You are on page 1of 150

‫التعريف بقانون العقوبات‬

‫يعتبر قانون العقوبات من أهم فروع القانون‪ ،‬وتبدو أهميته في المصالح والحقوق التي‬
‫يحميها والغاية التي يريد تجسيدها‪ ،‬مصالح يرى المشرع أنها جديرة بالحماية القانونية خاصة‬
‫الجزائية منها‪ ،‬تحقيقا ألمن واستقرار وسكينة الجماعة‪ ،‬وإ قامة العدل بين أفرادها‪ ،‬عن طريق ما‬
‫يقرره قانون العقوبات ومجموع القواعد المكملة له‪ ،‬من وسائل قهر وإ لزام وردع‪ ،‬باعتباره أداة‬
‫السلطة في التجريم والعقاب استعماال لحق الدولة في العقاب بتقرير جزاءات تتناسب مع خطورة‬
‫وجس امة الجريم ة باعتب ار الج زاء ض رورة اجتماعي ة تكف ل اح ترام أوام ر الق انون ونواهي ه‪ ،‬ألن‬
‫حاجة المجتمعات الحديثة لقانون رادع كقانون العقوبات‪.‬‬
‫لقد مر القانون الجنائي عبر تطوره بمراحل مختلفة‪ ،‬كل مرحلة لها طابعها الخاص المميز‬
‫لها‪ ،‬فلم يعد ينظر لقانون العقوبات بأنه قواعد قانونية الغرض منها فقط ردع المجرمين وتوقيع‬
‫أشد العقوبات عليهم‪ ،‬بل إنه أصبح ينظر لهذا القانون من خالل الدور اإلصالحي والوقائي الذي‬
‫يلعب ه‪ ،‬ب ل العم ل إيجابي ا على عدم وقوعه ا بواسطة الت دابير األمني ة والوقائي ة‪ ،‬وهو موقف تبن اه‬
‫التشريع الجزائي في الفقرات ‪ 4 ،3 ،1‬من المادة ‪ 4‬من قانون العقوبات( )‪ ،‬فتنص الفقرة ‪ 1‬منها‬
‫‪1‬‬

‫«يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن»‪ ،‬والفقرة ‪« 3‬إن‬
‫لتدابير األمن هدف وقائي»‪ ،‬وتنص الفقرة ‪« 4‬إن لتدابير األمن هدف وقائي»‪.‬‬
‫التسميات المختلفة لقانون العقوبات‬
‫يختلف الفقه الجنائي حول المصطلح الممكن إطالقه على قانون العقوبات‪ ،‬فذهب البعض لتسميته بـ‬
‫«قانون العقوبات» انطالقا من مصطلح العقوبة لما يتضمنه من عقوبات مختلفة كاإلعدام والسجن‬
‫والحبس والغرام ة‪ ،‬تس مية لم تلق إجماع ا‪ ،‬لعدم شمولها جمي ع الج زاءات القانوني ة‪ ،‬وأطلق علي ه‬
‫مص طلح الق انون الجن ائي‪ ،‬والبعض أطلق ه مجموع تي القواع د الموض وعية والش كلية مص طلح‬
‫مستمد من أخطر أنواع الجريمة وهي الجناية « ‪ »Crime‬وهو ال يتسع ليشمل بقية أنواع الجرائم‬
‫األخ رى‪ ،‬الح ظ أن الم ادة ‪ 27‬ق‪.‬ع تنص «تقس م الج رائم تبع ا لخطورته ا إلى جناي ات وجنح‬
‫ومخالفات‪ ،‬وتطبق عليها العقوبات المقررة للجنايات أو الجنح أو المخالفات»‪ ،‬ويطلق عليه البعض‬
‫«القانون الجزائي» انطالقا من أن الجزاء عنصرا أساسيا فيه‪ ،‬مصطلح يتسع للعقوبات التقليدية‬
‫والتدابير األمنية‪.‬‬
‫موقف المشرع الجزائري‬
‫ال يس تقر العم ل في الق انون الجزائ ري بمص طلح مح دد‪ ،‬ففي دس توري س نني ‪،1976‬‬
‫‪ 1989‬يستعمل مصطلح الجزائي «القواعد العامة للقانون الجزائي» وفي دستور سنة ‪1996‬قبل‬
‫التعديل أطلق عليه «قواعد قانون العقوبات» قبل وبعد التعديل سنة ‪ ،2016‬في المادة تين ‪،122‬‬

‫‪ - 1‬وقد تبنى هذا الموقف في الكثير من القوانين الجديدة ومنها‪:‬‬


‫‪ -‬القانون رقم ‪ 18-04‬المؤرخ في ‪ 25‬ديسمبر ‪ ،2004‬المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع االستعمال‬
‫واالتجار غير المشروعين بها‪.‬‬
‫‪ -‬األمر رقم ‪ 06-05‬المؤرخ في ‪ 23‬أوت ‪ 2005‬المتعلق بمكافحة التهريب‪ ،‬أنظر المادة األولى منه‪.‬‬
‫‪ -‬الق انون رقم ‪ 04-09‬الم ؤرخ في ‪ 05‬أوت ‪ 2009‬المتعل ق بالقواع د الخاص ة للوقاي ة من الج رائم المتص لة بتكنولوجي ات‬
‫اإلعالم واالتصال ومكافحتها‪.‬‬
‫‪ -‬المرس وم الرئاس ي رقم ‪ 261-15‬الم ؤرخ في ‪ 08‬أكت وبر ‪ 2015‬المتعل ق بتحدي د تش كيلة وتنظيم وكيفي ات س ير الهيئ ة‬
‫الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات اإلعالم واالتصال ومكافحتها‪.‬‬
‫‪ -‬القانون رقم ‪ 01-06‬المؤرخ في ‪ 20‬فبراير ‪ 2006‬المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ 140‬على ال ترتيب‪ ،‬وأطلق ه على التق نين الص ادر ب األمر رقم ‪" 156-66‬ق انون العقوب ات ‪Droit‬‬
‫‪ ،"Pénal‬واستعمل مصطلح الجزاء في الكثير من المواد( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫مفهوم قانون العقوبات‬


‫يحتل ق انون العقوبات مرك زا متميزا في المنظومة القانوني ة كركيزة أساسية فيه ا‪ ،‬يعرف‬
‫بأنه مجموعة قواعد قانونية تحدد الجرائم وعقوباتها وقواعد المسؤولية الجزائية عموما‪ ،‬فيضم‬
‫مجموعتين من األحكام‪ ،‬أحكام عامة وأخرى خاصة‪.‬‬
‫أوال‪-‬األحكام العامة‬
‫هي أحكام أساسية ومبادئ عامة تسرى على جميع أنواع الجرائم جنايات وجنح ومخالفات‬
‫والعقوبات وتدابير األمن‪ ،‬فال تتعلق بجريمة بعينها تطبق على كل الجرائم مهما تباينت أنواعها‪،‬‬
‫جناية أو جنحة أو مخالفة‪ ،‬وتأتي هذه المبادئ العامة في صدر قانون العقوبات ‪-‬ما عدا البعض‬
‫منها جاء في آخر القانون مثل المواد ‪ 467‬مكرر‪ 467 ،‬مكرر‪:468 ،1‬‬
‫‪-1‬الم واد ‪ ،3-1‬تح دد القواع د المح ددة ل ركن الجريم ة الق انوني أو ال ركن الش رعي في الم ادة‬
‫األولى‪ ،‬والقواع د المح ددة لتط بيق الق انون زماني ا في الم ادة ‪ ،2‬ومكاني ا في الم ادة ‪ 3‬من ق انون‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫‪-2‬العقوبات وتدابير األمن‪ :‬تنظمها المادة ‪ 4‬وما يليها‪ ،‬فيحدد األحكام العامة للجزاء الجنائي‪،‬‬
‫عقوبات أصلية في المادة ‪ 467 ،5‬مكرر‪ 467 ،‬مكرر‪ 1‬وتكميلية في المواد ‪ ،18-9‬والعقوبات‬
‫المقررة لألشخاص المعنوية في المادتين ‪ 18‬مكرر‪ 18 ،‬مكرر‪ ،1‬وتدابير األمن أو االحترازية‬
‫في المواد ‪ 22 ،21 ،19‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪-3‬األفعال واألشخاص الخاضعون للعقوبة‪ :‬المق ررة في الم واد من ‪ 27‬إلى ‪ 60‬مكرر‪ 1‬ق‪.‬ع‪،‬‬
‫فج اء تقس يم الجريم ة الق انوني وأحكام ه في الم واد ‪ ،29-27‬والمحاول ة في الم ادتين ‪،31 ،30‬‬
‫والتع دد وأحكام ه في الم واد ‪ ،38-32‬أس باب اإلباح ة أو الت برير‪ ،‬وإ ذن ه في الم ادتين ‪،40 ،39‬‬
‫والمساهمون في الجريمة في المواد ‪ ،46-41‬المسؤولية الجزائية أو الجنائية انتفاء أو نقص في‬
‫المواد ‪ ،51-47‬والمسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية في المادتين ‪ 18‬مكرر‪ 18 ،‬مكرر ‪،1‬‬
‫األعذار القانونية في المادة ‪ ،52‬والظروف المخففة في المواد من ‪ 53‬إلى ‪ 53‬مكرر‪ ،8‬والعود‬
‫في الم واد ‪ 54‬مك رر إلى ‪ 54‬مك رر ‪ 10‬والم ادة ‪ ،59‬باإلض افة للم ادتين ‪ 467‬مك رر‪467 ،‬‬
‫مك رر‪ 1‬المتعلق تين بتحدي د عقوب ة الغرام ة في الجنح والمخالف ات والم ادة ‪ 468‬من ه ال تي تح دد‬
‫تاريخ سريان قانون العقوبات‪ ،‬والفترة األمنية في المادتين ‪ 60‬مكرر‪ 60 ،‬مكرر‪.1‬‬
‫ثانيا‪-‬األحكام الخاصة‬
‫األحك ام الخاص ة هي مجموع ة النص وص تح دد مختل ف الج رائم وعقوباته ا‪ ،‬بتحدي د ك ل‬
‫جريم ة ب ذاتها عن طري ق تج ريم الس لوكات ال تي ي رى فيه ا المش رع خط را أو تهدي دا أو مساس ا‬
‫ب أمن وس كينة الجماع ة واس تقرارها‪ ،‬فتح دد بم ا يميزه ا عن غيره ا من الج رائم في بين أركانه ا‬
‫وظروفه ا المختلفة كظ رف س بق اإلص رار والترص د وظ رف االس تفزاز وظ رف حم ل الس الح‬
‫والعنف والتهديد والليل والكسر والتسلق وغيرها‪ ،‬والعقوبة وتدبير األمن المقررة لها‪ ،‬وتعرف هذه‬

‫‪ -1‬أنظ ر الم واد‪ 51 :‬مك رر‪ 51 ،‬مك رر‪ 18 ،‬مك رر‪ 177 ،‬مك رر‪ ،1‬وك ذلك الم واد ‪ 53‬مك رر‪ 54 ،7‬مك رر‪،298 ،9‬‬
‫‪ 382 ،299‬مكرر‪ 417 ،1‬مكرر‪3‬‬
‫‪2‬‬
‫األحك ام بالقس م الخ اص في ق انون العقوب ات‪ ،‬في الج زء الث اني من الق انون يض م مجموع ة من‬
‫الكتب على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتاب الثالث منه خاص بالجنايات والجنح وعقوباتها في المواد ‪ ،439-61‬في الباب األول‬
‫منه تناول الجنايات والجنح ضد الشيء العمومي وفي الباب الثاني تناول الجنايات والجنح ضد‬
‫األفراد كالقتل وأعمال العنف العمدية كالضرب والجرح‪ ،‬والجنايات والجنح ضد األسرة واآلداب‬
‫والجنايات والجنح ضد األموال‪ ،‬كالسرقة والنصب وإ صدار شيك بدون رصيد وخيانة األمانة في‬
‫المادة ‪ ،376‬وجرائم تبييض األموال وجرائم المساس بأنظمة المعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬والباب‬
‫الثالث تحت عنوان االعتداءات األخرى على حسن سير االقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية‪،‬‬
‫والباب الرابع في الغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية‪.‬‬
‫‪-2‬الكت اب الراب ع من ق انون العقوب ات ع الج في ه المخالف ات‪ ،‬من الفئ ة األولى والثاني ة‪ ،‬واألحك ام‬
‫المشتركة بين جميع المخالفات‪.‬‬
‫تتميز األحكام العامة في قانون العقوبات‪ ،‬بأنها أحكام أكثر ثباتا من أحكامه الخاصة وأقل عرضة‬
‫للتعديل والتبديل منها‪ ،‬فال تعدل إال قليال‪ ،‬ألنها مبادئ عامة ال تتأثر عادة بتغير الظروف‪ ،‬ومن‬
‫التعديالت التي لحقتها‪:‬‬
‫أوال‪-‬التعديل األول بالقانون ‪ 04-82‬المعدل لألحكام المتعلقة بالعود في المواد ‪،56 ،55 ،54‬‬
‫‪ ،57‬والمادتين ‪ 42 ،41‬المتعلقة بأحكام المساهمة الجنائية بنوعيها المباشرة وغير المباشرة‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬التعديل الثاني بالقانون ‪ 05-89‬ألغى عقوبة االعتقال‪ ،‬بتعديل المادة ‪ 9‬من قانون العقوبات‬
‫وإ لغاء المادتين ‪ 60 ،10‬منه‪ ،‬حيث وحدت العقوبات التكميلية والتبعية في نوع واحد أطلق عليه‬
‫"العقوبة التكميلية"‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬التعديل الثالث بالقانون ‪ ،15-04‬التأسيس للمسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية بإضافة‬
‫المواد ‪ 18‬مكرر و‪ 18‬مكرر‪ 51 ،1‬مكرر‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التعديل الرابع بالقانون ‪ 23-06‬فيما يتعلق بعقوبة الغرامة في المواد ‪ 5 ،5‬مكرر‪467 ،‬‬
‫مكرر‪ 467 ،‬مكرر‪.‬‬
‫أما األحكام الخاصة فهي أكثر عرضة للتغيير والتبديل بتغير وتطور الظروف والمصالح والقيم‬
‫المختلف ة من سياس ية‪ ،‬اقتص ادية‪ ،‬اجتماعي ة‪ ،...‬وم ا يق رر له ا من حماي ة جزائي ة‪ ،‬وهي تع ديالت‬
‫تلحق جريمة أو صنف من الجرائم تعديال كإدراج نوع منها في قوانين خاصة كجرائم التهريب‬
‫والفساد مثال( )‪ ،‬أو تدمج بعض األحكام الخاصة في قانون العقوبات كاألحكام المتعلقة باإلرهاب‬
‫‪1‬‬

‫والتخريب( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫طبيعة قواعد قانون العقوبات‬

‫‪ -1‬أنظر األمر ‪ 22-96‬المؤرخ في ‪ 9‬يوليو ‪ 1996‬المتعلق بالتشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األموال‬
‫من وإ لى الخ ارج "ألغيت بمقتض اه الم واد ‪ 425 ،425 ،424‬مك رر‪ 426 ،‬من ق انون العقوب ات" واألم ر ‪ 10-97‬في ‪06‬‬
‫مارس ‪ 1997‬المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة‪ ،‬مع المالحظة أن هذا األخير ألغي بالقانون ‪ 05-03‬المؤرخ في‬
‫‪ 19‬يوليو ‪ 2003‬بإلغاء المواد ‪ 394-390‬من قانون العقوبات‬
‫‪ -2‬الق انون ب أمر رقم ‪ 11-95‬الم ؤرخ في ‪ 25‬ف براير ‪ 1995‬ال ذي أدمج األحك ام الموض وعية المتعلق ة بمحارب ة ظ اهرة‬
‫اإلرهاب والتخريب التي كانت مقررة في المرسوم التشريعي ‪ 03-92‬المؤرخ في ‪ 30‬سبتمبر ‪ 1992‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫يعت بر ق انون العقوب ات ج زء من النظ ام الق انوني في أي مجتم ع‪ ،‬يعت بر من أهم الف روع‬
‫القانونية وأكثرها تداخال معها بما يفرضه من حماية جزائية للحقوق عن طريق تجريم االعتداء‬
‫عليها أو التعرض لها وما يقرره من جزاءات لها( ) ويختلف عنها من موضوعا وأهدافا وطريقة‬
‫‪1‬‬

‫تحقيقها‪ ،‬قانون يتنازعه رأيان‪:‬‬


‫األول‪-‬ذهب إلى أن قواع د ق انون العقوب ات تنتمي للق انونين الع ام والخ اص على ح د س واء مم ا‬
‫يضفي عليه طابعا مختلطا استنادا للحجج التالية‪:‬‬
‫‪-1‬أن أغلب نصوص ه تج رم أنماط ا من الس لوكات اإلنس انية حماي ة لمص الح فردي ة وتق رر له ا‬
‫العقوبات المناسبة‪ ،‬فالجريمة في أغلبها تقع على األفراد‪.‬‬
‫‪-2‬ح ق المض رور من الجريم ة في إقام ة ال دعوى العمومي ة أم ام القض اء الج زائي طبق ا للم ادة‬
‫‪ ) (1/2‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية «كما يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك‬
‫‪2‬‬

‫هذه الدعوى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون»‪.‬‬


‫‪-3‬تقيي د س لطة النياب ة العام ة "أحيانا" في إقام ة الدعوى العمومي ة بوجوب حصولها على شكوى‬
‫«الم واد ‪ 389 ،377 ،379 ،373 ،339 ،330 ،326‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو إذن «الم ادة ‪ 130‬من‬
‫الدستور»‪ ،‬أو طلب «للمادة ‪ 164‬ق‪.‬ع»‪.‬‬
‫الثاني‪-‬ي ذهب إلى أن قواع د ق انون العقوبات ذات طبيعة عامة رغم أن ج ل القواعد والنصوص‬
‫التي يتضمنها تجرم وتعاقب على سلوكات تعتبر اعتداء على مصالح فردية‪ ،‬ألن الجريمة عموما‬
‫اعت داء على مص الح جوهري ة للجماع ة فتخ ل بنظامه ا وأمنه ا وس كينتها فيعت بر فرع ا من ف روع‬
‫القانون العام لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪-1‬أن من وظ ائف الدول ة األساس ية أن تق وم ب واجب ض مان األمن واالس تقرار بجمي ع أجهزته ا‬
‫المختلف ة واألمني ة خاص ة‪ ،‬فتج رم وتع اقب م ا ت راه مخال بمص الح المجتم ع طبق ا للم ادة ‪ 139‬من‬
‫الدستور‪ ،‬وبتنظيم السلطات المختلفة من ضبطية إدارية وقضائية وسلطة قضائية كسلطة االتهام‬
‫والتحقيق والحكم‪.‬‬
‫‪-2‬أن الق انون يطل ق على ال دعوى أم ام القض اء الج زائي «ال دعوى العمومية( )» فتنص الم ادة ‪1‬‬
‫‪3‬‬

‫مك رر إ‪.‬ج «ال دعوى العمومي ة لتط بيق العقوب ات يحركها ويباش رها رج ال القض اء أو الموظف ون‬
‫المعه ود إليهم به ا بمقتض ى الق انون»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪ 29‬إ‪.‬ج «تباش ر النياب ة العام ة ال دعوى‬
‫العمومية باسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 36‬إ‪.‬ج «‪...‬ويخطر –أي وكيل‬
‫الجمهورية‪-‬الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها أو يأمر بحفظها بقرار‬
‫قابال دائما للمراجعة»‬
‫‪-3‬أن تعليق أو تقييد حق النيابة العامة في إقامة الدعوى العمومية استثناء من األصل العام‪ ،‬فهو‬
‫مقرر حصرا في أحوال محددة قانونا( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪-4‬أن رضاء المجني عليه ليس له أثر في إباحة الجريمة أو العفو عن العقوبة‪ ،‬فال يؤثر وجوده‬
‫السابق وال الالحق في قيامها واكتمال عناصرها‪.‬‬
‫‪ -1‬أنظر مثال المواد‪ 350 ،386 ،331 ،339 :‬وما يليها‪ 372 ،‬وما يليها‪ 376 ،‬وما يليها‪.135 ،‬‬
‫‪-2‬أنظر المواد ‪ 2‬إلى ‪ 5‬والمادة ‪ 72‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪-3‬ويطلق عليها أيضا الدعوى العامة والدعوى الجنائية والدعوى الجزائية‪.‬‬
‫‪-4‬انظر المادة ‪ 6‬إ‪.‬ج‪ ،‬والمواد ‪ ،389 ،164 ،377 ،369 ،373 ،326 ،339‬ق‪.‬ع‪ ،‬والمادة ‪ 130‬من الدستور‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫عالقة قانون العقوبات بقانون اإلجراءات الجزائية‬
‫إذا ك ان ق انون العقوب ات ينظم ح ق الدول ة في العق اب تجريم ا وعقاب ا وت دبيرا‪ ،‬ف إن تطبيق ه‬
‫يس تدعى بالض رورة اس تعمال قواع د ق انون اإلج راءات الجزائي ة انطالق ا من مب دأين ق انونيين‪،‬‬
‫الض رعية اإلجرائي ة وقرين ة ال براءة المكرس تين بالم ادة ‪ 1‬من ه «يق وم ه ذا الق انون على مب ادئ‬
‫الشرعية والمحاكمة العادلة‪...« ،»...‬أن كل شخص يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته بحكم قضائي‬
‫ح ائز لق وة الش يء المقض ي فيه( )»‪ ،‬فح ق الدول ة في العق اب ال يت أتى تحقيق ه إال بإتب اع قواع د‬
‫‪1‬‬

‫شكلية( ) مقررة في قانون اإلجراءات الجزائي ة‪ ،‬ألن توقيع الجزاء تطبيقا وتنفيذا من اختصاص‬
‫‪2‬‬

‫السلطات العامة المختصة المقررة فيه‪ ،‬فال يجوز إذن تقديره وال توقيعه إال وفق قواعد إجرائية‬
‫معينة‪ ،‬وال يجوز تنفيذه مباشر على المتهم‪ ،‬وهو ما يبرز الصلة الوثيقة بين القانونين فتجعل من‬
‫ق انون اإلج راءات الجزائي ة الوسيلة القانونية الوحي دة إلعمال قواعد قانون العقوب ات مما يض في‬
‫على عالقتهما ببعضهما عالقة تكامل وتبعية األول للثاني‪.‬‬
‫القوانين المكملة لقانون العقوبات‬
‫إن تطور المجتمعات وتغير مصالحها وظهور أنماط جديدة من السلوكات قد تشكل خطرا‬
‫على الجماعة فيكون من حسن السياسة الجزائية التدخل بوضع قواعد تجريمية خاصة‪ ،‬في قواعد‬
‫تش ريعية عادي ة أو قواع د تش ريعية فرعي ة كل وائح الض بط والب وليس عمال باألحك ام العام ة في‬
‫القانون والمادة ‪ 139‬من الدستور‪ /‬ومن األمثلة‪ :‬تشريع اقتناء وحيازة وصنع األسلحة والذخائر‬
‫والمتفج رات الص ادر في ‪ 16‬م ايو ‪ ،1963‬بالمرس وم رقم ‪ ،85-63‬وك ذلك المرس وم ‪155-74‬‬
‫الصادر في ‪ 12‬يوليو ‪ ،1974‬وقانون مكافحة التخريب واإلرهاب بالمرسوم التشريعي ‪03-92‬‬
‫في ‪ 03‬س بتمبر ‪ ،1992‬والج رائم الجمركي ة الص ادرة بالق انون ‪ 07-79‬في ‪ 21‬يولي و ‪،1979‬‬
‫والقانون المتعلق بقمع مخالفات التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األم وال من‬
‫وإ لى الخ ارج ب األمر ‪ 22-96‬في ‪ 09‬يولي و ‪ ،1996‬واألم ر ‪ 05-03‬في ‪ 19‬أكت وبر‬
‫‪2003‬المتعل ق بحق وق المؤل ف والحق وق المج اورة‪ ،‬والق انون ‪ 06-05‬الم ؤرخ في ‪ 23‬أوت‬
‫‪ ،2005‬المتعلق بمكافحة التهريب‪ ،‬والقانون رقم ‪ ،01-05‬المتعلق بالوقاية من تبييض األموال‬
‫وتموي ل اإلره اب ومكافحتهم ا والق انون ‪ 06-05‬المتعل ق بمكافح ة الته ريب والق انون ‪01-06‬‬
‫المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪.‬‬
‫عالقة قانون العقوبات بالفروع القانونية األخرى‬
‫إذا كان قانون العقوبات والقوانين المكملة له يحتل مركزا متميزا في النظام القانوني‪ ،‬فهو‬
‫أداته في وضع القواعد الردعية والزجرية تجريما وعقابا لحماية الحقوق والمصالح المقررة في‬
‫مختلف فروعه‪ ،‬فمثال تبدو عالقته بالقانون الدستوري في حماية النظام الجمهوري للدولة وحماية‬
‫مؤسس ات الدولة( )‪ ،‬وحماي ة الحق وق والحري ات العام ة والفردي ة تجريم ا وعقاب ا على االعت داء‬
‫‪3‬‬

‫عليها( )‪ ،‬فه و الوس يلة القانوني ة لحماي ة األه داف السياس ية واالقتص ادية واالجتماعي ة في الدول ة‬
‫‪4‬‬

‫جزائي ا‪ ،‬فيحمي الوح دة الوطني ة ونظ ام الحكم الجمه وري "الم ادة ‪ 61‬ق‪.‬ع وم ا يليه ا"‪ ،‬وتب دو‬
‫‪-1‬تنص المادة ‪ 41‬من الدستور «كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته‪ ،‬في إطار محاكمة عادلة‬
‫تؤمن له الضمانات الالزمة للدفاع عن نفسه»‬
‫‪- 2‬ليس هناك ما يمنع أن يتضمن قواعد موضوعية كالمادتين ‪ 97 ،51‬منه‬
‫‪ -3‬المواد ‪ 88 ،77 ،61‬وما يليها من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪-4‬في المواد ‪ 111-102‬من قانون العقوبات‪ ،‬ويقرر هذا األخير أيضا حماية الحق في الحياة والحق في السالمة الجسدية‬
‫بتجريمه لكل اعتداء يمس بالحق في الحياة أو السالمة الجسدية طبقا للمادة ‪ 254‬وما يليها من نفس القانون‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫عالقت ه بالق انون اإلداري في حمايت ه للنظم اإلداري ة وض مان تنفي ذها من حيث تجريم ه ومعاقبت ه‬
‫على الج رائم ال تي يرتكبه ا الموظف ون العمومي ون كالرش وة واس تغالل النف وذ وتواط ؤ الم وظفين‬
‫وتجاوز السلطات اإلدارية والقضائية لحدود اختصاصها‪ ،‬ويحمي قانون العقوبات الحقوق المالية‬
‫المق ررة في الق انونين الم دني والتج اري بتجريم ه لالعت داء على ح ق الملكي ة الم ادة ‪ 386‬من ه‪،‬‬
‫والسرقة في المادة ‪ 350‬وما يليها‪ ،‬واإلخالل بقواعد التعامل التجاري كإصدار شيك بدون رصيد‬
‫في المادة ‪ 374‬واإلفالس التدليسي في المادة ‪ ،383‬ويحمي األسرة واألخالق واآلداب العامة في‬
‫األس رة والمجتم ع فج رم ت رك األس رة في الم ادة ‪ 330‬وم ا يليه ا‪ ،‬وانته اك اآلداب بتج ريم الفع ل‬
‫الفاضح العلني في المادة ‪ ،333‬وهتك العرض واالغتصاب في المادتين ‪ ،336 ،335‬والخيانة‬
‫الزوجية في المادة ‪ 339‬وغيرها‪.‬‬
‫عالقة قانون العقوبات بالعلوم الجنائية األخرى‬
‫يطل ق مص طلح العل وم الجنائي ة على طائف ة من العل وم الحديث ة ته دف جميعه ا لمكافح ة‬
‫اإلجرام‪ ،‬فتصب جميعها في المجرم والجريمة والعقاب‪ ،‬وقانون العقوبات يعتبر حجر الزاوية في‬
‫هذه القوانين الستهداف القضاء على الجريمة بتقريره للجزاء بمختلف صوره‪ ،‬أما العلوم الجنائية‬
‫األخرى فهي مجموعة قواعد مساعدة له تعمل على تطوره وتقدمه نحو تحقيق الغاية من وجوده‪،‬‬
‫ألن ق انون العقوب ات وه و يعم ل على الوقاي ة من الجريم ة ومحاربته ا ب التجريم والج زاء فيرس م‬
‫االتجاهات العامة لمكافحة الظاهرة اإلجرامية لخطورتها على المجتمع يعتمد سياسة محددة بغاية‬
‫تحديد ماهية كل جريمة كظاهرة سلوكية إجرامية اجتماعية وتقرير الجزاء المناسب لها‪ ،‬مستعينا‬
‫في ذل ك بم ا تقدم ه الف روع األخ رى ذات الص لة من مف اهيم مختلف ة تتعل ق بالجريم ة وأس بابها‬
‫وظروفها‪ ،‬ويمكن تصنيف السياسة الجزائية‪.‬‬
‫‪-1‬السياسة التجريمية‬
‫هي مجموع ة مب ادئ ال تي يمكن على ض وئها التفرق ة بين الس لوك المب اح وم ا ه و ج دير‬
‫بالتجريم والعقاب لضمان المصالح االجتماعية الجديرة بالحماية الجنائية فيقرر تجريمه‪ ،‬فيرسم‬
‫على ضوئها سياسة تجريمية معينة جديرة باإلتباع‪ ،‬فيحدد ماهية الجريمة‪ ،‬ضوابطها وحدودها‬
‫باعتباره ا ظ اهرة س لوكية اجتماعي ة‪ .‬ح تى يلعب ك ل من الفق ه والقض اء الج زائي دورهم ا على‬
‫أحسن وجه‪ ،‬ومن أمثلتها بعض القوانين الحديثة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬األمر المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األموال من‬
‫وإ لى الخارج رقم ‪ 22-96‬المؤرخ في ‪ 9‬يوليو ‪ 1996‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ -2‬قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع االستعمال واالتجار غير المشروعين‬
‫بها رقم ‪ 18-04‬المؤرخ في ‪ 25‬ديسمبر ‪.2004‬‬
‫‪ -3‬ق انون الوقاي ة من تب ييض األم وال وتموي ل اإلره اب ومكافحتهم ا‪ ،‬رقم ‪ 01-05‬الم ؤرخ في‬
‫‪ 06‬فبراير ‪ 2005‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪-2‬السياسة العقابية‬
‫تهدف السياسة العقابية إلى انتقاء الجزاء المناسب األكثر تحقيقا للسياسة المنتهجة‪ ،‬بتحديد‬
‫نوعه ومدته ومقداره وتنفيذه على الوجه األمثل‪ ،‬بدراسة الجزاء نوعا ومقدارا وطريقة تطبيقه‬
‫وتنفيذه بتحديد األهداف واألصول الواجبة اإلتباع ليكون محققا لألغراض والغايات االجتماعية‬

‫‪6‬‬
‫المتوخ اة من تل ك السياس ة العقابي ة‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 1‬من الق انون رقم ‪ 04-05‬الم ؤرخ في ‪6‬‬
‫ف براير ‪ 2005‬المع دل والمتمم المتض من ق انون الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين‬
‫«يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس مب ادئ وقواع د إلرس اء سياس ة عقابي ة قائم ة على فك رة ال دفاع‬
‫االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية واإلدماج‬
‫االجتماعي للمحبوسين»‪.‬‬
‫ويبدو ذلك في السياسة المنتهجة من المشرع بتجنيح الكثير من الجرائم الجنايات وتطبيق‬
‫عقوبة الحبس عليها بدل السجن‪ ،‬كالقانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحتـه رقم ‪،) (01-06‬‬
‫‪1‬‬

‫وق انون مكافح ة الته ريب رقم ‪ ) (06-05‬وغيره ا‪ ،‬وطريق ة تطبيقه ا وتنفي ذها بتحدي د األه داف‬
‫‪2‬‬

‫واألص ول الواجب ة اإلتب اع ليك ون محقق ا لألغ راض والغاي ات االجتماعي ة المتوخ اة نت ه‪ ،‬بتقري ر‬
‫الكث ير من القواع د ال تي من ش أنها أن تض ع نمط ا جدي دا للمتابع ة الجزائي ة ب النص على المتابع ة‬
‫التلقائية مثال في المادتين ‪ 144‬مكرر‪ 144 ،‬مكرر ‪ ،2‬وتقييد النيابة العامة في مواصلة مباشرة‬
‫ال دعوى العمومي ة في رغم إقامته ا في الم ادتين ‪ 299 ،298‬من ق انون العقوب ات وغيره ا من‬
‫األوض اع ال تي ب دت في الق انون الجزائ ري ابت داء من تعديالت ه س نة ‪ ،2006‬وإ لغ اء الكث ير من‬
‫الحاالت التي كانت مقررة فيها عقوبة اإلعدام‪ ،‬مثل المواد ‪،293 ،198 ،197 ،119 ،114‬‬
‫‪ 293‬مكرر( ) من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن السياس ة الجزائي ة العقابي ة المس تجدة الق انون رقم ‪ 01-09‬الم ؤرخ في ‪ 25‬ف براير‬
‫‪ 2009‬ال ذي فس ح المج ال للقاض ي الج زائي أن يس تبدل عقوب ة الحبس بــ ""عقوب ة"" العم ل للنف ع‬
‫الع ام وح دد ض ابط تطبيقه ا في الم وا ‪ 5‬مك رر إلى ‪ 5‬مك رر ‪ 6‬من ق انون العقوب ات المع دل‬
‫والمتمم‪ ،‬وك ذلك إص دار الق انون المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة االدم اج االجتم اعي للمحبوس ين‬
‫رقم ‪ ،04-05‬وما يقرره من معاملة عقابية للمحكوم عليهم المحبوسين‪.‬‬
‫‪-3‬السياسة المنعية والوقائية‬
‫تهدف السياس ة المنعي ة إلى رسم من اهج الكف اح والدفاع ض د الجريم ة قب ل وقوعها بتع يين‬
‫وتحديد وسائل وتدابير وقائية مانعة من شأنها أن تمنع وقوعها بالقضاء على أسبابها ومص ادرها‪،‬‬
‫كمواجهة خطورة الشخص بتدابير أمنية‪ ،‬وهو االتجاه الذي سلكه المشرع حيث اتبع سياسة منعية‬
‫لمواجهة تلك الخطورة فتنص المادة ‪ 4 ،4/1‬من قانون العقوبات «يكون جزاء الجرائم بتطبيق‬
‫العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن‪« ،»...‬إن لتدابير األمن هدف وقائي‪ ،»...‬وتبدو‬
‫السياس ة الوقائي ة أيض ا في الق وانين المس تحدثة كق انون الوقاي ة من المخ درات والم ؤثرات العقلي ة‬
‫وقم ع االس تعمال واالتج ار غ ير المش روعين به ا رقم ‪ 18-04‬في ‪ 25‬ديس مبر ‪ 2004‬وق انون‬
‫مكافحة التهريب رقم ‪ 06-05‬المؤرخ في ‪ 23‬أوت ‪ 2005‬وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته‬
‫رقم ‪ 01-06‬في ‪ 20‬فبراير ‪.2006‬‬
‫‪ -4‬السياسة اإلصالحية‬

‫‪ -1‬المؤرخ في ‪ 20‬فبراير ‪ 2006‬المعدل والمتمم‪.‬‬


‫‪ -2‬المؤرخ في ‪ 23‬أوت ‪ 2005‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ -3‬استبدلت عقوبة اإلعدام بعقوبة السجن المؤبد فيما عدا جريمة اختالس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها‬
‫على نح و غ ير ش رعي ال تي ك انت مق ررة في الم ادة ‪ 119‬الملغ اة بالق انون رقم ‪ 01-06‬الم ؤرخ في ‪ 20‬ف براير ‪،2006‬‬
‫المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته فأصبحت منظمة بهذا األخير واستبدلت عقوبة اإلعدام بعقوبة الحبس من سنتين إلى‬
‫عشر سنوات‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫تتم يز المنظوم ة القانوني ة الجزائي ة الوطني ة باس تهدافها إص الح المحبوس ين من خالل تب ني‬
‫أفك ار مدرس ة ال دفاع االجتم اعي‪ ،‬فتنص الم ادة األولى من الق انون رقم ‪« ) (04-05‬يه دف ه ذا‬
‫‪1‬‬

‫القانون إلى تكريس مبادئ وقواعد إلرساء سياسة عقابية قائمة على فكرة الدفاع االجتماعي التي‬
‫تجع ل من تط بيق العقوب ة وس يلة لحماي ة المجتم ع بواس طة إع ادة التربي ة واإلدم اج االجتم اعي‬
‫للمحبوسين»‪ ،‬وقد بدا االهتمام بذلك بعد االستقالل مباشرة‪ ،‬حيث أنشئت مديرية التهذيب وإ عادة‬
‫التأهيل االجتماعي‪ ،‬بمناسبة تنظيم اإلدارة المركزية لوزارة العدل سنة ‪ ،1965‬ووضع القانون‬
‫المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة تربي ة الس اجين ب األمر رقم ‪ ) (02-72‬الم ؤرخ في ‪ 10‬ف براير‬
‫‪2‬‬

‫‪.1972‬‬
‫قانون العقوبات وعلم اإلجرام ‪La Criminologie‬‬
‫ي درس علم اإلج رام الجريم ة وعلله ا محاول ة للكش ف عن منابعه ا وأس بابها وعوامله ا‬
‫ومص ادرها ودوافعه ا‪ ،‬علم ي درس الجريم ة كظ اهرة س لوكية إجرامي ة اجتماعي ة عن طري ق‬
‫االس تقراء والمالحظ ة والتجرب ة معتم دا في ذل ك على مجموع ة من العل وم الجنائي ة األخ رى كعلم‬
‫طب ائع المج رم وعلم االجتم اع الجن ائي والطب العقلي الجن ائي وعلم البيولوجي ا الجنائي ة وعلم‬
‫النفس الجنائي‪ ،‬التي أصبحت جميعها تشكل علم اإلجرام‪ ،‬ومن خاللها ترسم سياسة جنائية هادفة‬
‫ووقائية من اإلجرام‪.‬‬
‫علم طبائع المجرم‪Anthropologie Criminelle .‬‬
‫يبحث في أس باب الجريم ة من تك وين خلقي وجس مي للمج رم‪ ،‬فيت وخى إماط ة اللث ام عن‬
‫أس باب اإلج رام في ش خص المج رم من حيث بنيت ه وتكوين ه الف يزيولوجي وأث ر ه ذا التك وين في‬
‫الجريمة‪ ،‬ومن أهم دعاته الطبيب اإليطالي لومبروز‪.‬‬
‫علم النفس الجنائي ‪Psychologie Criminelle‬‬
‫يبحث ه ذا العلم عن دواف ع الجريم ة وأس بابها في نفس ية المج رم وتكوين ه النفس ي بدراس ة‬
‫نفس ية المج رمين وتحليله ا ومراقبته ا ومالحظ ة اإلحساس ات واالنفع االت والمي ول ل دى الش خص‬
‫كثيرا ما تدفع بصاحبها إلى اإلقدام على اقتراف الجريمة‪.‬‬
‫علم االجتماع الجنائي‬
‫ي درس علم النفس الجن ائي الجريم ة باعتباره ا نتيج ة ظ واهر وظ روف اجتماعي ة مختلف ة‪،‬‬
‫ألنها نتيجة وثمرة لبيئة اجتماعية معينة ينشأ فيها المجرم‪ ،‬وعليه يجب دراسة الوسط االجتماعي‬
‫أي البيئ ة االجتماعي ة للوق وف على أس باب الجريم ة االجتماعي ة‪ ،‬وك ان من زعمائ ه اإليط الي‬
‫انريكو فيرى‪ ،‬أن البحث في أسباب الجريمة كظاهرة اجتماعية وعواملها في البيئة االجتماعية‪.‬‬
‫علم العقاب ‪Science Pénitentiaire‬‬

‫‪ -1‬المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين‪ ،‬الم ؤرخ في ‪ 27‬ذي الحج ة ع ام ‪ 1425‬المواف ق ‪6‬‬
‫فبراير ‪.2005‬‬
‫‪ -2‬ألغي ه ذا األم ر بالق انون رقم ‪ 04-05‬المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين في الم ادة ‪173‬‬
‫منه‪ ،‬وإ ن كان هذا األخير لم يأت بديباجة له‪ ،‬فال يعني أن هذا القانون يتخلى عن الدور اإلصالحي تربية وتكوينا وتكييفا‬
‫ب دليل نص الم ادة ‪ 1‬من ه «يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس مب ادئ وقواع د إلرس اء سياس ة عقابي ة قائم ة على فك رة ال دفاع‬
‫االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية واإلدماج االجتماعي للمحبوسين»‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ه و مجموع ة قواع د تح دد األص ول المتبع ة في تنفي ذ العقوب ات وت دابير األمن تحقيق ا‬
‫لألغ راض االجتماعي ة ال تي تح رص التش ريعات على تحقيقه ا فيبحث في تحدي د األغ راض‬
‫االجتماعي ة المس تهدفة من الج زاء عقوب ة وت دبيرا وس بل تحقي ق الت وازن بين حاج ات المجتم ع‬
‫وأس لوب تنفي ذه عن طري ق العم ل على إص الح المج رم أثن اء تنفي ذه للعقوب ة بتهذيب ه وعالج ه أو‬
‫إع ادة تكوين ه‪ ،‬فاتس ع نطاق ه من تنفي ذ العقوب ة الس البة للحري ة إلى بحث ودراس ة تحدي د األه داف‬
‫االجتماعي ة ال تي تتوخاه ا الجماع ة من تط بيق الج زاء وتنفي ذها بم ا يحق ق أه داف الجماع ة‪ .‬مم ا‬
‫أص بغ علي ه إمك ان تس ميته بحس ب نظ رة المش رعين ل ه ف أطلق علي ه المش رع الجزائ ري ق انون‬
‫الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين"‪ ،‬وس بق أن أطل ق علي ه "تنظيم الس جون وإ ع ادة‬
‫تربية المساجين" الملغى مستلهما من مجموعة من القواعد التي أقرها المؤتمر الدولي األول لألمم‬
‫المتحدة في مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد سنة ‪.1955‬‬
‫مراحل تطور الفكر العقابي‬
‫ترتب ط نش أة ق انون العقوب ات بمختل ف ص وره بظ اهرة وج ود الجريم ة القديم ة ق دم ال زمن‬
‫وظهور العقوبة كفكرة لصيقة بها وتطورهما‪ ،‬فقد عرفت المجتمعات القديمة العقوبة في صور‬
‫مختلف ة في مواجه ة لمواجه ة أفع ال وس لوكات تمس باس تقرارها وأمنه ا وس كينتها‪ ،‬مم ا جعل ه من‬
‫أقدم الفروع القانونية وجودا‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مرحلة االنتقام الفردي‬
‫االنتق ام الف ردي أولى ص ور الج زاء الجن ائي ال تي عرفته ا المجتمع ات البش رية‪ ،‬وبتط ور‬
‫الجماع ة من قبائ ل وعش ائر وجماع ات مختلف ة أدى إلى الح د من مفه وم االنتق ام الف ردي‪ ،‬فتط ور‬
‫إلى القصاص ثم برزت فكرة المصلحة المشتركة فأصبحت الجماعة تنظر للجريمة أنها اعتداء‬
‫عليها فظهر القصاص ثم االنتقام االجتماعي‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مرحلة التكفير الديني‬
‫أسهم الدين بوجه عام في تطور مفهوم القانون الجنائي‪ ،‬بنشوء الجماعات ووحدتها خاصة‬
‫تلك التي تجمعها عقيدة واحدة‪ ،‬فتحولت العقوبة من مفهوم فردي أو اجتماعي إلى مفهوم ديني‪،‬‬
‫فأصبحت تهدف إلى التكفير عن الجريمة التي أغضبت اآللهة تكفيرا عن الذنب أو الخطيئة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الفكر العقابي في العصر الحديث‬
‫بتطور المفهوم الفردي للعقوبة وانتقاله لمفهوم اجتماعي ثم لمفهوم ديني‪ ،‬وظهور الدولة‬
‫الحديثة وسيادتها على إقليم معين وبسط سيطرتها على المجتمع تطور مفهوم العقاب بما يتالءم‬
‫مع مفهوم الدولة ونشأة حقها في التجريم والعقاب باعتبار الجريمة تصيب المجتمع كله في أمنه‬
‫واس تقراره وطمأنينت ه وس كينته‪ ،‬فيع رض س يادتها وهيبته ا للخط ر‪ ،‬خاص ة م ع ظه ور التي ارات‬
‫الفقهية والمدارس المختلفة التي أضفت على القانون الجنائي طابعا متميزا فأخضعت العقوبة فيها‬
‫لمفهوم مختلف ومتميز حسب الفكر الذي تقوم عليه تلك المذاهب‪.‬‬
‫‪-1‬المذهب اإلرادي‬
‫مذهب يعتمد على ذات اإلنسان مستوحيا منها الخير والشر‪ ،‬واعتماد األهلية الجنائية الي‬
‫تقوم على الحرية واالختيار‪ ،‬فأقاموا المسؤولية األخالقية فتأسس العقاب على فكرة االنتقام فكانت‬

‫‪9‬‬
‫العقوب ة تق در بمق دار الض رر ال ذي تحدث ه الجريم ة‪ ،‬فتتحق ق قواع د العدال ة أو المع نى األخالقي‬
‫للعقوب ة‪ ،‬ومن الم ذاهب ال تي اعتم دت اإلرادة الح رة والمس ؤولية األخالقي ة الم ذهب ال ديني‬
‫والم ذاهب األخالقي ة والمدرس ة التقليدي ة أو الكالس يكية بزعام ة الفقي ه اإليط الي دي بيكاري ا‬
‫والمدرسة التقليدية الحديثة أو المدرسة النيو كالسيكية‪.‬‬
‫‪ -2‬المذاهب الحتمية‬
‫تسمى بالمذاهب الجبرية‪ ،‬تعتمد في إقامة فكرها على أساس خضوع اإلنسان خضوعا تاما‬
‫لنواميس الحياة التي ال تترك له أي قدر من الحرية في االختيار مهما كان بسيطا‪ ،‬فتنكر حرية‬
‫االختي ار واإلرادة‪ ،‬ألن اإلرادة توجهه ا عوام ل ديني ة ص رفة اس تنادا لفك رة القض اء والق در‪،‬‬
‫وعوامل أخرى غير دينية كالوراثة والمرض والبيئة االجتماعية وظروفها‪ ،‬فهي عوامل خارجة‬
‫عن إرادة اإلنس ان‪ ،‬أدى بمعتنقي ه ذا الم ذهب إلى رفض المس ؤولية األخالقي ة وفك رة األهلي ة‬
‫الجنائي ة فاس تبدلوا العقوب ة بفك رة الت دابير األمني ة أو ال دفاع االجتم اعي تبع ا لفك رة الخط ورة‬
‫اإلجرامية‪.‬‬
‫ومن الم ذاهب الفقهي ة ال تي اعتم دت منهج الحتمي ة أو الجبري ة‪ ،‬الم ذاهب الديني ة والمادي ة‬
‫ال تي يتزعمه ا الفقه اء اإليط اليون‪ ،‬لوم بروزو ال ذي أنش أ المدرس ة الوض عية اإليطالية في كتاب ه‬
‫اإلنس ان المج رم ‪ L’homme criminel‬ال ذي ألف ه س نة ‪ ،1876‬وانريك و ف يرى في كتاب ه علم‬
‫االجتماع الجنائي ‪ La sociologie criminelle‬سنة ‪ 1881‬وجارو فالو في كتابه علم اإلجرام‬
‫‪ La criminologie‬سنة ‪ ،1885‬تجمع بأن الجريمة نتيجة حتمية ينساق إليها اإلنسان طواعية‬
‫تحت تأثير العوامل الداخلية والخارجية التي تحيط به‪ ،‬واختلفت حول أي من العوامل واألسباب‬
‫ال تي تؤس س عليه ا الجريم ة فتغلب ع امال على آخ ر‪ ،‬فاعتم د لم بروزو ش خص المج رم وتركيب ه‬
‫الخلقي والعض لي والعص بي على وج ه الخص وص‪ ،‬فق ال بوج ود ص لة كب يرة بين المج رم وبين‬
‫وجود خلل عضوي وعيب نفسي فيه‪ ،‬فحدد على هذا األساس فئات المجرمين وسمات كل فئة‬
‫منهم‪ ،‬فصنفهم‪ :‬المجرم بالفترة أو بالطبيعة‪ ،‬المجرم المختل عقليا‪ ،‬المجرم بالعاطفة‪ ،‬المجرم عادة‬
‫والمجرم بالصدفة‪ ،.‬واعتمد انريكو فيرى على مجموعة عوامل كالوسط الذي يعيش فيه اإلنسان‬
‫والعوامل الشخصية والعضوية‪ ،‬وهي عوامل تدفع اإلنسان لإلجرام‪ ،‬فالجريمة عنده تعتبر ثمرة‬
‫عوامل طبيعية عضوية واجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬مذاهب التوفيق أو الوسط‬
‫ظه رت الم دارس التوفيقي ة أو م ذاهب الوس ط للتوفي ق بين م ذهبي اإلرادة والحتمي ة‪ ،‬فتبنت‬
‫هذه المدارس كأصل الحرية والمسؤولية األخالقية‪ ،‬دون أن تهمل العوامل األخرى التي قد تؤثر‬
‫في إرادة اإلنس ان فتنقص منه ا أو تع دمها أص ال‪ ،‬مم ا أض فى على المس ؤولية الجنائي ة والعق اب‬
‫مدى جديدا‪.‬‬
‫‪ -4‬مدرسة الدفاع االجتماعي‬
‫ظه رت بع د الح رب العالمي ة الثاني ة أفك ار جدي دة ق امت عليه ا مدرس ة ال دفاع االجتم اعي‬
‫تزعمها الفقيه اإليطالي فليبو جراماتيكا‪ ،‬تتميز‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم تبني الخطإ والذنب كأساس للمسؤولية الجزائية ألن المجرم مريض اجتماعيا فينساق في‬
‫تص رفه المض اد للجماع ة بس بب مرض ه‪ ،‬وبالت الي فالجريم ة تعت بر مظه را لالض طراب والخل ل‬

‫‪10‬‬
‫االجتم اعي ل دى الش خص‪ ،‬وه ذا يع نى أن المس ؤولية الجنائي ة تق وم على أس اس فك رة مناهض ة‬
‫الفاعل للمجتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬إنك ار فك رة العقوب ة ال تي ترتب ط ارتباط ا وثيق ا بمفه وم المس ؤولية األخالقي ة واألدبي ة القائم ة‬
‫على الخطإ والذنب الذي تبنته المدرسة التقليدية‪.‬‬
‫ج‪ -‬إنك ار فكرة الخطورة اإلجرامي ة التي تبنته ا المدرس ة الوض عية وم ا تتطلب ه من ت دابير أمني ة‬
‫ووقائي ة تق وم على أس اس إقص اء المج رم واستئص اله أو عزل ه بحس ب حالت ه‪ ،‬وعلي ه ف إن سياس ة‬
‫المذهب تقوم على أساس معاملة تؤدى إلي إعادة تأهيل الفاعل اجتماعيا‪ ،‬ألن مفهوم الجزاء ل ديها‬
‫يختل ف عن مفهوم ه ل دى الم ذاهب الفقهي ة األخ رى‪ ،‬فيق وم على ت دابير اجتماعي ة تض م العقوب ة‬
‫والت دبير األم ني في آن واح د‪ ،‬وتط بيق أي منهم ا يك ون ج ديرا بإص الح الف رد وإ ع ادة تأهيل ه‬
‫اجتماعيا‪.‬‬
‫إن مدرسة الدفاع االجتم اعي بقيامها على إنك ار المسؤولية األخالقية والعقوب ة والخطورة‬
‫اإلجرامي ة‪ ،‬تبنت ال دعوة إلى إلغ اء ق انون العقوب ات بمص طلحاته األساس ية كالجريم ة والمج رم‬
‫والعقاب واستبدالها بسياسة جنائية تقوم على أساس إصالح المجتمع والدفاع عنه بوسائل إنسانية‬
‫وقائية فعالة‪ ،‬سابقة على الجريمة تقضى على كل خلل أو اضطراب اجتماعي‪ ،‬أو وسائل الحقة‬
‫على ارتكابه ا ته دف إلي إع ادة التك ييف االجتم اعي لم رتكب الفع ل بإص الحه والرج وع ب ه‬
‫ألحض ان الجماع ة‪ ،‬ووس يلة ال دفاع االجتم اعي ض د الجريم ة هي ت دابير ال دفاع االجتم اعي ال تي‬
‫يجب أن يتم تطبيقه ا وفق ا للحال ة النفس ية والطبيعي ة للفاع ل وض من م ا يق رره ق انون ال دفاع‬
‫االجتماعي الذي يحل محل قانون العقوبات التي تدعو المدرسة إللغائه أصال‪.‬‬
‫يقيم المش رع المس ؤولية الجزائي ة أص ال على اإلرادة وحري ة االختي ار‪ ،‬وع دم قيامه ا أو‬
‫اإلنقاص منها متى انعدمت اإلرادة أو نقصت لعدم القدرة على اإلدراك والتمييز أو نقصها هذا‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى يقرر التدابير األمنية عمال على تحقيق الغرض الحديث من الجزاء‬
‫الجن ائي‪ ،‬ال تي ترس م أس س المس ؤولية األخالقي ة كأص ل‪ ،‬فال تق وم المس ؤولية الجزائي ة ابت داء إال‬
‫حيث تت وافر الق درة على اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار م ا لم يت وافر ع ارض من ع وارض‬
‫األهلية‪ ،‬وفي نفس الوقت يقرر استثناء أحكام قواعد المسؤولية االجتماعية‪.‬‬
‫‪.‬وق د تبنى المش رع سياس ة دف اع اجتم اعي متم يزة بع دم تخلي ه عن العقوب ة التقليدي ة وتب ني‬
‫فك رة الت دابير األمني ة فأقامهم ا على أس اس شخص ية المج رم من جه ة واس تهدافهما التأهي ل‬
‫االجتماعي من جهة أخرى‪ ،‬فتنص المادة ‪ 68‬إ‪.‬ج في فقرتيها الثامنة والتاسعة «ويجري قاضي‬
‫التحقيق بنفسه أو بواسطة ضابط الشرطة القضائية طبقا للفقرة السادسة أو بواسطة أي شخص‬
‫مؤه ل ل ذلك من وزي ر الع دل‪ ،‬تحقيق ا عن شخص ية المتهمين وك ذلك ح التهم المادي ة والعائلي ة أو‬
‫االجتماعي ة غ ير أن ه ذا التحقي ق اختي اري في م واد الجنح»‪« ،‬ويج وز لقاض ي التحقي ق أن ي أمر‬
‫ب إجراء الفحص الط بي كم ا ل ه أن يعه د إلى ط بيب ب إجراء فحص نفس اني أو ي أمر باتخ اذ أي‬
‫إج راء ي راه مفي دا‪ ،‬وإ ذا ك انت تل ك الفح وص الطبي ة ق د طلبه ا المتهم أو محامي ه فليس لقاض ي‬
‫التحقيق أن يرفضها إال بقرار مسبب»‪.‬‬
‫ويبدو ذل ك أيضا في تبني الجزائر لسياس ة إصالحية وتهذيبي ة للمحبوس ين المحكوم عليهم‬
‫بغ رض إع ادتهم للمجتم ع أف رادا ص الحين‪ ،‬يس اهمون في بنائ ه ورقي ه ال في بث ال أمن وال‬
‫استقرار فيه بالعودة الرتكاب الجريمة‪ ،‬فتنص المادة األولى من قانون السجون وإ عادة اإلدماج‬
‫‪11‬‬
‫االجتم اعي للمحبوس ين «يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس قواع د ومب ادئ إلرس اء سياس ة عقابي ة‬
‫قائمة على فكرة الدفاع االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة‬
‫إعادة التربية واإلدماج االجتماعي للمحبوسين»‬
‫تطور الفكر العقابي في الجزائر‬
‫باإلضافة لتطور الفكر العقابي في الجزائر شأنه شأن تطوره في العالم الغربي‪ ،‬عرفت‬
‫الجزائر تطورا آخر لم يعرفه الفكر الجنائي الغربي عموما وما عرفته خالل الحقبة االستعمارية‪،‬‬
‫وهو النظام اإلسالمي فاعتمدته حقبة من الزمن بتطبيقها الشريعة اإلسالمية منذ الفتح اإلسالمي‬
‫في المغرب العربي‪ ،‬وعليه فالتشريع الجنائي الجزائري يعرف بعض القواعد التي تعتبر أصال‬
‫من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كنص المادة األولى من قانون العقوبات التي تقرر مبدأ الشرعية والمادة‬
‫‪ 39‬المتعلقة بأسباب اإلباحة وغيرهما‪ ،‬ويمكن القول أن تطور تشريعنا العقابي باإلضافة لتأثره‬
‫بمراحل تطور الفكر الجنائي عموما‪ ،‬فإنه مر عبر مراحل ثالثة هي‪:‬‬
‫مرحلة تطبيق الشريعة اإلسالمية‬
‫وهى مرحلة بدأت بالفتح اإلسالمي لشمال إفريقيا وانضواء أهله تحت راية اإلسالم‪ ،‬فساد‬
‫تطبيق الشريعة اإلسالمية لتشمل في مناحي الحياة ومن بينها الجانب الجنائي‪ ،‬فساد تطبيقها من‬
‫خالل تقسم الجريمة شرعا إلى أقسام ثالثة مختلفة‪..‬‬
‫أوال‪ -‬جرائم الحدود‬
‫هي جرائم معلومة ومحددة حصرا بالقرآن الكريم يعاقب عليها بعقوبة تسمى حدا محددة‬
‫بالقرآن الكريم أصال واستثناء بالسنة النبوية ‪-‬تكفلت السنة بتحديد عقوبة كل من جريمتي شرب‬
‫الخمر والردة‪ -‬فجاء في القرآن الكريم «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع‬
‫للن اس وإ ثمهم ا أك بر من نفعهما( )»‪« ،‬ومن يرت دد منكم عن دين ه فيمت وه و ك افر فأولئك حبطت‬
‫‪1‬‬

‫أعم الهم في ال دنيا واآلخ رة وأولئ ك أص حاب الن ار هم فيه ا خال دون( )»‪ ،‬ش رعت لحف ظ النفس‬
‫‪2‬‬

‫والنسل والعرض والمال والعقل وحفظ الدين وهى حد السرقة‪ ،‬حد الزنا‪ ،‬حد القذف‪ ،‬حد شرب‬
‫الخمر‪ ،‬حد الردة وحد البغي والحرابة‪ ،‬وتتميز هذه الحدود‪.‬‬
‫ويتميز الحد جريمة وعقوبة‪:‬‬
‫‪ -‬أن جريم ة الح د تق ع تام ة فال ش روع فيه ا عكس م ا ه و معم ول ب ه في الق انون الح ديث‬
‫ال ذي يم يز بين الجريم ة التام ة والش روع ويض ع أحكامهما( )‪ ،‬حيث أن الفق ه االس المي يق رر أن‬
‫‪3‬‬

‫جريمة الحد إذا لم تقع تامة اعتبرت معصية يعاقب عليها بالتعزير‪.‬‬
‫‪ -‬عقوبة الحد مقدرة تقديرا كامال ال يقبل الزيادة أو النقصان‪.‬‬
‫‪ -‬عقوبة الحد ال تقبل اإلسقاط أو التنازل عنها‪.‬‬
‫‪ -‬وال يجوز للحاكم أو ولي األمر العفو عنها‪.‬‬

‫ثانيا ‪-‬جرائم القصاص والديه‬

‫‪ -1‬سورة البقرة اآلية ‪.219‬‬


‫‪ -2‬سورة البقرة اآلية ‪.217‬‬
‫‪ -3‬أنظر المادتين ‪ 31 ،30‬من قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫جرائم القصاص والدية اعتداء على نفس اإلنسان أو ذاته يعاقب عليها بعقوبات القصاص‬
‫أو الدي ة‪ ،‬وهى ح ق مق رر للمج ني علي ه أو ذوي ه‪ ،‬يج وز العف و عنه ا من ص احب الح ق‪ ،‬والعف و‬
‫عنه ا ال يمنع ولي األمر أن يع اقب عليها بعقوبة تعزيري ة إذا ما رأى أن من ش أنها أن تفس د في‬
‫األرض بإخالله ا ب أمن وس كينة الجماع ة فيق ول اهلل تع الى س ورة البق رة اآلي ة ‪« 219‬ولكم في‬
‫القصاص حياة يا أولى األلباب لعلكم تتقون»‪ ،‬وفي سورة البقرة اآلية ‪«178‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى فمن عفي له من أخيه‬
‫شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان»‪ ،‬وفي سورة المائدة اآلية ‪« 45‬وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفس بالنفس والعين بالعين واألنف باألنف واألذن باألذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن‬
‫تص دق ب ه فه و كف ارة ل ه ومن لم يحكم بم ا أن زل اهلل فأولئ ك هم الظ المون»‪ ،‬وفي س ورة النس اء‬
‫اآلية ‪« 92‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إال أن يصدقوا فإن‬
‫كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإ ن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية‬
‫مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اهلل وكان اهلل‬
‫عليما حكيما»‪.‬‬
‫إن جرائم القصاص والدية هي‪ :‬القتل العمد‪ ،‬الجناية شبه العمد‪ ،‬القتل الخطأ‪ ،‬الجناية على‬
‫ما دون النفس عمدا‪ ،‬الجناية على ما دون النفس خطأ‪ ،‬أما العقوبات المقررة لها فهي القصاص‬
‫وه و معاقب ة المج رم بمث ل فعل ه‪ ،‬ويع ني المس اواة والتع ادل‪ ،‬أم ا الدي ة فهي اس م لم ال يمث ل ب دل‬
‫النفس أو الط رف‪ ،‬وهي ح ق للقتي ل يجب بقت ل النفس عوض ا عن دم ه‪ ،‬وتختل ف الدي ة ب اختالف‬
‫المج ني علي ه ق درا وجنس ا‪ .‬مق ررة للج رائم غ ير العمدي ة كالقت ل خط أ والجناي ات م ا دون النفس‬
‫خطأ‪ ،‬أي إصابات البدن خطأ والقتل شبه العمد‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬التـعـزيـر‬
‫التعزير هو ت أديب على ذن وب لم يشرع فيها حد من الح دود والقص اص والدي ة‪ ،‬فقد ورد‬
‫النص على بعض ها في الق رآن الك ريم كج رائم الرش وة وخيان ة األمان ة والس ب والرب ا ودخ ول‬
‫المساكن بغير حق وغيرها‪ ،...‬ألنها فساد في األرض أو تؤدى إلى فساد فيها فجاء في القرآن‬
‫الكريم في اآلية ‪ 275‬من سورة البقرة «قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل اهلل البيع وحرم الربا»‪،‬‬
‫وج اء في اآلي ة ‪ 276‬من سورة البقرة «يمح ق اهلل الرب ا ويربي الص دقات»‪ ،‬وفي اآلي ة ‪ 58‬من‬
‫س ورة النس اء «إن اهلل ي أمركم أن ت ؤدوا األمان ات إلى أهله ا وإ ذا حكمتم بين الن اس أن تحكم وا‬
‫بالع دل»‪ ،‬وفي اآلي ة ‪ 2‬من نفس الس ورة «وآت وا اليت امى أم والهم وال تتب دلوا الخ بيث ب الطيب وال‬
‫تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا»‪ ،‬وفي اآلية ‪ 148‬من نفس السورة «ال يحب اهلل‬
‫الجهر بالسوء من القول إال من ظلم»‪ ،‬وقوله أيضا في سورة البقرة اآلية ‪« 190‬وال تعتدوا إن‬
‫اهلل ال يحب المعتدين»‪ ،‬وفي اآلية ‪ 42‬من سورة المائدة «سماعون للكذب أكالون للسحت»‪ ،‬وفي‬
‫البق رة اآلي ة ‪« 188‬وال ت أكلوا أم والكم بينكم بالباط ل وت دلوا به ا للحك ام لت أكلوا فريق ا من أم وال‬
‫الناس باإلثم وأنتم تعلمون»‪ ،‬وفي النور اآلية ‪« 27‬يا أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيوتا غير بيوتكم‬
‫ح تى تستأنس وا وتس لموا على أهله ا ذلكم خ ير لكم لعلكم ت ذكرون ف إن لم تج دوا فيه ا أح دا فال‬
‫تدخلوها حتى يؤذن لكم»‪ ،‬وفي الحجرات اآلية ‪« 12‬وال تجسسوا»‪.‬‬
‫وتتميز هذه الجرائم بالتالي‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -1‬أنه ا ج رائم واردة على س بيل المث ال ال الحص ر ت رك أم ر تج ريم التع ازير والعق اب‬
‫عليها لولي أمر المسلمين بما يراه مناسبا من التجريم والجزاء‪،‬‬
‫‪ -2‬أن العقوبة فيها غير محددة لكل جريمة‪ ،‬فترك أمر تقديرها واختيار األنسب منها لولي‬
‫األمر حسب كل حالة على حدة‪.‬‬
‫‪ -3‬يج وز ل ولي األم ر العف و عنه ا كله ا أو بعض ها مس تلهما في ذل ك قواع د العدال ة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫المرحلة االستعمارية من سنة ‪1962-1830‬‬
‫ابت دأت ه ذه المرحل ة االس تعمارية في ‪ 5‬يوليو ‪ ،1830‬فب دأ المس تعمر الفرنس ي في فرض‬
‫تشريعاته خاصة منها تشريعه العقابي على المواطنين الجزائريين تحقيقا ألغراضه االستعمارية‬
‫من جهة وتحقيقا لمصالح المعمرين الفرنسيين من أخرى‪ ،‬فصدر في ‪ 1841‬أمر يقضي بتطبيق‬
‫القانون الفرنسي على المسائل الجزائية واختصاص القضاء الفرنسي بنظرها‪ ،‬يميز ويفرق بين‬
‫الجزائري والفرنسي تجريما وعقابا بتطبيق قواعد خاصة باألهالي كاستحداثه لجرائم لم يعرفها‬
‫النظام القانوني الفرنسي نفسه التي أطلق عليها مصطلح «األفعال المعادية للوجود الفرنسي في‬
‫الجزائر»‪ ،‬والمسؤولية الجزائية الجماعية كالغرامة المالية الجماعية عند التمرد على السلطة أو‬
‫التح ريض علي ه واالعتق ال اإلداري والمراقب ة البوليس ية والمح اكم االس تثنائية بأحك ام مخالف ة‬
‫لألحكام التي يتضمنها قانون اإلجراءات الجزائية الفرنسي وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية‪،‬‬
‫بغرض مواجهة المد الثوري والغليان الشعبي في الجزائر خاصة باندالع الثورة التحريرية ضد‬
‫فرنسا في كل مكان من الجزائر‪.‬‬
‫مرحلة التشريعات الوطنية‬
‫وهي المرحل ة ال تي أعقبت اس تقالل الجزائ ر في ‪ 05‬يولي و ‪ 1962‬من ن ير االس تعمار‬
‫الفرنس ي البغيض تف ترض االس تقالل بمختل ف ص وره ومنه ا التش ريعي في بوض ع منظوم ة من‬
‫التش ريعات تك رس االس تقالل‪ ،‬حيث ع رفت ه ذه المرحل ة ف ترتين متم يزتين من حيث تطبيقهم ا‬
‫لقواعد قانونية متميزة‪:‬‬
‫األولى ف ترة ممت دة من اس تقالل الجزائ ر في ‪ 05‬يولي و ‪ 1962‬إلى غاي ة ‪ 14‬يوني و ‪،) (1966‬‬
‫‪1‬‬

‫تتميز باإلبقاء على تطبيق القانون الفرنسي عموما إال ما كان منه يتعارض مع السيادة الوطنية‬
‫بن اء على األم ر بالق انون رقم ‪ 157-62‬في ‪ 31‬ديس مبر ‪ 1962‬يق رر في مادت ه األولى اإلبق اء‬
‫على تطبيق قانوني العقوبات واإلجراءات الجزائية الفرنسيين في الجزائر وسريانهما فيها‪ ،‬ومع‬
‫ذلك كان يتدخل من حين آلخر بوضع نصوص وطنية لمواجهة أوضاع مستجدة خاصة بالمجتمع‬
‫الجزائ ري‪ ،‬فأص در مجموع ة نص وص يج رم ويع اقب فيه ا على بعض األفع ال‪ ،‬ومن ه ذه‬
‫المراسيم‪ :‬المرسوم رقم ‪ 85-63‬المؤرخ في ‪ 16‬مارس ‪ 1963‬المتضمن قمع الجرائم المرتكبة‬
‫ضد التشريع المتعلق باقتناء وحيازة وصنع األسلحة والذخائر والمتفجرات‪ ،‬والمرسوم رقم ‪-63‬‬
‫‪ 399‬المؤرخ في ‪ 07‬أكتوبر ‪ 1963‬المتضمن تصنيف العتاد الحربي واألسلحة والذخائر غير‬
‫المعتبرة كعتاد حربي‪ ،‬والمرسوم رقم ‪ 441-63‬المؤرخ في ‪ 08‬نوفمبر ‪ 1963‬المتضمن تنظيم‬

‫‪-1‬وه و الت اريخ ال ذي ينتهي ب ه س ريان ق انوني العقوب ات واإلج راءات الجزائي ة الفرنس يين بن اء على المادة ‪ 498‬من ق انون‬
‫العقوب ات الجزائ ري واألم ر ‪ 278-65‬الم ؤرخ في ‪ 22‬رجب ع ام ‪ 1385‬المواف ق ‪ 16‬نوفم بر س نة ‪ 1965‬المتض من‬
‫التنظيم القضائي‪ ،‬والمرسوم ‪ 159-66‬الذي يحدد يوم ‪ 15‬يونيو ‪ 1966‬تاريخا لنفاذها‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫شروط اقتناء وحيازة أسلحة الصيد وذخائرها والتنازل عنها‪ ،‬والمرسوم المتعلق بتجريم األفعال‬
‫الماس ة ب األمالك الش اغرة الص ادر في ‪ 18‬م ارس ‪ ،1963‬وق انون القض اء العس كري الص ادر‬
‫باألمر رقم ‪ 28-71‬الصادر سنة ‪ 1971‬المتضمن القواعد الموضوعية واإلجرائية المطبقة في‬
‫مجال التجريم والعقاب على الجرائم العسكرية وإ جراءات المتابعة بشأنها بوجه عام‪ ،‬وقد ألغي‬
‫قانون القضاء العسكري القديم رقم ‪ 242-64‬المؤرخ في ‪ 22‬أغسطس ‪.1964‬‬
‫الثانية‪ ،‬وهى الف ترة الممت دة من ‪ 15‬يوني و ‪ 1966‬إلى يومن ا ه ذا‪ ،‬وهي مرحل ة التش ريعات‬
‫الوطنية‪ ،‬تتميز بحركة تشريعية واسعة خاصة سنة ‪ ،1966‬بدأت بالتشريع في مجاالت حساسة‬
‫ج دا تتعل ق بممارس ة الدول ة لس يادتها وس لطانها‪ ،‬ك التنظيم القض ائي وق انون العقوب ات وق انون‬
‫اإلجراءات المدنية والجزائية‪ ،‬بغرض جزأرة النظم القانونية‪ ،‬فصدر قانون العقوبات الجزائري‬
‫باألمر رقم ‪ 156-66‬المؤرخ في ‪ 08‬يونيو ‪ ،1966‬نشر في الجريدة الرسمية رقم ‪ 49‬بتاريخ‬
‫‪ 10‬يونيو ‪ ،1966‬المعدل والمتمم بمجموعة من األوامر واألوامر التشريعية والقوانين كذا مرة‬
‫{عدل لغاية سنة ‪ 2019‬اثنان وعشرون (‪ )22‬مرة}‪.‬‬
‫والمالح ظ أن المش رع الجن ائي‪ ،‬وإ ن اس تمد ج ل أحكام ه وقواع ده من ق انون العقوب ات‬
‫الفرنسي والقانون المغربي‪ ،‬فإن هذا لم يمنعه من أن يضفي على قانون العقوبات طابعا خاصا‬
‫ومم يزا‪ ،‬في بعض األحك ام والقواع د واألس س القانوني ة ال تي خ رج فيه ا عن مص دره الم ادي‪،‬‬
‫كالقواع د الخاص ة باالش تراك في الجريم ة والمحاول ة أو الش روع في الجريم ة ومس ؤولية‬
‫األش خاص المعنوي ة وت دابير األمن‪ ،‬وح ديثا أص بح المش رع الجزائ ري يس تمد بعض قواع ده‬
‫التجريمية واإلجرائية منن نصوص اتفاقيات دولية صادقت عليها الجزائر‪ ،‬كاالتفاقيات الخاصة‬
‫بالجريمة المنظمة والفساد والتهريب والمخدرات وغيرها‪.‬‬

‫القســم األول في الــجــريـمـــــة‬


‫الجريمة ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات البشرية منذ القديم‪ ،‬يتغير مضمونها ونطاقها‬
‫وفق مجموعة عوامل من دين وحضارة وزمان ومكان ونظام سياسي واقتصادي‪ ،‬فكان مفهوم‬
‫الجريم ة ينظ ر إلي ه من خالل القواع د األخالقي ة واالجتماعي ة والقانوني ة الس ارية المفع ول في‬
‫مجتم ع م ا‪ ،‬وعلي ه ف إن للجريم ة م دلول أخالقي وم دلول ( )‪ ،‬اجتم اعي وآخ ر ق انوني‪ ،‬فالجريم ة‬
‫‪1‬‬

‫بمدلولها االجتماعي هي كل فعل أو سلوك آثم أو خاطئ مخالف لآلداب واألخالق أو العدالة في‬
‫المجتم ع ج دير ب التجريم والعق اب‪ ،‬م ع مالحظ ة اتس اع الم دلول االجتم اعي للجريم ة ليش مل ك ل‬
‫المخالفات مهما كان مصدرها أخالقا أو قانونا‪.‬‬
‫أما الجريمة في مدلولها القانوني‪ ،‬فينصرف لكل مخالفة لقاعدة قانونية ما كقواعد قانون‬
‫العقوب ات والق انون الم دني والتج اري واإلداري والم الي‪ ،...‬وعلي ه فإن ه م دلول يحت وى على‬
‫مفه ومين؛ مفه وم واس ع‪ ،‬وآخر ض يق‪ ،‬األول ينص رف لك ل مخالف ة ألي قاع دة قانونية جنائي ة أو‬
‫إدارية أو مدنية‪ ،...‬ومفهوم ضيـق للجريمة ينحصر نطاقه في السلوكات التي تقع خرقا ألحكام‬
‫قانون العقوبات والقوانين المكملة له‪ ،‬فينحصر المفهوم في الجريمة‪ ،‬جناية وجنحة ومخالفة‪ ،‬وهو‬
‫موضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪ -1‬ق د ت رقى القاع دة األخالقي ة لقاع دة قانوني ة م تى أص بحت من اآلداب العام ة ال تي تعت بر من مص ادر الق انون طبق ا للمادة‬
‫األولى من الق انون الم دني‪ ،‬فتتح ول مخالفته ا نتيجة ل ذلك لمخالف ة قانونية فتك ون جريم ة مدني ة أو جريم ة تأديبي ة أو جنائية‬
‫بحسب القاعدة القانونية التي تم خرقها‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫تعريف الجريمة جنائيا‬
‫تخلو التشريعات الجنائية( ) من نص يعرف الجريمة لعدم أهمية إيراد تعريف لها فيها وال‬
‫‪1‬‬

‫طائل منه خاصة أن المشرع الجنائي دأب على تعريف كل جريمة على حده بوضعه لنصوص‬
‫(‪)2‬‬
‫يحدد فيها أركانها والجزاء المقرر لها‪ ،‬خاصة في ظل العمل بمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات‬
‫ال ذي يقتض ي بالض رورة أن تع رف ك ل جريم ة بجمي ع عناص رها ومب دأ ع دم س ريان ق انون‬
‫العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل شدة‪ ،‬وكذلك أن وضع تعريف عام للجريمة في صلب‬
‫القانون قد يجئ غير جامع لكل السلوكات المراد تجريمها فال يمنع دخول مفاهيم أخرى لم يقصد‬
‫المشرع تجريمه ا مم ا يعتبر خروجا على مب دإ الشرعية‪ ،‬وبالنس بة للمشرع الجزائري لم يض ع‬
‫تعريفا عاما للجريمة في قانون العقوبات مكتفيا بتعريف كل جريمة يقررها في القسم لخاص من‬
‫قانون العقوبات‪.‬‬
‫وعليه فإن تعريف بالجريمة يعتبر عمال فقهيا فاجتهد الفقه الجنائي لوضع تعريف مناسب‬
‫للجريمة نورد بعضها‪ ،‬فتعرف الجريمة «كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية ويقرر‬
‫له القانون عقوبة أو تدابير أمن من التدابير األمنية»‪ ،‬وتعرف «كل فعل أو امتناع يمكن إسناده‬
‫لمرتكب ه ويق رر ل ه عقوب ة جنائي ة»‪ ،‬وتع رف «ك ل فع ل أو امتن اع يص در عن إنس ان مس ؤول‪،‬‬
‫ويف رض الق انون ل ه عقاب ا»‪ ،‬وتع رف «ك ل س لوك يمكن إس ناده لفاعل ه يض ر أو يه دد ب الخطر‬
‫مصلحة اجتماعية محمية بجزاء جنائي»‪.‬‬
‫وهي كلها محاوالت لوضع تعريف يشمل كل الجوانب القانونية للجريمة‪ ،‬يستخلص منها‬
‫أن الجريم ة بمفهومه ا الجن ائي هي س لوك إيج ابي أو س لبي يجرم ه الق انون ويق رر ل ه عقوب ة أو‬
‫تدابير أمن‪ ،‬باعتباره اعتداء على مصالح فردية أو اجتماعية يحميها قانون العقوبات‪ ،‬تستخلص‬
‫منه العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود سلوك إيجابي أو سلبي‪.‬‬
‫‪ -2‬سلوك يجرمه قانون العقوبات أو القوانين المكملة له‪.‬‬
‫‪ -3‬سلوك صادر عن إنسان( )‪ ،‬بإرادة حرة واعية( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -4‬يقرر له القانون جزاء‪ ،‬عقوبة أو تدبير أمن‪.‬‬


‫التفرقة بين المفاهيم القانونية المختلفة لمصطلح «الجريمة»‬
‫يتح دد م دلول الجريم ة الق انوني تتن وع بحس ب ف رع الق انون ال ذي انتهكت أحكام ه‪ ،‬فهن اك‬
‫جريمة جنائية بمفهوم اصطالحي ضيق تتم خرقا ألحكام قانون العقوبات‪ ،‬وهناك جريمة بمفهوم‬
‫اصطالحي عام‪ ،‬ممثلة في الجريمة التأديبية والمدنية تتم خرقا للقانون اإلداري وأنظمته أو خرقا‬
‫ألحكام القوانين المدنية‪ ،‬نحاول التمييز بينها‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الجريمة الجنائية والجريمة المدنية‬

‫‪ -1‬الح ظ أن ق انون العقوب ات المغ ربي وض ع تعريف ا للجريم ة في ص لبه‪ ،‬فينص في الفص ل ‪ 110‬من ه على أنه ا «الجريم ة‬
‫هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه»‪.‬‬
‫‪ - 2‬عكس القانون المدني الذي تخضع فيه الجريمة لحكم عام واحد ورد في المادة ‪ 124‬منه‪.‬‬
‫‪ - 3‬نشير لما يقرره القانون الجنائي من مسؤولية جزائية لألشخاص المعنوية طبقا للمواد ‪.‬‬
‫‪ -4‬أنظر المواد ‪ 49 ،48 ،47‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫الجريم ة ب المفهوم االص طالحي الض يق هي ك ل س لوك أو امتن اع يجرم ه ق انون العقوب ات‬
‫والقوانين المكملة له ويقرر له جزاء‪ ،‬عقوبة أو تدبير‪ ،‬كجرائم القتل والضرب والجرح والسرقة‬
‫والنصب وخيانة األمانة واالغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح العلني والتجسس والتزوير‬
‫وإ نكار العدالة واالمتناع عن تقديم المساعدة لمن هو في حالة خطر‪ ،...‬أما الجريمة المدنية وفقا‬
‫لنص الم ادة ‪ 124‬من الق انون الم دني فهي ك ل فع ل يأتي ه اإلنس ان فيتس بب بخط إ من ه في إلح اق‬
‫ضرر بإنسان آخر فيلتزم بتعويضه عن ذلك( ) فتنص «كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫ويس بب ض ررا للغ ير يل زم من ك ان س ببا في حدوث ه ب التعويض»‪ ،‬فهي جريم ة قوامه ا عناص ر‬
‫ثالث ة‪ ،‬الض رر والخط إ والعالق ة الس ببية بينهم ا‪ ،‬أم ا الجريم ة الجنائي ة فهي ع دوان على أمن‬
‫الجماعة واستقرارها وطمأنينتها فال يشترط فيها عنصر الضرر كأصل عام( ) كما هو في بعض‬
‫‪2‬‬

‫ص ور التج ريم‪ ،‬كالش روع في الجريم ة في الم ادتين ‪ 31-30‬ق‪.‬ع‪ ،‬والتس ول في الم ادة ‪195‬‬
‫ق‪.‬ع‪ ،‬والتشرد في المادة ‪ 196‬ق‪.‬ع‪ ،‬والجرائم الماسة بأمن الدولة في المادة ‪ 61‬ق‪.‬ع وما يليها‪،‬‬
‫والم ؤامرة والتح ريض الجن ائي واالتف اق الجن ائي وحم ل الس الح‪ ...‬وغيره ا‪ ،‬ب ل إن المش رع‬
‫الجنائي أحيانا يجرم ويعاقب على بعض السلوكات كجرائم خاصة‪ ،‬كالعقاب على االتفاق الجنائي‬
‫في الم ادة ‪ 176‬ق‪.‬ع والتح ريض الموص وف في الم ادة ‪ 46‬ق‪.‬ع‪ ،‬والتهدي د في الم ادة ‪ 284‬وم ا‬
‫يليه ا‪ ،‬وتقلي د المف اتيح أو التغي ير فيه ا طبق ا للم ادة ‪ 359‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتق وم بمج رد إتي ان الفع ل المج رم‬
‫قانون ا أو محاول ة إتيان ه بحس ب األح وال‪ ،‬في حين أن الج رائم أو األخط اء المدني ة من عناص ر‬
‫قيامها وجوب توافر عنصر الضرر طبقا للمادة ‪ 124‬من القانون المدني‪ ،‬وعليه فإن الجريمتين‬
‫تتميزان عن بعضهما البعض‪:‬‬
‫‪ -1‬تخض ع الجريم ة الجنائي ة لمب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات طبق ا للم ادة األولى من ق انون‬
‫العقوب ات «ال جريم ة وال أو ت دبير أمن بغ ير ق انون‪ ،»...‬فال تق وم إال إذا وج د نص خ اص‬
‫بتجريم سلوك ما في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له‪ ،‬في حين أن الجرائم المدنية يحكمها‬
‫حكم عام‪ ،‬فال توجد أحكام خاصة بكل مخالفة مدنية‪ ،‬فتخضع جميعها لحكم واحد عام مقرر في‬
‫الم ادة ‪ 124‬من الق انون الم دني‪ ،‬وبالت الي ف رغم قي ام الجريم تين على عنص ر الخط إ فال يج وز‬
‫القول بأن كل خطإ مدني يرقى إلى درجة الجريمة الجنائية‪ ،‬وبالعكس يمكن أن يمكن أن يكون‬
‫الخطأ الجنائي خطأ مدنيا إذا ترتب عليه عنصر الضرر‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الجزاء المقرر في الجريمة الجنائية يمثل عقوبة جناية أو عقوبة جنحة أو عقوبة مخالفة‬
‫تطبيق ا لحكم الم ادتين ‪ 27 ،5‬ق‪.‬ع تلح ق الش خص في حيات ه أو في حريت ه أو في مال ه كاإلع دام‬
‫والسجن والغرامة‪ ،‬وقد يكون تدابير أمن‪ ،‬في حين أن الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض‬
‫عن الضرر بصفة عامة‪.‬‬
‫‪ –3‬من حيث إج راءات المتابع ة وأحكام ه‪ ،‬فتخض ع المتابع ة بش أن جريم ة لقواع د ق انون‬
‫اإلجراءات الجزائية تقوم بها هيئة عامة ممثلة في النيابة العامة تخضع فيه ألحكام عامة مقررة‬
‫فيه‪ ،‬وتخضع إجراءات المتابعة في الجريمة المدنية لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية تحكمها‬
‫أحك ام مق ررة في ه تس مح بالتص الح والتن ازل وال ترك طبق ا للقواع د العام ة المطبق ة في ه ذا‬

‫‪ -1‬قد تحكم الجريمة المدنية بنوعين من القواعد فتطبق عليها المادة ‪ 124‬من القانون المدني‪ ،‬وتطبق عليها أحكام قانون‬
‫اإلجراءات الجزائية عمال بحكم المادتين ‪ 72 ،3‬وما يليها منة جمعت الوصفين جريمة مدنية وجريمة جنائية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إال أن هذا ال ينفي أن يترتب عن الجريمة ضرر‪ ،‬وفي هذه الحالة يقرر القانون حق المتضرر في التعويض عما أص ابه‬
‫من ضرر بسببها طبقا للقواعد المقررة في قانون اإلجراءات الجزائية في مواده ‪ ،5 ،4 ،3 ،2‬والمادة ‪ 72‬وما يليها منه‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫المج ال‪ ،...‬ويم ارس ال دعوى الجزائي ة وهي ح ق للجماع ة جه از النياب ة العام ة كأص ل ممثل ة‬
‫للجماعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية‬
‫الخط أ اإلداري أو الت أديبي أو اإلداري ه و إخالل موظ ف ينتمي لهيئ ة إداري ة بواجبات ه‬
‫الوظيفية كالموظف العام والقاضي والخبير وغيرهم‪ ،...‬أو اعتداء على مصلحة تلك الهيئة‪ ،‬وقد‬
‫يجمع بين الوصفين الجنائي والتأديبي كجريمة االختالس والرشوة‪ ،‬وتختلفان‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث مصدر الخطأين‪ ،‬فمصدر الجريمة التأديبية هو القانون واللوائح اإلدارية‪ ،‬ومصدر‬
‫التجريم في الجريمة الجنائية هو قانون العقوبات والقوانين المكملة له عمال بمبدإ الشرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬من حيث الطبيعة وما يترتب عليها من سلطات مختصة بالنظر في كل منهما‪ ،‬فتخول جهات‬
‫معينة تقوم على توقيع الجزاء في الجريمة التأديبية‪ ،‬وهي السلطة اإلدارية ‪-‬التأديبية‪ ،-‬في حين‬
‫في الجريمة الجنائية الجهة المختصة هي السلطة القضائية تطبيقا لمبدإ دستوري تقرره المادة ‪41‬‬
‫من الدستور والمادة األولى من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن المعت دى علي ه في الجريم ة التأديبي ة هيئ ة ينتمي إليه ا الفاع ل أو الموظ ف‪ ،‬وفي الجريم ة‬
‫الجنائي ة ه و المجتم ع بتع ريض مص الحه في األمن واالس تقرار والطمأنين ة للخط ر بص فة عام ة‬
‫لعمومية الجريمة‪.‬‬
‫‪ -4‬من حيث العقوب ات‪ ،‬الج زاءات التأديبي ة من طبيع ة خاص ة ك التوبيخ واإلن ذار والتوقي ف عن‬
‫ممارسة الوظيفة والعزل والطرد منها‪ ،‬وقد يتعلق الجزاء التأديبي بالراتب كالحرمان منه كله أو‬
‫جزء منه‪ ،‬وقد يكون بالمنع من التوقيع على الوثائق اإلدارية‪ ،‬للسلطات التأديبية صالحية اختيار‬
‫العقوب ة ال تي تراه ا مناس بة بحس ب ك ل حال ة معروض ة عليه ا ألن ه ليس هن اك تخص يص للعقوب ة‬
‫بالنسبة لكل خطإ تأديبي‪ ،‬في حين في الجنائي يحدد لكل جريمة جزاء معينا طبقا للشرعية‪.‬‬
‫‪ -5‬من حيث ال دعوى في ك ل منهم ا‪ ،‬في الجن ائي تك ون دع وى عمومي ة أو عام ة‪ ،‬وفى الخط إ‬
‫اإلداري تكون دعوى تأديبية أو إدارية‪.‬‬
‫التقسيم القانوني للجريمة‬
‫يختل ف تص نيف الجريم ة بم دلولها الجن ائي ب اختالف المعي ار ال ذي يتخ ذ أساس ا ل ه‪ ،‬فتتع دد‬
‫تقس يمات الجريم ة اس تنادا ألركانه ا‪ ،‬الش رعي والم ادي والمعن وي‪ ،‬وتقس م الجريم ة من حيث‬
‫جس امتها وخطورته ا تقس يما ثالثيا( )‪ ،‬جناي ات وجنح ومخالف ات( ) وه و تقس يم ق انوني للجريم ة‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وض عه المش رع في ص لب ق انون العقوب ات اس تنادا للعقوب ات األص لية المق ررة لك ل منه ا‪ ،‬فتنص‬
‫الم ادة ‪ 27‬ق‪.‬ع «تقس م الج رائم تبع ا لخطورته ا إلى جناي ات وجنح ومخالف ات وتطب ق عليه ا‬
‫العقوبات المقررة للجنايات والجنح والمخالفات»‪ ،‬وإ ذا كانت المادة قد وضعت هذا التصنيف فإنها‬
‫لم تضع مفهوما محددا لجسامة الجريمة إال أنه بالرجوع للمادة ‪ 5‬من قانون العقوبات «العقوبات‬
‫األصلية في مادة الجنايات هي‪ -1 :‬اإلعدام‪ -2 ،‬السجن المؤبد‪ -3 ،‬السجن المؤقت لمدة تتراوح‬

‫‪ -1‬أنظ ر الم ادة األولى من ق انون العقوب ات الفرنس ي والم ادة ‪ 9‬من الق انون المص ري ويقس مها الفص ل ‪ 111‬من الق انون‬
‫الجنائي المغربي تقسيما رباعيا‪ ،‬جنايات وجنح تأديبية وجنح ضبطية ومخالفات‪.‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ أن الش ريعة اإلس المية تع رف م ا يش به ه ذا التقس يم الق انوني الثالثي للجريم ة –جناي ة وجنح ة ومخالف ة‪ ،-‬فتقس م‬
‫الجريمة إلى جرائم الحدود والقصاص والدية وجرائم التعازير‪ ،‬وهو تقسيم يق وم على أساس جسامة الجريمة وخطورتها‬
‫والحق المتعلقة به‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫بين خمس(‪ )5‬سنوات وعشرين(‪ )20‬سنة»‪« ،‬العقوبات األصلية في مادة الجنح هي‪ -1 :‬الحبس‬
‫مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحاالت التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى‪-2 ،‬‬
‫الغرام ة ال تي تتج اوز ‪ 20.000‬دج»‪« ،‬العقوب ات األص لية في م ادة المخالف ات هي‪ -1 :‬الحبس‬
‫من يوم واحد على األقل إلى شهرين على األكثر‪ -2 ،‬الغرامة من ‪ 2.000‬إلى ‪ 20.000‬دج»‪،‬‬
‫نج د أن م رد ه ذا االختالف في الخط ورة والجس امة ه و م ا يق رر لك ل منه ا من عقوب ات اإلع دام‬
‫والس جن المؤب د والس جن الم ؤقت للجناي ة والحبس والغرام ة لك ل من الجنح ة والمخالف ة‪ ،‬نالح ظ‬
‫على هذه العقوبات ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬تتميز العقوبات المقررة للجريمة في المادة ‪ 5‬بأن عقوبة جناية فتختلف في جوهرها‬
‫من حيث النوع والمقدار عن عقوبة كل من الجنحة والمخالفة‪ ،‬فالجنايات يقرر لها القانون عقوبة‬
‫اإلعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت من ‪ 5‬إلى ‪ 20‬سنة والغرامة طبقا للمادة ‪ 5‬مكرر‪،‬‬
‫في حين أن عقوبتي الجنح والمخالفات هي الحبس والغرامة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أن عقوب ة الجنح والمخالف ات تتوح د نوع ا حبس ا وغرام ة‪ ،‬وتختل ف م دة ومق دارا‪،‬‬
‫ف الحبس في الجنح ة مدت ه أك ثر من ش هرين إلى خمس س نوات والغرام ة أك ثر من ‪ 20.000‬دج‪،‬‬
‫وفي المخالفة مدته أقصاها شهرين‪ ،‬والغرامة في أقصى حدها عشرين ألف دينار طبقا للمادة ‪5‬‬
‫ق‪.‬ع المعدلة والمتممة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أن التقسيم القانوني للجريمة يستند في تقريره إلى العقوبات األصلية المقررة للجرائم‬
‫في الم ادة ‪ 5‬ق‪.‬ع‪ ،‬وال عالق ة ل ه بالعقوب ات التكميلي ة المق ررة في الم ادة ‪ 9‬وم ا يليه ا من ق انون‬
‫العقوبات‪ ،‬رغم أنها عقوبة منصوص عليها قانونا وجوبية مرة وأخرى جوازية( ) ترتبط بالجناية‬
‫‪1‬‬

‫والجنحة‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬أن أهمي ة التفرق ة بين الجناي ة والجنح ة والمخالف ة‪ ،‬تب دو في مواض ع كث يرة في‬
‫قانوني العقوبات واإلجراءات الجزائية‪ ،‬حيث أن أحكامهما المختلفة والمقررة في كليهما‪ ،‬تؤسس‬
‫وتستند على هذا التقسيم الثالثي للجريمة‪.‬‬
‫‪ -1‬ففي ق انون العقوب ات تخض ع أحك ام الش روع له ذا التقس يم‪ ،‬فيع اقب علي ه في الجناي ات بص فة‬
‫مطلق ة طبق ا للم ادة ‪ 30‬ق‪.‬ع‪ ،‬في حين أن ه في الجنح ال يع اقب علي ه إال بوج ود نص وص خاص ة‬
‫تق رر العق اب على الش روع في الجنح طبق ا للم ادة ‪ 31/1‬ق‪.‬ع‪ ،‬ومن األمثل ة الم ادة ‪222/3‬‬
‫«ويعاقب على الشروع بمثل ما يعاقب به على الجريمة التامة»‪ ،‬أما المخالفات فال شروع فيها‬
‫وال عقاب عليه أصال للمادة ‪.31/2‬‬
‫‪ -2‬من حيث االش تراك‪ ،‬يع اقب على المس اهمة التبعي ة ‪-‬االش تراك‪ -‬في الجريم ة الموص وفة‬
‫بالجنايات والجنح‪ ،‬وال يعاقب على االشتراك في المخالفات إطالقا طبقا للمادة ‪ 31‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -3‬من حيث تطبيق قواعد العود للجريمة‪ ،‬تختلف األحكام المعمول بها بين ما إذا كانت الجريمة‬
‫جناية أو جنحة أو مخالفة‪ ،‬طبقا لألحكام التي تحتويها المواد ‪ 54‬مكرر‪ 54 ،‬مكرر‪ 54 ،1‬مكرر‬
‫‪ 54 ،2‬مكرر‪ 54 ،3‬مكرر‪ 54 ،4‬مكرر‪ 54 ،5‬مكرر‪ 54 ،6‬مكرر‪ 54 ،7‬مكرر‪ 54 ،8‬مكرر‬
‫‪ 54 ،9‬مكرر‪ 10‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪ -1‬أنظر المواد ‪ 9‬وما يليها من قانون العقوبات‪.‬‬


‫‪19‬‬
‫‪ -4‬من المصادرة‪ ،‬وهي عقوبة تكميلية أو مكملة للعقوبة األصلية في مواد الجنايات وال تجوز‬
‫في مواد الجنح والمخالفات‪ ،‬المادة ‪ 16 ،15‬من قانون العقوبات‬
‫‪ -5‬يكتسي تقسيم الجريمة الثالثي أهمية خاصة كذلك في قانون اإلجراءات الجزائية عبر جميع‬
‫المراحل اإلجرائية من البحث التمهيدي إلى التحقيق والمحاكمة‪ ،‬حيث تؤسس أحكام وقواعد هذه‬
‫المراحل اإلجرائية على أساس تقسيم الجريمة الثالثي‪ ،‬ويمكن إبراز هذه األهمية في التفرقة بين‬
‫الجنايات والجنح والمخالفات في القانون الشكلي في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬وفي قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬ال يسكون التلبس إال في مواد الجنايات والجنح‪ ،‬وال يكون‬
‫في مواد المخالفات طبقا للمادة ‪ 41‬إ‪.‬ج «توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس‪....‬‬
‫‪ -2‬التحقيق وجوبي في مواد الجنايات عامة‪ ،‬وفي الجنح التي يقرر القانون وجوب التحقيق فيها‪،‬‬
‫واختياري في مواد الجنح أصال‪ ،‬وجوازي في المخالفات طبقا للمادة ‪ 66‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -3‬التقادم نوعان‪ ،‬تقادم الجريمة وتقادم العقوبة( )‪ ،‬تقرر مدتهما بحسب نوع الجريمة جناية أو‬
‫‪1‬‬

‫جنح ة أو مخالف ة‪ ،‬طبق ا للم واد ‪ 9-6‬إ‪.‬ج‪ ،‬وبحس ب العقوب ة المحك وم به ا عقوب ة جناي ة أو عقوب ة‬
‫جنحة أو عقوبة مخالفة في المواد ‪ 617-612‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -4‬يخضع تحديد اختصاص وتشكيل الهيئات القضائية الجزائية المختصة بنظر الموضوع ما إذا‬
‫ك ان يتعل ق بجناي ة أو جنح ة أو مخالف ة له ذا التقس يم‪ ،‬ويمكن على س بيل المث ال مراجع ة الم واد‬
‫‪ 429 ،258 ،340‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -5‬أن الحبس الم ؤقت طبق ا للم ادة ‪ 123‬إ‪.‬ج وم ا يليه ا‪ ،‬ال يك ون إال في الجناي ات والجنح ال تي‬
‫يع اقب عليه ا ب الحبس‪ ،‬وال يك ون في المخالف ات إطالق ا‪ ،‬ويح دد ن وع الحبس ومدت ه بحس ب ن وع‬
‫الجريمة والعقوبة المقررة لها عمال بأحكام المادة ‪ 124‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -6‬تطبيق قانون العقوبات على جرائم تقع في الخارج من جزائري أو أجنبي للوصف القانوني‬
‫للجريمة ووفق شروط محددة طبقا للمواد ‪ 588 ،583 ،582‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -7‬سلطة أطراف الخصومة الجزائية في إقامة الدعوى العمومية أمام القضاء الجزائي‪ ،‬سواء‬
‫ك انت جه ات التحقي ق أو الحكم‪ ،‬فتخض ع فيه ا لن وع الجريم ة جناي ة أو جنح ة أو مخالف ة‪ ،‬طبق ا‬
‫للمواد ‪ 337 ،67 ،66 ،29‬مكرر‪.‬‬
‫‪ -8‬أن س لطة األم ر باإلحض ار والقبض وم ذكرات اإلي داع في المؤسس ات العقابي ة طبق ا للم ادة‬
‫‪ 109‬إ‪.‬ج تتحدد بنوع الجريمة جناية أو جنحة وفق شروط محددة‪.‬‬
‫هذا باإلضافة لمجموع ة للح ق في الدفاع في المس ائل الجزائية في الم ادة ‪ 100‬وم ا يليها‪،‬‬
‫ودرج ات التقاض ي في الم ادة ‪ ،394 ،328 ،248‬وط رق الطعن في األحك ام القض ائية ‪،407‬‬
‫‪ 495 ،416‬ووقف التنفيذ في المادة ‪ 592‬وما يليها‪ ،‬ورد االعتبار في المادة ‪ 676‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫أثر الظروف على وصف الجريمة‬
‫توصف الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة بحسب نوع ومقدار العقوبة التي يقررها لها‬
‫الق انون طبق ا للم ادة ‪ 5‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 28‬ق‪.‬ع «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در القاض ي‬
‫فيه ا حكم ا يطب ق أص ال على ن وع آخ ر منه ا لظ رف مخف ف للعقوب ة أو نتيج ة لحال ة الع ود ال تي‬
‫‪ -1‬الحظ حكم المادتين ‪ 8‬مكرر‪ 612 ،‬مكرر إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫يكون عليها المحكوم عليه»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 29‬ق‪.‬ع «يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على‬
‫عقوبة تطبق أصال على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة»‪ ،‬وعليه فإن وصف الجريمة‬
‫القانوني مرهون بما يقرره قانون العقوبات في مواده ‪ ،29 ،28 ،5‬والقاضي الجزائي وهو يعمل‬
‫على تطبيق القانون طبقا لمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬بإعماله أحكام المواد ‪،52 ،29 ،28‬‬
‫‪ 53 ،53‬مكرر‪ 53 ،4‬مكرر‪ 53 ،5‬مكرر‪ 53 ،6‬مكرر‪ 465 ،445 ،7‬قد ينطق بعقوبة غير‬
‫العقوبة المقررة للجريمة موضوع البحث تشديدا أو تخفيفا‪ ،‬فهل العبرة في تحديد وصف الجريم ة‬
‫بما يقرره القانون؟ أم العبرة بما ينطق القاضي؟ وما هو حكم ذلك؟‪ ،‬وبعبارة أخرى هل يتغير‬
‫وص ف الجريم ة من حيث جس امتها من جنح ة إلى جناي ة‪ ،‬م تى نط ق القاض ي بعقوب ة أش د من‬
‫العقوبة المقررة قانونا للجريمة‪ ،‬أم تنتقل من جناية إلى جناية إذا نطق القاضي بعقوبة أخف من‬
‫العقوبة المقررة تبعا لذلك؟‪ ،‬أم تظل الجريمة على وصفها بغض النظر عن العقوبة التي نطق بها‬
‫القاضي؟‬
‫لإلجاب ة على التس اؤالت الس ابقة‪ ،‬نش ير أن الم ادتين وض عت أحك ام أث ر الظ روف على‬
‫وص ف الجريم ة‪ ،‬فتنص األولى «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در أتقاض ى فيه ا حكم ا يطب ق‬
‫أصال على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة أو نتيجة لحالة العود التي يكون عليها‬
‫المحك وم علي ه»‪ ،‬وتنص الثاني ة «يتغ ير ن وع الجريم ة إذا نص الق انون على عقوب ة تطب ق أص ال‬
‫على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة»‪ ،‬وإ عماال ألحكام المواد ‪ 29 ،28 ،27 ،5‬فال‬
‫أث ر على وص ف الجريم ة الق انوني بم ا يحكم ب ه القاض ي‪ ،‬فتبقى الجريم ة على وص فها الق انوني‬
‫كأص ل عام‪ ،‬ألن ه يجب التفرقة في ذل ك بين تطبيق المادتين ‪ 28 ،27‬وتطبيق أحكام المادة ‪52‬‬
‫وأحكام المادة ‪ 53‬على النحو التاليي( )‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫أوال‪ :‬بالنسبة لألعذار القانونية المخففة وهى ظروف مخففة يحددها القانون سلفا حصرا‪ ،‬فتنص‬
‫المادة ‪ 52/1‬ق‪.‬ع «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل الحصر تترتب عليها مع‬
‫قيام الجريم ة والمسؤولية إم ا عدم عق اب المتهم إذا كانت أعذارا معفية( )‪ ،‬وإ ما تخفيض العقوبة‬
‫‪2‬‬

‫إذا كانت مخففة»‪ ،‬فلم يترك المشرع مجاال للقاضي الجزائي فقرر التخفيف وجوبا بحكم القانون‬
‫في ك ل جريم ة يت وافر فيه ا ع ذر مم ا يعت بره ك ذلك‪ ،‬ومث ال ذل ك ع ذر تج اوز ال دفاع الش رعي‬
‫المنص وص علي ه في الم ادتين ‪ 278 ،277‬ق‪.‬ع وع ذر ص فة الزوجي ة في جريم ة قت ل ال زوج‬
‫اآلخ ر وقت اكتش افه في حال ة تلبس بجريم ة الزن ا في الم ادة ‪ 279‬ق‪.‬ع‪ ،‬وع ذر ص غر الس ن في‬
‫المادة ‪ 50‬ق‪.‬ع والمواد ‪ 87 ،86 ،85‬من قانون حماية الطفل‪ ،...‬وهي أعذار تغير من وصف‬
‫الجريم ة فت نزل به ا إلى جريم ة أق ل جس امة‪ ،‬فتنص مثال الم ادة ‪ 283‬ق‪.‬ع «إذا ثبت قي ام الع ذر‬
‫فتخفف العقوبة على الوجه التالي‪ -1 :‬الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية‬
‫عقوبته ا اإلع دام أو الس جن المؤب د‪ -2 ،‬الحبس من س تة أش هر إلى س نتين إذا تعل ق األم ر بأي ة‬
‫جناية أخرى‪ -3 ،‬الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق األمر بجنحة»‪.‬‬

‫‪ -1‬نالحظ أن المشرع الجزائري ينهج بعض األحيان نهج تحديد عقوبة ذات حدين لجريمة واحدة‪ ،‬حد يقرر عقوبة جنحة‬
‫وحد أقصى يقرر عقوبة جناية‪ ،‬ويخير القاضي تطبيق العقوبة في أحد الحدين بحسب ظروف مشددة أو مخففة‪ ،‬وانطالقا‬
‫من االعتبارات الشخصية التي يأخذها القانون في االعتبار عند وضعه للقاعدة التجريمية نعتقد أن الجريمة توصف بالجنحة‬
‫كلما قضى القاضي بالحد األدنى‪ ،‬وتوصف بالجناية إذا قضى بالحد األقصى‪ ،‬وال يعتبر هذا خرقا لحكم المادة ‪ 28‬ق‪.‬ع‪،‬‬
‫ألن القانون هو الذي يقرر العقوبة‪ ،‬ودليلنا في ذلك حكم المادة ‪ 29‬التي تنص «يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على‬
‫عقوبة تطبق أصال على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة‪».‬‬
‫‪ -2‬هن اك أع ذار قانوني ة معفي ة من العق اب كص فة الزوجي ة واألص ل والف رع في ج رائم الس رقة في الم ادة ‪ 368‬من ق انون‬
‫العقوب ات‪ ،‬والنص ب في الم ادة ‪ ،373‬وخيان ة األمان ة في الم ادة ‪ ،377‬وإ خف اء األش ياء المس روقة طبق ا للم ادة ‪ ،389‬وفي‬
‫الجرائم جنايات وجنح ضد أمن الدولة المبلغ عنها قبل الشروع في ارتكابها طبقا للمادة ‪ 92‬من نفس القانون‪...‬‬
‫‪21‬‬
‫ثانيا‪ :‬بالنس بة للظ روف القض ائية المخفف ة يخ ير الق انون القاض ي الج زائي بين النط ق بالعقوب ة‬
‫المق ررة للجريم ة‪ ،‬وبين تخفيض ها بم ا ي راه من ظ روف تس تدعي التخفي ف على المتهم‪ ،‬فتق رر‬
‫المادة ‪ 53‬ق‪.‬ع أنه يجوز تخفيض العقوبات المقررة قانونا ضد المتهم الذي قضي بإدانته وثبت‬
‫وج ود ظ روف مخفف ة لص الحه ب الحبس ثالث(‪ )3‬س نوات إذا ك انت الجناي ة مم ا يع اقب عليه ا‬
‫بالسجن المؤقت من ‪ 10‬سنوات إلى ‪ 20‬سنة‪ ،‬ومدة سنة واحدة حبسا إذا كانت الجناية مما يعاقب‬
‫عليها بالسجن المؤقت من ‪ 5‬سنوات إلى ‪ 10‬سنوات( )‪ ،‬وعليه ليس من شأن الظروف القضائية‬
‫‪1‬‬

‫المخفف ة أن تغ ير وص ف الجريم ة‪ ،‬فتظ ل الجريم ة على وص فها الق انوني‪ ،‬رغم نط ق القاض ي‬
‫بعقوبة أخف من العقوبة التي قررها القانون للجريمة قد تطبق على جريمة أقل جسامة تطبيقا‬
‫لحكم الم ادة ‪ 28‬ق‪.‬ع ال تي تنص «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در القاض ي فيه ا حكم ا يطب ق‬
‫أصال على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة‪».‬‬
‫ثالثا‪ :‬أم ا بالنس بة للظ روف المش ددة للعق اب‪ ،‬فيجب التفرق ة بين ن وعين منه ا‪ ،‬ظ رف الع ود‬
‫والظ روف المش ددة األخ رى‪ ،‬ففي حال ة اس تعمال ظ رف الع ود بتش ديد العق اب طبق ا للم ادة ‪54‬‬
‫مك رر وم ا يليه ا ال يتغ ير وص ف الجريم ة إعم اال لحكم الم ادة ‪« 28‬ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا‬
‫أصدر القاضي فيها حكما يطبق أصال على نوع أخر منها نتيجة‪ ...‬أو لحالة العود التي يكون‬
‫عليها المحكوم عليه»‪.‬‬
‫أما بالنسبة للظروف المشددة األخرى ‪-‬عدا ظرف العود‪ ، -‬فإنها تغير وصف الجريمة‪،‬‬
‫فتنص المادة ‪« 29‬يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على عقوبة تطبق أصال على نوع آخر‬
‫أشد منها نتيجة لظروف مشددة»‪ ،‬ومن هذه الظروف ظرف الليل‪ ،‬ظرف حمل السالح‪ ،‬استعمال‬
‫العنف أو التهديد وظرف المساهمة الجنائية والتسلق واستعمال المركبات في جريمة السرقة طبقا‬
‫للمادة ‪ 351‬من قانون العقوبات وما يليها‪ ،‬فتسمى سرقة موصوفة بدل جنحة بسيطة طبقا لحكم‬
‫المادة ‪ 29‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫أركان الجريمة‬
‫تقوم الجريمة على مجموعة من أركان عامة وخاصة‪ ،‬فاألركان العامة ال تقوم الجريمة إال‬
‫بوجوده ا‪ ،‬وهي ال ركن الش رعي وال ركن الم ادي وال ركن المعن وي‪ ،‬باإلض افة لألرك ان العام ة‬
‫للجريم ة ف إن لك ل منه ا ركن ا خاص ا به ا‪ ،‬يميزه ا عن غيره ا من الج رائم األخ رى وتس تقل ب ه‪،‬‬
‫فجريم ة القت ل العمد تتميز بوجود ركن خ اص به ا يميزه ا عن غيره ا بتوافر حال ة إزه اق روح‬
‫إنس ان حي عمدا طبق ا للمادة ‪ 254‬من قانون العقوبات‪ ،‬وفي جريمة الرشوة أن يكون المرتشي‬
‫موظف ا طبق ا للم ادة ‪ 25‬من ق انون الوقاي ة من الفس اد ومكافحت ه وفي الس رقة أن يك ون الم ال‬
‫المس روق م اال منق وال مملوك ا للغ ير باختالس ه ونق ل حيازت ه بني ة امتالك ه طبق ا للم ادة ‪ 350‬وفي‬
‫جريم ة الزن ا يجب ت وافر رك نين فيه ا‪ ،‬ص فة الزوجي ة في أح د ط رفي العالق ة غ ير المش روعة‬
‫والوطإ المحرم طبقا للمادة ‪ 339‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫باإلض افة ألرك ان خاص ة تق ترن بظ روف موض وعية أو مادي ة كحم ل الس الح وارتك اب‬
‫الجريمة في أماكن عمومية وتعدد المساهمين والليل واستعمال السم‪ ،‬وقد تكون شخصية تتصل ‪،‬‬
‫‪ -1‬نالح ظ أن المش رع الجزائ ري في التع ديل األخ ير بالق انون ‪ 23-06‬المع دل والمتمم لق انون العقوبات‪ ،‬ق د وض ع أحكاما‬
‫تفص يلية بالنس بة لتخفي ف العقوب ة‪ ،‬فم يز بين األش خاص الطبيعي ة واألش خاص المعنوي ة‪ ،‬فبالنس بة للش خص الط بيعي نظم‬
‫التخفي ف في الجنح والمخالف ات في الم ادتين ‪ 53‬مك رر‪ 53/6 ،4‬المض افة‪ ،‬وفي المخالف ات تنص الم ادة ‪ 53‬مك رر‪،6‬‬
‫وبالنسبة للشخص المعنوي المسبوق وغير المسبوق وضع أيضا قواعد التخفيف في المواد ‪ 53‬مكرر ‪ 4‬فقرة ‪ 53 ،3‬مكرر‬
‫‪ 53 ،7‬مكرر‪.8‬‬
‫‪22‬‬
‫كسبق اإلصرار على ارتكاب وصفة البنوة وصفة الخادم‪ ،‬وقد تكون ظروف مخففة وقد تكون‬
‫أعذارا‪ ،‬وهي جميعا ظروف محكومة بالمواد ‪ 29 ،28 ،27 ،5‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫البـاب األول‬
‫الركن الشرعي للجريمة‬
‫قبل دراسة الركن الشرعي وما يتضمنه منت عناصر‪ ،‬يجب تحديد موضعه في النصوص‬
‫القانوني ة ونطاقه وإ براز أهميت ه‪ ،‬وتقديم نبذة تاريخية موجزة عنه وم ا يوج ه له من نقد وتحديد‬
‫ماهيته‪.‬‬
‫أوال‪ -‬التعريف بالركن الشرعي‬
‫سبق القول أن الجريمة عمل غير مشروع يجرمه القانون ويعاقب عليه بما يقرره القانون‬
‫من أوام ر ون واهي تج رم وتع اقب على ك ل س لوك ي رقى لدرج ة التج ريم بم ا يش كله من مس اس‬
‫بمص الح الجماع ة بتعريض ها بوج ه ع ام للخط ر‪ ،‬فقد اختل ف الفقه حول م دى وجوب وجود هذا‬
‫الركن في الجريمة باختالفه حول مضمونه ومفهومه‪ ،‬فمنهم من يقيم الجريمة على ركنين المادي‬
‫والمعنوي‪ ،‬ومنهم من يقيمها على أركان ثالثة‪ ،‬الشرعي‪ ،‬المادي والمعنوي‪ ،‬باإلضافة الختالفهم‬
‫حول مضمونه ونطاقه فظهر رأيان على النحو التالي‪:‬‬
‫الرأي األول‪ -‬المفهوم التقليدي للركن الشرعي‬
‫يقوم الركن الشرعي للجريمة على النص التشريعي المجرم للسلوك والعقاب عليه تطبيقا‬
‫لمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات "ال جريمة وال عقوبة إال بناء على نص تشريعي تضعه السلطة‬
‫المختصة بالتشريع"‪ ،‬فال يجوز اعتبار أي سلوك ما جريمة ما لم ينص القانون على تجريمه وال‬
‫تقرير عقوبة له إال إذا كان القانون يقرر له عقوبة محددة‪ ،‬أي يجب وجود نص تشريعي يحدد‬
‫السلوك المجرم ويقرر له الجزاء المناسب عقوبة أو تدبيرا‪ ،‬فيوصف النص الجنائي بالوعاء الذي‬
‫يحت وي على النم وذج اإلج رامي‪ ،‬وعلي ه ف إن ال ركن الش رعي ه و ال ذي يض في وص ف ع دم‬
‫المش روعية أو ص فة الجريم ة على الس لوك‪ ،‬عمال بقواع د ق انون العقوب ات والقواع د المكمل ة ل ه‪،‬‬
‫وهو ما يضفي على هذا الركن أهمية خاصة‪ ،‬وقد وجهت لهذا االتجاه مجموعة انتقادات‪ ،‬يمكن‬
‫إجمالها في التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ال يجوز القول بأن النص التجريمي الذي أوجد الجريمة فأنشأها ركن من أركان قيامها‪،‬‬
‫إذ ال يمكن القول بأن النص الجنائي الذي أنشأ الجريمة ركن في قيامها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن النص المنشئ للجريمة يتميز عنه الجريمة‪ ،‬فال يندمج به‪ ،‬فإذا كان النص الجنائي وعاء‬
‫للنم وذج اإلج رامي فيس تحيل مع ه الق ول أن وع اء النم وذج اإلج رامي عنص را من عناص ر قي ام‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن نص التج ريم وانطباق ه على واقع ة معين ة ليس بالض رورة قي ام الجريم ة‪ ،‬ألن الس لوك‬
‫المجرم قد يقترن بظرف مادي فيسحب الصفة التجريمية عنه بإباحته الفعل‪ ،‬كالدفاع الشرعي في‬
‫المادة ‪ 39‬أو يمنع العقاب طبقا للمواد ‪ 389 ،377 ،373 ،368‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫الرأي الثاني‪ -‬عدم المشروعية‬

‫‪23‬‬
‫يؤسس الرأي الثاني موقفه من الركن الشرعي على االنتقادات التي وجهت لالتجاه األول‪،‬‬
‫فتمس ك بوج ود ال ركن الش رعي في الجريم ة ك ركن ث الث فيه ا إال أن ه أض فى علي ه م دلوال آخ ر‪،‬‬
‫فيعتبر الركن الشرعي "الصفة غير المشروعة للفعل" التي يضفيها النص التشريعي على سلوكات‬
‫ج ديرة ب التجريم والعق اب‪ ،‬فيخض عها لنص تج ريمي وبانتفائ ه ينتفي ه ذا ال ركن‪ ،‬وعلي ه ف الركن‬
‫الش رعي عب ارة عن تك ييف ق انوني يلح ق الس لوك فيص فه بع دم المش روعية‪ ،‬والمرج ع في ذل ك‬
‫النص وص العقابي ة‪ ،‬وهي وح دها ال تي تض في مث ل ه ذه الص فة تطبيق ا لمب دإ ش رعية الج رائم‬
‫والعقوبات مما أضفى عليه طابعا موضوعيا‪ ،‬فيطبق النص التجريمي على الواقعة المجرمة بعيدا‬
‫عن االعتبارات أو الظروف الشخصية‪ ،‬وهو بهذا يختلف عن الركن المادي من حيث أنه تكييف‬
‫ق انوني يتج رد من الكي ان الم ادي وعن ال ركن المعن وي من حيث أن وج وده غ ير مرتب ط باتج اه‬
‫خ اص لإلرادة‪ ،‬فمثال الخط ر ال وهمي وه و حال ة نفس ية يعتق د الش خص معه ا أن ه مه دد بخط ر ال‬
‫وج ود ل ه إال في اعتق اده ال أث ر ل ه في اإلباح ة‪ ،‬أو أن يعتق د الش خص بت وافر س بب إباح ة فيق وم‬
‫بجريم ة قت ل‪ ،‬فال ي برر س لوكه اعتق اده بوج ود ظ رف م بيح ح تى وإ ن ق ام اعتق اده على أس باب‬
‫معقولة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬نبذة تاريخية عن مبدإ الشرعية‬
‫ظهرت الجريمة مع ظهور اإلنسان األول‪ ،‬فهي قديمة قدم البشرية‪ ،‬وقصة ابني آدم عليه‬
‫الس الم‪ ،‬قابي ل وهابي ل خ ير دلي ل على ذل ك‪ ،‬فج اء في الق رآن الك ريم «وات ل عليهم نب أ اب ني آدم‬
‫ب الحق إذ قربا قربان ا فتقب ل من أح دهما ولم يتقبل من اآلخ ر‪ ،‬قال ألقتلن ك ق ال إنما يتقب ل اهلل من‬
‫المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ألقتلك إنني أخاف اهلل رب العالمين‬
‫إني أريد أن تبوء بإثمي وإ ثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه‬
‫قت ل أخي ه فقتل ه فأص بح من الخاس رين( )»‪ ،‬إال أن مب دأ الش رعية وإ ن ك ان موج ودا ق ديما فلم يكن‬
‫‪1‬‬

‫بمفهومه التأصيلي الحديث‪ ،‬فتطور بتطور المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬فقد عرفت الشريعة اإلسالمية‬
‫مبدأ الشرعية منذ ظهورها‪ ،‬فقال جل وعال «وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال( )»‪« ،‬لئال يكون‬
‫‪2‬‬

‫للن اس على اهلل حج ة بع د الرسل( )»‪« ،‬ألن ذركم ب ه ومن بلغ( )»‪« ،‬ال يكل ف اهلل نفس ا إال‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وس عها( )»‪ ،‬باإلض افة لقواع د أص ولية استخلص ت من تل ك اآلي ات كمب دإ «ال حكم ألفع ال العقالء‬
‫‪5‬‬

‫قب ل ورود النص»‪ ،‬ومب دأ «األص ل في األش ياء واألفع ال اإلباح ة»‪ ،‬وهي مب ادئ وقواع د تقض ي‬
‫بأنه ما لم يرد نص شرعي بتجريم أو تحريم أي فعل أو سلوك فال مسؤولية على فاعله أو تاركه‬
‫ألنه يعتبر من األفعال المباحة أو المبررة‪ ،‬ثم بدأت تظهر معالم هذا المبدإ وفق منظور غربي‬
‫في القرون الوسطى‪ ،‬فقد منح ملك إنجلترا جون لرعاياه العهد األعظم ‪ Magna Charta‬سنة‬
‫‪ ،1216‬وفي الوالي ات المتح دة األمريكي ة في إعالن الحق وق س نة ‪ ،1773‬وفي إعالن حق وق‬
‫اإلنس ان والم واطن في فرنسا سنة ‪ 1789‬عقب الثورة الفرنس ية‪ ،‬فقنن بص ياغته صياغة قانوني ة‬
‫واضحة‪ ،‬ثم نص عليه قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة ‪ ،1810‬وتضمنه اإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان سنة ‪.1948‬‬

‫المائدة اآليات ‪. 30-27‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-1‬‬


‫الإسراء اآلية ‪.15‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-2‬‬
‫النساء اآلية ‪.516‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-3‬‬
‫األنعام اآلية ‪.19‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-4‬‬
‫البقرة اآلية ‪.286‬‬ ‫سورة‬ ‫‪-5‬‬
‫‪24‬‬
‫والمالح ظ أن فض ل تق نين مب دأ الش رعية ت ه ب المفهوم الح ديث وص ياغته ص ياغة قانوني ة‬
‫واض حة يرج ع للنهض ة التش ريعية في الغ رب من ذ العه د األعظم وإ عالن الحق وق في الوالي ات‬
‫المتح دة األمريكي ة وإ عالن حق وق اإلنس ان والم واطن في فرنس ا وإ عالن األمم المتح دة لميث اق‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬بنصها جميعا على مبادئ وقواعد تضمن الحريات والحقوق فتحميها‪ ،‬إال أنها لم‬
‫تكن سباقة لذلك من حيث مفهومه‪ ،‬ألن اإلسالم يسبقها جميعا تاريخيا وبقرون فتعتبر تلك الحقوق‬
‫والحري ات من أبجديات ه‪ ،‬فق د ق ال تع الى «وم ا كن ا مع ذبين ح تى نبعث رس وال‪ ،».‬و«لئال يك ون‬
‫للن اس على اهلل حج ة بع د الرسل( )»‪« ،‬ألن ذركم ب ه ومن بلغ( )»‪« ،‬ال يكل ف اهلل نفس ا إال‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وسعها( )»‪ ،‬وقد ورد في األثر «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»‪ ،‬باإلضافة لذلك‬
‫‪3‬‬

‫ف إن معالج ة الش ريعة اإلس المية لمب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات‪ ،‬يختل ف عن معالج ة الق وانين‬
‫الوضعية له‪ ،‬حيث تعرف مرونة في تطبيقه بحسب ما إذا كانت الجريمة جريمة حد أو جريمة‬
‫دية وقصاص أو جريمة تعزير‪ ،‬فتطبقه بطريقة جامدة تجريما وعقابا في كل من جرائم الحدود‬
‫والقص اص والدي ة‪ ،‬فليس ل ولي األم ر أي س لطة تقديري ة بش أنها‪ ،‬في حين يطب ق المب دأ بطريق ة‬
‫مرن ة في ج رائم التعزي ر فيخ ول س لطة تقديري ة من حيث التج ريم( ) والعق اب المناس ب ي رى في ه‬
‫‪4‬‬

‫مساسا بمصالح الجماعة واستقرارها وسكينتها وطمأنينتها‪ ،‬فلم تضع الشريعة اإلسالمية عقوبات‬
‫مح ددة خاص ة بك ل جريم ة تعزيري ة‪ ،‬وه و م ا يس مح للقاع دة التعزيري ة ب التكيف الس ريع م ع‬
‫مس تجدات الوض ع والمتطلب ات الجدي دة في المجتم ع‪ ،‬وه و م ا ينتق د علي ه المب دأ في ظ ل األنظم ة‬
‫الحديث ة لع دم اس تطاعته مواجه ة مش كلة التغ يرات الس ريعة والمتالحق ة ال تي من ش أنها أن تمس‬
‫بمصالح المجتمع وقيمه فال تستطيع القاعدة وال السلطة التشريعية مواجهتها بفعالية وبسرعة‪.‬‬
‫ويعت بر مب دأ ش رعية الج رائم والعقوب ات من األهمي ة بمك ان‪ ،‬فق د أولت ه الدس اتير العالمي ة‬
‫عناي ة خاص ة فض منته نصوص ها‪ ،‬فأص بح من المب ادئ الدس تورية الهام ة‪ ،‬فمثال في الجزائ ر لم‬
‫تخ رج دس اتيرها المتعاقب ة على ه ذا المنهج بترس يخ مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات دس توريا‪،‬‬
‫ف أواله المش رع الدس توري عناي ة خاص ة‪ ،‬فنص ت علي ه الم ادة ‪ 15‬من دس تور ‪« 1963‬ال يمكن‬
‫إيق اف أي ش خص وال متابعت ه إال في األح وال المنص وص عليه ا في الق انون وأم ام القض اة‬
‫المعي نين بمقتض اه وطبق ا لإلج راءات المق ررة بموجب ه»‪ ،‬وق رره دس تور ‪ 1976‬في مادت ه ‪،45‬‬
‫ودستور ‪ 1989‬في مادته ‪ 43‬التي نصت «ال إدانة إال بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل‬
‫المج رم»‪ ،‬ويق رره دس تور ‪ 1996‬المع دل والمتمم في الم ادة ‪« 43‬ال إدان ة إال بمقتض ى ق انون‬
‫ص ادر قب ل ارتك اب الفع ل المج رم»‪ ،‬وتؤكد مادت ه ‪« 47‬ال يت ابع أح د‪ ،‬وال يوق ف أو يحتج ز‪ ،‬إال‬
‫ض من الش روط المح ددة بالق انون‪ ،‬وطبق ا لألش كال ال تي نص عليه ا»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪ 167‬من ه‬
‫«تخض ع العقوب ات الجزائي ة لمب دأي الش رعية والشخص ية»‪ ،‬وتنص مادت ه ‪« 165‬يق وم القض اء‬
‫على أساس مبادئ الشرعية والمساواة»‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬مبدأ الشرعية في قانون العقوبات‬
‫تنص الم ادة األولى من ق انون العقوب ات «ال جريم ة وال عقوب ة أو ت دبير أمن بغ ير‬
‫ق انون( )»‪ ،‬نص يحص ر مص ادر التج ريم والعق اب في نط اق نص وص قانوني ة مكتوب ة‪ ،‬وهي‬
‫‪5‬‬

‫سورة النساء اآلية ‪.16‬‬ ‫‪-1‬‬


‫سورة األنعام اآلية ‪.19‬‬ ‫‪-2‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪.286‬‬ ‫‪-3‬‬
‫م ع المالحظ ة أن هن اك الكث ير من الج رائم التعزيري ة مجرم ة ب القرآن مث ل خيان ة األمان ة والنص ب والرب ا والس ب والش تم‬ ‫‪-4‬‬
‫والرشوة‪...‬‬
‫‪-5‬الحظ المصطلح ‪ -loi -‬الذي تستعمله المادة باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫نص وص تش ريعية يض عها البرلم ان بغرفتي ه كأصل( )‪ ،‬واس تبعاد مص ادر الق انون األخ رى من‬
‫‪1‬‬

‫المجال التجريمي والعقابي كالشريعة اإلسالمية والعرف وقواعد القانون الطبيعي والعدالة‪ ،‬وإ ذا‬
‫كانت مصادر التجريم والعقاب يجب تحديدها في نطاق النص التشريعي المكتوب‪ ،‬فإنه فيما ال‬
‫يتعل ق ب التجريم والعق اب ليس هن اك م ا يمن ع من االعتم اد على مص ادر أخ رى غ ير المص ادر‬
‫التشريعية المكتوبة‪ ،‬كاستخالص مانع للعقاب أو مانع من المسؤولية أو سبب إباحة‪ ،‬كحكم المادة‬
‫‪ 39‬ق‪.‬ع ال تي تنص «ال جريم ة‪ -1 :‬إذا ك ان الفع ل ق د أم ر أو أذن ب ه الق انون‪ ،»...‬حيث‬
‫ينصرف مصطلح «إذن القانون» إلى قواعد الشريعة اإلسالمية في إباحة بعض السلوكات‪ ،‬مثل‬
‫تربية األب البنه‪ ،‬وتأديب الزوج لزوجته بما يخولهما الشرع من سلطة التربية والتأديب‪.‬‬
‫وقد تدعم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بمجموعة مبادئ تعتبر تطبيقا وتدعيما له فتنص‬
‫الم ادة ‪ 2‬من ق انون العقوب ات على مب دإ ع دم رجعي ة القاع دة الجزائي ة على الماض ي كأص ل‪،‬‬
‫ورجعيته في أحوال محددة‪ ،‬فتنص «ال يسرى قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل‬
‫شدة»‬
‫رابعا ‪ -‬أهمية مبدأ الشرعية‬
‫تحت ل الش رعية الموض وعية أهمي ة خاص ة في المنظوم ة القانوني ة بدس ترتها‪ ،‬فكرس ته ك ل‬
‫الدس اتير المتعاقب ة‪ ،‬ش رعية يجب على س لطات الدول ة احترامه ا والعم ل بمقتض اها وت برز ه ذه‬
‫األهمية في التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬رس م الح دود الفاص لة بين م ا يعت بر س لوكات من ش أنها اإلخالل ب أمن الجماع ة ونظامه ا‬
‫وس كينتها بتجريمه ا والعق اب عليه ا كاس تثناء وبين الس لوكات األخ رى الم بررة أص ال م ا لم ي رد‬
‫نص بتجريمها‪.‬‬
‫‪ -2‬حص ر جه ة التج ريم والعق اب في الس لطة المختص ة بالتش ريع فال يج وز وص ف الفع ل‬
‫بالجريم ة والعق اب علي ه إال إذا أص بغت علي ه تل ك الس لطة وصف الجريم ة وح ددت ل ه عقاب ا في‬
‫نص تش ريعي مكت وب طبق ا لنص الم ادة ‪ 139‬في بن دها ‪ 7‬من دس تور ‪ 1996‬المع دل والمتمم‬
‫«يش رع البرلم ان في المي ادين ال تي يخصص ها ل ه الدس تور‪ ،‬وك ذلك في المج االت اآلتي ة‪-7...‬‬
‫القواع د العام ة لق انون العقوب ات‪ ،‬واإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬الس يما تحدي د الجناي ات والجنح‪،‬‬
‫والعقوبات المختلفة المطابقة لها‪ ،‬والعفو الشامل‪ ،‬وتسليم المجرمين‪.»...‬‬

‫‪Il n’y a pas d’ infraction, ni de peine ou de mesures de sûreté sans loi.‬‬


‫‪ -1‬س نرى أن وض ع القواع د التجريمي ة يمكن أن تض عها الس لطة التنفيذي ة‪ ،‬باعتباره ا س لطة تختص بالتش ريع في مج ال‬
‫التجريم والعقاب‪ ،‬إال أن هذه السلطة مقيدة بالحدود التي يسمح لها الدستور بها‪ ،‬في إطار المخالفات‪ ،‬وعلية فإن القاعدة‬
‫التجريمية والعقابية يمكن القول عنها بأنها تلك القاعدة المكتوبة التي تضعها السلطة المختصة بالتشريع‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -3‬أن القاعدة الجزائية الوطنية خطاب موجه للقاضي الجزائي بغرض تطبيقها( )‪ ،‬فيمتنع عليه‬
‫‪1‬‬

‫تجريم ما لم يجرمه التشريع وال العقاب بعقوبة لم يقررها( )فيمتنع عليه استعمال التفسير والقياس‬
‫‪2‬‬

‫في المجال الجزائي للتوسعة في مدلول النص لتجريمي فيدخل في نطاقه ما لم يقرره المشرع‪،‬‬
‫كما أنه يجب على القاضي تطبيق المبدإ القانوني «الشك يفسر لمصلحة المتهم» والذي قننه المادة‬
‫‪ 1‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬متى التبس عليه األمر‪.‬‬
‫‪ -4‬أن مب دأ ش رعية الج رائم والعقوب ات يض ع أساس ا قانوني ا ودس توريا للعقوب ة‪ ،‬فتنص الم ادة‬
‫األولى من ق انون العقوب ات «ال جريم ة وال عقوب ة أو ت دبير أمن بغ ير ق انون»‪ ،‬وكرس ته الم ادة‬
‫‪ 167‬من دس تور ‪ 1996‬المع دل والمتمم «تخض ع العقوب ات الجزائي ة لمب دأي الش رعية‬
‫والشخصية»‪ ،‬فال تترك لألهواء‪ ،‬فيجب على القاضي الحكم بالعقوبة المقررة قانونا وفى حدود ما‬
‫يخول قانونا طبقا للمادتين ‪ 29 ،28‬والمادتين ‪ 54 ،53‬وما يليهما من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -5‬تكمن أهميته في أنه يعتبر من الضمانات المهمة المقررة للحقوق والحريات الفردية‪ ،‬فيضفي‬
‫عليها حماية مزدوجة؛ حماية لألفراد من حيث تقرير الحماية القانونية للحقوق والحريات بتجريم‬
‫االعت داء عليه ا أو التع رض له ا‪ ،‬وحماي ة للج اني من حيث ع دم إمك ان تجريم ه للس لوكات ال تي‬
‫يأتيها والعقاب عليها إال في حدود ما يقرره النص التشريعي‪.‬‬
‫‪ -6‬تبدو أهميته فيما يقرره من حماية للجماعة بتجريم وعقاب السلوكات التي تضرها بردع من‬
‫يمس بنظ ام الجماع ة اجتماعي ا واقتص اديا وأخالقي ا ونظامي ا بتج ريم مث ل تل ك الس لوكات‪ ،‬وهي‬
‫قاعدة وقائية أيضا تمنع المجرم من العودة للجريمة وتمنع الغير من أن يقدم على ارتكابها‪..‬‬
‫‪ -7‬أن الركن الشرعي للجريمة‪ ،‬يكتسي أهمية خاصة من حيث أنه ال وجود للجريمة متى انتفى‬
‫هذا الركن‪ ،‬فال حاجة بانتفائه للبحث في ركني الجريمة المادي والمعنوي‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬نقد مبدأ الشرعية وتقييمه‬
‫رغم أهمي ة مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات بم ا يقدم ه من ض مانات للحري ات الفردي ة‬
‫والحقوق بوجه عام‪ ،‬لم يسلم من النقد‪ ،‬فيؤخذ عليه‪:‬‬
‫‪ -1‬وجهت ل ه المدرس ة الوض عية نق دا بقوله ا بوج وب أن تح دد العقوب ة تبع ا لشخص ية المج رم‬
‫وليس بم ا يق رره الق انون‪ ،‬ألنه ا ت رى ع دم وج وب وج ود الح دين‪ ،‬ح د أدنى وح د أقص ى‪ ،‬إال أن‬
‫التش ريعات الحديث ة ومن بينه ا الق انون الجزائ ري يأخ ذ في تقري ر العقوب ة الج انب الشخص ي‬

‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ ،1993.01.17‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪.279‬‬


‫إذا ك ان القاض ي الجن ائي في مج ال التج ريم والعق اب مقي دا بوجوب تط بيق النص وص الجزائي ة الوطني ة وح دها‪ ،‬وال يطب ق‬
‫النصوص األجنبية‪ ،‬فإنه في المجال اإلجرائي يجوز له ذلك بإثبات الجريمة بناء على محاضر محررة من سلطات قضائية‬
‫أجنبية تطبيقا ألحكام اإلنابة القضائية وفق المعاهدات واالتفاقيات القضائية بين الجزائر وغيرها من الدول‪.‬‬
‫ومن االتفاقات المبرمة بين الجزائر وبعض الدول‪:‬‬
‫‪ -‬االتفاقية القضائية بين الجزائر والمغرب في ‪ 15‬مارس ‪ 1963‬في المادة ‪ 13‬وما يليها من االتفاقية‪- ،‬االتفاقية القضائية‬
‫بين الجزائ ر ومص ر المص ادق عليه ا بالمرس وم ‪ 195-65‬الم ؤرخ في ‪ 29‬يولي و ‪ ،1965‬في الم ادة ‪ 10‬وم ا يليه ا من‬
‫االتفاقية‪- ،‬االتفاقي ة القض ائية بين الجزائر وفرنس ا في ‪ 15‬مارس ‪ 1963‬في المادة ‪ 27‬وم ا يليه ا من االتفاقية‪- ،‬االتفاقية‬
‫القض ائية بين الجزائ ر وت ونس لس نة ‪ ،1963‬المص ادق عليه ا بالمرس وم رقم ‪ ،450-63‬في الم ادة ‪ 12‬وم ا يليه ا من‬
‫االتفاقية‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر القرارات التالية‪:‬‬
‫نقض جزائي ‪ ،1994.05.29‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،3‬سنة ‪ ،1994‬ص ‪.289‬‬
‫نقض جزائي ‪ ،1989.12.31‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪ ،1989‬ص ‪.303‬‬
‫نقض جزائي ‪ ،1984.06.26‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،1‬سنة ‪ ،1990‬ص ‪.284‬‬
‫نقض جزائي ‪ ،1984.02.04‬مجموعة األحكام‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫‪27‬‬
‫بتقريره عقوبتي الحبس والغرامة واالختيار بينهما والحدين والظروف المخففة واألعذار ووقف‬
‫التنفيذ والعود( )‪...‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انتقد من النظام الشمولي في ألمانيا النازية لعدم قدرته على مواجهة كل الجرائم التي تضر‬
‫بالجماعة ‪ ،antisocial‬فتخلوا عنه ليتسنى لهم مواجهة األفعال الماسة بالجماعة أو ضدها‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم قدرة السلطة التشريعية في ظله مواجهة التغيرات والتحوالت والمستجدات في المجتمع‬
‫بس رعة والمداوم ة على رص د ك ل م ا يض ر بالجماع ة‪ ،‬في أتي ت دخل المش رع مت أخرا بس بب‬
‫المنظوم ة القانوني ة المح ددة ل دورة البرلم ان وال دعوة إليه ا‪ ،‬وع دم إمكانه ا التكي ف الس ريع م ع‬
‫متطلب ات المجتم ع المس تجدة والتغ يرات الس ريعة المتالحق ة ال تي ق د تمس قيم ه ومص الحه وأمن ه‬
‫واستقراره( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إال أنه مما يخفف من هذا النقد‪:‬‬


‫أوال‪ -‬يقرر الدستور لرئيس الجمهورية االختصاص بالتشريع بين دورتي انعقاد البرلمان العادية‪،‬‬
‫أو في حال ة الش غور‪ ،‬فيش رع ب أوامر‪ ،‬فتنص مادت ه ‪« 4 ،142/1‬ل رئيس الجمهوري ة أن يش رع‬
‫بأوامر في مسائل عاجلة في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خالل العطل البرلمانية‪...‬‬
‫»‪« ،‬يمكن رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة االستثنائية المذكورة في المادة ‪ 98‬من‬
‫الدستور‪.») (...‬‬
‫‪3‬‬

‫ثانيا‪ -‬أن الدستور يقرر متى دعت الضرورة عقد دورة استثنائية برلمانية خارج دورته العادية‬
‫بمبادرة من رئيس الجمهورية أو بناء على استدعاء منه أو بطلب من الوزير األول أو بناء على‬
‫طلب ثلثي أعضائه طبقا للمادة ‪ 138‬من الدستور‪.‬‬
‫ومن خالل كل ما سبق فإن الركن الشرعي للجريمة هو الصفة غير المشروعة التي تلحق‬
‫الفعل فتضفي عليه وصف الجريمة‪ ،‬وعليه يقوم ركن عدم المشروعية بتوافر عنصرين‪ ،‬عنصر‬
‫خض وع الفع ل لنص تج ريمي أوال‪ ،‬وع دم اق تران الفع ل بس بب ظ رف م ادي م بيح‪ ،‬ألن اكتس اب‬
‫السلوك الصفة الجرمية نتيجة انطباقه على نموذج إجرامي يحدده القانون ال يكفى وحده لتطبيق‬
‫مث ل تل ك النص وص الجنائي ة لوج وب البحث في م دى اق تران الس لوك أثن اء إتيان ه بظ رف م ادي‬
‫م بيح‪ ،‬ذل ك أن الس لوك المق ترف وم دى انطباق ه على نص تج ريمي مادي ا ال يكفى لقي ام النم وذج‬
‫اإلج رامي ك امال‪ ،‬إذ يتطلب الق انون أن ال يك ون ق د ص احب اق تراف ذل ك الس لوك ظ رف م ادي‬
‫مبيح‪.‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬خضوع الفعل لنص تجريمي‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬عدم اقتران الفعل بسبب أو ظرف مبيح‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ف إن ركن عدم المشروعية ‪-‬أي الركن الشرعي للجريمة أو الركن القانوني لها‪-‬‬
‫يق وم على ت وافر العنص رين مع ا‪ ،‬الس ابقين‪ ،‬ألن اكتس اب الس لوك لص فة ع دم المش روعية نتيج ة‬
‫انطباق ه على نم وذج إج رامي يح دده ق انون العقوب ات أو الق وانين المكمل ة ل ه‪ ،‬ال يكفى وح ده‬
‫لتطبيقها لوجوب البحث في مدى وجود عنصر عدم اقترانه بظرف مادي مبيح من عدمه‪.‬‬

‫‪ -1‬أنظر مثال المواد ‪ 592 ،54 ،53 ،52‬من قانون اإلجراءات الجزائية والمواد ‪ 5 ،5‬مكرر ‪،172 ،1‬‬
‫‪ -2‬أنظر المادة ‪ 138‬من الدستور المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ - 3‬تقرر هذه المادة سلطة رئيس الجمهورية في إعالن الحالة االستثنائية‪ ،‬وتحدد أحكامها‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫الفصل األول‬
‫خضوع الفعل لنص تجريمي‬
‫يحت وي ق انون العقوب ات مجموع ة نص وص يج رم بمقتض اها الس لوكات الج ديرة ب التجريم‬
‫والعقاب‪ ،‬وتضع لكل جريمة جزاء مناسبا عقوبة أو تدبيرا تطبيقا لمبدإ شرعية التجريم والعقاب‪،‬‬
‫ال ذي يقتض ي بالض رورة تع دد النم اذج اإلجرامي ة تع دد النم اذج اإلجرامي ة بتع دد النص وص‬
‫المجرمة‪ ،‬فكل نموذج له نص يحدده ويحدد شروط تطبيقه والجزاء المقرر‪ ،‬فال يوصف الفعل‬
‫بالجريم ة م ا لم يكن هن اك نص تش ريعي يجرم ه ويق رر ل ه ج زاء‪ ،‬مم ا يتطلب دراس ة القاع دة‬
‫الجزائية من حيث وضعها وتفسيرها وتطبيقها زمانا ومكانا وأشخاصا‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬مفهوم النص الجنائي وتفسيره‬
‫يتعلق األمر بتحديد مضمون النص الجزائي كأساس أو مصدر للتجريم والعقاب‪ ،‬وتفسيره‬
‫ونطاق القياس فيه‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ -‬مفهـوم الـنـص‬


‫عمال بمبدإ ال جريمة وال عقوبة إال بنص قانوني‪ ،‬فإن مصدر التجريم يجب أن يكون نص ا‬
‫مكتوبا تضعه السلطة المختصة بالتشريع‪ ،‬التشريعية أصال والتنفيذية استثناء أحيانا‪ ،‬تطبيقا لمبدإ‬
‫المشروعية وإ عماال للمادة ‪ 114‬من الدستور «يمارس السلطة التشريعية برلمان‪ ...‬وله السيادة‬
‫في إعداد القانون والتصويت عليه»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 139‬بند ‪ 7‬منه «يشرع البرلمان في الميادين‬
‫ال تي يخصص ها ل ه الدس تور‪ ...‬القواع د العام ة لق انون العقوب ات‪ ،‬واإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬الس يما‬
‫تحدي د الجناي ات والجنح‪ ،‬والعقوب ات المختلف ة المطابق ة له ا‪ ،»...‬وبالت الي استبعاد ك ل قاع دة غير‬
‫مكتوبة في مجال التجريم‪ ،‬وعليه فإن السلطة المختصة أصال بوضع النصوص التجريمية هي‬
‫البرلم ان باعتب اره ص احبة االختص اص في التجريم والعق اب‪ ،‬وفي ح االت معين ة تختص الس لطة‬
‫التنفيذية بالتشريع في مجال المخالفات فيما يعرف بالتشريع الفرعي أو لوائح الضبط والبوليس‪،‬‬
‫فينحصر دور السلطة القضائية في تطبيق القانون( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫تطبيق مبدإ الشرعية على تدابير األمن‬


‫يض م الج زاء الجن ائي‪ ،‬العقوب ة بمفهومها التقلي دي وهي اإلعدام والس جن المؤب د والمؤقت‬
‫والحبس والغرام ة "المادت ان ‪ 5 ،5‬مك رر من ق انون العقوب ات"‪ ،‬وت دابير األمن كج زاء ح ديث في‬
‫المواد ‪ 22 ،21 ،19‬من قانون العقوبات‪ ،‬التي ظهرت نتيجة التيارات اإلصالحية لعجز العقوبة‬
‫عن إص الح المج رم وحماي ة المجتم ع‪ ،‬نظ ام ب ديل يق وم أساس ا على فك ر الغ رض من ه إص الح‬
‫المج رم وحماي ة المجتم ع من الجريم ة‪ ،‬وق د ث ار التس اؤل ح ول م دى إخض اع ت دابير األمن لمب دإ‬
‫ش رعية الجريم ة والعقوب ة؟‪ ،‬فت ذهب أغلب التش ريعات إلى أن مب دأ الش رعية يتس ع نطاق ه ليش مل‬
‫الت دابير األمني ة فتخض عها ل ه‪ ،‬ألنه ا إج راءات تنط وي على إيالم تتف ق في ه م ع الغاي ة الزجري ة‬

‫‪ -1‬وتس هر المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة على تط بيق الق انون تطبيق ا ص حيحا ك ل فيم ا يخص ه بمراقبتهم ا لم دى اح ترام‬
‫درج ات التقاض ي المختلف ة للق انون‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 4 ،179/1‬من الدس تور «تمث ل المحكم ة العلي ا الهيئ ة المقوم ة ألعم ال‬
‫المج الس القض ائية والمح اكم»‪« ،‬تض من المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة توحي د االجته اد القض ائي في جمي ع أنح اء البالد‬
‫ويسهران على احترام القانون»‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫والردعية للعقوبة‪ ،‬وفيها مساس أو تعرض للحقوق والحريات‪ ،‬فتسلبه الحرية أو تقيدها‪ ،‬فتنص‬
‫المادة ‪ 1‬ق‪.‬ع «ال جريمة وال عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون»‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ -‬تفسير النصوص الجنائية‬
‫إن تفس ير القاع دة القانوني ة عام ة والقاع دة الجزائي ة خاص ة‪ ،‬عملية تق وم على اس تجالء‬
‫واستكشاف الغرض من المعاني الواردة في النص القانوني التي قصدها المشرع من وضعه‪ ،‬أو‬
‫هو تحري المعنى الحقيقي له‪ ،‬ويب دو التفسير ضرورة عندما يصدر ق انون يشوب بعض مواده‬
‫لبس غموض أو نقص أو تحديد‪ ،‬وتبدو الحاجة أكثر إليه أثناء التطبيق‪ ،‬ويحكم التفسير الجزائي‬
‫التش ريعي والقض ائي وج وب التقي د بمب دإ الش رعية من حيث التج ريم والعق اب‪ ،‬ح تى ال يخ رج‬
‫خاص ة القاض ي الج زائي عن النط اق المح دد في مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات‪ ،‬فال ي ؤدي‬
‫تفسيره إلى تجريم سلوك لم يقصد المشرع تجريمه‪ ،‬أو تطبيق عقوبة ما لم يقررها القانون‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬أنواع التفسير‬
‫يتن وع تفس ير النص الج زائي من حيث مفهوم ه ونطاق ه ب اختالف جه ة التفس ير‪ ،‬الس لطة‬
‫التشريعية والسلطة القضائية والفقه‪.‬‬
‫أوال ‪ -‬التفسير التشريعي‬
‫ه و تفس ير تق وم ب ه الس لطة التش ريعية فتض عه في ص ورة نص وص قانوني ة تفس ر به ا‬
‫نصوص ا س ابقة ينقص ها التحدي د أو يش وبها غم وض رأت ض رورة ت دخلها لرف ع الغم وض أو‬
‫لتحدي د النص مثال‪ ،‬فيعت بر والنص التفس يري ج زء من النص المفس ر يطب ق من ت اريخ نف اذ ه ذا‬
‫األخ ير فيطب ق بنفس الق وة ال تي تطب ق به ا القاع دة األص لية‪ ،‬وتتم يز النص وص التفس يرية بأنه ا‬
‫نصوص غير منشئة لقاعدة جديدة وإ نما هي قواعد شارحة لقاعدة قديمة فتحكم بحكمها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬التفسير القضائي‬
‫تفس ير يص دره القاض ي الج زائي بمناس بة فص له في موض وع مع روض علي ه‪ ،‬فه و تفس ير‬
‫يتعلق بواقعة محددة‪ ،‬يجب االلتزام فيه بمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات حماية للحقوق والحريات‬
‫الفردي ة‪ ،‬ذل ك أن الس لطة القض ائية هي الراعي ة والحامي ة لتل ك الحق وق‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 164‬من‬
‫الدس تور «يحمي القض اء المجتم ع وحري ات وحق وق المواط نين طبق ا للدس تور»‪ ،‬وتنص الم ادة‬
‫‪« 165‬يق وم القض اء على أس اس مب ادئ الش رعية والمس اواة»‪ ،‬ويق رر الدس تور أيض ا حماي ة‬
‫المتقاضي من التعسف من جانب القاضي أو خروجه على القواعد العامة المقررة في التفسير‪.‬‬
‫والتفس ير القض ائي اجته اد من القاض ي محك وم بع دم إلزاميت ه للمجته د نفس ه أو ألي ق اض‬
‫آخر‪ ،‬وليس هناك ما يمنع من االستئناس به من الهيئات الجزائية المختلفة من بناء فكرها على ما‬
‫وصل إليه االجتهاد القضائي والفقهي في أي مجال قانوني عدا ما تعلق بالتجريم والعقاب‪ ،‬عمال‬
‫بحكم الم ادة ‪ 212‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة «‪...‬وللقاض ي أن يص در حكم ه تبع ا القتناع ه‬
‫الخ اص»‪ ،‬م ع مالحظ ة ال دور المن وط بالمحكم ة العلي ا على العم ل على تق ويم عم ل الجه ات‬
‫القضائية المختلفة وتوحيد االجتهاد القضائي‪ ،‬فتنص المادة ‪ 3 ،179/1‬منه «تمثل المحكمة العليا‬
‫الهيئ ة المقوم ة ألعم ال المج الس القض ائية والمح اكم»‪« ،‬تض من المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة‬
‫توحيد االجتهاد القضائي في جميع أنحاء البالد ويسهران على احترام القانون»‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ويعتبر اجتهاد المحكمة العليا بطابع إلزامي توجيهات لغيرها من الجهات القضائية‪ ،‬فيكون‬
‫الزامها معنويا وأدبيا فقط فيستنير القاضي بما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا فيعمل به‪ ،‬إال أن‬
‫عدم التزامه بتوجهات المحكمة العليا ليس فيه خرق للقانون ألنه يعمل طبقا للمبدإ األصل المقرر‬
‫في المادة ‪ 212‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬التفسير الفقهي‬


‫التفس ير الفقهي تفس ير يص در عن فقه اء وأس اتذة الق انون وغ يرهم من ذوي الخ برة في‬
‫المج ال الق انوني بوج ه ع ام بمناس بة دراس تهم للق وانين وش رحها والتعلي ق عليه ا في مؤلف اتهم‬
‫القانونية‪ ،‬وهو تفسير ال يلزم أحدا حتى المدلي به‪ ،‬إال أنه تفسير يفيد كال من السلطة التشريعية‬
‫في اس تكمال م ا يك ون من نقص في ه عن طري ق تفس يره أو تعديل ه والس لطة القض ائية أثن اء‬
‫تطبيقهن‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ -‬وسيلة التفسـيـر‬


‫يعتم د في تفس ير النص وص القانوني ة عموم ا على أدوات وط رق مختلف ة‪ ،‬يمكن تص نيفها‬
‫لطريقتين أو وسيلتين‪ ،‬واحدة لغوية وأخرى منطقية‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬الطريقة اللغوية‬


‫تعتمد أساسا على لفظ النص المراد تفسيره استجالء لقصد المشرع والحكمة التشريعية منه‬
‫متى وج د في النص خط أ لغ وي في الطباع ة أو سوء اختي ار المص طلح أو اللفظ المناس ب‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك المواد ‪ 336 ،335 ،334 ،1‬من قانون العقوبات‪ ،‬فيجب تفسيرها بما انصرفت‬
‫إليه نية المشرع‪.‬‬
‫‪ -1‬الم ادة األولى من ق انون العقوب ات «ال جريم ة وال عقوب ة أو ت دبير أمن بغ ير ق انون»‪،‬‬
‫فمصطلح "قانون" ينصرف لمفهومه وهو النص المكتوب الذي تضعه السلطة المختصة بالتشريع‪.‬‬
‫‪ -2‬المادتان ‪ 335 ،334‬تتعلقان بجريمة هتك العرض ‪ attentat à la pudeur‬وليس "الفعل‬
‫المخل بالحياء"‪ ،‬ألن هذا األخير مجرم بحكم المادة ‪ 333‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -3‬أم ا الم ادة ‪ 336‬ق‪.‬ع «وإ ذا وق ع هت ك الع رض ض د قاص رة لم تكم ل السادس ة عش رة‪،»...‬‬
‫فهي م ادة تتعلق بجريم ة االغتص اب ‪ ،le viol‬وهو م ا استدركه المش رع بالق انون رقم ‪01-14‬‬
‫المؤرخ في ‪ 4‬فبراير ‪ 2014‬بتعديل المادة ‪« 336‬كل من ارتكب جناية االغتصاب يعاقب‪.»...‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الطريقة المنطقية‬
‫طريق ة ال تعتم د ظ اهر النص من حيث ألفاظ ه فتعتم د مفهوم ه ومعاني ه م تى ورد النص‬
‫ع اجزا أو قاص را من حيث ألفاظ ه عن إظه ار حقيق ة قص د المش رع بص ورة واض حة وتحدي د‬
‫إرادت ه تحدي دا دقيق ا‪ ،‬فيبحث عن الغ رض من وج ود القاع دة ووظيفته ا باالعتم اد على المش روع‬
‫التمهيدي للقانون وتقرير اللجنة البرلمانية المختصة الستجالء الغاية من سنه‪.‬‬
‫القياس وأثره في التفسير الجنائي‬

‫‪31‬‬
‫القياس مصطلح يطلق على إعطاء حالة لم يرد بها نص في القانون حكم حالة منصوص‬
‫عليها فيه التحاد العلة بينهما‪ ،‬والقياس في نصوص التجريم والعقاب يتعارض مع مبدإ شرعية‬
‫الجرائم والعقوبات الذي ورد في المادة األولى من قانون العقوبات‪ ،‬ألن العمل بالقياس في تفسير‬
‫فيه ا من ش أنه أن يج رم ص ورا من الس لوك لم ينص الق انون على تجريمه ا فيه در الحق وق‬
‫والحري ات الفردي ة ال تي وض عت تل ك القواع د حماي ة له ا‪ ،‬أم ا بالنس بة للنص وص ال تي ال تتعل ق‬
‫بالتجريم والعقاب‪ ،‬كتلك المتعلقة بأسباب اإلباحة أو موانع المسؤولية الجزائية أو موانع العقاب‬
‫أي اإلعفاء من العقاب‪ ،‬فيجوز فيها القياس لعدم مساسها بتلك الحقوق والحريات وعدم تعارضها‬
‫مع مبدإ شرعية الجرائم والعقوبات‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬نطاق تطبيق قانون العقوبات‬
‫يطبق قانون العقوبات في الزمان والمكان واألشخاص( ) فتحكمه قواعد محددة ودقيقة‪ ،‬فال‬
‫‪1‬‬

‫يكفى فيها وجود النص التجريمي وانطباقه على سلوك من السلوكات فيجب أن يكون هذا النص‬
‫نافذا في زمان ومكان محددين وهي أحكام جاءت استكماال لمبدإ الشرعية الجزائية‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ -‬تطبيقه من حيث الزمان‬
‫تحكم ق انون العقوب ات قاع دة عام ة أن ه ليس قانون ا أب ديا ش أنه في ذل ك ش أن غ يره من‬
‫القوانين‪ ،‬فهو يتغير ويتبدل في الزمان تماشيا مع متطلبات حماية الجماعة ومصالحها عن طريق‬
‫تدخل المشرع بتعديله أو إلغائه بما يتماشى مع ذلك‪ ،‬خاصة أن الظاهرة اإلجرامية تعرف توسعا‬
‫وتطورا كبيرا‪ ،‬فيكون تطبيق قانون العقوبات بعد نشره في الجريدة الرسمية وابتداء من تاريخ‬
‫يحدده المشرع كبداية لتنفيذه‪ ،‬فتنص المادة ‪ 2‬منه «ال يسرى قانون العقوبات على الماضي إال ما‬
‫كان منه أقل شده»‪ ،‬وتحدد المادة ‪ 468‬منه بداية سريانه ببداية سريان قانون التنظيم القضائي‬
‫بت اريخ ‪ 15‬يوني و ‪ ،1966‬فتنص «تلغى جمي ع األحك ام المخالف ة له ذا األم ر ال ذي يس ري مفعول ه‬
‫في تاريخ تطبيق األمر رقم ‪... 278-65‬المتضمن التنظيم القضائي‪ ...‬الذي ينشر في الجريدة‬
‫الرسمية‪.»...‬‬
‫ويبقى النص الج زائي س اريا في الزم ان إلى حين ت دخل المش رع بتعديل ه أو إلغائ ه‪،‬‬
‫فصالحية النص للتطبيق تتحدد بالفترة التي تبدأ من لحظة نفاذه وتمتد إلى لحظة إلغائه أو تعديله‪،‬‬
‫فيكون إلغاؤه صريحا م تى نص ص راحة على إلغ اء النص الق ديم‪ ،‬كنص الم ادة ‪ 468‬من قانون‬
‫العقوبات أو ضمنيا عن طريق تنظيم القانون لمسألة واحدة بقانونين متعاقبين‪ ،‬مما يفهم معه أن‬
‫النص الجدي د يلغي الق ديم‪ ،‬ويحكم ق انون العقوب ات في تطبيق ه من حيث الزم ان أحك ام ومب ادئ‬
‫مختلف ة‪ ،‬تس تخلص من نص الم ادة ‪ 2‬ق‪.‬ع «ال يسرى ق انون العقوب ات على الماض ي إال م ا ك ان‬
‫منه أقل شدة»‪ ،‬ولعدم إمكان تطبيقه على الماضي لعدم توافر صفة القانون األصلح‪:‬‬
‫‪ -1‬تطبيقه بأثر فوري بعدم رجعيته على الماضي كأصل‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيقه بأثر رجعي بالرجوع به على الماضي‪.‬‬
‫‪ -3‬تطبيق قانون العقوبات بأثر مستمر( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت قواعد تطبيق قانون العقوبات زمانا ومكانا فصلت أحكامهما‪ ،‬فإن تطبيقه على األشخاص لم تفصل على نفس‬
‫المنوال‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يميز هذا التطبيق أنه يتأتى مباشرة لعدم امكان تطبيق القانون فوراي بعدم رجعيته على الماضي وعدم توافر األقل‬
‫شدة التي تجيز تطبيق ذلك‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬عدم رجعية قانون العقوبات‬
‫األصل في النصوص الجزائية أنها ليست لها حكم على الماضي‪ ،‬فتطبق نصوص التجريم‬
‫والعقاب على األفعال التي ترتكب في ظل نفاذها‪ ،‬قاعدة تحكم الواقعة التي ترتكب بين لحظتي‬
‫بداي ة س ريان النص وإ لغائ ه‪ ،‬وه و م ا يع بر عن ه بتط بيق الق انون ب أثر ف وري‪ ،‬أي ع دم رجعي ة‬
‫النص وص الجزائي ة على الماض ي وه و نتيج ة طبيعي ة لمب دإ الش رعية‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 2‬ق‪.‬ع «ال‬
‫يس رى ق انون العقوب ات على الماض ي‪ ،»...‬وعلي ه فال يج وز تط بيق القاع دة الجزائي ة إال على‬
‫الوقائع التي وقعت في فترة سريانها فال يمتد سريانها لوقائع سابقة على نفاذها محكومة بلحظتي‬
‫بداية سريانها ونهايتها باإللغاء أو التعديل‪ ،‬ويقتضي تطبيق مبدإ عدم رجعية قانون العقوبات على‬
‫الماضي توافر شرطين هما‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬تحديد وقت بدء سريان أو نفاذ النص التجريمي وإ لغائه‪.‬‬
‫الش رط الث اني‪ :‬تحدي د وقت ارتك اب الجريم ة لتحدي د م ا إذا ك انت الواقع ة المجرم ة ح دثت‬
‫بين لحظ تي نف اذ الق انون بس نه وإ لغائ ه أو تعديل ه‪ ،‬فيطب ق الق انون أو يمتن ع عن تطبيق ه إذا وقعت‬
‫خارج اللحظتين‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ -‬رجعية قانون العقوبات على الماضي‬
‫إذا كانت المادة ‪ 2‬في جزئها األول تنص على عدم الرجعية‪ ،‬فإنها في جزئها الثاني تضع‬
‫اس تثناء علي ه ب النص على إمكاني ة تط بيق الق انون على الماض ي م تى ك ان أق ل ش دة‪ ،‬فتنص «ال‬
‫يس رى‪ ...‬إال م ا ك ان أق ل ش دة»‪ ،‬والق انون األق ل ش دة يع رف فقه ا بـ "الق انون األص لح للمتهم"‪،‬‬
‫ويقصد به القانون الجديد الذي ينشئ للمتهم مركزا أو وضعا يكون تطبيق القانون الجديد عليه‬
‫أصلح له وأقل شدة من القانون القديم الذي وقعت في ظله الجريمة‪ ،‬وهذا يقتضي تطبيق قانون‬
‫جديد على جرائم ارتكبت في ظل سريان قانون سابق ملغى باستبعاد هذا القانون األخير‪ ،‬ويبرر‬
‫تط بيق الق انون األق ل ش دة على الماض ي بمب دأ الش رعية وع دم رجعي ة ق انون العقوب ات على‬
‫الماض ي المنص وص عليهم ا في الم ادتين ‪ 2 ،1‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬باإلض افة إلى ذل ك أن‬
‫المش رع الجن ائي أن تع ديل الق انون أو إلغائ ه اع ترا من الس لطة التش ريعية ب أن النص الجن ائي‬
‫السابق لم يعد يتماشى مع المصلحة العامة للجماعة فال يحقق لها مصلحة‪ ،‬فيرى مثال أن العقوبة‬
‫السابقة غير ضرورية أو غير مفيدة وال تحقق الغرض من تقريرها وبالتالي ال محل لإلصرار‬
‫على بقائها أو تطبيقها‪.‬‬
‫إن تط بيق ق انون العقوب ات من حيث الزم ان ق د تتع اقب علي ه مجموع ة ق وانين على واقع ة‬
‫مجرمة واحدة بوجود أكثر من قانونين يحكمان الواقعة‪ ،‬مما تطرح عملية اختيار القانون األولى‬
‫بالتطبيق عليها‪ ،‬فيختار القاضي القانون الجديد األصلح منها متى تعددت فيطبقه باعتباره القانون‬
‫األق ل ش دة ف إذا ك انت تس يء مرك ز المتهم بتش ديدها العق اب علي ه وجب االمتن اع عن تط بيق‬
‫وتطبيق قانون الواقعة بأثر مستمر في ظل سريان تلك القوانين باعتباره القانون الذي وقعت في‬
‫ظل نفاذه الجريمة واستحالة تطبيق أحد القانون أو القوانين الجديدة‪.‬‬
‫أوال‪ -‬والقاض ي الج زائي ه و وح ده الس لطة ال تي خوله ا الق انون س لطة اختي ار الق انون األص لح‬
‫للمتهم دون غ يره وف ق قواع د وض وابط مح ددة ومعلوم ة تحقيق ا ألغ راض وأه داف التش ريع‬
‫العقابي‪ ،‬ألن القاعدة الجزائية خطاب موجه له لتطبيقها والفصل في الدعوى العمومية المعروضة‬

‫‪33‬‬
‫علي ه بحكم يقرر في ه العقوب ة المناس بة للواقع ة طبق ا للم ادة ‪ 2‬ق‪.‬ع ووفق ا للظروف ال تي أح اطت‬
‫بالجريمة وبالمتهم وذلك تطبيقا ألحكام القانون المعمول به‪ ،‬فيجري المقارنة بين النصين الجديد‬
‫والق ديم بنفس ه بمناس بة واقع ة معروض ة علي ه وال تج وز المقارن ة بين الق انونين عام ة‪ ،‬فال يجب‬
‫الق ول ابت داء أن الق انون الجدي د أص لح للمتهم من الق انون الق ديم‪ ،‬ألن ه يمكن أن يك ون في وض ع‬
‫متهم معين أصلح‪ ،‬وفي وضع آخر مشابه أشد على المتهم‪ ،‬وتتم المقارنة وفق قاعدتين‪ ،‬ضوابطه‬
‫وشروط تطبيقه‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬يقترن وصف النص الجزائي بأنه نص أقل شدة على المتهم بالنص الجديد وال عالقة له‬
‫بالنص القديم‪ ،‬أو هو صفة تلحق به متى جاء لمصلحة المتهم من حيث التنزيل من درجة جسامة‬
‫الجريمة أو تخفيض العقوبة أو استبدالها بعقوبة أقل شدة‪ ،‬ويقتضي تطبيقه المقارنة بين نصين‪،‬‬
‫نص قديم وآخر جديد من خالل حكم المادة ‪ 2‬ق‪.‬ع التي نستخلص منها أحكام القانون األقل شدة‬
‫باالعتماد على ألحكام قانون العقوبات المقررة في المواد ‪ 54 ،53 ،52 ،5‬وما يليها‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أن المتهم ال دخل له في تحديد طبيعة القاعدة الجزائية الجديد ما إذا كانت أقل شدة أو أكثر‬
‫شدة‪ ،‬ألن األمر يتعلق بالقانون وليس بمسائل شخصية‪ ،‬ألنه يمكن أن يختار متهم عقوبة الغرامة‬
‫المق ررة للجنح ة ب أكثر من ‪ 20.000‬دين ا على عقوب ة الحبس المق ررة للمخالف ة أق ل من ش هرين‪،‬‬
‫وهو ال يتسق مع أحكام الضوابط المتفق عليها في اختيار القانون الجديد األقل شدة‪.‬‬
‫شروط إعمال القانون الجديد بأنه األقل شدة‬
‫يخض ع تط بيق الق انون األق ل ش دة المق رر في الم ادة ‪ 2‬ق‪.‬ع «ال يس رى ق انون العقوب ات‬
‫على الماضي إال ما كان اقل شدة» لشرطين‪ ،‬أن يكون أقل شدة والثاني أن يكون القانون صادر‬
‫قبل الحكم النهائي نتناولهما تواليا‪:‬‬
‫أوال‪ -‬أن يكون القانون الجديد أقل شدة على المتهم‬
‫سبق القول بأن القانون الجديد األقل شدة على المتهم هو القانون الجديد الذي يدخل تعديال‬
‫على الق انون الق ديم فينش ئ للمتهم مرك زا أو وض عا أص لح ل ه من تط بيق الق انون الق ديم‪ ،‬والجه ة‬
‫المخول ة قانون ا هي القاض ي الج زائي وح ده فال يت دخل المتهم في اختي اره‪ ،‬يسترش د في ذل ك‬
‫بضوابط معينة تتعلق بمجال التجريم والعقاب فيجري مقارنة بين القانونين الجديد والقديم تقتصر‬
‫على أحكامهم ا في ح دود واقع ة معروض ة علي ه‪ ،‬فال مج ال لمقارن ة عام ة بين أحكامهم ا‪ ،‬وعلي ه‬
‫فإن القاضي يختار القانون الجديد األقل شدة متى كان يستبعد مثال العقاب أصال أو يخفف فيه أو‬
‫يزي د من ش روط تطبيق ه بالنس بة للحال ة المعروض ة أمام ه‪ ،‬ألن ه ذا الق انون وفى واقع ة أخ رى‬
‫مماثل ة أح اطت به ا ظ روف مغ ايرة ق د ال يك ون أق ل ش دة‪ ،‬مم ا يس توجب على القاض ي اس تبعاده‬
‫وتط بيق الق انون الق ديم ب أثر مس تمر تطبيق ا لحكم الم ادة الثاني ة «ال يس رى ق انون العقوب ات على‬
‫الماضي إال ما كان منه أقل شدة»‪ ،‬وعليه يتم تحديد صفة األقل في القانون الجديد وفقا لما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة للجريمة‬
‫إن ضوابط تحديد القانون الجديد األقل شدة تكون كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا أباح القانون الجديد فعال كان مجرما في القانون القديم مهما كان نوع هذا التجريم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -2‬إذا أضاف القانون الجديد ركنا للجريمة لم يكن مقررا في القانون القديم من شأن تطبيقه على‬
‫المتهم أن يبرأ لعدم اكتمال الجريمة بأركانها‪ ،‬مثال ذلك أن يضيف القانون الجديد ركن االعتياد‬
‫للجريم ة في ترتب على تطبيق ه على الحال ة المعروض ة ب راءة المتهم ال ذي أتى الفع ل المع اقب‬
‫كجريمة بسيطة غير مركبة طبقا للقانون القديم‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا ن زل الق انون الجدي د بجس امة الجريم ة من جناي ة في الق انون الق ديم لجنح ة في ص بح في‬
‫الجديد‪ ،‬أمن جنحة إلى مخالفة‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا جاء القانون الجديد بسبب لإلباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو مانع من موانع العقاب‬
‫لم يكن مقررا في القانون القديم فيستفيد منه المتهم‪.‬‬
‫‪5‬ـ‪ -‬إذا ألغى القانون الجديد ظرفا مشددا كان القانون القديم ينص عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا نص القانون الجديد على عذر مخفف للعقاب لم يكن القانون القديم ينص عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة للعقوبة‬
‫يلج أ المش رع أحيان ا إلى التغي ير في أحك ام العقوب ة دون مساس ه بطبيع ة الفع ل فيبقي على‬
‫الوص ف الق انوني للجريم ة نفس ه في الق انون الجدي د‪ ،‬ويق رر له ا عقوب ة جدي دة أق ل ش دة من ال تي‬
‫ك انت مق ررة في الق انون الق ديم‪ ،‬ويتب ع في تحدي د الق انون الجدي د األص لح من حيث العقوب ة‬
‫الضوابط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تت درج العقوب ات من حيث ش دتها حس ب جس امة الجريم ة‪ ،‬فعقوب ات الجناي ات أك ثر ش دة‬
‫وخطرا من العقوبات المقررة للجنح والمخالفات‪ ،‬وعقوبات الجنحة أشد من عقوبات المخالفة‪.‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة للجريمة الواحدة في الجنايات تكون عقوبة اإلعدام أكثر شدة وخطرا على المتهم من‬
‫عقوب ة الس جن المؤب د‪ ،‬وه ذا األخ ير أش د وأخط ر من عقوب ة الس جن الم ؤقت‪ ،‬وفي الجنح عقوب ة‬
‫الحبس أشد من عقوبة الغرامة مهما بلغت قيمتها‪ ،‬وفى المخالفات عقوبة الحبس أشد من عقوبة‬
‫الغرامة حتى في حدها األقصى‪ ،‬فيكون القانون الجديد أقل شدة كلما نزل بالعقوبة في كل صنف‬
‫على الترتيب السابق‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا اتحدت العقوبة في القانونين الجديد والقديم من حيث النوع‪ ،‬كأن تكون سجنا أو حبسا أو‬
‫غرامة‪ ،‬فإن القانون الجديد يكون أقل شدة كلما نزل بها عما هو مقرر في القانون القديم‪ ،‬فتكون‬
‫مثال في القديم السجن ‪ 10‬سنوات فينزل بها القانون الجديد إلى ‪ 6‬سنوات‪ ،‬أو أن تكون غرامة‬
‫‪ 10.000‬دج فتصير في القانون الجديد ‪ 5.000‬دج وهكذا‪...‬‬
‫‪ -4‬إذا ك ان الق انون الجدي د يق رر عقوب تين في آن واح د‪ ،‬الغرام ة والحبس مثال وأعطى للقاض ي‬
‫الجنائي سلطة االختيار بين تطبيقهما معا أو تطبيق عقوبة واحدة منهما فقط‪ ،‬كان القانون القديم‬
‫ال يقرر هذه الصالحية فيقرضهما معا‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا ق رر الق انون الجدي د عقوب ة الغرام ة فق ط‪ ،‬ك ان الق انون الق ديم يق رر عقوب ة الحبس أو‬
‫الغرامة‪ ،‬متى كان المتهم جديرا بتطبيق عقوبة الحبس عليه‪ ،‬فيكون القانون الجديد أقل شدة‪ ،‬وإ ذا‬
‫ك ان المتهم ج ديرا بتوقي ع عقوب ة الغرام ة فق ط‪ ،‬فيك ون الق انون الجدي د أق ل ش دة م تى ك ان مق دار‬
‫الغرامة المقررة في القانون الجديد أقل من الغرامة المقررة في القانون القديم‪.‬‬
‫‪ -6‬أن القانون الجديد أقل شدة إذا لم يقرر عقوبة تكميلية كان القانون القديم يقررها‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -7‬إذا كانت العقوبة تتكون من حدين حد أدنى وحد أقصى‪ ،‬فإن القانون الجديد يكون أقل شدة‬
‫متى نزل بأحد الحدين‪ ،‬أو نزل بكليهما معا‪.‬‬
‫ولكن الص عوبة تث ور عن دما يتعل ق التع ديل الق انوني ب النزول بح د ورف ع الح د اآلخ ر‪ ،‬ك أن‬
‫تكون العقوبة في القانون القديم من سنتين (‪ )2‬إلى خمس (‪ )5‬سنوات‪:‬‬
‫‪ -‬في نزل الق انون الجدي د بالح د األدنى إلى س نة (‪ )1‬ويرف ع الح د األقص ى إلى (‪ )6‬س نوات‬
‫في الحالة األولى وفي الثانية يرفع الحد األدنى إلى ‪ 3‬سنوات وينزل بالحد األقصى إلى أربع (‬
‫‪ )4‬سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬القانون القديم العقوبة من ‪ 2‬إلى ‪ 5‬سنوات حبس‪،‬‬
‫‪ -‬القانون الجديد العقوبة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬سنوات حبس‪،‬‬
‫‪ -‬القانون الجديد العقوبة من ‪ 3‬إلى ‪ 4‬سنوات حبس‪ ،‬فمتى يكون القانون الجديد أقل شدة؟‬
‫سبق القول أن تحديد متى يكون القانون الجديد أقل شدة محكوم بجملة من األحكام ومنها‬
‫أن القاضي الجزائري يحدده وفق كل حالة وما أحيط بالجريمة والمتهم من ظروف‪ ،‬ومن خالل‬
‫هاذين المثالين تطرح إشكالية المعيار الذي يعتمد في تحديد ما إذا كان القانون الجديد أقل شدة أم‬
‫ال؟‪ ،‬ومناقشة المثالين يتضح أن الحلول الممكنة ال نخرج عن التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمع بين الحدين األقل شدة في القانونين‪ ،‬وهو حل يتعارض مع مبدإ الشرعية‪ ،‬ألنه تقرير‬
‫لجريمة لم يقررها القانون (‪ 1‬إلى ‪ 4‬سنوات)‪.‬‬
‫‪ -2‬العبرة في تحديد القانون الجديد األقل شدة متى نزل بالحد األدنى‪،‬‬
‫‪ -3‬العبرة في تحديد القانون الجديد األقل شدة متى نزل بالحد األقصى‪،‬‬
‫‪ -4‬العبرة في تحديد القانون الجديد بأنه أقل شدة وفقا لكل حالة على حدة‪ ،‬فال يجوز القول بأن‬
‫القانون الجديد أقل شدة بتخفيضه للحد األدنى أو األقصى‪.‬‬
‫بالنسبة للحدل الثاني والثالث‪ ،‬فهما حالن يتعارضان مع القاعدة التي تقرر أن تقرير صفة‬
‫األقل شدة مرهونة بالبحث في كل حالة على حدة فال يجوز القول بأن القانون الجديد أقل شدة‬
‫بنزوله بأحد الحدين ألنه قد ال يكون في كل الحاالت لمصلحة كل المتهمين لما يحيط بكل متهم‬
‫من ظروف قد تكون مخففة وقد تكون مشددة‪ ،‬فمثال لو قلنا بأن القانون األقل شدة هو القانون‬
‫ال ذي ن زل بالح د األدنى بغض النظ ر عن رفع ه لح د القوب ة األقص ى‪ ،‬فيك ون المتهم من أص حاب‬
‫الظروف المشددة فيحكم عليه بالحد األقصى المشدد وهو خرق لمبدإ الشرعية لمعاقبته بعقوبة لم‬
‫يقررها القانون الذي وقعت الجريمة في ظله والعكس صحيح‪.‬‬
‫أما الحل الرابع الذي يحتكم لظروف كل حالة وظرف المتهم وعلى ضوئهما يقرر القاضي‬
‫الج زائي م ا إذا ك ان الق انون الجدي د أق ل ش دة‪ ،‬فيمكن أن في واقع ة معين ة أق ل ش دة فيجب على‬
‫القاضي العمل به ويمكن أن يكون أكثر شدة فيمتنع القاضي عن تطبيقه طبقا للمادتين ‪ 2 ،1‬من‬
‫قانون العقوبات‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أن يكون القانون الجديد صادرا قبل الحكم النهائي‬

‫‪36‬‬
‫لتطبيق القانون األقل شدة يجب أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل أن الحكم النهائي في‬
‫الموض وع وه و حكم اس تنفذ جمي ع ط رق الطعن القانوني ة باس تعمالها أو بع دم اس تعمالها بف وات‬
‫اآلج ال القانوني ة المق ررة له ا‪ ،‬وه و ش رط يه دف إلى اح ترام المب ادئ األساس ية في الق انون‪ ،‬تل ك‬
‫المبادئ التي تقضى بوجوب احترام قوة الشيء المقضي فيه عن طريق تغليب مصلحة الجماعة‬
‫في اس تقرار األحك ام القض ائية على مص لحة الفرد ال تي يحققه ا بإلغ اء الق انون أو تعديل ه بع د هذا‬
‫الحكم‪ ،‬مع مالحظة أن إلشكالية معينة تتعلق بما إذا كان القانون الجديد جاء بعد حكم نهائي في‬
‫موضوع ما فأباح الواقعة موضوع الحكم النهائي؟‪.‬‬
‫إذا صدر مثل هذا القانون فأباح فعال كان مجرما طبقا لقانون قديم صدر بشأنه حكم نهائي‬
‫قبل سريان القانون األول‪ ،‬هل يوقف تنفيذ الحكم إلباحة الفعل تغليبا لمصلحة الفرد بإباحة فعله؟‬
‫أو أن يستمر في تطبيقه تغليبا للمصلحة العامة في استقرار األحكام القضائية‪.‬‬
‫تختل ف التش ريعات الجزائي ة في معالج ة إباح ة الس لوك بع د ص دور حكم نه ائي بإدانت ه‪،‬‬
‫فظهر اتجاهان‪ ،‬اتجاه ينص صراحة علة حكم ذلك واتجاه لم ينص على ذلك‪:‬‬
‫االتج اه األول‪ :‬تبنت ه بعض التش ريعات الجزائي ة‪ ،‬يقض ى بوج وب اس تفادة المحك وم علي ه بحكم‬
‫نهائي من القانون الجديد الذي أباح الفعل بإلغائه النص التجريمي ألنه أقل شدة‪ ،‬ومنها‪ :‬القانون‬
‫اإليطالي والقانون المصري والكويتي والسوري والمغربي التي تقضي جميعها بأن المحكوم عليه‬
‫بحكم نه ائي يس تفيد من الق انون الجدي د ال ذي ج اء الحق ا للحكم النه ائي إذا ألغى النص التج ريمي‬
‫فأباح السلوك‪ ،‬بالنص على عدم تنفيذ الحكم أو وقف تنفيذه‪.‬‬
‫وه و اتج اه يق ر بالمس اس بق وة الش يء المقض ي ب ه في حال ة إلغ اء النص التج ريمى بع د‬
‫ص دور الحكم النه ائي‪ ،‬رغم أن تل ك التش ريعات نفس ها تعطي الق وة الش يء المقض ي في ه أهمي ة‬
‫كب يرة فال تس مح بإه دارها ول و ثبت على نح و ق اطع أن الحكم الح ائز لق وة الش يء المقض ي ب ه‬
‫معيب‪ ،‬ومنه ا ق انون العقوب ات المص ري في الم ادة ‪ 5/3‬من ه فتنص «إذا ص در ق انون بع د حكم‬
‫نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي‬
‫أثاره الجنائية» وقانون العقوبات المغربي في الفصل الخامس ينص «ال يسوغ مؤاخذة أحد على‬
‫فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه فإن كان قد صدر حكم باإلدانة‪ ،‬فإن‬
‫العقوبات المحكوم بها‪ ،‬أصلية كانت أو إضافية‪ ،‬يجعل حدا لتنفيذها»‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬اتجاه جاءت أغلب التشريعات بعدم النص عليه‪ ،‬فلم تتضمن نصوصها ما يقضي‬
‫بتنظيم المس ألة كالق انون الفرنس ي والق انون الجزائ ري‪ ،‬فج اءت الم ادة الثاني ة من ق انون العقوب ات‬
‫الجزائ ري خل وة من اإلش ارة لمث ل ه ذا الوض ع «ال يس رى ق انون العقوب ات على الماض ي إال م ا‬
‫كان منه أقل شدة»‪ ،‬وهذا يعنى وجوب احترام وتطبيق الحكم النهائي بعدم إمكان تطبيق القانون‬
‫الجدي د ال ذي أب اح الفع ل على متهم ك ان ق د ص در بش أنه حكم نه ائي‪ ،‬مم ا يع ني أن المش رع‬
‫الجزائري ترك األمر كذلك فيعالج األمر في كل مرة يصدر قانون بذلك الشكل‪ ،‬ويمكن أن يعني‬
‫ذلك أنه استبعد تطبيق القانون الجديد الذي جاء باإلباحة بعد حكم نهائي‪.‬‬
‫ونعتق د أن المش رع الجزائ ري عن د وض عه لق انون العقوب ات ق د غلب المص لحة العام ة في‬
‫اس تقرار األحك ام الجزائي ة وع دم المس اس بحجيته ا على مص لحة الف رد في اس تفادته من وض ع‬
‫أص لح ل ه بإلغ اء النص التج ريم ال ذي أدين على أساس ه المتهم‪ ،‬ف إذا ك انت قواع د العدال ة تقض ى‬
‫بوج وب اس تفادة المحك وم علي ه من إلغ اء النص الج زائي بوق ف تنفي ذ الحكم الص ادر بش أنه‪ ،‬ف إن‬
‫‪37‬‬
‫هذه القواعد نفسها تقضى بوجوب مساءلته عن فعل اقترفه في ظل تجريمه وتنفيذ الحكم ضده‪،‬‬
‫ه ذا من جه ة ومن جه ة أخ رى ف إن مص لحة المحك وم علي ه في االس تفادة من ه ذا الوض ع يمكن‬
‫تحقيقه ا عن طري ق اس تعمال الحق وق الدس تورية المق ررة للهيئ ة التش ريعية والهيئ ة التنفيذي ة‪،‬‬
‫فللسلطة التشريعية الحق في أن تصدر عفوا عاما أو شامال عن الجريمة طبقا ألحكام الدستور‬
‫في الم ادة ‪ 139‬في بن دها رقم ‪« 7‬يش رع البرلم ان في المي ادين ال تي يخصص ها ل ه الدس تور‪،‬‬
‫وك ذلك في المج االت التالي ة‪...:‬القواع د العام ة لق انون العقوب ات‪ ،‬واإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬الس يما‬
‫تحديد الجنايات والجنح‪ ،‬والعقوبات المختلفة المطابقة له ا‪ ،‬والعفو الشامل‪ ،»...‬وللس لطة التنفيذية‬
‫سلطة إصدار عفو خاص عن العقوبة طبقا للمادة ‪« 91‬يضطلع رئيس الجمهورية‪ -8...‬له حق‬
‫إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها‪.»...‬‬
‫الفرع الثالث‪ -‬القانون األقل شدة والقانون المؤقت‬
‫هو قانون محدد الفترة يوضع لمواجهة ظروف استثنائية أو طارئة‪ ،‬كالحرائق والزالزل أو‬
‫الحروب أو انتشار وباء في إقليم معين من الدولة‪ ،‬ويستمر العمل به لحين زوال تلك الظروف‪،‬‬
‫وتختلف التشريعات الجنائية من حيث النص وعدم النص على حكم هذا النوع من القوانين‪ ،‬فمن‬
‫الص نف األول الق انون المص ري والكوي تي والمغ ربي‪ ،‬ومن الص نف الث اني الق انون الجزائ ري‪،‬‬
‫ومن أمثلة هذه القوانين‪:‬‬
‫‪ -1‬المرسوم التشريعي رقم ‪ 03-92‬المؤرخ في ‪ 30‬سبتمبر ‪ 1992‬المتعلق بمكافحة التخريب‬
‫واإلرهاب وضع لمواجهة ظاهرة جديدة على المجتمع وهي اإلرهاب والعنف والتخريب‪ ،‬استمر‬
‫العمل به إلى أن رأى المشرع الجزائري أن من حسن السياسة الجنائية إدماج أحكامه في صلب‬
‫ق انوني اإلج راءات والعقوب ات‪ ،‬فأص در أم رين ‪ 11-95 ،10-95‬وألغي بمقتض اهما ذل ك‬
‫المرسوم‪.‬‬
‫‪ -2‬قانون الوئام المدني الصادر بالقانون رقم ‪ 12-99‬المؤرخ في ‪ 13‬يوليو ‪ ،1999‬الذي يقرر‬
‫فترة زمنية محددة بستة (‪ )6‬أشهر لمن يريد االنضواء تحت هذا القانون واالستفادة من المعاملة‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫‪ -3‬األم ر رقم ‪ 01-06‬المتض من تنفي ذ ميث اق الس لم والمص الحة الوطني ة ال ذي وض ع أحكام ا‬
‫زمنية لتطبيقه‪.‬‬
‫ويفرق الفقه الجنائي بين نوعين من القوانين المحددة الفترة أو المؤقتة على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬هناك قوانين محددة الفترة ابتداء وانتهاء‪ ،‬فينص المشرع فيها صراحة عن تاريخين‪ ،‬تاريخ‬
‫يب دأ في ه نفاذه ا وآخ ر ينتهي ب ه العم ل به ا‪ ،‬كق انوني الوئ ام الم دني وميث اق الس لم والمص الحة‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وهناك قوانين غير محددة الفترة انتهاء فينص القانون عن تاريخ سريانها فقط ويترك نهاية‬
‫العمل لزوال ظرف وجودها‪ ،‬وتسمى "قوانين استثنائية" ألنها محكومة بوجود الظرف االستثنائي‬
‫وزوال ه‪ ،‬ك القوانين ال تي تص در لمواجه ة ظ روف اس تثنائية أو طارئ ة نتيج ة ح رب تتع رض له ا‬
‫الدولة أو شغب أو انتشار وباء في إقليم الدولة وما إلى ذلك‪ ،‬حيث قد يمتد العمل بها لفترة زمنية‬
‫تط ول وتقص ر بحس ب ظ رف أو ظ روف وجوده ا‪ ،‬فال ينتهي العم ل إال ب زوال تل ك الظ روف‪،‬‬
‫وتتلخص أحكامها في مواقف ثالثة‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -1‬عدم جواز االستفادة من أحكام القانون األقل شدة عند إلغائه فال يطبق القانون العادي عمن‬
‫ارتكب جريمة في ظل القانون االستثنائي‪ ،‬ألن الغرض من وجود مثل تلك القوانين هو مجابهة‬
‫أوضاع استثنائية وطارئة فتزول العلة والحكمة من وجودها باستفادته من القانون األقل شدة‪.‬‬
‫‪ -2‬يرى جانب آخر أن القانون األقل شدة يجب تطبيقه بصفة عامة في كل مرة تتوافر شروط‬
‫تطبيقه بغض ما إذا كان من القوانين العادية أو االستثنائية طالما توافرت شروط تطبيقه‪.‬‬
‫‪ -3‬ورأي ث الث ي ذهب إلى وج وب التفرق ة بين الق انون الم ؤقت مح ددة الف ترة ابت داء وانته اء‬
‫والق انون غ ير مح ددة الف ترة أو االس تثنائي‪ ،‬يس تبعد تط بيق الق انون األف ل ش دة على الن وع األول‬
‫وتطبيقه على النوع الثاني وهي القوانين االستثنائية‪.‬‬
‫لم يتض من ق انون العقوب ات الجزائ ري حكم ا له ذه الق وانين ونعتق د تط بيق القاع دة العام ة‬
‫بالنظر للعلة من وجود القوانين المؤقتة عموما بعدم تطبيق مبدإ القانون األقل شدة على ما يقع‬
‫في ظلها‪ ،‬ألن مخالفتها بخرق أحكامها واستفادة المخالف من إلغائها‪ ،‬يعنى ضياع الحكمة والعلة‬
‫التي من أجلها وضعت‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ -‬تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان‬
‫تنص المادة ‪ 14‬من الدستور «تمارس سيادة الدولة على مجالها البرى‪ ،‬ومجالها الجوي‪،‬‬
‫وعلى مياهه ا»‪« ،‬كم ا تم ارس الدول ة حقه ا الس يد ال ذي يق ره الق انون ال دولي على ك ل منطق ة من‬
‫مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 3/1‬من قانون العقوبات «يطبق‬
‫قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية»‪.‬‬
‫وقد تضمن قانون اإلجراءات الجزائية بعض أحكام قانون العقوبات المتعلقة بتطبيقه على‬
‫بعض الجناي ات والجنح ال تي تق ع في الخ ارج عمال بحكم الم ادة ‪ 3‬الس ابقة في فقرته ا ‪« 2‬كم ا‬
‫يطب ق على الج رائم ال تي ت رتكب في الخ ارج إذا ك انت ت دخل في اختص اص المح اكم الجزائي ة‬
‫الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة»‪ ،‬فج اءت أحك ام ه ذا األخ ير تحت عن وان‬
‫«في الجنايات والجنح التي ترتكب في الخارج» في المواد ‪ 582‬إلى ‪ 591‬منه المتعلقة بالتطبيق‬
‫الشخصي والعيني للقاعدة الجزائية وكذلك الجنايات والجنح التي ترتكب على ظهر المراكب أو‬
‫متن الطائرات‪.‬‬
‫وعليه يحكم تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان جملة من القواعد أصلية ومكملة على‬
‫النحو التالي‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬اإلقليمية‬
‫إن الح ق في التج ريم والعق اب من اختص اص س لطات الدول ة فتج رم وتع اقب في إط ار‬
‫الح دود اإلقليمي ة ال تي تم ارس فيه ا س يادتها‪ ،‬وهم ا من أهم مظ اهر س يادة الدول ة على إقليمه ا‪،‬‬
‫وبالتالي تطبيق أحكام قانون العقوبات على كل واقعة مجرمة فيه ومساءلة كل من يخرق أحكامه‬
‫فيخضع له كل ما يقع في اإلقليم من جرائم بغض النظر عن جنسية الفاعل‪ ،‬جزائريا أو أجنبيا أو‬
‫جنسية المجني عليه والمصلحة المعتدى عليها‪ ،‬وال يمتد سلطانه خارج الحدود الوطنية فال يطبق‬
‫على ما يقع من جرائم خارج تلك الحدود‪ ،‬ولهذا فإن إقليمية النص الجزائي لها شقين هما‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -1‬الشق اإليجابي يعنى أن كل جريمة تقع في إقليم الدولة تخضع لتشريعها الجزائي أيا كانت‬
‫جنس ية المس اهمين في الجريم ة‪ ،‬س واء ك انوا من المواط نين أو األج انب‪ ،‬وس واء ك ان وج ودهم‬
‫مؤقتا أو دائم‬
‫‪ ،‬ومهم ا ك ان المج ني علي ه أو الض حية أو المض رور‪ ،‬فيطب ق الق انون الوط ني وح ده دون أن‬
‫يشاركه في التطبيق قانون أجنبي آخر‪ ،‬ألن القاضي ملتزم بتطبيق القانون الجزائي الوطني فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬أما الشق السلبي فيعني أن النص الجزائي ال سلطان له كأصل على ما قد يقع خارج اإلقليم‬
‫الوط ني من ج رائم مهم ا ك ان نوعه ا‪ ،‬فال يج وز أن يحكم ويطب ق على ج رائم تق ع في الخ ارج‪،‬‬
‫فتبسط كل دولة سيادتها على إقليمها‪ ،‬فيطبق قانونها الوطني وحده دون غيره‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مبررات مبدأ اإلقليمية‬
‫يستند مبدإ إقليمية النص الجزائي في وجوده لمجموعة من المبررات كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬سيادة الدولة‪ :‬يجد مبدأ اإلقليمية مبرراته في فكرة سيادة الدولة على إقليمها بعناصره الثالثة‪،‬‬
‫فتنص المادة ‪ 14‬من الدستور «تمارس سيادة الدولة على مجالها البرى ومجالها الجوي‪ ،‬وعلى‬
‫مياهها»‪« ،‬كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقرره القانون الدولي على كل منطقة من مختلف‬
‫من اطق المج ال البح ري ال تي ترج ع إليه ا»‪ ،‬فك ان ق انون العقوب ات يع بر عن ممارس ة الدول ة‬
‫لسلطانها على إقليمها بتجريم ما تراه من األفعال جديرا بالتجريم وتقرير الجزاء المناسب‪.‬‬
‫‪ -2‬العدال ة‪ :‬إن تط بيق إقليمي ة النص الج زائي ه و أق رب إلى اعتب ارات العدال ة‪ ،‬ألن الجريم ة‬
‫وقعت في إقليم محدد وأن وأدلة إثباتها عادة ما تكون متوافرة في مكان ارتكابها مما يسهل عملية‬
‫البحث والتحري والتحقيق فيها والوصول به للحقيقة المنشودة بإصدار حكم فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن القاضي الوطني عند تطبيقه للنصوص الجزائية الوطنية أقدر على الوقوف على الجريمة‬
‫وما أحاط بها من ظروف فيكون أقدر على تحديد عناصر قيام المسؤولية الجزائية‪ ،‬لتوافره على‬
‫األدلة المادية والمعنوية التي من شأنها مساعدته في بناء عقيدته من جهة‪ ،‬وهو أدرى من غيره‬
‫بقانونه الوطني من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا ك ان الغ رض الع ام من العقوب ة ردع م رتكب الجريم ة‪ ،‬ف إن مكافح ة الجريم ة في إقليم‬
‫ارتكابه ا أك ثر فاعلي ة لتحقيق ه‪ ،‬وأن محاكم ة الف اعلين في ه أدعى لتحقي ق الغ رض ال ردعي من‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬تطبيق مبدإ إقليمية النص الجنائي‬
‫بالرجوع لحكم المادة ‪ 3‬من قانون العقوبات يتطلب تطبيق مبدإ اإلقليمية بالضرورة معرفة‬
‫أمرين هما تحديد إقليم الدولة وتحديد مكان ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫‪ -1‬تحديد إقليم الدولة‬


‫يوجب تطبيق إقليمية النص الجنائي تحديد إقليم الدولة الذي تحكمه قواعد القانون الدولي‪،‬‬
‫وهو المنطقة التي تحددها الحدود السياسية والطبيعية‪ ،‬وقد عرفت المادة ‪ 14‬من الدستور إقليم‬
‫الدول ة الجزائري ة «تم ارس س يادة الدول ة على مجاله ا ال بري‪ ،‬ومجاله ا الج وي‪ ،‬وعلى مياهه ا»‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫«كم ا تم ارس الدول ة حقه ا الس يد ال ذي يق ره الق انون ال دولي على ك ل منطق ة من مختل ف من اطق‬
‫المجال البحري التي ترجع إليها»‪ ،‬فحددته في مجاالت ثالثة هي‪ :‬المجال البري والمجال الجوي‬
‫والمياه اإلقليمية‪ ،‬عناصر تشمل كل مكان من اليابسة وما يعلوها من الجو والمياه اإلقليمية‪ ،‬وقد‬
‫تكفلت مجموعة من النصوص القانونية المختلفة تحديد هذه العناصر‪:‬‬
‫‪ -‬الق انون رقم ‪ 06-98‬الم ؤرخ في ‪ 27‬يوني و ‪ 1998‬ال ذي يح دد القواع د العام ة المتعلق ة‬
‫بالطيران المدني المعدل والمتمم بالقانون رقم ‪ 14-15‬المؤرخ في ‪ 15‬يوليو ‪،2015‬‬
‫‪ -‬المرس وم الرئاس ي رقم ‪ 151-06‬الم ؤرخ في ‪ 30‬أبري ل ‪ 2006‬المتعل ق بتس يير المج ال‬
‫الجوي‪،‬‬
‫‪ -‬المرس وم التنفي ذي رقم ‪ 199-10‬الم ؤرخ في ‪ 30‬أوت ‪ 2010‬يح دد قواع د تحلي ق ط ائرات‬
‫الدول األجنبية فوق التراب الجزائري‪.‬‬
‫فتنص المادة ‪ 2‬من المرسوم التنفيذي ‪« 199-10‬التراب الجزائري‪ :‬التراب الذي تمارس‬
‫فيه الجزائر سيادتها ويحتوي على المناطق البرية والمياه اإلقليمية المجاورة لها‪ .‬المجال الجوي‬
‫الجزائري‪ :‬المجال المحدد بالمادة ‪ 2‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ 151-06‬المؤرخ في ‪ 30‬أبريل‬
‫سنة ‪ ،») (2006‬وعليه يتكون الوطن الجزائري من العناصر التالية‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫أ‪ -‬اليـابـسـة‬
‫وهو إقليم الدولة من األراضي وما تحتويها داخل الحدود الجغرافية والسياسية التي تحددها‬
‫االتفاقات بين الجزائر والدول المجاورة لها‪ ،‬ويشمل اليابسة والمياه الداخلية كالبحر اإلقليمي أو‬
‫المس احات المائي ة الداخلي ة كاألنه ار الوطني ة واألج زاء ال تي تع بر أرض ها من األنه ار الدولي ة‬
‫والبحيرات الداخلية والبحار المغلقة والخلجان والمضايق‪ ،‬والتي تمارس الدولة سيادتها عليها في‬
‫حدودها الجغرافية والسياسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬المياه اإلقليمية‬
‫وهو ج زء من البح ر الع ام يتص ل بش واطئ الدول ة‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 2‬من المرس وم التنفيذي‬
‫‪...« 199-10‬ويحتوي على المناطق البري ة والمياه اإلقليمية المجاورة»‪ ،‬وهو م ا أكدته المادة‬
‫‪ 14‬السابقة من الدستور في فقرتها ‪« 2‬كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقره القانون الدولي‬
‫على كل منطقة من مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها»‪ ،‬ويحكم خضوع هذا اإلقليم‬
‫لس يادة الدول ة قواع د الق انون ال دولي الع ام‪ ،‬حيث يس تقر الع رف ال دولي على خض وع ه ذا الجزء‬
‫لس يادتها ألن ه ج زء يعت بر امت دادا إلقليمه ا ال بري‪ ،‬وتختل ف ال دول في تحدي دها لم دى المي اه‬
‫اإلقليمية‪ ،‬فتحددها بعض الدول بثالث أميال وأخرى باثني عشر ميال‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القانون‬
‫الجزائري الذي حدد المي اه اإلقليمي ة الجزائري ة بـ ‪ 12‬ميال أي م ا يساوى ‪ 22.328‬كلم‪ ،‬تحس ب‬
‫من آخر نقطة تنحسر عنها مياه البحر وقت الجزر‪.‬‬

‫ج‪ -‬اإلقليم الجوي‬

‫‪ - 1‬وهو مرسوم متعلق بتأسيس التنسيق المدني العسكري فيما يتعلق بتسيير المجال الجوي‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وهو طبقة الهواء التي تعلو إقليم الدولة من اليابسة والمياه اإلقليمية‪ ،‬أو هو الفضاء الذي‬
‫يعلوه‪ ،‬وهو مجال ال يتقيد بارتفاع محدد‪ ،‬حيث أن األصل احتفاظ كل دولة لنفسها بسلطان مطلق‬
‫على أجوائها مهما ارتفعت‪ ،‬إال أن هذا مرهون من الناحية العملية بمدى إمكانيات كل دولة‪ ،‬وقد‬
‫ف رض الق انون الجزائري حماي ة جنائي ة لألجواء الوطني ة بتجريم خرق المج ال الجوي الوط ني‪،‬‬
‫فق رر في الم ادة ‪ 70/3‬من ق انون العقوب ات تج ريم انته اك أج واء ال وطن والعق اب علي ه «يع اقب‬
‫ب الحبس الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة ك ل من‪...‬حل ق ف وق األرض الجزائري ة‬
‫باستعمال أية طائرة أجنبية دون أن يكون مصرحا له بذلك بمقتضى اتفاق دبلوماسي‪ ،‬أو تصريح‬
‫من السلطة الجزائرية»‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحديد مكان ارتكاب الجريمة‬
‫يمكن أن تقع الجريمة بجميع عناصرها في مكان واحد فال تطرح إشكاال في تحديد مكان‬
‫ارتكابها‪ ،‬وقد تتعدد أقاليم ارتكابها فيقع عنصر من عناصرها في إقليم ويقع العنصر اآلخر في‬
‫إقليم ث ان‪ ،‬كمن ي رتكب جريم ة الحبس ب دون وج ه ح ق في إقليمين مثال أو أك ثر‪ ،‬أو كمن يطل ق‬
‫الن ار على ش خص في الح دود فيع بر المج ني علي ه الح دود فيم وت في إقليم آخ ر‪ ،‬أو كمن يعطى‬
‫س ما بطيئ ا قات ل في إقليم لش خص فتح دث الوف اة في إقليم ث ان‪ ،‬ف إن تط بيق اإلقليمي ة يتطلب‬
‫بالضرورة باإلضافة لتحديد إقليم الدولة وجوب تحديد مكان ارتكاب الجريمة وتعيينه تعيينا دقيقا‬
‫لمعرف ة م ا إذا ك انت الجريم ة ق د وقعت في ه أو خارج ه ولتقري ر م ا إذا ك ان الق انون الوط ني ه و‬
‫الذي يحكم الواقعة أم ال لتطبيق حكم المادة ‪ 3‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫إن الع برة في تحدي د مك ان الجريم ة بعناص رها‪ ،‬ف إذا وقعت الجريم ة تام ة أو محاول ة‬
‫ارتكابه ا في الجزائ ر فتحكم بالق انون الجزائ ري‪ ،‬في حين ق د تع دد أق اليم ارتكابه ا فيق ع الفع ل في‬
‫الجزائ ر وتح دث النتيج ة في إقليم دول ة أخ رى أو يق ع ج زء من الفع ل في اإلقليم وآخ ر في إقليم‬
‫أجن بي‪ ،‬فوض عت الم ادة ‪ 586‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة أحك ام تط بيق الق انون الجزائ ري‬
‫«تعد مرتكبة في اإلقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من األعمال المميزة ألركانها المكونة‬
‫لها قد تم في الجزائر»‪ ،‬وهذا يعني أن يقع الفعل أو السلوك المعاقب عليه طبقا للقانون الجزائري‬
‫سلوكا أو نتيجة في الجزائر‪ ،‬ألن كليهما يكشف عن مدى الخطورة التي يشكلها كل منهما على‬
‫أمن الجماعة ونظامها واستقرارها‪ ،‬ووضعت المادة ‪ 585‬من نفس القانون حكما خاصا يقضي‬
‫بأن الجريمة واقعة حكما في الجزائر عندما يقع االشتراك فيها في الجزائر في جريمة جناية أو‬
‫جنح ة وقعت في الخ ارج وثبت وقوعه ا بحكم نه ائي من الجه ة القض ائية األجنبي ة «ك ل من ك ان‬
‫في إقليم الجمهوري ة ش ريكا في جناي ة أو جنح ة مرتكب ة في الخ ارج يج وز أن يت ابع من أجله ا‬
‫ويحكم عليه فيها بمعرفة جهات القضاء الجزائرية إذا كانت الواقعة معاقبا عليها في كال القانونين‬
‫األجنبي والجزائري بشرط أن تكون تلك الواقعة الموصوفة بأنها جناية أو جنحة قد ثبت ارتكابها‬
‫بقرار نهائي من الجهة القضائية األجنبية»‪.‬‬
‫وه ذا يع نى أن األص ل في تحدي د مك ان ارتك اب الجريم ة ه و بعنص ري ال ركن الم ادي‬
‫السلوك أو النتيجة إعمال أحكام المادة ‪ 3‬من ق‪.‬ع والمادة ‪ 586‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬جرائم تقع في الجزائر ال والية للقضاء الوطني عليها‬
‫إذا ك انت القاع دة الجزائي ة تعت بر خطاب ا عام ا موجه ا للكاف ة المتواج دين في اإلقليم بغض‬
‫النظر عن جنسيتهم وجنسهم وصفاتهم‪ ،‬خطاب يأمر أو ينهى عن مخالفة أحكام قانون العقوبات‬
‫‪42‬‬
‫والق وانين المكمل ة ل ه وتهدي د ك ل من يخ رق أحكامه ا بتوقي ع الج زاء المق رر قانون ا تطبيق ا لحكم‬
‫المادة ‪ 3‬ق‪.‬ع‪ ،‬إال أن هناك بعض االعتبارات تتعلق بمصالح الدولة الداخلية والخارجية تقضي‬
‫بع دم تط بيق الق انون على فئ ات معين ة فح د من تطبيق ه إقليمي ا بع دم خض وعها لس لطان القض اء‬
‫الوط ني‪ ،‬وهي مجموع ة أف راد يحمل ون ص فات معين ة يح ددها ك ل من الق انون الوط ني والق انون‬
‫الدولي‪ ،‬وهي عبارة عن حصانة تتسع وتضيق بحسب صفة المتمتع بها كحصانة رئيس الدولة‬
‫والبرلم انيين ورؤس اء ال دول األجنبي ة أو حص انة ممثلي ال دول األجنبي ة من س فراء وقناص ل‬
‫وممثلي الهيئات الدولية واإلقليمية أو الجهوية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ في القانون الوطني أو الداخلي‬
‫تتمت ع طائفت ان من المواط نين بحص انة الموض وعية‪ ،‬هم ا رئيس الدول ة ون واب الش عب في‬
‫مجلسي الشعب واألمة‪.‬‬
‫أ‪ -‬رئيس الدولة‬
‫تعت بر قاع دة تمت ع رئيس الجمهوري ة بالحص انة من األع راف الدس تورية المس تقرة دولي ا‪،‬‬
‫فتنص الم ادة ‪ 173/2‬من الدس تور «ي رأس رئيس الجمهوري ة المجلس األعلى للقض اء»‪ ،‬وتنص‬
‫الم ادة ‪ 3‬من الق انون العض وي رقم ‪ 12-04‬المتعل ق بتش كيل المجلس األعلى للقض اء وعمل ه‬
‫وص الحياته «ي رأس المجلس األعلى للقض اء رئيس الجمهوري ة»‪ ،‬ه ذه الوظيف ة المق ررة ل رئيس‬
‫الجمهورية باعتباره القاضي األول في البالد‪ ،‬تقتضي وجوبا تمتعه بحصانة موضوعية وإ جرائية‬
‫بعدم خضوعه للقواعد العامة العادية‪ ،‬باإلضافة لالعتبارات السياسية وتنظيم الدولة التي تقتضي‬
‫بالض رورة تمت ع رئيس الدول ة باس تقاللية تام ة عن الس لطتين التش ريعية والقض ائية لتمكين ه من‬
‫ممارس ة ص الحياته الدس تورية‪ ،‬وه و م ا يتطلب تمتع ه بحص انة تام ة من المس ؤوليتين الجنائي ة‬
‫والمدنية على حد سواء‪.‬‬
‫والمالح ظ‪ ،‬أن الق ول بع دم خض وع رئيس الدول ة للقواع د العام ة في ق انون العقوب ات‪ ،‬ال‬
‫يع ني إعف اءه من الخض وع ألحك ام الدس تور أو الق وانين الخاص ة بمحاكمت ه‪ ،‬واس تبعاد المس ؤولية‬
‫الجنائية عنه بصفة مطلقة‪ ،‬ذلك أن رئيس الجمهورية يمكن مساءلته جزائيا وفقا لقواعد خاصة‬
‫وأمام محكمة خاصة على ما ينسب له من أفعال توصف بالخيانة العظمى والجنايات والجنح التي‬
‫يرتكبه ا بمناس بة أداء وظيفت ه‪ ،‬وتوس ع مج ال الحص انة ل رئيس ال وزراء أيض ا‪ ،‬طبق ا للم ادة ‪183‬‬
‫من الدس تور ال تي تنص على إنش اء «محكم ة علي ا للدول ة» لم ت ر الن ور بع د‪ ،‬فتنص «تختص‬
‫المحكمة العليا للدولة بالنظر في األفعال التي يمكن تكييفها خيان ة عظمى‪ ،‬والتي يرتكبها رئيس‬
‫الجمهورية أثناء ممارسة عهدته‪ .‬تختص المحكمة العليا للدولة بالنظر في الجنايات والجنح التي‬
‫يرتكبها الوزير األول ورئيس الحكومة التي يرتكبها بمناسبة تأدية مهامهما»‪.‬‬
‫ب ـ نواب الشعب‬
‫يتمت ع ن واب الش عب في غرف تي البرلم ان بالحص انة النيابي ة‪ ،‬تس تمر ه ذه الحص انة طيل ة‬
‫الفترة النيابية‪ ،‬فتنص المادة ‪ 129‬من الدستور «يتمتع عضو البرلمان بالحصانة بالنسبة لألعمال‬
‫المرتبط ة بممارس ة مهام ه كم ا هي مح ددة في الدس تور»‪ ،‬أراد به ا المش رع الدس توري توف ير‬
‫حرية العمل والتمثيل الالزمين لنواب الشعب في أداء الوظيفة البرلمانية على أحسن وجه‪.‬‬
‫‪ -2‬في القانون الدولي‬

‫‪43‬‬
‫تنظم االتفاقي ات الدولي ة تمت ع بعض األج انب في ال دول المس تقبلة المستض يفة بحص انات‬
‫تمن ع خض وعهم لس لطة القض اء الوط ني للدول ة المس تقبلة‪ ،‬إال أن الح د من تط بيق أحك ام ق انون‬
‫العقوب ات إقليمي ا بع دم متابع ة ومحاكم ة من يتمت ع بالحص انة ال يع ني ع دم خض وع س لوكاته‬
‫المجرمة له‪ ،‬إذ تظل أفعالهم خاضعة لنصوص التجريم الوطنية مما يسمح بإمكان مقاضاة المعني‬
‫في دولت ه األص لية عنه ا‪ ،‬ألنه ا حص انة تع ني ع دم الخض وع لوالي ة القض اء الج زائي للدول ة‬
‫المستقبلة فال يالحقون من أجلها في الدول المضيفة‪ ،‬فيقتصر دورها في اتخاذ ما تراه مناسبا من‬
‫اإلجراءات والتدابير التي تسمح بها األعراف الدبلوماسية‪ ،‬وعليه وفقا للعرف الدولي الجاري به‬
‫العم ل يتمت ع رؤس اء ال دول األجنبي ة بحص انة سياس ية عام ة أثن اء وج ودهم أو م رورهم في إقليم‬
‫دول ة م ا‪ ،‬احترام ا لس يادة ال دول ال تي يمثلونه ا‪ ،‬وهي حص انة توس ع لتش مل رؤس اء ال دول‬
‫والدبلوماس يين األج انب وأس رهم وحاش يتهم‪ ،‬والقناص ل والق وات األجنبي ة المقيم ة في الدول ة‬
‫المضيفة‪.‬‬
‫أ‪ -‬السلك السياسي والدبلوماسي األجنبي‬
‫يتمت ع أف راد البعث ات السياس ية والدبلوماس ية األجنبي ة في الجزائ ر بحص انة سياس ية‪ ،‬تمن ع‬
‫خض وعهم لوالي ة القض اء الوط ني‪ ،‬بس بب الج رائم ال تي يرتكبونه ا في إقليم الدول ة ال تي يقيم ون‬
‫ل ديها س واء تعلقت تل ك الج رائم بعملهم أم ال وسواء بمناسبتها أم ال كأص ل‪ ،‬وهي حص انة تتعلق‬
‫بالدبلوماس يين وممثلي المنظم ات الدولي ة كمنظم ة األمم المتح دة والهيئ ات المختص ة التابع ة له ا‪،‬‬
‫كاليونس كو وإ غاث ة الالج ئين والمنظم ة العالمي ة للص حة والمنظم ة العالمي ة للط يران الم دني‬
‫والمنظم ة العالمي ة للش غل والمنظم ات اإلقليمي ة والجهوي ة كالجامع ة العربي ة واإلتح اد اإلف ريقي‪،‬‬
‫وتجد هذه الحصانة مصدرها في األعراف والمعاهدات الدولية وقوانين المنظمات الدولية‪ ،‬فتنص‬
‫الم ادة ‪ 31‬من اتفاقي ة فيين ا لع ام ‪ 1961‬على أن ه «يتمت ع المبع وث الدبلوماس ي بالحص انة ض د‬
‫المالحق ات الجنائي ة في الدول ة المعتم د ل ديها»‪ ،‬وق د ح ددت الم ادة األولى من مرس وم ‪ 27‬أوت‬
‫‪ 1964‬المقص ود بالدبلوماس ي‪ ،‬وه و من يحم ل ج وازا دبلوماس يا من س فراء وملحقين عس كريين‬
‫معتم دين من ط رف الس لطة الجزائري ة وال ذين تخط ر وزارة الخارجي ة بأس مائهم ورتبهم دوري ا‪،‬‬
‫وهي حصانة يبررها عامالن‪:‬‬
‫أوال‪ -‬التمثيل‪ ،‬ألنهم يمثلون دوال ذات سيادة أو هيئات أو منظمات دولية‪ ،‬تتطلب عدم خضوعهم‬
‫ألحكام قانون الدولة المتواجدين بها احتراما لتلك السيادة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬االس تقاللية في العم ل‪ ،‬أي أداء عمل ه في حري ة دون التع رض ل ه ومض ايقته وتهدي ده‬
‫بخضوعه ألحكام قانون الدولة المستقبلة‪ ،‬التي قد تعيقه عن أداء وظيفته في أحسن الظروف‪.‬‬
‫وتتم يز الحص انة السياس ية بأنه ا حص انة عام ة تش مل جمي ع الس لوكات الص ادرة عنهم‪ ،‬م ا‬
‫تعلق منها بمباشرة المهام أو خارجها‪ ،‬باإلضافة لذلك أنها حصانة تشمل أسر السلك الدبلوماسي‬
‫والسياسي األجن بي‪ ،‬وتشمل الحصانة جمي ع الم وظفين اإلداريين والتقن يين المعاونين لهم في أداء‬
‫مهامهم‪ ،‬وتتعلق فقط باألفعال التي يرتكبونها أثناء أو بمناسبة أدائهم لوظيفتهم بشرط أال يكونوا‬
‫من رعايا الدولة المستقبلة‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 37‬من االتفاقية المذكورة أعاله‪ ،‬ويستثني من االستفادة‬
‫من الحصانة أعضاء المراكز الثقافية والبعثات التجارية والمصالح االجتماعية طبقا للمادة ‪ 2‬من‬
‫المرسوم السابق‪.‬‬
‫ب‪ -‬السلك القنصلي‬
‫‪44‬‬
‫يتمتع موظفو السلك القنصلي األجنبي بحصانة سياسية تتميز بضيقها ومحدوديتها من حيث‬
‫األشخاص ومن حيث السلوكات‪ ،‬فهي حصانة تعني السلوكات التي يأتيها المعني أثناء تأدية عمله‬
‫القنصلي أو بسببه‪ ،‬وتقتصر على القنصل فال تمتد ألفراد أسرته تطبيقا التفاقية فيينا لسنة ‪1963‬‬
‫في مادتها ‪ 43/1‬والمادة األولى من المرسوم الصادر في ‪ 27‬أوت ‪.1963‬‬
‫ج‪ -‬القوات المسلحة األجنبية‬
‫يتمتع بالحصانة العسكريون األجانب الذين يقيمون أو يرابطون في إقليم دولة أجنبية بصفة‬
‫قانوني ة‪ ،‬بن اء على اتف اق أو معاه دة بين ال دولتين‪ ،‬الدول ة ال تي ينتمي إليه ا العس كريون والدول ة‬
‫المستض يفة لهم‪ ،‬فال يخض عون للقض اء الوط ني للدول ة المستض يفة بس بب م ا يأتون ه من س لوكات‬
‫مجرمة أثناء قيامهم بعملهم الرسمي أو داخل القواعد المخصصة لتواجدهم فيها‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬حكم الجرائم التي تقع على ظهر السفن والطائرات‬
‫تطبيقا لحكم الفقرة الثانية من المادة ‪ 3‬ق‪.‬ع‪ ‬وضع قانون اإلجراءات الجزائية في المادتين‬
‫‪ 591 ،590‬إ‪.‬ج األحك ام الخاص ة المتعلق ة ب الجرائم ال تي ال تق ع في إقليم معين فتق ع على ظه ر‬
‫الس فن التجاري ة والط ائرات‪ ،‬وهي أحك ام ج اءت ه ذا الن وع من اإلج رام ب النظر للظ رف المك اني‬
‫الذي ترتكب فيه الجريمة وما تتميز به كل من السفينة والطائرة من طبيعة‪.‬‬
‫‪ -1‬الجرائم التي تقع على متن السفن‬
‫تنص الم ادة ‪ 590‬إ‪.‬ج «تختص الجه ات القض ائية الجزائري ة ب النظر في الجناي ات والجنح‬
‫ال تي ت رتكب في ع رض البح ر على ب واخر تحم ل الراي ة الجزائري ة أي ا ك انت جنس ية مرتكبه ا»‪،‬‬
‫«وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحري جزائري على ظهر باخرة‬
‫تجاري ة أجنبي ة‪ ،‬وتتض من ه ذه الم ادة ش روط تط بيق ق انون العقوب ات الجزائ ري على الجناي ات‬
‫والجنح ألتي تقع على متن السفن‪:‬‬
‫‪ -‬أن تقع الجريمة على ظهر سفينة تجارية وطنية وليست سفينة عسكرية‪،‬‬
‫‪ -‬أن تحم ل الس فينة الراي ة الجزائري ة‪ ،‬ف إذ ك انت تحم ل راي ة أجنبي ة فال س لطان للق انون الوط ني‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬الجرائم التي تقع في الطائرات‬
‫تنص الم ادة ‪ 591‬إ‪.‬ج «تختص الجه ات القض ائية الجزائري ة بنظ ر الجناي ات والجنح ال تي‬
‫ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة»‪« ،‬كما أنها تختص أيضا‬
‫بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه‬
‫جزائ ري الجنس ية أو إذا هبطت الط ائرة ب الجزائر بع د وق وع الجناي ة أو الجنح ة»‪ ،‬م ادة تتض من‬
‫األحكام التي تحدد والية القضاء الجزائي الجزائري على الجرائم التي على متن الطائرات‪:‬‬
‫‪ -‬أن تق ع الجناي ة أو الجنح ة على متن ط ائرة جزائري ة بغض النظ ر عن جنس ية الج اني والمج ني‬
‫عليه‪،‬‬
‫‪ -‬أن الجريم ة ال تي تق ع على متن ط ائرة أجنبي ة ال والي ة للقض اء الوط ني إال إذا ت وافر واح د من‬
‫الشروط التالية‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫أ ‪ -‬إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬أو إذا هبطت الطائرة بإحدى مطارات الجزائر عقب ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬المبادئ االحتياطية‬
‫تنص المادة ‪ 3/2‬ق‪.‬ع «كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل‬
‫في اختص اص المح اكم الجزائي ة الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة»‪ ،‬فج اءت‬
‫أحك ام ذل ك في الم واد ‪ 589-582‬من ه ذا األخ ير تح دد مج ال اختص اص القض اء الجزائ ري‬
‫بجرائم تقع في الخارج وتطبيق قانون العقوبات عليها‪ ،‬وهي تعتبر صورة أو مظهرا من مظاهر‬
‫تأكيد الدولة لسيادتها وسلطانها على رعاياها وحماية لمصالحها الحيوية‪ ،‬وتؤسس على عجز مبدإ‬
‫اإلقليمية عن توفير الحماية القانونية الشاملة للمصالح المختلفة التي يسعى كل مجتمع لحمايتها‬
‫جزائيا‪ ،‬لما يشوبه من نقص في محاربة الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬أن الجريمة التي تقع خارج حدود الدولة قد تشكل اعتداء على حق أو مصلحة لها فتهدد‬
‫بدرجة كبيرة سالمتها واستقاللها‪ ،‬وقد ال تعني هذه الجريمة الدولة التي تقع فيها وقد تكون من‬
‫المم ولين الرتكابها كالجناي ات والجنح الماس ة ب أمن الدول ة والتجس س والج رائم الماس ة باالقتص اد‬
‫الوطني كتزوير وتزييف العملة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون الجريمة اعتداء على مصلحة أو حق ألحد رعايا الدولة المقيمين في الخارج‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون مرتكب الجريمة من رعايا الدولة‪ ،‬فيفر لوطنه هاربا من العقاب‪،‬‬
‫د‪ -‬أن الظاهرة اإلجرامية تتطور في المجتمعات بسرعة وتأخذ أبعادا جديدة على المجتمع الدولي‬
‫عام ة‪ ،‬فتج اوزت ممارس تها ح دود إقليم الدول ة‪ ،‬فأص بحت تم ارس على ص عيد ع المي وأخ ذت‬
‫الجريمة صبغة دولية‪،‬‬
‫‪ -‬استفادة المخالفين للقانون من التطور العلمي بوجه عام‪،‬‬
‫‪ -‬أن تطبيق مبدأ اإلقليمية عموما قد يؤدي إلى نتائج غير مقبولة من شأنها إفالت الكثير‬
‫من المج رمين من العق اب‪ ،‬وبالت الي فال يج وز اتخ اذ س يادة الدول ة في تط بيق ق انون العقوب ات‬
‫ذريع ة في لع دم تع اون ال دول وتض امنها في مكافح ة الظ اهرة اإلجرامية( ) ال تي تع رف انتش ارا‬
‫‪1‬‬

‫كبيرا‪ ،‬والخروج على مبدإ اإلقليمية لسد الثغرات فيه‪ ،‬وهو ما ذهب إليه كل من قانوني العقوبات‬
‫واإلج راءات الجزائي ة ب النص على مب ادئ احتياطي ة‪ ،‬فتعطي مج اال أوس ع لتط بيق النص وص‬
‫الجزائي ة الموض وعية ال يتس ع له ا مب دأ اإلقليمي ة‪ ،‬وبالت الي يمت د مج ال ونط اق تط بيق الق انون‬
‫الج زائي الوط ني لج رائم ال تق ع في اإلقليم الوط ني‪ ،‬ه ذه المب ادي هي مب دأي شخص ية النص‬
‫الجزائي وعينيته المنصوص عليهما في المواد ‪ 582‬إلى ‪ 589‬إ‪.‬ج‪ ،‬باإلضافة لمبدإ ثالث يطلق‬
‫عليه عالمية النص الجزائي لم ينص عليه القانون‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مبدأ شخصية القانون الجزائي‬
‫يس تند مب دأ شخص ية النص على فك رة ال والء فيطب ق الق انون على المواط نين‪ ،‬وفي الش ق‬
‫الجزائي يعني تطبيق قانون العقوبات على المواطن الذي يرتكب جريمة في الخارج ويعود لبلده‬
‫‪ -1‬وض ع الق انون الجزائ ري أيض ا أنظم ة تس اعد على محارب ة الجريم ة أينم ا ك انت من خالل النص على قواع د تس ليم‬
‫المج رمين في المواد ‪ 694‬إلى ‪ 718‬من ق انون الإج راءات الجزائي ة‪ ،‬واإلناب ة القض ائية وإ رس ال األوراق والمس تندات في‬
‫المواد ‪ 721‬إلى ‪ 725‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫الذي يحمل جنسيته دون أن محاكمته‪ ،‬وتبدو أهمية المبدأ أنه يعتبر وسيلة قانونية فعالة لمنع فرار‬
‫المج رمين إلى أوط انهم ف رارا من العق اب‪ ،‬ألن ارتك اب الجريم ة به ذه الص ورة يجعلن ا أم ام‬
‫افتراضين‪:‬‬
‫‪ -1‬إعم اال لمب دإ إقليمي ة النص الج زائي‪ ،‬ف إن الق انون الوط ني للدول ة ال تي تق ع فيه ا الجريم ة ال‬
‫يمكنه ا تطبيق ه م تى خ رج المج رم من أراض يها واس تحالة تطبيق ه خ ارج نطاقه ا اإلقليمي‪ ،‬ألن‬
‫مرتكب الجريمة يصبح في مأمن من قانون الدولة التي وقعت فيها الجريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم إمكان إعمال نصوص دولة انتماء المخالف لعدم ارتكاب الجريمة في إحدى عناصر‬
‫إقليمه ا الوط ني‪ ،‬وه و م ا يط رح التس اؤالت التالي ة‪ :‬ه ل تق وم الدول ة المس تقبلة للف ار من العدال ة‬
‫بمس اءلته وعلى أي أس اس ق انوني؟ أو‪ ،‬ه ل تق وم بتس ليمه للدول ة ص احبة االختص اص أص ال‬
‫الرتكاب الجريمة في إقليمها‪ ،‬أو أن تقوم بإبعاده عن وطنه‪ ،‬أو أن تخلي سبيله ابتداء؟‬
‫‪ -‬إن فرض ية إبع اد الم واطن أو تس ليمه غ ير ج ائزين‪ ،‬إعم اال لحكم الم ادة ‪ 50/2‬من‬
‫الدستور «ال يمكن تسليم أحد إال بمقتضى اتفاقية دولية مصادق عليها‪ ،‬أو بموجب قانون» وهي‬
‫إحالة على قانون اإلجراءات الجزائية الذي نظم إجراءات التسليم في مواده من ‪ 694‬إلى ‪720‬‬
‫من ه‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 698/1‬ال يقب ل التس ليم في الح االت اآلتي ة‪ -1:‬إذا ك ان الش خص المطل وب‬
‫تسليمه جزائري الجنسية والعبرة في تقدير هذه الصفة بوقت وقوع الجريمة المطلوب التسليم من‬
‫أجله ا»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 696‬يج وز للحكوم ة الجزائري ة أن تس لم شخص ا غ ير جزائ ري( ) إلى‬
‫‪1‬‬

‫حكومة أجنبية بناء على طلبها إذا وجد في أراضي الجمهورية‪.») (...‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬إن فرض ية ع دم المس اءلة وع دم العق اب غ ير واردة ألنه ا تش جيع لألف راد على إتي ان‬
‫الج رائم والف رار من العق اب ب العودة ألوط انهم األص لية‪ ،‬ولتعارض ه م ع قواع د العدال ة من جه ة‬
‫وإ ساءته لمركز الدولة المعنوي واألدبي بين الدول من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬الفرض ية الثالث ة هي مس الته جزائي ا عم ا اقترف ه ب الخراج بتط بيق ق انون العقوب ات‬
‫الجزائ ري علي ه تطبيق ا لقاع دة شخص ية النص الج زائي تجنب ا لف راره من العق اب ابت داء‪ ،‬وتطبيق ا‬
‫لمب دإ دس توري يمن ع تس ليم المواط نين المق ررة في الم واد ‪ 584-582‬إ‪.‬ج ال تي تقض ى بتط بيق‬
‫النص وص الجزائي ة على الجزائ ريين ال ذين يرتكب ون ج رائم في الخ ارج ثم يف رون عائ دين‬
‫للجزائر‪ ،‬فتنص المادة ‪« 582‬كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب عليها في القانون الجزائري‬
‫ارتكبها جزائري خارج إقليم الجمهورية يجوز أن تتابع ويحكم فيها في الجزائر‪« ،».‬غير أنه ال‬
‫يج وز أن تج ري المتابع ة أو المحاكم ة إال إذا ع اد الج اني إلى الجزائ ر ولم يثبت أن ه حكم علي ه‬
‫نهائيا في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم باإلدانة أنه قضى العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو‬
‫حص ل على العفو عنه ا»‪ ،‬وتنص المادة ‪« 583‬ك ل واقع ة موصوفة بأنه ا جنح ة س واء في نظر‬

‫‪ -1‬انظر قرار المحكمة العليا المؤرخ في ‪« 1997.03.25‬من المقرر قانونا أنه يجوز للحكومة الجزائرية أن تسلم شخصا‬
‫غ ير جزائ ري إلى حكوم ة أجنبي ة بن اء على طلبه ا إذا وج د في أراض ي الجمهوري ة وك انت ق د اتخ ذت في ش أنه إج راءات‬
‫متابعة باسم الدولة الطالبة وذلك إذا كانت الجريمة موضوع الطلب قد ارتكبت خارج أراضيها من أحد األجانب عن هذه‬
‫الدول ة إذا ك انت الجريم ة من ع داد الج رائم ال تي يج يز الق انون الجزائ ري المتابع ة فيه ا في الجزائ ر ح تى ول و ارتكبت من‬
‫أجن بي في الخ ارج‪« ،».‬ولم ا ثبت في قض ية الح ال أن الط اعن األجن بي ارتكب ع دة ج رائم في الخ ارج يج وز متابعته ا في‬
‫القانون الجزائري وأن المتهم اعترف باقتراف أحدها‪ ،‬مما يتعين التصريح بالموافقة على تسليمه»‪.‬‬
‫المجلة القضائية عدد ‪ ،1‬سنة ‪ ،1997‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -2‬يجب على الدول ة في تطبيقه ا لقواع د تس ليم المج رمين أن تس تثني األج انب ال ذين ارتكب وا ج رائم ت دخل في نط اق‬
‫اختص اص القض اء الجن ائي الوط ني تطبيق ا لمب دإ عيني ة النص الجن ائي‪ ،‬عمال بحكم الم ادة ‪ 588‬إ‪.‬ج‪ ،‬وراج ع نص الم ادة‬
‫‪ 701‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫القانون الجزائري أم في تشريع القطر الذي ارتكبت فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في‬
‫الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا»‪« ،‬وال يجوز أن تجري المحاكمة أو يصدر الحكم إال بشروط‬
‫المنص وص عليه ا في الفق رة الثاني ة من الم ادة ‪« ،»582‬وعالوة على ذل ك فال يج وز أن تج رى‬
‫المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد األفراد إال بناء على طلب النيابة العامة‬
‫بعد إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببالغ من سلطات القطر الذي ارتكبت الجريمة‬
‫في ه»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 584‬يج وز أن تج رى المتابع ة أو يص در الحكم في الح االت المنص وص‬
‫عليها في المادتين ‪ 582‬و ‪ 683‬حتى ولو لم يكن قد اكتسب الجنسية الجزائرية إال بعد ارتكابه‬
‫الجناية أو الجنحة»‪ ،‬يستخلص منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬تط بيق مب دأ شخص ية النص الج زائي على ك ل جريم ة توص ف بالجناي ة أو الجنح ة تق ع‬
‫في الخارج‪ ،‬وال يطبق على المخالفات اعتماد على حكم المادتين ‪ 27 ،5‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫ب‪ -‬تتض من ش روطا تم يز في تط بيق المب دإ بين الجناي ة وبين الجنح ة‪ ،‬فتح دد ن وعين من‬
‫الشروط‪ ،‬شروط عامة لهما وشروط خاصة بكل واحدة منهما‪.‬‬
‫‪ -1‬الشروط العامة المشتركة بين الجناية والجنحة‬
‫الش روط العام ة ال تي يجب توافره ا بش أن ك ل جناي ة أو جنح ة مرتكب ة في الخ ارج من ط رف‬
‫جزائري هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون الواقعة موضوع المتابعة موصوفة بجناية أو جنحة‪،‬‬
‫ب‪ -‬ارتكبت خارج الحدود اإلقليمية الوطنية في أي عنصر من العناصر المكونة لإلقليم‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون المتهم بأي منهما جزائري الجنسية بصفة أصلية أو مكتسبة ولو كانت مكتسبة بعد‬
‫ارتكاب الجريمة موضوع القضية‪،‬‬
‫د‪ -‬أن يعود المتهم ألرض الوطن بغض النظر عن سبب عودته ما إذا كانت عودة اختيارية أو‬
‫اضطرارية‪،‬‬
‫هـ‪ -‬أن يثبت عدم الحكم عليه في الخارج أو عدم تنفيذ العقاب عليه أو عدم صدور عفو عنه أو‬
‫تقادم العقوبة‪ ،‬ألنه ال يجوز معاقبة المتهم عن جريمة واحدة مرتين‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشروط الخاصة‪ ،‬حدد القانون بالنسبة لكل جناية أو جنحة‪ ،‬يمكن إيرادها فيما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بالنسبة للجناية‪ :‬تنص الم ادة ‪ 582‬إ‪.‬ج «ك ل واقع ة موص وفة بأنه ا جناي ة مع اقب عليه ا في‬
‫الق انون الجزائ ري ارتكبه ا جزائ ري خ ارج إقليم الجمهوري ة يج وز أن تت ابع ويحكم فيه ا في‬
‫الجزائر»‪« ،‬غير أنه ال يجوز أن تجري المتابعة أو المحاكمة إال إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم‬
‫يثبت أن ه حكم علي ه نهائي ا في الخ ارج وأن يثبت في حال ة الحكم باإلدان ة أن ه قض ى العقوب ة أو‬
‫س قطت عن ه بالتق ادم أو حص ل على العف و عنه ا»‪ ،‬يس تخلص منه ا ش رطا واح د وه و‪ :‬أن تك ون‬
‫الواقع ة الم راد المتابع ة بس ببها موص وفة بالجناي ة طبق ا للم ادتين ‪ 5‬و ‪ 27‬ق‪.‬ع بغض النظ ر عن‬
‫موقف القانون األجنبي منها‪ ،‬سواء عاقب عليها أم لم يعاقب أو نزل بدرجة جسامة الجريمة أم‬
‫ال‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بالنسبة للجنحة‪ :‬تنص المادة ‪ 583‬إ‪.‬ج «كل واقعة موصوفة بأنها جنحة سواء في نظر‬
‫القانون الجزائري أم في تشريع القطر الذي ارتكبت فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في‬
‫‪48‬‬
‫الجزائ ر إذا ك ان مرتكبه ا جزائري ا»‪« ،‬وال يج وز أن تج ري المحاكم ة أو يص در الحكم إال‬
‫بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ‪« ،»582‬وعالوة على ذلك فال يجوز أن‬
‫تجرى المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد األفراد إال بناء على طلب النيابة‬
‫العام ة بع د إخطاره ا بش كوى من الش خص المض رور أو ببالغ من س لطات القط ر ال ذي ارتكبت‬
‫الجريم ة في ه»‪ ،‬يس تخلص منه ا الش روط الخاص ة بالجنح ة المرتكب ة من ط رف جزائ ري في‬
‫الخارج‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون جريمة جنحة معاقب في القانونين الجزائري واألجنبي‪ ،‬فتوصف بالجنحة طبق ا‬
‫للم ادتين ‪ 27 ،5‬ق‪.‬ع‪ ،‬وتج رم أيض ا ويع اقب عليه ا في ق انون اإلقليم ال ذي وقعت في ه الجريم ة‬
‫بغض النظر عن التكييف القانوني الذي يضفيه عليها القانون األجنبي‪ ،‬فال يكفي العقاب عليه ا في‬
‫قانون واحد طبقا للمادة ‪ 582‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت جنحة ضد األفراد‪ ،‬فال يجوز المتابعة بشأنها في الجزائر إال بناء على طلب‬
‫من النياب ة العام ة بع د تق ديم ش كوى له ا من ط رف الش خص المض رور‪ ،‬أو بواس طة بالغ من‬
‫سلطات اإلقليم الذي وقعت فيه الجنحة‪ ،‬أما بالنسبة لغيرها من الجنح األخرى فإنه ال يشترط فيها‬
‫تقديم شكوى من الشخص المضرور وال بالغ من السلطات األجنبية‪.‬‬
‫موقف المشرع الجزائري من مبدإ الشخصية السلبي‬
‫إن مبدأ شخصية النص الجزائي يضم شقين‪ ،‬شق إيجابي وهو ما سبق التعرض له المتعلق‬
‫ب المتهم م رتكب الجريم ة‪ ،‬أم ا الش ق الس لبي من ه فينظ ر من خالل المج ني علي ه ض حية االعت داء‬
‫بغض النظر عن جنسية الجاني‪ ،‬وهو يعنى أن قانون العقوبات يمكن أن يطبق على جريمة تقع‬
‫في الخ ارج يك ون المج ني علي ه فيه ا جزائري ا‪ ،‬وه و مب دأ يقص د ب ه تمكين الدول ة من حماي ة‬
‫مواطنيه ا خ ارج ال وطن من االعت داءات اإلجرامي ة‪ ،‬وهو تعب ير عن حماي ة الدول ة لمص الحها في‬
‫الخارج‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ 28‬من الدستور المعدل والمتمم سنة ‪« 2016‬الدولة مسؤولة عن أمن‬
‫األش خاص والممتلك ات»‪ ،‬إال أن ه رغم ذل ك ال يوج د في الق انون الجزائ ري قواع د جزائي ة حماي ة‬
‫لمواطنينا في الخ ارج‪ ،‬فال س لطان له في ذلك لتعارضه مع فكرة س يادة الدول‪ ،‬ورغم ذلك نجد‬
‫وضعين قانونيين تطبيق لهذا الشق وهما‪:‬‬
‫‪ -‬في الم ادة ‪ 591/2‬إ‪.‬ج الخاص ة بالجناي ات والجنح ال تي ت رتكب على متن الط ائرات‬
‫األجنبي ة‪ ،‬ال تي تق رر مس اءلة من ي رتكب جريم ة ض د جزائ ري على متن ط ائرة أجنبي ة‪ ،‬فتنص‬
‫«كما أنها تختص أيضا ‪-‬أي الجهات القضائية الجزائرية‪ -‬بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب‬
‫على متن طائرات أجنبية إذا كان‪...‬المجني عليه جزائري الجنسية‪.»...‬‬
‫‪ -‬الحكم ال وارد في الم ادة ‪ 588‬إ‪.‬ج «تج وز متابع ة ومحاكم ة ك ل أجن بي‪ ،‬وفق ا ألحك ام‬
‫الق انون الجزائ ري‪ ،‬ارتكب خ ارج اإلقليم الجزائ ري بص فته فاع ل أص لي أو ش ريك في‪....‬أو أي‬
‫جناية أو جنحة ترتكب إضرارا بمواطن جزائري»‪.‬‬
‫وما يالحظ أن المشرع الجزائري يتوسع من حين آلخر في حماية مواطنينا بالخارج عن‬
‫طريق أحكام جزائية تطبيقا لشخصية النص الجزائي في شقه السلبي‪ ،‬بعد التوسعة التي جاءت‬
‫به ا الم ادة ‪ 588‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة بتع ديلها ب األمر رقم ‪ ،02-15‬فيض ع حماي ة‬
‫جزائية للمجني عليه الجزائري ضحية التمييز والكراهية التي ترتكب عليه في الخارج ويعطي‬

‫‪49‬‬
‫االختص اص للقض اء الج زائي الوط ني ب النظر في تل ك الجريم ة‪ ،‬فج اء في الق انون رقم ‪05-20‬‬
‫المتعل ق بالوقاي ة من التمي يز وخط اب الكراهي ة ومكافحتهم ا في الفق رة األولى من الم ادة ‪ 21‬من ه‬
‫«زي ادة على قواع د االختص اص المـنصوص عليه ا في ق انون اإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬تختص‬
‫الجه ات القض ائية الجزائري ة ب النظر في الج رائم المنص وص عليه ا في ه ذا الق انون‪ ،‬المرتكب ة‬
‫خ ارج اإلقليم الوط ني‪ ،‬إذا ك انت الض حية جزائريا أو أجنبي ا مقيم ا ب الجزائر ‪lorsque la‬‬
‫‪ ،»victime est un algérien ou un étranger résident en Algérie‬وق د وض ع‬
‫الق انون الس ابق ""‪ ""05-20‬األحك ام الخاص ة المح ددة الختصاص ات الجه ات القض ائية الجزائي ة‬
‫الوطنية بالنسبة للجرائم المقررة فيه في المواد من ‪ 22‬إلى ‪ 29‬منه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬مبدأ عينية النص الجنائي‬
‫يقصد بعينية النص الجنائي تطبيق قانون العقوبات على كل جريمة تقع في الخارج تمس‬
‫بالمص الح األساس ية والحيوي ة للدول ة بغض النظ ر عن جنس ية مرتكبه ا ومكان ه‪ ،‬وه و مب دأ مق رر‬
‫حرصا على تلك المصالح‪ ،‬وضابط تحديد مدى انطباق القانون الوطني طبقا للمبدإ هو أهمية‬
‫المص لحة المعت دى عليه ا بجريم ة جناي ة أو جنح ة‪ ،‬ألن ال دول األجنبي ة ال تي تق ع فيه ا مث ل تل ك‬
‫الج رائم ق د ال تك ترث له ا أص ال‪ ،‬وق د يك ون له ا ض لع فيه ا كج رائم التجس س والخيان ة مثال‪،...‬‬
‫فتح رص ك ل دول ة على حماي ة مص الحها في الخ ارج بإخض اع ن وع معين من الج رائم لقانونه ا‬
‫الداخلي وقضائها‪.‬‬
‫ويعطي القانون الجزائري مبدأ العينية مفهوما أضيق فال يطبق إال على األجانب إعماال‬
‫لحكم المادة ‪ 588‬إ‪.‬ج والمادة ‪ 15‬من القانون رقم ‪ 04-09‬المتعلق بالقواعد الخاصة بالوقاية من‬
‫الج رائم المتص لة بتكنولوجي ات اإلعالم واالتص ال ومكافحتها( )‪ ،‬فتنص «تج وز متابع ة ومحاكم ة‬
‫‪1‬‬

‫كل أجنبي‪ ،‬وفقا ألحكام الق انون الجزائري‪ ،‬ارتكب خارج اإلقليم الجزائري بص فته فاع ل أصلي‬
‫أو ش ريك في جناي ة أو جنح ة ض د أمن الدول ة الجزائري ة أو مص الحها األساس ية أو المحالت‬
‫الدبلوماس ية والقنصلية الجزائرية أو أعوانها‪ ،‬أو تزييفا لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة‬
‫قانونا في الجزائر أو أي جناية أو جنحة ترتكب إضرارا بمواطن جزائري»‪ ،‬فتقرر تطبيق عينية‬
‫النص الج زائي الوط ني على ج رائم ت رتكب في الخ ارج من ط رف األج انب فق ط بوج وب ت وافر‬
‫الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تك ون الجريم ة جناي ة أو جنح ة وفق ا للتحدي د الق انوني في الم ادتين ‪ 27 ،5‬من ق انون‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون من الجرائم المحددة في المادة‪:‬‬
‫‪ -‬الجرائم المنصوص عليها في المواد ‪ 204-197 ،96-61‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -‬جريمة ضد المحالت الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية أو ضد أعوانها‪.‬‬
‫‪ -‬الجنايات والجنح التي ترتكب إضرارا بمواطن جزائري‪.‬‬
‫‪ -‬الج رائم المتص لة بتكنولوجي ات اإلعالم واالتص ال المرتكب ة خ ارج الجزائ ر تس تهدف‬
‫مؤسس ات الدولة أو الدفاع الوطني أو المصالح األساس ية واالستراتيجية لالقتصاد الوط ني عمال‬

‫‪ -1‬وق د ص در مرس وم رئاس ي تحت رقم ‪ 261-15‬م ؤرخ في ‪ 15‬أكت وبر ‪ 2015‬يح دد تش كيلة وتنظيم وكيفي ات س بر الهيئ ة الوطني ة‬
‫للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات اإلعالم واالتصال ومكافحتها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫بحكم القانون رقم ‪ 04-09‬المتعلق بالقواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات‬
‫اإلعالم واالتصال ومكافحتها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون مرتكب مثل تلك الجرائم أجنبيا فإذا كان المتهم بواحدة من تلك الجرائم يطبق عليه‬
‫مبدأ الشخصية طبقا للمواد ‪ 584-582‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يتم القبض على األجنبي مقترف جريمة منها في الجزائر‪ ،‬أو أن تكون السلطة الجزائرية‬
‫ق د حص لت على تس لمه من الس لطة األجنبي ة بن اء على طلبه ا وف ق إلج راءات التس ليم المق ررة‬
‫قانونا‪.‬‬
‫‪ -5‬أال يثبت األجنبي أنه حوكم نهائيا من أجل نفس الجناية أو الجنحة في الخارج‪ ،‬أو أال يثبت‬
‫قض اءه العقوب ة أو تقادمه ا أو ص در عف و علي ه إعم اال لحكم الم ادة ‪ 1‬من ق انون اإلج راءات‬
‫الجزائي ة «أن ه ال يج وز متابع ة أو محاكم ة أو معاقب ة ش خص م رتين (‪ )2‬من أج ل نفس األفع ال‬
‫ولو تم إعطاؤها وصفا مغايرا»‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬مبدأ عالمية النص الجنائي‬
‫ويقص د ب ه تط بيق الق انون الج زئي الوط ني على ك ل جريم ة تق ع في الخ ارج يقبض على‬
‫مرتكبه ا في إقليمها مهم ا ك انت جنس ية الق ائم به ا‪ ،‬وعالمي ة النص ص ورة مع برة عن التض امن‬
‫الدولي في مكافحة الجريمة التي تفنن المجرمون في اقترافها باالستفادة من التطور العلمي الذي‬
‫أت اح لهم ممارس تها على مس توى ع المي‪ ،‬كاالتج ار في المخ درات والرقي ق األبيض والقرص نة‬
‫والجريمة المنظمة واالتجار باألشخاص واألعضاء البشرية وتهريب المهاجرين وجرائم تزييف‬
‫النقود وجرائم تبييض األموال‪ ،‬فتنوب الدولة عن المجتمع الدولي بمحاكمة المجرم وعقابه عمال‬
‫على حماي ة المص الح المش تركة بمحارب ة اإلج رام ومواجه ة الظ اهرة اإلجرامي ة المنظم ة بص فة‬
‫عامة‪.‬‬
‫وينتقد مبدأ العالمية من حيث تعارضه المطلق مع إقليمية النص‪ ،‬وهو ال يوجد ما يبرره‬
‫س وى فك رة حماي ة المص الح العام ة والمش تركة للبش رية قاطب ة‪ ،‬وه و م ا أدى إلى انحص ار ه ذا‬
‫المبدإ في مجال ضيق من الجرائم وفي بعض التشريعات‪ ،‬ويمكن عدم اللجوء إليه أصال ألن في‬
‫القوانين الداخلية من األحكام والقواعد ما يمكن به محاربة تلك الجرائم‪ ،‬كمبدأ الشخصية والعينية‬
‫وقواعد تسليم المجرمين‪ ،‬باإلضافة للتعاون الدولي في مجال محاربة الظاهرة اإلجرامية بوجه‬
‫عام‪.‬‬
‫وفي القانون الجزائري توجد أحكام يمكن اعتمادها في هذا اإلطار فتقوم مقام مبدإ عالمية‬
‫النص الجزائي والقيام بوظيفة التجريم والعقاب وتقرير الوالية للقضاء الوطني على بعض صور‬
‫الجريم ة المرتكب ة في الخ ارج كالجريم ة المنظم ة ع ابرة للح دود وتط بيق مب دإ شخص ية النص‬
‫الجزائي المقررة في المواد ‪ 589-582‬إ‪.‬ج وعينيته المقررة في المادة ‪ 588‬إ‪.‬ج وقواعد تسليم‬
‫المجرمين في المادة ‪ 694‬إ‪.‬ج وما يليها‪ ،‬والتعاون الدولي واسترداد الموجودات وكشف وتحويل‬
‫عائدات اإلجرام والتعاون مع المصارف والمؤسسات المالية وتدابير االسترداد المباشر للممتلكات‬
‫والتجميد والحجز والتعاون بغرض المصادرة واتباع إجراءات تحري خاصة والتعاون القضائي‬
‫الدولي‪ ،‬وهي جميعها إجراءات جاءت بناء على المصادقة على مجموعة من االتفاقيات الدولية‬

‫‪51‬‬
‫واالتفاقي ات القض ائية الثنائية( ) أو المتع ددة األط راف في المج ال القض ائي لتس ليم المج رمين‬
‫‪1‬‬

‫والمحكوم عليهم وتبادل الوثائق والمعلومات( )‪ ،‬فمثال حيث أصدر جاء في تأشيرات القانون رقم‬
‫‪2‬‬

‫‪ 01-06‬المتعل ق بالوقاي ة من الفس اد ومكافحت ه «بمقتض ى اتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة الفس اد‪،‬‬
‫المعتم دة من قب ل الجمعي ة العام ة لألمم المتح دة‪ ،»...‬وق د تض من الكث ير من القواع د المتعلق ة‬
‫بالتع اون ال دولي لمكافح ة ج رائم الفس اد والته ريب والمخ درات‪ ،‬وتقري ر أس اليب خاص ة للتح ري‬
‫عنها كالترصد اإللكتروني والتسرب ‪-‬االختراق‪ -‬والتسليم المراقب والتعاون القضائي الدولي في‬
‫المادة ‪ 56‬وما يليها من القانون السابق‪.‬‬
‫وحتى في مجال التجريم والعقاب‪ ،‬فإن المشرع الجزائري وفي إطار ما التزم به بمصادقته‬
‫على جملة من االتفاقيات الدولية قد وضع نصوصا جزائية استباقية تطبيقا لها لمحاربة هذا الن وع‬
‫من اإلج رام خاص ة الجريم ة المنظم ة ع بر الوطني ة والج رائم اإلرهابي ة والتخريبي ة وتنظيمات ه‬
‫اإلرهابي ة والج رائم المعلوماتي ة عن طري ق إس هامه في التص دي لها( ) بتع ديل ق انون العقوب ات‬
‫‪3‬‬

‫بالقانون رقم ‪ 02-16‬المؤرخ في ‪ 19‬يونيو ‪ ،2016‬حيث يجرم السفر للخارج أو محاولة الس فر‬
‫للخ ارج ك ل مقيم في الجزائر بص فة ش رعية أو غ ير ش رعية بغ رض ارتك اب أفع ال إرهابي ة أو‬
‫التدبير لها أو االعداد لها أو المشاركة فيها أو التدريب على ارتكابها أو تلقي تدريبا بهذا الشأن‪،‬‬
‫وتجريم توف ير الم ال بأي ة وس يلة الس تخدامها في تموي ل س فر أش خاص للخ ارج لنفس الغرض أو‬
‫م ول أو نظم س فرهم بغ رض ارتك اب الج رائم الس ابقة‪ ،‬وتج ريم اس تعمال تكنولوجي ا اإلعالم‬
‫واالتصال الرتكاب تلك الجرائم أو استخدامها لصالح إرهابي أو جمعية أو تنظيم أو جماعة أو‬
‫منظم ة يك ون غرض ها أو تق ع أنش طها تحت طائل ة األحك ام المتعلق ة بأنظم ة المعالج ة اآللي ة‬
‫للمعطي ات طبق ا للم واد ‪ 87‬مك رر ‪ 87 ،11‬مك رر ‪ 394 ،12‬مك رر ‪ 8‬المض افة بالق انون رقم‬
‫‪ 02-16‬المؤرخ في ‪ 19‬يونيو ‪ 2016‬المعدل والمتمم لقانون العقوبات‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫عـدم وجــود ســبـب‬
‫‪ -1‬ومن االتفاقيات والبروتوكوالت التي صادقت عليها الجزائر طبقا للمادة ‪ 154‬من الدستور‪:‬‬
‫‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة ‪.1988‬‬
‫‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لقمع تمويل اإلرهاب المقررة في سنة ‪.1999‬‬
‫‪ -‬بروتوكول سنة ‪ 1972‬المعدل لالتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ‪،1961‬‬
‫‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة ‪.1988‬‬
‫‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة من الجمعية العامة لألمم المتحدة في ‪ 15‬نوفمبر ‪.2000‬‬
‫‪ -‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غي المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية بتاريخ ‪ 20‬ديسمبر ‪.1988‬‬
‫‪ -‬بروتوك ول من ع وقم ع االتج ار باألش خاص بخاص ة النس اء واألطف ال المكم ل التفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة الجريم ة المنظم ة ع بر‬
‫الوطنية المعتمد في ‪ 15‬نوفمبر ‪.2000‬‬
‫‪ -‬اتفاقي ة منظم ة الوح دة اإلفريقي ة ‪-‬االتح اد اإلف ريقي‪ -‬للوقاي ة من ومكافح ة اإلره اب المعتم دة في ال دور العادي ة الخامس ة والثالث ون‬
‫المنعقدة بالجزائر من ‪ 12‬إلى ‪ 14‬يوليو ‪ 1999‬بالجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة في القاهرة بتاريخ ‪ 22‬أبريل ‪.1998‬‬
‫‪ -2‬انظر المواد ‪ 66 ،63 ،60 ،57‬من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته‪.‬‬
‫صدقت عليها الجزائر تعتبر من مصادر القانون الجزائي الوطني‪ ،‬هذا من جهة ومن أخرى فإن‬ ‫‪ -‬فقد سبق القول بأن االتفاقيات التي ٌ‬
‫‪3‬‬

‫بعض القوانين الخاصة وتعديالت قانون العقوبات التي جاءت في تأشيراتها الكثير من االتفاقيات الدولية بحسب موضوعها‪ ،‬ومن تلك‬
‫القوانين‪:‬‬
‫‪ -‬قانون الوقاية من تبييض األموال وتمويل اإلرهاب ومكافحتهما رقم ‪ 01-05‬المؤرخ في ‪ 6‬فبراير ‪ ،2005‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ -‬قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم ‪ 01-06‬المؤرخ في ‪ 20‬فبراير ‪ ،2006‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ -‬قانون حماية الطفل رقم ‪ 02-15‬المؤرخ في ‪ 15‬يوليو ‪.2015‬‬
‫‪ -‬القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات رقم ‪ 01-09‬المؤرخ في ‪ 25‬فبراير ‪.2009‬‬
‫‪ -‬القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات رقم ‪ 01-14‬المؤرخ في ‪ 4‬فبراير ‪.2014‬‬

‫‪52‬‬
‫إن عدم اقتران السلوك بظرف مادي مبيح أو توافر سبب إباحة هو العنصر الثاني الواجب‬
‫توافرها لقيام وصف عدم المشروعية ‪ ،‬فنعرف بمفهوم أسباب اإلباحة وطبيعتها وأنواعها‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬مجال أســبـاب اإلباحة وطبيعتها‬
‫تتعل ق أس باب اإلباح ة ب الركن الش رعي للجريم ة ألن ه ال يت وافر ركن ع دم المش روعية إال‬
‫بتوافر عنصري خضوع الفعل لنص تجريمي وعدم توافر ظرف مبيح‪ ،‬ذلك أنه قد يلحق السلوك‬
‫ظرف موضوعي يزيل عنه صفة عدم المشروعية فيجعله فعال مباحا فيخرج السلوك من دائرة‬
‫التجريم‪ ،‬فإذا كان السلوك مجرما بانطباقه على نموذج إجرامي فإن الظرف المبيح يضفي علية‬
‫طابع المشروعية‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ -‬التعريف بأسباب اإلباحة‬
‫تعت بر أس باب اإلباح ة ظروف ا موض وعية تلح ق الس لوك اإلج رامي فتمح و عن ه الص فة‬
‫اإلجرامي ة فتجع ل منه فعال مباح ا‪ ،‬يرى المشرع الجن ائي أن إباحت ه في مث ل تلك الظ روف التي‬
‫ارتكب فيه ا يحق ق مص لحة أهم بالرعاي ة من المص لحة ال تي من أجله ا ج رم الفع ل ابت داء بانتف اء‬
‫العلة من التجريم فلم يعد السلوك مع ذلك الظرف يحقق االعتداء الذي بسببه جرم‪ ،‬فيتعطل العمل‬
‫بالنص إذا رافق ارتكاب الفعل سبب من أسباب اإلباحة المحددة قانونا هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخ رى ف إن فع ل اإلباح ة يص ون حق ا يه دده خط ر ح ال ق در المش رع أن األول أج در بالرعاي ة‬
‫والحماية‪ ،‬وأن الثاني أولى بالتضحية به في سبيل حماية األول‪ ،‬وكأمثلة لتوضيح مدى تضحية‬
‫المشرع الجنائي بمصلحة في سبيل تحقيق مصلحة أولى بالرعاية ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬يجرم المشرع فعل القتل ويقرر له أشد العقوبات في المواد ‪ 263-254‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬باعتباره اعتداء خطير على الحق في الحياة‪ ،‬إال أن الفعل قد يكون مشروعا في إطار‬
‫م ا يحدده القانون كأن يقع بناء حالة الدفاع الش رعي طبق ا للم ادة ‪ 39‬ق‪.‬ع‪ ،‬أو أن يتم بن اء على‬
‫أمر السلطة المختصة كتنفيذ حكم اإلعدام الصادر عن السلطة القضائية المختصة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ثانيا‪ -‬يعاقب القانون على جرائم الضرب والجرح وأعمال العنف العمدية عامة في المواد‬
‫‪ 276-264‬ق‪.‬ع‪ ،‬ف إذا تمت تل ك األفع ال ل دفع اعت داء ب القوة الج رح باس تعماله وس يلة للعالج‬
‫الجراح ة على جس م الم ريض أو بإص ابة المعت دي في س المته الجس دية في ح دود م ا يس مح ب ه‬
‫القانون‪.‬‬
‫إذا ك انت أس باب اإلباح ة أس باب موض وعية تلح ق الس لوك المنطب ق على نم وذج إج رامي‬
‫يقرره القانون فتضفي عليه طابع المشروعية‪ ،‬فيخرج من دائرة عدم المشروعية ‪ ،‬فال يقوم ركن‬
‫عدم المشروعية أي الركن الشرعي أو القانوني‪ ،‬وهي نوعان‪ ،‬أسباب عامة وأخرى خاصة‪ ،‬أم ا‬
‫األولى فهي ظ روف موض وعية أثره ا في اإلباح ة ع ام ت بيح مختل ف الج رائم‪ ،‬كظ رف ال دفاع‬
‫الشرعي مثال‪ ،‬أما الخاصة ذات أثر محدود ال يتعدى نوعا معينا من الجرائم يحددها القانون فال‬
‫تبيح غيرها كاستعمال الحق وإ ذن القانون وأمره‪ ،‬كالمأمور المكلف بتنفيذ حكم اإلعدام والطبيب‬
‫المعالج عند ممارسته للعمل الطبي المرخص به وممارسة الرياضة التي تعتمد العنف كالمالكمة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬طبيعة أسباب اإلباحة‬

‫‪ -1‬أنظر المادة ‪151‬وما يليها من القانون ‪ 04-05‬المؤرخ في ‪ 6‬فبراير ‪ 2004‬المتضمن قانون السجون وإ عادة اإلدماج االجتماعي‬
‫للمحبوسين‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫تتميز أسباب اإلباحة بأنها موضوعية تتعلق بالسلوك ومدى خطورته االجتماعية وال تتعلق‬
‫بنفس ية الج اني‪ ،‬فتنص ب على التك ييف الق انوني ل ه وال ص لة له ا باألهلي ة الفاع ل‪ ،‬فهي ليس ت‬
‫شخص ية مرتبط ة ب ركن ع دم المش روعية كش رط له ا يجب ت وافر ش روطها كامل ة ل ترتب آثاره ا‬
‫القانونية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬من حيث أثرها‪ ،‬فإذا كان السبب عاما فإنها تبيح السلوك المجرم وتسري على كل ساهم‬
‫في ارتك اب الفع ل‪ ،‬ف اعال ك ان أو ش ريكا‪ ،‬أم ا األس باب الخاص ة فال يس تفيد منه ا إال من ك انت‬
‫تتوافر فيه الصفة أثناء القيام بالسلوك اإلجرامي‪ ،‬مثل العمل الجراحي الذي يقو به الطبيب الذي‬
‫يشترط فيه هذه الصفة ويستفيد الشريك الممرض المساعد في إجراء عملية جراحية من اإلباحة‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬وصفة األبوة في التأديب أو الزوج‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬ال يعتد في االستفادة منها العلم بوجودها أو يجهل به‪ ،‬أو لم يطالب بها‪ ،‬ألنها أسباب ذات‬
‫طبيعة موضوعية‪ ،‬تتعلق بالسلوك فتمحو عنه الصفة اإلجرامية‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أنه ال أثر للغلط في اإلباحة على قيام المسؤولية الجزائية‪ ،‬ألن أثر الغلط وتأثيره ينصبان‬
‫على الركن المعنوي للجريمة ألنه حالة شخصية أو نفسية ليس لها عالقة بركن عدم المشروعية‪.‬‬
‫تجاوز اإلباحة‬
‫إن آثار هذه األسباب مرهونة بوجوب توافره شروط قيامها‪ ،‬فمتى تخلف واحد منها انتفى‬
‫وج ود الظ رف الم بيح‪ ،‬فتق و الجريم ة فيس أل المتهم عنه ا‪ ،‬أم ا تج اوز ح دود اإلباح ة فيف ترض‬
‫توافره‪ ،‬فال تقوم حالة التجاوز إال بعد نشوء الحق اإلباحة‪ ،‬كحق األب في تأديب ابنه متجاوزا‬
‫حدود التأديب‪ ،‬أو حق المعتدى في درء الخطر فيتجاوزا الحدود المقررة قانونا للتربية والدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬فما هو التجاوز وما هو تكييفه القانوني؟‬
‫يجب اإلش ارة إلى أن ه ال يمكن ط رح فك رة تج اوز ح دود اإلباح ة وبحثه ا قب ل البحث في‬
‫مدى توافر شروط قيام الحق في الدفاع التي يقررها القانون‪ ،‬فإذا تخلف شرط منها انتفى معه‬
‫وجود الظرف المبيح وبالتالي بقاء الفعل مجرم‪ ،‬ويسأل من قام به مسؤولية جنائية عن سلوكه‪،‬‬
‫وهو تجاوز يمكن أن يكون عمديا كما يمكن أن يكون بخطإ من الفاعل نتيجة إهماله ورعونته‪،‬‬
‫فيسأل في حالة تجاوز حدود اإلباحة عمدا عن جريمة عمدية‪ ،‬وفي حالة تجاوز حدودها بخطإ‬
‫فيسأل مسؤولية غير عمدية‪ ،‬كقيام األب بضرب ابنه بقصد تأديبه إال أنه برعونة منه يصيب ابنه‬
‫في مقتل فيقتله‪ ،‬فإنه يسأل في هذه الحالة عن جريمة قتل غير عمدي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ -‬التفرقة بين أسباب اإلباحة وما يشتبه بها‬
‫إذا ك انت أس باب اإلباح ة ظروف ا موض وعية تلح ق الس لوك اإلج رامي فتج رده من ع دم‬
‫المشروعية‪ ،‬فإنها تشتبه ببعض األسباب األخرى التي ينظمها القانون‪ ،‬كموانع المسؤولية وموانع‬
‫العقاب رغم التقائها جميعها في عدم تطبيق الشق العقابي في القاعدة الجزائية في كل مرة توافر‬
‫واحد منها‪.‬‬
‫الفرع األول– أسباب اإلباحة وموانع المسؤولية‬
‫تعتبر موانع المسؤولية أسبابا شخصية تعرض لمرتكب الجريمة فتجعل إرادته غير معتبرة‬
‫قانون ا بتجري دها من اإلدراك والتمي يز أو حري ة االختي ار‪ ،‬والمجن ون والص غير والمك ره‪ ،‬تتص ل‬

‫‪54‬‬
‫بالركن المعنوي للجريمة فتهدمه‪ ،‬فال تقوم المسؤولية الجنائية وال يوقع العقاب لعدم توافر عنصر‬
‫اإلدراك والتمييز لجنون أو صغر السن أو عنصر الحرية بالنسبة للمكره‪ ،‬وبالتالي ال تؤثر على‬
‫قيام السلوك اإلجرامي‪ ،‬فهي ظروف تجعل اإلرادة معيبة غير معتبرة قانونا فتجردها من عنصر‬
‫من عنص ريها‪ ،‬اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار‪ ،‬في ترتب على تخل ف أح د العنص رين ع دم‬
‫المسؤولية والعقاب‪ ،‬كالمجنون طبقا للمادة ‪ 47‬ق‪.‬ع‪ ،‬والصبي طبقا للمادة ‪ 49‬ق‪.‬ع( )‪ ،‬والمكره‬
‫‪1‬‬

‫لعدم توفر الحرية طبقا للمادة ‪ 48‬ق‪.‬ع‪ ،‬وبالتالي فهي أسباب تتعلق باألهلية الجنائية فتعدمها في‬
‫أحوال‪ ،‬أو تنقصها في أحوال أخرى‪ ،‬ويبدو الفرق بين السببين‪:‬‬
‫‪ -1‬في ركنهما القانوني‪ ،‬فسبب اإلباحة يتعلق بركن عدم المشروعية فال تقوم الجريمة بوجوده‪،‬‬
‫في حين أن مانع المسؤولية يتعلق بالركن المعنوي‪ ،‬فال أثر له على وجود الجريمة فتقوم حتى‬
‫بوجوده‪ ،‬ولكنه ال تقوم المسؤولية الجزائية بامتناعها لعدم توافر القدرة على اإلدراك والتمييز أو‬
‫لع دم وج ود حري ة االختي ار‪ ،‬وال يتع دى أثره ا للغ ير‪ ،‬كالش ريك م ع الص غير أو م ع المجن ون في‬
‫ارتكاب الجريمة ال يستفيد من عدم قيام المسؤولية الجزائية‪.‬‬
‫‪ -2‬في أحك ام المس ؤولية الجزائي ة‪ ،‬بع دم تط بيق أحك ام المس ؤولية الجزائي ة كلم ا ت وافر م انع من‬
‫موانعها‪ ،‬فال تنفي تطبيق تدبير من تدابير األمن وكذا الشأن بالنسبة لمن توافر فيه عذر معف من‬
‫العق اب‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 21/2‬ق‪.‬ع «يمكن أن يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم‬
‫بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى‪ ،»...‬وتنص الم ادة‬
‫‪ 52/2‬ق‪.‬ع «وم ع ذل ك يج وز للقاض ي في حال ة اإلعف اء أن يطب ق ت دابير األمن على المعفى‬
‫عنه»‪.‬‬
‫‪ -3‬إن موان ع المس ؤولية ال تعفي من قي ام المسؤولية المدني ة عن األض رار التي سببتها الجريم ة‬
‫المرتكب ة‪ ،‬طالم ا أنه ا أسباب ال تنفي وجود الخطإ‪ ،‬بعكس أس باب اإلباحة التي ال تقوم بوجودها‬
‫المسؤولية المدنية عن األضرار‪.‬‬
‫الفرع الثاني– أسباب اإلباحة وموانع العقاب‬
‫إن موانع العقاب أسباب ال تتعلق بأي ركن من أركان الجريمة فتحول دون توقيع العقاب‬
‫يح ددها الق انون س لفا‪ ،‬وتع رف بأنه ا أس باب لإلعف اء من العق اب‪ ،‬وتب دو العل ة في تقريره ا أن‬
‫المش رع الجن ائي يق در في بعض األح وال أن المص لحة ال تي يحققه ا بع دم العق اب تف وق من حيث‬
‫القيم ة االجتماعي ة المص لحة ال تي يحققه ا بتوقيع ه‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 52/1‬من ق انون العقوب ات‬
‫«األع ذار هي ح االت مح ددة في الق انون على س بيل الحص ر ي ترتب عليه ا م ع قي ام الجريم ة‬
‫والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإ ما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة»‪،‬‬
‫أعذار ال‬
‫وبالت الي ف إن موان ع العق اب تختل ف عن أس باب اإلباح ة من حيث أنه ا ال تتعل ق بأرك ان‬
‫الجريمة أصال‪ ،‬فتقوم الجريمة بجميع عناصرها‪ ،‬وتقوم مسؤولية الفاعل عنها( )‪ ،‬إال أن المشرع‬
‫‪2‬‬

‫يقرر اإلعفاء من العقاب‪ ،‬وذلك ما أورده المشرع الجزائري في الفقرة األولى من المادة ‪ 52‬من‬
‫قانون العقوبات «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام‬

‫‪ -1‬انظر المادتين ‪ 51 ،50‬من قانون العقوبات‪ ،‬والمواد ‪ 87 ،86 ،85‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ - 2‬تختلف األعذار القانونية المخففة عن الظروف القضائية المخففة‪ ،‬من حيث أن العذر يحدده سلفا بالقانون ويلتزم القاضي‬
‫بتطبيقه كلما وجد‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإ ما تخفيف العقوبة إذا كانت‬
‫مخفف ة‪ ،».‬وهي أس باب ال يتع دى أثره ا لغ ير من ت وافر في ه س بب منه ا‪ ،‬ومن أمثل ة ه ذه األع ذار‬
‫المعفي ة من العق اب م ا يق رره الق انون من ع ذر بالنس بة لمن يكش ف عن اتف اق جن ائي أو جمعي ة‬
‫أشرار طبقا للمادة ‪ 179‬ق‪.‬ع‪ ،‬وصلة القرابة‪ ،‬صفة األصل والفرع في جرائم السرقة والنصب‬
‫وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المسروقة في المواد ‪ 389 ،377 ،373 ،368‬ق‪.‬ع والعذر الذي‬
‫تق رره الم ادة ‪ 92/1‬ق‪.‬ع بالنس بة لمن يبل غ الس لطات اإلداري ة أو العس كرية عن جناي ة أو جنح ة‬
‫ماسة بأمن الدولة قبل البدء في تنفيذها وقبل انطالق أي متابعة جزائية بشأنها‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -‬أسباب اإلباحة في القانون الجزائري‬
‫ينظم المشرع أسباب اإلباحة في المادتين ‪ 40-39‬من قانون العقوبات‪ ،‬فتنص األولى «ال‬
‫جريمة‪ -1 :‬إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون‪ -2 .‬إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة‬
‫الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير‪ ،‬بشرط أن‬
‫يك ون ال دفاع متناس با م ع جس امة االعت داء»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 40‬ي دخل ض من ح االت الض رورة‬
‫الحال ة لل دفاع المش روع‪1 .‬ـ القت ل أو الج رح أو الض رب ال ذي ي رتكب ل دفع اعت داء على حي اة‬
‫الشخص‪ ،‬أو سالمة جسمه‪ ،‬أو لمنع تسلق الحواجز‪ ،‬أو الحيطان أو مداخل المنازل أو األماكن‬
‫المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل‪2 .‬ـ الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو‬
‫عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة»‪ ،‬وبالرجوع لهما وما يذهب إليه الفقه الجنائي‬
‫في االتف اق ح ول أس باب معين ة‪ ،‬وع دم االتف اق بش أن أس باب أخ رى‪ ،‬وهي‪ :‬أوال‪ -‬م ا ي أذن ب ه‬
‫القانون وما يأمر به‪ ،‬ثانيا‪ -‬الدفاع الشرعي‪ ،‬ثالثا‪ -‬الضرورة‪ ،‬رابعا‪ -‬رضا المجني عليه‪ ،‬األول‬
‫والث اني متف ق بش أنهما ويقررهم ا الق انون والث الث والراب ع ث ار بش أنهما ج دل فقهي واختالف‬
‫تشريعي‪.‬‬
‫وعلي ه نتع رض لحال ة الض رورة ورض اء المج ني علي ه أوال ومناقش ة ال رأي بش أنهما‪ ،‬ثم‬
‫ندرس أسباب اإلباحة وفقا لما ينص عليه قانون العقوبات الجزائري في المادة ‪ 39‬منه والقواعد‬
‫العامة المستقر العمل بها‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ -‬حـالـة الـضـرورة‬
‫تع رف حال ة الض رورة بأنه ا الحال ة يج د فيه ا اإلنس ان نفس ه أو غ يره مه ددا بخط ر ح ال‬
‫وجسيم ال يمكن النجاة منه إال بارتكاب فعل يعتبر جريمة في نظر القانون ‪ ،‬أو هي أن يجد الفرد‬
‫نفسه أو غيره مهددا بضرر جسيم وشيك الوقوع فال يرى سبيال للخالص منه إال بارتكاب فعل‬
‫مكون لجريمة ضد مصلحة طرف ثالث غير مقحم في الصراع إلنقاذ نفسه أو غيره‪ ،‬والض رورة‬
‫حال ة ال تس لب المض طر قدرت ه على االختي ار فيك ون أم ام ط ريقين‪ ،‬إم ا أن يتحم ل الخط ر‪ ،‬وإ م ا‬
‫التخلص من ه بارتك اب الجريم ة‪ ،‬وه و خط ر يجب أال يك ون المض طر س ببا في وج وده ولم يكن‬
‫بمقدوره تفاديه بغير إتيان الجريمة‪ ،‬والضرورة تقوم على موازنة بين المصالح المتصارعة فتتم‬
‫التضحية بمصلحة أقل لحساب مصلحة أكبر قيمة‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫رجل يسرق خبزا إلنقاذ أطفاله الذين يموتون جوعا‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الطبيب الذي يجهض امرأة إلنقاذ حياتها‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪56‬‬
‫ش خص يش اهد آخ ر يش رف على الغ رق فيس تولي على ق ارب ممل وك للغ ير إلنق اذه من‬ ‫‪.3‬‬
‫الغرق‪.‬‬
‫شخص يشاهد نارا تشب في إحدى الشقق المجاورة فيقتحم شقة جاره الغائب ليستولي‬ ‫‪.4‬‬
‫على آلة إلطفاء الحريق أو للحصول على ماء من أجل إنقاذ الشقة التي اشتعلت بها النار‪.‬‬
‫أش خاص على متن ق ارب في البح ر في عاص فة قوي ة‪ ،‬يص بح الق ارب فيه ا غ ير ق ادر‬ ‫‪.5‬‬
‫المحافظة على توازنه بوجودهم جميعا فال يكون من سبيل إال بالتضحية ببعضهم فيلقوا في البحر‬
‫لنجاة األخرين‬
‫والس ؤال ال ذي يط رح نفس ه‪ ،‬في ظ ل ه ذا االختالف بش أن الض رورة‪ :‬م ا هي الطبيع ة‬
‫القانونية لحالة الضرورة؟‪ ،‬هل هي سبب لإلباحة‪ ،‬أو هي مانع مسؤولية؟ وما هي شروطها؟‬
‫الفرع األول ‪ -‬الطبيعة القانونية لحالة الضرورة‬
‫لم تلق حالة الضرورة إجماعا فقهيا حول طبيعتها القانونية‪ ،‬ألن جل التشريعات نفسها لم‬
‫تض ع نص ا ل ذلك واختالف الفق ه ح ول طبيعته ا‪ ،‬فق انون العقوب ات تن اول مص طلح الض رورة في‬
‫القس م الع ام في الم ادتين ‪ 48 ،39‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬وتناوله ا في بعض المواض ع من القس م‬
‫الخ اص من ه‪ ،‬في الم واد ‪ 449 ،443 ،308‬من ه‪ ،‬باإلض افة لق انون الص حة وأخالقي ات مهن ة‬
‫الطب‪ ،‬وه و م ا فتح المج ال لالختالف في ال رأي ح ول طبيعته ا القانوني ة فظه ر اتجاه ان‪ ،‬اتج اه‬
‫يعتبره ا س ببا لإلباح ة وآخ ر يعتبره ا مانع ا للمس ؤولية الجزائي ة ولك ل منهم ا حجج ه‪ ،‬نح اول‬
‫التعرض لهما باختصار في التالي‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬حالة الضرورة سبب إباحة‬
‫يكي ف البعض من الفق ه الجن ائي( ) حال ة الض رورة بأنه ا من أس باب اإلباح ة‪ ،‬تأسيس ا على‬
‫‪1‬‬

‫أن الفقه والقضاء في فرنسا ذهبا هذا االتجاه( )‪ ،‬وبعض القوانين كالقانون الجنائي المغربي الذي‬
‫‪2‬‬

‫ينص في الفص ل ‪ 124‬من ه «ال جناي ة وال جنح ة وال مخالف ة في األح وال اآلتي ة‪ .2 ... :‬إذا‬
‫اضطر الفاعل ماديا إلى ارتك اب الجريمة‪ ،‬أو ك ان في حال ة اس تحال علي ه معه ا‪ ،‬اجتنابه ا‪ ،‬وذل ك‬
‫لس بب خ ارجي لم يس تطع مقاومت ه‪ .3 ،‬إذا ك انت الجريم ة ق د اس تلزمتها ض رورة حال ة لل دفاع‬
‫الش رعي عن نفس الفاع ل‪ ،»...‬فيؤس س رأيهم على نص الم ادة ‪ 39‬ق‪.‬ع بالتوس ع في تفس يرها‬
‫وس نده في ذل ك العب ارة ال واردة فيه ا «إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة الحال ة لل دفاع‬
‫المشروع»‪ ،‬وهو ال يستبعد قيام المسؤولية المدنية عن فعل الضرورة‪ ،‬ألن المجني عليه المقحم‬
‫في ال نزاع لم ي رتكب أي خط إ ولم ي دخل كعنص ر من عناص ر نش وء حال ة الض رورة‪ ،‬وبالت الي‬
‫يقوم حقه في التعويض عما لحقه من ضرر من الشخص المضطر‪.‬‬
‫وهو رأي ال يتفق والمنطق القانوني السليم الختالفه مع أحكامه في المواد ‪،443 ،308‬‬
‫‪ 449‬من ق انون العقوب ات وبعض األحك ام ال واردة في ق انون الص حة في الم واد ‪،344 ،21‬‬
‫‪ ،413‬وق انون أخالقي ات مهن ة الطب في الم واد ‪ 44 ،34 ،9‬ال تي تؤك د جميعه ا على الطبيع ة‬
‫القانونية للضرورة بأنها مانع للمسؤولية الجزائية‪ ،‬وكذلك‪:‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ...‬ص ‪.186‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- L’article 64 du C.P.F « Il n’y ni crime ni délit, .... ou lorsqu ‘il a été contrait par une force à laquelle‬‬
‫‪il n’a pu résister.», Crim 25 juin 1958, D.1958. 693. Trib. grande inst. Paris 24 nov 1980, D. 1982.‬‬
‫‪101, note D. Mayer. rev. sc. crim. 982. 765, obs . Larguier.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن التسليم بتحمل الغير فعل الضرورة من الغير بالرغم من أنه ليس له دخل‬
‫في حدوثها‪ ،‬فيسلب من حقه في الدفاع عن نفسه أو عن ماله‪ ،‬وعليه يظل الفعل الضروري الذي‬
‫يأتيه المضطر دفعا للخطر الذي يتهدد الشخص أو ماله أو غيره فيدفعه الرتكاب سلوك ينطبق‬
‫عليه نموذج إجرامي غير مشروع‪.‬‬
‫‪ -‬تعارضه مع األصل في اإلباحة بامتناع المسؤولية الجزائية والمدنية‪ ،‬لتقريره بالتسليم‬
‫بوجودها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الضرورة مانع للمسؤولية الجزائية‬
‫ويذهب االتجاه الثاني إلى تكييف الضرورة بأنها مانع من موانع المسؤولية الجزائية‪ ،‬فهي‬
‫ن وع من اإلك راه المعن وي ال ذي ي ؤثر على حري ة المض طر في االختي ار‪ ،‬ومن التش ريعات ال تي‬
‫ذهبت هذا االتجاه قانون العقوبات المصري في المادة ‪ 61‬منه «ال عقاب على من ارتكب جريمة‬
‫ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع‬
‫به أو بغيره ولم يكن إلرادته دخل في حلوله وال في قدرته منعه بطريقة أخرى»‪ ،‬وفي القانون‬
‫الجزائ ري ي رى ج انب من الفقه( ) في ظ ل ع دم تنظيم ه له ا ص راحة‪ ،‬وه و موق ف من المش رع‬
‫‪1‬‬

‫الجزائ ري ليس ل ه م ا ي برره‪ ،‬أن الض رورة م انع للمس ؤولية بتفس ير الم ادة ‪ 48‬ق‪.‬ع «ال عقوب ة‬
‫على من اض طرته إلى ارتك اب الجريم ة ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها» تفس يرا موس عا ليش مل مص طلح‬
‫"اض طرته" اإلك راه والض رورة في آن واح د‪ ،‬ويق ترح تع ديل الم ادة بص ياغتها ص ياغة جدي دة‬
‫كالتالي «ال عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها‪ .‬وال عقوبة على‬
‫من ألجأت ه إلى ارتك اب الجريم ة ض رورة وقاي ة نفس ه أو غ يره أو مال ه أو م ال غ يره من خط ر‬
‫جسيم يوشك أن يقع إذا لم يكن له دخل في حلوله وليس بقدرته منعه»‪.‬‬
‫ونعتقد أن الضرورة مانع من موانع المسؤولية الجزائية كالجنون وصغر السن واإلكراه‪،‬‬
‫اس تنادا ألن المش رع الجزائ ري ال يمكن ه تك ييف الض رورة تك ييفين مختلفين‪ ،‬فيكيفه ا في األحك ام‬
‫العامة سببا لإلباحة وفي األحكام الخاصة مانعا للمسؤولية لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن المادة ‪ 48‬وقد وردت في األحكام العامة أقرب للضرورة من المادة ‪ ،39‬بإمكان التوسع‬
‫في تفس يرها ‪ 48‬لتش مل ح التي اإلك راه والض رورة فتنص «ال عقوب ة على من اض طرته إلى‬
‫ارتك اب الجريم ة ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها‪ ،».‬والم ادة ‪ 308‬ال عقوب ة على اإلجه اض إذا اس توجبته‬
‫ض رورة إنق اذ حي اة األم من الخط ر م تى أج راه ط بيب أو ج راح في غ ير خف اء وبع د إبالغ ه‬
‫السلطات اإلدارية»‪.‬‬
‫والمالحظ أن هذه النصوص وردت كلها في القسم الخاص ما عدا المادة ‪ 48‬ق‪.‬ع‪ ،‬وهي‬
‫نص وص لم تن ف قي ام الجريم ة أص ال «ال عقوب ة»‪ ،‬فتق رر فق ط ع دم توقي ع العقوب ة‪ ،‬إذا ت وافرت‬
‫الحاالت المقررة في تلك المواد‪ ،‬وعليه فإن القول بتكييف الضرورة سبب لإلباحة تنقصه الدقة‬
‫ويتن اقض م ع موق ف المش رع الجزائ ري‪ ،‬خاص ة أن ه ذا األخ ير‪ ،‬ال يمكن أن يتن اقض م ع نفس ه‬
‫فيقررها سببا لإلباح ة في القسم العام‪ ،‬ثم يأتي فيقررها مانعا للمسؤولية في القسم الخاص‪ ،‬هذا‬
‫باإلض افة إلى أن الض رورة تتطلب أن يك ون الخط ر جس يما‪ ،‬ف إذا اعتم دت الم ادة ‪ 39‬فم ا ه و‬
‫الخطر الجسيم الذي يبرر التدخل بفعل الضرورة خاصة أن المادة السابقة يتوافر بها الدفاع مهما‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 326‬وما يليها‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫ك انت درج ة الخط ورة ألن ه يكفي في ه ص فة ع دم المش روعية‪ ،‬وق انون العقوب ات ينص في الم ادة‬
‫‪ 27‬منه على أن الجريمة تقسم من حيث جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات؟‪.‬‬
‫‪ -2‬نص وص الم واد ‪ 449 ،443 ،308‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬فتنص الم ادة ‪« 308‬ال عقوب ة‬
‫على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة األم ‪ mesure indispensable‬من الخطر‬
‫م تى أج راه ط بيب أو ج راح في غ ير خف اء وبع د إبالغ ه الس لطة اإلداري ة»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪443‬‬
‫«يع اقب ب الحبس من عش رة أي ام على األق ل إلى ش هرين على األك ثر وبغرام ة م الي من ‪8.000‬‬
‫إلى ‪ 16.000‬دج أو بإحدى ه اتين العقوب تين‪- :‬ك ل من قت ل دون مقتضى ‪،sans nécessité‬‬
‫وفي أي مكان دوابا للجر أو الركوب أو الحمل أو مواش‪ - ،...‬كل من قتل دون مقتضى ‪sans‬‬
‫‪ nécessité‬حيوان ا مستأنس ا في مك ان يملك ه أو يس تأجره أو يزرع ه مال ك الحي وان المقت ول»‪،‬‬
‫وتنص الم ادة ‪« 449‬يع اقب بغرام ة من ‪ 6.000‬إلى ‪ 12.000‬دج ويج وز أيض ا أن يع اقب‬
‫ب الحبس لم دة عش رة أي ام على األك ثر ك ل من أس اء دون مقتض ى ‪ sans nécessité‬معامل ة‬
‫حيوان من الحيوان ات المنزلي ة أو المستأنس ة أو المأسورة سواء ك ان ذل ك علني ا أو غير عل ني»‪،‬‬
‫كله ا نص وص وردت في الكت اب الراب ع من ق انون العقوب ات «المخالف ات وعقوباته ا» في القس م‬
‫الخاص منه‪ ،‬وتعتبر من تطبيقات الضرورة كظرف أو ظروف تهدد شخصا بخطر محدق به أو‬
‫بغيره‪ ،‬فتوحي له طريق النجاة ارتكاب فعل أو سلوك يعد جريمة في نظر القانون‪.‬‬
‫‪ -3‬إن مص طلح الض رورة في الم ادة ‪« 39‬الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع» تختل ف في‬
‫طبيعتها ومفهومها عن الضرورة المنصوص عليها في المواد ‪ 308 ،449 ،443‬ق‪.‬ع‪ ،‬فيقصد‬
‫بكل منها معنى مختلفا عن اآلخر‪ ،‬حيث تقرر المادة ‪ 39‬شرط الحلول ‪nécessité actuelle‬‬
‫‪ de la légitime défense‬في فع ل الخط ر غ ير المش روع في حين تق رر الم واد األخ رى‬
‫الض رورة بمعن اه المص طلحي ال تي تنص رف إلى أن يج د الش خص نفس ه مض طرا الرتك اب ذل ك‬
‫السلوك إلنقاذ نفسه أو غيره أو تحمل الخطر‪.‬‬
‫‪ -4‬أن طبيعة حالة الضرورة كمانع مسؤولية رسخها قانون الصحة رقم ‪ ) (11-18‬في اكثير‬
‫‪1‬‬

‫من مواده مثل ‪ ،413 ،344 ،21‬وكذلك مدونة أخالقيات الطب الصادر بالمرسوم التنفيذي رقم‬
‫‪ ) (276-92‬في المواد ‪ 44 ،34 ،9‬منه‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الفرع الثاني‪ -‬شروط الضرورة‬


‫في إط ار الصراع بين المص الح وتغليب مصلحة على أخ ر يجب أن يكون الضرر الواق ع‬
‫نتيجة للضرورة أقل أهمية من الضرر المراد درؤه بفعلها‪ ،‬مما يتطلب بالضرورة توافر شروط‬
‫معينة في كل من فعلي الضرورة الخطر ودرؤه‪ ،‬يجب توافرها في كل منهما‪ ،‬فتبيح أو تمنع قيام‬
‫المسؤولية الجزائية حسب االختالف في الرأي بين التشريعات والفقه الجنائي على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬شروط الخطر‬
‫تق وم حال ة الض رورة ابت داء على ت وافر خط ر يته دد الش خص في نفس ه أو مال ه فال يج د‬
‫س بيال للتخلص من ه بإنق اذ النفس أو الم ال إال أن ي رتكب س لوكا يعت بر جريم ة في نظ ر الق انون‪،‬‬
‫وهو خطر مرهون بتوافر مجموعة شروط‪.‬‬

‫‪ -1‬المؤرخ في ‪02‬يوليو ‪ ،2018‬المنشور بالجريدة الرسمية رقم‪ 46‬بتاريخ ‪ 29‬يونيو ‪.2018‬‬


‫‪ -2‬المؤرخ في ‪ 06‬يوليو ‪ ،1992‬المنشور في الجريدة الرسمية رقم ‪ 52‬في ‪ 8‬يوليو ‪.1992‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -1‬خطر على النفس أو المال‬
‫لم تتفق التشريعات الجنائية والفقه الجنائي في مدى شمولية الضرورة لألخطار التي تتهدد‬
‫النفس والم ال‪ ،‬فق د ج اء في الم ادة ‪ 48‬ق‪.‬ع «ال عقوب ة على من اض طرته إلى ارتك اب الجريم ة‬
‫ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪ 61‬من ق انون العقوب ات المص ري «ال عق اب على من‬
‫(‪)1‬‬
‫ارتكب جريم ة ألجأت ه إلى ارتكابه ا ض رورة وقاي ة نفس ه أو غ يره من خط ر جس يم على النفس‬
‫على وش ك الوق وع ب ه أو بغ يره ولم يكن إلرادت ه دخ ل في حلول ه وال في قدرت ه منع ه بطريق ة‬
‫أخ رى»‪ ،‬والفص ل ‪ 124‬من الق انون الجن ائي المغ ربي «ال جناي ة وال جنح ة وال مخالف ة في‬
‫األح وال اآلتي ة‪ -2...:‬إذا اض طر الفاع ل مادي ا إلى ارتك اب الجريم ة‪ ،‬أو ك ان في حال ة اس تحال‬
‫علي ه معه ا‪ ،‬اجتنابه ا‪ ،‬وذل ك لس بب خ ارجي لم يس تطع مقاومت ه»‪ ،‬وتق رر الم ادة ‪ 64‬من ق انون‬
‫العقوبات الفرنسي بأنه ليس هناك جناية وال جنحة على من اضطر الرتكابها بسبب قوة ال قبل‬
‫له بدفعها( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إذا كان القانون المصري صريحا من حيث حصره الخطر فيما يهدد النفس ويذهب بعض‬
‫الفقه( ) إلى أن مصطلح النفس الوارد في المادة ‪ 61‬ال يشمل الخطر الذي يهدد السمعة والشرف‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫ويرى جانب آخر وجوب التوسع في مدلول الخطر ونطاقه ليشمل األخطار التي تهدد النفس في‬
‫س المتها الجس دية والحري ة والع رض والش رف واالعتب ار( )‪ ،‬في حين لم بعض الق وانين مفه وم‬
‫‪4‬‬

‫النفس( )‪ ،‬فحدث خالف حول نطاقها‪ ،‬أما بالنسبة لقانون العقوبات الجزائري‪ ،‬فيمكن تفسير المادة‬
‫‪5‬‬

‫‪ 48‬تفس يرا موس عا بحيث تش مل حال ة الض رورة الخط ر ال ذي يه دد النفس في مجموع ة الحق وق‬
‫المتص لة به ا‪ ،‬أي تل ك الحق وق اللص يقة بالش خص‪ ،‬كحق ه في الحي اة والس المة الجس دية والحري ة‬
‫والعرض والشرف واالعتبار‪.‬‬
‫‪ -2‬خطر جسيم‬
‫يعرف الخطر الجسيم بأنه ذلك الخطر الذي يتهدد أو ينذر بخطر غير قابل لإلصالح أو‬
‫يغلب عليه عدم قابليته لإلصالح على قابليته له( )‪ ،‬والخطر الجسيم يتحدد وفقا للصلة القائمة بين‬
‫‪6‬‬

‫جسامة الخطر وانتفاء الحرية‪ ،‬فالذي يهدده خطر غير جسيم كأن يكون بسيطا ال يمكن أن يحتج‬
‫بالضرورة لإلفالت من العقاب‪ ،‬وعليه فإن الخطر اليسير ال تقوم به حالة الضرورة‪ ،‬ألنه خطر‬
‫ال يؤثر في اإلرادة بشكل يجردها من قيمتها القانونية‪.‬‬
‫ويجب اإلشارة إلى أن شرط الجسامة لم يحصل االتفاق بشأنه( ) فهناك من ال يشترط نوعا‬
‫‪7‬‬

‫من الجسامة‪ ،‬وهناك من يشترط في الخطر أن يكون جسيما مثل القانون المصري في المادة ‪61‬‬
‫قانون عقوبات‪ ،‬رغم ما يكتنف هذا المصطلح من صعوبة في التحديد‪ ،‬فما هي الحدود الفاصلة‬

‫‪ -1‬نقض مصري‪ 23 :‬يونيو ‪ ،1959‬مجموعة أحكام محكمة النقض‪ ،‬سنة ‪ ،10‬رقم ‪ ،149‬ص ‪.669‬‬
‫‪ -2‬فتنص المادة‪Il n’y ni crime ni délit,....ou lorsqu ‘il a été contrait par une force à laquelle il n’a « :64 :‬‬
‫‪»pu résister‬‬
‫‪ - 3‬محمد مصطفى القللي عن‪ /‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬هامش ‪ ،3‬ص ‪.589‬‬
‫‪ - 4‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص‪.589-588‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Crim 25 juin 1958, D.1958. 693.‬‬
‫‪Tribunal grande instance. Paris 24/11/1980, D. 1982. 101, note D. Mayer. rev. sc. crim. 982. 765,‬‬
‫‪obs Larguier.‬‬
‫‪ - 6‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.673‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪.283‬‬
‫‪ - 7‬د‪ .‬إبراهيم زكي أخنوخ‪ :‬حالة الضرورة‪ ،...‬ص ‪.173‬‬
‫د‪ .‬محمد لعساكر‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪».61‬‬
‫‪60‬‬
‫بين الخط ر البس يط والخط ر الجس يم‪ ،‬ف يرى البعض أن الخط ر جس يم م تى ه دد الش خص بض رر‬
‫جس يم في نفسه( )‪ ،‬ويطل ق المش رع الجزائ ري على ه ذا المص طلح ‪-‬الخط ر الجس يم‪ -‬خط ر‬
‫‪1‬‬

‫خطير( ) في قانون الصحة‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -3‬خطر حال‬
‫أن يكون خطرا حاال فال يكون أمام المهدد به فسحة من الوقت يستطيع خاللها تدبر وسيلة‬
‫الخالص منه دون ارتكاب جريمة الضرورة( )‪ ،‬فال يكون منتهيا أو مستقبال ألن الخطر المستقبل‬
‫‪3‬‬

‫غير محقق وتأثيره على اإلرادة ال يكون له محل‪ ،‬فيفترض في الخطر أن يكون موجودا بحلوله‬
‫في الزم ان وال يمكن تجنب ه إال بارتك اب الجريم ة‪ ،‬وعلي ه ف إن فك رة حل ول الخط ر تق وم في‬
‫صورتين‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الخطر المهدد به على وشك الوقوع‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الخطر بدأ وحل ولم ينته بعد‪.‬‬
‫وعليه فإنه ‪-‬باإلضافة إلي استبعاد الخطر المستقبل‪ -‬ال يعد خطرا حاال إذا تحقق الخطر‬
‫وانتهى فعال‪ ،‬فال يعتد به ألن طبيعة الضرورة وهو ما ال يتحقق في الخطر الذي وقع وانتهى‪.‬‬
‫‪ -4‬نشوء الخطر بفعل خارجي أو بالطبيعة‬
‫إذا ك انت حال ة الض رورة تنتقص من اإلرادة تف ترض أال تك ون إلرادة المض طر دخ ل في‬
‫حلولها لقيامها على عنصر المفاجأة بمداهمة خطر فال يجد من وسيلة تخلصه منه غير ارتكاب‬
‫الجريمة( )‪ ،‬فال تكون إلرادة المضطر دخل في وجود الخطر( )‪ ،‬فالشخص الذي يشعل النار في‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫مسكن عمدا لينقذ نفسه من النيران التي داهمته يقدم على إلقاء من يعترضه في طريقه في وسط‬
‫النيران ال يكون في حالة ضرورة وال يبرر فعله بأي شكل فال تمتنع مسؤوليته بنوعيها الجزائية‬
‫والمدنية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬شروط فعل الضرورة‬
‫في إط ار الموازن ة بين المص الح وتغليب مص لحة على أخ رى‪ ،‬يجب أن تك ون المص لحة‬
‫المض حى به ا أق ل أهمي ة من المص لحة الم راد المحافظ ة عليه ا ب درء الخط ر عليه ا بفع ل‬
‫الض رورة( ) ومن األمثل ة لتوض يح ذل ك‪ ،‬فل و أن س فينة في البح ر تش رف على الغ رق لثق ل‬
‫‪6‬‬

‫حمولتها‪ ،‬وال يمكن إنقاذها إال بالتخفيف من تلك الحمول ة‪ ،‬فيقوم ربان السفينة بالتضحية ببعض‬
‫المس افرين ب دل البض ائع‪ ،‬فإن ه في ه ذه الحال ة تك ون المص لحة الم راد حمايته ا ال ت رقى لدرج ة‬
‫المصلحة التي ضحي بها الربان‪ ،‬فال يجوز له التمسك بحالة الضرورة ألنه كان عليه التضحية‬
‫أوال بالحمولة كاملة قبل التضحية بالمسافرين‪ ،‬وعليه فإن شروط فعل الضرورة هي‪:‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬مأمون محمد سالمة‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪ -2‬وتطلق عليه المادة ‪ 72‬من قانو حماية الصحة وترقيتها "الخطر البالغ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- P. Bouzat- P. Pinatel: op. cit P 281.‬‬
‫‪Crim 7 août 1890, D.P. 91. 1. 43. Crim 8 juillet 1971, D. 1971. 625.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Crim 11 juin 1926, D. H. 1926. 378. Crim 8 mai 1947, D. 1948. 109.‬‬
‫‪ - 5‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 591‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪.460‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬محمد لعساكر‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪.61‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ -1‬وج وب ت وافر الض رورة فعال‪ ،‬فيج د الش خص نفس ه أو غ يره مه ددا بخط ر ح ال‪،‬‬
‫والمضطر هو من تدفعه الض رورة إلى ارتك اب جريمة تص يب الغير‪ ،‬دفع ا للخط ر أو الخالص‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يك ون فع ل الض رورة ه و الوس يلة الوحي دة للتخلص من الخط ر‪ ،‬فال تك ون هن اك‬
‫وس يلة ثاني ة يمكن بواس طتها التخلص من ه‪ ،‬ألن وج ود مث ل ه ذه الوس يلة فال اض طرار‪ ،‬ألن ه‬
‫باالس تطاعة ع دم االلتج اء إليه ا‪ ،‬فمثال من ك ان يس تطيع التخلص من الخط ر ب الهروب يس أل إذا‬
‫ارتكب فعال مجرم ا ض د الغ ير في س بيل التخلص من ه ذا الخط ر‪ ،‬أو رب ان الس فينة ال ذي ك ان‬
‫بإمكانه إنقاذ السفينة من الغرق بالتضحية بحمولتها‪ ،‬فراح يلقي بركابها أوال في البحر‪.‬‬
‫‪ -3‬وج ود تناس ب بين الخط ر ال ذي يته دد الش خص وبين فع ل الض رورة‪ ،‬ألن ه يجب درء‬
‫الخطر بوسيلة مناسبة للخطر‪ ،‬فإذا كان باستطاعته درؤه عن طريق فعل ذي جسامة أقل‪ ،‬ولكنه‬
‫فض ل دفع ه عن طري ق فع ل أش د جس امة‪ ،‬فال تك ون ه ذه الوس يلة هي الوس يلة الوحي دة لدفع ه‪،‬‬
‫وبالتالي ال يكون مضطرا‪.‬‬
‫والمالحظ عدم وجود معيار محدد لتحديد فكرة التناسب بين الخطر وفعل الضرورة‪ ،‬وال‬
‫يشترط فيهما التساوي وإ نما العبرة بظروف الحال‪ ،‬وهو أن يكون فعل الضرورة هو أقل األفعال‬
‫جسامة أو أقلها قيمة من شأنها دفع الخطر‪ ،‬وكان بوسع المضطر ارتكابها‪ ،‬فمثال ربان السفينة‬
‫ال ذي يه دد س فينته خط ر الغ رق إذا ك ان يس تطيع إنق اذ ركابه ا من الغ رق بإلق اء حمولته ا ف ألقى‬
‫ببعض ركابه ا‪ ،‬فال يك ون في حال ة ض رورة‪ ،‬بعكس ل و اخت ار الوس يلة األولى يك ون في حال ة‬
‫ضرورة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬رضاء المجني عليه‬
‫ثارت مناقشة حول الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه‪ ،‬هل يعتبر سببا إلباحة الجريمة‬
‫م تى وقعت برض اء ص احب الحق في الحماية القانوني ة؟‪ ،‬وبعبارة أخرى إذا ك انت الجريم ة تقع‬
‫اعت داء على ح ق من الحق وق فيرض ى ص احبه باالعت داء علي ه فه ل يعت د برض ائه بإض فاء ص فة‬
‫المشروعية على فعل االعتداء؟‬
‫إذا كانت الجريمة مهما كان الحق أو المصلحة المعتدى عليها تعتبر إهدارا لمصلحة عامة‪،‬‬
‫فمثال القت ل وه و إزه اق روح إنس ان على قي د الحي اة‪ ،‬يعت بر اعت داء على ح ق المج ني علي ه في‬
‫الحياة وفي نفس الوقت يعتبر إهدارا لحق المجتمع بأسره في أمن وسكينة أفراده‪ ،‬والتفريط في‬
‫هذا الحق برضاء المجني عليه أو بدونه يتهدد مصلحة الجماعة في األمن واالستقرار مما يمكن‬
‫الق ول أن األص ل الع ام أن الرض اء ال ي ؤثر في وج ود الجريم ة‪ ،‬رغم أن هن اك من الحق وق م ا‬
‫يج وز لص احبها التص رف فيه ا وبالت الي تخويل ه س لطة قب ول تعريض ها لالعت داء‪ ،‬ومن ص ور‬
‫التص رف أن يرضى صاحبها بارتك اب فع ل ضدها‪ ،‬فه ل يعني هذا عدم قيام الجريمة‪ ،‬هذا من‬
‫جه ة‪ ،‬ومن جه ة أخرى فإن الرض اء يضفي عليه الق انون أحيانا أهمية خاص ة وبصور مختلفة‪،‬‬
‫بحيث يعتبر رضا المجني عليه عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة‪ ،‬وأخرى يعتبره شرطا‬
‫من شروط اإلباحة‪ ،‬وأحيانا أخرى يعتبر شرطا أو قيدا على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى‬
‫العمومية فيجعل من الرضا قيدا على سلطة النيابة العامة في مباشرة اإلجراءات‪ ،‬نحاول اإلشارة‬
‫إليها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة‬
‫ال يعتبر رضاء المجني عليه سببا لإلباحة كقاعدة عامة‪ ،‬فال يجوز االستناد إليه في إباحة‬
‫ما يجرمه قانون العقوبات والقوانين المكملة له‪ ،‬إال أن هذا لم يمنع بعض الفقه من القول بإباحته‬
‫لبعض األفع ال المتعلق ة ب الحقوق الفردي ة وال تي خ ول الق انون أص حابها س لطة التص رف فيها( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫ألن في مث ل تل ك الح االت ينع دم الض رر االجتم اعي ال ذي يق ف وراء قواع د التج ريم والعق اب‪،‬‬
‫ويفس ر لن ا ت دخل المش رع ب التجريم والعق اب لحماي ة تل ك الحق وق‪ ،‬فث ار ج دل فقهي ح ول نط اق‬
‫الحق وق ال تي يمكن إباح ة التع رض له ا‪ ،‬إذا وق ع الفع ل أو الس لوك بن اء على رض اء ص حيح من‬
‫ص احب الح ق في الحماي ة‪ ،‬ك الحق في الس المة الجس دية كم ا في األلع اب الرياض ية وأعم ال‬
‫الجراحة الطبية والقتل بدافع الشفقة( )‪ ،...‬إال أن الرأي الراجح أن جميع هذه السلوكات ال يقوى‬
‫‪2‬‬

‫رضاء المجني عليه بإباحتها‪ ،‬فال يعدو أن يكون شرطا من شروطها أو يظل السلوك جريمة كما‬
‫في حالة القت ل ب دافع الش فقة‪ ،‬والمالح ظ أن الق انون الجزائري ال يعترف بالرضا كس بب لإلباح ة‬
‫لع دم النص علي ه أوال في الم ادة ‪ 39‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬في حين يض في علي ه أوص افا أخ رى‬
‫مختلف ة‪ ،‬منها أن يكون الرضا شرطا من شروط اإلباحة كما هو في العمل الط بي‪ ،‬فتنص مثال‬
‫الم ادة ‪ 344‬من ق انون الص حة «في حال ة رفض عالج ات طبي ة‪ ،‬يمكن اش تراط تص ريح كت ابي‪،‬‬
‫من الم ريض أو ممثل ه الش رعي»‪« ،‬غيــر أّن ه‪ ،‬في حال ة االستعجال أو في حال ة مرض خط ير أو‬
‫معد‪ ،‬أو عن دما تك ون حي اة الم ريض مه ددة بش كل خط ير‪ ،‬يجب على مه ني الص حة أن يق ٌدم‬ ‫ٍ‬
‫العالجات‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬تجاوز الموافقة»‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬عدم الرضاء كعنصر من عناصر الركن المادي‬
‫يقيد الوجود القانوني لبعض الجرائم على إرادة المجني عليه فيتطلب لقيامها أن يقع الفعل‬
‫ضد إرادته أي بغير رضاه‪ ،‬كجريمة انتهاك حرمة المساكن في المادة ‪ 135‬وجريمة االغتصاب‬
‫في الم ادة ‪ 336‬وهت ك الع رض في الم ادة ‪ 335‬والخط ف في الم ادة ‪ 326‬والس رقة في الم ادة‬
‫‪ 350‬والتع دي على األمالك العقاري ة في الم ادة ‪ 386‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬حيث أن جميعه ا ال‬
‫يمكن قيامه ا إذا ت وافر عنص ر ع دم الرض اء بالفع ل المك ون ألي منه ا‪ ،‬ألنه ا ج رائم ال يج وز أن‬
‫تقوم إال بعدم الرضاء بالسلوك كركن مميز لها فتنص مثال المادة ‪« 135‬كل موظف في السلك‬
‫اإلداري أو القض ائي وك ل ض ابط ش رطة وك ل قائ د أو أح د رج ال الق وة العمومي ة دخ ل بص فته‬
‫الم ذكورة م نزل أح د المواط نين بغ ير رض اه‪ ،‬وفي غ ير الح االت المق ررة في الق انون وبغ ير‬
‫اإلج راءات المق ررة فيه( ) يع اقب ب الحبس من ش هرين إلى س نة وبغرام ة من ‪ 20.001‬إلى‬
‫‪3‬‬

‫‪ ) (100.000‬دج دون اإلخالل بتط بيق الم ادة ‪ ،»107‬وتنص الم ادة ‪« 350‬ك ل من اختلس‬
‫‪4‬‬

‫ش يئا( ) ‪ - -‬غ ير ممل وك ل ه يع د س ارقا ويع اقب ب الحبس من س نة على األق ل إلى خمس س نوات‬
‫‪5‬‬

‫على األك ثر وبغرام ة من ‪ 20.001‬إلى ‪ 100.000‬دج»‪ ،‬وتنص الفق رة األولى من الم ادة ‪386‬‬

‫‪ -1‬د محم د ص بحي محم د نجم‪ :‬رض اء المج ني علي ه وأث ره على المس ؤولية الجنائي ة‪ ،‬دراس ة مقارن ة‪ ،‬دي وان المطبوع ات‬
‫الجامعية الجزائر ‪.1983‬‬
‫عبد اهلل اوهايبيه‪ :‬رضاء المجني عليه وأثره في المسؤولية الجنائية‪ ،‬ماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر ‪.1979‬‬
‫‪ - 2‬نالحظ أن الرضاء في مثل هذه الحالة ليس هناك ما يمنع القاضي من تخفيف العقاب على المتهم تطبيقا لحكم الم ادة ‪53‬‬
‫ق‪.‬ع‪ ،‬باعتبارها من الصالحيات المقررة للقاضي الجنائي‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر المواد ‪ 64 ،47 ،45‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ - 4‬نالحظ أن عقوبة الغرامة المقررة في المادة ترفع طبقا لتعديل قانون العقوبات بالقانون ‪ 23-06‬في المادة ‪ 467‬مكرر‪.‬‬
‫‪. quiconque soustrait frauduleusement -5‬‬
‫‪63‬‬
‫«يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات وبغرام ة من ‪ 20.001‬إلى ‪ 100.000‬دج ك ل من‬
‫انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطرق التدليس»‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ -‬الرضاء كقيد على تحريك الدعوى العمومية‬
‫يقرر المشرع في أحوال محددة أن المجني عليه أقدر على تقدير مدى المصلحة المحققة‬
‫من تحري ك ال دعوى العمومي ة بخالف القاع دة العام ة ال تي تخ ول النياب ة العام ة ه ذه الص الحية‪،‬‬
‫وبالتالي فرض قيدا عليها في تحريكها واتخاذ اإلجراءات بالنسبة لبعض الجرائم بوجوب تقديم‬
‫ش كوى من المج ني علي ه ص احب الح ق أو المص لحة المعت دى عليه ا للجه ات المختص ة إلطالق‬
‫ي دها‪ ،‬والرض ا في مث ل تل ك الح االت ي أتي في ص ورة امتن اع المج ني علي ه عن تق ديم الش كوى‬
‫للجهة المختصة بتلقي الشكاوي والبالغات فيقف حائال أو مانعا بين النيابة العامة وبين اتخاذها‬
‫إجراءات المتابعة المقررة طبقا للمادتين ‪ 29 ،1‬من قانون اإلجراءات الجزائية( )‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫خط ف القاص رة دون الثامن ة عش رة وال زواج منه ا في الم ادة ‪ 326/2‬من ق انون‬ ‫‪.1‬‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫ترك األسرة أو التخلي عنها بهجرها في المادة ‪ 330‬ق‪.‬ع‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫جريمة الزنا في المادة ‪ 339‬ق‪.‬ع‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الجنح المرتكبة من طرف جزائري في الخارج ضد األفراد‪ ،‬وعودته بعد ذلك ألرض‬ ‫‪.4‬‬
‫ال وطن دون معاقبت ه في الدول ة ال تي ارتكب فيه ا الجريم ة‪ ،‬طبق ا للم ادة ‪ 583/3‬من ق انون‬
‫اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصلة‬ ‫‪.5‬‬
‫من جناي ة أو جنح ة في مجموعه ا أو في ج زء منه ا ال تي تق ع بين األزواج وبين األق ارب‬
‫واألصهار حتى الدرجة الرابعة في المادة ‪ 389 ،377 ،373 ،369‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ -‬الرضاء كشرط من شروط اإلباحة‬
‫ه ذا باإلض افة إلى أن الرض اء يعت بر أحيان ا أح د الش روط ال واجب توافره ا إلباح ة فع ل أو‬
‫س لوك م ا‪ ،‬فق د يض ع الق انون أحكام ا لإلباح ة تتض من مجموع ة من الش روط إلباحت ه‪ ،‬من بينه ا‬
‫الرضاء بالسلوك ونتائجه‪ ،‬كما هو الحال في األفعال الماسة بالسالمة الجسدية نتيجة التدخالت‬
‫الطبي ة بالجراح ة مثال‪ ،‬س واء بغ رض العالج أو الت برع بعض و من الجس م أو زرع األنس جة( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وكذلك األلعاب الرياضية التي تعتمد العنف‪ ،‬فمثال في العمل الطبي يجب توافر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الترخيص بمزاولة مهن ة الطب‪ ،‬حيث تقتض ي ه ذه المهن ة ابت داء أن يك ون الش خص المع الج‬
‫حاص ل على مؤه ل يس مح ل ه بمزاولته ا‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 185‬من ق انون الص حة «يم ارس بص فة‬
‫غ ير ش رعية مهن ة الص حة ك ل من ال يس توفي ش روط الممارس ة المح ددة في التش ريع والتنظيم‬
‫المعم ول بهم ا»‪ ،‬وتح دد الم ادة ‪ 166‬ش روط الممارس ة «تخض ع ممارس ة مهن الص حة‬
‫للشروط‪ ،»...‬بل إن ممارسة العمل الطبي دون توفر الرخصة يعتبر عمال غير مشروع يعاقب‬
‫عليه القانون في المادة ‪ 416‬من نفس القانون والتي تحيل على المادة ‪ 243‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬عبد اهلل اوهايبيه‪ :‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪ 156‬وما يليها‪ ،‬طبعة ‪،2018 ،2‬‬
‫دار هومة للنشر والتوزيع‪.،‬‬
‫‪ -2‬أنظر المواد ‪ 360 ،355 ،343‬من قانون الصحة‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ -2‬رض اء الم ريض‪ ،‬يجب أن يك ون الرض ا ب العالج ص ادرا ممن يعت د الق انون برض ائه‪ ،‬وه و‬
‫أصال المريض فله أن يبدي رضاه أو عدم رضاه‪ ،‬وقد عبر قانون الصحة على رضا الم ريض بـ‬
‫"الموافق ة الح رة والمس تنيرة"‪" ،‬الموافق ة المس تنيرة"‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 343/1‬من ه «ال يمكن القي ام‬
‫بأي عمل طبي وال بأي عالج دون الموافقة الحرة والمستنيرة للمريض»‪ ،‬وتنص المادة ‪360/4‬‬
‫أيض ا «ال يمكن القي ام ب نزع األعض اء والخالي ا من ش خص حي قص د زرعه ا ب دون الموافق ة‬
‫المس تنيرة للمت برع»‪ ،‬وفي مدون ة أخالقي ات الطب اس تعملت الم اد ‪« 42‬للم ريض حري ة اختي ار‬
‫طبيبه»‪« ،‬وتمثل حرية االختيار هذه مبدأ أساسيا تقوم عليه العالقة‪ ،»...‬والمادة ‪« 44‬يخضع كل‬
‫عمل طبي‪ ،‬يكون فيه خطر جدي على المريض‪ ،‬لموافقة المريض موافقة حرة ومتبصرة» ويجوز‬
‫في أح وال معين ة كحال ة الض رورة وص غر الس ن وغيره ا من الح االت ال تي ال يس تطيع فيه ا‬
‫الم ريض إب داء رض اه ب العالج أو رفض ه فيك ون الرض ا بالعم ل الط بي ممن خول ه الق انون إب داء‬
‫موافقته بذلك‪ ،‬وقد حدد القانون من تتوافر فيه الصفة من غير المريض بحسب كل حالة في ما‬
‫إذا كلن بغ رض العالج أو الت برع أو زرع أو ن زع أعض اء أو خالي ا بش رية في الم واد ‪،343‬‬
‫‪ 364 ،362 ،361 ،360‬من قانون الصحة‪.‬‬
‫‪ -3‬قص د العالج‪ ،‬تعم ل الدول ة على تجس يد حق وق المواط نين في مج ال الص حة بحقهم في‬
‫الحصول على العالج وعدم تعريضهم للخطر وحماية حياتهم الخاصة‪ ،‬فتنص المادة ‪ 1‬من قانون‬
‫الص حة «يح دد ه ذا الق انون األحك ام والمب ادئ األساس ية ال تي وبه دف تجس يد حق وق وواجب ات‬
‫المواط نين في مج ال الص حة»‪« ،‬وي رمي إلى ض مان الوقاي ة وحماي ة ص حة األش خاص والحف اظ‬
‫عليه ا واس تعادتها وترقيته ا ض من اح ترام الكرام ة والحري ة والس المة والحي اة الخاص ة»‪ ،‬وعلي ه‬
‫يكون الغرض من التدخل الطبي العالج وهو ما تؤكده المادة ‪ 269‬منه «تهدف الخريطة الصحية‬
‫إلى م ا ي أتي‪...:‬تحدي د منظوم ة العالج‪... ،‬ض مان الحص ول على العالج ات في ك ل نقط ة من‬
‫ال تراب الوط ني وتحس ينها»‪ ،‬ف إذا ك ان الغ رض من الت دخل ليس عالجي ا فليس هن اك رخصة ( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وتق رر الم ادة ‪ 11‬من مدون ة أخالقي ات الطب حري ة الط بيب في تق ديم الوص فة ال تي يراه ا أك ثر‬
‫مالءمة للحالة المعروضة عليه‪ ،‬وأن تقتصر وصفته وعمله على ما هو ضروري في نطاق ما‬
‫ينس جم م ع نجاع ة العالج‪ ،‬ودون إهم ال واجب المس اعدة المعنوي ة للم ريض( )‪ ،‬فإن ه ال يج وز‬
‫‪2‬‬

‫للطبيب النظر في استعمال عالج جديد للمريض إال بعد إجراء دراسات بيولوجية مالئمة تحت‬
‫رقابة صارمة‪ ،‬أو عند التأكد من أن هذا يعود بفائدة مباشرة على المريض طبقا للمادة ‪ 18‬من‬
‫المدونة‪.‬‬
‫‪ -4‬اتباع أصول مخنة الطب‪ ،‬يجب على الطبيب المعالج أو جراح األسنان في عمله الطبي اتباع‬
‫أصول العمل الطبي‪ ،‬فيخول القيام بكل أعمال التشخيص والتطبيب والعالج والوقاية لمريضه‪،‬‬
‫وال يجوز له أن يقدم وصفات طبية أو مواصلة يخرج فيها أو تتجاوز اختصاصاته أو إمكانياته‪،‬‬
‫فيمتن ع علي ه تع ريض ص حة مريض ه لخط ر غ ير م برر إال في الح االت االس تثنائية كض رورة‬
‫التدخل بعمل جراحي عمال بحكم المادتين ‪ 17 ،16‬من مدونة أخالقيات الطب‪ ،‬والمادتين ‪،344‬‬
‫‪ 413‬من قانون الصحة‪.‬‬
‫شروط صحة الرضاء في صوره المختلفة‬

‫‪ - 1‬أنظر المادة األولى من قانون الصحة والمواد ‪ 31 ،17 ،16‬من مدونة أخالقيات الطب‪.‬‬
‫‪ -2‬تنص الم ادة ‪ 30‬من مدون ة أخالقي ات الطب مثال «يجب أال يفش ي الط بيب أو ج راح األس نان في األوس اط الطبي ة طريق ة جدي دة‬
‫للتشخيص أو للعالج غير مؤكدة دون أن يرفق عروضه بالتحفظات الالزمة ويجب أن يذيع ذلك في األوساط غير الطبية»‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ح تى يح دث الرض ا أث ره الق انوني في أي ص ورة من الص ور المق ررة ق انون يجب ت وافر‬
‫الشروط التالية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬أن يك ون المج ني علي ه أهال للرض ا بت وافر األهلي ة القانوني ة‪ ،‬طبق ا للم ادة ‪ 40/2‬من‬
‫الق انون الم دني ال تي تنص «وس ن الرش د تس عة عش ر ( ‪ ) ()19‬س نة كامل ة»‪ ،‬ويش ترط في ه أن يتم‬
‫‪1‬‬

‫ص راحة ووف ق إج راءات مح ددة‪ ،‬ويس تخلص ه ذا الش رط من بعض الم واد القانوني ة‪ ،‬وق د ع بر عن‬
‫الرض ا في مج ال العم ل الط بي في ق انون الص حة بمص طلح "الموافق ة" وأك د على أن تك ون ح رة‬
‫ومس تنيره أو متبص رة‪ ،‬كم ا ورد في الم ادتين ‪" 360/4 ،343/1‬الموافق ة الح رة والمس تنيرة"‪،‬‬
‫"الموافقة المستنيرة"‪ ،‬وفي مدونة أخالقيات الطب «موافقة حرة ومتبصرة» في الماد ‪ « 42‬حر‬
‫ومتبصر أو مستنير» في المادة ‪ ،44‬وهي مصطلحات جميعها تؤكد أن يكون الرضا خاليا من كل‬
‫عي وب اإلرادة‪ ،‬فال يك ون نتيج ة غش أو ت دليس أو غل ط أو خ داع أو حيل ة‪ ،‬فتك ون اإلرادة خالي ة‬
‫مما يعيبها‪ ،‬ألن أي من العيوب السابقة يفرغ الرضا من قيمته القانونية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أن يكون الرضا حرا ومتبصرا‪ ،‬وليس نتيجة استعمال العنف ضد المجني عليه أو‬
‫ضد إرادته( )‪ ،‬كما هو مقرر في المادة ‪ 42‬من المدونة «للمرض حرية اختيار طبيبه‪ ،...‬وتمثل‬
‫‪2‬‬

‫حرية االختيار هذه مبدأ أساسيا تقوم عليه العالقة بين الطبيب والمريض»‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬يجب أن يكون رضا المجني عليه معاصرا للسلوك المتعلق بالجسم‪ ،‬كالعمل الطبي‬
‫الجراحي أو الفعل الرياضي أو تعلق بالشرف والمال أو أن يكون سابقا عليه‪ ،‬بشرط بقاء الرضا‬
‫قائما لحين القيام بالفعل‪ ،‬وبالتالي فالرضا الالحق ال يعتد به وال قيمة له في نظر القانون‪.‬‬
‫وهو شرط يتعلق بصور الرضا المختلفة‪ ،‬سوان كان سببا لإلباحة ‪-‬عند من يعتبره سببا‬
‫لإلباح ة‪ -‬أو عنص را من عناص ر قي ام الجريم ة أو ش رطا من الش روط العام ة إلباح ة بعض‬
‫الس لوكات‪ ،‬وعلي ه فالرض ا الالح ق ليس ل ه من أث ر إال على اإلج راءات ومزاولته ا في الح االت‬
‫التي يحددها القانون سلفا‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ -‬أمر القانون أو إذن القانون‬
‫تنص الم ادة ‪ 39‬ق‪.‬ع في بندها األول على أنه «ال جريم ة‪ -1 :‬إذا ك ان الفع ل ق د أمر أو‬
‫أذن به القانون»‪ ،‬يتضح منه أنه نص عام لم يحدد فيه األفعال المجرمة التي يبيحها أمر القانون‬
‫أو أذن بها‪ ،‬مما بوجب العودة لمختلف النصوص القانونية لتحديد ما يمكن إباحته بأمر القانون أو‬
‫إذنه‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬أمـر القـانـون‬
‫يلجأ المشرع إلباحة بعض األفعال بأمره إلى أسلوبين‪ ،‬فقد يأمر القانون مباشرة باإلباحة‬
‫وق د يك ون أم را غ ير مباش ر‪ ،‬فق د ي أمر الق انون مباش رة موظف ا أو شخص ا عادي ا بإتي ان فع ل من‬
‫األفع ال‪ ،‬أو تتم تنفي ذا ألم ر الس لطة المخول ة قانون ا األم ر بفع ل م ا‪ ،‬تعت بر أفع اال مباح ة ال تق وم‬
‫بتوافره ا الجريم ة‪ ،‬ألن أم ر الق انون بص ورتيه يكفي إلباح ة العم ل‪ ،‬ألن المش رع أحيان ا ي رى‬
‫ض رورة الت دخل لرعاي ة مص لحة اجتماعي ة ج ديرة بالحماي ة بتعطي ل النص التج ريمي وت برير‬

‫‪ -1‬وهو يختلف عن سن الرشد الجزائي‪ ،‬فتنص المادة ‪ 2‬من قانون حماية الطفل «سن الرشد الجزائي‪ :‬بلوغ ثماني عشرة (‬
‫‪ ) 18‬سنة كاملة»‪« ،‬تكون العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي بسن الطفل الجانح يوم ارتكاب الجريمة»‪.‬‬
‫‪ -2‬فتنص المادة ‪ 350‬ق‪.‬ع مثال «كل من اختلس ‪.»Quiconque soustrait frauduleusement‬‬
‫‪66‬‬
‫الخ روج علي ه في ح االت معين ة فيض ع ش روط اإلباح ة وحاالته ا‪ ،‬فليس من المنط ق أن ي أمر‬
‫القانون بفعل معين ثم يجرمه بعد ذلك‪،‬‬
‫ومن األمثلة ألمر القانون مباشرة ما يقرره قانون الصحة بوجوب التبليغ( ) عن أي مرض‬
‫‪1‬‬

‫معد شخصه وإ ال خضع للمسؤولية التأديبية والجزائية فتنص المادة ‪ 39‬من قانون الصحة «يجب‬
‫على كل ممارس طبي التصريح فورا للمصالح الصحية المعنية بكل حالة مشكوك فيها أو مؤكدة‬
‫من األم راض ال واردة في قائم ة األم راض ذات التص ريح اإلجب اري الم ذكورة في الم ادة ‪38‬‬
‫أعاله( )‪ ،‬تحت طائل ة العقوب ات المنص وص عليه ا في الق انون»‪ ،‬حيث تج رم الم ادة ‪ 400‬ع دم‬
‫‪2‬‬

‫التصريح بأي مرض متنقل أو معد تشكل مصدرا للعدوى‪ ،‬فننص «يعاقب كل من يخالف أحكام‬
‫الم ادة ‪ 39‬من هــذا ال ـقــانــون‪ ،‬المت ـع ـلــقـة بـاألمـراض ذات الـتصريـح اإلجـبـاري بغرام ة مالي ة‬
‫ت تراوح من ‪ 20.000‬دج إلى ‪ 40.000‬دج( )»‪ ،‬ومن ه أيضا( ) الش اهد ال ذي ي وجب علي ه الق انون‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫اإلدالء بشهادته فتنص المادة ‪ 222‬إ‪.‬ج «كل شخص مكلف بالحضور أمام المحكمة لسماع أقوال ه‬
‫كشاهد ملزم بالحضور وحلف اليمين وأداء الشهادة»‪ ،‬ال يعتبر مرتكبا لجريمة إفشاء األسرار أو‬
‫القذف أو السب بحق المتهم الذي يدلي بشهادته بشأنه( )‪ ،‬بل إن القانون يعاقب على االمتناع عن‬
‫‪5‬‬

‫اإلدالء بها طبقا للمادة ‪ 223‬إ‪.‬ج( )‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫أم ا أم ر الق انون غ ير المباش ر مث ل تنفي ذ م أمور المؤسس ة العقابي ة األم ر الص ادر ل ه من‬
‫الس لطة القض ائية المختص ة بحبس المتهم مؤقت ا أو بإيداع ه تنفي ذا للحكم علي ه ال يعت بر مرتكب ا‬
‫لجريمة الحبس التعسفي المعاقب عليه قانونا طالما أنه ينفذ أمر السلطة القضائية المختصة وفقا‬
‫لما يحدده لها القانون في المادة ‪ 117‬إ‪.‬ج والمادتين ‪ 12 ،5‬من قانون السجون وإ عادة اإلدماج‬
‫االجتماعي للمحبوسين( )‪ ،‬فتنص ‪« 5‬تتولى إدارة السجون ضمان تطبيق العقوبات السالبة للحرية‬
‫‪7‬‬

‫والت دابير األمني ة‪ ،‬والعقوب ات البديل ة‪ ،‬وفق ا للق انون»‪ ،‬وتنص ‪« 12‬تنف ذ العقوب ة الس البة للحري ة‬
‫بمستخرج حكم أو قرار جزائي‪ ،‬يعده النائب العام أو وكيل الجمهورية‪ ،‬يوضع بموجبه المحكوم‬
‫(‪)8‬‬
‫علي ه في المؤسس ة العقابي ة»‪ ،‬وك ذلك تنفي ذ ع ون الق وة العمومي ة أو أع وان الش رطة القض ائية‬
‫ألم ر ص ادر عن وكي ل الجمهوري ة أو قاض ي التحقي ق بإحض ار المتهم في الح االت ال تي يج يزه‬
‫القانون طبقا للمادتين ‪ 109 ،58‬إ‪.‬ج‪ ،‬واألمر بالقبض عليه طبقا ألحكام المادة ‪ 119‬وما يليها‬
‫من ق انون اإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬فال يعت بر المنف ذ مرتكب ا للجريم ة المنص وص عليه ا في الم ادة‬
‫‪ 291‬ق‪.‬ع( ) التي تجرم االعتداء على الحريات الفردية بالتقييد منها أو التعرض لها لتطبيقه أمر‬
‫‪9‬‬

‫القانون( )‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -1‬يلزم القانون الطبيب المعالج بالسر المهني وفي حالة اإلخالل به بإفشاء سر مريضه في غير الحاالت التي يقرر فيها‬
‫القانون وجوب التبليغ‪ ،‬يعرضه لتطبيق أحكام المادة ‪ 301‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -2‬راجع المادة ‪ 38‬من قانون الصحة‪.‬‬
‫‪ -3‬أنظر المادة ‪ 36‬من مدونة أخالقيات الطب‪ ،‬المرسوم التنفيذي ‪ 276-92‬المؤرخ في ‪ 6‬يوليو ‪.1992‬‬
‫‪-4‬أنظر أيضا المادة ‪ 123 ،61‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -5‬ذلك أن القانون يقرر في المادة ‪ 97‬إ‪.‬ج تجريم امتناع الشاهد عن الحضور أو عدم أداء اليمين المقررة قانونا واالمتناع‬
‫عن اإلدالء بشهادته‪.‬‬
‫‪ -6‬أنظر المادة ‪ 88‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -7‬القانون الصادر تحت رقم ‪ 04-05‬المؤرخ في ‪ 06‬فبراير ‪.2005‬‬
‫‪ -8‬تنص المادة ‪ 13‬من قانون اإلجراءات الجزائية «إذا ما افتتح التحقيق فإن على الضبط القضائي تنفيذ تفويضات جهات‬
‫التحقيق وتلبية طلباتها»‪.‬‬
‫‪ -9‬تنص المادة ‪ 291‬ق‪.‬ع «يعاقب بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشرة سنوات كل من اختطف أو قبض أو حبس‬
‫أو حجز أي شخص بدون أمر السلطات المختصة وخارج الحاالت التي يجيز أو يأمر فيها القانون بالقبض على األفراد»‬

‫‪67‬‬
‫ويش ترط إلح داث اإلباح ة األث ر ال ذي يرتب ه الق انون أن يت وافر في أم ر الق انون أو أداء‬
‫الواجب ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬تت وافر الص فة المطلوب ة قانون ا فيمن يق وم بالفع ل‪ ،‬ك أن تت وافر ص فة الموظ ف العم ومي أو‬
‫الطبيب المعالج أو الصيدلي أو القابلة أو القاضي في الفعل الذي يأتيه في خدمته‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬يجب أن يرتكب الفعل تنفيذا ألمر القانون مباشرة‪ ،‬كأداء واجب يفرضه القانون‪ ،‬أو تنفيذا‬
‫ألمر من أوامر السلطة المختصة‪ ،‬ووفقا للشروط التي يحددها القانون أو السلطة المصدرة لألمر‬
‫التي يفرض القانون طاعة أوامرها ‪-‬ولتحديد ما يخوله القانون من صالحيات لكل سلطة يجب‬
‫الرجوع للنصوص المنظمة لتلك السلطات وما تقرره لها من سلطة‪ ،-‬كأن يصدر قاضي التحقيق‬
‫أم را ب القبض على متهم بارتك اب جناي ة في الم ادة ‪ 122‬إ‪.‬ج‪ ،‬أو أن يق وم أح د أعض اء الش رطة‬
‫القض ائية بتنفي ذ أم ر القبض على المتهم أو إحض اره ب القوة في الم واد ‪ 109‬إ‪.‬ج وم ا يليه ا‪ ،‬ألن‬
‫أمر قاضي التحقيق وتنفيذ عضو الشرطة القضائية له يعتبر قانونيا لموافقته للقانون لتقريره له‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أن تكون الغاية المبتغاة من أمر القانون أو من تنفيذه تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وإ ال تنتفي‬
‫عن الفعل صفة المشروعية‪ ،‬كأن يقوم قاضي التحقيق بحبس المتهم مؤقتا وفقا لما يقرره القانون‬
‫في الم واد ‪ 123‬إ‪.‬ج وم ا يليه ا‪ ،‬ووج وب ت وافر مبررات ه المنص وص عليه ا في الم ادة مك رر‪12‬‬
‫‪ ،) (3‬ال أن يكون لغرض آخر كقصد االنتقام من المتهم‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ -‬إذن الـقـانـون‬


‫ويطل ق على إذن الق انون أيض ا مص طلح «اس تعمال الح ق أو اس تعمال الس لطة»‪ ،‬وه و‬
‫مصطلح ذو مدلول عام ومطلق‪ ،‬ينصرف إلى كل حق مقرر مهما كانت القاعدة القانونية مصدرا‬
‫ل ه‪ ،‬أي أن «إذن الق انون» يتس ع ليش مل مص طلح الق انون بمفهوم ه الواس ع‪ ،‬فيع ني جمي ع ف روع‬
‫القانون المكتوبة وغير المكتوبة‪ ،‬كأحكام الشريعة اإلسالمية والعرف‪ ،‬تطبيقا للقواعد العامة في‬
‫التفسير والقياس في األحكام غير المتعلقة بالتجريم والعقاب‪ ،‬ألن إذن القانون أو استعمال الحق أو‬
‫السلطة يعتبر من المبادئ المسلم بها حتى في حالة عدم وجود نص يقررها‪ ،‬ألنه ليس من المنطق‬
‫أن يقرر القانون حقا ثم يمنع استعماله بوضعه تحت طائلة نص تجريمي عند القيام به ومن أمثلة‬
‫ذل ك‪ ،‬قي ام ض ابط الش رطة القض ائية ب القبض على المتهم طبق ا لحال ة التلبس في الم ادتين ‪،41‬‬
‫‪ ) (51/4‬إ‪.‬ج‪ ،‬أو أي ش خص س واء ك ان مواطن ا عادي ا أو من أع وان الش رطة القض ائية إعم اال‬
‫‪2‬‬

‫‪ -10‬ومنها أيضا تنفيذ عون القوة العمومية أو أعوان الشرطة القضائية() ألمر صادر عن قاضي التحقيق بإحضار المتهم‬
‫حتى عنوة في الحاالت التي يجيزه القانون واألمر بالقبض عليه طبقا ألحكام المادة ‪ 109‬وما يليها من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائي ة‪ ،‬فال يعت بر المنف ذ مرتكب ا للجريم ة المنص وص عليه ا في الم ادة ‪ 291‬ق‪.‬ع() ال تي تج رم االعت داء على الحري ات‬
‫الفردية بالتقييد منها أو التعرض لها لتطبيقه أمر القانون()‪..‬‬
‫‪ -1‬تنص الم ادة ‪ 123‬مك رر في فقراته ا ‪« 4 ،3 ،2‬غ ير أن ه إذا اقتض ت الض رورة اتخ اذ إج راءات لض مان مثول ه أم ام‬
‫القض اء يمكن إخض اعه اللتزام ات الرقاب ة القض ائية»‪« ،‬إذا ت بين أن ه ذه الت دابير غ ير كافي ة يمكن بص فة اس تثنائية أن ي ؤمر‬
‫ب الحبس الم ؤقت»‪« ،‬إذا ت بين أن الحبس الم ؤقت لم يع د م بررا باألس باب الم ذكورة في الم ادة ‪ 123‬مك رر أدن اه‪ ،‬يمكن قاض ي‬
‫التحقيق اإلفراج عن المتهم أو إخضاعه لتدابير الرقابية القضائية‪،»...‬‬
‫وتنص المادة ‪ 123‬مكرر «يجب أن يؤسس أمر الوضع في الحبس المؤقت المنصوص على معطيات مستخرجة من ملف‬
‫القض ية تفي د‪ -1 :‬انع دام م وطن مس تقر للمتهم أو ع دم تقديم ه ض مانات كافي ة للمث ول أم ام القض اء أو ك انت األفع ال ج د‬
‫خطيرة‪ -2 ،‬أن الحبس المؤقت هو اإلجراء الوحيد للحفاظ على الحجج أو األدلة المادية أو لمنع الضغوط على الشهود أو‬
‫الض حايا‪ ،‬أو لتف ادي تواط ؤ بين المتهمين والش ركاء ق د ي ؤدي إلى عرقل ة الكش ف عن الحقيق ة‪ -3 ،‬أن الحبس ض روري‬
‫لحماي ة المتهم أو وض ع ح د للجريم ة‪ ،‬أو الوقاي ة من ح دوثها من جدي د‪ -4 ،‬ع دم تقي د المتهم بااللتزام ات المترتب ة على‬
‫إجراءات الرقابة القضائية دون مبرر جدي‪.»...‬‬
‫‪-2‬تنص الفق رة الرابعة «وإ ذا قامت ض د الش خص دالئ ل قوي ة ومتماس كة من ش أنها الت دليل على اتهامه فيتعين على ض ابط‬
‫الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمان وأربعين ساعة»‪.‬‬
‫مع المالحظة يمكن اعتبار هذه الحالة أيضت صورة ألمر القانون‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫لنص الم ادة ‪ 61‬إ‪.‬ج‪ ،‬بض بط المتلبس بارتك اب جريم ة جناي ة أو جنح ة أي القبض الم ادي علي ه‬
‫واقتي اده إلى أق رب مرك ز للش رطة أو ال درك الوط ني( )‪ ،‬فال يعت بر مرتكب ا للجريم ة المنص وص‬
‫‪1‬‬

‫عليه ا في الم ادة ‪ ،) (291‬ألن الق انون يق رر أن ه يج وز وفي حال ة التلبس القبض على المتلبس‬
‫‪2‬‬

‫بالجريمة وتوقيفه للنظر‪ ،‬أو ضبطه واقتياده إلى أقرب مركز للشرطة أو الدرك‪ ،‬فيستعمل الحق‬
‫أو تمارس السلطة في الحدود المقررة قانونا‪ ،‬فمتى قرر المشرع حقا اقتضى بالضرورة إباحة‬
‫الوسيلة إلى استعماله‪ ،‬ومن استعماالت الحق؛ وحق التأديب المقرر للوالدين باستعمال حقهما أو‬
‫س لطتهما األبوي ة ولل زوج المق ررة في الش ريعة اإلس المية( ) وح ق الش اهد في االمتن اع عن اإلدالء‬
‫‪3‬‬

‫بالشهادة ضد المتهم إذا كانت تربط بينهما صلة قرابة إلى درجة معينة يحددها القانون‪ ،‬وعليه متى‬
‫تقرر الحق أو الرخصة اقتضى بالضرورة إباحة الوسيلة إلى استعمالهما‪.‬‬
‫وإلباح ة الس لوك بن اء على اس تعمال الح ق أو م ا ي أذن ب ه الق انون‪ ،‬يجب ت وافر مجموع ة‬
‫شروط‪ ،‬نجملها في التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يك ون الح ق المس تعمل مق ررا بمقتض ى الق انون بوج ه ع ام‪ ،‬ك إذن الق انون لعام ة الن اس‬
‫باقتي اد المتلبس بالجريم ة ألق رب مرك ز ش رطة أو درك وط ني طبق ا للم ادة ‪ 61‬إ‪.‬ج‪ ،‬أو س لطة‬
‫ض ابط الش رطة القض ائية في مباش رة الس لطات المقررة ل ه في األمر بع دم المبارح ة طبق ا للم ادة‬
‫‪ 50‬إ‪.‬ج والتف تيش طبق ا للم ادة ‪ 44‬إ‪.‬ج وم ا يليه ا والقبض على المش تبه فيهم طبق ا للم ادة ‪51/4‬‬
‫إ‪.‬ج‪ ،‬وغيرها من السلطات المقررة بالقانون بوجه عام( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الفعل المرتكب موضوع البحث‪ ،‬قد وقع نتيجة استعمال ذلك الحق المقرر قانونا‪،‬‬
‫أي أن يكون الحق موجودا ومعترفا به قانونا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يباشر السلوك الشخص الذي تتوافر فيه الصفة التي يتطلبها القانون إلباحته كصفة األبوة‬
‫أو الزوجية في تأديب األبناء أو الزوجة وال يعهد به لغيره‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يك ون اس تعمال الح ق في ح دود م ا يس مح ب ه الق انون‪ ،‬أي يك ون الفع ل ه و الوس يلة‬
‫المشروعة الستعمال الحق والتزام حدوده‪ ،‬مع استهدافه تحقيق الغاية التي من أجلها قرر الحق‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ -‬الـدفـاع الـشـرعـي‬
‫الدفاع الشرعي ‪ ) (Légitime défense‬هو حق( ) يقرره القانون لمن يهدده خطر اعتداء‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫حال على نفسه أو مال ه‪ ،‬أو على نفس الغير أو ماله‪ ،‬يصد به أو يدرأ بمقتضاه وبالقوة الالزمة‬
‫ذلك الخطر أو االعتداء‪ ،‬فالدفاع الشرعي بهذا المفهوم ينطوي على طبيعة خاصة تؤهل القائم به‬
‫‪ -1‬تنص المادة «يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات كل من اختطف أو قبض أو حبس أو حجز بدون أمر‬
‫من السلطات المختصة وخارج الحاالت التي يجيز أو يأمر فيها القانون بالقبض على األفراد‪».‬‬
‫‪ -2‬تنص المادة «يحق لكل شخص في حاالت الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس‪ ،‬ضبط الفاعل‬
‫واقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية‪».‬‬
‫‪« -3‬والالتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فال تبغوا عليهم سبيال»‪ ،‬سورة النساء‬
‫اآلية ‪34‬‬
‫‪ -4‬ما يقرره المرسوم التنفيذي رقم ‪ 276-92‬المؤرخ في ‪ 6‬يوليو ‪ 1992‬المتضمن مدونة أخالقيات الطب من صالحيات‬
‫عن طريق اإلذن بمباشرة العمل الطبي وتحديد حدود التدخل ونطاقه‪.‬‬
‫‪ - 5‬دحماني الزهرة‪ :‬نظرية الدفاع الشرعي وتطبيقاته في القانون الجزائري‪ ،‬ماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪،‬‬
‫كلية الحقوق جامعة الجزائر سمة ‪.1985‬‬
‫‪ -6‬إذا ك ان ال دفاع ينظ ر ل ه على أنه ح ق‪ ،‬فه و ليس حق ا شخص يا كرابط ة قانوني ة يقابل ه ال تزام المعت دي بتحم ل تبع ة حالة‬
‫الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،..‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.217-216‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪P. Bouzat- J. Pinatel: Traité de droit pénal et de criminologie,T.1, Paris1970, p 359.‬‬

‫‪69‬‬
‫في لحظ ة حص ول الخط ر ال ذي يه دد مص لحة يحميه ا الق انون أن ي درأه بواس طة فع ل ال دفاع‪،‬‬
‫فال دفاع الش رعي عن النفس أو الم ال ي بيح للش خص اس تعمال الق وة الالزم ة ل دفع ك ل فع ل يه دد‬
‫بخطر حال يعتبر خطرا غير مشروع‪.‬‬
‫والدفاع الشرعي ليس عقوبة أو جزاء يوقعه المدافع ضد المعتدي وال انتقاما منه‪ ،‬وإ نما‬
‫هو إجراء وقائي يسمح به القانون لألفراد لتمكينهم من درء الخطر بمنع وقوع الجريمة‪ ،‬أو على‬
‫األق ل الح د من التم ادي في االعت داء ومواص لته‪ ،‬وبعب ارة أخ رى يس مح ب ه الق انون من أج ل درء‬
‫الخط ر أو الحيلول ة دون االس تمرار في ه وف ق ش روط مح ددة‪ ،‬فال يك ون باس تطاعته طلب ت دخل‬
‫السلطات العامة في الوقت المناسب‪.‬‬
‫ينظم حق الدفاع عن النفس أو المال أو عن نفس الغير أو مال ه في المادتين ‪ 40 ،39‬من‬
‫ق انون العقوب ات فتنص الم ادة ‪ ) (39‬في بن دها الث اني «إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة‬
‫‪3‬‬

‫الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو الغير بشرط أن‬
‫يك ون ال دفاع متناس با م ع جس امة االعت داء»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 40‬ي دخل ض من ح االت الض رورة‬
‫الحال ة لل دفاع المش روع‪ -1 :‬القت ل أو الج رح أو الض رب ال ذي ي رتكب ل دفع اعت داء على حي اة‬
‫الش خص أو س المة جس مه أو لمن ع تس لق الح واجز أو الحيط ان أو م داخل المن ازل أو األم اكن‬
‫المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل‪ -2 .‬الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو‬
‫عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة»‪.‬‬
‫وعلي ه ف إن المش رع الجزائ ري ينظم ال دفاع المش روع بأس لوبين مختلفين‪ ،‬األول في الم ادة‬
‫‪ ،39‬والثاني في المادة ‪.40‬‬
‫الفرع األول‪ -‬الدفاع طبقا للمادة ‪39‬‬
‫وه و الن وع األول من ص ورتي ال دفاع الش رعي‪ ،‬يتم وف ق ش روط مستخلص ة من الق انون‬
‫ومبادئه ومتفق بشأنها وهي نوعان‪ ،‬شروط تتعلق بفعل الخطر وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الخطر غير مشروع‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الخطر حاال‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يتعلق االعتداء لمصلحة يحميها القانون‪.‬‬
‫وشروط أخرى تتعلق بفعل الدفاع‪ ،‬وهما شرطان‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون فعل الدفاع الزما لرد االعتداء ودفعه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون فعل الدفاع متناسبا على االعتداء‪.‬‬
‫أوال‪ -‬شروط فعل الـخـطــر‬
‫يجب التفرق ة بين الخط ر واالعت داء‪ ،‬ف الخطر المنش ئ للح ق في ال دفاع ال ي رقى أن يك ون‬
‫اعتداء ألن الغرض من الدفاع الشرعي الحيلولة دون تحوله لفعل اعتداء‪ ،‬أما االعتداء فيقصد‬
‫به وقوع الفعل وليس بوسع من يعتقد أنه في حالة دفاع إزالته وإ ال كان في وضع انتقامي وهو‬

‫‪ -3‬نالحظ أن المادة ‪ 39/2‬وكذلك المادة ‪ 40‬استمدهما المشرع الجزائري من نصوص المواد ‪ 329 ،328 ،327‬من قانون‬
‫العقوبات الفرنسي باإلضافة لما استقر عليه الفقه والعمل القضائي في فرنسا‪.‬‬
‫د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪70‬‬
‫ما ال يقره القانون‪ ،‬فاالعتداء صورة متقدمة للخطر بانتقاله لفعل‪ ،‬فال يجوز الدفاع ضد فعل وقع‬
‫فعال‪ ،‬كمن يطعن شخص ا بخنج ر ف إن المعت دى علي ه ال يج وز ل ه التحجج بال دفاع المش روع ألن‬
‫االعت داء حص ل والجريم ة وقعت فعال‪ ،‬فال يح ق ل ه أن ينتقم لنفس ه من م رتكب االعت داء‪ ،‬ألن‬
‫الهدف من الدفاع المشروع والغاية منه هو درء خطر يهدد باعتداء على وشك الوقوع أو باعتداء‬
‫بدأ ولم ينته بعد ومحاولة منع تحوله إلى اعتداء واقع فعال‪ ،‬وبالتالي فإن مفهوم الخطر المقصود‬
‫في الدفاع الشرعي هو كل سلوك يهدد المعتدى عليه بخطر غير مشروع وحال على نفسه أو‬
‫ماله أو نفس الغير أو ماله‪ ،‬وعليه فإن شروط الخطر هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الخطر غير مشروع‬
‫ينشأ الحق في الدفاع الشرعي عندما يتعرض المدافع عن نفسه أو ماله أو نفس الغير أو‬
‫مال ه لخط ر غ ير مش روع يه دد باعت داء على ح ق يحمي ه الق انون ك الحق في الحي اة أو الح ق في‬
‫الس المة الجس دية‪ ،‬ف الخطر غ ير المش روع ال يش ترط في ه أن ي رتكب الفع ل أو أن تق ع الجريم ة‪،‬‬
‫فيق وم الخط ر مثال بمج رد توجي ه الس الح لجس م اإلنس ان أو وق د يك ون مج رد حمل ه خط را م تى‬
‫قامت ظروف تجعل استعماله في االعتداء على النفس محتمال( )‪ ،‬وعليه يمكن أن يكون الشروع‬
‫‪1‬‬

‫أو أحد األفعال التحضيرية يشكل خطرا فيجيز الدفاع المشروع طالما أن أي منهما يهدد بخطر‬
‫غير مشروع مصلحة محمية قانونا‪.‬‬
‫وينشأ الحق في الدفاع الشرعي إذا توافرت في السلوك الخطورة من الجانب الموضوعي‪،‬‬
‫دون اعت داد بالج انب الشخص ي لمص در الخط ر‪ ،‬م ا دام التع رض الص ادر من المعت دي ينط وي‬
‫على صفة عدم المشروعية التي من شأنها تهديد المصلحة أو الحق الذي يحميه القانون جزائيا‪،‬‬
‫وال يعت د في ال دفاع الش رعي بم دى جس امة الخط ورة المنش ئة للح ق في ه‪ ،‬وه ذا يع ني أن ال دفاع‬
‫الش رعي يج وز ممارس ته ومباش رته دفع ا أو ص دا ألي خط ر يه دد باعت داء مهم ا ك ان بس يطا أو‬
‫تافها طالما أنه غير مشروع ألنه لو ترك المعتدي وشأنه لوقع االعتداء على المصلحة ؟أو الحق‬
‫المحميان قانونا‪.‬‬
‫توافر سبب إباحة في فعل الخطر‬
‫إذا كان الفعل المهدد بخطر اعتداء على مصلحة يحميها القانون مشروعا فال يقوم الدفاع‬
‫الشرعي‪ ،‬ألن الخطر يعتبر مشروعا فال يجوز دفعه بارتكاب فعل مجرم بحجة الدفاع الشرعي‪،‬‬
‫ألن التك ييف الق انوني لفع ل ال دفاع ه و مش روعية ض د ع دم مش روعية‪ ،‬وتطبيق ا ل ذلك ف إن من‬
‫يتعرض ألفعال ضرب مثال يجيزها القانون كتأديب األب البنه‪ ،‬فليس لهذا األخير أن يحتج بحالة‬
‫الدفاع الشرعي‪ ،‬كما أن من يتعرض لفعل صادر عن موظف مكلف بخدمة عامة في حدود ما‬
‫يس مح ب ه الق انون‪ ،‬ك القبض طبق ا لفقرة الرابع ة من الم ادة ‪ 51‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة أو‬
‫الض بط واالقتي اد طبق ا للم ادة ‪ 61‬من نفس الق انون ليس ل ه أن ي دفع بحال ة ال دفاع الش رعي حين‬
‫مقاومته‪ ،‬أو الدخول للمسكن في حالة من الحاالت التي يسمح فيها القانون بذلك كحالة التلبس( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫أو يقوم المعتدي بدرء ما يتعرض له من المدافع والتحجج بأن كان في حالة دفاع شرعي‪.‬‬
‫توافر مانع مسؤولية أو عذر من األعذار القانونية‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 196‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -2‬أنظر المادة ‪ ،41‬والمادة ‪ 44‬وما بليها والمادة ‪ 65‬مكرر ‪ 5‬وما يليها من قانو اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫إذا ك انت أس باب اإلباح ة ذات طبيع ة موض وعية‪ ،‬يقتض ي بالض رورة البحث في ع دم‬
‫مش روعية الخط ر‪ ،‬ف إن ال دفاع الش رعي يت وافر ح تى في الحال ة ال تي يك ون فيه ا المعت دي غ ير‬
‫مس ؤول جزائي ا ك المجنون في الم ادة ‪ 47‬والمك ره والمض طر في الم ادة ‪ 48‬والص غير المم يز‬
‫وغ ير المم يز في الم ادة ‪) (49‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬يج وز درؤه بفع ل دف اعي‪ ،‬ألن س لوك ه ؤالء‬
‫‪1‬‬

‫جميعا ينطبق على نموذج إجرامي وارد في نص تجريمي في القانون ويعتبر جريمة رغم عدم‬
‫قيام مسؤولية القائم به لعدم القدرة على اإلدراك والتمييز أو انعدام الحرية أو لصغر في السن‪.‬‬
‫ويتوافر الدفاع الشرعي أيضا متى كان الذي يهدد غيره بخطر غير مشروع وحال يستفيد‬
‫من عذر قانوني يخفف العقاب أو يعفيه منه طبقا للمادة ‪ 52‬من قانون العقوبات‪ ،‬فالزوج الذي‬
‫يفاجئ زوجته وشريكها متلبسين بجريمة الخيانة الزوجي ة أو العكس‪ ،‬يستفيد من العذر القانوني‬
‫المخفف للعقاب عن طريق تغيير وصف جريمة القتل من جناية إلى جنحة المادتان ‪283-279‬‬
‫ق‪.‬ع‪ ،‬فإنه يحق للمعتدى عليهما الزوجة وشريكها أو الزوج وشريكته دفع الخطر الذي يهددهما‬
‫بخطر حال باستعمال حقهما في الدفاع المشروع‪.‬‬
‫الخطر الوهمي والغلط في اإلباحة‬
‫يبيح الدفاع الشرعي الجريمة متى توافرت شروطه كما يقررها القانون‪ ،‬والخطر الوهمي‬
‫مس ألة ذاتي ة ال يمكن أن ي برر الجريم ة م ا لم يكن الخط ر حقيقي ا في الواق ع وليس في ذهن من‬
‫يدعي بحقه في الدفاع‪ ،‬فإذا اعتقد شخص واهما أن هناك اعتداء على وشك أن يقع عليه‪ ،‬فليس‬
‫هناك حالة دفاع شرعي فيسأل عن سلوكه المجرم‪ ،‬ألن الوهم ذاتي ال يقوم إال في ذهن من توهم‬
‫في حين أن اإلباحة مسألة مادية أو موضوعية تتعلق بالفعل‪ ،‬أما الغلط في اإلباحة فهو اعتقاد أو‬
‫تصور الشخص أنه في حالة دفاع شرعي فال يقوم الدفاع ولو بني اعتقاده على أسباب معقولة ( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫ألن ه ذو طبيع ة موض وعية ال يمكن الق ول بت وافر س بب اإلباح ة فعال إال بت وافر ش روطه كامل ة‪،‬‬
‫فضابط الشرطة القضائية الذي يقوم بتنفيذ أمر بالقبض ال تتوافر فيه شروط صحته كما يحددها‬
‫القانون وهو يعتقد بصحته يعتبر عمله غير مشروع والقبض على المتهم غير صحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الخطـر حاال‬
‫وه و الش رط ال ذي يع بر عن ه المش رع الجزائ ري بـ«الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع»‪،‬‬
‫والخطر الحال هو اعتداء لم يتحقق بعد‪ ،‬ألن حصول االعتداء وتحققه ال يقوم به الحق في الدفاع‬
‫الش رعي‪ ،‬وإ ذا ق ام الش خص رغم ذل ك بارتك اب فع ل يع د جريم ة يس أل عن ه مس ؤولية جزائي ة‬
‫باعتباره معتديا‪ ،‬والمالحظ أنه في الخطر ال يشترط فيه درجة معينة من الجسامة‪ ،‬بل يكفي أن‬
‫يهدد الفعل بخطر ولو كان بسيطا‪ ،‬وحلول الخطر له صورتان‪:‬‬
‫أ‪ -‬االعتداء الوشيك الوقوع‬
‫وهي أن االعت داء لم يب دأ بع د ولكن ه على وش ك الوق وع كمن يخ رج س الحه ويتهي أ بتعبئت ه‬
‫بالخراطيش أو يبدأ في توجيه قبضة يده لوجهه المعتدى عليه‪ ،‬يعتبر اعتداء وشيكا‪ ،‬ألن ما يجيز‬
‫الحق في الدفاع أن الخطر وشيك الوقوع ألن ظروف الحال والواقع ووفق السير العادي لألمور‬

‫‪ -1‬أنظر كذلك قانون حماية الطفل رقم ‪.12-15‬‬


‫‪ -2‬االعتقاد على أسباب معقولة التي تظهر حسن نية المعتقد أنه يتوافر بالنسبة إليه ظرف مادي مبيح‪ ،‬ينفي عنه القصد‬
‫الجزائي فال تقوم مسؤوليته الجزائية لتخلف عنصر من عنصر الركن المعنوي في الجريمة وهو القصد‪ ،‬وعليه فإن الغلط‬
‫في اإلباحة ال يبرر الفعل فيقوم حائال دون قيام المسؤولية الجزائية لتخلف عنصر من عناصر قيامها‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫يستخلص منها أن المعتدي لو ترك وشأنه لبدأ بعدوانه فورا ألنه أتى أفعاال تجعل من المرجح أن‬
‫يكون إقدامه على فعله وشيك الوقوع‪ ،‬وبعبارة أن الظروف المحيطة تشير إلى أن العدوان بات‬
‫قريب ا بش كل واض ح‪ ،‬ألن الق انون ال يل زم المه دد بخط ر وش يك الوق وع االنتظ ار لحين وق وع‬
‫االعتداء عليه ليقوم بالدفاع عن نفسه‪ ،‬بل إنه أجاز له أن يدفع الخطر بمجرد حلوله‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن صفة الحلول "الضرورة الحالة للدفاع المشروع" صفة يتطلبها المشرع في الخطر وليس في‬
‫االعتداء‪.‬‬
‫وعلي ه ف إن الش خص يك ون في حال ة دف اع ش رعي إذا ه دده ش خص آخ ر بالقت ل ف أخرج‬
‫مسدس ه وب دأ في تعبئت ه ب الخراطيش ألن خط ر االعت داء ق د ح ل رغم ع دم وقوع ه‪ ،‬أم ا إذا ك ان‬
‫الخط ر مس تقبال كالتهدي د ف إن الش خص لن يك ون في دف اع ش رعي ألن ه الخط ر يمكن درؤه بغ ير‬
‫وسيلة الدفاع باللجوء للسلطات العامة‪.‬‬
‫ب‪ -‬االعتداء الذي بدأ ولم ينته‬
‫وهي أن الخطر قد بدأ ولم ينته بعد‪ ،‬فيكون االعتداء قد بدأ فعال ولم ينته أي أن الخطر ال‬
‫يزال قائما يهدد بخطر وقع بمواصلته‪ ،‬كمن يضرب شخصا ويتهيأ لضربه مرات أخرى متتالية‪،‬‬
‫فيح ق للمعت دى علي ه درء ه ذا االعت داء بال دفاع عن نفس ه أو مال ه أو نفس الغ ير أو مال ه بمن ع‬
‫الجاني من االستمرار في عدوانه‪ ،‬كمن يضرب شخصا ضربة ويريد المزيد من الضربات‪ ،‬أو‬
‫كمن يس رق المس روقات على دفع ات فاس تولى على ج زء ويري د الزي ادة فب ادر لالس تيالء على‬
‫البقية‪ ،‬ففي هاذين المثالين الخطر الحال ما زال قائما‪ ،‬يجيز الحق في استعمال الدفاع‪ ،‬فإذا زال‬
‫الخطر بوقوع االعتداء وتحققه كتوقف المعتدى عن الضرب في المثال األول واستيالء السارق‬
‫على كل المال‪ ،‬فال يجوز للمعتدى عليه التذرع بحق الدفاع ألن فعله يصبح نوعا من االنتقام‪.‬‬
‫وعلي ه فالخطر ال وجود ل ه إذا وق ع االعت داء فعال ف وقعت النتيج ة اإلجرامي ة أو ت وقفت أو‬
‫خ ابت‪ ،‬ولم يع د باس تطاعة المعت دى علي ه الت ذرع ب الحق في ال دفاع‪ ،‬وعلي ه يجب الع ودة لألحك ام‬
‫الخاصة بكل جريمة لتحديد مدى انتهاء االعتداء من عدمه‪ ،‬فإذا كنا بصدد جريمة سرقة مثال فإن‬
‫االعت داء يع د منتهي ا م تى اس تطاع الج اني إخ راج الش يء المس روق من حي ازة المج ني علي ه‪،‬‬
‫وإ دخاله في حيازة الجاني بحيث يصبح األول عاجزا عن مباشرة إجراءات الحيازة على الشيء‬
‫المسروق‪ ،‬وفي جريمة القتل فإن االعتداء يعتبر منتهيا بحدوث واقعة الوفاة‪.‬‬
‫‪ -3‬خطر على النفس أو المال‬
‫لم تح دد الم ادة ‪ 39‬الج رائم ال تي تج يز أو تخ ول اس تعمال الح ق في ال دفاع الش رعي درء‬
‫للخط ر‪ ،‬مكتفي ا باس تعمال ص يغة عام ة بقول ه الج رائم ال تي تق ع على النفس أو الم ال «‪...‬ال دفاع‬
‫المش روع عن النفس أو عن الغ ير أو عن م ال ممل وك للش خص أو للغ ير‪ ،»...‬فم ا هي ج رائم‬
‫النفس وما هي جرائم المال المشمولة بالحق في الدفاع المشروع لدرئها؟‬
‫نظ را لموض ع النص في األحك ام العام ة‪ ،‬ف إن ال دفاع الش رعي يج وز درء أو منع ا لوق وع‬
‫ألي جريم ة من ج رائم النفس‪ ،‬وهي ج رائم ته دد أو تن ال بالع دوان حق ا من الحق وق المرتبط ة‬
‫بشخص المجني عليه( )‪ ،‬أي مجموعة الحقوق المتصلة بنفس اإلنسان‪ ،‬أي تلك الحقوق اللصيقة‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬نالح ظ أن الم ادة ‪ 328‬عقوب ات فرنس ي ‪-‬أص ل الم ادة ‪ -39/2‬لم تح دد المقص ود ب النفس‪ ،‬فتنص على ج رائم القت ل‬
‫والضرب والجرح التي تقع دفاعا على النفس أو عن نفس الغير‪ ،‬ثم توسع القضاء والفقه في تفسيرها ليشمل الدفاع جميع‬
‫السلوكات التي تقع دفاعا على النفس والمال‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫بشخصه كالحق في الحياة أو الحق في السالمة الجسدية أو الحق في الحرية أو الحق في الشرف‬
‫والعرض واالعتبار( )‪ ،‬ويستوي بعد ذلك ما إذا كان المدافع هو صاحب الحق المعرض للخطر‬
‫‪2‬‬

‫أو ه و ح ق لغ يره‪ ،‬وال مج ال للتفرق ة بين ص ور االعت داء على تل ك الحق وق من حيث جس امتها‪،‬‬
‫فالضرب مهما كان بسيطا واإليذاء الخفيف والفعل الفاضح في أبسط صورة له( ) كلها سلوكات‬
‫‪3‬‬

‫تخول الحق في الدفاع ضدها بمنع وقوعها أو االستمرار في إتيانها‪.‬‬


‫أما جرائم األموال فهي تلك الجرائم( ) التي تنال باالعتداء حقا ماليا يحميه القانون كجرائم‬
‫‪4‬‬

‫الس رقة واالختالس والنص ب والتخ ريب والحري ق واإلتالف واالعت داء على الملكي ة بوج ه ع ام‬
‫سواء كانت ملكية عامة أو خاصة ألن نص المادة جاء مطلقا وفي األحكام العامة( )‪ ،‬ويستوي في‬
‫‪5‬‬

‫ذلك أن يكون المال مملوكا للمدافع أو الغير‪.‬‬


‫ثانيا‪ -‬شـروط فعل الدفاع‬
‫باإلض افة إلى الش روط ال واجب توافره ا في فع ل االعت داء أو الخطر‪ ،‬ف إن هن اك ش روطا‬
‫خاصة بفعل الدفاع الذي يدرأ به المدافع عن النفس أو المال خطرا يتعرض له‪ ،‬فقد جاء نص‬
‫الم ادة ‪ 39‬ق‪.‬ع( ) مطلق ا من ك ل قي د «ال جريم ة‪ -2...‬إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة‬
‫‪6‬‬

‫الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن‬
‫يكون الدفاع متناسبا مع جسامة االعتداء»‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬اللــزوم‬
‫يق وم ش رط الل زوم على الحاج ة ل درء الخط ر ب القوة المادي ة‪ ،‬وأن ه ذه الق وة هي الوس يلة‬
‫الوحي دة لدرئ ه‪ ،‬وه ذا يع ني أن فع ل ال دفاع يجب أن يك ون الزم ا ل درء الخط ر أو ص ده بتوجيه ه‬
‫لمصدره‪ ،‬وذلك بأن يجد المدافع عن نفسه أو الغير أو عن ماله أو مال الغير في حالة ال يستطيع‬
‫فيه ا درء الخط ر والتخلص من ه بغ ير الفع ل ال ذي يرتكب ه‪ ،‬ف إذا ك ان بوس عه درء الخط ر بفع ل‬
‫مش روع فال يج وز ل ه ص ده بفع ل غ ير مش روع‪ ،‬وبعب ارة أخ رى أن الم دافع ال يج د أمام ه من‬
‫وسيلة لتجنب هذا الخطر أو صده غير فعل الدفاع‪ ،‬كعدم استطاعته طلب تدخل السلطة العامة‬
‫في ال وقت المناس ب لحمايت ه‪ ،‬وه و ش رط يمكن استخالص ه من حكم الم ادة ‪ 39‬ق‪.‬ع ال تي تنص‬
‫«‪...‬إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع»‪ ،‬وه ذا يع ني ت وافر الحاج ة‬
‫ل درء الخط ر‪ ،‬وش رط الل زوم يعت بر غ ير مت وافر كلم ا ك ان الخط ر غ ير ح ال أي في المس تقبل‪،‬‬
‫حيث أنه باإلمكان تجنب االعتداء غير الحال بتبليغ السلطات العامة كما لو كان االعتداء غير‬
‫حال‪ ،‬فال تقوم به حالة الدفاع الشرعي‪ ،‬وبعبارة أخرى أن اللزوم يقتضي بالضرورة أن المدافع‬
‫عن نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله ال يستطيع التملص من الخطر أو درئه بغير ذلك الفعل‬
‫الذي قام به‪ ،‬فإذا تبين أن المدافع كان بإمكانه التخلص من االعتداء بغير اللجوء إلى فعل الدفاع‪،‬‬

‫‪ - 2‬الحظ أن الدستور تضمن كل هذه الحقوق وتحظر أي اعتداء عليها‬


‫أنظر المواد ‪ 47 ،46 ،41 ،40 ،38‬من الدستور ‪.‬‬
‫‪ - 3‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ - 4‬نالحظ أن من هذه الجرائم ما تصيب النفس أو المال على حد سواء‪ ،‬أو تعرضهما للخطر كجريمة الحريق مثال‪.‬‬
‫‪ -5‬لقد جاءت المادة ‪ 246/2‬من قانون العقوبات المصري محددة على سبيل الحصر جرائم األموال التي تخول الحق في‬
‫الدفاع‪ ،‬وبالتالي إنكاره كلما كان هناك خطر يهدد المال ناشئا عن جريمة سواها‪.‬‬
‫‪ - 6‬نالحظ أن القانون المصري ينص في مادته ‪« 245‬ال عقوبة مطلقا على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه أثناء‬
‫استعماله حق الدفاع الش رعي عن نفسه أو مال ه أو عن نفس الغير‪ ،»...‬وقد ذهب الفقه إلى أنها صور للدفاع واردة على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬ألنه يجوز الدفاع بكل فعل من شأنه درء الخطر على النفس والمال متى توافرت شروطه‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪74‬‬
‫كأن يكون باستطاعته الهرب بدل إتيان فعل الدفاع مثال‪ ،‬فهل له التمسك بالحق في الدفاع رغم‬
‫أنه كان بإمكانه الهرب ففضل مواجهة المعتدي بفعل الدفاع ؟‬
‫إذا ك ان ال دفاع الش رعي ح ق‪ ،‬واله رب من مواجه ة المعت دي يعت بر موقف ا مش ينا ي دل على‬
‫الجبن وع دم الم روءة‪ ،‬فيجب التمي يز بين فرض ين‪ ،‬األول أن الم دافع يس تعمل حق ا وال يج وز‬
‫إلزام ه بالتن ازل عن حق ه بإجب اره على إتب اع مس لك يش ينه ويمس كرامت ه ك الهرب من وج ه‬
‫المعتدي وهي القاعدة العامة‪ ،‬والفرض الثاني وهو استثناء فال يجوز ممارسة الحق في ال دفاع إذا‬
‫كان بإمك ان الم دافع التخلص من الخطر بالهرب غير المشين( )‪ ،‬كحال ة مهاجمت ه من مجنون أو‬
‫‪1‬‬

‫من سكران أو من والد المعتدى عليه مثال‪ ،‬ويذهب جانب من الفقه الجنائي إلى عدم التمييز بين‬
‫ه اذين الفرض ين ألن الش خص غ ير مج بر على اله رب ح تى ول و ك ان بإمكان ه ذل ك‪ ،‬وألن ه ذا‬
‫يعتبر إضافة شرط آخر لقيام الدفاع الشرعي يقوم على أساس توافر صفة معينة في المعتدي لم‬
‫يتطلبه ا الق انون‪ ،‬مم ا يعني تقييد الحق في الدفاع الشرعي باعتباره س بب موضوعي لإلباحة ( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وعلي ه فإمكاني ة اله رب القائم ة باعتب اره الوسيلـة الوحي دة الممكن ة للتخلص من الخط ر‪ ،‬ال يع د‬
‫وسيلة ينتفي بها الحق في درء الخطر بالقوة الالزمة‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ه ذا‪ ،‬ف إن فع ل ال دفاع الش رعي يجب أن يتوج ه إلى مص در االعت داء أو‬
‫الخط ر‪ ،‬فال يج وز الق ول بوج ود حال ة ال دفاع إذا ق ام الم دافع بتوجي ه دفاع ه ض د مص در غ ير‬
‫مصدر الخطر‪ ،‬كمن يهاجمه كلب أو حيوان ما‪ ،‬فيتركه ويوجه دفاعه درءا للخطر الذي يتعرض‬
‫ل ه لمال ك الحي وان‪ ،‬ال ذي لم يكن ل ه دور في س لوك الحي وان‪ ،‬فالفع ل في ه ذه الحال ة غ ير الزم‬
‫كأصل‪ ،‬ويمكن القول أنه في حالة عدم جدوى الفعل الدفاعي لدرء الخطر بتوجيهه لغير مصدر‬
‫الخطر ال يخول االحتجاج بالحق في الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫‪ -2‬التنـاسـب‬
‫يتطلب التناسب ارتكاب األفعال التي تشكل القدر الضروري لدرء الخطر أو رده‪ ،‬ذلك أن‬
‫القانون يبيح فعل الدفاع بالقدر الضروري لدرء الخطر‪ ،‬والتناسب شرط أوردته المادة ‪ 39‬ق‪.‬ع‬
‫بنصها «‪...‬بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة االعتداء»‪ ،‬ويعني التناسب أن يكون فعل‬
‫الدفاع متناسبا مع فعل الخطر‪ ،‬فيكون بالقدر الذي يدرأ به المدافع الخطر عنه أو عن غيره‪ ،‬أي‬
‫وجوب أن يكون الدفاع متعادال ومتكافئا مع الخطر الذي يتعرض له المدافع( )‪ ،‬أما تجاوز فعل‬
‫‪3‬‬

‫الدفاع القدر الضروري لدرء الخطر يصبح الدفاع فيما زاد عن حده غير ضروري وال يوجد أي‬
‫مبرر إلباحته‪ ،‬فيسأل المدافع عن ذلك التجاوز‪.‬‬
‫وعلي ه ينظ ر للتناس ب من خالل م ا إذا ك انت الق وة ال تي اس تعملت ل دفع الخط ر زادت عن‬
‫الحد الضروري‪ ،‬ومدى هذه الزيادة في إقامة مسؤولية المتجاوز‪ ،‬وبالتالي فتكون القوة متناسبة‬
‫م ع االعت داء ب النظر إلى طبيعت ه وجس امته‪ ،‬فال يقص د ب ه أن تجيء الق وة مطابق ة تم ام المطابق ة‬
‫لفعل الخطر‪ ،‬بل يقصد به أن ال تكون هذه القوة قد تجاوزت القدر الالزم لدرء الخطر أو رده‪،‬‬
‫فال دفاع الذي تباش ره ام رأة أو ش خص ض عيف البني ة يختل ف في تناس به عن ال دفاع ال ذي يباشره‬
‫ش خص آخ ر في ظ روف تف وق ق وة المعت دي‪ ،‬إذ يمكن الق ول بت وافر التناس ب بين فعلي االعت داء‬
‫‪ -1‬د‪ .‬السعيد مصطفى السعيد‪ :‬األحكام العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫د‪ .‬أحمد فتحي سرور‪ :‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.336‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬سامي النصراوي‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 236‬وما يليها‪..‬‬
‫‪ -3‬نقض جزائي ‪ ،10/11/1987‬عن الدكتور نواصر العايش‪ :‬المرجع السابق‪ ،...‬ص ‪.24‬‬
‫‪75‬‬
‫والدفاع الشرعي متى وصل الفعل حد القتل دفاعا في جرائم االغتصاب وهتك العرض بالقوة‪،‬‬
‫وعلي ه فالتناس ب مس ألة من حيث وجوده ا وم داه تختص به ا محكم ة الموض وع‪ ،‬فيق در القاض ي‬
‫التناسب في كل حالة معروضة على حدة‪.‬‬
‫وإ ذا ك ان الق انون ق د ح دد ه ذا الش رط‪ ،‬ف إن الص عوبة تث ار بش أن المعي ار ال ذي يعتم د في‬
‫تقرير مدى وجود تناسب بين فعلي الخطر والدفاع الشرعي‪ ،‬هل العبرة بالتناسب بين الضررين‬
‫أو بين الوسيلة الممكنة والوسيلة المستعملة؟‪ ،‬إن معيار التناسب معيار موضوعي قوامه الشخص‬
‫العادي الذي يتصرف في مواجهة الظروف على النحو المألوف‪ ،‬وهذا يعني أن المدافع إذا كان‬
‫يقدر مدى جسامة الخطر وكان بمقدوره درؤه بأفعال أقل جسامة فيسأل عن هذا التجاوز‪ ،‬إال أن‬
‫المالح ظ أن ه ذا المعي ار ليس معي ارا موض وعيا ص رفا‪ ،‬ألن ه معي ار ت دخل في ه مجموع ة من‬
‫االعتبارات تتعلق بخطورة االعتداء والحالة النفسية للمعتدى عليه وقوته وجنسه وزمان ومكان‬
‫االعتداء‪ ،‬فقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية «تقرير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته‬
‫أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل االعتداء فيجعله‬
‫في ظ روف حرج ة ودقيق ة تتطلب من ه معالج ة موقف ه على الف ور والخ روج من مأزق ه مم ا ال‬
‫يصلح محاسبته على التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف‬
‫بهذه الظروف( )»‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الفرع الثاني‪ -‬الدفاع الممتاز‬


‫يقرر قانون العقوبات وضعا خاصا للدفاع المشروع يحكم بقواعد خاصة غير تلك المطبقة‬
‫على ال دفاع الش رعي طبق ا للم ادة ‪ ،39‬يطل ق عليه ا الح االت الممت ازة لل دفاع المش روع‪ ،‬فتنص‬
‫الم ادة ‪« 40‬ي دخل ض من ح االت الض رورة لل دفاع المش روع‪ -1 :‬القت ل أو الج رح أو الض رب‬
‫الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سالمة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان‬
‫أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة وتوابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل‪ -2 .‬الفعل الذي‬
‫يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة»‪.‬‬
‫يقرر القانون في هذه المادة‪ ،‬أنه يجوز للمدافع أن يأتي أفعال القتل أو الضرب أو الجرح‬
‫درء لخطر يهدده في مسكنه عن طريق تسلق أو كسر الحواجز والحيطان أو مداخل المسكن أو‬
‫توابعها وكذلك الدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكبي السرقات بالقوة( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وتختلف الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي المقررة في المادة ‪ 40‬عن الحاالت المقررة في‬
‫الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 39‬من حيث أن القيام بالدفاع الشرعي وفقا لهذه األخيرة بقوم على جملة من‬

‫‪ -1‬نقض جزائي مصري ‪ 08‬أبريل ‪ ،1958‬مج أحكام النقض المصرية‪ ،‬س ‪ ،9‬رقم ‪ ،107‬ص ‪.398‬‬
‫‪ -2‬يق رر ق انون العقوب ات الفرنس ي الح االت الخاص ة لل دفاع المش روع في الم ادة ‪ 329‬من ه‪ ،‬وك ذلك الق انون المغ ربي في‬
‫الفصل ‪ ،125‬فإن قانون العقوبات المصري ال يعرفها‪ ،‬حيث حدد أحكام الدفاع في المواد ‪ 251-246‬منه‪ ،‬فتنص المادة‬
‫‪« 246‬حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص إال في األحوال االستثنائية المبينة بعد استعمال القوة الالزمة لدفع كل‬
‫فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصا عليها في هذا القانون»‪« ،‬وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة لرد‬
‫أي فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب‬
‫وفي الفق رة ‪ 4‬من الم ادة (‪ ،»)279‬وتنص الم ادة ‪« 247‬وليس له ذا الح ق وج ود م تى ك ان من الممكن الرك ون في ال وقت‬
‫المناس ب إلى االحتم اء برج ال الس لطة العمومي ة»‪ ،‬وتنص المادة ‪« 249‬ح ق ال دفاع الش رعي عن النفس ال يج وز أن ي بيح‬
‫القتل العمد إال إذا كان مقصودا به دفع أحد األمور التالية‪ .‬أوال‪ :‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان‬
‫لهذا التخوف أسباب معقولة‪ .‬ثانيا‪ :‬إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة‪ .‬ثالثا‪ :‬اختطاف إنسان»‪« ،‬حق الدفاع‬
‫الش رعي عن الم ال ال يج وز أن ي بيح القت ل العم د إال إذا ك ان مقص ودا ب ه دف ع أح د األم ور التالي ة‪ .‬أوال‪ :‬فع ل من األفع ال‬
‫المبين ة في الب اب الث اني من ه ذا الكت اب‪ .‬ثاني ا‪ :‬س رقة من الس رقات المع دودة من الجناي ات‪ .‬ثالث ا‪ :‬ال دخول ليال في م نزل‬
‫مس كون أو في أح د ملحقات ه‪ .‬رابع ا‪ :‬فع ل يتخ وف أن يح دث من ه الم وت أو ج راح بالغ ة إذا ك ان له ذا التخ وف أس باب‬
‫معقولة»‪ ،‬وعليه فإن ما يسمى بالحاالت الممتازة تطبق عليها في القانون المصري األحكام العامة للدفاع الشرعي‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫الش روط المتعلق ة بفعلي الخط ر وال دفاع‪ ،‬ووج وب ت وافر جمي ع الش روط( ) لقي ام حال ة ال دفاع‬
‫‪1‬‬

‫الش رعي( )‪ ،‬في حين أن الح االت الممت ازة المق ررة في الم ادة ‪ 40‬تق وم على وض ع المش رع‬
‫‪2‬‬

‫لح االت مح ددة تت وافر فيه ا حال ة ال دفاع دون حاج ة إلثبات ه‪ ،‬كت وافر "ظ رف اللي ل" في الفق رة‬
‫األولى‪ ،‬واستعمال "القوة والعنف" في السرقات ضد األفراد في الفقرة الثانية‪ ،‬وبالتالي يعتبر القت ل‬
‫والضرب والجرح مبررا متى توافر الحكم الذي قررته المادة ‪ ،40‬ألن ما تتضمنه المادة السابقة‬
‫يعتبر قرينة قانونية على توافر شروط الدفاع فال يطلب من المدافع إثباتها‪ ،‬وقد ثار جدل حول‬
‫طبيعتها( ) م ا إذا ك انت قرين ة قانوني ة بس يطة تقب ل إثب ات عكس ها أو قرين ة مطلق ة ال تقب ل إثب ات‬
‫‪3‬‬

‫العكس‪ ،‬إذ يكفي الم دافع في الح التين الل تين تض منتهما الم ادة ‪ 40‬من ق انون العقوب ات أن يثبت‬
‫ت وافر واح دة من الح التين ليك ون في وض ع دف اعي‪ ،‬في حين أن القرين ة البس يطة ال يكفي ذل ك‬
‫فيجوز إثبات عكسها فال يباح القتل أو الجرح والضرب بناء على ذلك إذا ثبت مثال أن من يدعي‬
‫التمس ك بحكم الم ادة ‪ 40‬ك ان يعلم أن من تس لق حائ ط منزل ه ليال أو كس ر باب ه لم يكن يقص د‬
‫ارتكاب جريمة‪ ،‬وعليه نعتقد أن القرينة التي تضمنتها المادة قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها‪.‬‬
‫وبتحليل هذه المادة ‪ 40‬تعتبر في حكم اإلباحة الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬القتل والضرب والجرح‪ ،‬تبرر هذه األفعال الشروط التالي وال يشترط فيمن يدعي بوجودها‬
‫إقامة الدليل على أنه في حالة دفاع شرعي‪ ،‬ألن المادة تفترض توافره بتوار شروط القيام بتلك‬
‫األفعال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون التسلق أو الكسر متعلقا بمسكن أو أحد توابعه‬
‫يعتبر مسكنا كل مكان مخصص للسكن مهما كانت طبيعته‪ ،‬ويدخل في مفهوم المسكن كل‬
‫ما يتصل به من توابع‪ ،‬ويقصد بتوابعه ما اتصل به مباشرة أو يضمه إليه سور‪ ،‬فتنص المادة‬
‫‪ 355‬من قانون العقوبات «يعد منزال مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو‬
‫متنق ل م تى ك ان مع دا للس كن وإ ن لم يكن مس كونا وقت ذاك وكاف ة توابع ه مث ل األح واش وحظ ائر‬
‫الدواجن ومخازن الغالل واإلسطبالت والمباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى ولو‬
‫كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي( )»‪ ،‬وعليه يمكن مالحظة أن المادة‬
‫‪4‬‬

‫‪ 40‬اس تعملت مص طلح «لمن ع تس لق الح واجز أو الحيط ان أو م داخل المن ازل أو األم اكن‬
‫المس كونة» خاص ة في ظ ل مفه وم الم ادة ‪ 355‬ق‪.‬ع ال تي تع رف المس كن المس كون بأن ه «يع د‬
‫منزال مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو متنقل متى كان معدا للسكن وإ ن‬
‫لم يكن مسكونا وقتذاك»‪ ،‬فهل يعني هذا أن الحماية المقررة في المادة ‪ 40‬مقررة فقط للمساكن‬
‫المسكونة فعال أو أنها تمتد لكل األماكن المسكونة والمعدة للسكن في آن واحد؟‪.‬‬
‫‪ - 1‬الحظ أنه بالنسبة لشرط التناسب قد ال يتوافر ورغم ذلك تقوم حالة الدفاع الشرعي مع تكييفه بأن هناك تجاوزا له‪.‬‬
‫‪ -2‬نقض جزائي ‪ 1970-02-24‬نشرة القضاة‪ ،‬سنة ‪ ،1970‬عدد ‪ ،2‬ص ‪« .93‬النسخة الفرنسية»‪.‬‬
‫‪ -3‬استقر في القضاء الفرنسي أنها قرينة بسيطة‪:‬‬
‫‪«La présomption de légitime défense édictée par l’article 329n’est pas irréfragable et peut céder‬‬
‫‪devant la preuve contraire; le texte dont il s’agit ne saurait justifier des actes de violence lorsqu’il est‬‬
‫‪démontré qu’ils ont été commis en dehors d’un cas de nécessité actuelle et en l’absence d’un danger‬‬
‫»‪grave et imminent.‬‬
‫‪Crim. 19.02.1959. D. 1959. 161, note M. R. M. P.‬‬
‫‪Trib. corr. Mayenne, 06.03.1957, D. 1957. 458, note de M. Pageaud.‬‬
‫‪Crim. 22.05.1959. D. 1959. Somm. 71.‬‬
‫‪Crim. 19.02.1959. D. 1959. 161, note M. R. M. P.‬‬
‫‪ -4‬ويفهم من نص الم ادة ‪ 22/2‬إ‪.‬ج نفس المع نى‪ ،‬حيث تنص «غ ير أن ه ال يس وغ لهم ال دخول في المن ازل والمعام ل أو‬
‫المباني أو األفنية واألماكن المسورة المتجاورة إال بحضور أحد ضباط الشرطة القضائية»‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫نعتق د ب أن المش رع الجزائ ري أراد من الحماي ة الخاص ة ال تي يعفى فيه ا الم دافع من إثب ات‬
‫شروط الدفاع التي تعتبر متوفرة بقوة القانون حماية المسكن المأهول فعال وغير المأهول كون‬
‫أن الحماية القانونية منصبة على حماية السكن‪ ،‬باعتباره مكان مخصص لمباشرة مظاهر الحياة‬
‫التي ال يريد الشخص اطالع غيره عليها‪ ،‬وبالتالي المادة تفسح للغير التدخل للدفاع عن المسكن‬
‫باعتباره مال الغير فإن فعل درءا للخطر يعتبر دفاعا شرعيا طبقا للمادة ‪ 40‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يتم الدخول ليال‬
‫يجب أن يك ون ال دخول ق د تم ليال‪ ،‬ألن الحكم ة من مث ل ه ذه الحماي ة ه و م ا يتمت ع ب ه‬
‫المس كن من حماي ة وص يانة أثن اء اللي ل‪ ،‬واللي ل يقص د ب ه الف ترة الواقع ة بين غ روب الش مس‬
‫وش روقها وه و المس تقر العم ل ب ه في القض اء المص ري( )‪ ،‬إال أن المش رع الجزائ ري في ق انون‬
‫‪1‬‬

‫العقوب ات لم يح دد من أين يب دأ اللي ل ومن أين ينتهي مم ا يفهم من ه أن ه ت رك األم ر لقاض ي‬


‫الموض وع يح دده –أي الليل( )‪ -‬وف ق ك ل حال ة‪ ،‬وم ا إذا ك ان ال دخول ق د تم ليال أم ال‪ ،‬والقي ام‬
‫‪2‬‬

‫بالفع ل ليال يعت بر دليال على م دى خطورت ه وس وء ني ة ص احبه‪ ،‬لم ا ي وفره اللي ل من إمكاني ة‬
‫للمعتدي لتنفيذ غرضه‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة‬
‫إذا ثبت أن دخ ول المس كن عن طري ق تس لق الح واجز أو الحيط ان مثال لم يكن بغ رض‬
‫ارتكاب جريمة وكان المدافع يعلم بذلك‪ ،‬فإن اإلباحة تنتفي عن أفعاله‪ ،‬ألن اإلباحة المقررة في‬
‫ه ذا البن د تق وم على اعتق اد الم دافع عن د قيام ه بفع ل ال دفاع عن النفس أو الم ال‪ ،‬أن التس لق ك ان‬
‫بغرض ارتكاب جريمة مع وجود الظروف التي تبرر هذا االعتقاد بأن المعتدي ينوي ارتكاب‬
‫جريمة‪ ،‬أما بالنسبة للبند ‪ 2‬من المادة ‪ 40‬فيشترط لتبرير الدفاع عن النفس أو الغير‪ ،‬أن يتم ضد‬
‫عمليات السرقة والنهب بالقوة دون ربطها بظرف الليل‪.‬‬
‫والمالحظ على الفقرتين‪ ،‬أن الفقرة األولى تشترط ظرف الليل في أفعال الضرب والجرح‬
‫أو القتل لصد االعتداء‪ ،‬في حين ظرف الليل لم تتطلبه الفقرة الثانية بالنسبة لألفعال التي ترتكب‬
‫للدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة‪ ،‬والغرض من ذلك هو تأمين‬
‫سالمة األفراد في الطرق العامة ولردع أعمال السطو المسلح بالقوة والعنف‪.‬‬
‫آثار الدفاع الشرعي‬
‫باإلض افة إلباح ة الفع ل بت وافر ظ رف ال دفاع الش رعي‪ ،‬ونزع ه عن الفع ل ص فة ع دم‬
‫المشروعية وعدم مسؤولية المدافع وكل من ساهم معه جزائيا ومدنيا‪ ،‬فيستفيد من ذلك كل من‬
‫يساهم في الفعل الدفاعي‪ ،‬ألن اإلباحة ذات طبيعة موضوعية تضفي صفة المشروعية على الفعل‬
‫فيستفيد منها الجميع ممن ساهم في الفعل‪.‬‬
‫والتمس ك بت وافر حال ة ال دفاع الش رعي يع ود للمتهم و في أي مرحل ة ك انت عليه ا ال دعوى‬
‫فيج وز التمس ك ب ه أم ام قاض ي التحقي ق وقض اء الموض وع‪ ،‬ويج وز أيض ا التمس ك ب ه ألول م رة‬
‫أمام المحكمة ولكنه ال يجوز له طرحة ألول مرة أمام المحكمة العليا‪ ،‬وال يجوز له النعي على‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -2‬يحدد الليل في المادة ‪ 47‬إ‪.‬ج في الفترة الممتدة من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا‪ ،‬وليس هناك ما‬
‫يمن ع أن نعتم د نص الم ادة ‪ 47‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة في تحدي د مفه وم اللي ل ال وارد في الم ادة ‪ 40‬من ق انون‬
‫العقوب ات‪ ،‬وه و توس يع في دائ رة الحماي ة القانوني ة للمس اكن‪ ،‬وبالت الي هن اك اختالف كب ير بين وص في اللي ل في الق انونين‪،‬‬
‫وبالتالي نعتقد في هذه الحالة تطبيق فكرة الليل الفلكي‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫الحكم م ا لم يكن قد تمس ك به‪ ،‬ويك ون تقدير مدى توافر شروط ال دفاع الش رعي من اختص اص‬
‫محكم ة الموض وع‪ ،‬وعلي ه فإن ه إذا ك انت ال دعوى العمومي ة م ازالت لم تح رك بع د أو ك انت في‬
‫طور التحقيق فإن النيابة العامة تصدر أمرا بحفظ األوراق ويصدر قاضي التحقيق أمرا بأال وجه‬
‫للمتابعة‪ ،‬أما إذا كانت القضية مطروحة على جهة الحكم فإن هذه الجهة تصدر حكما بالبراءة‪.‬‬
‫تجاوز الدفاع الشرعي‬
‫يع رف تج اوز ال دفاع الش رعي( ) بأن ه تخل ف عنص ر التناس ب بين جس امة فع ل ال دفاع‬
‫‪1‬‬

‫وخط ورة االعت داء‪ ،‬وذل ك رغم ت وافر ش روط ال دفاع األخ رى واالل تزام بقي وده‪ ،‬فال نك ون إذن‬
‫بصدد الحديث عن تجاوز الدفاع الشرعي إال إذا توافرت شروط فعل االعتداء أو الخطر وشرط‬
‫اللزوم‪ ،‬وعليه فإن التجاوز يفترض أن يتعرض المتجاوز لحدود الدفاع لخطر غير مشروع حال‬
‫يهدده في نفسه أو نفس الغير أو ماله أو مال الغير بارتكاب جريمة من الجرائم التي تبيح فعل‬
‫الدفاع‪ ،‬وأن يكون المتجاوز قد التزم شرط اللزوم‪ ،‬إال أنه ارتكب فعال أكثر جسامة مما تقتضيه‬
‫خطورة االعتداء‪.‬‬
‫وحكم التجاوز يكون تبعا لما إذا كان نتيجة عمد أو نتيجة غير عمد‪ ،‬فإنه يسأل في الحالين‬
‫مسؤولية عمديه أو غير عمديه بحسب ما إذا كان متعمدا أو غير متعمد‪ ،‬وعليه فإن تجاوز الدفاع‬
‫الشرعي يعني تخلف شرط التناسب الخاص بفعل الدفاع القائم على وجوب التناسب بين جسامة‬
‫فعلي الدفاع والخطر( )‪ ،‬ألن تخلف أحد الشروط األخرى غير التناسب تكون بصدد انتفاء الدفاع‬
‫‪2‬‬

‫الشرعي نفسه‪.‬‬
‫وتب دو أهمي ة التفرق ة بين الح الين‪ ،‬بين انتف اء ال دفاع وتج اوزه( )‪ ،‬في أن المتج اوز لح دود‬
‫‪3‬‬

‫ال دفاع الش رعي يس تفيد من حكم الم واد ‪ 283 ،278 ،277‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتنص الم ادة ‪« 277‬يس تفيد‬
‫مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من األعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من‬
‫أح د األش خاص‪ ،».‬وتنص الم ادة ‪« 278‬يس تفيد م رتكب ج رائم القت ل والج رح والض رب من‬
‫األع ذار إذا ارتكبه ا ل دفع تس لق أو ثقب أس وار أو حيط ان أو تحطيم م داخل المن ازل أو األم اكن‬
‫المس كونة أو ملحقاته ا إذا ح دث ذل ك أثن اء النه ار»‪« ،‬وإ ذا ح دث ذل ك أثن اء اللي ل فتطب ق أحك ام‬
‫الفق رة األولى من الم ادة ‪ ،»40‬أم ا إذا تعل ق األم ر بانتف اء ال دفاع الش رعي‪ ،‬فال يس تفيد من س اهم‬
‫في ارتك اب فع ل من أحك ام الم واد الس ابقة‪ ،‬ألن الفع ل يعت بر أص ال غ ير مش روع ويس أل عن ه‬
‫مس ؤولية كامل ة طبق ا للقواع د العام ة للمس ؤولية الجزائي ة‪ ،‬وعلي ه ف إن الح االت المن وه عنه ا في‬
‫المادتين السابقتين وجد خطر اعتداء أو لم ينته بعد‪ ،‬في صورة من الصورتين المنوه عنهما سابقا‬
‫في الم ادتين ‪ 278-277‬ق‪.‬ع‪ ،‬يق رر المش رع الجزائ ري بش أنهما أع ذارا مخفف ة بالنس بة لتج اوز‬
‫الدفاع الشرعي‪ ،‬تكفلت المادة ‪ 283‬ق‪.‬ع بتحديد درجات التخفيف فتقرر أنه إذا ثبت قيام العذر‬
‫فتخفض العقوبة على الوجه المحدد في القانون‪ ،‬فتنص «إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على‬
‫الوجه اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬م تيجي رش يدة‪ :‬تج اوز ال دفاع الش رعي في التش ريع الجزائ ري والمق ارن‪ ،‬ماجس تير ‪ ،1979‬معه د الحق وق جامع ة‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫‪ -2‬تنص المادة ‪ 251‬من قانون العقوبات المصري «ال يعفى من العقاب بالكلية من تعدى حدود حق الدفاع الشرعي أثناء‬
‫استعماله إياه دون أن يكون قاصدا إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع‪ ،‬ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية‬
‫أن يعده معذورا إذا رأى لذلك محال وأن يحكم عليه بالحبس بدال من العقوبة المقررة في القانون‪».‬‬
‫‪ - 3‬ونالحظ أنه قد يتوفر تجاوز حدود الدفاع ورغم ذلك ال يتوفر العمد وال غير العمد فال يقوم التجاوز بنوعيه‪ ،‬نتيجة لما‬
‫أحاط به من ظروف أدت الضطرابه وفقده كل سيطرة على إرادته وأعصابه‪ ،‬فإنه ال يسأل لعدم توافر القصد الجنائي أو‬
‫الخطإ في حقه‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -1‬الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية عقوبتها اإلعدام أو السجن المؤبد‪.‬‬
‫‪ -2‬الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق األمر بأية جناية أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق بجنحة‪.‬‬
‫في الح االت المنص وص عليه ا في الفق رتين ‪ 1‬و ‪ 2‬من ه ذه الم ادة يج وز أن يحكم أيض ا‬
‫على الجاني بالمنع من اإلقامة من خمس سنوات على األقل إلى عشر سنوات على األكثر»‪.‬‬
‫والعقوبات المخففة المنصوص عليها في المادة ‪ 283‬ق‪.‬ع تطبيقا لحكمي المادتين ‪-277‬‬
‫‪ 278‬ق‪.‬ع المحددة لألعذار القانونية‪ ،‬خاصة المادة ‪ 278/1‬ق‪.‬ع «يستفيد مرتكب جرائم القتل‬
‫والجرح والضرب من األعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل‬
‫المنازل أو األماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار»‪ ،‬هو أهم ما يميز بين حالة‬
‫تجاوز الدفاع الشرعي وبين حالة انتفائه أصال‪ ،‬بعدم توافر شرط من شروط فعل االعتداء‪ ،‬ألنه‬
‫في األولى تخفف العقوبات على النحو السابق ذكره طبقا للمادة ‪ 283‬من قانون العقوبات‪ ،‬وفي‬
‫الثانية تقوم المسؤولية الجزائية كاملة عن الفعل المرتكب‪.‬‬
‫تقسيم الجرائم بالنظر لركن عدم المشروعية‬
‫تقس م الجريم ة ب النظر لركنه ا الق انوني إلى ن وعين‪ ،‬ج رائم عادي ة غ ير سياس ية وج رائم‬
‫سياسية من جهة‪ ،‬وعادية غير عسكرية وعسكرية‪ ،‬وهو تقسيم يستند لطبيعة المصلحة المعتدى‬
‫عليها بالسلوك المجرم ولمصدر عدم مشروعية هذا السلوك‪ ،‬نحاول التعرض لها في التالي‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬الجرائم العادية «غير السياسية» والجرائم السياسية‬
‫تع رف الجريم ة السياس ية بأنه ا عم ل سياس ي يجرم ه الق انون( ) ويعت بره بص فة عام ة فعال‬
‫‪1‬‬

‫مخال بنظ ام الدول ة وأمنه ا‪ ،‬وينظ ر له ذا الن وع من الج رائم من خالل المص لحة المعت دى عليه ا‪،‬‬
‫فتعرف أيضا بأنها اعتداء على مص لحة ذات طبيع ة سياس ية يقرر لها القانون حماي ة جزائية( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫بتجريم االعتداء عليها وتقرير جزاء لها‪ ،‬وتعرف من خالل الباعث لها بأنها كل جريمة تكون‬
‫الغاي ة من ارتكابه ا سياس يا‪ ،‬وعرفه ا الم ؤتمر ال دولي لتوحي د ق انون العقوب ات( ) بأنه ا «الج رائم‬
‫‪3‬‬

‫الموجه ة ض د تنظيم الدول ة ومباش رتها وظائفه ا أو ض د الحق وق ال تي يتمت ع به ا المواطن ون ( )»‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫ومن خالل ه ذه التع اريف يمكن التس اؤل‪ :‬ه ل أن ك ل فع ل يتض من اعت داء على مص لحة من‬
‫المص الح الماس ة بنظ ام الدول ة ومؤسس اتها وأمنه ا وتعطي ل وظيف ة س لطاتها والخيان ة والتجس س‬
‫والمؤامرة وجرائم االنتخاب‪ ،‬يعتبر جريمة سياسية؟‪.‬‬
‫إن التمييز بين الجريمة السياسية والعادية يتم من خالل معيار موضوعي أو مادي مستمد‬
‫من موض وع الجريم ة‪ ،‬أو من خالل الب اعث ال دافع الرتكابه ا‪ ،‬وه و م ا أدى إلى الص عوبة في‬
‫وض ع واعتن اق معي ار للتفرق ة بين الجريم ة العادي ة والجريم ة السياس ية‪ ،‬حيث تختل ف السياس ة‬
‫التشريعية التي تنتهجها األنظمة القانونية بين التشديد والتضييق على العمل السياسي‪ ،‬فتتوسع في‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.266‬‬
‫‪ - 2‬تختلف السياسة التشريعية التي تنتهجها األنظمة القانونية بين التشديد والتضييق على العمل السياسي‪ ،‬فتتوسع في مدلول‬
‫الجريم ة السياس ية‪ ،‬وبين التض ييق في م دلولها‪ ،‬مم ا انعكس على الج زاء الجن ائي المق رر له ا‪ ،‬فتق رر له ا عقوب ات متم يزة‪،‬‬
‫فتستبعد عقوبة اإلعدام واإلكراه البدني كالقانون الفرنسي‪ ،‬وتقرر لها أنظمة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 3‬المنعقد في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن سنة ‪.1935‬‬
‫‪ -4‬وهو تعريف يمل لألخذ بالمذهب الموضوعي‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫مدلول الجريمة السياسية‪ ،‬وبين التضييق في مدلولها‪ ،‬مما انعكس على الجزاء المقرر لها‪ ،‬فتقرر‬
‫لها عقوبات متميزة‪ ،‬بين الشدة والتخفيف انطالقا من المذهبين الموضوعي والشخصي‪:‬‬
‫‪ -1‬المذهب الموضوعي‬
‫ينظ ر ه ذا الم ذهب للجريم ة السياس ية من خالل موض وعها‪ ،‬أي أن منطلق ه ه و الح ق أو‬
‫المصلحة أو الحق المعتدى عليه‪ ،‬فالجريمة السياسية تقع اعتداء على الحقوق السياسية للدولة من‬
‫كنظامها السياسي‪ ،‬ومنها أيضا الجرائم التي تمس الشخصية القانونية للدولة والتي تهدد استقاللها‬
‫وس المة أراض يها والتع اون والتخ ابر م ع الع دو أو مس اعدته على ال دخول ألراض يها وج رائم‬
‫االنتخ اب والتجمهر( )‪ ،‬فالجريم ة السياس ية في منظ ور الم ذهب الموض وعي تش مل الج رائم ال تي‬
‫‪1‬‬

‫تمس أمن الدولة من الداخل والخارج( )‪ ،‬وكذلك الجرائم التي تمس نظام الحكم من الداخل‪ ،‬كتلك‬
‫‪2‬‬

‫ال تي تمس ش كل الحكوم ة ومباش رة الس لطات العام ة لوظائفه ا‪ ،‬واس تعمال المواط نين لحق وقهم‬
‫السياس ية المكرس ة دس توريا‪ ،‬ك الحق في االنتخ اب مثال‪ ،‬وعلي ه تع رف الجريم ة السياس ية بأنه ا‬
‫اعتداء على مصلحة ذات طبيعة سياسية‪ ،‬يحميها القانون الجزائي بالتجريم والعقاب( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -2‬المذهب الشخصي‬
‫ال يهتم الم ذهب الشخصي بموض وع الجريم ة والمص لحة المعت دى عليه ا‪ ،‬فيص ب اهتمام ه‬
‫على العام ل النفس ي والمعن وي في الجريم ة‪ ،‬أي الب اعث على ارتكابه ا والغاي ة ال تي أراد الفاع ل‬
‫تحقيقه ا من وراء ارتكابها( )‪ ،‬فكلم ا ك ان الب اعث باعث ا سياس يا ك انت الجريم ة سياس ية( )‪ ،‬ومن‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫صور الجريمة السياسية اختالس أموال الدولة وحتى األفراد بغرض تمويل ثورة ضد السلطة أو‬
‫القيام بانقالب ضدها‪ ،‬ومنها أيضا قتل رئيس الدولة بغرض تحقيق تغيير نظام الحكم الذي يمثله‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذا المذهب التوسع في مدلول الجريمة السياسية حيث تصبح تستوعب الكثير‬
‫من الس لوكات العادي ة طالم ا أن الب اعث أو الغاي ة منه ا سياس ية ومن المآخ ذ علي ه أيض ا اعتب ار‬
‫الباعث ركنا في الجريمة‪ ،‬وهو أمر ال ينسجم مع مبادئ القانون‪ ،‬ألن الباعث مهما كانت طبيعته‬
‫ال يعت بر ركن ا في الجريم ة وال ي ؤثر في وجوده ا‪ ،‬ه ذا من جه ة ومن جه ة أخ رى ف إن االس تناد‬
‫للباعث في تحديد طبيعة الجريمة أمر صعب لتعلقه بمسألة معنوية تتعلق بالنفس البشرية‪.‬‬
‫ويتم يز الم ذهب الشخص ي بالتوس يع في دائ رة الج رائم السياس ية لتش مل الكث ير من ج رائم‬
‫القانون العام طالما أنه يعتم د على أن الباعث السياس ي‪ ،‬في حين يتميز المذهب الموضوعي أو‬
‫الم ادي باعتم اده على موض وع الجريم ة فتك ون سياس ية فق ط م تى ك ان االعت داء على ح ق من‬
‫حقوق األفراد السياسية( ) أو حق من حقوق الدولة صاحبة السلطة تقوم بوظيفة سياسية‪ ،‬كجرائم‬
‫‪6‬‬

‫االعتداء على سالمة الوطن واستقالله واستقرار النظام فيها( )‪،‬‬


‫‪7‬‬

‫موقف المشرع الجزائري من الجريمة السياسية‬

‫‪- G. Stefani- G. Levasseur: droit pénal général, 9ème éd ..., Dalloz, p 236.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.268‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪.242‬‬
‫‪ - 4‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.268‬‬
‫‪- G. Stefani- G. Levasseur: droit pénal général, 9ème éd... , Dalloz, p 237.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ - 6‬تعتبر الجريمة في ظل المذهب الموضوعي جريمة عادية ولو كان باعثها سياسيا متى كان االعتداء على حق من حقوق‬
‫الفرد بصفته هذه‪ ،‬كاالعتداء على حقه في الحياة وحقه في سالمته الجسدية وحقه في الملكية‪.‬‬
‫‪ - 7‬وهذا يعني أن االعتداء على حق من حقوق الدولة باعتبارها شخص عادي ولو توافر الباعث السياسي ال تعتبر جريمة‬
‫سياسية‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫س بق الق ول ب أن من الج رائم السياس ية‪ ،‬االعت داء على نظ ام الدول ة ومؤسس اتها بوج ه ع ام‬
‫انطالق ا من تحدي دها من خالل المعي ار الموض وعي أو انطالق ا من الب اعث طبق ا للمعي ار‬
‫الشخص ي‪ ،‬وهي جميعه ا مص الح يج رم ق انون العقوب ات االعت داء عليه ا في م واده ‪ 61‬إلى ‪111‬‬
‫ولم يطل ق عليه ا وص ف أو مص طلح الجريم ة السياس ية‪ ،‬وهي جميه ا ج رائم عامله ا المش رع‬
‫الجزائري بالشدة فقرر لها أقصى العقوبات مما يوحي بأنه يعتمد المذهب الشخصي‪.‬‬
‫إال أن هذا الموقف السلبي من الجريمة السياسية بعدم تنظيمها لم يمنعه من اإلشارة إليها‬
‫في نصوص أخرى متفرقة( )‪ ،‬فتنص المادة ‪ 50/2‬من الدستور «ال يمكن تسليم أحد إال بمقتضى‬
‫‪1‬‬

‫اتفاقية مصادق عليها‪ ،‬أو بموجب قانون( )»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 698‬من قانون اإلجراءات الجزائية‬
‫‪2‬‬

‫في بندها الثاني «ال يقبل التسليم في الحاالت اآلتية‪ ...‬إذا كانت للجناية أو الجنحة صبغة سياسية‬
‫أو إذا ت بين من الظ روف أن التس ليم مطل وب لغ رض سياس ي»‪ ،‬وه و نص يل زم الس لطات‬
‫الجزائرية بوجوب رفض طلب التسليم الذي تتقدم به أي دولة أجنبية في شأن من يلتجئ للجزائر‬
‫ممن ينسب لهم ارتكاب جريمة ذات طبيعة سياسية( )‪.،‬‬
‫‪3‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الجرائم العادية والجرائم العسكرية‬


‫تع رف الجريم ة العس كرية بأنه ا تل ك األفع ال ال تي تق ع من ش خص يخض ع للق انون‬
‫العسكري( ) بإخالل بأحكامه مثل السلوكات التي تمس بالنظام العسكري وتخل به( )‪ ،‬فينظر إذن‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫للجريمة العسكرية من خالل من يرتكب الفعل المجرم وهم العسكريون ومن في حكمهم‪ ،‬وينظر‬
‫له ا من خالل الس لوكات نفس ها المجرم ة ب ه‪ ،‬ويع رف في الق انون الج زائي بق انون القض اء‬
‫العسكري( )‪ ،‬وهو القانون الذي تكفل بتحديد الفئات الخاضعة له والجرائم العسكرية‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وتتميز الجريمة العسكرية بصبغة مزدوجة‪ ،‬فهي جريمة تأديبية من حيث أنها اعتداء على‬
‫نظ ام هيئ ة عس كرية‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 253‬من ق انون القض اء العس كري( ) «إ المخالف ات المرتكب ة‬
‫‪7‬‬

‫بح ق األنظم ة المتعلق ة بالت أديب والخارج ة عن اختص اص المح اكم العس كرية‪ ،‬تخض ع لقم ع‬
‫الس لطات العس كرية وتطب ق عليه ا العقوب ات التأديبي ة‪ ،...‬يح دد س لم العقوب ات التأديبي ة بم وجب‬
‫مرس وم»‪ ،‬وفي نفس ال وقت تطب ق الج زاءات المق ررة في ق انون العقوب ات م ع مراع اة أحكام ه‪،‬‬
‫فتنص المادة ‪ 243‬منه «تصدر الجهات القضائية العسكرية نفس العقوبات التي تصدرها الجهات‬

‫‪ -1‬ومن بين هذه النصوص االتفاقيات القضائية التي أبرمتها الجزائر مع بعض الدول في إطار التعاون القضائي لمحاربة‬
‫الجريمة‪ ،‬التي لم تخل من مصطلح الجريمة السياسية‪ ،‬فتقرر رفض تسليم المجرمين إذا تعلق األمر بجريمة سياسية‪ ،‬المادة‬
‫‪ 29/1‬من االتفاقية مع تونس‪ ،‬والمادة ‪ 34/1‬من االتفاقية مع المغرب والمادة ‪ 26/1‬من االتفاقية مع مصر والمادة ‪14/1‬‬
‫من االتفاقية مع فرنسا‪.‬‬
‫‪ -2‬وهو موق ف ينم عن أخ ذ المش رع الجزائ ري بعين االعتب ار طبيع ة الجريمة م ا إذا ك انت عادي ة أو سياس ية‪ ،‬ف رتب على‬
‫هذه األخيرة عدم إمكان تسليم السياسيين المتهمين في أوطانهم بارتكاب جرائم سياسية‪ ،‬أو كان الطلب ذا أبعاد سياسية‪.‬‬
‫‪ -3‬وه و م ا أكدت ه االتفاقي ات القض ائية المبرم ة بين الجزائ ر وبعض ال دول كت ونس والمغ رب وجمهوري ة مص ر العربي ة‬
‫وفرنسا‪ ،‬حيث تؤكد هذه االتفاقيات على عدم جواز التسليم في الجرائم ذات الصبغة السياسية أو كان طلب التسليم ألغراض‬
‫سياسية‪.‬‬
‫‪ -4‬تنص الم ادة ‪ 3‬من ق انون القض اء العس كري المع دل والمتمم أن ه «تطب ق أحك ام ه ذا الق انون على جمي ع المس تخدمين‬
‫العسكريين والمدنيين التابعين لوزارة الدفاع الوطني»‪.‬‬
‫‪ -5‬باإلض افة للعس كريين الت ابعين لمختل ف الق وات المس لحة‪ ،‬تنص المادت ان ‪ 26‬و‪ 27‬من ق انون القض اء العس كري على‬
‫اعتب ار بعض األش خاص كالعس كريين وبالت الي تط بيق ه ذا الق انون عليهم وتختص بنظ ر ج رائمهم المح اكم العس كرية طبق ا‬
‫للمادة ‪ 25‬منه‪.‬‬
‫‪ -6‬الص ادر ب األمر رقم ‪ 28-71‬الم ؤرخ في ‪ 22‬أبري ل ‪ ،1971‬المع دل بالق انون رقم ‪ 14-18‬الم ؤرخ في ‪ 29‬يولي و‬
‫‪ ،2018‬م ع مالحظ ة أن الجريم ة العس كرية ك انت محكوم ة بالق انون رقم ‪ 242-64‬الم ؤرخ في ‪ 22‬أوت ‪ 1964‬الملغى‬
‫باألمر ‪.28-71‬‬
‫‪ -7‬سنرمز له بـ ق‪.‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫القضائية التابعة للقانون العام( )‪« ،»...‬وتطبق هذه العقوبات وفقا للمبادئ العامة وأحكام قانون‬
‫‪1‬‬

‫العقوبات( )»‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والمالحظ أن الجريمة العسكرية نوعان‪ ،‬جريمة عسكرية صرف وأخرى جريمة عسكرية‬
‫مختلط ة‪ ،‬وه ذا بس بب أن الجريم ة العس كرية في الكث ير من األحي ان محكوم ة بق انونين ق انون‬
‫القضاء العسكري وقانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ - 1‬الجريمة العسكرية الصرفة‬
‫الجريم ة العس كرية الص رفة جريم ة بس يطة‪ ،‬تق ع خرق ا ألحك ام النظ ام العس كري‪ ،‬فترتب ط‬
‫بقانون القضاء العسكري وتنبثق من اإلخالل بقواعده ونظمه دون أن يكون لقانون العقوبات شأن‬
‫في ذلك‪ ،‬فيعتبر ق انون القضاء العسكري مص در عدم مشروعيتها وح ده دون غ يره‪ ،‬كالعصيان‬
‫المجرم بالمادة ‪ 254‬وجريمة الفرار في المادة ‪ 255‬وما يليها‪ ،‬والتحريض عليه في المادة ‪271‬‬
‫والتشويه المتعمد في المادة ‪ ،273‬وجرائم اإلخالل بالشرف والواجب في المادة ‪ ،275‬وجريمة‬
‫التمرد في المادة ‪ 302‬وغيرها من قانون القضاء العسكري‪،‬‬
‫‪ - 2‬جرائم عسكرية مختلطة‬
‫وهي سلوكات أو أفعال يرتكبها العسكريون أثناء ممارستهم لعملهم ومن في حكمهم إخالال‬
‫بأحك ام ق انون القض اء العس كري وهي في نفس ال وقت س لوكات مج رم ومع اقب عليه ا في ق انون‬
‫العقوب ات‪ ،‬فهي إذن ج رائم تق ع خرق ا ألحك ام ق انونين‪ ،‬الق انون الع ام أو الع ادي وق انون القض اء‬
‫العس كري‪ ،‬كجريم ة التخ ابر م ع الع دو والت آمر على س المة ال وطن والتم رد وج رائم الخيان ة‬
‫والتجسس والتجنيد لصالح العدو وارتداء البزة العسكرية النظامية وتقلد األوسمة والنياشين بغير‬
‫ق انون‪ ،‬وغيره ا من الج رائم العس كرية المختلط ة‪ ،...‬وه ذا يع ني أن مص در تجريمه ا وع دم‬
‫مشروعيتها مزدوج‪ ،‬فتجرم بقانون القضاء العسكري وبقانون العقوبات في نفس الوقت‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه هل من أهمية للتفرقة بين الجريمة العسكرية الصرف والجريمة‬
‫المختلطة‪ ،‬وهل من أهمية للتفرقة بين الجريمة العادية والجريمة العسكرية؟‬
‫تب دو أهمي ة التفرق ة بين الجريم ة العس كرية الص رفة والمختلط ة في إش كالية االختص اص‬
‫الذي ينعقد للجهات القضائية العسكرية كلما كانت الجريمة عسكرية صرفة‪ ،‬في حين تبدو أهمية‬
‫التفرق ة بين الج رائم العادي ة والجريم ة العس كرية في التفرق ة بين الجريم ة العادي ة والجريم ة‬
‫العسكرية المختلطة بطرح إشكالية االختصاص النوعي بها في ظل تجريمها بقانونين ألنه يمكن‬
‫حصول تنازع بين القضاء الجزائي العادي والجهات القضائية العسكرية‪،‬‬
‫فتنص الم ادة ‪ 25/5‬ق‪ .‬ق‪ .‬ع «وعلى ك ل‪ ،‬يح ال الفاع ل األص لي والفاع ل المش ترك أو‬
‫الش ريك في الجريم ة ال تي لم ينص عليه ا في الفق رات ‪ ) (3 ،2 ،1‬أعاله‪ ،‬أم ام مح اكم القم ع‬
‫‪3‬‬

‫للقانون العام»‪.‬‬
‫تنص الم ادة ‪ 25/1‬ق‪.‬ق‪.‬ع «تنظ ر الجه ات القض ائية العس كرية في المخالف ات الخاص ة‬
‫بالنظ ام العس كري‪ ،‬المنص وص عليه ا في الكت اب الث الث من ه ذا الق انون ويح ال إليه ا ك ل فاع ل‬
‫‪ -1‬أنظر المادتين ‪ 5 ،5‬مكرر ‪ 1‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -2‬وجر تطبيق األحكام المتعلقة بالشرعية وعدم رجعية القانون علة الماضي إال ماك ان منه أقل شدة والتطبيق اإلقليمي‬
‫للقانون وغيرها من األحكام العامة الوتي يقررها قانون العقوبات مع األخذ بعين االعتبار أحكام قانون القضاء العسكري‪.‬‬
‫‪ - 3‬وهي الفقرات المحددة للجرائم التي تختص بنظرها المحاكم العسكرية الدائمة دون غيرها من الجهات القضائية العادية‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫أص لي للجريم ة وك ل فاع ل مش ترك‪ ،‬آخ ر وك ل ش ريك في الجريم ة س واء ك ان عس كريا أم ال»‪.‬‬
‫وتنص الفق رة ‪ 2‬منه ا «ويح اكم ك ذلك أم ا الجه ات القض ائية العس كرية المس تخدمون العس كريون‬
‫والم دنيون الت ابعون ل وزارة ال دفاع الوط ني‪ ،‬الف اعلون األص ليون للجريم ة والف اعلون المس اهمون‬
‫والشركاء في أية جريمة كانت مرتكبة أثناء الخدمة أو لدى المضيف»‪ ،‬وبالرجع للكتاب الثالث‬
‫من قانون القضاء العسكري نجده ينظم نوعي الجريمة العسكرية الصرفة والمختلطة‪ ،‬فتنص مما‬
‫يزيد في أهمية التفرقة بينهما وبالتالي يمكن أن يحصل تنازع بين القضاءين العادي والعسكري‪،‬‬
‫فأي منهما مختص عندما تكون الجريمة عسكرية مثل الخيانة والتجسس والمؤامرة طبقا للمادة‬
‫‪ 277‬وم ا يليه ا‪ ،‬وفي نفس ال وقت يجرمه ا الق انون الع ادي في الم ادة ‪ 61‬وم ا يليه ا من ق انون‬
‫العقوبات؟ مما يتطلب بالضرورة حل التنازع بين القضاءين عندما تعرض نفس القضية أمامهما‬
‫في نفس ال وقت‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 208‬ق‪.‬ق‪.‬ع «عن دما ترف ع قض ية أم ام قض اء عس كري وقض اء‬
‫ت ابع للق انون الع ام( )‪ ...‬في وقت واح د‪ ،‬وتتعل ق بنفس الج رم أو بج رائم مترابط ة‪ ،‬تبت المحكم ة‬
‫‪1‬‬

‫العلي ا‪ ،‬في حال ة ال نزاع‪ ،‬بطلب تن ازع القض اة ال ذي تقدم ه النياب ة العام ة‪ ...‬طبق ا للم ادة ‪ 545‬من‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية»‪.‬‬
‫وه و م ا يع ني أن المح اكم العس كرية العادي ة تختص ب النظر في الج رائم العس كرية المن‪،‬‬
‫وهو ما يعني أن المحكمة العليا لها سلطة تقديرية في تحديد الجهة المختصة بالموضوع( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الباب الثاني‬
‫الركـن المـادي‬
‫الجريمة ظاهرة سلوكية اجتماعية يقوم بها اإلنسان( ) مخالفة ألحكام القانون التجريمي‪ ،‬قد‬
‫‪3‬‬

‫تكون جريمة بسيطة وقد تمر عبر مراحل كالتفكير في إتيانها وعقد العزم عليه‪ ،‬ثم ينتقل مقترفه ا‬
‫لإلعداد المادي لها بتحضير وسائل وأدوات تنفيذها ليصل إلى إتمامها بالبدء في ارتكابها وتحقيق‬
‫للغ رض اإلج رامي ال ذي أراده‪ ،‬ه ذه الس لوكات المختلف ة تنظمه ا التش ريعات الجزائي ة بأحك ام ق د‬
‫تختلف في كثير من المواضع‪ ،‬خاصة من حيث إضفاء صفة عدم المشروعية‪.‬‬
‫إن الجريم ة ق د ت ؤدي إلى اإلض رار بح ق أو مص لحة يح رص المش رع على حمايته ا وق د‬
‫تعرضها للخطر‪ ،‬فتسمى األولى جرائم الضرر ‪ Délits de Lésion‬كجريمة القتل واالغتصاب‬
‫وهت ك الع رض والس رقة وخيان ة األمان ة والنص ب‪ ،...‬ألنه ا تتض من اعت داء فعلي ا على الح ق في‬
‫الحي اة أو الح ق في الس المة الجس دية أو اعت داء على الش رف والع رض أو اعت داء على الم ال‬
‫بوجه عام‪ ،‬أم جرائم الخطر ‪ Délits de mise en danger‬كتعريض طفل للخطر فال تتضمن‬

‫‪ - 1‬ويمكن أن يقع التنازل بين جهتين قضائيتين عسكريتين‪ ،‬فتقرر المادة ‪ 209‬ق‪.‬ق‪.‬ع تطبيق أحكام المادة ‪ 548‬من قانون‬
‫القضاء العسكري وتتم اإلحالة من جهة ألخرى في األحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ل داعي األمن العم ومي أو الش بهة المش روعة‪ - ،‬لحس ن س ير القض اء‪ -،‬بن اء على طلب وزي ر ال دفاع الوط ني بص فة‬
‫استثنائية عن تعذر إيجاد مساعدين عسكريين في الرتبة المطلوبة في تشكيل المحكمة‪.‬‬
‫أنظر المواد ‪ 5‬مكرر‪ 7 ،6 ،‬من قانون القضاء العسكري‪.‬‬
‫‪ -2‬كان قانون القضاء العسكري يضع معيارا ماديا يتعلق بنوع الجريمة جناية أو جنحة لتحديد أي من القضاءين مختص‬
‫بنظر الجريم ة العسكرية المختلطة م تى تم تنازع بينهم ا في المادة ‪ 25‬قبل تعديله بالق انون ‪ ،14-18‬حيث تنص الفقرتان‬
‫‪« 4 ،3‬وتختص المح اكم العس كرية الدائم ة خالف ا ألحك ام الم ادة ‪ 248‬من ق انون اإلج راءات الجزائي ة بالفص ل في الج رائم‬
‫المرتكب ة ض د أمن الدول ة وفق ا للنص ال وارد في ق انون العقوب ات وذل ك عن دما تزي د عقوب ة الحبس على خمس س نوات»‪،‬‬
‫«وعند ما تكون الجريمة من نوع الجنحة فال تختص المحاكم العسكرية الدائمة بها إال إذا كان الفاعل عسكريا أو مماثال‬
‫له»‪ ،‬فتخص الجهة العسكرية بالنظر في الجناية بالرجوع للمادة ‪ 5‬من قانون العقوبات التي تنص «العقوبات األصلية في‬
‫مادة الجنايات هي‪ -1 :‬اإلعدام‪ -2 ،‬السجن المؤبد‪ -3 ،‬السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس(‪ )5‬سنوات وعشرين(‪)20‬‬
‫سنة‪.»...‬‬
‫‪ - 3‬وتقرر التشريعات الحديثة مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية في حدود وبحسب ما تسمح به طبيعتها القانونية‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫اعت داء مادي ا وإ نم ا تتض من تهدي ده بخطر( )‪ ،‬وهي س لوك ق د يك ون إيجابي ا وق د يك ون س لوكا‬
‫‪4‬‬

‫سلبيا( )‪ ،‬تبعا للقاعدة الجزائية التي ما إذا كانت تتضمن نهيا أو أمرا‪ ،‬وقد يقترفها شخص واحد‬
‫‪2‬‬

‫وقد تتضافر جهود شخصين أو أكثر في ارتكابها بالمساهمة فيها ‪-‬الفاعل أو الفاعلون والشريك‬
‫أو الشركاء‪ -‬في ارتكاب الجريمة وتحقيق المشروع اإلجرامي( )‪ ،‬وعليه فإن السلوك اإلجرامي‬
‫‪3‬‬

‫بمختلف صوره يشكل جوهر الركن المادي الذي بدونه ال تقوم الجريمة‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫عناصر السلوك اإلجرامي‬
‫تتكون عناصر الركن المادي من السلوك اإلجرامي أو السلوكات التي يقوم بها الفاعل أو‬
‫الفاعلون والنتيجة الناشئة عن هذا السلوك والعالقة السببية التي تربط بينهما‪ ،‬أي الرابطة السببية‬
‫بين السلوك والنتيجة‪ ،‬بحيث تكون هذه األخيرة ثمرة للسلوك اإلجرامي فال تنسب لغيره‪.‬‬
‫المبحث األول‪ -‬السلوك اإلجرامي‬
‫السلوك المجرم قانونا سلوك خارجي واع وموجه يقوم به اإلنسان بغرض إحداث تغيير‬
‫في الع الم الخارجي( )‪ ،‬ف يرتكب مكونا مادي ات الجريم ة ال تي ينص الق انون على تجريمها ويقرر‬
‫‪4‬‬

‫له ا العق اب المناس ب‪ ،‬فيلح ق الض رر بمص الح وحق وق محمي ة قانون ا أو يعرض ها للخط ر‪ ،‬ألن‬
‫الق انون الجزائي ال يع اقب أح دا عن أي س لوك م ا لم يكن هذا الس لوك مادي ا يجرم ه الق انون‪ ،‬فال‬
‫يعت د بالنواي ا والب واطن مج ردة من مظهره ا الم ادي الخ ارجي‪ ،‬فال يج رم الني ة المج ردة ل ذاتها‬
‫كأصل مع إمكان أن يعتد بها أحيانا( ) فيشدد العقاب بسببها كسبق اإلصرار‪ ،‬فتنص المادة ‪256‬‬
‫‪5‬‬

‫ق‪.‬ع على أنه «سبق اإلصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص معين‬
‫أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف‬
‫أو ش رط ك ان»‪ ،‬وأن يك ون الس لوك س لوكا واع وموجها( ) وي رتب ض ررا أو خط را( )‪ ،‬بقص د‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫تحقيق نتيجة إجرامية مثل القتل العمد والسرقة‪ ،‬أو بتحققها عرضا مثل القتل خطأ‪.‬‬
‫المطلب األول‪ -‬السلوك اإليجابي‬
‫السلوك اإلجرامي اإليجابي سلوك إرادي محسوس يأتيه اإلنسان باستعمال أي عضو من‬
‫أعض اء جس مه في ارتكاب ه الجريم ة‪ ،‬أو ه و حرك ة عض وية إرادي ة يأتيه ا إلح داث أث ر م ادي‬
‫ملموس خرقا لنهي القاعدة الجزائية‪ ،‬كقيامه بإزهاق روح إنسان حي بإطالق النار عليه أو بخنقه‬
‫أو بطعن ه بس كين أو ب أي أداة أخ رى تح دث الوف اة «الم ادة ‪ 254‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو الس رقة بنق ل حي ازة‬
‫الم ال المس روق خلس ة وب دون رض اه من مالك ه إلى الغ ير بني ة التمل ك «الم ادة ‪ 350‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو‬
‫تزوير في محرر رسمي بوضع توقيعات مزورة أو بإحداث تغيير فيها «المادة ‪ 214‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو‬
‫‪ -1‬انظر المادة ‪ 314‬ق‪.‬ع التي تجرم وتعاقب على مجرد ترك طفل أو من كان عاجزا على حماية نفسه أو تعريض أي‬
‫منهما للخطر في مكان خال من الناس‪ ،‬وتشدد العقوبة في حالة نشوء عجز ألي منهما‪.‬‬
‫‪ -2‬ألن المش رع الجن ائي ال يقيم المس ؤولية الجزائي ة إال إذا ت وافرت أركانه ا كامل ة‪ ،‬ف وقعت الجريم ة كامل ة بإتي ان الس لوك‬
‫كامال أو محاولة ارتكابها على النحو الذي يحدده القانون سلفا في المادتين ‪ 31 ،30‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ - 3‬نالحظ أن تحقيق النتيجة اإلجرامية ليست هي مآل المساءلة الجنائية‪ ،‬فيكفي إتيان السلوك وفق ما يحدده القانون لترتيب‬
‫المسؤولية الجنائية عليه‪ ،‬مثل تجريم المحاولة والجرائم الشكلية كحمل السالح بدون رخصة‪.‬‬
‫‪ -4‬نالحظ أن هناك من السلوكات المجرمة ال تتوفر على أحداث أثر مادي‪ ،‬أي تغيير في العالم الخارجي‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في الجريمة الشكلية‪.‬‬
‫‪ - 5‬ومنها تجريم التحريض والعقاب عليه طبقا للمادتين ‪ 46 ،41‬ق‪.‬ع‪ ،‬وكذلك المؤامرة وتكوين جمعيات األشرار‪.‬‬
‫‪ - 6‬عندما يفقد السلوك صفته اإلرادية الواعية‪ ،‬بصدوره عن غير وعي ينتفي معه العنصر النفسي المكون للركن المعنوي‪.‬‬
‫‪ -7‬الح ظ أن الجريم ة ليس بالض رورة أن ت رتب ض ررا‪ ،‬فالمش رع يع اقب أحيان ا على مج رد تع ريض المص الح المحمي ة‬
‫للخطر‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫بانتح ال شخص ية الغ ير أو الحل ول محله ا «الم ادة ‪ 242‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو اغتص اب فت اة عن وة «الم ادة‬
‫‪ 336‬ق‪.‬ع»‪ ،‬أو بحمل أوسمة أو نياشين بغير حق «المادة ‪ 244‬ق‪.‬ع» وغيرها‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الس لوك اإلج رامي اإليج ابي س لوك إرادي يتطلب في ه الق انون أن يك ون ص ادرا عن إرادة واعي ة‬
‫وحرة باعتبارها القوة النفسية المدركة لكنه الفعل ومسيطرة على الحركة العضوية بغرض تحقيق‬
‫النتيجة‪ .‬والمالحظ أن السلوك اإلجرامي اإليجابي هو األكثر عددا‪ ،‬حيث أن السلوكات المجرمة‬
‫في قانون العقوبات أغلبها أفعاال يقوم بها الفرد خرقا لنهي القانون‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬السلوك اإلجرامي السلبي‬
‫وهو سلوك واع يتخذ فيه اإلنسان موقفا سلبيا من أمر القانون أو الواجب الذي يرتبه على‬
‫المخاطب بالقاعدة القانونية المتضمنة أمرا بالقيام بعمل محدد‪ ،‬باإلمتاع إراديا عن القيام به‪ ،‬فهو‬
‫يختلف عن السلوك اإليجابي لعدم قيامه على الحركة العضوية‪ ،‬فالسلوك السلبي ليس عدما فهو‬
‫كي ان ق انوني ل ه وج وده وعناص ره ال تي يق وم عليها( ) يقتض ي ب دوره وج ود العالق ة النفس ية بين‬
‫‪1‬‬

‫المسلك السلبي المتخذ وإ رادة صاحبه‪ ،‬كامتناع األم عن إرضاع طفلها الرضيع‪ ،‬وامتناع القاضي‬
‫عن الجلوس للنظر في القضايا المعروضة عليه أو الموظف العمومي ليقضي بين الناس فيما هو‬
‫مختص به طبقا للمادة ‪ 136‬ق‪.‬ع( )‪ ،‬ترك طفل أو العاجز عن حماية نفسه في مكان خال طبقا‬
‫‪2‬‬

‫للم ادة ‪ 314‬ق‪.‬ع( )‪ ،‬وامتن اع الش اهد عن اإلدالء بالش هادة أم ام الجه ة القض ائية المختص ة طبق ا‬
‫‪3‬‬

‫للمادة ‪ 88‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية( )‪ ،‬وهذا يعني أن مثل هذا الموقف من أمر‬
‫‪4‬‬

‫الق انون للقي ام بعم ل أو س لوك م ا ليس موقف ا س لبيا مج ردا من العنص ر اإلرادي‪ ،‬ب ل هي جميعها‬
‫تصرفات إرادية واعية‪ ،‬وهي سلوكات ال تمثل في القانون إال قليال‪.‬‬
‫األهمية القانونية لمكان وزمان ارتكاب الجريمة‬
‫إذا كان المشرع الجنائي قد وضع قواعد تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان‬
‫في المادتين ‪ 3 ،2‬منه‪ ،‬فتنص المادة ‪« 2‬ال يسري قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه‬
‫أقل شدة»‪ ،‬وتنص المادة ‪« 3‬يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي‬
‫الجمهوري ة»‪« ،‬كم ا يطب ق على الج رائم ال تي ت رتكب في الخ ارج إذا ك انت ت دخل في اختص اص‬
‫المح اكم الجزائي ة الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة»‪ ،‬فال ي ولي أهمي ة كأص ل‬
‫لمكان ارتكاب الجريمة وال لزمانه كأصل‪ ،‬إال أنه يعطيها أهمية قانونية أحيانا في نطاق محدد‬
‫م تى ق در أن زمن أو مك ان الجريم ة ل ه أهمي ة خاص ة من حيث التج ريم والعق اب‪ ،‬وعلي ه نج د‬
‫قانون العقوبات وكذلك قانون اإلجراءات الجزائية يقرران قواعد خاصة يضفيان فيها على مكان‬
‫وزمان ارتكاب الجريمة أهمية خاصة‪.‬‬
‫يض في الق انون أحيان ا أهمي ة خاص ة على مك ان الجريم ة في بعض الج رائم‪ ،‬فينص أن‬
‫الجريمة ال تقوم إال إذا وقعت في مكان يحدده القانون سلفا بالنظر إلى خصوصية المكان أحيانا‪،‬‬
‫ولعموميت ه أحيان ا أخ رى‪ ،‬فجريم ة انته اك حرم ة المس كن يجب لقيامه ا أن يق ع الفع ل في مك ان‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 284‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنص المادة «يجوز محاكمة كل قاض أو موظف إداري يمتنع بأية حجة كانت عن الفصل فيما يعرض عليه أن يقض ي‬
‫فيه بين األطراف بعد أن يكون قد طلب إليه ذلك ويصر على امتناعه بعد التنبيه عليه أو أمره بذلك من رؤسائه ويعاقب‬
‫بغرامة مالية من ‪ 750‬إلى ‪ 3.000‬دينار وبالحرمان من ممارسة الوظائف العمومية من خمس سنوات إلى عشرين سنة»‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن الترك باعتباره جريمة سلبية‪ ،‬إذا ترتبت عليه عاهة وهي نتيجة مادية فإن القانون يشدد العقاب‪.‬‬
‫‪ -4‬تنص المادة ‪ 3 ،97/2‬إ‪.‬ج «وإ ذا لم يحضر الشاهد فيجوز لقاضي التحقيق بناء على طلب وكيل الجمهورية استحضاره‬
‫جبرا بواسطة القوة العمومية والحكم عليه بغرامة من ‪ 200‬إلى ‪ 2.000‬دينار‪« ،»...‬ويجوز توقيع العقوبة نفسها بناء على‬
‫طلب رجل القضاء المذكور على الشاهد الذي يمتنع رغم حضوره عن أداء اليمين أو اإلدالء بشهادته»‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫مسكون أو معد للسكن طبقا المادة ‪ 135‬من قانون العقوبات‪ ،‬أو جريمة انتهاك أو التعدي على‬
‫الملكية العقارية للغير في المادة ‪ 386‬ق‪.‬ع‪ ،‬وكذلك جريمة الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء‬
‫يجب لقيامه ا أن يق ع الفع ل المك ون له ا في مك ان ع ام مفت وح للعم وم طبق ا للم ادة ‪ 333‬ق‪.‬ع‪،‬‬
‫وكذلك المادة ‪ 39‬من نفس القانون‪.‬‬
‫أما بالنسبة لزمان ارتكابها فيهتم القانون أحيانا به‪ ،‬سواء فيما يتعلق بالتجريم والعقاب أو‬
‫القواعد الجزائية األخرى‪ ،‬إذ يشترط أحيانا أن يقع السلوك ليال فيعتبر الليل ظرفا مشددا للعقاب‬
‫في جريمة السرقة طبقا للمواد ‪ 355/2 ،354 ،353‬ق‪.‬ع‪ ،‬وكذلك ما تقرره المادة ‪ 40‬من نفس‬
‫القانون «يدخل ضمن حاالت الضرورة الحالة للدفاع المشروع‪ -1:‬القتل أو الجرح أو الضرب‬
‫الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سالمة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان‬
‫أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل»‪ ،‬وكذلك المادة‬
‫‪ 352‬ق‪.‬ع ال تي تعت بر ارتك اب الس رقة في مك ان عم ومي ك الطرق أو وس ائل النق ل العم ومي‬
‫جناية‪ ،‬وما يقرره قانون اإلجراءات الجزائية في المادة ‪ 48‬إ‪.‬ج من بطالن للتفتيش إذا تم خرقا‬
‫لحكم المادة ‪ 47‬منه التي تقرر وجوب إجراء التفتيش نهارا بين الساعة الخامسة صباحا والثامنة‬
‫مساء‪.‬‬
‫أهمية الوسيلة المستعملة في الجريمة‬
‫إن القاعدة العامة تقضي بعدم أهمية الوسيلة في اقتراف الجريمة‪ ،‬ألن القانون عادة يلجأ‬
‫إلى تحديد أنماط السلوكات المجرمة دون اهتمام بالوسيلة التي اعتمدها الفاعل في إتيانها‪ ،‬فالقتل‬
‫إزهاق روح إنسان حي بدون وجه حق ودون اهتمام بوسيلة القتل بطعنة خنجر أو بطلقة نار أو‬
‫بالخنق‪ ،‬إال أن هذا لم يمنعه من أن يولي أحيانا أهمية خاصة للوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة‬
‫في بعض الجرائم‪ ،‬كما فعل في جريمة القتل بالتسميم فتنص المادة ‪ 260‬ق‪.‬ع على أنه «التسميم‬
‫ه و االعت داء على حي اة إنس ان بت أثير م واد يمكن أن ت ؤدي إلى الوف اة ع اجال أو آجال أي ا ك ان‬
‫استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها»‪ ،‬وهذا يعني أنه إذا كانت‬
‫الوس يلة ليس من ش أنها إح داث الوف اة آجال أو ع اجال فال تق وم الجريم ة المنص وص عليه ا في‬
‫الم ادة الس ابقة‪ ،‬وكذلك ما تقرره الم ادة ‪ 41‬ق‪.‬ع التي ال تعتبر التحريض قائما كجريم ة مستقلة‬
‫متى كان موصوفا‪ ،‬بالتحريض بإحدى الوسائل التي حددتها المادة السابقة‪ ،‬وهي الهبة أو الوعد‬
‫أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية أو التحايل أو التدليس اإلجرامي( )‪ ،‬هذا باإلضافة لذلك يمكن‬
‫‪1‬‬

‫أن يولي القانون الوسيلة المستعملة أهمية خاصة ليس في التجريم وإ نما في العقاب‪ ،‬حيث يقرر‬
‫أن استعمال وسائل معينة في الجريمة يشدد العقاب على المتهم في جريمة السرقة‪ ،‬ومن األمثلة‬
‫حمل السالح والتسلق واستعمال المفاتيح المقلدة في المواد ‪ 359 ،354 ،353 ،351‬من قانون‬
‫العقوبات( ) وكذلك العنف والتهديد فكلها وسائل تستعمل في الجريمة‪ ،‬وتعتبر ظروفا تحيط بها‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فتؤدي إلى التشديد‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪ -‬الـنـتـيـجـة اإلجرامـية‬

‫‪ - 1‬فتنص «‪...‬أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة‪ ،‬أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية أو التحايل أو‬
‫التدليس اإلجرامي»‪.‬‬
‫‪ -2‬يعاقب قانون العقوبات في المادة ‪ 359‬على مجرد تقليد وتزييف المفاتيح باعتبارها جريمة خاصة‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫النتيج ة هي األث ر ال ذي يحدث ه الس لوك اإلج رامي س واء ك ان أث را إيجابي ا أو س لبيا‪ ،‬وهي‬
‫تتضمن في مدلولها القانوني مفهومين‪ ،‬واحد مادي وآخر قانوني( )‪ ،‬فاألول هو األثر المادي الذي‬
‫‪3‬‬

‫ترتب ه الجريم ة ويتحق ق في الع الم الخ ارجي فيعت د ب ه الق انون بتغي ير الح ال عم ا ك ان علي ه قب ل‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬كواقعة الوفاة في جريمة القتل وانتقال حيازة المال المسروق إلى السارق من‬
‫مالكه أو حائزه‪ ،‬واغتصاب األنثى وهتك العرض وإ تالف أموال الغير بدون وجه حق‪ ،...‬أما‬
‫المفهوم القانوني فهو مجرد فكرة قانونية ليس لها وجود مادي ملموس‪ ،‬تتمثل في صورة ضرر‬
‫معن وي‪ ،‬باالعت داء على ح ق أو مص لحة محمي ة قانون ا بتعريض ها للخط ر‪ ،‬وعلي ه فالنتيج ة به ذا‬
‫المفهوم هي المصلحة المحمية قانونا وتعريضها للخطر‪ ،‬أو هي االعتداء أو العدوان الذي ينال‬
‫الحق وق أو المص الح المحمي ة قانون ا‪ ،‬ألن المش رع الج زائي رأى أنه ا ج ديرة بالحماي ة الجنائي ة‪،‬‬
‫ويتح دد وج ود الع دوان من عدم ه ب العودة إلى ك ل نص ج زائي في ه أم ر لتحدي د الع دوان وت وافر‬
‫الحماي ة القانوني ة للح ق أو المص لحة من ع دمها‪ ،‬في حين أن المفه وم الم ادي يتح دد بم دى وج ود‬
‫اآلث ار المادي ة ال تي ت درك بالمالحظ ة الحس ية‪ ،‬وم ا تحدث ه من تغي ير في الع الم الخ ارجي بنهي‬
‫القانون عن إتيانها‪.‬‬
‫ونالحظ أن النتيجة في مفهومها القانوني‪ ،‬تتوافر في جميع الجرائم اإليجابية والسلبية‪ ،‬فهي‬
‫في جريمة القتل العدوان على الحق في الحياة‪ ،‬وفي جريمة الضرب والجرح العدوان على الحق‬
‫في السالمة الجسدية‪ ،‬وفي جريمة السرقة هو العدوان على ملكية الشيء المنقول ونقل حيازته‪،‬‬
‫وفي هتك العرض واالغتصاب فهي العدوان على شرف الشخص‪ ،‬وهي جرائم إيجابية‪ ،‬وه و في‬
‫الجريمة السلبية تعرض الحق للخطر بمجرد االمتناع عن القيام بما أمر به القانون‪ ،‬وهو حق‬
‫المواطن مثال في التقاضي مثال والفصل في طلبه‪ ،‬وحق الصغير في الحماية والرعاية‪.‬‬
‫جرائم الخطر وجرائم الضرر‬
‫يمكن تصنيف الجريمة من حيث األثر إلى جرائم ضرر وجرائم خطر انطالقا من مدلول‬
‫النتيجة المادي والقانوني‪ ،‬فتكون الجريمة جريمة ضرر أو ضارة‪ ،‬تقوم على أن القانون يوجب‬
‫لقيامه ا أن يق ع الض رر ال ذي يق وم علي ه ال ركن الم ادي‪ ،‬كم ا في جريم ة القت ل ال تي ال تق وم إال‬
‫بإزه اق روح إنسان على قيد الحي اة طبقا للم ادة ‪ 254‬ق‪.‬ع‪ ،‬والضرب والجرح في المادة ‪264‬‬
‫ق‪.‬ع‪ ،‬والسرقة في المادة ‪ 250‬ق‪.‬ع‪ ،‬وجريمة النصب في المادة ‪ 372‬ق‪.‬ع‪ ،‬وخيانة األمانة في‬
‫الم ادة ‪ 376‬ق‪.‬ع‪ ،...‬وتك ون جري ة خط ر عن دما ال يش ترط الق انون في تجريمه ا وق وع نتيج ة‬
‫إجرامية ملموسة‪ ،‬أي أن التجريم فيها ال يقوم على عنصر الضرر‪ ،‬وإ نما يقوم على ما يتضمنه‬
‫الس لوك من خط ر يه دد بوق وع ض رر‪ ،‬ك المؤامرة الم ادة ‪ 85‬ق‪.‬ع‪ ،‬وجمعي ات األش رار واالتف اق‬
‫الجن ائي في الم ادة ‪ 176‬ق‪.‬ع‪ ،‬وت رك األطف ال والع اجزين وتعريض هم للخط ر في الم ادة ‪314‬‬
‫ق‪.‬ع وما يليها من نفس القانون( )‪ ،‬وحمل السالح بدون رخصة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعليه فإن النتيجة اإلجرامية في مدلولها القانوني يجب توافرها في جميع أنواع الجرائم‪،‬‬
‫باعتباره ا ع دوانا على ح ق يحمي ه الق انون‪ ،‬في حين أن النتيج ة في الم دلول الم ادي ال يش ترط‬

‫‪ -3‬وهم ا مفهوم ان يرتبط ان بن وعي الس لوك اإلج رامي اإليج ابي والس لبي‪ ،‬من حيث أن الج رائم اإليجابي ة هي وح دها ال تي‬
‫تتحقق فيها النتيجة بمفهومها المادي والقانوني‪ ،‬في حين أن السلوك السلبي ال تعدو النتيجة فيه أن تكون حقيقة قانونية فقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويمكن أن ترتب ضررا مما يستدعى تشديد العقاب في حالة حصول ضرر‪ ،‬فيعاقب على مجرد الترك بالحبس من سنة‬
‫إلى ثالث سنوات‪ ،‬فإذا ترتب عن فعل الترك ضرر فيشدد العقوبة فتصبح الحبس من سنتين إلى خمس سنوات‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫وجودها في جميع أنواع الجرائم‪ ،‬إذ يقتصر وجودها على الجرائم اإليجابية فقط دون غيرها من‬
‫الجرائم السلبية أو االمتناع وجرائم الخطر‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ -‬عــالقــة الـسـبـبـيـة‬
‫إذا كانت العالقة السببية مشكلة فلسفية فقد الحظ الفالسفة أن وقوع نتيجة معينة ال يمكن‬
‫أن يكون ثمرة عامل واحد بل هي ثمرة لعدة عوامل‪ ،‬يعتبر الواحد ضروريا لحدوثها بالصورة‬
‫التي وقعت بها‪ ،‬فإذا أعطى شخص آلخر سما فمات في وقت معين وبصورة معينة‪ ،‬فإن الفكر‬
‫الفلسفي يرى أن الوفاة في هذه الظروف ليست أثرا لفعل من أعطى السم وحده‪ ،‬بل ساهم معه‬
‫الضعف الصحي للمجني عليه‪ ،‬وعدم إسعافه في الوقت المناسب‪ ،‬وبالتالي فإن السبب في وقوع‬
‫النتيجة ال يمكن أن يكون سلوك الجاني وحده‪ ،‬بل هي جميع العوامل التي ساهمت في وقوعها‬
‫على نحو معين‪ .‬وهو ما يؤدي إلى عدم إمكان تجاهل القانون للنتائج التي توصل لها الفالسفة‬
‫في هذا المجال( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعلي ه لمس اءلة الش خص جزائي ا عن نتيج ة إجرامي ة معين ة بس بب ارتكاب ه لس لوك مج رم‪،‬‬
‫يجب توافر العالقة السببية أو الرابطة السببية بين السلوك والنتيجة‪ ،‬هذه األخير هي ي العنصر‬
‫الث الث من عناص ر ال ركن الم ادي‪ ،‬وتق وم الرابط ة أو العالقة( ) بين الس لوك اإلج رامي والنتيجة‬
‫‪2‬‬

‫عندما يكون السلوك سببا لحصول النتيجة‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن النتيجة تعتبر ثمرة هذا السلوك‬
‫المج رم‪ ،‬ال ذي يعت بر ض رورة لوق وع النتيج ة ال تي تعت بر أث را ل ه‪ ،‬ف إذا انتفت ه ذه العالق ة انتفت‬
‫معه ا الجريم ة‪ ،‬وبالت الي ع دم اكتم ال عناص ر ال ركن الم ادي وع دم قي ام الجريم ة من الناحي ة‬
‫القانوني ة‪ ،‬وهي عالق ة يجب توافره ا في جمي ع أن واع الج رائم عمدي ة أم غ ير عمدي ة‪ ،‬ولتوض يح‬
‫العالقة السببية وما يمكن أن تطرحه من إشكاليات‪ ،‬نورد هذه األمثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬ش خص يطل ق الن ار على آخ ر‪ ،‬أو يطعن ه طعن ة قاتل ة فيم وت تحت وطأته ا‪ ،‬ففي ه ذا المث ال‬
‫تقوم العالقة السببية بين السلوك والنتيجة طالما أن الوفاة وقعت نتيجة لتلك الطعنات‪ ،‬وإ ذا كانت‬
‫هذه الصورة واضحة للعالقة السببية‪ ،‬فإنه يمكن أن يكتنفها الغموض في كثير من األحيان‪ ،‬ألن‬
‫النتيجة اإلجرامية قد ال تقع ثمرة عامل إجرامي واحد‪ ،‬وإ نما تتضافر مجموعة من العوامل إلى‬
‫جانب سلوك الجاني في إحداث النتيجة اإلجرامية‪ ،‬وهي سلوكات أو عوامل يمكن أن تكون سابقة‬
‫على سلوك الجاني‪ ،‬وقد تكون الحقة له أو معاصرة له‪.‬‬
‫‪ -2‬ش خص يطل ق الن ار على آخ ر ب دافع القت ل فيص يبه بج رح خط ير فينق ل للمستش فى إلس عافه‪،‬‬
‫فيق ع ح ادث م رور في الطري ق‪ ،‬أو وق وع حري ق في المستش فى فيم وت المج ني علي ه بع دها‪ ،‬أو‬
‫يستغل شخص ثالث عجز المجني عليه للدفاع عن نفسه فيجهز عليه بآلة حادة فيقضى عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬ش خص أص اب شخص ا آخ ر بج روح خط يرة‪ ،‬نق ل على إثره ا الج ريح للمستش فى للعالج‪،‬‬
‫فأخطأ الطبيب خطأ مهنيا أثناء عالجه فمات المصاب‪.‬‬

‫‪. - 1‬د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ .‬الطبعة الرابعة‪ ،1964 ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -2‬نالحظ أن عالقة السببية فكرة فلسفية بتنازعها مذهبان‪ ،‬مذهب مثالي وآخر مادي‪ ،‬األول يقيم العالقة السببية على أنها‬
‫مقولة شخصية توجد في الذات اإلنسانية المدركة‪ ،‬أو أنها عالقة تنبثق أو تستخلص من العقل المجرد أو المنطق وليس من‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬أما المذهب المادي فيرى في العالقة السببية رابطة موضوعية توجد خارج الشعور اإلنساني‪ ،‬عالقة تربط‬
‫الظواهر في العالم الخارجي‪ .‬وقد انعكس هذا الموقف على مفهوم العالقة السببية في النظريات التي اعتمدها كل مذهب‪،‬‬
‫وهي أفكار تؤخذ بعين االعتبار في المجال القانوني لصياغة النظرية المالئمة التي يمكن على أساسها إقامة العالقة السببية‬
‫بين أي سلوك والنتيجة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ -4‬إص ابة ش خص بج روح متعم دة‪ ،‬فال يق دم ل ه العالج المناس ب وفي ال وقت المناس ب‪ ،‬أو يق ع‬
‫خطأ جسيم من المصاب يؤدي إلى تعفن الجرح وحصول مضاعفات فوقعت الوفاة‪.‬‬
‫ومن خالل ه ذه األمثل ة يب دو م دى التف اوت بين مجموع األس باب التي س اهمت في حدوث‬
‫النتيج ة اإلجرامي ة‪ ،‬فق د يلعب إح داها دورا رئيس يا ويس اهم آخ ر ب دور فيه ا ول و ك ان بس يطا‪،‬‬
‫وبالتالي يطرح السؤال التالي‪ :‬إلى أي منها ننسب السلوك بإقامة العالقة السببية بينه وبين النتيج ة‬
‫اإلجرامي ة؟ لإلجابة عليه ظهرت آراء مختلفة لوضع معيار مناسب يس تند إلي ه في تقرير توافر‬
‫العالق ة الس ببية بين الس لوك والنتيج ة من عدم ه‪ ،‬اعتم اد على تع ادل األس باب والس ب األق وى أو‬
‫الفعال والسبب المالئم‪.‬‬
‫المطلب األول‪ -‬تعادل األسباب‬
‫مفاده أن النتيجة يجب أن تكون ثمرة مجموعة من األسباب سلبية كانت أو إيجابية تتضافر‬
‫مجتمعة في إحداثها‪ ،‬فيكون كل سبب ساهم في حدوثها سببا لها فتقوم العالقة السببية‪ ،‬وال يكون‬
‫ك ذلك إذا ك ان تخلف ه من ش أنه أن ال تق ع النتيج ة‪ ،‬فتس توي جمي ع العوام ل ال تي س اهمت كله ا في‬
‫إح داث النتيج ة باعتباره ا عوام ل متكافئ ة س واء ك انت س ابقة أو معاص رة‪ ،‬من فع ل اإلنس ان أو‬
‫الطبيعة‪ ،‬فتقوم العالقة السببية بين كل منها منفردة والنتيجة اإلجرامية‪ ،‬فيعتبر عامال يمد العوامل‬
‫األخرى بصالحية إحداث النتيجة وبدونه تبقى دون أثر‪ ،‬ذلك أن العوامل جميعا عدا فعل الجاني‬
‫تق ف ع اجزة عن إح داثها‪ ،‬ف إذا وق ع ص ارت بقي ة العوام ل ص الحة إلح داث النتيج ة‪ ،‬وعلي ه ف إن‬
‫جمي ع األس باب المس اهمة تعت بر س ببا للنتيج ة إذا ك ان من ش أن تخل ف أي منه ا انتف اء النتيج ة‬
‫اإلجرامية‪.‬‬
‫إذا كانت هذه النظرية تتفق مع المنهج الذي اعتمده التشريعات الجزائية ومن بينها القانون‬
‫الجزائ ري في تقري ر المس ؤولية الجزائي ة في الم ادة ‪ 41‬وم ا يليه ا من ق انون العقوب ات‪ ،‬فإنه ا‬
‫نظرية تنتقد من عدة وجوه‪ ،‬يمكن إجمالها في التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقوم النظرية على أساس متناقض‪ ،‬فتعتمد أن تكون النتيجة ثمرة عوامل مجتمعة‪ ،‬وأن تخلف‬
‫أح د ه ذه العوام ل يمن ع ح دوث النتيج ة فتس وي بينه ا جميع ا من حيث أثره ا في وقوعه ا‪ ،‬فتقيم‬
‫العالق ة الس ببية بين ك ل واح د من تل ك األس باب وبين النتيج ة رغم الق ول ب أن تخ اف س بب منه ا‬
‫يمنع وقوع الجريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة معيار التفرقة على أساس شخصي بتأسيسها على الركن المعنوي‪ ،‬فتؤسس للتفرقة بين‬
‫مرحل تي التحض ير للجريم ة والب دء في تنفي ذها‪ ،‬وبين المس اهمة المباش ر وغ ير المباش رة على‬
‫أس اس شخص ي‪ ،‬وبالت الي إقام ة المس ؤولية الجزائي ة على أس اس شخص ي وه و م ا يتن اقض م ع‬
‫طبيعة عالقة السببية الموضوعية باعتبارها عنصرا من عناصر الركن المادي‪.‬‬
‫‪ -3‬صعوبة التمييز بين تلك العوامل المختلفة وتحديد دور كل منها في إحداث النتيجة للتسوية‬
‫بينها‪ ،‬في حين أن المنطق يقتضي اختالفها فيصعب معرفة أي من العوامل سببا للنتيجة‪.‬‬
‫‪ -4‬تنتق د النظري ة من حيث توس يعها ل دائرة المس ؤولية الجزائي ة ألش خاص تك ون أدوارهم على‬
‫درج ة أق ل من األدوار ال تي ق ام به ا اآلخ رون‪ ،‬ألن ه في ظله ا يمكن مس اءلة أش خاص لم تكن‬
‫أعم الهم ذات أث ر أق ل من العوام ل األخرى الختالفها عن بعض ها البعض‪ ،‬فم ده س بب بصالحية‬
‫ارتكاب الجريمة وإ حداث األثر‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬السبب األقوى أو الفعال‬
‫ي ذهب أنص ار الس بب األق وى أو الفع ال إلى أن العوام ل ال تي تتض افر في إح داث النتيج ة‬
‫تختل ف من حيث قوته ا في مس اهمتها في ذل ك مم ا يص عب مع ه الق ول أن تنس ب النتيج ة لعام ل‬
‫واحد منها‪ ،‬مما يتعين معه أن تنسب النتيجة ألقواها‪ ،‬أي السبب الذي كان له الدور الرئيسي أو‬
‫األساسي والفعال في حدوثها‪ ،‬أما عداه من األسباب فال تعدو أن تكون ظروفا ساعدت العامل أو‬
‫السبب األقوى فهيأت له المجال إلحداث النتيجة‪ ،‬وهذا يعني وجوب التمييز بين التي تعتبر منتجة‬
‫للضرر وتلك التي تكون عرضية‪ ،‬فال يؤخذ في االعتبار إال السبب األقوى أو الفعال أو المنتج‪،‬‬
‫ألنه ليس من المنطق أن نضفي طابع العالقة السببية على مجموعة عوامل أقل قوة‪ ،‬وتكمن قوة‬
‫السبب في أنه أقواها منفردة‪ ،‬فمثال إذا طعن شخص أحد خصومه بخنجر قاصدا قتله‪ ،‬فلم يتمكن‬
‫إال من إصابته بجرح خطير نقل على إثره إلى المستشفى فأصيب بتسمم لتعفن الجرح أدى إلى‬
‫وفاته‪ ،‬فتقوم العالقة السببية بين فعل الطاعن والوفاة‪ ،‬فيسأل عن الشروع في القتل‪ ،‬وقد انتقدت‬
‫هذه النظرية من الجوانب التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن السبب األقوى أو الفعال يكون وحده لقيام العالقة السببية وقيام المسؤولية الجزائية‬
‫تبع ا لذلك وإ هم ال بقي ة األس باب األخرى التي تك ون قد س اهمت في وق وع الجريم ة ولو بأدوار‬
‫متفاوت ة‪ ،‬مم ا ي ؤدي إلى إفالت الكث ير من العق اب‪ ،‬ويتن اقض م ع المب ادئ ال تي تق وم عليه ا‬
‫التشريعات الجزائية الحديثة بالنص على تعدد الجناة والمساهمة الجنائية‪ ،‬ومنها قانون العقوبات‬
‫الجزائي في المادة في المادتين ‪ 41 ،32‬وما يليهما‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم توافر معي ار مقن ع للتفرق ة بين مجموع ة األس باب واعتب ار إحداها هو األقوى أو‬
‫الفعال لصعوبة التفرقة بينها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن قوة الفعل ال تكمن في مادياته فقط‪ ،‬بل إنها تكمن أيضا في الجانب اإلرادي لفاعله‬
‫أيضا مما يضفي عليه صفة الفعل الواعي المسؤول‪ ،‬وهي مسألة ذاتية ال تتفق مع طبيعة العالقة‬
‫السببية الموضوعية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ -‬السبب المالئم‬
‫ي رفض أنص ار الس بب المالئم لل رأيين الس ابقين‪ ،‬تع ادل األس باب والس بب األق وى‪ ،‬فيب ني‬
‫العالق ة الس ببية بين الفع ل والنتيج ة على الس بب المالئم فلك ل واقع ة مادي ة عوام ل ض رورية‬
‫لوقوعها‪ ،‬هذه العوامل هي التي تكمن فيها اإلمكانات المادية والموضوعية إلحداثها‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن الس لوك يعت بر س ببا للنتيج ة اإلجرامي ة م تى ك ان من المتوق ع أن ت ترتب علي ه وف ق المج رى‬
‫العادي لألمور‪ ،‬أي أن تكون النتيجة من اآلثار المألوفة للسلوك الذي قام به الفاعل وفقا للسير‬
‫الع ادي لألم ور‪ ،‬ومن العوام ل المألوف ة ك أن يك ون المج ني علي ه مريض ا قب ل إتي ان الجريم ة أو‬
‫إهماله في عالج اإلصابة إهماال يسيرا بعدم التجائه للطبيب أو خروجه على تعليماته أو إتباعه‬
‫وسائل عالجية تقليدية‪ ،‬مما يترتب عليه استبعاد أي عامل شاذ أو غير مألوف أو غير طبيعي أو‬
‫غ ير متوق ع‪ ،‬كتقص ير المج ني علي ه تقص يرا جس يما في عالج نفس ه من اإلص ابة مثال لتعم ده‬
‫اإلساءة إلى حالته الصحية‪ ،‬أو خروجه المطرد على تعليمات الطبيب المعالج‪ ،‬وبالتالي ال تقوم‬
‫العالقة السببية إال إذا كانت العوامل مألوفة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ويفرق بين العوامل المألوفة والعوامل الشاذة غير المألوفة‪ ،‬على أساس عنصري العلم أو‬
‫إمكاني ة العلم لتقري ر م ا إذا ك ان الس بب مالئم ا أو كافي ا أو مناس با أو ش اذا إلح داث النتيج ة‬
‫المجرم ة‪ ،‬ف إذا ت وافر العلم أو ك ان بإمك ان الفاع ل العلم‪ ،‬فاإلمكاني ة المادي ة والموض وعية تعت بر‬
‫متوافرة‪ ،‬وبالتالي تقوم العالقة السببية بين الفعل وبين النتيجة التي تحققت‪ ،‬وإ ذا كانت شاذة انتفت‬
‫العالقة‪ ،‬واتقد الرأي‪.‬‬
‫‪ -1‬إن القول بتوافر اإلمكانية المادية والموضوعية قد ال يكون مقترنا دائما بوقوع النتيجة وقيام‬
‫العالق ة الس ببية بين الس لوك والنتيج ة‪ ،‬فهن اك من الح االت ال تي تك ون فيه ا اإلمكاني ات المادي ة‬
‫مت وفرة ورغم ذل ك ال تق وم الجريم ة‪ ،‬كالش روع في الجريم ة حيث تت وافر اإلمكاني ات المادي ة في‬
‫فع ل الش روع فال تق ع الجريم ة‪ ،‬فمثال في الش روع في القت ل ال وج ود لعالق ة الس ببية لع دم قي ام‬
‫الجريمة التامة لتخلف النتيجة بسبب وقفها أو خيبتها رغم أن اإلمكانيات المادية كانت متوافرة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الق ول باس تبعاد بعض العوام ل الش اذة وغ ير المألوف ة وغ ير الطبيعي ة أو غ ير المتوقع ة‬
‫وإ غفال تأثيرها ومساهمتها في إحداث النتيجة‪ ،‬يؤدي إلى التضييق في نطاق المسؤولية الجزائية‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ال يمكن إغفال تأثيرها ابتداء‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ضابط التفرقة بين األسباب المألوف ة وبين األسباب الش اذة غير المألوف ة يفتقد لس ند قوي‬
‫لوجود فرق بين قوة كل عامل‪ ،‬باإلضافة‪ ،‬وهناك فرق بين قوة العامل وبين العلم به‪ ،‬ألن توافر‬
‫العلم بالعمل ليس بالضرورة أنتقوم به العالقة السببية‪.‬‬
‫‪ -4‬الخلط بين ركني الجريمة المادي والمعنوي‪ ،‬ألن شرط العلم المعتمد في هذا المجال يعتبر‬
‫عنصرا في الركن المعنوي الذي تتحدد على ضوئه المسؤولية الجزائية ومدى قيامها‪ ،‬في حين‬
‫أن العالقة السببية عنصر من عناصر الركن المادي‪.‬‬
‫موقف القانون الجزائري من تلك النظريات‬
‫لم يعرف المشرع الجزائري العالقة السببية ولم يحدد رأيا من اآلراء السابقة اتجاها له( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫ومع ذلك تنص المادة ‪ 288‬من قانون العقوبات «كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو‬
‫عدم احتياط ه أو عدم انتباه ه أو إهمال ه أو عدم مراعات ه األنظم ة يع اقب ب الحبس من س تة أشهر‬
‫إلى ثالث س نوات وبغرام ة من ‪ 1.000‬إلى ‪ 20.000‬دين ار»‪ ،‬وك ذلك الم ادة ‪ 41‬وم ا يليه ا من‬
‫نفس الق انون يمكن اس تخالص موق ف للمش رع الجزائ ري منه ا‪ ،‬وهي أحك ام ت وحي ب أن عالق ة‬
‫السببية تعادل األسباب‪ ،‬وتولى القضاء تعريفها وتحديد سبب قيامها( )‪ ،‬ففي قرارين للمحكمة العليا‬
‫‪2‬‬

‫( ) نقضت بهما قرارين لمجلسي عنابة وتيزي وزو أنها تميل إلى األخذ بنظرية السبب المنتج أو‬
‫‪3‬‬

‫الفعال في تأسيس المسؤولية الجزائية‪ ،‬ونظرية تعادل األسباب في المسؤولية المدنية( )‪ ،‬فجاء في‬
‫‪4‬‬

‫‪ -1‬الح ظ الم ادة ‪ 288‬من ق انون العقوب ات ال تي تنص «ك ل من قت ل خط أ أو تس بب في ذل ك برعونت ه‪ ،‬أو ع دم احتياط ه أو‬
‫عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من ‪ 1.000‬إلى‬
‫‪ 20.000‬دينار»‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر بوجه عام القرارات التالية‪:‬‬
‫نقض جزائي ‪18‬يونيو ‪ ،1968‬مجموعة األحكام‪ ،‬المجموعة األولى‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫نقض جزائي ‪ 20‬ديسمبر ‪ ،1988‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪،229‬‬
‫نقض جزائي ‪ 19‬فبراير ‪ ،1981‬نشرة القضاة‪ ،‬عدد خاص سنة ‪ ،1982‬ص ‪.193‬‬
‫نقض جزائي ‪ 26‬ديسمبر ‪ ،1995‬المجلة القضائية‪ ،2 ،‬سنة ‪ ،1996‬ص ‪.182‬‬
‫نقض جزائي ‪ 30‬مايو ‪ ،1995‬المجلة القضائية‪ ،‬سنة ‪ ،1996‬عدد ‪ ،2‬ص ‪ 179‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -3‬نقض جزائي ‪ 19‬فبراير ‪ 1981‬المشار إليه أعاله‪.‬‬
‫‪-4‬حيث يتض ح من ه ذا الق رار أخ ذه بنظري ة تع ادل أو تك افؤ األس باب فيم ا يتعل ق بالمس ؤولية المدني ة المترتب ة عن ح وادث‬
‫الم رور‪ ،‬حيث أي د م ا ذهب إلي ة مجلس قض اء الجزائ ر العاص مة‪ ،‬حيث ج اء في ق رار المحكم ة العلي ا ‪-‬المجلس األعلى‬
‫‪92‬‬
‫ق رار لها( ) «ولم ا ك ان من الث ابت أن المحكم ة لم تقض إال بإدان ة متهم واح د من مجم وع أربع ة‬
‫‪1‬‬

‫بتهم ة القت ل‪ ،‬بينم ا البقي ة تمت إدانتهم على أس اس جريم ة ع دم تق ديم مس اعدة لش خص في حال ة‬
‫خطر‪ .‬ورغما عن ذلك قضت في الدعوى المدنية بالتضامن فيما بينهم بدفعهم لألطراف المدنية‬
‫مب الغ مالي ة لج بر األض رار المادي ة والمعنوي ة ال تي لحقت بهم من جريم ة القت ل دون توض يح‬
‫للعالقة السببية بين أفعال عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر‪ ،‬واألضرار الناتجة عنها‬
‫لتعويض ها‪ ،‬وتع يين األض رار بص فة واض حة بالنس بة لك ل م دع ب الحقوق المدني ة وبه ذا ف إن حكم‬
‫المحكم ة ج اء مش وبا بنقص التعلي ل ويس توجب نقض ه»‪ ،‬وج اء في حيثي ات نفس الق رار «حيث‬
‫يت بين فعال من الحكم الفاص ل في ال دعوى المدني ة أن ه تم القض اء على المحك وم عليهم األربع ة‬
‫الم ذكورين وعلى وج ه التض امن ب دفعهم لألط راف المدني ة ع دة مب الغ تعويض ا عن األض رار‬
‫المادي ة والمعنوي ة ال تي لحقت به ؤالء من ج راء قت ل الض حية والح ال أن المحكم ة لم تقض إال‬
‫بإدان ة واح د منهم من أج ل ه ذه الجناي ة وأم ا اآلخ رون فلم تنس ب إليهم إال جنح ة ع دم مس اعدة‬
‫شخص في حالة خطر( )‪ ،‬بحيث كان يتعين على هذه الجهة أن توضح العالقة السببية الموجودة‬
‫‪2‬‬

‫بين هذه الجريمة األخيرة واألضرار التي تم تعويضها وذلك طبقا ألحكام المادة الثانية من قانون‬
‫اإلجراءات الجزائية‪.») (...‬‬
‫‪3‬‬

‫ويس تخلص من حيثي ات الق رار أن المحكم ة العلي ا بنقض ها لق رار المجلس تس تبعد نظري ة‬
‫تع ادل أو تك افؤ األس باب( )‪ ،‬وتعتن ق نظري ة الس بب المنتج أو الفع ال( ) بإدان ة متهم واح د من‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫المتهمين بجريم ة القت ل العمد( )‪ ،‬ألن المتهمين الثالث أدين وا بق رار المجلس لع دم تق ديمهم‬
‫‪6‬‬

‫المساعدة للضحية في حالة خطر «‪...‬بحيث كان يتعين على هذه الجهة أن توضح العالقة السببية‬
‫الموجودة بين هذه الجريمة األخيرة واألضرار التي تم تعويضها وذلك طبقا ألحكام المادة الثانية‬

‫سابقا‪« -‬وذلك بعد قبوله توزيع المسؤولية المدنية أنصافا بين الطرفين‪ ،».‬وهو القرار الذي صدر في ظل العمل بالقانون‬
‫رقم ‪ 159-62‬الم ؤرخ في‪ 31‬ديس مبر ‪ 1962‬ال ذي ينص على اإلبق اء على س ريان الق وانين الفرنس ية في الجزائ ر إال م ا‬
‫كان منها يتعارض مع السيادة الوطنية‪.‬‬
‫نقض جزائي ‪18‬يونيو ‪1968‬المشار إليه أعاله‪.‬‬
‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1988‬المشار إليه سابقا‪.‬‬
‫‪ -2‬وه و م ا ي وحي ب أن المحكم ة العلي ا اس تبعدت نظري ة تك افؤ األس باب‪ ،‬فلم يأخ ذوا بعين االعتب ار مجم وع األس باب ال تي‬
‫لوالها لما وقعت حادثة الوفاة‪ ،‬مقتصرين على سبب واحد وهو السبب المنتج أو الفعال وهو فعل القتل العمد‪ ،‬وهو عكس‬
‫االتجاه الذي سلكته قبل ذلك فأخذت بنظرية تكافؤ األسباب فنقضت قرارا لمجلس قضاء عنابة يقضي على متهم واحد بدفع‬
‫تعويضات مدنية للمتضررين بالجريمة «وحيث يستخلص من قراءة القرار المطعون فيه أن قضاة الموضوع حملوا المتهم‬
‫وحده مسؤولية الحادث بالرغم من أن هذا عامل ميكانيكي‪ ...‬وحيث يتضح من االطالع على الملف أن السيارة ملك للسيد‬
‫م‪.‬ا الذي قام بتسليمها إلى المتهم الطاعن قصد إصالحها‪ ...‬وحيث أن مالك السيارة يبقى مسؤوال مدنيا طالما لم يفقد سلطة‬
‫اإلدارة والمراقبة والتوجيه عليها»‪.‬‬
‫نقض جزائي ‪ 19‬فبراير ‪،1981‬نشرة القضاة‪ ،‬عدد خاص سنة ‪ ،1982‬ص ‪.193‬‬
‫‪ -3‬نقض جزائي ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1988‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -4‬في حين في ق رار آخ ر للمحكم ة العلي ا أخ ذت بتع ادل األس باب في ح دوث النتيج ة‪ ،‬فج اء في حيثيات ه «حيث يت بين من‬
‫وث ائق المل ف وخاص ة من تقري ر الخ برة أن الطاعن ة تعم ل كطبيب ة برتبة مس اعدة بمستش فى تلمس ان في اختص اص م رض‬
‫العيون ولو كانت تقوم بالمداومة بمنزلها كما يسمح لها القانون أعطت التعليمات هاتفيا للطبيب المداوم بالمستشفى الرامية‬
‫إلى إدخ ال المريض ة إلى المص لحة ووض عها تحت المراقب ة وبداي ة العالج في ش كل مض ادات الج راثيم ومض ادات‬
‫االلتهاب‪...‬حيث أن الخبرة تبين أيضا أن األسباب التي أدت إلى فقدان عين الضحية وهي رفض أب الضحية إدخال ابنته‬
‫حينا للمستشفى وعدم توفير دواء روفاميسين الذي قدم بعد أسبوع وتعفن اإلبرة المتسببة في والوغزة»‪.‬‬
‫نقض جزائي‪ 26 :‬ديسمبر ‪ ،1995‬المجلة القضائية‪ ،‬سنة ‪ ،1996‬عدد ‪ ،2‬ص ‪ 182‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -5‬وجاء في حيثيات قرار آخر للمحكمة العليا أنه «من المق رر قانونا أن إهمال أو عدم انتباه‪ ،‬أو عدم مراعاة لألنظمة‪،‬‬
‫يفضي إلى القتل الخطإ‪ ،‬يعرض صاحبه للمسؤولية الجزائية‪ .‬ومتى ثبت أن خطأ الطبيب أدى إلى وفاة الضحية‪ ،‬وتوفرت‬
‫العالقة السببية بينهما استنادا لتقرير الخبرة‪ ،‬واعتراف المتهم‪ ،‬إذ أمر بتجريع دواء غير الئق بصحة المريض‪ ،».‬وجاء في‬
‫حيثي ات نفس الق رار حيث أن الم دعي علي ه لم يأخ ذ بعين االعتب ار الم رض ال ذي ك انت تع اني من ه الض حية من قب ل وأم ر‬
‫بتجريع دواء البينيسلين عن طريق حقن واعتمادا أيضا على تقرير الخبير‪ ،».‬وهو ما يستخلص أن المحكمة العليا تأخذ في‬
‫هذا القرار بالسبب المنتج أو الفعال‪.‬‬
‫نقض جزائي ‪ 30‬مايو ‪ ،1995‬المجلة القضائية‪ ،‬سنة ‪ ،1996‬عدد ‪ ،2‬ص ‪ 179‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -6‬نقض جزائي ‪ 20‬ديسمبر ‪ ،1988‬المجلة القضائية‪ ،‬سنة ‪ ،1993‬عدد ‪ ،4‬ص ‪.232‬‬
‫‪93‬‬
‫من ق انون اإلج راءات الجزائي ة‪ ،»...‬وه ذا يع ني أن قض اة المحكم ة العلي ا لم يأخ ذوا بمجم ل‬
‫األس باب ال تي س اعدت بطري ق أو ب آخر في إح داث الوف اة‪ ،‬ويس تخلص من مجم ل تل ك الق رارات‬
‫الص ادرة عن المحكم ة العلي ا‪ ،‬أن المحكم ة تتج ه نح و تك وين اجته اد قض ائي في مج ال العالق ة‬
‫السببية‪ ،‬يستند في إقامتها على نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب ونظرية السبب المنتج أو السبب‬
‫الفعال‪.‬‬
‫تقسيم الجريمة بالنظر لركنها المادي‬
‫س بق الق ول أن ه باإلض افة للتقس يم الق انوني للجريم ة جناي ة وجنح ة ومخالف ة طبق ا للم ادتين‬
‫‪ 5 ،27‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬يقس م الفق ه الجن ائي الجريم ة وف ق مع ايير وض وابط مختلف ة تس تند‬
‫ألرك ان الجريمة وب النظر ألركان الجريم ة‪ ،‬وعليه تقسم من منظور الركن المادي للجريم ة إلى‬
‫مجموعة من التقسيمات كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬الجريمة اإليجابية والجريمة السلبية‬
‫إذا كان السلوك اإلجرامي قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا اعتمادا على نص القانون ما إذا‬
‫ك ان نهي ا أو أم را‪ ،‬ف إذا ك ان نهي ا تك ون الجريم ة إيجابي ة فتق وم عن طري ق فع ل يأتي ه اإلنس ان‬
‫بحرك ة عض وية بالمخالف ة للنهي الق انوني عن ه‪ ،‬كالقت ل والض رب والج رح والس رقة وال تزوير‬
‫واالغتص اب والزن ا وحم ل الس الح وهت ك الع رض‪ ،‬وإ ذا ك ان أم را تق وم ب ه الجريم ة الس لبية‬
‫باالمتناع عن فعل أمر به القانون‪ ،‬فهي جريمة تقوم باتخاذ موقف سلبي من أمر القانون‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة عليها‪ ،‬امتناع القاضي عن الفصل فيما يعرض عليه من قضايا طبقا للمادة ‪ 136‬ق‪.‬ع‪،‬‬
‫وامتن اع الش اهد عن اإلدالء بالش هادة طبق ا للم ادة ‪ 97‬إ‪.‬ج واالمتن اع عن إغاث ة الغ ير في خط ر‬
‫طبقا للمادة ‪ 182/2‬ق‪.‬ع‪ ،‬واالمتناع عن إبالغ السلطات بوقوع جناية أو جنحة طبقا للمادة ‪181‬‬
‫ق‪.‬ع‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة‬
‫يمكن أن تك ون الجريم ة وقتي ة أو مس تمرة اعتم ادا على ال وقت ال ذي يس تغرقه الس لوك‬
‫المج رم‪ ،‬أي عنص ر ال زمن من حيث الم دة ال تي يس تغرقها تحقي ق عناص ر الجريم ة‪ ،‬فالجريم ة‬
‫الوقتية تقوم على سلوك بسيط يقع في وقت محدد قصير جدا أو هي تقع في فترة زمنية قصيرة‪،‬‬
‫أو في بره ة يس يرة من ال زمن وتنتهي بالقي ام ب ه‪ ،‬كجريم ة القت ل ال تي تتم وتق وم بمج رد إزه اق‬
‫روح إنسان على قيد الحياة‪ ،‬والسرقة التي تتم وتنتهي بمجرد القيام بعملية االختالس وهو إخراج‬
‫المال من حيازة حائزة لحيازة السارق بدون وجه حق وبنية تملكه‪ ،‬وامتناع الشاهد عن اإلدالء‬
‫بالش هادة أم ام الجه ة المختص ة‪ ،‬فتق ع الجريم ة وتنتهي بمج رد االمتن اع عن اإلدالء به ا أو ع دم‬
‫الحضور أمامها في الزمان والمكان المحددين له‪ ،‬وهذا يعني أن الجريمة الوقتية يمكن أن تكون‬
‫سلبية أو إيجابية‪.‬‬
‫أما الجريمة المستمرة فهي التي يتكون ركنها المادي من سلوك يتطلب بطبيعته االستمرار‬
‫في الزمان لفترة غير محددة قد تطول وق د تقصر‪ ،‬أي أن السلوك اإلجرامي سواء كان سلوكا‬
‫إيجابيا أو سلبيا يأخذ حالة االستمرار أو االستغراق في الزمان‪ ،‬وعليه فالجريمة المستمرة عكس‬
‫الجريمة الوقتية ال تقوم بفعل بسيط في الزمن‪ ،‬وإ نما تقوم بسلوك يستغرق في الزمان مدة غير‬
‫محددة قد تطول وقد تقصر بحسب موقف الفاعل أو وضع حد لها من طرف السلطات‪ ،‬كجريمة‬

‫‪94‬‬
‫إخفاء األشياء المسروقة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة التي تقوم على عنصر الحيازة‬
‫لتلك األشياء التي تمتد في الغالب فترة طويلة نسبيا( )‪ ،‬والحبس دون وجه حق في المادة ‪51/6‬‬
‫‪1‬‬

‫إ‪.‬ج‪ ،‬وحمل األوسمة والنياشين بدون وجه حق في المادة ‪ 244‬ق‪.‬ع‪ ،‬واالمتناع عن تسليم الطفل‬
‫لمن له الحق في ذلك طبقا للمادة ‪ 327‬وجريمة استعمال المحررات العمومية الرسمية في المادة‬
‫‪ ،) (218‬واس تعمال األخت ام والطواب ع والعالم ات الم زورة في الم ادة ‪ 205‬ق‪.‬ع‪ ،‬وتب دو أهمي ة‬
‫‪2‬‬

‫التفرقة بينهما في التالي‪:‬‬


‫ففي قانون العقوبات‪ ،‬يمكن حصر أهمية التفرقة بينهما في النقطتين التاليتين‪.‬‬
‫أ ‪ -‬من حيث سريان القانون الجديد‪ ،‬إذا كانت المادة الثانية من قانون العقوبات تنص على عدم‬
‫س ريان ق انون العقوب ات على الماض ي إال م ا ك ان من ه أق ل ش دة‪ ،‬ف إن تطبيقه ا على الجريم تين‬
‫يختل ف‪ ،‬حيث أن ه ليس من المتص ور أن تق ع الجريم ة المؤقت ة في ظ ل ق انونين كونه ا جريم ة ال‬
‫تستمر في الزمان إال برهة زمنية قصيرة‪ ،‬فال يسري عليها القانون الجديد إال ما كان منه أقل‬
‫شدة‪.‬‬
‫أم ا الجريم ة المس تمرة يمكن تص ور وق وع اس تمرارها في ظ ل ق انونين مختلفين‪ ،‬على أن‬
‫تكون حالة االستمرار المجرمة قد بدأت في ظل القانون القديم واستمرت في ظل سريان القانون‬
‫الجديد دون أن يكون قد صدر بشأنها حكم جزائي‪ ،‬وبالتالي بالقانون الجديد حتى ولو كان أكثر‬
‫شدة على المتهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث التطبيق المكاني لقانون العقوبات‪ ،‬نظر لطبيعة الجريمة المستمرة واستغراقها في‬
‫الزمان‪ ،‬وبالتالي إمكان تطبيق القانون الجديد األكثر شدة أو كان أقل شدة‪ ،‬أنها جريمة قد تقع في‬
‫إقليمين أو أك ثر‪ ،‬مم ا ق د يط رح مب دأ س لطان النص الج زائي من حيث المك ان طبق ا للم ادة ‪ 3‬من‬
‫ق انون العقوب ات‪ ،‬فتتع دد الق وانين الممكن ة التط بيق بتع دد أق اليم ارتكابه ا‪ ،‬ألن تحق ق أي ج زء من‬
‫حال ة االس تمرار في أي إقليم فيك ون لق انون ه ذا اإلقليم س لطان عليه ا تطبيق ا لمب دإ إقليمي ة النص‬
‫الجزائي‪.‬‬
‫أم ا في ق انون اإلج راءات الجزائي ة‪ ،‬فتب دو أهمي ة التفرق ة بين الجريم ة الوقتي ة والجريم ة‬
‫المستمرة في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬من حيث االختص اص المك اني‪ ،‬األص ل في االختص اص المك اني أن ه للجه ة ال تي وقعت فيه ا‬
‫الجريمة( )‪ ،‬وبالتالي فإن الجريمة الوقتية ينعقد االختصاص بها للجهة التي وقعت فيها الجريمة‬
‫‪3‬‬

‫ألنه ال يمكن تصور وقوعها في مكانين مختلفين‪ ،‬في حين أن الجريمة المستمرة ونظرا إلمكان‬
‫تعدد أقاليم ارتكابها فإن الجهات القضائية المختصة تتعدد بتعدد أقاليم ارتكابها‪ ،‬فتكون أكثر من‬
‫جهة مختصة‪ ،‬ألن كل جهة تكون قد وقع فيها جزء من حالة االستمرار تكون مختصة‪:.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث التقادم‪ ،‬تتقادم الدعوى العمومية بمضي المدة المحددة النقضائها قانونا‪ ،‬طبقا للمادة‬
‫‪ 6‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية( )‪ ،‬وتحسب مدة التقادم ابتداء من يوم اقتراف الجريمة‬
‫‪4‬‬

‫‪ -1‬انظر المادة ‪ 387‬من قانون العقوبات‪.‬‬


‫‪ -2‬نقض جزائي ‪ 19‬ديسمبر ‪ ،1995‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،1‬سنة ‪ ،1997‬ص ‪.149‬‬
‫‪ -3‬انظر المواد ‪ 329 ،40 ،37‬وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -4‬أنظ ر الم ادة ‪ 8‬مك رر من ق انون اإلج راءات الجزائي ة ال تي تنص على ع دم تق ادم بعض الج رائم كالجريم ة اإلرهابي ة‬
‫والتخريبية والجريم ة المنظمة الع ابرة للح دود الوطني ة والرش وة واختالس األم وال العمومية‪ ،‬ويمكن أن يقرر طريق ة ثانية‬
‫لحساب التقادم‪ ،‬كما فعل بالنسبة للطفل المجني عليه فال يحسب التقادم المقرر قانونا من تاريخ بلوغه سن الرشد المدني‬
‫طبقا للمادة ‪ 8‬مكرر ‪ 1‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫بالنسبة للجريمة المؤقتة‪ ،‬أما بالنسبة للجريمة المستمرة فإن حساب المدة ال يكون إال من تاريخ‬
‫انقط اع النش اط اإلج رامي المك ون له ا‪ ،‬أي بانته اء حال ة االس تمرار‪ ،‬أو كم ا تع بر عنه ا المحكم ة‬
‫العليا يبدأ سريان التقادم في الجريمة المستمرة من تاريخ آخر استعمال( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ج‪ -‬من حيث قوة الشيء المقضي فيه‪ ،‬يحوز الحكم الجزائي النهائي قوة الشيء المحكوم فيه أو‬
‫قوة الشيء المقضي فيه‪ ،‬ويعني هذا أنه حجة بما جاء فيه من حيث عدم جواز إعادة المحاكمة‬
‫مرة أخرى عن الواقعة نفسها‪ ،‬فيحوز في الجريمة الوقتية قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للواقعة‬
‫ال تي نظرته ا الجه ة المختص ة وال يمت د أث ره لغيره ا من الوق ائع وإ ن تش ابهت‪ ،‬أم ا الجريم ة‬
‫المستمرة فإن الحكم الصادر بشأنها الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه أو المقضي فيه يشمل أثره‬
‫جميع الوقائع المكونة لحالة االستمرار قبل تحريك الدعوى العمومية بشأنها‪ ،‬سواء الوقائع التي‬
‫طرحت أمام الجهة القضائية المختصة فناقشتها‪ ،‬أو تلك التي لم تطرح أصال فظهرت بعد الحكم‬
‫في موضوع الجريمة المستمرة‪ ،‬ألن حالة االستمرار ال يمكن أن تكون إال جريمة واحدة تحرك‬
‫بشأنها دعوى عمومية واحدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الجريمة البسيطة وجريمة االعتياد‬
‫الجريمة البسيطة جريمة تتكون من سلوك إجرامي واحد بسيط يجرمه القانون لذاته‪ ،‬أي‬
‫أنه ا جريم ة يكفي فيه ا القي ام بالس لوك البس يط لتوافره ا وقي ام المس ؤولية بش أنها‪ ،‬ومن أمثلته ا‬
‫جرائم‪ :‬القتل في المادة ‪ 254‬والضرب والجرح في المادة ‪ 264‬والسرقة في المادة ‪ 350‬والزنا‬
‫في الم ادة ‪ 339‬وخيان ة األمان ة في الم ادة ‪ 376‬والنص ب في الم ادة ‪ ،373‬وهت ك الع رض في‬
‫المادة ‪ 334‬واالغتصاب في المادة ‪ 336‬وغيرها من قانون العقوبات‪ ،‬إذ يكفي فيها جميعا قيام‬
‫الفاع ل بفع ل االعت داء على الح ق في الحي اة في القت ل أو الس المة الجس دية بالض رب والج رح أو‬
‫أخ ذ الم ال المنق ول الممل وك للغ ير بغ ير رض اه بني ة التمل ك‪ ،‬وال وطء في مح رم في جريم ة الزن ا‬
‫إلخ‪.....‬‬
‫أم ا جريم ة االعتي اد فهي تتك ون من أك ثر من فع ل واح د‪ ،‬فال يكتفي المش رع في تجريمه ا‬
‫والعقاب عليها بارتكاب المتهم لفعل واحد فقط‪ ،‬بل يجب االعتياد على القيام به‪ ،‬فأفعال االعتياد‬
‫ليس ت مجرم ة بص فة منف ردة ل ذاتها‪ ،‬فهي مجرم ة ومع اقب عليه ا على أس اس عنص ر التك رار‬
‫واالعتياد على إتيانها‪ ،‬أي باقتراف أكثر من فعل واحد من طبيعة واحدة‪ ،‬كالجريمة المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ 342‬ق‪.‬ع التي تنص «كل من حرض قصرا لم يكملوا التاسعة عشرة ذكورا أو‬
‫إناث ا على الفس ق أو فس اد األخالق أو تش جيعهم علي ه أو تس هيله لهم وك ل من ارتكب بص فة‬
‫عرض ية بالنس بة لقص ر لم يكمل وا السادس ة عش رة يع اقب ب الحبس من خمس س نوات إلى عش ر‬
‫س نوات وبغرام ة من ‪ 500‬إلى ‪ 25.000‬دج»‪ ،‬وهي جريم ة تع رف بجريم ة تح ريض القص ر‬
‫على الفسق والفساد‪ ،‬وكذلك جريمة التسول التي يجرمها القانون على أساس عنصر االعتياد فيها‬
‫طبق ا للم ادة ‪ 195‬ق‪.‬ع ال تي تنص «يع اقب ب الحبس من ش هر إلى س تة أش هر ك ل من اعت اد‬
‫ممارسة التسول في أي مكان كان وذلك رغم وجود وسائل العيش لديه أو إمكانه الحصول عليها‬
‫بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى»‪.‬‬
‫ويس تخلص عنصر االعتي اد في الجريم ة وجودا وع دما من ص ياغة النص نفس ه‪ ،‬حيث أن‬
‫تحريض القاصر دون السادسة عشر يكفي فيه اقترافه مرة واحدة والتي عبر عنها النص «بصفة‬
‫‪ -5‬نقض جزائي ‪ 25‬أكتوبر ‪ ،1992‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،2‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪.205‬‬
‫‪96‬‬
‫عرضية»‪ ،‬في حين أن تحريض من لم يبلغ التاسعة عشرة ولكنه بلغ السادسة عشرة سنة كاملة‬
‫يشترط فيها االعتياد فال يكفي لقيامها فعل واحد بل يجب تعدد الفعل‪ ،‬وهو نفس الشيء بالنسبة‬
‫لجريم ة التس ول ال تي تق وم على االعتي اد أيض ا‪ ،‬ويمكن حص ر أهم نت ائج التفرق ة بين ه اذين‬
‫النوعين من الجرائم ‪-‬البسيطة واالعتياد‪ -‬في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث س ريان الق انون الجدي د‪ ،‬فال يس ري ق انون العقوب ات إال على م ا يق ع من ج رائم في‬
‫ف ترة سريانه‪ ،‬وبالتالي فالجريم ة البسيطة يطبق عليه ا الق انون ال ذي وقعت في ظ ل سريانه‪ ،‬وال‬
‫يسري عليها القانون الجديد إال إذا كان أقل شدة‪ ،‬أما جريمة االعتياد فيسري عليها القانون الجديد‬
‫ولو كان أكثر شدة‪ ،‬إذا كانت األفعال المكونة لالعتياد قد وقع جزء منها في ظل سريان القانون‬
‫الجديد حتى ولو وقعت بعض األفعال منها في ظل القانون‪.‬‬
‫‪ -2‬من حيث حساب مدة التقادم في الدعوى‪ ،‬ففي الجريمة البسيطة تتقادم بمضي المدة المقررة‬
‫بحس ب م ا إذا ك انت جناي ة أو جنح ة أو مخالف ة من ي وم ارتكابه ا‪ ،‬أم ا جريم ة االعتي اد يب دأ من‬
‫ارتكاب آخر فعل مكون لالعتياد فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬أم االختص اص اإلقليمي‪ ،‬ففي الجريم ة البس يطة ال يتع دد االختص اص اإلقليمي‪ ،‬في حين‬
‫يتعدد االختصاص اإلقليم بتعدد أماكن ارتكاب أفعال االعتياد‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن حيث قوة الشيء المحكوم في ه‪ ،‬ف إن أثر ه ذا الحكم يش مل ك ل األفع ال المكون ة لجريم ة‬
‫االعتياد‪ ،‬سواء كان الحكم الصادر فيها قد تعرض لها أم ال لجهله ببعضها‪ ،‬وبالتالي ال تتخذ مثل‬
‫تلك األفعال كأساس العتياد جديد‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬الجريمة المتتابعة األفعال والجريمة المركبة‬
‫الجريم ة المتتابع ة األفع ال تتطلب التك رار والتت ابع والتع اقب في األفع ال المكون ة له ا‪ ،‬أي‬
‫وقوع الفعل المادي المكون لها على دفعات أو بصفة متكررة ومتتابعة‪ ،‬وهذا يعني نها تقوم على‬
‫مجموع ة س لوكات يعت بر ك ل واح د منه ا س لوكا مجرم ا لذات ه في نظ ر الق انون‪ ،‬ويجم ع بين ه ذه‬
‫األفع ال وح دة الغ رض اإلج رامي كمن يق وم بس رقة م نزل على دفع ات متتالي ة‪ ،‬أو كمن يض رب‬
‫شخص ا ع دة ض ربات‪ ،‬فهي أفع ال متماثل ة يجمعه ا غ رض إج رامي واح د ك ل واح د منه ا يك ون‬
‫جريم ة مع اقب عليه ا بص ة مس تقلة‪ ،‬وهي تتم يز عن جريم ة االعتي اد أن أفعاله ا مجرم ة بص فة‬
‫منفردة‪ ،‬في حين أن أفعال االعتياد ال تجرم منفردة‪ ،‬وتتميز الجريمة المتتابعة األفعال من حيث‬
‫اآلثار التي يمكن أن تترتب عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬من حيث االختصاص اإلقليمي للجهات القضائية‪،‬‬
‫‪ -‬من حيث حساب مدة التقادم في الدعوى العمومية‪،‬‬
‫‪ -‬من حيث تطبيق القانون الجديد‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث قوة الشيء المحكوم فيه‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬الجريمة المادية والجريمة الشكلية‬
‫يستلزم القانون في أكثر الجرائم أن ترتب نتيجة إجرامية معين ة ناش ئة عن الفعل المجرم‬
‫كالقت ل وه و إزه اق روح إنس ان على قي د الحي اة‪ ،‬ال ذي ال يتص ور وقوع ه إال إذا حص لت الوف اة‬
‫كنتيجة له وهي نتيجة ضارة‪ ،‬والسرقة وهي أخذ مال مملوك للغير بدون وجه حق بنية تملكه‪،‬‬
‫‪97‬‬
‫فال يمكن تص ور وق وع فع ل الس رقة إال بأخ ذ الم ال الممل وك للغ ير ب دون رض اه وبغ رض تملك ه‬
‫وبغير وجه حق‪ ،‬أما الجريمة الشكلية فال يعتد المشرع في تجريمها والعقاب عليها على حصول‬
‫نتيجة إجرامية معينة فيجرم ويعاقب على بعض السلوكات مجردة من أي نتيجة إجرامية‪ ،‬كحمل‬
‫الس الح ب دون ت رخيص وحم ل النياش ين ب دون وج ه ح ق وتقلي د أخت ام الدول ة‪ ،‬فجميعه ا ج رائم ال‬
‫يشترط في قيامها حصول نتيجة إجرامية ملموسة‪ ،‬إذ يكفي فيها القيام بالفعل من الناحية المادية‬
‫الصرفة‪.‬‬
‫وتب دو أهمي ة التفرق ة بينهم ا في المحاول ة‪ ،‬فال يتص ور في الجريم ة الش كلية أن يب دأ في‬
‫تنفيذها دون وقوعها كاملة‪ ،‬فهي إما أن تقع تامة أو ال تقع‪ ،‬في حين أن الجريمة المادية تتصور‬
‫المحاولة فيها‪ ،‬كمحاولة القتل أو محاولة السرقة أو االختالس‪...‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫صور ارتكاب الجريمة‬
‫ق د تق وم الجريم ة بجمي ع أركانه ا تام ة –ركن ع دم المش روعية وال ركن الم ادي وال ركن‬
‫المعنوي‪ ،-‬إال أنه ليس بالضرورة أن تتحقق جميع تلك العناصر مما يثير مشكلة مدى اكتمال‬
‫الجريمة ومدى مسؤولية من ساهم فيها‪ ،‬وهو ما يسمى بالمحاولة أو الشروع في الجريمة‪ ،‬وقد‬
‫تتض افر أك ثر من إرادة واح دة في إتيانه ا فتث ور مش كلة م دى مس ؤولية ك ل من س اهم فيه ا‪ ،‬وفي‬
‫حالة قيام تلك المسؤولية هل يخضع الجميع لنفس األحكام القانونية وهي ما يسمى بالمساهمة في‬
‫الجريم ة‪ ،‬فنظم المش رع المس ألتين‪ ،‬المحاول ة في الجريم ة في الم ادتين ‪ 30‬و‪ 31‬ق‪.‬ع‪،‬‬
‫والمساهمة( ) في المواد ‪ 41‬إلى ‪ 46‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المبحث األول‪ -‬المحاولة أو الشروع في الجريمة‬


‫ينظم المش رع المحاولة( ) في الم ادتين ‪ 30‬و‪ 31‬من ق انون العقوب ات‪ ،‬فتنص الم ادة ‪30‬‬
‫‪2‬‬

‫«ك ل مح اوالت الرتك اب جناي ة تبت دئ بالش روع في التنفي ذ أو بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة‬
‫إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إال نتيجة لظروف مستقلة عن‬
‫إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود بس بب ظ رف م ادي يجهل ه مرتكبه ا»‪،‬‬
‫وتنص المادة ‪« 31‬المحاولة في الجنحة ال يعاقب عليها إال بناء على نص صريح في القانون»‪،‬‬
‫«والمحاولة في المخالفة ال يعاقب عليها إطالقا»‪ ،‬فما هي المحاولة في ارتكاب الجريمة؟‬
‫يستخلص من حكم المادة ‪ 30‬ق‪.‬ع تعريف المحاولة "الشروع في تنفيذ الجناية أو الجنحة"‬
‫وهي "أفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش ر الرتك اب الجريم ة"‪ ،‬وفي كال األم رين يش ترط فيهم ا أن‬
‫توق ف أو لم يخب أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ‬
‫اله دف المقصود بس بب ظرف م ادي يجهل ه‪ ،‬فالمحاول ة جريم ة ناقص ة‪ ،‬جريم ة غ ير تام ة‪ ،‬لعدم‬
‫تحقق عناصر الجريمة كاملة بعدم تحقق نتيجتها اإلجرامية فال تقع لخيبة أثرها نتيجة عوامل ال‬
‫دخ ل إلرادت ه فيه ا‪ ،‬وإ م ا أن ه لم ي أت ك ل األفع ال ف أتى بعض ها دون البعض اآلخ ر نتيج ة لت دخل‬

‫‪ -1‬وهنا يجب التمييز بين المساهمة وتعدد الجرائم المنظم في المادة ‪ 32‬وما يليها من قانون العقوبات‪ ،‬فترتكب عدة جرائم‬
‫من شخص واحد ال يفصل بينها حكم نهائي‪ ،‬وهو ال يفترض الوحدة المعنوية بين هذه الجرائم‪ ،‬فالفاعل تتوار لديه نيات‬
‫مختلفة بتعدد جرائمه‪ ،‬وهو ما ال يتوافر في المساهمة التي تقوم على وحدتها المادية والمعنوية وإ ن تعدد المساهمون فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬ويطلق عليها الشروع ‪.La tentative‬‬
‫‪98‬‬
‫عوام ل خارجي ة أو ذاتية ف أدت إلى وقفه ا‪ ،‬وعلي ه ف إن الف رق بين المحاول ة والجريم ة التام ة‪ ،‬ه و‬
‫عدم توافر النتيجة في األول وتوافرها في الثانية‪.‬‬
‫وق د ك ان لتخل ف النتيجة اإلجرامي ة بع دم تحققه ا وبس اطة الض رر في المحاول ة بالجريم ة‬
‫التامة األثر الكبير في التشريعات بتفرقتها في العقاب بين من يرتكب جريمة تامة ومن يرتكب‬
‫جريم ة ناقص ة‪ ،‬فتأخ ذ ب اللين المحاول ة‪ ،‬فيق رر بعض ها عقوب ة أخ ف في المحاول ة لع دم أخ ذ الني ة‬
‫اإلجرامي ة والخط ورة اإلجرامي ة ال تي تنط وي عليه ا بعين االعتب ار‪ ،‬في حين ذهبت أخ رى إلى‬
‫التسوية العقابية بين من يحاول ومن يرتكب الجريمة تامة‪ ،‬إال أن هذا ال يمنعها من معاملة األول‬
‫معاملة تختلف عن معاملة من ارتكب الجريمة كاملة‪.‬‬
‫العلة من العقاب على المحاولة‬
‫يعتبر العقاب على المحاولة استثناء يرد على القواعد واألحكام العامة التي تقرر وجوب‬
‫توافر أركان الجريمة وعناصر قيامها كاملة‪ ،‬ألن قانون العقوبات إذا أقام الجريمة على مجموعة‬
‫من العناصر وجب توافرها جميعا‪ ،‬فتنفي بعدم توافرها مكتملة‪ ،‬كتخلف النتيجة في الجريمة مثال‬
‫فال يوج د م ا ي برر العق اب على مث ل ذل ك الس لوك‪ ،‬ألن العق اب يق رره الق انون على الجريم ة‬
‫التامة( ) لكن المشرع يتوسع أحيانا في إقامة المسؤولية الجزائية في أوضاع ال تتوفر في السلوك‬
‫‪2‬‬

‫ك ل مقوم ات الجريم ة التام ة‪ ،‬فلم يجع ل العق اب رهن ا باالعت داء الفعلي على الحق وق والمص الح‬
‫المحمية‪ ،‬بل ربطه بتعريضها للخطر الذي يهددها باالعتداء عليها‪ ،‬بواسطة أفعال مادية تعبر عن‬
‫م دى خطورته ا اإلجرامي ة على المص الح المحمي ة قانون ا‪ ،‬س واء ك انت ه ذه الخط ورة مص درها‬
‫الفع ل الم ادي أو الني ة اإلجرامي ة‪ ،‬وه و م ا ك ان موض وع خالف بين التش ريعات الجنائي ة‪ ،‬حيث‬
‫يرجح بعضها األفعال المادية‪ ،‬وأخرى ترجح النية‪ ،‬فظهر مذهبان مادي وشخصي‪.‬‬
‫نوعا المحاولة‬
‫المحاولة نوعان‪ ،‬شروع ناقص ويعرف بالجريمة الموقوفة‪ ،‬يفترض فيه عدم القيام بجميع‬
‫األفعال التنفيذية الالزمة إلتمام الجريمة لتدخل عوامل خارجية تحول بينه وبين إتمام الجريمة‪،‬‬
‫كمن يهم بإطالق النار على المجني عليه فيتدخل طرف ثالث يحول بينه وبين إطالق النار‪ ،‬أو‬
‫يتس لق حائ ط الم نزل للس رقة فيفاج أ بص احب المس كن موج ودا في تراجع عن إتم ام مش روعه‬
‫اإلجرامي‪،‬‬
‫أما الشروع التام فيعرف بالجريمة الخائبة يقوم المحاول بجميع األفعال التي من شأنها أن‬
‫تؤدي للجريمة إال أن النتيجة التي أرادها لم تتحقق بسبب ظرف خارجي يجهله‪ ،‬كمن يطلق النار‬
‫على شخص بغرض قتله فال يصيبه في مقتل‪ ،‬أو أن يطلق النار عليه فيخطئ في التصويب فال‬
‫يصيبه‪ ،‬أو كمن يريد سرقة مال من الخزينة فيفتحها فال يجد بها شيئا‪.‬‬
‫وتبدو أهمية التفرقة بين المحاولة الموقوفة والمحاولة الخائبة في مدى حكم العدول وأثره‬
‫القانوني‪ ،‬فالعدول اإلرادي أو االختياري ال يمكن تصوره في المحالة الخائبة فهو يتعلق بالمحاولة‬
‫الموقوف ة‪ ،‬ألن من يح اول ارتك اب الجريم ة لم يس تنفذ بع د ك ل النش اط اإلج رامي مم ا يمكن ه من‬
‫العدول اختياريا فيتوقف عن مواصلة نشاطه قبل انتهائه‪ ،‬فيحدث العدول أثره بعدم العقاب عليها‬
‫طالما أن التوقف كان إراديا دون تدخل أي عامل خارجي دفعه لذلك‪.‬‬

‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.355‬‬
‫‪99‬‬
‫أما المحاولة الخائبة فإن من يحاول ارتكاب الجريمة بإتيان أو القيام بجميع األفعال التي‬
‫من شأنها تحقيق النتيجة فيخيب أثرها لتدخل عوامل منعت تحقيقها فال وجود للعدول‪ ،‬فال يعدو‬
‫أن يكونن توبة‪ ،‬كمن يعطي شخص سما قاتال ثم يسعفه بنقله للمستشفى‪ ،‬وإ ذا كان االتفاق منعقدا‬
‫حول وجوب العقاب على المحاولة الموقوفة والتامة‪ ،‬فإن االختالف قائم حول الحد الفاصل بين‬
‫م ا يعت بر محاول ة في الجريم ة وم ا ال يعت بر ك ذلك‪ ،‬فظه ر م ذهبان عالج ا الموض وع كم ا س نرى‬
‫الحقا‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ -‬أركـان الـمحاولة‬
‫إذا ك ان االتف اق فقه ا وقض اء وتش ريعا منعق دا ح ول وج وب العق اب على المحاول ة‪ ،‬ف إن‬
‫االختالف قائم حول الحد الفاصل بين ما يعتبر محاولة في الجريمة وما يسبقه من أفعال تخرج‬
‫عن دائرة التجريم والعقاب‪ ،‬فال تحت طائلة سلطان قانون العقوبات وأحكامه‪ ،‬خاصة أن الجريم ة‬
‫تمر قبل ارتكابها بمراحل معينة ومتعددة‪ ،‬فالفاعل قبل أن يقدم على جريمته قد يفكر فيها مليا‬
‫فيعق د الع زم على ارتكابه ا لينتق ل من مج ال نفس ي فك ري إلى الع الم الخ ارجي بتحض ير وس ائل‬
‫وأدوات الزمة لذلك‪ ،‬فيباشر بعدها عملية تنفيذ الجريمة لتحقيق غايته اإلجرامية تامة‪.‬‬
‫والسؤال المطروح‪ ،‬هل يكفي مجرد التفكير والعزم على إتيان الفعل المجرم؟‪ ،‬وهل تعتبر‬
‫األعمال التحضيرية دالئل مادية كافية للجزم بأن الفاعل تتوافر فيه اإلرادة والعزم القويان على‬
‫إتيان الجريمة مما يتطلب بالضرورة تدخل المشرع بتجريمهما؟ أم أن القانون ال سلطان له إال‬
‫إذا ارتكبت الجريم ة تام ة؟‪ ،‬وبعب ارة أخ رى م تى تت وفر اإلرادة اآلثم ة ال تي ت دعو إلى الت دخل‬
‫بالتجريم والعقاب في أي من السلوكات السابقة؟‬
‫وهي األسئلة التي سنحاول اإلجابة عليها بالتعريف بتلك المراحل وما ثار بشأنها من جدل‬
‫فقهي وم ا ه و موق ف المش رع الجزائ ري منه ا‪ ،‬م ع اإلش ارة لق رار للمحكم ة العلي ا ج اء في ه «من‬
‫المق رر قانون ا أن ه لثب وت المحاول ة أو الش روع يجب أن تت وافر الش روط التالي ة‪ :‬أوال‪ :‬الب دء في‬
‫التنفي ذ‪ ،‬ثانيا‪ :‬وق ف التنفي ذ أو خيب ة أث ره ألس باب ال دخ ل إلرادة الفاع ل فيه ا‪ ،‬ثالثا‪ :‬أن يقص د ب ه‬
‫ارتك اب جناي ة أو جنحة( )»‪ ،‬ق رار وض ع للمحاول ة أركانه ا استخلص ها من الم ادة ‪ 30‬من ق انون‬
‫‪1‬‬

‫العقوبات‪.‬‬
‫الفرع األول‪ -‬البدء في التنفيذ‬
‫يثور جدل فقهي حول تحديد ما يعتبر بدء في التنفيذ وما هو األساس الذي تعتمده في ذل ك‪،‬‬
‫فيرتب المسؤولية الجزائية فيعاقب عليه قانون العقوبات باعتباره محاولة في ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫وما ال يعتبر كذلك فال يكون لقانون العقوبات سلطان عليه( )‪ ،‬فظهر مذهبان مادي وشخصي كل‬
‫‪2‬‬

‫له منهجه في تحديد الحدود الفاصلة بين ما يعتبر مجرما فيكون محاولة وما ليس كذلك فيكون‬
‫خ ارج دائ رة التج ريم والعق اب‪ ،‬خاص ة أن الس لوك ق د يم ر بمراح ل متقدم ة ك التفكير والتحض ير‬
‫ليتجسد في العالم الخارجي‪ ،‬ففي أي منها يتدخل المشرع بالتجريم والعقاب‪ ،‬بما تتميز كل مرحلة‬
‫عن غيره ا‪ ،‬وه و م ا ي دعو للتع رض له ذه المراح ل والتعري ف وموق ف الم ذهبين والمش رع‬
‫الجزائري منها‪.‬‬
‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ 05‬فبراير ‪ ،1991‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،2‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪ 164‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 257‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 143‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬سامي النصراوي‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي‪ ،...‬ص ‪ 265‬وما يليها‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫أوال‪ -‬المرحلة النفسية أو التفكير في ارتكاب الجريمة‬
‫وهي مرحلة باطنية ذاتية وأولية في ارتكاب الجريمة ليس فيها من األفعال المادية‪ ،‬فتقوم‬
‫على محض فك رة أو مج رد إرادة ب التفكير في عم ل غ ير مش روع فيرس خ في ال ذهن بالتص ميم‬
‫عليه والعزم( ) عليها‪ ،‬أو هي إحساس أو شعور لدى صاحب الفكرة يخلق في نفسه فكرة الجريمة‬
‫‪1‬‬

‫فيص مم عليه ا ويعق د الع زم على تحقيقه ا في الواق ع‪ ،‬بوض ع خط ة ارتكابه ا وتحدي د وس ائل تنفي ذ‬
‫ذلك‪ ،‬والجريمة في هذه المرحلة النفسية ال تزال رهينة العالم الباطني‪ ،‬أي رهينة نفس من فكر‬
‫فيها( )‪ ،‬وهي مرحلة ال تكون جريمة فال يعاقب عليها القانون ابتداء أو أصال حتى ولو ثبت أن‬
‫‪2‬‬

‫الشخص فكر وعقد العزم على إتيان الجريمة ولو اعترف على نفسه وأخطر غيره بها أو أخطر‬
‫الس لطات( )‪ ،‬ألن ق انون العقوب ات ال يعت د بالني ة أو الب اطن مج ردا من أي س لوك خ ارجي‪ ،‬فال‬
‫‪3‬‬

‫مج ال ل ه لحكمه ا إال إذا ب دت في س لوكات مادي ة ظ اهرة في الع الم الخ ارجي( ) ألن من القواع د‬
‫‪4‬‬

‫الثابتة في فيه أن الجريمة ال تقوم إال بتوافر الركن المادي الذي يقوم على إتيان السلوك المادي‪،‬‬
‫وه و م ا يس تخلص من الم ادة ‪« 30‬ك ل محاول ة الرتك اب جناي ة تبت دئ بالش روع في التنفيذ أو‬
‫بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة إلى ارتكابه ا تعت بر كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب‬
‫أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود‬
‫بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها»‪.‬‬
‫ويمكن القول أن العلة في عدم تجريم وعقاب الفكرة والعزم عليها ألن قانون العقوبات ال‬
‫يهتم بما يختلج في النفس البشرية من شعور وأفكار توسوس له أو تحدثه بها نفس( )‪ ،‬فال يوليها‬
‫‪5‬‬

‫أهمي ة كأص ل لع دم اهتمام ه بالنواي ا مج ردة عن س لوك م ادي‪ ،‬ألنه ا نواي ا من الص عوبة بمك ان‬
‫إثباتها والتأكد من وجودها‪ ،‬فال يكون للقانون سلطان عليها إال إذا بدت في أفعال مادية ملموسة‪،‬‬
‫هذا من جهة ومن أخرى التشجيع على محاربة النفس األمارة بالسوء بالعدول عما تسول به من‬
‫عمل ال أخالقي أو أفكار إجرامية عدوال طوعيا‪.‬‬
‫حاالت يعتد فيها بالنية‬
‫إذا ك ان األص ل أن مج رد الفك رة والع زم عليه ا ال تعت بر جريم ة وال يع اقب عليها( )‪ ،‬ف إن‬
‫‪6‬‬

‫القوانين تخرج استثناء على هذه القاعدة‪ ،‬فتولي النية أهمية خاصة في أحوال محددة متى بدت‬
‫ظ اهرة في صور يعتد به ا الق انون‪ ،‬كاالتف اق الجنائي والتحريض على ارتك اب الجرائم والتهديد‬
‫والم ؤامرة‪ ،‬فال تعت بر تجريم ا وال عقاب ا لمج رد التفك ير في الجريم ة والتص ميم عليه ا‪ ،‬ب ل هي‬
‫حاالت خاصة يجرمها القانون وفق أوصاف متعددة على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التفك ير كجريم ة خاص ة‪ ،‬كاالتف اق الجن ائي في الم ادة ‪ 176‬ق‪.‬ع «ك ل جمعي ة أو اتف اق مهم ا‬
‫كانت مدته وعدد أعضائه تشكل أو تؤلف بغرض اإلعداد للجنايات أو ارتكابها ضد األشخاص‬
‫‪ -1‬ينص قانون العقوبات المصري المادة ‪« 45/2‬وال يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها‪.»...‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ أن ه إذا انتق ل الش خص من ه ذه المرحل ة النفس ية إلى مرحل ة مادي ة فخ رج بفكرت ه للع الم الخ ارجي تخض ع لج دل‬
‫فقهي واسع واختالف تشريعي بين ما يعتبر منه داخال في دائرة التجريم والعقاب‪ ،‬وما يخرج عنهما‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.360‬‬
‫‪- Donnedieu de Vabres: Traité Elémentaire de Droit Criminel Comparé. 2 éd. Paris. 1945. p.131.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -5‬نالح ظ أن الش ريعة اإلس المية وإ ن ك انت ال تع رف الش روع كنظري ة خاص ة‪ ،‬بس بب طبيع ة ج رائم الح دود والقص اص‬
‫باعتبارها جرائم محددة تحديدا دقيقا من حيث أركانها وشروطها والعقوبة المقررة لها من جهة‪ ،‬وطبيعة الجرائم التعزيرية‬
‫ال تي تق وم على س لطة ولي األم ر في التج ريم والعق اب على ك ل فع ل يعت بر معص ية لم يق رر ل ه ح د أو قص اص من جه ة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ -6‬الح ظ الم ادة ‪ 45‬من ق انون العقوب ات المص ري مثال «ال يع د ش روعا في الجناي ة أو الجنح ة مج رد الع زم على‬
‫ارتكابها‪»...‬‬
‫‪101‬‬
‫أو األمالك تك ون جناي ة جمعي ة األش رار ال تي تنش أ بمج رد التص ميم المش ترك على العم ل»‪،‬‬
‫واالشتراك في جمعية أشرار أو االتفاق على تشكيلها طبقا للمادة ‪ 177‬ق‪.‬ع «يعاقب بالسجن من‬
‫خمس إلى عش ر س نوات ك ل ش خص يش ترك في الجمعي ة أو االتف اق المح دد في الم ادة ‪،»176‬‬
‫وهو تجريم لمجرد االتفاق بغض النظر عما إذا كانت الجريمة قد حصلت أم ال‪ ،‬إذ يكفي للعقاب‬
‫توافر صفة الجمعية أو االتفاق الجنائي لقيام الجريمة الخاصة‪.‬‬
‫والتحريض على ارتكاب الجريمة‪ ،‬يشترط فيه أن يكون تحريضا موصوفا‪ ،‬فيتم بالهبة أو‬
‫الوع د أو التهدي د أو إس اءة اس تعمال الس لطة أو الوالي ة أو التحاي ل أو الت دليس اإلج رامي‪ ،‬كم ا‬
‫تحددها المادة ‪ 41‬من قانون العقوبات‪ ،‬فيكون جريمة خاصة يعاقب عليها سواء نفذت الجريمة أم‬
‫لم تنفذ المتناع من كان ينوي تنفيذها‪ ،‬فتنص المادة ‪ 46‬من نفس القانون «إذا لم ترتكب الجريمة‬
‫المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته فإن المحرض عليها يعاقب رغم‬
‫ذل ك بالعقوب ات المق ررة له ذه الجريم ة»‪ ،‬يع اقب علي ه الق انون لم ا يش كله من خط ر على الهيئ ة‬
‫االجتماعي ة ومص الحها وأمنه ا واس تقرارها‪ ،‬خاص ة عن دما تق وى ش وكة الجن اة ف يزداد تك البهم‬
‫وإ ص رارهم على ارتك اب الج رائم‪ ،‬فيك ون العق اب عندئ ذ أم را تقتض يه ض رورة ال دفاع عن‬
‫المجتمع‪ ،‬وحفظ النظام واألمن والسكينة فيه‪.‬‬
‫والمؤامرة والتهديد ال تي يجرمهما ويع اقب عليهم ا ق انون العقوب ات‪ ،‬فنعرفه ا الفق رة ‪ 3‬من‬
‫الم ادة ‪« 78‬وتق وم الم ؤامرة بمج رد اتف اق شخص ين أو أك ثر على التص ميم على ارتكابها( )»‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وتق رر له ا الفق رة األولى ص فة الجناي ة والعقوب ة على ذلك «الم ؤامرة ال تي يك ون الغ رض منه ا‬
‫ارتك اب الجناي ات‪ ...‬يع اقب عليه ا‪ »...‬ب ل إن الم ادة ‪ 78‬في فقرته ا األخ يرة تع اقب عن مج رد‬
‫عرض تدبير مؤامرة الرتك اب جناي ات بغ رض القض اء على نظام الحكم أو تغي يره أو تحريض‬
‫المواطنين والسكان على حمل السالح ضد سلطة الدولة‪ ،‬أو ضد بعضهم البعض أو ضد المساس‬
‫بوحدة التراب الوطني‪ ،‬مما يوضح اعتماد النية في حاالت استثنائية تبدو فيها خطورة على نظام‬
‫الدولة بصفة عامة‪ ،‬وجريمة التهديد كسلوك يصيب أمن الجماعة بقدر ما يحدثه هذا التهديد من‬
‫هل ع ورعب في نفس المج ني علي ه مم ا ق د يحمل ه كره ا على إجاب ة المه دد لمطالب ه غ ير‬
‫المش روعة‪ ،‬طبق ا للم واد ‪ 287-284‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتنص الم ادة ‪« 284‬ك ل من ه دد بارتك اب ج رائم‬
‫القتل أو السجن أو أي اعتداء آخر على األشخاص‪.»...‬‬
‫ب‪ -‬التفكير كظرف مشدد‬
‫يعاقب قانون العقوبات على التفكير أو المرحلة النفسية باعتبارها ظرفا مشددا للعقاب‪ ،‬مثل‬
‫س بق اإلص رار ال ذي يعرف ه الق انون في الم ادة ‪ 256‬ق‪.‬ع «س بق اإلص رار ه و عق د الع زم قب ل‬
‫ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته‬
‫وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان»‪ ،‬وهذا يعني أنه تفكير هادئ قبل‬
‫التصميم وعقد العزم على ارتكاب أي جريمة من جرائم القتل أو الضرب أو الجرح المنصوص‬
‫عليه ا في الم واد ‪ 265 ،261 ،256 ،155‬ق‪.‬ع‪ ،‬فيعت د ب ه الق انون م تى ت وافر في جريم ة من‬
‫الجرائم السابقة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬المرحلة التحضيرية‬
‫‪ -2‬تنص المادة ‪ 2 ،78/1‬ق‪.‬ع «المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجنايات‪...‬يعاقب عليها بالسجن المؤقت من‬
‫عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا تالها فعل ارتكب أو بدئ في ارتكابه لإلعداد لتنفيذها‪ .‬وتكون العقوبة السجن المؤقت من‬
‫خمس إلى عشر سنوات إذا لم يكن قد تال المؤامرة فعل ارتكب أو بدئ في ارتكابه لإلعداد لتنفيذها‪».‬‬
‫‪102‬‬
‫هي مرحلة تلي مرحلة التفكير والتصميم‪ ،‬وهي مرحلة متقدمة ومتطورة بالنسبة للمرحلة‬
‫األولى( ) ‪ ،‬من حيث أن الش خص ينتق ل من مج رد فك رة خط رت ببال ه ثم اس تقرت في ذهن ه ثم‬
‫‪1‬‬

‫صمم وعزم على تجسيدها في الواقع‪ ،‬إلى التحضير المادي باإلعداد لها بأفعال ذات كيان مادي‬
‫ملموس‪ ،‬كإحضار كل وسيلة أو أداة مسهلة الستعمالها في عملية التنفيذ‪ ،‬كشراء السالح مثال أو‬
‫إحض ار الم ادة الس امة أو تهيئ ة أداة تنفي ذ الجريم ة كص نع المف اتيح لفتح الخزان ة الم راد س رقتها‬
‫وغيرها‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن هده المرحلة تقوم على كل فعل يهدف لخلق الوسط المالئم ماديا‬
‫لتنفي ذ الجريم ة بتحض ير أدوات ووس ائل ارتكابه ا‪ ،‬واألص ل فيه ا أنه ا مرحل ة غ ير مع اقب عليه ا‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الش خص لم يكش ف بع د عن نيت ه اإلجرامي ة بش رائه الس الح أو بإحض اره أو حيازت ه‪ ،‬فال‬
‫نستطيع تحديد الغرض من اكتساب السالح‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم انطواء هذه المرحلة على خطر يهدد المصالح والحقوق الجديرة بالحماية الجزئية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن من السياس ة الجنائي ة الحكيم ة ع دم العق اب على األفع ال التحض يرية الرتك اب الجريم ة‪،‬‬
‫تشجيعا لألفراد للعدول عما حضروا ماديا للقيام بأعمال غير مشروعة‪.‬‬
‫إذا كان القانون ال يعاقب على العمل التحضيري مجردا‪ ،‬أو بالنظر لصلته بالجريمة التي‬
‫ك ان ين وي ارتكابه ا‪ ،‬ألن ال يش كل تهدي دا مباش را للمص الح المحمي ة جزائي ا‪ ،‬وال يكش ف بص ورة‬
‫واضحة عن نية إجرامية تنم عن خطورته‪ ،‬إال أن هذا لم يمنع اهتمام التشريعات من التوسعة في‬
‫مفهوم البدء في التنفيذ( ) بإضفائه على بعض األعمال التحضيرية ألنها تنم عن خطورة إجرامي ة‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وق د تك ون بواب ة أو مقدم ة لإلج رام بص ور مختلف ة وبتج ريم بعض ص ور التحض ير على النح و‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل التحضيري كجريمة خاصة‬
‫يعت بر ق انون العقوب ات العم ل التحض يري أحيان ا جريم ة خاص ة مس تقلة ب ذاتها ومتم يزة‪،‬‬
‫بغض النظر عن الجريمة المراد ارتكابها بواسطته‪ ،‬تقديرا لخطورتها على نظام الجماعة بوجه‬
‫عام وبغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحصل عنه‪ ،‬ومن أمثلة هذه السلوكات حمل السالح‬
‫ب دون ت رخيص( )‪ ،‬وتقلي د المف اتيح أو التغي ير فيه ا الم ادة ‪ 359‬ق‪.‬ع والتهدي د بارتك اب بعض‬
‫‪3‬‬

‫الجرائم طبقا للمواد ‪ 287-284‬ق‪.‬ع وغيرها‪.‬‬


‫‪ -2‬العمل التحضيري كظرف مشدد‬

‫‪ -1‬ينص قانون العقوبات المصري في الفقرة الثانية من المادة ‪« 45‬وال يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة‪ ....‬األعمال‬
‫التحضيرية لذلك»‪.‬‬
‫‪ - 2‬نالحظ هنا مدى التداخل بين هذه المرحلة والبدء في التنفيذ وهو ما كان مثار جدل فقهي‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقد صدرت عقب االستقالل مجموعة من القواعد القانونية تتضمنها مراسيم‪ ،‬تنظم حيازة األسلحة‪:‬‬
‫‪ -‬المرس وم ‪ 85-63‬في ‪ 16/3/1963‬لقم ع الج رائم المرتكب ة ض د التش ريع المتعل ق باكتس اب وحي ازة وص نع األس لحة‬
‫والذخائر والمتفجرات‪.‬‬
‫‪ -‬المرسوم رقم ‪ 291-63‬في ‪ 2/8/1963‬المتعلق بمنع صناعة وبيع المفرقعات واألسهم النارية‪.‬‬
‫‪ -‬المرسوم ‪ 399-63‬في ‪ 7/10/1963‬المتعلق بتصنيف العتاد الحربي واألسلحة والذخيرة غير المعتبرة كعتاد حربي‪.‬‬
‫‪ -‬المرس وم ‪ 400-63‬في ‪ 7/10/1963‬المتعل ق بتحدي د حق وق بعض األص ناف من األش خاص فيم ا يخص اقتن اء وحي ازة‬
‫وحمل األسلحة‪.‬‬
‫‪ -‬المرس وم ‪ 441-63‬الم ؤرخ في ‪ 8/11/1963‬المتعل ق بتنظيم ش روط اقتن اء وحي ازة وحم ل أس لحة الص يد وذخائره ا‬
‫والتنازل عنها‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫يبدو اهتمام القانون بالعمل التحضيري باإلضافة لتجريمه كجرائم خاصة‪ ،‬إضفاء وصف‬
‫الظ رف المش دد على بعض ص وره بتغلي ظ العق اب وتش ديده على من ت وافر في ه‪ ،‬فحم ل الس الح‬
‫وتقلي د المف اتيح والترص د تعت بر ظ رفين مش ددين للعق اب م تى وقعت الس رقة باس تعمال مف اتيح‬
‫مص طنعة أو الم زورة أو المقل دة أو م ع حم ل الس الح طبق ا للم ادة ‪ 351‬ق‪.‬ع وم ا يليه ا‪ ،‬وك ذلك‬
‫الترص د طبق ا للم ادة ‪ 257‬ق‪.‬ع ه و «انتظ ار ش خص لف ترة ط الت أو قص رت في مك ان أو أك ثر‬
‫وذلك إما إلزهاق روحه أو لالعتداء عليه»‪ ،‬هو ظرف يشدد في جرائم القتل والضرب والجرح‪.‬‬
‫‪ -3‬العمل التحضيري كوسيلة اشتراك‬
‫يع اقب على العم ل التحض يري باعتب اره عمال يس اعد على ارتك اب الجريم ة‪ ،‬إذا وق ع من‬
‫شخص وهو يعلم بأنه يساعد ويعاون على ارتكابها‪ ،‬كمن يقدم سالحا للمنفذ أو الفاعل ليساعده‬
‫في تنفي ذ جريمت ه‪ ،‬فيع اقب على تقديم ه ي د المس اعدة ل ه في تنفي ذ جريمت ه ويتحم ل نفس العقوب ة‬
‫المقررة للفاعل األصلي طبقا لقواعد المساهمة الجنائية المقررة في المادة ‪ 41‬ق‪.‬ع وما يليها‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬المرحلة التنفيذية‬
‫بعد استنفاذ الشخص لمرحلتي التفكير والتصميم وعقد العزم على ذلك والحضير المادي‬
‫ل ذلك‪ ،‬ينتق ل لعملي ة تنفي ذ م ا فك ر فس يه وحض ر ل ه بإتي ان فع ل أو أفع ال مادي ة الغ رض منه ا‬
‫الوص ول لغايت ه اإلجرامي ة‪ ،‬فم ا هي األفع ال ال تي يأتيه ا فتعت بر ب دء في التنفي ذ‪ ،‬وم ا هي األفع ال‬
‫ال تي يق وم به ا فيعت بر عمال تحض يريا؟‪ ،‬وبعب ارة أخ رى م ا هي الح دود الفاص لة بين العم ل‬
‫التحض يري والب دء في التنفي ذ خاص ة أنهم ا مرحل تين مت داخلتين اختل ف في تحدي د معي ار التفرق ة‬
‫بينهما‪ ،‬وأحيانا جاء النصوص المنظمة غامضة؟‪ ،‬ولتوضيح ذلك نورد األمثلة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬فتح باب مسكن أو تسلق سوره بغرض سرقته‪.‬‬
‫‪ -‬حفر خندق تحت حائط مسكن بغرض دخوله للسرقة‪.‬‬
‫‪ -‬تعبئة البندقية بالرصاص ووضع اإلصبع على الزناد وتوجيهها نحو المجني عليه‪.‬‬
‫‪ -‬إطالق النار على المجني عليه بنية قتله فال يصاب إال بجروح‪.‬‬
‫لإلجاب ة على ه ذه التس اؤالت لوض ع الح دود الفاص لة بين مرحل تي التحض ير والب دء في‬
‫التنفيذ‪ ،‬وفي ظل غموض النصوص الجزائية بعدم إفصاحها عن البدء في التنفيذ لتعذر حصر ما‬
‫يعت بر من األفع ال محاولة( )‪ ،‬ظه رت تي ارات فقهي ة ح اول ك ل منه ا وض ع معي ار ل ذلك‪ ،‬يمكن‬
‫‪1‬‬

‫تأصيلها لمذهبين هما‪ :‬المذهب المادي والمذهب الشخصي‪.‬‬


‫‪ -1‬المذهب المادي أو الموضوعي‬
‫يعتم د الم ذهب الم ادي في التمي يز بين األفع ال ال تي تعت بر عمال تنفي ذيا وبين األفع ال ال تي‬
‫تعت بر عمال تحض يريا على الوق ائع المادي ة مج ردة‪ ،‬ألنه ا هي ال تي تح دث االض طراب في‬
‫الجماعة‪ ،‬فيكون األساس الذي يستند له المشرع الجزائي في التجريم والعقاب السلوك المادي‪،‬‬
‫ال ذي يعت بر عنص را من عناص ر ال ركن الم ادي( )‪ ،‬دون اهتم ام بشخص ية المج رم وال بنيت ه وم ا‬
‫‪2‬‬

‫‪ -1‬نالح ظ أن ع دم إفص اح المش رعين ص راحة على م ا يعت بر ش روعا وم ا ال يعت بر ك ذلك‪ ،‬يجب أال يفهم من ه ت رك س لطة‬
‫تق دير ذل ك للقاض ي ال ذي يك ون ل ه ال رأي النه ائي في ذل ك‪ ،‬ألن المس ألة تظ ل قانوني ة يخض ع في تق ديرها لرقاب ة المحكم ة‬
‫العليا‪.‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 257‬وما يليها‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫تنطويان عليه من خطورة إجرامية‪ ،‬وهذا يعني أن التمييز بين التحضير والبدء في التنفيذ أساسه‬
‫السلوك اإلجرامي نفسه‪ ،‬فالمحاولة هي البدء في تنفيذ أو البدء في إتيان السلوك المادي المكون‬
‫للجريم ة‪ ،‬ففي جريم ة الس رقة ال يك ون الش خص بادئ ا في تنفي ذها إال إذا ك ان ق د وض ع ي ده على‬
‫الم ال المنق ول الم راد س رقته‪ ،‬وفي الب دء في القت ل ال يك ون إال بإتي ان فع ل ي ؤدي مباش رة إلى‬
‫إزهاق روح إنسان كطعنه بخنجر أو إطالق النار عليه فال يصيبه‪.‬‬
‫ويتم يز الم ذهب الم ادي في التفرق ة بين م ا يعت بر ب دء وم ا ال يعت بر ك ذلك ببس اطة أفك اره‬
‫ووضوحها‪:‬‬
‫أ‪ -‬الوض وح والدق ة وع دم االختالف في ال رأي بش أنها‪ ،‬ألن ه يكفي في تحدي د وج ود الش روع من‬
‫عدمه الرجوع للنص المحدد للنموذج اإلجرامي للقول بقيام الشروع في ارتكاب الجريمة أم ال‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوسعة في حماية الحقوق والحريات الفردية إلى حد عدم العقاب على فعل يأتيه الشخص‪،‬‬
‫ما لم يكن هذا الفعل يعتبر جزء من السلوك المكون للركن المادي للجريمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬تقييد سلطة القاضي الجزائي‪ ،‬بمنعه من التوسع في دائرة األفعال التي يمكن أن تدخل ضمن‬
‫الشروع في الجريمة والمعاقب عليها بهذه الصفة‪.‬‬
‫ورغم هذه الخصائص فإنه لم يسلم من النقد‪ ،‬خاصة من حيث النقص الذي يعتري أفكاره‪،‬‬
‫وعدم إسباغه الحماية الكافية لحق المجتمع في األمن واالستقرار‪ ،‬ألنها أفكار تضيق من نطاق‬
‫الشروع إلى حد إفالت الكثير من الجناة لمجرد أنهم لم يأتوا عمال يدخل في تكوين الركن الم ادي‬
‫للجريمة‪.‬‬
‫ورغم ه ذا إال أن ه ورغم م ا يتم يز ب ه ه ذا الم ذهب لم يس لم من النق د من حيث تض ييقه من‬
‫نطاق المحاولة في الجريمة( ) مما ينقص من فرص الحماية الجزائية للحقوق والحريات‪ ،‬ألنه في‬
‫‪3‬‬

‫جريمتي القتل والسرقة مثال‪ ،‬فال تكون األفعال التي تسبق البدء في ارتكاب الفعل المادي المؤدي‬
‫للوف اة أو الس رقة ال تع دو أن تك ون أعم اال تحض يرية‪ ،‬ال يعت د به ا الق انون لخروج ا عن دائ رة‬
‫التج ريم والعق اب‪ ،‬فمثال من يحف ر خن دقا تحت المس كن لتس هيل عملي ة ال دخول ثم الس رقة‪ ،‬أو من‬
‫يتسلق سور المسكن لنفس الغرض أو ضبط الشخص داخله وهو يفتح الخزانة‪ ،‬ال يعتبر أي منهم‬
‫محاوال الرتكاب السرقة ألنه لم يضع اليد على المال المراد سرقته ( )‪ ،‬انتقاد أصحاب المذهب إلى‬
‫‪2‬‬

‫محاولة تفاديه بالتوسعة في مدلول الشروع في جريمة السرقة وحاالته‪ ،‬بقولهم بأن العمل‬
‫التنفي ذي ه و العم ل ال ذي ي دل بذات ه ومج ردا عم ا يالبس ه من الظ روف على اتج اه إرادة الج اني‬
‫الرتكاب الجريمة‪ ،‬مثل كسر الخزانة بغرض السرقة‪.‬‬
‫وذهب ج انب آخ ر من أنص ار الم ذهب الموض وعي للق ول ب أن الش خص يعت بر في ط ور‬
‫المحاول ة كلم ا أتى فعال يعت بر ظرف ا مش ددا للعق اب في الجريم ة‪ ،‬كظ رف الترص د في القت ل‪،‬‬
‫والتسلق والكسر وحمل السالح في جريمة السرقة‪ ،‬فيعتبر من توافر في سلوكه ظرف منها يعتبر‬
‫ق د ب دأ في تنفيذ الجريم ة دون أن يكون ق د ب دأ في ارتك اب الس لوك المكون للركن الم ادي‪ ،‬وهو‬
‫رأي لم يقدم حال ألن الظروف المشددة هذه ليست عامة فهي ظروف خاصة بجريمة معينة هي‬
‫جريم ة الس رقة‪ ،‬وال يمكن اعتم اده للق ول بكفايت ه لت وافر المحاول ة في الجريم ة ألن عملي تي‬
‫الدخول والتسلق يمكن أن يكونا بغرض السرقة‪ ،‬كما يمكن أن يكونا بغرض آخر كقتل المتواجد‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 263‬وما يليها‪.‬‬
‫‪- P. Bouzat- J. Pinatel: Traité de Droit Pénal Général, 1970, 2e Ed, p. 211 .‬‬
‫‪2‬‬

‫‪105‬‬
‫بالمس كن أو أي غ رض آخ ر‪ ،‬ه ذا باإلض افة إلى أن ه اتج اه ي ؤدي لنت ائج متناقض ة‪ ،‬فطبق ا له ذا‬
‫الرأي‪ ،‬الذي يتسلق حائط المسكن بنية إتيان جريمة السرقة يعتبر شارعا في جريمة السرقة ألن‬
‫التسلق ظرف مشدد‪ ،‬بينما الذي يدخله دون تسلق بنية السرقة ال يعتبر شارعا في السرقة ألنه لم‬
‫يرتكب عمال يدخل في مضمون التعريف القانوني للجريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬المذهب الشخصي‬
‫إن االنتقادات التي وجهت للمذهب الموضوعي كانت منطلقا للمذهب الشخصي الذي اهتم‬
‫بالخطورة اإلجرامية‪ ،‬فخطورة الشخص هي مصدر اضطراب وعدم سكينة المجتمع ألن الفعل‬
‫الم ادي ال يع دو أن يك ون كاش فا لم دى تل ك الخط ورة ال تي تمثله ا شخص ية الفاع ل‪ ،‬ففي نظ ر‬
‫أنصاره ال يكون السلوك إال قرينة كاشفة عن نية الشخص وإ رادت ه في اقتراف الجريمة‪ ،‬فكل‬
‫فع ل يكش ف عن الني ة وم دى خطورته ا اإلجرامي ة إال واعت بر الق ائم ب ه ق د ب دأ في التنفي ذ‪ ،‬ألن ه‬
‫مذهب ال يربط المحاولة وقيامها بارتكاب السلوك المكون للركن المادي‪ ،‬فالعقاب في ظله ليس‬
‫جزاء لمخالفة الفاعل أمر القانون أو نهيه‪ ،‬وإ نما بغرض مواجهة الخطورة اإلجرامية‪.‬‬
‫وقد تعددت التعريفات التي قيلت في المحاولة لدى أنصار المذهب الشخصي‪ ،‬فعرفوه «هو‬
‫كل فعل يكون قريبا من الجريمة بحيث يمكن القول بأن الجاني قد أقفل باب الرجوع عن فعله‬
‫واض طلع بمخ اطره( )»‪ ،‬وعرف وه أيض ا «الفع ل ال ذي يخط و ب ه الج اني نح و تحقي ق مش روعه‬
‫‪1‬‬

‫اإلج رامي خط وة حاس مة ال رجع ة فيها( )»‪ ،‬وع رف «ه و ك ل س لوك ي ؤدي ح اال ومباش رة إلى‬
‫‪2‬‬

‫الجريمة( )‪ ،‬كتصويب السالح تجاه المجني عليه بنية القتل‪ ،‬فيعتبر شروعا في جريمة القتل»‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال البعض بتوسيع نطاق المحاولة بعدم اشتراط «أن يؤدي السلوك حاال» فقالوا بكفاية‬
‫أن يؤدي السلوك مباشرة إلى الجريمة‪ ،‬ألن من طبيعة بعض األفعال التي تقوم بها المحاولة قد‬
‫تتطلب وقتا كافيا لوقوعها‪ ،‬فمثال حفر خندق أو نفق تحت سياج المسكن لتسهيل عملية ال دخول ال‬
‫يمكن اعتباره محاولة إذا كانت المحاولة يشترط فيها أن يؤدي حاال للجريمة‪.‬‬
‫موقف المشرع الجزائري‬
‫إذا كانت المادة ‪ 30‬من قانون العقوبات تنص «كل محاولة تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو‬
‫بأفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها( )»‪ ،‬فإنها تقرر وضعين‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -‬البدء بالشروع في التنفيذ‪،‬‬


‫‪ -‬أفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة الرتكاب الجريمة‪.‬‬
‫فه و لم يحص ر المحاول ة في الب دء في التنفي ذ فق ط بارتك اب الس لوك المك ون لل ركن الم ادي‬
‫للجريمة‪ ،‬بل اعتبر صورا أخرى من األفعال ال تتميز بالبدء في التنفيذ محاولة الرتكاب الجريمة‬
‫ب القول بأنه ا محاول ة ك ل فع ل ال لبس في ه ي ؤدي مباش رة الرتك اب الجريم ة‪ ،‬وه و به ذا يعتن ق‬
‫المذهب الشخصي أو اإلرادي إلضفائه وصف المحاولة على كل فعل ال لبس فيه يؤدي مباشرة‬
‫لقي ام الجريم ة‪ ،‬فوس ع في مفه وم المحاول ة ونطاقه ا إلى أبع د من الب دء في تنفي ذ الفع ل الم ادي‬
‫المك ون للجريم ة إلى األفع ال ال تي من ش أنها أن ت ؤدي مباش رة الرتك اب الجريم ة‪ ،‬وبالت الي‬
‫‪1‬‬
‫‪- G. Vidal- J. Magnol: Cours de Droit Criminel et de Science Pénitentiaire. T1 1947. P 156‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Donnedieu de Vabres: Traité Elémentaire....P. 232.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Garraud: Traité Théorique et pratique du Droit Pénal Français, t1, Paris 1931, P. 494.‬‬
‫‪ -4‬أنظر المادة ‪ 31‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫التوس عة من نط اق الحماي ة الجزائي ة للحق وق والمص الح لتوس عته للمحاول ة لتش مل الكث ير من‬
‫األفعال التي تعتبر في المذهب الموضوعي تحضيرا‪ ،‬وهذا كله انطالقا من حكم المادة ‪ 30‬من‬
‫ق انون العقوب ات «ك ل محاول ة تبت دئ بالش روع في التنفي ذ»‪« ،‬أو بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي‬
‫مباشرة»‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬وقف التنفيذ أو خيبة األثر‬
‫بالرجوع لنص المادة ‪ 30‬ق‪.‬ع «كل محاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ‬
‫أو بأفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها‬
‫إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة الج اني ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود بس بب‬
‫ظرف م ادي يجهل ه مرتكبها( )»‪ ،‬نج د أن المحاول ة مقترن ة ب أن تك ون األفع ال ت ؤدي مباش رة ولم‬
‫‪2‬‬

‫تشترط المادة أو تؤدي حاال‪ ،‬وأن تجريمها والعقاب عليها مقترن بمدى وجود العدول الذي تدفع‬
‫له عوامل خارجية أو داخلية‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الجريمة الموقوفة‬
‫تع رف الجريم ة الموقوف ة أيض ا بالمحاول ة الناقص ة‪ ،‬وتع ني ع دم ارتك اب الفاع ل جمي ع‬
‫األفعال الالزمة إلحداث النتيجة اإلجرامية‪ ،‬بسبب تدخل عامل أجنبي أو خارج عن إرادته‪ ،‬فمثال‬
‫إذا هم شخص بقتل شخص ثان بطعنه بخنجر‪ ،‬أو بإطالق الرصاص عليه‪ ،‬فيتدخل شخص ثالث‬
‫ويمسك بيده فيمنعه من الطعن أو إطالق النار فتوقف الجريمة وال تقع النتيجة‪ ،‬أي أنه لم يستنفذ‬
‫فيه ا الفاع ل ك ل النش اط اإلج رامي الالزم لحص ول النتيج ة‪ ،‬إال الفاع ل أحيان ا ق د يع دل عن إتم ام‬
‫سلوكاته التي تحقق الجريمة فيقف عند بعضها‪ ،‬فهل تعتبر محاولة موقوفة وما هو حكمها في‬
‫القانون‪ ،‬وهو ما يطرح في فكرة العدول‪.‬‬
‫العدول وحكـمه‬
‫العدول نوعان‪ ،‬عدول اختياري وآخر اضطراري‪ ،‬فاألول هو الذي يتم بإرادة الجاني الذي‬
‫يختار سبيل عدم إتمام الجريمة‪ ،‬بعد أن بدأ في عملية التنفيذ‪ ،‬وبغض النظر عن الدافع أو ال دوافع‬
‫ال تي دفعت ب ه ل ذلك بع دم االس تمرار في التنفي ذ‪ ،‬كالن دم أو الش فقة أو الخ وف أو الخش ية من‬
‫العقاب‪ ،‬المهم أنها ذاتية أو نفسية لم تدفع لها مؤثرات خارجية كأن يرى الشرطة تقوم بدورية‬
‫ق رب المسكن المراد سرقته‪ ،‬أو يتفطن لوجوده أصحاب المسكن داخل ه‪ ،‬وهو عدول ال يتصور‬
‫إال في الج رائم الموقوف ة حيث أن الج اني لم يقم بك ل النش اط اإلج رامي‪ ،‬فيك ون أمام ه فرص ة‬
‫االختيار بين االستمرار في التنفيذ وبين وقفه‪ ،‬فيحدث أثره القانوني بعدم العقاب متى تم اختياريا‬
‫من تلقاء نفس الفاعل دون أن يدفعه أي عامل خارجي لذلك‪ ،‬ومن صور العدول االختياري مثال‬
‫في جريم ة الس رقة ك أن يتس لق الس ارق ج دار المس كن أو يقتحم باب ه فيدخل ه‪ ،‬ثم ي تراجع بمحض‬
‫إرادت ه عن إتم ام جريمت ه‪ ،‬أو ك أن يس تعد الش خص في جريم ة القت ل إلطالق الن ار على المج ني‬
‫عليه ثم يعدل بحرية عن إتمامها بعدم إطالق النار‪.‬‬
‫أما إذا كان العدول تم بعد قيام الجاني بجميع نشاطه اإلجرامي‪ ،‬أي العدول الذي يتم في‬
‫الشروع التام فال يوصف بالعدول الذي نعنيه من حيث تأثيره في عدم عقاب من عدل‪ ،‬ويطلق‬
‫عليه الفقه الجنائي مصطلح «التوبة»‪ ،‬كمن يقوم بسرقة ثم يرد األشياء المسروقة لمكانه نتيجة‬
‫‪ -2‬الح ظ نص الم ادة ‪ 45‬عقوب ات مص ري «الش روع ه و الب دء في تنفي ذ فع ل بقص د ارتك اب جناي ة أو جنح ة إذا وق ف أو‬
‫خاب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها‪».‬‬
‫‪107‬‬
‫ص حوة في الض مير‪ ،‬أو كمن يعطي س ما لغريم ه فيتن اول ه ذا األخ ير‪ ،‬ليس تيقظ في ه الض مير‪،‬‬
‫فيش عر بالن دم‪ ،‬فيق وم بنق ل المج ني علي ه إلى المستش فى فيس عف‪ ،‬ه ذا الع دول ال ذي ي أتي عقب‬
‫االنته اء من ك ل النش اط المج رم ال أث ر ل ه على العق اب‪ ،‬بحيث يظ ل من يع دل في مث ل تل ك‬
‫األوض اع مس ؤوال عن ش روعه في الجريم ة ‪-‬وق د س بق الق ول أن أهمي ة التفرق ة بين ن وعي‬
‫الشروع تبدو في أثر العدول االختياري في كل منهما‪.-‬‬
‫نالح ظ أن التوب ة يمكن أن يأخ ذ به ا القاض ي في تق ديره للعقوب ة‪ ،‬باعتباره ا من الظ روف‬
‫المخفف ة للعق اب طبق ا لنص الم ادة ‪ 53‬ق‪.‬ع ال تي تنص «يج وز تخفيض العقوب ات المنص وص‬
‫عليها قانونا بالنسبة للشخص الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة‪»...‬‬
‫ثانيا‪ -‬الجريمة الخائبة‬
‫وتعرف أيضا بالشروع التام‪ ،‬وفيها الجاني يقوم بكل األفعال التي من شأنها الوصول به‬
‫للنتيج ة ال تي أراده ا‪ ،‬وبعب ارة أخ رى إتي ان جمي ع األفع ال الالزم ة لح دوثها ورغم ذل ك ال تتحق ق‬
‫النتيجة بخيبة أثرها ألسباب خارجة عن إرادة الجاني‪ ،‬كمن يطلق النار على شخص بنية قتله فال‬
‫يص يبه لع دم الدق ة في التص ويب مثال‪ ،‬أو لت دخل ش خص ث الث ح ال بين ه وبين اإلص ابة‪ ،‬أو كمن‬
‫يضع سما في طعام بغرض القتل‪ ،‬فيتناوله المجني عليه‪ ،‬ولكن الوفاة لم تحدث إلسعافه‪.‬‬
‫وبالنسبة للجريمة الخائبة فال يجوز القول بأن من حاول ارتكاب الجريمة فخاب أثرها ثم‬
‫حاول أن يصلح ما قام به كمحاولة اسعاف المجني عليه مثال أنه عدل عنها‪ ،‬فال أثر له في قيام‬
‫المحاولة والمسؤولية الجزائية عليها‪ ،‬إال أنه يمكن وصف ذلك ب ـ «التوبة»‪ ،‬كمن يقوم بسرقة مال‬
‫ثم يرد األشياء المسروقة لمكانها نتيجة صحوة في الضمير‪ ،‬أو كمن يعطي سما لغريمه فيتناول‬
‫ه ذا األخ ير الس م فيص حو ض مير الفاع ل فيش عر بالن دم فيق وم بنق ل المج ني علي ه إلى المستش فى‬
‫إلسعافه فيسعف‪ ،‬عدول يأتي عقب االنتهاء من كل النشاط المجرم فال أثر له على العقاب فيظل‬
‫من يت وب أو يع دل مس ؤوال عن المحاول ة‪ ،‬م ع مالحظ ة أن التوب ة يمكن أن يأخ ذ به ا القاض ي‬
‫الج زائي في تق ديره للعقوب ة كظ رف من الظ روف المخفف ة للعق اب طبق ا لنص الم ادة ‪ 53‬ق‪.‬ع‬
‫ال تي تنص «يج وز تخفيض العقوب ات المنص وص عليه ا قانون ا بالنس بة للش خص الط بيعي ال ذي‬
‫قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة‪.»...‬‬
‫وعلي ه ف رغم الف روق بين المح اولتين‪ ،‬الجريم ة الموقوف ة والجريم ة الخائب ة‪ ،‬يجم ع بينهم ا‬
‫ع دم تحقيق النتيج ة المرج وة من الفع ل في ك ل منهم ا‪ ،‬فلم يص ل فيهم ا الج اني للهدف اإلجرامي‬
‫بسبب عوامل بشرية أو مادية ال دخل إلرادة الجاني فيها‪ ،‬ويعتبر في الحالين شارعا أو محاوال‬
‫الرتكاب الجريمة‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ -‬القـصـد الجنائـي‬
‫ال تختل ف المحاول ة من حيث ركنه ا المعن وي عن الجريم ة التام ة‪ ،‬فيجب ت وافر عنص ر‬
‫القص د الجن ائي ومفهوم ه فيه ا كم ا ه و مق رر في الجريم ة التامة( )‪ ،‬فال تكتم ل المحاول ة إال‬
‫‪1‬‬

‫باكتماله‪ ،‬وهو اتجاه اإلرادة إلحداث النتيجة اإلجرامية بارتكاب جريمة تامة جناية أو جنحة( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫كمن يريد القتل فالمحاول رغم خيبته أو توقفه االضطراري عن مواصلة القيا بأفعاله أن تكون‬

‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ 16‬فبراير ‪ ،1988‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪.221‬‬


‫‪ -2‬نقض جزائي ‪ 19‬يناير ‪ ،1982‬نشرة القضاة‪ ،‬عدد ‪ ،1‬يناير ‪ ،1985‬ص ‪.90‬‬
‫ونالحظ أن عدم انصراف النية الرتكاب الجريمة‪ ،‬ال يجوز معه مساءلة الشخص عن الشروع فيها‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫نيت ه إزه اق روح المج ني علي ه‪ ،‬ف إذا اتجهت لغير ذل ك فال وجود للمحاول ة‪ ،‬فال فرق بينه ا وبين‬
‫الجريم ة التامة إال في عنصر من عناصر الركن المادي وهو عدم تحقق النتيج ة في المحاولة‪،‬‬
‫فمثال المحاول ة في الس رقة يتطلب ت وافر قص د أخ ذ م ال ممل وك للغ ير بني ة تملك ه وه و نفس‬
‫المطل وب في الس رقة التام ة‪ ،‬وفي جريم ة القت ل يتطلب ت وافر ني ة إزه اق روح إنس ان حي وه و‬
‫نفسه القصد في الشروع في جريمة القتل( )‪ ،‬إال أن الفرق بينهما يكمن في أن النتيجة تحققت في‬
‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫الجريمة التامة‪ ،‬ولم تتحقق في الشروع لوقف التنفيذ أو لخيبة األثر‪ ،‬وعليه فإن القصد الجنائي‬
‫يفترض قيام شرطين‪:‬‬
‫أوال‪ -‬إرادة إحداث نتيجة إجرامية‬
‫يجب أن تتج ه إرادة من يح اول ارتك اب الجريم ة إلى ارتك اب الجريم ة التام ة فتوق ف أو‬
‫يخب أثره ا‪ ،‬فال يمكن الق ول بوج ود محاول ة في الجريم ة إذا ك انت الني ة متجه ة لمج رد الش روع‬
‫فيها‪ ،‬ألن تصور اتجاه اإلرادة إلى جريمة غير تامة غير قائم‪ ،‬فإذا ثبت أن متهما لم تتجه إرادته‬
‫إلى الجريمة التامة( )‪ ،‬كالقتل مثال‪ ،‬فال يسأل عن الشروع في القتل‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع أن يسأل‬
‫‪3‬‬

‫عن األفعال التي قام بها متى قامت بها جريمة أخرى‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬اتجاه اإلرادة الرتكاب جريمة معينة‬
‫وهي نتيج ة مترتب ة عن الش رط األول‪ ،‬فالمحاول ة يجب أن يك ون القص د الجن ائي في ه ه و‬
‫نفس ه القص د في الجريم ة التام ة‪ ،‬فال يتص ور الش روع مج ردا‪ ،‬أي يجب انص راف الني ة إلى‬
‫ارتكاب جريمة معينة( )‪ ،‬فمن يدخل مسكنا مع عدم توافر نية ارتكاب جريمة معينة بذاتها‪ ،‬فال‬
‫‪4‬‬

‫يس أل عن محاول ة س رقة‪ ،‬إال أن ه ذا ال يمن ع أن يس أل عن جريم ة انته اك المس كن طبق ا للم ادة‬
‫‪ 135‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫المطلب الثاني– االستحالة وحكمها‬
‫تنص المادة ‪ 30‬ق‪.‬ع «كل محاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال‬
‫ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة إلى ارتكابه ا تعت بر كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب أثره ا إال‬
‫نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف‬
‫مادي يجهله مرتكبها‪ ،».‬وهو النص الذي يطرح فكرة استحالة تحقيق الشارع في الفعل المجرم‬
‫لجريمته مهما فعل‪ ،‬وهو ما يسمى بالجريمة المستحيلة‪ ،‬فما هي هذه الجريمة وما هو حكمها؟‬
‫قبل التعرض لحكم االستحالة نعرف باالستحالة وأنواعها‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬التعريف بالجريمة المستحيلة‬

‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ 19‬يناير ‪ ،1982‬نشرة القضاة‪ ،‬عدد ‪ ،1‬يناير ‪ ،1985‬ص ‪.90‬‬


‫ونالحظ أن عدم انصراف النية الرتكاب الجريمة‪ ،‬ال يجوز معه مساءلة الشخص عن الشروع فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬وتب دو أهمي ة اش تراط القص د الج زائي في محاول ة ارتك اب جناي ة أو جنح ة‪ ،‬أن المحاول ة ال تك ون إال في الج رائم العمدي ة‪ ،‬ول ذلك ال‬
‫يمكن تص ور المحاول ة في المخالف ات‪ ،‬ألنه ا ج رائم في األص ل ع دم قي ام ركنه ا المعن وي على القص د الج زائي وإ نم ا تق وم على الخط إ‬
‫نتيجة اإلهمال‪ ،‬الرعونة‪ ،‬عدم االحتياط‪ ،‬عدم االنتباه‪...‬‬
‫‪ - 3‬فمثال إذا تسلق شخص حائط منزل أو كسر بابه ودخله‪ ،‬ولم تتوافر لديه نية ارتكاب جريمة السرقة‪ ،‬فال يعد شارعا في‬
‫الس رقة‪ ،‬رغم أن الفعلين من الناحية المادية يعتبران شروعا طبقا للمذهب الشخصي‪ ،‬ألنه يجب أن يتوافر القصد الجنائي‬
‫لدى فاعلهما بنيته التي تتجه الرتكاب السرقة‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع أن يسأل عن فعله أو فعليه متى قامت به أو بهما جريمة‬
‫أو جريمتان كانتهاك حرمة مسكن الغير‪ ،‬إذا كانت اإلرادة الصادرة عنه تصلح لقيام أي من الجرائم‪.‬‬
‫‪ -4‬على المحكمة أن تبين في حكمها أن الشروع كان بقصد ارتكاب جريمة معينة بذاتها‪ ،‬فمثال دخول مسكن الغير بدون‬
‫رضاه‪ ،‬قد يكون بقصد السرقة وقد يكون بقصد إجرامي آخر‪ ،‬وبالتالي على المحكمة إبراز الغاية من الدخول‪ ،‬فال يكفي‬
‫القول بوجود غاية إجرامية ألن القانون يختلف موقفه بين ما إذا كانت الجريمة جريمة سرقة أو أي جريمة أخرى‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫الجريم ة المس تحيلة هي الجريم ة ال تي لم يكن بإمك ان الفاع ل أو باس تطاعته رغم قيام ه‬
‫بالنش اط اإلج رامي ك امال تحقي ق النتيج ة‪ ،‬أي يس تحيل تنفي ذها إم ا بس بب ع دم ص الحية الوس يلة‬
‫المستعملة في التنفيذ وإ ما بسبب انعدام المحل المقصود تنفذ فيه الجريمة‪ ،‬فالجريمة المستحيلة إذا‬
‫كان الجاني يقوم فيها بكل النشاط اإلجرامي في سبيل تنفيذ جريمته لبلوغ الهدف المقصود‪ ،‬فإنها‬
‫ال تتحقق أصال بسبب ظرف مادي يجهله‪ ،‬وهي تتفق مع الجريمة الخائبة من حيث أنها جريمة‬
‫غير تامة لتخلف النتيجة اإلجرامية فيها( )‪ ،‬ولذلك يقال بأن الجريمة المستحيلة صورة للجريمة‬
‫‪1‬‬

‫الخائبة‪ ،‬إال أنهما تختلفان من حيث أن عدم تحقق النتيجة في الجريمة المستحيلة مرجعه استحالة‬
‫وقوعه ا ابت داء في الظ روف ال تي ق ام فيه ا الج اني بنش اطه اإلج رامي‪ ،‬كمن يعطي لغريم ه م ادة‬
‫يعتقد أنها سم قاتل وهي ليست كذلك أو محاولة سرقة مال يعتقد أنه مملوك لغيره في حين أن‬
‫المال ملك له‪ ،‬أما الجريمة الخائبة فهي ممكنة التحقيق في نفس الظروف ولكنها تخيب من حيث‬
‫األثر‪ ،‬كمن يطلق النار على شخص بغرض قتله فال يصيبه في مقتل لسوء التسديد مثال‪ ،‬فتخيب‬
‫الجريمة لعدم حسن استعماله الوسيلة مثال‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬أنواع االستحالة وحكمها‬
‫تكون االستحالة استحالة مطلقة‪ ،‬وقد تكون استحالة نسبية‪ ،‬وقد ترجع هذه االستحالة في‬
‫تنفيذ الجريمة للوسيلة التي يستعملها المجرم‪ ،‬وقد تكون االستحالة المطلقة من حيث الموضوع‪،‬‬
‫وهي الحالة التي ينعدم فيها محل الجريمة‪ ،‬كمن يطلق النار عمدا بقصد القتل على شخص يعتقد‬
‫أن ه حي ف إذا ب ه ش خص ميت قب ل ذل ك‪ ،‬أو كمن يس رق م اال مملوك ا ل ه معتق دا أن ه م ال ممل وك‬
‫لغ يره‪ ،‬أم ا االس تحالة المطلق ة من حيث الوس يلة‪ ،‬فتك ون حيث الوس يلة المس تعملة في التنفي ذ غ ير‬
‫ص الحة لتحقي ق النتيج ة المرج و تحقيقه ا بالفع ل‪ ،‬كمن يس تعمل بندقي ة غ ير ص الحة إلطالق‬
‫المقذوف على شخص يريد قتله‪ ،‬أو كمن يضع مادة غير سامة في طعام من يريد قتله‪.‬‬
‫أما االستحالة النسبية فهي استحالة تعني عدم إمكان تحقيق النتيجة في مثل تلك الظروف‬
‫ال تي ارتكب في ه الفع ل‪ ،‬وبالت الي ل و تغ يرت تل ك الظ روف ألمكن تحقي ق النتيج ة‪ ،‬وتتن وع ه ذه‬
‫االستحالة إلى استحالة من حيث الموضوع‪ ،‬كمن يطلق النار على شخص بقصد قتله في المكان‬
‫ال ذي اعت اد الجل وس في ه‪ ،‬فال يك ون لحظ ة إطالق المق ذوف موج ودا في نفس المك ان فال تتحق ق‬
‫النتيج ة‪ ،‬أو كمن يض ع كمي ة غ ير كافي ة من الس م في طع ام غريم ه بني ة قتل ه فيتن اول الس م وال‬
‫تتحقق الوفاة‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقه( ) بشأن العقاب على الجريمة المستحيلة‪ ،‬والتفرقة بين أنواع االستحالة؟‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فظهرت آراء فقهية مختلفة خاصة في ظل عدم نص المشرعين على حكم لها ونصهم فقط على‬
‫حكم الجريمة الخائبة والموقوفة‪ ،‬ويمكن تأصيل هذه اآلراء الفقهية ألربعة هي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬عدم العقاب بصفة مطلقة‬
‫تهتم النظري ة التقليدي ة بالج انب الم ادي أو الموض وعي في الجريم ة‪ ،‬وبالت الي ع دم ج واز‬
‫العقاب على الجريمة المستحيلة التنفيذ ابتداء‪ ،‬ألنه ليس في مثل هذا النوع من السلوكات ما يهدد‬
‫‪ -1‬نالح ظ وج ود تط ابق بين الجريم ة الخائب ة والجريم ة المس تحيلة في إح دى ص ورها‪ ،‬وهي االس تحالة النس بية كمن يري د‬
‫سرقة شخص فيدخل يده في جيبه فال يجد شيئا فيه‪ ،‬لوجد حافظة النقود في الجيب اآلخر‪ ،‬وهو مثال يصدق عيه الوصفين‬
‫الخائبة واالستحالة النسبية في نفس الوقت‪ ،‬فلم يكن باإلمكان أن تقع الجريمة دون تغيير في الظروف‪.‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 373‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 337‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬سامي النصراوي‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي‪ ،...‬ص ‪ 272‬وما يليها‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫المجتم ع واألف راد ومص الحهما المحمي ة بإيق اع ض رر م ادي ه ذا من جه ة‪ ،‬ومن جه ة أخ رى ال‬
‫يمكن تص ور الب دء في تنفي ذ مس تحيل‪ ،‬فال تك ون األفع ال المرتكب ة ش يئا غ ير التعب ير عن ني ة‬
‫إجرامية‪ ،‬ال يعتد بها القانون وحدها مجردة دون أن يكون هناك بدء في التنفيذ‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬النظرية الوضعية أو النظرية الشخصية‬
‫ي ذهب أنص ار النظري ة الوض عية ‪-‬وهم يس تندون في فك رهم على الني ة اإلجرامي ة وم دى‬
‫خطورتها‪ -‬إلى تعميم العقاب على جميع صور االستحالة‪ ،‬فال جدوى من التفرقة بين ما إذا كان‬
‫إتم ام الجريم ة ممكن ا أو مس تحيال‪ ،‬م ا دام أن الج اني ق د ق ام بأفع ال مادي ة يق وم به ا ال دليل على‬
‫وجود النية اإلجرامية وعزم صاحبها على تجسيدها في الواقع‪ ،‬ألن اإلرادة اإلجرامية هي التي‬
‫يتجه القانون إليها للعقاب على المحاولة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ثالثا‪ -‬التفرقة بين أنواع االستحالة‬


‫ي رى ج انب من الفق ه الجن ائي وج وب التفرق ة بين أن واع االس تحالة( )‪ ،‬فيق ررون العق اب‬
‫‪3‬‬

‫على نوع‪ ،‬وع دم العق اب على نوع منه ا‪ ،‬وه و رأي يتفق في رؤيت ه م ع الرأي ال ذي يقول بعدم‬
‫العق اب على الجريم ة المس تحيلة المطلق ة‪ ،‬والعق اب على الجريم ة المس تحيلة اس تحالة نس بية‪ ،‬ه ذا‬
‫النوع من االستحالة ال يك ون في حقيقة أمره إال جريمة خائبة ت دخل تحت طائل ة النص الجنائي‬
‫المق رر للش روع‪ ،‬وق د انتق د ه ذا ال رأي لع دم منطقيت ه‪ ،‬ألن الجريم ة إم ا أن تك ون ممكن ة أو‬
‫مستحيلة‪ ،‬وليس هناك درجات لالستحالة( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫رابعا‪ -‬االستحالة المادية والقانونية‬


‫ينطلق أنصار هذا الرأي من اتفاقهم مع مذهب النظرية الوضعية التي تقرر وجوب العق اب‬
‫على الجريمة المستحيلة دون ما تفرقة بين ما إذا كانت مستحيلة نسبيا أو مطلقا‪ ،‬ولكنهم يختلفون‬
‫معهم بالنس بة للجريم ة المس تحيلة اس تحالة قانونية ( )‪ ،‬فال يج وز العق اب عليه ا لع دم وج ود وج ه‬
‫‪4‬‬

‫لتج ريم نش اط الفاع ل النتف اء الحكم ة من التج ريم‪ ،‬ألن االس تحالة القانوني ة تنش أ من انع دام أح د‬
‫عناصر الجريمة كما عرفها القانون‪ ،‬فالقتل هو إزهاق روح إنسان على قيد الحياة‪ ،‬فإطالق النار‬
‫على شخص ميت من قبل‪ ،‬أو سرقة منقوالت يعتقد الفاعل أنها ملك للغير وهي ملك له أو آلت‬
‫إلي ه بطري ق الم يراث‪ ،‬وفي القت ل بالس م كمن يض ع في طع ام غريم ه م ادة يعتق د أنه ا م ادة س امة‬
‫وهي في حقيقتها غير سامة‪ ،‬ففي هذه السلوكات جميعا ينقصها عنصر من عناصر قيام أي منها‬
‫من الناحية القانونية‪ ،‬وهي إزهاق الروح‪ ،‬ملكية الشيء المراد سرقته للغير‪ ،‬المادة السامة‪ ،‬في‬
‫حين يق ررون العق اب على الجريم ة المس تحيلة مادي ا المطلق ة والنس بية‪ ،‬وهي اس تحالة مرجعه ا‬
‫س بب أو ظ رف م ادي ال علم للج اني ب ه يح ول بين الفاع ل وبين تحقيق ه لغرض ه اإلج رامي وه و‬
‫ارتكاب الجريمة رغم توافر عناصر تحقيقها‪ ،‬كمن يطلق النار على شخص لم يوجد في المكان‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.381‬‬
‫‪Donnedieu de vabres: Traité de droit criminel et de législation..., no 252, p 142.‬‬
‫‪Emile Garçon: Code pénal annoté, 1952, art 3, no 111.‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 373‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 336‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪ 179‬وما يليها‪.‬‬
‫‪R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal français, t 1, no 242, p 516.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.375‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.181‬‬
‫‪ - 4‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.381‬‬
‫‪.R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal français, t 1, no 242, p 516‬‬
‫‪111‬‬
‫الذي اعتاد الوقوف به‪ ،‬أو كمن يدخل المسكن بغرض السرقة فيفتح الخزانة فيجدها فارغة‪ ،‬أو‬
‫كمن يعطي م ادة سامة( ) بقدر ال يص لح للقت ل ال ع اجال وال آجال‪ ،‬ففي ك ل هذه األمثل ة الجريم ة‬
‫‪5‬‬

‫مستحيلة من الناحية المادية ال تمنع من المساءلة الجزائية‪.‬‬


‫الفرع الثالث ‪ -‬موقف المشرع الجزائري‬
‫انطالق ا من حكم الم ادة ‪« 30‬ك ل مح اوالت الرتك اب جناي ة تبت دئ بالش روع في التنفي ذ أو‬
‫بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة إلى ارتكابه ا تعت بر كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب‬
‫أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود‬
‫بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها» نعتقد بأن المشرع الجزائري ال يميز بين أنواع االستحالة‪،‬‬
‫فيعاقب على كل محاولة الرتكاب الجريمة حتى وإ ن كانت الجريمة مستحيلة‪ ،‬ألنه يعتمد المذهب‬
‫الشخصي في هذا المجال‪ ،‬ودليلنا في ذلك العبارات المستعملة في آخر المادة السابقة «حتى ولو‬
‫لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود بس بب ظ رف م ادي يجهل ه مرتكبه ا»‪ ،‬وم ا يق رره من أحك ام في‬
‫الم ادتين ‪ 260 ،304‬من ق انون العقوب ات الل تين تؤسس ان الس تثناء بعض الح االت من الجريم ة‬
‫المس تحيلة بع دم المعاقب ة ع ل اإلجه اض ومحاول ة القت ل بم ادة غير س امة آجال أو ع اجال‪ ،‬وي رى‬
‫األس تاذ ال دكتور عب د اهلل س ليمان( ) أن الحكم ال وارد في الم ادة ‪ 260‬ق‪.‬ع قاع دة عام ة وليس‬
‫‪3‬‬

‫استثناء‪« ،‬فالنص هنا يمكن أخذه كقاعدة عامة وليس استثناء ويدل بوضوح على أن المشرع يعتد‬
‫بالوس يلة‪ ،‬ف إذا ك انت الوس يلة ال يمكن أن ت ؤدي إلى الوف اة مطلق ا بمع نى أنه ا بغض النظ ر عن‬
‫كميتها أو طريقة استعمالها غير صالحة لتحقيق النتيجة تماما فال شروع وال عقاب»‪« ،‬ونرى أن‬
‫خطة المشرع في هذا تتوافق مع اآلراء التوفيقية التي تميز بين االستحالة المطلقة والتي ال يعتد‬
‫بالشروع فيها‪ ،‬واالستحالة النسبية والتي يعتد بالشروع فيها»‪.‬‬
‫وهنا نالحظ أنه إذا كان حكم المادة ‪ 260‬يعتبر قاعدة عامة‪ ،‬فماذا يكون الحكم الذي تقرره‬
‫الم ادة ‪ 30‬ب النص «‪...‬كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة‬
‫عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها»‪،‬‬
‫وإ ذا كان المشرع الجزائري يميز بين نوعي االستحالة المطلقة والنسبية‪ ،‬فإن حكم المادة ‪260‬‬
‫جاء في القسم الخاص من قانون العقوبات وحكم المادة ‪ 30‬جاء في األحكام العامة‪ ،‬وتعميم حكم‬
‫األولى ال يتسق وحكم المادة ‪ 30‬من القانون الذي هو حكم عام‪.‬‬
‫ومنه تعامل الجريمة المستحيلة معاملة المحاولة عموما طبقا للمادة ‪ 30‬من قانون العقوبات‬
‫إال في حال ة وض ع الق انون الس تثناء عليه ا ص راحة كم ا فع ل في الم ادتين ‪ ،260 ،304‬فالم ادة‬
‫‪ 304‬فال عقوبة على من يحاول اجهاض امرأة غير حامل أو ال يفترض حملها فتنص «كل من‬
‫أجهض ام رأة ح امال أو مف ترض حمله ا بإعطائه ا م أكوالت أو مش روبات أو أدوي ة أو باس تعمال‬
‫طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك‬
‫يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من ‪ 20.001‬إلى ‪ 100.000‬دينار»‪ ،‬ومما‬
‫يؤك د ه ذا ال رأي الم ادة ‪ 273‬ال تي تنص «ك ل من س اعد عم دا شخص ا في األفع ال ال تي تس اعده‬
‫على االنتحار أو تسهله له أو زوده باألسلحة أو السم أو باآلالت المعدة لالنتحار مع علمه بأنها‬
‫س وف تس تعمل في ه ذا الغ رض يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات إذا نف ذ االنتح ار»‪،‬‬

‫‪ - 5‬الحظ أن المشرع الجزائري قد وضع حكما خاصا لمثل هذه الحالة في المادة ‪ 260‬ق‪.‬ع‪ ،‬فليس هناك جريمة قتل بالسم‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.184-183‬‬
‫‪112‬‬
‫والمادة ‪ 260‬تنص «التسميم هو االعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة‬
‫عاجال أو آجال أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها»‪.‬‬
‫وفي األخير نالحظ أنه ال يمكن أن يختلف اثنان حول وجوب استثناء االستحالة القانونية‪،‬‬
‫وهو انتفاء أحد العناصر المكونة للجريمة‪ ،‬من هذه األحكام‪ ،‬ألن عدم العقاب عليها يؤسس على‬
‫ع دم اكتم ال أرك ان الجريم ة بتخل ف عنص ر من عناص رها المق ررة قانون ا‪ ،‬مثال من يطل ق الن ار‬
‫على جثة إنسان لفضت أنفاسها قبل ذلك‪ ،‬أو كمن يأخذ ماال مملوكا له معتقدا أنه ملك لغيره‪ ،‬ففي‬
‫الحال ة األولى ال يتص ور قي ام جريم ة قت ل وال الش روع فيه ا ألن ه ليس هن اك ال فع ل القت ل وال‬
‫الشروع فيه‪ ،‬وفي الحالة الثانية أيضا‪ ،‬ال تقوم جريمة السرقة وال الشروع فيها أيضا‪ ،‬ألن كال‬
‫من الفاعل أو الشارع في السلوكين السابقين ‪-‬القتل والسرقة‪ -‬يسعى إلى تحقيق وضع ال يجرمه‬
‫القانون الجنائي وال يعاقب عليه‪ ،‬أو بعبارة أخرى عدم انطباق السلوكين على ما يقرره القانون‬
‫من نماذج إجرامية في المادتين ‪ 350 ،254‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ -‬نطاق المحاولة والعقاب المقرر لها‬
‫إذا كانت التشريعات الجنائية تختلف فيما بينها حول تحديد نطاق الشروع والعقاب المقرر‬
‫ل ه‪ ،‬فإن ه س نتعرض لمج ال تج ريم الش روع في الجناي ات والجنح بتحدي د الج رائم المش مولة ب ه‪،‬‬
‫ودرجة العقوبة أو مقدارها المقررة للمحاولة‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬نـطـاق المحاولة‬
‫تقسم الجريمة تقسيما ثالثيا‪ ،‬الجنايات والجنح والمخالفات‪ ،‬فوضع قانون العقوبات قواعد‬
‫مختلف ة بحس ب نوعه ا‪ ،‬ففي الجناي ات يع اقب على المحاول ة فيه ا بص فة مطلق ة وعام ة نظ را‬
‫لجس امتها وخطورته ا‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 30‬من ه «ك ل مح اوالت الرتك اب جناي ة‪ ...‬تعت بر كالجناي ة‬
‫نفسها»‪ ،‬أما في الجنح وإ ن وضع حكما عاما لها وهو عدم المعاقبة على الشروع فيها ألنها أقل‬
‫جس امة من الجناية( )‪ ،‬إال أن ه يق رر اس تثناء بمقتض اه ال يع اقب على المحاول ة في الجنح إال إذا‬
‫‪1‬‬

‫ص راحة على ذل ك في النص الخ اص بك ل جنح ة طبق ا للم ادة ‪« 31/1‬المحاول ة في الجنح ة ال‬
‫يعاقب عليها إال بناء على نص صريح في القانون»‪ ،‬وعليه يجب العودة للقسم الخاص في قانون‬
‫العقوب ات والنص وص المكمل ة ل ه للبحث في ك ل نص يتعل ق بالجنح ة م ا إذا ك ان يج رم الش روع‬
‫فيه ا أم ال‪ ،‬ومن األمثل ة على ذل ك الم ادة ‪ 350/3‬ق‪.‬ع «ويع اقب على الش روع في ه ذه الجنح ة‬
‫بالعقوب ات المق ررة للجريم ة التامة( )»‪،‬وتنص الم ادة ‪ 303‬مك رر‪ /‬فق رة ‪ 2‬ق‪.‬ع «يع اقب على‬
‫‪2‬‬

‫الش روع في ارتك اب الجنح ة المنص وص عليه ا في هذه الم ادة بالعقوب ات ذاته ا المقررة للجريم ة‬
‫التامة»‪ ، ،‬وتنص المادة ‪ 209‬ق‪.‬ع في فقرتها األخيرة على عقاب الشروع في جرائم تقليد أختام‬
‫الدول ة والدمغ ة والطواب ع والعالم ات فتنص «ويع اقب على الش روع في الج رائم المبين ة أعاله‬
‫كالجريم ة التام ة»‪ ،‬وك ذلك الم ادة ‪ 348‬ق‪.‬ع في فقرته ا الثاني ة «ويع اقب على الش روع في ه ذه‬
‫الجنح ة بالعقوب ات ذاته ا المق ررة للجريم ة التام ة»‪ ،‬وك ذلك الم واد‪ 303 :‬مك رر‪ 303 ،1‬مك رر‬
‫‪ 303 ،13‬مكرر ‪ 303 ،27‬مكرر ‪ 389 ،347 ،346 ،39‬مكرر ‪ 394 ،3‬مكرر ‪ 7‬وغيرها‬
‫من قانون العقوبات المعدل والمتمم‪ ،‬وكذلك الجرائم المقررة في القانون ‪ 01-06‬المتعلقة بالوقاية‬

‫‪ -1‬نقض جزائي ‪ 1990.01.23‬المجلة القضائية‪ ،‬عدد ‪ ،2‬سنة ‪ ،1991‬ص ‪.238‬‬


‫‪ -2‬يلج أ المش رع أحيان ا إلى تج ريم المحاول ة في مجموع ة من الجنح بنص واح د‪ ،‬مثلما فع ل ذل ك في الق انون رقم ‪15-04‬‬
‫الم ؤرخ في ‪ 10‬نوفم بر ‪ 2004‬المع دل والمتمم لق انون العقوب ات في الم ادة ‪ 394‬مك رر‪ 7‬من ه ال تي تنص «يع اقب على‬
‫الشروع في ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا القسم بالعقوبات المقررة للجنحة ذاتها»‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫من الفساد ومكافحته المؤرخ في ‪ 20‬فبراير ‪ ،2006‬وجرائم التهريب طبقا للقانون رقم ‪06-05‬‬
‫المتعل ق بمكافح ة الته ريب الم ؤرخ في ‪ 23‬أوت ‪ ،2005‬أم ا بالنس بة للمخالف ات فال عق اب على‬
‫الش روع فيه ا على اإلطالق‪ ،‬فتنص الفق رة ‪ 2‬من الم ادة ‪« 31‬والمحاول ة في المخالف ة ال يع اقب‬
‫عليها إطالقا»‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ -‬العقاب على المحاولة‬
‫تتفق التشريعات في موقفها من المساءلة الجزائية على المحاولة في الجريمة‪ ،‬وتختلف من‬
‫حيث مدى درجة العقاب عليها‪ ،‬فمنها من تعاقب عليها بنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة مثل‬
‫القانون الجزائري في المادتين ‪ 31 ،30‬ق‪.‬ع‪ ،‬وأخرى تعاقب عليها بعقوبة أخف من تلك التي‬
‫تقررها للجريمة التامة‪ ،‬كقانون العقوبات المصري في المادتين ‪ 47 ،46‬منه‪ ،‬ويرجع االختالف‬
‫العتماد مذهب من المذهبين المادي أو الشخصي للتباين موقفهما من المعاملة العقابية للمحاولة‪،‬‬
‫ف القوانين ال تي تعتم د الم ذهب الموض وعي تق رر عقوب ات أق ل ش دة العقوب ات المق ررة للجريم ة‬
‫التام ة‪ ،‬أم ا معتنق و الم ذهب الشخص ي ونظ ر لتبني ه الني ة اإلجرامي ة وم دى خطورته ا وح د بين‬
‫عقوبة من يحاول ارتكاب الجريمة ومن يرتكب الجريمة تامة‪ ،‬فتنص المادة ‪« 30‬كل محاوالت‬
‫الرتكاب جناية‪ ...‬تعتبر كالجناية نفسها‪ ،»...‬وتنص المادة ‪ 31‬على أن «المحاولة في الجنحة ال‬
‫يعاقب عليها إال بناء على نص صريح في القانون»‪.‬‬
‫وعليه فإن القانون الجزائري يعاقب على المحاولة في الجريمة جناية أو جنحة‪ ،‬في األولى‬
‫بص فة مطلق ة دون حاج ة لنص يق رر ذل ك‪ ،‬في حين يق رر للجنح ة قاع دتين‪ ،‬األولى عام ة ب أن‬
‫األصل في الجنح ال محاولة فيها ما يقرر القانون صراحة ذلك‪ ،‬والثانية خاصة يعاقب عليها في‬
‫جنح معين ة ي رى أنه ا ج ديرة بالعق اب ح تى على المحاول ة فيه ا فينص على ذل ك ص راحة في‬
‫النص وص الخاص ة بك ل جنح ة‪ ،‬ومن أمثل ة ذل ك م ا تق رره الم ادة ‪ 350/4‬ق‪.‬ع بالعق اب على‬
‫المحاول ة في جريم ة الس رقة فتنص «ويع اقب على الش روع في ه ذه الجنح ة بالعقوب ات المق ررة‬
‫للجريمة التامة»‪ ،‬وكذلك حكم تنص المادة ‪ 209‬ق‪.‬ع في فقرتها األخيرة على عقاب الشروع في‬
‫جرائم تقليد أختام الدولة والدمغة والطوابع والعالمات فتنص «ويعاقب على الشروع في الجرائم‬
‫المبين ة أعاله كالجريم ة التام ة»‪ ،‬وك ذلك الم ادة ‪ 348/2‬ق‪.‬ع «ويع اقب على الش روع في ه ذه‬
‫الجنحة بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة»‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -‬المساهــمة الجنائية‬
‫سبق القول أن الجريمة يمكن أن تقع تامة‪ ،‬وقد توقف أو يخيب أثرها بعدم تحقيق نتيجتها‪،‬‬
‫وهو ما يسمى بالمحاولة في الجريمة‪ ،‬ويمكن أن تكون ثمرة جهد منفرد فيرتكبها شخص واحد‬
‫فتكون عمال إجراميا واحدا( )‪ ،‬وقد تكون الجريمة ثمرة عمل إجرامي متعدد األطراف تتظافر فيه‬
‫‪1‬‬

‫جهود أك ثر من ش خص واحد بغ رض تحقيقه ا‪ ،‬وهو م ا يسمى بالمس اهمة الجنائي ة ال تي تفترض‬


‫تعددا في الجناة الرتكاب جريمة واحدة‪ ،‬فتتوزع األدوار فيها على عدد من الجناة‪ ،‬يختلف دور‬
‫كل واحد منهم عن دور اآلخر‪ ،‬يطلق عليهم المساهمون في الجريمة‪ ،‬فتكون جريمة واحدة متى‬
‫جمعتهم رابط ة معنوي ة ومادي ة واح دة الس تهدافهم تحقي ق غاي ة إجرامي ة واح دة‪ ،‬رغم اختالف‬

‫‪ -1‬نالحظ أن قانون العقوبات ينظم أيضا التعدد في الجريمة في المواد من ‪ 32‬إلى ‪ 38‬منه‪ ،‬والتعدد قد يكون تعددا ماديا‬
‫كارتكاب مجموعة أفعال يشكل كل منها جريمة مستقلة بذاتها‪ ،‬وقد يكون تعددا معنويا كتعدد األوصاف القانونية لفعل واد‬
‫يق وم ب ه الفاع ل وخض وعه ألك ثر من نص ق انوني واح د‪ ،‬كهت ك ع رض ش خص في مك ان عم ومي‪ ،‬فيخض ع لحكمي المادة‬
‫‪ 334‬من قانون العقوبات المتعلقة بهتك العرض‪ ،‬والمادة ‪ 333‬المتعلقة بالفعل الفاضح العلني من نفس القانون‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫األدوار التي يلعبها كل واحد منهم‪ ،‬فقد يقتصر دور أحدهم على المساعدة بالقيام بعمل تحضيري‬
‫مساعد على التنفيذ‪ ،‬وقد يتعدى دوره إلى المساهمة في العمل التنفيذي‪ ،‬هذا االختالف في األدوار‬
‫هو الذي طرح مشكلة التمييز بين الفاعل والشريك‪ ،‬فإذا تعددت الرابطة المعنوية والمادية نكون‬
‫بصدد تعدد في الجرائم‪ ،‬بحيث يتعدد الجناة وتتعدد جرائمهم‪ ،‬فينفرد أو يستقل كل منهم بجريمته‪،‬‬
‫رغم إمكان اتحادها في الزمان والمكان‪ ،‬كالجرائم التي يرتكبها المتظاهرون‪ ،‬مما يترتب عليها‬
‫تع دد في ال دعاوى الجنائي ة المقام ة بتع دد المق ام عليهم مث ل ه ذه ال دعاوى‪ ،‬فيس أل ك ل منهم عن‬
‫الجريمة التي اقترفها‬
‫المطلب األول‪ -‬النظريات التي قيلت في المساهمة‬
‫يس ود الفق ه مجموع ة نظري ات تؤس س عليه ا فك رة المس اهمة الجنائية( )‪ ،‬ه ذه النظري ات‬
‫‪1‬‬

‫التالية‪ ،‬نظريتا االستعارة المطلقة والبسيطة ونظرية التبعية واالستقاللية‪ ،‬نتعرض لها في التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ -‬نظرية االستعارة‬
‫تق وم على أن ش خص المج رم يس تمد إجرام ه من فع ل غ يره‪ ،‬وه ذا يع ني أن الش ريك في‬
‫الجريمة يستمد الصفة اإلجرامية من فعل الفاعل األصلي‪ ،‬فال توجد مساهمة يعاقب عليها إذا لم‬
‫يوجد سلوك إجرامي يعاقب عليه القانون‪ ،‬وتبدو العالق ة بين الفاعل والشريك من حيث أن هذا‬
‫األخير يقوم بعمل تحضيري غير معاقب عليه لذاته‪ ،‬ولكن ارتباطه بما يقوم به الفاعل هو الذي‬
‫أس بغ علي ه الص فة اإلجرامي ة‪ ،‬مم ا يس تتبع بالض رورة التس وية الكامل ة بين الفاع ل والش ريك في‬
‫المسؤولية والعقوبة‪ ،‬فكل ما يتوافر لدى الفاعل من الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية يؤثر‬
‫في كل من ساهم معه في جريمته‪ ،‬وعليه تؤدي نظرية االستعارة المطلقة إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫أوال‪ -‬بالنسبة للظروف‬


‫يعمم أث ر الظ روف الخاص ة بالفاع ل على ك ل من س اهم في الجريم ة‪ ،‬فتطب ق علي ه كاف ة‬
‫الظروف المخففة أو المشددة للعقاب سواء كانت موضوعية أو شخصية ( )‪ ،‬بحيث يشدد العقاب‬
‫‪2‬‬

‫على من يشترك م ع الفاع ل بمس اعدته في ارتك اب جريم ة قت ل األص ول‪ ،‬وفي نفس ال وقت يعفى‬
‫الش ريك من المس ؤولية أو العق اب إذا ت وافرت في الفاع ل ص فة تمن ع المس ؤولية أو العق اب عن ه‪،‬‬
‫كظ رف الجن ون أو ص غر الس ن في ك ل جريم ة‪ ،‬أو ص فة األص ل أو الف رع في ج رائم الس رقة‬
‫والنصب وخيانة األمانة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬بالنسبة للتحريض‬
‫وك ذلك ي ؤدي تط بيق النظري ة إلى ع دم معاقب ة المح رض على تحريض ه على ارتك اب‬
‫الجريم ة إذا لم ي رتكب المح رض الجريم ة‪ ،‬أو أن التح ريض ك ان موجه ا نح و ش خص غ ير‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 406‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 353‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 188‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ أن الق وانين العقابي ة تختل ف في موقفه ا من بعض الظ روف الشخص ية‪ ،‬فمثال بالنس بة لص فة األص ل والف رع‬
‫والزوجية في جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المسروقة ال تعتبر ظروفا معفية من العقاب‪ ،‬بل تكيفها‬
‫على أنها قيود على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية‪ ،‬فال يجوز لها تحريكها إال إذا حصلت على شكوى‬
‫من المجني عليه‪ ،‬كقانون العقوبات المصري في المادة ‪ 312‬من ه‪ ،‬في حين يعتبرها القانون الجزائري أعذارا معفية فيما‬
‫عدا صفة الزوجية التي تعتبر قيدا طبقا للمواد ‪ 389 ،377 ،373 ،368‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫مس ؤول جنائي ا‪ ،‬والمالح ظ أن تط بيق نظري ة االس تعارة ي ؤدي إلى نت ائج غ ير منطقي ة من جه ة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى تتناقض مع ما تذهب إليه التشريعات العقابية على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬تن اقض النت ائج ال تي ت ؤدي إليه ا النظري ة وع دم منطقيته ا‪ ،‬فال ذي يس اعد االبن في قت ل أبي ه‬
‫يؤاخذ على جريمة قل مشددة‪ ،‬في حين عندما يكون فاعال واالبن شريكا يسأل مسؤولية عادية‪،‬‬
‫وهي نتيج ة غ ير منطقي ة من حيث المعامل ة العقابي ة المختلف ة‪ ،‬ك أن يع اقب الش ريك في الحال ة‬
‫األولى باإلعدام‪ ،‬وبالسجن المؤبد في الحالة الثانية عندما يكون فاعال‪ ،‬وهو ما يتناقض مثال مع‬
‫أحك ام الم ادتين ‪ 263 ،261‬ق‪.‬ع‪ .‬ألن الش ريك ق د يك ون أهال لعق اب أش د أو أخ ف من العق اب‬
‫الذي يطبق عليه طبقا لالستعارة‪ ،‬فالذي يساعد فرعا في قتل أحد أصوله يعاقب بعقوبة جريمة‬
‫قت ل األص ول المش ددة وعقوبته ا اإلع دام‪ ،‬في حين عن دما يك ون ف اعال في نفس الجريم ة والف رع‬
‫شريك له يؤاخذ على جريمة قتل عادية وعقوبتها المؤبد‪ ،‬وكذلك عدم عقاب المحرض في حالة‬
‫تخلي من كان ينوي ارتكاب الجريمة المحرض عليها رغم توافر النية اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تالؤمها مع االتجاهات الحديثة في التشريعات العقابية التي تعاقب على التحريض بغض‬
‫النظ ر عن موق ف المح رض من ارتك اب الجريم ة أو ع دم ارتكابه ا مث ل م ا ذهب إلي ه ق انون‬
‫العقوبات في المادة ‪ 46‬منه «إذا لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي‬
‫ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة‪.‬‬
‫ح اول أنص ار نظري ة االس تعارة التخفي ف من ح دة تل ك االنتق ادات‪ ،‬بالتع ديل في بعض‬
‫أحكامه ا ونتائجه ا‪ ،‬فأسس وا لالس تعارة النس بية كب ديل لنظري ة االس تعارة المطلق ة‪ ،‬فأقاموه ا على‬
‫نفس األسس بآثار ونتائج مختلفة‪ ،‬فعدلوا من حكم الظروف فال يتأثر الشريك بكل الظروف التي‬
‫تت وافر ل دى الفاع ل ب التخفيف أو التش ديد أو اإلعف اء‪ ،‬فتبنت نت ائج تخف ف من االنتق ادات الس ابقة‬
‫على الوجه التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن معاقب ة الش ريك رغم اس تعارة فعل ه للص فة اإلجرامي ة من فع ل الفاع ل األص لي‪ ،‬لم تع د‬
‫مرتبطة بمعاقبة الفاعل األصلي‪ ،‬ألنه يمكن معاقبته حتى ولو كان الفاعل غير مسؤول جزائيا‬
‫ألسباب تتعلق بشخصه‪ ،‬كالجنون وصغر السن‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القانون الجزائري‪.‬‬
‫ب‪ -‬إمكان تخفيف العقاب على الشريك في الجريمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬تعطي حكما عاما للظروف الموضوعية أو المادية المشددة منها والمخففة للعقاب‪ ،‬بتطبيقها‬
‫على كل من ساهم في الجريمة‪ ،‬وتطبق على الشريك سواء علم بوجودها أو يجهل ذلك‪.‬‬
‫د‪ -‬أن الظ روف الشخص ية أثره ا خ اص‪ ،‬فال ت ؤثر إال فيمن ت وافرت في ه‪ ،‬فال يتع دى أثره ا لمن‬
‫يساهم في الجريمة بأي صورة كانت‪ ،‬سواء كان فاعال أو شريكا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬نظريتا التبعية واالستقاللية‬
‫نظريت ان تقوم ان على فك ر متن اقض‪ ،‬األولى تتب نى فك رة تبعي ة الش ريك ‪-‬مس اهمة غ ير‬
‫مباش رة‪ -‬للفاع ل األص لي ‪-‬مس اهمة مباش رة‪ ،-‬فيك ون الش ريك تابع ا والفاع ل متبوع ا‪ ،‬بحيث ال‬
‫يج وز مس اءلته جزائي ا إال إذا وقعت الجريم ة ال تي س اهم فيه ا رغم اعترافه ا بمس اءلة الش ريك‬
‫بصفة مستقلة عن الفاعل‪ ،‬ألنه ال يمكن تصور مساهمة في جريمة لم تقع أصال( ) أو إذا أوقف‬
‫‪1‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬أصول قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 75‬وما يليها‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫س لوكاته عن د العم ل التحض يري فال يس أالن‪ ،‬وبعب ارة أخ رى لمؤاخ ذة الش ريك عن اش تراكه في‬
‫الجريمة‪ ،‬يجب أن يكون الفعل األصلي من األفعال الخاضعة لقانون العقوبات‪.‬‬
‫أم ا نظري ة االس تقاللية ف ترفض النت ائج ال تي أدت إليه ا نظري ة االس تعارة بفرعيه ا المطلق ة‬
‫والنس بية ألنه ا غ ير عادل ة وغ ير منطقي ة وتتن اقض م ع أحك ام التش ريعات‪ ،‬فاعتم دت في أسس ها‬
‫على اس تقالل ك ل من يس اهم في الجريم ة عن بقي ة المس اهمين بظروف ه الشخص ية‪ ،‬فالمس اهمة‬
‫جريمة متميزة يجرم فيها االشتراك كجريمة قائمة بذاتها واستقالل الشريك عن الفاعل األصلي‬
‫كل بظروفه( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫نالحظ أن نظرية االستقاللية غالت في إغفالها للروابط بين المساهمين في جريمة واحدة‪،‬‬
‫تربطهم رابطة ذهنية أو معنوية تجمعهم حول مشروع إجرامي واحد‪ ،‬وهي نظرية ال تتـفق في‬
‫مضمونها مع خاصيتي المساهمة الجنائية من حيث وحدتها المادية والمعنوية‪ ،‬فال يمكن تصور‬
‫قيام مجموعة من الجرائم بعدد المساهمين في الجريمة الواحدة( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫موقف المشرع الجزائري‬


‫يعتم د ق انون العقوب ات الجزائ ري م ذهبا وس طا بين نظري ة التبعي ة ونظري ة االس تقاللية‪،‬‬
‫وتبدو مظاهر تأثره بنظرية التبعية في المساهمة الجنائية فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬النص على معاقبة الشريك في الجريمة بالعقوبة المقررة للجريمة نفسها‪ ،‬فتنص المادة ‪44/1‬‬
‫ق‪.‬ع «يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة»‪.‬‬
‫‪ -2‬النص على ت أثر الش ريك والمس اهم بوج ه ع ام ب الظروف المادي ة أو الموض وعية اللص يقة‬
‫بالجريم ة م تى ك ان يعلم به ا‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 44/3‬ق‪.‬ع «والظ روف الموض وعية اللص يقة‬
‫بالجريمة التي تؤدي تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها‬
‫أو تخفيفها‪ ،‬بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف»‪.‬‬
‫ويبدو تأثره بنظرية االستقاللية( ) في األمور التالية‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬اعتبار جريمة التحريض جريمة مستقلة‪ ،‬فيعاقب المحرض على الجريمة بالعقوبة المقررة‬
‫للجريم ة المح رض عليها( ) بغض النظ ر عن موق ف المح رض كامتناع ه عن ارتكابه ا بإرادت ه‬
‫‪4‬‬

‫المس تقلة‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 46‬ق‪.‬ع «إذا لم تكن الجريم ة المزم ع ارتكابه ا لمج رد امتن اع من ك ان‬
‫ين وي ارتكابه ا بإرادت ه وح دها ف إن المح رض عليه ا يع اقب رغم ذل ك بالعقوب ات المق ررة له ذه‬
‫الجريمة»‪.‬‬
‫‪ -2‬النص على مس ؤولية الفاع ل المعن وي طبق ا للم ادة ‪ 45‬ق‪.‬ع «من يحم ل شخص ا ال يخض ع‬
‫للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها»‪.‬‬
‫‪ -3‬اس تقاللية المس اهمين بظ روفهم الشخص ية‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 44/2‬ق‪.‬ع «وال ت ؤثر الظ روف‬
‫الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال بالنسبة للفاعل أو الشريك‬
‫الذي تتصل به هذه الظروف»‪.‬‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 401‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫‪ - 4‬نؤكد على أن التحريض يجب أن يكون موصوفا طبقا للمادة ‪ 41‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫‪ -4‬حكم المادة ‪ 261/2‬ق‪.‬ع( ) التي تقرر استقاللية تجريم مساهمة األم فاعلة أو شريكة في قتل‬
‫‪3‬‬

‫ابنها حديث العهد بالوالدة بعقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة‪ ،‬عن عقوبة‬
‫من ساهم معها فاعال أم شريكا في إتيان نفس الفعل‪ ،‬فال تطبق عليه نفس العقوبة المقررة لألم‪،‬‬
‫بل تطبق عليه عقوبة مختلفة وهي عقوبة اإلعدام‪ ،‬وهو الحكم المقرر في الفقرة األولى من نفس‬
‫المادة‪« ،‬يعاقب باإلعدام كل من ارتكب جريمة القتل ‪»...Assassinat‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬تنظيم المشرع الجزائري للمساهمة الجنائية‬
‫نظم المش رع الجزائ ري أحك ام المس اهمة في الم واد من ‪ 46-41‬من ق انون العقوب ات في‬
‫األحكام العامة‪ ،‬فتنص المادة ‪« 41‬يعتبر فاعال كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة‬
‫أو حرض( ) على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية‬
‫‪4‬‬

‫أو التحاي ل أو الت دليس اإلج رامي»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪«42‬يعت بر ش ريكا في الجريم ة من لم يش ترك‬
‫اش تراكا مباش را‪ ،‬ولكن ه س اعد بك ل الط رق أو ع اون الفاع ل أو الف اعلين على ارتك اب األفع ال‬
‫التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة( ) لها مع علمه بذلك»‪ ،‬وتنص المادة ‪« 43‬يأخذ حكم الشريك‬
‫‪5‬‬

‫من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون‬
‫اللصوص ية أو العن ف ض د أمن الدول ة أو األمن الع ام أو ض د األش خاص أو األم وال م ع علم ه‬
‫بس لوكهم اإلج رامي»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 44‬يع اقب الش ريك في جناي ة أو جنح ة بالعقوب ة المق ررة‬
‫للجناية أو الجنحة»‪« ،‬وال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو‬
‫اإلعف اء منه ا إال بالنس بة للفاع ل أو الش ريك ال ذي تتص ل ب ه ه ذه الظ روف»‪« ،‬والظ روف‬
‫الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم‬
‫فيه ا ي ترتب عليه ا تش ديدها أو تخفيفه ا بحس ب م ا إذا ك ان يعلم أو ال يعلم به ذه الظ روف»‪« ،‬وال‬
‫يع اقب على االش تراك في المخالف ة إطالق ا»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 45‬من يحم ل شخص ا ال يخض ع‬
‫للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها»‪،‬‬
‫وتنص الم ادة ‪ 46‬ق‪.‬ع «إذا لم ت رتكب الجريم ة المزم ع ارتكابه ا لمج رد امتن اع من ك ان ين وي‬
‫ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة»‪.‬‬
‫ومن خالل هذه النصوص أن الفاعل طبقا للقانون الجزائري يضم صورا ثالثة‪ ،‬ال تطرح‬
‫إش كالية التفرق ة بين الفاع ل والش ريك في الجريم ة ال تي ث ار بش أنها ج دل فقهي ال تق وم إال في‬
‫الصورة الثالثة من الفاعلين‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬المحرض على الجريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬الفاعل المعنوي أو الفاعل بالواسطة‪.‬‬
‫‪ -3‬المساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ -‬المحرض على الجريمة‬

‫‪ -3‬أنظر المادة ‪ 261‬ق‪.‬ع‪.‬‬


‫‪ -4‬ونعتقد أن تعديل المادة ‪ 41‬من قانون العقوبات‪ ،‬بالقانون ‪ 04-82‬بإضفاء وصف الفاعل على المحرض‪ ،‬يعتبر تدعيما‬
‫للرأي الذي يذهب إلى أن القانون الجزائري يعتنق المذهب الشخصي‪.‬‬
‫‪ -5‬نالح ظ أن النص باللغ ة الفرنس ية للم ادة الس ابقة {‪ }42‬اس تعمل مص طلح ال ينص رف للتنفي ذ وهو ‪ou qui l’ont‬‬
‫‪ consommée‬مقاب ل المص طلح ال ذي اس تعملته نص نفس الم ادة في النس خة العربي ة وه و « المنف ذة » حيث لم يكن‬
‫استعماله صحيحا ألنه سنرى عند التعريف بالشريك أنه ال يساهم بعمل تنفيذي وإ نما يقتصر دوره على العمل التحضيري‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫طبق ا لنص ي الم ادتين ‪ 42 ،41‬من ق انون العقوب ات المع دل والمتمم‪ ،‬وس عتا من م دلول‬
‫مص طلح الفاع ل إلى المح رض على ارتك اب الجريم ة‪ ،‬والمح رض ه و ك ل من يبعث أو يخل ق‬
‫فكرة الجريمة في ذهن شخص آخر فيدفعه إلى التصميم على ارتكابها‪ ،‬واشترطت المادة ‪ 41‬في‬
‫ه ذا التح ريض أن يك ون موص وفا فال يكفي التح ريض المج رد الخ الي من النف وذ( )‪ ،‬فيبعث في‬
‫‪1‬‬

‫نفس المح رض فك رة الجريم ة‪ ،‬فيق وم ه ذا األخ ير بتجس يدها في الواق ع‪ ،‬وعلي ه يجب أن يك ون‬
‫التح ريض بص ورة من الص ور ال تي ح ددتها الم ادة ‪ ،41‬فيك ون موص وفا‪ ،‬فيتم التح ريض على‬
‫الجريم بإحدى الوسائل التالية‪ :‬الهبة‪ ،‬الوعد‪ ،‬التهديد‪ ،‬إساءة استعمال السلطة أو الوالية‪ ،‬التحايل‪،‬‬
‫التدليس اإلجرامي‪ ،‬على أن تكون سابقة على ارتكاب الجريمة المحرض عليها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬الفاعل المعنوي‬
‫مف اد نص الم ادة ‪ 45‬ق أن يلج أ ش خص يري د ارتك اب الجريم ة بواس طة غ يره‪ ،‬إلى غ ير‬
‫المس ؤول جزائي ا لص غر في الس ن أو لجن ون ل يرتكب عن ه الجريم ة‪ ،‬بحيث يس يطر علي ه س يطرة‬
‫تام ة تجع ل من المنف ذ أداة في ي د من يس خره‪ ،‬ويع رف بالفاع ل المعن وي أو الفاع ل بالواس طة أو‬
‫الفاعل غير المباشر ‪ ،Auteur médiat‬وهو مصطلح خاص بحالة ما إذا كان المنفذ غير أهل‪،‬‬
‫فال يج وز وص فه بالفاع ل األص لي ألن الفاع ل يق وم بتنفي ذ جريمت ه بنفس ه بمس اعدة غ يره ل ه م ع‬
‫سيطرته على مجرى تنفيذها‪.‬‬
‫وال يج وز وص فه ب المحرض ألن التح ريض ال يتص ور إال م ع ش خص أه ل للمس ؤولية‬
‫الجزائية بتوافر األهلية‪ ،‬وأن يكون موصوفا بوسيلة من الوسائل السابقة‪ ،‬فإذا كان غير ذلك بأن‬
‫كان غير أهل كالصغير والمجنون فسخر الرتكاب الجريمة فيكون أداة أو آلة في يد من سخره‪،‬‬
‫فيس أل ه ذا األخ ير باعتب اره ف اعال معنوي ا للجريم ة‪ ،‬ورغم اتفاقهم ا من حيث وقوفهم ا وراء‬
‫الجريم ة دون الت دخل مباش رة في ه‪ ،‬ف إن المح رض ال يمل ك س يادة أو س يطرة فعلي ة على عملي ة‬
‫التنفيذ‪ ،‬ويعاقب على التحريض جريمة مستقلة عن الجريمة المحرض عليها‪ ،‬في حين أن الفاعل‬
‫المعنوي يسيطر سيطرة كاملة على مجريات التنفيذ لعدم أهلية المنفذ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ -‬الفاعل المباشر أو األصلي والشريك‬
‫ع رفت المادت ان الف ال والش ريك على النح و الت الي‪ ،‬فالفاع ل ش ريك «يعت بر ف اعال ك ل من‬
‫ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريم ة‪ ،»...‬وتعرف المادة ‪ 42‬الشريك فتنص «يعتبر شريكا‬
‫في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا‪ ،‬ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين‬
‫على ارتكاب األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة( ) لها مع علمه بذلك»‪ ،‬فالفاعل األصلي‬
‫‪2‬‬

‫ه و من يقوم بتنفيذ الجريم ة أم الشريك فهو من يقوم بمس اعدة الفاعل في ارتكابه لجريمت ه‪ ،‬فما‬
‫هي الحدود الفاصلة بين يعتبر فالعال ومن يعتبر شريكا؟‪ ،‬هذا باإلضافة إلى قانون العقوبات في‬
‫المادة ‪ 43‬يضفي حكما وصف الشريك رغم تخلف عنصر المعاصرة أو أسبقية فعل االشتراك‬
‫على الفع ل األص لي على من اعت اد تق ديم مس كن أو ملج أ أو مك ان الجتم اع األش رار ال ذين‬
‫يمارس ون اللصوص ية‪ ،‬فتنص «يأخ ذ حكم الش ريك من اعت اد أن يق دم مس كنا أو ملج أ أو مكان ا‬
‫لالجتم اع لواح د أو أك ثر من األش رار ال ذين يمارس ون اللصوص ية أو العن ف ض د أمن الدول ة أو‬
‫األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكهم اإلجرامي»‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬أصول قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 346‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ دائم ا أن النص باللغ ة الفرنس ية للم ادة ‪ 42‬اس تعملت مص طلحا ال ينص رف للتنفي ذ وهو ‪ou qui l’ont‬‬
‫‪ consommée‬مقابل المصطلح الذي استعملته نفس المادة في النسخة العربية وهو « المنفذة‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫ورغم تعري ف الم ادتين ‪ 42 ،41‬من ق انون العقوب ات لك ل من الفاع ل والش رك وتري ف‬
‫الكث ير من التش ريعات لهم ا‪ ،‬كق انون العقوب ات الفرنس ي في الم ادتين ‪ 60 ،59‬وع رف الق انون‬
‫التونسي الشريك في المادة ‪ 32‬والمغربي في الفصلين ‪ 129 ،128‬لمادتين ‪ ،12‬فعرفت األولى‬
‫الفاعل بأنه «يعتبر مس اهما في الجريم ة كل من ارتكب شخصيا عمال من أعم ال التنفي ذ المادي‬
‫له ا»‪ ،‬وع رفت الثاني ة الش ريك «يعت بر مش تركا في الجناي ة أو الجنح ة من لم يس اهم مباش رة في‬
‫تنفيذها ولكنه أتى أحد األفعال اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه؛ وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغالل‬
‫سلطة أو والية أو تحايل أو تدليس إجرامي‪.‬‬
‫ب‪ -‬ق دم أس لحة أو أدوات أو أي ة وس يلة أخ رى اس تعملت في ارتك اب الفع ل؛ م ع علم ه بأنه ا‬
‫ستستعمل لذلك‪.‬‬
‫ج‪ -‬س اعد أو أع ان الفاع ل أو الف اعلين للجريم ة في األعم ال التحض يرية أو األعم ال المس هلة‬
‫الرتكابها؛ مع علمه بذلك‪.‬‬
‫د‪ -‬تع ود على تق ديم مس كن أو ملج أ أو مك ان لالجتم اع؛ لواح د أو أك ثر من األش رار ال ذين‬
‫يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع‬
‫علمه بسلوكهم اإلجرامي‪ .‬أما المشاركة في المخالفات فال عقاب عليه مطلقا»‪،‬‬
‫إن اشكالية التفرقة بينهما بقيت قائمة‪ ،‬فما هي الحدود الفاصلة بين الفاعل والشريك؟‪ ،‬فمن‬
‫ه و الفاع ل ومن ه و الش ريك؟‪ ،‬خاص ة أن التفرق ة تل ك ك انت مث ار ج دل فقهي من حيث تحدي د‬
‫األفعال التي تقوم بها المساهمة المباشرة‪ ،‬وتلك التي تقوم بها المساهمة غير المباشرة‪ ،‬ووضع‬
‫الح دود الفاص لة بينهم ا‪ ،‬وتزي د التفرق ة بينهم ا ص عوبة‪ ،‬عن دما يتعل ق األم ر باألفع ال المس اعدة‬
‫المعاصرة الرتكاب الجريمة‪ ،‬فظهر اتجاهان‪ ،‬اتجاه موضوعي وآخر شخصي‪.‬‬
‫أوال‪ -‬االتجاه الموضوعي‬
‫يس تند في التفرق ة بين الفاع ل والش ريك على الس لوك ال ذي يأتي ه المس اهم في الجريم ة‪،‬‬
‫فتجعل من مقدار مساهمته من الناحية المادية في إحداث النتيجة معيارا لذلك‪ ،‬فكلما كان الفعل‬
‫أك ثر مس اهمة في عملي ة تحقي ق النتيج ة ك ان مقترف ه ف اعال‪ ،‬وكلم ا ك ان الس لوك أق ل خط ورة‬
‫وأض عف مس اهمة في إح داثها ك ان الق ائم ب ه ش ريكا في الجريمة( )‪ ،‬انطالق ا من موق ف المش رع‬
‫‪1‬‬

‫منهما بتجريم السلوك اعتمادا على مادياته ابتداء‪ ،‬فالفاعل من يرتكب فعال تنفيذيا للجريمة‪ ،‬وهو‬
‫الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة( )‪ ،‬ويكفي فيه ارتكاب جزء منه ليوصف بالفاعل‪ ،‬وإ ذا‬
‫‪2‬‬

‫ك ان الفع ل التنفيذي يتكون من أك ثر من فع ل واح د‪ ،‬فيكفي القيام بإح داها أو ج زء منه ا‪ ،‬ليض في‬
‫على الق ائم ب ه وص ف الفاع ل‪ ،‬وتطبيق ا لقواع د الش روع طبق ا للم ذهب الم ادي أو الموض وعي أن‬
‫من شرع في إتيان مثل تلك األفعال يعتبر فاعال أصليا‪.‬‬
‫أم ا الش ريك في الجريم ة فه و ك ل من لم ي أت فعال تنفي ذيا ف أتى فعال تحض يريا أو تمهي ديا‬
‫يس اعد ب ه الفاع ل على ارتك اب جريمت ه بتحقي ق النتيج ة اإلجرامي ة‪ ،‬فالمس اهمة غ ير مباش رة ال‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 408 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪- G. Stefani- G. Levasseur- B. Bouloc: Droit Pénal Général, 11 éd.P.233.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪120‬‬
‫يلعب فيه ا الش ريك دورا رئيس يا في الجريم ة فيك زن دوره دورا ثانوي ا أو تبعي كالعم ل‬
‫التحضيري‪ ،‬فال يقوم بفعل يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة‪.‬‬
‫تقييم االتجاه الموضوعي‬
‫م ذهب يتم يز ببس اطته ووض وحه‪ ،‬يكفي في ه للتفرق ة بين الفاع ل والش ريك الرج وع للنص‬
‫الج زائي المق رر للجريم ة لمعرف ة ال ركن الم ادي ال ذي تق وم علي ه‪ ،‬فيك ون المس اهم ف اعال كلم ا‬
‫ارتكب الفع ل المك ون لل ركن الم ادي أو ج زء من ه‪ ،‬ويك ون ش ريكا كلم ا ارتكب فعال مس اعد ال‬
‫يعتبر عنصرا من عناصر الركن المادي‪ ،‬فمثال في جريمة السرقة يعتبر فاعال كل من يضع يده‬
‫على مال مملوك للغير بغرض سرقته أو بنقل حيازته بنية التملك‪ ،‬وفي القتل إزهاق روح إنسان‬
‫على قيد الحياة أو لم يشرع في ذلك فال يعتبر فاعال ألن ما فام ال يعدو أن يكون فعال تحضيريا‪،‬‬
‫ويعتمد في التفرقة على ما ذهب إليه في التمييز بين المحاولة والبدء في التنفيذ‪.‬‬
‫وهو اتجاه يضيق دائرة التجريم فيخرج الكثير منها ألنه ال يعتبرها محاولة‪ ،‬فيضيق من‬
‫دائ رة المص الح المحمي ة قانون ا‪ ،‬فح اوا بعض أتباع ه إلى التوس عة في مفه وم الفاع ل المباش ر إلى‬
‫كل من يرتكب فعال يعتبر ضروريا الرتكاب الجريمة‪ ،‬مثل إيقاف شخص لسيارة الضحية الم ارة‬
‫لتمكين الجاني من التصويب الجيد‪ ،‬أو إعمال سالحه في جسم الضحية ومن يمسك بالمجني عليه‬
‫لتمكين الجاني منه‪ ،‬أو من يقوم بعملية الترصد أو كسر الباب أو قفل الخزانة( )‪ .‬وبعبارة أخرى‬
‫‪1‬‬

‫أن الفاعل هو كل من يقوم بفعل تنفيذي يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة أو يقوم بأي فعل‬
‫يعت بر في نظر الق انون ظرفا مشددا للعقاب‪ ،‬ورغم هذه التوس عة في مج ال األفع ال التي تشملها‬
‫المس اهمة المباش رة‪ ،‬فق د بقي الم ذهب الموض وعي ع اجزا عن إض فاء الحماي ة الكافي ة للمص الح‬
‫المراد حمايتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬االتجاه الشخصي‬
‫يس تند النظري ة الشخص ية في التمي يز بين الفاع ل والش ريك على الج انب الشخص ي م رده‬
‫اإلرادة‪ ،‬أي االعتماد على إرادة من يساهم في الجريمة للتفرقة بينهما‪ ،‬الختالف النية بين الفاعل‬
‫والشريك‪ ،‬فالمساهم األصلي يجب أن تتوافر لديه نية ارتكاب الجريمة باعتبار جريمته مشروعا‬
‫إجرامي خاصا به‪ ،‬ويرى غيره مجرد أتباع له يقدمون له المعاونة والمساعدة وهم شركاؤه في‬
‫الجريمة بتوافر نية االشتراك في جريمة لغيره فيساعد الفاعل على تحقيق مشروعه اإلجرامي‪،‬‬
‫ويف رق البعض بين الفاع ل والشريك على المص لحة‪ ،‬فيك ون ف اعال ألن الجريم ة تستهدف تحقي ق‬
‫مصلحة خاصة به‪ ،‬في حين أن الشريك يكون نيته متجهة نحو تحقيق مصلحة لغيره‪.‬‬
‫تقييم االتجاه‬
‫تع رض ه ذا االتج اه للنق د‪ ،‬بعج زه عن التفرق ة بين الفاع ل والش ريك باالس تناد للني ة‪ ،‬ألنه ا‬
‫تق وم على مج رد مج از‪ ،‬فالمس اهم عن د ارتكاب ه لنش اطه ال يفك ر فيم ا إذا ك ان نش اطه أص ليا أو‬
‫تبعي ا‪ ،‬وليس هن اك من وس يلة ممكن ة له ذا التمي يز بالكش ف عن الني ة‪ ،‬إال ب العودة للعم ل الم ادي‬
‫ال ذي أت اه المس اهم‪ ،‬وفي ه ذه الحال ة تس تند لفك ر لمادي ات الجريم ة ال تي يس تند إليه ا الم ذهب‬
‫الموضوعي( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 408‬وما يليها‪.‬‬
‫‪Vidal- Magnol: Cours de droit criminel et Science pénitentiaire. T 2.P. 561‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬أصول قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪121‬‬
‫موقف المشرع الجزائري من االتجاهين‬
‫باالعتم اد على حكم الم ادتين ‪ 42 ،41‬من ق انون العقوب ات نق ول أنه ا أحك ام تس تند في‬
‫التمييز بين الفاعل والشريك على نية وإ رادة المساهمين في الجريمة‪ ،‬من حيث مدى ما تتضمنه‬
‫تل ك اإلرادة من خط ورة إجرامي ة على أمن الجماع ة وس كينتها‪ ،‬فيعت بر ك ل من س اهم مس اهمة‬
‫مباشرة فاعال‪ ،‬ومن ساهم بصفة غير مباشرة يعتبر شريكا‪ ،‬وتأكيدا لهذا االتجاه باعتماده عنصر‬
‫الني ة اإلجرامي ة‪ ،‬ويؤك د ذل ك بحكم الم ادتين ‪ 46 ،1‬الل تين تق رران أن المح رض يعت بر ف اعال‬
‫للجريم ة ألن جريم ة التح ريض ثم رة بواعث ه واتج اه إرادت ه إليه ا وأن معاقبت ه غ ير مش روطة‬
‫بارتكابها ممن حرض عليها‪.‬‬
‫ورغم االتف اق ح ول التمي يز بين الفاع ل والش ريك من خالل المش روع اإلج رامي ومن‬
‫صاحبه‪ ،‬وأن التفرقة بينهما يجب حصرها في األفعال المساعدة المعاصرة الرتكاب الجريمة‪ ،‬لإن‬
‫األفعال المسهلة والمتممة السابقة للجريمة‪ ،‬ال تعدو أن تكون أعماال تحضيرية‪ ،‬تستبعد من مجال‬
‫التفرقة بين المساهمة المباشرة والمساهمة غير المباشرة‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة لألفعال الالحقة‬
‫على ارتكاب الجريمة‪ ،‬حيث ال يثور بشأنهما خالف‪ ،‬ألن األفعال السابقة كل من يقوم بها يعتبر‬
‫شريكا‪ ،‬وألفعال الالحقة ال صلة لها كأصل بالمساهمة‪ ،‬الحظ المادة ‪ 43‬وبعض األحكام الخاصة‬
‫من قانون العقوبات‪.‬‬
‫وقد اختلف حول المعيار الذي يميز بين األفعال المساعدة التي يعتبر مرتكبها فاعال وتلك‬
‫التي يعتبر القائم بها شريكا‪:‬‬
‫‪ -1‬رأي ي ذهب إلى أن م آل التفرق ة بين الفاع ل والش ريك‪ ،‬ه و التواج د على مس رح الجريمة( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وبالتالي فإن الفاعل ‪-‬باإلضافة لمن يقوم بالفعل المكون للركن المادي للجريمة‪ -‬هو كل من يقوم‬
‫بأفعال مساعدة ومتممة للجريمة على مسرح الجريمة( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -2‬رأي ثان يعتمد( ) الركن المعنوي للمساهمة‪ ،‬فكل من يتوافر لديه الركن المعنوي للمساهمة‬
‫‪3‬‬

‫األص لية يك ون ف اعال‪ ،‬ومن يت وافر لدي ه ال ركن المعن وي لالش تراك ش ريكا‪ ،‬ألن ه ركن يق وم على‬
‫عنص ري اإلرادة والعلم‪ ،‬فه و في الح الين واح د من حيث ج وهره‪ ،‬فإن ه يختل ف من حيث م داه‬
‫ونطاق ه‪ ،‬ألن إرادة المس اهم األص لي تنص رف إلى ارتك اب الجريم ة وبص ورة مباش رة‪ ،‬بينم ا‬
‫الشريك تنصرف إرادته إلى مساعدة ومعاون ة الفاع ل أو الفاعلين على تنفيذها أي بصورة غير‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫ويس تخلص من ه ذا أن إرادة الش ريك إرادة تبعي ة وغ ير مباش رة‪ ،‬فال تنص ب على الفع ل‬
‫األصلي وال يقبل ارتكاب الجريمة بنفسه‪ ،‬فهو يريد ويقبل ارتكابها بتقديم يد المساعدة والعون‬
‫للفاع ل‪ ،‬فال يرج ع إلي ه ق رار ارتكابه ا ألن قراره ا بي د الفاع ل األص لي للجريم ة‪ ،‬وه و رأي ال‬
‫يشترط التواجد في مسرح الجريمة للتفرقة بين الفاعل والشريك‪ ،‬ألن إرادة المساهم مساهمة غير‬
‫مباش رة رغم تواج ده في مس رح الجريم ة ق د ال تنص رف الرتك اب الجريم ة لوح ده فتنص رف‬
‫لمساعدة ومعاونة الفاعل‪ ،‬وهو ما يتفق مع جوهر النظرية الشخصية وتعريف المادتين ‪42 ،41‬‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ - 2‬يعتمد الفقه الجنائي في تعريف مسرح الجريمة على عناصر ثالث هي مكان ارتكابها وآثارها ومرتكبها‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬بهلول مليكة‪ :‬دور الشرطة العلمية والتقنية في الكشف عن الجريمة‪ ،‬رسالة دكتوراه علوم‪ ،‬ص ‪ 12‬وما يليها‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬سنة ‪.2013‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمد لعساكر‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118-117‬‬
‫‪122‬‬
‫لك ل منهم ا‪ ،‬وعلي ه يمكن الجم ع بين المعي ارين‪ ،‬فيك ون ف اعال من ي رتكب الفع ل كعنص ر من‬
‫عناص ر ال ركن الم ادي أو أن يتواج د على مس رح الجريم ة بش رط أن تتج ه نيت ه ب أن الجريم ة‬
‫جريمت ه‪ ،‬أم ا الش ريك فه و من ي رتكب مث ل ذل ك العنص ر ف ارتكب عمال تحض يريا على مس رح‬
‫الجريمة بشرط أن تتجه نيته إلى المساعدة على ارتكابها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ -‬صور االشتراك في الجريمة‬


‫إذا ك ان الش ريك بحس ب التحدي د الس ابق ه و ك ل من س اهم في الجريم ة مس اهمة غ ير‬
‫مباشرة‪ ،‬فيقتصر دوره على المشاركة بتقديم المساعدة والعون للفاعل أو الفاعلين لمؤازرتهم في‬
‫تنفي ذ غرض هم اإلج رامي‪ ،‬فق د ح ددت المادت ان ‪ 43 ،42‬من ق انون العقوب ات ص ور الس لوك‬
‫اإلجرامي باعتب اره مش اركة في الجريم ة‪ ،‬فص نف نوع ان‪ ،‬اش تراك حقيقي بالمس اعدة والمعاون ة‪،‬‬
‫واشتراك حكمي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ -‬االشتراك الحقيقي «المساعدة والمعاونة»‬
‫تعرف المساعدة بأنها مساعدة الفاعل وتقديم العون له الرتكاب جريمته بتقديم اإلمكانيات‬
‫والوسائل التي من شأنها أن تهيئ أو تسهل له ارتكاب الجريمة‪ ،‬فتنص المادة ‪« 42‬يعتبر شريكا‬
‫في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا‪ ،‬ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين‬
‫على ارتكاب األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة( ) لها مع علمه بذلك»‪ ،‬فالشريك إذن هو‬
‫‪4‬‬

‫من لم يشترك مباشرة في الجريمة ولكنه ساعد أو عاون بكل الطرق‪ ،‬وهي ألفاظ عامة تتسع لكل‬
‫فعل يقوم به الشخص مساعدة أو معاونة أو مؤازرة للفاعل‪ ،‬وهذا يعني أن الشريك يقوم بفعل‬
‫تحضيري يسهل ارتكاب الجريمة‪ ،‬مع وجوب العلم بأنه يقدمها للفاعل أو الفاعلين بنية المساعدة‬
‫على ارتك اب الجريم ة وأن ال تك ون على مس رح الجريم ة وإ ن وج دت في مس رها يجب أن ال‬
‫تتجه نيته على الجريمة جريمته‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬الخادم الذي يترك باب مسكن مخدومه‬
‫مفتوحا لتسهيل عملية السرقة للفاعلين‪ ،‬أو إعارة سيارة للفاعل بنية تسهيل عملية الهروب بعد‬
‫ارتك اب الجريم ة‪ ،‬أو تق ديم س الح لمن يري د ارتك اب جريم ة س رقة أو قت ل الس تعماله في ذل ك‪،‬‬
‫والمالحظ أن المساعدة والمعاونة على ارتكاب الجريمة قد ال تتخذ مظهرا ماديا واضحا كما في‬
‫األمثل ة الس ابقة‪ ،‬فيقتص ر دور الش ريك على المس اعدة بإعط اء تعليم ات وإ رش ادات لمن ين وي‬
‫ارتك اب الجريم ة‪ ،‬توض ح ل ه كيفي ة إتيانه ا‪ ،‬وكي ف يتخلص مم ا ق د يعترض ه من ص عوبات أثن اء‬
‫التنفيذ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويستخلص من المادة ‪ 42‬أن تكون أفعال المساعدة والمؤازرة سابقة أو معاصرة للسلوك‬
‫موضوع المساهمة‪ ،‬ليسهل على الفاعل ارتكاب جريمته‪ ،‬فهذه جميعها أفعال مساعدة أو معاونة‬
‫على إتيان الفعل أو األفعال‪ ،‬بشرط أن يكون المساعد أو المعاون وهو الشريك يعلم أن الغرض‬
‫من تقديم مساعدته ومعاونته للفاعل هو تعضيده في تنفيذ الجريمة( )‪ ،‬والمالحظ أن هذه المساعدة‬
‫‪3‬‬

‫ورغم اقتصارها على عمل تحضيري يمكن اعتبار القائم به فاعال أصليا للجريمة أو شريكا فقط‪،‬‬
‫بحسب ما إذا كان متواجدا على مسرح الجريمة واتجهت نيته للمساعدة فقط‪.‬‬

‫‪ -1‬نالحظ أن النص باللغة الفرنسية استعمل ‪ ou qui l’ont consommée‬مقابل المصطلح الذي استعملته النسخة العربية‬
‫وهو «المنفذة»‪.‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.455‬‬
‫‪ -3‬نقض جزائي ‪ ،1988.04.12‬المجلة القضائية عدد ‪ ،2‬سنة ‪ ،1993‬ص ‪.170‬‬
‫نقض جزائي ‪ ،1989.02.14‬المجلة القضائية عدد ‪ ،3‬سنة ‪ ،1991‬ص ‪.203‬‬
‫‪123‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬االشتراك الحكمي‬
‫ينظم قانون العقوبات االشتراك الحكمي في موضعين‪ ،‬في األحكام العامة لقانون العقوبات‬
‫في الم ادة ‪ 43‬من ه‪ ،‬وفي بعض الم واد من األحك ام الخاص ة في ه في الم واد ‪ 177 ،91‬مك رر‪،‬‬
‫‪ 394‬مكرر ‪ 5‬منه‪.‬‬
‫أوال‪ -‬االعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ‬
‫تنص الم ادة ‪« 43‬يأخذ حكم الش ريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا لالجتماع‬
‫لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام‬
‫أو ض د األش خاص أو األم وال م ع علم ه بس لوكهم اإلج رامي»‪ ،‬ص ورة لالش تراك ليس ت حقيقي ة‪،‬‬
‫ألن من شروط االشتراك أن يكون سابقا على ارتكاب الجريمة أو معاصرا لها‪ ،‬ويؤسس إضفاء‬
‫وص ف الش ريك حكم ا على من اعت اد تق ديم مس كن ألح د المج رمين‪ ،...‬على العم ل على مكافح ة‬
‫جمعيات األشرار ومعتادي اإلجرام لما تشكله هذه الجماعات من خطر على األمن العام هذا من‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية فإن التعود على مثل تلك السلوكات أو األفعال من شأنه أن يشد ويزيد في‬
‫عزيمة الجناة على مواصلة العمل بغرض تنفيذ الجريمة‪ ،‬وإ ضفاء وصف الشريك حكما يتطلب‬
‫شرطين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬االعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ لجمعيات األشرار أو أحد أفرادها‪ ،‬ألن عدم توافر شرط‬
‫االعتياد ينفي عن الفعل صفة االشتراك الحكمي فتكون جريمة خاصة ومميزة المقررة في المادة‬
‫‪ 180‬ق‪.‬ع «فيما عدا الحاالت المنصوص عليها في المادتين ‪ 42‬و ‪ 91‬فقرات ‪ 2‬و ‪ 3‬و ‪ 4‬كل‬
‫من أخفى عمدا شخصا يعلم أنه ارتكب جناية أو أن العدالة تبحث عنه بسبب هذا الفعل وكل من‬
‫ح ال عم دا دون القبض على الج اني أو البحث عن ه أو ش رع في ذل ك وك ل من س اعده على‬
‫االختف اء أو اله رب يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات وبغرام ة من ‪ 20.001‬إلى‬
‫‪ 100.000‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين( )»‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬أن يعلم من يقدم المسكن أو الملجأ أو مكانا لالجتماع‪ ،‬بما ينويه من يقدم لهم يد المساعدة من‬
‫سلوك إجرامي‪ ،‬ألن عدم علمه بذلك ينفي عنه صفة الشريك حكما‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬حاالت مقررة في األحكام الخاصة لقانون العقوبات‬
‫ومن تطبيقات االشتراك الحكمي في القانون الجزائري في أحكامه الخاصة‪.‬‬
‫‪ -1‬إض فاء وص ف الش ريك حكم ا على أش خاص ال تت وافر فيهم ص فة الفاع ل وال الش ريك‪ ،‬في‬
‫الم ادة ‪ 91/2‬فتنص «يع اقب باعتب اره ش ريكا من ي رتكب دون أن يك ون ف اعال أو ش ريكا أح د‬
‫األفع ال اآلتي ة‪ :‬أ‪ -‬تزوي د مرتكبي الجناي ات أو الجنح ض د أمن الدول ة ب المؤن أو وس ائل المعيش ة‬
‫وتهيئة مساكن لهم أو أماكن الختفائهم أو لتجمعهم وذلك دون أن يكون قد وقع إكراه ومع علمه‬
‫بنواياهم‪ .‬ب‪ -‬حمل مراسالت مرتكبي هذه الجنايات وتلك الجنح وتسهيل الوصول إلى موضوع‬
‫الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله وذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك»‪.‬‬
‫‪ -2‬االش تراك في جمعي ة أش رار‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 177‬مك رر تنص «دون اإلخالل بأحك ام الم ادة‬
‫‪ 42‬من هذا القانون‪ ،‬يعد اشتراكا في جمعية األشرار( ) المنصوص عليها في هذا القسم‪ :‬أ‪ -‬كل‬
‫‪2‬‬

‫اتف اق بين شخص ين أو أك ثر الرتك اب إح دى الج رائم المنص وص عليه ا في الم ادة ‪ 176‬من ه ذا‬
‫‪ - 1‬رفع الحدان األدنى واألقصى لعقوبة الغرامة بالمادة ‪ 60‬من القانون ‪ 23-06‬المعدل والمتمم لقانون العقوبات‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫القانون‪ ،‬بغرض الحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى‪ ،‬ب‪ -‬قيام الشخص عن علم بهدف‬
‫جمعية األشرار أو بعزمها على ارتكاب جرائم معينة بدور فاعل في»‪« :‬نشاط جمعية األشرار‬
‫وفي أنش طة أخ رى تض طلع به ا ه ذه الجماع ة م ع علم ه أن مش اركته ستس اهم في تحقي ق اله دف‬
‫اإلج رامي للجماع ة»‪« ،‬تنظيم ارتك اب جريم ة من قب ل جمعي ة األش رار أو اإليع از بارتك اب تل ك‬
‫الجريمة أو المساعدة أو التحريض( ) عليه أو تيسيره أو إبداء المشورة بشأنه»‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬المشاركة في مجموعة أو اتفاق يعد الرتكاب جريمة من الجرائم بالمساس بأنظمة المعالجة‬
‫اآللي ة للمعطي ات‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 394‬مك رر ‪« 5‬ك ل من ش ارك في مجموع ة أو في اتف اق ت ألف‬
‫بغرض اإلعداد لجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم وكان هذا التحضير‬
‫مجسدا بفعل أو عدة أفعال مادية‪ ،‬يعاقب بالعقوبات المقررة للجريمة ذاتها»‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ -‬مسؤولية الشريك وعقابه‬
‫تق رر التش ريعات الجنائي ة ومن بينه ا ق انون العقوب ات الجزائ ري مس ؤولية الش ريك في‬
‫المساهم الجنائية‪ ،‬وإ ن هي اختلفت في األسس التي تقوم عليها‪ ،‬والتي على ضوئها تحدد شروط‬
‫مساءلته جزائيا‪ ،‬باإلضافة لتحديد مقدار العقاب المقرر له وأثر الظروف على العقوبة المقررة‬
‫له‪ ،‬فتنص المادة ‪ 42‬ق‪.‬ع «يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا‪ ،»...‬وتنص‬
‫المادة ‪« 44/1‬يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة( )»‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الفرع األول‪ -‬المسؤولية‬


‫تنص الم ادة ‪« 44/1‬يع اقب الش ريك في جناي ة أو جنح ة بالعقوب ة المق ررة للجناي ة أو‬
‫الجنحة»‪ ،‬فإذا كانت المسؤولية الجزائية واحدة بين الفاعل والشريك‪ ،‬فإن المساهمة غير المباش رة‬
‫ترتب المسؤولية الجزائية يجب أن تتوافر فيها مجموعة شروط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يقوم الشريك بإحدى األفعال المكونة للمساهمة غير المباشرة‪ ،‬بالمساعدة أو المعاونة أو‬
‫االعتياد على تقديم مسكن لجمعيات األشرار‪ ،‬وفقا لما تحدده المواد ‪ 91 ،43 ،42‬فقرة ‪177 ،1‬‬
‫مكرر من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن تكون الجريمة موضوع المساهمة قد وقعت أو على األقل شرع في ارتكابها‪ ،‬فال‬
‫مجال للمساءلة أو المساعدة والمعاونة على اقتراف جريمة ما لم تكن قد ارتكبت أو شرع فيها‪،‬‬
‫ألن المساعدة عمل تحضيري غير معاقب عليه أصال‪.‬‬
‫‪ -3‬توافر العالقة السببية بين فعلي المساهمة المباشرة وغير المباشرة‪ ،‬بوجود وحدة مادية تبدو‬
‫في الرغبة في تحقيق مشروع إجرامي واح د‪ ،‬فالفاع ل يعتبر الجريم ة جريمت ه كمشروع خ اص‬

‫‪ -2‬تنص الم ادة ‪« 177‬يع اقب على االش تراك في جمعي ة األش رار بالس جن الم ؤقت من خمس(‪ )5‬س نوات إلى عش ر(‪)10‬‬
‫سنوات وبغرامة من ‪ 500.000‬دج إلى ‪ 1.000.000‬دج‪ ،‬إذا تم اإلعداد الرتكاب جنايات‪».‬‬
‫‪ -1‬ونالح ظ أن المقص ود ب التحريض في ه ذه الحال ة تح ريض بس يط أو ع ادي‪ ،‬ليس المقص ود ب ه التح ريض الموص وف‬
‫المنصوص عليه في المادة ‪.41‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ أن المش رع الجن ائي خ رج على المب دإ ال ذي يق رره في الم ادة ‪ 43/4‬من ق انون العقوب ات بع دم العق اب على‬
‫المخالفات إطالقا‪ ،‬بتجريم االشتراك أحيانا في المخالفات في األحكام الخاصة من قانون العقوبات‪ ،‬فتنص مثال المادة ‪442‬‬
‫من ه «يعاقب ب الحبس من عش رة أي ام على األق ل إلى ش هرين على األك ثر وبخرام ة مالي ة من ‪ 8.000‬إلى ‪ 16.000‬دج أو‬
‫بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ -1 :‬األشخاص وشركاؤهم ‪ Les individus et leurs complices‬الذين يحدثون جروحا أو‬
‫يعتدون بالضرب‪ ،»...‬وكذلك تنص المادة ‪ 442‬مكرر من نفس القانون «يعاقب بغرامة من ‪ 8.000‬إلى ‪ 16.000‬دج كما‬
‫يجوز أن يعاقب بالحبس لمدة عشرة أيام على األكثر األشخاص وشركاؤهم ‪»Les auteurs et complices‬‬
‫‪125‬‬
‫ب ه‪ ،‬وي رى غ يره مج رد أتب اع ل ه يق دمون ل ه المعاون ة والمس اعدة‪ ،‬والش ريك ي رى نفس ه يق دم ي د‬
‫المساعدة لغيره‪ ،‬ووجود وحدة معنوية تبدو في الرابطة الذهنية بينهما‪.‬‬
‫‪ -4‬توافر القصد الجنائي لدى من يشترك مع غيره في ارتكاب الجريمة‪ ،‬وهو نفس القصد في‬
‫الجريمة التامة‪ ،‬ويقوم القصد في هذا المجال على عنصري اإلرادة والعلم‪ ،‬فيقوم الشريك بسلوكه‬
‫حرا مختارا بقصد تحقيق الجريمة التي يساهم فيها‪ ،‬ويعلم بحقيقة الفعل الذي يساهم به وحقيقة‬
‫الجريمة األصلية ونتيجتها ورغبته في تحقيقها بالمساعدة‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ -‬العـقـاب على االشتراك‬
‫تنص المادة ‪« 44‬يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة»‪،‬‬
‫«وال يعاقب على االشتراك في المخالفة إطالقا»‪ ،‬فطالما أن االشتراك ال يكون في المخالفات( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫فإن العقاب ال يكون إال على المشاركة في جناية أو جنحة التي يعاقب على االشتراك فيها بوجود‬
‫نص خاص يقضي بذلك ‪ ،‬ويوحد القانون المساءلة على الجريمة التامة والمحاولة فيها‪ ،‬فالشريك‬
‫في الجناي ة أو الجنح ة يع اقب بعقوب ة الجناي ة أو الجنح ة ال تي س اهم فيه ا‪ ،‬إال أن ه ذا ال يمن ع‬
‫القاضي الجزائي استعمال سلطته في تقرير العقاب المناسب إعماال لألحكام القانونية المقررة في‬
‫المواد ‪ 54 ،) (53 ،44‬وما يليهما‪ ،‬بتطبيق عقوبة على المساهم في الجريمة فاعال أو شريكا أشد‬
‫‪2‬‬

‫أو أخ ف من العقوب ة المق ررة للجناي ة أو الجنح ة بحس ب الظ روف الشخص ية المت وفرة أو‬
‫الموضوعية سواء كانت مخففة أو مشددة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ -‬أثر الظروف على العقاب‬
‫يوحد القانون بين الفاعل والشريك في المسؤولية الجزائية والعقوبة تأثرا بنظرية التبعية‪،‬‬
‫فتنص الم ادة ‪ 44/1‬ق‪.‬ع «يع اقب الش ريك في جناي ة أو جنح ة بالعقوب ة المق ررة للجناي ة أو‬
‫الجنحة»‪ ،‬وفي نفس الوقت وضع قواعد خاصة تخضع للظروف التي تحيط بالمساهم أو السلوك‬
‫من ظ روف شخص ية أو ظ روف موض وعية‪ ،‬فتنص نفس الم ادة فقرتيه ا ‪« 3 ،2‬وال ت ؤثر‬
‫الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال بالنسبة للفاعل أو‬
‫الشريك الذي تتصل به هذه الظروف»‪« ،‬والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي‬
‫إلى تش ديد أو تخفي ف العقوب ة ال تي توق ع على من س اهم فيه ا ي ترتب عليه ا تش ديدها أو تخفيفه ا‬
‫بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف»‪ ،‬فما هي الظروف الشخصية والموضوعية وما‬
‫حكمهما تشديدا أو تخفيفا؟‬
‫أوال‪ -‬الظروف الشخصية‬
‫الظروف الشخصية ظروف تتعلق بشخص المساهم في الجريم ة فتتطلب توافر صفة فيه‬
‫تتعلق وهي تتعلق ب الركن المعنوي للجريمة‪ ،‬من شأنها زيادة خطورة الجريم ة أو التقلي ل منه ا‪،‬‬

‫‪ -1‬خرج المشرع الجنائي على قاعدة عدم العقاب على االشتراك في المخالفات المقررة في المادة ‪ 43/4‬ق‪.‬ع‪ ،‬في المادة‬
‫‪ 442‬منه التي تنص «يعاقب بالحبس من عشرة (‪ )10‬أيام على األقل إلى شهرين (‪ )2‬على األكثر وبغرامة من ‪8.000‬‬
‫دج إلى ‪ 16.000‬دج »‪« ،‬ا‪ - 1‬ألشخاص وشركاؤهم الذين يحدثون جروحا أو يعتدون بالضرب‪.»...‬‬
‫‪ -2‬ويمكن للقاض ي الج زائي تخفي ف العقوب ة على ك ل مس اهم في الجريم ة ي راه ج ديرا بتخفي ف العق اب علي ه‪ ،‬باس تعمال‬
‫الظ روف المخفف ة المق ررة في الم ادة ‪ 53‬ق‪.‬ع‪ ،‬وفي الح دود ال تي يس مح ل ه به ا الق انون في نفس الم ادة‪ ،‬وه ذا يع ني أن‬
‫المس اهم في الجريم ة يس تقل بعقوبت ه على المس اهمين اآلخ رين تبع ا لم دى ت وافر الظ روف المخفف ة أو الشخص ية أو‬
‫الموضوعية‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫فتدعو إلى تشديد العقاب على المتهم أو تخفيفه أو اإلعفاء منه‪ ،‬وهي ‪ ،‬وقد وضع القانون حكمها‬
‫بوجوب عدم تأثيرها إال فيمن توافرت فيه( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬الظروف الشخصية المشددة للعقاب‬


‫الظروف الشخص ية المش ددة للعق اب ظروف يعتمدها قانون العقوبات بتش ديد العق اب على‬
‫المتهم الذي توافرت فيه‪ ،‬ومنها‪ :‬صفة األصل في جريمتي هتك العرض واالغتصاب طبقا للمادة‬
‫‪ ،337‬في جريمتي هتك العرض واالغتصاب في المادة ‪ 337‬ق‪.‬ع‪ ،‬وسبق اإلصرار في جرائم‬
‫القت ل والض رب والج رح في الم ادتين ‪ ،265 ،261‬وص فة البن وة أو الف رع في جريم ة قت ل‬
‫األصول في المادة ‪ ،261‬وظرف العود في المواد ‪ 54‬مكرر وما يليها‪ ،‬وصفة الخادم مثال في‬
‫المادة ‪.353‬‬
‫‪ -2‬األعذار المعفية‬
‫تع رف باألع ذار القانوني ة‪ ،‬هي ظ روف شخص ية كيفه ا الق انون بأنه ا أع ذار م تى ت وافرت‬
‫فيمن ارتكب الجريمة أو ساهم فيها فتعفيه من العقاب‪ ،‬وهي صفات يحددها القانون سلفا وحصرا‬
‫في كل نص تجريمي يرى داع فيه لإلعفاء من العقاب ال تنطبق إال على جرائم معينة ومحددة‪،‬‬
‫فال يترك للقاضي الجزئي أي سلطة تقدير وجودها والعمل بمقتضاها( )‪ ،‬فوضع حكمها في المادة‬
‫‪2‬‬

‫‪ 52/1‬ق‪.‬ع «األع ذار هي ح االت مح ددة في الق انون على س بيل الحص ر ي ترتب عليه ا م ع قي ام‬
‫الجريم ة والمسؤولية إم ا عدم عق اب المتهم إذا كانت أعذارا معفية‪ ،») (...‬ومن األعذار المعفية‬
‫‪3‬‬

‫من العقاب صفة األصل أو الفرع في جرائم‪ :‬السرقة والنصب وخيانة األمانة في المواد ‪،368‬‬
‫‪ 389 ،377 ،373‬ق‪.‬ع‪ ،‬وص فة القرابة غير المباشرة وبالمصاهرة حتى الدرجة الرابع ة في‬
‫جريم ة إخف اء الجن اة أو الحيلول ة عم دا دون القبض عليهم أو البحث عنهم أو الش روع في ذل ك‬
‫طبقا للمادة ‪ 180/2‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -3‬الظروف الشخصية المانعة من قيام المسؤولية الجزائية‬
‫وهي ظروف تمنع مساءلة من توافرت لديه جزائيا‪ ،‬مثل حالة الجنون وفقدان الوعي طبقا‬
‫للمادة ‪ ) (47‬ق‪.‬ع واإلكراه في المادة ‪ 48‬ق‪.‬ع وصغر السن في المادة ‪ 49‬ق‪.‬ع فتنص «ال توقع‬
‫‪4‬‬

‫على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إال تدابير الحماية أو التربية»‪« ،‬ومع ذلك فإنه في مواد‬
‫المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»‪« ،‬ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه ‪ 13‬إلى ‪ 18‬إما لتدابير‬
‫الحماية‪ ،‬أو التربية أو لعقوبات مخففة( )»‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -4‬الظروف الشخصية المخففة‬


‫وهي ظروف على نوعين ظروف قضائية مخففة وأعذار قانونية مخففة‪.‬‬

‫‪ -1‬ويعتبر هذا الحكم بالنسبة للظروف الشخصية‪ ،‬وهو عدم تعدي أثر الظروف إلى غير من توافرت فيه‪ ،‬من نتائج تبني‬
‫فكر نظرية االستقالل‪ ،‬أي استقالل كل مساهم بظروفه فيتأثر بها وحده دون غيره من المساهمين‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.426‬‬
‫‪ - 2‬األعذار القانونية المعفية ال تمحو صفة عدم المشروعية فال تمنع من اتخاذ تدابير األمن على من أعفي من العقاب‪.‬‬
‫‪ - 3‬نالحظ أن اإلعفاء من العقاب لتوفر العذر المعفي ال يمنع من تطبيق تدابير األمن على المعفى من العقاب‪ ،‬المادة ‪52/2‬‬
‫ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -4‬تنص الفق رة ‪ 2‬من الم ادة ‪« 21‬يمكن أن يص در األم ر ب الحجز بم وجب حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو‬
‫بعدم وجود وجه إلقامة الدعوى‪ ،‬غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة»‬
‫‪ -5‬راجع المادتين ‪ 51 ،50‬من قانون العقوبات والمواد ‪ 87 ،86 ،85 ،40 ،37 ،36 ،35‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫أ‪ -‬الظ روف القض ائية المخفف ة لم يح ددها الق انون حص را ف ترك أم ر تقري ر وجوده ا وتطبيقه ا‬
‫لسلطة القاضي الجزائي‪ ،‬يجوز له تخفيف العقاب متى قدر ذلك طبقا للمادة ‪ 53‬وما يليها «يجوز‬
‫تخفيض العقوبات المنصوص عليها قانونا بالنسبة للشخص الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت‬
‫إفادت ه بظ روف مخفف ة‪ ،») (...‬وتنص الم ادة ‪ 53‬مك رر‪« 7‬تج وز إف ادة الش خص المعن وي‬
‫‪3‬‬

‫ب الظروف المخففة‪ ،‬حتى ولو كان مسؤوال جزائي ا وح ده»‪ ،‬إال أن ه ليس هن اك م ا يمن ع أن ينص‬
‫القانون على استبعاد تطبيقا مثل ما ورد في قانون مكافحة التهريب( ) في المادة ‪ 22‬منه‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ب‪ -‬األع ذار القانوني ة‪ ،‬وهي ظ روف شخص ية أيض ا‪ ،‬تتم يز عن الظ روف القض ائية أنه ا ج اءت‬
‫في القانون حصرا‪ ،‬فتنص المادة ‪ 52/1‬ق‪.‬ع «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل‬
‫الحص ر ي ترتب عليه ا‪ ....‬تخفي ف العقوب ة إذا ك انت مخففة( )»‪ ،‬أع ذار يقرره ا الق انون س لفا‬
‫‪5‬‬

‫وحص را في ك ل نص تج ريمي ي رى داع لتخفي ف العق اب‪ ،‬وهي تتم يز أيض ا من حيث وجب‬
‫إعماله ا م تى ت وفرت‪ ،‬فتنحص ر س لطة القاض ي في البحث عن وجوده ا من عدم ه‪ ،‬ف إذا ت وافرت‬
‫طب ق حكمه ا‪ ،‬ومن أمثلته ا ع ذر تج اوز ال دفاع الش رعي في الم ادة ‪ 278‬ق‪.‬ع‪ ،‬وع ذر ص فة‬
‫الزوجي ة في جريم ة القت ل والض رب والج رح أثن اء مفاج أة ال زوج لل زوج اآلخ ر متلبس ا بجريم ة‬
‫الزنا في المادة ‪ 279‬ق‪.‬ع‪ ،‬وعذر صغر السن بين ‪ 18-13‬في المادتين ‪ 51 ،50‬ق‪.‬ع‪ ،‬وعذر‬
‫صفة األم في جريمة قتل الحديث العهد بالوالدة في المادة ‪ 261/2‬ق‪.‬ع( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫ونالحظ أن هذه األعذار قد تكون عامة تطبق على كل أنواع الجرائم كعذر تجاوز الدفاع‬
‫الش رعي وع ذر ص غر الس ن طبق ا للم ادة ‪ 49‬وم ا يليه ا‪ ،‬وق د تك ون أع ذارا خاص ة ال تس ري إال‬
‫على نوع محدد من الجرائم يحدده القانون سلفا كالعذر المقرر في المادة ‪ 279‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الظروف الموضوعية‬
‫هي ظروف مادية ويطلق عليها العينية‪ ،‬تتصل بماديات الجريمة‪ ،‬تتصل بالفعل فتغير من‬
‫خطورت ه زي ادة ونقص انا‪ ،‬لطبيع ة الوس يلة المس تعملة في الجريم ة‪ ،‬كالس م في القت ل والس الح أو‬
‫التس لق في جريم ة الس رقة‪ ،‬أو لتع دد الجن اة في جريم ة الس رقة مثال‪ ،‬أو لزم ان ارتك اب الجريم ة‬
‫كظرف الليل في السرقة‪ ،‬والنهار في الجرائم الواردة في المادة ‪ 40‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫وهي ظروف يمتد أثرها إلى كل من ساهم في الجريمة‪ ،‬فتؤثر في مسؤولية الجميع سواء‬
‫ك انوا ف اعلين أو ش ركاء‪ ،‬وهي نتيج ة طبيعي ة لقاع دة وح دة الجريم ة مادي ا ومعنوي ا‪ ،‬وتختل ف‬
‫األنظم ة التش ريعية ح ول ش رط العلم بوجوده ا من عدم ه‪ ،‬فمنه ا من ال تش ترط العلم كالق انون‬
‫الفرنس ي‪ ،‬ومنه ا تق ر بوج وب علم المس اهم به ا ق وانين تش ترط العلم ب الظروف الموض وعية‬
‫كق انون العقوب ات الجزائ ري في الم ادة ‪ 44/3‬ق‪.‬ع «والظ روف الموض وعية اللص يقة بالجريم ة‬
‫التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو‬
‫تخفيفها بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف»‪.‬‬

‫‪ -3‬تنص المادة ‪« 21/2‬يمكن أن يصدر األمر بالحجز ‪Internement‬بموجب حكم بإدانة المتهم أو العفو عنه أو ببراءته أو‬
‫بعدم وجود وجه إلقامة الدعوى‪ ،‬غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة»‪.‬‬
‫‪ -4‬القانون الصادر باألمر ‪ 06-05‬في ‪ 23‬أوت ‪ ،2005‬المنشور في الجريدة الرسمية رقم ‪ 59‬بتاريخ ‪ 28‬أوت ‪.2005‬‬
‫‪ - 5‬نالحظ أن اإلعفاء من العقاب لتوفر العذر المعفي من العقاب‪ ،‬ال يمنع من تطبيق تدابير األمن‪ ،‬المادة ‪ 52/2‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -6‬تنص الفق رة الثاني ة من المادة ‪ 261‬على أن ه «وم ع ذل ك تع اقب األم س واء ك انت فاعل ة أص لية أو ش ريكة في قت ل ابنها‬
‫ح ديث العه د ب الوالدة بالس جن الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة على أال يطب ق ه ذا النص على من س اهموا أو‬
‫اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة»‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫ومن الظروف الموضوعية المشدد للعقاب‪ ،‬تلك التي تلحق ارتكاب جريمة السرقة كظرف‬
‫اللي ل وحم ل الس الح والتس لق والكس ر وغيره ا المق ررة في الم ادة ‪ 351‬وم ا يليه ا من ق انون‬
‫العقوبات‪ ،‬والترصد في جرائم القتل والضرب والجرح في المواد ‪ 265 ،261 ،257‬من نفس‬
‫القانون‪ ،‬أما الظروف الموضوعية المخففة مثل عذر وقوع ضرب شديد من أحد األشخاص فيدفع‬
‫المعتدى عليه الرتكاب جريمة القتل أو الجرح أو الضرب طبقا للمادة ‪ 278‬من قانون العقوبات‪،‬‬
‫وك ذلك ظ رف دف ع تس لق أو ثقب أس وار أو حيط ان أو تحطيم م داخل المس اكن أو األم اكن‬
‫المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث كل ذلك أثناء النهار طبقا للمادة ‪ ،) (278/1‬ومنها أيضا إطالق‬
‫‪1‬‬

‫س راح المحتج ز أو المحبوس بدون وج ه ح ق أو وض ع ح د للخط ف المق رر في الم ادة ‪ 294‬من‬


‫نفس القانون‪.‬‬
‫الباب الثالث‬
‫الركـــن المـعـنـوي‬
‫يفترض قيام الجريمة بالضرورة وجود عالقة نفسية بين من يقوم بها في أي صورة تمت‬
‫وبين الس لوك والنتيج ة المترتب ة عن ه‪ ،‬أي أن تنس ب للفاع ل الواقع ة المجرم ة وأن يثبت أن من‬
‫صدر عنه السلوك يتمتع بإرادة واعية آثمة‪ ،‬فال تقوم المسؤولية الجزائية إال إذا اتجهت اإلرادة‬
‫إلى وق ائع يجرمه ا ق انون العقوب ات أو الق وانين المكمل ة ل ه‪ ،‬فتس مى إرادة إجرامي ة‪ ،‬فالجريم ة ال‬
‫يمكن قيامها إال إذا تحقق االعتداء أو العدوان على حق أو مصلحة يحميها القانون جزائيا‪.‬‬
‫ويحت ل ال ركن المعن وي أهمي ة خاص ة فال يمكن قي ام جريم ة م ا ب دون ت وافره‪ ،‬فالمش رع‬
‫الجنائي عند تحديده للمسؤولية الجزائية ومدى قيامها في حق شخص ما‪ ،‬يستند إليه‪ ،‬فال يسأل‬
‫عن السلوك إذا لم تقم رابطة أو صلة نفسية بين من قام به وبين السلوك أي الماديات المكونة له‪،‬‬
‫فالركن المعنوي هو العالقة التي تربط بين الماديات التي تقوم عليها الجريمة وشخصية الجاني‪،‬‬
‫تب دو( ) فيه ا س يطرة ه ذا األخ ير على س لوكه وآث اره‪ ،‬وهي عالق ة تك ون مح ل ل وم الق انون على‬
‫‪2‬‬

‫إتيانها فيسبغ عليها عدم المشروعية‪ ،‬فهو إذن األصول النفسية للجريمة والسيطرة عليها( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وعليه فالركن المعنوي يقوم على إرادة معتبرة قانونا تتجه لمخالفة أمر القانون أو نهيه‪،‬‬
‫س واء ب إرادة الفع ل والنتيج ة مع ا‪ ،‬بإتي ان س لوك يجرم ه الق انون تحقيق ا لتل ك النتيج ة‪ ،‬كمن يطل ق‬
‫الن ار على ش خص بقص د قتل ه أو أخ ذ م ال ممل وك للغ ير بني ة تملك ه‪ ،‬أو ق د تك ون اإلرادة تري د‬
‫السلوك وال تريد النتيجة‪ ،‬كأن يطلق شخص النار بغرض الصيد فيصيب شخصا مارا بالقرب‬
‫من مكان الصيد‪ ،‬وفي الحالين فإن اإلرادة في كال األمرين يجب أن يتوفر فيها عنصرا األهلية‬
‫وحرية االختيار‪.‬‬
‫المسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية‬
‫تحتل اإلرادة أهمية جوهرية في النظرية العامة للجريمة‪ ،‬فهي قوام الركن المعنوي بشقيه‬
‫القصد والخطأ‪ ،‬وهي صفة لصيقة باإلنسان وال يعتد بها القانون إال إذا كانت واعية حرة‪ ،‬وهو‬
‫األم ر الذي ط رح س ؤاال جوهريا ح ول مدى مس ؤولية األش خاص المعنوي ة جزائي ا؟‪ ،‬خاص ة في‬

‫‪ -1‬أنظر المادة‪ 277‬زما يليها من قانون العقوبات‪.‬‬


‫‪ -2‬د‪ .‬محم ود نجيب حس ني‪ :‬النظري ة العام ة للقص د الجن ائي‪ ،‬دراس ة تأص يلية للركن المعن وي في الج رائم العمدية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪ ،1988‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬
‫‪129‬‬
‫ظ ل األنظم ة القانوني ة الحديث ة ال تي تع ترف بوج ود األش خاص المعنوي ة فتنظمه ا وتع ترف له ا‬
‫بجمي ع الحقوق إال ما كان منه ا لصيقا بش خص اإلنسان‪ ،‬وبالتالي فللش خص المعنوي ذمة مالية‬
‫وأهلية قانونية ووطن مستقل وأهلية تقاضي‪ ،‬وقد ثار جدل فقهي حول مدى مسؤولية األشخاص‬
‫المعنوية من الناحية الجزائية‪ ،‬فظهر رأيان‪ ،‬رأي ينكرها وآخر يعترف بها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬رأي أول ينك ر قيامه ا لع دم ت وافر اإلرادة ال تي ال تت وفر إال للش خص الط بيعي لقيامه ا على‬
‫عنص ري اإلدراك والتمي يز ه ذا من جه ة‪ ،‬ومن جه ة أخ رى ف إن االع تراف بقي ام المس ؤولية‬
‫الجزائية لألشخاص المعنوية يتناقض مع الغرض الذي وجد من أجله وهو غرض مشروع في‬
‫حين أن الجريمة غير مشروعة يعتبر عندها الشخص المعنوي غير موجود‪ ،‬ويتعارض مع مبدإ‬
‫التخص ص ال ذي يحكم وج وده الق انوني‪ ،‬ألن التخص ص مح دد بغ رض يع ترف بوج وده الق انون‪،‬‬
‫ف إذا خرج الش خص المعنوي عنه انعدم وجوده‪ ،‬وهو اتج اه ال يف رق بين األفع ال ال تي يقوم بها‬
‫الممثل القانوني للشخص المعنوي لحساب هذا األخير وبين تلك التي يقوم بها لحسابه الخاص‪،‬‬
‫فيسأل الممثل في الحالين وال يسأل الشخص المعنوي وهو ما يتعارض مع مبدإ شخصية العقوبة‬
‫فيه درها‪ ،‬ألن توقي ع العقوب ة على الش خص المعن وي من ش أنه أن يمس بمص الح الش ركاء‬
‫وأص حاب المص الح في ه ال ذين ق د ال تك ون لهم أي ص لة بالجريم ة‪ ،‬باإلض افة إلى أن العقوب ات‬
‫المقررة قانونا كاإلعدام والسجن والحبس ال يمكن توقيعها على األشخاص المعنوية لعدم اتساقها‬
‫مع طبيعتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رأي يع ترف بالمس ؤولية الجزائي ة لألش خاص المعنوي ة‪ ،‬يس تند على أن التش ريعات الحديث ة‬
‫تعترف بوجود األشخاص المعنوية وتنظمها‪ ،‬باإلضافة لذلك يحاول دحض ما ذهب إليه الرأي‬
‫األول بعدم المسؤولية‪ ،‬ألن إنكار اإلرادة على الشخص المعنوي يستحيل معه أن يكون طرفا في‬
‫العقود وبالتالي استحالة ترتيب المسؤولية المدنية‪ ،‬وأن قيام مسؤوليتها الجزائية يتعارض مع مبدإ‬
‫شخصية العقوبة فيهدرها ليس صحيحا ألن أثر تنفيذ العقوبة بتوقيع العقوبة على المحكوم عليه‬
‫اإلنس ان يتع دى أيض ا إلى غ يره من أف راد أس رته‪ ،‬فعقوب ة اإلع دام والعقوب ات الس البة للحري ة من‬
‫سجن مؤبد ومؤقت وحبس من شأن توقيع أي منها أن يتعدى أثرها إلى األشخاص الذين يعولهم‬
‫مثال‪ ،‬وبالنس بة للعقوب ات نفس ها فهن اك من العقوب ات م ا يص دق م ع طبيع ة األش خاص المعنوي ة‪،‬‬
‫كالمص ادرة والغرام ة‪ ،‬باإلض افة لعقوب ات خاص ة به ا كالح ل الم ؤقت أو النه ائي والوض ع تحت‬
‫الحراسة‪.‬‬
‫موقف القانون الجزائري‬
‫يع ترف المش رع الجزائ ري بوج ود األش خاص المعنوي ة وينظمه ا‪ ،‬حيث تتمت ع ب الحق في‬
‫الذمة المالية واألهلية القانونية والموطن المستقل وأهلية التقاضي المقررة في المواد ‪ 52-49‬من‬
‫القانون المدني( )‪ ،‬فتنص المادة ‪« 50‬يتمتع الشخص االعتباري بجميع الحقوق إال ما كان منها‬
‫‪1‬‬

‫مالزما لصفة اإلنسان‪ ،‬وذلك في الحدود التي يقررها القانون»‪« ،‬يكون لها خصوصا‪ :‬ذمة مالية‪،‬‬
‫أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون‪ ،‬موطن وهو المكان الذي يوجد‬
‫في ه مرك ز إدارتها( )»‪« ،‬ن ائب يع بر عن إرادته ا»‪« ،‬ح ق التقاض ي»‪ ،‬ومن خالل تل ك النص وص‬
‫‪2‬‬

‫‪ -1‬الصادر باألمر رقم ‪-75‬المؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪.1975‬‬


‫‪ - 2‬وتقرر نفس المادة بالنسبة لألشخاص المعنوية التي يوجد مركزها الرئيسي في الخارج وتنشط في الجزائر‪ ،‬أن مركزها‬
‫في الجزائر هو المكان الذي تنشط فيه‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫يتضح أن تلك النصوص تقرر لألشخاص المعنوية جميع الحقوق التي تتفق مع طبيعتها‪ ،‬عدا تلك‬
‫الحقوق اللصيقة بالشخص الطبيعي ‪-‬اإلنسان‪.-‬‬
‫وعليه فق د نهج المشرع الجزائ ري في هذه األحكام نهج ا ال يستبعد فيه ترتيب المسؤولية‬
‫الجزائية لألشخاص المعنوية‪ ،‬وهو ما أكده في قانون العقوبات خاصة بعد تعديله بالقانون رقم‬
‫‪ 15-04‬الم ؤرخ في ‪ 10‬نوفم بر ‪ ،2004‬والق انون ‪ 23-06‬الم ؤرخ في ‪ 20‬ديس مبر ‪،2006‬‬
‫الق انون األول أض اف باب ا لق انون العقوب ات( ) يس مى «الب اب األول مك رر»‪ ،‬يتض من الم واد ‪18‬‬
‫‪3‬‬

‫مكرر‪ 18 ،‬مكرر‪ 51 ،1‬مكرر‪ ،‬فوضع أحكاما عامة لمساءلته جزائيا‪ ،‬فتنص المادة ‪ 51‬مكرر‬
‫«‪...‬يكون الشخص المعنوي مسؤوال جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته‬
‫أو ممثلي ه الش رعيين عن دما ينص الق انون على ذل ك‪ ،».‬وتح دد المادت ان ‪ 18‬مك رر‪ 18 ،‬مك رر‪1‬‬
‫العقوب ات ال تي تطب ق على األش خاص المعنوي ة في م واد الجناي ات والجنح والمخالف ات‪ ،‬فتنص‬
‫األولى «العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح هي‪ -1:‬الغرامة‬
‫التي تساوي من مرة(‪ )1‬إلى خمس(‪ )5‬مرات الحد األقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي‬
‫الذي يعاقب على الجريمة‪ -2 .‬واحدة أو أكثر من العقوبات التالية‪ :‬حل الشخص المعنوي‪ ،‬غلق‬
‫المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة ال تتجاوز خمس(‪ )5‬سنوات‪ ،‬اإلقصاء من الصفقات العمومية‬
‫لم دة ال تتج اوز خمس(‪ )5‬س نوات‪ ،‬المن ع من مزاول ة نش اط أو ع دة أنش طة مهني ة أو اجتماعي ة‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬نهائيا أو لمدة ال تتجاوز خمس(‪ )5‬سنوات‪ ،‬مصادرة الشيء الذي‬
‫اس تعمل في ارتك اب الجريم ة أو نتج عنه ا‪ ،‬نش ر وتعلي ق حكم اإلدان ة‪ ،‬الوض ع تحت الحراس ة‬
‫القضائية لمدة ال تتجاوز خمس(‪ )5‬سنوات‪ ،‬وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى‬
‫الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته»‬
‫وتنص الم ادة ‪ 18‬مك رر‪« 1‬العقوب ات ال تي تطب ق على الش خص المعن وي في المخالف ات‬
‫هي‪ :‬الغرام ة ال تي تس اوي من م رة (‪ )1‬إلى خمس(‪ )5‬م رات الح د األقص ى للغرام ة المق ررة‬
‫للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة‪ .‬كما يمكن الحكم بمصادرة الشيء الذي‬
‫استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها»‪ ،‬أما القانون ‪ 23-06‬فقد ألغى المواد ‪،24 ،23 ،20‬‬
‫‪ 26 ،25‬من قانون العقوبات‪ ،‬وعوضت باألحكام الجديدة في المادتين ‪ 16‬مكرر‪ 16 ،1‬مكر‪،2‬‬
‫باإلض افة ألحك ام الم ادتين ‪ 18‬مك رر‪ 18 ،‬مك رر‪ ،1‬وتض من ق انون اإلج راءات الجزائي ة عنوان ا‬
‫ه و «فه رس الش ركات» في الم واد ‪ ،654-646‬فتنص الم ادة ‪« 546‬فه رس الش ركات المدني ة‬
‫والتجاري ة‪ ...‬والخاص ة بالعقوب ات أو الج زاءات الص ادرة ض د األش خاص المعنوي ة»‪ ،‬وهي‬
‫نص وص قانوني ة يمكن أن نس تخلص منه ا أن ق انون العقوب ات الجزائ ري يع ترف بالمس ؤولية‬
‫الجزائي ة ‪-‬المس ؤولية الجنائي ة‪ -‬لألش خاص المعنوي ة ويقرره ا‪ ،‬وذل ك بإمك ان توقي ع عقوب تي‬
‫الغرامة والمصادرة اللتين ال تتعارضان مع طبيعته‪ ،‬وتقرير عقوبات أخرى تتسق وتتفق مع هذه‬
‫الطبيعة كالحل أو إغالق المؤسسة بصفة نهائية أو مؤقتة لفترة محددة‪.‬‬
‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬حيث قسم الباب األول من قانون العقوبات ألبواب ثالث‪ ،‬الباب األول تحت عنوان «العقوبات المطبقة على األشخاص‬
‫الطبيعية»‪ ،‬و يحتوي المواد من ‪ 5‬إلى ‪ 18‬من قانون العقوبات‪ ،‬والباب األول مكرر تحت عنوان «العقوبات المطبقة على‬
‫األشخاص المعنوية»‪ ،‬ويضمم المادتين ‪ 18‬مكرر‪ 18 ،‬مكرر‪ ،1‬والباب الثاني تحت عنوان «تدابير األمن»‪ ،‬ويضم المواد‬
‫من ‪ 19‬إلى ‪ 26‬م قانون العقوبات‪ ،‬والباب األول مكرر والباب الثاني يتعلقان بالمسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية‪ ،‬من‬
‫حيث تحديد العقوبات المطبقة عليها وسبلها وحاالتها‪ ،‬مع مالحظة أن المواد ‪ 26 ،25 ،24 ،23 ،20‬التي كان يتضمنها‬
‫الباب الثاني قد ألغيت بالقانون ‪.23-06‬‬
‫‪131‬‬
‫األهلية الجنــائيـة‬
‫تقتضي اإلرادة اآلثمة أن يصدر السلوك عن شخص يتمتع باألهلية القانونية المقررة ببلوغ‬
‫الس ن الق انوني المق ررة لقي ام المس ؤولية الجزائي ة فيك ون م دركا ومم يزا‪ ،‬ف إذا لم تت وافر الس ن‬
‫الق انوني أو انع دمت اإلرادة فال ي درك وال يم يز امتنعت المسؤولية الجزائي ة‪ ،‬فاألهلي ة هي التمت ع‬
‫بقدر معين من اإلدراك والتمييز‪ ،‬أي أن اإلرادة يجب أن تعي ما تقوم به‪ ،‬أي أن تكون للشخص‬
‫القدرة على التعرف على ماهية أفعاله أو سلوكاته‪ ،‬ألن اإلدراك والتمييز هما أساس قيام األهلية‬
‫وتوافرها( )‪ ،‬ألن غير المدرك وغير المميز ال يتصور أن يكون أهال فيوجه إرادته على نحو ما‬
‫‪1‬‬

‫كمخالف ة أم ر الق انون أو نهي ه‪ ،‬ف المجنون أو ص غير الس ن ال ذي لم يبل غ س ن الرش د الجن ائي‪ ،‬ال‬
‫يتوافر فيهما اإلدراك والتمييز ابتداء‪ ،‬األول لخلل في العقل والثاني لعدم اكتمال إدراكه وتمييزه‬
‫بعدم بلوغه السن القانوني دون أن يعتريها عارض من عوارض األهلية كالجنون أو صغر السن‬
‫أو اإلكراه‪.‬‬
‫المبحث األول‪ -‬سن الرشد الجنائي‬
‫وقد حدد قانون اإلجراءات الجزائية وقانون العقوبات األهلية الجنائية‪ ،‬فأوضحا متى تتوافر‬
‫األهلية بتحديد أطوارها التي تمر بها‪ ،‬من انعدام لها إلى نقصها بنقص في اإلدراك والتمييز إلى‬
‫اكتمالهما ببلوغ سن معينة فتكتمل األهلية‪ ،‬فحدد قانون اإلجراءات الجزائية األهلية الجنائية ببلوغ‬
‫سن الثامنة عشر سنة كاملة‪ ،‬وحدد قانون العقوبات أطوارها‪ ،‬بنصه على سن التمييز‪ ،‬محددا إياه‬
‫ببل وغ ثالث ة عش رة س نة كامل ة‪ ،‬فتنص الم ادة األولى من ق انون حماي ة الطفل( ) «الطف ل ‪-‬أي‬
‫‪2‬‬

‫الحدث‪ -‬كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر (‪ )18‬سنة كاملة »‪« ،‬الطفل الجانح‪ :‬الطفل الذي يرتكب‬
‫فعال مجرم ا وال ذي ال عم ره عن عش ر (‪ )10‬س نوات»‪« ،‬تك ون الع برة في تحدي د س نه بي وم‬
‫ارتكاب الجريمة( )»‪ ،‬وقد تضمن قانون العقوبات األحكام المتعلقة بالطفل‪ ،‬فتنص المادة ‪ 49‬ق‪.‬ع‬
‫‪3‬‬

‫«ال يكون محال للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (‪ )10‬سنوات( )»‪« ،‬ال تطبق على‬
‫‪4‬‬

‫القاص ر ال ذي ي تراوح س نه من ‪ 10‬إلى أق ل من ‪ 13‬س نة إال ت دابير الحماي ة أو التربي ة»‪« ،‬وم ع‬
‫ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»‪« ،‬ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من‬
‫‪ 13‬إلى ‪ 18‬س نة إم ا لت دابير الحماي ة أو التربي ة أو الته ذيب أو لعقوب ات مخفف ة»‪ ،‬فوض عت‬
‫األحكام القانونية المقررة للطفل فحددت أطواره‪ ،‬بعدم مسؤوليته الجزائية أصال‪ ،‬وتحديد تدابير‬
‫األمن ومتى يمكن تطبيقا والمسؤولية الجزائية المخففة فتولت المادتان ‪ 51 ،50‬من نفس القانون‬
‫تحديد العقوبة المخففة المطبقة على الطفل الجانح وكيفية تطبيقها‪ ،‬فتنص المادة األولى «إذا قضي‬
‫بأن يخضع القاصر الذي يبلغ من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون‬
‫ك اآلتي‪« ،»:‬إذا ك انت العقوب ة ال تي تف رض علي ه هي اإلع دام أو الس جن المؤب د فإن ه يحكم علي ه‬
‫بعقوب ة الحبس من عش ر س نوات إلى عش رين س نة»‪« ،‬وإ ذا ك انت العقوب ة هي الس جن أو الحبس‬
‫المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان‬
‫بالغا»‪ ،‬وتنص المادة الثانية «في مواد المخالفات يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 13‬إلى‬
‫‪ 18‬إما بالتوبيخ وإ ما بعقوبة الغرامة( )»‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ - 1‬وقد تمتنع المسؤولية الجنائية لتخلف عنصر الحرية‪ ،‬باعتبار أن الحرية تعتبر العنصر الثاني لقيام المسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون رقم ‪ 12-15‬المؤرخ في ‪ 15‬يوليو ‪ ،2015‬نشر في الجريدة الرسمية رقم ‪ 39‬لنس السنة‪.‬‬
‫‪ -3‬حددت المادتان ‪ 443 ،442‬من قانون اإلجراءات الجزائية سن الرشد وحكمه‪ ،‬ألغيتا بمقتضى قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -4‬أنظر المادة ‪ 56‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -5‬أنظر المواد ‪ 87 ،86 ،85 ،41 ،40 ،36 ،35‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫وهي أحكام تؤسس على درجة مدى توافر القدرة على اإلدراك والتمييز‪ ،‬فجعل من الطور‬
‫األول من الميالد إلى م ا دون العش ر س نوات تنع دم في ه األهلي ة‪ ،‬وفي الط ور الث اني من عش ر‬
‫س نوات إلى م ا دون الثالث ة عش رة س نة ال يك ون محال إال لت دابير الحماي ة أو الته ذيب أم ا الط ور‬
‫الث الث عن د بل وغ ‪ 13‬س نة إلى أق ل من ‪ 18‬فتحكم ه قاع دتان‪ ،‬واح دة أص ال وهي اتخ اذ ت دابير‬
‫الحماي ة أو الته ذيب‪ ،‬وقاع دة اس تثناء أن تس تبدل الجه ة القض ائية الت دبير بعقوب ة مخفف ة وفق ا لم ا‬
‫تقرره المادة ‪ 50‬من قانون العقوبات( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المبحث الثاني‪ -‬الـحـريـــــة‬


‫إذا ك انت حري ة االختي ار ش رط لقيم المس ؤولية الجزائي ة‪ ،‬فق د ث ار ج دل ح ول ه ل اإلنس ان‬
‫مس ير أو مخ ير؟‪ ،‬ه ل اإلنس ان يخت ار أفعال ه بإرادت ه بك ل حري ة فال يك ون م دفوعا له ا‪ ،‬أم أن ه‬
‫مضطر للقيام بها بحكم الظروف المحيطة؟ ولإلجابة على هذا التساؤل ظهر مذهبان سادا الفكر‬
‫الجنائي‪ ،‬وهما مذهب حرية االختيار ومذهب الحتمية أو الجبرية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ -‬مذهب الحريــة‬
‫يق وم م ذهب الحرية( ) على أس اس أن اإلنس ان ح ر في اختي ار س لوكاته‪ ،‬فتق ام المس ؤولية‬
‫‪2‬‬

‫الجزائية على عاتق مرتكب الجريمة ويوقع عليه العقاب المقرر لها‪ ،‬تأسيسا على مقدرة اإلنسان‬
‫على اإلدراك والتمييز وبما يتوافر له من حرية االختيار‪ ،‬فيقوم اإلنسان بالمفاضلة بين البواعث‬
‫المختلفة وتوجيه إرادته على نحو معين يتحرر من كل العوامل التي شأنها أن تفرض عليه نمطا‬
‫معينا من السلوك‪ ،‬فهو له القدرة على التمييز بين السلوك المتفق مع القانون والسلوك المخالف‬
‫له‪ ،‬فيفرق بين المباح والمجرم فيختار بينهما بحرية بتوجيه إرادته على نحو يخالف أمر القانون‬
‫أو نهيه‪ ،‬وتؤسس المسؤولية الجزائية على أساس أخالقي أو أدبي‪ ،‬فتكون أخالقية أو أدبية‪ ،‬ألنها‬
‫لوم من أجل سلوك مخالف للقانون‪ ،‬فإذا تخلف العنصر اإلرادي بسبب عاهة عقلية أو لصغر في‬
‫السن فال تقوم المسؤولية الجزائية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬مذهب الحتميـــة‬
‫يقوم المذهب الحتمي أو الجبري على أساس أن الجريمة ينقاد إليها اإلنسان انقيادا‪ ،‬بحكم‬
‫عوامل تسيطر عليه فال يستطيع التحرر منها‪ ،‬فيسلك مسلكا على نحو معين دون اختيار منه( )‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫فالجريم ة حتمي ة تطبيق ا لق وانين الس ببية الحتمي ة على تص رفات اإلنس ان‪ ،‬فتك ون نتيج ة حتمي ة‬
‫ألس باب ت ؤدي إليه ا‪ ،‬أس باب داخلي ة ترج ع للتك وين الجس مي والعقلي للج اني‪ ،‬وق د تك ون أس بابا‬
‫خارجي ة تتعل ق بالبيئ ة االجتماعي ة ال تي يعيش فيه ا‪ ،‬مم ا يع ني أن الجريم ة لن تك ون ثم رة حري ة‬
‫االختيار( )‪ ،‬وبالتالي تؤسس المسؤولية الجزائية على أساس اجتماعي باعتبار الجريمة سلوكا ال‬
‫‪4‬‬

‫اجتم اعي‪ ،‬يتطلب ج زاء من ن وع خ اص‪ ،‬باس تبدال العقوب ة التقليدي ة بت دابير األمن والحماي ة‪،‬‬
‫فانصب اهتمامهم على السلوك غير االجتماعي فقط فأهمل اإلرادة وأنكر وجود موانع للمسؤولية‬

‫‪ -1‬أنظر الماد المواد ‪ 87 ،86 ،85‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬


‫‪ - 2‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.524-523‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 411‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.525-524‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 411‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 4‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 523‬وما يليها‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫فأقم المسؤولية االجتماعية فالصغير والمجنون مسؤوالن اجتماعيا عما يكمن فيهما من خطورة‬
‫إجرامية‪ ،‬مما يتطلب خضوع كل منهما لتدابير أمنية مناسبة لهما بسبب الجريمة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وتأخ ذ التش ريعات الجنائي ة الحديث ة كأص ل ع ام بم ذهب الحري ة‪ ،‬فتقيم المس ؤولية الجزائي ة‬
‫بنوعيها العمدية وغير العمدية على أساس إرادي وحرية االختيار فتقيم المسؤولية األخالقية‪ ،‬إال‬
‫أنه ا تعتم د في نفس ال وقت على الجبري ة في ح االت خاص ة بالتأس يس للمس ؤولية االجتماعي ة‪،‬‬
‫بنص ها على الت دابير األمني ة‪ ،‬ومن بينه ا الق انون الجزائ ري في ق انون العقوب ات وق انون حماي ة‬
‫الطفل‪ ،‬عمال بأحكام المواد ‪ 50 ،49 ،48 ،47 ،22 ،21 ،19‬من قانون العقوبات والمواد ‪،58‬‬
‫‪ 87 ،86‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫يقيم الق انون الجزائ ري المس ؤولية الجزائي ة على أس اس أخالقي بت وافر عنص رين‪ ،‬الق درة‬
‫على اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 47‬ق‪ .‬ع «ال عقوب ة على من ك ان في‬
‫حال ة جن ون وقت ارتك اب الجريم ة وذل ك دون اإلخالل بأحك ام الفق رة ‪ 2‬من الم ادة ‪ ،»21‬فتنص‬
‫الم ادة ‪ 1‬من ق انون حماي ة الطف ل ‪« ،‬الطف ل الج انح‪ :‬الطف ل ال ذي ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال‬
‫عمره عن عشر (‪ )10‬سنوات»‪« ،‬تكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتك اب الجريم ة»‪ ،‬وتنص‬
‫المادة ‪ 56/1‬منه «ال يكون محال للمتابعة الجزائية الطفل الذي لم يكمل العشر (‪ )10‬سنوات »‪،‬‬
‫وتنص الم ادة ‪ 49‬ق‪.‬ع «ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة القاص ر ال ذي لم يكم ل عش ر (‪)10‬‬
‫س نوات( )»‪« ،‬ال تطب ق على القاص ر ال ذي ي تراوح س نه من ‪ 10‬إلى أق ل من ‪ 13‬س نة إال ت دابير‬
‫‪2‬‬

‫الحماية أو التربية»‪« ،‬ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»‪« ،‬ويخضع‬
‫القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬سنة إما لتدابير الحماية أو التربية أو التهذيب أو لعقوبات‬
‫مخفف ة»‪ ،‬باإلض افة إقام ة المس ؤولية على الق درة على اإلدراك والتمي يز فق د أقامه ا أيض ا على‬
‫الحرية طبقا للمادة ‪ 48‬من قانون العقوبات فتنعدم المسؤولية بتخلفها‪.‬‬
‫إال أن هذا لم يمنعه من تقرير المسؤولية االجتماعية التي تقوم على أساس غير تلك التي‬
‫تقوم عليها المسؤولية األخالقية‪ ،‬حماية للجماعة مما يشكله الجانحون من خطورة عليه( )‪ ،‬فتمتنع‬
‫‪3‬‬

‫المس ؤولية الجزائي ة ويق رر ت دابير خاص ة بك ل فئ ة‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 21/2‬ق‪.‬ع «يمكن أن يص در‬
‫األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم وج ود‬
‫وجه إلقامة الدعوى غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع‬
‫المادية ثابت ة»‪ ،‬والنص على تدابير األمن في المواد ‪ 22 ،21 ،19‬من قانون العقوبات‪ ،‬وكذلك‬
‫المادتين ‪ 85 ،53‬وما يليهما من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ -‬اإلرادة اآلثمة جزائيا‬
‫إن ت وافر اإلرادة والحري ة واتجاهه ا نح و س لوك يجرم ه الق انون ويع اقب علي ه‪ ،‬بمخالف ة‬
‫أوامره ونواهيه تعتبر إرادة آثمة ـلك اإلرادة التي تسمح بإسناد الجريمة لها في إحدى صورتيها‬
‫القص د أو الخط إ‪ ،‬فم تى ط رأ عليه ا م ا يع دمها أو ينقص منه ا امتنعت المس ؤولية الجزائي ة لع دم‬
‫إمكان إسناد الجريمة لها‪ ،‬فال يقوم الركن المعنوي في الجريمة إال إذا توافرت األهلية المعتبرة‬
‫قانونا فيمن يقوم بذلك السلوك‪ ،‬وعلية فاإلرادة قد تكون تتجه نحو إرادة الفعل والنتيجة معا‪ ،‬وقد‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.525‬‬
‫‪ -2‬أنظر المادة ‪ 56‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -3‬الح ظ أن الم ادة ‪ 4‬من ق انون العقوب ات تق رر أن الج زاء على الجريم ة يك ون بتط بيق العقوب ة‪ ،‬وأن الوقاي ة منه ا يك ون‬
‫باتخاذ تدابير األمن‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫تتج ه نح و إتي ان الفع ل دون إرادة النتيج ة‪ ،‬وهم ا م ا يع بر عنهم ا بالقص د والخط إ ‪-‬بغ ير قص د‪-‬‬
‫نتعرض لهما في نقطة أولى لنوعي اإلرادة‪ ،‬وفي النقطة الثانية نتعرض لموانع األهلية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫صورتا اإلرادة اآلثمة‬
‫تتخ ذ اإلرادة اآلثم ة ص ورتين متم يزتين تتح دد على ض وئهما طبيع ة المس ؤولية‪ ،‬فق د تتج ه‬
‫اإلرادة اآلثمة نحو إتيان الفعل والنتيجة فتريدهما فتسمى قصدا‪ ،‬وقد تتجه نحو إتيان السلوك دون‬
‫إرادة النتيجة فتسمى خطأ‪ ،‬فيقوم كل منهما على العالقة النفسية التي تربط بين شخصية الجاني‬
‫ومادي ات الجريم ة‪ ،‬ولكنهم ا يختلف ان في م دى س يطرة الفاع ل على تل ك المادي ات‪ ،‬ففي القص د‬
‫تس يطر اإلرادة س يطرة فعلي ة وش املة عليه ا‪ ،‬وفي الخط إ يتقلص نط اق الس يطرة على مادي ات‬
‫الجريمة فال يشمل إال بعضها‪. ،‬فتقوم بتوافر القصد الجريمة العمدية‪ ،‬وتقوم بالخطإ الجريمة غ ير‬
‫العمدية‪.‬‬
‫المبحث األول‪ -‬القـصـد الجنائــي‬
‫إذا ك ان اإلثم يق وم على اإلرادة المعت برة قانون ا‪ ،‬وأن اإلرادة أن تتج ه في إح دى ص ورتيها‬
‫الرتك اب الس لوك المج رم قانون ا وإ رادة النتيج ة اإلجرامي ة ال تي يع اقب عليه ا الق انون ( )‪ ، ،‬وهي‬
‫‪2‬‬

‫اإلرادة ال تي يق وم به ا القص د‪ ،‬مم ا ي دل على أن ه اتج اه اإلرادة للس لوك والنتيج ة مع ا‪ ،‬م ع العلم‬
‫بعناص ر الجريم ة‪ ،‬ولم تعرف ه التش ريعات ومن بينه ا ق انون العقوب ات الجزائ ري‪ ،‬فيكتفي بوض ع‬
‫النص التج ريمي الخ اص بك ل جريم ة عمدي ة فيتطلب فيه ا العم د بص ورة ص ريحة‪ ،‬أو ض منية‬
‫فيس تخلص من النص وص والمب ادئ القانوني ة‪ ،‬ص راحة أو ض منا‪ ،‬فيس تعمل القص د أو العم د في‬
‫نصوصه‪ ،‬فيستعمل أحيانا مصطلح «القصد»‪ ،‬ومن النصوص التي استعمل فيها مصطلح القصد‬
‫الم ادة التالي ة‪ 61 :‬في فقرتيه ا ‪ ،4 ،2‬والم واد ‪،329 ،225 ،219 ،202 ،198 ،148 ،62‬‬
‫‪ ،...343‬وأحيانا أخرى يستعمل مصطلح "العمد"( )‪ ،‬ومن النصوص التي استعمل فيها مصطلح‬
‫‪2‬‬

‫العم د‪ :‬الم واد ‪ 160 ،160 ،158 ،155 ،73‬مك رر‪ 160 ،‬مك رر ‪،180 ،172 ،6 ،5 ،4‬‬
‫‪،416 ،402 ،400 ،398 ،396 ،395 ،331 ،325 ،309 ،273 ،264 ،254 ،182‬‬
‫‪ 442 ،422‬مكرر‪ 4-450 ،‬من قانون العقوبات‪ ،‬إال أن النص قد يجيء خاليا منهما أي القصد‬
‫وال العمد‪ ،‬فيستخلصان منه خاصة أنه يستعمل مصطلح "العلم" وهو عنصر من عناصر القصد‬
‫في وجب ت وافره ‪ ،‬فمثال في تنص الم ادة ‪ 75‬من ه «يع اقب بالس جن الم ؤقت من خمس إلى عش ر‬
‫سنوات كل من يساهم وقت السلم في مشروع إلضعاف الروح المعنوية للجيش يكون الغرض‬
‫من ه اإلض رار بال دفاع الوط ني وه و ع الم ب ذلك»‪ ،‬ومن أمثل ة ذل ك أيض ا الم واد ‪،91 ،44 ،42‬‬
‫‪ 211‬بند ‪ 367 ،366 ،238 ،222 ،3‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫القصد الجنائي والباعث‬
‫إذا ك ان القص د الجن ائي يق وم على العلم بعناص ر الجريم ة واتج اه اإلرادة لتحقي ق تل ك‬
‫العناصر أو قبولها‪ ،‬فإن الباعث عبارة عن القوة المحركة لإلرادة فهو العامل النفسي الذي يدعو‬
‫للتفك ير في الس لوك اإلج رامي‪ ،‬وتع دد الب واعث في الجريم ة بتع دد الج رائم وتنوعه ا فال يمكن‬
‫حص رها‪ ،‬إال أن ه يص نف إلى ب واعث ش ريرة‪ ،‬ب واعث ش ريفة اجتماعي ة ك دافع الش فقة وعاطف ة‬
‫‪ - 1‬إن وقوع النتيجة التي أرادها المجرم من عدمها ليس شرطا لقيام المسؤولية الجزائية‪ ،‬مثل المحاولة في الجريمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬فال تقوم الجريمة العمدية إال بتوار القصد الجنائي‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫الحب وحب ال وطن وال دفاع عن الش رف والع رض‪ ،‬غ ير اجتماعي ة كاالنتق ام والحق د وتس هيل‬
‫ارتكاب الجرائم‪ ،...‬فهو يختلف عن القصد في أنه يكمن في الدافع الذي يدفع الرتكاب الجريمة‬
‫كدافع الشفقة في القتل الرحيم أي بدافع الشفقة‪.‬‬
‫وال أث ر للب اعث على وج ود الجريم ة وقيامه ا وال على المس ؤولية الجزائي ة عنه ا‪ ،‬ألن‬
‫الجريمة تقوم بتوافر القصد أو العمد بغض النظر عن باعثها‪ ،‬شريفا أو شريرا أو كان غير ذلك‪،‬‬
‫ألن وجوده ال ينفي توافر القصد‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع أن يقرر القانون أحيانا التجريم انطالقا من‬
‫الب اعث على الجريم ة فيك ون أس اس قي ام الجريم ة والمس ؤولية الجزائي ة عنها( ) مث ل م ا تق رره‬
‫‪1‬‬

‫الم ادة ‪ ) (77‬بالنس بة لج رائم القض اء على نظ ام الحكم والتح ريض على حم ل الس الح ض د‬
‫‪2‬‬

‫السلطة‪ ،‬وكذلك المادة ‪ ) (78‬بالنسبة لجريمة المؤامرة ضد السلطة ونظام الحكم وسالمة أرض‬
‫‪3‬‬

‫الوطن‪.‬‬
‫ه ذا من حيث التج ريم والمس ؤولية‪ ،‬أم ا من حيث العق اب ونظ را لم ا يكش ف عن م دى‬
‫الخطورة اإلجرامي ة لشخص ية الفاع ل من ع دمها‪ ،‬يمكن أن يكون للب اعث دور في تحدي د العق اب‬
‫انطالق ا من تط بيق حكم الم ادة ‪ 53‬وم ا يليه ا من ق انون العقوب ات المتض منة أحك ام الظ روف‬
‫القض ائية المخفف ة‪ ،‬فتنص «يج وز تخفيض العقوب ة المنص وص عليه ا قانون ا بالنس بة للش خص‬
‫الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة‪ ،»...‬وقد يكون الباعث على ارتكاب‬
‫الجريمة ظرفا مشددا للعقاب مثل ما تقرره المادة ‪ 293‬مكرر ق‪.‬ع التي تنص «كل من يخطف‬
‫أو يحاول القيام بخطف شخص مهما بلغت سنه‪ ،‬مرتكبا في ذلك عنفا‪ ،‬أو تهديدا أو غشا‪ ،‬يعاقب‬
‫بالسجن المؤقت من عشر (‪ )10‬سنوات إلى عشرين (‪ )20‬سنة وبغرامة من ‪ 1.000.000‬دج‬
‫إلى ‪ 2.000.000‬دج»‪« ،‬ويع اقب الج اني بالس جن المؤب د إذا تع رض الش خص المخط وف إلى‬
‫تع ذيب جس دي»‪« ،‬وإ ذا ك ان ال دافع للخط ف ه و تس ديد فدي ة‪ ،‬يع اقب الج اني بالس جن المؤب د‬
‫أيضا( )»‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫المطلب األول‪ -‬عناصـر القصــد‬

‫‪ -1‬وهي ح االت س بق التع رض له ا أثن اء تن اول مراح ل ارتك اب الجريم ة حيث رأين ا أن األص ل في التج ريم والعق اب أن‬
‫المش رع يعتم د على إتي ان الس لوك أو الب دء في تنفي ذه وال مج ال لتج ريم األفع ال التحض يرية واألفك ار‪ ،‬ورغم ذل ك يض ع‬
‫المشرع قواعد استثنائية فيؤاخذ على مجرد الفكرة كما فعل في المؤامرة واالتفاق الجنائي‪.‬‬
‫‪ - 2‬فتنص «يعاقب باإلعدام االعتداء الذي يكون الغرض منه‪.»....‬‬
‫‪ -3‬فتنص «المؤامرة التي يكون الغرض منها‪»...‬‬
‫‪ - 4‬ومن النصوص التي تعتد بالباعث غير الشريف ظرفا مشددا للعقاب المادة ‪ 344‬بند ‪ 8 ،7‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫يقوم القصد على عنصري اإلرادة والعلم بتوجيه الجاني إرادته إلى ارتكاب سلوك‬
‫مج رم لتحقي ق النتيج ة المبتغ اة م ع العلم بأرك ان الجريمة( )‪ ،‬وينتفي القص د كلم ا انتفى أي منهم ا‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫العلم أو اإلرادة أو كالهما‪.‬‬


‫الفرع األول ‪ -‬الـعـلـم‬
‫يقوم القصد على العلم بجميع الظروف والوقائع‪ ،‬التي تعطي للفعل داللته اإلجرامية‪ ،‬وهو‬
‫يفترض علم الفاعل بتوافر عناصر الجريمة‪ ،‬سواء كان مثل هذا التوافر متوقفا على إرادة الفاعل‬
‫وق د يأخ ذ العلم ص ورة التوقع( )‪ ،‬وأن تتج ه إرادت ه إلى إح داث النتيج ة المجرم ة قانون ا‪ ،‬وتب دو‬
‫‪2‬‬

‫أهمية العلم في توافر القصد‪ ،‬بالنص عليه في كثير من المواضع المتعلقة بالشريك في الجريمة‪،‬‬
‫مثل المواد ‪ 91 ،44 ،42‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫وقد يتعلق العلم بالوقائع التي تعد عنصرا من عناصر الجريمة‪ ،‬وقد يتعلق بمدلولها متى‬
‫أضفى عليها القانون مدلوال معينا‪ ،‬فيعتبر عنصرا من عناصر الجريمة‪ ،‬وعدم العلم بهذه الوقائع‬
‫ينتفي معه القصد الجنائي‪ ،‬فانتفاء القصد بانتفاء العلم بالوقائع ال تنصرف إلى عدم العلم بالقانون‪،‬‬
‫ألن العلم بالق انون مف ترض فال يج وز ألح د االحتج اج بالجه ل بالق انون‪ ،‬فتنص الم ادة ‪3 ،78/1‬‬
‫من دستور ‪ 1996‬المعدل والمتمم «ال يعذر بجهل القانون»‪« ،‬يجب على كل شخص أن يحترم‬
‫الدستور وقوانين الجمهورية»‪ ،‬فال يجوز ألي شخص دفع المسؤولية الجزائية عنه بالدفع بجهله‬
‫القانون أو الغلط فيه‪.‬‬
‫ومن الص ور ال تي ال يجب أن ينص رف إليه ا العلم وتتعل ق ب المجني علي ه‪ ،‬هم ا ص ورتا‬
‫الغل ط في شخص ية المج ني علي ه والحي دة عن اله دف الم راد تحقيق ه‪ ،‬فال أث ر لهم ا على قي ام‬
‫المس ؤولية الجزائي ة لت وافر المحاول ة في الجريم ة‪ ،‬ألنهم ا ينص بان على ص فة غ ير جوهري ة ال‬
‫تعتبر ركنا من أركان الجريمة‪ ،‬ففي الصورة األولى وهي الغلط في شخصية المجني عليه‪ ،‬كمن‬
‫يقص د قت ل زي د فيخطئ في شخص ية المج ني علي ه لس بب من األس باب النع دام الرؤي ة للظالم أو‬
‫لعدم معرفة المجني عليه جيدا‪ ،‬فيقتل عمرا فيس أل عن جريمة قت ل عمر عم دا أو المحاولة في‬
‫قتله بحسب األحوال‪ ،‬أما الصورة الثانية وهي الحيدة عن الهدف أو الخطأ في إصابة الهدف لعدم‬
‫الدقة في التصويب مثال‪ ،‬فيسأل الجاني عن محاولة قتل من قصد قتله لخيبة األثر‪ ،‬ويسأل أيضا‬
‫عن جريم ة قت ل المج ني علي ه أو محاول ة قتل ه بحس ب األح وال( )‪ ،‬وهن اك وق ائع ال ينص رف له ا‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬وقد ثار جدل فقهي حول عناصر القصد‪ ،‬فظهرت نظرية العلم ونظرية اإلرادة‪ ،‬األولى تقوم على أنه يضم عنصرين‬
‫هما‪ :‬إرادة الفعل والعلم بالنتيجة اإلجرامية واستبعاد عنصر إرادة النتيجة من عناصره‪ ،‬ألنها ترى فيه أن القصد الجنائي‬
‫وهو مخالفة القانون فإن علم الجاني بالداللة اإلجرامية لسلوكه وأن من شأنه أن يوقع اعتداء على حق محمي جنائيا‪ ،‬ولم‬
‫يمنع ه ذل ك عن إتيان ه فوج ه إرادت ه إليه‪ ،‬ف إن إرادت ه في ه ذه الحال ة تعت بر إرادة متجه ة نح و مخالف ة الق انون‪ ،‬وبالت الي فإن‬
‫إرادة النتيجة لن تضيف لألمر شيئا وبالتالي وجب استبعادها‪ ،‬أما النظرية الثانية وهي نظرية اإلرادة فتقوم على أن القصد‬
‫الجنائي ه و إرادة الفع ل وإ رادة النتيجة اإلجرامية وإ رادة ك ل واقع ة تعطي الفعل داللته اإلجرامية ‪ ،‬ألن أصحاب النظرية‬
‫يعتقدون بأن العلم وحده حالة ساكنة مجردة عن الصفة اإلجرامية و اإلثم أو الخطيئة‪ ،‬ألن القصد الجنائي لديهم عبارة عن‬
‫وضع مخالف للقانون وسلوك يوصف باإلجرام‪.‬‬
‫والمالح ظ أن ه إذا ك انت نظري ة العلم تتف ق م ع نظري ة اإلرادة ح ول عنص ر اتج اه اإلرادة للفع ل والعلم بالوق ائع المكون ة‬
‫للجريم ة‪ ،‬فإنهما تختلف ان من حيث أن نظري ة العلم ال تتطلب اتج اه اإلرادة للنتيج ة اإلجرامي ة فتكفي ب العلم بها‪ ،‬ف إن نظرية‬
‫اإلرادة تقوم على وجوب اتجاه تلك اإلرادة للنتيجة وإ لى الوقائع التي تحدد الداللة اإلجرامية للفعل‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ ،‬دراسة تأصيلية للركن المعنوي في الجرائم العمدية‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪ ،1988‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 601‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬لمبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬ص ‪ 502‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬وهو ما يعرف بالقصد االحتمالي‪ ،‬الذي يقوم على عنصر التوقع‪ ،‬فالجاني يتوقع حدوث النتيجة كأثر ممكن لسلوكه‪ ،‬وقد‬
‫ظهرت نظريتان تعالج القصد االحتمالي‪ ،‬واحدة فرنسية واألخرى ألمانية‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.416‬‬
‫‪137‬‬
‫العلم كتلك المتعلقة بأهلية المتهم للمسؤولية الجزائية‪ ،‬كأن يعتقد شخص إصابته بعاهة عقلي ة وقت‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬وكذلك الظروف المشددة التي ال تغير من وصف الجريمة كالعود‪ ،‬كمن يجهل‬
‫توافر الوقائع التي تجعل من القائم بالفعل عائدا لإلجرام‪.‬‬
‫وفي جمي ع األح وال‪ ،‬ف إن العلم ال يش ترط انص رافه للنتيج ة ال تي وقعت‪ ،‬وإ نم ا يكفي إرادة‬
‫الس لوك المج رم واتجاهه ا نح و تحقي ق نتيج ة إجرامي ة معين ة‪ ،‬فمثال ش خص يري د إلح اق األذى‬
‫بشخص آخر أو بمجموعة أشخاص‪ ،‬فيلقي بقنبلة في جمهور من الناس فيصيب من أرادهم كلهم‬
‫أو بعضهم‪ ،‬ويصيب من األشخاص من لم يقصدهم‪ ،‬وهو ما يعرف بالقصد غير المحدود‪ ،‬فإنه‬
‫يس أل عن النتيج ة اإلجرامي ة ال تي وقعت‪ ،‬س واء اتجهت إرادة الفاع ل له ا أم لم تتج ه‪ ،‬ألن الع برة‬
‫باإلرادة واتجاهها إلحداث نتيجة إجرامية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬اإلرادة اآلثـمــة‬
‫اإلرادة اآلثم ة ق د توج ه نح و ارتك اب الس لوك المج رم وإ ح داث النتيج ة‪ ،‬وهي عنص ر‬
‫جوهري في القصد‪ ،‬وقد تتجه إلى إتيان السلوك دون إرادة النتيجة‪ ،‬ففي الحالة األولى نكون أمام‬
‫القصد الجنائي الذي تقوم به الجرائم العمدية‪ ،‬وفي الحالة الثانية نكون بصدد خطإ غير عمدي‬
‫فتقوم به الجرائم غير العمدية الختالف درجة خطورة السلوك في كل منهما وتخلف النتيجة في‬
‫الثاني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬أنواع القصد الجنائي‬
‫ال تقوم الجريمة العمدية إال بتوافر القصد‪ ،‬فينص غليه القانون بصورة صريحة أو ضمنية‬
‫ولم يحدد صوره المختلفة فترك األمر للفقه الذي تولى المسألة بتبيان طبيعة القصد( )‪ ،‬فاستخلص‬
‫‪1‬‬

‫من النصوص القانونية أنواعه‪ ،‬وهي القصد العام والقصد الخاص‪ ،‬القصد المحدود والقصد غير‬
‫المح دود‪ ،‬القص د البس يط والقص د م ع س بق اإلص رار‪ ،‬القص د المباش ر والقص د غ ير المباش ر أو‬
‫االحتمالي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ -‬القصد العام والقصد الخاص‬
‫القصد العام هو أبسط صور القصد‪ ،‬وهو اتجاه اإلرادة اإلجرامية الرتكاب الجريمة مع‬
‫علم الج اني بعناص رها‪ ،‬أي أن ه قص د يق وم على عنص ري اإلرادة والعلم‪ ،‬يجب ت وافره في جمي ع‬
‫أن واع الج رائم العمدية( ) فيكفي فيه ا مج رد إتي ان الفاع ل لس لوكه عن إرادة واعي ة واتجاهه ا‬
‫‪2‬‬

‫الرتكاب الجريمة مع العلم بتوافر أركانها‪ ،‬كجريمة القتل والضرب أو الجرح واإليذاء البدني أو‬
‫المساس بالسالمة الجسدية للمجني عليه واستعمال الوثائق المزورة‪.‬‬
‫أم ا القص د الجن ائي الخ اص‪ ،‬فه و اتج اه اإلرادة لوق ائع إض افية ت دخل في تك وين الجريم ة‪،‬‬
‫باإلضافة لعنصري العلم واإلرادة‪ ،‬فال يكتفي بالقصد الخاص فيتطلب عنصرا إضافيا‪ ،‬يتمثل في‬
‫الني ة المنص رفة إلى غاي ة مح ددة ومعين ة‪ ،‬أو ه و ني ة دفعه ا إلى الس لوك ب اعث خ اص‪ ،‬وبالت الي‬
‫يجب أن تتجه إرادة الجاني نحو تحقيق الغاية التي يحددها القانون‪ ،‬وهو قصد يشترط المشرع‬
‫الجن ائي ت وافره في ج رائم معين ة‪ ،‬بوج وده في الجريم ة العمدي ة أو القص دية فيولي ه المش رع في‬

‫‪ - 1‬وقد سبق اإلشارة لبعض النصوص القانونية التي تستعمل مصطلحي «القصد» و «العمد‪.‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪138‬‬
‫بعض ص ورها أهمي ة خاص ة‪ ،‬يلعب فيه ا دورا متم يزا يس تند إلي ه في تحدي د وص ف الجريم ة أو‬
‫تقرير العقوبة المقررة لها‪.‬‬
‫إن العبرة في تحديد ما إذا كان قانون العقوبات يكتفي لقيام الجريمة بالقصد الجنائي العام‬
‫أو يشترط توافر القصد الخاص لجانبه‪ ،‬يتم بالرجوع للنص الجزائي المجرم لتقرير ذلك‪ ،‬كم ا في‬
‫ج رائم القت ل والس رقة وال تزوير‪ ،‬ألن ه ال يمكن قي ام أي منه ا م ا لم يت وفر فيه ا قص د خ اص‪ ،‬في‬
‫القت ل ني ة إزه اق ال روح‪ ،‬وفي الس رقة خلس ة وب دون الرض ا وني ة التمل ك‪ ،‬وفي جريم ة ال تزوير‬
‫إدخال تعديل على الوثيقة بنية استعمال الوثيقة المزورة( )‪ ،‬وقد يستعمل النص الجزائي ألفاظا أو‬
‫‪1‬‬

‫مص طلحات تفي د وج وب ت وافر القص د الخ اص‪ ،‬مث ل اس تعمال «قص د حمله ا على القي ام بأعم ال‬
‫عدوانية» في المادة ‪ ،2-61‬و «قصد معاونة دولة أجنبية في خططها ضد الجزائر» في المادة‬
‫‪ ،2-62‬و «قص د اإلض رار» في الم ادة ‪ ،4-61‬و «بقص د أن يعفي نفس ه أو يعفي الغ ير من أي‬
‫خدمة عمومية» في المادة ‪ ،225‬و «المؤامرة الغرض منها ارتكاب الجنايات المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ ،»77‬و «طريق الغش» في المادة ‪ ،216‬و «نية تملك شيء مملوك للغير في جريمة‬
‫الس رقة» في الم ادة ‪ ،350‬و «ك ل من اختلس ش يئا غ ير ممل وك ل ه يع د س ارقا‪ ،») (...‬و «ني ة‬
‫‪2‬‬

‫إزه اق روح إنس ان حي في جريم ة القت ل» في الم ادة ‪ ،254‬و «القت ل ه و إزه اق روح إنس ان‬
‫عم دا( )» و «االس تعمال في المح ررات الم زورة‪ »...‬في الم ادة ‪ ،222‬ونالح ظ أن ه ال يمكن‬
‫‪3‬‬

‫تص ور وج ود القص د الخ اص دون وج ود القص د الع ام وه و اتج اه الني ة للفع ل والنتيج ة‪ ،‬ألن‬
‫الجريم ة ال يمكن اشتراط وجود القصد الخاص فيها ما لم يكن المشرع قد جرم س لوكا وعاقب‬
‫عليه‪ ،‬فتطلب وجود القصد الجنائي العام‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬القصد المحدود والقصد غير المحدود‬
‫القصد المحدود هو اتجاه اإلرادة إلى تحقيق نتيجة أو نتائج معينة ومحددة بذاتها‪ ،‬فيكون‬
‫القصد الجاني مح دودا‪ ،‬مثال في الس رقة إذا اتجاه ه اإلرادة ألخ ذ منقول معين مملوك للغير بني ة‬
‫تملكه‪ ،‬وفي القتل إزهاق روح إنسان حي‪ ،‬أما القصد غير المحدود كالقصد المحدود يقوم على‬
‫توافر عنصري اإلرادة والعلم باإلضافة للنتيجة اإلجرامية‪ ،‬ويختلف عنه أن النتيجة غير محددة‬
‫الموضوع( )‪ ،‬ألن غرض الجاني تحقيق هدف إجرامي غير محدد أو ال يكترث بموضوعه‪ ،‬كمن‬
‫‪4‬‬

‫يطل ق الن ار على جمه رة من الن اس‪ ،‬أو كمن يس تعمل طرق ا احتيالي ة مواجه ة الجمه ور للنص ب‬
‫على أي منهم‪.‬‬
‫ويوح د المش رع الجن ائي في الحكم بين القص دين‪ ،‬ألن ه في الح الين يت وفر القص د‪ ،‬فيري د‬
‫مق ترف الس لوك تحقي ق نتيج ة إجرامي ة معين ة في القص د المح دود‪ ،‬وغ ير معين ة في القص د غ ير‬
‫المح دود‪ ،‬ويت وافر في كليهم ا عنص را القص د‪ ،‬وهم ا العلم واإلرادة‪ ،‬ه ذا من ناحي ة‪ ،‬ومن ناحي ة‬
‫أخ رى أن تحق ق النتيج ة المح ددة أو غ ير المح ددة‪ ،‬ال يع د عنص را من عناص ر القص د الجن ائي‪،‬‬
‫فالمسؤولية الجزائية تقوم لمجرد انصراف اإلرادة للسلوك والعلم بعناصره‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ -‬القصد البسيط والقصد مع سبق اإلصرار‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫…‪- Quiconque soustrait frauduleusement une chose qui n’appartient pas est coupable de vol‬‬
‫‪2‬‬

‫‪- L’homicide commis volontairement est qualifié meurtre.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.265‬‬
‫‪139‬‬
‫إن القصد الجنائي قد يصحبه ‪ ،‬هذا األخير‪ ،‬يعرف سبق اإلصرار ‪ Préméditation‬بأنه‬
‫التفك ير اله ادئ في الجريم ة قب ل التص ميم عليه ا وتنفي ذها‪ ،‬ويعرف ه المش رع الجن ائي في على أن‬
‫تعرف المادة ‪ 256‬من قانون العقوبات «سبق اإلصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على‬
‫االعت داء على ش خص معين أو ح تى على ش خص يتص ادف وج وده أو مقابلت ه‪ ،‬وح تى ل و ك انت‬
‫ه ذه الني ة متوقف ة على أي ظ رف أو ش رط ك ان»‪ ،‬والمالح ظ أن ه ليس هن اك تالزم ا بين القص د‬
‫البس يط ‪-‬الع ام والخ اص‪ -‬وبين س بق اإلص رار‪ ،‬فيمكن ت وافر القص د البس يط دون ت وافر س بق‬
‫اإلصرار‪ ،‬كما في جريمة القتل والضرب والجرح فقد يكون قتال بسيطا أو ضربا بتوافر فقط‪،‬‬
‫وقد يكون قصدا بسيطا مصحوبا بسبق اإلصرار الذي يترتب عليه تشديد العقاب‪ ،‬كما ورد في‬
‫المواد ‪ 265 ،264 ،261 ،263/3‬ق‪.‬ع‪ ،‬وتكمن العلة في تشديد العقاب بتوافر سبق اإلصرار‪،‬‬
‫أن مرتكب الجريمة في مثل هذه الحالة‪ ،‬وبتفكيره الهادئ قبل التصميم على جريمت ه‪ ،‬يتخلص من‬
‫االنفع االت النفس ية ال تي ق د تعيق ه عن اإلق دام على عق د عزم ه‪ ،‬مم ا يجعل ه يس يطر على نفس ه‬
‫وانفعاالته مما يزيد في فرص نجاحه في مشروعه اإلجرامي الذي عقد العزم على ارتكابه‪.‬‬
‫يحت ل س بق اإلص رار أهمي ة خاص ة في ج رائم االعت داء على الح ق في الحي اة والس المة‬
‫الجسدية التي أطلق عليها "أعمال العنف العمدية" المتمثلة في جرائم الضرب والجرح‪ ،‬في المواد‬
‫‪ 264 ،261 ،255‬ق‪.‬ع وم ا يليه ا‪ ،‬فيش دد العق اب على م رتكب جريم ة القت ل أو الض رب‬
‫والجرح كلما اقترن ارتكابها بسبق اإلصرار‪ ،‬وتبدو معاملة المجرم بالشدة في أن المصمم على‬
‫ارتك اب الجريم ة وإ قدام ه على تنفي ذها بع د تفك يره اله ادئ‪ ،‬يك ون ق د تخلص من انفعاالت ه وأت اح‬
‫لنفسه تقدير ما يترتب على جريمته من مخاطر‪ ،‬مما يبرز خطورته اإلجرامية( )‪ ،‬فاقتضى األمر‬
‫‪1‬‬

‫معاملت ه جزائي ا ب أكثر ش دة من الش خص ال ذي ي رتكب الجريم ة تحت ت أثير االنفع االت النفس ية‬
‫المختلف ة‪ ،‬فمثال جريم ة القت ل عقوبته ا الس جن المؤب د‪ ،‬وجريم ة الض رب والج رح عقوبته ا من‬
‫ش هرين إلى خمس س نوات وغرام ة من ‪ 20.001‬إلى ‪ 100.000‬دج( )‪ ،‬ف إذا اق ترن ارتكابه ا‬
‫‪2‬‬

‫بس بق اإلص رار‪ ،‬فتك ون العقوب ة في األولى اإلع دام وفي الثاني ة الس جن الم ؤقت من ‪ 5‬إلى ‪10‬‬
‫سنوات‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ -‬القصد المباشر والقصد االحتمالي‬
‫القص د المباش ر ه و ال وعي بحقيق ة النش اط اإلج رامي اإلرادي وتوق ع نتائج ه ك أثر حتمي‬
‫والزم للس لوك باعتباره ا ض رورية وحتمي ة الح دوث م ع الس عي لتحقيقه ا‪ ،‬في حين أن القص د‬
‫االحتمالي يتوفر عندما يعي الجاني حقيقة نشاطه اإلرادي المكون للجريمة ويتوقع إمكان وقوع‬
‫النتيجة ويسمح بوعي منه بوقوعها‪ ،‬وبعبارة أخرى أن القصد االحتمالي هو توقع النتيجة كأثر‬
‫ممكن أو محتمل للسلوك اإلجرامي الذي اتجهت له إرادة الفاعل‪ ،‬ومن األمثلة‪:‬‬
‫‪ -‬شخص يقود سيارته بسرعة كبيرة في طريق مزدحم بالمارة ويتوقع إمكان إصابة أحد المارة‪،‬‬
‫ورغم ذلك يمضي في قيادة سيارته بسرعة فيصيب مارا في الطريق‪.‬‬
‫‪ -‬شخص يشوه جسم شخص ثان بغرض احتراف التسول‪ ،‬أو االستفادة من اإلعفاء من الخدمة‬
‫الوطنية‪ ،‬فيتوقع إمكان أن يؤدي سلوكه إلى وفاته‪ ،‬فحصلت الوفاة‪.‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.661‬‬
‫‪ -2‬انظر المادة ‪ 60‬من القانون ‪ 23-06‬في ‪ 20‬ديسمبر ‪ 2006‬المعدل والمتمم لقانون العقوبات التي تقرر حدودا جديدة‬
‫للغرامة في الجنح في المادتين ‪ 467 ،5‬مكرر‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫‪ -‬شخص يريد قتل شخص آخر بالسم فيضع له مادة سامة في طعامه‪ ،‬وهو يعلم أن غيره قد‬
‫يشاركه في األكل‪ ،‬فيتوقع أن حدوث وفاة هذا الغير‪ ،‬فيحدث التسمم للشخصين فيموتا معا‪.‬‬
‫‪ -‬ط بيب يجري عملية جراحي ة خط يرة لمريض اش تد علي ه الم رض‪ ،‬ويتوق ع أن س لوكه ه ذا قد‬
‫يؤدي إلى وفاة مريضه‪ ،‬فتحدث الوفاة‪.‬‬
‫وق د ث ار ج دل فقهي ح ول طبيع ة المس ؤولية الجزائي ة بت وافر القص د االحتم الي ه ل هي‬
‫مسؤولية جزائية عمدية أم مسؤولية جزائية غير عمدية؟‬
‫يتن ازع القص د االحتم الي رأي ان‪ ،‬رأي يق ول بنظري ة االحتم ال‪ ،‬ورأي يق ول بنظري ة‬
‫القبول( )‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬األول‪ ،‬تق وم على أس اس التفرق ة بين االحتم ال ومج رد اإلمك ان‪ ،‬فاالحتم ال ه و مج ال القص د‬
‫االحتمالي‪ ،‬ومجرد اإلمكان هو مجال الخطإ غير العمدي باستبعاد القصد االحتمالي منه‪ ،‬فمثال‬
‫إذا توق ع الفاع ل في األمثل ة الس ابقة عن د إتيان ه لس لوكه ح دوث النتيج ة ك أثر محتم ل ق امت بحق ه‬
‫المسؤولية العمدية‪ ،‬أما إذا توقعها كأثر ممكن فقط فتقوم به المسؤولية غير العمدية( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬الثاني يقول بنظرية القبول التي تسوي بين القصد الجزائي في صورتيه القصد العام والقصد‬
‫االحتم الي‪ ،‬فيف رق بين ه ذا األخ ير والخط إ غ ير العم دي اس تنادا لإلرادة وتحدي د كيفي ة اتجاهه ا‪،‬‬
‫فالقص د يق وم على العلم واإلرادة معا‪ ،‬فيتوافر القصد االحتم الي إذا ثبت أن الجاني يفض ل تحقق‬
‫غرضه مقترنا بالنتيجة التي توقع إمكان حدوثها‪.‬‬
‫وإ ذا ك ان القص د الجن ائي االحتم الي يق وم على أس اس االحتم ال والتوق ع الفعلي إلمكاني ة‬
‫وقوع النتيجة مع الس ماح عن وعي بوقوعه ا‪ ،‬فاختلف بش أن النظام الذي يخضعه له‪ ،‬فأخضعه‬
‫البعض ألحك ام الخط إ غ ير العم دي لرفض هم أن يك ون القص د االحتم الي ص ورة من القص د‪،‬‬
‫وحجتهم في ذل ك أن الجاني مع توقعه للنتيج ة فإن ه لم يرده ا‪ ،‬ف اعتبر القصد االحتم الي من قبيل‬
‫الخطإ الواعي( )‪ ،‬واتجاه ثان يخضعه ألحكام القصد المباشر‪ ،‬فيعتبره صورة من القصد الجنائي‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫ألن الج اني بتوقع ه النتيج ة ومض يه في س لوكه ق دما غ ير مب ال بم ا يمكن أن يق ع ول و قي ل بع دم‬
‫إرادته للنتيجة فهو قبلها على األقل( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أوال‪ -‬االتجاه الفرنسي‬


‫يحتل القصد االحتمالي مركزا وسطا بين القصد العمدي وغير العمدي( )‪ ،‬فالجاني ال يريد‬
‫‪5‬‬

‫النت ائج المجرم ة وال يقبله ا إال أن ه يتوقعه ا ك أثر ممكن لس لوكه يأم ل في تفاديه ا‪ ،‬كس ائق الس يارة‬
‫الذي يقود سيارته بسرعة في مناطق آهلة بالسكان فيتسبب في حادث‪ ...‬أو كمسؤول في شركة‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ ،...‬ص ‪ 224‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬يفرق أنصار نظرية االحتمال بين االحتمال ومجرد اإلمكان على أساس أن األول يمثل الدرجات العليا من اإلمكان‪ ،‬أي‬
‫هو ذلك اإلمكان الذي بلغ قدرا كبيرا من األهمية‪ ،‬وأساس هذه التفرقة هو االختالف في مقدار العلم الذي توافر لدى الج اني‬
‫بالنتيجة المحتملة‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬علي راشد‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪ - 4‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ط ‪ ،10‬ص ‪.435‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫‪ - 5‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 639‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود محمود مصطفى‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ط ‪ ،10‬ص ‪.435‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.268-267‬‬
‫‪141‬‬
‫النقل البحري الذي يأذن بإقالع السفينة وهو يعلم عدم صالحيتها لإلبحار‪ ،‬ويميز هذا االتجاه بين‬
‫القصد االحتمالي والخطإ غير العمدي‪ ،‬أن النتيجة في األول محتملة وفي الثاني غير محتمل ة‪ ،‬في‬
‫حين يميزه عن القصد المباشر في أن النتيجة في هذا األخير يتوقعها الفاعل ويقبلها كأثر حتمي‬
‫لسلوكه‪ ،‬في حين أنه في القصد االحتمالي ال يريد الفاعل النتيجة وال يقبلها ولكنه يتوقعها‪ ،‬ورغم‬
‫خطورة القصد االحتمالي لما ينطوي عليه من إرادة للفعل وتوقع للنتيجة‪ ،‬والقبول بها عن وعي‬
‫فإن االتجاه الفرنسي يخضعه ألحكام الخطإ غير العمدي‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬االتجاه األلماني‬
‫يخض ع القص د االحتم الي ألحك ام القص د المباش ر‪ ،‬ف إذا ك ان ه ذا األخ ير يق وم على توق ع‬
‫النتيجة اإلجرامية كأثر مباشر وحتمي للسلوك‪ ،‬كإطالق النار على شخص في مقتل فالنتيجة هي‬
‫ح دوث واقع ة الوف اة‪ ،‬ف إن النتيج ة في القص د االحتم الي متوقع ة ك أثر ممكن للس لوك المج رم‪،‬‬
‫كتشويه جسم إنسان من أجل ممارسة ظاهرة التسول‪ ،‬وما واقعة الوفاة إال إحدى االحتماالت التي‬
‫يمكن أن تقع مع السماح عن وعي بحدوثها‪ ،‬فالقصد االحتمالي نوع من القصد الجنائي له قيمته‬
‫القانوني ة‪ ،‬وبالت الي يتطلب تط بيق القواع د العام ة ال تي ترس م ح دود القص د في ص ورته العام ة‪،‬‬
‫وتحدد طبيعته وعناصره‪ ،‬وعليه يجب أن يتوفر في القصد االحتمالي جميع عناصر القصد بنفس‬
‫م دلولهما في القص د في ص ورته العام ة‪ ،‬فيقص د بالعنص ر األول العلم الفعلي بك ل عنص ر من‬
‫عناصر الجريمة التي تتطلب القواعد العامة في القصد الجنائي وإ حاطة علمه بها‪ ،‬أما العلم من‬
‫حيث اإلحاط ة بالنتيج ة ال تي ت رتبت عن الفع ل فيجب أن يتوقعه ا حقيق ة عن دما ارتك اب الس لوك‬
‫المجرم‪ ،‬فتقوم به المسؤولية العمدية‪ ،‬فإذا انتفى عنصر منها انتفت المسؤولية العمدية‪.‬‬
‫إذا لم يتوق ع الفاع ل النتيج ة ولكن ه ك ان في اس تطاعته ومن واجب ه أن يتوقعه ا انتفت‬
‫مسؤوليته العمدية النتفاء القصد الجنائي‪ ،‬وتقوم المسؤولية غير العمدية لتوافر استطاعة التوقع‬
‫ووجوبه الذي يقوم بهما الخطأ غير العمدي( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المبحث الثاني‪ -‬الخطأ غير العمدي‬


‫الخطأ غير العمدي هو إخالل بواجبات الحيطة والحذر التي يقررها القانون وعدم الحيلول ة‬
‫دون ح دوث النتيج ة‪ ،‬وعلي ه فج وهره ه و إخالل ب التزام ع ام يق رره الق انون يتمث ل في وج وب‬
‫مراع اة الحيط ة والح ذر والح رص على الحق وق والمص الح المحمي ة قانون ا‪ ،‬ففي الخط إ يق وم‬
‫الش خص بنش اطه اإلج رامي بإرادت ه الح رة دون أن تتج ه إرادت ه إلى ح دوث النتيجة( )‪ ،‬فتق ع ه ذه‬
‫‪3‬‬

‫األخيرة رغم عدم إرادته لها‪ ،‬إال أنه كان بوسعه وباستطاعته أو من واجبه أن يتوقعها‪ ،‬وإ ذا كان‬
‫جوهر الخط إ هو إخالل بالتزام ع ام يقرره القانون( ) بوج وب مراعاة الحيط ة والحذر ومراع اة‬
‫‪3‬‬

‫األنظمة والحرص على الحقوق والمصالح بوجه عام‪ ،‬فإنه يبحث في مدى توافره بمعيارين هما‪:‬‬
‫أولا‪ -‬معي ار شخص ي يق وم على قي اس س لوك المخطئ بس لوك ش خص آخ ر تجتم ع لدي ة نفس‬
‫الظ روف ال تي أح اطت ب المخطئ وم ا إذا ك ان س يرتكب نفس الخط إ أم ال؟‪ ،‬ف إذا ك ان س يرتكب‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬النظرية العامة للقصد الجنائي‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.205-204‬‬
‫‪ - 2‬نالحظ أنه إذا توقع الجاني حدوث النتيجة المجرمة يتوافر لديه القصد الجنائي االحتمالي الذي سبق أن قلنا بأنه محكوم‬
‫باتجاهين أو نظريتين هما نظرية االحتمال ونظرية التوقع‪.‬‬
‫‪ -3‬يمكن أن تق وم الجريم ة غ ير العمدي ة بامتن اع أي بس لوك س لبي‪ ،‬مث ل ذل ك م ا تق رره المادت ان ‪ 442 ،109‬من ق انون‬
‫العقوبات‪ ،‬كما نالحظ أن هذا النوع من الجرائم التي ينتفي فيها القصد الجنائي ال شروع فيها‪ ،‬ألن هذا األخير يتطلب أن‬
‫يقص د من يش رع في ارتك اب الجريم ة أن يأتيه ا بكاف ة أركانه ا‪ ،‬وال اش تراك فيه ا ألن ه يتطلب اتج اه إرادة الش ريك لمعاون ة‬
‫ومساعدة الفاعل على تنفيذ الجريمة وهو ‪-‬أي الشريك‪ -‬يعلم بذلك‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الخطأ فتقوم المسؤولية الجزائية غير العمدية‪ ،‬وإ ذا كان ال يمكن ارتكابه في نفس تلك الظرف فال‬
‫تقوم المسؤولية الجزائية‪ ،‬وقد انتقد هذا المعيار لتعارضه مع النصوص التجريمية( ) من حيث أنه‬
‫‪1‬‬

‫يخضع تطبيق القانون لظروف كل شخص فتختلف تطبيقاته بتعدد الحاالت‪.‬‬


‫ثانيا‪ -‬معي ار موض وعي يق وم على أس اس قي اس س لوك الش خص المخطئ على س لوك الش خص‬
‫العادي أو المعتاد وهو الشخص متوسط الحذر واالحتياط‪ ،‬فإذا كان الشخص المعتاد وفي نفس‬
‫الظ روف ي رتكب نفس الس لوك فال يق وم الخط أ وال ي رتب مس ؤولية من ق ام ب ه‪ ،‬أم ا إذا ك ان‬
‫الش خص متوس ط الح ذر واالحتي اط ال يق وم بم ا ق ام ب ه المخطئ‪ ،‬ت وافر الخط أ ورتب المس ؤولية‬
‫غير العمدية( )‪ ،‬وهذا يعني أن القياس المعتمد قياسا موضوعيا دون إهمال الظروف الشخصية‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫ولقي ام المس ؤولية الجنائي ة غ ير العمدي ة عن الس لوك ال ذي يض في علي ه المش رع ص فة ع دم‬
‫المشروعية‪ ،‬يجب توافر العالقة النفسية بين شخصية الجاني وماديات الجريمة‪ ،‬والمالحظ أنه ال‬
‫مج ال للبحث في ت وافر الخط إ غ ير العم دي إال إذا ثبت انتف اء القص د الجن ائي‪ ،‬ألن ت وافر ه ذا‬
‫األخير ينتفي معه الخطأ الجنائي‪ ،‬وال يعني بالضرورة انتفاء القصد توافر الخطإ‪ ،‬فقد ال يتوافرا‬
‫معا‪ ،‬وبالتالي ال تقوم المسؤولية الجنائية بنوعيها المسؤولية العمدية وغير العمدية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ -‬مجال الخطإ غير العمدي‬
‫يق وم الخط أ غ ير العم دي أساس ا للمس ؤولية الجزائي ة غ ير العمدي ة ومجال ه الط بيعي ه و‬
‫الج رائم الموص وفة قانون ا بالمخالف ات‪ ،‬م ع مالحظ ة أن ه إذا ك ان مجال ه المخالف ات فال يع ني أن‬
‫جمي ع المخالف ات غ ير عمدي ة‪ ،‬فهن اك مخالف ات عمدي ة‪ ،‬ألن المش رع هو ال ذي يح دد نوعه ا‪ ،‬فإذا‬
‫أغفل تحديد طبيعتها كانت المخالفة غير عمدية‪ ،‬ويمكن الوقوف على هذه التفرقة في نصوص‬
‫قانون العقوبات في الكتاب الرابع المتعلق بالمخالفات ومقوماتها في المادة ‪ 440‬وما يليها‪ ،‬فمثال‬
‫المخالف ات المنصوص عليه ا في المواد ‪ 441 ،440‬مك رر‪ 442 ،442 ،‬مك رر‪455 ،450 ،‬‬
‫عمدية‪ ،‬ومن النصوص التي تقرر أن المخالفة غير عمدية المواد التالية ‪،3-457/2 ،1-453‬‬
‫‪ 463 ،4 -3 -2 -462/1 ،460‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫أم ا في الجنح وإ ن ك انت أص ال تق وم على العم د إال أن ه يج وز اس تثناء قيامه ا على الخط إ‪،‬‬
‫مثل جريمة القتل والجرح خطأ وهو ما تقضي به المادتان ‪ 289-288‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتنص المادة ‪288‬‬
‫«كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم مراعاته‬
‫األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من ‪ 20.001‬إلى ‪100.000‬‬
‫دج‪ ،».‬وتنص الم ادة ‪« 289‬إذا نتج عن الرعون ة أو ع دم االحتي اط إص ابة أو ج رح أو م رض‬
‫أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثالثة أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى‬
‫سنتين وبغرامة من ‪ 20.001‬إلى ‪ ) (100.000‬دج أو بإحدى هاتين العقوبتين»‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وفي الجناي ات ال يتص ور الخط أ فيه ا الجناي ات كأص ل‪ ،‬ألن الجناي ة تق وم على العم د أي‬
‫القصد‪ ،‬فإذا أراد المشرع إقامتها عن خطإ بصورة من صوره وجب النص صراحة على ذلك‪،‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك الم ادة ‪ 2 ،66/1‬ق‪.‬ع تقيم الجناي ة على الخط إ‪ ،‬فتنص «يع اقب بالس جن‬
‫الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة ك ل ح ارس وك ل أمين بحكم وظيفت ه أو بحكم ص فته‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪ -3‬انظ ر الم ادة ‪ 60‬من الق انون ‪ 23-06‬الم ؤرخ في ‪ 20‬ديس مبر ‪ 2006‬المع دل والمتمم لق انون العقوب ات ال تي تض ع‬
‫حدودا جديدة لعقوبة الغرامة في الجنح والمخالفات‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫على معلوم ات أو أش ياء أو مس تندات أو تص ميمات يجب أن تحف ظ تحت س تار الس رية لمص لحة‬
‫الدفاع الوطني أو يمكن أن تؤدي معرفتها إلى الكشف عن سر من أسرار الدفاع الوطني قد قام‬
‫بغ ير قصد الخيان ة أو التجس س بم ا ي أتي‪ -1« »:‬إتالفه ا أو اختالس ها أو ت رك الغ ير يتلفه ا أو‬
‫يختلس ها أو أخ ذ ص ور منه ا»‪ -2« ،‬إبالغه ا إلى علم ش خص ال ص فة ل ه في االطالع عليه ا أو‬
‫إلى علم الجمه ور أو ت رك الغ ير يبلغه ا»‪ ،‬وتنص الفق رة الثاني ة «وتك ون العقوب ة الس جن الم ؤقت‬
‫من خمس إلى عش ر س نوات إذا ك ان الح ارس أو األمين ق د ارتكب الجريم ة برعون ة أو بغ ير‬
‫حيطة أو بعدم تبصر أو بإهمال أو بعدم مراعاة األنظمة»‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ -‬صور الخطـإ غير العمدي‬
‫يقوم الخطأ على مجموعة من الصور أهمها واألكثر تحققا في الواقع هي‪ :‬الرعونة‪ ،‬عدم‬
‫االحتياط‪ ،‬عدم االنتباه‪ ،‬اإلهمال‪ ،‬عدم التبصر‪ ،‬عدم مراعاة اللوائح واألنظمة وبغير قصد‪ ،‬صور‬
‫لم تكن موض وع اتفاق بين الفقه فاختلف بشأنها‪ ،‬ما إذا كانت واردة على سبيل الحصر أو على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬إذ يذهب جانب منه إلى أنها حاالت واردة على سبيل المثال وهو األغلبية( )‪ ،‬ألن‬
‫‪1‬‬

‫جوهر الخطإ ال يكمن في تحديد صوره وإ نما في بيان عناصره ‪-‬وهما اإلخالل بواجب الحيطة‬
‫والح ذر وت وافر العالق ة النفس ية بين إرادة المخ الف والنتيج ة اإلجرامي ة‪ -‬ال تي من خالله ا يمكن‬
‫معرف ة الح االت ال تي يت وافر الخط إ فيه ا‪ ،‬فال يع دو ذك ر ه ذه الص ور في النص وص القانوني ة إال‬
‫حرص المشرع على بيان أهم صور الخطإ‪.‬‬
‫في حين ي ذهب ج انب آخ ر إلى أنه ا ج اءت على س بيل الحص ر‪ ،‬ويب دو ذل ك في ح رص‬
‫المش رع على بي ان ص ور الخط إ ال تي تنط وي على ق در من الخط ورة‪ ،‬فح ددها في نص وص‬
‫قانونية‪ ،‬وصياغة نصوص الجرائم غير العمدية بطريقة تبين مدى حرص المشرع على اإلحاطة‬
‫بك ل م ا يمكن تص وره من ص ور للخط إ‪ ،‬وم ا ع داها من األخط اء فال يمكن أن يش ملها الخط أ‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫ونعتقد أن الرأي األرجح‪ ،‬من يعتمد هذه الصور واردة على سبيل الحصر تطبيقا لشرعية‬
‫الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في المادة األولى من قانون العقوبات‪ ،‬رغم أنها ال تستغرق‬
‫كل صور الخطإ‪ ،‬ولذلك يمكن القول أن القانون الجزائري يميل لهذا الرأي فال يجوز خارج تلك‬
‫الص ور الق ول ب أن حال ة م ا يمكن أن يق وم به ا الخط أ‪ ،‬وبالت الي فيقي د ب ذلك من س لطة القاض ي‬
‫بوجوب االلتزام بتلك الصور إلثبات قيام الخطإ‪ ،‬فيتعين عليه وفي ظل الشرعية التأكد من توافر‬
‫صورة من الصور المذكورة أعاله إلدانة المتهم بجريمة غير عمدية وفق واحدة منها‪.‬‬
‫وقد تنوع موقف المشرع الجزائري في إقامة المسؤولية الجزائية على الخطإ‪ ،‬فمرة حددها‬
‫في صورة واحدة باستعمال مصطلح «بغير قصد» أو باستعمال مصطلح معين منها "الرعونة أو‬
‫ع دم االحتي اط أو اإلهم ال أو ع دم االنتب اه أو ع دم التبص ر أو ع دم مراع اة الل وائح واألنظم ة أو‬
‫الخط أ»‪ ،‬وم رة يقيم المس ؤولية في جريم ة واح دة ح دد على ت وافر ص ورتين الم ادة ‪ 289‬ق‪.‬ع‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬السعيد مصطفى السعيد‪ :‬الركن المعنوي في المخالفات‪ ،‬رسالة دكتوراه القاهرة ‪.1959‬‬
‫د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات الجزائري‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.443‬‬
‫د‪ .‬سامي النبراوي‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي‪ ،...‬ص ‪.181‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 678‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل سليمان‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.273‬‬
‫د‪ .‬معوض عبد التواب‪ :‬الوسيط في شرح جرائم القتل واإلصابة خطأ‪ ،‬القاهرة ‪.1984‬‬
‫‪R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal..., t 5, n° 2049.‬‬
‫‪144‬‬
‫الرعون ة وع دم االحتي اط‪ ،،‬وفي بعض الح االت ب أكثر من ص ورة في الم ادة ‪ 405‬مك رر ق‪.‬ع‪:‬‬
‫الرعون ة وع دم االحتي اط وع دم االنتب اه واإلهم ال أو ع دم مراع اة النظم‪ ،‬وفي الم ادة ‪288‬‬
‫الرعونة‪ ،‬عدم االحتياط‪ ،‬عدم االنتباه‪ ،‬اإلهمال‪ ،‬عدم مراعاة األنظمة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ -‬الرعونــة‬
‫هي ن وع من س وء التق دير ونقص في المه ارة المطلوب ة أو الجه ل بم ا يتعين العلم ب ه‪،‬‬
‫فتتحق ق الرعون ة بفع ل ال يتالءم وال يتناس ب م ع واجب االحتي اط والح ذر‪ ،‬كإق دام ش خص على‬
‫عم ل غ ير مق در لخطورت ه وم ا ق د ي ترتب علي ه من آث ار ونت ائج‪ ،‬ومن تطبيقاته ا الجه ل بأص ول‬
‫مهن ة الطب ك الطبيب أو الج راح ال ذي يج ري عملي ة جراحي ة دون االس تعانة أثناءه ا بمخ در‪ ،‬أو‬
‫كقائد السيارة الذي يغير االتجاه فجأة دون إشارة لذلك فيصيب أحد المارة‪ ،‬أو كمن يلقي بحجر‬
‫من علو دون أن يتوقع إصابة أحد المارة في الطريق العام‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ -‬عدم االنتباه وعدم التبصر واإلهمال‬
‫صور للخطإ تقوم بها جريمة غير عمدية سلبية‪ ،‬أي حاالت الخطإ باالمتناع‪ ،‬هذه الصور‬
‫عب ارة عن موق ف س لبي يتخ ذه الفاع ل بع دم اتخ اذ االحتياط ات الالزم ة ال تي ت دعو له ا الحيط ة‬
‫والحذر من شأنها أن تحول دون وقوع النتيجة‪ ،‬كحارس المنزل الذي يهمل في الصيانة المقررة‬
‫قانونا فيسقط على من فيه‪ ،‬وكحارس ممر القطار الذي ال يبادر بوضع اإلشارة معلنا عن قدوم‬
‫القطار‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ -‬عـدم االحتيـاط‬
‫وهو صورة أخرى للخطإ باالمتناع‪ ،‬فيدرك الشخص خطورة فعله وما قد يترتب عليه من‬
‫آثار ضارة‪ ،‬فال يتخذ اإلجراءات واالحتياطات الالزمة والكافية لتجنبها‪ ،‬كتجاوز سائق السيارة‬
‫دون إشارة منه لمثل هذا الفعل ودون تأكده من خلو الطريق‪ ،‬أو كانطالق حافلة ركاب دون تأكد‬
‫س ائقها من غل ق أبوابه ا‪ ،‬أو ص احب آل ة خط يرة معروض ة للجمه ور فال يتخ ذ من االحتياط ات‬
‫الالزمة لمنع أخطارها عليه‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ -‬عدم مراعاة اللوائح واألنظمة‬
‫يقوم هذا الخطإ على عدم مطابقة السلوك للقواعد واألحكام التي تقررها اللوائح واألنظمة‬
‫القانونية‪ ،‬سواء توفرت صورة من الصور السابقة للخطإ أم لم تتوافر ألن مجرد مخالفة الالئحة‬
‫يكش ف عن خط إ المخ الف لها( )‪ ،‬وتتع دد ه ذه ل وائح الض بط والب وليس بتع دد المص الح المنظم ة‬
‫‪1‬‬

‫والمحمية بالقواعد اآلمرة الصادرة عن السلطات المختصة وهي السلطة التنفيذية‪ ،‬كاللوائح التي‬
‫توض ع بغ رض تنظيم الم رور مثال‪ ،‬ولوائح( ) حيازة وس ائل النقل والصحة العام ة ولوائح تنظيم‬
‫‪2‬‬

‫المهن وحمل السالح‪.‬‬


‫الفصل الثالث‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬ص ‪.683‬‬
‫‪R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal..., t 5, no 2054, p 413.‬‬
‫‪ -2‬نالح ظ أن م دلول الالئح ة يتس ع لجمي ع ص ور النص وص القانوني ة طبق ا لم دلولها الدس توري‪ ،‬وتطبيق ا للم ادة ‪ 122‬من‬
‫الدستور‪ ،‬سواء كانت نصوص قانون العقوبات التي تنص على الخطإ الجنائي غير العمدي‪ ،‬كتلك التي تتعلق بالمخالفات‪،‬‬
‫وس واء ك انت تل ك الل وائح أو قواع د الس لوك اآلم رة ال تي تص در عن س لطات الدول ة المختص ة قانون ا‪ ،‬وتش مل المراس يم‬
‫والتعليمات اإلدارية على اختالف أنواعها التي تصدرها السلطات المختصة‪ ،‬كلوائح تنظيم المرور وحيازة األسلحة ولوائح‬
‫الصحة العامة‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫موانع األهلية الجنائية‬
‫سبق القول بوجوب أن يكون من تسند له الواقعة المجرمة أن يكون أهال جنائيا وحرا في‬
‫اختياره‪ ،‬ألن األهلية الجنائية تقوم على قدرة الشخص على إدراك وتمييز مغزى أفعاله وحريته‬
‫في اختيار سلوكه‪ ،‬وهذا يعني أنه إذا اعترض األهلية عارض من شأنه أن يؤثر في القدرة على‬
‫اإلدراك والتمي يز أو في حري ة االختي ار ف إن ه ذا يجع ل تص رفه أو س لوكه ليس محال للمس ؤولية‬
‫والعقاب‪ ،‬وهي القواعد التي اعتمدها المشرع الجزائري في المواد ‪ 49 ،48 ،47‬ق‪.‬ع‪ ،‬فتنص‬
‫الم ادة ‪« 47‬ال عقوب ة على من ك ان في حال ة جن ون وقت ارتك اب الجريم ة وذل ك دون اإلخالل‬
‫بأحك ام الفق رة ‪ 2‬من الم ادة ‪ ،»21‬وتنص الم ادة ‪« 48‬ال عقوب ة على من اض طرته إلى ارتك اب‬
‫الجريم ة ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها( )»‪ ،‬وتنص الم ادة ‪« 49‬ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة القاص ر‬
‫‪1‬‬

‫الذي لم يكمل عشر (‪ )10‬سنوات( )»‪« ،‬ال توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من ‪ 10‬إلى أقل‬
‫‪2‬‬

‫من ‪ 13‬سنة إال تدابير الحماية أو التهذيب( )»‪« ،‬ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال‬
‫‪3‬‬

‫إال للتوبيخ( )»‪« ،‬ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬إما لتدابير الحماية أو التهذيب‬
‫‪4‬‬

‫أو لعقوبات مخففة( )»‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫يح دد الق انون ه ذه األس باب كموان ع للمس ؤولية الجزائي ة‪ ،‬وهي الجن ون واإلك راه وص غر‬
‫الس ن‪ ،‬ألن ه من ش أن ع دم ت وافر واح د منه ا أن ي ؤثر في اإلرادة فيجرده ا من قيمته ا القانوني ة‪،‬‬
‫وينتفي تبعا لذلك الركن المعنوي‪ ،‬وهي حاالت ال تنتفي بها صفة عدم المشروعية‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬صـغـر السـن‬
‫يعت بر ص غر الس ن في التش ريعات الحديث ة مانع ا من موان ع المس ؤولية الجنائية( )‪ ،‬ألن‬
‫‪6‬‬

‫الصغير الذي لم يبلغ سنا يحددها القانون سلفا يعتبر عديم اإلدراك والتمييز أو ناقصهما‪ ،‬فتنص‬
‫الم ادة األولى من ق انون حماي ة الطف ل «الطف ل‪ :‬ك ل ش خص لم يبل غ الثامن ة عش ر (‪ )18‬س نة‬
‫كامل ة»‪« ،‬الطف ل الج انح‪ :‬الطف ل الذي ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال يق ل عم ره عن عش ر (‪)10‬‬
‫سنوات»‪« ،‬وتكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتكاب الجريمة»‪ ،‬وعليه فالصغير الذي يرتكب‬
‫جريمة لم يبلغ حينها سن الرشد الجزائي يعتبر غير مسؤول جزائيا‪ ،‬وإ دا كانت القاعدة العامة أن‬
‫من لم يبلغ سن الرشد الجزائي ال يسأل جزائيا‪ ،‬فإن أحكام القانون وضعت ألهلية الطفل أطوارا‬
‫وحددت أحكامها على النحو التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ -‬طور الصغير إلى ما قبل بلوغ ‪ 10‬سنوات‬
‫يق رر ك ل من ق انون العقوب ات وق انون حماي ة الطف ل ع دم قي ام المس ؤولية الجزائي ة بص فة‬
‫مطلق ة للطف ل ال ذي لم يبل غ عش ر (‪ )10‬س نوات كامل ة‪ ،‬فتنص الم ادة ‪ 49/1‬من ق انون العقوب ات‬
‫«ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة القاص ر ال ذي لم يكم ل عش ر (‪ )10‬س نوات»‪ ،‬وتنص الم ادة‬

‫‪ - 1‬وقد سبق القول أن هذه المادة يمكن التسع فيها لتشمل حالتي اإلكراه والضرورة‪.‬‬
‫‪ -2‬أنظر المادة ‪ 56‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -3‬أنظر المادة ‪ 87/2‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -4‬أنظر المادة ‪ 87/1‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -5‬أنظر المادة ‪ 86‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ - 6‬تختلف التشريعات الجنائية في تحديد سن الرشد الجنائي والذي يعتبر كل من يبلغه صغيرا‪ ،‬فيحدد القانون الجزائري بـ‬
‫‪ 18‬س نة كامل ة‪ ،‬ويح دده الق انون الجن ائي المغ ربي بـ ‪ 16‬س نة كامل ة في الفص ل ‪ 140‬من ه‪ ،‬ويح دده الق انون الفرنس ي بـ ‪18‬‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪ 56/1‬من ق انون حماي ة الطف ل «ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة الطف ل ال ذي لم يكم ل العش ر (‬
‫‪ )10‬سنوات( )»‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫المطلب الثاني‪ -‬طور الصغير من ‪ 10‬ما لم يبلغ سن ‪ 13‬سنة كاملة‬


‫بالنس بة له ذا الط ور يعت بر فيه ا الص غير ع ديم اإلرادة‪ ،‬وه و غ ير مس ؤول من الناحي ة‬
‫الجنائي ة عم ا ق ام ب ه من أفع ال تق ع تحت طائل ة ق انون العقوب ات‪ ،‬فتنص الفق رة األولى من الم ادة‬
‫‪ 49/2‬ق‪.‬ع ‪«،‬ال توق ع على القاص ر ال ذي ي تراوح س نه من ‪ 10‬إلى أق ل من ‪ 13‬س نة إال ت دابير‬
‫الحماية أو التهذيب( )»‪ ،‬وتقرر المادة ‪ 87‬من قانون حماية الطفل في فقرتها الثانية أن يوبخ هذا‬
‫‪2‬‬

‫الطفل‪ ،‬وإ ن اقتضت مصلحته يوضع في نظام الحرية المراقبة( )‪ ،‬وإ ذا كان الطفل غير مسؤول‬
‫‪3‬‬

‫جزائيا فإنه إعماال لقواعد المسؤولية االجتماعية يقرر القانون اتخاذ تدابير الحماية أو التهذيب( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫المطلب الثالث‪ -‬طور الصغير الذي بلغ سن ‪ 13‬ولم يبلغ سن ‪18‬‬


‫تنص الم ادة ‪ 49/4‬ق‪.‬ع «ويخض ع القاص ر ال ذي يبل غ س نه من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬إم ا لت دابير‬
‫الحماية أو التهذيب أو لعقوبات مخففة( )»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 50‬منه «إذا قضي بأن يخضع القاصر‬
‫‪5‬‬

‫الذي يبلغ سنه من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬لحكم جزائي( ) فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون كاآلتي»‪« :‬إذا‬
‫‪6‬‬

‫كانت العقوبة التي تفرض عليه هي اإلعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من‬
‫عش ر س نوات إلى عش رين س نة»‪« ،‬وإ ذا ك انت العقوب ة هي الس جن أو الحبس الم ؤقت فإن ه يحكم‬
‫عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا»‪.‬‬
‫وتؤك د على ه ذا الم ادة ‪ 86/1‬من ق انون حماي ة الطف ل فتنص «يمكن جه ة الحكم بص فة‬
‫استثنائية بالنسبة للطفل البالغ من العمر من ثالث عشرة (‪ )13‬سنة إلى ثماني عشرة (‪ )18‬سنة‪،‬‬
‫أن تستبدل أو تستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة ‪ 85‬أعاله‪ ،‬بعقوبة الغرامة أو الحبس‬
‫وفقا للكيفيات المحددة في المادة ‪ 50‬من قانون العقوبات‪ ،‬على أن تسبب ذلك في الحكم»‪.‬‬
‫والمالحظ أن القانون يميز بين الحدث في هذا السن من خالل السلوك الذي قام به‪ ،‬ما إذا‬
‫ك ان جناي ة أو جنح ة‪ ،‬وم ا إذا ك ان مخالف ة‪ ،‬فبالنس بة للمخالف ة يق رر للطف ل في ه ذا الط ور إمك ان‬
‫توبيخه أو الحكم عليه بالغرامة فقط طبقا للمادة ‪ 51‬ق‪.‬ع والمادة ‪ 87/1‬من قانون حماية الطفل‪،‬‬
‫وفي غيرها للجهة القضائية أن تستبدل تدابير الحماية والتهذيب بعقوبا مخففة وفقا لما هو مقرر‬
‫في المادة ‪ 50‬من قانون العقوبات أو تستملها بالعقوبة المخففة بحسب الحاجة مع تسبيب ذلك‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ -‬طور البالغ ثمانية عشرة سنة كاملة‬

‫‪ -7‬وتق رر الفق رة الثاني ة من الم ادة ‪ 56‬أن ممثل ه الش رعي ه و من يتحم ل المس ؤولية المدني ة عم ا يلحق ه ه ذا الطف ل من‬
‫أضرار‪.‬‬
‫‪ -2‬أنظر المادة ‪ 87‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -3‬يأمر بالوضع تحت الحرية المراقبة قاضي األحاد أو قاضي التحقيق المختص باألحدث حسب الحالة‪ ،‬وتكلف مصالح‬
‫الوسط المفتوح تنفيذ ذلك طبقا للمادة ‪ 70‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -4‬تنص المادة‪ 58/1‬من ق انون حماي ة الطف ل «يمن ع وض ع الطف ل ال ذي يتراوح س نه من عش ر ( ‪ )10‬س نوات إلى أق ل من‬
‫ثالث عشرة (‪ )13‬سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة»‪.‬‬
‫‪ -5‬أنظر المادة ‪ 86‬من قانون حماية الطفل‪.‬‬
‫‪ -6‬تنص الم ادة ‪ 58/2‬من ق انون حماي ة الطف ل «ويمن ع وض ع الطف ل الب الغ من العم ر ثالث عش رة (‪ )13‬س نة إلى ثم اني‬
‫عشرة (‪ )18‬سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة‪ ،‬إال إذا كان هذا اإلجراء ضروريا واستحال اتخاذ أي إجراء آخر‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬يوضع الطفل بمركز إعادة التربية وإ دماج الحداث أو بجناح خاص باألحداث في المؤسسات العقابية عند‬
‫االقتضاء»‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫ب الرجوع لألحك ام ال واردة في الم واد ‪ 51 ،50 ،49‬ق‪.‬ع وأحك ام الم ادة األولى من ه ال تي‬
‫تنص «الطفل‪ :‬كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر (‪ )18‬سنة كاملة»‪« ،‬الطفل الجانح‪ :‬الطفل الذي‬
‫ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال يق ل عم ره عن عش ر (‪ )10‬س نوات»‪« ،‬وتك ون الع برة في تحدي د‬
‫سنه بيوم ارتكاب الجريمة»‪ ،‬أن من بلغ ثماني عشرة سنة كاملة يصبح أهال للمساءلة الجزائية‬
‫الكامل ة عما اقترف ه من س لوكات مجرم ة‪ ،‬الكتم ال القدرة على اإلدراك والتمي يز لديه‪ ،‬إال أنه قد‬
‫تع تري الش خص ح االت تع دم أو تنقص من قدرت ه على اإلدراك والتمي يز ك الجنون‪ ،‬أو أن يك ون‬
‫الش خص مض طرا أو م دفوعا بق وة ال قب ل ل ه ب دفعها‪ ،‬ك أن يك ره الش خص على إتي ان الس لوك‬
‫المجرم‪ ،‬فال يسأل عنه جزائيا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -‬الجـنــــون‬
‫تنص الم ادة ‪ 47‬ق‪.‬ع «ال عقوب ة على من ك ان في حال ة جن ون وقت ارتك اب الجريم ة‬
‫وذل ك دون اإلخالل بأحك ام الم ادة ‪ »21/2‬فتنص الفق رة الثاني ة من الم ادة ‪ 21‬على «يمكن أن‬
‫يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم‬
‫وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى غ ير أن ه في ه اتين الح التين األخ يرتين يجب أن تك ون مش اركته في‬
‫الوق ائع المادي ة ثابت ة»‪ .‬وتنص الم ادة ‪ 21/1‬ق‪.‬ع «الحج ز القض ائي في مؤسس ة استش فائية‬
‫لألم راض العقلي ة ه و وض ع الش خص بن اء على أم ر أو حكم أو ق رار قضائي في مؤسس ة مهي أة‬
‫له ذا الغ رض بس بب خل ل في ق واه العقلي ة ق ائم وقت ارتكاب ه الجريم ة أو اع تراه بع د ارتكابه ا»‪،‬‬
‫والمالحظ جعل من الجنون مانعا للمسؤولية الجزائية فإنه لم يعرفه رغم أنه في الفقرة األولى من‬
‫الم ادة ‪ 21‬وص فته بأن ه "خل ل في الق وى العقلي ة ق ائم وقت ارتك اب الجريم ة أو اع تراه بع د‬
‫ارتكابها"‪ ،‬فما هو الجنون؟‬
‫نالحظ وجوب التفرقة بين وضعين‪ ،‬واحد تنعدم فيه المسؤولية الجزائية متى كانت حالة‬
‫الجنون عبارة عن "خلل في القوى العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة" ووضع آخر ال تمتنع فيه‬
‫المسؤولية أن يكون الجنون الحقا الرتك اب الجريم ة "اعتراه بعد ارتكابها"‪ ،‬وهذه األخيرة حال ة‬
‫ت ؤثر في اإلج راءات ي حال ة ق د تط رأ أثن اء التحقي ق أو المحاكم ة‪ ،‬وق د تك ون الحق ة على الحكم‬
‫باإلدانة فتؤثر في سير اإلجراءات الجزائية مما يتطلب وضعه في الحجز القضائي في مؤسسة‬
‫استشفائية للعالج بناء على المادة ‪ 21‬من قانون العقوبات‪ ،‬مع مالحة أن الحجز القضائي يمكن‬
‫اتخاذه في مواجهة المجنون غير السؤول جزائيا أيضا‪.‬‬
‫يع رف الجن ون مص طلح يتس ع لك ل خل ل يص يب العق ل س واء ك ان مطلق ا أو متقطع ا‪ ،‬أو‬
‫األمراض العصبية التي تعني انحراف الجهاز العصبي عن النحو الطبيعي المعتاد( )‪ ،‬أو هو خلل‬
‫‪1‬‬

‫عقلي يص يب المخ في ؤثر في الق درة على اإلدراك والتمي يز‪ ،‬وه ذا الخل ل في العق ل المتن اع‬
‫المسؤولية الجزائية يجب أن يكون أو معاصرا الرتكاب الجريمة أو سابقا لها بشرط أن يستمر‬
‫الخلل العقلي أثناء ارتكاب الجريمة‪ ،‬إال امتناع المسؤولية ال تمنع اتخاذ تدابير أمنية في مواجهة‬
‫المجنون التقاء خطره على األفراد والجماعة مثل الحجز القضائي عليه طبقا للمادة ‪ 21‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫والمالحظ أن امتناع المسؤولية الجنائية بالنسبة لكل من توفر فيه المانع‪ ،‬وهو عدم قدرة‬
‫الش خص على اإلدراك والتمي يز لخل ل في الق وى العقلي ة ال ت ؤثر في قي ام مس ؤولية من س اهم في‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 549‬وما يليها‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫الجريمة معه بأي صورة منها‪ ،‬ألنه ظرف شخصي ال يستفيد منه إال من توفر فيه‪ ،‬ألن الجريمة‬
‫تظل قائمة فيسأل المساهمون في ارتكابها وتقوم المسؤولية المدنية عنها‪.‬‬
‫حـكـم السكـر‬
‫الس كر نوع ان‪ ،‬س كر غ ير اختي اري أو اض طراري وس كر اختي اري‪ ،‬يف رق الفق ه بينهم ا‪،‬‬
‫ف األول يعت بر حال ة من ح االت امتن اع المس ؤولية الجزائي ة‪ ،‬ألن الس كران يك ون فاق دا للش عور أو‬
‫االختيار‪ ،‬أما السكر االختياري فيبقي على المسؤولية الجزائية ألنه عمل إرادي‪ ،‬ولكن هل تقوم‬
‫المس ؤولية الجنائي ة على العم د أو على الخط إ؟( )‪ ،‬ويش كل الس كر االختياري جريم ة مس تقلة‪ ،‬ولم‬
‫‪1‬‬

‫ينص الق انون الجزائ ري ص راحة على حكم للس كر بنوعي ه‪ ،‬ولكن الم ادة ‪ 22‬ق‪.‬ع «الوض ع‬
‫القض ائي في مؤسس ة عالجي ة هو وض ع ش خص مص اب بإدم ان اعتي ادي ن اتج عن تع اطي مواد‬
‫كحولي ة أو مخ درات أو م ؤثرات عقلي ة‪ ،‬تحت المالحظ ة في مؤسس ة مهي أة له ذا الغ رض‪ ،‬وذل ك‬
‫بناء على أمر أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها الشخص‪ ،‬إذا بدا أن السلوك‬
‫اإلج رامي للمع ني مرتب ط به ذا اإلدم ان»‪ ،‬وتنص الفق رة الثاني ة منه ا «يمكن أن يص در األم ر‬
‫بالوضع القضائي في مؤسسة عالجية( ) طبقا للشروط المنصوص في المادة ‪( 21‬الفقرة ‪،») ()2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وتنص المادة ‪ 290‬ق‪.‬ع «تضاعف العقوبات المنصوص عليها في المادتين ‪ 288‬و ‪ ) (289‬إذا‬
‫‪4‬‬

‫ك ان م رتكب الجنح ة في حال ة س كر‪ ،»...‬وه ذا يع ني أن الم ادة ‪ 22‬تق رر اتخ اذ ت دبير أم ني في‬
‫مواجهة المدمن على الكحول والسكران أو من في حكمهما‪ ،‬بوضعه في مؤسسة عالجية بغرض‬
‫معالجت ه وإ ص الحه‪ ،‬لتجنب الخط ورة ال تي يش كلها على الجماع ة واألف راد‪ ،‬وهي م ادة لم تفص ح‬
‫عما إذا كان المدمن مسؤوال جزائيا عن السلوكات التي قام بها مسؤولية عمدية أم غير عمدية‪،‬‬
‫في حين تقرر المادة ‪ 290‬ق‪.‬ع أن السكر يعتبر ظرفا مشددا للعقاب في جريمتي القتل والجرح‬
‫خطأ وهما جريمتان غير عمديتين( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫المبحث الثالث‪ -‬اإلكـــــراه‬


‫اإلك راه ه و عم ل غ ير مش روع ص ادر عن إنس ان بقص د حم ل الغ ير على القي ام بعم ل أو‬
‫امتناع عن فعل‪ ،‬واإلكراه من شأنه أن يبقي على إرادة المكره ولكنه ينقص من حرية االختيار‪،‬‬
‫وهو نوعان‪ ،‬إكراه مادي وإ كراه معنوي‪ ،‬األول أن يدفع الشخص الرتكاب الجريمة تحت ضغط‬
‫وت أثير ق وة مادي ة ال قب ل ل ه ب دفعها‪ ،‬أو ه و ض غط م ادي يق ع على المك ره‪ ،‬ك أن يج بر ش خص‬
‫شخصا آخر على ارتكاب جريمة( )‪ ،‬مثل أن يمسك شخص بيد شخص آخر فيحركها على وثيقة‬
‫‪6‬‬

‫‪ - 1‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 566‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 378‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد الفاضل‪ :‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،442‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -2‬تنص الفق رة الثالث ة من الم ادة ‪« 22‬تج وز مراجع ة الوض ع القض ائي في مؤسس ة عالجي ة‪ ،‬ب النظر إلى تط ور الخط ورة‬
‫اإلجرامية للمعني‪ ،‬وفقا لإلجراءات والكيفيات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما»‪.‬‬
‫‪ -3‬تنص الم ادة ‪ 21/2‬على «يمكن أن يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب ّأي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو‬
‫ببراءت ه أو بع دم وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى غ ير أن ه في ه اتين الح التين األخ يرتين يجب أن تك ون مش اركته في الوق ائع‬
‫المادية ثابتة»‪.‬‬
‫‪ -4‬جريمة القتل خطأ والجرح خطأ‪.‬‬
‫‪ -5‬انظر المادة ‪ 288‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -6‬واإلكراه يختلف في هذا ‪-‬المصدر فعل اإلنسان‪ -‬عن القوة القاهرة‪ ،‬بأنه يتعلق بالحاالت التي تسيطر فيها على جسم‬
‫المتهم المك ره ق وة تس خره على نح و معين فتمحي إرادت ه‪ ،‬في حين أن الق وة الق اهرة مص درها ق وى الطبيع ة أو أي مص در‬
‫آخر غير اإلنسان‪ ،‬وهو يتميز عنها أيضا من حيث أنه ال يمحو صفة الجريمة عن الفعل‪-‬في اإلكراه المادي إذا كان من‬
‫شأنه أن يلغي إرادة المكره فتنسب الجريمة لمن باشر اإلكراه نفسه‪ ،‬كمن يمسك بيد شخص فيطلق النار على شخص آخر‪،‬‬
‫أو كمن يمس ك بي د ش خص فيحركه ا على وثيق ة لوض ع بيان ات مخالف ة للحقيق ة في مح رر رس مي أو تزوي ر م ا ب ه من‬
‫معلومات‪ ،-‬في حين أن القوة القاهرة تمحو وصف الجريمة عن الفعل بصفة مطلقة‪.‬‬
‫د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪149‬‬
‫لوضع بيانات مخالفة للحقيقة في محرر رسمي أو تزوير ما به من معلومات‪ ،‬أو كمن يمسك بيد‬
‫ش خص فيطل ق الن ار على ش خص آخ ر‪ ،‬وق د يك ون من فع ل الطبيع ة أو الحي وان‪ ،‬فالحرك ة‬
‫العضوية التي يقوم بها المكره حركة غير إرادية‪ ،‬ألن هناك قوة ال سيطرة له عليها‪ ،‬تفقده إرادته‬
‫والس يطرة على أفعال ه‪ ،‬وفي ه ذه الحال ة تنس ب الجريم ة المرتكب ة لمن أك ره المك ره على الحرك ة‬
‫العضوية( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أما اإلكراه المعنوي فهو دفع شخص الرتكاب الجريمة تحت تأثير قوة معنوية ال يستطيع‬
‫دفعها أو درءها كالتهديد‪ ،‬أو هو ممارسة الضغط على إرادة المكره للنيل من الجانب النفسي إلى‬
‫حد توجيه إرادته نحو ارتكاب السلوك اإلجرامي( )‪ ،‬بقتل أحد أبناء المكره أو تهديده باختطافه( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وق د نظم المش رع الجزائ ري اإلك راه وحكم ه في الم ادة ‪ 48‬ق‪.‬ع‪ ،‬فجع ل من ه مانع ا لقي ام‬
‫المسؤولية الجنائية‪ ،‬ألن المكره يفقد أحد عناصر قيام المسؤولية وهو عنصر الحرية‪ ،‬فتنص «ال‬
‫عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها ( )»‪ ،‬وعليه فاإلكراه المادي‬
‫‪4‬‬

‫أو المعنوي باعتباره سببا لعدم قيام المسؤولية الجنائية‪ ،‬يشترط فيه أن يكون مصدره قوة غير‬
‫متوقع ة ال قب ل ل ه ب دفعها مص درها اإلنس ان‪ ،‬وأال تك ون من الممكن مقاومته ا‪ ،‬وه ذا يع ني أن‬
‫يستحيل على المتهم تجنب الجريمة‪.‬‬
‫تم بتوفيق من اهلل وعونه‬

‫د‪ .‬رضا فرج‪ :‬شرح قانون العقوبات‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 381‬وما يليها‪.‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم زكي أخنوخ‪ :‬حالة الضرورة في قانون العقوبات‪ ،‬رسالة دكتوراه القاهرة ‪.1966‬‬
‫‪ -1‬يتفق في هذه الحالة اإلك راه الم ادي م ع الض رورة من حيث أنهما يع دمان المس ؤولية الجنائي ة للمض طر والمكره ماديا‪،‬‬
‫ال ذي يمكن أن يكون مصدره ق وى الطبيعة كالفيضانات فتمنع الشاهد عن المثول أمام قاض ي التحقيق أو المحكمة لإلدالء‬
‫بشهادته‬
‫‪2‬‬
‫‪- G. Stefani- G. Levasseur- B. Bouloc: Droit pénal Général, 11 éd. Dalloz, Paris‬‬ ‫‪1980, p.345 et‬‬
‫‪s.‬‬
‫‪ - 3‬يجب استبعاد االنفعاالت العاطفية للمتهم‪ ،‬فال يجوز االستناد إليها لتقرير عدم مسؤوليته الجزائية عما قام به من سلوكات‬
‫مجرمة‪ ،‬وال يمنع القاضي أن يعتد بمثل هذه االنفعاالت كظروف قضائية مخففة تطبيقا لحكم المادة ‪ 53‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ -4‬وق د س بق أن أش رنا إلى أن ه ذه الم ادة ‪ 48‬من ق انون العقوب ات يمكن تفس يرها تفس يرا موس عا لتش مل حال ة الض رورة‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪150‬‬

You might also like