطارات‪...‬الم ‪ 912‬ق ع ج) أو عدد فاعليها الم‪.‬‬
‫‪2‬ـ الظروف الموضوعية ال ُمخفّفة مثل عذر تجاوز الدفاع الشرعي في الما ّدة ‪ 286‬ق ع ج في حالة‬
‫الضرب والجرح ض ّد من يُفاجأ بهتك عرض قاصر‪ .‬أو حالة القتل أو الجرح أو الضرب عند وقوع ضرب‬
‫شديد على شخص الم ‪ 228‬ق ع ج‪ .‬وحالة إنهاء الحجز والخطف طبقًا للما ّدة ‪ 298‬ق ع ج‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫‪ )2‬أثر الظروف الشخصية‪ :‬وهي صفة أو حالة تقوم في من يرتكب الجريمة يعت ُّد بها القانون في‬
‫تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها أو منع المسؤولية الجزائية عن من توفّرت فيه‪ ،‬فهذه الظروف‬
‫صةٌ بالجاني ال تسري إالّ على من توفّرت فيه دون باقي المساهمين سواء فاعلين أصليين أو شركاء‪.‬‬
‫خا ّ‬
‫‪1‬ـ الظروف الشخصية ال ّمشدّدة مثل ظرف العود في المواد ‪ُ 18‬مكرّر إلى ‪ُ 18‬مكرّر‪ ،10‬الذي يُش ّدد‬
‫العقوبة بالنسبة للعائد دون شركائه غير العائدين‪ .‬ومثل صفة البن ّوة في قتل األصول‪ ،‬تُش ّد ُد العقوباة بالنسبة‬
‫لإلبن القاتل دون ُشركائه (الم ‪ 216‬ق ع ج)‪.‬‬
‫‪2‬ـ الظروف الشخصية المخففة وهي نوعان‪ ،‬األولى ظروف قضائية ليست محصورة بل متروكة‬
‫للسلطة التقديرية للقاضي عندما يرى وجهًا للتخفيف‪ ،‬نصّت عليها المادة ‪ 19‬ق ع ج‪ .‬والثانية هي الظروف‬
‫أو األعذار القانونية التي ذكرها القانون على سبيل الحصر‪ ،‬مثل صفة األم في قتل الطفل حديث العهد‬
‫ّ‬
‫السن بين ‪62‬سنوات و‪ 68‬سنة‪ .‬صفة الزوج في الجريمة بدافع‬ ‫بالوالدة الم ‪ 2/216‬ق ع ج‪ .‬وعذر صغر‬
‫الشرف الم ‪ 229‬ق ع ج‪.‬‬
‫‪3‬ـ الظروف الشخصية المعفية من العقوبة وتُس ّمى كذلك األعذار القانوني ُمح ّددة قانونًا على سبيل‬
‫الحصر مثل صفة القرابة في جريمة عدم اإلبالغ عن الجناية‪ ،‬وصفة القرابة أو الزوجية في جرائم السرقة‬
‫والنصب وخيانة األمانة‪ ،‬واإلخفاء‪.‬‬
‫‪7‬ـ الظروف الشخصية المانعة من المسؤولية الجزائية‪ ،‬وهي ظروف ينعدم بها الركن المعنوي‬
‫النعدام اإلرادة فتنتفي بها المسؤولية الجزائية لمن توفّرت فيه وهي الجنون وصغر السن واإلكراه كما نصّت‬
‫عليه المواد ‪ 89-82‬ق ع ج‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الركـــن املعـنوي للجرمية‬

‫ـ يقصد بالركن المعنوي الكيان المعنوي للجريمة يُمثّل العالقة النفسية بين الجاني وما ّديات الجريمة‪،‬‬
‫وأن الجريمة لها أصول نفسية تُسيطر‬ ‫والتي تُبي ُّن ّ‬
‫أن الفعل الما ّدي للجريمة صاد ٌر عن إرادة إجرامية(آثمة) ّ‬
‫على ما ّدياتها‪ ،‬والمبدأ يقضي بأنّه "ال جريمة بدون خطأ"‪ .‬فالشخص الذي ارتكب الجريمة يكون قد أخطأ‬
‫إ ّما قاص ًدا ُمتع ّمدًا عن وعي وإدراك وبنية اقتراف السلوك اإلجرامي‪ ،‬وإ ّما نتيجة إهمال منه أو رعونة‪ ،‬وذلك‬
‫بما له من إدراك وتمييز وحرية االختيار‪ ،‬تؤ ّكد قُدرته على توجيه إرادته وسلوكه والتمييز بين الخير والش ّر‪.‬‬
‫ـ أهميّة الركن المعنوي تكمن في‪:‬‬
‫أن بهذه الرابطة المعنوية يسند القاضي السلوك الجنائي لفاعله تطبيقًا لمبدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫ـ ّ‬
‫ـ أنّه يكشف عن مدى خطورة شخصية الجاني ويُساهم في تحقيق أغراض العقوبة المناسبة‪.‬‬
‫ـ يُساهم في تحقيق ذاتية القانون الجنائي باعتباره القانون الوحيد الذي يهتم بالجانب النفسي للشخص‪.‬‬
‫ـ صور الركن المعنوي‪ ،‬األصل في الجرائم أنّها تقوم على القصد الجنائي(الخطأ العمدي) بإرادة‬
‫موجّهة بوعي بنيّة اقتراف السلوك اإلجرامي‪ .‬واستثنا ًء تكون الجرئم غير عمدية تقـوم علـى الخطـأ(الخطأ‬
‫غير العمدي)‪ ،‬تتّجه فيه اإلرادة لتحقيق الفعل دون النتيجة‪ .‬وميّزت الشريعة اإلسالمية‪ ،‬بين العمد والخطأ‪،‬‬
‫(األحزاب)‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫فهناك فرق بين القتل العمد الذي يوجب القصاص والقتل الخطأ الذي يوجب الدية‬
‫﴾(البقرة)‪﴿.‬‬ ‫فعن القتل العمد يقول تعالى ﴿‬
‫﴾ (المائدة)‪﴿.‬‬
‫﴾(المائدة) وعن القتل الخطأ يقول تعالى ﴿‬
‫(‪( ﴾)29‬النساء)‪.‬‬
‫ـ وكذلك ميز التشريع الجنائي الجزائري بين الصورتين القصد الجنائي في الجرائم العمدية من جهة‪،‬‬
‫والخطأ في الجرائم غير العمدية من جهة أخرى‪ ،‬فمثالً نصّ على جريمة القتل العمد في الما ّدة ‪218‬‬
‫ق ع " القتل هو إزهاق روح إنسان عم ادا "‪ .‬وعاقبت عليها الما ّدة ‪ 218‬ق ع باإلعدام "‪.‬‬
‫ونصّت على القتل الخطأ المادة ‪ُ " 288‬كل من قتل خطأ ا أو تسبّب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو‬
‫عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من‬
‫‪1.000‬إلى ‪ 20.000‬دينار "‪ .‬وعليه يكون تقسيم المبحث إلى مطلبين‪:‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم العمدية(القصد الجنائي)‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الركن المعنوي في الجرائم ير العمدية(الخطأ)‬

‫‪118‬‬
‫القصد الجنائي هو العمد والصورة النموذجية لإلرادة اآلثمة أين يبرز بجالء تح ّدي الجاني ألوامر‬
‫المشرّع ونواهيه‪ .‬ويُعرّف بأنّه "اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بعناصرها"‪.‬‬
‫والمش ّرع الجزائري ال يعرّف القصد الجنائي لكن يستعمل مصطلح "القصد" كما في المادة ‪198‬‬
‫"‪ُ ...‬كل من أسهم عن قصد‪ ،‬بأيّة وسيلة كانت‪ ،‬في إصدار أو توزيع أو بيع أو إدخال النقود أو السندات‪"...‬‬
‫وأحيانًا يستعمل مصطلح "العمد" كما في جريمة كسر األختام عم ادا أو الشروع عم ادا في كسرها في‬
‫المادة‪ ،155‬وجريمة الجرح العمد في الما ّدة ‪...218‬إلخ‪.‬‬
‫والقصد الجنائي مسألةً نفسية‪ ،‬لكنّها تتجسّد ويت ّم استخالصُها من ظروف ومالبسات الجرائم‪ ،‬وبواعث‬
‫الرتكابها‪ ،‬والوسائل المستعملة وغيرها من العناصر السابقة‪ ،‬والمعاصرة والالحقة للجريمة‪.‬‬

‫ال يقوم القصد الجنائي إالّ إذا توفّرت عناصره بأن يكون الجاني على علم بأركان الجريمة‪ ،‬وتتجه‬
‫إرادته إلى النشاط اإلجرامي ونتيجته أو قبولها‪.‬‬

‫يُشترط لتحقّق القصد الجنائي علم الجاني بالعناصر المك ّونة للجريمة التي يتطلّبها الوصف القانوني‬
‫ويُميّزها عن غيرها من الجرائم‪ .‬والجهل بأحد هذه العناصر أو الغلط فيها ينفي وجود القصد‪ .‬لكن هناك‬
‫عناصر ثانوية أخرى ترتبط بالجريمة ال يؤثر الجهل بها أو الغلط فيها على القصد الجنائي‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬العناصر التي يجب العلم بها ويؤثّر جهلها على قيام القصد الجنائي‪:‬‬
‫أ) العلم بموضوع الحق المعتدى عليه‪:‬‬
‫يهدف ال ُمشرّع من وراء تجريم فعل ُمعيّن‪ ،‬صيانة حق جدير بالحماية الجنائية‪ ،‬لذا ينبغي أن يكون‬
‫معلو ًما لدى الجاني حتّى يتوفّر لديه القصد الجنائي‪ ،‬مثل العلم ّ‬
‫بأن المال مملوك للغير في السرقة(الم ‪ 912‬ق‬
‫حي في جريمة القتل‪ ،‬والعلم ّ‬
‫بأن النقود مز ّوة عند طرحها للتداول (الم‪ 201‬ق ع ج)‪.‬‬ ‫ع)‪ ،‬والعلم ّ‬
‫أن الشخص ُّ‬

‫ب) العلم بخطورة الفعل‪:‬‬


‫لكي يكون الجاني قاصدًا ُمتع ّمدًا ارتكاب الجريمة ينبغي أن يكون عال ًما ّ‬
‫بأن فعله ينطوي على خطورة‬
‫وأنّه يُشكل اعتدا ًء على مصلحة محمية قانونًا‪ ،‬فمثالً ينتفي القصد في القتل بالتسميم إن جهل الفاعل ّ‬
‫أن في‬
‫الطعام الذي ق ّدمه للضحية ُس ًما‪ ،‬ومن وضع على جسد إنسان ما ّدة حارقة ضنًا منه أنّها عطر‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫جـ) العلم بالنتيجة اإلجرامية‪:‬‬
‫النتيجة اإلجرامية هي واقعها ُمستقبلية‪ ،‬يكون العلم بها عن طريق التوقُّع‪ ،‬فيجب أن يتوقّع الجاني‬
‫النتيجة اإلجرامية كما يُقرّرها القانون في الجرائم ذات النتيجة‪ ،‬مثل أن يتوقّع الجاني ّ‬
‫بأن نتيجة فعله هي وفاة‬
‫المجني عليه‪ ،‬فإذا كان الجاني يضرب الضحية ُمزاحًا وال يعلم ّ‬
‫أن هذا الضرب تنجم عنه الوفاة ينتفي قصد‬
‫القتل‪ ،‬وتنحصر مسؤوليته في قصد الضرب والجرح فقط‪.‬‬

‫د) العلم بالزمان والمكان‪:‬‬


‫في بعض الجرائم يشترط القانون علم الجاني بطبيعة المكان أو الزمان‪ ،‬مثل التجمهر في الطريق‬
‫العمومي (الم‪ 92‬ق ع)‪ ،‬والسكر العلني في األماكن العمومية‪ ،‬وترك األطفال والعاجزين في في مكان خا ٍل‬
‫من النّاس (الم ‪ 968‬ق ع)‪ ،‬وبيت الخدمة بالنسبة للخادم السارق (الم ‪ 219‬ق ع) أو السرقة الموصوفة بسبب‬
‫توفر ظرف الليل مع ظرف آخر (الم ‪ 919‬ق ع)‪ .‬وزمن الحرب في جريمة الخيانة (الم‪ 92‬ق ع)‪.‬‬

‫هـ) العلم بالركن الخاص‪:‬‬


‫مثل بعض الصفات المطلوبة في الجاني أو المجني عليه التي يُشترط إحاطة العلم بها‪ ،‬كصفة الموظف‬
‫في جريمة إهانة موظف أثناء أداء مهامه(الم ‪ 688‬ق ع) أو جرائم الرشوة واختالس المال العام في المواد‬
‫‪21‬و ‪ 29‬من قانون ُمكافحة الفساد‪.‬‬

‫و) العلم بالظروف المشدّدة ال ُمغيّرة لوصف الجريمة‪:‬‬


‫إذا كان وصف الجريمة ُمرتبطًا ببعض الظروف المش ّددة‪ ،‬فإنّه ينبغي العلم بها كي يُسأل الشخص على‬
‫أساسها‪ .‬مثل جناية السرقة الموصوفة المقترنة بظرف العنف وحمل سالح ظاهر عندما يكون الجاني على‬
‫علم بهذه الظروف‪ ،‬ويُسأل عن جنحة السرقة البسيطة إذا انتفى عل ُمه بتوفّرها (الما ّدة ‪ 919‬ق ع)‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬العناصر التي ال يؤثر الجهل بها في قيام القصد الجنائي‪:‬‬


‫هناك وقائع أخرى ال يتطلّب القانون العلم بها‪ ،‬قد تكون ُمرتبطة بالجريمة لكنّها ليست أركانًا أو‬
‫عناصر فيها‪ ،‬فالجهل بها ال يؤثر على وجود القصد الجنائي‪ ،‬ويُحاسب على جرائمه على أساس العمد‪:‬‬
‫أ) العلم باألهلية الجنائية‪:‬‬
‫أن له حصانة‪ ،‬أو أنّه‬
‫إذا كان الجاني يجهل أنّه أهل لتح ّمل المسؤولية ويظن أنّه دون السن القانونية‪ ،‬أو ّ‬
‫ُمصاب بمرض عقلي‪ ،‬وتبيّن ّ‬
‫أن الحقيقة غير ذلك‪ ،‬فهذا الجهل ال يؤثر في قيام القصد ومن ث ّم المسؤولية‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ب) العلم بالظروف الشخصية المشدّدة المتعلقة بالجاني‪:‬‬
‫كظرف العود‪ ،‬حيث ال يستطيع المتهم أن يتحجّج بنسيانه اإلدانة السابقة‪.‬‬

‫جـ) العلم بالقانون ال ُم َج ّرم‪:‬‬


‫العلم بالقانون ُمفترض لدى عا ّمة النّاس ال يجوز الدفع بجهله‪ ،‬حيث تنصّ ُمعظم الدساتير ومنها الما ّدة‬
‫‪ 28‬من الدستور الجزائري بأنّه ال يُعذر بجهل القانون‪ .‬خاصّة إذا كانت الجريمة من الجرائم المعلومة لدى‬
‫الناس بالطبيعة وتتنافى مع مبادئ األخالق‪.‬‬

‫يتحقق القصد الجنائي إذا اتجهت اإلرادة إلى السلوك اإلجرامي ونتيجته بحسم قرار اإلختيار بين‬
‫اإلقدام على الجريمة واإلحجام عنها ثُ ّم تنفيذ الفكرة في الواقع‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬تعريف اإلرادة‪:‬‬
‫اإلرادة كعنصر في القصد الجنائي هي قوة نفسية أو نشاط نفسي تُوجّه كل أعضاء الجسم أو بعضها‬
‫نحو تحقيق غرض غير مشروع‪ ،‬أو هي نشاط نفسي واع ومدرك يُسيطر على السلوك الما ّدي ويوجّهه نحو‬
‫هدف تحقيق نتيجة إجرامية في الجرائم ذات النتيجة‪ ،‬وإلى اقتراف الفعل في الجرائم الما ّدية‪ .‬ويُشترط في‬
‫اإلرادة إذن أن تكون خالية من العيوب التي قد تنفي التمييز أو حرية االختيار‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أثر اإلرادة ال َمعيبة بعيب الغلط‪:‬‬


‫قد تكون اإلرادة معيبة بعيب الغلط في أحد عناصر الجريمة أو في محلّها‪:‬‬
‫أ) الغلط في عناصر الجريمة‪:‬‬
‫إذا كان الغلطُ جوهريًا ينصبّ على واقعة تدخل في العناصر ال ُمك ّونة للجريمة أو ظرفًا ُمش ّددًا فإنّه ينفي‬
‫القصد الجنائي‪ ،‬كالغلط في النتيجة إذا اختلفت النتيجتان(الحقيقية والوهمية) في القيمة القانونية‪ ،‬كمن يغلط‬
‫في حقيبته في المطار لوجود تشابه مع حقائب أخرى فيأخ ُذ حقيبة غيره‪ ،‬أو من يُطلق رصاصًا في الهواء‬
‫لتفريق التجمهر فيُصيب شخصًا كان يقف في شرفة منزله‪ .‬ال يُسأل عن جريمة عمدية‪.‬‬

‫ب) الغلط في المحل(موضوع النتيجة)‪:‬‬


‫ال ينفي القصد الجنائي كمن يُريد ارتكاب جريمة قتل على (ع ّمار) فيقتل شبيهه (كمال) ضنًّا منه أنّه‬
‫(ع ّمار)‪ .‬وإذا أطلق الجاني النار على (زيد) فأخطأ الهدف وقتل الشخص الذي كان أمامه(عمرو)‪ .‬فإنّه يُسأل‬
‫عن جريمتين هما قتل (عمرو) والشروع في قتل (زيد)‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫يُقسّم الفقه الجنائي صور القصد الجنائي إلى ع ّدة تقسيمات منها القصد العام والقصد الخاص‪ ،‬والقصد‬
‫المباشر والقصد االحتمالي‪ ،‬والقصد العادي والقصد مع سبق اإلصرار‪ ،‬والقصد المحدود وغير المحدود‪.‬‬

‫من حيث الغاية والهدف الذي يسعى إليه الجاني يُقسّم القصد الجنائي إلى قصد عام وقصد خاص‪:‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬القصد العام‪:‬‬
‫هو الغرض الفوري المباشر للجريمة‪ ،‬يتمثل في انصراف إرادة الجاني إلى تنفيذ السلوك وتحقيق‬
‫النتيجة مع علمه بعناصر الجريمة التي يرتكبها‪ .‬وهو مطلوب في كل الجرائم‪ ،‬فالقصد في القتل هو إزهاق‬
‫روح اإلنسان‪ ،‬والقصد في السرقة هو اإلستالء على المال المسروق‪.‬‬

‫وال يُعت ُّد بالباعث إلى ارتكاب الجريمة في قيام الجريمة آلنّه ليس رُكنًا فيها‪ ،‬و ّ‬
‫ألن الجريمة ليس غاية‬
‫المجرم بل وسيلته في تحقيق غايته‪ ،‬والعبرة بالغرض المباشر الذي يكون واحدًا في ال ُمساهمة الجنائية وال‬
‫يتع ّدد بتع ّدد ال ُمساهمين فكلّهم ينوي مثالً إزهاق الروح ولو تع ّدد الباعث بتع ّدد ال ُمساهمين أي العلّة الدافعة‬
‫الرتكاب الجريمة أو السبب أو الغاية البعيدة أوالخلفية الكامنة وراء ارتكابها والتي تختلف من شخص آلخر‪.‬‬
‫فقد يكون القتل لإلنتقام أو للشفقة أو للشرف أو لتصفية ال ُمنافس أو للحصول على مكافأة مالية‪ ،‬أو لوافع‬
‫سياسية أو دينية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الباعث دنيئًا‪ :‬مثل خطف األشخاص من أجل طلب فدية‬ ‫ـ قد يُعت ُّد بالباعث في التشديد القانوني إذا كان‬
‫الما ّدة ‪ُ 299‬مكرّر‪ 2/‬والقذف الموجّه إلى شخص أو أكثر بسبب انتمائهم إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو‬
‫إلى دين معين الما ّدة ‪.)1( "...2/298‬‬
‫ُ‬
‫الباعث شريفًا مثل مرتكب القتل والجرح والضرب من أحد‬ ‫ـ وقد يُعت ُّد به في تخفيف العقوبة إذا كان‬
‫الزوجين على الزوج اآلخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا (الم‪ 279‬ق ع)‪.‬‬

‫هو نيّة ُمح ّددة يستلزمها القانون لقيام الجريمة‪ ،‬تنصرف إلى تحقيق غاية ُمعيّنة أو غرض خاص‬
‫باإلضافة إلى الغرض العام للجريمة‪ .‬يشترطه ال ُمشرّع ويجب على القاضي أن يُثبته في حكمه ّ‬
‫ألن الخطورة‬

‫(‪ )1‬راجع كذلك المواد ‪ 6/922 ،291 ،266 ،2/682 ،88 ،81 ،19 ،16‬وغيرها من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫تكمن في سعي الجاني إلى تحقيق هذا الهدف‪ .‬فالعلم واإلرادة ال يقتصران على أركان وعناصر الجريمة بل‬
‫يمت ّدان باإلضافة إلى ذلك إلى وقائع أخرى ليست من أركان الجريمة‪.‬‬
‫وفي حالة تخلّف هذا القصد ال ُمح ّدد‪ّ ،‬‬
‫فإن الفاعل ال يعاقب من أجل الجريمة الخاصة التي يشترط‬
‫القانون الرتكابها توافر القصد الخاص وإن كان من الممكن معاقبة الجريمة بقصدها العام‪.‬‬
‫ـ مثل الغرض الخاص للتزوير في الم ‪ 222‬ق ع" كل من قلّد أو ز ّور أو زيّف رخصًا أو شهادات أو‬
‫كتابات أو وثائق تصدرها اإلدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن‪"..‬‬
‫ومثل غاية الكسر العمدي لألختام في المادة ‪..." 155‬وإذا كان كسر األختام أو الشروع فيه قد وقع‬
‫بغرض سرقة أوإتالف أدلّة أو أوراق إثبات في إجراءات جزائية فيكون ‪."...‬‬

‫أوالا‪ :‬القصد ال ُمح ّدد والقصد غير ال ُمح ّدد‪:‬‬


‫معيار التمييز هو موضوع النتيجة الجرمية‪ ،‬ففي القصد ال ُمح ّدد تتّجه إرادة الجاني إلى تحقيق نتيجة‬
‫ُمح ّددة ُمعيّنة بذاتها كما كان يُق ّدرها‪ ،‬أ ّما في القصد غير ال ُمح ّدد فيتميّز بضعف تحديد النتيجة‪ ،‬حيث يرتكب‬
‫الشخص الجريمة قاصدًا كل ما تحتمله من نتائج دون تحديد أو تقدير ُمسبق‪ ،‬مثل الشرطي الذي يُطلق النار‬
‫على المتظاهرين ال يهمه من أصاب منهم شخصيًا لكن يقصد قتل عدد من األشخاص‪ .‬والتفرقة شكلية ال‬
‫قانونية وال فائدة منها‪ .‬ففي كال الحالتين يتوقّع المجرم النتيجة ويُريدها‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬القصد المباشر والقصد غير ال ُمباشر (االحتمالي)‪:‬‬


‫ـ معيارهما توقع النتيجة بين اللزوم واإلمكان‪ ،‬فالقصد ال ُمباشر تتّجه فيه اإلرادة على نحو يقيني ُمسبق‬
‫إلى االعتداء على الحق المحمي قانونًا‪ ،‬والفاعل يقصد حصول النتيجة بذاتها ويُريدها ويتوقّعها كأثر حتمي‪،‬‬
‫كما في إزهاق روح شخص من قبل آخر وتع ّمد إحداث هذه النتيجة عن طريق استعمال أداة قاتلة كالمسدس‬
‫الذي صوبه إلى الرأس أو القلب وكان الضحية قريبًا منه‪.‬‬
‫ـ القصد االحتمالي تكون فيه النتائج المترتبة عن الفعل احتمالية كأثر ُممكن الرتكاب الفعل وليست‬
‫أن حدوثها بالذات لم يكن مقصودًا بشكل يقيني‪ ،‬ولكنّها غير ُمستبعدة بالنسبة للجاني‬
‫كأثر الزم وحتمي‪ .‬أي ّ‬
‫فهو يتوقعها ويقبلها‪ ،‬مثل الشخص الذي يقوم بأعمال الضرب أو الجرح ض ّد الغير بصورة متع ّمدة‪ ،‬مستعمالً‬
‫عصا حديدية يتوقع مجموعة من النتائج تترتب عن فعله‪ ،‬كإصابة الشخص بكسور‪ ،‬أوموت الشخص‪ ،‬أو‬
‫إصابته بعاهة مستديمة أو فقدان أحد األعضاء‪ .‬أو كمن يضع السم لشخص مع توقعه بأن يأكل معه أشخاص‬
‫آخرون‪ .‬فهو يُسأل عن جريمة القتل العمد لوجود القصد االحتمالي‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ـ قانون العقوبات الجزائري يُعاقب الشخص على قصده االحتمالي في المادة ‪ " 271‬إذا نتج عن‬
‫الضرب أو الجرح أو العنف أو التعدي‪...‬فقد أو بتر أحد األعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر أو‬
‫أية عاهة مستديمة أخرى فتكون العقوبة السجن المؤقت من ‪62‬سنوات إلى‪ 22‬سنة‪ .‬وإذا نتجت عنها الوفاة‬
‫بدون قصد إحداثها فتكون العقوبة هي الحد األقصى للسجن المؤقت‪."..‬‬

‫ثالثاا‪ :‬القصد البسيط والقصد ال ُمشدّد بسبق اإلصرار‪:‬‬


‫ـ عرّفت الم‪ 256‬ق ع ج سبق اإلصرار بأنّه"عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص‬
‫معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو‬
‫شرط كان" فالقصد بسبق اإلصرار هو التفكير الهادئ في الجريمة قبل التصميم عليها‪ ،‬يتميّز بمرور زمن‬
‫بين اتخاذ قرار ارتكاب الجريمة وتنفيذه‪ ،‬وذلك بالتفكير والعزم واإلصرار في رويّة‪ .‬مثل مرور ساعات من‬
‫التفكير في أمر الجريمة يعمل فيها الجاني على إعداد الع ّدة والسير بضعة كيلومترات للوصول إلى الضحية‬
‫واإلعتداء عليه‪ .‬وهذه النيّة ت ُد ّل على الخطورة اإلجرامية للشخص‪.‬‬
‫ـ بينما القصد العادي البسيط (الفوري) يكون تنفيذه فور اتخاذ القرار دون فاصل زمني‪ ،‬مثل المشا ّدات‬
‫الكالمية التي تنتهي بجريمة من جرائم العنف‪ ،‬أو من يرى اعتدا ًء على أخيه‪ ،‬فيأخ ُذ فأسًا ويضرب بها‬
‫ال ُمعتدي فيقضي عليه‪ .‬وهنا تنشأ النية وقت الواقعة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫األصل في الجرائم أنّها عمدية قائمة على القصد الجنائي‪ ،‬واستثنا ًء يمكن أن تكون غير عمدية قائمة‬
‫أن في القصد الجنائي تُسيط ُر اإلرادة على ما ّديات‬
‫على الخطأ‪ .‬والفرق بين القصد الجنائي والخطأ هو ّ‬
‫فإن الجاني يريد الفعل لكن ال يريد النتيجة‪ ،‬وإنّما يرجع‬
‫الجريمة وتتّجه لتحقيق النتيجة‪ ،‬بينما في الخطأ ّ‬
‫حدوث النتيجة إلى إهمال الجاني وإخالله بواجب الحيطة والحذر‪.‬‬
‫المطلب األ ّول‪ :‬التعريف بالخطأ (غير العمدي)‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صور الخطأ (غير العمدي)‬

‫يُمثل الخطأ غير العمدي الصورة الثانية للركن المعنوي في بعض الجرائم‪ .‬فما مفهوم الخطأ غير‬
‫العمدي؟ وما هو معياره؟ وما أنواع الجرائم العمدية التي تقوم على أساس الخطأ غير العمدي؟‬

‫أ ّوالا‪ :‬تعريف الخطأ غير العمدي‪:‬‬


‫يُعرّف الخطأ‪ ،‬أو الخطأ غير العمدي بأنّه اإلخالل بواجب الحيطة والحذر الذي تفرضها القانون‪ ،‬دون‬
‫أن يُفضي تصرفه إلى إلى إحداث النتيجة الجرمية سواء توقعها أم ال أو كان باستطاعته توقعها واجتنابها أم‬
‫ال‪ .‬فهو فعل أو ترك إرادي تترتبت عليه نتائج ضارّة لم يُردها الفاعل بطريق مباشر وال غير مباشر‪ .‬أو هو‬
‫تقصير في مسلك اإلنسان ال يقع من الرجل العادي الذي تُقاس عليه تصرّفات الفاعل في نفس الظروف‪.‬‬
‫فالجاني في الجريمة غير العمدية ال يُريد تحقيق النتيجة‪ ،‬ولكنّه كان في وسعه تجنبها‪ ،‬ولذلك يُعاقب القانون‬
‫عليها ألنّها تحدث ضررًا اجتماعيًا‪ ،‬و ّ‬
‫ألن للجاني فيها إرادة جنائية تتمثل في الحياة االجتماعية‪ ،‬وعدم توقع‬
‫ما كان من الالزم توقعه‪ .‬أ ّما المشرّع الجزائري فلم يُعرّف الخطأ غير العمدي وإنّما اكتفى بذكر صوره‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬معيار الخطأ غير العمدي‪:‬‬


‫معيار اإلخالل بواجبات الحيطة والحذر هو معيار شخصي وموضوعي‪:‬‬
‫ـ فبالمعيار الشخصي يجب النظر إلى الشخص وظروفه لتحديد إن كان بإمكانه تفادي النتيجة فيُع ُّد‬
‫مخطئًا‪ ،‬أو عدم إمكانية تفاديه للنتيجة حسب ظروفه وصفاته فال يُع ّد مخطئًا‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ـ و بالمعيار الموضوعي يقارن الشخص بشخص آخر متوسط الحذر واالحتياط‪ ،‬فإذا وقع هذا األخير‬
‫فيما وقع فيه األ ّول فال مجال للمساءلة‪ ،‬وإذا استطاع تفادي النتيجة اإلجرامية فيعتبر األ ّول ُمخطئًا‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬أنواع الجرائم التي ت ُ‬


‫حدث بالخطأ غير العمدي‪:‬‬
‫أ) األصل‪:‬‬
‫‪816-812‬‬ ‫أن يكون الخطأ غير العمدي في المخالفات مثل المخالفات المنصوص عليها في المواد‬
‫ق ع‪ ،‬مثالً نصّت المادة ‪.. " 460‬ويجوز أن يعاقب أي ً‬
‫ضا بالحبس لمدة ثالثة أيام على األكثر‪6 :‬ـ كل من‬
‫أهمل صيانة وإصالح أو تنظيف األفران أو المداخن أو المصانع‪ ." ....‬ونصّت الما ّدة ‪ 462‬أنّه " يجوز أن‬
‫ضا بالحبس لمدة ثالثة أيام على األكثر‪6 :‬ـ كل من كان ُملز ًما بإنارة جزء من طريق عام وأهمل‬
‫يعاقب أي ً‬
‫إنارته‪2 .‬ـ كل من أهمل إنارة المواد التي يضعها أو الحفر التي يحدثها في الشوارع‪9...‬ـ كل من أهمل تنفيذ‬
‫اللوائح التنظيمية أو القرارات المتعلقة بالطرق العمومية‪1...‬ـ كل من ألقى أو وضع في الطريق العمومي‬
‫أقذار أو كناسات أو مياها قذرة أو أيّة مواد أخرى يؤدي سقوطها إلى إحداث ضرر‪."..‬‬

‫ب) اإلستثناء‪:‬‬
‫قد يكون في الجنح مثل القتل الخطأ والجروح الخطأ(المواد‪ 288‬و‪ 289‬ق ع)‪.‬‬
‫ـ الما ّدة ‪ُ " 288‬كل من قتل خطأ ً أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو‬
‫إهماله أو عدم مراعاته األنظمة‪ .‬يُعاقب بالحبس من ستة(‪ )1‬أشهر إلى ثالث(‪ )9‬سنوات وبغرامة من‬
‫‪ 6. 222‬دج إلى ‪ 22. 222‬دج‪ .‬ونصّت والما ّدة" ‪ 289‬بأنّه إذا نتج عن الرعونة أو عن عدم االحتياط‬
‫إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثالثة أشهر‪ ،.‬يُعاقب الجاني بالحبس‬
‫من شهرين إلى سنتين‪ ،‬و وبغرامة من ‪ 6. 222‬دج إلى ‪ 22. 222‬دج‪.‬‬

‫جـ) إستثنا اءا ج ّادا وناد ارا‪:‬‬


‫في الجنايات مثلما نصّت عليه المادة ‪ 66‬ق ع " يعاقب بالسجن ‪62‬سنوات إلى ‪ 22‬سنة كل حارس‬
‫وكل أمين بحكم وظيفته أو بحكم صفته على معلومات يمكن أن تؤدي معرفتها إلى الكشف عن أسرار الدفاع‬
‫الوطني يكون قد قام بغير قصد الخيانة أو التجسس بما يأتي‪:‬ـ‪ 6‬إتالفها أو اختالسها ‪2.‬ـ إبالغها إلى علم‬
‫شخص‪ ...‬وتكون العقوبة بالسجن المؤقت ‪ 1‬سنوات إلى ‪ 62‬سنوات إذا كان الحارس أو األمين قد ارتكب‬
‫الجريمة برعونة أوبغير حيطة أوبعدم تبصر أوبإهمال أوبعدم مراعاة األنظمة"‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ثانياا‪ :‬عدم اشتراط الخطأ غير العمدي في بعض الجرائم‪:‬‬
‫أ) الجرائم المادّية‪:‬‬
‫ال يُشترطُ فيها تواجد الركن المعنوي‪ ،‬وهي التي توجد من الناحية القانونية وتقع تحت طائلة العقاب‬
‫لمجرّد ارتكاب السلوك الما ّدي‪ ،‬بصرف النظر عن أي عنصر نفسي أو معنوي‪ ،‬ولو في صورة الخطأ‬
‫باإلهمال‪ ،‬مثل ُمخالفات المرور‪ .‬والتي تُقام فيها المسؤولية الجزائية بدون خطأ‪ ،‬حيث ال في صورة قصد‬
‫جنائي وال في صورة خطأ‪ .‬بل يكفي القاضي أن يُثبت الفعل إلدانة ال ُمخالف دون الحاجة إلثبات اإلهمال أو‬
‫الرعونة أو عدم االنتباه‪.‬‬

‫ب) الشروع والمساهمة الجنائية‪:‬‬


‫يرى الفقه ّ‬
‫أن الشروع واالشتراك في الجريمة ال يُتصوران في الجريمة غير العمدية‪ .‬أي ال يكون‬
‫الشروع والمساهمة في الجريمة باإلهمال أو الرعونة أو عدم االحتياط واالنتباع‪ ،‬بل يكون عن ع ّمد وقصد‪.‬‬

‫هناك صور ُمح ّددة للخطأ يتفق عليها الفقه والتشريع يتميّز بها عن العمد‪ ،‬وهناك صور يجري فيها‬
‫الخالف بين اعتبارها خط ًء أو عمدًا‪.‬‬

‫حصر ال ُمشرّع الجزائري صور الخطأ غير العمدي وألزم القاضي بإثباتها في حكمه بإدانة المتهم‬
‫احترا ًما لمبدأ الشرعية الجنائية‪ .‬قد تكون في شكل سلوك إيجابي أو في شكل سلوك سلبي‪ .‬وقد ذكرها‬
‫المشرّع في بعض نصوص قانون العقوبات مثل الم ‪ُ "288‬كل من قتل خطأ ً أو تسبب في ذلك برعونته أو‬
‫عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬ال ّرعونة‪:‬‬


‫هي التصرّف بطيش وال ُمباالة عن نقص في المهارة وسوء تقدير‪ ،‬أوعن جهل بما يلزم العلم به‪ .‬أو‬
‫هي القيام بسلوك دون إدراك لخطورته وتوقع نتائجه‪ ،‬مثل من يرمي بحجارة من نافذة منزله ال يُبالي على‬
‫من وقعت‪ ،‬أو من يقوم بتقليم شجرة في ساحة عمومية فيقع فرع منها على أحد المارّة‪ ،‬وهو ما يُس ّمى‬
‫الرعونة المادية‪ .‬أو كمن يقوم بتحريك آلة عن جهل بطريقة تشغيلها فيتسبّب في جريمة‪ ،‬أو كخطأ المهندس‬
‫المعماري في تصميم البناء فيتسبّب في ته ّدم البناء وإصابة أشخاص أو وفاتهم‪ ،‬وهو ما يُس ّمى الرعونة الفنّية‬

‫‪127‬‬
‫ثانياا‪ :‬عدم الحيطة‪:‬‬
‫هو قيام الجاني بممارسة بعض األعمال الخطرة مع نقص الحذر واالحتراز الالزم‪ ،‬رغم علمه‬
‫وتوقعه لنتائجها‪ ،‬أو هو اإلقدام على فعل بطريق االستخفاف واالستهتار مع إدراك مخاطر الفعل ودون‬
‫التّب ّ‬
‫صر بعواقبه‪ ،‬فعدم الحيطة هو نقص الحذر الالزم للقيام بتصرفات خطرة‪ ،‬مثل قيادة السيارة بسرعة أمام‬
‫المدرسة‪ ،‬أو توقيفها في مكان ممنوع التوقف فيها‪ .‬ونوم المرضعة أمام رضيعها ومن ث ّم قتله خنقًا بانقالبها‬
‫عليه‪ ،‬أو من يهدم مباني دون اتخاذ االحتياطات الالزمة‪ .‬أو من يُطلق البارود في عرس ويُصيب به شخصًا‪،‬‬
‫أو من يلقي سيجارة من نافذة السيّارة في أحد الحقول فيحترق‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬اإلهمال وعدم االنتباه‪:‬‬


‫عدم اتخاذ الجاني تدابير الواجب العام لقواعد الخبرة اإلنسانية تجنُبًا أليّة نتيجة ُمضرّة‪ ،‬فهو موقف‬
‫سلبي من الجاني بإغفال واجب اتخاذ التدابير الالزمة والوسائل ال ُمناسبة لتفادي وقوع جريمة‪.‬‬
‫كمن يحفر حفرة وال يضع إشارة لوقاية المارّة من السقوط فيها‪ ،‬أو كاألم التي تترك طفلها يلعبُ أمام‬
‫ُ‬
‫حيث تُدان األم بجريمة القتل الخطأ‪ ،‬ألنّها لم تتوقع موته‬ ‫موقد الغاز فيسقط على الموقد ويُصاب بحروق‪،‬‬
‫رغم كونها بإمكانها توقع النتيجة‪ .‬ومثل مالك الشقة المؤجّرة الذي يُهمل واجب الصيانة وتفقد عيوب العين‬
‫المؤجّرة م ّما يؤ ّدي إلى وفاة ال ُمستأجر بتسرّب الغاز أو بته ّدم المبنى‪ .‬أو مثل عدم قيام حارس ممر الس ّكة‬
‫بتنبيه المارّة عن وصول القطار‪ ،‬فيتسبّب بذلك في حادث ُمميت يُسأل فيه عن جريمة القتل الخطأ‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬عدم مراعاة األنظمة والقوانين‪:‬‬


‫هذا الخطأ الخاص مصدره في القوانين المتض ّمنة قواعد المهنة أو السلوك والنصوص التنظيمية‬
‫كالمراسيم والقرارات مثل عدم مراعاة قواعد المرور وظروف تطبيقها‪ ،‬كمن يخالف اإلشارة الحمراء فيقع‬
‫حادث سير‪ ،‬ومخالفات النصوص التنظيمية‪ .‬أو مثل صدور قرار من رئيس البلدية بهدم مبنى لكونه آيالً‬
‫للسقوط‪ ،‬ويتراخى المعني بالقرار في تنفيذه‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬طبيعة الخطأ في الجرائم المتجاوزة القصد أوالمشدّدة النتيجة‪:‬‬


‫أ) ماهية الجريمة المتجاوزة القصد والمشدّدة النتيجة‪:‬‬
‫الجريمة المتع ّدية القصد أو ال ُمش ّددة النتيجة‪ ،‬هي السلوك ال ُمجرّم الذي يرتكبه الجاني عم ًدا بقصد‬
‫تحقيق نتيجة ُمعيّنة‪ ،‬لكن تتحقّق نتيجة أش ّد من التي كان يقصدها‪ .‬ومن أمثلتها في التشريع الجزائري جريمة‬
‫الضرب والجرح العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها الم ‪ ،2/218‬وجريمة الضرب والجرح‬
‫‪128‬‬
‫العمدي ال ُمفضي إلى إحداث عاهة ُمستديمة دون قصد إحداثها الم ‪ .9/218‬وجرائم العنف ال ُمفضية إلى بتر‬
‫عضو أو عاهة ُمستديمة أو وفاة ( المواد ‪ 228-211‬ق ع) وجريمة ترك القُصّر والعاجزين في مكان خال‬
‫من الناس‪ ،‬عندما ينجم عن ذلك إصابة بالمرض أو فقدان عضو أو وفاة تُش ّدد العقوبة الما ّدة ‪ 2/968‬ق ع‪.‬‬
‫ـ وسواء كانت النتيجة اإلجرامية ال ُمش ّددة الغير مقصودة تتعلّق بنفس المصلحة ال ُمعتدى عليها ومن‬
‫نفس جنسها مثل اإلنسان في الضرب والجرح العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة‪ ،‬أو كانت تُهد ُر مصلحةً ُمغايرة‬
‫عن المصلحة التي كان يُراد إهدارها‪ ،‬مثل الحريق العمد ال ُمفضي إلى عاهة ُمستديمة أو الوفاة(م‪999‬ق ع)‪،‬‬
‫فالنتيجة األولى في هذه الجرائم هي االعتداء على الملكية والنتيجة الثانية هي االعتداء على اإلنسان‪.‬‬

‫ب) أساس المسؤولية الجزائية في الجريمة المتجاوزة القصد والمشدّدة النتيجة‪:‬‬


‫ـ اعتبرها البعض خطأ ً غير عمدي‪ّ ،‬‬
‫ألن الجاني لم يكن يقصد تحقيق النتيجة ال ُمش ّددة‪.‬‬
‫ـ واعتبرها البعض قصدًا احتماليًا‪ ،‬أل ّن الجاني ال يقصد النتائج ال ُمش ّددة لكن يتوقعها ويقبلها‪.‬‬
‫ـ والبعض اآلخر أقام المسؤولية على أساس موضوعي وهو المسؤولية الجزائية بدون خطأ وبدون‬
‫ركن معنوي أصالً سواء في صورة قصد جنائي أو خطأ غير عمدي‪ ،‬بل لمجرد الركن الما ّدي فقط‪.‬‬
‫ـ بالنسبة لل ُمشرّع الجزائري أسّس العقوبة على أساس القصد اإلحتمالي‪ ،‬ففي جريمة الضرب والجرح‬
‫العمدي ال ُمفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها (الما ّدة ‪ ،)2/218‬لم يُعاقب عليها ال بعقوبة القتل العمد وال‬
‫القتل الخطأ‪ ،‬وال بعقوبة الضرب والجرح العمدي وحدها‪ ،‬بل عاقب الفعل بعقوبة أش ّد من عقوبة الضرب‬
‫وأخف من عقوبة القتل‪ .‬وفي جريمة اإلجهاض ال ُمفضي إلى الموت المنصوص عليها في الما ّدة ‪ 928‬ق ع‬
‫يفترض من حيث القصد أنّها جنحة إجهاض عقوبتها الحبس والغرامة‪ .‬ومن حيث النتيجة أنّها جناية قتل‬
‫عمد‪ ،‬وليست جنحة القتل الخطأ‪ .‬لكن ال ُمشرّع عاقب عليها بجناية إجهاض أفضى إلى الموت بالسجن‬
‫المؤقت من ‪ 62‬سنوات إلى‪ 22‬سنة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬خطأ الضحية في الجرائم غير العمدية‪:‬‬


‫ـ إذا وقع الفعل الضا ّر الذي يمكن تكييفه جنائيًا بسبب خطأ المجني عليه وحده‪ّ ،‬‬
‫فإن الفاعل ال يُسأل‬
‫جنائيًا عن النتيجة الجرمية مثل إصابة الضحية بحادث مرور أثناء عبوره الطريق في غير مم ّر الراجلين‬
‫وبعد اإلشارة الخضراء للسيارات‪ّ ،‬‬
‫فإن سائق السيّارة ال يُسأل جنائيًا عن الحادث‪.‬‬
‫وهناك استثناء قرّرته المحكمة العليا وهو عدم جواز دفع المسؤولية الجزائية على أساس خطأ المجني‬
‫عليه في القتل الخطأ أو الجروح الخطأ ض ّد األطفال في حادث مرور أمام المدرسة‪ّ ،‬‬
‫ألن الطفل غير قادر‬
‫على التفكير والتنبؤ بعواقب تصرُّفاته‪ ،‬حيث يتح ّمل السائق ال ُمتسبّب في الحادث كامل المسؤولية وحده‪.‬‬
‫ـ إذا وقعت الجريمة بخطأ كل من الجاني والمجني عليه تُخفّف العقوبة وفق السلطة التقديرية للقاضي‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫المادة ‪ :74‬ال عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة وذلك دون اإلخالل بأحكام الفقرة ‪2‬‬
‫من المادة ‪.26‬‬

‫المادة ‪ :78‬ال عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها‪.‬‬

‫المادة ‪ :73‬ال يكون محال للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (‪ )62‬سنوات‪.‬‬
‫ال توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من ‪ 62‬إلى أقل من ‪ 69‬سنة إال تدابير الحماية أو التهذيب‪.‬‬
‫ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ‪.‬‬
‫ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 69‬إلى ‪ 68‬إما لتدابير الحماية أو التهذيب أو لعقوبات مخففة‪.‬‬

‫المادة ‪ :12‬إذا قضي بأن يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 69‬إلى ‪ 68‬لحكم جزائي فإن العقوبة التي‬
‫تصدر عليه تكون كاآلتي ‪:‬‬
‫إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي اإلعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر‬
‫سنوات إلى عشرين سنة‪.‬‬
‫وإذا ك انت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان‬
‫يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا‪.‬‬

‫المادة ‪ :16‬في مواد المخالفات يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 69‬إلى ‪ 68‬إما بالتوبيخ وإما بعقوبة‬
‫الغرامة‪.‬‬

‫المادة ‪ 16‬مكرر‪( :‬أضيفت بالقانون رقم ‪ 61 - 28‬المؤرخ في ‪ 62‬نوفمبر ‪)2228‬‬


‫باستثناء الدولة والجماعات المحلية واألشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام‪ ،‬يكون الشخص المعنوي‬
‫مسؤوال جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ال تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في‬
‫نفس األفعال‪.‬‬

‫بعدما درسنا فيما سبق‪ ،‬الجانب القانوني والجانب الما ّدي والجانب المعنوي للجريمة‪ ،‬نتناول في هذا‬
‫الفصل الجانب الشخصي للجريمة والذي يُعبِّر عنه ال ُمشرّع بـ " ُمرتكبوا الجريمة " في الباب الثاني من‬
‫الكتاب الثاني المتعلّق باألفعال واألشخاص الخاضعون للعقوبة‪ .‬ويستعمل ال ُمشرّع كذلك ُمصطلح "‬
‫ال ُمجرم" في تسمية ُمرتكب الجريمة مثالً في الما ّدة ‪ 262‬ق ع ج "يعاقب باعتباره قاتالً ُك ّل ُمجرم مهما كان‬
‫وصفه استعمل التعذيب أو ارتكب أعماالً وحشية الرتكاب جنايته‪ .‬ال ُمجرم هو الشخص الذي ارتكب الجريمة‬
‫ويكون مسؤوالً عنها‪.‬‬
‫يترتّب عن اجتماع أركان الجريمة الثالثة (الشرعي والما ّدي والمعنوي) تح ّمل تبعاتها القانونية من‬
‫طرف الشخص الذي ارتكبها‪ ،‬حيث يُسأل هذا األخير عن األسباب التي جعلته يتّخذ هذا المسلك اإلجرامي‬
‫ويُحاسب عن خطئه بتوقيع الجزاء ال ُمستحق‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫المسؤولية الجزائية هي اإللتزام بتح ّمل النتائج القانونية ال ُمترتّبة عن ارتكاب الجريمة‪ ،‬وموضوع‬
‫االلتزام هو العقوبة أو التدبير االحترازي الذي يُنزله القانون بالمسؤول عن الجريمة‪.‬‬
‫والمسؤولون جنائيًا على نوعين هما األشخاص الطبيعية‪ ،‬واألشخاص المعنوية‪ ،‬حيث ندرس في هذا‬
‫المطلب أحكام المسؤولية الجزائية بالنسبة للشخص الطبيعي‪ ،‬والشخص المعنوي‪ ،‬وندرس التوجهات الحديثة‬
‫في الفقه الجنائي لتكريس المسؤولية الجزائية عن فعل الغير‪.‬‬
‫المطلب األ ّول‪ :‬المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‬

‫ليس كل إنسان يكون أهالً لتح ّمل المسؤولية الجزائية ومن ث ّم الجزاء‪ ،‬بل هناك شروط لتحملها‪ ،‬منها‬
‫ما يتعلّق باإلنسان ومنها ما يتعلّق بالظروف المحيطة به‪ .‬ولذلك فالمسؤولية الجزائية لها أساس فلسفي‬
‫وقانوني تستند إليه‪.‬‬

‫تختلف ع ّدة مذاهب فكرية في تأسيس المسؤولية الجزائية‪ ،‬وتتفق معظم التشريعات على شروط قيامها‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬أساس المسؤولية الجزائية‪:‬‬


‫أ) مذهب الح ّرية‪:‬‬
‫يُمثل الجانب الغالب من الفقه ويرى‪ّ ،‬‬
‫أن أساس المسؤولية الجزائية هو حرّية االختيار حيث يُسأل‬
‫المجرم عن جريمته ألنّه استعمل ُحرّيته على نحو يوجب ُمساءلته فاختار طريق مخالفة القانون وكان في‬
‫ُوسعه اختيار الطريق الموافق للقانون‪ ،‬فالمسؤولية لو ٌم لإلنسان‪ّ ،‬‬
‫ألن أمامه خيارات أخرى غير خيار‬
‫الجريمة‪ .‬أ ّما إذا كانت مخالفة القانون مفروضةً عليه فال مح ّل للمسؤولية‪.‬‬

‫ب) مذهب الجبرية‪:‬‬


‫أن تصرّفات االنسان ُمق ّدرةٌ عليه‪ ،‬فهو يوجّه إرادته إلى‬
‫يُنك ُر هذا المذهب ح ّريّة االختيار ويرى ّ‬
‫طريق الجريمة ألنّه ليس باستطاعته أن يفعل غير ذلك‪ .‬وهذا المذهب يستند إلى فكرة قانون السببية الحتمية‬
‫المرتبط بالعلوم الطبيعية التجريبية التي تحكم ظواهر الكون‪ُ ،‬معتبرين ّ‬
‫أن الجريمة ظاهرة كونية ليست ثمرة‬

‫‪131‬‬
‫حرية االختيار ولكن سببها هو عوامل ذاتية نفسية وعوامل اجتماعية بيئية‪ .‬ومن ث ّم فأساس المسؤولية هو‬
‫الدفاع االجتماعي ض ّد الخطورة اإلجرامية الكامنة في الشخص‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬شروط قيام المسؤولية الجزائية( األهلية الجزائية)‪:‬‬


‫ال يتح ّمل الشخص المسؤولية إال إذا كانت له األهلية الجزائية أي صالحية الشفخص لتح ُّمفل المسفؤولية‬
‫وهي تتك ّون من عنصرين هما القدرة العقلية وحرية االختيار‪ ،‬وهما شرطا قيامها‪.‬‬

‫أ) عنصر اإلدراك واألهلية الجنائية‪:‬‬


‫‪ )1‬مفهوم اإلدراك‪:‬‬
‫يُقصد باإلدراك الوعي وقدرة الشخص على فهم أفعاله وتقدير نتائجها‪ ،‬وتمييز الفعل وما يترتب عنه‬
‫اإلنسان فاقد اإلدراك‪ ،‬ثُ ّم يبدأ عقله بالنمو تدريجيا ً حتى يصل لإلدراك الجزئي ث ّم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيث يولد‬ ‫من نتائج واقعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبأن يكون صحيحًا‬ ‫التام‪ .‬فاألهلية الجنائية تحقّق ببلوغ الشخص سنًّا ُمعيّنة هي ّ‬
‫سن التمييز أو سن الرشد‪،‬‬
‫وسلي ًما من الناحية العقلية‪ .‬فالصغير غير المميز والمجنون ومن هو في حالة إغماء والنائم‪ ،‬ليسوا أهالً‬
‫للمسؤولية الجزائية‪ ،‬النعدام قدرتهم على فهم القانون واألفعال والشعور بها‪ ،‬والتمييز بين الخير والشر‪.‬‬

‫‪ )2‬سن اإلدراك واألهلية الجنائية‪:‬‬


‫استناداً لتطور اإلدراك لدى اإلنسان ُكلّما تق ّدم في السن‪ ،‬قسّم ال ُمش ّرع األشخاص من حيث األهلية‬
‫الجزائية ومقدار المسؤولية الجزائية إلى ثالث فئات‪ ،‬ووضع لكل فئة منها أحكاما ً خاصّة بها‪.‬‬
‫‪1‬ـ القاصر غير ال ُمميز‪ :‬هو الحدث الذي أت ّم العشر (‪)62‬سنوات من ُعمره ولم يت ّم الثالثة عشرة (‪،)69‬‬
‫ُ‬
‫حيث يُق ّد ُم أمام محكمة األحداث ولكن ال تفرض بحقهم‬ ‫يُسأل جزائيا ً وال يُع ّد قصره مانعا ً من موانع العقاب‪،‬‬
‫أيّة عقوبة ـ من حيث المبدأ ـ ّ‬
‫ألن مسؤوليته الجزائية مسؤولية ناقصة‪ ،‬يُكتفى فيها بفرض تدابير الحماية‬
‫أوالتهذيب عليه‪ ،‬المادة‪ " 49‬ال توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من ‪ 10‬إلى أقل من ‪ 13‬سنة إال تدابير‬
‫الحماية أو التهذيب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنّه في مواد المخالفات ال يكون محالً إالّ للتوبيخ"‪.‬‬
‫وهذه التدابير هي التي كان منصوصًا عليها في الما ّدة ‪ 888‬من قانون االجراءات الجزائية الجزائري‬
‫قبل إلغاء الكتاب المتعلّق بقواعد متابعة المجرمين األحداث بصدور قانون حماية الطفل رقم ‪ 62-61‬وح ّددها‬
‫ال ُمشرّع في المواد ‪ 82‬و‪ 86‬من هذا القانون مع بعض التغييرات‪ ،‬كتسليم الحدث إلى أبويه‪ ،‬أو إلى وليّه‬
‫الشرعي‪ ،‬أو إلى أحد أفراد عائلته الجديرين بالثقة‪ ،‬أو أن يُكلِف قاضي األحداث مصالح الوسط المفتوح‬
‫بمتابعة ومالحظة الطفل وتقديم الحماية له من خالل توفير ال ُمساعدة الضرورية لتربيته وتكوينه ورعايته مع‬

‫‪132‬‬
‫وجوب تقديم تقرير دوري له حول تطور وضعية الطفل‪ .‬كما يجوز وضع الطفل في مركز متخصص في‬
‫حماية األطفال في خطر‪ ،‬أو في صلحة مكلّفة ب ُمساعدة الطفولة‪.‬‬
‫‪2‬ـ القاصر ال ُمميّز‪ :‬هو الحدث الذي كان عمره ‪ 69‬سنة وأق ّل من ‪ 68‬سنة‪ ،‬وكانت جريمته جناية أو‬
‫ضعه إ ّما لتدابير الحماية والتهذيب أو لعقوبات ُمخفّفة حسب الما ّدة‬
‫جنحة‪ ،‬فيُع ُّد قِصرُه ُعذراً قانونيا ً ُمخففاً‪ ،‬يُخ ِ‬
‫‪49‬ق ع ج‪ .‬وأ ّكدتها الما ّدة ‪ 2‬من قانون حماية الطفل‪ .‬ونصّت الما ّدة ‪ 81‬من هذا القانون أيضًا على إمكانية‬
‫استبدال التدابير بالعقوبات ال ُمبيّنة في الما ّدة ‪ 12‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪3‬ـ الراشد‪ :‬يبدأ اإلدراك التام لدى االنسان في مرحلة النُّضج والخبفرة الالزمفين إلدراك ماهيفة األفعفال‬
‫والتفريففق بففين المبففاح والممنففوع‪ ،‬واإلحاطففة بالنتففائج الما ّديففة والمعنويففة التففي تترتففب علففى مخالفففة القففوانين‪.‬‬
‫سن الرشد الجزائي ال ُمقف ّدر بفـ‬
‫فالراشد في القانون الجزائري مثل أغلب القوانين الوضعية‪ ،‬هو البالغ الذي بلغ ّ‬
‫‪ 68‬سنة‪ .‬حسب ما نصّفت عليفه المفا ّدة الثانيفة مفن قفانون حمايفة الطففل رقفم ‪ .12-15‬والعبفرة ففي ِس ّ‬
‫فن الرشفد‬
‫الجزائففي بتففاريخ ارتكففاب الجريمففة‪ .‬حيف ُ‬
‫فث يُعتبففر كا ِمففل األهليففة يُسففأل مسففؤوليةً كاملففة عففن جميففع السففلوكات‬
‫المجرّمة قانونًا‪.‬‬

‫جـ) عنصر اإلرادة (حرية االختيار)‪:‬‬


‫يقصد بحرية االختيار حرّية اإلرادة أو القدرة على توجيه السفلوك نحفو فعفل معفين أو امتنفاع عفن فعفل‬
‫معين‪ ،‬بعيداً عن وجود أي مؤثرات خارجيفة تعمفل علفى تحريفك اإلرادة أو توجيههفا خالففا ً لرغبفة أو رضفاء‬
‫صاحبها‪ .‬فإذا فقد اإلنسان حرية االختيار بسبب اإلكفراه‪ ،‬وأُجبفر علفى اقتفراف فعفل إجرامفي ال يسفأل جزائيفا ً‬
‫عففن هففذا الفعففل لفقدانففه حريففة االختيففار‪ ،‬إذ لففوال اإلكففراه لمففا أقففدم الفاعففل علففى ارتكففاب فعلففه‪ .‬وهففو ال يسففلب‬
‫اإلدراك والتمييز مثل الجنون ولكن يسلب ح ّريّة اإلرادة واالختيار‪.‬‬

‫قد تلحق بشخص الجاني عوارض تؤ ّدي إلى اإلنقاص من أهليته أو إلى إعدامها‪ ،‬فال يكفون قفادرًا علفى‬
‫تح ّمففل المسففؤولية الجزائيففة‪ ،‬حيففث تُس ف ّمى هففذه العففوارض بموانففع المسففؤولية الجزائيففة‪ .‬وهففي أسففباب يففؤ ّدي‬
‫ألن المشرّع يعتفد بفاإدراك وحريفة االختيفار‪ ،‬وقفد نظّفم المشفرّع‬
‫وجودها إلى انتفاء الركن المعنوي للجريمة‪ّ ،‬‬
‫هذه الموانع في المواد ‪ 82‬إلى ‪ 12‬ق ع هي صغر السن والجنون واإلكراه‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬صغر السنّ (القِصر)‪:‬‬


‫إبتدا ًء من سنة‪ 2268‬ح ّدد ال ُمشرّع ال ّسن األدنى الذي ال يكون فيه الطفل الصغير مح ّل ُمتابعة‬
‫ومسؤولية جزائية‪ ،‬وهو السن دون (‪ )62‬سنوات‪ ،‬فاألحداث الذين لم يُت ُّموا العاشرة من عمرهم ليسوا أهالً‬
‫‪133‬‬
‫للمسؤولية الجزائية‪ ،‬فال يستحقون أيّة عقوبة وال يالحقون جزائيا ً وهذا النوع من القِصر يُع ّد مانعا ً من موانع‬
‫العقاب‪ ،‬لفقدان اإلدراك‪ ،‬الم‪ " 49‬ال يكون محالًّ للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يُكمل عشر‪ 10‬سنوات"‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬الجنون‪:‬‬
‫نصّت المادة ‪ 47‬ق ع أنّه ال عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة وذلك ال يمنع‬
‫من اتخاذ تدابير ض ّد الشخص طبقًا لنصّ المادة‪.26‬‬
‫والجنففون حالففة عقليففة تتصففف بفقففدان ملكففة اإلدراك (أو العقففل أو الففوعي)‪ ،‬ومففا يرافقهففا مففن اخففتالل‬
‫وضعف في الوظائف الذهنية للدماغ‪ ،‬وزوال القدرة على التحكم وتوجيه اإلرادة‪ .‬يُعرّفه الفقه بأنّفه إضفطرابٌ‬
‫في القوى العقلية‪ ،‬يُفقد المرء القدرة على التمييز والسيطرة على أفعاله‪.‬‬
‫وال توجد في القانون الجزائي قرينة على االضطراب العقلي بل يق ّدها القاضي بعد اللجفوء إلفى الخبفرة‬
‫العقلية يُكلّف بإجرائها طبيب مختص في األمراض العقلية‪.‬‬
‫ومن الجنون ما يكون ُم ْ‬
‫طبقاً‪ ،‬وهو الجنون الكلي الفدائم‪ .‬ومنفه مفا يكفون متقطعفاً‪ ،‬وهفو الجنفون الفذي ال‬
‫يستغرق وقت المجنون كله‪ ،‬بل يظهر ففي أوقفات متقطعفة لسفاعات أو أيفام‪ ،‬ثفم يعفود المجنفون لوعيفه ويملفك‬
‫زمام إرادته‪ .‬ومنه ما يكون جزئيا ً يصيب جزءاً معينا ً من دماغ اإلنسان فيفقده بعض ملكاته العقلية‪.‬‬
‫ويلحق بالجنون األمفراض العقليفة والعصفبية التفي تُفقفد اإلدراك واإلرادة‪ .‬ومنهفا الصفرع‪ ،‬والهسفتريا‪،‬‬
‫والذهان‪ ،‬والوسواس الجنوني‪ ،‬وازدواج الشخصية أو انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا)‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫والعبرة في انعدام المسؤولية الجزائية بالحالة العقلية التي يكون عليها المريض أثناء ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫وال ينطبق حكم الجنون على حالة السكر أو تنفاول ال ُمخف ّدرات‪ ،‬بفل أحيانًفا تُعتبفر ظفرف تشفديد كمفا ففي‬
‫القتل الخطأ والجرح الخطأ (الم ‪ 292‬ق ع ج‪ ،‬والم ‪ 11‬من قانون المرور) إال إذا كان السكر اضطراريًا‪.‬‬
‫وامتناع المسؤولية الجزائية لسبب الجنون ال يمنع القاض من الحكم علفى الجفاني بالتفدابير المنصفوص‬
‫عليها في الما ّدة ‪ 2/26‬ق ع ج‪ .‬وهي الوضع القضائي في مؤسسة استشفائية لألمراض العقلية‪ .‬ويجب إثبات‬
‫الخلل العقلفي ففي الحكفم الصفادر بفالحجز القضفائي بعفد الفحفص الطبفي‪ .‬وامتنفاع المسفؤولية الجزائيفة لسفبب‬
‫الجنون ال يمنع من قيام مسؤوليته المدنية عن األؤار التي خلّفتها الجريمة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬اإلكراه‪:‬‬
‫نصّت المادة ‪ 48‬ق ع ج أنّه ال عقوبة لمن اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها‪.‬‬
‫واإلكراه ال ينفي الجريمة ولكن ينفي المسؤولية الجزائية والعقاب‪ ،‬وهو نوعان إكراه ما ّدي وإكراه معنوي‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫أ) اإلكراه المادي‪:‬‬
‫هو أن تقع على الشخص ق ّوة ما ّدية خارجية تجعله مدفوعًا بصورة جبرية إلى ارتكاب فعل يع ُّد‬
‫جريمة‪ ،‬وهذه القوة الخارجية ال يد له في حدوثها‪ ،‬وال يستطيع توقعها قبل حدوثها‪.‬‬
‫وهذه القوة المادية‪ ،‬قد يكون مصد ُرها الطبيعة كالتقلبات المناخية أو األرضية‪ ،‬أو الحيوانات‪ ،‬وقد‬
‫يكون مصدرها اإلنسان كالتهديد بالسالح أو كمن يُمسك بيد الشخص ويُجبره على تزوير الوثيقة‪ ،‬أو‬
‫كالحروب‪ ،‬والفتن واإلضطرابات‪ .‬ولقيام حالة اإلكراه المادي ال ب ُّد من توافر شروط أربعة وهي‪:‬‬
‫ـ أن يكون اإلكراه ماديًا‪ :‬تش ّل إرادة الفاعل ذات طبيعة مادية ال تدع له مجاالً لالختيار‪ .‬مثل الشخص‬
‫الذي وضعت له المادة السامة في يده وأجبر عنوة على وضعها في الطعام‪.‬‬
‫ـ عدم إمكان مقاومة القوة‪ :‬أي أن يكون الفاعل في موقع يستحيل معه التصرّف بغير ارتكاب جريمة‪،‬‬
‫وينبغي تقدير هذا العنصر بدقة‪ ،‬فالسبب ال يعتبر مبر ًرا لعدم المساءلة إال إذا كان م ّما ال يمكن توقعه وتفاديه‪.‬‬
‫ـ انعدام خطأ الجاني السابق‪ :‬أي أن ال يكون اإلكراه مسبوقًا بخطأ الجاني كسبب في حدوث الجريمة‪.‬‬

‫ب) اإلكراه المعنوي‪:‬‬


‫هو ضغط شخص بقوة معنوية على إرادة شخص آخر لحمله على اقتراف السلوك اإلجرامي‪ ،‬وقد‬
‫يكون الضغط باستعمال العنف كالضرب والحبس المستمر من أجل التأثير على اإلرادة والجانب النفسي‬
‫للشخص حتى يقبل ارتكاب الجريمة‪ ،‬وقد يكون بالتهديد بالقتل أو االختطاف أو بنشر أخبار أو صور‪.‬‬

‫ـ يُعرّف الشخص المعنوي بأنّه " مجموعة من األشخاص الطبيعية واألموال يعترف لها القانون‬
‫بالشخصية القانونية ال ُمستقلّة فيكون قابالً الكتساب حقوق وتح ّمل التزامات‪ ،‬وهي ُمتع ّددة األشكال من بينها‬
‫الدولة‪ ،‬والمؤسسات العمومية‪ ،‬والبلديات‪ ،‬والجمعيات‪ ،‬والنقابات‪ ،‬والشركات‪ ."،‬ويترتّب عن اإلعتراف‬
‫بالشخص المعنوي تمتُّ ُعه باألهلية القانونية وأهلية التقاضي والذ ّمة المالية والموطن ال ُمستقل حسب المواد‬
‫‪ 12-89‬من القانون المدني‪.‬‬
‫ـ أ ّدت التح ّوالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي عرفها العالم إلى انتشار األشخاص المعنوية‬
‫بكثرة وهي تقوم بدور على درجة كبيرة من األهميّة في المجتمع في مختلف المجاالت وخاصّة المجال‬
‫لكن التجرية بيّنت أنّه قد تُمارس الشركة‬
‫االقتصادي‪ .‬وقد كان الشخص المعنوي موضع مساءلة مدنية فقط‪ّ ،‬‬
‫تجارة الممنوعات‪ ،‬أو ترتكب جرائم مالية‪ ،‬أو تُهمل صيانة ُمنشآتها فتتسبب في قتل أو جرح شخص‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫إذا سلك الشخص المعنوية طريق اإلجرام فإنّه يكون ضررُه جسي ًما وخطيرًا يفوق بكثير إجرام‬
‫األشخاص الطبيعية‪ ،‬حيث ال يكفي لمواجهته ُمجرّد التعويض أو ُمعاقبة األشخاص الطبيعييين‪ ،‬م ّما أثار‬
‫نقاشات فقهية كثيرة حول إقرار ُمسؤولية الشخص المعنوي جنائيًا‪ ،‬مثل المؤتمر ال ّدولي الثاني لقانون‬
‫العقوبات بوخريست ‪ ،6929‬والسابع في أثينا ‪ ،6912‬وانعكس ذلك على التشريعات التي أصبحت تتع ّدى‬
‫إطار التعويض المدني في مسؤولية الشخص المعنوي إلى اإلطار الجزائي‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬الخالف الفقهي حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪:‬‬


‫يتلخص الخالف الفقهي حول تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في اتجاهين رافض ومؤيّد‬
‫أ) اإلتجاه التقليدي ال ُمعارض‪:‬‬
‫يرفض هذا المذهب ُمساءلة الشخص المعنوي جزائيًا عن الجريمة التي يرتكبها باسمه ولحسابه ُممثلُوه‬
‫أن الشخص المعنوى تُتخذ ض ّده التدابير وليس العقوبات‪ّ ،‬‬
‫ألن ُممثله هو الذي‬ ‫أثناء قيامهم بأعماله‪ ،‬ويرون ّ‬
‫يُسأل ويُعاقب عن الجريمة‪ ،‬وحجج هذا اإلتجاه كاآلتي‪:‬‬
‫‪ )1‬إستحالة إسناد الجريمة للشخص المعنوي بسبب طبيعته اإلفتراضية المجازية‪:‬‬
‫ألن الشخص المعنوي ُمجرّد افتراض قانوني من صنع المشرّع ليس له كيان ما ّدي حقيقي‪.‬‬
‫ـ ّ‬
‫وألن األهلية الجنائية تفترض وجود الوعي واإلرادة ال ُمستقلّة وهما ال يتوفران إال لإلنسان الطبيعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬
‫‪ )2‬تعارض المسؤولية الجزائية مع قاعدة تخصّص الشخص المعنوي‪ّ :‬‬
‫ألن منحه الشخصية القانونية‬
‫يكون في حدود غرض تأسيسه كشركة أو جمعية أو نقابة‪ ،‬فإذا تجاوزه انعدمت الشخصية المعنوية‪.‬‬
‫ألن العقوبة ال ُمطبّقة عليه ستُصيب جميع‬
‫‪ )3‬تعارض المسؤولية الجزائية مع مبدأ شخصية العقوبة‪ّ :‬‬
‫األشخاص الطبيعيين المكونين له والعاملين لديه دون أن يُساهموا في الجريمة‪.‬‬
‫‪ )7‬أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي‪:‬ال اإلعدام والسلب الحرّية وال التنفيذ‬
‫باإلكراه البدني‪.‬‬
‫‪ُ )5‬معاقبة الشخص المعنوي ال تُحقق أغراض العقوبة‪ :‬وهي إصالح المحكوم عليه وإعادة تأهيله‬
‫وإدماجه‪ ،‬والردع الخاص والردع العام‪ ،‬فاإلنسان فقط هو الذي يمكن ردعه وتخويفه‪.‬‬

‫ب) اإلتجاه الحديث ال ُمؤيّد‪:‬‬


‫يؤيّد مساءلة الشخص المعنوي جزائيًا إلى جانب الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسة‬
‫عمله لدى الشخص المعنوي‪ ،‬استنادًا لل ُمبرّرات التالية‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ )1‬الشخص المعنوي له كيان قانوني حقيقي ُمستقل بذاته‪ ،‬وهو عصب الحياة االقتصادية والقانون‬
‫اليعتد بالوجود الفزيولوجي بل بأهلية التمتع بالحقوق وتح ُّمل اإللتزامات‪ ،‬بدليل االعتراف ب ُمسؤوليته‬
‫المدنية‪.‬‬
‫‪ )2‬الشخص المعنوي له إرادة ويُمكن يُتصور توافر الركن المعنوي بإرادة يُعبّر عنها ُممثلوه وأجهزته‬
‫الخاصّة وتُجسدها مداوالت مجلس اإلدارة‪.‬‬
‫‪ )3‬الشخص المعنوي يرتكب الجرائم بواسطة أعضائه وممثليه فهم شركا ُؤه‪ .‬كجرائم الشركات وجرائم‬
‫النصب وخيانة األمانة والتزوير والتهرُّ ب الضريبي وجرائم البيئة وجرائم العمل‪.‬‬
‫‪ )7‬أغلب العقوبات يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي ولها آثارها الغير ُمباشرة على الغير مثل‬
‫عقوبات الشخص الطبيعي‪.‬‬
‫‪ )5‬فعالية هذه المسؤولية في مكافحة إجرام الشخص المعنوي‪ ،‬فال يُمكن مواجهته إال بعقوبات جزائية‪.‬‬
‫خا ّ‬
‫صة اإلجرام اإلقتصادي لحماية مواد ووسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ )0‬فكرة الردع واإلصالح تُطبّق على الشخص المعنوي بعقوبات تتالءم مع طبيعته تجعله يخشاها‬
‫فيمتنع عن ارتكاب الجريمة‪ ،‬أو تدفعه إلى اإلصالح الذاتي الداخلي‪ .‬ألنّها تُسيئ إلى سمعته فتُسبّب له خسائر‬
‫كبيرة كالغرامة والمصادرة والمنع المؤقت من مزاولة النشاط‪ ،‬أوعقوبة الحل التي تُشبه اإلعدام‪.‬‬
‫‪ )4‬تحقيق العدالة يقتضي توزيع المسؤولية الجزائية بين الشخص المعنوي واألشخاص الطبيعيين‬
‫الذين ارتكبوا الجريمة لحسابه‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬موقف المش ّرع الجزائري من المسؤوليـة الجزائيـة للشخـص المعنوي‪:‬‬


‫موقف ال ُمشرّع الجزائري من المسؤوليـة الجزائيـة للشخـص المعنوي جاء ُمتد ّر ًجا في مراحل‪.‬‬

‫أ) مرحلة عدم اإلقرار‪:‬‬


‫ـ منذ السنوات األولى التي أعقبت االستقالل وإلى صدور قانون العقوبات سنة ‪ 6911‬لم يُغيّر المشرّع‬
‫منهجه في اتباع السياسة الجنائية التي ينتهجها المشرّع الفرنسي في قانون العقوبات ‪ 6862‬وهي السياسة‬
‫الرافضة لتكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪ .‬وإلى غاية سنة ‪ 2228‬لم يكن المشرع يتبنّى‬
‫المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في قانون العقوبات لسنة ‪ 6911‬بنصّ صريح على أفعال أو جزاءات‬
‫خاصّة به‪ .‬والنصّ الوحيد الذي ُذكر فيه هو المادة ‪ 9‬في بندها التاسع في عبارة "حل الشخص االعتباري"‬
‫ضمن العقوبات التكميلية التي يجوز الحكم بها على الشخص الطبيعي ُمرتكب الجناية أو الجنحة‪ ،‬ولم ينص‬
‫بأنّها عقوبة ناجمة عن مسؤولية شخص اعتباري ارتكبت جريمة باسمه ولحسابه‪ ،‬ال في المبادئ العا ّمة وال‬
‫في أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫أ ّما المواد ‪ 118-181‬من قانون اإلجراءات اإلجزائية المتعلّقة بفهرس الشركات في باب صحيفة‬
‫السوابق العدلية الخاصّة بالشركات المدنية والتجارية‪ ،‬فقد استبعدت إمكانية توقيع عقوبة على الشخص‬
‫المعنوي إالّ بصفة استثنائية وبنصوص خاصّة‪ ،‬وأق ّر إمكانية اتخاذ تدابير ض ّده‪.‬‬
‫ـ وبسبب غياب النصّ الصريح على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪ ،‬والنظام اإلجرائي الخاص‬
‫بمحاكمته وتنفيذ العقوبة عليه‪ ،‬استبعدها القضاء الجزائري في عدة مناسبات‪ ،‬بناء على مبدأ شخصية العقوبة‬
‫وتفرديها‪.‬‬

‫ب) مرحلة اإلقرار الجزئي‪:‬‬


‫ظهر إقرار المشرع بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي جُزئيًا‪ ،‬في بعض القوانين الخاصّة منها‪:‬‬
‫‪ )1‬قانون المالية لسنة ‪ 6996‬بالمادة ‪" 9/929‬عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي‬
‫آخر تابع للقانون الخاص‪ ،‬يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة الغرامات الجزائية وبالعقوبات التكميلية‬
‫ضد المتصرفين‪ ،‬والممثلين الشرعيين‪ ،‬أو القانونيين للمجموعة‪ ،‬وضد الشخص المعنوي‪."... ،‬‬
‫‪ )2‬في قانون الصرف وحركة روس األموال رقم ‪ 22/91‬في الما ّدة‪" 1‬يعتبر الشخص المعنوي‬
‫الخاضع للقانون الخاص دون المســـاس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين‪ ،‬مسؤوالً عن (مخالفات‬
‫الصرف) المرتكبة لحسابه‪ ،‬من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين"‪ .‬وطبّق هذا القانون عقوبة الغرامة‬
‫والمصادرة والتدابير األخرى‪ ،‬لكنّه لم يستثن الدولة والجماعات المحلية والعمومية‪ ،‬ث ّم استدرك األمر‬
‫وبتعديل قانون الصرف بالقانون ‪ 26-29‬حيث ح ّدد ال ُمشرّع األشخاص المعنوية الخاصة كمحل للمساءلة‬
‫الجزائية‪ ،‬واشترط لقيام المسؤ ولية بأن ترتكب الجريمة لحسابه‪ ،‬ومن قبل أجهزته أو ممثليه‪ ،‬مع تبيان‬
‫إجراءات المتابعة والعقوبات المطبقة‪.‬‬

‫جـ) مرحلة التكريس الفعلي لمبدأ المسؤولية الجزائية‪:‬‬


‫استحدث ال ُمشرّع نظام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪ ،‬وح ّددها من ناحية طبيعة األشخـاص‬
‫والجرائم والشر وط‪ ،‬دون أن تنفي مسؤولية األشخاص الطبيعيين فاعلين كانوا أو شركاء في الجريمة التي‬
‫يُسأل عنها الشخص المعنوي‪ .‬وهو ما قرّره ال ُمشرّع بتاريخ ‪62‬نوفمبر‪ ،2228‬في تعديل كل من قانون‬
‫العقوبات بالقا ‪ 61-28‬وقانون اإلجراءات الجزائية بالقا ‪ 68-28‬وبعض القوانين الخاصّة‪.‬‬

‫‪ )1‬في قانون العقوبات‪:‬‬


‫ـ الباب األول مكرر من الكتاب األ ّول‪ ،‬تض ّمنت المادتان ‪ 68‬مكرر‪ 68 ،‬مكرر‪ .1‬العقوبات المطبقـة‬
‫على األشخاص المعنوية‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫ـ الباب الثاني من الكتاب الثاني‪ :‬تضمن الفصل الثاني منه المتعلق بالمسؤولية الجزائية شروط‬
‫المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪ ،‬في الما ّدة ‪ُ 16‬مكرّر‪ .‬وتض ّمن الفصل الثالث ال ُمتعلّق بشخصية‬
‫العقوبة‪ ،‬ظروف تخفيف العقوبة على الشخص المعنوي في الما ّدة‪ُ 19‬مكرّر‪ ،4‬وظروف تشديدها في‬
‫المواد‪ُ 19‬مكرّر‪ ،8‬و‪ُ 18‬مكرّر‪ 5‬إلى ‪ُ 18‬مكرّر‪.3‬‬
‫ـ الكتاب الثالث المتعلّق بالجنايات والجنح وعقوباتها‪ :‬إشتمل على نصوص كثيرة تُح ّدد الجرائم‬
‫ال ُمرتكبة من طرف الشخص المعنوي‪ ،‬أغلبها يتعلّق بعالم األعمال‪ ،‬نذك ُر بعضها الحقًا‪.‬‬

‫‪ )2‬في قانون اإلجراءات الجزائية‪:‬‬


‫استحدث ال ُمشرّع الجزائري فصالً ثالثًا في الباب الثاني الخاص بالتحقيقات تحت عنوان "في المتابعة‬
‫الجزائية للشخص المعنوي" تض ّمنته المواد من ‪ 11‬مكرر إلى ‪ 11‬مكرر‪ .7‬تناولت االختصاص القضائي‬
‫المحلّي‪ ،‬وإجراءات المتابعة‪ ،‬التحقيق والمحاكمة‪ ،‬وتمثيل الشخص المعنوي في الدعوى‪.‬‬

‫نصّت المادة ‪ 16‬مكرر من قانون العقوبات على شروط المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وهي‪:‬‬
‫‪6‬ـ ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي‪ 2 ،‬ـ وارتكاب الجريمة من طرف جهاز أو ممثل‬
‫الشخص المعنوي‪9 .‬ـ أن ينصّ القانون على هذه المسؤولية في نصّ التجريم‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬شرط ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي‪:‬‬


‫نصّت على هذا الشرط الفقرة‪ 6‬للمادة ‪ 16‬مكرر من قانون العقوبات الجزائري "‪...‬يكون الشخص‬
‫المعنوي مسؤوالً جزائيًا عن الجرائم التي تُرتكبُ لحسابه"‪ .‬ويقصد بذلك ارتكاب الجريمة من أجل تحقيق‬
‫مصلحة لفائدة الشخص المعنوي‪.‬‬

‫أ) مصلحة الشخص المعنوي‪:‬‬


‫أن الجريمة تخدم المصالح المادية أو المعنوية للشخص المعنوي‪ ،‬سواء كانت مصلحة حالّة أو‬
‫أي ّ‬
‫احتمالية ُمستقبلية‪ ،‬مثل حصول المؤسسة االقتصادية على صفقة عن طريق تقديم رشوة‪ .‬وبال ُمقابل ال يُسأل‬
‫الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها ال ُمدير لحسابه الشخصي أو لفائدة شخص آخر‪.‬‬
‫وحسب فقرة‪ 2‬مفن المفادة ‪ 16‬مكفرر ففإ ّن مسفؤولية الشفخص االعتبفاري ال تمنفع مفن ُمسفاءلة الشفخص‬
‫الطبيعففي كفاعففل أصففلي أو كشففريك فففي نفففس األفعففال "إن المسففؤولية الجزائيففة للشففخص المعنففوي ال تمنففع‬
‫مساءلة الشخص الطبيعي"‪ .‬وذلك يعني ّ‬
‫أن المشرع يأخذ بمبدأ ازدواج المسؤولية الجزائية عن الفعل الواحد‪،‬‬
‫‪139‬‬
‫إلضفاء المزيد من الحماية الجنائية‪ .‬فكفل مفن الشفخص الطبيعفي والهيئفة المعنويفة مسفؤوالن عفن ذات الفعفل‬
‫ويعاقب كل منهما على انفراد‪ ،‬حسب مركزه في ذات الجريمة فاعل أو شريك‪.‬‬

‫ب) أنواع الشخص المعنوي الذي تُرتكب الجريمة لحسابه‪:‬‬


‫ـ إستثنى ال ُمشرّع بموجب الما ّدة ‪ 16‬مكرر الدولة والجماعات المحلية (البلدية والوالية) واألشخاص‬
‫الخاضعين للقانون العام (أي المرافق العمومية ذات الصبغة اإلدارية كالجامعات والمؤسسات اإلستشفائية‬
‫وغيرها)‪.‬‬
‫ـ وبقيت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مقصورة على األشخاض الخاضعين للقانون الخاص‬
‫بغض النظر عن هدفها سواء كان كسب الربح كالشركات التجارية‪ ،‬أو لم يكن كسب الربح كالجمعيات‬
‫الرياضية والخيرية‪.‬‬
‫ـ وبالنسبة للشركات التجارية فال تُسأل جزائيًا في القانون الجزائري الشركة التي ال تتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية كشركة المحاصّة‪ ،‬أوفقد الشخصية المعنوية كالشركة الفعلية‪ .‬أ ّما إذا كانت تتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية فهي تُسأل جزائيًا بغض النظر عن من يملك رأس المال سواء الخواص أو الدولة أو األشخاص‬
‫الخاضعين للقانون العام‪ ،‬كالمؤسسات العمومية االقتصادية التي يُنظمها األمر ‪26‬ـ‪ 28‬في ‪ 22‬غشت ‪،2226‬‬
‫ما دامت شركات تخضع للقانون التجاري‪ ،‬والمؤسسات المصرفية عمومية كانت أو خاصّة وطنية أو أجنبية‬
‫باعتبارها شركات تجارية‪ ،‬وكذلك الشركات التجارية ذات رأس المال ال ُمختلط‪ ،‬والشركات األجنبية‪.‬‬
‫والشركات التي تسأل جزائيًا قد تتخذ شكل شركة تضامن أو توصية بسيطة أو توصية باألسهم أو شركة‬
‫ُمساهمة أو ذات مسؤولية محدودة‪ ،‬وسواء كانت الشركة تابعة أو ُمساهمة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬شرط ارتكاب الجريمة من طرف جهاز أو ممثل الشخص المعنوي‪:‬‬


‫ال يُمكن تصور ارتكاب الجريمة من طرف الشخص المعنوي بحكم طبيعته‪ ،‬بل يرتكبها شخص‬
‫طبيعي يُشترط فيه أن يكون له حق التعبير عن إرادة الشخص المعنوي والتصرّف بإسمه‪ ،‬قد يكون ال ُمدير أو‬
‫أعضاء مجلس اإلدارة‪ ،‬أو الجمعية العا ّمة للشركاء‪ .‬وقد عبّرت عنهم الما ّدة ‪ُ 16‬مكرّر بأن يرتكب الجريمة‬
‫أجهزة الشخص المعنوي أو ُممثلوه الشرعيون (‪ )Organes ou Représentants légaux‬وهم الذين يمنحهم‬
‫القانون األساسي للشخص المعنوي تفويضًا لتمثيله (المادة ‪ُ 11‬مكرر‪ 2‬ق إ ج) فهو مثالً الرئيس ال ُمدير العام‬
‫في الشركة التجارية ذات األسهم(الما ّدة ‪ 198‬ق تج ج) وال ُمسيّر في الشركة ذات المسؤولية المحدودة(الما ّدة‬
‫‪ 122‬ق تج ج)‪ .‬وال يُسأل الشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها ُمجرّد األجير أو ال ُمف ّوض مثل ُمدير‬
‫الوحدة الصناعية أو مدير وكالة بنكية‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ثالثاا‪ :‬شرط وجود نّص قانوني يُق ّرر مسؤولية الشخص المعنوي عن جريمة ُمعيّنة‪:‬‬
‫أشترطت الما ّدة ‪ُ 16‬مكرّر صراحةً لمساءلة الشخص المعنوي جزائيًا أن ينصّ القانون على ذلك سواء‬
‫قانون العقوبات العام أو النصوص العقابية الخاصّة‪.‬‬

‫صة بالشخص المعنوي‪:‬‬


‫أ) أنواع الجرائم الخا ّ‬
‫هناك تشريعات تأخذ بمبدأ العموم‪ ،‬أي ُمساءلة الشخص المعنوي مثل الشخص الطبيعي عن كل‬
‫الجرائم (القانون اإلنجليزي‪ ،‬الهلندي‪ ،‬اللبناني العراقي اإلماراتي)‪ .‬وهناك من التشريعات من يأخذ بمبدأ‬
‫التخصص‪ ،‬خالفًا للشخص الطبيعي الذي يمكن متابعته جزائيا من أجل أية جريمة منصوص ومعاقب عليها‬
‫في قانون العقوبات وباقي النصوص العقابية األخرى متى توافرت أركان الجريمة وشروط المتابعة‪ ،‬فإنه ال‬
‫يجوز متابعة الشخص المعنوي ومساءلته جزائيًا إال عن جرائم ُمعيّنة وبنص صريح‪ .‬ذلك أن مسؤولية‬
‫الشخص المعنوي خاصة ومتميزة‪ ،‬ومن بين هذه التشريعات التشريع الفرنسي والمصري والجزائري‪.‬‬

‫‪ )1‬في قانون العقوبات‪:‬‬


‫‪1‬ـ في الجرائم ض ّد الشئ العمومي‪:‬‬
‫ـ الجنايات والجنح ض ّد األمن العمومي‪ ،‬وهي جريمة جمعية األشرار (الما ّدة ‪ُ 622‬مكرّر‪)1‬‬
‫ـ جرائم التزوير المتعلّقة بالنقود واألختام والمحرّرات وانتحال الصفة المنصوص عليها في المواد‬
‫‪ 692‬إلى ‪ 219‬ق ع ج‪ ،‬وهذا بنصّ الما ّدة ‪ُ 219‬مكرّر من نفس القانون‪.‬‬

‫‪2‬ـ في الجرائم ض ّد األفراد‪:‬‬


‫ـ الجرائم ض ّد األشخاص وهي‪ :‬ـ جرائم القتل والجرح الخطأ‪ ،‬وجرائم االعتداء على الحرّيات الفردية‬
‫وحرمة المنازل والخطف‪ ،‬وجرائم التمييز العنصري‪ ،‬وجرائم االعتداء على الشرف واالعتبار وحرمة‬
‫الحياة الخاصّة واألسرار( الما ّدة ‪ُ 929‬مكرّر‪ 9‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ االتجار باألشخاص( الما ّدة ‪ُ 929‬مكرّر‪ 66‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ االتجار باألعضاء البشرية‪ (.‬الما ّدة ‪ُ 929‬مكرّر‪ 21‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ تهريب المهاجرين (الما ّدة ‪ُ 929‬مكرّر‪ 98‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ الجرائم ض ّد األسرة واألداب العامة‪ :‬الحيلولة دون تحقيق شخصية الطفل(الما ّدة ‪926‬ق ع ج)‪.‬‬

‫‪3‬ـ في جرائم األموال‪:‬‬


‫ـ جرائم اإلستالء على األموال‪ :‬وهي جرائم السرقة والنّصب وإصدار شيك بدون رصيد وخيانة‬
‫األمانة‪( .‬الما ّدة ‪ُ 982‬مكرّر‪.)6‬‬
‫‪141‬‬
‫ـ جريمة تبييض األموال(‪ :)1‬بموجب المادة ‪ 989‬مكرر‪ 4‬يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب‬
‫الجريمة المنصوص عليها في المادتين ‪ 989‬مكرر‪(6‬تبييض األموال‪ )..‬و‪ 989‬مكرر‪(2‬تبييض األموال على‬
‫سبيل االعتياد أو باستعمال التسهيالت التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية)‪.‬‬
‫ـ جرائم المساس بأنظمة المعالجة اآللية للمعطيات‪ :‬وهي الدخول في منظومة معلوماتية‪ ،‬والمساس‬
‫بمنظومة معلوماتية المادة(‪ 998‬مكرر‪ 7‬ق ع ج)‪.‬‬
‫ـ الجرائم التجارية واإلقتصادية‪ :‬وهي التفليس‪ ،‬والتع ّدي على األموال العقارية‪ ،‬وإخفاء األشياء‪،‬‬
‫وتحويل وسائل النقل‪(،‬الما ّدة‪ُ 862‬مكرّر‪ )3‬والغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية‬
‫والطبية(الما ّدة‪ُ 891‬مكرّر)‪.‬‬

‫صة ‪:‬‬
‫‪ )2‬في القوانين الخا ّ‬
‫‪1‬ـ جرائم الفساد‪ :‬بموجب الما ّدة‪ 19‬من قانون الوقاية من الفساد و ُمكافحته‪ ،‬يكون الشخص المعنوي‬
‫مسؤوالً عن جرائم الفساد وفقًا للقواعد ال ُمقرّرة في قانون العقوبات ومنها جرائم الرشوة والختالس‪...‬‬
‫‪2‬ـ جرائم المنافسة طبقًا للقانون رقم ‪ 21-91‬المؤرخ في ‪ 6991/26/21‬ث ّم األمر‪ 29-29‬المؤرخ في‬
‫‪ .2229/22/69‬حيث تمنع الما ّدة ‪ 66‬على كل مؤسسة التعسّف في استغالل وضعية التبعية لمؤسسة أخرى‬
‫بصفتها زبونًا أو ُمم ّونا إذا كان ذلك يُخ ّل بقاعد ال ُمنافسة‪ ،‬وتُعاقب الما ّدة ‪ 69‬على هذه ال ُممارسة بالغرامة‪.‬‬
‫‪3‬ـ جرائم التهريب بموجب الما ّدة ‪ 28‬من قانون مكافحة التهريب‪ ،‬األمر ‪ 21-21‬يُعاقب الشخص‬
‫المعنوي الذي قامت مسؤوليته الرتكاب األفعال المجرمة في هذا األمر بغرامة قيمتها ثالثة(‪ )9‬أضعاف الحد‬
‫األقصى للغرامة التي يتعرض لها الشخص الطبيعي الذي يرتكب نفس األفعال‪ .‬وإذا كانت العقوبة المقررة‬
‫للشخص الطبيعي هي السجن المؤبد يعاقب الشخص المعنوي بغرامة بين ‪12‬مليون دج و‪212‬مليون دج‪.‬‬
‫‪7‬ـ الجرائم الضريبية‪ :‬بموجب المادة ‪ 929‬مقطع ‪ 9‬من قانون الضرائب ال ُمباشرة والرسوم ال ُمماثلة‪،‬‬
‫والما ّدة ‪ 698‬من قانون الرسم على األعمال‪ ،‬يمكن تُرتكب المخالفات الضريبية من طرف الشركات أو‬
‫األشخاص المعنوية التابعة للقطاع الخاص‪ ،‬وق ّررت لذلك عقوبات الغرامات‪.‬‬
‫‪5‬ـ جرائم اإلتجار بال ُمخدرات بموجب المادة ‪ 21‬من قانون مكافحة ال ُمخ ّدرات ‪ 68-28‬يُعاقب الشخص‬
‫المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد من ‪ 69‬إلى‪.62‬‬

‫)‪ (1‬يقصد بتبييض األموال إخفاء المصدر اإلجرامي للممتلكات واألموال‪ ،‬ال سيما المال القذر لذا تمر عملية التبييض من‬
‫الناحية التقنية بثالث مراحل بداية بالتوظيف‪ ،‬فالتمويه ثم اإلدماج‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫ب) العقوبات المطبقـة على األشخاص المعنوية (المواد ‪ 18‬مكرر و‪ 18‬مكرر‪:)1‬‬
‫‪ )1‬في مواد الجنايات والجنح‪:‬‬
‫‪1‬ـ العقوبات األصلية‪ :‬الغرامة‪ :‬من م ّرة إلى خمس (‪ )1‬م ّرات الحد األقصى للغرامة المقررة للشخص‬
‫الطبيعي‪ .‬وعندما ال ينص القانون على عقوبة الغرامة بالنسبة لألشخاص الطبيعيين سواء في الجنايات أو‬
‫الجنح‪ ،‬وقامت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي طبقًا ألحكام الما ّدة ‪ُ 16‬مكرّر‪ّ ،‬‬
‫فإن الح ّد األقصى للغرامة‬
‫المحتسب لتطبيق النسبة القانونية المقررة للعقوبة فيما يخص الشخص المعنوي يكون كاآلتي‪:‬‬
‫‪2.000.000 -‬دج عندما تكون الجناية معاقبا عليها باإلعدام أو بالسجن المؤبد‪،‬‬
‫‪1.000.000 -‬دج عندما تكون الجناية معاقبا عليها بالسجن المؤقت‪،‬‬
‫‪( 500.000 -‬دج بالنسبة للجنحة ‪.‬‬

‫‪2‬ـ العقوبات التكميلية‪:‬‬


‫ـ المصادرة‪ :‬عرفتها المادة ‪ 61‬بأنّها األيلولة النهائية إلى الدولة لمال معين أو أكثر‬
‫ـ حل الشخص المعنوي‪:‬‬
‫ـ غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة ال تتجاوز ‪ 21‬سنوات‪.‬‬
‫ـ اإلقصاء من الصفقات العمومية لمدة ال تتجاوز ‪ 21‬سنوات‪.‬‬
‫ـ المنع من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي نهائيًا أو لمدة ال تتجاوز‪ 1‬سنوات‪.‬‬
‫ـ الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة ال تتجاوز ‪ 21‬سنوات‪.‬‬
‫ـ نشر وتعليق حكم اإلدانة‪،‬‬

‫عندما يعاقب شخص معنوي بواحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة ‪18‬‬
‫ُمك ّرر‪ّ ،‬‬
‫فإن خرق االلتزامات المترتبة على هذا الحكم من طرف الشخص الطبيعي يعاقب بالحبس والغرامة‬
‫ويمكن التصريح بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجريمة المذكورة ويتعرّض للغرامة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 18‬مكرر‪.‬‬

‫‪ )2‬في مواد ال ُمخالفات‪:‬‬


‫ـ الغرامة التي تساوي من مرة واحدة )‪ (1‬إلى خمس )‪ (5‬مرات الحد األقصى للغرامة المقرّرة‬
‫للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة‪.‬‬
‫ـ مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الباب الثاني‪:‬‬
‫اجلزاء اجلنائي املُطبّق على مُرتكب اجلرمية‬

‫المادة ‪ » : 7‬يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن‪.‬‬
‫العقوبات األصلية هي تلك التي يجوز الحكم بها دون أن تقترن بها أية عقوبة أخرى‪.‬‬
‫العقوبات التكميلية هي تلك التي ال يجوز الحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية‪ ،‬فيما عدا الحاالت التي ينص‬
‫عليها القانون صراحة‪ ،‬وهي إما إجبارية أو اختيارية‪.‬‬
‫إن لتدابير األمن هدف وقائي‪.‬‬
‫يعتبراألشخاص المحكوم عليهم بسبب نفس الجريمة متضامنين في رد األشياء والتعويضات المدنية‬
‫والمصاريف القضائية‪ ،‬مع مراعاة ما نصت عليه المادتان ‪( 962‬الفقرة ‪ )8‬و ‪ 922‬من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية«‪.‬‬

‫يترتّب عن ارتكاب الجريمة أثر قانوني وهو تحميل التبِعة والمسؤولية بتوقيع الجزاء الجنائي ردعًا‬
‫وإصالحًا وإقامةً للعدل‪ .‬فالجزاء الجنائي وسيلة من وسائل صيانة المجتمع من االنحراف‪ ،‬بتأديب الجاني‬
‫وترهيبه من شتّى المخالفات والجرائم‪ ،‬بواسطة العقوبات واإلجراءات االحترازية‪.‬‬
‫والجزاء في القانون الجنائي هو ذلك اإلجراء الذي يُقرّره القانون ويوقعه القاضي على شخص ثبتت‬
‫مسؤوليته عن الجريمة‪ ،‬وله صورتان‪6 :‬ـ العقوبة‪ .‬و‪2‬ـ التدابير اإلحترازية‪ ،‬حيث يكون جزاء الجرائم‬
‫بتطبيق العقوبات‪ ،‬وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير األمن‪.‬‬
‫نظّم الم ّشرّع العقوبات في المواد ‪ 1‬إلى ‪ُ 68‬مكرّر‪ ،3‬والتدابير األمنية في المواد ‪ 69‬إلى ‪.22‬‬

‫الفصل األوّل‪:‬‬
‫العقوبة‬

‫العقوبة هي الصورة األولى من الجزاء الجنائي تُمثل قد ًرا من األلم يُقرّره ال ُمجتمع ُممثالً في ُمشرّعه‪،‬‬
‫يوقع على مرتكبي الجرائم بموجب حكم قضائي ُمبرم‪ ،‬وتتن ّوع بحسب نوع الجريمة المرتكبة وظروفها‪.‬‬
‫نتناول في هذا الفرع مفهوم العقوبة وأصنافها وكيفية تفريدها القانوني والقضائي بحسب الظروف‬
‫الشخصية والموضوعية المقترنة بها‪.‬‬

‫جوهر الجريمة إيالم ال ُمجرم بما يتناسب مع جريمته قد يتعلّق بالبدن أو بالحرية أو المال أو االعتبار‪.‬‬
‫يتبغي تعريف العقوبة وبيان أغراضها‪ ،‬وتوضيح شروط تقريرها في القانون‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬التعريف الشرعي للعقوبة‪:‬‬
‫هي جزاء مادي أو أدبي وضعه الشارع للزجر عن ارتكاب ما نهى عنه وترك ما أمر به‪ ،‬يُفرض‬
‫سلفا لجعل المكلف يحجم عن ارتكاب الجريمة‪ ،‬فإذا ارتكبها رُدع بالعقوبة حتى ال يعاود الجريمة مرة‬
‫أخرى كما يكون عبرة لغيره‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬التعريف القانوني للعقوبة‪:‬‬


‫العقوبة باععتبارها إيالم ينزل بالجاني ويُنفّذ قهرًا بموجب إجراءات ُمح ّددة بالقانون‪ ،‬يمكن تعريفها‬
‫بأنّها جزاء جنائي يُقرّره القانون ويوقعه القاضي على المجرم‪ .‬والعقوبة قانونًا هي جزاء ينص عليه القانون‬
‫يوقع باسم المجتمع على الشخص تنفيذاً لحكم قضائي يقضي بإدانته ومسئوليته عن الفعل الذي اعتبره القانون‬
‫جريمة‪ .‬وتتمثل العقوبة في إيالم الجاني باإلنقاص من بعض حقوقه الشخصية مثل حق الحياة وحق الحرية‬
‫وحق الملكية‪ ،‬ردعًا وإصالحًا وإقامةً للعدل‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف يمكن استخالص أهم خصائص العقوبة كما وردت في قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫وهي أنّها قانونية وقضائية وتتضمن عنصر اإليالم وتقوم على المبادئ الثالثة هي مبادئ الشخصية‬
‫والمساواة والتفريد‪ ،‬كما ينصّ على ذلك الدستور(المواد ‪ )612 ،611‬وقانون تنظيم السجون وإعادة االدماج‬
‫االجتماعي للمحبوسين ‪21‬ـ‪ 28‬ال ُمع ّدل وال ُمت ّمم(المواد ‪.)2،9‬‬

‫ُشرع العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها‪ّ ،‬‬


‫ألن النهي عن الفعل أو األمر بإتيانه ال يكفي‬
‫لحمل النّاس على االمتثال لألمر والنهي‪ ،‬فلوال العقاب لكانت األوامر والنواهي ضربًا من العبث‪ .‬فالعقوبة‬
‫تهدف إلى تحقيق أغراض أساسية تتمثل في الوقاية من الجريمة والردع العام والخاص وتأهيل الجاني‬

‫أوالا‪ :‬الوقاية من اإلجرام‪:‬‬


‫ألن مجرّد إعالم النّاس بنصوص التجريم والعقاب يُع ّد بمثابة تحذير‬
‫تتمثل في تالفي ارتكاب جرائم ّ‬
‫وتخويف وتهديد يدعوهم لالبتعاد عن الجريمة‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ثانياا‪ :‬الردع العام والخاص‪:‬‬
‫الردع العام يقصد به ّ‬
‫أن تنفيذ العقوبة يكون فيه تحذي ٌر لباقي أفراد المجتمع الذين تراودهم فكرة ارتكاب‬
‫الجريمة من أنّهم سينالون نفس العقوبة التي توقع على المجرم الذي ارتكبها فعالً ‪ .‬أ ّما الردع الخاص فيقصد‬
‫به ايالم الجاني بالقدر الالزم الذي يمنعه من التفكير في العودة الى ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬ارضاء شعور العدالة‪:‬‬


‫يجب أن ترضي العقوبة شعور الضحية وفي الوقت نفسه تُرضي الشعور العام في المجتمع بأن من‬
‫يرتكب الجريمة تسلط عليه العقوبة المناسبة‪ .‬وبالحرص على تتناسب العقوبة مع الخطأ أكثر من تناسبها‬
‫مع الضرر االجتماعي الذي تتسبب فيه‪.‬‬

‫راب اعا‪ :‬تأهيل الجاني‪:‬‬


‫وهي وظيفة أساسية ترمي إلى أنسنة العقوبة‪ ،‬ويقصد بها أن تنفذ العقوبة بطريقة فيها من وسائل‬
‫التهذيب والعالج ما يمكن الجاني بعد مغادرته للمؤسسة العقابية أن يكون أهال للتكيف مع المجتمع ‪ .‬وتعويده‬
‫على احترام قواعد الحياة االجتماعية المشتركة‪ ،‬وقد تبنى ال ُمشرّع الجزائري هذا الهف في المواد ‪8 ،2 ،6‬‬
‫من قانون تنظيم السجون وإعادة إدماج المحبوسين ‪21‬ـ‪.28‬‬

‫نصّ الدستور الجزائري في المواد‪ 618‬و‪ 612‬مبادئ ال ّشرعيّة وال ّشخصيّة والمساواة‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬أن تكون العقوبة شرعية(قانونية)‪:‬‬
‫نصّت على هذا الشرط الما ّدة ‪ 6‬من ق ع ج‪ ،‬والما ّدة ‪ 1‬من قانون تنظيم السجون وإعادة إدماج‬
‫المحبوسين ‪21‬ـ‪ .28‬وتعتبر العقوبة شرع ية إذا كانت تستند إلى قانون صدر بها من السلطة التشريعية في‬
‫الدولة‪ .‬ويترتب على اشتراط شرعية العقوبة أنّه ال يجوز للقاضي أن يوقع عقوبة من عنده حتى لو اعتقد‬
‫أنها أفضل من العقوبات المنصوص عليها‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أن تكون العقوبة شخصية‪ :‬أي أنّها تصيب الجاني وال تتعداه إلى غيره فإذا مات الجاني أو‬
‫هرب فال يلحق شر العقوبة أقاربه‪ ،‬وتُطبّق العقوبة المالية في ماله الخاص أو تركته بعد الوفاة قبل الميراث‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬أن تكون العقوبة عا ّمة‪:‬‬


‫أي تقع على كل النّاس على ح ّد سواء دون تفرقة‪ ،‬والمطلوب هو المساواة في أثر العقوبة على الجاني‬
‫وهو الزجر والتأديب‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫قد يرت ِكبُ الشخص جريمة واحدة لها عقوبة واحدة‪ ،‬وقد يرتكب ع ّدة جرائم ولكل جريمة عقوبتها‪،‬‬
‫فقبل أن يُنفّذ أيّة عقوبة من عقوبات هذه الجرائم‪ ،‬يكون الشخص في حالة تع ّدد الجرائم‪ ،‬ويُطرح التساؤل‬
‫حول العقاب الذي يستحقه الجاني هل هو عقوبة واحدة عن كافّة الجرائم؟ أم يعاقب عن كل جريمة على‬
‫ِحدة؟‬
‫نظّم ال ُمشرّع الجزائري مسألة تع ّدد الجرائم وأثره على العقوبات في المواد ‪ 92‬إلى ‪ 98‬من قانون‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫ينبغي ُمنذ البداية التمييز بين حالة تع ّدد الجرائم التي ال يفصل بينها حكم نهائي‪ ،‬وتع ّدد الجرائم التي‬
‫يفصل بينها حكم نهائي‪.‬‬
‫فاالحتمال األ ّول بأن تتع ّدد الجرائم ويفصل بينها حكم نهائي‪ ،‬يُمثل حالة العود اإلجرامي‪ ،‬التي تفترض‬
‫وقوع أكثر من جريمة ويُشترط فيها أن يسبق الحكم النهائي على الجاني في جريمة سابقة قبل ارتكاب‬
‫الجريمة التي يُحاكم من أجلها‪ ،‬بينما في تع ّدد الجرائم يرتكب الجاني أكثر من جريمة واحدة دون أن يكون قد‬
‫سبق الحكم عليه في أيّة واحد منها‪ .‬ومن جهة أخرى يعتبر العود سببًا لتشديد العقوبة في الجريمة الثانية‬
‫أن حالة التع ّدد قد تتوفّر‬
‫أن التع ُّدد في ح ّد ذاته ال يمثل ظرف تشديد‪ ،‬غير ّ‬
‫المطروحة أمام القضاء‪ ،‬في حين ّ‬
‫فيها حالة العود‪.‬‬
‫واالحتمال الثاني هو ما يُس ّمى تع ّدد الجرائم‪ ،‬ويُعرّف بأنّه " الحالة التي يرتكب فيها نفس الشخص‬
‫الطبيعي أو المعنوي أكثر من جريمة دون أن يكون قد صدر ض ّده في إحداها حكم نهائي"‪ .‬ويُعر ُ‬
‫ّف أيضًا "‬
‫فعل أو ع ّدة أفعال أكثر من جريمة واحدة"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أن يُنسبُ إلى الشخص الواحد سوا ٌء عن ِ‬
‫يت ّم التمييز بين نوعين من تع ّدد الجرائم هما‪ :‬التع ّدد الصوري ويُس ّمى كذلك التع ُّدد المعنوي‪ ،‬والتع ّدد‬
‫الحقيقي ويس ّمى كذلك التع ّدد الما ّدي‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬مفهوم التعدّد الصوري للجرائم‪:‬‬
‫تقوم حالة تع ّدد صوري أو معنوي للجرائم عندما يجوز أن يوصف الفعل الواحد بع ّدة أوصاف‬
‫إجرامية‪ ،‬يعني إمكانية أن يكون الفعل االجرامي الواحد محالًّ ل ِع ّدة تكييفات قانونية‪ ،‬م ّما يجعله قابالً‬
‫للخضوع ألكثر من نصّ قانوني‪ .‬مثل أن يقوم شخص بفعل هتك العرض في مكان عمومي‪ ،‬فالفعل ينطبق‬
‫عليه وصف جريمة هتك العرض طبقًا لنصّ الما ّدة ‪ 991‬ق ع ج ووصف جريمة الفعل العلني ال ُمخل بالحياء‬
‫بموجب الما ّدة ‪ 999‬ق ع ج‪.‬‬
‫فتع ّدد النصوص القانونية وتقارُبُ مضامينها يجعلها تتزاحم في انطباقها على واقعة واحدة‪ ،‬أو تتزاحم‬
‫التكييفات المحتملة على الواقعة الواحدة‪ ،‬مثل السرقة عمو ًما بنص الما ّدة ‪ 912‬ق ع ج وسرقة المواشي في‬
‫الما ّدة ‪ 916‬ق ع ج‪ .‬حيث اختلف الفقه في إيجاد ح ٍل للمسألة باختالف المعايير‪ ،‬فهناك معيار استبعاد النصّ‬
‫العام عند وجود النص الخاص‪ ،‬وهناك معيار تبعية النص االحتياطي للنص األصلي‪ ،‬ومعيار استغراق‬
‫النص األوسع لنصّ ضيّق فيحتويه‪ ،‬مثل انتهاك حرمة منزل والسرقة داخل منزل‪ .‬إذن أركان التع ّدد‬
‫الصوري هي وحدة الفعل وتع ّدد النصوص المطبّقة على الفعل الواحد‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬حكم التعدُّد الصوري للجرائم وأثره على العقوبة‪:‬‬


‫تنصّ الما ّدة ‪ 92‬على أنّه يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل ع ّدة أوصاف بالوصف األشد من‬
‫بينها‪ .‬بتطبيق هذا الحكم الذي أورده المشرّع في الما ّدة ‪ 92‬وهو األخذ بالنصّ الذي يحمل الوصف األش ّد‪،‬‬
‫يُوصف فعل الشخص المنافي لآلداب ال ُمتحرّش بقاصر دون السادسة عشرة عن طريق المالمسة الجسدية‬
‫في مكان عمومي بوصف جريمة الفعل المخل بالحياء ضد قاصر دون السادسة عشرة في المكان العمومي‬
‫وفق الما ّدة ‪ 998‬ق ع ج‪ ،‬وليس الفعل المخل بالحياء المنصوص عليه بالما ّدة ‪ 999‬ق ع ج‪ّ .‬‬
‫ألن الوصف‬
‫األ ّول عقوبته الحبس من خمس (‪ )1‬سنوات إلى عشر (‪ )62‬سنوات وهي أش ّد من الوصف األ ّول الذي‬
‫عقوبته الحبس من شهرين إلى سنتين والغرامة من ‪ 22 222‬دج إلى ‪ 622 222‬دج‪ .‬وهو نفس االتجاه‬
‫السائد في مصر وفرنسا‪.‬‬
‫ق حكم القاعدة ال ُمقرّرة بالما ّدة ‪ 92‬ق ع ج سواء كان التع ّدد الصوري لجرائم القانون العام فيما بينها‪ ،‬أو‬
‫ويُطب َّ ُ‬
‫بين جرائم القانون العام وجرائم القوانين الخاصّة‪ .‬أكدتها على سبيل المثال الما ّدة ‪ 999‬من قانون الجمارك‬
‫رقم ‪ 22-29‬المؤرّخ في ‪ 26‬يوليو ‪ 6929‬ال ُمع ّدل والمت ّمم" كل فعل يقع تحت طائلة أحكام جزائية متميزة‪،‬‬
‫نُصّ عليها في هذا القانون‪ ،‬يجب أن يُفهم بأعلى درجة عقابية يحتمل أن تترتب عنه‪ .‬وفي حالة تع ّدد‬
‫المخالفات أو الجنح الجمركية تصدر العقوبات المالية على كل مخالفة يثبت ارتكابها قانونا"‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫غير ّ‬
‫أن القضاء الجزائري استق ّر في هذه الحالة على إعمال مبدأين‪ :‬األ ّول هو تطبيق قاعدة عدم جمع‬
‫عقوبات الحبس وتطبيق العقوبات المقرّرة للوصف األش ّد‪ ،‬والثاني هو تطبيق قاعدة جمع العقوبات الجبائية‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬مفهوم التعدّد الحقيقي للجرائم‪:‬‬


‫التع ّدد الحقيقي أو الما ّدي للجرائم هو أن يرتكب الجاني ع ّدة أفعال جرمية‪ ،‬حيث يرتكب أحد هذه‬
‫األفعال وال يكون قد حوكم نهائيًا عندما يرتكب الفعل اآلخر‪ ،‬ويكون القاضي مدع ًوا للفصل في كل فعل على‬
‫أن كل فعل يمثل جريمة قائمة بذاتها‪ .‬وعرّف ال ُمشرّع الجزائري التع ّدد الحقيقي في الما ّدة‬
‫حدة‪ ،‬على أساس ّ‬
‫‪ 99‬من ق ع ج بأنّه " يُعتبر تع ُّد ًدا في الجرائم أن تُرتكب في وقت واحد أو في أوقات متع ّددة عدة جرائم ال‬
‫يفصل بينها حكم نهائي"‪.‬‬
‫وتع ّدد الجرائم يختلف عن جرائم االعتياد التي تشترط لقيامها ركن االعتياد أي تكرار الفعل مرّتين‬
‫على األقل‪ ،‬فال تعتبر الجريمة قائمة إالّ في المرّة الثانية‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن في التع ّدد تكون فيه الجريمة قائمة في‬
‫أ ّول مرّة وفي كل مرّة‪ ،‬كما أنّه يختلف عن الجريمة ال ُمر ّكبة التي يكون ركنها الما ّدي ُمر ّكبًا من ع ّدة أفعال‬
‫كون جريمة واحدة‪ ،‬بينما في التع ّدد يكون كل فعل مش ِكالً لجريمة‪.‬‬
‫تجتمع لتُ ِ‬

‫ثانياا‪ :‬حكم العقوبة في التعدّد الحقيقي للجرائم‪:‬‬


‫يجري التمييز بين صورتين هما من جهة تع ّدد المتابعات ووحدة المحكمة‪ ،‬ومن جهة أخرى تع ّدد‬
‫المتابعات وتع ّدد الحاكمات‪.‬‬
‫أ) الصورة األولى(تعدّد المتابعات ووحدة المحكمة)‪:‬‬
‫تفترض أن تت ّم متابعات ض ّد الشخص عن كافّة الجرائم التي ارتكبها في وقت واحد أو أوقات مختلفة‬
‫ث ّم تت ّم محاكمته عن كل الجرائم في ملف واحد بمحاكمة واحدة يصدر فيها حكم واحد‪ .‬كأن يرتكب سرقة يوم‬
‫‪ 22‬مارس ثم الضرب والجرح العمدي يوم ‪ 9‬أفريل ث ّم السبّ والشتم يوم ‪ 68‬ماي‪ ،‬أو يتم ضبطه في نفس‬
‫الواقعة في وقت واحد يرتكب ع ّدة جرائم كأن يقود سيارة بدون رخصة وفي حالة سكر وعندما يوقفه‬
‫الشرطي يقوم بإهانته‪ .‬ث ّم تت ّم متابعته ويحكام في جلسة واحدة عن هذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ )1‬حكم التعدّد بالنسبة الجنايات أو الجنح ال ُمحالة إلى المحاكمة‪:‬‬
‫‪1‬ـ في عقوبة الحبس نصّت الما ّدة ‪ 98‬من ق ع أنّه يُقضى بعقوبة واحدة سالبة للحرية ال تتجاوز م ّدته‬
‫العقوبة ال ُمقرّرة للجريمة األش ّد من بين الجرائم المرتكبة‪.‬‬
‫‪2‬ـ في عقوبة الغرامة نصّت الما ّدة ‪ 91‬من ق ع ج أنّها تُض ُّم (تُجمع) العقوبات المالية ما لم يُق ّرر‬
‫القاضي خالف ذلك بنص صريح‪ ،‬يعني ّ‬
‫أن القاعدة هي جمع العقوبات المالية(غرامات‪ ،‬ومصاريف قضائية‬
‫‪149‬‬
‫وجبايات جمركية وضريبية‪ ،)...‬لكن يجوز للقاضي أن يخرج عن القاعدة دون قرار مسبّب وإنما بموجب‬
‫نصّ صريح‪.‬‬
‫‪3‬ـ في تدابير األمن كذلك يجوز طب ًقا للمادة ‪ 92‬أن تُض ّم ( ُتج َمع) في حال تعدد الجنايات أو الجنح‬
‫ويكون تنفيذ تدابير األمن التي ال تسمح طبيعتها بتنفيذها في آن واحد بالترتيب المنصوص عليه في قانون‬
‫تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين‪.‬‬
‫‪7‬ـ جمع العقوبات التكميلية‪ :‬نصّ المشرّع صراحة على جمع العقوبات التبعية في الما ّدة ‪ 92‬ق ع ج‪،‬‬
‫لكنّه سكت عن العقوبات التكملية ولم يستدرك األمر بالنسبة لها عندما ع ّدل قانون العقوبات سنة ‪2221‬‬
‫وألغى العقوبات التبعية‪ ،‬إالّ أنّه حسب رأي الفقه والقضاء الفرنسي ‪ -‬الذي يصلح تطبيقه في الجزائر ‪ّ -‬‬
‫فإن‬
‫قاعدة الدمج تنحصر في العقوبات األصلية فقط‪ ،‬ولذلك يُفسر السكوت عن العقوبات التكميلية ّ‬
‫أن هذه األخيرة‬
‫حكمها هو ض ّم العقوبات إلى بعضها البعض وليس الدمج‪.‬‬
‫بالنص القانوني الصريح‪ :‬تُض ّم عقوبات الحبس بنصّ خاص على نحو ما نصّت الما ّدة ‪ 698‬من ق‬
‫ّ‬ ‫‪5‬ـ‬
‫ع ج التي تُقرّر وجوب ض ّم عقوبة الحبس التي يُحكم بها على المحبوس الذي يهرب أو يحاول أن يهرب‪،‬‬
‫إلى أيّة عقوبة حبس محكوم بها على الجاني‪.‬‬
‫ب ـ حكم التعدّد بالنسبة لل ُمخالفات ال ُمحالة إلى المحاكمة‪ :‬تُض ُّم (تجمع) عقوباتها وجوبيًا بنصّ الما ّدة‬
‫‪ 98‬من ق ع ج سواء كانت الحبس أو الغرامة‪ ،‬وتُض ّم عقوبات المخالفة إلى عقوبات المخالفة أو الجنحة‬
‫ألنّها من طبيعة واحدة‪ ،‬وال تض ّم عقوبة المخالفة إلى عقوبة الجنحة الختالف طبيعتهما‪.‬‬

‫ب) الصورة الثانية(تعدّد المتابعات وتعدّد المحكمات)‪:‬‬


‫تفترض هذه الصورة أن يُحاكم الشخص عن كل جريمة في جلسة مستقلة ويُقضى فيها بحكم منفرد‪،‬‬
‫فيكون أمام ع ّدة أحكام قضائية كل حكم يتض ّمن عقوبة‪.‬‬
‫‪ )1‬القاعدة بالنسبة للعقوبة السالبة للحرية‪ :‬طبقًا للما ّدة ‪ 91‬ق ع ج تُطبق قاعدة الدمج وليس الجمع‬
‫حيث تُنفّذ عقوبة واحدة هي العقوبة األش ّد من بين العقوبات المحكوم بها‪.‬‬
‫‪ )2‬استثنا اء على القاعدة‪ :‬قضت الفقرة الثانية من الما ّدة ‪ 91‬أنّه يجوز للقاضي بقرار ُمسبّب جمع‬
‫العقوبات السالبة للحرية في حالة كون العقوبة من طبيعة واحدة بشرط أالّ يتجاوز مجموعها الح ّد األقصى‬
‫بل يبقى جمعها في حدود الح ّد األقصى للعقوبة‪ .‬واختلف الفقه في طبيعة القاضي هنا هل هو قاضي تطبيق‬
‫العقوبات أو قاضي النيابة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا عوقب الشخص بالحبس عن السرقة األولى سنتين‪ ،‬وعن السرقة الثانية بسنة‪ ،‬وعن السرقة‬
‫ألن مجموعها ال يتجاوز الح ّد األقصى للسرقة‬
‫الثالثة بستة أشهر‪ ،‬فهنا يجوز جمع هذه العقوبات الثالث‪ّ ،‬‬
‫وهو ‪ 1‬سنوات‪ .‬ويبقى للعقوبات الصغيرة األخرى التي لم تنفّذ أثرها في سابقة العود‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫تقرّر التشريعات الوضعية حاليًا عقوبات جزائية بدنية ومالية وسالبة للحرية‪ ،‬تُصنّف في تصنيفات‬
‫عديدة بحسب موضعها أو طبيعتها‪ ،‬وبحسب الرابطة القائمة بينها‪ ،‬وبحسب ش ّدتها‪.‬‬

‫العقوبة األصلية هي تلك العقوبة التي يجوز الحكم بها دون أن تقترن بها أيّة عقوبة أخرى‪ ،‬وهي من‬
‫جهة أخرى تلك العقوبة التي وضعها القانون لجريمة ُمح ّددة العناصر‪.‬‬
‫ح ّددت المادة‪ 21‬من ق ع ج العقوبات األصلي‪ ،‬ووزعتها على الجرائم حسب وصفها القانوني‪:‬‬
‫‪6‬ـ في مادة الجنايات‪ :‬هي االعدام‪ ،‬والسجن المؤبد‪ ،‬والسجن المؤقت لمدة بين‪ 1‬سنوات و‪ 22‬سنة‬
‫‪2‬ـ في مادة الجنح‪ :‬هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين الى‪ 21‬سنوان‪ ،‬والغرامة تتجاوز‪ 22.222‬دج‬
‫‪9‬ـ في مادة المخالفات‪:‬هي الحبس من يوم الى شهرين والغرامة من ‪ 2222‬دج الى ‪ 22.222‬دج‬
‫وقد ينص القانون على عقوبة واحدة أصلية كما قد ينص على عقوبتين في جريمة واحدة‪.‬‬

‫وهي عقوبة تتبع العقوبة األصلية للجناية تُطبّق على المحكوم بإدانته بقوة القانون من غير أن ينطق‬
‫بها القاضي في حكمه‪ .‬كان منصوصًا عليها في المواد ‪ 8 ، 2 ،1‬من قانون العقوبات الجزائري وهي الحجر‬
‫القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية ثُ ّم ت ّم إلغاؤها ودمجها في العقوبات التكميلية في الما ّدة ‪.9‬‬

‫وهي عقوبة تضاف الى العقوبة األصلية منها الوجوبية ومنها الجوازية‪:‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬بالنسبة للشخص الطبيعي (المادة ‪ 29‬ق ع ج)‬
‫‪-1‬الحجر القانوني‪ ،‬بحرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية‪ ،‬وهو وجوبي في الجنايات‪.‬‬
‫‪-2‬الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية‪ ،‬المذكورة في الما ّدة ‪ُ 9‬مكرّر‪ 1‬ق ع ج‪.‬‬
‫‪-3‬تحديد اإلقامة‪،‬‬
‫‪-4‬المنع من اإلقامة‪،‬‬
‫‪151‬‬
‫‪-5‬المصادرة الجزئية لألموال‪،‬‬
‫‪-6‬المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط‪،‬‬
‫‪-7‬إغالق المؤسسة‪،‬‬
‫‪-8‬اإلقصاء من الصفقات العمومية‪،‬‬
‫‪-9‬الحظر من إصدار الشيكات و ‪/‬أو استعمال بطاقات الدفع‪،‬‬
‫‪-10‬تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع المنع من استصدار رخصة جديدة‪،‬‬
‫‪-11‬سحب جواز السفر‪،‬‬
‫‪-12‬نشر أو تعليق حكم أو قرار اإلدانة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬بالنسبة للشخص المعنوي (المادة ‪ 68‬مكرر‪ 2‬ق ع ج)‪.‬‬


‫‪- 6‬حل الشخص المعنوي‪،‬‬
‫‪- 2‬غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة ال تتجاوز خمس )‪ ( 5‬سنوات‪،‬‬
‫‪- 9‬اإلقصاء من الصفقات العمومية لمدة ال تتجاوز خمس )‪ ( 5‬سنوات‪،‬‬
‫‪- 8‬المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬نهائيا أو لم ّد‬
‫ال تتجاوز خمس)‪ (5‬سنوات‪،‬‬
‫‪- 1‬مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها‪،‬‬
‫‪- 1‬نشر وتعليق حكم اإلدانة‪،‬‬
‫‪- 2‬الوضع تحت الحراسة القضائية لم ّدة ال تجاوز‪ 1‬سنوات وذلك في النشاط الذي أ ّدى إلى ارتكاب‬
‫الجريمة أو بمناسبته‪.‬‬

‫في ظل تط ّور المجتمعات وتنامي نظم األمن والوعي الجماعي بيّنت التجربة قساوة وفشل وسائل‬
‫النظام الجنائي التقليدي‪ ،‬وظهرت ضرورة الحد من العقاب‪ ،‬بالتخلّي عن النظام الجنائي لصالح نظام آخر‬
‫كالنظام اإلداري أو المدني أو الصلح أو التوفيق‪ ،‬بدالً من العقوبة‪ ،‬وهي ما تُس ّمى بالعقوبات البديلة‪.‬‬
‫خاصّة عن عقوبة الحبس قصير ال ُم ّدة تتمثل في العمل للمنفعة العا ّمة ونظام وقف التنفيذ‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬عقوبة العمل للمنفعة العا ّمة‪:‬‬


‫يُقصد بها إلزام المحكوم عليه بالقيام بأعمال ُمعيّنة لصالح المجتمع في عدد ُمعيّن من الساعات‪ ،‬تكون‬
‫هذه األعمال مح ّددة سلفة‪ ،‬وتُؤ ّدى مجانًا في أوقات فراغ النحكوم عليه من أعماله المهنية أو الدراسية‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫أو هي قيام المحكوم عليه بعمل ذي نفع عام إحدى المؤسسات العمومية دون أجر لم ّدة ال تزيد عن‬
‫ثمانية عشرة شهرًا‪ ،‬بدالً من تطبيق عقوبة الحبس قصيرة ال ُم ّدة المنطوق بها ضده في حدود سنة حبسًا ناف ًذا‬
‫من أجل جريمة يُعاقب عليها القانون بـ ‪ 9‬سنوات حبسًا‪ .‬حيث تتراوح مدة العمل ما بين ‪ 40‬ساعة و ‪600‬‬
‫ساعة بالنسبة للبالغين وما بين‪10‬و‪ 300‬ساعة للقصر‪ ،‬ب ُمع ّدل ال يتجاوز ساعتين مقابل يوم واحد من الحبس‪.‬‬
‫يُشترط فيها أن ال يكون المحكوم عليه مسبوقًا قضائيًا‪ ،‬وأن ال يقل سنه عن ‪ 20‬سنة وقت ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،‬وأن يُوافق صراحةً على قبولها‪ .‬وأن يصدر الحكم أو القرار حضوريًا ينطق بعقوبة الحبس النافذ‬
‫األصلية واستبدالها بعقوبة العمل للنفع العام‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬العقوبة الموقوفة النفاذ‪:‬‬


‫نظام وقف تنفيذ العقوبة هو من بين التي سمح بها المشرّع لتحقيق غرض إصالح الجاني‪ ،‬وأخضعها‬
‫للسلطة التقديرية للقاضي وهو بمثابة تهديد للمحكوم عليه يُقصد أن يُصدر القاضي الحكم بالعقوبة‪ ،‬ثم يُقرّر‬
‫وقف تنفيذها وإخضاع المحكوم عليه لشروط وواجبات معينة خالل مـدة يطلق عليها «مدة التجربة» يُطالب‬
‫فيها المحكوم عليه بأن اليعود الى ارتكاب جريمة جديدة‪ ،‬فإن مرّت هذه الفترة دون أن يرتكب جريمة جديدة‬
‫سقط الحكم الصادر ض ّده واعتبر كأن لم يكن‪ .‬وتزول جميع أثاره الجنائية‪ ،‬أ ّما إذا ارتكب خاللها جريمة‬
‫جديدة فتُنفّذ عليه العقوبة الموقوفة إضافة الى ما يحكم به عليه بالنسبة للجريمة الجديدة‪.‬‬
‫ففي كثير من األحيان يرتكب الشخص الجريمة بطريق الصدفة أو يندفع نحوها بعاطفة عابرة‪ ،‬فحالته‬
‫قبل ارتكاب الجريمة وظروفه بعد ارتكاب الجريمة تدعوا الى االعتقاد بأنه لن يعود الى ارتكابها في‬
‫المستقبل‪ ،‬وعليه فقد يكون من المفيد عدم توقيع العقوبة عليه لما قد ينجم عن تنفيذها من ضرر‪.‬‬
‫نظّمه ال ُمشرّع الجزائري في المواد ‪ 191 -192‬من ق إ ج (‪.)1‬على خالف الكثير من تشريعات الدول‬
‫التي نظمته في قانون العقوبات مثله مثل تخفيف العقوبة وتشديدها‪.‬‬

‫‪ -6‬العقوبات الواقعة على الحق في الحياة‪ ،‬كاإلعدام‪ ،‬أو القتل ح ّدا وقصاصًا في الشريعة‪.‬‬
‫‪ -2‬عقوبات سالبة للحرية ومقيّدة لها‪ ،‬تسلب حرية المحكوم عليه بصفة نهائية أو مؤقتة كالسجن ال ُمؤبّد‬
‫والسجن المؤقت والحبس‪ ،‬والوضع تحت ال ُمراقبة اإللكترونية وتحديد اإلقامة‪.‬‬

‫(‪)1‬المادة ‪ " 192‬يجوز للمجالس القضائية وللمحاكم في حالة الحكم بالحبس أو الغرامة إذا ما لم يكن المحكوم عليه قد سبق الحكم‬
‫عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام أن تأمر في حكمها نفسه بقرار ُمسبّب بإيقاف التنفيذ الكلي أو الجزئي للعقوبة‬
‫األصلية"‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫‪ -9‬عقوبات مالية‪ ،‬وهي التي تصيب مال الشخص كالغرامة والمصادرة‪.‬‬
‫‪ -8‬عقوبات بدنية‪ ،‬وهي التي تقع على جسم اإلنسان كالعمل للنفع العام واألشغال الشاقة في القانون‬
‫الوضعي‪ ،‬والقطع والجلد في الشريعة‪.‬‬
‫‪ -1‬عقوبات معنوية‪ ،‬وهي التي تقع على الجانب النفسي لإلنسان وسمعته دون جسمه كالنصح والتوبيخ‬
‫للحدث ونشر الحكم في الصحف لبعض األحكام كأحكام اإلفالس والغش التجاري بالنسبة للبالغ‪.‬‬
‫‪ -1‬العقوبات الماسّة بالحقوق السياسية والمدنية والمهنية كالمنع من الترشيح لعضوية المجالس النيابية‬
‫والعزل من المنصب وغلق المنشأة التجارية وحظر مزاولة مهنة أو نشاط تجاري أو اقتصادي‪ ،‬وإسقاط‬
‫السلطة األبوية‪.‬‬

‫ح ّدد قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬سُلّم العقوبات في المادة ‪ 1‬منه‪ ،‬وميّز فيها بين العقوبات المقررة‬
‫للشخص الطبيعي والعقوبات المقررة للشخص المعنوي‪.‬‬

‫تطبّق على الشخص الطبيعي ثالثة أصناف هي العقوبات الجنائية والجنحية وعقوبات المخالفات‪.‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬العقوبات الجنائية‪:‬‬
‫وهي مرتبة في الما ّدتين‪ 1‬و‪ُ 1‬مكرّر ق ع ج ترتيبًا تنازليًا من حيث الش ّدة‪:‬‬
‫أ) االعدام‪:‬‬
‫بقتل المحكوم عليه عن جرائم الخطيرة‪ ،‬مثالً في جرائم أمن الدولة‪ ،‬كالخيانة (الم ‪ ،)16‬وقيادة‬
‫العصابات ال ُمسلّحة (الم ‪ ،)81‬واإلرهاب(الم‪ُ 82‬مكرّر‪ ،)1‬وتنظيم حركات التم ّرد(الم‪ .)96‬وفي الجرائم ض ّد‬
‫األفراد كالقتل العمد مع سبق اإلصرار والترصّد أو التسميم (المادة‪ )219 ،216‬أو خطف القصّر مع طلب‬
‫فدية (الم ‪ُ 299‬مكرّر‪ ،)1‬وبعض جرائم األموال المتعلقة بالتخريب والهدم بمواد متفجرة (الم‪.)826‬‬

‫ب) السجن المؤبّد‪:‬‬


‫بسلب حرية ال ُمدان مدى الحياة في بعض الجنايات كالتجسس اضرارًا بمصالح الدفاع الوطني أو‬
‫االقتصاد الوطني(الم‪ )11‬وخطف األشخاص مع التعذيب (الم ‪ُ 299‬مكرّر)‪.‬‬
‫جـ) السجن المؤقت‪:‬‬
‫‪154‬‬
‫لم ّدة تتراوح بين ‪ 21‬سنوات الى ‪ 22‬سنة‪ .‬مثل السجن من ‪ 21‬سنوات الى ‪ 62‬سنوات في االشادة‬
‫باألعمال االرهابية(م‪ 82‬مكرر ‪ )8‬أو السجن من ‪ 62‬سنوات الى ‪ 22‬سنة مثل هتك عرض القاصر(الما ّدة‬
‫‪ ،)2-991‬والسرقة الموصوفة (الما ّدة ‪ .)919‬أو السجن من ‪ 21‬الى ‪ 22‬سنة في تقليد أو تزوير األختام‬
‫والدمغات (الما ّدة ‪.)221‬‬

‫د) الغرامة‪:‬‬
‫عندما تكون العقوبة السالبة لل ُحرّية هي السجن ال ُمؤقت فإنّه يجوز أن يحكم القاضي بعقوبة‬
‫الغرامة(الما ّدة ‪ُ 1‬مكرّر ق ع ج)‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬العقوبات الجنحية‪:‬‬


‫ُمح ّددة في الفقرة‪ 2‬من الما ّدة ‪ 1‬من قانون العقوبات الجزائري كالتالي‪:‬‬
‫أ) الحبس‪:‬‬
‫لمدة تتجاوز شهرين الى ‪ 1‬سنوات وتحتل هذه العقوبات أكبر مساحة في القانون‪ ،‬مثل جنحة السرقة‬
‫البسيطو والسب والشتم‪ .‬وهناك حاالت استثنائية تفوق عقوبتها ‪ 1‬سنوات مثل تزوير شيك أوقبول شيك‬
‫مز ّور(الما ّدة‪ )921‬وتدنيس المصحف أو العلم الوطني أو مقابر الشهداء ( المواد ‪ 612،612‬مكرر‪612،‬‬
‫مكر ر ‪.)8‬‬

‫ب) الغرامة‪:‬‬
‫تتجاوز ‪ 22.222‬دج‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬عقوبات المخالفات‪:‬‬


‫أ) الحبس الذي يتراوح من يوم واحد الي شهرين‪،‬‬
‫ب) الغرامة من ‪ 2222‬دج الى ‪ 22.222‬دج‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ح ّددتها المادتان ‪ 68‬مكرر‪ ،‬و‪ 68‬مكرر‪ 1‬كالتالي‪:‬‬
‫أ ّوالا‪ :‬في مواد الجنايات والجنح‪:‬‬
‫عقوبة الشخص المعنوي األصلية هي الغرامة بمبلغ يساوي م ّرة (‪ )6‬إلى ‪ 1‬م ّرات الحد األقصى‬
‫للغرامة المق ّررة قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي‪ .‬مثل جريمة جمعية االشرار (الما ّدة‬
‫‪622‬مكرر‪ 1‬ق ع ج) بغرامة تساوي ‪ 1‬م ّرات الحد االقصى لغرامة الشخص الطبيعي‪.‬‬
‫وفي حالة عدم النص على الغرامة بالنسبة للشخص الطبيعي تُطبّق الما ّدة ‪ 68‬مكرر‪ 2‬ق ع ج‪.‬حيث‬
‫يكون الحد األقصى للغرامة المحتسب لتطبيق النسبة القانونية المقررة لعقوبة الشخص المعنوي هي ‪2.000.000‬دج‬
‫عندما تكون الجناية معاقبا عليها باإلعدام أو بالسجن المؤبد‪ ،‬و ‪1.000.000‬دج عندما تكون الجناية معاقبا‬
‫عليها بالسجن المؤقت‪ ،‬و ‪ 500.000‬دج بالنسبة للجنحة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬في مواد المخالفات‪:‬‬


‫العقوبة هي الغرامة بمبلغ تساوي من م ّرة (‪ )6‬الي (‪ )1‬م ّرات الحد األقصى المق ّررة قانونا للجريمة‬
‫عندما يرتكبها الشخص الطبيعي(الما ّدة ‪ 68‬مكرر ‪ 6‬ق ع ج)‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫يأخذ ال ُمشرّع الجزائري بفكرة تفريد العقوبة‪ ،‬ويُقصد بفردية العقوبة جعلها مناسبة للجريمة من خالل‬
‫األخذ فى االعتبار جميع الظروف المحيطة بها‪ ،‬حيث ينبغي التمييز في العقوبة بين من يسرق بسبب الجوع‬
‫والحرمان‪ ،‬ومن يسرق لإلغتناء بمال الغير بدون وجه حق‪ ،‬وبين من يرتكب الجريمة وقت الغضب‪ ،‬ومن‬
‫يرتكبها بعد إصرار و رويّة وترصد‪ ،‬وبين من يرتكب الجريمة عن طريق الخطأ ومن يرتكبها بقصد إحداث‬
‫ضرر للغير‪ ،‬وكذا ُمرعاة االختالف بين من ال رصيد له في السجل الجنائي ومن له سوابق قضائية‪.‬‬
‫وهذه القواعد التي تضمن تناسب العقوبة مع الظروف المحيطة بالواقعة الجرمية قد تكون أعذارًا‬
‫قانونية ُمعفية أو ُمخفّفة من العقاب أو ظروفًا لتشديد أوتخفيف العقوبة‪.‬‬

‫األعذار القانونية عرّفتها المادة ‪ 12‬من قانون العقوبات الجزائري بأنّها االت محددة في القانون على‬
‫سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إ ّما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذا ًرا معفية وإ ّما‬
‫تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة‪.‬‬
‫إذن تنقسم األعذار القانونية إلى أعذار ُمعفية وأعذار ُمخفّفة‪:‬‬

‫أجازت الما ّدة ‪ 12‬ق ع ج في حاالت ُمح ّددة في القانون على سبيل الحصر إعفاء المتهم من العقوبة مع‬
‫قيام الجريمة وتبوث اإلدانة‪ ،‬وهذه األعذار في حاالت ثالث‪:‬‬
‫أ) عذر التبليغ‪ :‬يكون لمن يُبلّغ السلطات اإلدارية أو القضائية عن جنايات أو جنح ض ّد أمن الدولة أو‬
‫عن جنايات جمعيات األشرار(الما ّدة ‪ 92‬ق‪.‬ع)‪.‬‬
‫ب)عذر الشهادة‪ :‬وهو عذر ُمقرّر لمن يعلم الدليل على براءة شخص محبوس مؤقتًا أو محبوس‬
‫محكوم عليه في جناية‪ ،‬ويتقدم بشهادته من تلقاء نفسه(الما ّدة ‪ 9/682‬ق‪.‬ع ) ‪.‬‬
‫جـ) عذر القرابة‪ :‬في فقرتها األخيرة وهي إعفاء األقارب واألصهار إلى الدرجة الثالثة من العقوبة‬
‫المقرّرة لعدم التبليغ عن الجنايات المذكورة في المادة ‪ 96‬ق‪.‬ع‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫د)عذر التوبة‪ :‬مثاله ما نصّت عليه الما ّدة ‪ 3/92‬ق ع ج بأنّه ال يُقضى بأية عقوبة على أعضاء‬
‫العصابة ال ُمسلحة الذين لم يتولوا فيها قيادة أو يقوموا بأي عمل أو مه ّمة وانسحبوا منها ب ُمج ّرد صدور أ ّول‬
‫إنذار لهم من السلطات العسكرية أو المدنية أو سلموا أنفسهم إليها‪.‬‬

‫هي أسباب ال تعفي من العقوبة بل تُخفّفها مع جواز الحكم بتدبير أمني‪:‬‬


‫سن‪ :‬نصّ عليها المشرع في المواد من ‪ 16-12‬ق‪.‬ع‪ ،‬تُخفّف عقوبة اإلعدام والسجن‬
‫أ) عذر صغر ال ّ‬
‫المؤبّد بالنسبة للقاصر الذي سنّه بين ‪ 69‬و‪ 68‬سنة إلى الحبس من ‪ 62‬إلى ‪ 22‬سنة‪ ،‬وتُخفّف عليه عقوبة‬
‫الحبس والسجن المؤقت إلى نصف ال ُم ّدة التي تُطبّق على البالغ‪.‬‬
‫ب) عُذر االستفزاز إذا ارتكبت هذه الجرائم من فئات مح ّددة مثالً‪ :‬إرتكاب القتل والضرب والجرح‪،‬‬
‫لدفع وقوع ضرب شديد من أحد األشخاص أو تسلّق الحيطان وثقب األسوار وتحطيم الداخل في المساكن‬
‫أثناء النهار أو الليل (م‪228 - 222‬ق‪.‬ع)‪ ،‬أو أحد الزوجين إذا ارتكبها ض ّد زوجه أو شريكه في اللحظة التي‬
‫يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا (م ‪ 229‬ق‪.‬ع)‬
‫حيث تُخفّف العقوبة في الجناية من اإلعدام‬
‫ُ‬ ‫وقد ح ّددت الما ّدة ‪ 289‬ق‪.‬ع ج جدوالً بحاالت التخفيف‪،‬‬
‫والسجن ال ُمؤبّد إلى الحبس بين سنة و ‪ 1‬سنوات‪ .‬وإلى الحبس بين ‪ 1‬أشهر وسنتين في أيّة جناية أخرى‪.‬‬
‫وتُخفّف عقوبة الجنحة إل الحبس بين شهر و‪9‬أشهر‪.‬‬

‫نظّم قانون العقوبات الجزائري ظروف الجريمة مثل سائر التشريعات الجنائية الحديثة بتحديد‬
‫الظروف المش ّددة منها اللعقاب والظروف المخفّفة‪ ،‬لكنّه وإن كان عرّف بعضها فإنّه لم يُعرّفها في مجموعها‬
‫تار ًكا ذلك للفقه والقضاء‪.‬‬

‫ع ّرف البعض ظروف الجريمة بأنّها عوامل تُؤثر في تحديد العقوبة من طرف القاضي تجعله يُحسن‬
‫المالءمة وفق سلطته التقديرية بين الجريمة والفاعل من جهة‪ ،‬وبين العقوبة ال ُمقرّرة لها من جهة أخرى‬
‫ظروف الجريمة هي حاالت تتعلّق بالفاعل وتلتصق بالجريمة المرتكبة يترتّب عليها عند الحكم بالمسؤولية‬
‫الجزائية إ ّما تشديد العقاب أو تخفيفه أو اإلعفاء منه‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫فظروف الجريمة هي أحوال ُمعيّنة تقترن بها الجريمة‪ ،‬تُؤ ّدي إلى تحديد جسامتها أو تغيير مقدار‬
‫العقوبة‪ ،‬وهي ال تدخل في تكوين الجريمة وال تؤثر في وجودها القانوني‪ .‬وهي تنقسم بحسب األثر ال ُمترتب‬
‫عنها إلى ظروف ُمش ّددة للعقاب وظروف ُمخفّفة‪.‬‬

‫ظروف تزي ُد من جسامتها وتُبيّن مدى ش ّدتها وخطورة إجرام فاعلها‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫قد تُحيط بالجريمة وقت ارتكابها‬
‫ُس ّميت بالظروف ال ُمش ّددة يُع ّدل القانون بموجبها حدود سلطة القاضي في تقدير العقوبة فتجعله يقضي بعقوبة‬
‫تتجاوز الحد األقصى ال ُمقرّر لها قانونًا إلى حدود جديدة يقرّرها القانون كذلك ويوجب على القاضي إظهارها‬
‫في حكم اإلدانة‪ .‬وقد أشار قانون العقوبات الجزائري في أحكام ُمختلفة إلى ظروف تشديد العقاب‪ ،‬فمنها‬
‫الظروف الشخصية ال ُمتصلة بالفاعل ومنها الظروف الما ّدية ال ُمتصلة بالفعل ومنها المختلطة‪ ،‬وهناك من‬
‫يقسمها إلى نوعين هما‪ :‬الظروف المشددة الخاصة والظروف المشددة العامة‪.‬‬

‫أ ّوالا‪ :‬الظروف ال ُمشدّدة الخا ّ‬


‫صة ‪:‬‬
‫أ) الظروف الوافعية (العينية)‪:‬‬
‫وهي تلك التي تتصل بالوقائع الخارجية التي رافقت الجريمة‪ ،‬مثل جريمة السرقة مع حمل السالح‬
‫عقوبتها الحبس من ‪ 1‬إلى ‪ 61‬سنة ( المادة ‪ُ 912‬مكرّر‪ )2‬وإذا تمت بظرفي الليل واستعمال العنف تشدد أكثر‬
‫فتصبح السجن من ‪ 62‬إلى ‪ 22‬سنة( المادة ‪.)919‬‬

‫ب) الظروف ال ُمشدّدة الشخصية‪:‬‬


‫وهي ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية للفاعل أو الشريك ومن شأنها تغليط إذناب من تتصل به‪،‬‬
‫ومن هذا القبيل صفة األصل أو الفرع بالنسبة للضحية في جرائم العنف العمد(المادتان ‪ 212‬و‪)222‬‬
‫واالخالل بالحياء ( المواد ‪ 998‬و ‪992‬و ‪ 992‬مكرر)‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬الظرف ال ّمشدّد العام (العود اإلجرامي)‪:‬‬


‫أي ارتكاب الشخص لجريمة بعد سبق الحكم عليه نهائيا من أجل جريمة أو جرائم أخرى‪ .‬ويعتبر‬
‫العود في معظم تشريعات العالم من أسباب تشديد العقاب على الجريمة الجديدة‪ .‬فعودته لإلجرام دليل على‬
‫خطورته وعلى ميله اإلجرامي واستهانته بالعقاب‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ظروف التخفيف هي نظام قضائييخ ّول القاضي سلطة تقديرية في الهبوط بالعقوبة تحت الح ّد األدنى‬
‫المنصوص عليه قانونًا‪ ،‬وذلك إذا رأى في ظروف القضية ما يدعوه إلى ذلك‪ ،‬مثل أحوال المتهم وماضيه‬
‫والبعث على ارتكاب الجريمة وظروف الدعوى‪.‬‬
‫تركها المشرع لتقدير القاضي فلم يحصرها ولم يُح ّدد مضمونها‪ ،‬فلكل قضية ظروفها فقد يكون‬
‫الظرف ذا صلة بالجريمة كضآلة الضرر‪ ،‬أو ُمجرّد شروع‪ ،‬أو يكون الحقًا لها كجبر الضرر ورد الشئ‬
‫المسروق‪ ،‬وتصالح الجاني والضحية‪ .‬وقد يكون ظرفًا ذاتيا متعلقًا بشخص الجاني كالتوبة‪ ،‬ونبل الباعث‪.‬‬
‫واقتصرت الما ّدة ‪ 19‬ق ع ج على بيان الحدود التي تسمح للقاضي أن ينزل إليها عند قيام الظروف‬
‫المخففة‪ .‬مثالً في الجناية يُخفّف اإلعدام إلى‪ 10‬سنوات سجنًا‪ ،‬و يُخفّف السجن المؤبد إلى السجن ‪5‬سنوات‪.‬‬
‫ويُخفّف السجن ‪20‬سنة إلى الحبس ‪9‬سنوات ويُخفّف السجن ‪ 10‬سنوات إلى الحبس سنة واحدة‪ .‬وبموجب‬
‫فإن الحدود القصوى للعقوبة ال ُمش ّددة بسبب العود تُخفّف إذا ت ّوفرت ظروف التخفيف‪.‬‬
‫المادة ‪ُ 19‬مكرّر ّ‬

‫‪161‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫تدابري األمن‬

‫لم تعد العقوبة هي الوسيلة الوحيدة لمكافحة الجريمة بل نأت إلى جانبها نظم الوقاية منها ومن‬
‫الخطورة االجرامية لفئات المجرمين‪ ،‬وهي تدابير ُمح ّددة بالقانون يطبقها القضاء تس ّمى التدابير األمنية أو‬
‫االحترازية‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث نصّت‬ ‫إذن تُع ّد تدابير األمن الصورة الثانية للجزاء الجنائي‪ ،‬وتُس ّمى كذلك التدابير االحترازية‪،‬‬
‫الفقرة األولى من المادة ‪ 4‬من ق ع ج " يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ‬
‫تدابير أمن"‪ .‬ونصّت الفقرة الرابعة من نفس الما ّدة " إن لتدابير األمن هدف وقائي"‪.‬‬

‫لفهم هذا النوع من الجزاء يقتضي األمر التطرّق لتعريفها‪ ،‬وبيان خصائصها‪ ،‬وتمييزها عن الصورة‬
‫الخرى للجزاء وهي العقوبة‪.‬‬

‫التدابير األمنية )‪ (Mesures de sureté‬هي اجراءات تواجه بها الخطورة االجرامية إجراءات‬
‫احترازية وقائية غير عقابية تُتخذ لحماية ال ُمجتمع م ّمن يُخشى عليه ارتكاب الجريمة تصدر بها أحكام‬
‫قضائية تُخضع المعني بها لمعاملة خاصّة‪.‬‬
‫وتُعرّف كذلك بأنّها مجموعة من اإلجراءات يُصدرها القاضي لمواجهة الخطورة االجرامية الكامنة‬
‫في شخص مرتكب الجريمة بغرض تخليصه منها ولدرئها عن المجتمع‪.‬‬
‫و الخطورة اإلجرامية هي حالة يكون عليها المجرم تنبئ عن احتمال ارتكابه جريمة أخرى في‬
‫المستقبل‪ .‬وتتكون حالة المجرم الخطر إجراميا ً من عنصرين‪ :‬القدرة على اإلجرام ثانية‪ ،‬وضعف إمكانية‬
‫التأهيل لديه‪ .‬وعلى القاضي أن يستظهر الخطورة اإلجرامية من طبيعة الجريمة المقترفة‪ ،‬وجسامتها‪،‬‬
‫والكيفية التي نفذت فيها‪ ،‬وغاياتها‪ ،‬كما ّ‬
‫أن عليه أن يستظهرها من ظروف المجرم الشخصية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫‪6‬ـ ترمي التدابير األمنية إلى حماية المجتمع من الجريمة وذلك بمواجهة الخطورة اإلجرامية لدى‬
‫بعض األشخاص للحيلولة دون تحقيقها‪ ،‬وتتخذ ع ّدة صور منها ما هو عالجي سببه مرض عقلي أو نفسي‪،‬‬
‫ومنها ما هو تهذيبي يُطبّق على من له عالقة بالعوامل الخارجية ال ُمساعدة على اإلجرام‪ ،‬فتقضي بتجريده‬
‫منها وإبعاده عنها وقطع صلته بها‪.‬‬
‫‪2‬ـ ينبغي أن تكون تدابير األمن شرعية مثلما نصّت عليه الما ّدة األولى من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪9‬ـ ينبغي أالّ تكون تدابير األمن ماسّة بكرامة الفرد‪ ،‬ويجب تنظيمها بكيفية اليشعر فيها الفرد أنّه‬
‫معاقب من أجل خطأ وال تجعل المجتمع ينظر إلى من يخضع لتدبير األمن نظرة شائنة‪.‬‬
‫‪8‬ـ تُع ّد تدابير األمن قابلة للمراجعة باستمرار (الم ‪22‬ق ع ج) حسب تطور حالة الخطورة‪ ،‬حيث يمكن‬
‫للجهة القضائية التي قرّرت تطبيقه‪ ،‬استبداله حسب نتائجه بتدبير آخر أو التخفيف منه أو التشديد فيه‪.‬‬
‫‪1‬ـ ال تخضع تدابير األمن لنظام العفو وال وقف التنفيذ وال التقادم‪.‬‬
‫‪1‬ـ غياب الصبغة األخالقية‪ ،‬أي ال يقتضي تطبيقها وجود خطأ‪ ،‬ولذلك فهي ال تنطوي على األلم‪.‬‬
‫‪2‬ـ عدم تحديد م ّدة التدبير األمني‪ ،‬بل مرهون بزوال الخطورة االجرامية عن الشخص الخاضع لها‪.‬‬

‫تختلف تدابير األمن عن العقوبة من ع ّدة نواحي أهمها‪:‬‬


‫‪ -6‬العقوبة تتميّز بخاصّية إيالم الجاني بغرض الردع العام والردع الخاص والعدالة‪ ،‬بينما ينحصر‬
‫الغرض من التدابير في إصالح الشخص وعالجه والوقاية من وقوع الجريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬ال تخضع تدابير األمن لنظام العفو وال وقف التنفيذ وال التقادم عكس العقوبة‪.‬‬
‫‪ -9‬ال يحكم بالعقوبة إالّ على بعد إدانته‪ ،‬بينما يجوز أن يحكم بالتدابير حتى على من تثبت براءته مع‬
‫وجود الخطورة اإلجرامية الكامنة فيه‪.‬‬
‫‪8‬ـ تُطبّق العقوبة على الراشد والقاصر ال ُمميّز‪ ،‬ويُطبّق تدبير األمن على البالغ كامل األهلية وناقص‬
‫األهلية وعديمي األهلية لمواجهة خطورته‪.‬‬
‫‪1‬ـ العقوبة ُمح ّددة في ُم ّدتها وطبيعتها تتناسب مع جسامة الجريمة‪ ،‬أما التدابير األمنية فهي ليست‬
‫ُمح ّددة بل متروكة للقاضي يحكم بها وفق الخطورة اإلجرامية للشخص‪ ،‬بل ُم ّدتها مرتبطة بمدى استقامة هذا‬
‫الشخص‪ .‬باستثناء تدابير األحداث التي هي ُمح ّددة ال ُم ّدة (الما ّدة ‪ 82‬من قانون حماية الطفل ‪61‬ـ ‪ 62‬المرّخ‬
‫في ‪ 61‬يوليو ‪.)2261‬‬

‫‪162‬‬
‫يجري تقسيم التدابير األمنية أو االحترازية إلى فئتين تتعلّق األولى بالبالغين‪ ،‬والثانية بغير البالغين‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫نصّت عليها المادة ‪ 69‬من ق ع ج وهي ـ الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية لألمراض العقلي‬
‫ُ‬
‫حيث يُشترط في الشخص محل التدبير أن تثبت مشاركته في وقائع‬ ‫والوضع القضائي في مؤسسة عالجية‪.‬‬
‫مادية جرمية بغض النظر عن الحكم فيها سواء كان اإلدانة أو البراءة أو انتفاء وجه الدعوى بسبب مانع من‬
‫موانع المسؤولية أو اإلعفاء من العقوبة‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫هو وضع الشخص بموجب قرار قضائي في مؤسسة استشفائية بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت‬
‫ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها‪ ،‬إذا ت ّم إثباته بفحص طبي‪.‬‬

‫نصّت عليه المادة ‪ 22‬من ق ع وهو وضع شخص مصاب بإدمان في تعاطي مواد كحولية أو ُمخ ّدرة‬
‫تحت المالحظة في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض‪ ،‬بنا ًءا على قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها‬
‫الشخص إذا بدا أن السلوك االجرامي للمعني مرتبط بهذا اإلدمان‪.‬‬
‫فصل ُعنوانه " التدبير الوقائية والعالجية" نصّت المادتان ‪2‬و ‪ 8‬القانون ‪ 68-28‬المؤرخ في‬‫ٍ‬ ‫وتحت‬
‫‪21‬ديسمبر‪ 2228‬المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية العقلية ومكافحتها‪ ،‬أنّه لجهات التحقيق‬
‫والحكم إخضاع المتهمين بارتكاب جنحتي استهالك المخدرات وحيازتها إلى عالج إلزالة التس ّمم يجري في‬
‫مؤسسة متخصّصة‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫وهي تدابير للحماية والتهذيب نصّت عليها الما ّدة ‪ 89‬من ق ع ج وكانت تُح ّددها الما ّدة ‪ 888‬ق إج‪.‬ج‪.‬‬
‫قبل إلغائها‪ ،‬ونقل مضمونها إلى قانون حماية الطفل ‪61‬ـ‪ 62‬يت ّم اتخاذها في مواد الجنايات والجنح ويُحكم بها‬
‫ب ُم ّدة سنتين قابلة للتجديد دون أن تتجاوز تاريخ ببلوغ سن الرشد الجزائي ‪ 68‬سنة‪ ،‬ويمكن لقاضي األحداث‬
‫تمديدها عند الضرورة إلى ‪ 26‬سنة تلقائيًا أو بطلب من المعني‪ .‬نصّت على هذه التدابير الما ّدتان ‪ 82‬و‪86‬‬
‫من قانون حماية الطفل ‪61‬ـ ‪ 62‬المرّخ في ‪ 61‬يوليو ‪ 2261‬وتتمثل في‪:‬‬
‫‪6‬ـ إبقاء الطفل في أسرته‪.‬‬
‫‪2‬ـ تسليم الطفل لوالده أو لوالدته الذي ال يمارس حق الحضانة ما لم تكن قد سقطت عنه بحكم‬
‫‪6‬ـ تسليم القاصر لوالده أو وصيه أو لشخص جدير بالثقة‪.‬‬
‫‪9‬ـ تسليم الطفل إلى أحد أقاربه‪.‬‬
‫‪8‬ـ تسليم الطفل إلى شخص أو عائلة جديرين بالثقة‪.‬‬
‫‪1‬ـ يجوز لقاضي األحداث في جميع األحوال أن يكلف مصالح الوسط المفتوح بمتابعة ومالحظة‬
‫الطفل وتقديم الحماية له من خالل توفير المساعدة الضرورية لتربيته وتكوينه ورعايته مع وجوب تقديمها‬
‫تقري ًرا دوريًا له حول تطور وضعية الطفل‪.‬‬
‫‪1‬ـ يجوز لقاضي األحداث أن يأمر بوضع الطفل في مركز متخصص في حماية األطفال في خطر‬
‫أومصلحة مكلفة بمساعدة الطفولة‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫املراجع باللغة العربية‬

‫أ) الدساتير‪:‬‬
‫‪ .1‬الدستور الجزائري لسنة ‪ 6991‬المصادق عليه في استفتاء ‪ 28‬نوفمبر ‪ ،6991‬الصادر بموجب المرسوم‬
‫الرئاسي رقم ‪ 898-91‬المؤرخ في ‪ 22‬رجب ‪6862‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 2‬ديسمبر ‪6991‬م‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪21‬‬
‫بتاريخ ‪ 8‬ديسمبر ‪6991‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء ‪ 6‬نوفمبر ‪ ،2222‬الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم‬
‫‪ 882-22‬المؤرخ في ‪ 61‬جمادى األولى‪6882‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 92‬ديسمبر ‪2222‬م‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪ 82‬بتاريخ‬
‫‪ 92‬ديسمبر ‪2222‬م‪.‬‬

‫ب) القوانين‪:‬‬
‫‪ .1‬قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري في ضوء ال ُممارسة القضائية‪ ،‬إعداد بوسقيعة احسن منشورات‬
‫بيرتي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪( .2268 ،68‬األمر‪ 155-66‬المؤرخ في‪ 8‬يونيو‪ 1966‬المع ّدل ال ُمت ّمم)‬
‫‪ .2‬القانون الجنائي المغربي وقانون الوقاية من الرشوة ومكافحة غسل األموال‪ ،‬إعداد لفروجي امح ّمد‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء المملكة المغربية‪ ،‬ط‪ (.2266 ،2‬الصادر بموجب الظهير الشريف ‪6.19.968‬‬
‫بتاريخ ‪ 62‬يونيو ‪.)6919‬‬
‫‪ .3‬قانون العقوبات الجزائري في ضوء ال ُممارسة القضائية‪ ،‬إعداد بوسقيعة احسن منشورات بيرتي‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫ط‪( .2268 ،68‬األمر‪ 156-66‬المؤرخ في‪ 8‬يونيو‪ 1966‬المع ّدل ال ُمت ّمم)‪.‬‬
‫‪ .7‬قانون العقوبات المصري طبقاا آلخر التعديالت‪ ،‬إعداد عالء ّ‬
‫النحاس دار ال ُمصطفى لالصدارات القانونية‪،‬‬
‫د ت‪.‬‬
‫‪ .5‬المجلّة الجزائية التونسية‪ ،‬الصادرة بموجب األمر المؤرّخ في ‪ 9‬جويلية ‪ ،6969‬طبعة وزارة العدل‬
‫وحقوق االنسان‪ ،‬منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬تونس ‪.2221‬‬
‫‪ .0‬قانون تنظيم السجون وإعادة اإلدماج االجتماعي للمحبوسين‪21 ،‬ـ‪ 28‬المؤرّخ في في ‪ 21‬فبراير ‪2221‬‬
‫ال ُمع ّدل‪.‬‬
‫‪ .4‬قانون حماية الطفل ‪61‬ـ ‪ 62‬المرّخ في ‪ 61‬يوليو ‪.2261‬‬

‫‪165‬‬
‫جـ) االتفاقيات‪:‬‬
‫‪ .1‬إتفاقية األمم ال ُمتح ّدة لمكافحة الجريمة ال ُمنظمة عبر الوطنية في ‪ 61‬نوفمبر‪ 2222‬المصادقة عليها بموجب‬
‫المرسوم الرّئاسي رقم ‪ 11-22‬المؤرّخ في ‪ ،2222/22/21‬ج ر‪ 9 ،‬بتاريخ ‪ 62‬فبراير ‪2222‬‬
‫‪ .2‬اتفاقية األمم ال ُمتحدة لمكافحة الفساد لسنة ‪ 2229‬المصادق عليها بتحفظ من طرف الجزائر بموجب المرسوم‬
‫الرئاسي ‪ 628-28‬بتاريخ ‪ 69‬أبريل ‪ ،2228‬ج ر‪ ،‬عدد ‪ 21‬بتاريخ ‪ 21‬أبريل ‪.2228‬‬
‫‪ .3‬اتفاقية فيينّا ‪ 6988‬ل ُمكافحة اإلتجار غير المشروع بال ُمخ ّدرت والمؤثرات العقلية دخلت حيّز النفاذ سنة‬
‫‪6991‬‬
‫‪ .7‬الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان وال ّشعوب المنجز بواسطة مجلس الرؤساء األفارقة بما فيهم الجزائر في‬
‫ال ّدورة العادية بنيروبي بتاريخ ‪ 28‬جوان‪ .6986‬المصادق عليها من طرف الجزائر بموجب المرسوم الرّئاسي رقم‬
‫‪ 86-91‬المؤرّخ في ‪28‬يناير‪ .6991‬ج ر عدد ‪ 2‬بتاريخ ‪61‬فبراير‪6991‬‬

‫‪ .1‬إبراهيم الشبّاسي‪ ،‬الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري – القسم العام‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ودار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪( ،‬ط د ت)‪.‬‬
‫‪ .2‬اوهايبية عبد هللا ‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري ـ القسم العام‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪.2229 ،‬‬
‫‪ .3‬بارش سليمان‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري–ج‪ 1‬شرعية التجريم‪ ،‬مطبعة ع ّمار قرفي‪ ،‬باتنة‪.6992 ،‬‬
‫‪ .7‬بوسقيعة احسن‪ ،‬الوجيز في القانون الجزائي العام‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر ط‪.2262 ،62‬‬
‫‪ .5‬خلفي عبد الرحمان‪ ،‬القانون الجنائي العام – دراسة ُمقارنة‪ ،‬دار بلقيس‪.2262 ،‬‬
‫‪ .0‬رحماني منصور‪ ،‬الوجيز في القانون الجنائي العام‪ ،‬دار العلوم للنشروالتوزيع‪ ،‬عنّابة‪.2221 ،‬‬
‫‪ .4‬رمسيس بهنام‪ ،‬النظرية العا ّمة للقانون الجنائي‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‪.6992 ،9‬‬
‫‪ .8‬سعداوي مح ّمد الصغير‪ ،‬العقوبة وبدائلها في السياسة الجنائية ال ُمعاصرة‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪.2262،‬‬
‫‪ .3‬سمير عالية‪ ،‬أصول قانون العقوبات‪ -‬القسم العام‪،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪،‬ط‪.6991 ،2‬‬
‫‪ .10‬الشافعي أحمد‪ ،‬المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون الجزائري والقانون ال ُمقارن‪ ،‬دار‬
‫هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.2262 ،6‬‬
‫‪ .11‬شريف سيد كامل‪ ،‬المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.6998 ،‬‬
‫‪ .12‬ص ّمودي سليم‪ ،‬المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ـ دراسة مقارنة بين التشريع الجزائري والفرنسي‪،‬‬
‫دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪.2221،‬‬
‫‪ .13‬عادل قورة‪ ،‬محاضرات في قانون العقوبات الجزائري ـ القسم العام‪ ،‬د م ج‪ ،‬الجزائر‪.6992‬‬
‫‪ .17‬عبد القادر عدُّو ‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات الجزائري ـ القسم العام‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.2229 ،‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ .15‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي االسالمي ُمقارناا بالقانون الوضعي‪ُ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪.6988،1‬‬
‫‪ .10‬عبد هللا سليمان‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري ـ القسم العام‪ ،‬ج‪( 2‬الجزاء الجنائي)‪ ،‬د م ج‪،‬‬
‫الجزائر‪.6991،‬‬
‫‪ .14‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬فتوح الشذلي‪ ،‬شرح قانون العقوبات ـ النظرية العامة للجريمة‪ ،‬دار‬
‫المطبوعات الجامعية ‪.6992‬‬
‫‪ُ .18‬مح ّمد أبو زهرة‪ ،‬الجريمة والعقوبة في الفقه االسالمي – ج‪ ،1‬الجريمة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬د ت ن‪.‬‬
‫‪ُ .13‬مح ّمد أبو زهرة‪ ،‬الجريمة والعقوبة في فقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،2‬العقوبة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬د ت ن‪.‬‬
‫‪ .20‬محمد سليم العوا‪ ،‬في أصول النظام الجنائي اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪.6989 ،2‬‬
‫‪ .21‬محمود محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون العقوبات ـ القسم العام‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪.6928 ،‬‬
‫‪ .22‬محمود نجيب ُحسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات ـ القسم العام‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪.2229 ،‬‬
‫‪ .23‬مقدّم مبروك‪ ،‬عقوبة الحبس قصير ال ُمدّة وأه ّم بدائلها‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.2262‬‬

‫املراجع باللغة األجنبية‪:‬‬

‫‪I - Ouvrages :‬‬


‫‪1. Gaston STEFANIE; Georges LEVASSEUR; Bernard BOULOC, Droit‬‬
‫‪pénal général, éd 16, Dalloz, PARIS,1997.‬‬
‫‪2. Jean PRADEL, Manuel de droit pénal général, 16e éd CUJAS, Paris, 2006.‬‬

‫‪III- Codes‬‬
‫‪1. Jean François RENUCCI, Code de procédure pénale, annotation de‬‬
‫‪jurisprudence et bibliographie, éd DALLOZ, n° 48, Paris Cedex 2009.‬‬
‫‪2. Yves MAYAUD Code pénal, annotation de jurisprudence et bibliographie,‬‬
‫‪éd DALLOZ, n°108, Paris Cedex 2011.‬‬

‫‪167‬‬
‫الفهرس‬
‫مُقدّمة‪9.........................................................................................................................‬‬
‫الباب األوّل‪ :‬نظرية اجلرمية‪8....................................................................................‬‬
‫ماهية القانون اجلنائي‪8......................................................................‬‬ ‫الفصل التمهيدي‪:‬‬
‫‪1.............................................................................‬‬
‫المطلب األ ّول‪ :‬تعريف القانون الجنائي‪1...................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬المعنى الواسع للقانون الجنائي‪1......................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العنى الضيّق للقانون الجنائي‪1.......................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون القانون الجنائي‪1.................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬تقنين العقوبات‪1.........................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التشريعات العقابية الخاصّة (أمثلة) ‪2...............................................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬طبيعة القانون الجنائي في النظام القانوني العام‪8.....................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬الرأي القائل ّ‬
‫بأن القانون الجنائي فرع ُمختلط بين القانون الخاص والقانون العام‪8..........................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الرأي القائل ّ‬
‫بأن القانون الجنائي فر ٌ‬
‫ع من فروع القانون العام‪8.................................................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عالقة القانون الجنائي بفروع القانون األخرى والعلوم الجنائية‪9.................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القانون الجنائي والقوانين غير الجنائية‪9............................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قانون العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية‪62...................................................................‬‬
‫‪66...........................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬مراحل التط ّور التاريخي للقانون الجنائي‪66............................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪:‬التجريم والعقاب في ال ُمجتمعات البدائية(قبل الدولة) ‪66..........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظم العقاب في التشريعات القديمة(ظهور الدولة) ‪62............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القانون الجنائي في العصر اإلسالمي‪68...........................................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬القانون الجنائي الوضعي في القرون الوسطى‪61.................................................................‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬القانون الجنائي في العصر الحديث‪61...........................................................................‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬تط ّور قانون العقوبات الجزائري‪62..............................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دور الفقه في تطوير القانون الجنائي‪69...............................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬دور المدارس العقابية الحديثة في تطوير القانون الجنائي‪69...................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الفقه الجنائي اإلسالمي وأثره في تطوير القانون الجنائي‪21....................................................‬‬
‫‪21...............................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬مفهوم الجريمة‪21...........................................................................................‬‬


‫‪168‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬تعريف الجريمة وعناصرها‪21......................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تمييز الجريمة الجنائية عن الجريمة المدنية والجريمة اإلدارية‪29.............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تصنيفات الجريمة‪96.......................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪:‬التصنيف القانوني للجريمة‪96.........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التصنيف الفقهي للجرائم على أساس أركان الجريمة‪99.........................................................‬‬
‫الرّكن الشرعي ‪82...................................................................................‬‬ ‫الفصل األوّل‪:‬‬
‫‪82........................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬التعريف بمبدأ الشرعية الجنائية ‪86.....................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية وتاريخه‪86...........................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تقدير مبدأ الشرعية الجنائية ( ُمبرّرات وانتقادات المبدأ) ‪88....................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نتائج تكريس مبدأ الشرعية الجنائية‪81................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬نتائج المبدأ المتعلّقة بال ُمشرّع (حصر مصادر التّجريم والعقاب في القانون) ‪81............................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نتائج مبدأ الشرعية ال ُمتعلّقة بالقاضي‪89...........................................................................‬‬
‫‪16...................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬عدم سريان قانون العقوبات على الماضي(قاعدة عدم رجعية القانون الجديد) ‪12..............‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬التعريف بقاعدة عدم رجعية قانون العقوبات‪12...................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تطبيق قاعدة عدم الرجعية‪11.........................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬استثناءات قاعدة عدم الرجعية‪11....................................................................................‬‬
‫المطلب الثّاني‪ :‬سريان قانون العقوبات األقل شدّة على الماضي(قاعدة القانون األصلح للمتهم‪18.............‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬التعريف بقاعدة رجعية القانون األقل ش ّدة‪18......................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط تطبيق قاعدة رجعية القانون األقل ش ّدة‪12.................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬االستثناءات الواردة على قاعدة رجعية القانون األقل ش ّدة‪18...................................................‬‬
‫‪12.................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬تطبيق قانون العقوبات على الجرائم المرتكبة في اإلقليم (مبدأ اإلقليمية) ‪12....................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬تحديد مكان ارتكاب الجريمة‪18......................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تحديد اإلقليم‪19.........................................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬إستثناءات مبدأ اإلقليمية‪26...........................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سريان قانون العقوبات على الجرائم المرتكبة في الخارج(المبادئ اإلحتياطية) ‪29............‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬مبدأ الشخصية‪28.......................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ العينية‪21...........................................................................................................‬‬
‫‪169‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مبدأ العالمية‪21.........................................................................................................‬‬
‫‪22.................................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬األحكام العا ّمة ألسباب اإلباحة‪22.........................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬مفهوم أسباب اإلباحة‪22...............................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تمييز أسباب اإلباحة عن األنظمة ال ُمشابهة‪29.....................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أنواع أسباب اإلباحة‪29...............................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬الدّفــاع الشـرعي كفعل من األفعال ال ُمب ّررة‪89..........................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬مفهوم الدفاع الشرعي‪89..............................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط ال ّدفاع المشروع‪88............................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الركن املادي للجرمية‪88.........................................................................‬‬
‫‪88.............................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الفعـل اإلجرامـي‪89..........................................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬التعريف بالفعل اإلجرامي‪89.........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬صور الفعل اإلجرامي‪96.............................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬النتيجة اإلجرامية‪96 .......................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬النتيجة الما ّدية‪96 ......................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬النتيجة غير الما ّدية‪92.................................................................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة السببية‪92............................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬التعريف بعالقة السببية‪99............................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬معيار عالقة السببية‪98 ...............................................................................................‬‬
‫‪91.............................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬مفهوم الشروع كمرحلة من مراحل الجريمة‪91 .......................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬مراحل ارتكاب الجريمة‪91 ..........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ماهية الشروع في الجريمة (ال ُمحاولة الجنائية) ‪92 ..............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬العقاب على الشروع‪99 ..............................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أركـــــان الشــروع‪626....................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬ركن البدء بالتنفيذ‪626 ................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ركن عدم تحقّق النتيجة لسبب غير إرادي‪622 ...................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬ركن القصد الجنائي‪621..............................................................................................‬‬

‫‪171‬‬
‫‪621............................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪:‬التعريف بال ُمساهمة الجنائية‪621 .........................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬أركان المساهمة الجنائية‪621 ........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التمييز بين أنواع ال ُمساهمة الجنائية‪622 ..........................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع المساهمين في الجريمة‪666.......................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬الفاعل (ال ُمساهم ال ُمباشر) ‪666......................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الشريك (ال ُمساهم الغير ُمباشر) ‪668...............................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الركـــن املعـنوي للجرمية‪668 ...............................................................‬‬
‫‪669.........................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬عناصر القصد الجنائي‪669 ...............................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬عنصر العلم‪669 ......................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عنصر اإلرادة‪626.....................................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع القصد الجنائي‪622 .................................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬القصد العام والقصد الخاص‪622 ...................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التقسيمات األخرى للقصد الجنائي‪629 ............................................................................‬‬
‫‪621 ...........................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬التعريف بالخطأ (غير العمدي) ‪621.....................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬مفهوم الخطأ غير العمدي‪621.......................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مجال الخطأ غير العمدي‪621........................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صور الخطأ (غير العمدي) ‪622 ........................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬أنواع الخطأ في الجرائم غير العمدية‪622..........................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طبيعة الخطأ في بعض الجرائم بين العمد وعدم العمد‪628......................................................‬‬
‫‪692.............................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي‪692.............................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬أساس المسؤولية الجزائية وشروطها‪696 .........................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬موانع المسؤولية الجزائية‪699 ......................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪691............................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬موقف الفقه والتشريع من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪691.........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط إقامة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي‪699.........................................................‬‬

‫‪171‬‬
‫اجلزاء اجلنائي‪688 ..............................................................................‬‬ ‫الباب الثّاني‪:‬‬
‫الفصل األوّل‪ :‬العقوبة‪688 ............................................................................................‬‬

‫‪688....................................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬تعريف العقوبة وأهدافها‪681.............................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬تعريف العقوبة‪681....................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أهداف العقوبة‪681.....................................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬شروط العقوبة‪681....................................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعدُّد الجرائم وأثره على العقوبات‪682..................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬التع ّدد الصوري للجرئم‪688..........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التع ّدد الحقيقي للجرئم‪689............................................................................................‬‬
‫‪616 .............................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬تصنيف العقوبات بحسب الرابطة القائمة بينها‪616 ..........................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬العقوبات األصلية‪616 ................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العقوبات التبعية‪686...................................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬العقوبات التكميلية‪616................................................................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬العقوبات البديلة‪612...................................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تصنيف العقوبات بحسب محلّها‪619....................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تصنيف العقوبات بحسب جسامتها‪618.................................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬بالنسبة للشخص الطبيعي‪618........................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬بالنسبة للشخص المعنوي‪611........................................................................................‬‬
‫‪612.......................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬األعذار القانونية‪612 .......................................................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬األعذار ال ُمعفية‪612 ...................................................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬األعذار المخفية‪618 ...................................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الظروف المشددة والمخففة للعقوبة‪618.............................................................‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬التعريف بظروف بظروف الجريمة‪618 ..........................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الظروف المشددة للعقوبة‪619 .......................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الظروف ال ُمخففة للعقوبة‪612 .......................................................................................‬‬
‫تدابري األمن‪616......................................................................................‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪172‬‬
‫‪616 ......................................................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬تعريف التدابير األمنية‪616 ...............................................................................‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص التدابير األمنية‪612 ............................................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تمييز تدابير األمن عن العقوبة‪612 ....................................................................‬‬
‫‪619 ..............................................‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬التدابير الخاصة بالمجرمين البالغين‪619 ...............................................................‬‬


‫الفرع األ ّول‪ :‬الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية لألمراض العقلية‪619 ..................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الوضع في مؤسسة عالجية‪619 .................................................................................. :‬‬
‫المطلب لثاني‪ :‬التدابير الموجهة لغير البالغين‪618 ......................................................................‬‬
‫‪611 ........................................................................................................‬‬

‫‪173‬‬

You might also like