Professional Documents
Culture Documents
يعتبر قانون العقوبات من أهم فروع القانون ،وتبدو أهميته في المصالح والحقوق التي
يحميها والغاية التي يريد تجسيدها ،مصالح يرى المشرع أنها جديرة بالحماية القانونية خاصة
الجزائية منها ،تحقيقا ألمن واستقرار وسكينة الجماعة ،وإ قامة العدل بين أفرادها ،عن طريق ما
يقرره قانون العقوبات ومجموع القواعد المكملة له ،من وسائل قهر وإ لزام وردع ،باعتباره أداة
السلطة في التجريم والعقاب استعماال لحق الدولة في العقاب بتقرير جزاءات تتناسب مع خطورة
وجس امة الجريم ة باعتب ار الج زاء ض رورة اجتماعي ة تكف ل اح ترام أوام ر الق انون ونواهي ه ،ألن
حاجة المجتمعات الحديثة لقانون رادع كقانون العقوبات.
لقد مر القانون الجنائي عبر تطوره بمراحل مختلفة ،كل مرحلة لها طابعها الخاص المميز
لها ،فلم يعد ينظر لقانون العقوبات بأنه قواعد قانونية الغرض منها فقط ردع المجرمين وتوقيع
أشد العقوبات عليهم ،بل إنه أصبح ينظر لهذا القانون من خالل الدور اإلصالحي والوقائي الذي
يلعب ه ،ب ل العم ل إيجابي ا على عدم وقوعه ا بواسطة الت دابير األمني ة والوقائي ة ،وهو موقف تبن اه
التشريع الجزائي في الفقرات 4 ،3 ،1من المادة 4من قانون العقوبات( ) ،فتنص الفقرة 1منها
1
«يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن» ،والفقرة « 3إن
لتدابير األمن هدف وقائي» ،وتنص الفقرة « 4إن لتدابير األمن هدف وقائي».
التسميات المختلفة لقانون العقوبات
يختلف الفقه الجنائي حول المصطلح الممكن إطالقه على قانون العقوبات ،فذهب البعض لتسميته بـ
«قانون العقوبات» انطالقا من مصطلح العقوبة لما يتضمنه من عقوبات مختلفة كاإلعدام والسجن
والحبس والغرام ة ،تس مية لم تلق إجماع ا ،لعدم شمولها جمي ع الج زاءات القانوني ة ،وأطلق علي ه
مص طلح الق انون الجن ائي ،والبعض أطلق ه مجموع تي القواع د الموض وعية والش كلية مص طلح
مستمد من أخطر أنواع الجريمة وهي الجناية « »Crimeوهو ال يتسع ليشمل بقية أنواع الجرائم
األخ رى ،الح ظ أن الم ادة 27ق.ع تنص «تقس م الج رائم تبع ا لخطورته ا إلى جناي ات وجنح
ومخالفات ،وتطبق عليها العقوبات المقررة للجنايات أو الجنح أو المخالفات» ،ويطلق عليه البعض
«القانون الجزائي» انطالقا من أن الجزاء عنصرا أساسيا فيه ،مصطلح يتسع للعقوبات التقليدية
والتدابير األمنية.
موقف المشرع الجزائري
ال يس تقر العم ل في الق انون الجزائ ري بمص طلح مح دد ،ففي دس توري س نني ،1976
1989يستعمل مصطلح الجزائي «القواعد العامة للقانون الجزائي» وفي دستور سنة 1996قبل
التعديل أطلق عليه «قواعد قانون العقوبات» قبل وبعد التعديل سنة ،2016في المادة تين ،122
-1أنظ ر الم واد 51 :مك رر 51 ،مك رر 18 ،مك رر 177 ،مك رر ،1وك ذلك الم واد 53مك رر 54 ،7مك رر،298 ،9
382 ،299مكرر 417 ،1مكرر3
2
األحك ام بالقس م الخ اص في ق انون العقوب ات ،في الج زء الث اني من الق انون يض م مجموع ة من
الكتب على النحو التالي:
-1الكتاب الثالث منه خاص بالجنايات والجنح وعقوباتها في المواد ،439-61في الباب األول
منه تناول الجنايات والجنح ضد الشيء العمومي وفي الباب الثاني تناول الجنايات والجنح ضد
األفراد كالقتل وأعمال العنف العمدية كالضرب والجرح ،والجنايات والجنح ضد األسرة واآلداب
والجنايات والجنح ضد األموال ،كالسرقة والنصب وإ صدار شيك بدون رصيد وخيانة األمانة في
المادة ،376وجرائم تبييض األموال وجرائم المساس بأنظمة المعالجة اآللية للمعطيات ،والباب
الثالث تحت عنوان االعتداءات األخرى على حسن سير االقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية،
والباب الرابع في الغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية.
-2الكت اب الراب ع من ق انون العقوب ات ع الج في ه المخالف ات ،من الفئ ة األولى والثاني ة ،واألحك ام
المشتركة بين جميع المخالفات.
تتميز األحكام العامة في قانون العقوبات ،بأنها أحكام أكثر ثباتا من أحكامه الخاصة وأقل عرضة
للتعديل والتبديل منها ،فال تعدل إال قليال ،ألنها مبادئ عامة ال تتأثر عادة بتغير الظروف ،ومن
التعديالت التي لحقتها:
أوال-التعديل األول بالقانون 04-82المعدل لألحكام المتعلقة بالعود في المواد ،56 ،55 ،54
،57والمادتين 42 ،41المتعلقة بأحكام المساهمة الجنائية بنوعيها المباشرة وغير المباشرة.
ثانيا-التعديل الثاني بالقانون 05-89ألغى عقوبة االعتقال ،بتعديل المادة 9من قانون العقوبات
وإ لغاء المادتين 60 ،10منه ،حيث وحدت العقوبات التكميلية والتبعية في نوع واحد أطلق عليه
"العقوبة التكميلية".
ثالثا-التعديل الثالث بالقانون ،15-04التأسيس للمسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية بإضافة
المواد 18مكرر و 18مكرر 51 ،1مكرر.
رابعا :التعديل الرابع بالقانون 23-06فيما يتعلق بعقوبة الغرامة في المواد 5 ،5مكرر467 ،
مكرر 467 ،مكرر.
أما األحكام الخاصة فهي أكثر عرضة للتغيير والتبديل بتغير وتطور الظروف والمصالح والقيم
المختلف ة من سياس ية ،اقتص ادية ،اجتماعي ة ،...وم ا يق رر له ا من حماي ة جزائي ة ،وهي تع ديالت
تلحق جريمة أو صنف من الجرائم تعديال كإدراج نوع منها في قوانين خاصة كجرائم التهريب
والفساد مثال( ) ،أو تدمج بعض األحكام الخاصة في قانون العقوبات كاألحكام المتعلقة باإلرهاب
1
والتخريب( ).
2
-1أنظر األمر 22-96المؤرخ في 9يوليو 1996المتعلق بالتشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األموال
من وإ لى الخ ارج "ألغيت بمقتض اه الم واد 425 ،425 ،424مك رر 426 ،من ق انون العقوب ات" واألم ر 10-97في 06
مارس 1997المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ،مع المالحظة أن هذا األخير ألغي بالقانون 05-03المؤرخ في
19يوليو 2003بإلغاء المواد 394-390من قانون العقوبات
-2الق انون ب أمر رقم 11-95الم ؤرخ في 25ف براير 1995ال ذي أدمج األحك ام الموض وعية المتعلق ة بمحارب ة ظ اهرة
اإلرهاب والتخريب التي كانت مقررة في المرسوم التشريعي 03-92المؤرخ في 30سبتمبر 1992المعدل والمتمم.
3
يعت بر ق انون العقوب ات ج زء من النظ ام الق انوني في أي مجتم ع ،يعت بر من أهم الف روع
القانونية وأكثرها تداخال معها بما يفرضه من حماية جزائية للحقوق عن طريق تجريم االعتداء
عليها أو التعرض لها وما يقرره من جزاءات لها( ) ويختلف عنها من موضوعا وأهدافا وطريقة
1
مك رر إ.ج «ال دعوى العمومي ة لتط بيق العقوب ات يحركها ويباش رها رج ال القض اء أو الموظف ون
المعه ود إليهم به ا بمقتض ى الق انون» ،وتنص الم ادة 29إ.ج «تباش ر النياب ة العام ة ال دعوى
العمومية باسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون» ،وتنص المادة 36إ.ج «...ويخطر –أي وكيل
الجمهورية-الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها أو يأمر بحفظها بقرار
قابال دائما للمراجعة»
-3أن تعليق أو تقييد حق النيابة العامة في إقامة الدعوى العمومية استثناء من األصل العام ،فهو
مقرر حصرا في أحوال محددة قانونا( ).
4
-4أن رضاء المجني عليه ليس له أثر في إباحة الجريمة أو العفو عن العقوبة ،فال يؤثر وجوده
السابق وال الالحق في قيامها واكتمال عناصرها.
-1أنظر مثال المواد 350 ،386 ،331 ،339 :وما يليها 372 ،وما يليها 376 ،وما يليها.135 ،
-2أنظر المواد 2إلى 5والمادة 72وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية.
-3ويطلق عليها أيضا الدعوى العامة والدعوى الجنائية والدعوى الجزائية.
-4انظر المادة 6إ.ج ،والمواد ،389 ،164 ،377 ،369 ،373 ،326 ،339ق.ع ،والمادة 130من الدستور.
4
عالقة قانون العقوبات بقانون اإلجراءات الجزائية
إذا ك ان ق انون العقوب ات ينظم ح ق الدول ة في العق اب تجريم ا وعقاب ا وت دبيرا ،ف إن تطبيق ه
يس تدعى بالض رورة اس تعمال قواع د ق انون اإلج راءات الجزائي ة انطالق ا من مب دأين ق انونيين،
الض رعية اإلجرائي ة وقرين ة ال براءة المكرس تين بالم ادة 1من ه «يق وم ه ذا الق انون على مب ادئ
الشرعية والمحاكمة العادلة...« ،»...أن كل شخص يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته بحكم قضائي
ح ائز لق وة الش يء المقض ي فيه( )» ،فح ق الدول ة في العق اب ال يت أتى تحقيق ه إال بإتب اع قواع د
1
شكلية( ) مقررة في قانون اإلجراءات الجزائي ة ،ألن توقيع الجزاء تطبيقا وتنفيذا من اختصاص
2
السلطات العامة المختصة المقررة فيه ،فال يجوز إذن تقديره وال توقيعه إال وفق قواعد إجرائية
معينة ،وال يجوز تنفيذه مباشر على المتهم ،وهو ما يبرز الصلة الوثيقة بين القانونين فتجعل من
ق انون اإلج راءات الجزائي ة الوسيلة القانونية الوحي دة إلعمال قواعد قانون العقوب ات مما يض في
على عالقتهما ببعضهما عالقة تكامل وتبعية األول للثاني.
القوانين المكملة لقانون العقوبات
إن تطور المجتمعات وتغير مصالحها وظهور أنماط جديدة من السلوكات قد تشكل خطرا
على الجماعة فيكون من حسن السياسة الجزائية التدخل بوضع قواعد تجريمية خاصة ،في قواعد
تش ريعية عادي ة أو قواع د تش ريعية فرعي ة كل وائح الض بط والب وليس عمال باألحك ام العام ة في
القانون والمادة 139من الدستور /ومن األمثلة :تشريع اقتناء وحيازة وصنع األسلحة والذخائر
والمتفج رات الص ادر في 16م ايو ،1963بالمرس وم رقم ،85-63وك ذلك المرس وم 155-74
الصادر في 12يوليو ،1974وقانون مكافحة التخريب واإلرهاب بالمرسوم التشريعي 03-92
في 03س بتمبر ،1992والج رائم الجمركي ة الص ادرة بالق انون 07-79في 21يولي و ،1979
والقانون المتعلق بقمع مخالفات التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األم وال من
وإ لى الخ ارج ب األمر 22-96في 09يولي و ،1996واألم ر 05-03في 19أكت وبر
2003المتعل ق بحق وق المؤل ف والحق وق المج اورة ،والق انون 06-05الم ؤرخ في 23أوت
،2005المتعلق بمكافحة التهريب ،والقانون رقم ،01-05المتعلق بالوقاية من تبييض األموال
وتموي ل اإلره اب ومكافحتهم ا والق انون 06-05المتعل ق بمكافح ة الته ريب والق انون 01-06
المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
عالقة قانون العقوبات بالفروع القانونية األخرى
إذا كان قانون العقوبات والقوانين المكملة له يحتل مركزا متميزا في النظام القانوني ،فهو
أداته في وضع القواعد الردعية والزجرية تجريما وعقابا لحماية الحقوق والمصالح المقررة في
مختلف فروعه ،فمثال تبدو عالقته بالقانون الدستوري في حماية النظام الجمهوري للدولة وحماية
مؤسس ات الدولة( ) ،وحماي ة الحق وق والحري ات العام ة والفردي ة تجريم ا وعقاب ا على االعت داء
3
عليها( ) ،فه و الوس يلة القانوني ة لحماي ة األه داف السياس ية واالقتص ادية واالجتماعي ة في الدول ة
4
جزائي ا ،فيحمي الوح دة الوطني ة ونظ ام الحكم الجمه وري "الم ادة 61ق.ع وم ا يليه ا" ،وتب دو
-1تنص المادة 41من الدستور «كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته ،في إطار محاكمة عادلة
تؤمن له الضمانات الالزمة للدفاع عن نفسه»
- 2ليس هناك ما يمنع أن يتضمن قواعد موضوعية كالمادتين 97 ،51منه
-3المواد 88 ،77 ،61وما يليها من قانون العقوبات.
-4في المواد 111-102من قانون العقوبات ،ويقرر هذا األخير أيضا حماية الحق في الحياة والحق في السالمة الجسدية
بتجريمه لكل اعتداء يمس بالحق في الحياة أو السالمة الجسدية طبقا للمادة 254وما يليها من نفس القانون.
5
عالقت ه بالق انون اإلداري في حمايت ه للنظم اإلداري ة وض مان تنفي ذها من حيث تجريم ه ومعاقبت ه
على الج رائم ال تي يرتكبه ا الموظف ون العمومي ون كالرش وة واس تغالل النف وذ وتواط ؤ الم وظفين
وتجاوز السلطات اإلدارية والقضائية لحدود اختصاصها ،ويحمي قانون العقوبات الحقوق المالية
المق ررة في الق انونين الم دني والتج اري بتجريم ه لالعت داء على ح ق الملكي ة الم ادة 386من ه،
والسرقة في المادة 350وما يليها ،واإلخالل بقواعد التعامل التجاري كإصدار شيك بدون رصيد
في المادة 374واإلفالس التدليسي في المادة ،383ويحمي األسرة واألخالق واآلداب العامة في
األس رة والمجتم ع فج رم ت رك األس رة في الم ادة 330وم ا يليه ا ،وانته اك اآلداب بتج ريم الفع ل
الفاضح العلني في المادة ،333وهتك العرض واالغتصاب في المادتين ،336 ،335والخيانة
الزوجية في المادة 339وغيرها.
عالقة قانون العقوبات بالعلوم الجنائية األخرى
يطل ق مص طلح العل وم الجنائي ة على طائف ة من العل وم الحديث ة ته دف جميعه ا لمكافح ة
اإلجرام ،فتصب جميعها في المجرم والجريمة والعقاب ،وقانون العقوبات يعتبر حجر الزاوية في
هذه القوانين الستهداف القضاء على الجريمة بتقريره للجزاء بمختلف صوره ،أما العلوم الجنائية
األخرى فهي مجموعة قواعد مساعدة له تعمل على تطوره وتقدمه نحو تحقيق الغاية من وجوده،
ألن ق انون العقوب ات وه و يعم ل على الوقاي ة من الجريم ة ومحاربته ا ب التجريم والج زاء فيرس م
االتجاهات العامة لمكافحة الظاهرة اإلجرامية لخطورتها على المجتمع يعتمد سياسة محددة بغاية
تحديد ماهية كل جريمة كظاهرة سلوكية إجرامية اجتماعية وتقرير الجزاء المناسب لها ،مستعينا
في ذل ك بم ا تقدم ه الف روع األخ رى ذات الص لة من مف اهيم مختلف ة تتعل ق بالجريم ة وأس بابها
وظروفها ،ويمكن تصنيف السياسة الجزائية.
-1السياسة التجريمية
هي مجموع ة مب ادئ ال تي يمكن على ض وئها التفرق ة بين الس لوك المب اح وم ا ه و ج دير
بالتجريم والعقاب لضمان المصالح االجتماعية الجديرة بالحماية الجنائية فيقرر تجريمه ،فيرسم
على ضوئها سياسة تجريمية معينة جديرة باإلتباع ،فيحدد ماهية الجريمة ،ضوابطها وحدودها
باعتباره ا ظ اهرة س لوكية اجتماعي ة .ح تى يلعب ك ل من الفق ه والقض اء الج زائي دورهم ا على
أحسن وجه ،ومن أمثلتها بعض القوانين الحديثة ،ومنها:
-1األمر المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس األموال من
وإ لى الخارج رقم 22-96المؤرخ في 9يوليو 1996المعدل والمتمم.
-2قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع االستعمال واالتجار غير المشروعين
بها رقم 18-04المؤرخ في 25ديسمبر .2004
-3ق انون الوقاي ة من تب ييض األم وال وتموي ل اإلره اب ومكافحتهم ا ،رقم 01-05الم ؤرخ في
06فبراير 2005المعدل والمتمم.
-2السياسة العقابية
تهدف السياسة العقابية إلى انتقاء الجزاء المناسب األكثر تحقيقا للسياسة المنتهجة ،بتحديد
نوعه ومدته ومقداره وتنفيذه على الوجه األمثل ،بدراسة الجزاء نوعا ومقدارا وطريقة تطبيقه
وتنفيذه بتحديد األهداف واألصول الواجبة اإلتباع ليكون محققا لألغراض والغايات االجتماعية
6
المتوخ اة من تل ك السياس ة العقابي ة ،فتنص الم ادة 1من الق انون رقم 04-05الم ؤرخ في 6
ف براير 2005المع دل والمتمم المتض من ق انون الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين
«يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس مب ادئ وقواع د إلرس اء سياس ة عقابي ة قائم ة على فك رة ال دفاع
االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية واإلدماج
االجتماعي للمحبوسين».
ويبدو ذلك في السياسة المنتهجة من المشرع بتجنيح الكثير من الجرائم الجنايات وتطبيق
عقوبة الحبس عليها بدل السجن ،كالقانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحتـه رقم ،) (01-06
1
وق انون مكافح ة الته ريب رقم ) (06-05وغيره ا ،وطريق ة تطبيقه ا وتنفي ذها بتحدي د األه داف
2
واألص ول الواجب ة اإلتب اع ليك ون محقق ا لألغ راض والغاي ات االجتماعي ة المتوخ اة نت ه ،بتقري ر
الكث ير من القواع د ال تي من ش أنها أن تض ع نمط ا جدي دا للمتابع ة الجزائي ة ب النص على المتابع ة
التلقائية مثال في المادتين 144مكرر 144 ،مكرر ،2وتقييد النيابة العامة في مواصلة مباشرة
ال دعوى العمومي ة في رغم إقامته ا في الم ادتين 299 ،298من ق انون العقوب ات وغيره ا من
األوض اع ال تي ب دت في الق انون الجزائ ري ابت داء من تعديالت ه س نة ،2006وإ لغ اء الكث ير من
الحاالت التي كانت مقررة فيها عقوبة اإلعدام ،مثل المواد ،293 ،198 ،197 ،119 ،114
293مكرر( ) من قانون العقوبات.
3
ومن السياس ة الجزائي ة العقابي ة المس تجدة الق انون رقم 01-09الم ؤرخ في 25ف براير
2009ال ذي فس ح المج ال للقاض ي الج زائي أن يس تبدل عقوب ة الحبس بــ ""عقوب ة"" العم ل للنف ع
الع ام وح دد ض ابط تطبيقه ا في الم وا 5مك رر إلى 5مك رر 6من ق انون العقوب ات المع دل
والمتمم ،وك ذلك إص دار الق انون المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة االدم اج االجتم اعي للمحبوس ين
رقم ،04-05وما يقرره من معاملة عقابية للمحكوم عليهم المحبوسين.
-3السياسة المنعية والوقائية
تهدف السياس ة المنعي ة إلى رسم من اهج الكف اح والدفاع ض د الجريم ة قب ل وقوعها بتع يين
وتحديد وسائل وتدابير وقائية مانعة من شأنها أن تمنع وقوعها بالقضاء على أسبابها ومص ادرها،
كمواجهة خطورة الشخص بتدابير أمنية ،وهو االتجاه الذي سلكه المشرع حيث اتبع سياسة منعية
لمواجهة تلك الخطورة فتنص المادة 4 ،4/1من قانون العقوبات «يكون جزاء الجرائم بتطبيق
العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن« ،»...إن لتدابير األمن هدف وقائي ،»...وتبدو
السياس ة الوقائي ة أيض ا في الق وانين المس تحدثة كق انون الوقاي ة من المخ درات والم ؤثرات العقلي ة
وقم ع االس تعمال واالتج ار غ ير المش روعين به ا رقم 18-04في 25ديس مبر 2004وق انون
مكافحة التهريب رقم 06-05المؤرخ في 23أوت 2005وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته
رقم 01-06في 20فبراير .2006
-4السياسة اإلصالحية
القانون إلى تكريس مبادئ وقواعد إلرساء سياسة عقابية قائمة على فكرة الدفاع االجتماعي التي
تجع ل من تط بيق العقوب ة وس يلة لحماي ة المجتم ع بواس طة إع ادة التربي ة واإلدم اج االجتم اعي
للمحبوسين» ،وقد بدا االهتمام بذلك بعد االستقالل مباشرة ،حيث أنشئت مديرية التهذيب وإ عادة
التأهيل االجتماعي ،بمناسبة تنظيم اإلدارة المركزية لوزارة العدل سنة ،1965ووضع القانون
المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة تربي ة الس اجين ب األمر رقم ) (02-72الم ؤرخ في 10ف براير
2
.1972
قانون العقوبات وعلم اإلجرام La Criminologie
ي درس علم اإلج رام الجريم ة وعلله ا محاول ة للكش ف عن منابعه ا وأس بابها وعوامله ا
ومص ادرها ودوافعه ا ،علم ي درس الجريم ة كظ اهرة س لوكية إجرامي ة اجتماعي ة عن طري ق
االس تقراء والمالحظ ة والتجرب ة معتم دا في ذل ك على مجموع ة من العل وم الجنائي ة األخ رى كعلم
طب ائع المج رم وعلم االجتم اع الجن ائي والطب العقلي الجن ائي وعلم البيولوجي ا الجنائي ة وعلم
النفس الجنائي ،التي أصبحت جميعها تشكل علم اإلجرام ،ومن خاللها ترسم سياسة جنائية هادفة
ووقائية من اإلجرام.
علم طبائع المجرمAnthropologie Criminelle .
يبحث في أس باب الجريم ة من تك وين خلقي وجس مي للمج رم ،فيت وخى إماط ة اللث ام عن
أس باب اإلج رام في ش خص المج رم من حيث بنيت ه وتكوين ه الف يزيولوجي وأث ر ه ذا التك وين في
الجريمة ،ومن أهم دعاته الطبيب اإليطالي لومبروز.
علم النفس الجنائي Psychologie Criminelle
يبحث ه ذا العلم عن دواف ع الجريم ة وأس بابها في نفس ية المج رم وتكوين ه النفس ي بدراس ة
نفس ية المج رمين وتحليله ا ومراقبته ا ومالحظ ة اإلحساس ات واالنفع االت والمي ول ل دى الش خص
كثيرا ما تدفع بصاحبها إلى اإلقدام على اقتراف الجريمة.
علم االجتماع الجنائي
ي درس علم النفس الجن ائي الجريم ة باعتباره ا نتيج ة ظ واهر وظ روف اجتماعي ة مختلف ة،
ألنها نتيجة وثمرة لبيئة اجتماعية معينة ينشأ فيها المجرم ،وعليه يجب دراسة الوسط االجتماعي
أي البيئ ة االجتماعي ة للوق وف على أس باب الجريم ة االجتماعي ة ،وك ان من زعمائ ه اإليط الي
انريكو فيرى ،أن البحث في أسباب الجريمة كظاهرة اجتماعية وعواملها في البيئة االجتماعية.
علم العقاب Science Pénitentiaire
-1المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين ،الم ؤرخ في 27ذي الحج ة ع ام 1425المواف ق 6
فبراير .2005
-2ألغي ه ذا األم ر بالق انون رقم 04-05المتعل ق بتنظيم الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين في الم ادة 173
منه ،وإ ن كان هذا األخير لم يأت بديباجة له ،فال يعني أن هذا القانون يتخلى عن الدور اإلصالحي تربية وتكوينا وتكييفا
ب دليل نص الم ادة 1من ه «يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس مب ادئ وقواع د إلرس اء سياس ة عقابي ة قائم ة على فك رة ال دفاع
االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية واإلدماج االجتماعي للمحبوسين».
8
ه و مجموع ة قواع د تح دد األص ول المتبع ة في تنفي ذ العقوب ات وت دابير األمن تحقيق ا
لألغ راض االجتماعي ة ال تي تح رص التش ريعات على تحقيقه ا فيبحث في تحدي د األغ راض
االجتماعي ة المس تهدفة من الج زاء عقوب ة وت دبيرا وس بل تحقي ق الت وازن بين حاج ات المجتم ع
وأس لوب تنفي ذه عن طري ق العم ل على إص الح المج رم أثن اء تنفي ذه للعقوب ة بتهذيب ه وعالج ه أو
إع ادة تكوين ه ،فاتس ع نطاق ه من تنفي ذ العقوب ة الس البة للحري ة إلى بحث ودراس ة تحدي د األه داف
االجتماعي ة ال تي تتوخاه ا الجماع ة من تط بيق الج زاء وتنفي ذها بم ا يحق ق أه داف الجماع ة .مم ا
أص بغ علي ه إمك ان تس ميته بحس ب نظ رة المش رعين ل ه ف أطلق علي ه المش رع الجزائ ري ق انون
الس جون وإ ع ادة اإلدم اج االجتم اعي للمحبوس ين" ،وس بق أن أطل ق علي ه "تنظيم الس جون وإ ع ادة
تربية المساجين" الملغى مستلهما من مجموعة من القواعد التي أقرها المؤتمر الدولي األول لألمم
المتحدة في مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد سنة .1955
مراحل تطور الفكر العقابي
ترتب ط نش أة ق انون العقوب ات بمختل ف ص وره بظ اهرة وج ود الجريم ة القديم ة ق دم ال زمن
وظهور العقوبة كفكرة لصيقة بها وتطورهما ،فقد عرفت المجتمعات القديمة العقوبة في صور
مختلف ة في مواجه ة لمواجه ة أفع ال وس لوكات تمس باس تقرارها وأمنه ا وس كينتها ،مم ا جعل ه من
أقدم الفروع القانونية وجودا.
أوال -مرحلة االنتقام الفردي
االنتق ام الف ردي أولى ص ور الج زاء الجن ائي ال تي عرفته ا المجتمع ات البش رية ،وبتط ور
الجماع ة من قبائ ل وعش ائر وجماع ات مختلف ة أدى إلى الح د من مفه وم االنتق ام الف ردي ،فتط ور
إلى القصاص ثم برزت فكرة المصلحة المشتركة فأصبحت الجماعة تنظر للجريمة أنها اعتداء
عليها فظهر القصاص ثم االنتقام االجتماعي.
ثانيا -مرحلة التكفير الديني
أسهم الدين بوجه عام في تطور مفهوم القانون الجنائي ،بنشوء الجماعات ووحدتها خاصة
تلك التي تجمعها عقيدة واحدة ،فتحولت العقوبة من مفهوم فردي أو اجتماعي إلى مفهوم ديني،
فأصبحت تهدف إلى التكفير عن الجريمة التي أغضبت اآللهة تكفيرا عن الذنب أو الخطيئة.
ثالثا -الفكر العقابي في العصر الحديث
بتطور المفهوم الفردي للعقوبة وانتقاله لمفهوم اجتماعي ثم لمفهوم ديني ،وظهور الدولة
الحديثة وسيادتها على إقليم معين وبسط سيطرتها على المجتمع تطور مفهوم العقاب بما يتالءم
مع مفهوم الدولة ونشأة حقها في التجريم والعقاب باعتبار الجريمة تصيب المجتمع كله في أمنه
واس تقراره وطمأنينت ه وس كينته ،فيع رض س يادتها وهيبته ا للخط ر ،خاص ة م ع ظه ور التي ارات
الفقهية والمدارس المختلفة التي أضفت على القانون الجنائي طابعا متميزا فأخضعت العقوبة فيها
لمفهوم مختلف ومتميز حسب الفكر الذي تقوم عليه تلك المذاهب.
-1المذهب اإلرادي
مذهب يعتمد على ذات اإلنسان مستوحيا منها الخير والشر ،واعتماد األهلية الجنائية الي
تقوم على الحرية واالختيار ،فأقاموا المسؤولية األخالقية فتأسس العقاب على فكرة االنتقام فكانت
9
العقوب ة تق در بمق دار الض رر ال ذي تحدث ه الجريم ة ،فتتحق ق قواع د العدال ة أو المع نى األخالقي
للعقوب ة ،ومن الم ذاهب ال تي اعتم دت اإلرادة الح رة والمس ؤولية األخالقي ة الم ذهب ال ديني
والم ذاهب األخالقي ة والمدرس ة التقليدي ة أو الكالس يكية بزعام ة الفقي ه اإليط الي دي بيكاري ا
والمدرسة التقليدية الحديثة أو المدرسة النيو كالسيكية.
-2المذاهب الحتمية
تسمى بالمذاهب الجبرية ،تعتمد في إقامة فكرها على أساس خضوع اإلنسان خضوعا تاما
لنواميس الحياة التي ال تترك له أي قدر من الحرية في االختيار مهما كان بسيطا ،فتنكر حرية
االختي ار واإلرادة ،ألن اإلرادة توجهه ا عوام ل ديني ة ص رفة اس تنادا لفك رة القض اء والق در،
وعوامل أخرى غير دينية كالوراثة والمرض والبيئة االجتماعية وظروفها ،فهي عوامل خارجة
عن إرادة اإلنس ان ،أدى بمعتنقي ه ذا الم ذهب إلى رفض المس ؤولية األخالقي ة وفك رة األهلي ة
الجنائي ة فاس تبدلوا العقوب ة بفك رة الت دابير األمني ة أو ال دفاع االجتم اعي تبع ا لفك رة الخط ورة
اإلجرامية.
ومن الم ذاهب الفقهي ة ال تي اعتم دت منهج الحتمي ة أو الجبري ة ،الم ذاهب الديني ة والمادي ة
ال تي يتزعمه ا الفقه اء اإليط اليون ،لوم بروزو ال ذي أنش أ المدرس ة الوض عية اإليطالية في كتاب ه
اإلنس ان المج رم L’homme criminelال ذي ألف ه س نة ،1876وانريك و ف يرى في كتاب ه علم
االجتماع الجنائي La sociologie criminelleسنة 1881وجارو فالو في كتابه علم اإلجرام
La criminologieسنة ،1885تجمع بأن الجريمة نتيجة حتمية ينساق إليها اإلنسان طواعية
تحت تأثير العوامل الداخلية والخارجية التي تحيط به ،واختلفت حول أي من العوامل واألسباب
ال تي تؤس س عليه ا الجريم ة فتغلب ع امال على آخ ر ،فاعتم د لم بروزو ش خص المج رم وتركيب ه
الخلقي والعض لي والعص بي على وج ه الخص وص ،فق ال بوج ود ص لة كب يرة بين المج رم وبين
وجود خلل عضوي وعيب نفسي فيه ،فحدد على هذا األساس فئات المجرمين وسمات كل فئة
منهم ،فصنفهم :المجرم بالفترة أو بالطبيعة ،المجرم المختل عقليا ،المجرم بالعاطفة ،المجرم عادة
والمجرم بالصدفة ،.واعتمد انريكو فيرى على مجموعة عوامل كالوسط الذي يعيش فيه اإلنسان
والعوامل الشخصية والعضوية ،وهي عوامل تدفع اإلنسان لإلجرام ،فالجريمة عنده تعتبر ثمرة
عوامل طبيعية عضوية واجتماعية.
-3مذاهب التوفيق أو الوسط
ظه رت الم دارس التوفيقي ة أو م ذاهب الوس ط للتوفي ق بين م ذهبي اإلرادة والحتمي ة ،فتبنت
هذه المدارس كأصل الحرية والمسؤولية األخالقية ،دون أن تهمل العوامل األخرى التي قد تؤثر
في إرادة اإلنس ان فتنقص منه ا أو تع دمها أص ال ،مم ا أض فى على المس ؤولية الجنائي ة والعق اب
مدى جديدا.
-4مدرسة الدفاع االجتماعي
ظه رت بع د الح رب العالمي ة الثاني ة أفك ار جدي دة ق امت عليه ا مدرس ة ال دفاع االجتم اعي
تزعمها الفقيه اإليطالي فليبو جراماتيكا ،تتميز:
أ -عدم تبني الخطإ والذنب كأساس للمسؤولية الجزائية ألن المجرم مريض اجتماعيا فينساق في
تص رفه المض اد للجماع ة بس بب مرض ه ،وبالت الي فالجريم ة تعت بر مظه را لالض طراب والخل ل
10
االجتم اعي ل دى الش خص ،وه ذا يع نى أن المس ؤولية الجنائي ة تق وم على أس اس فك رة مناهض ة
الفاعل للمجتمع.
ب -إنك ار فك رة العقوب ة ال تي ترتب ط ارتباط ا وثيق ا بمفه وم المس ؤولية األخالقي ة واألدبي ة القائم ة
على الخطإ والذنب الذي تبنته المدرسة التقليدية.
ج -إنك ار فكرة الخطورة اإلجرامي ة التي تبنته ا المدرس ة الوض عية وم ا تتطلب ه من ت دابير أمني ة
ووقائي ة تق وم على أس اس إقص اء المج رم واستئص اله أو عزل ه بحس ب حالت ه ،وعلي ه ف إن سياس ة
المذهب تقوم على أساس معاملة تؤدى إلي إعادة تأهيل الفاعل اجتماعيا ،ألن مفهوم الجزاء ل ديها
يختل ف عن مفهوم ه ل دى الم ذاهب الفقهي ة األخ رى ،فيق وم على ت دابير اجتماعي ة تض م العقوب ة
والت دبير األم ني في آن واح د ،وتط بيق أي منهم ا يك ون ج ديرا بإص الح الف رد وإ ع ادة تأهيل ه
اجتماعيا.
إن مدرسة الدفاع االجتم اعي بقيامها على إنك ار المسؤولية األخالقية والعقوب ة والخطورة
اإلجرامي ة ،تبنت ال دعوة إلى إلغ اء ق انون العقوب ات بمص طلحاته األساس ية كالجريم ة والمج رم
والعقاب واستبدالها بسياسة جنائية تقوم على أساس إصالح المجتمع والدفاع عنه بوسائل إنسانية
وقائية فعالة ،سابقة على الجريمة تقضى على كل خلل أو اضطراب اجتماعي ،أو وسائل الحقة
على ارتكابه ا ته دف إلي إع ادة التك ييف االجتم اعي لم رتكب الفع ل بإص الحه والرج وع ب ه
ألحض ان الجماع ة ،ووس يلة ال دفاع االجتم اعي ض د الجريم ة هي ت دابير ال دفاع االجتم اعي ال تي
يجب أن يتم تطبيقه ا وفق ا للحال ة النفس ية والطبيعي ة للفاع ل وض من م ا يق رره ق انون ال دفاع
االجتماعي الذي يحل محل قانون العقوبات التي تدعو المدرسة إللغائه أصال.
يقيم المش رع المس ؤولية الجزائي ة أص ال على اإلرادة وحري ة االختي ار ،وع دم قيامه ا أو
اإلنقاص منها متى انعدمت اإلرادة أو نقصت لعدم القدرة على اإلدراك والتمييز أو نقصها هذا
من جهة ،ومن جهة أخرى يقرر التدابير األمنية عمال على تحقيق الغرض الحديث من الجزاء
الجن ائي ،ال تي ترس م أس س المس ؤولية األخالقي ة كأص ل ،فال تق وم المس ؤولية الجزائي ة ابت داء إال
حيث تت وافر الق درة على اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار م ا لم يت وافر ع ارض من ع وارض
األهلية ،وفي نفس الوقت يقرر استثناء أحكام قواعد المسؤولية االجتماعية.
.وق د تبنى المش رع سياس ة دف اع اجتم اعي متم يزة بع دم تخلي ه عن العقوب ة التقليدي ة وتب ني
فك رة الت دابير األمني ة فأقامهم ا على أس اس شخص ية المج رم من جه ة واس تهدافهما التأهي ل
االجتماعي من جهة أخرى ،فتنص المادة 68إ.ج في فقرتيها الثامنة والتاسعة «ويجري قاضي
التحقيق بنفسه أو بواسطة ضابط الشرطة القضائية طبقا للفقرة السادسة أو بواسطة أي شخص
مؤه ل ل ذلك من وزي ر الع دل ،تحقيق ا عن شخص ية المتهمين وك ذلك ح التهم المادي ة والعائلي ة أو
االجتماعي ة غ ير أن ه ذا التحقي ق اختي اري في م واد الجنح»« ،ويج وز لقاض ي التحقي ق أن ي أمر
ب إجراء الفحص الط بي كم ا ل ه أن يعه د إلى ط بيب ب إجراء فحص نفس اني أو ي أمر باتخ اذ أي
إج راء ي راه مفي دا ،وإ ذا ك انت تل ك الفح وص الطبي ة ق د طلبه ا المتهم أو محامي ه فليس لقاض ي
التحقيق أن يرفضها إال بقرار مسبب».
ويبدو ذل ك أيضا في تبني الجزائر لسياس ة إصالحية وتهذيبي ة للمحبوس ين المحكوم عليهم
بغ رض إع ادتهم للمجتم ع أف رادا ص الحين ،يس اهمون في بنائ ه ورقي ه ال في بث ال أمن وال
استقرار فيه بالعودة الرتكاب الجريمة ،فتنص المادة األولى من قانون السجون وإ عادة اإلدماج
11
االجتم اعي للمحبوس ين «يه دف ه ذا الق انون إلى تك ريس قواع د ومب ادئ إلرس اء سياس ة عقابي ة
قائمة على فكرة الدفاع االجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة
إعادة التربية واإلدماج االجتماعي للمحبوسين»
تطور الفكر العقابي في الجزائر
باإلضافة لتطور الفكر العقابي في الجزائر شأنه شأن تطوره في العالم الغربي ،عرفت
الجزائر تطورا آخر لم يعرفه الفكر الجنائي الغربي عموما وما عرفته خالل الحقبة االستعمارية،
وهو النظام اإلسالمي فاعتمدته حقبة من الزمن بتطبيقها الشريعة اإلسالمية منذ الفتح اإلسالمي
في المغرب العربي ،وعليه فالتشريع الجنائي الجزائري يعرف بعض القواعد التي تعتبر أصال
من الشريعة اإلسالمية ،كنص المادة األولى من قانون العقوبات التي تقرر مبدأ الشرعية والمادة
39المتعلقة بأسباب اإلباحة وغيرهما ،ويمكن القول أن تطور تشريعنا العقابي باإلضافة لتأثره
بمراحل تطور الفكر الجنائي عموما ،فإنه مر عبر مراحل ثالثة هي:
مرحلة تطبيق الشريعة اإلسالمية
وهى مرحلة بدأت بالفتح اإلسالمي لشمال إفريقيا وانضواء أهله تحت راية اإلسالم ،فساد
تطبيق الشريعة اإلسالمية لتشمل في مناحي الحياة ومن بينها الجانب الجنائي ،فساد تطبيقها من
خالل تقسم الجريمة شرعا إلى أقسام ثالثة مختلفة..
أوال -جرائم الحدود
هي جرائم معلومة ومحددة حصرا بالقرآن الكريم يعاقب عليها بعقوبة تسمى حدا محددة
بالقرآن الكريم أصال واستثناء بالسنة النبوية -تكفلت السنة بتحديد عقوبة كل من جريمتي شرب
الخمر والردة -فجاء في القرآن الكريم «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع
للن اس وإ ثمهم ا أك بر من نفعهما( )»« ،ومن يرت دد منكم عن دين ه فيمت وه و ك افر فأولئك حبطت
1
أعم الهم في ال دنيا واآلخ رة وأولئ ك أص حاب الن ار هم فيه ا خال دون( )» ،ش رعت لحف ظ النفس
2
والنسل والعرض والمال والعقل وحفظ الدين وهى حد السرقة ،حد الزنا ،حد القذف ،حد شرب
الخمر ،حد الردة وحد البغي والحرابة ،وتتميز هذه الحدود.
ويتميز الحد جريمة وعقوبة:
-أن جريم ة الح د تق ع تام ة فال ش روع فيه ا عكس م ا ه و معم ول ب ه في الق انون الح ديث
ال ذي يم يز بين الجريم ة التام ة والش روع ويض ع أحكامهما( ) ،حيث أن الفق ه االس المي يق رر أن
3
جريمة الحد إذا لم تقع تامة اعتبرت معصية يعاقب عليها بالتعزير.
-عقوبة الحد مقدرة تقديرا كامال ال يقبل الزيادة أو النقصان.
-عقوبة الحد ال تقبل اإلسقاط أو التنازل عنها.
-وال يجوز للحاكم أو ولي األمر العفو عنها.
13
-1أنه ا ج رائم واردة على س بيل المث ال ال الحص ر ت رك أم ر تج ريم التع ازير والعق اب
عليها لولي أمر المسلمين بما يراه مناسبا من التجريم والجزاء،
-2أن العقوبة فيها غير محددة لكل جريمة ،فترك أمر تقديرها واختيار األنسب منها لولي
األمر حسب كل حالة على حدة.
-3يج وز ل ولي األم ر العف و عنه ا كله ا أو بعض ها مس تلهما في ذل ك قواع د العدال ة
اإلسالمية.
المرحلة االستعمارية من سنة 1962-1830
ابت دأت ه ذه المرحل ة االس تعمارية في 5يوليو ،1830فب دأ المس تعمر الفرنس ي في فرض
تشريعاته خاصة منها تشريعه العقابي على المواطنين الجزائريين تحقيقا ألغراضه االستعمارية
من جهة وتحقيقا لمصالح المعمرين الفرنسيين من أخرى ،فصدر في 1841أمر يقضي بتطبيق
القانون الفرنسي على المسائل الجزائية واختصاص القضاء الفرنسي بنظرها ،يميز ويفرق بين
الجزائري والفرنسي تجريما وعقابا بتطبيق قواعد خاصة باألهالي كاستحداثه لجرائم لم يعرفها
النظام القانوني الفرنسي نفسه التي أطلق عليها مصطلح «األفعال المعادية للوجود الفرنسي في
الجزائر» ،والمسؤولية الجزائية الجماعية كالغرامة المالية الجماعية عند التمرد على السلطة أو
التح ريض علي ه واالعتق ال اإلداري والمراقب ة البوليس ية والمح اكم االس تثنائية بأحك ام مخالف ة
لألحكام التي يتضمنها قانون اإلجراءات الجزائية الفرنسي وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية،
بغرض مواجهة المد الثوري والغليان الشعبي في الجزائر خاصة باندالع الثورة التحريرية ضد
فرنسا في كل مكان من الجزائر.
مرحلة التشريعات الوطنية
وهي المرحل ة ال تي أعقبت اس تقالل الجزائ ر في 05يولي و 1962من ن ير االس تعمار
الفرنس ي البغيض تف ترض االس تقالل بمختل ف ص وره ومنه ا التش ريعي في بوض ع منظوم ة من
التش ريعات تك رس االس تقالل ،حيث ع رفت ه ذه المرحل ة ف ترتين متم يزتين من حيث تطبيقهم ا
لقواعد قانونية متميزة:
األولى ف ترة ممت دة من اس تقالل الجزائ ر في 05يولي و 1962إلى غاي ة 14يوني و ،) (1966
1
تتميز باإلبقاء على تطبيق القانون الفرنسي عموما إال ما كان منه يتعارض مع السيادة الوطنية
بن اء على األم ر بالق انون رقم 157-62في 31ديس مبر 1962يق رر في مادت ه األولى اإلبق اء
على تطبيق قانوني العقوبات واإلجراءات الجزائية الفرنسيين في الجزائر وسريانهما فيها ،ومع
ذلك كان يتدخل من حين آلخر بوضع نصوص وطنية لمواجهة أوضاع مستجدة خاصة بالمجتمع
الجزائ ري ،فأص در مجموع ة نص وص يج رم ويع اقب فيه ا على بعض األفع ال ،ومن ه ذه
المراسيم :المرسوم رقم 85-63المؤرخ في 16مارس 1963المتضمن قمع الجرائم المرتكبة
ضد التشريع المتعلق باقتناء وحيازة وصنع األسلحة والذخائر والمتفجرات ،والمرسوم رقم -63
399المؤرخ في 07أكتوبر 1963المتضمن تصنيف العتاد الحربي واألسلحة والذخائر غير
المعتبرة كعتاد حربي ،والمرسوم رقم 441-63المؤرخ في 08نوفمبر 1963المتضمن تنظيم
-1وه و الت اريخ ال ذي ينتهي ب ه س ريان ق انوني العقوب ات واإلج راءات الجزائي ة الفرنس يين بن اء على المادة 498من ق انون
العقوب ات الجزائ ري واألم ر 278-65الم ؤرخ في 22رجب ع ام 1385المواف ق 16نوفم بر س نة 1965المتض من
التنظيم القضائي ،والمرسوم 159-66الذي يحدد يوم 15يونيو 1966تاريخا لنفاذها.
14
شروط اقتناء وحيازة أسلحة الصيد وذخائرها والتنازل عنها ،والمرسوم المتعلق بتجريم األفعال
الماس ة ب األمالك الش اغرة الص ادر في 18م ارس ،1963وق انون القض اء العس كري الص ادر
باألمر رقم 28-71الصادر سنة 1971المتضمن القواعد الموضوعية واإلجرائية المطبقة في
مجال التجريم والعقاب على الجرائم العسكرية وإ جراءات المتابعة بشأنها بوجه عام ،وقد ألغي
قانون القضاء العسكري القديم رقم 242-64المؤرخ في 22أغسطس .1964
الثانية ،وهى الف ترة الممت دة من 15يوني و 1966إلى يومن ا ه ذا ،وهي مرحل ة التش ريعات
الوطنية ،تتميز بحركة تشريعية واسعة خاصة سنة ،1966بدأت بالتشريع في مجاالت حساسة
ج دا تتعل ق بممارس ة الدول ة لس يادتها وس لطانها ،ك التنظيم القض ائي وق انون العقوب ات وق انون
اإلجراءات المدنية والجزائية ،بغرض جزأرة النظم القانونية ،فصدر قانون العقوبات الجزائري
باألمر رقم 156-66المؤرخ في 08يونيو ،1966نشر في الجريدة الرسمية رقم 49بتاريخ
10يونيو ،1966المعدل والمتمم بمجموعة من األوامر واألوامر التشريعية والقوانين كذا مرة
{عدل لغاية سنة 2019اثنان وعشرون ( )22مرة}.
والمالح ظ أن المش رع الجن ائي ،وإ ن اس تمد ج ل أحكام ه وقواع ده من ق انون العقوب ات
الفرنسي والقانون المغربي ،فإن هذا لم يمنعه من أن يضفي على قانون العقوبات طابعا خاصا
ومم يزا ،في بعض األحك ام والقواع د واألس س القانوني ة ال تي خ رج فيه ا عن مص دره الم ادي،
كالقواع د الخاص ة باالش تراك في الجريم ة والمحاول ة أو الش روع في الجريم ة ومس ؤولية
األش خاص المعنوي ة وت دابير األمن ،وح ديثا أص بح المش رع الجزائ ري يس تمد بعض قواع ده
التجريمية واإلجرائية منن نصوص اتفاقيات دولية صادقت عليها الجزائر ،كاالتفاقيات الخاصة
بالجريمة المنظمة والفساد والتهريب والمخدرات وغيرها.
بمدلولها االجتماعي هي كل فعل أو سلوك آثم أو خاطئ مخالف لآلداب واألخالق أو العدالة في
المجتم ع ج دير ب التجريم والعق اب ،م ع مالحظ ة اتس اع الم دلول االجتم اعي للجريم ة ليش مل ك ل
المخالفات مهما كان مصدرها أخالقا أو قانونا.
أما الجريمة في مدلولها القانوني ،فينصرف لكل مخالفة لقاعدة قانونية ما كقواعد قانون
العقوب ات والق انون الم دني والتج اري واإلداري والم الي ،...وعلي ه فإن ه م دلول يحت وى على
مفه ومين؛ مفه وم واس ع ،وآخر ض يق ،األول ينص رف لك ل مخالف ة ألي قاع دة قانونية جنائي ة أو
إدارية أو مدنية ،...ومفهوم ضيـق للجريمة ينحصر نطاقه في السلوكات التي تقع خرقا ألحكام
قانون العقوبات والقوانين المكملة له ،فينحصر المفهوم في الجريمة ،جناية وجنحة ومخالفة ،وهو
موضوع الدراسة.
-1ق د ت رقى القاع دة األخالقي ة لقاع دة قانوني ة م تى أص بحت من اآلداب العام ة ال تي تعت بر من مص ادر الق انون طبق ا للمادة
األولى من الق انون الم دني ،فتتح ول مخالفته ا نتيجة ل ذلك لمخالف ة قانونية فتك ون جريم ة مدني ة أو جريم ة تأديبي ة أو جنائية
بحسب القاعدة القانونية التي تم خرقها.
15
تعريف الجريمة جنائيا
تخلو التشريعات الجنائية( ) من نص يعرف الجريمة لعدم أهمية إيراد تعريف لها فيها وال
1
طائل منه خاصة أن المشرع الجنائي دأب على تعريف كل جريمة على حده بوضعه لنصوص
()2
يحدد فيها أركانها والجزاء المقرر لها ،خاصة في ظل العمل بمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات
ال ذي يقتض ي بالض رورة أن تع رف ك ل جريم ة بجمي ع عناص رها ومب دأ ع دم س ريان ق انون
العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل شدة ،وكذلك أن وضع تعريف عام للجريمة في صلب
القانون قد يجئ غير جامع لكل السلوكات المراد تجريمها فال يمنع دخول مفاهيم أخرى لم يقصد
المشرع تجريمه ا مم ا يعتبر خروجا على مب دإ الشرعية ،وبالنس بة للمشرع الجزائري لم يض ع
تعريفا عاما للجريمة في قانون العقوبات مكتفيا بتعريف كل جريمة يقررها في القسم لخاص من
قانون العقوبات.
وعليه فإن تعريف بالجريمة يعتبر عمال فقهيا فاجتهد الفقه الجنائي لوضع تعريف مناسب
للجريمة نورد بعضها ،فتعرف الجريمة «كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية ويقرر
له القانون عقوبة أو تدابير أمن من التدابير األمنية» ،وتعرف «كل فعل أو امتناع يمكن إسناده
لمرتكب ه ويق رر ل ه عقوب ة جنائي ة» ،وتع رف «ك ل فع ل أو امتن اع يص در عن إنس ان مس ؤول،
ويف رض الق انون ل ه عقاب ا» ،وتع رف «ك ل س لوك يمكن إس ناده لفاعل ه يض ر أو يه دد ب الخطر
مصلحة اجتماعية محمية بجزاء جنائي».
وهي كلها محاوالت لوضع تعريف يشمل كل الجوانب القانونية للجريمة ،يستخلص منها
أن الجريم ة بمفهومه ا الجن ائي هي س لوك إيج ابي أو س لبي يجرم ه الق انون ويق رر ل ه عقوب ة أو
تدابير أمن ،باعتباره اعتداء على مصالح فردية أو اجتماعية يحميها قانون العقوبات ،تستخلص
منه العناصر التالية:
-1وجود سلوك إيجابي أو سلبي.
-2سلوك يجرمه قانون العقوبات أو القوانين المكملة له.
-3سلوك صادر عن إنسان( ) ،بإرادة حرة واعية( ).
4 3
-1الح ظ أن ق انون العقوب ات المغ ربي وض ع تعريف ا للجريم ة في ص لبه ،فينص في الفص ل 110من ه على أنه ا «الجريم ة
هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه».
- 2عكس القانون المدني الذي تخضع فيه الجريمة لحكم عام واحد ورد في المادة 124منه.
- 3نشير لما يقرره القانون الجنائي من مسؤولية جزائية لألشخاص المعنوية طبقا للمواد .
-4أنظر المواد 49 ،48 ،47من قانون العقوبات.
16
الجريم ة ب المفهوم االص طالحي الض يق هي ك ل س لوك أو امتن اع يجرم ه ق انون العقوب ات
والقوانين المكملة له ويقرر له جزاء ،عقوبة أو تدبير ،كجرائم القتل والضرب والجرح والسرقة
والنصب وخيانة األمانة واالغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح العلني والتجسس والتزوير
وإ نكار العدالة واالمتناع عن تقديم المساعدة لمن هو في حالة خطر ،...أما الجريمة المدنية وفقا
لنص الم ادة 124من الق انون الم دني فهي ك ل فع ل يأتي ه اإلنس ان فيتس بب بخط إ من ه في إلح اق
ضرر بإنسان آخر فيلتزم بتعويضه عن ذلك( ) فتنص «كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه،
1
ويس بب ض ررا للغ ير يل زم من ك ان س ببا في حدوث ه ب التعويض» ،فهي جريم ة قوامه ا عناص ر
ثالث ة ،الض رر والخط إ والعالق ة الس ببية بينهم ا ،أم ا الجريم ة الجنائي ة فهي ع دوان على أمن
الجماعة واستقرارها وطمأنينتها فال يشترط فيها عنصر الضرر كأصل عام( ) كما هو في بعض
2
ص ور التج ريم ،كالش روع في الجريم ة في الم ادتين 31-30ق.ع ،والتس ول في الم ادة 195
ق.ع ،والتشرد في المادة 196ق.ع ،والجرائم الماسة بأمن الدولة في المادة 61ق.ع وما يليها،
والم ؤامرة والتح ريض الجن ائي واالتف اق الجن ائي وحم ل الس الح ...وغيره ا ،ب ل إن المش رع
الجنائي أحيانا يجرم ويعاقب على بعض السلوكات كجرائم خاصة ،كالعقاب على االتفاق الجنائي
في الم ادة 176ق.ع والتح ريض الموص وف في الم ادة 46ق.ع ،والتهدي د في الم ادة 284وم ا
يليه ا ،وتقلي د المف اتيح أو التغي ير فيه ا طبق ا للم ادة 359ق.ع ،فتق وم بمج رد إتي ان الفع ل المج رم
قانون ا أو محاول ة إتيان ه بحس ب األح وال ،في حين أن الج رائم أو األخط اء المدني ة من عناص ر
قيامها وجوب توافر عنصر الضرر طبقا للمادة 124من القانون المدني ،وعليه فإن الجريمتين
تتميزان عن بعضهما البعض:
-1تخض ع الجريم ة الجنائي ة لمب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات طبق ا للم ادة األولى من ق انون
العقوب ات «ال جريم ة وال أو ت دبير أمن بغ ير ق انون ،»...فال تق وم إال إذا وج د نص خ اص
بتجريم سلوك ما في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له ،في حين أن الجرائم المدنية يحكمها
حكم عام ،فال توجد أحكام خاصة بكل مخالفة مدنية ،فتخضع جميعها لحكم واحد عام مقرر في
الم ادة 124من الق انون الم دني ،وبالت الي ف رغم قي ام الجريم تين على عنص ر الخط إ فال يج وز
القول بأن كل خطإ مدني يرقى إلى درجة الجريمة الجنائية ،وبالعكس يمكن أن يمكن أن يكون
الخطأ الجنائي خطأ مدنيا إذا ترتب عليه عنصر الضرر.
-2أن الجزاء المقرر في الجريمة الجنائية يمثل عقوبة جناية أو عقوبة جنحة أو عقوبة مخالفة
تطبيق ا لحكم الم ادتين 27 ،5ق.ع تلح ق الش خص في حيات ه أو في حريت ه أو في مال ه كاإلع دام
والسجن والغرامة ،وقد يكون تدابير أمن ،في حين أن الجزاء في الجريمة المدنية هو التعويض
عن الضرر بصفة عامة.
–3من حيث إج راءات المتابع ة وأحكام ه ،فتخض ع المتابع ة بش أن جريم ة لقواع د ق انون
اإلجراءات الجزائية تقوم بها هيئة عامة ممثلة في النيابة العامة تخضع فيه ألحكام عامة مقررة
فيه ،وتخضع إجراءات المتابعة في الجريمة المدنية لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية تحكمها
أحك ام مق ررة في ه تس مح بالتص الح والتن ازل وال ترك طبق ا للقواع د العام ة المطبق ة في ه ذا
-1قد تحكم الجريمة المدنية بنوعين من القواعد فتطبق عليها المادة 124من القانون المدني ،وتطبق عليها أحكام قانون
اإلجراءات الجزائية عمال بحكم المادتين 72 ،3وما يليها منة جمعت الوصفين جريمة مدنية وجريمة جنائية.
- 2إال أن هذا ال ينفي أن يترتب عن الجريمة ضرر ،وفي هذه الحالة يقرر القانون حق المتضرر في التعويض عما أص ابه
من ضرر بسببها طبقا للقواعد المقررة في قانون اإلجراءات الجزائية في مواده ،5 ،4 ،3 ،2والمادة 72وما يليها منه.
17
المج ال ،...ويم ارس ال دعوى الجزائي ة وهي ح ق للجماع ة جه از النياب ة العام ة كأص ل ممثل ة
للجماعة.
ثانيا -الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية
الخط أ اإلداري أو الت أديبي أو اإلداري ه و إخالل موظ ف ينتمي لهيئ ة إداري ة بواجبات ه
الوظيفية كالموظف العام والقاضي والخبير وغيرهم ،...أو اعتداء على مصلحة تلك الهيئة ،وقد
يجمع بين الوصفين الجنائي والتأديبي كجريمة االختالس والرشوة ،وتختلفان:
-1من حيث مصدر الخطأين ،فمصدر الجريمة التأديبية هو القانون واللوائح اإلدارية ،ومصدر
التجريم في الجريمة الجنائية هو قانون العقوبات والقوانين المكملة له عمال بمبدإ الشرعية.
-2من حيث الطبيعة وما يترتب عليها من سلطات مختصة بالنظر في كل منهما ،فتخول جهات
معينة تقوم على توقيع الجزاء في الجريمة التأديبية ،وهي السلطة اإلدارية -التأديبية ،-في حين
في الجريمة الجنائية الجهة المختصة هي السلطة القضائية تطبيقا لمبدإ دستوري تقرره المادة 41
من الدستور والمادة األولى من قانون اإلجراءات الجزائية.
-3أن المعت دى علي ه في الجريم ة التأديبي ة هيئ ة ينتمي إليه ا الفاع ل أو الموظ ف ،وفي الجريم ة
الجنائي ة ه و المجتم ع بتع ريض مص الحه في األمن واالس تقرار والطمأنين ة للخط ر بص فة عام ة
لعمومية الجريمة.
-4من حيث العقوب ات ،الج زاءات التأديبي ة من طبيع ة خاص ة ك التوبيخ واإلن ذار والتوقي ف عن
ممارسة الوظيفة والعزل والطرد منها ،وقد يتعلق الجزاء التأديبي بالراتب كالحرمان منه كله أو
جزء منه ،وقد يكون بالمنع من التوقيع على الوثائق اإلدارية ،للسلطات التأديبية صالحية اختيار
العقوب ة ال تي تراه ا مناس بة بحس ب ك ل حال ة معروض ة عليه ا ألن ه ليس هن اك تخص يص للعقوب ة
بالنسبة لكل خطإ تأديبي ،في حين في الجنائي يحدد لكل جريمة جزاء معينا طبقا للشرعية.
-5من حيث ال دعوى في ك ل منهم ا ،في الجن ائي تك ون دع وى عمومي ة أو عام ة ،وفى الخط إ
اإلداري تكون دعوى تأديبية أو إدارية.
التقسيم القانوني للجريمة
يختل ف تص نيف الجريم ة بم دلولها الجن ائي ب اختالف المعي ار ال ذي يتخ ذ أساس ا ل ه ،فتتع دد
تقس يمات الجريم ة اس تنادا ألركانه ا ،الش رعي والم ادي والمعن وي ،وتقس م الجريم ة من حيث
جس امتها وخطورته ا تقس يما ثالثيا( ) ،جناي ات وجنح ومخالف ات( ) وه و تقس يم ق انوني للجريم ة
2 1
وض عه المش رع في ص لب ق انون العقوب ات اس تنادا للعقوب ات األص لية المق ررة لك ل منه ا ،فتنص
الم ادة 27ق.ع «تقس م الج رائم تبع ا لخطورته ا إلى جناي ات وجنح ومخالف ات وتطب ق عليه ا
العقوبات المقررة للجنايات والجنح والمخالفات» ،وإ ذا كانت المادة قد وضعت هذا التصنيف فإنها
لم تضع مفهوما محددا لجسامة الجريمة إال أنه بالرجوع للمادة 5من قانون العقوبات «العقوبات
األصلية في مادة الجنايات هي -1 :اإلعدام -2 ،السجن المؤبد -3 ،السجن المؤقت لمدة تتراوح
-1أنظ ر الم ادة األولى من ق انون العقوب ات الفرنس ي والم ادة 9من الق انون المص ري ويقس مها الفص ل 111من الق انون
الجنائي المغربي تقسيما رباعيا ،جنايات وجنح تأديبية وجنح ضبطية ومخالفات.
-2نالح ظ أن الش ريعة اإلس المية تع رف م ا يش به ه ذا التقس يم الق انوني الثالثي للجريم ة –جناي ة وجنح ة ومخالف ة ،-فتقس م
الجريمة إلى جرائم الحدود والقصاص والدية وجرائم التعازير ،وهو تقسيم يق وم على أساس جسامة الجريمة وخطورتها
والحق المتعلقة به.
18
بين خمس( )5سنوات وعشرين( )20سنة»« ،العقوبات األصلية في مادة الجنح هي -1 :الحبس
مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحاالت التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى-2 ،
الغرام ة ال تي تتج اوز 20.000دج»« ،العقوب ات األص لية في م ادة المخالف ات هي -1 :الحبس
من يوم واحد على األقل إلى شهرين على األكثر -2 ،الغرامة من 2.000إلى 20.000دج»،
نج د أن م رد ه ذا االختالف في الخط ورة والجس امة ه و م ا يق رر لك ل منه ا من عقوب ات اإلع دام
والس جن المؤب د والس جن الم ؤقت للجناي ة والحبس والغرام ة لك ل من الجنح ة والمخالف ة ،نالح ظ
على هذه العقوبات ما يلي:
أوال -تتميز العقوبات المقررة للجريمة في المادة 5بأن عقوبة جناية فتختلف في جوهرها
من حيث النوع والمقدار عن عقوبة كل من الجنحة والمخالفة ،فالجنايات يقرر لها القانون عقوبة
اإلعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت من 5إلى 20سنة والغرامة طبقا للمادة 5مكرر،
في حين أن عقوبتي الجنح والمخالفات هي الحبس والغرامة.
ثانيا -أن عقوب ة الجنح والمخالف ات تتوح د نوع ا حبس ا وغرام ة ،وتختل ف م دة ومق دارا،
ف الحبس في الجنح ة مدت ه أك ثر من ش هرين إلى خمس س نوات والغرام ة أك ثر من 20.000دج،
وفي المخالفة مدته أقصاها شهرين ،والغرامة في أقصى حدها عشرين ألف دينار طبقا للمادة 5
ق.ع المعدلة والمتممة.
ثالثا -أن التقسيم القانوني للجريمة يستند في تقريره إلى العقوبات األصلية المقررة للجرائم
في الم ادة 5ق.ع ،وال عالق ة ل ه بالعقوب ات التكميلي ة المق ررة في الم ادة 9وم ا يليه ا من ق انون
العقوبات ،رغم أنها عقوبة منصوص عليها قانونا وجوبية مرة وأخرى جوازية( ) ترتبط بالجناية
1
والجنحة.
رابعا -أن أهمي ة التفرق ة بين الجناي ة والجنح ة والمخالف ة ،تب دو في مواض ع كث يرة في
قانوني العقوبات واإلجراءات الجزائية ،حيث أن أحكامهما المختلفة والمقررة في كليهما ،تؤسس
وتستند على هذا التقسيم الثالثي للجريمة.
-1ففي ق انون العقوب ات تخض ع أحك ام الش روع له ذا التقس يم ،فيع اقب علي ه في الجناي ات بص فة
مطلق ة طبق ا للم ادة 30ق.ع ،في حين أن ه في الجنح ال يع اقب علي ه إال بوج ود نص وص خاص ة
تق رر العق اب على الش روع في الجنح طبق ا للم ادة 31/1ق.ع ،ومن األمثل ة الم ادة 222/3
«ويعاقب على الشروع بمثل ما يعاقب به على الجريمة التامة» ،أما المخالفات فال شروع فيها
وال عقاب عليه أصال للمادة .31/2
-2من حيث االش تراك ،يع اقب على المس اهمة التبعي ة -االش تراك -في الجريم ة الموص وفة
بالجنايات والجنح ،وال يعاقب على االشتراك في المخالفات إطالقا طبقا للمادة 31ق.ع.
-3من حيث تطبيق قواعد العود للجريمة ،تختلف األحكام المعمول بها بين ما إذا كانت الجريمة
جناية أو جنحة أو مخالفة ،طبقا لألحكام التي تحتويها المواد 54مكرر 54 ،مكرر 54 ،1مكرر
54 ،2مكرر 54 ،3مكرر 54 ،4مكرر 54 ،5مكرر 54 ،6مكرر 54 ،7مكرر 54 ،8مكرر
54 ،9مكرر 10من قانون العقوبات.
جنح ة أو مخالف ة ،طبق ا للم واد 9-6إ.ج ،وبحس ب العقوب ة المحك وم به ا عقوب ة جناي ة أو عقوب ة
جنحة أو عقوبة مخالفة في المواد 617-612إ.ج.
-4يخضع تحديد اختصاص وتشكيل الهيئات القضائية الجزائية المختصة بنظر الموضوع ما إذا
ك ان يتعل ق بجناي ة أو جنح ة أو مخالف ة له ذا التقس يم ،ويمكن على س بيل المث ال مراجع ة الم واد
429 ،258 ،340من قانون اإلجراءات الجزائية.
-5أن الحبس الم ؤقت طبق ا للم ادة 123إ.ج وم ا يليه ا ،ال يك ون إال في الجناي ات والجنح ال تي
يع اقب عليه ا ب الحبس ،وال يك ون في المخالف ات إطالق ا ،ويح دد ن وع الحبس ومدت ه بحس ب ن وع
الجريمة والعقوبة المقررة لها عمال بأحكام المادة 124وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية.
-6تطبيق قانون العقوبات على جرائم تقع في الخارج من جزائري أو أجنبي للوصف القانوني
للجريمة ووفق شروط محددة طبقا للمواد 588 ،583 ،582إ.ج.
-7سلطة أطراف الخصومة الجزائية في إقامة الدعوى العمومية أمام القضاء الجزائي ،سواء
ك انت جه ات التحقي ق أو الحكم ،فتخض ع فيه ا لن وع الجريم ة جناي ة أو جنح ة أو مخالف ة ،طبق ا
للمواد 337 ،67 ،66 ،29مكرر.
-8أن س لطة األم ر باإلحض ار والقبض وم ذكرات اإلي داع في المؤسس ات العقابي ة طبق ا للم ادة
109إ.ج تتحدد بنوع الجريمة جناية أو جنحة وفق شروط محددة.
هذا باإلضافة لمجموع ة للح ق في الدفاع في المس ائل الجزائية في الم ادة 100وم ا يليها،
ودرج ات التقاض ي في الم ادة ،394 ،328 ،248وط رق الطعن في األحك ام القض ائية ،407
495 ،416ووقف التنفيذ في المادة 592وما يليها ،ورد االعتبار في المادة 676إ.ج.
أثر الظروف على وصف الجريمة
توصف الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة بحسب نوع ومقدار العقوبة التي يقررها لها
الق انون طبق ا للم ادة 5ق.ع ،فتنص الم ادة 28ق.ع «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در القاض ي
فيه ا حكم ا يطب ق أص ال على ن وع آخ ر منه ا لظ رف مخف ف للعقوب ة أو نتيج ة لحال ة الع ود ال تي
-1الحظ حكم المادتين 8مكرر 612 ،مكرر إ.ج.
20
يكون عليها المحكوم عليه» ،وتنص المادة 29ق.ع «يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على
عقوبة تطبق أصال على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة» ،وعليه فإن وصف الجريمة
القانوني مرهون بما يقرره قانون العقوبات في مواده ،29 ،28 ،5والقاضي الجزائي وهو يعمل
على تطبيق القانون طبقا لمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات ،بإعماله أحكام المواد ،52 ،29 ،28
53 ،53مكرر 53 ،4مكرر 53 ،5مكرر 53 ،6مكرر 465 ،445 ،7قد ينطق بعقوبة غير
العقوبة المقررة للجريمة موضوع البحث تشديدا أو تخفيفا ،فهل العبرة في تحديد وصف الجريم ة
بما يقرره القانون؟ أم العبرة بما ينطق القاضي؟ وما هو حكم ذلك؟ ،وبعبارة أخرى هل يتغير
وص ف الجريم ة من حيث جس امتها من جنح ة إلى جناي ة ،م تى نط ق القاض ي بعقوب ة أش د من
العقوبة المقررة قانونا للجريمة ،أم تنتقل من جناية إلى جناية إذا نطق القاضي بعقوبة أخف من
العقوبة المقررة تبعا لذلك؟ ،أم تظل الجريمة على وصفها بغض النظر عن العقوبة التي نطق بها
القاضي؟
لإلجاب ة على التس اؤالت الس ابقة ،نش ير أن الم ادتين وض عت أحك ام أث ر الظ روف على
وص ف الجريم ة ،فتنص األولى «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در أتقاض ى فيه ا حكم ا يطب ق
أصال على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة أو نتيجة لحالة العود التي يكون عليها
المحك وم علي ه» ،وتنص الثاني ة «يتغ ير ن وع الجريم ة إذا نص الق انون على عقوب ة تطب ق أص ال
على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة» ،وإ عماال ألحكام المواد 29 ،28 ،27 ،5فال
أث ر على وص ف الجريم ة الق انوني بم ا يحكم ب ه القاض ي ،فتبقى الجريم ة على وص فها الق انوني
كأص ل عام ،ألن ه يجب التفرقة في ذل ك بين تطبيق المادتين 28 ،27وتطبيق أحكام المادة 52
وأحكام المادة 53على النحو التاليي( ):
1
أوال :بالنسبة لألعذار القانونية المخففة وهى ظروف مخففة يحددها القانون سلفا حصرا ،فتنص
المادة 52/1ق.ع «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل الحصر تترتب عليها مع
قيام الجريم ة والمسؤولية إم ا عدم عق اب المتهم إذا كانت أعذارا معفية( ) ،وإ ما تخفيض العقوبة
2
إذا كانت مخففة» ،فلم يترك المشرع مجاال للقاضي الجزائي فقرر التخفيف وجوبا بحكم القانون
في ك ل جريم ة يت وافر فيه ا ع ذر مم ا يعت بره ك ذلك ،ومث ال ذل ك ع ذر تج اوز ال دفاع الش رعي
المنص وص علي ه في الم ادتين 278 ،277ق.ع وع ذر ص فة الزوجي ة في جريم ة قت ل ال زوج
اآلخ ر وقت اكتش افه في حال ة تلبس بجريم ة الزن ا في الم ادة 279ق.ع ،وع ذر ص غر الس ن في
المادة 50ق.ع والمواد 87 ،86 ،85من قانون حماية الطفل ،...وهي أعذار تغير من وصف
الجريم ة فت نزل به ا إلى جريم ة أق ل جس امة ،فتنص مثال الم ادة 283ق.ع «إذا ثبت قي ام الع ذر
فتخفف العقوبة على الوجه التالي -1 :الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية
عقوبته ا اإلع دام أو الس جن المؤب د -2 ،الحبس من س تة أش هر إلى س نتين إذا تعل ق األم ر بأي ة
جناية أخرى -3 ،الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق األمر بجنحة».
-1نالحظ أن المشرع الجزائري ينهج بعض األحيان نهج تحديد عقوبة ذات حدين لجريمة واحدة ،حد يقرر عقوبة جنحة
وحد أقصى يقرر عقوبة جناية ،ويخير القاضي تطبيق العقوبة في أحد الحدين بحسب ظروف مشددة أو مخففة ،وانطالقا
من االعتبارات الشخصية التي يأخذها القانون في االعتبار عند وضعه للقاعدة التجريمية نعتقد أن الجريمة توصف بالجنحة
كلما قضى القاضي بالحد األدنى ،وتوصف بالجناية إذا قضى بالحد األقصى ،وال يعتبر هذا خرقا لحكم المادة 28ق.ع،
ألن القانون هو الذي يقرر العقوبة ،ودليلنا في ذلك حكم المادة 29التي تنص «يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على
عقوبة تطبق أصال على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف مشددة».
-2هن اك أع ذار قانوني ة معفي ة من العق اب كص فة الزوجي ة واألص ل والف رع في ج رائم الس رقة في الم ادة 368من ق انون
العقوب ات ،والنص ب في الم ادة ،373وخيان ة األمان ة في الم ادة ،377وإ خف اء األش ياء المس روقة طبق ا للم ادة ،389وفي
الجرائم جنايات وجنح ضد أمن الدولة المبلغ عنها قبل الشروع في ارتكابها طبقا للمادة 92من نفس القانون...
21
ثانيا :بالنس بة للظ روف القض ائية المخفف ة يخ ير الق انون القاض ي الج زائي بين النط ق بالعقوب ة
المق ررة للجريم ة ،وبين تخفيض ها بم ا ي راه من ظ روف تس تدعي التخفي ف على المتهم ،فتق رر
المادة 53ق.ع أنه يجوز تخفيض العقوبات المقررة قانونا ضد المتهم الذي قضي بإدانته وثبت
وج ود ظ روف مخفف ة لص الحه ب الحبس ثالث( )3س نوات إذا ك انت الجناي ة مم ا يع اقب عليه ا
بالسجن المؤقت من 10سنوات إلى 20سنة ،ومدة سنة واحدة حبسا إذا كانت الجناية مما يعاقب
عليها بالسجن المؤقت من 5سنوات إلى 10سنوات( ) ،وعليه ليس من شأن الظروف القضائية
1
المخفف ة أن تغ ير وص ف الجريم ة ،فتظ ل الجريم ة على وص فها الق انوني ،رغم نط ق القاض ي
بعقوبة أخف من العقوبة التي قررها القانون للجريمة قد تطبق على جريمة أقل جسامة تطبيقا
لحكم الم ادة 28ق.ع ال تي تنص «ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا أص در القاض ي فيه ا حكم ا يطب ق
أصال على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة».
ثالثا :أم ا بالنس بة للظ روف المش ددة للعق اب ،فيجب التفرق ة بين ن وعين منه ا ،ظ رف الع ود
والظ روف المش ددة األخ رى ،ففي حال ة اس تعمال ظ رف الع ود بتش ديد العق اب طبق ا للم ادة 54
مك رر وم ا يليه ا ال يتغ ير وص ف الجريم ة إعم اال لحكم الم ادة « 28ال يتغ ير ن وع الجريم ة إذا
أصدر القاضي فيها حكما يطبق أصال على نوع أخر منها نتيجة ...أو لحالة العود التي يكون
عليها المحكوم عليه».
أما بالنسبة للظروف المشددة األخرى -عدا ظرف العود ، -فإنها تغير وصف الجريمة،
فتنص المادة « 29يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على عقوبة تطبق أصال على نوع آخر
أشد منها نتيجة لظروف مشددة» ،ومن هذه الظروف ظرف الليل ،ظرف حمل السالح ،استعمال
العنف أو التهديد وظرف المساهمة الجنائية والتسلق واستعمال المركبات في جريمة السرقة طبقا
للمادة 351من قانون العقوبات وما يليها ،فتسمى سرقة موصوفة بدل جنحة بسيطة طبقا لحكم
المادة 29ق.ع.
أركان الجريمة
تقوم الجريمة على مجموعة من أركان عامة وخاصة ،فاألركان العامة ال تقوم الجريمة إال
بوجوده ا ،وهي ال ركن الش رعي وال ركن الم ادي وال ركن المعن وي ،باإلض افة لألرك ان العام ة
للجريم ة ف إن لك ل منه ا ركن ا خاص ا به ا ،يميزه ا عن غيره ا من الج رائم األخ رى وتس تقل ب ه،
فجريم ة القت ل العمد تتميز بوجود ركن خ اص به ا يميزه ا عن غيره ا بتوافر حال ة إزه اق روح
إنس ان حي عمدا طبق ا للمادة 254من قانون العقوبات ،وفي جريمة الرشوة أن يكون المرتشي
موظف ا طبق ا للم ادة 25من ق انون الوقاي ة من الفس اد ومكافحت ه وفي الس رقة أن يك ون الم ال
المس روق م اال منق وال مملوك ا للغ ير باختالس ه ونق ل حيازت ه بني ة امتالك ه طبق ا للم ادة 350وفي
جريم ة الزن ا يجب ت وافر رك نين فيه ا ،ص فة الزوجي ة في أح د ط رفي العالق ة غ ير المش روعة
والوطإ المحرم طبقا للمادة 339ق.ع.
باإلض افة ألرك ان خاص ة تق ترن بظ روف موض وعية أو مادي ة كحم ل الس الح وارتك اب
الجريمة في أماكن عمومية وتعدد المساهمين والليل واستعمال السم ،وقد تكون شخصية تتصل ،
-1نالح ظ أن المش رع الجزائ ري في التع ديل األخ ير بالق انون 23-06المع دل والمتمم لق انون العقوبات ،ق د وض ع أحكاما
تفص يلية بالنس بة لتخفي ف العقوب ة ،فم يز بين األش خاص الطبيعي ة واألش خاص المعنوي ة ،فبالنس بة للش خص الط بيعي نظم
التخفي ف في الجنح والمخالف ات في الم ادتين 53مك رر 53/6 ،4المض افة ،وفي المخالف ات تنص الم ادة 53مك رر،6
وبالنسبة للشخص المعنوي المسبوق وغير المسبوق وضع أيضا قواعد التخفيف في المواد 53مكرر 4فقرة 53 ،3مكرر
53 ،7مكرر.8
22
كسبق اإلصرار على ارتكاب وصفة البنوة وصفة الخادم ،وقد تكون ظروف مخففة وقد تكون
أعذارا ،وهي جميعا ظروف محكومة بالمواد 29 ،28 ،27 ،5من قانون العقوبات.
البـاب األول
الركن الشرعي للجريمة
قبل دراسة الركن الشرعي وما يتضمنه منت عناصر ،يجب تحديد موضعه في النصوص
القانوني ة ونطاقه وإ براز أهميت ه ،وتقديم نبذة تاريخية موجزة عنه وم ا يوج ه له من نقد وتحديد
ماهيته.
أوال -التعريف بالركن الشرعي
سبق القول أن الجريمة عمل غير مشروع يجرمه القانون ويعاقب عليه بما يقرره القانون
من أوام ر ون واهي تج رم وتع اقب على ك ل س لوك ي رقى لدرج ة التج ريم بم ا يش كله من مس اس
بمص الح الجماع ة بتعريض ها بوج ه ع ام للخط ر ،فقد اختل ف الفقه حول م دى وجوب وجود هذا
الركن في الجريمة باختالفه حول مضمونه ومفهومه ،فمنهم من يقيم الجريمة على ركنين المادي
والمعنوي ،ومنهم من يقيمها على أركان ثالثة ،الشرعي ،المادي والمعنوي ،باإلضافة الختالفهم
حول مضمونه ونطاقه فظهر رأيان على النحو التالي:
الرأي األول -المفهوم التقليدي للركن الشرعي
يقوم الركن الشرعي للجريمة على النص التشريعي المجرم للسلوك والعقاب عليه تطبيقا
لمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات "ال جريمة وال عقوبة إال بناء على نص تشريعي تضعه السلطة
المختصة بالتشريع" ،فال يجوز اعتبار أي سلوك ما جريمة ما لم ينص القانون على تجريمه وال
تقرير عقوبة له إال إذا كان القانون يقرر له عقوبة محددة ،أي يجب وجود نص تشريعي يحدد
السلوك المجرم ويقرر له الجزاء المناسب عقوبة أو تدبيرا ،فيوصف النص الجنائي بالوعاء الذي
يحت وي على النم وذج اإلج رامي ،وعلي ه ف إن ال ركن الش رعي ه و ال ذي يض في وص ف ع دم
المش روعية أو ص فة الجريم ة على الس لوك ،عمال بقواع د ق انون العقوب ات والقواع د المكمل ة ل ه،
وهو ما يضفي على هذا الركن أهمية خاصة ،وقد وجهت لهذا االتجاه مجموعة انتقادات ،يمكن
إجمالها في التالي:
-1أنه ال يجوز القول بأن النص التجريمي الذي أوجد الجريمة فأنشأها ركن من أركان قيامها،
إذ ال يمكن القول بأن النص الجنائي الذي أنشأ الجريمة ركن في قيامها.
-2أن النص المنشئ للجريمة يتميز عنه الجريمة ،فال يندمج به ،فإذا كان النص الجنائي وعاء
للنم وذج اإلج رامي فيس تحيل مع ه الق ول أن وع اء النم وذج اإلج رامي عنص را من عناص ر قي ام
الجريمة.
-3أن نص التج ريم وانطباق ه على واقع ة معين ة ليس بالض رورة قي ام الجريم ة ،ألن الس لوك
المجرم قد يقترن بظرف مادي فيسحب الصفة التجريمية عنه بإباحته الفعل ،كالدفاع الشرعي في
المادة 39أو يمنع العقاب طبقا للمواد 389 ،377 ،373 ،368من قانون العقوبات.
23
يؤسس الرأي الثاني موقفه من الركن الشرعي على االنتقادات التي وجهت لالتجاه األول،
فتمس ك بوج ود ال ركن الش رعي في الجريم ة ك ركن ث الث فيه ا إال أن ه أض فى علي ه م دلوال آخ ر،
فيعتبر الركن الشرعي "الصفة غير المشروعة للفعل" التي يضفيها النص التشريعي على سلوكات
ج ديرة ب التجريم والعق اب ،فيخض عها لنص تج ريمي وبانتفائ ه ينتفي ه ذا ال ركن ،وعلي ه ف الركن
الش رعي عب ارة عن تك ييف ق انوني يلح ق الس لوك فيص فه بع دم المش روعية ،والمرج ع في ذل ك
النص وص العقابي ة ،وهي وح دها ال تي تض في مث ل ه ذه الص فة تطبيق ا لمب دإ ش رعية الج رائم
والعقوبات مما أضفى عليه طابعا موضوعيا ،فيطبق النص التجريمي على الواقعة المجرمة بعيدا
عن االعتبارات أو الظروف الشخصية ،وهو بهذا يختلف عن الركن المادي من حيث أنه تكييف
ق انوني يتج رد من الكي ان الم ادي وعن ال ركن المعن وي من حيث أن وج وده غ ير مرتب ط باتج اه
خ اص لإلرادة ،فمثال الخط ر ال وهمي وه و حال ة نفس ية يعتق د الش خص معه ا أن ه مه دد بخط ر ال
وج ود ل ه إال في اعتق اده ال أث ر ل ه في اإلباح ة ،أو أن يعتق د الش خص بت وافر س بب إباح ة فيق وم
بجريم ة قت ل ،فال ي برر س لوكه اعتق اده بوج ود ظ رف م بيح ح تى وإ ن ق ام اعتق اده على أس باب
معقولة.
ثانيا -نبذة تاريخية عن مبدإ الشرعية
ظهرت الجريمة مع ظهور اإلنسان األول ،فهي قديمة قدم البشرية ،وقصة ابني آدم عليه
الس الم ،قابي ل وهابي ل خ ير دلي ل على ذل ك ،فج اء في الق رآن الك ريم «وات ل عليهم نب أ اب ني آدم
ب الحق إذ قربا قربان ا فتقب ل من أح دهما ولم يتقبل من اآلخ ر ،قال ألقتلن ك ق ال إنما يتقب ل اهلل من
المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ألقتلك إنني أخاف اهلل رب العالمين
إني أريد أن تبوء بإثمي وإ ثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه
قت ل أخي ه فقتل ه فأص بح من الخاس رين( )» ،إال أن مب دأ الش رعية وإ ن ك ان موج ودا ق ديما فلم يكن
1
بمفهومه التأصيلي الحديث ،فتطور بتطور المجتمعات اإلنسانية ،فقد عرفت الشريعة اإلسالمية
مبدأ الشرعية منذ ظهورها ،فقال جل وعال «وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال( )»« ،لئال يكون
2
للن اس على اهلل حج ة بع د الرسل( )»« ،ألن ذركم ب ه ومن بلغ( )»« ،ال يكل ف اهلل نفس ا إال
4 3
وس عها( )» ،باإلض افة لقواع د أص ولية استخلص ت من تل ك اآلي ات كمب دإ «ال حكم ألفع ال العقالء
5
قب ل ورود النص» ،ومب دأ «األص ل في األش ياء واألفع ال اإلباح ة» ،وهي مب ادئ وقواع د تقض ي
بأنه ما لم يرد نص شرعي بتجريم أو تحريم أي فعل أو سلوك فال مسؤولية على فاعله أو تاركه
ألنه يعتبر من األفعال المباحة أو المبررة ،ثم بدأت تظهر معالم هذا المبدإ وفق منظور غربي
في القرون الوسطى ،فقد منح ملك إنجلترا جون لرعاياه العهد األعظم Magna Chartaسنة
،1216وفي الوالي ات المتح دة األمريكي ة في إعالن الحق وق س نة ،1773وفي إعالن حق وق
اإلنس ان والم واطن في فرنسا سنة 1789عقب الثورة الفرنس ية ،فقنن بص ياغته صياغة قانوني ة
واضحة ،ثم نص عليه قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة ،1810وتضمنه اإلعالن العالمي
لحقوق اإلنسان سنة .1948
وسعها( )» ،وقد ورد في األثر «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» ،باإلضافة لذلك
3
ف إن معالج ة الش ريعة اإلس المية لمب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات ،يختل ف عن معالج ة الق وانين
الوضعية له ،حيث تعرف مرونة في تطبيقه بحسب ما إذا كانت الجريمة جريمة حد أو جريمة
دية وقصاص أو جريمة تعزير ،فتطبقه بطريقة جامدة تجريما وعقابا في كل من جرائم الحدود
والقص اص والدي ة ،فليس ل ولي األم ر أي س لطة تقديري ة بش أنها ،في حين يطب ق المب دأ بطريق ة
مرن ة في ج رائم التعزي ر فيخ ول س لطة تقديري ة من حيث التج ريم( ) والعق اب المناس ب ي رى في ه
4
مساسا بمصالح الجماعة واستقرارها وسكينتها وطمأنينتها ،فلم تضع الشريعة اإلسالمية عقوبات
مح ددة خاص ة بك ل جريم ة تعزيري ة ،وه و م ا يس مح للقاع دة التعزيري ة ب التكيف الس ريع م ع
مس تجدات الوض ع والمتطلب ات الجدي دة في المجتم ع ،وه و م ا ينتق د علي ه المب دأ في ظ ل األنظم ة
الحديث ة لع دم اس تطاعته مواجه ة مش كلة التغ يرات الس ريعة والمتالحق ة ال تي من ش أنها أن تمس
بمصالح المجتمع وقيمه فال تستطيع القاعدة وال السلطة التشريعية مواجهتها بفعالية وبسرعة.
ويعت بر مب دأ ش رعية الج رائم والعقوب ات من األهمي ة بمك ان ،فق د أولت ه الدس اتير العالمي ة
عناي ة خاص ة فض منته نصوص ها ،فأص بح من المب ادئ الدس تورية الهام ة ،فمثال في الجزائ ر لم
تخ رج دس اتيرها المتعاقب ة على ه ذا المنهج بترس يخ مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات دس توريا،
ف أواله المش رع الدس توري عناي ة خاص ة ،فنص ت علي ه الم ادة 15من دس تور « 1963ال يمكن
إيق اف أي ش خص وال متابعت ه إال في األح وال المنص وص عليه ا في الق انون وأم ام القض اة
المعي نين بمقتض اه وطبق ا لإلج راءات المق ررة بموجب ه» ،وق رره دس تور 1976في مادت ه ،45
ودستور 1989في مادته 43التي نصت «ال إدانة إال بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل
المج رم» ،ويق رره دس تور 1996المع دل والمتمم في الم ادة « 43ال إدان ة إال بمقتض ى ق انون
ص ادر قب ل ارتك اب الفع ل المج رم» ،وتؤكد مادت ه « 47ال يت ابع أح د ،وال يوق ف أو يحتج ز ،إال
ض من الش روط المح ددة بالق انون ،وطبق ا لألش كال ال تي نص عليه ا» ،وتنص الم ادة 167من ه
«تخض ع العقوب ات الجزائي ة لمب دأي الش رعية والشخص ية» ،وتنص مادت ه « 165يق وم القض اء
على أساس مبادئ الشرعية والمساواة».
ثالثا -مبدأ الشرعية في قانون العقوبات
تنص الم ادة األولى من ق انون العقوب ات «ال جريم ة وال عقوب ة أو ت دبير أمن بغ ير
ق انون( )» ،نص يحص ر مص ادر التج ريم والعق اب في نط اق نص وص قانوني ة مكتوب ة ،وهي
5
25
نص وص تش ريعية يض عها البرلم ان بغرفتي ه كأصل( ) ،واس تبعاد مص ادر الق انون األخ رى من
1
المجال التجريمي والعقابي كالشريعة اإلسالمية والعرف وقواعد القانون الطبيعي والعدالة ،وإ ذا
كانت مصادر التجريم والعقاب يجب تحديدها في نطاق النص التشريعي المكتوب ،فإنه فيما ال
يتعل ق ب التجريم والعق اب ليس هن اك م ا يمن ع من االعتم اد على مص ادر أخ رى غ ير المص ادر
التشريعية المكتوبة ،كاستخالص مانع للعقاب أو مانع من المسؤولية أو سبب إباحة ،كحكم المادة
39ق.ع ال تي تنص «ال جريم ة -1 :إذا ك ان الفع ل ق د أم ر أو أذن ب ه الق انون ،»...حيث
ينصرف مصطلح «إذن القانون» إلى قواعد الشريعة اإلسالمية في إباحة بعض السلوكات ،مثل
تربية األب البنه ،وتأديب الزوج لزوجته بما يخولهما الشرع من سلطة التربية والتأديب.
وقد تدعم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بمجموعة مبادئ تعتبر تطبيقا وتدعيما له فتنص
الم ادة 2من ق انون العقوب ات على مب دإ ع دم رجعي ة القاع دة الجزائي ة على الماض ي كأص ل،
ورجعيته في أحوال محددة ،فتنص «ال يسرى قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه أقل
شدة»
رابعا -أهمية مبدأ الشرعية
تحت ل الش رعية الموض وعية أهمي ة خاص ة في المنظوم ة القانوني ة بدس ترتها ،فكرس ته ك ل
الدس اتير المتعاقب ة ،ش رعية يجب على س لطات الدول ة احترامه ا والعم ل بمقتض اها وت برز ه ذه
األهمية في التالي:
-1رس م الح دود الفاص لة بين م ا يعت بر س لوكات من ش أنها اإلخالل ب أمن الجماع ة ونظامه ا
وس كينتها بتجريمه ا والعق اب عليه ا كاس تثناء وبين الس لوكات األخ رى الم بررة أص ال م ا لم ي رد
نص بتجريمها.
-2حص ر جه ة التج ريم والعق اب في الس لطة المختص ة بالتش ريع فال يج وز وص ف الفع ل
بالجريم ة والعق اب علي ه إال إذا أص بغت علي ه تل ك الس لطة وصف الجريم ة وح ددت ل ه عقاب ا في
نص تش ريعي مكت وب طبق ا لنص الم ادة 139في بن دها 7من دس تور 1996المع دل والمتمم
«يش رع البرلم ان في المي ادين ال تي يخصص ها ل ه الدس تور ،وك ذلك في المج االت اآلتي ة-7...
القواع د العام ة لق انون العقوب ات ،واإلج راءات الجزائي ة ،الس يما تحدي د الجناي ات والجنح،
والعقوبات المختلفة المطابقة لها ،والعفو الشامل ،وتسليم المجرمين.»...
تجريم ما لم يجرمه التشريع وال العقاب بعقوبة لم يقررها( )فيمتنع عليه استعمال التفسير والقياس
2
في المجال الجزائي للتوسعة في مدلول النص لتجريمي فيدخل في نطاقه ما لم يقرره المشرع،
كما أنه يجب على القاضي تطبيق المبدإ القانوني «الشك يفسر لمصلحة المتهم» والذي قننه المادة
1من قانون اإلجراءات الجزائية ،متى التبس عليه األمر.
-4أن مب دأ ش رعية الج رائم والعقوب ات يض ع أساس ا قانوني ا ودس توريا للعقوب ة ،فتنص الم ادة
األولى من ق انون العقوب ات «ال جريم ة وال عقوب ة أو ت دبير أمن بغ ير ق انون» ،وكرس ته الم ادة
167من دس تور 1996المع دل والمتمم «تخض ع العقوب ات الجزائي ة لمب دأي الش رعية
والشخصية» ،فال تترك لألهواء ،فيجب على القاضي الحكم بالعقوبة المقررة قانونا وفى حدود ما
يخول قانونا طبقا للمادتين 29 ،28والمادتين 54 ،53وما يليهما من قانون العقوبات.
-5تكمن أهميته في أنه يعتبر من الضمانات المهمة المقررة للحقوق والحريات الفردية ،فيضفي
عليها حماية مزدوجة؛ حماية لألفراد من حيث تقرير الحماية القانونية للحقوق والحريات بتجريم
االعت داء عليه ا أو التع رض له ا ،وحماي ة للج اني من حيث ع دم إمك ان تجريم ه للس لوكات ال تي
يأتيها والعقاب عليها إال في حدود ما يقرره النص التشريعي.
-6تبدو أهميته فيما يقرره من حماية للجماعة بتجريم وعقاب السلوكات التي تضرها بردع من
يمس بنظ ام الجماع ة اجتماعي ا واقتص اديا وأخالقي ا ونظامي ا بتج ريم مث ل تل ك الس لوكات ،وهي
قاعدة وقائية أيضا تمنع المجرم من العودة للجريمة وتمنع الغير من أن يقدم على ارتكابها..
-7أن الركن الشرعي للجريمة ،يكتسي أهمية خاصة من حيث أنه ال وجود للجريمة متى انتفى
هذا الركن ،فال حاجة بانتفائه للبحث في ركني الجريمة المادي والمعنوي.
خامسا -نقد مبدأ الشرعية وتقييمه
رغم أهمي ة مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات بم ا يقدم ه من ض مانات للحري ات الفردي ة
والحقوق بوجه عام ،لم يسلم من النقد ،فيؤخذ عليه:
-1وجهت ل ه المدرس ة الوض عية نق دا بقوله ا بوج وب أن تح دد العقوب ة تبع ا لشخص ية المج رم
وليس بم ا يق رره الق انون ،ألنه ا ت رى ع دم وج وب وج ود الح دين ،ح د أدنى وح د أقص ى ،إال أن
التش ريعات الحديث ة ومن بينه ا الق انون الجزائ ري يأخ ذ في تقري ر العقوب ة الج انب الشخص ي
-2انتقد من النظام الشمولي في ألمانيا النازية لعدم قدرته على مواجهة كل الجرائم التي تضر
بالجماعة ،antisocialفتخلوا عنه ليتسنى لهم مواجهة األفعال الماسة بالجماعة أو ضدها.
-3عدم قدرة السلطة التشريعية في ظله مواجهة التغيرات والتحوالت والمستجدات في المجتمع
بس رعة والمداوم ة على رص د ك ل م ا يض ر بالجماع ة ،في أتي ت دخل المش رع مت أخرا بس بب
المنظوم ة القانوني ة المح ددة ل دورة البرلم ان وال دعوة إليه ا ،وع دم إمكانه ا التكي ف الس ريع م ع
متطلب ات المجتم ع المس تجدة والتغ يرات الس ريعة المتالحق ة ال تي ق د تمس قيم ه ومص الحه وأمن ه
واستقراره( ).
2
ثانيا -أن الدستور يقرر متى دعت الضرورة عقد دورة استثنائية برلمانية خارج دورته العادية
بمبادرة من رئيس الجمهورية أو بناء على استدعاء منه أو بطلب من الوزير األول أو بناء على
طلب ثلثي أعضائه طبقا للمادة 138من الدستور.
ومن خالل كل ما سبق فإن الركن الشرعي للجريمة هو الصفة غير المشروعة التي تلحق
الفعل فتضفي عليه وصف الجريمة ،وعليه يقوم ركن عدم المشروعية بتوافر عنصرين ،عنصر
خض وع الفع ل لنص تج ريمي أوال ،وع دم اق تران الفع ل بس بب ظ رف م ادي م بيح ،ألن اكتس اب
السلوك الصفة الجرمية نتيجة انطباقه على نموذج إجرامي يحدده القانون ال يكفى وحده لتطبيق
مث ل تل ك النص وص الجنائي ة لوج وب البحث في م دى اق تران الس لوك أثن اء إتيان ه بظ رف م ادي
م بيح ،ذل ك أن الس لوك المق ترف وم دى انطباق ه على نص تج ريمي مادي ا ال يكفى لقي ام النم وذج
اإلج رامي ك امال ،إذ يتطلب الق انون أن ال يك ون ق د ص احب اق تراف ذل ك الس لوك ظ رف م ادي
مبيح.
-أوال :خضوع الفعل لنص تجريمي.
-ثانيا :عدم اقتران الفعل بسبب أو ظرف مبيح.
وعليه ،ف إن ركن عدم المشروعية -أي الركن الشرعي للجريمة أو الركن القانوني لها-
يق وم على ت وافر العنص رين مع ا ،الس ابقين ،ألن اكتس اب الس لوك لص فة ع دم المش روعية نتيج ة
انطباق ه على نم وذج إج رامي يح دده ق انون العقوب ات أو الق وانين المكمل ة ل ه ،ال يكفى وح ده
لتطبيقها لوجوب البحث في مدى وجود عنصر عدم اقترانه بظرف مادي مبيح من عدمه.
-1أنظر مثال المواد 592 ،54 ،53 ،52من قانون اإلجراءات الجزائية والمواد 5 ،5مكرر ،172 ،1
-2أنظر المادة 138من الدستور المعدل والمتمم.
- 3تقرر هذه المادة سلطة رئيس الجمهورية في إعالن الحالة االستثنائية ،وتحدد أحكامها.
28
الفصل األول
خضوع الفعل لنص تجريمي
يحت وي ق انون العقوب ات مجموع ة نص وص يج رم بمقتض اها الس لوكات الج ديرة ب التجريم
والعقاب ،وتضع لكل جريمة جزاء مناسبا عقوبة أو تدبيرا تطبيقا لمبدإ شرعية التجريم والعقاب،
ال ذي يقتض ي بالض رورة تع دد النم اذج اإلجرامي ة تع دد النم اذج اإلجرامي ة بتع دد النص وص
المجرمة ،فكل نموذج له نص يحدده ويحدد شروط تطبيقه والجزاء المقرر ،فال يوصف الفعل
بالجريم ة م ا لم يكن هن اك نص تش ريعي يجرم ه ويق رر ل ه ج زاء ،مم ا يتطلب دراس ة القاع دة
الجزائية من حيث وضعها وتفسيرها وتطبيقها زمانا ومكانا وأشخاصا.
المبحث األول -مفهوم النص الجنائي وتفسيره
يتعلق األمر بتحديد مضمون النص الجزائي كأساس أو مصدر للتجريم والعقاب ،وتفسيره
ونطاق القياس فيه.
-1وتس هر المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة على تط بيق الق انون تطبيق ا ص حيحا ك ل فيم ا يخص ه بمراقبتهم ا لم دى اح ترام
درج ات التقاض ي المختلف ة للق انون ،فتنص الم ادة 4 ،179/1من الدس تور «تمث ل المحكم ة العلي ا الهيئ ة المقوم ة ألعم ال
المج الس القض ائية والمح اكم»« ،تض من المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة توحي د االجته اد القض ائي في جمي ع أنح اء البالد
ويسهران على احترام القانون»،
29
والردعية للعقوبة ،وفيها مساس أو تعرض للحقوق والحريات ،فتسلبه الحرية أو تقيدها ،فتنص
المادة 1ق.ع «ال جريمة وال عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون».
المطلب الثاني -تفسير النصوص الجنائية
إن تفس ير القاع دة القانوني ة عام ة والقاع دة الجزائي ة خاص ة ،عملية تق وم على اس تجالء
واستكشاف الغرض من المعاني الواردة في النص القانوني التي قصدها المشرع من وضعه ،أو
هو تحري المعنى الحقيقي له ،ويب دو التفسير ضرورة عندما يصدر ق انون يشوب بعض مواده
لبس غموض أو نقص أو تحديد ،وتبدو الحاجة أكثر إليه أثناء التطبيق ،ويحكم التفسير الجزائي
التش ريعي والقض ائي وج وب التقي د بمب دإ الش رعية من حيث التج ريم والعق اب ،ح تى ال يخ رج
خاص ة القاض ي الج زائي عن النط اق المح دد في مب دإ ش رعية الج رائم والعقوب ات ،فال ي ؤدي
تفسيره إلى تجريم سلوك لم يقصد المشرع تجريمه ،أو تطبيق عقوبة ما لم يقررها القانون.
الفرع األول -أنواع التفسير
يتن وع تفس ير النص الج زائي من حيث مفهوم ه ونطاق ه ب اختالف جه ة التفس ير ،الس لطة
التشريعية والسلطة القضائية والفقه.
أوال -التفسير التشريعي
ه و تفس ير تق وم ب ه الس لطة التش ريعية فتض عه في ص ورة نص وص قانوني ة تفس ر به ا
نصوص ا س ابقة ينقص ها التحدي د أو يش وبها غم وض رأت ض رورة ت دخلها لرف ع الغم وض أو
لتحدي د النص مثال ،فيعت بر والنص التفس يري ج زء من النص المفس ر يطب ق من ت اريخ نف اذ ه ذا
األخ ير فيطب ق بنفس الق وة ال تي تطب ق به ا القاع دة األص لية ،وتتم يز النص وص التفس يرية بأنه ا
نصوص غير منشئة لقاعدة جديدة وإ نما هي قواعد شارحة لقاعدة قديمة فتحكم بحكمها.
ثانيا -التفسير القضائي
تفس ير يص دره القاض ي الج زائي بمناس بة فص له في موض وع مع روض علي ه ،فه و تفس ير
يتعلق بواقعة محددة ،يجب االلتزام فيه بمبدإ شرعية الجرائم والعقوبات حماية للحقوق والحريات
الفردي ة ،ذل ك أن الس لطة القض ائية هي الراعي ة والحامي ة لتل ك الحق وق ،فتنص الم ادة 164من
الدس تور «يحمي القض اء المجتم ع وحري ات وحق وق المواط نين طبق ا للدس تور» ،وتنص الم ادة
« 165يق وم القض اء على أس اس مب ادئ الش رعية والمس اواة» ،ويق رر الدس تور أيض ا حماي ة
المتقاضي من التعسف من جانب القاضي أو خروجه على القواعد العامة المقررة في التفسير.
والتفس ير القض ائي اجته اد من القاض ي محك وم بع دم إلزاميت ه للمجته د نفس ه أو ألي ق اض
آخر ،وليس هناك ما يمنع من االستئناس به من الهيئات الجزائية المختلفة من بناء فكرها على ما
وصل إليه االجتهاد القضائي والفقهي في أي مجال قانوني عدا ما تعلق بالتجريم والعقاب ،عمال
بحكم الم ادة 212من ق انون اإلج راءات الجزائي ة «...وللقاض ي أن يص در حكم ه تبع ا القتناع ه
الخ اص» ،م ع مالحظ ة ال دور المن وط بالمحكم ة العلي ا على العم ل على تق ويم عم ل الجه ات
القضائية المختلفة وتوحيد االجتهاد القضائي ،فتنص المادة 3 ،179/1منه «تمثل المحكمة العليا
الهيئ ة المقوم ة ألعم ال المج الس القض ائية والمح اكم»« ،تض من المحكم ة العلي ا ومجلس الدول ة
توحيد االجتهاد القضائي في جميع أنحاء البالد ويسهران على احترام القانون».
30
ويعتبر اجتهاد المحكمة العليا بطابع إلزامي توجيهات لغيرها من الجهات القضائية ،فيكون
الزامها معنويا وأدبيا فقط فيستنير القاضي بما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا فيعمل به ،إال أن
عدم التزامه بتوجهات المحكمة العليا ليس فيه خرق للقانون ألنه يعمل طبقا للمبدإ األصل المقرر
في المادة 212من قانون اإلجراءات الجزائية.
31
القياس مصطلح يطلق على إعطاء حالة لم يرد بها نص في القانون حكم حالة منصوص
عليها فيه التحاد العلة بينهما ،والقياس في نصوص التجريم والعقاب يتعارض مع مبدإ شرعية
الجرائم والعقوبات الذي ورد في المادة األولى من قانون العقوبات ،ألن العمل بالقياس في تفسير
فيه ا من ش أنه أن يج رم ص ورا من الس لوك لم ينص الق انون على تجريمه ا فيه در الحق وق
والحري ات الفردي ة ال تي وض عت تل ك القواع د حماي ة له ا ،أم ا بالنس بة للنص وص ال تي ال تتعل ق
بالتجريم والعقاب ،كتلك المتعلقة بأسباب اإلباحة أو موانع المسؤولية الجزائية أو موانع العقاب
أي اإلعفاء من العقاب ،فيجوز فيها القياس لعدم مساسها بتلك الحقوق والحريات وعدم تعارضها
مع مبدإ شرعية الجرائم والعقوبات.
المبحث الثاني -نطاق تطبيق قانون العقوبات
يطبق قانون العقوبات في الزمان والمكان واألشخاص( ) فتحكمه قواعد محددة ودقيقة ،فال
1
يكفى فيها وجود النص التجريمي وانطباقه على سلوك من السلوكات فيجب أن يكون هذا النص
نافذا في زمان ومكان محددين وهي أحكام جاءت استكماال لمبدإ الشرعية الجزائية.
المطلب األول -تطبيقه من حيث الزمان
تحكم ق انون العقوب ات قاع دة عام ة أن ه ليس قانون ا أب ديا ش أنه في ذل ك ش أن غ يره من
القوانين ،فهو يتغير ويتبدل في الزمان تماشيا مع متطلبات حماية الجماعة ومصالحها عن طريق
تدخل المشرع بتعديله أو إلغائه بما يتماشى مع ذلك ،خاصة أن الظاهرة اإلجرامية تعرف توسعا
وتطورا كبيرا ،فيكون تطبيق قانون العقوبات بعد نشره في الجريدة الرسمية وابتداء من تاريخ
يحدده المشرع كبداية لتنفيذه ،فتنص المادة 2منه «ال يسرى قانون العقوبات على الماضي إال ما
كان منه أقل شده» ،وتحدد المادة 468منه بداية سريانه ببداية سريان قانون التنظيم القضائي
بت اريخ 15يوني و ،1966فتنص «تلغى جمي ع األحك ام المخالف ة له ذا األم ر ال ذي يس ري مفعول ه
في تاريخ تطبيق األمر رقم ... 278-65المتضمن التنظيم القضائي ...الذي ينشر في الجريدة
الرسمية.»...
ويبقى النص الج زائي س اريا في الزم ان إلى حين ت دخل المش رع بتعديل ه أو إلغائ ه،
فصالحية النص للتطبيق تتحدد بالفترة التي تبدأ من لحظة نفاذه وتمتد إلى لحظة إلغائه أو تعديله،
فيكون إلغاؤه صريحا م تى نص ص راحة على إلغ اء النص الق ديم ،كنص الم ادة 468من قانون
العقوبات أو ضمنيا عن طريق تنظيم القانون لمسألة واحدة بقانونين متعاقبين ،مما يفهم معه أن
النص الجدي د يلغي الق ديم ،ويحكم ق انون العقوب ات في تطبيق ه من حيث الزم ان أحك ام ومب ادئ
مختلف ة ،تس تخلص من نص الم ادة 2ق.ع «ال يسرى ق انون العقوب ات على الماض ي إال م ا ك ان
منه أقل شدة» ،ولعدم إمكان تطبيقه على الماضي لعدم توافر صفة القانون األصلح:
-1تطبيقه بأثر فوري بعدم رجعيته على الماضي كأصل.
-2تطبيقه بأثر رجعي بالرجوع به على الماضي.
-3تطبيق قانون العقوبات بأثر مستمر( ).
2
-1إذا كانت قواعد تطبيق قانون العقوبات زمانا ومكانا فصلت أحكامهما ،فإن تطبيقه على األشخاص لم تفصل على نفس
المنوال.
- 2ما يميز هذا التطبيق أنه يتأتى مباشرة لعدم امكان تطبيق القانون فوراي بعدم رجعيته على الماضي وعدم توافر األقل
شدة التي تجيز تطبيق ذلك.
32
الفرع األول -عدم رجعية قانون العقوبات
األصل في النصوص الجزائية أنها ليست لها حكم على الماضي ،فتطبق نصوص التجريم
والعقاب على األفعال التي ترتكب في ظل نفاذها ،قاعدة تحكم الواقعة التي ترتكب بين لحظتي
بداي ة س ريان النص وإ لغائ ه ،وه و م ا يع بر عن ه بتط بيق الق انون ب أثر ف وري ،أي ع دم رجعي ة
النص وص الجزائي ة على الماض ي وه و نتيج ة طبيعي ة لمب دإ الش رعية ،فتنص الم ادة 2ق.ع «ال
يس رى ق انون العقوب ات على الماض ي ،»...وعلي ه فال يج وز تط بيق القاع دة الجزائي ة إال على
الوقائع التي وقعت في فترة سريانها فال يمتد سريانها لوقائع سابقة على نفاذها محكومة بلحظتي
بداية سريانها ونهايتها باإللغاء أو التعديل ،ويقتضي تطبيق مبدإ عدم رجعية قانون العقوبات على
الماضي توافر شرطين هما:
الشرط األول :تحديد وقت بدء سريان أو نفاذ النص التجريمي وإ لغائه.
الش رط الث اني :تحدي د وقت ارتك اب الجريم ة لتحدي د م ا إذا ك انت الواقع ة المجرم ة ح دثت
بين لحظ تي نف اذ الق انون بس نه وإ لغائ ه أو تعديل ه ،فيطب ق الق انون أو يمتن ع عن تطبيق ه إذا وقعت
خارج اللحظتين.
الفرع الثاني -رجعية قانون العقوبات على الماضي
إذا كانت المادة 2في جزئها األول تنص على عدم الرجعية ،فإنها في جزئها الثاني تضع
اس تثناء علي ه ب النص على إمكاني ة تط بيق الق انون على الماض ي م تى ك ان أق ل ش دة ،فتنص «ال
يس رى ...إال م ا ك ان أق ل ش دة» ،والق انون األق ل ش دة يع رف فقه ا بـ "الق انون األص لح للمتهم"،
ويقصد به القانون الجديد الذي ينشئ للمتهم مركزا أو وضعا يكون تطبيق القانون الجديد عليه
أصلح له وأقل شدة من القانون القديم الذي وقعت في ظله الجريمة ،وهذا يقتضي تطبيق قانون
جديد على جرائم ارتكبت في ظل سريان قانون سابق ملغى باستبعاد هذا القانون األخير ،ويبرر
تط بيق الق انون األق ل ش دة على الماض ي بمب دأ الش رعية وع دم رجعي ة ق انون العقوب ات على
الماض ي المنص وص عليهم ا في الم ادتين 2 ،1من ق انون العقوب ات ،باإلض افة إلى ذل ك أن
المش رع الجن ائي أن تع ديل الق انون أو إلغائ ه اع ترا من الس لطة التش ريعية ب أن النص الجن ائي
السابق لم يعد يتماشى مع المصلحة العامة للجماعة فال يحقق لها مصلحة ،فيرى مثال أن العقوبة
السابقة غير ضرورية أو غير مفيدة وال تحقق الغرض من تقريرها وبالتالي ال محل لإلصرار
على بقائها أو تطبيقها.
إن تط بيق ق انون العقوب ات من حيث الزم ان ق د تتع اقب علي ه مجموع ة ق وانين على واقع ة
مجرمة واحدة بوجود أكثر من قانونين يحكمان الواقعة ،مما تطرح عملية اختيار القانون األولى
بالتطبيق عليها ،فيختار القاضي القانون الجديد األصلح منها متى تعددت فيطبقه باعتباره القانون
األق ل ش دة ف إذا ك انت تس يء مرك ز المتهم بتش ديدها العق اب علي ه وجب االمتن اع عن تط بيق
وتطبيق قانون الواقعة بأثر مستمر في ظل سريان تلك القوانين باعتباره القانون الذي وقعت في
ظل نفاذه الجريمة واستحالة تطبيق أحد القانون أو القوانين الجديدة.
أوال -والقاض ي الج زائي ه و وح ده الس لطة ال تي خوله ا الق انون س لطة اختي ار الق انون األص لح
للمتهم دون غ يره وف ق قواع د وض وابط مح ددة ومعلوم ة تحقيق ا ألغ راض وأه داف التش ريع
العقابي ،ألن القاعدة الجزائية خطاب موجه له لتطبيقها والفصل في الدعوى العمومية المعروضة
33
علي ه بحكم يقرر في ه العقوب ة المناس بة للواقع ة طبق ا للم ادة 2ق.ع ووفق ا للظروف ال تي أح اطت
بالجريمة وبالمتهم وذلك تطبيقا ألحكام القانون المعمول به ،فيجري المقارنة بين النصين الجديد
والق ديم بنفس ه بمناس بة واقع ة معروض ة علي ه وال تج وز المقارن ة بين الق انونين عام ة ،فال يجب
الق ول ابت داء أن الق انون الجدي د أص لح للمتهم من الق انون الق ديم ،ألن ه يمكن أن يك ون في وض ع
متهم معين أصلح ،وفي وضع آخر مشابه أشد على المتهم ،وتتم المقارنة وفق قاعدتين ،ضوابطه
وشروط تطبيقه.
ثانيا -يقترن وصف النص الجزائي بأنه نص أقل شدة على المتهم بالنص الجديد وال عالقة له
بالنص القديم ،أو هو صفة تلحق به متى جاء لمصلحة المتهم من حيث التنزيل من درجة جسامة
الجريمة أو تخفيض العقوبة أو استبدالها بعقوبة أقل شدة ،ويقتضي تطبيقه المقارنة بين نصين،
نص قديم وآخر جديد من خالل حكم المادة 2ق.ع التي نستخلص منها أحكام القانون األقل شدة
باالعتماد على ألحكام قانون العقوبات المقررة في المواد 54 ،53 ،52 ،5وما يليها.
ثالثا -أن المتهم ال دخل له في تحديد طبيعة القاعدة الجزائية الجديد ما إذا كانت أقل شدة أو أكثر
شدة ،ألن األمر يتعلق بالقانون وليس بمسائل شخصية ،ألنه يمكن أن يختار متهم عقوبة الغرامة
المق ررة للجنح ة ب أكثر من 20.000دين ا على عقوب ة الحبس المق ررة للمخالف ة أق ل من ش هرين،
وهو ال يتسق مع أحكام الضوابط المتفق عليها في اختيار القانون الجديد األقل شدة.
شروط إعمال القانون الجديد بأنه األقل شدة
يخض ع تط بيق الق انون األق ل ش دة المق رر في الم ادة 2ق.ع «ال يس رى ق انون العقوب ات
على الماضي إال ما كان اقل شدة» لشرطين ،أن يكون أقل شدة والثاني أن يكون القانون صادر
قبل الحكم النهائي نتناولهما تواليا:
أوال -أن يكون القانون الجديد أقل شدة على المتهم
سبق القول بأن القانون الجديد األقل شدة على المتهم هو القانون الجديد الذي يدخل تعديال
على الق انون الق ديم فينش ئ للمتهم مرك زا أو وض عا أص لح ل ه من تط بيق الق انون الق ديم ،والجه ة
المخول ة قانون ا هي القاض ي الج زائي وح ده فال يت دخل المتهم في اختي اره ،يسترش د في ذل ك
بضوابط معينة تتعلق بمجال التجريم والعقاب فيجري مقارنة بين القانونين الجديد والقديم تقتصر
على أحكامهم ا في ح دود واقع ة معروض ة علي ه ،فال مج ال لمقارن ة عام ة بين أحكامهم ا ،وعلي ه
فإن القاضي يختار القانون الجديد األقل شدة متى كان يستبعد مثال العقاب أصال أو يخفف فيه أو
يزي د من ش روط تطبيق ه بالنس بة للحال ة المعروض ة أمام ه ،ألن ه ذا الق انون وفى واقع ة أخ رى
مماثل ة أح اطت به ا ظ روف مغ ايرة ق د ال يك ون أق ل ش دة ،مم ا يس توجب على القاض ي اس تبعاده
وتط بيق الق انون الق ديم ب أثر مس تمر تطبيق ا لحكم الم ادة الثاني ة «ال يس رى ق انون العقوب ات على
الماضي إال ما كان منه أقل شدة» ،وعليه يتم تحديد صفة األقل في القانون الجديد وفقا لما يلي:
-1بالنسبة للجريمة
إن ضوابط تحديد القانون الجديد األقل شدة تكون كالتالي:
-1إذا أباح القانون الجديد فعال كان مجرما في القانون القديم مهما كان نوع هذا التجريم.
34
-2إذا أضاف القانون الجديد ركنا للجريمة لم يكن مقررا في القانون القديم من شأن تطبيقه على
المتهم أن يبرأ لعدم اكتمال الجريمة بأركانها ،مثال ذلك أن يضيف القانون الجديد ركن االعتياد
للجريم ة في ترتب على تطبيق ه على الحال ة المعروض ة ب راءة المتهم ال ذي أتى الفع ل المع اقب
كجريمة بسيطة غير مركبة طبقا للقانون القديم.
-3إذا ن زل الق انون الجدي د بجس امة الجريم ة من جناي ة في الق انون الق ديم لجنح ة في ص بح في
الجديد ،أمن جنحة إلى مخالفة.
-4إذا جاء القانون الجديد بسبب لإلباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو مانع من موانع العقاب
لم يكن مقررا في القانون القديم فيستفيد منه المتهم.
5ـ -إذا ألغى القانون الجديد ظرفا مشددا كان القانون القديم ينص عليه.
-6إذا نص القانون الجديد على عذر مخفف للعقاب لم يكن القانون القديم ينص عليه.
-2بالنسبة للعقوبة
يلج أ المش رع أحيان ا إلى التغي ير في أحك ام العقوب ة دون مساس ه بطبيع ة الفع ل فيبقي على
الوص ف الق انوني للجريم ة نفس ه في الق انون الجدي د ،ويق رر له ا عقوب ة جدي دة أق ل ش دة من ال تي
ك انت مق ررة في الق انون الق ديم ،ويتب ع في تحدي د الق انون الجدي د األص لح من حيث العقوب ة
الضوابط التالية:
-1تت درج العقوب ات من حيث ش دتها حس ب جس امة الجريم ة ،فعقوب ات الجناي ات أك ثر ش دة
وخطرا من العقوبات المقررة للجنح والمخالفات ،وعقوبات الجنحة أشد من عقوبات المخالفة.
-2بالنسبة للجريمة الواحدة في الجنايات تكون عقوبة اإلعدام أكثر شدة وخطرا على المتهم من
عقوب ة الس جن المؤب د ،وه ذا األخ ير أش د وأخط ر من عقوب ة الس جن الم ؤقت ،وفي الجنح عقوب ة
الحبس أشد من عقوبة الغرامة مهما بلغت قيمتها ،وفى المخالفات عقوبة الحبس أشد من عقوبة
الغرامة حتى في حدها األقصى ،فيكون القانون الجديد أقل شدة كلما نزل بالعقوبة في كل صنف
على الترتيب السابق.
-3إذا اتحدت العقوبة في القانونين الجديد والقديم من حيث النوع ،كأن تكون سجنا أو حبسا أو
غرامة ،فإن القانون الجديد يكون أقل شدة كلما نزل بها عما هو مقرر في القانون القديم ،فتكون
مثال في القديم السجن 10سنوات فينزل بها القانون الجديد إلى 6سنوات ،أو أن تكون غرامة
10.000دج فتصير في القانون الجديد 5.000دج وهكذا...
-4إذا ك ان الق انون الجدي د يق رر عقوب تين في آن واح د ،الغرام ة والحبس مثال وأعطى للقاض ي
الجنائي سلطة االختيار بين تطبيقهما معا أو تطبيق عقوبة واحدة منهما فقط ،كان القانون القديم
ال يقرر هذه الصالحية فيقرضهما معا.
-5إذا ق رر الق انون الجدي د عقوب ة الغرام ة فق ط ،ك ان الق انون الق ديم يق رر عقوب ة الحبس أو
الغرامة ،متى كان المتهم جديرا بتطبيق عقوبة الحبس عليه ،فيكون القانون الجديد أقل شدة ،وإ ذا
ك ان المتهم ج ديرا بتوقي ع عقوب ة الغرام ة فق ط ،فيك ون الق انون الجدي د أق ل ش دة م تى ك ان مق دار
الغرامة المقررة في القانون الجديد أقل من الغرامة المقررة في القانون القديم.
-6أن القانون الجديد أقل شدة إذا لم يقرر عقوبة تكميلية كان القانون القديم يقررها.
35
-7إذا كانت العقوبة تتكون من حدين حد أدنى وحد أقصى ،فإن القانون الجديد يكون أقل شدة
متى نزل بأحد الحدين ،أو نزل بكليهما معا.
ولكن الص عوبة تث ور عن دما يتعل ق التع ديل الق انوني ب النزول بح د ورف ع الح د اآلخ ر ،ك أن
تكون العقوبة في القانون القديم من سنتين ( )2إلى خمس ( )5سنوات:
-في نزل الق انون الجدي د بالح د األدنى إلى س نة ( )1ويرف ع الح د األقص ى إلى ( )6س نوات
في الحالة األولى وفي الثانية يرفع الحد األدنى إلى 3سنوات وينزل بالحد األقصى إلى أربع (
)4سنوات.
-القانون القديم العقوبة من 2إلى 5سنوات حبس،
-القانون الجديد العقوبة من 1إلى 6سنوات حبس،
-القانون الجديد العقوبة من 3إلى 4سنوات حبس ،فمتى يكون القانون الجديد أقل شدة؟
سبق القول أن تحديد متى يكون القانون الجديد أقل شدة محكوم بجملة من األحكام ومنها
أن القاضي الجزائري يحدده وفق كل حالة وما أحيط بالجريمة والمتهم من ظروف ،ومن خالل
هاذين المثالين تطرح إشكالية المعيار الذي يعتمد في تحديد ما إذا كان القانون الجديد أقل شدة أم
ال؟ ،ومناقشة المثالين يتضح أن الحلول الممكنة ال نخرج عن التالي:
-1الجمع بين الحدين األقل شدة في القانونين ،وهو حل يتعارض مع مبدإ الشرعية ،ألنه تقرير
لجريمة لم يقررها القانون ( 1إلى 4سنوات).
-2العبرة في تحديد القانون الجديد األقل شدة متى نزل بالحد األدنى،
-3العبرة في تحديد القانون الجديد األقل شدة متى نزل بالحد األقصى،
-4العبرة في تحديد القانون الجديد بأنه أقل شدة وفقا لكل حالة على حدة ،فال يجوز القول بأن
القانون الجديد أقل شدة بتخفيضه للحد األدنى أو األقصى.
بالنسبة للحدل الثاني والثالث ،فهما حالن يتعارضان مع القاعدة التي تقرر أن تقرير صفة
األقل شدة مرهونة بالبحث في كل حالة على حدة فال يجوز القول بأن القانون الجديد أقل شدة
بنزوله بأحد الحدين ألنه قد ال يكون في كل الحاالت لمصلحة كل المتهمين لما يحيط بكل متهم
من ظروف قد تكون مخففة وقد تكون مشددة ،فمثال لو قلنا بأن القانون األقل شدة هو القانون
ال ذي ن زل بالح د األدنى بغض النظ ر عن رفع ه لح د القوب ة األقص ى ،فيك ون المتهم من أص حاب
الظروف المشددة فيحكم عليه بالحد األقصى المشدد وهو خرق لمبدإ الشرعية لمعاقبته بعقوبة لم
يقررها القانون الذي وقعت الجريمة في ظله والعكس صحيح.
أما الحل الرابع الذي يحتكم لظروف كل حالة وظرف المتهم وعلى ضوئهما يقرر القاضي
الج زائي م ا إذا ك ان الق انون الجدي د أق ل ش دة ،فيمكن أن في واقع ة معين ة أق ل ش دة فيجب على
القاضي العمل به ويمكن أن يكون أكثر شدة فيمتنع القاضي عن تطبيقه طبقا للمادتين 2 ،1من
قانون العقوبات.
ثانيا -أن يكون القانون الجديد صادرا قبل الحكم النهائي
36
لتطبيق القانون األقل شدة يجب أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل أن الحكم النهائي في
الموض وع وه و حكم اس تنفذ جمي ع ط رق الطعن القانوني ة باس تعمالها أو بع دم اس تعمالها بف وات
اآلج ال القانوني ة المق ررة له ا ،وه و ش رط يه دف إلى اح ترام المب ادئ األساس ية في الق انون ،تل ك
المبادئ التي تقضى بوجوب احترام قوة الشيء المقضي فيه عن طريق تغليب مصلحة الجماعة
في اس تقرار األحك ام القض ائية على مص لحة الفرد ال تي يحققه ا بإلغ اء الق انون أو تعديل ه بع د هذا
الحكم ،مع مالحظة أن إلشكالية معينة تتعلق بما إذا كان القانون الجديد جاء بعد حكم نهائي في
موضوع ما فأباح الواقعة موضوع الحكم النهائي؟.
إذا صدر مثل هذا القانون فأباح فعال كان مجرما طبقا لقانون قديم صدر بشأنه حكم نهائي
قبل سريان القانون األول ،هل يوقف تنفيذ الحكم إلباحة الفعل تغليبا لمصلحة الفرد بإباحة فعله؟
أو أن يستمر في تطبيقه تغليبا للمصلحة العامة في استقرار األحكام القضائية.
تختل ف التش ريعات الجزائي ة في معالج ة إباح ة الس لوك بع د ص دور حكم نه ائي بإدانت ه،
فظهر اتجاهان ،اتجاه ينص صراحة علة حكم ذلك واتجاه لم ينص على ذلك:
االتج اه األول :تبنت ه بعض التش ريعات الجزائي ة ،يقض ى بوج وب اس تفادة المحك وم علي ه بحكم
نهائي من القانون الجديد الذي أباح الفعل بإلغائه النص التجريمي ألنه أقل شدة ،ومنها :القانون
اإليطالي والقانون المصري والكويتي والسوري والمغربي التي تقضي جميعها بأن المحكوم عليه
بحكم نه ائي يس تفيد من الق انون الجدي د ال ذي ج اء الحق ا للحكم النه ائي إذا ألغى النص التج ريمي
فأباح السلوك ،بالنص على عدم تنفيذ الحكم أو وقف تنفيذه.
وه و اتج اه يق ر بالمس اس بق وة الش يء المقض ي ب ه في حال ة إلغ اء النص التج ريمى بع د
ص دور الحكم النه ائي ،رغم أن تل ك التش ريعات نفس ها تعطي الق وة الش يء المقض ي في ه أهمي ة
كب يرة فال تس مح بإه دارها ول و ثبت على نح و ق اطع أن الحكم الح ائز لق وة الش يء المقض ي ب ه
معيب ،ومنه ا ق انون العقوب ات المص ري في الم ادة 5/3من ه فتنص «إذا ص در ق انون بع د حكم
نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي
أثاره الجنائية» وقانون العقوبات المغربي في الفصل الخامس ينص «ال يسوغ مؤاخذة أحد على
فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه فإن كان قد صدر حكم باإلدانة ،فإن
العقوبات المحكوم بها ،أصلية كانت أو إضافية ،يجعل حدا لتنفيذها».
االتجاه الثاني :اتجاه جاءت أغلب التشريعات بعدم النص عليه ،فلم تتضمن نصوصها ما يقضي
بتنظيم المس ألة كالق انون الفرنس ي والق انون الجزائ ري ،فج اءت الم ادة الثاني ة من ق انون العقوب ات
الجزائ ري خل وة من اإلش ارة لمث ل ه ذا الوض ع «ال يس رى ق انون العقوب ات على الماض ي إال م ا
كان منه أقل شدة» ،وهذا يعنى وجوب احترام وتطبيق الحكم النهائي بعدم إمكان تطبيق القانون
الجدي د ال ذي أب اح الفع ل على متهم ك ان ق د ص در بش أنه حكم نه ائي ،مم ا يع ني أن المش رع
الجزائري ترك األمر كذلك فيعالج األمر في كل مرة يصدر قانون بذلك الشكل ،ويمكن أن يعني
ذلك أنه استبعد تطبيق القانون الجديد الذي جاء باإلباحة بعد حكم نهائي.
ونعتق د أن المش رع الجزائ ري عن د وض عه لق انون العقوب ات ق د غلب المص لحة العام ة في
اس تقرار األحك ام الجزائي ة وع دم المس اس بحجيته ا على مص لحة الف رد في اس تفادته من وض ع
أص لح ل ه بإلغ اء النص التج ريم ال ذي أدين على أساس ه المتهم ،ف إذا ك انت قواع د العدال ة تقض ى
بوج وب اس تفادة المحك وم علي ه من إلغ اء النص الج زائي بوق ف تنفي ذ الحكم الص ادر بش أنه ،ف إن
37
هذه القواعد نفسها تقضى بوجوب مساءلته عن فعل اقترفه في ظل تجريمه وتنفيذ الحكم ضده،
ه ذا من جه ة ومن جه ة أخ رى ف إن مص لحة المحك وم علي ه في االس تفادة من ه ذا الوض ع يمكن
تحقيقه ا عن طري ق اس تعمال الحق وق الدس تورية المق ررة للهيئ ة التش ريعية والهيئ ة التنفيذي ة،
فللسلطة التشريعية الحق في أن تصدر عفوا عاما أو شامال عن الجريمة طبقا ألحكام الدستور
في الم ادة 139في بن دها رقم « 7يش رع البرلم ان في المي ادين ال تي يخصص ها ل ه الدس تور،
وك ذلك في المج االت التالي ة...:القواع د العام ة لق انون العقوب ات ،واإلج راءات الجزائي ة ،الس يما
تحديد الجنايات والجنح ،والعقوبات المختلفة المطابقة له ا ،والعفو الشامل ،»...وللس لطة التنفيذية
سلطة إصدار عفو خاص عن العقوبة طبقا للمادة « 91يضطلع رئيس الجمهورية -8...له حق
إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها.»...
الفرع الثالث -القانون األقل شدة والقانون المؤقت
هو قانون محدد الفترة يوضع لمواجهة ظروف استثنائية أو طارئة ،كالحرائق والزالزل أو
الحروب أو انتشار وباء في إقليم معين من الدولة ،ويستمر العمل به لحين زوال تلك الظروف،
وتختلف التشريعات الجنائية من حيث النص وعدم النص على حكم هذا النوع من القوانين ،فمن
الص نف األول الق انون المص ري والكوي تي والمغ ربي ،ومن الص نف الث اني الق انون الجزائ ري،
ومن أمثلة هذه القوانين:
-1المرسوم التشريعي رقم 03-92المؤرخ في 30سبتمبر 1992المتعلق بمكافحة التخريب
واإلرهاب وضع لمواجهة ظاهرة جديدة على المجتمع وهي اإلرهاب والعنف والتخريب ،استمر
العمل به إلى أن رأى المشرع الجزائري أن من حسن السياسة الجنائية إدماج أحكامه في صلب
ق انوني اإلج راءات والعقوب ات ،فأص در أم رين 11-95 ،10-95وألغي بمقتض اهما ذل ك
المرسوم.
-2قانون الوئام المدني الصادر بالقانون رقم 12-99المؤرخ في 13يوليو ،1999الذي يقرر
فترة زمنية محددة بستة ( )6أشهر لمن يريد االنضواء تحت هذا القانون واالستفادة من المعاملة
الخاصة.
-3األم ر رقم 01-06المتض من تنفي ذ ميث اق الس لم والمص الحة الوطني ة ال ذي وض ع أحكام ا
زمنية لتطبيقه.
ويفرق الفقه الجنائي بين نوعين من القوانين المحددة الفترة أو المؤقتة على النحو التالي:
أوال :هناك قوانين محددة الفترة ابتداء وانتهاء ،فينص المشرع فيها صراحة عن تاريخين ،تاريخ
يب دأ في ه نفاذه ا وآخ ر ينتهي ب ه العم ل به ا ،كق انوني الوئ ام الم دني وميث اق الس لم والمص الحة
الوطنية.
ثانيا :وهناك قوانين غير محددة الفترة انتهاء فينص القانون عن تاريخ سريانها فقط ويترك نهاية
العمل لزوال ظرف وجودها ،وتسمى "قوانين استثنائية" ألنها محكومة بوجود الظرف االستثنائي
وزوال ه ،ك القوانين ال تي تص در لمواجه ة ظ روف اس تثنائية أو طارئ ة نتيج ة ح رب تتع رض له ا
الدولة أو شغب أو انتشار وباء في إقليم الدولة وما إلى ذلك ،حيث قد يمتد العمل بها لفترة زمنية
تط ول وتقص ر بحس ب ظ رف أو ظ روف وجوده ا ،فال ينتهي العم ل إال ب زوال تل ك الظ روف،
وتتلخص أحكامها في مواقف ثالثة:
38
-1عدم جواز االستفادة من أحكام القانون األقل شدة عند إلغائه فال يطبق القانون العادي عمن
ارتكب جريمة في ظل القانون االستثنائي ،ألن الغرض من وجود مثل تلك القوانين هو مجابهة
أوضاع استثنائية وطارئة فتزول العلة والحكمة من وجودها باستفادته من القانون األقل شدة.
-2يرى جانب آخر أن القانون األقل شدة يجب تطبيقه بصفة عامة في كل مرة تتوافر شروط
تطبيقه بغض ما إذا كان من القوانين العادية أو االستثنائية طالما توافرت شروط تطبيقه.
-3ورأي ث الث ي ذهب إلى وج وب التفرق ة بين الق انون الم ؤقت مح ددة الف ترة ابت داء وانته اء
والق انون غ ير مح ددة الف ترة أو االس تثنائي ،يس تبعد تط بيق الق انون األف ل ش دة على الن وع األول
وتطبيقه على النوع الثاني وهي القوانين االستثنائية.
لم يتض من ق انون العقوب ات الجزائ ري حكم ا له ذه الق وانين ونعتق د تط بيق القاع دة العام ة
بالنظر للعلة من وجود القوانين المؤقتة عموما بعدم تطبيق مبدإ القانون األقل شدة على ما يقع
في ظلها ،ألن مخالفتها بخرق أحكامها واستفادة المخالف من إلغائها ،يعنى ضياع الحكمة والعلة
التي من أجلها وضعت.
المطلب الثاني -تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان
تنص المادة 14من الدستور «تمارس سيادة الدولة على مجالها البرى ،ومجالها الجوي،
وعلى مياهه ا»« ،كم ا تم ارس الدول ة حقه ا الس يد ال ذي يق ره الق انون ال دولي على ك ل منطق ة من
مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها» ،وتنص المادة 3/1من قانون العقوبات «يطبق
قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية».
وقد تضمن قانون اإلجراءات الجزائية بعض أحكام قانون العقوبات المتعلقة بتطبيقه على
بعض الجناي ات والجنح ال تي تق ع في الخ ارج عمال بحكم الم ادة 3الس ابقة في فقرته ا « 2كم ا
يطب ق على الج رائم ال تي ت رتكب في الخ ارج إذا ك انت ت دخل في اختص اص المح اكم الجزائي ة
الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة» ،فج اءت أحك ام ه ذا األخ ير تحت عن وان
«في الجنايات والجنح التي ترتكب في الخارج» في المواد 582إلى 591منه المتعلقة بالتطبيق
الشخصي والعيني للقاعدة الجزائية وكذلك الجنايات والجنح التي ترتكب على ظهر المراكب أو
متن الطائرات.
وعليه يحكم تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان جملة من القواعد أصلية ومكملة على
النحو التالي.
الفرع األول -اإلقليمية
إن الح ق في التج ريم والعق اب من اختص اص س لطات الدول ة فتج رم وتع اقب في إط ار
الح دود اإلقليمي ة ال تي تم ارس فيه ا س يادتها ،وهم ا من أهم مظ اهر س يادة الدول ة على إقليمه ا،
وبالتالي تطبيق أحكام قانون العقوبات على كل واقعة مجرمة فيه ومساءلة كل من يخرق أحكامه
فيخضع له كل ما يقع في اإلقليم من جرائم بغض النظر عن جنسية الفاعل ،جزائريا أو أجنبيا أو
جنسية المجني عليه والمصلحة المعتدى عليها ،وال يمتد سلطانه خارج الحدود الوطنية فال يطبق
على ما يقع من جرائم خارج تلك الحدود ،ولهذا فإن إقليمية النص الجزائي لها شقين هما:
39
-1الشق اإليجابي يعنى أن كل جريمة تقع في إقليم الدولة تخضع لتشريعها الجزائي أيا كانت
جنس ية المس اهمين في الجريم ة ،س واء ك انوا من المواط نين أو األج انب ،وس واء ك ان وج ودهم
مؤقتا أو دائم
،ومهم ا ك ان المج ني علي ه أو الض حية أو المض رور ،فيطب ق الق انون الوط ني وح ده دون أن
يشاركه في التطبيق قانون أجنبي آخر ،ألن القاضي ملتزم بتطبيق القانون الجزائي الوطني فقط.
-2أما الشق السلبي فيعني أن النص الجزائي ال سلطان له كأصل على ما قد يقع خارج اإلقليم
الوط ني من ج رائم مهم ا ك ان نوعه ا ،فال يج وز أن يحكم ويطب ق على ج رائم تق ع في الخ ارج،
فتبسط كل دولة سيادتها على إقليمها ،فيطبق قانونها الوطني وحده دون غيره.
أوال -مبررات مبدأ اإلقليمية
يستند مبدإ إقليمية النص الجزائي في وجوده لمجموعة من المبررات كالتالي:
-1سيادة الدولة :يجد مبدأ اإلقليمية مبرراته في فكرة سيادة الدولة على إقليمها بعناصره الثالثة،
فتنص المادة 14من الدستور «تمارس سيادة الدولة على مجالها البرى ومجالها الجوي ،وعلى
مياهها»« ،كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقرره القانون الدولي على كل منطقة من مختلف
من اطق المج ال البح ري ال تي ترج ع إليه ا» ،فك ان ق انون العقوب ات يع بر عن ممارس ة الدول ة
لسلطانها على إقليمها بتجريم ما تراه من األفعال جديرا بالتجريم وتقرير الجزاء المناسب.
-2العدال ة :إن تط بيق إقليمي ة النص الج زائي ه و أق رب إلى اعتب ارات العدال ة ،ألن الجريم ة
وقعت في إقليم محدد وأن وأدلة إثباتها عادة ما تكون متوافرة في مكان ارتكابها مما يسهل عملية
البحث والتحري والتحقيق فيها والوصول به للحقيقة المنشودة بإصدار حكم فيها.
-3أن القاضي الوطني عند تطبيقه للنصوص الجزائية الوطنية أقدر على الوقوف على الجريمة
وما أحاط بها من ظروف فيكون أقدر على تحديد عناصر قيام المسؤولية الجزائية ،لتوافره على
األدلة المادية والمعنوية التي من شأنها مساعدته في بناء عقيدته من جهة ،وهو أدرى من غيره
بقانونه الوطني من جهة أخرى.
-4إذا ك ان الغ رض الع ام من العقوب ة ردع م رتكب الجريم ة ،ف إن مكافح ة الجريم ة في إقليم
ارتكابه ا أك ثر فاعلي ة لتحقيق ه ،وأن محاكم ة الف اعلين في ه أدعى لتحقي ق الغ رض ال ردعي من
العقوبة.
ثانيا -تطبيق مبدإ إقليمية النص الجنائي
بالرجوع لحكم المادة 3من قانون العقوبات يتطلب تطبيق مبدإ اإلقليمية بالضرورة معرفة
أمرين هما تحديد إقليم الدولة وتحديد مكان ارتكاب الجريمة.
40
«كم ا تم ارس الدول ة حقه ا الس يد ال ذي يق ره الق انون ال دولي على ك ل منطق ة من مختل ف من اطق
المجال البحري التي ترجع إليها» ،فحددته في مجاالت ثالثة هي :المجال البري والمجال الجوي
والمياه اإلقليمية ،عناصر تشمل كل مكان من اليابسة وما يعلوها من الجو والمياه اإلقليمية ،وقد
تكفلت مجموعة من النصوص القانونية المختلفة تحديد هذه العناصر:
-الق انون رقم 06-98الم ؤرخ في 27يوني و 1998ال ذي يح دد القواع د العام ة المتعلق ة
بالطيران المدني المعدل والمتمم بالقانون رقم 14-15المؤرخ في 15يوليو ،2015
-المرس وم الرئاس ي رقم 151-06الم ؤرخ في 30أبري ل 2006المتعل ق بتس يير المج ال
الجوي،
-المرس وم التنفي ذي رقم 199-10الم ؤرخ في 30أوت 2010يح دد قواع د تحلي ق ط ائرات
الدول األجنبية فوق التراب الجزائري.
فتنص المادة 2من المرسوم التنفيذي « 199-10التراب الجزائري :التراب الذي تمارس
فيه الجزائر سيادتها ويحتوي على المناطق البرية والمياه اإلقليمية المجاورة لها .المجال الجوي
الجزائري :المجال المحدد بالمادة 2من المرسوم الرئاسي رقم 151-06المؤرخ في 30أبريل
سنة ،») (2006وعليه يتكون الوطن الجزائري من العناصر التالية:
1
أ -اليـابـسـة
وهو إقليم الدولة من األراضي وما تحتويها داخل الحدود الجغرافية والسياسية التي تحددها
االتفاقات بين الجزائر والدول المجاورة لها ،ويشمل اليابسة والمياه الداخلية كالبحر اإلقليمي أو
المس احات المائي ة الداخلي ة كاألنه ار الوطني ة واألج زاء ال تي تع بر أرض ها من األنه ار الدولي ة
والبحيرات الداخلية والبحار المغلقة والخلجان والمضايق ،والتي تمارس الدولة سيادتها عليها في
حدودها الجغرافية والسياسية.
ب -المياه اإلقليمية
وهو ج زء من البح ر الع ام يتص ل بش واطئ الدول ة ،فتنص الم ادة 2من المرس وم التنفيذي
...« 199-10ويحتوي على المناطق البري ة والمياه اإلقليمية المجاورة» ،وهو م ا أكدته المادة
14السابقة من الدستور في فقرتها « 2كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقره القانون الدولي
على كل منطقة من مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها» ،ويحكم خضوع هذا اإلقليم
لس يادة الدول ة قواع د الق انون ال دولي الع ام ،حيث يس تقر الع رف ال دولي على خض وع ه ذا الجزء
لس يادتها ألن ه ج زء يعت بر امت دادا إلقليمه ا ال بري ،وتختل ف ال دول في تحدي دها لم دى المي اه
اإلقليمية ،فتحددها بعض الدول بثالث أميال وأخرى باثني عشر ميال ،وهو ما ذهب إليه القانون
الجزائري الذي حدد المي اه اإلقليمي ة الجزائري ة بـ 12ميال أي م ا يساوى 22.328كلم ،تحس ب
من آخر نقطة تنحسر عنها مياه البحر وقت الجزر.
- 1وهو مرسوم متعلق بتأسيس التنسيق المدني العسكري فيما يتعلق بتسيير المجال الجوي.
41
وهو طبقة الهواء التي تعلو إقليم الدولة من اليابسة والمياه اإلقليمية ،أو هو الفضاء الذي
يعلوه ،وهو مجال ال يتقيد بارتفاع محدد ،حيث أن األصل احتفاظ كل دولة لنفسها بسلطان مطلق
على أجوائها مهما ارتفعت ،إال أن هذا مرهون من الناحية العملية بمدى إمكانيات كل دولة ،وقد
ف رض الق انون الجزائري حماي ة جنائي ة لألجواء الوطني ة بتجريم خرق المج ال الجوي الوط ني،
فق رر في الم ادة 70/3من ق انون العقوب ات تج ريم انته اك أج واء ال وطن والعق اب علي ه «يع اقب
ب الحبس الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة ك ل من...حل ق ف وق األرض الجزائري ة
باستعمال أية طائرة أجنبية دون أن يكون مصرحا له بذلك بمقتضى اتفاق دبلوماسي ،أو تصريح
من السلطة الجزائرية».
- 2تحديد مكان ارتكاب الجريمة
يمكن أن تقع الجريمة بجميع عناصرها في مكان واحد فال تطرح إشكاال في تحديد مكان
ارتكابها ،وقد تتعدد أقاليم ارتكابها فيقع عنصر من عناصرها في إقليم ويقع العنصر اآلخر في
إقليم ث ان ،كمن ي رتكب جريم ة الحبس ب دون وج ه ح ق في إقليمين مثال أو أك ثر ،أو كمن يطل ق
الن ار على ش خص في الح دود فيع بر المج ني علي ه الح دود فيم وت في إقليم آخ ر ،أو كمن يعطى
س ما بطيئ ا قات ل في إقليم لش خص فتح دث الوف اة في إقليم ث ان ،ف إن تط بيق اإلقليمي ة يتطلب
بالضرورة باإلضافة لتحديد إقليم الدولة وجوب تحديد مكان ارتكاب الجريمة وتعيينه تعيينا دقيقا
لمعرف ة م ا إذا ك انت الجريم ة ق د وقعت في ه أو خارج ه ولتقري ر م ا إذا ك ان الق انون الوط ني ه و
الذي يحكم الواقعة أم ال لتطبيق حكم المادة 3من قانون العقوبات.
إن الع برة في تحدي د مك ان الجريم ة بعناص رها ،ف إذا وقعت الجريم ة تام ة أو محاول ة
ارتكابه ا في الجزائ ر فتحكم بالق انون الجزائ ري ،في حين ق د تع دد أق اليم ارتكابه ا فيق ع الفع ل في
الجزائ ر وتح دث النتيج ة في إقليم دول ة أخ رى أو يق ع ج زء من الفع ل في اإلقليم وآخ ر في إقليم
أجن بي ،فوض عت الم ادة 586من ق انون اإلج راءات الجزائي ة أحك ام تط بيق الق انون الجزائ ري
«تعد مرتكبة في اإلقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من األعمال المميزة ألركانها المكونة
لها قد تم في الجزائر» ،وهذا يعني أن يقع الفعل أو السلوك المعاقب عليه طبقا للقانون الجزائري
سلوكا أو نتيجة في الجزائر ،ألن كليهما يكشف عن مدى الخطورة التي يشكلها كل منهما على
أمن الجماعة ونظامها واستقرارها ،ووضعت المادة 585من نفس القانون حكما خاصا يقضي
بأن الجريمة واقعة حكما في الجزائر عندما يقع االشتراك فيها في الجزائر في جريمة جناية أو
جنح ة وقعت في الخ ارج وثبت وقوعه ا بحكم نه ائي من الجه ة القض ائية األجنبي ة «ك ل من ك ان
في إقليم الجمهوري ة ش ريكا في جناي ة أو جنح ة مرتكب ة في الخ ارج يج وز أن يت ابع من أجله ا
ويحكم عليه فيها بمعرفة جهات القضاء الجزائرية إذا كانت الواقعة معاقبا عليها في كال القانونين
األجنبي والجزائري بشرط أن تكون تلك الواقعة الموصوفة بأنها جناية أو جنحة قد ثبت ارتكابها
بقرار نهائي من الجهة القضائية األجنبية».
وه ذا يع نى أن األص ل في تحدي د مك ان ارتك اب الجريم ة ه و بعنص ري ال ركن الم ادي
السلوك أو النتيجة إعمال أحكام المادة 3من ق.ع والمادة 586من قانون اإلجراءات الجزائية.
ثالثا -جرائم تقع في الجزائر ال والية للقضاء الوطني عليها
إذا ك انت القاع دة الجزائي ة تعت بر خطاب ا عام ا موجه ا للكاف ة المتواج دين في اإلقليم بغض
النظر عن جنسيتهم وجنسهم وصفاتهم ،خطاب يأمر أو ينهى عن مخالفة أحكام قانون العقوبات
42
والق وانين المكمل ة ل ه وتهدي د ك ل من يخ رق أحكامه ا بتوقي ع الج زاء المق رر قانون ا تطبيق ا لحكم
المادة 3ق.ع ،إال أن هناك بعض االعتبارات تتعلق بمصالح الدولة الداخلية والخارجية تقضي
بع دم تط بيق الق انون على فئ ات معين ة فح د من تطبيق ه إقليمي ا بع دم خض وعها لس لطان القض اء
الوط ني ،وهي مجموع ة أف راد يحمل ون ص فات معين ة يح ددها ك ل من الق انون الوط ني والق انون
الدولي ،وهي عبارة عن حصانة تتسع وتضيق بحسب صفة المتمتع بها كحصانة رئيس الدولة
والبرلم انيين ورؤس اء ال دول األجنبي ة أو حص انة ممثلي ال دول األجنبي ة من س فراء وقناص ل
وممثلي الهيئات الدولية واإلقليمية أو الجهوية.
1ـ في القانون الوطني أو الداخلي
تتمت ع طائفت ان من المواط نين بحص انة الموض وعية ،هم ا رئيس الدول ة ون واب الش عب في
مجلسي الشعب واألمة.
أ -رئيس الدولة
تعت بر قاع دة تمت ع رئيس الجمهوري ة بالحص انة من األع راف الدس تورية المس تقرة دولي ا،
فتنص الم ادة 173/2من الدس تور «ي رأس رئيس الجمهوري ة المجلس األعلى للقض اء» ،وتنص
الم ادة 3من الق انون العض وي رقم 12-04المتعل ق بتش كيل المجلس األعلى للقض اء وعمل ه
وص الحياته «ي رأس المجلس األعلى للقض اء رئيس الجمهوري ة» ،ه ذه الوظيف ة المق ررة ل رئيس
الجمهورية باعتباره القاضي األول في البالد ،تقتضي وجوبا تمتعه بحصانة موضوعية وإ جرائية
بعدم خضوعه للقواعد العامة العادية ،باإلضافة لالعتبارات السياسية وتنظيم الدولة التي تقتضي
بالض رورة تمت ع رئيس الدول ة باس تقاللية تام ة عن الس لطتين التش ريعية والقض ائية لتمكين ه من
ممارس ة ص الحياته الدس تورية ،وه و م ا يتطلب تمتع ه بحص انة تام ة من المس ؤوليتين الجنائي ة
والمدنية على حد سواء.
والمالح ظ ،أن الق ول بع دم خض وع رئيس الدول ة للقواع د العام ة في ق انون العقوب ات ،ال
يع ني إعف اءه من الخض وع ألحك ام الدس تور أو الق وانين الخاص ة بمحاكمت ه ،واس تبعاد المس ؤولية
الجنائية عنه بصفة مطلقة ،ذلك أن رئيس الجمهورية يمكن مساءلته جزائيا وفقا لقواعد خاصة
وأمام محكمة خاصة على ما ينسب له من أفعال توصف بالخيانة العظمى والجنايات والجنح التي
يرتكبه ا بمناس بة أداء وظيفت ه ،وتوس ع مج ال الحص انة ل رئيس ال وزراء أيض ا ،طبق ا للم ادة 183
من الدس تور ال تي تنص على إنش اء «محكم ة علي ا للدول ة» لم ت ر الن ور بع د ،فتنص «تختص
المحكمة العليا للدولة بالنظر في األفعال التي يمكن تكييفها خيان ة عظمى ،والتي يرتكبها رئيس
الجمهورية أثناء ممارسة عهدته .تختص المحكمة العليا للدولة بالنظر في الجنايات والجنح التي
يرتكبها الوزير األول ورئيس الحكومة التي يرتكبها بمناسبة تأدية مهامهما».
ب ـ نواب الشعب
يتمت ع ن واب الش عب في غرف تي البرلم ان بالحص انة النيابي ة ،تس تمر ه ذه الحص انة طيل ة
الفترة النيابية ،فتنص المادة 129من الدستور «يتمتع عضو البرلمان بالحصانة بالنسبة لألعمال
المرتبط ة بممارس ة مهام ه كم ا هي مح ددة في الدس تور» ،أراد به ا المش رع الدس توري توف ير
حرية العمل والتمثيل الالزمين لنواب الشعب في أداء الوظيفة البرلمانية على أحسن وجه.
-2في القانون الدولي
43
تنظم االتفاقي ات الدولي ة تمت ع بعض األج انب في ال دول المس تقبلة المستض يفة بحص انات
تمن ع خض وعهم لس لطة القض اء الوط ني للدول ة المس تقبلة ،إال أن الح د من تط بيق أحك ام ق انون
العقوب ات إقليمي ا بع دم متابع ة ومحاكم ة من يتمت ع بالحص انة ال يع ني ع دم خض وع س لوكاته
المجرمة له ،إذ تظل أفعالهم خاضعة لنصوص التجريم الوطنية مما يسمح بإمكان مقاضاة المعني
في دولت ه األص لية عنه ا ،ألنه ا حص انة تع ني ع دم الخض وع لوالي ة القض اء الج زائي للدول ة
المستقبلة فال يالحقون من أجلها في الدول المضيفة ،فيقتصر دورها في اتخاذ ما تراه مناسبا من
اإلجراءات والتدابير التي تسمح بها األعراف الدبلوماسية ،وعليه وفقا للعرف الدولي الجاري به
العم ل يتمت ع رؤس اء ال دول األجنبي ة بحص انة سياس ية عام ة أثن اء وج ودهم أو م رورهم في إقليم
دول ة م ا ،احترام ا لس يادة ال دول ال تي يمثلونه ا ،وهي حص انة توس ع لتش مل رؤس اء ال دول
والدبلوماس يين األج انب وأس رهم وحاش يتهم ،والقناص ل والق وات األجنبي ة المقيم ة في الدول ة
المضيفة.
أ -السلك السياسي والدبلوماسي األجنبي
يتمت ع أف راد البعث ات السياس ية والدبلوماس ية األجنبي ة في الجزائ ر بحص انة سياس ية ،تمن ع
خض وعهم لوالي ة القض اء الوط ني ،بس بب الج رائم ال تي يرتكبونه ا في إقليم الدول ة ال تي يقيم ون
ل ديها س واء تعلقت تل ك الج رائم بعملهم أم ال وسواء بمناسبتها أم ال كأص ل ،وهي حص انة تتعلق
بالدبلوماس يين وممثلي المنظم ات الدولي ة كمنظم ة األمم المتح دة والهيئ ات المختص ة التابع ة له ا،
كاليونس كو وإ غاث ة الالج ئين والمنظم ة العالمي ة للص حة والمنظم ة العالمي ة للط يران الم دني
والمنظم ة العالمي ة للش غل والمنظم ات اإلقليمي ة والجهوي ة كالجامع ة العربي ة واإلتح اد اإلف ريقي،
وتجد هذه الحصانة مصدرها في األعراف والمعاهدات الدولية وقوانين المنظمات الدولية ،فتنص
الم ادة 31من اتفاقي ة فيين ا لع ام 1961على أن ه «يتمت ع المبع وث الدبلوماس ي بالحص انة ض د
المالحق ات الجنائي ة في الدول ة المعتم د ل ديها» ،وق د ح ددت الم ادة األولى من مرس وم 27أوت
1964المقص ود بالدبلوماس ي ،وه و من يحم ل ج وازا دبلوماس يا من س فراء وملحقين عس كريين
معتم دين من ط رف الس لطة الجزائري ة وال ذين تخط ر وزارة الخارجي ة بأس مائهم ورتبهم دوري ا،
وهي حصانة يبررها عامالن:
أوال -التمثيل ،ألنهم يمثلون دوال ذات سيادة أو هيئات أو منظمات دولية ،تتطلب عدم خضوعهم
ألحكام قانون الدولة المتواجدين بها احتراما لتلك السيادة.
ثانيا -االس تقاللية في العم ل ،أي أداء عمل ه في حري ة دون التع رض ل ه ومض ايقته وتهدي ده
بخضوعه ألحكام قانون الدولة المستقبلة ،التي قد تعيقه عن أداء وظيفته في أحسن الظروف.
وتتم يز الحص انة السياس ية بأنه ا حص انة عام ة تش مل جمي ع الس لوكات الص ادرة عنهم ،م ا
تعلق منها بمباشرة المهام أو خارجها ،باإلضافة لذلك أنها حصانة تشمل أسر السلك الدبلوماسي
والسياسي األجن بي ،وتشمل الحصانة جمي ع الم وظفين اإلداريين والتقن يين المعاونين لهم في أداء
مهامهم ،وتتعلق فقط باألفعال التي يرتكبونها أثناء أو بمناسبة أدائهم لوظيفتهم بشرط أال يكونوا
من رعايا الدولة المستقبلة ،طبقا للمادة 37من االتفاقية المذكورة أعاله ،ويستثني من االستفادة
من الحصانة أعضاء المراكز الثقافية والبعثات التجارية والمصالح االجتماعية طبقا للمادة 2من
المرسوم السابق.
ب -السلك القنصلي
44
يتمتع موظفو السلك القنصلي األجنبي بحصانة سياسية تتميز بضيقها ومحدوديتها من حيث
األشخاص ومن حيث السلوكات ،فهي حصانة تعني السلوكات التي يأتيها المعني أثناء تأدية عمله
القنصلي أو بسببه ،وتقتصر على القنصل فال تمتد ألفراد أسرته تطبيقا التفاقية فيينا لسنة 1963
في مادتها 43/1والمادة األولى من المرسوم الصادر في 27أوت .1963
ج -القوات المسلحة األجنبية
يتمتع بالحصانة العسكريون األجانب الذين يقيمون أو يرابطون في إقليم دولة أجنبية بصفة
قانوني ة ،بن اء على اتف اق أو معاه دة بين ال دولتين ،الدول ة ال تي ينتمي إليه ا العس كريون والدول ة
المستض يفة لهم ،فال يخض عون للقض اء الوط ني للدول ة المستض يفة بس بب م ا يأتون ه من س لوكات
مجرمة أثناء قيامهم بعملهم الرسمي أو داخل القواعد المخصصة لتواجدهم فيها.
رابعا -حكم الجرائم التي تقع على ظهر السفن والطائرات
تطبيقا لحكم الفقرة الثانية من المادة 3ق.ع وضع قانون اإلجراءات الجزائية في المادتين
591 ،590إ.ج األحك ام الخاص ة المتعلق ة ب الجرائم ال تي ال تق ع في إقليم معين فتق ع على ظه ر
الس فن التجاري ة والط ائرات ،وهي أحك ام ج اءت ه ذا الن وع من اإلج رام ب النظر للظ رف المك اني
الذي ترتكب فيه الجريمة وما تتميز به كل من السفينة والطائرة من طبيعة.
-1الجرائم التي تقع على متن السفن
تنص الم ادة 590إ.ج «تختص الجه ات القض ائية الجزائري ة ب النظر في الجناي ات والجنح
ال تي ت رتكب في ع رض البح ر على ب واخر تحم ل الراي ة الجزائري ة أي ا ك انت جنس ية مرتكبه ا»،
«وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحري جزائري على ظهر باخرة
تجاري ة أجنبي ة ،وتتض من ه ذه الم ادة ش روط تط بيق ق انون العقوب ات الجزائ ري على الجناي ات
والجنح ألتي تقع على متن السفن:
-أن تقع الجريمة على ظهر سفينة تجارية وطنية وليست سفينة عسكرية،
-أن تحم ل الس فينة الراي ة الجزائري ة ،ف إذ ك انت تحم ل راي ة أجنبي ة فال س لطان للق انون الوط ني
عليها.
-2الجرائم التي تقع في الطائرات
تنص الم ادة 591إ.ج «تختص الجه ات القض ائية الجزائري ة بنظ ر الجناي ات والجنح ال تي
ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة»« ،كما أنها تختص أيضا
بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه
جزائ ري الجنس ية أو إذا هبطت الط ائرة ب الجزائر بع د وق وع الجناي ة أو الجنح ة» ،م ادة تتض من
األحكام التي تحدد والية القضاء الجزائي الجزائري على الجرائم التي على متن الطائرات:
-أن تق ع الجناي ة أو الجنح ة على متن ط ائرة جزائري ة بغض النظ ر عن جنس ية الج اني والمج ني
عليه،
-أن الجريم ة ال تي تق ع على متن ط ائرة أجنبي ة ال والي ة للقض اء الوط ني إال إذا ت وافر واح د من
الشروط التالية:
45
أ -إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية.
ب -أو إذا هبطت الطائرة بإحدى مطارات الجزائر عقب ارتكاب الجريمة.
الفرع الثاني -المبادئ االحتياطية
تنص المادة 3/2ق.ع «كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل
في اختص اص المح اكم الجزائي ة الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة» ،فج اءت
أحك ام ذل ك في الم واد 589-582من ه ذا األخ ير تح دد مج ال اختص اص القض اء الجزائ ري
بجرائم تقع في الخارج وتطبيق قانون العقوبات عليها ،وهي تعتبر صورة أو مظهرا من مظاهر
تأكيد الدولة لسيادتها وسلطانها على رعاياها وحماية لمصالحها الحيوية ،وتؤسس على عجز مبدإ
اإلقليمية عن توفير الحماية القانونية الشاملة للمصالح المختلفة التي يسعى كل مجتمع لحمايتها
جزائيا ،لما يشوبه من نقص في محاربة الظاهرة اإلجرامية.
-أن الجريمة التي تقع خارج حدود الدولة قد تشكل اعتداء على حق أو مصلحة لها فتهدد
بدرجة كبيرة سالمتها واستقاللها ،وقد ال تعني هذه الجريمة الدولة التي تقع فيها وقد تكون من
المم ولين الرتكابها كالجناي ات والجنح الماس ة ب أمن الدول ة والتجس س والج رائم الماس ة باالقتص اد
الوطني كتزوير وتزييف العملة الوطنية.
-أن تكون الجريمة اعتداء على مصلحة أو حق ألحد رعايا الدولة المقيمين في الخارج.
-أن يكون مرتكب الجريمة من رعايا الدولة ،فيفر لوطنه هاربا من العقاب،
د -أن الظاهرة اإلجرامية تتطور في المجتمعات بسرعة وتأخذ أبعادا جديدة على المجتمع الدولي
عام ة ،فتج اوزت ممارس تها ح دود إقليم الدول ة ،فأص بحت تم ارس على ص عيد ع المي وأخ ذت
الجريمة صبغة دولية،
-استفادة المخالفين للقانون من التطور العلمي بوجه عام،
-أن تطبيق مبدأ اإلقليمية عموما قد يؤدي إلى نتائج غير مقبولة من شأنها إفالت الكثير
من المج رمين من العق اب ،وبالت الي فال يج وز اتخ اذ س يادة الدول ة في تط بيق ق انون العقوب ات
ذريع ة في لع دم تع اون ال دول وتض امنها في مكافح ة الظ اهرة اإلجرامية( ) ال تي تع رف انتش ارا
1
كبيرا ،والخروج على مبدإ اإلقليمية لسد الثغرات فيه ،وهو ما ذهب إليه كل من قانوني العقوبات
واإلج راءات الجزائي ة ب النص على مب ادئ احتياطي ة ،فتعطي مج اال أوس ع لتط بيق النص وص
الجزائي ة الموض وعية ال يتس ع له ا مب دأ اإلقليمي ة ،وبالت الي يمت د مج ال ونط اق تط بيق الق انون
الج زائي الوط ني لج رائم ال تق ع في اإلقليم الوط ني ،ه ذه المب ادي هي مب دأي شخص ية النص
الجزائي وعينيته المنصوص عليهما في المواد 582إلى 589إ.ج ،باإلضافة لمبدإ ثالث يطلق
عليه عالمية النص الجزائي لم ينص عليه القانون.
أوال -مبدأ شخصية القانون الجزائي
يس تند مب دأ شخص ية النص على فك رة ال والء فيطب ق الق انون على المواط نين ،وفي الش ق
الجزائي يعني تطبيق قانون العقوبات على المواطن الذي يرتكب جريمة في الخارج ويعود لبلده
-1وض ع الق انون الجزائ ري أيض ا أنظم ة تس اعد على محارب ة الجريم ة أينم ا ك انت من خالل النص على قواع د تس ليم
المج رمين في المواد 694إلى 718من ق انون الإج راءات الجزائي ة ،واإلناب ة القض ائية وإ رس ال األوراق والمس تندات في
المواد 721إلى 725من نفس القانون.
46
الذي يحمل جنسيته دون أن محاكمته ،وتبدو أهمية المبدأ أنه يعتبر وسيلة قانونية فعالة لمنع فرار
المج رمين إلى أوط انهم ف رارا من العق اب ،ألن ارتك اب الجريم ة به ذه الص ورة يجعلن ا أم ام
افتراضين:
-1إعم اال لمب دإ إقليمي ة النص الج زائي ،ف إن الق انون الوط ني للدول ة ال تي تق ع فيه ا الجريم ة ال
يمكنه ا تطبيق ه م تى خ رج المج رم من أراض يها واس تحالة تطبيق ه خ ارج نطاقه ا اإلقليمي ،ألن
مرتكب الجريمة يصبح في مأمن من قانون الدولة التي وقعت فيها الجريمة.
-2عدم إمكان إعمال نصوص دولة انتماء المخالف لعدم ارتكاب الجريمة في إحدى عناصر
إقليمه ا الوط ني ،وه و م ا يط رح التس اؤالت التالي ة :ه ل تق وم الدول ة المس تقبلة للف ار من العدال ة
بمس اءلته وعلى أي أس اس ق انوني؟ أو ،ه ل تق وم بتس ليمه للدول ة ص احبة االختص اص أص ال
الرتكاب الجريمة في إقليمها ،أو أن تقوم بإبعاده عن وطنه ،أو أن تخلي سبيله ابتداء؟
-إن فرض ية إبع اد الم واطن أو تس ليمه غ ير ج ائزين ،إعم اال لحكم الم ادة 50/2من
الدستور «ال يمكن تسليم أحد إال بمقتضى اتفاقية دولية مصادق عليها ،أو بموجب قانون» وهي
إحالة على قانون اإلجراءات الجزائية الذي نظم إجراءات التسليم في مواده من 694إلى 720
من ه ،وتنص الم ادة « 698/1ال يقب ل التس ليم في الح االت اآلتي ة -1:إذا ك ان الش خص المطل وب
تسليمه جزائري الجنسية والعبرة في تقدير هذه الصفة بوقت وقوع الجريمة المطلوب التسليم من
أجله ا» ،وتنص الم ادة « 696يج وز للحكوم ة الجزائري ة أن تس لم شخص ا غ ير جزائ ري( ) إلى
1
حكومة أجنبية بناء على طلبها إذا وجد في أراضي الجمهورية.») (...
2
-إن فرض ية ع دم المس اءلة وع دم العق اب غ ير واردة ألنه ا تش جيع لألف راد على إتي ان
الج رائم والف رار من العق اب ب العودة ألوط انهم األص لية ،ولتعارض ه م ع قواع د العدال ة من جه ة
وإ ساءته لمركز الدولة المعنوي واألدبي بين الدول من جهة أخرى.
-الفرض ية الثالث ة هي مس الته جزائي ا عم ا اقترف ه ب الخراج بتط بيق ق انون العقوب ات
الجزائ ري علي ه تطبيق ا لقاع دة شخص ية النص الج زائي تجنب ا لف راره من العق اب ابت داء ،وتطبيق ا
لمب دإ دس توري يمن ع تس ليم المواط نين المق ررة في الم واد 584-582إ.ج ال تي تقض ى بتط بيق
النص وص الجزائي ة على الجزائ ريين ال ذين يرتكب ون ج رائم في الخ ارج ثم يف رون عائ دين
للجزائر ،فتنص المادة « 582كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب عليها في القانون الجزائري
ارتكبها جزائري خارج إقليم الجمهورية يجوز أن تتابع ويحكم فيها في الجزائر« ،».غير أنه ال
يج وز أن تج ري المتابع ة أو المحاكم ة إال إذا ع اد الج اني إلى الجزائ ر ولم يثبت أن ه حكم علي ه
نهائيا في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم باإلدانة أنه قضى العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو
حص ل على العفو عنه ا» ،وتنص المادة « 583ك ل واقع ة موصوفة بأنه ا جنح ة س واء في نظر
-1انظر قرار المحكمة العليا المؤرخ في « 1997.03.25من المقرر قانونا أنه يجوز للحكومة الجزائرية أن تسلم شخصا
غ ير جزائ ري إلى حكوم ة أجنبي ة بن اء على طلبه ا إذا وج د في أراض ي الجمهوري ة وك انت ق د اتخ ذت في ش أنه إج راءات
متابعة باسم الدولة الطالبة وذلك إذا كانت الجريمة موضوع الطلب قد ارتكبت خارج أراضيها من أحد األجانب عن هذه
الدول ة إذا ك انت الجريم ة من ع داد الج رائم ال تي يج يز الق انون الجزائ ري المتابع ة فيه ا في الجزائ ر ح تى ول و ارتكبت من
أجن بي في الخ ارج« ،».ولم ا ثبت في قض ية الح ال أن الط اعن األجن بي ارتكب ع دة ج رائم في الخ ارج يج وز متابعته ا في
القانون الجزائري وأن المتهم اعترف باقتراف أحدها ،مما يتعين التصريح بالموافقة على تسليمه».
المجلة القضائية عدد ،1سنة ،1997ص .141
-2يجب على الدول ة في تطبيقه ا لقواع د تس ليم المج رمين أن تس تثني األج انب ال ذين ارتكب وا ج رائم ت دخل في نط اق
اختص اص القض اء الجن ائي الوط ني تطبيق ا لمب دإ عيني ة النص الجن ائي ،عمال بحكم الم ادة 588إ.ج ،وراج ع نص الم ادة
701إ.ج.
47
القانون الجزائري أم في تشريع القطر الذي ارتكبت فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في
الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا»« ،وال يجوز أن تجري المحاكمة أو يصدر الحكم إال بشروط
المنص وص عليه ا في الفق رة الثاني ة من الم ادة « ،»582وعالوة على ذل ك فال يج وز أن تج رى
المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد األفراد إال بناء على طلب النيابة العامة
بعد إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببالغ من سلطات القطر الذي ارتكبت الجريمة
في ه» ،وتنص الم ادة « 584يج وز أن تج رى المتابع ة أو يص در الحكم في الح االت المنص وص
عليها في المادتين 582و 683حتى ولو لم يكن قد اكتسب الجنسية الجزائرية إال بعد ارتكابه
الجناية أو الجنحة» ،يستخلص منها:
أ -تط بيق مب دأ شخص ية النص الج زائي على ك ل جريم ة توص ف بالجناي ة أو الجنح ة تق ع
في الخارج ،وال يطبق على المخالفات اعتماد على حكم المادتين 27 ،5ق.ع.
ب -تتض من ش روطا تم يز في تط بيق المب دإ بين الجناي ة وبين الجنح ة ،فتح دد ن وعين من
الشروط ،شروط عامة لهما وشروط خاصة بكل واحدة منهما.
-1الشروط العامة المشتركة بين الجناية والجنحة
الش روط العام ة ال تي يجب توافره ا بش أن ك ل جناي ة أو جنح ة مرتكب ة في الخ ارج من ط رف
جزائري هي:
أ -أن تكون الواقعة موضوع المتابعة موصوفة بجناية أو جنحة،
ب -ارتكبت خارج الحدود اإلقليمية الوطنية في أي عنصر من العناصر المكونة لإلقليم.
ج -أن يكون المتهم بأي منهما جزائري الجنسية بصفة أصلية أو مكتسبة ولو كانت مكتسبة بعد
ارتكاب الجريمة موضوع القضية،
د -أن يعود المتهم ألرض الوطن بغض النظر عن سبب عودته ما إذا كانت عودة اختيارية أو
اضطرارية،
هـ -أن يثبت عدم الحكم عليه في الخارج أو عدم تنفيذ العقاب عليه أو عدم صدور عفو عنه أو
تقادم العقوبة ،ألنه ال يجوز معاقبة المتهم عن جريمة واحدة مرتين.
- 2الشروط الخاصة ،حدد القانون بالنسبة لكل جناية أو جنحة ،يمكن إيرادها فيما يلي:
أ -بالنسبة للجناية :تنص الم ادة 582إ.ج «ك ل واقع ة موص وفة بأنه ا جناي ة مع اقب عليه ا في
الق انون الجزائ ري ارتكبه ا جزائ ري خ ارج إقليم الجمهوري ة يج وز أن تت ابع ويحكم فيه ا في
الجزائر»« ،غير أنه ال يجوز أن تجري المتابعة أو المحاكمة إال إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم
يثبت أن ه حكم علي ه نهائي ا في الخ ارج وأن يثبت في حال ة الحكم باإلدان ة أن ه قض ى العقوب ة أو
س قطت عن ه بالتق ادم أو حص ل على العف و عنه ا» ،يس تخلص منه ا ش رطا واح د وه و :أن تك ون
الواقع ة الم راد المتابع ة بس ببها موص وفة بالجناي ة طبق ا للم ادتين 5و 27ق.ع بغض النظ ر عن
موقف القانون األجنبي منها ،سواء عاقب عليها أم لم يعاقب أو نزل بدرجة جسامة الجريمة أم
ال.
ب -بالنسبة للجنحة :تنص المادة 583إ.ج «كل واقعة موصوفة بأنها جنحة سواء في نظر
القانون الجزائري أم في تشريع القطر الذي ارتكبت فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في
48
الجزائ ر إذا ك ان مرتكبه ا جزائري ا»« ،وال يج وز أن تج ري المحاكم ة أو يص در الحكم إال
بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة « ،»582وعالوة على ذلك فال يجوز أن
تجرى المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد األفراد إال بناء على طلب النيابة
العام ة بع د إخطاره ا بش كوى من الش خص المض رور أو ببالغ من س لطات القط ر ال ذي ارتكبت
الجريم ة في ه» ،يس تخلص منه ا الش روط الخاص ة بالجنح ة المرتكب ة من ط رف جزائ ري في
الخارج:
-أن تكون جريمة جنحة معاقب في القانونين الجزائري واألجنبي ،فتوصف بالجنحة طبق ا
للم ادتين 27 ،5ق.ع ،وتج رم أيض ا ويع اقب عليه ا في ق انون اإلقليم ال ذي وقعت في ه الجريم ة
بغض النظر عن التكييف القانوني الذي يضفيه عليها القانون األجنبي ،فال يكفي العقاب عليه ا في
قانون واحد طبقا للمادة 582إ.ج.
-إذا كانت جنحة ضد األفراد ،فال يجوز المتابعة بشأنها في الجزائر إال بناء على طلب
من النياب ة العام ة بع د تق ديم ش كوى له ا من ط رف الش خص المض رور ،أو بواس طة بالغ من
سلطات اإلقليم الذي وقعت فيه الجنحة ،أما بالنسبة لغيرها من الجنح األخرى فإنه ال يشترط فيها
تقديم شكوى من الشخص المضرور وال بالغ من السلطات األجنبية.
موقف المشرع الجزائري من مبدإ الشخصية السلبي
إن مبدأ شخصية النص الجزائي يضم شقين ،شق إيجابي وهو ما سبق التعرض له المتعلق
ب المتهم م رتكب الجريم ة ،أم ا الش ق الس لبي من ه فينظ ر من خالل المج ني علي ه ض حية االعت داء
بغض النظر عن جنسية الجاني ،وهو يعنى أن قانون العقوبات يمكن أن يطبق على جريمة تقع
في الخ ارج يك ون المج ني علي ه فيه ا جزائري ا ،وه و مب دأ يقص د ب ه تمكين الدول ة من حماي ة
مواطنيه ا خ ارج ال وطن من االعت داءات اإلجرامي ة ،وهو تعب ير عن حماي ة الدول ة لمص الحها في
الخارج ،فقد نصت المادة 28من الدستور المعدل والمتمم سنة « 2016الدولة مسؤولة عن أمن
األش خاص والممتلك ات» ،إال أن ه رغم ذل ك ال يوج د في الق انون الجزائ ري قواع د جزائي ة حماي ة
لمواطنينا في الخ ارج ،فال س لطان له في ذلك لتعارضه مع فكرة س يادة الدول ،ورغم ذلك نجد
وضعين قانونيين تطبيق لهذا الشق وهما:
-في الم ادة 591/2إ.ج الخاص ة بالجناي ات والجنح ال تي ت رتكب على متن الط ائرات
األجنبي ة ،ال تي تق رر مس اءلة من ي رتكب جريم ة ض د جزائ ري على متن ط ائرة أجنبي ة ،فتنص
«كما أنها تختص أيضا -أي الجهات القضائية الجزائرية -بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب
على متن طائرات أجنبية إذا كان...المجني عليه جزائري الجنسية.»...
-الحكم ال وارد في الم ادة 588إ.ج «تج وز متابع ة ومحاكم ة ك ل أجن بي ،وفق ا ألحك ام
الق انون الجزائ ري ،ارتكب خ ارج اإلقليم الجزائ ري بص فته فاع ل أص لي أو ش ريك في....أو أي
جناية أو جنحة ترتكب إضرارا بمواطن جزائري».
وما يالحظ أن المشرع الجزائري يتوسع من حين آلخر في حماية مواطنينا بالخارج عن
طريق أحكام جزائية تطبيقا لشخصية النص الجزائي في شقه السلبي ،بعد التوسعة التي جاءت
به ا الم ادة 588من ق انون اإلج راءات الجزائي ة بتع ديلها ب األمر رقم ،02-15فيض ع حماي ة
جزائية للمجني عليه الجزائري ضحية التمييز والكراهية التي ترتكب عليه في الخارج ويعطي
49
االختص اص للقض اء الج زائي الوط ني ب النظر في تل ك الجريم ة ،فج اء في الق انون رقم 05-20
المتعل ق بالوقاي ة من التمي يز وخط اب الكراهي ة ومكافحتهم ا في الفق رة األولى من الم ادة 21من ه
«زي ادة على قواع د االختص اص المـنصوص عليه ا في ق انون اإلج راءات الجزائي ة ،تختص
الجه ات القض ائية الجزائري ة ب النظر في الج رائم المنص وص عليه ا في ه ذا الق انون ،المرتكب ة
خ ارج اإلقليم الوط ني ،إذا ك انت الض حية جزائريا أو أجنبي ا مقيم ا ب الجزائر lorsque la
،»victime est un algérien ou un étranger résident en Algérieوق د وض ع
الق انون الس ابق "" ""05-20األحك ام الخاص ة المح ددة الختصاص ات الجه ات القض ائية الجزائي ة
الوطنية بالنسبة للجرائم المقررة فيه في المواد من 22إلى 29منه.
ثانيا -مبدأ عينية النص الجنائي
يقصد بعينية النص الجنائي تطبيق قانون العقوبات على كل جريمة تقع في الخارج تمس
بالمص الح األساس ية والحيوي ة للدول ة بغض النظ ر عن جنس ية مرتكبه ا ومكان ه ،وه و مب دأ مق رر
حرصا على تلك المصالح ،وضابط تحديد مدى انطباق القانون الوطني طبقا للمبدإ هو أهمية
المص لحة المعت دى عليه ا بجريم ة جناي ة أو جنح ة ،ألن ال دول األجنبي ة ال تي تق ع فيه ا مث ل تل ك
الج رائم ق د ال تك ترث له ا أص ال ،وق د يك ون له ا ض لع فيه ا كج رائم التجس س والخيان ة مثال،...
فتح رص ك ل دول ة على حماي ة مص الحها في الخ ارج بإخض اع ن وع معين من الج رائم لقانونه ا
الداخلي وقضائها.
ويعطي القانون الجزائري مبدأ العينية مفهوما أضيق فال يطبق إال على األجانب إعماال
لحكم المادة 588إ.ج والمادة 15من القانون رقم 04-09المتعلق بالقواعد الخاصة بالوقاية من
الج رائم المتص لة بتكنولوجي ات اإلعالم واالتص ال ومكافحتها( ) ،فتنص «تج وز متابع ة ومحاكم ة
1
كل أجنبي ،وفقا ألحكام الق انون الجزائري ،ارتكب خارج اإلقليم الجزائري بص فته فاع ل أصلي
أو ش ريك في جناي ة أو جنح ة ض د أمن الدول ة الجزائري ة أو مص الحها األساس ية أو المحالت
الدبلوماس ية والقنصلية الجزائرية أو أعوانها ،أو تزييفا لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة
قانونا في الجزائر أو أي جناية أو جنحة ترتكب إضرارا بمواطن جزائري» ،فتقرر تطبيق عينية
النص الج زائي الوط ني على ج رائم ت رتكب في الخ ارج من ط رف األج انب فق ط بوج وب ت وافر
الشروط التالية:
-1أن تك ون الجريم ة جناي ة أو جنح ة وفق ا للتحدي د الق انوني في الم ادتين 27 ،5من ق انون
العقوبات.
-2أن تكون من الجرائم المحددة في المادة:
-الجرائم المنصوص عليها في المواد 204-197 ،96-61من قانون العقوبات.
-جريمة ضد المحالت الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية أو ضد أعوانها.
-الجنايات والجنح التي ترتكب إضرارا بمواطن جزائري.
-الج رائم المتص لة بتكنولوجي ات اإلعالم واالتص ال المرتكب ة خ ارج الجزائ ر تس تهدف
مؤسس ات الدولة أو الدفاع الوطني أو المصالح األساس ية واالستراتيجية لالقتصاد الوط ني عمال
-1وق د ص در مرس وم رئاس ي تحت رقم 261-15م ؤرخ في 15أكت وبر 2015يح دد تش كيلة وتنظيم وكيفي ات س بر الهيئ ة الوطني ة
للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات اإلعالم واالتصال ومكافحتها.
50
بحكم القانون رقم 04-09المتعلق بالقواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات
اإلعالم واالتصال ومكافحتها.
-3أن يكون مرتكب مثل تلك الجرائم أجنبيا فإذا كان المتهم بواحدة من تلك الجرائم يطبق عليه
مبدأ الشخصية طبقا للمواد 584-582إ.ج.
-4أن يتم القبض على األجنبي مقترف جريمة منها في الجزائر ،أو أن تكون السلطة الجزائرية
ق د حص لت على تس لمه من الس لطة األجنبي ة بن اء على طلبه ا وف ق إلج راءات التس ليم المق ررة
قانونا.
-5أال يثبت األجنبي أنه حوكم نهائيا من أجل نفس الجناية أو الجنحة في الخارج ،أو أال يثبت
قض اءه العقوب ة أو تقادمه ا أو ص در عف و علي ه إعم اال لحكم الم ادة 1من ق انون اإلج راءات
الجزائي ة «أن ه ال يج وز متابع ة أو محاكم ة أو معاقب ة ش خص م رتين ( )2من أج ل نفس األفع ال
ولو تم إعطاؤها وصفا مغايرا».
ثالثا -مبدأ عالمية النص الجنائي
ويقص د ب ه تط بيق الق انون الج زئي الوط ني على ك ل جريم ة تق ع في الخ ارج يقبض على
مرتكبه ا في إقليمها مهم ا ك انت جنس ية الق ائم به ا ،وعالمي ة النص ص ورة مع برة عن التض امن
الدولي في مكافحة الجريمة التي تفنن المجرمون في اقترافها باالستفادة من التطور العلمي الذي
أت اح لهم ممارس تها على مس توى ع المي ،كاالتج ار في المخ درات والرقي ق األبيض والقرص نة
والجريمة المنظمة واالتجار باألشخاص واألعضاء البشرية وتهريب المهاجرين وجرائم تزييف
النقود وجرائم تبييض األموال ،فتنوب الدولة عن المجتمع الدولي بمحاكمة المجرم وعقابه عمال
على حماي ة المص الح المش تركة بمحارب ة اإلج رام ومواجه ة الظ اهرة اإلجرامي ة المنظم ة بص فة
عامة.
وينتقد مبدأ العالمية من حيث تعارضه المطلق مع إقليمية النص ،وهو ال يوجد ما يبرره
س وى فك رة حماي ة المص الح العام ة والمش تركة للبش رية قاطب ة ،وه و م ا أدى إلى انحص ار ه ذا
المبدإ في مجال ضيق من الجرائم وفي بعض التشريعات ،ويمكن عدم اللجوء إليه أصال ألن في
القوانين الداخلية من األحكام والقواعد ما يمكن به محاربة تلك الجرائم ،كمبدأ الشخصية والعينية
وقواعد تسليم المجرمين ،باإلضافة للتعاون الدولي في مجال محاربة الظاهرة اإلجرامية بوجه
عام.
وفي القانون الجزائري توجد أحكام يمكن اعتمادها في هذا اإلطار فتقوم مقام مبدإ عالمية
النص الجزائي والقيام بوظيفة التجريم والعقاب وتقرير الوالية للقضاء الوطني على بعض صور
الجريم ة المرتكب ة في الخ ارج كالجريم ة المنظم ة ع ابرة للح دود وتط بيق مب دإ شخص ية النص
الجزائي المقررة في المواد 589-582إ.ج وعينيته المقررة في المادة 588إ.ج وقواعد تسليم
المجرمين في المادة 694إ.ج وما يليها ،والتعاون الدولي واسترداد الموجودات وكشف وتحويل
عائدات اإلجرام والتعاون مع المصارف والمؤسسات المالية وتدابير االسترداد المباشر للممتلكات
والتجميد والحجز والتعاون بغرض المصادرة واتباع إجراءات تحري خاصة والتعاون القضائي
الدولي ،وهي جميعها إجراءات جاءت بناء على المصادقة على مجموعة من االتفاقيات الدولية
51
واالتفاقي ات القض ائية الثنائية( ) أو المتع ددة األط راف في المج ال القض ائي لتس ليم المج رمين
1
والمحكوم عليهم وتبادل الوثائق والمعلومات( ) ،فمثال حيث أصدر جاء في تأشيرات القانون رقم
2
01-06المتعل ق بالوقاي ة من الفس اد ومكافحت ه «بمقتض ى اتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة الفس اد،
المعتم دة من قب ل الجمعي ة العام ة لألمم المتح دة ،»...وق د تض من الكث ير من القواع د المتعلق ة
بالتع اون ال دولي لمكافح ة ج رائم الفس اد والته ريب والمخ درات ،وتقري ر أس اليب خاص ة للتح ري
عنها كالترصد اإللكتروني والتسرب -االختراق -والتسليم المراقب والتعاون القضائي الدولي في
المادة 56وما يليها من القانون السابق.
وحتى في مجال التجريم والعقاب ،فإن المشرع الجزائري وفي إطار ما التزم به بمصادقته
على جملة من االتفاقيات الدولية قد وضع نصوصا جزائية استباقية تطبيقا لها لمحاربة هذا الن وع
من اإلج رام خاص ة الجريم ة المنظم ة ع بر الوطني ة والج رائم اإلرهابي ة والتخريبي ة وتنظيمات ه
اإلرهابي ة والج رائم المعلوماتي ة عن طري ق إس هامه في التص دي لها( ) بتع ديل ق انون العقوب ات
3
بالقانون رقم 02-16المؤرخ في 19يونيو ،2016حيث يجرم السفر للخارج أو محاولة الس فر
للخ ارج ك ل مقيم في الجزائر بص فة ش رعية أو غ ير ش رعية بغ رض ارتك اب أفع ال إرهابي ة أو
التدبير لها أو االعداد لها أو المشاركة فيها أو التدريب على ارتكابها أو تلقي تدريبا بهذا الشأن،
وتجريم توف ير الم ال بأي ة وس يلة الس تخدامها في تموي ل س فر أش خاص للخ ارج لنفس الغرض أو
م ول أو نظم س فرهم بغ رض ارتك اب الج رائم الس ابقة ،وتج ريم اس تعمال تكنولوجي ا اإلعالم
واالتصال الرتكاب تلك الجرائم أو استخدامها لصالح إرهابي أو جمعية أو تنظيم أو جماعة أو
منظم ة يك ون غرض ها أو تق ع أنش طها تحت طائل ة األحك ام المتعلق ة بأنظم ة المعالج ة اآللي ة
للمعطي ات طبق ا للم واد 87مك رر 87 ،11مك رر 394 ،12مك رر 8المض افة بالق انون رقم
02-16المؤرخ في 19يونيو 2016المعدل والمتمم لقانون العقوبات.
الفصل الثاني
عـدم وجــود ســبـب
-1ومن االتفاقيات والبروتوكوالت التي صادقت عليها الجزائر طبقا للمادة 154من الدستور:
-اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة .1988
-اتفاقية األمم المتحدة لقمع تمويل اإلرهاب المقررة في سنة .1999
-بروتوكول سنة 1972المعدل لالتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ،1961
-اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة .1988
-اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة من الجمعية العامة لألمم المتحدة في 15نوفمبر .2000
-اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غي المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية بتاريخ 20ديسمبر .1988
-بروتوك ول من ع وقم ع االتج ار باألش خاص بخاص ة النس اء واألطف ال المكم ل التفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة الجريم ة المنظم ة ع بر
الوطنية المعتمد في 15نوفمبر .2000
-اتفاقي ة منظم ة الوح دة اإلفريقي ة -االتح اد اإلف ريقي -للوقاي ة من ومكافح ة اإلره اب المعتم دة في ال دور العادي ة الخامس ة والثالث ون
المنعقدة بالجزائر من 12إلى 14يوليو 1999بالجزائر.
-االتفاقية العربية لمكافحة اإلرهاب الموقعة في القاهرة بتاريخ 22أبريل .1998
-2انظر المواد 66 ،63 ،60 ،57من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
صدقت عليها الجزائر تعتبر من مصادر القانون الجزائي الوطني ،هذا من جهة ومن أخرى فإن -فقد سبق القول بأن االتفاقيات التي ٌ
3
بعض القوانين الخاصة وتعديالت قانون العقوبات التي جاءت في تأشيراتها الكثير من االتفاقيات الدولية بحسب موضوعها ،ومن تلك
القوانين:
-قانون الوقاية من تبييض األموال وتمويل اإلرهاب ومكافحتهما رقم 01-05المؤرخ في 6فبراير ،2005المعدل والمتمم.
-قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 01-06المؤرخ في 20فبراير ،2006المعدل والمتمم.
-قانون حماية الطفل رقم 02-15المؤرخ في 15يوليو .2015
-القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات رقم 01-09المؤرخ في 25فبراير .2009
-القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات رقم 01-14المؤرخ في 4فبراير .2014
52
إن عدم اقتران السلوك بظرف مادي مبيح أو توافر سبب إباحة هو العنصر الثاني الواجب
توافرها لقيام وصف عدم المشروعية ،فنعرف بمفهوم أسباب اإلباحة وطبيعتها وأنواعها.
المبحث األول -مجال أســبـاب اإلباحة وطبيعتها
تتعل ق أس باب اإلباح ة ب الركن الش رعي للجريم ة ألن ه ال يت وافر ركن ع دم المش روعية إال
بتوافر عنصري خضوع الفعل لنص تجريمي وعدم توافر ظرف مبيح ،ذلك أنه قد يلحق السلوك
ظرف موضوعي يزيل عنه صفة عدم المشروعية فيجعله فعال مباحا فيخرج السلوك من دائرة
التجريم ،فإذا كان السلوك مجرما بانطباقه على نموذج إجرامي فإن الظرف المبيح يضفي علية
طابع المشروعية.
المطلب األول -التعريف بأسباب اإلباحة
تعت بر أس باب اإلباح ة ظروف ا موض وعية تلح ق الس لوك اإلج رامي فتمح و عن ه الص فة
اإلجرامي ة فتجع ل منه فعال مباح ا ،يرى المشرع الجن ائي أن إباحت ه في مث ل تلك الظ روف التي
ارتكب فيه ا يحق ق مص لحة أهم بالرعاي ة من المص لحة ال تي من أجله ا ج رم الفع ل ابت داء بانتف اء
العلة من التجريم فلم يعد السلوك مع ذلك الظرف يحقق االعتداء الذي بسببه جرم ،فيتعطل العمل
بالنص إذا رافق ارتكاب الفعل سبب من أسباب اإلباحة المحددة قانونا هذا من جهة ،ومن جهة
أخ رى ف إن فع ل اإلباح ة يص ون حق ا يه دده خط ر ح ال ق در المش رع أن األول أج در بالرعاي ة
والحماية ،وأن الثاني أولى بالتضحية به في سبيل حماية األول ،وكأمثلة لتوضيح مدى تضحية
المشرع الجنائي بمصلحة في سبيل تحقيق مصلحة أولى بالرعاية ما يلي:
أوال -يجرم المشرع فعل القتل ويقرر له أشد العقوبات في المواد 263-254من قانون
العقوبات ،باعتباره اعتداء خطير على الحق في الحياة ،إال أن الفعل قد يكون مشروعا في إطار
م ا يحدده القانون كأن يقع بناء حالة الدفاع الش رعي طبق ا للم ادة 39ق.ع ،أو أن يتم بن اء على
أمر السلطة المختصة كتنفيذ حكم اإلعدام الصادر عن السلطة القضائية المختصة( ).
1
ثانيا -يعاقب القانون على جرائم الضرب والجرح وأعمال العنف العمدية عامة في المواد
276-264ق.ع ،ف إذا تمت تل ك األفع ال ل دفع اعت داء ب القوة الج رح باس تعماله وس يلة للعالج
الجراح ة على جس م الم ريض أو بإص ابة المعت دي في س المته الجس دية في ح دود م ا يس مح ب ه
القانون.
إذا ك انت أس باب اإلباح ة أس باب موض وعية تلح ق الس لوك المنطب ق على نم وذج إج رامي
يقرره القانون فتضفي عليه طابع المشروعية ،فيخرج من دائرة عدم المشروعية ،فال يقوم ركن
عدم المشروعية أي الركن الشرعي أو القانوني ،وهي نوعان ،أسباب عامة وأخرى خاصة ،أم ا
األولى فهي ظ روف موض وعية أثره ا في اإلباح ة ع ام ت بيح مختل ف الج رائم ،كظ رف ال دفاع
الشرعي مثال ،أما الخاصة ذات أثر محدود ال يتعدى نوعا معينا من الجرائم يحددها القانون فال
تبيح غيرها كاستعمال الحق وإ ذن القانون وأمره ،كالمأمور المكلف بتنفيذ حكم اإلعدام والطبيب
المعالج عند ممارسته للعمل الطبي المرخص به وممارسة الرياضة التي تعتمد العنف كالمالكمة.
المطلب الثاني -طبيعة أسباب اإلباحة
-1أنظر المادة 151وما يليها من القانون 04-05المؤرخ في 6فبراير 2004المتضمن قانون السجون وإ عادة اإلدماج االجتماعي
للمحبوسين.
53
تتميز أسباب اإلباحة بأنها موضوعية تتعلق بالسلوك ومدى خطورته االجتماعية وال تتعلق
بنفس ية الج اني ،فتنص ب على التك ييف الق انوني ل ه وال ص لة له ا باألهلي ة الفاع ل ،فهي ليس ت
شخص ية مرتبط ة ب ركن ع دم المش روعية كش رط له ا يجب ت وافر ش روطها كامل ة ل ترتب آثاره ا
القانونية:
أوال -من حيث أثرها ،فإذا كان السبب عاما فإنها تبيح السلوك المجرم وتسري على كل ساهم
في ارتك اب الفع ل ،ف اعال ك ان أو ش ريكا ،أم ا األس باب الخاص ة فال يس تفيد منه ا إال من ك انت
تتوافر فيه الصفة أثناء القيام بالسلوك اإلجرامي ،مثل العمل الجراحي الذي يقو به الطبيب الذي
يشترط فيه هذه الصفة ويستفيد الشريك الممرض المساعد في إجراء عملية جراحية من اإلباحة
في هذه الحالة ،وصفة األبوة في التأديب أو الزوج.
ثانيا -ال يعتد في االستفادة منها العلم بوجودها أو يجهل به ،أو لم يطالب بها ،ألنها أسباب ذات
طبيعة موضوعية ،تتعلق بالسلوك فتمحو عنه الصفة اإلجرامية.
ثالثا -أنه ال أثر للغلط في اإلباحة على قيام المسؤولية الجزائية ،ألن أثر الغلط وتأثيره ينصبان
على الركن المعنوي للجريمة ألنه حالة شخصية أو نفسية ليس لها عالقة بركن عدم المشروعية.
تجاوز اإلباحة
إن آثار هذه األسباب مرهونة بوجوب توافره شروط قيامها ،فمتى تخلف واحد منها انتفى
وج ود الظ رف الم بيح ،فتق و الجريم ة فيس أل المتهم عنه ا ،أم ا تج اوز ح دود اإلباح ة فيف ترض
توافره ،فال تقوم حالة التجاوز إال بعد نشوء الحق اإلباحة ،كحق األب في تأديب ابنه متجاوزا
حدود التأديب ،أو حق المعتدى في درء الخطر فيتجاوزا الحدود المقررة قانونا للتربية والدفاع
الشرعي ،فما هو التجاوز وما هو تكييفه القانوني؟
يجب اإلش ارة إلى أن ه ال يمكن ط رح فك رة تج اوز ح دود اإلباح ة وبحثه ا قب ل البحث في
مدى توافر شروط قيام الحق في الدفاع التي يقررها القانون ،فإذا تخلف شرط منها انتفى معه
وجود الظرف المبيح وبالتالي بقاء الفعل مجرم ،ويسأل من قام به مسؤولية جنائية عن سلوكه،
وهو تجاوز يمكن أن يكون عمديا كما يمكن أن يكون بخطإ من الفاعل نتيجة إهماله ورعونته،
فيسأل في حالة تجاوز حدود اإلباحة عمدا عن جريمة عمدية ،وفي حالة تجاوز حدودها بخطإ
فيسأل مسؤولية غير عمدية ،كقيام األب بضرب ابنه بقصد تأديبه إال أنه برعونة منه يصيب ابنه
في مقتل فيقتله ،فإنه يسأل في هذه الحالة عن جريمة قتل غير عمدي.
المطلب الثالث -التفرقة بين أسباب اإلباحة وما يشتبه بها
إذا ك انت أس باب اإلباح ة ظروف ا موض وعية تلح ق الس لوك اإلج رامي فتج رده من ع دم
المشروعية ،فإنها تشتبه ببعض األسباب األخرى التي ينظمها القانون ،كموانع المسؤولية وموانع
العقاب رغم التقائها جميعها في عدم تطبيق الشق العقابي في القاعدة الجزائية في كل مرة توافر
واحد منها.
الفرع األول– أسباب اإلباحة وموانع المسؤولية
تعتبر موانع المسؤولية أسبابا شخصية تعرض لمرتكب الجريمة فتجعل إرادته غير معتبرة
قانون ا بتجري دها من اإلدراك والتمي يز أو حري ة االختي ار ،والمجن ون والص غير والمك ره ،تتص ل
54
بالركن المعنوي للجريمة فتهدمه ،فال تقوم المسؤولية الجنائية وال يوقع العقاب لعدم توافر عنصر
اإلدراك والتمييز لجنون أو صغر السن أو عنصر الحرية بالنسبة للمكره ،وبالتالي ال تؤثر على
قيام السلوك اإلجرامي ،فهي ظروف تجعل اإلرادة معيبة غير معتبرة قانونا فتجردها من عنصر
من عنص ريها ،اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار ،في ترتب على تخل ف أح د العنص رين ع دم
المسؤولية والعقاب ،كالمجنون طبقا للمادة 47ق.ع ،والصبي طبقا للمادة 49ق.ع( ) ،والمكره
1
لعدم توفر الحرية طبقا للمادة 48ق.ع ،وبالتالي فهي أسباب تتعلق باألهلية الجنائية فتعدمها في
أحوال ،أو تنقصها في أحوال أخرى ،ويبدو الفرق بين السببين:
-1في ركنهما القانوني ،فسبب اإلباحة يتعلق بركن عدم المشروعية فال تقوم الجريمة بوجوده،
في حين أن مانع المسؤولية يتعلق بالركن المعنوي ،فال أثر له على وجود الجريمة فتقوم حتى
بوجوده ،ولكنه ال تقوم المسؤولية الجزائية بامتناعها لعدم توافر القدرة على اإلدراك والتمييز أو
لع دم وج ود حري ة االختي ار ،وال يتع دى أثره ا للغ ير ،كالش ريك م ع الص غير أو م ع المجن ون في
ارتكاب الجريمة ال يستفيد من عدم قيام المسؤولية الجزائية.
-2في أحك ام المس ؤولية الجزائي ة ،بع دم تط بيق أحك ام المس ؤولية الجزائي ة كلم ا ت وافر م انع من
موانعها ،فال تنفي تطبيق تدبير من تدابير األمن وكذا الشأن بالنسبة لمن توافر فيه عذر معف من
العق اب ،فتنص الم ادة 21/2ق.ع «يمكن أن يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم
بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى ،»...وتنص الم ادة
52/2ق.ع «وم ع ذل ك يج وز للقاض ي في حال ة اإلعف اء أن يطب ق ت دابير األمن على المعفى
عنه».
-3إن موان ع المس ؤولية ال تعفي من قي ام المسؤولية المدني ة عن األض رار التي سببتها الجريم ة
المرتكب ة ،طالم ا أنه ا أسباب ال تنفي وجود الخطإ ،بعكس أس باب اإلباحة التي ال تقوم بوجودها
المسؤولية المدنية عن األضرار.
الفرع الثاني– أسباب اإلباحة وموانع العقاب
إن موانع العقاب أسباب ال تتعلق بأي ركن من أركان الجريمة فتحول دون توقيع العقاب
يح ددها الق انون س لفا ،وتع رف بأنه ا أس باب لإلعف اء من العق اب ،وتب دو العل ة في تقريره ا أن
المش رع الجن ائي يق در في بعض األح وال أن المص لحة ال تي يحققه ا بع دم العق اب تف وق من حيث
القيم ة االجتماعي ة المص لحة ال تي يحققه ا بتوقيع ه ،فتنص الم ادة 52/1من ق انون العقوب ات
«األع ذار هي ح االت مح ددة في الق انون على س بيل الحص ر ي ترتب عليه ا م ع قي ام الجريم ة
والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإ ما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة»،
أعذار ال
وبالت الي ف إن موان ع العق اب تختل ف عن أس باب اإلباح ة من حيث أنه ا ال تتعل ق بأرك ان
الجريمة أصال ،فتقوم الجريمة بجميع عناصرها ،وتقوم مسؤولية الفاعل عنها( ) ،إال أن المشرع
2
يقرر اإلعفاء من العقاب ،وذلك ما أورده المشرع الجزائري في الفقرة األولى من المادة 52من
قانون العقوبات «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام
-1انظر المادتين 51 ،50من قانون العقوبات ،والمواد 87 ،86 ،85من قانون حماية الطفل.
- 2تختلف األعذار القانونية المخففة عن الظروف القضائية المخففة ،من حيث أن العذر يحدده سلفا بالقانون ويلتزم القاضي
بتطبيقه كلما وجد.
55
الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإ ما تخفيف العقوبة إذا كانت
مخفف ة ،».وهي أس باب ال يتع دى أثره ا لغ ير من ت وافر في ه س بب منه ا ،ومن أمثل ة ه ذه األع ذار
المعفي ة من العق اب م ا يق رره الق انون من ع ذر بالنس بة لمن يكش ف عن اتف اق جن ائي أو جمعي ة
أشرار طبقا للمادة 179ق.ع ،وصلة القرابة ،صفة األصل والفرع في جرائم السرقة والنصب
وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المسروقة في المواد 389 ،377 ،373 ،368ق.ع والعذر الذي
تق رره الم ادة 92/1ق.ع بالنس بة لمن يبل غ الس لطات اإلداري ة أو العس كرية عن جناي ة أو جنح ة
ماسة بأمن الدولة قبل البدء في تنفيذها وقبل انطالق أي متابعة جزائية بشأنها.
المبحث الثاني -أسباب اإلباحة في القانون الجزائري
ينظم المشرع أسباب اإلباحة في المادتين 40-39من قانون العقوبات ،فتنص األولى «ال
جريمة -1 :إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون -2 .إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة
الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير ،بشرط أن
يك ون ال دفاع متناس با م ع جس امة االعت داء» ،وتنص الم ادة « 40ي دخل ض من ح االت الض رورة
الحال ة لل دفاع المش روع1 .ـ القت ل أو الج رح أو الض رب ال ذي ي رتكب ل دفع اعت داء على حي اة
الشخص ،أو سالمة جسمه ،أو لمنع تسلق الحواجز ،أو الحيطان أو مداخل المنازل أو األماكن
المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل2 .ـ الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو
عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة» ،وبالرجوع لهما وما يذهب إليه الفقه الجنائي
في االتف اق ح ول أس باب معين ة ،وع دم االتف اق بش أن أس باب أخ رى ،وهي :أوال -م ا ي أذن ب ه
القانون وما يأمر به ،ثانيا -الدفاع الشرعي ،ثالثا -الضرورة ،رابعا -رضا المجني عليه ،األول
والث اني متف ق بش أنهما ويقررهم ا الق انون والث الث والراب ع ث ار بش أنهما ج دل فقهي واختالف
تشريعي.
وعلي ه نتع رض لحال ة الض رورة ورض اء المج ني علي ه أوال ومناقش ة ال رأي بش أنهما ،ثم
ندرس أسباب اإلباحة وفقا لما ينص عليه قانون العقوبات الجزائري في المادة 39منه والقواعد
العامة المستقر العمل بها.
المطلب األول -حـالـة الـضـرورة
تع رف حال ة الض رورة بأنه ا الحال ة يج د فيه ا اإلنس ان نفس ه أو غ يره مه ددا بخط ر ح ال
وجسيم ال يمكن النجاة منه إال بارتكاب فعل يعتبر جريمة في نظر القانون ،أو هي أن يجد الفرد
نفسه أو غيره مهددا بضرر جسيم وشيك الوقوع فال يرى سبيال للخالص منه إال بارتكاب فعل
مكون لجريمة ضد مصلحة طرف ثالث غير مقحم في الصراع إلنقاذ نفسه أو غيره ،والض رورة
حال ة ال تس لب المض طر قدرت ه على االختي ار فيك ون أم ام ط ريقين ،إم ا أن يتحم ل الخط ر ،وإ م ا
التخلص من ه بارتك اب الجريم ة ،وه و خط ر يجب أال يك ون المض طر س ببا في وج وده ولم يكن
بمقدوره تفاديه بغير إتيان الجريمة ،والضرورة تقوم على موازنة بين المصالح المتصارعة فتتم
التضحية بمصلحة أقل لحساب مصلحة أكبر قيمة ،ومن األمثلة على ذلك:
رجل يسرق خبزا إلنقاذ أطفاله الذين يموتون جوعا. .1
الطبيب الذي يجهض امرأة إلنقاذ حياتها. .2
56
ش خص يش اهد آخ ر يش رف على الغ رق فيس تولي على ق ارب ممل وك للغ ير إلنق اذه من .3
الغرق.
شخص يشاهد نارا تشب في إحدى الشقق المجاورة فيقتحم شقة جاره الغائب ليستولي .4
على آلة إلطفاء الحريق أو للحصول على ماء من أجل إنقاذ الشقة التي اشتعلت بها النار.
أش خاص على متن ق ارب في البح ر في عاص فة قوي ة ،يص بح الق ارب فيه ا غ ير ق ادر .5
المحافظة على توازنه بوجودهم جميعا فال يكون من سبيل إال بالتضحية ببعضهم فيلقوا في البحر
لنجاة األخرين
والس ؤال ال ذي يط رح نفس ه ،في ظ ل ه ذا االختالف بش أن الض رورة :م ا هي الطبيع ة
القانونية لحالة الضرورة؟ ،هل هي سبب لإلباحة ،أو هي مانع مسؤولية؟ وما هي شروطها؟
الفرع األول -الطبيعة القانونية لحالة الضرورة
لم تلق حالة الضرورة إجماعا فقهيا حول طبيعتها القانونية ،ألن جل التشريعات نفسها لم
تض ع نص ا ل ذلك واختالف الفق ه ح ول طبيعته ا ،فق انون العقوب ات تن اول مص طلح الض رورة في
القس م الع ام في الم ادتين 48 ،39من ق انون العقوب ات ،وتناوله ا في بعض المواض ع من القس م
الخ اص من ه ،في الم واد 449 ،443 ،308من ه ،باإلض افة لق انون الص حة وأخالقي ات مهن ة
الطب ،وه و م ا فتح المج ال لالختالف في ال رأي ح ول طبيعته ا القانوني ة فظه ر اتجاه ان ،اتج اه
يعتبره ا س ببا لإلباح ة وآخ ر يعتبره ا مانع ا للمس ؤولية الجزائي ة ولك ل منهم ا حجج ه ،نح اول
التعرض لهما باختصار في التالي:
أوال -حالة الضرورة سبب إباحة
يكي ف البعض من الفق ه الجن ائي( ) حال ة الض رورة بأنه ا من أس باب اإلباح ة ،تأسيس ا على
1
أن الفقه والقضاء في فرنسا ذهبا هذا االتجاه( ) ،وبعض القوانين كالقانون الجنائي المغربي الذي
2
ينص في الفص ل 124من ه «ال جناي ة وال جنح ة وال مخالف ة في األح وال اآلتي ة .2 ... :إذا
اضطر الفاعل ماديا إلى ارتك اب الجريمة ،أو ك ان في حال ة اس تحال علي ه معه ا ،اجتنابه ا ،وذل ك
لس بب خ ارجي لم يس تطع مقاومت ه .3 ،إذا ك انت الجريم ة ق د اس تلزمتها ض رورة حال ة لل دفاع
الش رعي عن نفس الفاع ل ،»...فيؤس س رأيهم على نص الم ادة 39ق.ع بالتوس ع في تفس يرها
وس نده في ذل ك العب ارة ال واردة فيه ا «إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة الحال ة لل دفاع
المشروع» ،وهو ال يستبعد قيام المسؤولية المدنية عن فعل الضرورة ،ألن المجني عليه المقحم
في ال نزاع لم ي رتكب أي خط إ ولم ي دخل كعنص ر من عناص ر نش وء حال ة الض رورة ،وبالت الي
يقوم حقه في التعويض عما لحقه من ضرر من الشخص المضطر.
وهو رأي ال يتفق والمنطق القانوني السليم الختالفه مع أحكامه في المواد ،443 ،308
449من ق انون العقوب ات وبعض األحك ام ال واردة في ق انون الص حة في الم واد ،344 ،21
،413وق انون أخالقي ات مهن ة الطب في الم واد 44 ،34 ،9ال تي تؤك د جميعه ا على الطبيع ة
القانونية للضرورة بأنها مانع للمسؤولية الجزائية ،وكذلك:
57
-كيف يمكن التسليم بتحمل الغير فعل الضرورة من الغير بالرغم من أنه ليس له دخل
في حدوثها ،فيسلب من حقه في الدفاع عن نفسه أو عن ماله ،وعليه يظل الفعل الضروري الذي
يأتيه المضطر دفعا للخطر الذي يتهدد الشخص أو ماله أو غيره فيدفعه الرتكاب سلوك ينطبق
عليه نموذج إجرامي غير مشروع.
-تعارضه مع األصل في اإلباحة بامتناع المسؤولية الجزائية والمدنية ،لتقريره بالتسليم
بوجودها.
ثانيا -الضرورة مانع للمسؤولية الجزائية
ويذهب االتجاه الثاني إلى تكييف الضرورة بأنها مانع من موانع المسؤولية الجزائية ،فهي
ن وع من اإلك راه المعن وي ال ذي ي ؤثر على حري ة المض طر في االختي ار ،ومن التش ريعات ال تي
ذهبت هذا االتجاه قانون العقوبات المصري في المادة 61منه «ال عقاب على من ارتكب جريمة
ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع
به أو بغيره ولم يكن إلرادته دخل في حلوله وال في قدرته منعه بطريقة أخرى» ،وفي القانون
الجزائ ري ي رى ج انب من الفقه( ) في ظ ل ع دم تنظيم ه له ا ص راحة ،وه و موق ف من المش رع
1
الجزائ ري ليس ل ه م ا ي برره ،أن الض رورة م انع للمس ؤولية بتفس ير الم ادة 48ق.ع «ال عقوب ة
على من اض طرته إلى ارتك اب الجريم ة ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها» تفس يرا موس عا ليش مل مص طلح
"اض طرته" اإلك راه والض رورة في آن واح د ،ويق ترح تع ديل الم ادة بص ياغتها ص ياغة جدي دة
كالتالي «ال عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها .وال عقوبة على
من ألجأت ه إلى ارتك اب الجريم ة ض رورة وقاي ة نفس ه أو غ يره أو مال ه أو م ال غ يره من خط ر
جسيم يوشك أن يقع إذا لم يكن له دخل في حلوله وليس بقدرته منعه».
ونعتقد أن الضرورة مانع من موانع المسؤولية الجزائية كالجنون وصغر السن واإلكراه،
اس تنادا ألن المش رع الجزائ ري ال يمكن ه تك ييف الض رورة تك ييفين مختلفين ،فيكيفه ا في األحك ام
العامة سببا لإلباحة وفي األحكام الخاصة مانعا للمسؤولية لالعتبارات التالية:
-1أن المادة 48وقد وردت في األحكام العامة أقرب للضرورة من المادة ،39بإمكان التوسع
في تفس يرها 48لتش مل ح التي اإلك راه والض رورة فتنص «ال عقوب ة على من اض طرته إلى
ارتك اب الجريم ة ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها ،».والم ادة 308ال عقوب ة على اإلجه اض إذا اس توجبته
ض رورة إنق اذ حي اة األم من الخط ر م تى أج راه ط بيب أو ج راح في غ ير خف اء وبع د إبالغ ه
السلطات اإلدارية».
والمالحظ أن هذه النصوص وردت كلها في القسم الخاص ما عدا المادة 48ق.ع ،وهي
نص وص لم تن ف قي ام الجريم ة أص ال «ال عقوب ة» ،فتق رر فق ط ع دم توقي ع العقوب ة ،إذا ت وافرت
الحاالت المقررة في تلك المواد ،وعليه فإن القول بتكييف الضرورة سبب لإلباحة تنقصه الدقة
ويتن اقض م ع موق ف المش رع الجزائ ري ،خاص ة أن ه ذا األخ ير ،ال يمكن أن يتن اقض م ع نفس ه
فيقررها سببا لإلباح ة في القسم العام ،ثم يأتي فيقررها مانعا للمسؤولية في القسم الخاص ،هذا
باإلض افة إلى أن الض رورة تتطلب أن يك ون الخط ر جس يما ،ف إذا اعتم دت الم ادة 39فم ا ه و
الخطر الجسيم الذي يبرر التدخل بفعل الضرورة خاصة أن المادة السابقة يتوافر بها الدفاع مهما
- 1د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...ص 326وما يليها.
58
ك انت درج ة الخط ورة ألن ه يكفي في ه ص فة ع دم المش روعية ،وق انون العقوب ات ينص في الم ادة
27منه على أن الجريمة تقسم من حيث جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات؟.
-2نص وص الم واد 449 ،443 ،308من ق انون العقوب ات ،فتنص الم ادة « 308ال عقوب ة
على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة األم mesure indispensableمن الخطر
م تى أج راه ط بيب أو ج راح في غ ير خف اء وبع د إبالغ ه الس لطة اإلداري ة» ،وتنص الم ادة 443
«يع اقب ب الحبس من عش رة أي ام على األق ل إلى ش هرين على األك ثر وبغرام ة م الي من 8.000
إلى 16.000دج أو بإحدى ه اتين العقوب تين- :ك ل من قت ل دون مقتضى ،sans nécessité
وفي أي مكان دوابا للجر أو الركوب أو الحمل أو مواش - ،...كل من قتل دون مقتضى sans
nécessitéحيوان ا مستأنس ا في مك ان يملك ه أو يس تأجره أو يزرع ه مال ك الحي وان المقت ول»،
وتنص الم ادة « 449يع اقب بغرام ة من 6.000إلى 12.000دج ويج وز أيض ا أن يع اقب
ب الحبس لم دة عش رة أي ام على األك ثر ك ل من أس اء دون مقتض ى sans nécessitéمعامل ة
حيوان من الحيوان ات المنزلي ة أو المستأنس ة أو المأسورة سواء ك ان ذل ك علني ا أو غير عل ني»،
كله ا نص وص وردت في الكت اب الراب ع من ق انون العقوب ات «المخالف ات وعقوباته ا» في القس م
الخاص منه ،وتعتبر من تطبيقات الضرورة كظرف أو ظروف تهدد شخصا بخطر محدق به أو
بغيره ،فتوحي له طريق النجاة ارتكاب فعل أو سلوك يعد جريمة في نظر القانون.
-3إن مص طلح الض رورة في الم ادة « 39الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع» تختل ف في
طبيعتها ومفهومها عن الضرورة المنصوص عليها في المواد 308 ،449 ،443ق.ع ،فيقصد
بكل منها معنى مختلفا عن اآلخر ،حيث تقرر المادة 39شرط الحلول nécessité actuelle
de la légitime défenseفي فع ل الخط ر غ ير المش روع في حين تق رر الم واد األخ رى
الض رورة بمعن اه المص طلحي ال تي تنص رف إلى أن يج د الش خص نفس ه مض طرا الرتك اب ذل ك
السلوك إلنقاذ نفسه أو غيره أو تحمل الخطر.
-4أن طبيعة حالة الضرورة كمانع مسؤولية رسخها قانون الصحة رقم ) (11-18في اكثير
1
من مواده مثل ،413 ،344 ،21وكذلك مدونة أخالقيات الطب الصادر بالمرسوم التنفيذي رقم
) (276-92في المواد 44 ،34 ،9منه.
2
59
-1خطر على النفس أو المال
لم تتفق التشريعات الجنائية والفقه الجنائي في مدى شمولية الضرورة لألخطار التي تتهدد
النفس والم ال ،فق د ج اء في الم ادة 48ق.ع «ال عقوب ة على من اض طرته إلى ارتك اب الجريم ة
ق وة ال قب ل ل ه ب دفعها» ،وتنص الم ادة 61من ق انون العقوب ات المص ري «ال عق اب على من
()1
ارتكب جريم ة ألجأت ه إلى ارتكابه ا ض رورة وقاي ة نفس ه أو غ يره من خط ر جس يم على النفس
على وش ك الوق وع ب ه أو بغ يره ولم يكن إلرادت ه دخ ل في حلول ه وال في قدرت ه منع ه بطريق ة
أخ رى» ،والفص ل 124من الق انون الجن ائي المغ ربي «ال جناي ة وال جنح ة وال مخالف ة في
األح وال اآلتي ة -2...:إذا اض طر الفاع ل مادي ا إلى ارتك اب الجريم ة ،أو ك ان في حال ة اس تحال
علي ه معه ا ،اجتنابه ا ،وذل ك لس بب خ ارجي لم يس تطع مقاومت ه» ،وتق رر الم ادة 64من ق انون
العقوبات الفرنسي بأنه ليس هناك جناية وال جنحة على من اضطر الرتكابها بسبب قوة ال قبل
له بدفعها( ).
2
إذا كان القانون المصري صريحا من حيث حصره الخطر فيما يهدد النفس ويذهب بعض
الفقه( ) إلى أن مصطلح النفس الوارد في المادة 61ال يشمل الخطر الذي يهدد السمعة والشرف،
3
ويرى جانب آخر وجوب التوسع في مدلول الخطر ونطاقه ليشمل األخطار التي تهدد النفس في
س المتها الجس دية والحري ة والع رض والش رف واالعتب ار( ) ،في حين لم بعض الق وانين مفه وم
4
النفس( ) ،فحدث خالف حول نطاقها ،أما بالنسبة لقانون العقوبات الجزائري ،فيمكن تفسير المادة
5
48تفس يرا موس عا بحيث تش مل حال ة الض رورة الخط ر ال ذي يه دد النفس في مجموع ة الحق وق
المتص لة به ا ،أي تل ك الحق وق اللص يقة بالش خص ،كحق ه في الحي اة والس المة الجس دية والحري ة
والعرض والشرف واالعتبار.
-2خطر جسيم
يعرف الخطر الجسيم بأنه ذلك الخطر الذي يتهدد أو ينذر بخطر غير قابل لإلصالح أو
يغلب عليه عدم قابليته لإلصالح على قابليته له( ) ،والخطر الجسيم يتحدد وفقا للصلة القائمة بين
6
جسامة الخطر وانتفاء الحرية ،فالذي يهدده خطر غير جسيم كأن يكون بسيطا ال يمكن أن يحتج
بالضرورة لإلفالت من العقاب ،وعليه فإن الخطر اليسير ال تقوم به حالة الضرورة ،ألنه خطر
ال يؤثر في اإلرادة بشكل يجردها من قيمتها القانونية.
ويجب اإلشارة إلى أن شرط الجسامة لم يحصل االتفاق بشأنه( ) فهناك من ال يشترط نوعا
7
من الجسامة ،وهناك من يشترط في الخطر أن يكون جسيما مثل القانون المصري في المادة 61
قانون عقوبات ،رغم ما يكتنف هذا المصطلح من صعوبة في التحديد ،فما هي الحدود الفاصلة
-1نقض مصري 23 :يونيو ،1959مجموعة أحكام محكمة النقض ،سنة ،10رقم ،149ص .669
-2فتنص المادةIl n’y ni crime ni délit,....ou lorsqu ‘il a été contrait par une force à laquelle il n’a « :64 :
»pu résister
- 3محمد مصطفى القللي عن /د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...هامش ،3ص .589
- 4د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص.589-588
5
- Crim 25 juin 1958, D.1958. 693.
Tribunal grande instance. Paris 24/11/1980, D. 1982. 101, note D. Mayer. rev. sc. crim. 982. 765,
obs Larguier.
- 6د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .673
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...ص .283
- 7د .إبراهيم زكي أخنوخ :حالة الضرورة ،...ص .173
د .محمد لعساكر :شرح قانون العقوبات ،...ص ».61
60
بين الخط ر البس يط والخط ر الجس يم ،ف يرى البعض أن الخط ر جس يم م تى ه دد الش خص بض رر
جس يم في نفسه( ) ،ويطل ق المش رع الجزائ ري على ه ذا المص طلح -الخط ر الجس يم -خط ر
1
-3خطر حال
أن يكون خطرا حاال فال يكون أمام المهدد به فسحة من الوقت يستطيع خاللها تدبر وسيلة
الخالص منه دون ارتكاب جريمة الضرورة( ) ،فال يكون منتهيا أو مستقبال ألن الخطر المستقبل
3
غير محقق وتأثيره على اإلرادة ال يكون له محل ،فيفترض في الخطر أن يكون موجودا بحلوله
في الزم ان وال يمكن تجنب ه إال بارتك اب الجريم ة ،وعلي ه ف إن فك رة حل ول الخط ر تق وم في
صورتين:
-أن يكون الخطر المهدد به على وشك الوقوع.
-أن يكون الخطر بدأ وحل ولم ينته بعد.
وعليه فإنه -باإلضافة إلي استبعاد الخطر المستقبل -ال يعد خطرا حاال إذا تحقق الخطر
وانتهى فعال ،فال يعتد به ألن طبيعة الضرورة وهو ما ال يتحقق في الخطر الذي وقع وانتهى.
-4نشوء الخطر بفعل خارجي أو بالطبيعة
إذا ك انت حال ة الض رورة تنتقص من اإلرادة تف ترض أال تك ون إلرادة المض طر دخ ل في
حلولها لقيامها على عنصر المفاجأة بمداهمة خطر فال يجد من وسيلة تخلصه منه غير ارتكاب
الجريمة( ) ،فال تكون إلرادة المضطر دخل في وجود الخطر( ) ،فالشخص الذي يشعل النار في
5 4
مسكن عمدا لينقذ نفسه من النيران التي داهمته يقدم على إلقاء من يعترضه في طريقه في وسط
النيران ال يكون في حالة ضرورة وال يبرر فعله بأي شكل فال تمتنع مسؤوليته بنوعيها الجزائية
والمدنية.
ثانيا -شروط فعل الضرورة
في إط ار الموازن ة بين المص الح وتغليب مص لحة على أخ رى ،يجب أن تك ون المص لحة
المض حى به ا أق ل أهمي ة من المص لحة الم راد المحافظ ة عليه ا ب درء الخط ر عليه ا بفع ل
الض رورة( ) ومن األمثل ة لتوض يح ذل ك ،فل و أن س فينة في البح ر تش رف على الغ رق لثق ل
6
حمولتها ،وال يمكن إنقاذها إال بالتخفيف من تلك الحمول ة ،فيقوم ربان السفينة بالتضحية ببعض
المس افرين ب دل البض ائع ،فإن ه في ه ذه الحال ة تك ون المص لحة الم راد حمايته ا ال ت رقى لدرج ة
المصلحة التي ضحي بها الربان ،فال يجوز له التمسك بحالة الضرورة ألنه كان عليه التضحية
أوال بالحمولة كاملة قبل التضحية بالمسافرين ،وعليه فإن شروط فعل الضرورة هي:
- 1د .مأمون محمد سالمة :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،ص .342
-2وتطلق عليه المادة 72من قانو حماية الصحة وترقيتها "الخطر البالغ.
3
- P. Bouzat- P. Pinatel: op. cit P 281.
Crim 7 août 1890, D.P. 91. 1. 43. Crim 8 juillet 1971, D. 1971. 625.
4
- Crim 11 juin 1926, D. H. 1926. 378. Crim 8 mai 1947, D. 1948. 109.
- 5د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 591وما يليها.
د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...ص .460
-6د .محمد لعساكر :شرح قانون العقوبات ،...ص .61
61
-1وج وب ت وافر الض رورة فعال ،فيج د الش خص نفس ه أو غ يره مه ددا بخط ر ح ال،
والمضطر هو من تدفعه الض رورة إلى ارتك اب جريمة تص يب الغير ،دفع ا للخط ر أو الخالص
منه.
-2أن يك ون فع ل الض رورة ه و الوس يلة الوحي دة للتخلص من الخط ر ،فال تك ون هن اك
وس يلة ثاني ة يمكن بواس طتها التخلص من ه ،ألن وج ود مث ل ه ذه الوس يلة فال اض طرار ،ألن ه
باالس تطاعة ع دم االلتج اء إليه ا ،فمثال من ك ان يس تطيع التخلص من الخط ر ب الهروب يس أل إذا
ارتكب فعال مجرم ا ض د الغ ير في س بيل التخلص من ه ذا الخط ر ،أو رب ان الس فينة ال ذي ك ان
بإمكانه إنقاذ السفينة من الغرق بالتضحية بحمولتها ،فراح يلقي بركابها أوال في البحر.
-3وج ود تناس ب بين الخط ر ال ذي يته دد الش خص وبين فع ل الض رورة ،ألن ه يجب درء
الخطر بوسيلة مناسبة للخطر ،فإذا كان باستطاعته درؤه عن طريق فعل ذي جسامة أقل ،ولكنه
فض ل دفع ه عن طري ق فع ل أش د جس امة ،فال تك ون ه ذه الوس يلة هي الوس يلة الوحي دة لدفع ه،
وبالتالي ال يكون مضطرا.
والمالحظ عدم وجود معيار محدد لتحديد فكرة التناسب بين الخطر وفعل الضرورة ،وال
يشترط فيهما التساوي وإ نما العبرة بظروف الحال ،وهو أن يكون فعل الضرورة هو أقل األفعال
جسامة أو أقلها قيمة من شأنها دفع الخطر ،وكان بوسع المضطر ارتكابها ،فمثال ربان السفينة
ال ذي يه دد س فينته خط ر الغ رق إذا ك ان يس تطيع إنق اذ ركابه ا من الغ رق بإلق اء حمولته ا ف ألقى
ببعض ركابه ا ،فال يك ون في حال ة ض رورة ،بعكس ل و اخت ار الوس يلة األولى يك ون في حال ة
ضرورة.
المطلب الثاني -رضاء المجني عليه
ثارت مناقشة حول الطبيعة القانونية لرضاء المجني عليه ،هل يعتبر سببا إلباحة الجريمة
م تى وقعت برض اء ص احب الحق في الحماية القانوني ة؟ ،وبعبارة أخرى إذا ك انت الجريم ة تقع
اعت داء على ح ق من الحق وق فيرض ى ص احبه باالعت داء علي ه فه ل يعت د برض ائه بإض فاء ص فة
المشروعية على فعل االعتداء؟
إذا كانت الجريمة مهما كان الحق أو المصلحة المعتدى عليها تعتبر إهدارا لمصلحة عامة،
فمثال القت ل وه و إزه اق روح إنس ان على قي د الحي اة ،يعت بر اعت داء على ح ق المج ني علي ه في
الحياة وفي نفس الوقت يعتبر إهدارا لحق المجتمع بأسره في أمن وسكينة أفراده ،والتفريط في
هذا الحق برضاء المجني عليه أو بدونه يتهدد مصلحة الجماعة في األمن واالستقرار مما يمكن
الق ول أن األص ل الع ام أن الرض اء ال ي ؤثر في وج ود الجريم ة ،رغم أن هن اك من الحق وق م ا
يج وز لص احبها التص رف فيه ا وبالت الي تخويل ه س لطة قب ول تعريض ها لالعت داء ،ومن ص ور
التص رف أن يرضى صاحبها بارتك اب فع ل ضدها ،فه ل يعني هذا عدم قيام الجريمة ،هذا من
جه ة ،ومن جه ة أخرى فإن الرض اء يضفي عليه الق انون أحيانا أهمية خاص ة وبصور مختلفة،
بحيث يعتبر رضا المجني عليه عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة ،وأخرى يعتبره شرطا
من شروط اإلباحة ،وأحيانا أخرى يعتبر شرطا أو قيدا على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى
العمومية فيجعل من الرضا قيدا على سلطة النيابة العامة في مباشرة اإلجراءات ،نحاول اإلشارة
إليها على النحو التالي:
62
الفرع األول -رضاء المجني عليه كسبب لإلباحة
ال يعتبر رضاء المجني عليه سببا لإلباحة كقاعدة عامة ،فال يجوز االستناد إليه في إباحة
ما يجرمه قانون العقوبات والقوانين المكملة له ،إال أن هذا لم يمنع بعض الفقه من القول بإباحته
لبعض األفع ال المتعلق ة ب الحقوق الفردي ة وال تي خ ول الق انون أص حابها س لطة التص رف فيها( )،
1
ألن في مث ل تل ك الح االت ينع دم الض رر االجتم اعي ال ذي يق ف وراء قواع د التج ريم والعق اب،
ويفس ر لن ا ت دخل المش رع ب التجريم والعق اب لحماي ة تل ك الحق وق ،فث ار ج دل فقهي ح ول نط اق
الحق وق ال تي يمكن إباح ة التع رض له ا ،إذا وق ع الفع ل أو الس لوك بن اء على رض اء ص حيح من
ص احب الح ق في الحماي ة ،ك الحق في الس المة الجس دية كم ا في األلع اب الرياض ية وأعم ال
الجراحة الطبية والقتل بدافع الشفقة( ) ،...إال أن الرأي الراجح أن جميع هذه السلوكات ال يقوى
2
رضاء المجني عليه بإباحتها ،فال يعدو أن يكون شرطا من شروطها أو يظل السلوك جريمة كما
في حالة القت ل ب دافع الش فقة ،والمالح ظ أن الق انون الجزائري ال يعترف بالرضا كس بب لإلباح ة
لع دم النص علي ه أوال في الم ادة 39من ق انون العقوب ات ،في حين يض في علي ه أوص افا أخ رى
مختلف ة ،منها أن يكون الرضا شرطا من شروط اإلباحة كما هو في العمل الط بي ،فتنص مثال
الم ادة 344من ق انون الص حة «في حال ة رفض عالج ات طبي ة ،يمكن اش تراط تص ريح كت ابي،
من الم ريض أو ممثل ه الش رعي»« ،غيــر أّن ه ،في حال ة االستعجال أو في حال ة مرض خط ير أو
معد ،أو عن دما تك ون حي اة الم ريض مه ددة بش كل خط ير ،يجب على مه ني الص حة أن يق ٌدم ٍ
العالجات ،وعند االقتضاء ،تجاوز الموافقة».
الفرع الثاني -عدم الرضاء كعنصر من عناصر الركن المادي
يقيد الوجود القانوني لبعض الجرائم على إرادة المجني عليه فيتطلب لقيامها أن يقع الفعل
ضد إرادته أي بغير رضاه ،كجريمة انتهاك حرمة المساكن في المادة 135وجريمة االغتصاب
في الم ادة 336وهت ك الع رض في الم ادة 335والخط ف في الم ادة 326والس رقة في الم ادة
350والتع دي على األمالك العقاري ة في الم ادة 386من ق انون العقوب ات ،حيث أن جميعه ا ال
يمكن قيامه ا إذا ت وافر عنص ر ع دم الرض اء بالفع ل المك ون ألي منه ا ،ألنه ا ج رائم ال يج وز أن
تقوم إال بعدم الرضاء بالسلوك كركن مميز لها فتنص مثال المادة « 135كل موظف في السلك
اإلداري أو القض ائي وك ل ض ابط ش رطة وك ل قائ د أو أح د رج ال الق وة العمومي ة دخ ل بص فته
الم ذكورة م نزل أح د المواط نين بغ ير رض اه ،وفي غ ير الح االت المق ررة في الق انون وبغ ير
اإلج راءات المق ررة فيه( ) يع اقب ب الحبس من ش هرين إلى س نة وبغرام ة من 20.001إلى
3
) (100.000دج دون اإلخالل بتط بيق الم ادة ،»107وتنص الم ادة « 350ك ل من اختلس
4
ش يئا( ) - -غ ير ممل وك ل ه يع د س ارقا ويع اقب ب الحبس من س نة على األق ل إلى خمس س نوات
5
على األك ثر وبغرام ة من 20.001إلى 100.000دج» ،وتنص الفق رة األولى من الم ادة 386
-1د محم د ص بحي محم د نجم :رض اء المج ني علي ه وأث ره على المس ؤولية الجنائي ة ،دراس ة مقارن ة ،دي وان المطبوع ات
الجامعية الجزائر .1983
عبد اهلل اوهايبيه :رضاء المجني عليه وأثره في المسؤولية الجنائية ،ماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية ،جامعة
الجزائر .1979
- 2نالحظ أن الرضاء في مثل هذه الحالة ليس هناك ما يمنع القاضي من تخفيف العقاب على المتهم تطبيقا لحكم الم ادة 53
ق.ع ،باعتبارها من الصالحيات المقررة للقاضي الجنائي.
-3انظر المواد 64 ،47 ،45من قانون اإلجراءات الجزائية.
- 4نالحظ أن عقوبة الغرامة المقررة في المادة ترفع طبقا لتعديل قانون العقوبات بالقانون 23-06في المادة 467مكرر.
. quiconque soustrait frauduleusement -5
63
«يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات وبغرام ة من 20.001إلى 100.000دج ك ل من
انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطرق التدليس».
الفرع الثالث -الرضاء كقيد على تحريك الدعوى العمومية
يقرر المشرع في أحوال محددة أن المجني عليه أقدر على تقدير مدى المصلحة المحققة
من تحري ك ال دعوى العمومي ة بخالف القاع دة العام ة ال تي تخ ول النياب ة العام ة ه ذه الص الحية،
وبالتالي فرض قيدا عليها في تحريكها واتخاذ اإلجراءات بالنسبة لبعض الجرائم بوجوب تقديم
ش كوى من المج ني علي ه ص احب الح ق أو المص لحة المعت دى عليه ا للجه ات المختص ة إلطالق
ي دها ،والرض ا في مث ل تل ك الح االت ي أتي في ص ورة امتن اع المج ني علي ه عن تق ديم الش كوى
للجهة المختصة بتلقي الشكاوي والبالغات فيقف حائال أو مانعا بين النيابة العامة وبين اتخاذها
إجراءات المتابعة المقررة طبقا للمادتين 29 ،1من قانون اإلجراءات الجزائية( ):
1
خط ف القاص رة دون الثامن ة عش رة وال زواج منه ا في الم ادة 326/2من ق انون .1
العقوبات.
ترك األسرة أو التخلي عنها بهجرها في المادة 330ق.ع. .2
جريمة الزنا في المادة 339ق.ع. .3
الجنح المرتكبة من طرف جزائري في الخارج ضد األفراد ،وعودته بعد ذلك ألرض .4
ال وطن دون معاقبت ه في الدول ة ال تي ارتكب فيه ا الجريم ة ،طبق ا للم ادة 583/3من ق انون
اإلجراءات الجزائية.
جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصلة .5
من جناي ة أو جنح ة في مجموعه ا أو في ج زء منه ا ال تي تق ع بين األزواج وبين األق ارب
واألصهار حتى الدرجة الرابعة في المادة 389 ،377 ،373 ،369ق.ع.
الفرع الرابع -الرضاء كشرط من شروط اإلباحة
ه ذا باإلض افة إلى أن الرض اء يعت بر أحيان ا أح د الش روط ال واجب توافره ا إلباح ة فع ل أو
س لوك م ا ،فق د يض ع الق انون أحكام ا لإلباح ة تتض من مجموع ة من الش روط إلباحت ه ،من بينه ا
الرضاء بالسلوك ونتائجه ،كما هو الحال في األفعال الماسة بالسالمة الجسدية نتيجة التدخالت
الطبي ة بالجراح ة مثال ،س واء بغ رض العالج أو الت برع بعض و من الجس م أو زرع األنس جة( )،
2
وكذلك األلعاب الرياضية التي تعتمد العنف ،فمثال في العمل الطبي يجب توافر الشروط التالية:
-1الترخيص بمزاولة مهن ة الطب ،حيث تقتض ي ه ذه المهن ة ابت داء أن يك ون الش خص المع الج
حاص ل على مؤه ل يس مح ل ه بمزاولته ا ،فتنص الم ادة 185من ق انون الص حة «يم ارس بص فة
غ ير ش رعية مهن ة الص حة ك ل من ال يس توفي ش روط الممارس ة المح ددة في التش ريع والتنظيم
المعم ول بهم ا» ،وتح دد الم ادة 166ش روط الممارس ة «تخض ع ممارس ة مهن الص حة
للشروط ،»...بل إن ممارسة العمل الطبي دون توفر الرخصة يعتبر عمال غير مشروع يعاقب
عليه القانون في المادة 416من نفس القانون والتي تحيل على المادة 243من قانون العقوبات.
- 1د .عبد اهلل اوهايبيه :شرح قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري ،الجزء األول ،ص 156وما يليها ،طبعة ،2018 ،2
دار هومة للنشر والتوزيع.،
-2أنظر المواد 360 ،355 ،343من قانون الصحة.
64
-2رض اء الم ريض ،يجب أن يك ون الرض ا ب العالج ص ادرا ممن يعت د الق انون برض ائه ،وه و
أصال المريض فله أن يبدي رضاه أو عدم رضاه ،وقد عبر قانون الصحة على رضا الم ريض بـ
"الموافق ة الح رة والمس تنيرة"" ،الموافق ة المس تنيرة" ،فتنص الم ادة 343/1من ه «ال يمكن القي ام
بأي عمل طبي وال بأي عالج دون الموافقة الحرة والمستنيرة للمريض» ،وتنص المادة 360/4
أيض ا «ال يمكن القي ام ب نزع األعض اء والخالي ا من ش خص حي قص د زرعه ا ب دون الموافق ة
المس تنيرة للمت برع» ،وفي مدون ة أخالقي ات الطب اس تعملت الم اد « 42للم ريض حري ة اختي ار
طبيبه»« ،وتمثل حرية االختيار هذه مبدأ أساسيا تقوم عليه العالقة ،»...والمادة « 44يخضع كل
عمل طبي ،يكون فيه خطر جدي على المريض ،لموافقة المريض موافقة حرة ومتبصرة» ويجوز
في أح وال معين ة كحال ة الض رورة وص غر الس ن وغيره ا من الح االت ال تي ال يس تطيع فيه ا
الم ريض إب داء رض اه ب العالج أو رفض ه فيك ون الرض ا بالعم ل الط بي ممن خول ه الق انون إب داء
موافقته بذلك ،وقد حدد القانون من تتوافر فيه الصفة من غير المريض بحسب كل حالة في ما
إذا كلن بغ رض العالج أو الت برع أو زرع أو ن زع أعض اء أو خالي ا بش رية في الم واد ،343
364 ،362 ،361 ،360من قانون الصحة.
-3قص د العالج ،تعم ل الدول ة على تجس يد حق وق المواط نين في مج ال الص حة بحقهم في
الحصول على العالج وعدم تعريضهم للخطر وحماية حياتهم الخاصة ،فتنص المادة 1من قانون
الص حة «يح دد ه ذا الق انون األحك ام والمب ادئ األساس ية ال تي وبه دف تجس يد حق وق وواجب ات
المواط نين في مج ال الص حة»« ،وي رمي إلى ض مان الوقاي ة وحماي ة ص حة األش خاص والحف اظ
عليه ا واس تعادتها وترقيته ا ض من اح ترام الكرام ة والحري ة والس المة والحي اة الخاص ة» ،وعلي ه
يكون الغرض من التدخل الطبي العالج وهو ما تؤكده المادة 269منه «تهدف الخريطة الصحية
إلى م ا ي أتي...:تحدي د منظوم ة العالج... ،ض مان الحص ول على العالج ات في ك ل نقط ة من
ال تراب الوط ني وتحس ينها» ،ف إذا ك ان الغ رض من الت دخل ليس عالجي ا فليس هن اك رخصة ( )،
1
وتق رر الم ادة 11من مدون ة أخالقي ات الطب حري ة الط بيب في تق ديم الوص فة ال تي يراه ا أك ثر
مالءمة للحالة المعروضة عليه ،وأن تقتصر وصفته وعمله على ما هو ضروري في نطاق ما
ينس جم م ع نجاع ة العالج ،ودون إهم ال واجب المس اعدة المعنوي ة للم ريض( ) ،فإن ه ال يج وز
2
للطبيب النظر في استعمال عالج جديد للمريض إال بعد إجراء دراسات بيولوجية مالئمة تحت
رقابة صارمة ،أو عند التأكد من أن هذا يعود بفائدة مباشرة على المريض طبقا للمادة 18من
المدونة.
-4اتباع أصول مخنة الطب ،يجب على الطبيب المعالج أو جراح األسنان في عمله الطبي اتباع
أصول العمل الطبي ،فيخول القيام بكل أعمال التشخيص والتطبيب والعالج والوقاية لمريضه،
وال يجوز له أن يقدم وصفات طبية أو مواصلة يخرج فيها أو تتجاوز اختصاصاته أو إمكانياته،
فيمتن ع علي ه تع ريض ص حة مريض ه لخط ر غ ير م برر إال في الح االت االس تثنائية كض رورة
التدخل بعمل جراحي عمال بحكم المادتين 17 ،16من مدونة أخالقيات الطب ،والمادتين ،344
413من قانون الصحة.
شروط صحة الرضاء في صوره المختلفة
- 1أنظر المادة األولى من قانون الصحة والمواد 31 ،17 ،16من مدونة أخالقيات الطب.
-2تنص الم ادة 30من مدون ة أخالقي ات الطب مثال «يجب أال يفش ي الط بيب أو ج راح األس نان في األوس اط الطبي ة طريق ة جدي دة
للتشخيص أو للعالج غير مؤكدة دون أن يرفق عروضه بالتحفظات الالزمة ويجب أن يذيع ذلك في األوساط غير الطبية».
65
ح تى يح دث الرض ا أث ره الق انوني في أي ص ورة من الص ور المق ررة ق انون يجب ت وافر
الشروط التالية:
أوال -أن يك ون المج ني علي ه أهال للرض ا بت وافر األهلي ة القانوني ة ،طبق ا للم ادة 40/2من
الق انون الم دني ال تي تنص «وس ن الرش د تس عة عش ر ( ) ()19س نة كامل ة» ،ويش ترط في ه أن يتم
1
ص راحة ووف ق إج راءات مح ددة ،ويس تخلص ه ذا الش رط من بعض الم واد القانوني ة ،وق د ع بر عن
الرض ا في مج ال العم ل الط بي في ق انون الص حة بمص طلح "الموافق ة" وأك د على أن تك ون ح رة
ومس تنيره أو متبص رة ،كم ا ورد في الم ادتين " 360/4 ،343/1الموافق ة الح رة والمس تنيرة"،
"الموافقة المستنيرة" ،وفي مدونة أخالقيات الطب «موافقة حرة ومتبصرة» في الماد « 42حر
ومتبصر أو مستنير» في المادة ،44وهي مصطلحات جميعها تؤكد أن يكون الرضا خاليا من كل
عي وب اإلرادة ،فال يك ون نتيج ة غش أو ت دليس أو غل ط أو خ داع أو حيل ة ،فتك ون اإلرادة خالي ة
مما يعيبها ،ألن أي من العيوب السابقة يفرغ الرضا من قيمته القانونية.
ثانيا -أن يكون الرضا حرا ومتبصرا ،وليس نتيجة استعمال العنف ضد المجني عليه أو
ضد إرادته( ) ،كما هو مقرر في المادة 42من المدونة «للمرض حرية اختيار طبيبه ،...وتمثل
2
حرية االختيار هذه مبدأ أساسيا تقوم عليه العالقة بين الطبيب والمريض».
ثالثا -يجب أن يكون رضا المجني عليه معاصرا للسلوك المتعلق بالجسم ،كالعمل الطبي
الجراحي أو الفعل الرياضي أو تعلق بالشرف والمال أو أن يكون سابقا عليه ،بشرط بقاء الرضا
قائما لحين القيام بالفعل ،وبالتالي فالرضا الالحق ال يعتد به وال قيمة له في نظر القانون.
وهو شرط يتعلق بصور الرضا المختلفة ،سوان كان سببا لإلباحة -عند من يعتبره سببا
لإلباح ة -أو عنص را من عناص ر قي ام الجريم ة أو ش رطا من الش روط العام ة إلباح ة بعض
الس لوكات ،وعلي ه فالرض ا الالح ق ليس ل ه من أث ر إال على اإلج راءات ومزاولته ا في الح االت
التي يحددها القانون سلفا.
المطلب الثالث -أمر القانون أو إذن القانون
تنص الم ادة 39ق.ع في بندها األول على أنه «ال جريم ة -1 :إذا ك ان الفع ل ق د أمر أو
أذن به القانون» ،يتضح منه أنه نص عام لم يحدد فيه األفعال المجرمة التي يبيحها أمر القانون
أو أذن بها ،مما بوجب العودة لمختلف النصوص القانونية لتحديد ما يمكن إباحته بأمر القانون أو
إذنه.
الفرع األول -أمـر القـانـون
يلجأ المشرع إلباحة بعض األفعال بأمره إلى أسلوبين ،فقد يأمر القانون مباشرة باإلباحة
وق د يك ون أم را غ ير مباش ر ،فق د ي أمر الق انون مباش رة موظف ا أو شخص ا عادي ا بإتي ان فع ل من
األفع ال ،أو تتم تنفي ذا ألم ر الس لطة المخول ة قانون ا األم ر بفع ل م ا ،تعت بر أفع اال مباح ة ال تق وم
بتوافره ا الجريم ة ،ألن أم ر الق انون بص ورتيه يكفي إلباح ة العم ل ،ألن المش رع أحيان ا ي رى
ض رورة الت دخل لرعاي ة مص لحة اجتماعي ة ج ديرة بالحماي ة بتعطي ل النص التج ريمي وت برير
-1وهو يختلف عن سن الرشد الجزائي ،فتنص المادة 2من قانون حماية الطفل «سن الرشد الجزائي :بلوغ ثماني عشرة (
) 18سنة كاملة»« ،تكون العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي بسن الطفل الجانح يوم ارتكاب الجريمة».
-2فتنص المادة 350ق.ع مثال «كل من اختلس .»Quiconque soustrait frauduleusement
66
الخ روج علي ه في ح االت معين ة فيض ع ش روط اإلباح ة وحاالته ا ،فليس من المنط ق أن ي أمر
القانون بفعل معين ثم يجرمه بعد ذلك،
ومن األمثلة ألمر القانون مباشرة ما يقرره قانون الصحة بوجوب التبليغ( ) عن أي مرض
1
معد شخصه وإ ال خضع للمسؤولية التأديبية والجزائية فتنص المادة 39من قانون الصحة «يجب
على كل ممارس طبي التصريح فورا للمصالح الصحية المعنية بكل حالة مشكوك فيها أو مؤكدة
من األم راض ال واردة في قائم ة األم راض ذات التص ريح اإلجب اري الم ذكورة في الم ادة 38
أعاله( ) ،تحت طائل ة العقوب ات المنص وص عليه ا في الق انون» ،حيث تج رم الم ادة 400ع دم
2
التصريح بأي مرض متنقل أو معد تشكل مصدرا للعدوى ،فننص «يعاقب كل من يخالف أحكام
الم ادة 39من هــذا ال ـقــانــون ،المت ـع ـلــقـة بـاألمـراض ذات الـتصريـح اإلجـبـاري بغرام ة مالي ة
ت تراوح من 20.000دج إلى 40.000دج( )» ،ومن ه أيضا( ) الش اهد ال ذي ي وجب علي ه الق انون
4 3
اإلدالء بشهادته فتنص المادة 222إ.ج «كل شخص مكلف بالحضور أمام المحكمة لسماع أقوال ه
كشاهد ملزم بالحضور وحلف اليمين وأداء الشهادة» ،ال يعتبر مرتكبا لجريمة إفشاء األسرار أو
القذف أو السب بحق المتهم الذي يدلي بشهادته بشأنه( ) ،بل إن القانون يعاقب على االمتناع عن
5
أم ا أم ر الق انون غ ير المباش ر مث ل تنفي ذ م أمور المؤسس ة العقابي ة األم ر الص ادر ل ه من
الس لطة القض ائية المختص ة بحبس المتهم مؤقت ا أو بإيداع ه تنفي ذا للحكم علي ه ال يعت بر مرتكب ا
لجريمة الحبس التعسفي المعاقب عليه قانونا طالما أنه ينفذ أمر السلطة القضائية المختصة وفقا
لما يحدده لها القانون في المادة 117إ.ج والمادتين 12 ،5من قانون السجون وإ عادة اإلدماج
االجتماعي للمحبوسين( ) ،فتنص « 5تتولى إدارة السجون ضمان تطبيق العقوبات السالبة للحرية
7
والت دابير األمني ة ،والعقوب ات البديل ة ،وفق ا للق انون» ،وتنص « 12تنف ذ العقوب ة الس البة للحري ة
بمستخرج حكم أو قرار جزائي ،يعده النائب العام أو وكيل الجمهورية ،يوضع بموجبه المحكوم
()8
علي ه في المؤسس ة العقابي ة» ،وك ذلك تنفي ذ ع ون الق وة العمومي ة أو أع وان الش رطة القض ائية
ألم ر ص ادر عن وكي ل الجمهوري ة أو قاض ي التحقي ق بإحض ار المتهم في الح االت ال تي يج يزه
القانون طبقا للمادتين 109 ،58إ.ج ،واألمر بالقبض عليه طبقا ألحكام المادة 119وما يليها
من ق انون اإلج راءات الجزائي ة ،فال يعت بر المنف ذ مرتكب ا للجريم ة المنص وص عليه ا في الم ادة
291ق.ع( ) التي تجرم االعتداء على الحريات الفردية بالتقييد منها أو التعرض لها لتطبيقه أمر
9
القانون( ).
10
-1يلزم القانون الطبيب المعالج بالسر المهني وفي حالة اإلخالل به بإفشاء سر مريضه في غير الحاالت التي يقرر فيها
القانون وجوب التبليغ ،يعرضه لتطبيق أحكام المادة 301من قانون العقوبات.
-2راجع المادة 38من قانون الصحة.
-3أنظر المادة 36من مدونة أخالقيات الطب ،المرسوم التنفيذي 276-92المؤرخ في 6يوليو .1992
-4أنظر أيضا المادة 123 ،61وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية.
-5ذلك أن القانون يقرر في المادة 97إ.ج تجريم امتناع الشاهد عن الحضور أو عدم أداء اليمين المقررة قانونا واالمتناع
عن اإلدالء بشهادته.
-6أنظر المادة 88وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية.
-7القانون الصادر تحت رقم 04-05المؤرخ في 06فبراير .2005
-8تنص المادة 13من قانون اإلجراءات الجزائية «إذا ما افتتح التحقيق فإن على الضبط القضائي تنفيذ تفويضات جهات
التحقيق وتلبية طلباتها».
-9تنص المادة 291ق.ع «يعاقب بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشرة سنوات كل من اختطف أو قبض أو حبس
أو حجز أي شخص بدون أمر السلطات المختصة وخارج الحاالت التي يجيز أو يأمر فيها القانون بالقبض على األفراد»
67
ويش ترط إلح داث اإلباح ة األث ر ال ذي يرتب ه الق انون أن يت وافر في أم ر الق انون أو أداء
الواجب ما يلي:
أوال -تت وافر الص فة المطلوب ة قانون ا فيمن يق وم بالفع ل ،ك أن تت وافر ص فة الموظ ف العم ومي أو
الطبيب المعالج أو الصيدلي أو القابلة أو القاضي في الفعل الذي يأتيه في خدمته.
ثانيا -يجب أن يرتكب الفعل تنفيذا ألمر القانون مباشرة ،كأداء واجب يفرضه القانون ،أو تنفيذا
ألمر من أوامر السلطة المختصة ،ووفقا للشروط التي يحددها القانون أو السلطة المصدرة لألمر
التي يفرض القانون طاعة أوامرها -ولتحديد ما يخوله القانون من صالحيات لكل سلطة يجب
الرجوع للنصوص المنظمة لتلك السلطات وما تقرره لها من سلطة ،-كأن يصدر قاضي التحقيق
أم را ب القبض على متهم بارتك اب جناي ة في الم ادة 122إ.ج ،أو أن يق وم أح د أعض اء الش رطة
القض ائية بتنفي ذ أم ر القبض على المتهم أو إحض اره ب القوة في الم واد 109إ.ج وم ا يليه ا ،ألن
أمر قاضي التحقيق وتنفيذ عضو الشرطة القضائية له يعتبر قانونيا لموافقته للقانون لتقريره له.
ثالثا -أن تكون الغاية المبتغاة من أمر القانون أو من تنفيذه تحقيق المصلحة العامة ،وإ ال تنتفي
عن الفعل صفة المشروعية ،كأن يقوم قاضي التحقيق بحبس المتهم مؤقتا وفقا لما يقرره القانون
في الم واد 123إ.ج وم ا يليه ا ،ووج وب ت وافر مبررات ه المنص وص عليه ا في الم ادة مك رر12
،) (3ال أن يكون لغرض آخر كقصد االنتقام من المتهم.
1
-10ومنها أيضا تنفيذ عون القوة العمومية أو أعوان الشرطة القضائية() ألمر صادر عن قاضي التحقيق بإحضار المتهم
حتى عنوة في الحاالت التي يجيزه القانون واألمر بالقبض عليه طبقا ألحكام المادة 109وما يليها من قانون اإلجراءات
الجزائي ة ،فال يعت بر المنف ذ مرتكب ا للجريم ة المنص وص عليه ا في الم ادة 291ق.ع() ال تي تج رم االعت داء على الحري ات
الفردية بالتقييد منها أو التعرض لها لتطبيقه أمر القانون()..
-1تنص الم ادة 123مك رر في فقراته ا « 4 ،3 ،2غ ير أن ه إذا اقتض ت الض رورة اتخ اذ إج راءات لض مان مثول ه أم ام
القض اء يمكن إخض اعه اللتزام ات الرقاب ة القض ائية»« ،إذا ت بين أن ه ذه الت دابير غ ير كافي ة يمكن بص فة اس تثنائية أن ي ؤمر
ب الحبس الم ؤقت»« ،إذا ت بين أن الحبس الم ؤقت لم يع د م بررا باألس باب الم ذكورة في الم ادة 123مك رر أدن اه ،يمكن قاض ي
التحقيق اإلفراج عن المتهم أو إخضاعه لتدابير الرقابية القضائية،»...
وتنص المادة 123مكرر «يجب أن يؤسس أمر الوضع في الحبس المؤقت المنصوص على معطيات مستخرجة من ملف
القض ية تفي د -1 :انع دام م وطن مس تقر للمتهم أو ع دم تقديم ه ض مانات كافي ة للمث ول أم ام القض اء أو ك انت األفع ال ج د
خطيرة -2 ،أن الحبس المؤقت هو اإلجراء الوحيد للحفاظ على الحجج أو األدلة المادية أو لمنع الضغوط على الشهود أو
الض حايا ،أو لتف ادي تواط ؤ بين المتهمين والش ركاء ق د ي ؤدي إلى عرقل ة الكش ف عن الحقيق ة -3 ،أن الحبس ض روري
لحماي ة المتهم أو وض ع ح د للجريم ة ،أو الوقاي ة من ح دوثها من جدي د -4 ،ع دم تقي د المتهم بااللتزام ات المترتب ة على
إجراءات الرقابة القضائية دون مبرر جدي.»...
-2تنص الفق رة الرابعة «وإ ذا قامت ض د الش خص دالئ ل قوي ة ومتماس كة من ش أنها الت دليل على اتهامه فيتعين على ض ابط
الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمان وأربعين ساعة».
مع المالحظة يمكن اعتبار هذه الحالة أيضت صورة ألمر القانون.
68
لنص الم ادة 61إ.ج ،بض بط المتلبس بارتك اب جريم ة جناي ة أو جنح ة أي القبض الم ادي علي ه
واقتي اده إلى أق رب مرك ز للش رطة أو ال درك الوط ني( ) ،فال يعت بر مرتكب ا للجريم ة المنص وص
1
عليه ا في الم ادة ،) (291ألن الق انون يق رر أن ه يج وز وفي حال ة التلبس القبض على المتلبس
2
بالجريمة وتوقيفه للنظر ،أو ضبطه واقتياده إلى أقرب مركز للشرطة أو الدرك ،فيستعمل الحق
أو تمارس السلطة في الحدود المقررة قانونا ،فمتى قرر المشرع حقا اقتضى بالضرورة إباحة
الوسيلة إلى استعماله ،ومن استعماالت الحق؛ وحق التأديب المقرر للوالدين باستعمال حقهما أو
س لطتهما األبوي ة ولل زوج المق ررة في الش ريعة اإلس المية( ) وح ق الش اهد في االمتن اع عن اإلدالء
3
بالشهادة ضد المتهم إذا كانت تربط بينهما صلة قرابة إلى درجة معينة يحددها القانون ،وعليه متى
تقرر الحق أو الرخصة اقتضى بالضرورة إباحة الوسيلة إلى استعمالهما.
وإلباح ة الس لوك بن اء على اس تعمال الح ق أو م ا ي أذن ب ه الق انون ،يجب ت وافر مجموع ة
شروط ،نجملها في التالي:
-1أن يك ون الح ق المس تعمل مق ررا بمقتض ى الق انون بوج ه ع ام ،ك إذن الق انون لعام ة الن اس
باقتي اد المتلبس بالجريم ة ألق رب مرك ز ش رطة أو درك وط ني طبق ا للم ادة 61إ.ج ،أو س لطة
ض ابط الش رطة القض ائية في مباش رة الس لطات المقررة ل ه في األمر بع دم المبارح ة طبق ا للم ادة
50إ.ج والتف تيش طبق ا للم ادة 44إ.ج وم ا يليه ا والقبض على المش تبه فيهم طبق ا للم ادة 51/4
إ.ج ،وغيرها من السلطات المقررة بالقانون بوجه عام( ).
4
-2أن يكون الفعل المرتكب موضوع البحث ،قد وقع نتيجة استعمال ذلك الحق المقرر قانونا،
أي أن يكون الحق موجودا ومعترفا به قانونا.
-3أن يباشر السلوك الشخص الذي تتوافر فيه الصفة التي يتطلبها القانون إلباحته كصفة األبوة
أو الزوجية في تأديب األبناء أو الزوجة وال يعهد به لغيره.
-4أن يك ون اس تعمال الح ق في ح دود م ا يس مح ب ه الق انون ،أي يك ون الفع ل ه و الوس يلة
المشروعة الستعمال الحق والتزام حدوده ،مع استهدافه تحقيق الغاية التي من أجلها قرر الحق.
المطلب الرابع -الـدفـاع الـشـرعـي
الدفاع الشرعي ) (Légitime défenseهو حق( ) يقرره القانون لمن يهدده خطر اعتداء
6 5
حال على نفسه أو مال ه ،أو على نفس الغير أو ماله ،يصد به أو يدرأ بمقتضاه وبالقوة الالزمة
ذلك الخطر أو االعتداء ،فالدفاع الشرعي بهذا المفهوم ينطوي على طبيعة خاصة تؤهل القائم به
-1تنص المادة «يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات كل من اختطف أو قبض أو حبس أو حجز بدون أمر
من السلطات المختصة وخارج الحاالت التي يجيز أو يأمر فيها القانون بالقبض على األفراد».
-2تنص المادة «يحق لكل شخص في حاالت الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس ،ضبط الفاعل
واقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية».
« -3والالتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فال تبغوا عليهم سبيال» ،سورة النساء
اآلية 34
-4ما يقرره المرسوم التنفيذي رقم 276-92المؤرخ في 6يوليو 1992المتضمن مدونة أخالقيات الطب من صالحيات
عن طريق اإلذن بمباشرة العمل الطبي وتحديد حدود التدخل ونطاقه.
- 5دحماني الزهرة :نظرية الدفاع الشرعي وتطبيقاته في القانون الجزائري ،ماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية،
كلية الحقوق جامعة الجزائر سمة .1985
-6إذا ك ان ال دفاع ينظ ر ل ه على أنه ح ق ،فه و ليس حق ا شخص يا كرابط ة قانوني ة يقابل ه ال تزام المعت دي بتحم ل تبع ة حالة
الدفاع الشرعي.
د .محمود محمود مصطفى :شرح قانون العقوبات ،..المرجع السابق ،ص .217-216
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص .196
P. Bouzat- J. Pinatel: Traité de droit pénal et de criminologie,T.1, Paris1970, p 359.
69
في لحظ ة حص ول الخط ر ال ذي يه دد مص لحة يحميه ا الق انون أن ي درأه بواس طة فع ل ال دفاع،
فال دفاع الش رعي عن النفس أو الم ال ي بيح للش خص اس تعمال الق وة الالزم ة ل دفع ك ل فع ل يه دد
بخطر حال يعتبر خطرا غير مشروع.
والدفاع الشرعي ليس عقوبة أو جزاء يوقعه المدافع ضد المعتدي وال انتقاما منه ،وإ نما
هو إجراء وقائي يسمح به القانون لألفراد لتمكينهم من درء الخطر بمنع وقوع الجريمة ،أو على
األق ل الح د من التم ادي في االعت داء ومواص لته ،وبعب ارة أخ رى يس مح ب ه الق انون من أج ل درء
الخط ر أو الحيلول ة دون االس تمرار في ه وف ق ش روط مح ددة ،فال يك ون باس تطاعته طلب ت دخل
السلطات العامة في الوقت المناسب.
ينظم حق الدفاع عن النفس أو المال أو عن نفس الغير أو مال ه في المادتين 40 ،39من
ق انون العقوب ات فتنص الم ادة ) (39في بن دها الث اني «إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة
3
الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو الغير بشرط أن
يك ون ال دفاع متناس با م ع جس امة االعت داء» ،وتنص الم ادة « 40ي دخل ض من ح االت الض رورة
الحال ة لل دفاع المش روع -1 :القت ل أو الج رح أو الض رب ال ذي ي رتكب ل دفع اعت داء على حي اة
الش خص أو س المة جس مه أو لمن ع تس لق الح واجز أو الحيط ان أو م داخل المن ازل أو األم اكن
المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل -2 .الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو
عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة».
وعلي ه ف إن المش رع الجزائ ري ينظم ال دفاع المش روع بأس لوبين مختلفين ،األول في الم ادة
،39والثاني في المادة .40
الفرع األول -الدفاع طبقا للمادة 39
وه و الن وع األول من ص ورتي ال دفاع الش رعي ،يتم وف ق ش روط مستخلص ة من الق انون
ومبادئه ومتفق بشأنها وهي نوعان ،شروط تتعلق بفعل الخطر وهي:
-1أن يكون الخطر غير مشروع.
-2أن يكون الخطر حاال.
-3أن يتعلق االعتداء لمصلحة يحميها القانون.
وشروط أخرى تتعلق بفعل الدفاع ،وهما شرطان:
-1أن يكون فعل الدفاع الزما لرد االعتداء ودفعه.
-2أن يكون فعل الدفاع متناسبا على االعتداء.
أوال -شروط فعل الـخـطــر
يجب التفرق ة بين الخط ر واالعت داء ،ف الخطر المنش ئ للح ق في ال دفاع ال ي رقى أن يك ون
اعتداء ألن الغرض من الدفاع الشرعي الحيلولة دون تحوله لفعل اعتداء ،أما االعتداء فيقصد
به وقوع الفعل وليس بوسع من يعتقد أنه في حالة دفاع إزالته وإ ال كان في وضع انتقامي وهو
-3نالحظ أن المادة 39/2وكذلك المادة 40استمدهما المشرع الجزائري من نصوص المواد 329 ،328 ،327من قانون
العقوبات الفرنسي باإلضافة لما استقر عليه الفقه والعمل القضائي في فرنسا.
د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .153
70
ما ال يقره القانون ،فاالعتداء صورة متقدمة للخطر بانتقاله لفعل ،فال يجوز الدفاع ضد فعل وقع
فعال ،كمن يطعن شخص ا بخنج ر ف إن المعت دى علي ه ال يج وز ل ه التحجج بال دفاع المش روع ألن
االعت داء حص ل والجريم ة وقعت فعال ،فال يح ق ل ه أن ينتقم لنفس ه من م رتكب االعت داء ،ألن
الهدف من الدفاع المشروع والغاية منه هو درء خطر يهدد باعتداء على وشك الوقوع أو باعتداء
بدأ ولم ينته بعد ومحاولة منع تحوله إلى اعتداء واقع فعال ،وبالتالي فإن مفهوم الخطر المقصود
في الدفاع الشرعي هو كل سلوك يهدد المعتدى عليه بخطر غير مشروع وحال على نفسه أو
ماله أو نفس الغير أو ماله ،وعليه فإن شروط الخطر هي:
-1أن يكون الخطر غير مشروع
ينشأ الحق في الدفاع الشرعي عندما يتعرض المدافع عن نفسه أو ماله أو نفس الغير أو
مال ه لخط ر غ ير مش روع يه دد باعت داء على ح ق يحمي ه الق انون ك الحق في الحي اة أو الح ق في
الس المة الجس دية ،ف الخطر غ ير المش روع ال يش ترط في ه أن ي رتكب الفع ل أو أن تق ع الجريم ة،
فيق وم الخط ر مثال بمج رد توجي ه الس الح لجس م اإلنس ان أو وق د يك ون مج رد حمل ه خط را م تى
قامت ظروف تجعل استعماله في االعتداء على النفس محتمال( ) ،وعليه يمكن أن يكون الشروع
1
أو أحد األفعال التحضيرية يشكل خطرا فيجيز الدفاع المشروع طالما أن أي منهما يهدد بخطر
غير مشروع مصلحة محمية قانونا.
وينشأ الحق في الدفاع الشرعي إذا توافرت في السلوك الخطورة من الجانب الموضوعي،
دون اعت داد بالج انب الشخص ي لمص در الخط ر ،م ا دام التع رض الص ادر من المعت دي ينط وي
على صفة عدم المشروعية التي من شأنها تهديد المصلحة أو الحق الذي يحميه القانون جزائيا،
وال يعت د في ال دفاع الش رعي بم دى جس امة الخط ورة المنش ئة للح ق في ه ،وه ذا يع ني أن ال دفاع
الش رعي يج وز ممارس ته ومباش رته دفع ا أو ص دا ألي خط ر يه دد باعت داء مهم ا ك ان بس يطا أو
تافها طالما أنه غير مشروع ألنه لو ترك المعتدي وشأنه لوقع االعتداء على المصلحة ؟أو الحق
المحميان قانونا.
توافر سبب إباحة في فعل الخطر
إذا كان الفعل المهدد بخطر اعتداء على مصلحة يحميها القانون مشروعا فال يقوم الدفاع
الشرعي ،ألن الخطر يعتبر مشروعا فال يجوز دفعه بارتكاب فعل مجرم بحجة الدفاع الشرعي،
ألن التك ييف الق انوني لفع ل ال دفاع ه و مش روعية ض د ع دم مش روعية ،وتطبيق ا ل ذلك ف إن من
يتعرض ألفعال ضرب مثال يجيزها القانون كتأديب األب البنه ،فليس لهذا األخير أن يحتج بحالة
الدفاع الشرعي ،كما أن من يتعرض لفعل صادر عن موظف مكلف بخدمة عامة في حدود ما
يس مح ب ه الق انون ،ك القبض طبق ا لفقرة الرابع ة من الم ادة 51من ق انون اإلج راءات الجزائي ة أو
الض بط واالقتي اد طبق ا للم ادة 61من نفس الق انون ليس ل ه أن ي دفع بحال ة ال دفاع الش رعي حين
مقاومته ،أو الدخول للمسكن في حالة من الحاالت التي يسمح فيها القانون بذلك كحالة التلبس( )،
2
أو يقوم المعتدي بدرء ما يتعرض له من المدافع والتحجج بأن كان في حالة دفاع شرعي.
توافر مانع مسؤولية أو عذر من األعذار القانونية
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 196وما يليها.
-2أنظر المادة ،41والمادة 44وما بليها والمادة 65مكرر 5وما يليها من قانو اإلجراءات الجزائية.
71
إذا ك انت أس باب اإلباح ة ذات طبيع ة موض وعية ،يقتض ي بالض رورة البحث في ع دم
مش روعية الخط ر ،ف إن ال دفاع الش رعي يت وافر ح تى في الحال ة ال تي يك ون فيه ا المعت دي غ ير
مس ؤول جزائي ا ك المجنون في الم ادة 47والمك ره والمض طر في الم ادة 48والص غير المم يز
وغ ير المم يز في الم ادة ) (49من ق انون العقوب ات ،يج وز درؤه بفع ل دف اعي ،ألن س لوك ه ؤالء
1
جميعا ينطبق على نموذج إجرامي وارد في نص تجريمي في القانون ويعتبر جريمة رغم عدم
قيام مسؤولية القائم به لعدم القدرة على اإلدراك والتمييز أو انعدام الحرية أو لصغر في السن.
ويتوافر الدفاع الشرعي أيضا متى كان الذي يهدد غيره بخطر غير مشروع وحال يستفيد
من عذر قانوني يخفف العقاب أو يعفيه منه طبقا للمادة 52من قانون العقوبات ،فالزوج الذي
يفاجئ زوجته وشريكها متلبسين بجريمة الخيانة الزوجي ة أو العكس ،يستفيد من العذر القانوني
المخفف للعقاب عن طريق تغيير وصف جريمة القتل من جناية إلى جنحة المادتان 283-279
ق.ع ،فإنه يحق للمعتدى عليهما الزوجة وشريكها أو الزوج وشريكته دفع الخطر الذي يهددهما
بخطر حال باستعمال حقهما في الدفاع المشروع.
الخطر الوهمي والغلط في اإلباحة
يبيح الدفاع الشرعي الجريمة متى توافرت شروطه كما يقررها القانون ،والخطر الوهمي
مس ألة ذاتي ة ال يمكن أن ي برر الجريم ة م ا لم يكن الخط ر حقيقي ا في الواق ع وليس في ذهن من
يدعي بحقه في الدفاع ،فإذا اعتقد شخص واهما أن هناك اعتداء على وشك أن يقع عليه ،فليس
هناك حالة دفاع شرعي فيسأل عن سلوكه المجرم ،ألن الوهم ذاتي ال يقوم إال في ذهن من توهم
في حين أن اإلباحة مسألة مادية أو موضوعية تتعلق بالفعل ،أما الغلط في اإلباحة فهو اعتقاد أو
تصور الشخص أنه في حالة دفاع شرعي فال يقوم الدفاع ولو بني اعتقاده على أسباب معقولة ( )،
2
ألن ه ذو طبيع ة موض وعية ال يمكن الق ول بت وافر س بب اإلباح ة فعال إال بت وافر ش روطه كامل ة،
فضابط الشرطة القضائية الذي يقوم بتنفيذ أمر بالقبض ال تتوافر فيه شروط صحته كما يحددها
القانون وهو يعتقد بصحته يعتبر عمله غير مشروع والقبض على المتهم غير صحيح.
-2أن يكون الخطـر حاال
وه و الش رط ال ذي يع بر عن ه المش رع الجزائ ري بـ«الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع»،
والخطر الحال هو اعتداء لم يتحقق بعد ،ألن حصول االعتداء وتحققه ال يقوم به الحق في الدفاع
الش رعي ،وإ ذا ق ام الش خص رغم ذل ك بارتك اب فع ل يع د جريم ة يس أل عن ه مس ؤولية جزائي ة
باعتباره معتديا ،والمالحظ أنه في الخطر ال يشترط فيه درجة معينة من الجسامة ،بل يكفي أن
يهدد الفعل بخطر ولو كان بسيطا ،وحلول الخطر له صورتان:
أ -االعتداء الوشيك الوقوع
وهي أن االعت داء لم يب دأ بع د ولكن ه على وش ك الوق وع كمن يخ رج س الحه ويتهي أ بتعبئت ه
بالخراطيش أو يبدأ في توجيه قبضة يده لوجهه المعتدى عليه ،يعتبر اعتداء وشيكا ،ألن ما يجيز
الحق في الدفاع أن الخطر وشيك الوقوع ألن ظروف الحال والواقع ووفق السير العادي لألمور
-1نالح ظ أن الم ادة 328عقوب ات فرنس ي -أص ل الم ادة -39/2لم تح دد المقص ود ب النفس ،فتنص على ج رائم القت ل
والضرب والجرح التي تقع دفاعا على النفس أو عن نفس الغير ،ثم توسع القضاء والفقه في تفسيرها ليشمل الدفاع جميع
السلوكات التي تقع دفاعا على النفس والمال.
73
بشخصه كالحق في الحياة أو الحق في السالمة الجسدية أو الحق في الحرية أو الحق في الشرف
والعرض واالعتبار( ) ،ويستوي بعد ذلك ما إذا كان المدافع هو صاحب الحق المعرض للخطر
2
أو ه و ح ق لغ يره ،وال مج ال للتفرق ة بين ص ور االعت داء على تل ك الحق وق من حيث جس امتها،
فالضرب مهما كان بسيطا واإليذاء الخفيف والفعل الفاضح في أبسط صورة له( ) كلها سلوكات
3
الس رقة واالختالس والنص ب والتخ ريب والحري ق واإلتالف واالعت داء على الملكي ة بوج ه ع ام
سواء كانت ملكية عامة أو خاصة ألن نص المادة جاء مطلقا وفي األحكام العامة( ) ،ويستوي في
5
الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن
يكون الدفاع متناسبا مع جسامة االعتداء» ،وهي:
-1اللــزوم
يق وم ش رط الل زوم على الحاج ة ل درء الخط ر ب القوة المادي ة ،وأن ه ذه الق وة هي الوس يلة
الوحي دة لدرئ ه ،وه ذا يع ني أن فع ل ال دفاع يجب أن يك ون الزم ا ل درء الخط ر أو ص ده بتوجيه ه
لمصدره ،وذلك بأن يجد المدافع عن نفسه أو الغير أو عن ماله أو مال الغير في حالة ال يستطيع
فيه ا درء الخط ر والتخلص من ه بغ ير الفع ل ال ذي يرتكب ه ،ف إذا ك ان بوس عه درء الخط ر بفع ل
مش روع فال يج وز ل ه ص ده بفع ل غ ير مش روع ،وبعب ارة أخ رى أن الم دافع ال يج د أمام ه من
وسيلة لتجنب هذا الخطر أو صده غير فعل الدفاع ،كعدم استطاعته طلب تدخل السلطة العامة
في ال وقت المناس ب لحمايت ه ،وه و ش رط يمكن استخالص ه من حكم الم ادة 39ق.ع ال تي تنص
«...إذا ك ان الفع ل ق د دفعت إلي ه الض رورة الحال ة لل دفاع المش روع» ،وه ذا يع ني ت وافر الحاج ة
ل درء الخط ر ،وش رط الل زوم يعت بر غ ير مت وافر كلم ا ك ان الخط ر غ ير ح ال أي في المس تقبل،
حيث أنه باإلمكان تجنب االعتداء غير الحال بتبليغ السلطات العامة كما لو كان االعتداء غير
حال ،فال تقوم به حالة الدفاع الشرعي ،وبعبارة أخرى أن اللزوم يقتضي بالضرورة أن المدافع
عن نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله ال يستطيع التملص من الخطر أو درئه بغير ذلك الفعل
الذي قام به ،فإذا تبين أن المدافع كان بإمكانه التخلص من االعتداء بغير اللجوء إلى فعل الدفاع،
من سكران أو من والد المعتدى عليه مثال ،ويذهب جانب من الفقه الجنائي إلى عدم التمييز بين
ه اذين الفرض ين ألن الش خص غ ير مج بر على اله رب ح تى ول و ك ان بإمكان ه ذل ك ،وألن ه ذا
يعتبر إضافة شرط آخر لقيام الدفاع الشرعي يقوم على أساس توافر صفة معينة في المعتدي لم
يتطلبه ا الق انون ،مم ا يعني تقييد الحق في الدفاع الشرعي باعتباره س بب موضوعي لإلباحة ( )،
2
وعلي ه فإمكاني ة اله رب القائم ة باعتب اره الوسيلـة الوحي دة الممكن ة للتخلص من الخط ر ،ال يع د
وسيلة ينتفي بها الحق في درء الخطر بالقوة الالزمة.
باإلض افة إلى ه ذا ،ف إن فع ل ال دفاع الش رعي يجب أن يتوج ه إلى مص در االعت داء أو
الخط ر ،فال يج وز الق ول بوج ود حال ة ال دفاع إذا ق ام الم دافع بتوجي ه دفاع ه ض د مص در غ ير
مصدر الخطر ،كمن يهاجمه كلب أو حيوان ما ،فيتركه ويوجه دفاعه درءا للخطر الذي يتعرض
ل ه لمال ك الحي وان ،ال ذي لم يكن ل ه دور في س لوك الحي وان ،فالفع ل في ه ذه الحال ة غ ير الزم
كأصل ،ويمكن القول أنه في حالة عدم جدوى الفعل الدفاعي لدرء الخطر بتوجيهه لغير مصدر
الخطر ال يخول االحتجاج بالحق في الدفاع الشرعي.
-2التنـاسـب
يتطلب التناسب ارتكاب األفعال التي تشكل القدر الضروري لدرء الخطر أو رده ،ذلك أن
القانون يبيح فعل الدفاع بالقدر الضروري لدرء الخطر ،والتناسب شرط أوردته المادة 39ق.ع
بنصها «...بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة االعتداء» ،ويعني التناسب أن يكون فعل
الدفاع متناسبا مع فعل الخطر ،فيكون بالقدر الذي يدرأ به المدافع الخطر عنه أو عن غيره ،أي
وجوب أن يكون الدفاع متعادال ومتكافئا مع الخطر الذي يتعرض له المدافع( ) ،أما تجاوز فعل
3
الدفاع القدر الضروري لدرء الخطر يصبح الدفاع فيما زاد عن حده غير ضروري وال يوجد أي
مبرر إلباحته ،فيسأل المدافع عن ذلك التجاوز.
وعلي ه ينظ ر للتناس ب من خالل م ا إذا ك انت الق وة ال تي اس تعملت ل دفع الخط ر زادت عن
الحد الضروري ،ومدى هذه الزيادة في إقامة مسؤولية المتجاوز ،وبالتالي فتكون القوة متناسبة
م ع االعت داء ب النظر إلى طبيعت ه وجس امته ،فال يقص د ب ه أن تجيء الق وة مطابق ة تم ام المطابق ة
لفعل الخطر ،بل يقصد به أن ال تكون هذه القوة قد تجاوزت القدر الالزم لدرء الخطر أو رده،
فال دفاع الذي تباش ره ام رأة أو ش خص ض عيف البني ة يختل ف في تناس به عن ال دفاع ال ذي يباشره
ش خص آخ ر في ظ روف تف وق ق وة المعت دي ،إذ يمكن الق ول بت وافر التناس ب بين فعلي االعت داء
-1د .السعيد مصطفى السعيد :األحكام العامة في قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .220
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص .215
د .أحمد فتحي سرور :الوسيط في قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .336
- 2د .سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون الجنائي ،...المرجع السابق ،ص 236وما يليها..
-3نقض جزائي ،10/11/1987عن الدكتور نواصر العايش :المرجع السابق ،...ص .24
75
والدفاع الشرعي متى وصل الفعل حد القتل دفاعا في جرائم االغتصاب وهتك العرض بالقوة،
وعلي ه فالتناس ب مس ألة من حيث وجوده ا وم داه تختص به ا محكم ة الموض وع ،فيق در القاض ي
التناسب في كل حالة معروضة على حدة.
وإ ذا ك ان الق انون ق د ح دد ه ذا الش رط ،ف إن الص عوبة تث ار بش أن المعي ار ال ذي يعتم د في
تقرير مدى وجود تناسب بين فعلي الخطر والدفاع الشرعي ،هل العبرة بالتناسب بين الضررين
أو بين الوسيلة الممكنة والوسيلة المستعملة؟ ،إن معيار التناسب معيار موضوعي قوامه الشخص
العادي الذي يتصرف في مواجهة الظروف على النحو المألوف ،وهذا يعني أن المدافع إذا كان
يقدر مدى جسامة الخطر وكان بمقدوره درؤه بأفعال أقل جسامة فيسأل عن هذا التجاوز ،إال أن
المالح ظ أن ه ذا المعي ار ليس معي ارا موض وعيا ص رفا ،ألن ه معي ار ت دخل في ه مجموع ة من
االعتبارات تتعلق بخطورة االعتداء والحالة النفسية للمعتدى عليه وقوته وجنسه وزمان ومكان
االعتداء ،فقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية «تقرير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته
أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل االعتداء فيجعله
في ظ روف حرج ة ودقيق ة تتطلب من ه معالج ة موقف ه على الف ور والخ روج من مأزق ه مم ا ال
يصلح محاسبته على التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف
بهذه الظروف( )».
1
وتختلف الحاالت الممتازة للدفاع الشرعي المقررة في المادة 40عن الحاالت المقررة في
الفقرة 2من المادة 39من حيث أن القيام بالدفاع الشرعي وفقا لهذه األخيرة بقوم على جملة من
-1نقض جزائي مصري 08أبريل ،1958مج أحكام النقض المصرية ،س ،9رقم ،107ص .398
-2يق رر ق انون العقوب ات الفرنس ي الح االت الخاص ة لل دفاع المش روع في الم ادة 329من ه ،وك ذلك الق انون المغ ربي في
الفصل ،125فإن قانون العقوبات المصري ال يعرفها ،حيث حدد أحكام الدفاع في المواد 251-246منه ،فتنص المادة
« 246حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص إال في األحوال االستثنائية المبينة بعد استعمال القوة الالزمة لدفع كل
فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصا عليها في هذا القانون»« ،وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة لرد
أي فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها في األبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب
وفي الفق رة 4من الم ادة ( ،»)279وتنص الم ادة « 247وليس له ذا الح ق وج ود م تى ك ان من الممكن الرك ون في ال وقت
المناس ب إلى االحتم اء برج ال الس لطة العمومي ة» ،وتنص المادة « 249ح ق ال دفاع الش رعي عن النفس ال يج وز أن ي بيح
القتل العمد إال إذا كان مقصودا به دفع أحد األمور التالية .أوال :فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان
لهذا التخوف أسباب معقولة .ثانيا :إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة .ثالثا :اختطاف إنسان»« ،حق الدفاع
الش رعي عن الم ال ال يج وز أن ي بيح القت ل العم د إال إذا ك ان مقص ودا ب ه دف ع أح د األم ور التالي ة .أوال :فع ل من األفع ال
المبين ة في الب اب الث اني من ه ذا الكت اب .ثاني ا :س رقة من الس رقات المع دودة من الجناي ات .ثالث ا :ال دخول ليال في م نزل
مس كون أو في أح د ملحقات ه .رابع ا :فع ل يتخ وف أن يح دث من ه الم وت أو ج راح بالغ ة إذا ك ان له ذا التخ وف أس باب
معقولة» ،وعليه فإن ما يسمى بالحاالت الممتازة تطبق عليها في القانون المصري األحكام العامة للدفاع الشرعي.
76
الش روط المتعلق ة بفعلي الخط ر وال دفاع ،ووج وب ت وافر جمي ع الش روط( ) لقي ام حال ة ال دفاع
1
الش رعي( ) ،في حين أن الح االت الممت ازة المق ررة في الم ادة 40تق وم على وض ع المش رع
2
لح االت مح ددة تت وافر فيه ا حال ة ال دفاع دون حاج ة إلثبات ه ،كت وافر "ظ رف اللي ل" في الفق رة
األولى ،واستعمال "القوة والعنف" في السرقات ضد األفراد في الفقرة الثانية ،وبالتالي يعتبر القت ل
والضرب والجرح مبررا متى توافر الحكم الذي قررته المادة ،40ألن ما تتضمنه المادة السابقة
يعتبر قرينة قانونية على توافر شروط الدفاع فال يطلب من المدافع إثباتها ،وقد ثار جدل حول
طبيعتها( ) م ا إذا ك انت قرين ة قانوني ة بس يطة تقب ل إثب ات عكس ها أو قرين ة مطلق ة ال تقب ل إثب ات
3
العكس ،إذ يكفي الم دافع في الح التين الل تين تض منتهما الم ادة 40من ق انون العقوب ات أن يثبت
ت وافر واح دة من الح التين ليك ون في وض ع دف اعي ،في حين أن القرين ة البس يطة ال يكفي ذل ك
فيجوز إثبات عكسها فال يباح القتل أو الجرح والضرب بناء على ذلك إذا ثبت مثال أن من يدعي
التمس ك بحكم الم ادة 40ك ان يعلم أن من تس لق حائ ط منزل ه ليال أو كس ر باب ه لم يكن يقص د
ارتكاب جريمة ،وعليه نعتقد أن القرينة التي تضمنتها المادة قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها.
وبتحليل هذه المادة 40تعتبر في حكم اإلباحة الحاالت التالية:
-1القتل والضرب والجرح ،تبرر هذه األفعال الشروط التالي وال يشترط فيمن يدعي بوجودها
إقامة الدليل على أنه في حالة دفاع شرعي ،ألن المادة تفترض توافره بتوار شروط القيام بتلك
األفعال ،وهي:
أ -أن يكون التسلق أو الكسر متعلقا بمسكن أو أحد توابعه
يعتبر مسكنا كل مكان مخصص للسكن مهما كانت طبيعته ،ويدخل في مفهوم المسكن كل
ما يتصل به من توابع ،ويقصد بتوابعه ما اتصل به مباشرة أو يضمه إليه سور ،فتنص المادة
355من قانون العقوبات «يعد منزال مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو
متنق ل م تى ك ان مع دا للس كن وإ ن لم يكن مس كونا وقت ذاك وكاف ة توابع ه مث ل األح واش وحظ ائر
الدواجن ومخازن الغالل واإلسطبالت والمباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى ولو
كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي( )» ،وعليه يمكن مالحظة أن المادة
4
40اس تعملت مص طلح «لمن ع تس لق الح واجز أو الحيط ان أو م داخل المن ازل أو األم اكن
المس كونة» خاص ة في ظ ل مفه وم الم ادة 355ق.ع ال تي تع رف المس كن المس كون بأن ه «يع د
منزال مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو متنقل متى كان معدا للسكن وإ ن
لم يكن مسكونا وقتذاك» ،فهل يعني هذا أن الحماية المقررة في المادة 40مقررة فقط للمساكن
المسكونة فعال أو أنها تمتد لكل األماكن المسكونة والمعدة للسكن في آن واحد؟.
- 1الحظ أنه بالنسبة لشرط التناسب قد ال يتوافر ورغم ذلك تقوم حالة الدفاع الشرعي مع تكييفه بأن هناك تجاوزا له.
-2نقض جزائي 1970-02-24نشرة القضاة ،سنة ،1970عدد ،2ص « .93النسخة الفرنسية».
-3استقر في القضاء الفرنسي أنها قرينة بسيطة:
«La présomption de légitime défense édictée par l’article 329n’est pas irréfragable et peut céder
devant la preuve contraire; le texte dont il s’agit ne saurait justifier des actes de violence lorsqu’il est
démontré qu’ils ont été commis en dehors d’un cas de nécessité actuelle et en l’absence d’un danger
»grave et imminent.
Crim. 19.02.1959. D. 1959. 161, note M. R. M. P.
Trib. corr. Mayenne, 06.03.1957, D. 1957. 458, note de M. Pageaud.
Crim. 22.05.1959. D. 1959. Somm. 71.
Crim. 19.02.1959. D. 1959. 161, note M. R. M. P.
-4ويفهم من نص الم ادة 22/2إ.ج نفس المع نى ،حيث تنص «غ ير أن ه ال يس وغ لهم ال دخول في المن ازل والمعام ل أو
المباني أو األفنية واألماكن المسورة المتجاورة إال بحضور أحد ضباط الشرطة القضائية».
77
نعتق د ب أن المش رع الجزائ ري أراد من الحماي ة الخاص ة ال تي يعفى فيه ا الم دافع من إثب ات
شروط الدفاع التي تعتبر متوفرة بقوة القانون حماية المسكن المأهول فعال وغير المأهول كون
أن الحماية القانونية منصبة على حماية السكن ،باعتباره مكان مخصص لمباشرة مظاهر الحياة
التي ال يريد الشخص اطالع غيره عليها ،وبالتالي المادة تفسح للغير التدخل للدفاع عن المسكن
باعتباره مال الغير فإن فعل درءا للخطر يعتبر دفاعا شرعيا طبقا للمادة 40ق.ع.
ب -أن يتم الدخول ليال
يجب أن يك ون ال دخول ق د تم ليال ،ألن الحكم ة من مث ل ه ذه الحماي ة ه و م ا يتمت ع ب ه
المس كن من حماي ة وص يانة أثن اء اللي ل ،واللي ل يقص د ب ه الف ترة الواقع ة بين غ روب الش مس
وش روقها وه و المس تقر العم ل ب ه في القض اء المص ري( ) ،إال أن المش رع الجزائ ري في ق انون
1
بالفع ل ليال يعت بر دليال على م دى خطورت ه وس وء ني ة ص احبه ،لم ا ي وفره اللي ل من إمكاني ة
للمعتدي لتنفيذ غرضه.
ج -أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة
إذا ثبت أن دخ ول المس كن عن طري ق تس لق الح واجز أو الحيط ان مثال لم يكن بغ رض
ارتكاب جريمة وكان المدافع يعلم بذلك ،فإن اإلباحة تنتفي عن أفعاله ،ألن اإلباحة المقررة في
ه ذا البن د تق وم على اعتق اد الم دافع عن د قيام ه بفع ل ال دفاع عن النفس أو الم ال ،أن التس لق ك ان
بغرض ارتكاب جريمة مع وجود الظروف التي تبرر هذا االعتقاد بأن المعتدي ينوي ارتكاب
جريمة ،أما بالنسبة للبند 2من المادة 40فيشترط لتبرير الدفاع عن النفس أو الغير ،أن يتم ضد
عمليات السرقة والنهب بالقوة دون ربطها بظرف الليل.
والمالحظ على الفقرتين ،أن الفقرة األولى تشترط ظرف الليل في أفعال الضرب والجرح
أو القتل لصد االعتداء ،في حين ظرف الليل لم تتطلبه الفقرة الثانية بالنسبة لألفعال التي ترتكب
للدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة ،والغرض من ذلك هو تأمين
سالمة األفراد في الطرق العامة ولردع أعمال السطو المسلح بالقوة والعنف.
آثار الدفاع الشرعي
باإلض افة إلباح ة الفع ل بت وافر ظ رف ال دفاع الش رعي ،ونزع ه عن الفع ل ص فة ع دم
المشروعية وعدم مسؤولية المدافع وكل من ساهم معه جزائيا ومدنيا ،فيستفيد من ذلك كل من
يساهم في الفعل الدفاعي ،ألن اإلباحة ذات طبيعة موضوعية تضفي صفة المشروعية على الفعل
فيستفيد منها الجميع ممن ساهم في الفعل.
والتمس ك بت وافر حال ة ال دفاع الش رعي يع ود للمتهم و في أي مرحل ة ك انت عليه ا ال دعوى
فيج وز التمس ك ب ه أم ام قاض ي التحقي ق وقض اء الموض وع ،ويج وز أيض ا التمس ك ب ه ألول م رة
أمام المحكمة ولكنه ال يجوز له طرحة ألول مرة أمام المحكمة العليا ،وال يجوز له النعي على
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .226
-2يحدد الليل في المادة 47إ.ج في الفترة الممتدة من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا ،وليس هناك ما
يمن ع أن نعتم د نص الم ادة 47من ق انون اإلج راءات الجزائي ة في تحدي د مفه وم اللي ل ال وارد في الم ادة 40من ق انون
العقوب ات ،وه و توس يع في دائ رة الحماي ة القانوني ة للمس اكن ،وبالت الي هن اك اختالف كب ير بين وص في اللي ل في الق انونين،
وبالتالي نعتقد في هذه الحالة تطبيق فكرة الليل الفلكي.
78
الحكم م ا لم يكن قد تمس ك به ،ويك ون تقدير مدى توافر شروط ال دفاع الش رعي من اختص اص
محكم ة الموض وع ،وعلي ه فإن ه إذا ك انت ال دعوى العمومي ة م ازالت لم تح رك بع د أو ك انت في
طور التحقيق فإن النيابة العامة تصدر أمرا بحفظ األوراق ويصدر قاضي التحقيق أمرا بأال وجه
للمتابعة ،أما إذا كانت القضية مطروحة على جهة الحكم فإن هذه الجهة تصدر حكما بالبراءة.
تجاوز الدفاع الشرعي
يع رف تج اوز ال دفاع الش رعي( ) بأن ه تخل ف عنص ر التناس ب بين جس امة فع ل ال دفاع
1
وخط ورة االعت داء ،وذل ك رغم ت وافر ش روط ال دفاع األخ رى واالل تزام بقي وده ،فال نك ون إذن
بصدد الحديث عن تجاوز الدفاع الشرعي إال إذا توافرت شروط فعل االعتداء أو الخطر وشرط
اللزوم ،وعليه فإن التجاوز يفترض أن يتعرض المتجاوز لحدود الدفاع لخطر غير مشروع حال
يهدده في نفسه أو نفس الغير أو ماله أو مال الغير بارتكاب جريمة من الجرائم التي تبيح فعل
الدفاع ،وأن يكون المتجاوز قد التزم شرط اللزوم ،إال أنه ارتكب فعال أكثر جسامة مما تقتضيه
خطورة االعتداء.
وحكم التجاوز يكون تبعا لما إذا كان نتيجة عمد أو نتيجة غير عمد ،فإنه يسأل في الحالين
مسؤولية عمديه أو غير عمديه بحسب ما إذا كان متعمدا أو غير متعمد ،وعليه فإن تجاوز الدفاع
الشرعي يعني تخلف شرط التناسب الخاص بفعل الدفاع القائم على وجوب التناسب بين جسامة
فعلي الدفاع والخطر( ) ،ألن تخلف أحد الشروط األخرى غير التناسب تكون بصدد انتفاء الدفاع
2
الشرعي نفسه.
وتب دو أهمي ة التفرق ة بين الح الين ،بين انتف اء ال دفاع وتج اوزه( ) ،في أن المتج اوز لح دود
3
ال دفاع الش رعي يس تفيد من حكم الم واد 283 ،278 ،277ق.ع ،فتنص الم ادة « 277يس تفيد
مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من األعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من
أح د األش خاص ،».وتنص الم ادة « 278يس تفيد م رتكب ج رائم القت ل والج رح والض رب من
األع ذار إذا ارتكبه ا ل دفع تس لق أو ثقب أس وار أو حيط ان أو تحطيم م داخل المن ازل أو األم اكن
المس كونة أو ملحقاته ا إذا ح دث ذل ك أثن اء النه ار»« ،وإ ذا ح دث ذل ك أثن اء اللي ل فتطب ق أحك ام
الفق رة األولى من الم ادة ،»40أم ا إذا تعل ق األم ر بانتف اء ال دفاع الش رعي ،فال يس تفيد من س اهم
في ارتك اب فع ل من أحك ام الم واد الس ابقة ،ألن الفع ل يعت بر أص ال غ ير مش روع ويس أل عن ه
مس ؤولية كامل ة طبق ا للقواع د العام ة للمس ؤولية الجزائي ة ،وعلي ه ف إن الح االت المن وه عنه ا في
المادتين السابقتين وجد خطر اعتداء أو لم ينته بعد ،في صورة من الصورتين المنوه عنهما سابقا
في الم ادتين 278-277ق.ع ،يق رر المش رع الجزائ ري بش أنهما أع ذارا مخفف ة بالنس بة لتج اوز
الدفاع الشرعي ،تكفلت المادة 283ق.ع بتحديد درجات التخفيف فتقرر أنه إذا ثبت قيام العذر
فتخفض العقوبة على الوجه المحدد في القانون ،فتنص «إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على
الوجه اآلتي:
-1م تيجي رش يدة :تج اوز ال دفاع الش رعي في التش ريع الجزائ ري والمق ارن ،ماجس تير ،1979معه د الحق وق جامع ة
الجزائر.
-2تنص المادة 251من قانون العقوبات المصري «ال يعفى من العقاب بالكلية من تعدى حدود حق الدفاع الشرعي أثناء
استعماله إياه دون أن يكون قاصدا إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ،ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية
أن يعده معذورا إذا رأى لذلك محال وأن يحكم عليه بالحبس بدال من العقوبة المقررة في القانون».
- 3ونالحظ أنه قد يتوفر تجاوز حدود الدفاع ورغم ذلك ال يتوفر العمد وال غير العمد فال يقوم التجاوز بنوعيه ،نتيجة لما
أحاط به من ظروف أدت الضطرابه وفقده كل سيطرة على إرادته وأعصابه ،فإنه ال يسأل لعدم توافر القصد الجنائي أو
الخطإ في حقه.
79
-1الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية عقوبتها اإلعدام أو السجن المؤبد.
-2الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق األمر بأية جناية أخرى.
-3الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق بجنحة.
في الح االت المنص وص عليه ا في الفق رتين 1و 2من ه ذه الم ادة يج وز أن يحكم أيض ا
على الجاني بالمنع من اإلقامة من خمس سنوات على األقل إلى عشر سنوات على األكثر».
والعقوبات المخففة المنصوص عليها في المادة 283ق.ع تطبيقا لحكمي المادتين -277
278ق.ع المحددة لألعذار القانونية ،خاصة المادة 278/1ق.ع «يستفيد مرتكب جرائم القتل
والجرح والضرب من األعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل
المنازل أو األماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار» ،هو أهم ما يميز بين حالة
تجاوز الدفاع الشرعي وبين حالة انتفائه أصال ،بعدم توافر شرط من شروط فعل االعتداء ،ألنه
في األولى تخفف العقوبات على النحو السابق ذكره طبقا للمادة 283من قانون العقوبات ،وفي
الثانية تقوم المسؤولية الجزائية كاملة عن الفعل المرتكب.
تقسيم الجرائم بالنظر لركن عدم المشروعية
تقس م الجريم ة ب النظر لركنه ا الق انوني إلى ن وعين ،ج رائم عادي ة غ ير سياس ية وج رائم
سياسية من جهة ،وعادية غير عسكرية وعسكرية ،وهو تقسيم يستند لطبيعة المصلحة المعتدى
عليها بالسلوك المجرم ولمصدر عدم مشروعية هذا السلوك ،نحاول التعرض لها في التالي:
أوال -الجرائم العادية «غير السياسية» والجرائم السياسية
تع رف الجريم ة السياس ية بأنه ا عم ل سياس ي يجرم ه الق انون( ) ويعت بره بص فة عام ة فعال
1
مخال بنظ ام الدول ة وأمنه ا ،وينظ ر له ذا الن وع من الج رائم من خالل المص لحة المعت دى عليه ا،
فتعرف أيضا بأنها اعتداء على مص لحة ذات طبيع ة سياس ية يقرر لها القانون حماي ة جزائية( )،
2
بتجريم االعتداء عليها وتقرير جزاء لها ،وتعرف من خالل الباعث لها بأنها كل جريمة تكون
الغاي ة من ارتكابه ا سياس يا ،وعرفه ا الم ؤتمر ال دولي لتوحي د ق انون العقوب ات( ) بأنه ا «الج رائم
3
الموجه ة ض د تنظيم الدول ة ومباش رتها وظائفه ا أو ض د الحق وق ال تي يتمت ع به ا المواطن ون ( )»،
4
ومن خالل ه ذه التع اريف يمكن التس اؤل :ه ل أن ك ل فع ل يتض من اعت داء على مص لحة من
المص الح الماس ة بنظ ام الدول ة ومؤسس اتها وأمنه ا وتعطي ل وظيف ة س لطاتها والخيان ة والتجس س
والمؤامرة وجرائم االنتخاب ،يعتبر جريمة سياسية؟.
إن التمييز بين الجريمة السياسية والعادية يتم من خالل معيار موضوعي أو مادي مستمد
من موض وع الجريم ة ،أو من خالل الب اعث ال دافع الرتكابه ا ،وه و م ا أدى إلى الص عوبة في
وض ع واعتن اق معي ار للتفرق ة بين الجريم ة العادي ة والجريم ة السياس ية ،حيث تختل ف السياس ة
التشريعية التي تنتهجها األنظمة القانونية بين التشديد والتضييق على العمل السياسي ،فتتوسع في
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .266
- 2تختلف السياسة التشريعية التي تنتهجها األنظمة القانونية بين التشديد والتضييق على العمل السياسي ،فتتوسع في مدلول
الجريم ة السياس ية ،وبين التض ييق في م دلولها ،مم ا انعكس على الج زاء الجن ائي المق رر له ا ،فتق رر له ا عقوب ات متم يزة،
فتستبعد عقوبة اإلعدام واإلكراه البدني كالقانون الفرنسي ،وتقرر لها أنظمة أخرى.
- 3المنعقد في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن سنة .1935
-4وهو تعريف يمل لألخذ بالمذهب الموضوعي.
80
مدلول الجريمة السياسية ،وبين التضييق في مدلولها ،مما انعكس على الجزاء المقرر لها ،فتقرر
لها عقوبات متميزة ،بين الشدة والتخفيف انطالقا من المذهبين الموضوعي والشخصي:
-1المذهب الموضوعي
ينظ ر ه ذا الم ذهب للجريم ة السياس ية من خالل موض وعها ،أي أن منطلق ه ه و الح ق أو
المصلحة أو الحق المعتدى عليه ،فالجريمة السياسية تقع اعتداء على الحقوق السياسية للدولة من
كنظامها السياسي ،ومنها أيضا الجرائم التي تمس الشخصية القانونية للدولة والتي تهدد استقاللها
وس المة أراض يها والتع اون والتخ ابر م ع الع دو أو مس اعدته على ال دخول ألراض يها وج رائم
االنتخ اب والتجمهر( ) ،فالجريم ة السياس ية في منظ ور الم ذهب الموض وعي تش مل الج رائم ال تي
1
تمس أمن الدولة من الداخل والخارج( ) ،وكذلك الجرائم التي تمس نظام الحكم من الداخل ،كتلك
2
ال تي تمس ش كل الحكوم ة ومباش رة الس لطات العام ة لوظائفه ا ،واس تعمال المواط نين لحق وقهم
السياس ية المكرس ة دس توريا ،ك الحق في االنتخ اب مثال ،وعلي ه تع رف الجريم ة السياس ية بأنه ا
اعتداء على مصلحة ذات طبيعة سياسية ،يحميها القانون الجزائي بالتجريم والعقاب( ).
3
-2المذهب الشخصي
ال يهتم الم ذهب الشخصي بموض وع الجريم ة والمص لحة المعت دى عليه ا ،فيص ب اهتمام ه
على العام ل النفس ي والمعن وي في الجريم ة ،أي الب اعث على ارتكابه ا والغاي ة ال تي أراد الفاع ل
تحقيقه ا من وراء ارتكابها( ) ،فكلم ا ك ان الب اعث باعث ا سياس يا ك انت الجريم ة سياس ية( ) ،ومن
5 4
صور الجريمة السياسية اختالس أموال الدولة وحتى األفراد بغرض تمويل ثورة ضد السلطة أو
القيام بانقالب ضدها ،ومنها أيضا قتل رئيس الدولة بغرض تحقيق تغيير نظام الحكم الذي يمثله.
ويؤخذ على هذا المذهب التوسع في مدلول الجريمة السياسية حيث تصبح تستوعب الكثير
من الس لوكات العادي ة طالم ا أن الب اعث أو الغاي ة منه ا سياس ية ومن المآخ ذ علي ه أيض ا اعتب ار
الباعث ركنا في الجريمة ،وهو أمر ال ينسجم مع مبادئ القانون ،ألن الباعث مهما كانت طبيعته
ال يعت بر ركن ا في الجريم ة وال ي ؤثر في وجوده ا ،ه ذا من جه ة ومن جه ة أخ رى ف إن االس تناد
للباعث في تحديد طبيعة الجريمة أمر صعب لتعلقه بمسألة معنوية تتعلق بالنفس البشرية.
ويتم يز الم ذهب الشخص ي بالتوس يع في دائ رة الج رائم السياس ية لتش مل الكث ير من ج رائم
القانون العام طالما أنه يعتم د على أن الباعث السياس ي ،في حين يتميز المذهب الموضوعي أو
الم ادي باعتم اده على موض وع الجريم ة فتك ون سياس ية فق ط م تى ك ان االعت داء على ح ق من
حقوق األفراد السياسية( ) أو حق من حقوق الدولة صاحبة السلطة تقوم بوظيفة سياسية ،كجرائم
6
- G. Stefani- G. Levasseur: droit pénal général, 9ème éd ..., Dalloz, p 236.
1
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .268
- 3د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...ص .242
- 4د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .268
- G. Stefani- G. Levasseur: droit pénal général, 9ème éd... , Dalloz, p 237.
5
- 6تعتبر الجريمة في ظل المذهب الموضوعي جريمة عادية ولو كان باعثها سياسيا متى كان االعتداء على حق من حقوق
الفرد بصفته هذه ،كاالعتداء على حقه في الحياة وحقه في سالمته الجسدية وحقه في الملكية.
- 7وهذا يعني أن االعتداء على حق من حقوق الدولة باعتبارها شخص عادي ولو توافر الباعث السياسي ال تعتبر جريمة
سياسية.
81
س بق الق ول ب أن من الج رائم السياس ية ،االعت داء على نظ ام الدول ة ومؤسس اتها بوج ه ع ام
انطالق ا من تحدي دها من خالل المعي ار الموض وعي أو انطالق ا من الب اعث طبق ا للمعي ار
الشخص ي ،وهي جميعه ا مص الح يج رم ق انون العقوب ات االعت داء عليه ا في م واده 61إلى 111
ولم يطل ق عليه ا وص ف أو مص طلح الجريم ة السياس ية ،وهي جميه ا ج رائم عامله ا المش رع
الجزائري بالشدة فقرر لها أقصى العقوبات مما يوحي بأنه يعتمد المذهب الشخصي.
إال أن هذا الموقف السلبي من الجريمة السياسية بعدم تنظيمها لم يمنعه من اإلشارة إليها
في نصوص أخرى متفرقة( ) ،فتنص المادة 50/2من الدستور «ال يمكن تسليم أحد إال بمقتضى
1
اتفاقية مصادق عليها ،أو بموجب قانون( )» ،وتنص المادة 698من قانون اإلجراءات الجزائية
2
في بندها الثاني «ال يقبل التسليم في الحاالت اآلتية ...إذا كانت للجناية أو الجنحة صبغة سياسية
أو إذا ت بين من الظ روف أن التس ليم مطل وب لغ رض سياس ي» ،وه و نص يل زم الس لطات
الجزائرية بوجوب رفض طلب التسليم الذي تتقدم به أي دولة أجنبية في شأن من يلتجئ للجزائر
ممن ينسب لهم ارتكاب جريمة ذات طبيعة سياسية( ).،
3
للجريمة العسكرية من خالل من يرتكب الفعل المجرم وهم العسكريون ومن في حكمهم ،وينظر
له ا من خالل الس لوكات نفس ها المجرم ة ب ه ،ويع رف في الق انون الج زائي بق انون القض اء
العسكري( ) ،وهو القانون الذي تكفل بتحديد الفئات الخاضعة له والجرائم العسكرية.
6
وتتميز الجريمة العسكرية بصبغة مزدوجة ،فهي جريمة تأديبية من حيث أنها اعتداء على
نظ ام هيئ ة عس كرية ،فتنص الم ادة 253من ق انون القض اء العس كري( ) «إ المخالف ات المرتكب ة
7
بح ق األنظم ة المتعلق ة بالت أديب والخارج ة عن اختص اص المح اكم العس كرية ،تخض ع لقم ع
الس لطات العس كرية وتطب ق عليه ا العقوب ات التأديبي ة ،...يح دد س لم العقوب ات التأديبي ة بم وجب
مرس وم» ،وفي نفس ال وقت تطب ق الج زاءات المق ررة في ق انون العقوب ات م ع مراع اة أحكام ه،
فتنص المادة 243منه «تصدر الجهات القضائية العسكرية نفس العقوبات التي تصدرها الجهات
-1ومن بين هذه النصوص االتفاقيات القضائية التي أبرمتها الجزائر مع بعض الدول في إطار التعاون القضائي لمحاربة
الجريمة ،التي لم تخل من مصطلح الجريمة السياسية ،فتقرر رفض تسليم المجرمين إذا تعلق األمر بجريمة سياسية ،المادة
29/1من االتفاقية مع تونس ،والمادة 34/1من االتفاقية مع المغرب والمادة 26/1من االتفاقية مع مصر والمادة 14/1
من االتفاقية مع فرنسا.
-2وهو موق ف ينم عن أخ ذ المش رع الجزائ ري بعين االعتب ار طبيع ة الجريمة م ا إذا ك انت عادي ة أو سياس ية ،ف رتب على
هذه األخيرة عدم إمكان تسليم السياسيين المتهمين في أوطانهم بارتكاب جرائم سياسية ،أو كان الطلب ذا أبعاد سياسية.
-3وه و م ا أكدت ه االتفاقي ات القض ائية المبرم ة بين الجزائ ر وبعض ال دول كت ونس والمغ رب وجمهوري ة مص ر العربي ة
وفرنسا ،حيث تؤكد هذه االتفاقيات على عدم جواز التسليم في الجرائم ذات الصبغة السياسية أو كان طلب التسليم ألغراض
سياسية.
-4تنص الم ادة 3من ق انون القض اء العس كري المع دل والمتمم أن ه «تطب ق أحك ام ه ذا الق انون على جمي ع المس تخدمين
العسكريين والمدنيين التابعين لوزارة الدفاع الوطني».
-5باإلض افة للعس كريين الت ابعين لمختل ف الق وات المس لحة ،تنص المادت ان 26و 27من ق انون القض اء العس كري على
اعتب ار بعض األش خاص كالعس كريين وبالت الي تط بيق ه ذا الق انون عليهم وتختص بنظ ر ج رائمهم المح اكم العس كرية طبق ا
للمادة 25منه.
-6الص ادر ب األمر رقم 28-71الم ؤرخ في 22أبري ل ،1971المع دل بالق انون رقم 14-18الم ؤرخ في 29يولي و
،2018م ع مالحظ ة أن الجريم ة العس كرية ك انت محكوم ة بالق انون رقم 242-64الم ؤرخ في 22أوت 1964الملغى
باألمر .28-71
-7سنرمز له بـ ق.ق.ع.
82
القضائية التابعة للقانون العام( )« ،»...وتطبق هذه العقوبات وفقا للمبادئ العامة وأحكام قانون
1
العقوبات( )».
2
والمالحظ أن الجريمة العسكرية نوعان ،جريمة عسكرية صرف وأخرى جريمة عسكرية
مختلط ة ،وه ذا بس بب أن الجريم ة العس كرية في الكث ير من األحي ان محكوم ة بق انونين ق انون
القضاء العسكري وقانون العقوبات.
- 1الجريمة العسكرية الصرفة
الجريم ة العس كرية الص رفة جريم ة بس يطة ،تق ع خرق ا ألحك ام النظ ام العس كري ،فترتب ط
بقانون القضاء العسكري وتنبثق من اإلخالل بقواعده ونظمه دون أن يكون لقانون العقوبات شأن
في ذلك ،فيعتبر ق انون القضاء العسكري مص در عدم مشروعيتها وح ده دون غ يره ،كالعصيان
المجرم بالمادة 254وجريمة الفرار في المادة 255وما يليها ،والتحريض عليه في المادة 271
والتشويه المتعمد في المادة ،273وجرائم اإلخالل بالشرف والواجب في المادة ،275وجريمة
التمرد في المادة 302وغيرها من قانون القضاء العسكري،
- 2جرائم عسكرية مختلطة
وهي سلوكات أو أفعال يرتكبها العسكريون أثناء ممارستهم لعملهم ومن في حكمهم إخالال
بأحك ام ق انون القض اء العس كري وهي في نفس ال وقت س لوكات مج رم ومع اقب عليه ا في ق انون
العقوب ات ،فهي إذن ج رائم تق ع خرق ا ألحك ام ق انونين ،الق انون الع ام أو الع ادي وق انون القض اء
العس كري ،كجريم ة التخ ابر م ع الع دو والت آمر على س المة ال وطن والتم رد وج رائم الخيان ة
والتجسس والتجنيد لصالح العدو وارتداء البزة العسكرية النظامية وتقلد األوسمة والنياشين بغير
ق انون ،وغيره ا من الج رائم العس كرية المختلط ة ،...وه ذا يع ني أن مص در تجريمه ا وع دم
مشروعيتها مزدوج ،فتجرم بقانون القضاء العسكري وبقانون العقوبات في نفس الوقت.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل من أهمية للتفرقة بين الجريمة العسكرية الصرف والجريمة
المختلطة ،وهل من أهمية للتفرقة بين الجريمة العادية والجريمة العسكرية؟
تب دو أهمي ة التفرق ة بين الجريم ة العس كرية الص رفة والمختلط ة في إش كالية االختص اص
الذي ينعقد للجهات القضائية العسكرية كلما كانت الجريمة عسكرية صرفة ،في حين تبدو أهمية
التفرق ة بين الج رائم العادي ة والجريم ة العس كرية في التفرق ة بين الجريم ة العادي ة والجريم ة
العسكرية المختلطة بطرح إشكالية االختصاص النوعي بها في ظل تجريمها بقانونين ألنه يمكن
حصول تنازع بين القضاء الجزائي العادي والجهات القضائية العسكرية،
فتنص الم ادة 25/5ق .ق .ع «وعلى ك ل ،يح ال الفاع ل األص لي والفاع ل المش ترك أو
الش ريك في الجريم ة ال تي لم ينص عليه ا في الفق رات ) (3 ،2 ،1أعاله ،أم ام مح اكم القم ع
3
للقانون العام».
تنص الم ادة 25/1ق.ق.ع «تنظ ر الجه ات القض ائية العس كرية في المخالف ات الخاص ة
بالنظ ام العس كري ،المنص وص عليه ا في الكت اب الث الث من ه ذا الق انون ويح ال إليه ا ك ل فاع ل
-1أنظر المادتين 5 ،5مكرر 1من قانون العقوبات.
-2وجر تطبيق األحكام المتعلقة بالشرعية وعدم رجعية القانون علة الماضي إال ماك ان منه أقل شدة والتطبيق اإلقليمي
للقانون وغيرها من األحكام العامة الوتي يقررها قانون العقوبات مع األخذ بعين االعتبار أحكام قانون القضاء العسكري.
- 3وهي الفقرات المحددة للجرائم التي تختص بنظرها المحاكم العسكرية الدائمة دون غيرها من الجهات القضائية العادية.
83
أص لي للجريم ة وك ل فاع ل مش ترك ،آخ ر وك ل ش ريك في الجريم ة س واء ك ان عس كريا أم ال».
وتنص الفق رة 2منه ا «ويح اكم ك ذلك أم ا الجه ات القض ائية العس كرية المس تخدمون العس كريون
والم دنيون الت ابعون ل وزارة ال دفاع الوط ني ،الف اعلون األص ليون للجريم ة والف اعلون المس اهمون
والشركاء في أية جريمة كانت مرتكبة أثناء الخدمة أو لدى المضيف» ،وبالرجع للكتاب الثالث
من قانون القضاء العسكري نجده ينظم نوعي الجريمة العسكرية الصرفة والمختلطة ،فتنص مما
يزيد في أهمية التفرقة بينهما وبالتالي يمكن أن يحصل تنازع بين القضاءين العادي والعسكري،
فأي منهما مختص عندما تكون الجريمة عسكرية مثل الخيانة والتجسس والمؤامرة طبقا للمادة
277وم ا يليه ا ،وفي نفس ال وقت يجرمه ا الق انون الع ادي في الم ادة 61وم ا يليه ا من ق انون
العقوبات؟ مما يتطلب بالضرورة حل التنازع بين القضاءين عندما تعرض نفس القضية أمامهما
في نفس ال وقت ،فتنص الم ادة 208ق.ق.ع «عن دما ترف ع قض ية أم ام قض اء عس كري وقض اء
ت ابع للق انون الع ام( ) ...في وقت واح د ،وتتعل ق بنفس الج رم أو بج رائم مترابط ة ،تبت المحكم ة
1
العلي ا ،في حال ة ال نزاع ،بطلب تن ازع القض اة ال ذي تقدم ه النياب ة العام ة ...طبق ا للم ادة 545من
قانون اإلجراءات الجزائية».
وه و م ا يع ني أن المح اكم العس كرية العادي ة تختص ب النظر في الج رائم العس كرية المن،
وهو ما يعني أن المحكمة العليا لها سلطة تقديرية في تحديد الجهة المختصة بالموضوع( ).
2
الباب الثاني
الركـن المـادي
الجريمة ظاهرة سلوكية اجتماعية يقوم بها اإلنسان( ) مخالفة ألحكام القانون التجريمي ،قد
3
تكون جريمة بسيطة وقد تمر عبر مراحل كالتفكير في إتيانها وعقد العزم عليه ،ثم ينتقل مقترفه ا
لإلعداد المادي لها بتحضير وسائل وأدوات تنفيذها ليصل إلى إتمامها بالبدء في ارتكابها وتحقيق
للغ رض اإلج رامي ال ذي أراده ،ه ذه الس لوكات المختلف ة تنظمه ا التش ريعات الجزائي ة بأحك ام ق د
تختلف في كثير من المواضع ،خاصة من حيث إضفاء صفة عدم المشروعية.
إن الجريم ة ق د ت ؤدي إلى اإلض رار بح ق أو مص لحة يح رص المش رع على حمايته ا وق د
تعرضها للخطر ،فتسمى األولى جرائم الضرر Délits de Lésionكجريمة القتل واالغتصاب
وهت ك الع رض والس رقة وخيان ة األمان ة والنص ب ،...ألنه ا تتض من اعت داء فعلي ا على الح ق في
الحي اة أو الح ق في الس المة الجس دية أو اعت داء على الش رف والع رض أو اعت داء على الم ال
بوجه عام ،أم جرائم الخطر Délits de mise en dangerكتعريض طفل للخطر فال تتضمن
- 1ويمكن أن يقع التنازل بين جهتين قضائيتين عسكريتين ،فتقرر المادة 209ق.ق.ع تطبيق أحكام المادة 548من قانون
القضاء العسكري وتتم اإلحالة من جهة ألخرى في األحوال التالية:
-ل داعي األمن العم ومي أو الش بهة المش روعة - ،لحس ن س ير القض اء -،بن اء على طلب وزي ر ال دفاع الوط ني بص فة
استثنائية عن تعذر إيجاد مساعدين عسكريين في الرتبة المطلوبة في تشكيل المحكمة.
أنظر المواد 5مكرر 7 ،6 ،من قانون القضاء العسكري.
-2كان قانون القضاء العسكري يضع معيارا ماديا يتعلق بنوع الجريمة جناية أو جنحة لتحديد أي من القضاءين مختص
بنظر الجريم ة العسكرية المختلطة م تى تم تنازع بينهم ا في المادة 25قبل تعديله بالق انون ،14-18حيث تنص الفقرتان
« 4 ،3وتختص المح اكم العس كرية الدائم ة خالف ا ألحك ام الم ادة 248من ق انون اإلج راءات الجزائي ة بالفص ل في الج رائم
المرتكب ة ض د أمن الدول ة وفق ا للنص ال وارد في ق انون العقوب ات وذل ك عن دما تزي د عقوب ة الحبس على خمس س نوات»،
«وعند ما تكون الجريمة من نوع الجنحة فال تختص المحاكم العسكرية الدائمة بها إال إذا كان الفاعل عسكريا أو مماثال
له» ،فتخص الجهة العسكرية بالنظر في الجناية بالرجوع للمادة 5من قانون العقوبات التي تنص «العقوبات األصلية في
مادة الجنايات هي -1 :اإلعدام -2 ،السجن المؤبد -3 ،السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس( )5سنوات وعشرين()20
سنة.»...
- 3وتقرر التشريعات الحديثة مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية في حدود وبحسب ما تسمح به طبيعتها القانونية.
84
اعت داء مادي ا وإ نم ا تتض من تهدي ده بخطر( ) ،وهي س لوك ق د يك ون إيجابي ا وق د يك ون س لوكا
4
سلبيا( ) ،تبعا للقاعدة الجزائية التي ما إذا كانت تتضمن نهيا أو أمرا ،وقد يقترفها شخص واحد
2
وقد تتضافر جهود شخصين أو أكثر في ارتكابها بالمساهمة فيها -الفاعل أو الفاعلون والشريك
أو الشركاء -في ارتكاب الجريمة وتحقيق المشروع اإلجرامي( ) ،وعليه فإن السلوك اإلجرامي
3
بمختلف صوره يشكل جوهر الركن المادي الذي بدونه ال تقوم الجريمة.
الفصل األول
عناصر السلوك اإلجرامي
تتكون عناصر الركن المادي من السلوك اإلجرامي أو السلوكات التي يقوم بها الفاعل أو
الفاعلون والنتيجة الناشئة عن هذا السلوك والعالقة السببية التي تربط بينهما ،أي الرابطة السببية
بين السلوك والنتيجة ،بحيث تكون هذه األخيرة ثمرة للسلوك اإلجرامي فال تنسب لغيره.
المبحث األول -السلوك اإلجرامي
السلوك المجرم قانونا سلوك خارجي واع وموجه يقوم به اإلنسان بغرض إحداث تغيير
في الع الم الخارجي( ) ،ف يرتكب مكونا مادي ات الجريم ة ال تي ينص الق انون على تجريمها ويقرر
4
له ا العق اب المناس ب ،فيلح ق الض رر بمص الح وحق وق محمي ة قانون ا أو يعرض ها للخط ر ،ألن
الق انون الجزائي ال يع اقب أح دا عن أي س لوك م ا لم يكن هذا الس لوك مادي ا يجرم ه الق انون ،فال
يعت د بالنواي ا والب واطن مج ردة من مظهره ا الم ادي الخ ارجي ،فال يج رم الني ة المج ردة ل ذاتها
كأصل مع إمكان أن يعتد بها أحيانا( ) فيشدد العقاب بسببها كسبق اإلصرار ،فتنص المادة 256
5
ق.ع على أنه «سبق اإلصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص معين
أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف
أو ش رط ك ان» ،وأن يك ون الس لوك س لوكا واع وموجها( ) وي رتب ض ررا أو خط را( ) ،بقص د
7 6
تحقيق نتيجة إجرامية مثل القتل العمد والسرقة ،أو بتحققها عرضا مثل القتل خطأ.
المطلب األول -السلوك اإليجابي
السلوك اإلجرامي اإليجابي سلوك إرادي محسوس يأتيه اإلنسان باستعمال أي عضو من
أعض اء جس مه في ارتكاب ه الجريم ة ،أو ه و حرك ة عض وية إرادي ة يأتيه ا إلح داث أث ر م ادي
ملموس خرقا لنهي القاعدة الجزائية ،كقيامه بإزهاق روح إنسان حي بإطالق النار عليه أو بخنقه
أو بطعن ه بس كين أو ب أي أداة أخ رى تح دث الوف اة «الم ادة 254ق.ع» ،أو الس رقة بنق ل حي ازة
الم ال المس روق خلس ة وب دون رض اه من مالك ه إلى الغ ير بني ة التمل ك «الم ادة 350ق.ع» ،أو
تزوير في محرر رسمي بوضع توقيعات مزورة أو بإحداث تغيير فيها «المادة 214ق.ع» ،أو
-1انظر المادة 314ق.ع التي تجرم وتعاقب على مجرد ترك طفل أو من كان عاجزا على حماية نفسه أو تعريض أي
منهما للخطر في مكان خال من الناس ،وتشدد العقوبة في حالة نشوء عجز ألي منهما.
-2ألن المش رع الجن ائي ال يقيم المس ؤولية الجزائي ة إال إذا ت وافرت أركانه ا كامل ة ،ف وقعت الجريم ة كامل ة بإتي ان الس لوك
كامال أو محاولة ارتكابها على النحو الذي يحدده القانون سلفا في المادتين 31 ،30ق.ع.
- 3نالحظ أن تحقيق النتيجة اإلجرامية ليست هي مآل المساءلة الجنائية ،فيكفي إتيان السلوك وفق ما يحدده القانون لترتيب
المسؤولية الجنائية عليه ،مثل تجريم المحاولة والجرائم الشكلية كحمل السالح بدون رخصة.
-4نالحظ أن هناك من السلوكات المجرمة ال تتوفر على أحداث أثر مادي ،أي تغيير في العالم الخارجي ،كما هو الحال
في الجريمة الشكلية.
- 5ومنها تجريم التحريض والعقاب عليه طبقا للمادتين 46 ،41ق.ع ،وكذلك المؤامرة وتكوين جمعيات األشرار.
- 6عندما يفقد السلوك صفته اإلرادية الواعية ،بصدوره عن غير وعي ينتفي معه العنصر النفسي المكون للركن المعنوي.
-7الح ظ أن الجريم ة ليس بالض رورة أن ت رتب ض ررا ،فالمش رع يع اقب أحيان ا على مج رد تع ريض المص الح المحمي ة
للخطر.
85
بانتح ال شخص ية الغ ير أو الحل ول محله ا «الم ادة 242ق.ع» ،أو اغتص اب فت اة عن وة «الم ادة
336ق.ع» ،أو بحمل أوسمة أو نياشين بغير حق «المادة 244ق.ع» وغيرها ،وهذا يعني أن
الس لوك اإلج رامي اإليج ابي س لوك إرادي يتطلب في ه الق انون أن يك ون ص ادرا عن إرادة واعي ة
وحرة باعتبارها القوة النفسية المدركة لكنه الفعل ومسيطرة على الحركة العضوية بغرض تحقيق
النتيجة .والمالحظ أن السلوك اإلجرامي اإليجابي هو األكثر عددا ،حيث أن السلوكات المجرمة
في قانون العقوبات أغلبها أفعاال يقوم بها الفرد خرقا لنهي القانون.
المطلب الثاني -السلوك اإلجرامي السلبي
وهو سلوك واع يتخذ فيه اإلنسان موقفا سلبيا من أمر القانون أو الواجب الذي يرتبه على
المخاطب بالقاعدة القانونية المتضمنة أمرا بالقيام بعمل محدد ،باإلمتاع إراديا عن القيام به ،فهو
يختلف عن السلوك اإليجابي لعدم قيامه على الحركة العضوية ،فالسلوك السلبي ليس عدما فهو
كي ان ق انوني ل ه وج وده وعناص ره ال تي يق وم عليها( ) يقتض ي ب دوره وج ود العالق ة النفس ية بين
1
المسلك السلبي المتخذ وإ رادة صاحبه ،كامتناع األم عن إرضاع طفلها الرضيع ،وامتناع القاضي
عن الجلوس للنظر في القضايا المعروضة عليه أو الموظف العمومي ليقضي بين الناس فيما هو
مختص به طبقا للمادة 136ق.ع( ) ،ترك طفل أو العاجز عن حماية نفسه في مكان خال طبقا
2
للم ادة 314ق.ع( ) ،وامتن اع الش اهد عن اإلدالء بالش هادة أم ام الجه ة القض ائية المختص ة طبق ا
3
للمادة 88وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية( ) ،وهذا يعني أن مثل هذا الموقف من أمر
4
الق انون للقي ام بعم ل أو س لوك م ا ليس موقف ا س لبيا مج ردا من العنص ر اإلرادي ،ب ل هي جميعها
تصرفات إرادية واعية ،وهي سلوكات ال تمثل في القانون إال قليال.
األهمية القانونية لمكان وزمان ارتكاب الجريمة
إذا كان المشرع الجنائي قد وضع قواعد تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان
في المادتين 3 ،2منه ،فتنص المادة « 2ال يسري قانون العقوبات على الماضي إال ما كان منه
أقل شدة» ،وتنص المادة « 3يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي
الجمهوري ة»« ،كم ا يطب ق على الج رائم ال تي ت رتكب في الخ ارج إذا ك انت ت دخل في اختص اص
المح اكم الجزائي ة الجزائري ة طبق ا ألحك ام ق انون اإلج راءات الجزائي ة» ،فال ي ولي أهمي ة كأص ل
لمكان ارتكاب الجريمة وال لزمانه كأصل ،إال أنه يعطيها أهمية قانونية أحيانا في نطاق محدد
م تى ق در أن زمن أو مك ان الجريم ة ل ه أهمي ة خاص ة من حيث التج ريم والعق اب ،وعلي ه نج د
قانون العقوبات وكذلك قانون اإلجراءات الجزائية يقرران قواعد خاصة يضفيان فيها على مكان
وزمان ارتكاب الجريمة أهمية خاصة.
يض في الق انون أحيان ا أهمي ة خاص ة على مك ان الجريم ة في بعض الج رائم ،فينص أن
الجريمة ال تقوم إال إذا وقعت في مكان يحدده القانون سلفا بالنظر إلى خصوصية المكان أحيانا،
ولعموميت ه أحيان ا أخ رى ،فجريم ة انته اك حرم ة المس كن يجب لقيامه ا أن يق ع الفع ل في مك ان
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 284وما يليها.
- 2تنص المادة «يجوز محاكمة كل قاض أو موظف إداري يمتنع بأية حجة كانت عن الفصل فيما يعرض عليه أن يقض ي
فيه بين األطراف بعد أن يكون قد طلب إليه ذلك ويصر على امتناعه بعد التنبيه عليه أو أمره بذلك من رؤسائه ويعاقب
بغرامة مالية من 750إلى 3.000دينار وبالحرمان من ممارسة الوظائف العمومية من خمس سنوات إلى عشرين سنة».
- 3إن الترك باعتباره جريمة سلبية ،إذا ترتبت عليه عاهة وهي نتيجة مادية فإن القانون يشدد العقاب.
-4تنص المادة 3 ،97/2إ.ج «وإ ذا لم يحضر الشاهد فيجوز لقاضي التحقيق بناء على طلب وكيل الجمهورية استحضاره
جبرا بواسطة القوة العمومية والحكم عليه بغرامة من 200إلى 2.000دينار« ،»...ويجوز توقيع العقوبة نفسها بناء على
طلب رجل القضاء المذكور على الشاهد الذي يمتنع رغم حضوره عن أداء اليمين أو اإلدالء بشهادته».
86
مسكون أو معد للسكن طبقا المادة 135من قانون العقوبات ،أو جريمة انتهاك أو التعدي على
الملكية العقارية للغير في المادة 386ق.ع ،وكذلك جريمة الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء
يجب لقيامه ا أن يق ع الفع ل المك ون له ا في مك ان ع ام مفت وح للعم وم طبق ا للم ادة 333ق.ع،
وكذلك المادة 39من نفس القانون.
أما بالنسبة لزمان ارتكابها فيهتم القانون أحيانا به ،سواء فيما يتعلق بالتجريم والعقاب أو
القواعد الجزائية األخرى ،إذ يشترط أحيانا أن يقع السلوك ليال فيعتبر الليل ظرفا مشددا للعقاب
في جريمة السرقة طبقا للمواد 355/2 ،354 ،353ق.ع ،وكذلك ما تقرره المادة 40من نفس
القانون «يدخل ضمن حاالت الضرورة الحالة للدفاع المشروع -1:القتل أو الجرح أو الضرب
الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سالمة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان
أو مداخل المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل» ،وكذلك المادة
352ق.ع ال تي تعت بر ارتك اب الس رقة في مك ان عم ومي ك الطرق أو وس ائل النق ل العم ومي
جناية ،وما يقرره قانون اإلجراءات الجزائية في المادة 48إ.ج من بطالن للتفتيش إذا تم خرقا
لحكم المادة 47منه التي تقرر وجوب إجراء التفتيش نهارا بين الساعة الخامسة صباحا والثامنة
مساء.
أهمية الوسيلة المستعملة في الجريمة
إن القاعدة العامة تقضي بعدم أهمية الوسيلة في اقتراف الجريمة ،ألن القانون عادة يلجأ
إلى تحديد أنماط السلوكات المجرمة دون اهتمام بالوسيلة التي اعتمدها الفاعل في إتيانها ،فالقتل
إزهاق روح إنسان حي بدون وجه حق ودون اهتمام بوسيلة القتل بطعنة خنجر أو بطلقة نار أو
بالخنق ،إال أن هذا لم يمنعه من أن يولي أحيانا أهمية خاصة للوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة
في بعض الجرائم ،كما فعل في جريمة القتل بالتسميم فتنص المادة 260ق.ع على أنه «التسميم
ه و االعت داء على حي اة إنس ان بت أثير م واد يمكن أن ت ؤدي إلى الوف اة ع اجال أو آجال أي ا ك ان
استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها» ،وهذا يعني أنه إذا كانت
الوس يلة ليس من ش أنها إح داث الوف اة آجال أو ع اجال فال تق وم الجريم ة المنص وص عليه ا في
الم ادة الس ابقة ،وكذلك ما تقرره الم ادة 41ق.ع التي ال تعتبر التحريض قائما كجريم ة مستقلة
متى كان موصوفا ،بالتحريض بإحدى الوسائل التي حددتها المادة السابقة ،وهي الهبة أو الوعد
أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية أو التحايل أو التدليس اإلجرامي( ) ،هذا باإلضافة لذلك يمكن
1
أن يولي القانون الوسيلة المستعملة أهمية خاصة ليس في التجريم وإ نما في العقاب ،حيث يقرر
أن استعمال وسائل معينة في الجريمة يشدد العقاب على المتهم في جريمة السرقة ،ومن األمثلة
حمل السالح والتسلق واستعمال المفاتيح المقلدة في المواد 359 ،354 ،353 ،351من قانون
العقوبات( ) وكذلك العنف والتهديد فكلها وسائل تستعمل في الجريمة ،وتعتبر ظروفا تحيط بها،
2
- 1فتنص «...أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة ،أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية أو التحايل أو
التدليس اإلجرامي».
-2يعاقب قانون العقوبات في المادة 359على مجرد تقليد وتزييف المفاتيح باعتبارها جريمة خاصة.
87
النتيج ة هي األث ر ال ذي يحدث ه الس لوك اإلج رامي س واء ك ان أث را إيجابي ا أو س لبيا ،وهي
تتضمن في مدلولها القانوني مفهومين ،واحد مادي وآخر قانوني( ) ،فاألول هو األثر المادي الذي
3
ترتب ه الجريم ة ويتحق ق في الع الم الخ ارجي فيعت د ب ه الق انون بتغي ير الح ال عم ا ك ان علي ه قب ل
ارتكاب الجريمة ،كواقعة الوفاة في جريمة القتل وانتقال حيازة المال المسروق إلى السارق من
مالكه أو حائزه ،واغتصاب األنثى وهتك العرض وإ تالف أموال الغير بدون وجه حق ،...أما
المفهوم القانوني فهو مجرد فكرة قانونية ليس لها وجود مادي ملموس ،تتمثل في صورة ضرر
معن وي ،باالعت داء على ح ق أو مص لحة محمي ة قانون ا بتعريض ها للخط ر ،وعلي ه فالنتيج ة به ذا
المفهوم هي المصلحة المحمية قانونا وتعريضها للخطر ،أو هي االعتداء أو العدوان الذي ينال
الحق وق أو المص الح المحمي ة قانون ا ،ألن المش رع الج زائي رأى أنه ا ج ديرة بالحماي ة الجنائي ة،
ويتح دد وج ود الع دوان من عدم ه ب العودة إلى ك ل نص ج زائي في ه أم ر لتحدي د الع دوان وت وافر
الحماي ة القانوني ة للح ق أو المص لحة من ع دمها ،في حين أن المفه وم الم ادي يتح دد بم دى وج ود
اآلث ار المادي ة ال تي ت درك بالمالحظ ة الحس ية ،وم ا تحدث ه من تغي ير في الع الم الخ ارجي بنهي
القانون عن إتيانها.
ونالحظ أن النتيجة في مفهومها القانوني ،تتوافر في جميع الجرائم اإليجابية والسلبية ،فهي
في جريمة القتل العدوان على الحق في الحياة ،وفي جريمة الضرب والجرح العدوان على الحق
في السالمة الجسدية ،وفي جريمة السرقة هو العدوان على ملكية الشيء المنقول ونقل حيازته،
وفي هتك العرض واالغتصاب فهي العدوان على شرف الشخص ،وهي جرائم إيجابية ،وه و في
الجريمة السلبية تعرض الحق للخطر بمجرد االمتناع عن القيام بما أمر به القانون ،وهو حق
المواطن مثال في التقاضي مثال والفصل في طلبه ،وحق الصغير في الحماية والرعاية.
جرائم الخطر وجرائم الضرر
يمكن تصنيف الجريمة من حيث األثر إلى جرائم ضرر وجرائم خطر انطالقا من مدلول
النتيجة المادي والقانوني ،فتكون الجريمة جريمة ضرر أو ضارة ،تقوم على أن القانون يوجب
لقيامه ا أن يق ع الض رر ال ذي يق وم علي ه ال ركن الم ادي ،كم ا في جريم ة القت ل ال تي ال تق وم إال
بإزه اق روح إنسان على قيد الحي اة طبقا للم ادة 254ق.ع ،والضرب والجرح في المادة 264
ق.ع ،والسرقة في المادة 250ق.ع ،وجريمة النصب في المادة 372ق.ع ،وخيانة األمانة في
الم ادة 376ق.ع ،...وتك ون جري ة خط ر عن دما ال يش ترط الق انون في تجريمه ا وق وع نتيج ة
إجرامية ملموسة ،أي أن التجريم فيها ال يقوم على عنصر الضرر ،وإ نما يقوم على ما يتضمنه
الس لوك من خط ر يه دد بوق وع ض رر ،ك المؤامرة الم ادة 85ق.ع ،وجمعي ات األش رار واالتف اق
الجن ائي في الم ادة 176ق.ع ،وت رك األطف ال والع اجزين وتعريض هم للخط ر في الم ادة 314
ق.ع وما يليها من نفس القانون( ) ،وحمل السالح بدون رخصة.
2
وعليه فإن النتيجة اإلجرامية في مدلولها القانوني يجب توافرها في جميع أنواع الجرائم،
باعتباره ا ع دوانا على ح ق يحمي ه الق انون ،في حين أن النتيج ة في الم دلول الم ادي ال يش ترط
-3وهم ا مفهوم ان يرتبط ان بن وعي الس لوك اإلج رامي اإليج ابي والس لبي ،من حيث أن الج رائم اإليجابي ة هي وح دها ال تي
تتحقق فيها النتيجة بمفهومها المادي والقانوني ،في حين أن السلوك السلبي ال تعدو النتيجة فيه أن تكون حقيقة قانونية فقط.
- 2ويمكن أن ترتب ضررا مما يستدعى تشديد العقاب في حالة حصول ضرر ،فيعاقب على مجرد الترك بالحبس من سنة
إلى ثالث سنوات ،فإذا ترتب عن فعل الترك ضرر فيشدد العقوبة فتصبح الحبس من سنتين إلى خمس سنوات.
88
وجودها في جميع أنواع الجرائم ،إذ يقتصر وجودها على الجرائم اإليجابية فقط دون غيرها من
الجرائم السلبية أو االمتناع وجرائم الخطر.
المبحث الثالث -عــالقــة الـسـبـبـيـة
إذا كانت العالقة السببية مشكلة فلسفية فقد الحظ الفالسفة أن وقوع نتيجة معينة ال يمكن
أن يكون ثمرة عامل واحد بل هي ثمرة لعدة عوامل ،يعتبر الواحد ضروريا لحدوثها بالصورة
التي وقعت بها ،فإذا أعطى شخص آلخر سما فمات في وقت معين وبصورة معينة ،فإن الفكر
الفلسفي يرى أن الوفاة في هذه الظروف ليست أثرا لفعل من أعطى السم وحده ،بل ساهم معه
الضعف الصحي للمجني عليه ،وعدم إسعافه في الوقت المناسب ،وبالتالي فإن السبب في وقوع
النتيجة ال يمكن أن يكون سلوك الجاني وحده ،بل هي جميع العوامل التي ساهمت في وقوعها
على نحو معين .وهو ما يؤدي إلى عدم إمكان تجاهل القانون للنتائج التي توصل لها الفالسفة
في هذا المجال( ).
1
وعلي ه لمس اءلة الش خص جزائي ا عن نتيج ة إجرامي ة معين ة بس بب ارتكاب ه لس لوك مج رم،
يجب توافر العالقة السببية أو الرابطة السببية بين السلوك والنتيجة ،هذه األخير هي ي العنصر
الث الث من عناص ر ال ركن الم ادي ،وتق وم الرابط ة أو العالقة( ) بين الس لوك اإلج رامي والنتيجة
2
عندما يكون السلوك سببا لحصول النتيجة ،وبعبارة أخرى فإن النتيجة تعتبر ثمرة هذا السلوك
المج رم ،ال ذي يعت بر ض رورة لوق وع النتيج ة ال تي تعت بر أث را ل ه ،ف إذا انتفت ه ذه العالق ة انتفت
معه ا الجريم ة ،وبالت الي ع دم اكتم ال عناص ر ال ركن الم ادي وع دم قي ام الجريم ة من الناحي ة
القانوني ة ،وهي عالق ة يجب توافره ا في جمي ع أن واع الج رائم عمدي ة أم غ ير عمدي ة ،ولتوض يح
العالقة السببية وما يمكن أن تطرحه من إشكاليات ،نورد هذه األمثلة:
-1ش خص يطل ق الن ار على آخ ر ،أو يطعن ه طعن ة قاتل ة فيم وت تحت وطأته ا ،ففي ه ذا المث ال
تقوم العالقة السببية بين السلوك والنتيجة طالما أن الوفاة وقعت نتيجة لتلك الطعنات ،وإ ذا كانت
هذه الصورة واضحة للعالقة السببية ،فإنه يمكن أن يكتنفها الغموض في كثير من األحيان ،ألن
النتيجة اإلجرامية قد ال تقع ثمرة عامل إجرامي واحد ،وإ نما تتضافر مجموعة من العوامل إلى
جانب سلوك الجاني في إحداث النتيجة اإلجرامية ،وهي سلوكات أو عوامل يمكن أن تكون سابقة
على سلوك الجاني ،وقد تكون الحقة له أو معاصرة له.
-2ش خص يطل ق الن ار على آخ ر ب دافع القت ل فيص يبه بج رح خط ير فينق ل للمستش فى إلس عافه،
فيق ع ح ادث م رور في الطري ق ،أو وق وع حري ق في المستش فى فيم وت المج ني علي ه بع دها ،أو
يستغل شخص ثالث عجز المجني عليه للدفاع عن نفسه فيجهز عليه بآلة حادة فيقضى عليه.
-3ش خص أص اب شخص ا آخ ر بج روح خط يرة ،نق ل على إثره ا الج ريح للمستش فى للعالج،
فأخطأ الطبيب خطأ مهنيا أثناء عالجه فمات المصاب.
. - 1د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات .الطبعة الرابعة ،1964 ،ص .313
-2نالحظ أن عالقة السببية فكرة فلسفية بتنازعها مذهبان ،مذهب مثالي وآخر مادي ،األول يقيم العالقة السببية على أنها
مقولة شخصية توجد في الذات اإلنسانية المدركة ،أو أنها عالقة تنبثق أو تستخلص من العقل المجرد أو المنطق وليس من
العالم الخارجي ،أما المذهب المادي فيرى في العالقة السببية رابطة موضوعية توجد خارج الشعور اإلنساني ،عالقة تربط
الظواهر في العالم الخارجي .وقد انعكس هذا الموقف على مفهوم العالقة السببية في النظريات التي اعتمدها كل مذهب،
وهي أفكار تؤخذ بعين االعتبار في المجال القانوني لصياغة النظرية المالئمة التي يمكن على أساسها إقامة العالقة السببية
بين أي سلوك والنتيجة اإلجرامية.
89
-4إص ابة ش خص بج روح متعم دة ،فال يق دم ل ه العالج المناس ب وفي ال وقت المناس ب ،أو يق ع
خطأ جسيم من المصاب يؤدي إلى تعفن الجرح وحصول مضاعفات فوقعت الوفاة.
ومن خالل ه ذه األمثل ة يب دو م دى التف اوت بين مجموع األس باب التي س اهمت في حدوث
النتيج ة اإلجرامي ة ،فق د يلعب إح داها دورا رئيس يا ويس اهم آخ ر ب دور فيه ا ول و ك ان بس يطا،
وبالتالي يطرح السؤال التالي :إلى أي منها ننسب السلوك بإقامة العالقة السببية بينه وبين النتيج ة
اإلجرامي ة؟ لإلجابة عليه ظهرت آراء مختلفة لوضع معيار مناسب يس تند إلي ه في تقرير توافر
العالق ة الس ببية بين الس لوك والنتيج ة من عدم ه ،اعتم اد على تع ادل األس باب والس ب األق وى أو
الفعال والسبب المالئم.
المطلب األول -تعادل األسباب
مفاده أن النتيجة يجب أن تكون ثمرة مجموعة من األسباب سلبية كانت أو إيجابية تتضافر
مجتمعة في إحداثها ،فيكون كل سبب ساهم في حدوثها سببا لها فتقوم العالقة السببية ،وال يكون
ك ذلك إذا ك ان تخلف ه من ش أنه أن ال تق ع النتيج ة ،فتس توي جمي ع العوام ل ال تي س اهمت كله ا في
إح داث النتيج ة باعتباره ا عوام ل متكافئ ة س واء ك انت س ابقة أو معاص رة ،من فع ل اإلنس ان أو
الطبيعة ،فتقوم العالقة السببية بين كل منها منفردة والنتيجة اإلجرامية ،فيعتبر عامال يمد العوامل
األخرى بصالحية إحداث النتيجة وبدونه تبقى دون أثر ،ذلك أن العوامل جميعا عدا فعل الجاني
تق ف ع اجزة عن إح داثها ،ف إذا وق ع ص ارت بقي ة العوام ل ص الحة إلح داث النتيج ة ،وعلي ه ف إن
جمي ع األس باب المس اهمة تعت بر س ببا للنتيج ة إذا ك ان من ش أن تخل ف أي منه ا انتف اء النتيج ة
اإلجرامية.
إذا كانت هذه النظرية تتفق مع المنهج الذي اعتمده التشريعات الجزائية ومن بينها القانون
الجزائ ري في تقري ر المس ؤولية الجزائي ة في الم ادة 41وم ا يليه ا من ق انون العقوب ات ،فإنه ا
نظرية تنتقد من عدة وجوه ،يمكن إجمالها في التالي:
-1تقوم النظرية على أساس متناقض ،فتعتمد أن تكون النتيجة ثمرة عوامل مجتمعة ،وأن تخلف
أح د ه ذه العوام ل يمن ع ح دوث النتيج ة فتس وي بينه ا جميع ا من حيث أثره ا في وقوعه ا ،فتقيم
العالق ة الس ببية بين ك ل واح د من تل ك األس باب وبين النتيج ة رغم الق ول ب أن تخ اف س بب منه ا
يمنع وقوع الجريمة.
-2إقامة معيار التفرقة على أساس شخصي بتأسيسها على الركن المعنوي ،فتؤسس للتفرقة بين
مرحل تي التحض ير للجريم ة والب دء في تنفي ذها ،وبين المس اهمة المباش ر وغ ير المباش رة على
أس اس شخص ي ،وبالت الي إقام ة المس ؤولية الجزائي ة على أس اس شخص ي وه و م ا يتن اقض م ع
طبيعة عالقة السببية الموضوعية باعتبارها عنصرا من عناصر الركن المادي.
-3صعوبة التمييز بين تلك العوامل المختلفة وتحديد دور كل منها في إحداث النتيجة للتسوية
بينها ،في حين أن المنطق يقتضي اختالفها فيصعب معرفة أي من العوامل سببا للنتيجة.
-4تنتق د النظري ة من حيث توس يعها ل دائرة المس ؤولية الجزائي ة ألش خاص تك ون أدوارهم على
درج ة أق ل من األدوار ال تي ق ام به ا اآلخ رون ،ألن ه في ظله ا يمكن مس اءلة أش خاص لم تكن
أعم الهم ذات أث ر أق ل من العوام ل األخرى الختالفها عن بعض ها البعض ،فم ده س بب بصالحية
ارتكاب الجريمة وإ حداث األثر.
90
المطلب الثاني -السبب األقوى أو الفعال
ي ذهب أنص ار الس بب األق وى أو الفع ال إلى أن العوام ل ال تي تتض افر في إح داث النتيج ة
تختل ف من حيث قوته ا في مس اهمتها في ذل ك مم ا يص عب مع ه الق ول أن تنس ب النتيج ة لعام ل
واحد منها ،مما يتعين معه أن تنسب النتيجة ألقواها ،أي السبب الذي كان له الدور الرئيسي أو
األساسي والفعال في حدوثها ،أما عداه من األسباب فال تعدو أن تكون ظروفا ساعدت العامل أو
السبب األقوى فهيأت له المجال إلحداث النتيجة ،وهذا يعني وجوب التمييز بين التي تعتبر منتجة
للضرر وتلك التي تكون عرضية ،فال يؤخذ في االعتبار إال السبب األقوى أو الفعال أو المنتج،
ألنه ليس من المنطق أن نضفي طابع العالقة السببية على مجموعة عوامل أقل قوة ،وتكمن قوة
السبب في أنه أقواها منفردة ،فمثال إذا طعن شخص أحد خصومه بخنجر قاصدا قتله ،فلم يتمكن
إال من إصابته بجرح خطير نقل على إثره إلى المستشفى فأصيب بتسمم لتعفن الجرح أدى إلى
وفاته ،فتقوم العالقة السببية بين فعل الطاعن والوفاة ،فيسأل عن الشروع في القتل ،وقد انتقدت
هذه النظرية من الجوانب التالية:
-1أن السبب األقوى أو الفعال يكون وحده لقيام العالقة السببية وقيام المسؤولية الجزائية
تبع ا لذلك وإ هم ال بقي ة األس باب األخرى التي تك ون قد س اهمت في وق وع الجريم ة ولو بأدوار
متفاوت ة ،مم ا ي ؤدي إلى إفالت الكث ير من العق اب ،ويتن اقض م ع المب ادئ ال تي تق وم عليه ا
التشريعات الجزائية الحديثة بالنص على تعدد الجناة والمساهمة الجنائية ،ومنها قانون العقوبات
الجزائي في المادة في المادتين 41 ،32وما يليهما.
-2عدم توافر معي ار مقن ع للتفرق ة بين مجموع ة األس باب واعتب ار إحداها هو األقوى أو
الفعال لصعوبة التفرقة بينها.
-3أن قوة الفعل ال تكمن في مادياته فقط ،بل إنها تكمن أيضا في الجانب اإلرادي لفاعله
أيضا مما يضفي عليه صفة الفعل الواعي المسؤول ،وهي مسألة ذاتية ال تتفق مع طبيعة العالقة
السببية الموضوعية.
المطلب الثالث -السبب المالئم
ي رفض أنص ار الس بب المالئم لل رأيين الس ابقين ،تع ادل األس باب والس بب األق وى ،فيب ني
العالق ة الس ببية بين الفع ل والنتيج ة على الس بب المالئم فلك ل واقع ة مادي ة عوام ل ض رورية
لوقوعها ،هذه العوامل هي التي تكمن فيها اإلمكانات المادية والموضوعية إلحداثها ،وهذا يعني
أن الس لوك يعت بر س ببا للنتيج ة اإلجرامي ة م تى ك ان من المتوق ع أن ت ترتب علي ه وف ق المج رى
العادي لألمور ،أي أن تكون النتيجة من اآلثار المألوفة للسلوك الذي قام به الفاعل وفقا للسير
الع ادي لألم ور ،ومن العوام ل المألوف ة ك أن يك ون المج ني علي ه مريض ا قب ل إتي ان الجريم ة أو
إهماله في عالج اإلصابة إهماال يسيرا بعدم التجائه للطبيب أو خروجه على تعليماته أو إتباعه
وسائل عالجية تقليدية ،مما يترتب عليه استبعاد أي عامل شاذ أو غير مألوف أو غير طبيعي أو
غ ير متوق ع ،كتقص ير المج ني علي ه تقص يرا جس يما في عالج نفس ه من اإلص ابة مثال لتعم ده
اإلساءة إلى حالته الصحية ،أو خروجه المطرد على تعليمات الطبيب المعالج ،وبالتالي ال تقوم
العالقة السببية إال إذا كانت العوامل مألوفة.
91
ويفرق بين العوامل المألوفة والعوامل الشاذة غير المألوفة ،على أساس عنصري العلم أو
إمكاني ة العلم لتقري ر م ا إذا ك ان الس بب مالئم ا أو كافي ا أو مناس با أو ش اذا إلح داث النتيج ة
المجرم ة ،ف إذا ت وافر العلم أو ك ان بإمك ان الفاع ل العلم ،فاإلمكاني ة المادي ة والموض وعية تعت بر
متوافرة ،وبالتالي تقوم العالقة السببية بين الفعل وبين النتيجة التي تحققت ،وإ ذا كانت شاذة انتفت
العالقة ،واتقد الرأي.
-1إن القول بتوافر اإلمكانية المادية والموضوعية قد ال يكون مقترنا دائما بوقوع النتيجة وقيام
العالق ة الس ببية بين الس لوك والنتيج ة ،فهن اك من الح االت ال تي تك ون فيه ا اإلمكاني ات المادي ة
مت وفرة ورغم ذل ك ال تق وم الجريم ة ،كالش روع في الجريم ة حيث تت وافر اإلمكاني ات المادي ة في
فع ل الش روع فال تق ع الجريم ة ،فمثال في الش روع في القت ل ال وج ود لعالق ة الس ببية لع دم قي ام
الجريمة التامة لتخلف النتيجة بسبب وقفها أو خيبتها رغم أن اإلمكانيات المادية كانت متوافرة.
-2إن الق ول باس تبعاد بعض العوام ل الش اذة وغ ير المألوف ة وغ ير الطبيعي ة أو غ ير المتوقع ة
وإ غفال تأثيرها ومساهمتها في إحداث النتيجة ،يؤدي إلى التضييق في نطاق المسؤولية الجزائية
من جهة ،ومن جهة أخرى ال يمكن إغفال تأثيرها ابتداء.
-3أن ضابط التفرقة بين األسباب المألوف ة وبين األسباب الش اذة غير المألوف ة يفتقد لس ند قوي
لوجود فرق بين قوة كل عامل ،باإلضافة ،وهناك فرق بين قوة العامل وبين العلم به ،ألن توافر
العلم بالعمل ليس بالضرورة أنتقوم به العالقة السببية.
-4الخلط بين ركني الجريمة المادي والمعنوي ،ألن شرط العلم المعتمد في هذا المجال يعتبر
عنصرا في الركن المعنوي الذي تتحدد على ضوئه المسؤولية الجزائية ومدى قيامها ،في حين
أن العالقة السببية عنصر من عناصر الركن المادي.
موقف القانون الجزائري من تلك النظريات
لم يعرف المشرع الجزائري العالقة السببية ولم يحدد رأيا من اآلراء السابقة اتجاها له( )،
1
ومع ذلك تنص المادة 288من قانون العقوبات «كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو
عدم احتياط ه أو عدم انتباه ه أو إهمال ه أو عدم مراعات ه األنظم ة يع اقب ب الحبس من س تة أشهر
إلى ثالث س نوات وبغرام ة من 1.000إلى 20.000دين ار» ،وك ذلك الم ادة 41وم ا يليه ا من
نفس الق انون يمكن اس تخالص موق ف للمش رع الجزائ ري منه ا ،وهي أحك ام ت وحي ب أن عالق ة
السببية تعادل األسباب ،وتولى القضاء تعريفها وتحديد سبب قيامها( ) ،ففي قرارين للمحكمة العليا
2
( ) نقضت بهما قرارين لمجلسي عنابة وتيزي وزو أنها تميل إلى األخذ بنظرية السبب المنتج أو
3
الفعال في تأسيس المسؤولية الجزائية ،ونظرية تعادل األسباب في المسؤولية المدنية( ) ،فجاء في
4
-1الح ظ الم ادة 288من ق انون العقوب ات ال تي تنص «ك ل من قت ل خط أ أو تس بب في ذل ك برعونت ه ،أو ع دم احتياط ه أو
عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من 1.000إلى
20.000دينار».
-2انظر بوجه عام القرارات التالية:
نقض جزائي 18يونيو ،1968مجموعة األحكام ،المجموعة األولى ،الجزء الثاني ،ص .232
نقض جزائي 20ديسمبر ،1988المجلة القضائية ،عدد ،4سنة ،1993ص ،229
نقض جزائي 19فبراير ،1981نشرة القضاة ،عدد خاص سنة ،1982ص .193
نقض جزائي 26ديسمبر ،1995المجلة القضائية ،2 ،سنة ،1996ص .182
نقض جزائي 30مايو ،1995المجلة القضائية ،سنة ،1996عدد ،2ص 179وما يليها.
-3نقض جزائي 19فبراير 1981المشار إليه أعاله.
-4حيث يتض ح من ه ذا الق رار أخ ذه بنظري ة تع ادل أو تك افؤ األس باب فيم ا يتعل ق بالمس ؤولية المدني ة المترتب ة عن ح وادث
الم رور ،حيث أي د م ا ذهب إلي ة مجلس قض اء الجزائ ر العاص مة ،حيث ج اء في ق رار المحكم ة العلي ا -المجلس األعلى
92
ق رار لها( ) «ولم ا ك ان من الث ابت أن المحكم ة لم تقض إال بإدان ة متهم واح د من مجم وع أربع ة
1
بتهم ة القت ل ،بينم ا البقي ة تمت إدانتهم على أس اس جريم ة ع دم تق ديم مس اعدة لش خص في حال ة
خطر .ورغما عن ذلك قضت في الدعوى المدنية بالتضامن فيما بينهم بدفعهم لألطراف المدنية
مب الغ مالي ة لج بر األض رار المادي ة والمعنوي ة ال تي لحقت بهم من جريم ة القت ل دون توض يح
للعالقة السببية بين أفعال عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر ،واألضرار الناتجة عنها
لتعويض ها ،وتع يين األض رار بص فة واض حة بالنس بة لك ل م دع ب الحقوق المدني ة وبه ذا ف إن حكم
المحكم ة ج اء مش وبا بنقص التعلي ل ويس توجب نقض ه» ،وج اء في حيثي ات نفس الق رار «حيث
يت بين فعال من الحكم الفاص ل في ال دعوى المدني ة أن ه تم القض اء على المحك وم عليهم األربع ة
الم ذكورين وعلى وج ه التض امن ب دفعهم لألط راف المدني ة ع دة مب الغ تعويض ا عن األض رار
المادي ة والمعنوي ة ال تي لحقت به ؤالء من ج راء قت ل الض حية والح ال أن المحكم ة لم تقض إال
بإدان ة واح د منهم من أج ل ه ذه الجناي ة وأم ا اآلخ رون فلم تنس ب إليهم إال جنح ة ع دم مس اعدة
شخص في حالة خطر( ) ،بحيث كان يتعين على هذه الجهة أن توضح العالقة السببية الموجودة
2
بين هذه الجريمة األخيرة واألضرار التي تم تعويضها وذلك طبقا ألحكام المادة الثانية من قانون
اإلجراءات الجزائية.») (...
3
ويس تخلص من حيثي ات الق رار أن المحكم ة العلي ا بنقض ها لق رار المجلس تس تبعد نظري ة
تع ادل أو تك افؤ األس باب( ) ،وتعتن ق نظري ة الس بب المنتج أو الفع ال( ) بإدان ة متهم واح د من
5 4
المتهمين بجريم ة القت ل العمد( ) ،ألن المتهمين الثالث أدين وا بق رار المجلس لع دم تق ديمهم
6
المساعدة للضحية في حالة خطر «...بحيث كان يتعين على هذه الجهة أن توضح العالقة السببية
الموجودة بين هذه الجريمة األخيرة واألضرار التي تم تعويضها وذلك طبقا ألحكام المادة الثانية
سابقا« -وذلك بعد قبوله توزيع المسؤولية المدنية أنصافا بين الطرفين ،».وهو القرار الذي صدر في ظل العمل بالقانون
رقم 159-62الم ؤرخ في 31ديس مبر 1962ال ذي ينص على اإلبق اء على س ريان الق وانين الفرنس ية في الجزائ ر إال م ا
كان منها يتعارض مع السيادة الوطنية.
نقض جزائي 18يونيو 1968المشار إليه أعاله.
-1نقض جزائي 20ديسمبر 1988المشار إليه سابقا.
-2وه و م ا ي وحي ب أن المحكم ة العلي ا اس تبعدت نظري ة تك افؤ األس باب ،فلم يأخ ذوا بعين االعتب ار مجم وع األس باب ال تي
لوالها لما وقعت حادثة الوفاة ،مقتصرين على سبب واحد وهو السبب المنتج أو الفعال وهو فعل القتل العمد ،وهو عكس
االتجاه الذي سلكته قبل ذلك فأخذت بنظرية تكافؤ األسباب فنقضت قرارا لمجلس قضاء عنابة يقضي على متهم واحد بدفع
تعويضات مدنية للمتضررين بالجريمة «وحيث يستخلص من قراءة القرار المطعون فيه أن قضاة الموضوع حملوا المتهم
وحده مسؤولية الحادث بالرغم من أن هذا عامل ميكانيكي ...وحيث يتضح من االطالع على الملف أن السيارة ملك للسيد
م.ا الذي قام بتسليمها إلى المتهم الطاعن قصد إصالحها ...وحيث أن مالك السيارة يبقى مسؤوال مدنيا طالما لم يفقد سلطة
اإلدارة والمراقبة والتوجيه عليها».
نقض جزائي 19فبراير ،1981نشرة القضاة ،عدد خاص سنة ،1982ص .193
-3نقض جزائي 20ديسمبر 1988المجلة القضائية ،عدد ،4سنة ،1993ص .232
-4في حين في ق رار آخ ر للمحكم ة العلي ا أخ ذت بتع ادل األس باب في ح دوث النتيج ة ،فج اء في حيثيات ه «حيث يت بين من
وث ائق المل ف وخاص ة من تقري ر الخ برة أن الطاعن ة تعم ل كطبيب ة برتبة مس اعدة بمستش فى تلمس ان في اختص اص م رض
العيون ولو كانت تقوم بالمداومة بمنزلها كما يسمح لها القانون أعطت التعليمات هاتفيا للطبيب المداوم بالمستشفى الرامية
إلى إدخ ال المريض ة إلى المص لحة ووض عها تحت المراقب ة وبداي ة العالج في ش كل مض ادات الج راثيم ومض ادات
االلتهاب...حيث أن الخبرة تبين أيضا أن األسباب التي أدت إلى فقدان عين الضحية وهي رفض أب الضحية إدخال ابنته
حينا للمستشفى وعدم توفير دواء روفاميسين الذي قدم بعد أسبوع وتعفن اإلبرة المتسببة في والوغزة».
نقض جزائي 26 :ديسمبر ،1995المجلة القضائية ،سنة ،1996عدد ،2ص 182وما يليها.
-5وجاء في حيثيات قرار آخر للمحكمة العليا أنه «من المق رر قانونا أن إهمال أو عدم انتباه ،أو عدم مراعاة لألنظمة،
يفضي إلى القتل الخطإ ،يعرض صاحبه للمسؤولية الجزائية .ومتى ثبت أن خطأ الطبيب أدى إلى وفاة الضحية ،وتوفرت
العالقة السببية بينهما استنادا لتقرير الخبرة ،واعتراف المتهم ،إذ أمر بتجريع دواء غير الئق بصحة المريض ،».وجاء في
حيثي ات نفس الق رار حيث أن الم دعي علي ه لم يأخ ذ بعين االعتب ار الم رض ال ذي ك انت تع اني من ه الض حية من قب ل وأم ر
بتجريع دواء البينيسلين عن طريق حقن واعتمادا أيضا على تقرير الخبير ،».وهو ما يستخلص أن المحكمة العليا تأخذ في
هذا القرار بالسبب المنتج أو الفعال.
نقض جزائي 30مايو ،1995المجلة القضائية ،سنة ،1996عدد ،2ص 179وما يليها.
-6نقض جزائي 20ديسمبر ،1988المجلة القضائية ،سنة ،1993عدد ،4ص .232
93
من ق انون اإلج راءات الجزائي ة ،»...وه ذا يع ني أن قض اة المحكم ة العلي ا لم يأخ ذوا بمجم ل
األس باب ال تي س اعدت بطري ق أو ب آخر في إح داث الوف اة ،ويس تخلص من مجم ل تل ك الق رارات
الص ادرة عن المحكم ة العلي ا ،أن المحكم ة تتج ه نح و تك وين اجته اد قض ائي في مج ال العالق ة
السببية ،يستند في إقامتها على نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب ونظرية السبب المنتج أو السبب
الفعال.
تقسيم الجريمة بالنظر لركنها المادي
س بق الق ول أن ه باإلض افة للتقس يم الق انوني للجريم ة جناي ة وجنح ة ومخالف ة طبق ا للم ادتين
5 ،27من ق انون العقوب ات ،يقس م الفق ه الجن ائي الجريم ة وف ق مع ايير وض وابط مختلف ة تس تند
ألرك ان الجريمة وب النظر ألركان الجريم ة ،وعليه تقسم من منظور الركن المادي للجريم ة إلى
مجموعة من التقسيمات كما يلي:
أوال -الجريمة اإليجابية والجريمة السلبية
إذا كان السلوك اإلجرامي قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا اعتمادا على نص القانون ما إذا
ك ان نهي ا أو أم را ،ف إذا ك ان نهي ا تك ون الجريم ة إيجابي ة فتق وم عن طري ق فع ل يأتي ه اإلنس ان
بحرك ة عض وية بالمخالف ة للنهي الق انوني عن ه ،كالقت ل والض رب والج رح والس رقة وال تزوير
واالغتص اب والزن ا وحم ل الس الح وهت ك الع رض ،وإ ذا ك ان أم را تق وم ب ه الجريم ة الس لبية
باالمتناع عن فعل أمر به القانون ،فهي جريمة تقوم باتخاذ موقف سلبي من أمر القانون ،ومن
األمثلة عليها ،امتناع القاضي عن الفصل فيما يعرض عليه من قضايا طبقا للمادة 136ق.ع،
وامتن اع الش اهد عن اإلدالء بالش هادة طبق ا للم ادة 97إ.ج واالمتن اع عن إغاث ة الغ ير في خط ر
طبقا للمادة 182/2ق.ع ،واالمتناع عن إبالغ السلطات بوقوع جناية أو جنحة طبقا للمادة 181
ق.ع.
ثانيا -الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة
يمكن أن تك ون الجريم ة وقتي ة أو مس تمرة اعتم ادا على ال وقت ال ذي يس تغرقه الس لوك
المج رم ،أي عنص ر ال زمن من حيث الم دة ال تي يس تغرقها تحقي ق عناص ر الجريم ة ،فالجريم ة
الوقتية تقوم على سلوك بسيط يقع في وقت محدد قصير جدا أو هي تقع في فترة زمنية قصيرة،
أو في بره ة يس يرة من ال زمن وتنتهي بالقي ام ب ه ،كجريم ة القت ل ال تي تتم وتق وم بمج رد إزه اق
روح إنسان على قيد الحياة ،والسرقة التي تتم وتنتهي بمجرد القيام بعملية االختالس وهو إخراج
المال من حيازة حائزة لحيازة السارق بدون وجه حق وبنية تملكه ،وامتناع الشاهد عن اإلدالء
بالش هادة أم ام الجه ة المختص ة ،فتق ع الجريم ة وتنتهي بمج رد االمتن اع عن اإلدالء به ا أو ع دم
الحضور أمامها في الزمان والمكان المحددين له ،وهذا يعني أن الجريمة الوقتية يمكن أن تكون
سلبية أو إيجابية.
أما الجريمة المستمرة فهي التي يتكون ركنها المادي من سلوك يتطلب بطبيعته االستمرار
في الزمان لفترة غير محددة قد تطول وق د تقصر ،أي أن السلوك اإلجرامي سواء كان سلوكا
إيجابيا أو سلبيا يأخذ حالة االستمرار أو االستغراق في الزمان ،وعليه فالجريمة المستمرة عكس
الجريمة الوقتية ال تقوم بفعل بسيط في الزمن ،وإ نما تقوم بسلوك يستغرق في الزمان مدة غير
محددة قد تطول وقد تقصر بحسب موقف الفاعل أو وضع حد لها من طرف السلطات ،كجريمة
94
إخفاء األشياء المسروقة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة التي تقوم على عنصر الحيازة
لتلك األشياء التي تمتد في الغالب فترة طويلة نسبيا( ) ،والحبس دون وجه حق في المادة 51/6
1
إ.ج ،وحمل األوسمة والنياشين بدون وجه حق في المادة 244ق.ع ،واالمتناع عن تسليم الطفل
لمن له الحق في ذلك طبقا للمادة 327وجريمة استعمال المحررات العمومية الرسمية في المادة
،) (218واس تعمال األخت ام والطواب ع والعالم ات الم زورة في الم ادة 205ق.ع ،وتب دو أهمي ة
2
ألنه ال يمكن تصور وقوعها في مكانين مختلفين ،في حين أن الجريمة المستمرة ونظرا إلمكان
تعدد أقاليم ارتكابها فإن الجهات القضائية المختصة تتعدد بتعدد أقاليم ارتكابها ،فتكون أكثر من
جهة مختصة ،ألن كل جهة تكون قد وقع فيها جزء من حالة االستمرار تكون مختصة:.
ب -من حيث التقادم ،تتقادم الدعوى العمومية بمضي المدة المحددة النقضائها قانونا ،طبقا للمادة
6وما يليها من قانون اإلجراءات الجزائية( ) ،وتحسب مدة التقادم ابتداء من يوم اقتراف الجريمة
4
ج -من حيث قوة الشيء المقضي فيه ،يحوز الحكم الجزائي النهائي قوة الشيء المحكوم فيه أو
قوة الشيء المقضي فيه ،ويعني هذا أنه حجة بما جاء فيه من حيث عدم جواز إعادة المحاكمة
مرة أخرى عن الواقعة نفسها ،فيحوز في الجريمة الوقتية قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للواقعة
ال تي نظرته ا الجه ة المختص ة وال يمت د أث ره لغيره ا من الوق ائع وإ ن تش ابهت ،أم ا الجريم ة
المستمرة فإن الحكم الصادر بشأنها الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه أو المقضي فيه يشمل أثره
جميع الوقائع المكونة لحالة االستمرار قبل تحريك الدعوى العمومية بشأنها ،سواء الوقائع التي
طرحت أمام الجهة القضائية المختصة فناقشتها ،أو تلك التي لم تطرح أصال فظهرت بعد الحكم
في موضوع الجريمة المستمرة ،ألن حالة االستمرار ال يمكن أن تكون إال جريمة واحدة تحرك
بشأنها دعوى عمومية واحدة.
ثالثا -الجريمة البسيطة وجريمة االعتياد
الجريمة البسيطة جريمة تتكون من سلوك إجرامي واحد بسيط يجرمه القانون لذاته ،أي
أنه ا جريم ة يكفي فيه ا القي ام بالس لوك البس يط لتوافره ا وقي ام المس ؤولية بش أنها ،ومن أمثلته ا
جرائم :القتل في المادة 254والضرب والجرح في المادة 264والسرقة في المادة 350والزنا
في الم ادة 339وخيان ة األمان ة في الم ادة 376والنص ب في الم ادة ،373وهت ك الع رض في
المادة 334واالغتصاب في المادة 336وغيرها من قانون العقوبات ،إذ يكفي فيها جميعا قيام
الفاع ل بفع ل االعت داء على الح ق في الحي اة في القت ل أو الس المة الجس دية بالض رب والج رح أو
أخ ذ الم ال المنق ول الممل وك للغ ير بغ ير رض اه بني ة التمل ك ،وال وطء في مح رم في جريم ة الزن ا
إلخ.....
أم ا جريم ة االعتي اد فهي تتك ون من أك ثر من فع ل واح د ،فال يكتفي المش رع في تجريمه ا
والعقاب عليها بارتكاب المتهم لفعل واحد فقط ،بل يجب االعتياد على القيام به ،فأفعال االعتياد
ليس ت مجرم ة بص فة منف ردة ل ذاتها ،فهي مجرم ة ومع اقب عليه ا على أس اس عنص ر التك رار
واالعتياد على إتيانها ،أي باقتراف أكثر من فعل واحد من طبيعة واحدة ،كالجريمة المنصوص
عليها في المادة 342ق.ع التي تنص «كل من حرض قصرا لم يكملوا التاسعة عشرة ذكورا أو
إناث ا على الفس ق أو فس اد األخالق أو تش جيعهم علي ه أو تس هيله لهم وك ل من ارتكب بص فة
عرض ية بالنس بة لقص ر لم يكمل وا السادس ة عش رة يع اقب ب الحبس من خمس س نوات إلى عش ر
س نوات وبغرام ة من 500إلى 25.000دج» ،وهي جريم ة تع رف بجريم ة تح ريض القص ر
على الفسق والفساد ،وكذلك جريمة التسول التي يجرمها القانون على أساس عنصر االعتياد فيها
طبق ا للم ادة 195ق.ع ال تي تنص «يع اقب ب الحبس من ش هر إلى س تة أش هر ك ل من اعت اد
ممارسة التسول في أي مكان كان وذلك رغم وجود وسائل العيش لديه أو إمكانه الحصول عليها
بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى».
ويس تخلص عنصر االعتي اد في الجريم ة وجودا وع دما من ص ياغة النص نفس ه ،حيث أن
تحريض القاصر دون السادسة عشر يكفي فيه اقترافه مرة واحدة والتي عبر عنها النص «بصفة
-5نقض جزائي 25أكتوبر ،1992المجلة القضائية ،عدد ،2سنة ،1993ص .205
96
عرضية» ،في حين أن تحريض من لم يبلغ التاسعة عشرة ولكنه بلغ السادسة عشرة سنة كاملة
يشترط فيها االعتياد فال يكفي لقيامها فعل واحد بل يجب تعدد الفعل ،وهو نفس الشيء بالنسبة
لجريم ة التس ول ال تي تق وم على االعتي اد أيض ا ،ويمكن حص ر أهم نت ائج التفرق ة بين ه اذين
النوعين من الجرائم -البسيطة واالعتياد -في النقاط التالية:
-1من حيث س ريان الق انون الجدي د ،فال يس ري ق انون العقوب ات إال على م ا يق ع من ج رائم في
ف ترة سريانه ،وبالتالي فالجريم ة البسيطة يطبق عليه ا الق انون ال ذي وقعت في ظ ل سريانه ،وال
يسري عليها القانون الجديد إال إذا كان أقل شدة ،أما جريمة االعتياد فيسري عليها القانون الجديد
ولو كان أكثر شدة ،إذا كانت األفعال المكونة لالعتياد قد وقع جزء منها في ظل سريان القانون
الجديد حتى ولو وقعت بعض األفعال منها في ظل القانون.
-2من حيث حساب مدة التقادم في الدعوى ،ففي الجريمة البسيطة تتقادم بمضي المدة المقررة
بحس ب م ا إذا ك انت جناي ة أو جنح ة أو مخالف ة من ي وم ارتكابه ا ،أم ا جريم ة االعتي اد يب دأ من
ارتكاب آخر فعل مكون لالعتياد فيها.
-3أم االختص اص اإلقليمي ،ففي الجريم ة البس يطة ال يتع دد االختص اص اإلقليمي ،في حين
يتعدد االختصاص اإلقليم بتعدد أماكن ارتكاب أفعال االعتياد.
-4ومن حيث قوة الشيء المحكوم في ه ،ف إن أثر ه ذا الحكم يش مل ك ل األفع ال المكون ة لجريم ة
االعتياد ،سواء كان الحكم الصادر فيها قد تعرض لها أم ال لجهله ببعضها ،وبالتالي ال تتخذ مثل
تلك األفعال كأساس العتياد جديد.
رابعا -الجريمة المتتابعة األفعال والجريمة المركبة
الجريم ة المتتابع ة األفع ال تتطلب التك رار والتت ابع والتع اقب في األفع ال المكون ة له ا ،أي
وقوع الفعل المادي المكون لها على دفعات أو بصفة متكررة ومتتابعة ،وهذا يعني نها تقوم على
مجموع ة س لوكات يعت بر ك ل واح د منه ا س لوكا مجرم ا لذات ه في نظ ر الق انون ،ويجم ع بين ه ذه
األفع ال وح دة الغ رض اإلج رامي كمن يق وم بس رقة م نزل على دفع ات متتالي ة ،أو كمن يض رب
شخص ا ع دة ض ربات ،فهي أفع ال متماثل ة يجمعه ا غ رض إج رامي واح د ك ل واح د منه ا يك ون
جريم ة مع اقب عليه ا بص ة مس تقلة ،وهي تتم يز عن جريم ة االعتي اد أن أفعاله ا مجرم ة بص فة
منفردة ،في حين أن أفعال االعتياد ال تجرم منفردة ،وتتميز الجريمة المتتابعة األفعال من حيث
اآلثار التي يمكن أن تترتب عليها ،وهي:
-من حيث االختصاص اإلقليمي للجهات القضائية،
-من حيث حساب مدة التقادم في الدعوى العمومية،
-من حيث تطبيق القانون الجديد.
-من حيث قوة الشيء المحكوم فيه.
خامسا -الجريمة المادية والجريمة الشكلية
يستلزم القانون في أكثر الجرائم أن ترتب نتيجة إجرامية معين ة ناش ئة عن الفعل المجرم
كالقت ل وه و إزه اق روح إنس ان على قي د الحي اة ،ال ذي ال يتص ور وقوع ه إال إذا حص لت الوف اة
كنتيجة له وهي نتيجة ضارة ،والسرقة وهي أخذ مال مملوك للغير بدون وجه حق بنية تملكه،
97
فال يمكن تص ور وق وع فع ل الس رقة إال بأخ ذ الم ال الممل وك للغ ير ب دون رض اه وبغ رض تملك ه
وبغير وجه حق ،أما الجريمة الشكلية فال يعتد المشرع في تجريمها والعقاب عليها على حصول
نتيجة إجرامية معينة فيجرم ويعاقب على بعض السلوكات مجردة من أي نتيجة إجرامية ،كحمل
الس الح ب دون ت رخيص وحم ل النياش ين ب دون وج ه ح ق وتقلي د أخت ام الدول ة ،فجميعه ا ج رائم ال
يشترط في قيامها حصول نتيجة إجرامية ملموسة ،إذ يكفي فيها القيام بالفعل من الناحية المادية
الصرفة.
وتب دو أهمي ة التفرق ة بينهم ا في المحاول ة ،فال يتص ور في الجريم ة الش كلية أن يب دأ في
تنفيذها دون وقوعها كاملة ،فهي إما أن تقع تامة أو ال تقع ،في حين أن الجريمة المادية تتصور
المحاولة فيها ،كمحاولة القتل أو محاولة السرقة أو االختالس...
الفصل الثاني
صور ارتكاب الجريمة
ق د تق وم الجريم ة بجمي ع أركانه ا تام ة –ركن ع دم المش روعية وال ركن الم ادي وال ركن
المعنوي ،-إال أنه ليس بالضرورة أن تتحقق جميع تلك العناصر مما يثير مشكلة مدى اكتمال
الجريمة ومدى مسؤولية من ساهم فيها ،وهو ما يسمى بالمحاولة أو الشروع في الجريمة ،وقد
تتض افر أك ثر من إرادة واح دة في إتيانه ا فتث ور مش كلة م دى مس ؤولية ك ل من س اهم فيه ا ،وفي
حالة قيام تلك المسؤولية هل يخضع الجميع لنفس األحكام القانونية وهي ما يسمى بالمساهمة في
الجريم ة ،فنظم المش رع المس ألتين ،المحاول ة في الجريم ة في الم ادتين 30و 31ق.ع،
والمساهمة( ) في المواد 41إلى 46ق.ع.
1
«ك ل مح اوالت الرتك اب جناي ة تبت دئ بالش روع في التنفي ذ أو بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة
إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إال نتيجة لظروف مستقلة عن
إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود بس بب ظ رف م ادي يجهل ه مرتكبه ا»،
وتنص المادة « 31المحاولة في الجنحة ال يعاقب عليها إال بناء على نص صريح في القانون»،
«والمحاولة في المخالفة ال يعاقب عليها إطالقا» ،فما هي المحاولة في ارتكاب الجريمة؟
يستخلص من حكم المادة 30ق.ع تعريف المحاولة "الشروع في تنفيذ الجناية أو الجنحة"
وهي "أفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش ر الرتك اب الجريم ة" ،وفي كال األم رين يش ترط فيهم ا أن
توق ف أو لم يخب أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ
اله دف المقصود بس بب ظرف م ادي يجهل ه ،فالمحاول ة جريم ة ناقص ة ،جريم ة غ ير تام ة ،لعدم
تحقق عناصر الجريمة كاملة بعدم تحقق نتيجتها اإلجرامية فال تقع لخيبة أثرها نتيجة عوامل ال
دخ ل إلرادت ه فيه ا ،وإ م ا أن ه لم ي أت ك ل األفع ال ف أتى بعض ها دون البعض اآلخ ر نتيج ة لت دخل
-1وهنا يجب التمييز بين المساهمة وتعدد الجرائم المنظم في المادة 32وما يليها من قانون العقوبات ،فترتكب عدة جرائم
من شخص واحد ال يفصل بينها حكم نهائي ،وهو ال يفترض الوحدة المعنوية بين هذه الجرائم ،فالفاعل تتوار لديه نيات
مختلفة بتعدد جرائمه ،وهو ما ال يتوافر في المساهمة التي تقوم على وحدتها المادية والمعنوية وإ ن تعدد المساهمون فيها.
-2ويطلق عليها الشروع .La tentative
98
عوام ل خارجي ة أو ذاتية ف أدت إلى وقفه ا ،وعلي ه ف إن الف رق بين المحاول ة والجريم ة التام ة ،ه و
عدم توافر النتيجة في األول وتوافرها في الثانية.
وق د ك ان لتخل ف النتيجة اإلجرامي ة بع دم تحققه ا وبس اطة الض رر في المحاول ة بالجريم ة
التامة األثر الكبير في التشريعات بتفرقتها في العقاب بين من يرتكب جريمة تامة ومن يرتكب
جريم ة ناقص ة ،فتأخ ذ ب اللين المحاول ة ،فيق رر بعض ها عقوب ة أخ ف في المحاول ة لع دم أخ ذ الني ة
اإلجرامي ة والخط ورة اإلجرامي ة ال تي تنط وي عليه ا بعين االعتب ار ،في حين ذهبت أخ رى إلى
التسوية العقابية بين من يحاول ومن يرتكب الجريمة تامة ،إال أن هذا ال يمنعها من معاملة األول
معاملة تختلف عن معاملة من ارتكب الجريمة كاملة.
العلة من العقاب على المحاولة
يعتبر العقاب على المحاولة استثناء يرد على القواعد واألحكام العامة التي تقرر وجوب
توافر أركان الجريمة وعناصر قيامها كاملة ،ألن قانون العقوبات إذا أقام الجريمة على مجموعة
من العناصر وجب توافرها جميعا ،فتنفي بعدم توافرها مكتملة ،كتخلف النتيجة في الجريمة مثال
فال يوج د م ا ي برر العق اب على مث ل ذل ك الس لوك ،ألن العق اب يق رره الق انون على الجريم ة
التامة( ) لكن المشرع يتوسع أحيانا في إقامة المسؤولية الجزائية في أوضاع ال تتوفر في السلوك
2
ك ل مقوم ات الجريم ة التام ة ،فلم يجع ل العق اب رهن ا باالعت داء الفعلي على الحق وق والمص الح
المحمية ،بل ربطه بتعريضها للخطر الذي يهددها باالعتداء عليها ،بواسطة أفعال مادية تعبر عن
م دى خطورته ا اإلجرامي ة على المص الح المحمي ة قانون ا ،س واء ك انت ه ذه الخط ورة مص درها
الفع ل الم ادي أو الني ة اإلجرامي ة ،وه و م ا ك ان موض وع خالف بين التش ريعات الجنائي ة ،حيث
يرجح بعضها األفعال المادية ،وأخرى ترجح النية ،فظهر مذهبان مادي وشخصي.
نوعا المحاولة
المحاولة نوعان ،شروع ناقص ويعرف بالجريمة الموقوفة ،يفترض فيه عدم القيام بجميع
األفعال التنفيذية الالزمة إلتمام الجريمة لتدخل عوامل خارجية تحول بينه وبين إتمام الجريمة،
كمن يهم بإطالق النار على المجني عليه فيتدخل طرف ثالث يحول بينه وبين إطالق النار ،أو
يتس لق حائ ط الم نزل للس رقة فيفاج أ بص احب المس كن موج ودا في تراجع عن إتم ام مش روعه
اإلجرامي،
أما الشروع التام فيعرف بالجريمة الخائبة يقوم المحاول بجميع األفعال التي من شأنها أن
تؤدي للجريمة إال أن النتيجة التي أرادها لم تتحقق بسبب ظرف خارجي يجهله ،كمن يطلق النار
على شخص بغرض قتله فال يصيبه في مقتل ،أو أن يطلق النار عليه فيخطئ في التصويب فال
يصيبه ،أو كمن يريد سرقة مال من الخزينة فيفتحها فال يجد بها شيئا.
وتبدو أهمية التفرقة بين المحاولة الموقوفة والمحاولة الخائبة في مدى حكم العدول وأثره
القانوني ،فالعدول اإلرادي أو االختياري ال يمكن تصوره في المحالة الخائبة فهو يتعلق بالمحاولة
الموقوف ة ،ألن من يح اول ارتك اب الجريم ة لم يس تنفذ بع د ك ل النش اط اإلج رامي مم ا يمكن ه من
العدول اختياريا فيتوقف عن مواصلة نشاطه قبل انتهائه ،فيحدث العدول أثره بعدم العقاب عليها
طالما أن التوقف كان إراديا دون تدخل أي عامل خارجي دفعه لذلك.
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .355
99
أما المحاولة الخائبة فإن من يحاول ارتكاب الجريمة بإتيان أو القيام بجميع األفعال التي
من شأنها تحقيق النتيجة فيخيب أثرها لتدخل عوامل منعت تحقيقها فال وجود للعدول ،فال يعدو
أن يكونن توبة ،كمن يعطي شخص سما قاتال ثم يسعفه بنقله للمستشفى ،وإ ذا كان االتفاق منعقدا
حول وجوب العقاب على المحاولة الموقوفة والتامة ،فإن االختالف قائم حول الحد الفاصل بين
م ا يعت بر محاول ة في الجريم ة وم ا ال يعت بر ك ذلك ،فظه ر م ذهبان عالج ا الموض وع كم ا س نرى
الحقا.
المطلب األول -أركـان الـمحاولة
إذا ك ان االتف اق فقه ا وقض اء وتش ريعا منعق دا ح ول وج وب العق اب على المحاول ة ،ف إن
االختالف قائم حول الحد الفاصل بين ما يعتبر محاولة في الجريمة وما يسبقه من أفعال تخرج
عن دائرة التجريم والعقاب ،فال تحت طائلة سلطان قانون العقوبات وأحكامه ،خاصة أن الجريم ة
تمر قبل ارتكابها بمراحل معينة ومتعددة ،فالفاعل قبل أن يقدم على جريمته قد يفكر فيها مليا
فيعق د الع زم على ارتكابه ا لينتق ل من مج ال نفس ي فك ري إلى الع الم الخ ارجي بتحض ير وس ائل
وأدوات الزمة لذلك ،فيباشر بعدها عملية تنفيذ الجريمة لتحقيق غايته اإلجرامية تامة.
والسؤال المطروح ،هل يكفي مجرد التفكير والعزم على إتيان الفعل المجرم؟ ،وهل تعتبر
األعمال التحضيرية دالئل مادية كافية للجزم بأن الفاعل تتوافر فيه اإلرادة والعزم القويان على
إتيان الجريمة مما يتطلب بالضرورة تدخل المشرع بتجريمهما؟ أم أن القانون ال سلطان له إال
إذا ارتكبت الجريم ة تام ة؟ ،وبعب ارة أخ رى م تى تت وفر اإلرادة اآلثم ة ال تي ت دعو إلى الت دخل
بالتجريم والعقاب في أي من السلوكات السابقة؟
وهي األسئلة التي سنحاول اإلجابة عليها بالتعريف بتلك المراحل وما ثار بشأنها من جدل
فقهي وم ا ه و موق ف المش رع الجزائ ري منه ا ،م ع اإلش ارة لق رار للمحكم ة العلي ا ج اء في ه «من
المق رر قانون ا أن ه لثب وت المحاول ة أو الش روع يجب أن تت وافر الش روط التالي ة :أوال :الب دء في
التنفي ذ ،ثانيا :وق ف التنفي ذ أو خيب ة أث ره ألس باب ال دخ ل إلرادة الفاع ل فيه ا ،ثالثا :أن يقص د ب ه
ارتك اب جناي ة أو جنحة( )» ،ق رار وض ع للمحاول ة أركانه ا استخلص ها من الم ادة 30من ق انون
1
العقوبات.
الفرع األول -البدء في التنفيذ
يثور جدل فقهي حول تحديد ما يعتبر بدء في التنفيذ وما هو األساس الذي تعتمده في ذل ك،
فيرتب المسؤولية الجزائية فيعاقب عليه قانون العقوبات باعتباره محاولة في ارتكاب الجريمة،
وما ال يعتبر كذلك فال يكون لقانون العقوبات سلطان عليه( ) ،فظهر مذهبان مادي وشخصي كل
2
له منهجه في تحديد الحدود الفاصلة بين ما يعتبر مجرما فيكون محاولة وما ليس كذلك فيكون
خ ارج دائ رة التج ريم والعق اب ،خاص ة أن الس لوك ق د يم ر بمراح ل متقدم ة ك التفكير والتحض ير
ليتجسد في العالم الخارجي ،ففي أي منها يتدخل المشرع بالتجريم والعقاب ،بما تتميز كل مرحلة
عن غيره ا ،وه و م ا ي دعو للتع رض له ذه المراح ل والتعري ف وموق ف الم ذهبين والمش رع
الجزائري منها.
-1نقض جزائي 05فبراير ،1991المجلة القضائية ،عدد ،2سنة ،1993ص 164وما يليها.
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 257وما يليها.
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...ص 143وما يليها.
د .سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون الجنائي ،...ص 265وما يليها.
100
أوال -المرحلة النفسية أو التفكير في ارتكاب الجريمة
وهي مرحلة باطنية ذاتية وأولية في ارتكاب الجريمة ليس فيها من األفعال المادية ،فتقوم
على محض فك رة أو مج رد إرادة ب التفكير في عم ل غ ير مش روع فيرس خ في ال ذهن بالتص ميم
عليه والعزم( ) عليها ،أو هي إحساس أو شعور لدى صاحب الفكرة يخلق في نفسه فكرة الجريمة
1
فيص مم عليه ا ويعق د الع زم على تحقيقه ا في الواق ع ،بوض ع خط ة ارتكابه ا وتحدي د وس ائل تنفي ذ
ذلك ،والجريمة في هذه المرحلة النفسية ال تزال رهينة العالم الباطني ،أي رهينة نفس من فكر
فيها( ) ،وهي مرحلة ال تكون جريمة فال يعاقب عليها القانون ابتداء أو أصال حتى ولو ثبت أن
2
الشخص فكر وعقد العزم على إتيان الجريمة ولو اعترف على نفسه وأخطر غيره بها أو أخطر
الس لطات( ) ،ألن ق انون العقوب ات ال يعت د بالني ة أو الب اطن مج ردا من أي س لوك خ ارجي ،فال
3
مج ال ل ه لحكمه ا إال إذا ب دت في س لوكات مادي ة ظ اهرة في الع الم الخ ارجي( ) ألن من القواع د
4
الثابتة في فيه أن الجريمة ال تقوم إال بتوافر الركن المادي الذي يقوم على إتيان السلوك المادي،
وه و م ا يس تخلص من الم ادة « 30ك ل محاول ة الرتك اب جناي ة تبت دئ بالش روع في التنفيذ أو
بأفع ال ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة إلى ارتكابه ا تعت بر كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب
أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة عن إرادة مرتكبه ا ح تى ول و لم يمكن بل وغ اله دف المقص ود
بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها».
ويمكن القول أن العلة في عدم تجريم وعقاب الفكرة والعزم عليها ألن قانون العقوبات ال
يهتم بما يختلج في النفس البشرية من شعور وأفكار توسوس له أو تحدثه بها نفس( ) ،فال يوليها
5
أهمي ة كأص ل لع دم اهتمام ه بالنواي ا مج ردة عن س لوك م ادي ،ألنه ا نواي ا من الص عوبة بمك ان
إثباتها والتأكد من وجودها ،فال يكون للقانون سلطان عليها إال إذا بدت في أفعال مادية ملموسة،
هذا من جهة ومن أخرى التشجيع على محاربة النفس األمارة بالسوء بالعدول عما تسول به من
عمل ال أخالقي أو أفكار إجرامية عدوال طوعيا.
حاالت يعتد فيها بالنية
إذا ك ان األص ل أن مج رد الفك رة والع زم عليه ا ال تعت بر جريم ة وال يع اقب عليها( ) ،ف إن
6
القوانين تخرج استثناء على هذه القاعدة ،فتولي النية أهمية خاصة في أحوال محددة متى بدت
ظ اهرة في صور يعتد به ا الق انون ،كاالتف اق الجنائي والتحريض على ارتك اب الجرائم والتهديد
والم ؤامرة ،فال تعت بر تجريم ا وال عقاب ا لمج رد التفك ير في الجريم ة والتص ميم عليه ا ،ب ل هي
حاالت خاصة يجرمها القانون وفق أوصاف متعددة على النحو التالي:
أ -التفك ير كجريم ة خاص ة ،كاالتف اق الجن ائي في الم ادة 176ق.ع «ك ل جمعي ة أو اتف اق مهم ا
كانت مدته وعدد أعضائه تشكل أو تؤلف بغرض اإلعداد للجنايات أو ارتكابها ضد األشخاص
-1ينص قانون العقوبات المصري المادة « 45/2وال يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها.»...
-2نالح ظ أن ه إذا انتق ل الش خص من ه ذه المرحل ة النفس ية إلى مرحل ة مادي ة فخ رج بفكرت ه للع الم الخ ارجي تخض ع لج دل
فقهي واسع واختالف تشريعي بين ما يعتبر منه داخال في دائرة التجريم والعقاب ،وما يخرج عنهما.
- 3د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .360
- Donnedieu de Vabres: Traité Elémentaire de Droit Criminel Comparé. 2 éd. Paris. 1945. p.131.
4
-5نالح ظ أن الش ريعة اإلس المية وإ ن ك انت ال تع رف الش روع كنظري ة خاص ة ،بس بب طبيع ة ج رائم الح دود والقص اص
باعتبارها جرائم محددة تحديدا دقيقا من حيث أركانها وشروطها والعقوبة المقررة لها من جهة ،وطبيعة الجرائم التعزيرية
ال تي تق وم على س لطة ولي األم ر في التج ريم والعق اب على ك ل فع ل يعت بر معص ية لم يق رر ل ه ح د أو قص اص من جه ة
أخرى.
-6الح ظ الم ادة 45من ق انون العقوب ات المص ري مثال «ال يع د ش روعا في الجناي ة أو الجنح ة مج رد الع زم على
ارتكابها»...
101
أو األمالك تك ون جناي ة جمعي ة األش رار ال تي تنش أ بمج رد التص ميم المش ترك على العم ل»،
واالشتراك في جمعية أشرار أو االتفاق على تشكيلها طبقا للمادة 177ق.ع «يعاقب بالسجن من
خمس إلى عش ر س نوات ك ل ش خص يش ترك في الجمعي ة أو االتف اق المح دد في الم ادة ،»176
وهو تجريم لمجرد االتفاق بغض النظر عما إذا كانت الجريمة قد حصلت أم ال ،إذ يكفي للعقاب
توافر صفة الجمعية أو االتفاق الجنائي لقيام الجريمة الخاصة.
والتحريض على ارتكاب الجريمة ،يشترط فيه أن يكون تحريضا موصوفا ،فيتم بالهبة أو
الوع د أو التهدي د أو إس اءة اس تعمال الس لطة أو الوالي ة أو التحاي ل أو الت دليس اإلج رامي ،كم ا
تحددها المادة 41من قانون العقوبات ،فيكون جريمة خاصة يعاقب عليها سواء نفذت الجريمة أم
لم تنفذ المتناع من كان ينوي تنفيذها ،فتنص المادة 46من نفس القانون «إذا لم ترتكب الجريمة
المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته فإن المحرض عليها يعاقب رغم
ذل ك بالعقوب ات المق ررة له ذه الجريم ة» ،يع اقب علي ه الق انون لم ا يش كله من خط ر على الهيئ ة
االجتماعي ة ومص الحها وأمنه ا واس تقرارها ،خاص ة عن دما تق وى ش وكة الجن اة ف يزداد تك البهم
وإ ص رارهم على ارتك اب الج رائم ،فيك ون العق اب عندئ ذ أم را تقتض يه ض رورة ال دفاع عن
المجتمع ،وحفظ النظام واألمن والسكينة فيه.
والمؤامرة والتهديد ال تي يجرمهما ويع اقب عليهم ا ق انون العقوب ات ،فنعرفه ا الفق رة 3من
الم ادة « 78وتق وم الم ؤامرة بمج رد اتف اق شخص ين أو أك ثر على التص ميم على ارتكابها( )»،
2
وتق رر له ا الفق رة األولى ص فة الجناي ة والعقوب ة على ذلك «الم ؤامرة ال تي يك ون الغ رض منه ا
ارتك اب الجناي ات ...يع اقب عليه ا »...ب ل إن الم ادة 78في فقرته ا األخ يرة تع اقب عن مج رد
عرض تدبير مؤامرة الرتك اب جناي ات بغ رض القض اء على نظام الحكم أو تغي يره أو تحريض
المواطنين والسكان على حمل السالح ضد سلطة الدولة ،أو ضد بعضهم البعض أو ضد المساس
بوحدة التراب الوطني ،مما يوضح اعتماد النية في حاالت استثنائية تبدو فيها خطورة على نظام
الدولة بصفة عامة ،وجريمة التهديد كسلوك يصيب أمن الجماعة بقدر ما يحدثه هذا التهديد من
هل ع ورعب في نفس المج ني علي ه مم ا ق د يحمل ه كره ا على إجاب ة المه دد لمطالب ه غ ير
المش روعة ،طبق ا للم واد 287-284ق.ع ،فتنص الم ادة « 284ك ل من ه دد بارتك اب ج رائم
القتل أو السجن أو أي اعتداء آخر على األشخاص.»...
ب -التفكير كظرف مشدد
يعاقب قانون العقوبات على التفكير أو المرحلة النفسية باعتبارها ظرفا مشددا للعقاب ،مثل
س بق اإلص رار ال ذي يعرف ه الق انون في الم ادة 256ق.ع «س بق اإلص رار ه و عق د الع زم قب ل
ارتكاب الفعل على االعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته
وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان» ،وهذا يعني أنه تفكير هادئ قبل
التصميم وعقد العزم على ارتكاب أي جريمة من جرائم القتل أو الضرب أو الجرح المنصوص
عليه ا في الم واد 265 ،261 ،256 ،155ق.ع ،فيعت د ب ه الق انون م تى ت وافر في جريم ة من
الجرائم السابقة.
ثانيا -المرحلة التحضيرية
-2تنص المادة 2 ،78/1ق.ع «المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجنايات...يعاقب عليها بالسجن المؤقت من
عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا تالها فعل ارتكب أو بدئ في ارتكابه لإلعداد لتنفيذها .وتكون العقوبة السجن المؤقت من
خمس إلى عشر سنوات إذا لم يكن قد تال المؤامرة فعل ارتكب أو بدئ في ارتكابه لإلعداد لتنفيذها».
102
هي مرحلة تلي مرحلة التفكير والتصميم ،وهي مرحلة متقدمة ومتطورة بالنسبة للمرحلة
األولى( ) ،من حيث أن الش خص ينتق ل من مج رد فك رة خط رت ببال ه ثم اس تقرت في ذهن ه ثم
1
صمم وعزم على تجسيدها في الواقع ،إلى التحضير المادي باإلعداد لها بأفعال ذات كيان مادي
ملموس ،كإحضار كل وسيلة أو أداة مسهلة الستعمالها في عملية التنفيذ ،كشراء السالح مثال أو
إحض ار الم ادة الس امة أو تهيئ ة أداة تنفي ذ الجريم ة كص نع المف اتيح لفتح الخزان ة الم راد س رقتها
وغيرها ،وبعبارة أخرى ،فإن هده المرحلة تقوم على كل فعل يهدف لخلق الوسط المالئم ماديا
لتنفي ذ الجريم ة بتحض ير أدوات ووس ائل ارتكابه ا ،واألص ل فيه ا أنه ا مرحل ة غ ير مع اقب عليه ا
لألسباب التالية:
-1أن الش خص لم يكش ف بع د عن نيت ه اإلجرامي ة بش رائه الس الح أو بإحض اره أو حيازت ه ،فال
نستطيع تحديد الغرض من اكتساب السالح.
-2عدم انطواء هذه المرحلة على خطر يهدد المصالح والحقوق الجديرة بالحماية الجزئية.
-3أن من السياس ة الجنائي ة الحكيم ة ع دم العق اب على األفع ال التحض يرية الرتك اب الجريم ة،
تشجيعا لألفراد للعدول عما حضروا ماديا للقيام بأعمال غير مشروعة.
إذا كان القانون ال يعاقب على العمل التحضيري مجردا ،أو بالنظر لصلته بالجريمة التي
ك ان ين وي ارتكابه ا ،ألن ال يش كل تهدي دا مباش را للمص الح المحمي ة جزائي ا ،وال يكش ف بص ورة
واضحة عن نية إجرامية تنم عن خطورته ،إال أن هذا لم يمنع اهتمام التشريعات من التوسعة في
مفهوم البدء في التنفيذ( ) بإضفائه على بعض األعمال التحضيرية ألنها تنم عن خطورة إجرامي ة،
2
وق د تك ون بواب ة أو مقدم ة لإلج رام بص ور مختلف ة وبتج ريم بعض ص ور التحض ير على النح و
التالي:
-1العمل التحضيري كجريمة خاصة
يعت بر ق انون العقوب ات العم ل التحض يري أحيان ا جريم ة خاص ة مس تقلة ب ذاتها ومتم يزة،
بغض النظر عن الجريمة المراد ارتكابها بواسطته ،تقديرا لخطورتها على نظام الجماعة بوجه
عام وبغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحصل عنه ،ومن أمثلة هذه السلوكات حمل السالح
ب دون ت رخيص( ) ،وتقلي د المف اتيح أو التغي ير فيه ا الم ادة 359ق.ع والتهدي د بارتك اب بعض
3
-1ينص قانون العقوبات المصري في الفقرة الثانية من المادة « 45وال يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة ....األعمال
التحضيرية لذلك».
- 2نالحظ هنا مدى التداخل بين هذه المرحلة والبدء في التنفيذ وهو ما كان مثار جدل فقهي.
- 3وقد صدرت عقب االستقالل مجموعة من القواعد القانونية تتضمنها مراسيم ،تنظم حيازة األسلحة:
-المرس وم 85-63في 16/3/1963لقم ع الج رائم المرتكب ة ض د التش ريع المتعل ق باكتس اب وحي ازة وص نع األس لحة
والذخائر والمتفجرات.
-المرسوم رقم 291-63في 2/8/1963المتعلق بمنع صناعة وبيع المفرقعات واألسهم النارية.
-المرسوم 399-63في 7/10/1963المتعلق بتصنيف العتاد الحربي واألسلحة والذخيرة غير المعتبرة كعتاد حربي.
-المرس وم 400-63في 7/10/1963المتعل ق بتحدي د حق وق بعض األص ناف من األش خاص فيم ا يخص اقتن اء وحي ازة
وحمل األسلحة.
-المرس وم 441-63الم ؤرخ في 8/11/1963المتعل ق بتنظيم ش روط اقتن اء وحي ازة وحم ل أس لحة الص يد وذخائره ا
والتنازل عنها.
103
يبدو اهتمام القانون بالعمل التحضيري باإلضافة لتجريمه كجرائم خاصة ،إضفاء وصف
الظ رف المش دد على بعض ص وره بتغلي ظ العق اب وتش ديده على من ت وافر في ه ،فحم ل الس الح
وتقلي د المف اتيح والترص د تعت بر ظ رفين مش ددين للعق اب م تى وقعت الس رقة باس تعمال مف اتيح
مص طنعة أو الم زورة أو المقل دة أو م ع حم ل الس الح طبق ا للم ادة 351ق.ع وم ا يليه ا ،وك ذلك
الترص د طبق ا للم ادة 257ق.ع ه و «انتظ ار ش خص لف ترة ط الت أو قص رت في مك ان أو أك ثر
وذلك إما إلزهاق روحه أو لالعتداء عليه» ،هو ظرف يشدد في جرائم القتل والضرب والجرح.
-3العمل التحضيري كوسيلة اشتراك
يع اقب على العم ل التحض يري باعتب اره عمال يس اعد على ارتك اب الجريم ة ،إذا وق ع من
شخص وهو يعلم بأنه يساعد ويعاون على ارتكابها ،كمن يقدم سالحا للمنفذ أو الفاعل ليساعده
في تنفي ذ جريمت ه ،فيع اقب على تقديم ه ي د المس اعدة ل ه في تنفي ذ جريمت ه ويتحم ل نفس العقوب ة
المقررة للفاعل األصلي طبقا لقواعد المساهمة الجنائية المقررة في المادة 41ق.ع وما يليها.
ثالثا -المرحلة التنفيذية
بعد استنفاذ الشخص لمرحلتي التفكير والتصميم وعقد العزم على ذلك والحضير المادي
ل ذلك ،ينتق ل لعملي ة تنفي ذ م ا فك ر فس يه وحض ر ل ه بإتي ان فع ل أو أفع ال مادي ة الغ رض منه ا
الوص ول لغايت ه اإلجرامي ة ،فم ا هي األفع ال ال تي يأتيه ا فتعت بر ب دء في التنفي ذ ،وم ا هي األفع ال
ال تي يق وم به ا فيعت بر عمال تحض يريا؟ ،وبعب ارة أخ رى م ا هي الح دود الفاص لة بين العم ل
التحض يري والب دء في التنفي ذ خاص ة أنهم ا مرحل تين مت داخلتين اختل ف في تحدي د معي ار التفرق ة
بينهما ،وأحيانا جاء النصوص المنظمة غامضة؟ ،ولتوضيح ذلك نورد األمثلة التالية:
-فتح باب مسكن أو تسلق سوره بغرض سرقته.
-حفر خندق تحت حائط مسكن بغرض دخوله للسرقة.
-تعبئة البندقية بالرصاص ووضع اإلصبع على الزناد وتوجيهها نحو المجني عليه.
-إطالق النار على المجني عليه بنية قتله فال يصاب إال بجروح.
لإلجاب ة على ه ذه التس اؤالت لوض ع الح دود الفاص لة بين مرحل تي التحض ير والب دء في
التنفيذ ،وفي ظل غموض النصوص الجزائية بعدم إفصاحها عن البدء في التنفيذ لتعذر حصر ما
يعت بر من األفع ال محاولة( ) ،ظه رت تي ارات فقهي ة ح اول ك ل منه ا وض ع معي ار ل ذلك ،يمكن
1
-1نالح ظ أن ع دم إفص اح المش رعين ص راحة على م ا يعت بر ش روعا وم ا ال يعت بر ك ذلك ،يجب أال يفهم من ه ت رك س لطة
تق دير ذل ك للقاض ي ال ذي يك ون ل ه ال رأي النه ائي في ذل ك ،ألن المس ألة تظ ل قانوني ة يخض ع في تق ديرها لرقاب ة المحكم ة
العليا.
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 257وما يليها.
104
تنطويان عليه من خطورة إجرامية ،وهذا يعني أن التمييز بين التحضير والبدء في التنفيذ أساسه
السلوك اإلجرامي نفسه ،فالمحاولة هي البدء في تنفيذ أو البدء في إتيان السلوك المادي المكون
للجريم ة ،ففي جريم ة الس رقة ال يك ون الش خص بادئ ا في تنفي ذها إال إذا ك ان ق د وض ع ي ده على
الم ال المنق ول الم راد س رقته ،وفي الب دء في القت ل ال يك ون إال بإتي ان فع ل ي ؤدي مباش رة إلى
إزهاق روح إنسان كطعنه بخنجر أو إطالق النار عليه فال يصيبه.
ويتم يز الم ذهب الم ادي في التفرق ة بين م ا يعت بر ب دء وم ا ال يعت بر ك ذلك ببس اطة أفك اره
ووضوحها:
أ -الوض وح والدق ة وع دم االختالف في ال رأي بش أنها ،ألن ه يكفي في تحدي د وج ود الش روع من
عدمه الرجوع للنص المحدد للنموذج اإلجرامي للقول بقيام الشروع في ارتكاب الجريمة أم ال.
ب -التوسعة في حماية الحقوق والحريات الفردية إلى حد عدم العقاب على فعل يأتيه الشخص،
ما لم يكن هذا الفعل يعتبر جزء من السلوك المكون للركن المادي للجريمة.
ج -تقييد سلطة القاضي الجزائي ،بمنعه من التوسع في دائرة األفعال التي يمكن أن تدخل ضمن
الشروع في الجريمة والمعاقب عليها بهذه الصفة.
ورغم هذه الخصائص فإنه لم يسلم من النقد ،خاصة من حيث النقص الذي يعتري أفكاره،
وعدم إسباغه الحماية الكافية لحق المجتمع في األمن واالستقرار ،ألنها أفكار تضيق من نطاق
الشروع إلى حد إفالت الكثير من الجناة لمجرد أنهم لم يأتوا عمال يدخل في تكوين الركن الم ادي
للجريمة.
ورغم ه ذا إال أن ه ورغم م ا يتم يز ب ه ه ذا الم ذهب لم يس لم من النق د من حيث تض ييقه من
نطاق المحاولة في الجريمة( ) مما ينقص من فرص الحماية الجزائية للحقوق والحريات ،ألنه في
3
جريمتي القتل والسرقة مثال ،فال تكون األفعال التي تسبق البدء في ارتكاب الفعل المادي المؤدي
للوف اة أو الس رقة ال تع دو أن تك ون أعم اال تحض يرية ،ال يعت د به ا الق انون لخروج ا عن دائ رة
التج ريم والعق اب ،فمثال من يحف ر خن دقا تحت المس كن لتس هيل عملي ة ال دخول ثم الس رقة ،أو من
يتسلق سور المسكن لنفس الغرض أو ضبط الشخص داخله وهو يفتح الخزانة ،ال يعتبر أي منهم
محاوال الرتكاب السرقة ألنه لم يضع اليد على المال المراد سرقته ( ) ،انتقاد أصحاب المذهب إلى
2
محاولة تفاديه بالتوسعة في مدلول الشروع في جريمة السرقة وحاالته ،بقولهم بأن العمل
التنفي ذي ه و العم ل ال ذي ي دل بذات ه ومج ردا عم ا يالبس ه من الظ روف على اتج اه إرادة الج اني
الرتكاب الجريمة ،مثل كسر الخزانة بغرض السرقة.
وذهب ج انب آخ ر من أنص ار الم ذهب الموض وعي للق ول ب أن الش خص يعت بر في ط ور
المحاول ة كلم ا أتى فعال يعت بر ظرف ا مش ددا للعق اب في الجريم ة ،كظ رف الترص د في القت ل،
والتسلق والكسر وحمل السالح في جريمة السرقة ،فيعتبر من توافر في سلوكه ظرف منها يعتبر
ق د ب دأ في تنفيذ الجريم ة دون أن يكون ق د ب دأ في ارتك اب الس لوك المكون للركن الم ادي ،وهو
رأي لم يقدم حال ألن الظروف المشددة هذه ليست عامة فهي ظروف خاصة بجريمة معينة هي
جريم ة الس رقة ،وال يمكن اعتم اده للق ول بكفايت ه لت وافر المحاول ة في الجريم ة ألن عملي تي
الدخول والتسلق يمكن أن يكونا بغرض السرقة ،كما يمكن أن يكونا بغرض آخر كقتل المتواجد
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 263وما يليها.
- P. Bouzat- J. Pinatel: Traité de Droit Pénal Général, 1970, 2e Ed, p. 211 .
2
105
بالمس كن أو أي غ رض آخ ر ،ه ذا باإلض افة إلى أن ه اتج اه ي ؤدي لنت ائج متناقض ة ،فطبق ا له ذا
الرأي ،الذي يتسلق حائط المسكن بنية إتيان جريمة السرقة يعتبر شارعا في جريمة السرقة ألن
التسلق ظرف مشدد ،بينما الذي يدخله دون تسلق بنية السرقة ال يعتبر شارعا في السرقة ألنه لم
يرتكب عمال يدخل في مضمون التعريف القانوني للجريمة.
-2المذهب الشخصي
إن االنتقادات التي وجهت للمذهب الموضوعي كانت منطلقا للمذهب الشخصي الذي اهتم
بالخطورة اإلجرامية ،فخطورة الشخص هي مصدر اضطراب وعدم سكينة المجتمع ألن الفعل
الم ادي ال يع دو أن يك ون كاش فا لم دى تل ك الخط ورة ال تي تمثله ا شخص ية الفاع ل ،ففي نظ ر
أنصاره ال يكون السلوك إال قرينة كاشفة عن نية الشخص وإ رادت ه في اقتراف الجريمة ،فكل
فع ل يكش ف عن الني ة وم دى خطورته ا اإلجرامي ة إال واعت بر الق ائم ب ه ق د ب دأ في التنفي ذ ،ألن ه
مذهب ال يربط المحاولة وقيامها بارتكاب السلوك المكون للركن المادي ،فالعقاب في ظله ليس
جزاء لمخالفة الفاعل أمر القانون أو نهيه ،وإ نما بغرض مواجهة الخطورة اإلجرامية.
وقد تعددت التعريفات التي قيلت في المحاولة لدى أنصار المذهب الشخصي ،فعرفوه «هو
كل فعل يكون قريبا من الجريمة بحيث يمكن القول بأن الجاني قد أقفل باب الرجوع عن فعله
واض طلع بمخ اطره( )» ،وعرف وه أيض ا «الفع ل ال ذي يخط و ب ه الج اني نح و تحقي ق مش روعه
1
اإلج رامي خط وة حاس مة ال رجع ة فيها( )» ،وع رف «ه و ك ل س لوك ي ؤدي ح اال ومباش رة إلى
2
الجريمة( ) ،كتصويب السالح تجاه المجني عليه بنية القتل ،فيعتبر شروعا في جريمة القتل».
3
وقال البعض بتوسيع نطاق المحاولة بعدم اشتراط «أن يؤدي السلوك حاال» فقالوا بكفاية
أن يؤدي السلوك مباشرة إلى الجريمة ،ألن من طبيعة بعض األفعال التي تقوم بها المحاولة قد
تتطلب وقتا كافيا لوقوعها ،فمثال حفر خندق أو نفق تحت سياج المسكن لتسهيل عملية ال دخول ال
يمكن اعتباره محاولة إذا كانت المحاولة يشترط فيها أن يؤدي حاال للجريمة.
موقف المشرع الجزائري
إذا كانت المادة 30من قانون العقوبات تنص «كل محاولة تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو
بأفعال ال لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها( )» ،فإنها تقرر وضعين:
4
تشترط المادة أو تؤدي حاال ،وأن تجريمها والعقاب عليها مقترن بمدى وجود العدول الذي تدفع
له عوامل خارجية أو داخلية.
أوال -الجريمة الموقوفة
تع رف الجريم ة الموقوف ة أيض ا بالمحاول ة الناقص ة ،وتع ني ع دم ارتك اب الفاع ل جمي ع
األفعال الالزمة إلحداث النتيجة اإلجرامية ،بسبب تدخل عامل أجنبي أو خارج عن إرادته ،فمثال
إذا هم شخص بقتل شخص ثان بطعنه بخنجر ،أو بإطالق الرصاص عليه ،فيتدخل شخص ثالث
ويمسك بيده فيمنعه من الطعن أو إطالق النار فتوقف الجريمة وال تقع النتيجة ،أي أنه لم يستنفذ
فيه ا الفاع ل ك ل النش اط اإلج رامي الالزم لحص ول النتيج ة ،إال الفاع ل أحيان ا ق د يع دل عن إتم ام
سلوكاته التي تحقق الجريمة فيقف عند بعضها ،فهل تعتبر محاولة موقوفة وما هو حكمها في
القانون ،وهو ما يطرح في فكرة العدول.
العدول وحكـمه
العدول نوعان ،عدول اختياري وآخر اضطراري ،فاألول هو الذي يتم بإرادة الجاني الذي
يختار سبيل عدم إتمام الجريمة ،بعد أن بدأ في عملية التنفيذ ،وبغض النظر عن الدافع أو ال دوافع
ال تي دفعت ب ه ل ذلك بع دم االس تمرار في التنفي ذ ،كالن دم أو الش فقة أو الخ وف أو الخش ية من
العقاب ،المهم أنها ذاتية أو نفسية لم تدفع لها مؤثرات خارجية كأن يرى الشرطة تقوم بدورية
ق رب المسكن المراد سرقته ،أو يتفطن لوجوده أصحاب المسكن داخل ه ،وهو عدول ال يتصور
إال في الج رائم الموقوف ة حيث أن الج اني لم يقم بك ل النش اط اإلج رامي ،فيك ون أمام ه فرص ة
االختيار بين االستمرار في التنفيذ وبين وقفه ،فيحدث أثره القانوني بعدم العقاب متى تم اختياريا
من تلقاء نفس الفاعل دون أن يدفعه أي عامل خارجي لذلك ،ومن صور العدول االختياري مثال
في جريم ة الس رقة ك أن يتس لق الس ارق ج دار المس كن أو يقتحم باب ه فيدخل ه ،ثم ي تراجع بمحض
إرادت ه عن إتم ام جريمت ه ،أو ك أن يس تعد الش خص في جريم ة القت ل إلطالق الن ار على المج ني
عليه ثم يعدل بحرية عن إتمامها بعدم إطالق النار.
أما إذا كان العدول تم بعد قيام الجاني بجميع نشاطه اإلجرامي ،أي العدول الذي يتم في
الشروع التام فال يوصف بالعدول الذي نعنيه من حيث تأثيره في عدم عقاب من عدل ،ويطلق
عليه الفقه الجنائي مصطلح «التوبة» ،كمن يقوم بسرقة ثم يرد األشياء المسروقة لمكانه نتيجة
-2الح ظ نص الم ادة 45عقوب ات مص ري «الش روع ه و الب دء في تنفي ذ فع ل بقص د ارتك اب جناي ة أو جنح ة إذا وق ف أو
خاب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها».
107
ص حوة في الض مير ،أو كمن يعطي س ما لغريم ه فيتن اول ه ذا األخ ير ،ليس تيقظ في ه الض مير،
فيش عر بالن دم ،فيق وم بنق ل المج ني علي ه إلى المستش فى فيس عف ،ه ذا الع دول ال ذي ي أتي عقب
االنته اء من ك ل النش اط المج رم ال أث ر ل ه على العق اب ،بحيث يظ ل من يع دل في مث ل تل ك
األوض اع مس ؤوال عن ش روعه في الجريم ة -وق د س بق الق ول أن أهمي ة التفرق ة بين ن وعي
الشروع تبدو في أثر العدول االختياري في كل منهما.-
نالح ظ أن التوب ة يمكن أن يأخ ذ به ا القاض ي في تق ديره للعقوب ة ،باعتباره ا من الظ روف
المخفف ة للعق اب طبق ا لنص الم ادة 53ق.ع ال تي تنص «يج وز تخفيض العقوب ات المنص وص
عليها قانونا بالنسبة للشخص الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة»...
ثانيا -الجريمة الخائبة
وتعرف أيضا بالشروع التام ،وفيها الجاني يقوم بكل األفعال التي من شأنها الوصول به
للنتيج ة ال تي أراده ا ،وبعب ارة أخ رى إتي ان جمي ع األفع ال الالزم ة لح دوثها ورغم ذل ك ال تتحق ق
النتيجة بخيبة أثرها ألسباب خارجة عن إرادة الجاني ،كمن يطلق النار على شخص بنية قتله فال
يص يبه لع دم الدق ة في التص ويب مثال ،أو لت دخل ش خص ث الث ح ال بين ه وبين اإلص ابة ،أو كمن
يضع سما في طعام بغرض القتل ،فيتناوله المجني عليه ،ولكن الوفاة لم تحدث إلسعافه.
وبالنسبة للجريمة الخائبة فال يجوز القول بأن من حاول ارتكاب الجريمة فخاب أثرها ثم
حاول أن يصلح ما قام به كمحاولة اسعاف المجني عليه مثال أنه عدل عنها ،فال أثر له في قيام
المحاولة والمسؤولية الجزائية عليها ،إال أنه يمكن وصف ذلك ب ـ «التوبة» ،كمن يقوم بسرقة مال
ثم يرد األشياء المسروقة لمكانها نتيجة صحوة في الضمير ،أو كمن يعطي سما لغريمه فيتناول
ه ذا األخ ير الس م فيص حو ض مير الفاع ل فيش عر بالن دم فيق وم بنق ل المج ني علي ه إلى المستش فى
إلسعافه فيسعف ،عدول يأتي عقب االنتهاء من كل النشاط المجرم فال أثر له على العقاب فيظل
من يت وب أو يع دل مس ؤوال عن المحاول ة ،م ع مالحظ ة أن التوب ة يمكن أن يأخ ذ به ا القاض ي
الج زائي في تق ديره للعقوب ة كظ رف من الظ روف المخفف ة للعق اب طبق ا لنص الم ادة 53ق.ع
ال تي تنص «يج وز تخفيض العقوب ات المنص وص عليه ا قانون ا بالنس بة للش خص الط بيعي ال ذي
قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة.»...
وعلي ه ف رغم الف روق بين المح اولتين ،الجريم ة الموقوف ة والجريم ة الخائب ة ،يجم ع بينهم ا
ع دم تحقيق النتيج ة المرج وة من الفع ل في ك ل منهم ا ،فلم يص ل فيهم ا الج اني للهدف اإلجرامي
بسبب عوامل بشرية أو مادية ال دخل إلرادة الجاني فيها ،ويعتبر في الحالين شارعا أو محاوال
الرتكاب الجريمة.
الفرع الثالث -القـصـد الجنائـي
ال تختل ف المحاول ة من حيث ركنه ا المعن وي عن الجريم ة التام ة ،فيجب ت وافر عنص ر
القص د الجن ائي ومفهوم ه فيه ا كم ا ه و مق رر في الجريم ة التامة( ) ،فال تكتم ل المحاول ة إال
1
باكتماله ،وهو اتجاه اإلرادة إلحداث النتيجة اإلجرامية بارتكاب جريمة تامة جناية أو جنحة( )،
2
كمن يريد القتل فالمحاول رغم خيبته أو توقفه االضطراري عن مواصلة القيا بأفعاله أن تكون
()2
الجريمة التامة ،ولم تتحقق في الشروع لوقف التنفيذ أو لخيبة األثر ،وعليه فإن القصد الجنائي
يفترض قيام شرطين:
أوال -إرادة إحداث نتيجة إجرامية
يجب أن تتج ه إرادة من يح اول ارتك اب الجريم ة إلى ارتك اب الجريم ة التام ة فتوق ف أو
يخب أثره ا ،فال يمكن الق ول بوج ود محاول ة في الجريم ة إذا ك انت الني ة متجه ة لمج رد الش روع
فيها ،ألن تصور اتجاه اإلرادة إلى جريمة غير تامة غير قائم ،فإذا ثبت أن متهما لم تتجه إرادته
إلى الجريمة التامة( ) ،كالقتل مثال ،فال يسأل عن الشروع في القتل ،إال أن هذا ال يمنع أن يسأل
3
عن األفعال التي قام بها متى قامت بها جريمة أخرى.
ثانيا -اتجاه اإلرادة الرتكاب جريمة معينة
وهي نتيج ة مترتب ة عن الش رط األول ،فالمحاول ة يجب أن يك ون القص د الجن ائي في ه ه و
نفس ه القص د في الجريم ة التام ة ،فال يتص ور الش روع مج ردا ،أي يجب انص راف الني ة إلى
ارتكاب جريمة معينة( ) ،فمن يدخل مسكنا مع عدم توافر نية ارتكاب جريمة معينة بذاتها ،فال
4
يس أل عن محاول ة س رقة ،إال أن ه ذا ال يمن ع أن يس أل عن جريم ة انته اك المس كن طبق ا للم ادة
135ق.ع.
المطلب الثاني– االستحالة وحكمها
تنص المادة 30ق.ع «كل محاوالت الرتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال
ال لبس فيه ا ت ؤدي مباش رة إلى ارتكابه ا تعت بر كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب أثره ا إال
نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف
مادي يجهله مرتكبها ،».وهو النص الذي يطرح فكرة استحالة تحقيق الشارع في الفعل المجرم
لجريمته مهما فعل ،وهو ما يسمى بالجريمة المستحيلة ،فما هي هذه الجريمة وما هو حكمها؟
قبل التعرض لحكم االستحالة نعرف باالستحالة وأنواعها.
الفرع األول -التعريف بالجريمة المستحيلة
الخائبة ،إال أنهما تختلفان من حيث أن عدم تحقق النتيجة في الجريمة المستحيلة مرجعه استحالة
وقوعه ا ابت داء في الظ روف ال تي ق ام فيه ا الج اني بنش اطه اإلج رامي ،كمن يعطي لغريم ه م ادة
يعتقد أنها سم قاتل وهي ليست كذلك أو محاولة سرقة مال يعتقد أنه مملوك لغيره في حين أن
المال ملك له ،أما الجريمة الخائبة فهي ممكنة التحقيق في نفس الظروف ولكنها تخيب من حيث
األثر ،كمن يطلق النار على شخص بغرض قتله فال يصيبه في مقتل لسوء التسديد مثال ،فتخيب
الجريمة لعدم حسن استعماله الوسيلة مثال.
الفرع الثاني -أنواع االستحالة وحكمها
تكون االستحالة استحالة مطلقة ،وقد تكون استحالة نسبية ،وقد ترجع هذه االستحالة في
تنفيذ الجريمة للوسيلة التي يستعملها المجرم ،وقد تكون االستحالة المطلقة من حيث الموضوع،
وهي الحالة التي ينعدم فيها محل الجريمة ،كمن يطلق النار عمدا بقصد القتل على شخص يعتقد
أن ه حي ف إذا ب ه ش خص ميت قب ل ذل ك ،أو كمن يس رق م اال مملوك ا ل ه معتق دا أن ه م ال ممل وك
لغ يره ،أم ا االس تحالة المطلق ة من حيث الوس يلة ،فتك ون حيث الوس يلة المس تعملة في التنفي ذ غ ير
ص الحة لتحقي ق النتيج ة المرج و تحقيقه ا بالفع ل ،كمن يس تعمل بندقي ة غ ير ص الحة إلطالق
المقذوف على شخص يريد قتله ،أو كمن يضع مادة غير سامة في طعام من يريد قتله.
أما االستحالة النسبية فهي استحالة تعني عدم إمكان تحقيق النتيجة في مثل تلك الظروف
ال تي ارتكب في ه الفع ل ،وبالت الي ل و تغ يرت تل ك الظ روف ألمكن تحقي ق النتيج ة ،وتتن وع ه ذه
االستحالة إلى استحالة من حيث الموضوع ،كمن يطلق النار على شخص بقصد قتله في المكان
ال ذي اعت اد الجل وس في ه ،فال يك ون لحظ ة إطالق المق ذوف موج ودا في نفس المك ان فال تتحق ق
النتيج ة ،أو كمن يض ع كمي ة غ ير كافي ة من الس م في طع ام غريم ه بني ة قتل ه فيتن اول الس م وال
تتحقق الوفاة.
وقد اختلف الفقه( ) بشأن العقاب على الجريمة المستحيلة ،والتفرقة بين أنواع االستحالة؟،
2
فظهرت آراء فقهية مختلفة خاصة في ظل عدم نص المشرعين على حكم لها ونصهم فقط على
حكم الجريمة الخائبة والموقوفة ،ويمكن تأصيل هذه اآلراء الفقهية ألربعة هي:
أوال -عدم العقاب بصفة مطلقة
تهتم النظري ة التقليدي ة بالج انب الم ادي أو الموض وعي في الجريم ة ،وبالت الي ع دم ج واز
العقاب على الجريمة المستحيلة التنفيذ ابتداء ،ألنه ليس في مثل هذا النوع من السلوكات ما يهدد
-1نالح ظ وج ود تط ابق بين الجريم ة الخائب ة والجريم ة المس تحيلة في إح دى ص ورها ،وهي االس تحالة النس بية كمن يري د
سرقة شخص فيدخل يده في جيبه فال يجد شيئا فيه ،لوجد حافظة النقود في الجيب اآلخر ،وهو مثال يصدق عيه الوصفين
الخائبة واالستحالة النسبية في نفس الوقت ،فلم يكن باإلمكان أن تقع الجريمة دون تغيير في الظروف.
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 373وما يليها.
د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...ص 337وما يليها.
د .سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي ،...ص 272وما يليها.
110
المجتم ع واألف راد ومص الحهما المحمي ة بإيق اع ض رر م ادي ه ذا من جه ة ،ومن جه ة أخ رى ال
يمكن تص ور الب دء في تنفي ذ مس تحيل ،فال تك ون األفع ال المرتكب ة ش يئا غ ير التعب ير عن ني ة
إجرامية ،ال يعتد بها القانون وحدها مجردة دون أن يكون هناك بدء في التنفيذ.
ثانيا -النظرية الوضعية أو النظرية الشخصية
ي ذهب أنص ار النظري ة الوض عية -وهم يس تندون في فك رهم على الني ة اإلجرامي ة وم دى
خطورتها -إلى تعميم العقاب على جميع صور االستحالة ،فال جدوى من التفرقة بين ما إذا كان
إتم ام الجريم ة ممكن ا أو مس تحيال ،م ا دام أن الج اني ق د ق ام بأفع ال مادي ة يق وم به ا ال دليل على
وجود النية اإلجرامية وعزم صاحبها على تجسيدها في الواقع ،ألن اإلرادة اإلجرامية هي التي
يتجه القانون إليها للعقاب على المحاولة( ).
1
على نوع ،وع دم العق اب على نوع منه ا ،وه و رأي يتفق في رؤيت ه م ع الرأي ال ذي يقول بعدم
العق اب على الجريم ة المس تحيلة المطلق ة ،والعق اب على الجريم ة المس تحيلة اس تحالة نس بية ،ه ذا
النوع من االستحالة ال يك ون في حقيقة أمره إال جريمة خائبة ت دخل تحت طائل ة النص الجنائي
المق رر للش روع ،وق د انتق د ه ذا ال رأي لع دم منطقيت ه ،ألن الجريم ة إم ا أن تك ون ممكن ة أو
مستحيلة ،وليس هناك درجات لالستحالة( ).
3
لتج ريم نش اط الفاع ل النتف اء الحكم ة من التج ريم ،ألن االس تحالة القانوني ة تنش أ من انع دام أح د
عناصر الجريمة كما عرفها القانون ،فالقتل هو إزهاق روح إنسان على قيد الحياة ،فإطالق النار
على شخص ميت من قبل ،أو سرقة منقوالت يعتقد الفاعل أنها ملك للغير وهي ملك له أو آلت
إلي ه بطري ق الم يراث ،وفي القت ل بالس م كمن يض ع في طع ام غريم ه م ادة يعتق د أنه ا م ادة س امة
وهي في حقيقتها غير سامة ،ففي هذه السلوكات جميعا ينقصها عنصر من عناصر قيام أي منها
من الناحية القانونية ،وهي إزهاق الروح ،ملكية الشيء المراد سرقته للغير ،المادة السامة ،في
حين يق ررون العق اب على الجريم ة المس تحيلة مادي ا المطلق ة والنس بية ،وهي اس تحالة مرجعه ا
س بب أو ظ رف م ادي ال علم للج اني ب ه يح ول بين الفاع ل وبين تحقيق ه لغرض ه اإلج رامي وه و
ارتكاب الجريمة رغم توافر عناصر تحقيقها ،كمن يطلق النار على شخص لم يوجد في المكان
-1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .381
Donnedieu de vabres: Traité de droit criminel et de législation..., no 252, p 142.
Emile Garçon: Code pénal annoté, 1952, art 3, no 111.
-2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص 373وما يليها.
د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...ص 336وما يليها.
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،...ص 179وما يليها.
R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal français, t 1, no 242, p 516.
- 3د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .375
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،...ص .181
- 4د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .381
.R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal français, t 1, no 242, p 516
111
الذي اعتاد الوقوف به ،أو كمن يدخل المسكن بغرض السرقة فيفتح الخزانة فيجدها فارغة ،أو
كمن يعطي م ادة سامة( ) بقدر ال يص لح للقت ل ال ع اجال وال آجال ،ففي ك ل هذه األمثل ة الجريم ة
5
استثناء« ،فالنص هنا يمكن أخذه كقاعدة عامة وليس استثناء ويدل بوضوح على أن المشرع يعتد
بالوس يلة ،ف إذا ك انت الوس يلة ال يمكن أن ت ؤدي إلى الوف اة مطلق ا بمع نى أنه ا بغض النظ ر عن
كميتها أو طريقة استعمالها غير صالحة لتحقيق النتيجة تماما فال شروع وال عقاب»« ،ونرى أن
خطة المشرع في هذا تتوافق مع اآلراء التوفيقية التي تميز بين االستحالة المطلقة والتي ال يعتد
بالشروع فيها ،واالستحالة النسبية والتي يعتد بالشروع فيها».
وهنا نالحظ أنه إذا كان حكم المادة 260يعتبر قاعدة عامة ،فماذا يكون الحكم الذي تقرره
الم ادة 30ب النص «...كالجناي ة نفس ها إذا لم توق ف أو لم يخب أثره ا إال نتيج ة لظ روف مس تقلة
عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها»،
وإ ذا كان المشرع الجزائري يميز بين نوعي االستحالة المطلقة والنسبية ،فإن حكم المادة 260
جاء في القسم الخاص من قانون العقوبات وحكم المادة 30جاء في األحكام العامة ،وتعميم حكم
األولى ال يتسق وحكم المادة 30من القانون الذي هو حكم عام.
ومنه تعامل الجريمة المستحيلة معاملة المحاولة عموما طبقا للمادة 30من قانون العقوبات
إال في حال ة وض ع الق انون الس تثناء عليه ا ص راحة كم ا فع ل في الم ادتين ،260 ،304فالم ادة
304فال عقوبة على من يحاول اجهاض امرأة غير حامل أو ال يفترض حملها فتنص «كل من
أجهض ام رأة ح امال أو مف ترض حمله ا بإعطائه ا م أكوالت أو مش روبات أو أدوي ة أو باس تعمال
طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك
يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.001إلى 100.000دينار» ،ومما
يؤك د ه ذا ال رأي الم ادة 273ال تي تنص «ك ل من س اعد عم دا شخص ا في األفع ال ال تي تس اعده
على االنتحار أو تسهله له أو زوده باألسلحة أو السم أو باآلالت المعدة لالنتحار مع علمه بأنها
س وف تس تعمل في ه ذا الغ رض يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات إذا نف ذ االنتح ار»،
- 5الحظ أن المشرع الجزائري قد وضع حكما خاصا لمثل هذه الحالة في المادة 260ق.ع ،فليس هناك جريمة قتل بالسم.
- 3د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،...ص .184-183
112
والمادة 260تنص «التسميم هو االعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة
عاجال أو آجال أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها».
وفي األخير نالحظ أنه ال يمكن أن يختلف اثنان حول وجوب استثناء االستحالة القانونية،
وهو انتفاء أحد العناصر المكونة للجريمة ،من هذه األحكام ،ألن عدم العقاب عليها يؤسس على
ع دم اكتم ال أرك ان الجريم ة بتخل ف عنص ر من عناص رها المق ررة قانون ا ،مثال من يطل ق الن ار
على جثة إنسان لفضت أنفاسها قبل ذلك ،أو كمن يأخذ ماال مملوكا له معتقدا أنه ملك لغيره ،ففي
الحال ة األولى ال يتص ور قي ام جريم ة قت ل وال الش روع فيه ا ألن ه ليس هن اك ال فع ل القت ل وال
الشروع فيه ،وفي الحالة الثانية أيضا ،ال تقوم جريمة السرقة وال الشروع فيها أيضا ،ألن كال
من الفاعل أو الشارع في السلوكين السابقين -القتل والسرقة -يسعى إلى تحقيق وضع ال يجرمه
القانون الجنائي وال يعاقب عليه ،أو بعبارة أخرى عدم انطباق السلوكين على ما يقرره القانون
من نماذج إجرامية في المادتين 350 ،254من قانون العقوبات.
المطلب الثالث -نطاق المحاولة والعقاب المقرر لها
إذا كانت التشريعات الجنائية تختلف فيما بينها حول تحديد نطاق الشروع والعقاب المقرر
ل ه ،فإن ه س نتعرض لمج ال تج ريم الش روع في الجناي ات والجنح بتحدي د الج رائم المش مولة ب ه،
ودرجة العقوبة أو مقدارها المقررة للمحاولة.
الفرع األول -نـطـاق المحاولة
تقسم الجريمة تقسيما ثالثيا ،الجنايات والجنح والمخالفات ،فوضع قانون العقوبات قواعد
مختلف ة بحس ب نوعه ا ،ففي الجناي ات يع اقب على المحاول ة فيه ا بص فة مطلق ة وعام ة نظ را
لجس امتها وخطورته ا ،فتنص الم ادة 30من ه «ك ل مح اوالت الرتك اب جناي ة ...تعت بر كالجناي ة
نفسها» ،أما في الجنح وإ ن وضع حكما عاما لها وهو عدم المعاقبة على الشروع فيها ألنها أقل
جس امة من الجناية( ) ،إال أن ه يق رر اس تثناء بمقتض اه ال يع اقب على المحاول ة في الجنح إال إذا
1
ص راحة على ذل ك في النص الخ اص بك ل جنح ة طبق ا للم ادة « 31/1المحاول ة في الجنح ة ال
يعاقب عليها إال بناء على نص صريح في القانون» ،وعليه يجب العودة للقسم الخاص في قانون
العقوب ات والنص وص المكمل ة ل ه للبحث في ك ل نص يتعل ق بالجنح ة م ا إذا ك ان يج رم الش روع
فيه ا أم ال ،ومن األمثل ة على ذل ك الم ادة 350/3ق.ع «ويع اقب على الش روع في ه ذه الجنح ة
بالعقوب ات المق ررة للجريم ة التامة( )»،وتنص الم ادة 303مك رر /فق رة 2ق.ع «يع اقب على
2
الش روع في ارتك اب الجنح ة المنص وص عليه ا في هذه الم ادة بالعقوب ات ذاته ا المقررة للجريم ة
التامة» ، ،وتنص المادة 209ق.ع في فقرتها األخيرة على عقاب الشروع في جرائم تقليد أختام
الدول ة والدمغ ة والطواب ع والعالم ات فتنص «ويع اقب على الش روع في الج رائم المبين ة أعاله
كالجريم ة التام ة» ،وك ذلك الم ادة 348ق.ع في فقرته ا الثاني ة «ويع اقب على الش روع في ه ذه
الجنح ة بالعقوب ات ذاته ا المق ررة للجريم ة التام ة» ،وك ذلك الم واد 303 :مك رر 303 ،1مك رر
303 ،13مكرر 303 ،27مكرر 389 ،347 ،346 ،39مكرر 394 ،3مكرر 7وغيرها
من قانون العقوبات المعدل والمتمم ،وكذلك الجرائم المقررة في القانون 01-06المتعلقة بالوقاية
-1نالحظ أن قانون العقوبات ينظم أيضا التعدد في الجريمة في المواد من 32إلى 38منه ،والتعدد قد يكون تعددا ماديا
كارتكاب مجموعة أفعال يشكل كل منها جريمة مستقلة بذاتها ،وقد يكون تعددا معنويا كتعدد األوصاف القانونية لفعل واد
يق وم ب ه الفاع ل وخض وعه ألك ثر من نص ق انوني واح د ،كهت ك ع رض ش خص في مك ان عم ومي ،فيخض ع لحكمي المادة
334من قانون العقوبات المتعلقة بهتك العرض ،والمادة 333المتعلقة بالفعل الفاضح العلني من نفس القانون.
114
األدوار التي يلعبها كل واحد منهم ،فقد يقتصر دور أحدهم على المساعدة بالقيام بعمل تحضيري
مساعد على التنفيذ ،وقد يتعدى دوره إلى المساهمة في العمل التنفيذي ،هذا االختالف في األدوار
هو الذي طرح مشكلة التمييز بين الفاعل والشريك ،فإذا تعددت الرابطة المعنوية والمادية نكون
بصدد تعدد في الجرائم ،بحيث يتعدد الجناة وتتعدد جرائمهم ،فينفرد أو يستقل كل منهم بجريمته،
رغم إمكان اتحادها في الزمان والمكان ،كالجرائم التي يرتكبها المتظاهرون ،مما يترتب عليها
تع دد في ال دعاوى الجنائي ة المقام ة بتع دد المق ام عليهم مث ل ه ذه ال دعاوى ،فيس أل ك ل منهم عن
الجريمة التي اقترفها
المطلب األول -النظريات التي قيلت في المساهمة
يس ود الفق ه مجموع ة نظري ات تؤس س عليه ا فك رة المس اهمة الجنائية( ) ،ه ذه النظري ات
1
التالية ،نظريتا االستعارة المطلقة والبسيطة ونظرية التبعية واالستقاللية ،نتعرض لها في التالي:
الفرع األول -نظرية االستعارة
تق وم على أن ش خص المج رم يس تمد إجرام ه من فع ل غ يره ،وه ذا يع ني أن الش ريك في
الجريمة يستمد الصفة اإلجرامية من فعل الفاعل األصلي ،فال توجد مساهمة يعاقب عليها إذا لم
يوجد سلوك إجرامي يعاقب عليه القانون ،وتبدو العالق ة بين الفاعل والشريك من حيث أن هذا
األخير يقوم بعمل تحضيري غير معاقب عليه لذاته ،ولكن ارتباطه بما يقوم به الفاعل هو الذي
أس بغ علي ه الص فة اإلجرامي ة ،مم ا يس تتبع بالض رورة التس وية الكامل ة بين الفاع ل والش ريك في
المسؤولية والعقوبة ،فكل ما يتوافر لدى الفاعل من الظروف المشددة أو المخففة أو المعفية يؤثر
في كل من ساهم معه في جريمته ،وعليه تؤدي نظرية االستعارة المطلقة إلى النتائج التالية:
على من يشترك م ع الفاع ل بمس اعدته في ارتك اب جريم ة قت ل األص ول ،وفي نفس ال وقت يعفى
الش ريك من المس ؤولية أو العق اب إذا ت وافرت في الفاع ل ص فة تمن ع المس ؤولية أو العق اب عن ه،
كظ رف الجن ون أو ص غر الس ن في ك ل جريم ة ،أو ص فة األص ل أو الف رع في ج رائم الس رقة
والنصب وخيانة األمانة.
ثانيا -بالنسبة للتحريض
وك ذلك ي ؤدي تط بيق النظري ة إلى ع دم معاقب ة المح رض على تحريض ه على ارتك اب
الجريم ة إذا لم ي رتكب المح رض الجريم ة ،أو أن التح ريض ك ان موجه ا نح و ش خص غ ير
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 406وما يليها.
د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 353وما يليها.
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 188وما يليها.
-2نالح ظ أن الق وانين العقابي ة تختل ف في موقفه ا من بعض الظ روف الشخص ية ،فمثال بالنس بة لص فة األص ل والف رع
والزوجية في جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة وإ خفاء األشياء المسروقة ال تعتبر ظروفا معفية من العقاب ،بل تكيفها
على أنها قيود على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ،فال يجوز لها تحريكها إال إذا حصلت على شكوى
من المجني عليه ،كقانون العقوبات المصري في المادة 312من ه ،في حين يعتبرها القانون الجزائري أعذارا معفية فيما
عدا صفة الزوجية التي تعتبر قيدا طبقا للمواد 389 ،377 ،373 ،368ق.ع.
115
مس ؤول جنائي ا ،والمالح ظ أن تط بيق نظري ة االس تعارة ي ؤدي إلى نت ائج غ ير منطقي ة من جه ة،
ومن جهة أخرى تتناقض مع ما تذهب إليه التشريعات العقابية على النحو التالي:
-1تن اقض النت ائج ال تي ت ؤدي إليه ا النظري ة وع دم منطقيته ا ،فال ذي يس اعد االبن في قت ل أبي ه
يؤاخذ على جريمة قل مشددة ،في حين عندما يكون فاعال واالبن شريكا يسأل مسؤولية عادية،
وهي نتيج ة غ ير منطقي ة من حيث المعامل ة العقابي ة المختلف ة ،ك أن يع اقب الش ريك في الحال ة
األولى باإلعدام ،وبالسجن المؤبد في الحالة الثانية عندما يكون فاعال ،وهو ما يتناقض مثال مع
أحك ام الم ادتين 263 ،261ق.ع .ألن الش ريك ق د يك ون أهال لعق اب أش د أو أخ ف من العق اب
الذي يطبق عليه طبقا لالستعارة ،فالذي يساعد فرعا في قتل أحد أصوله يعاقب بعقوبة جريمة
قت ل األص ول المش ددة وعقوبته ا اإلع دام ،في حين عن دما يك ون ف اعال في نفس الجريم ة والف رع
شريك له يؤاخذ على جريمة قتل عادية وعقوبتها المؤبد ،وكذلك عدم عقاب المحرض في حالة
تخلي من كان ينوي ارتكاب الجريمة المحرض عليها رغم توافر النية اإلجرامية.
-2عدم تالؤمها مع االتجاهات الحديثة في التشريعات العقابية التي تعاقب على التحريض بغض
النظ ر عن موق ف المح رض من ارتك اب الجريم ة أو ع دم ارتكابه ا مث ل م ا ذهب إلي ه ق انون
العقوبات في المادة 46منه «إذا لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي
ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة.
ح اول أنص ار نظري ة االس تعارة التخفي ف من ح دة تل ك االنتق ادات ،بالتع ديل في بعض
أحكامه ا ونتائجه ا ،فأسس وا لالس تعارة النس بية كب ديل لنظري ة االس تعارة المطلق ة ،فأقاموه ا على
نفس األسس بآثار ونتائج مختلفة ،فعدلوا من حكم الظروف فال يتأثر الشريك بكل الظروف التي
تت وافر ل دى الفاع ل ب التخفيف أو التش ديد أو اإلعف اء ،فتبنت نت ائج تخف ف من االنتق ادات الس ابقة
على الوجه التالي:
أ -أن معاقب ة الش ريك رغم اس تعارة فعل ه للص فة اإلجرامي ة من فع ل الفاع ل األص لي ،لم تع د
مرتبطة بمعاقبة الفاعل األصلي ،ألنه يمكن معاقبته حتى ولو كان الفاعل غير مسؤول جزائيا
ألسباب تتعلق بشخصه ،كالجنون وصغر السن ،وهو ما ذهب إليه القانون الجزائري.
ب -إمكان تخفيف العقاب على الشريك في الجريمة.
ج -تعطي حكما عاما للظروف الموضوعية أو المادية المشددة منها والمخففة للعقاب ،بتطبيقها
على كل من ساهم في الجريمة ،وتطبق على الشريك سواء علم بوجودها أو يجهل ذلك.
د -أن الظ روف الشخص ية أثره ا خ اص ،فال ت ؤثر إال فيمن ت وافرت في ه ،فال يتع دى أثره ا لمن
يساهم في الجريمة بأي صورة كانت ،سواء كان فاعال أو شريكا.
الفرع الثاني -نظريتا التبعية واالستقاللية
نظريت ان تقوم ان على فك ر متن اقض ،األولى تتب نى فك رة تبعي ة الش ريك -مس اهمة غ ير
مباش رة -للفاع ل األص لي -مس اهمة مباش رة ،-فيك ون الش ريك تابع ا والفاع ل متبوع ا ،بحيث ال
يج وز مس اءلته جزائي ا إال إذا وقعت الجريم ة ال تي س اهم فيه ا رغم اعترافه ا بمس اءلة الش ريك
بصفة مستقلة عن الفاعل ،ألنه ال يمكن تصور مساهمة في جريمة لم تقع أصال( ) أو إذا أوقف
1
- 1د .محمود محمود مصطفى :أصول قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 75وما يليها.
116
س لوكاته عن د العم ل التحض يري فال يس أالن ،وبعب ارة أخ رى لمؤاخ ذة الش ريك عن اش تراكه في
الجريمة ،يجب أن يكون الفعل األصلي من األفعال الخاضعة لقانون العقوبات.
أم ا نظري ة االس تقاللية ف ترفض النت ائج ال تي أدت إليه ا نظري ة االس تعارة بفرعيه ا المطلق ة
والنس بية ألنه ا غ ير عادل ة وغ ير منطقي ة وتتن اقض م ع أحك ام التش ريعات ،فاعتم دت في أسس ها
على اس تقالل ك ل من يس اهم في الجريم ة عن بقي ة المس اهمين بظروف ه الشخص ية ،فالمس اهمة
جريمة متميزة يجرم فيها االشتراك كجريمة قائمة بذاتها واستقالل الشريك عن الفاعل األصلي
كل بظروفه( ).
1
نالحظ أن نظرية االستقاللية غالت في إغفالها للروابط بين المساهمين في جريمة واحدة،
تربطهم رابطة ذهنية أو معنوية تجمعهم حول مشروع إجرامي واحد ،وهي نظرية ال تتـفق في
مضمونها مع خاصيتي المساهمة الجنائية من حيث وحدتها المادية والمعنوية ،فال يمكن تصور
قيام مجموعة من الجرائم بعدد المساهمين في الجريمة الواحدة( ).
2
-1اعتبار جريمة التحريض جريمة مستقلة ،فيعاقب المحرض على الجريمة بالعقوبة المقررة
للجريم ة المح رض عليها( ) بغض النظ ر عن موق ف المح رض كامتناع ه عن ارتكابه ا بإرادت ه
4
المس تقلة ،فتنص الم ادة 46ق.ع «إذا لم تكن الجريم ة المزم ع ارتكابه ا لمج رد امتن اع من ك ان
ين وي ارتكابه ا بإرادت ه وح دها ف إن المح رض عليه ا يع اقب رغم ذل ك بالعقوب ات المق ررة له ذه
الجريمة».
-2النص على مس ؤولية الفاع ل المعن وي طبق ا للم ادة 45ق.ع «من يحم ل شخص ا ال يخض ع
للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها».
-3اس تقاللية المس اهمين بظ روفهم الشخص ية ،فتنص الم ادة 44/2ق.ع «وال ت ؤثر الظ روف
الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال بالنسبة للفاعل أو الشريك
الذي تتصل به هذه الظروف».
- 1د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص . 291
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 401وما يليها.
د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .294
- 3د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .293
- 4نؤكد على أن التحريض يجب أن يكون موصوفا طبقا للمادة 41من قانون العقوبات.
117
-4حكم المادة 261/2ق.ع( ) التي تقرر استقاللية تجريم مساهمة األم فاعلة أو شريكة في قتل
3
ابنها حديث العهد بالوالدة بعقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة ،عن عقوبة
من ساهم معها فاعال أم شريكا في إتيان نفس الفعل ،فال تطبق عليه نفس العقوبة المقررة لألم،
بل تطبق عليه عقوبة مختلفة وهي عقوبة اإلعدام ،وهو الحكم المقرر في الفقرة األولى من نفس
المادة« ،يعاقب باإلعدام كل من ارتكب جريمة القتل »...Assassinat
المطلب الثاني -تنظيم المشرع الجزائري للمساهمة الجنائية
نظم المش رع الجزائ ري أحك ام المس اهمة في الم واد من 46-41من ق انون العقوب ات في
األحكام العامة ،فتنص المادة « 41يعتبر فاعال كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة
أو حرض( ) على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الوالية
4
أو التحاي ل أو الت دليس اإلج رامي» ،وتنص الم ادة «42يعت بر ش ريكا في الجريم ة من لم يش ترك
اش تراكا مباش را ،ولكن ه س اعد بك ل الط رق أو ع اون الفاع ل أو الف اعلين على ارتك اب األفع ال
التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة( ) لها مع علمه بذلك» ،وتنص المادة « 43يأخذ حكم الشريك
5
من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون
اللصوص ية أو العن ف ض د أمن الدول ة أو األمن الع ام أو ض د األش خاص أو األم وال م ع علم ه
بس لوكهم اإلج رامي» ،وتنص الم ادة « 44يع اقب الش ريك في جناي ة أو جنح ة بالعقوب ة المق ررة
للجناية أو الجنحة»« ،وال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو
اإلعف اء منه ا إال بالنس بة للفاع ل أو الش ريك ال ذي تتص ل ب ه ه ذه الظ روف»« ،والظ روف
الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم
فيه ا ي ترتب عليه ا تش ديدها أو تخفيفه ا بحس ب م ا إذا ك ان يعلم أو ال يعلم به ذه الظ روف»« ،وال
يع اقب على االش تراك في المخالف ة إطالق ا» ،وتنص الم ادة « 45من يحم ل شخص ا ال يخض ع
للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها»،
وتنص الم ادة 46ق.ع «إذا لم ت رتكب الجريم ة المزم ع ارتكابه ا لمج رد امتن اع من ك ان ين وي
ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة».
ومن خالل هذه النصوص أن الفاعل طبقا للقانون الجزائري يضم صورا ثالثة ،ال تطرح
إش كالية التفرق ة بين الفاع ل والش ريك في الجريم ة ال تي ث ار بش أنها ج دل فقهي ال تق وم إال في
الصورة الثالثة من الفاعلين ،وهي:
-1المحرض على الجريمة.
-2الفاعل المعنوي أو الفاعل بالواسطة.
-3المساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة.
الفرع األول -المحرض على الجريمة
نفس المح رض فك رة الجريم ة ،فيق وم ه ذا األخ ير بتجس يدها في الواق ع ،وعلي ه يجب أن يك ون
التح ريض بص ورة من الص ور ال تي ح ددتها الم ادة ،41فيك ون موص وفا ،فيتم التح ريض على
الجريم بإحدى الوسائل التالية :الهبة ،الوعد ،التهديد ،إساءة استعمال السلطة أو الوالية ،التحايل،
التدليس اإلجرامي ،على أن تكون سابقة على ارتكاب الجريمة المحرض عليها.
الفرع الثاني -الفاعل المعنوي
مف اد نص الم ادة 45ق أن يلج أ ش خص يري د ارتك اب الجريم ة بواس طة غ يره ،إلى غ ير
المس ؤول جزائي ا لص غر في الس ن أو لجن ون ل يرتكب عن ه الجريم ة ،بحيث يس يطر علي ه س يطرة
تام ة تجع ل من المنف ذ أداة في ي د من يس خره ،ويع رف بالفاع ل المعن وي أو الفاع ل بالواس طة أو
الفاعل غير المباشر ،Auteur médiatوهو مصطلح خاص بحالة ما إذا كان المنفذ غير أهل،
فال يج وز وص فه بالفاع ل األص لي ألن الفاع ل يق وم بتنفي ذ جريمت ه بنفس ه بمس اعدة غ يره ل ه م ع
سيطرته على مجرى تنفيذها.
وال يج وز وص فه ب المحرض ألن التح ريض ال يتص ور إال م ع ش خص أه ل للمس ؤولية
الجزائية بتوافر األهلية ،وأن يكون موصوفا بوسيلة من الوسائل السابقة ،فإذا كان غير ذلك بأن
كان غير أهل كالصغير والمجنون فسخر الرتكاب الجريمة فيكون أداة أو آلة في يد من سخره،
فيس أل ه ذا األخ ير باعتب اره ف اعال معنوي ا للجريم ة ،ورغم اتفاقهم ا من حيث وقوفهم ا وراء
الجريم ة دون الت دخل مباش رة في ه ،ف إن المح رض ال يمل ك س يادة أو س يطرة فعلي ة على عملي ة
التنفيذ ،ويعاقب على التحريض جريمة مستقلة عن الجريمة المحرض عليها ،في حين أن الفاعل
المعنوي يسيطر سيطرة كاملة على مجريات التنفيذ لعدم أهلية المنفذ.
الفرع الثالث -الفاعل المباشر أو األصلي والشريك
ع رفت المادت ان الف ال والش ريك على النح و الت الي ،فالفاع ل ش ريك «يعت بر ف اعال ك ل من
ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريم ة ،»...وتعرف المادة 42الشريك فتنص «يعتبر شريكا
في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا ،ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين
على ارتكاب األفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة( ) لها مع علمه بذلك» ،فالفاعل األصلي
2
ه و من يقوم بتنفيذ الجريم ة أم الشريك فهو من يقوم بمس اعدة الفاعل في ارتكابه لجريمت ه ،فما
هي الحدود الفاصلة بين يعتبر فالعال ومن يعتبر شريكا؟ ،هذا باإلضافة إلى قانون العقوبات في
المادة 43يضفي حكما وصف الشريك رغم تخلف عنصر المعاصرة أو أسبقية فعل االشتراك
على الفع ل األص لي على من اعت اد تق ديم مس كن أو ملج أ أو مك ان الجتم اع األش رار ال ذين
يمارس ون اللصوص ية ،فتنص «يأخ ذ حكم الش ريك من اعت اد أن يق دم مس كنا أو ملج أ أو مكان ا
لالجتم اع لواح د أو أك ثر من األش رار ال ذين يمارس ون اللصوص ية أو العن ف ض د أمن الدول ة أو
األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكهم اإلجرامي»
- 1د .محمود محمود مصطفى :أصول قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص . 346
-2نالح ظ دائم ا أن النص باللغ ة الفرنس ية للم ادة 42اس تعملت مص طلحا ال ينص رف للتنفي ذ وهو ou qui l’ont
consomméeمقابل المصطلح الذي استعملته نفس المادة في النسخة العربية وهو « المنفذة.
119
ورغم تعري ف الم ادتين 42 ،41من ق انون العقوب ات لك ل من الفاع ل والش رك وتري ف
الكث ير من التش ريعات لهم ا ،كق انون العقوب ات الفرنس ي في الم ادتين 60 ،59وع رف الق انون
التونسي الشريك في المادة 32والمغربي في الفصلين 129 ،128لمادتين ،12فعرفت األولى
الفاعل بأنه «يعتبر مس اهما في الجريم ة كل من ارتكب شخصيا عمال من أعم ال التنفي ذ المادي
له ا» ،وع رفت الثاني ة الش ريك «يعت بر مش تركا في الجناي ة أو الجنح ة من لم يس اهم مباش رة في
تنفيذها ولكنه أتى أحد األفعال اآلتية:
أ -أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه؛ وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغالل
سلطة أو والية أو تحايل أو تدليس إجرامي.
ب -ق دم أس لحة أو أدوات أو أي ة وس يلة أخ رى اس تعملت في ارتك اب الفع ل؛ م ع علم ه بأنه ا
ستستعمل لذلك.
ج -س اعد أو أع ان الفاع ل أو الف اعلين للجريم ة في األعم ال التحض يرية أو األعم ال المس هلة
الرتكابها؛ مع علمه بذلك.
د -تع ود على تق ديم مس كن أو ملج أ أو مك ان لالجتم اع؛ لواح د أو أك ثر من األش رار ال ذين
يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع
علمه بسلوكهم اإلجرامي .أما المشاركة في المخالفات فال عقاب عليه مطلقا»،
إن اشكالية التفرقة بينهما بقيت قائمة ،فما هي الحدود الفاصلة بين الفاعل والشريك؟ ،فمن
ه و الفاع ل ومن ه و الش ريك؟ ،خاص ة أن التفرق ة تل ك ك انت مث ار ج دل فقهي من حيث تحدي د
األفعال التي تقوم بها المساهمة المباشرة ،وتلك التي تقوم بها المساهمة غير المباشرة ،ووضع
الح دود الفاص لة بينهم ا ،وتزي د التفرق ة بينهم ا ص عوبة ،عن دما يتعل ق األم ر باألفع ال المس اعدة
المعاصرة الرتكاب الجريمة ،فظهر اتجاهان ،اتجاه موضوعي وآخر شخصي.
أوال -االتجاه الموضوعي
يس تند في التفرق ة بين الفاع ل والش ريك على الس لوك ال ذي يأتي ه المس اهم في الجريم ة،
فتجعل من مقدار مساهمته من الناحية المادية في إحداث النتيجة معيارا لذلك ،فكلما كان الفعل
أك ثر مس اهمة في عملي ة تحقي ق النتيج ة ك ان مقترف ه ف اعال ،وكلم ا ك ان الس لوك أق ل خط ورة
وأض عف مس اهمة في إح داثها ك ان الق ائم ب ه ش ريكا في الجريمة( ) ،انطالق ا من موق ف المش رع
1
منهما بتجريم السلوك اعتمادا على مادياته ابتداء ،فالفاعل من يرتكب فعال تنفيذيا للجريمة ،وهو
الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة( ) ،ويكفي فيه ارتكاب جزء منه ليوصف بالفاعل ،وإ ذا
2
ك ان الفع ل التنفيذي يتكون من أك ثر من فع ل واح د ،فيكفي القيام بإح داها أو ج زء منه ا ،ليض في
على الق ائم ب ه وص ف الفاع ل ،وتطبيق ا لقواع د الش روع طبق ا للم ذهب الم ادي أو الموض وعي أن
من شرع في إتيان مثل تلك األفعال يعتبر فاعال أصليا.
أم ا الش ريك في الجريم ة فه و ك ل من لم ي أت فعال تنفي ذيا ف أتى فعال تحض يريا أو تمهي ديا
يس اعد ب ه الفاع ل على ارتك اب جريمت ه بتحقي ق النتيج ة اإلجرامي ة ،فالمس اهمة غ ير مباش رة ال
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 408 .وما يليها.
- G. Stefani- G. Levasseur- B. Bouloc: Droit Pénal Général, 11 éd.P.233.
2
120
يلعب فيه ا الش ريك دورا رئيس يا في الجريم ة فيك زن دوره دورا ثانوي ا أو تبعي كالعم ل
التحضيري ،فال يقوم بفعل يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة.
تقييم االتجاه الموضوعي
م ذهب يتم يز ببس اطته ووض وحه ،يكفي في ه للتفرق ة بين الفاع ل والش ريك الرج وع للنص
الج زائي المق رر للجريم ة لمعرف ة ال ركن الم ادي ال ذي تق وم علي ه ،فيك ون المس اهم ف اعال كلم ا
ارتكب الفع ل المك ون لل ركن الم ادي أو ج زء من ه ،ويك ون ش ريكا كلم ا ارتكب فعال مس اعد ال
يعتبر عنصرا من عناصر الركن المادي ،فمثال في جريمة السرقة يعتبر فاعال كل من يضع يده
على مال مملوك للغير بغرض سرقته أو بنقل حيازته بنية التملك ،وفي القتل إزهاق روح إنسان
على قيد الحياة أو لم يشرع في ذلك فال يعتبر فاعال ألن ما فام ال يعدو أن يكون فعال تحضيريا،
ويعتمد في التفرقة على ما ذهب إليه في التمييز بين المحاولة والبدء في التنفيذ.
وهو اتجاه يضيق دائرة التجريم فيخرج الكثير منها ألنه ال يعتبرها محاولة ،فيضيق من
دائ رة المص الح المحمي ة قانون ا ،فح اوا بعض أتباع ه إلى التوس عة في مفه وم الفاع ل المباش ر إلى
كل من يرتكب فعال يعتبر ضروريا الرتكاب الجريمة ،مثل إيقاف شخص لسيارة الضحية الم ارة
لتمكين الجاني من التصويب الجيد ،أو إعمال سالحه في جسم الضحية ومن يمسك بالمجني عليه
لتمكين الجاني منه ،أو من يقوم بعملية الترصد أو كسر الباب أو قفل الخزانة( ) .وبعبارة أخرى
1
أن الفاعل هو كل من يقوم بفعل تنفيذي يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة أو يقوم بأي فعل
يعت بر في نظر الق انون ظرفا مشددا للعقاب ،ورغم هذه التوس عة في مج ال األفع ال التي تشملها
المس اهمة المباش رة ،فق د بقي الم ذهب الموض وعي ع اجزا عن إض فاء الحماي ة الكافي ة للمص الح
المراد حمايتها.
ثانيا -االتجاه الشخصي
يس تند النظري ة الشخص ية في التمي يز بين الفاع ل والش ريك على الج انب الشخص ي م رده
اإلرادة ،أي االعتماد على إرادة من يساهم في الجريمة للتفرقة بينهما ،الختالف النية بين الفاعل
والشريك ،فالمساهم األصلي يجب أن تتوافر لديه نية ارتكاب الجريمة باعتبار جريمته مشروعا
إجرامي خاصا به ،ويرى غيره مجرد أتباع له يقدمون له المعاونة والمساعدة وهم شركاؤه في
الجريمة بتوافر نية االشتراك في جريمة لغيره فيساعد الفاعل على تحقيق مشروعه اإلجرامي،
ويف رق البعض بين الفاع ل والشريك على المص لحة ،فيك ون ف اعال ألن الجريم ة تستهدف تحقي ق
مصلحة خاصة به ،في حين أن الشريك يكون نيته متجهة نحو تحقيق مصلحة لغيره.
تقييم االتجاه
تع رض ه ذا االتج اه للنق د ،بعج زه عن التفرق ة بين الفاع ل والش ريك باالس تناد للني ة ،ألنه ا
تق وم على مج رد مج از ،فالمس اهم عن د ارتكاب ه لنش اطه ال يفك ر فيم ا إذا ك ان نش اطه أص ليا أو
تبعي ا ،وليس هن اك من وس يلة ممكن ة له ذا التمي يز بالكش ف عن الني ة ،إال ب العودة للعم ل الم ادي
ال ذي أت اه المس اهم ،وفي ه ذه الحال ة تس تند لفك ر لمادي ات الجريم ة ال تي يس تند إليه ا الم ذهب
الموضوعي( ).
2
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 408وما يليها.
Vidal- Magnol: Cours de droit criminel et Science pénitentiaire. T 2.P. 561
- 2د .محمود محمود مصطفى :أصول قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .84
121
موقف المشرع الجزائري من االتجاهين
باالعتم اد على حكم الم ادتين 42 ،41من ق انون العقوب ات نق ول أنه ا أحك ام تس تند في
التمييز بين الفاعل والشريك على نية وإ رادة المساهمين في الجريمة ،من حيث مدى ما تتضمنه
تل ك اإلرادة من خط ورة إجرامي ة على أمن الجماع ة وس كينتها ،فيعت بر ك ل من س اهم مس اهمة
مباشرة فاعال ،ومن ساهم بصفة غير مباشرة يعتبر شريكا ،وتأكيدا لهذا االتجاه باعتماده عنصر
الني ة اإلجرامي ة ،ويؤك د ذل ك بحكم الم ادتين 46 ،1الل تين تق رران أن المح رض يعت بر ف اعال
للجريم ة ألن جريم ة التح ريض ثم رة بواعث ه واتج اه إرادت ه إليه ا وأن معاقبت ه غ ير مش روطة
بارتكابها ممن حرض عليها.
ورغم االتف اق ح ول التمي يز بين الفاع ل والش ريك من خالل المش روع اإلج رامي ومن
صاحبه ،وأن التفرقة بينهما يجب حصرها في األفعال المساعدة المعاصرة الرتكاب الجريمة ،لإن
األفعال المسهلة والمتممة السابقة للجريمة ،ال تعدو أن تكون أعماال تحضيرية ،تستبعد من مجال
التفرقة بين المساهمة المباشرة والمساهمة غير المباشرة ،وكذلك الشأن بالنسبة لألفعال الالحقة
على ارتكاب الجريمة ،حيث ال يثور بشأنهما خالف ،ألن األفعال السابقة كل من يقوم بها يعتبر
شريكا ،وألفعال الالحقة ال صلة لها كأصل بالمساهمة ،الحظ المادة 43وبعض األحكام الخاصة
من قانون العقوبات.
وقد اختلف حول المعيار الذي يميز بين األفعال المساعدة التي يعتبر مرتكبها فاعال وتلك
التي يعتبر القائم بها شريكا:
-1رأي ي ذهب إلى أن م آل التفرق ة بين الفاع ل والش ريك ،ه و التواج د على مس رح الجريمة( )،
1
وبالتالي فإن الفاعل -باإلضافة لمن يقوم بالفعل المكون للركن المادي للجريمة -هو كل من يقوم
بأفعال مساعدة ومتممة للجريمة على مسرح الجريمة( ).
2
-2رأي ثان يعتمد( ) الركن المعنوي للمساهمة ،فكل من يتوافر لديه الركن المعنوي للمساهمة
3
األص لية يك ون ف اعال ،ومن يت وافر لدي ه ال ركن المعن وي لالش تراك ش ريكا ،ألن ه ركن يق وم على
عنص ري اإلرادة والعلم ،فه و في الح الين واح د من حيث ج وهره ،فإن ه يختل ف من حيث م داه
ونطاق ه ،ألن إرادة المس اهم األص لي تنص رف إلى ارتك اب الجريم ة وبص ورة مباش رة ،بينم ا
الشريك تنصرف إرادته إلى مساعدة ومعاون ة الفاع ل أو الفاعلين على تنفيذها أي بصورة غير
مباشرة.
ويس تخلص من ه ذا أن إرادة الش ريك إرادة تبعي ة وغ ير مباش رة ،فال تنص ب على الفع ل
األصلي وال يقبل ارتكاب الجريمة بنفسه ،فهو يريد ويقبل ارتكابها بتقديم يد المساعدة والعون
للفاع ل ،فال يرج ع إلي ه ق رار ارتكابه ا ألن قراره ا بي د الفاع ل األص لي للجريم ة ،وه و رأي ال
يشترط التواجد في مسرح الجريمة للتفرقة بين الفاعل والشريك ،ألن إرادة المساهم مساهمة غير
مباش رة رغم تواج ده في مس رح الجريم ة ق د ال تنص رف الرتك اب الجريم ة لوح ده فتنص رف
لمساعدة ومعاونة الفاعل ،وهو ما يتفق مع جوهر النظرية الشخصية وتعريف المادتين 42 ،41
- 1د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .302
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .180
- 2يعتمد الفقه الجنائي في تعريف مسرح الجريمة على عناصر ثالث هي مكان ارتكابها وآثارها ومرتكبها.
أنظر :بهلول مليكة :دور الشرطة العلمية والتقنية في الكشف عن الجريمة ،رسالة دكتوراه علوم ،ص 12وما يليها ،كلية
الحقوق ،جامعة الجزائر ،1سنة .2013
- 3د .محمد لعساكر :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .118-117
122
لك ل منهم ا ،وعلي ه يمكن الجم ع بين المعي ارين ،فيك ون ف اعال من ي رتكب الفع ل كعنص ر من
عناص ر ال ركن الم ادي أو أن يتواج د على مس رح الجريم ة بش رط أن تتج ه نيت ه ب أن الجريم ة
جريمت ه ،أم ا الش ريك فه و من ي رتكب مث ل ذل ك العنص ر ف ارتكب عمال تحض يريا على مس رح
الجريمة بشرط أن تتجه نيته إلى المساعدة على ارتكابها.
من لم يشترك مباشرة في الجريمة ولكنه ساعد أو عاون بكل الطرق ،وهي ألفاظ عامة تتسع لكل
فعل يقوم به الشخص مساعدة أو معاونة أو مؤازرة للفاعل ،وهذا يعني أن الشريك يقوم بفعل
تحضيري يسهل ارتكاب الجريمة ،مع وجوب العلم بأنه يقدمها للفاعل أو الفاعلين بنية المساعدة
على ارتك اب الجريم ة وأن ال تك ون على مس رح الجريم ة وإ ن وج دت في مس رها يجب أن ال
تتجه نيته على الجريمة جريمته ،ومن األمثلة على ذلك ،الخادم الذي يترك باب مسكن مخدومه
مفتوحا لتسهيل عملية السرقة للفاعلين ،أو إعارة سيارة للفاعل بنية تسهيل عملية الهروب بعد
ارتك اب الجريم ة ،أو تق ديم س الح لمن يري د ارتك اب جريم ة س رقة أو قت ل الس تعماله في ذل ك،
والمالحظ أن المساعدة والمعاونة على ارتكاب الجريمة قد ال تتخذ مظهرا ماديا واضحا كما في
األمثل ة الس ابقة ،فيقتص ر دور الش ريك على المس اعدة بإعط اء تعليم ات وإ رش ادات لمن ين وي
ارتك اب الجريم ة ،توض ح ل ه كيفي ة إتيانه ا ،وكي ف يتخلص مم ا ق د يعترض ه من ص عوبات أثن اء
التنفيذ( ).
2
ويستخلص من المادة 42أن تكون أفعال المساعدة والمؤازرة سابقة أو معاصرة للسلوك
موضوع المساهمة ،ليسهل على الفاعل ارتكاب جريمته ،فهذه جميعها أفعال مساعدة أو معاونة
على إتيان الفعل أو األفعال ،بشرط أن يكون المساعد أو المعاون وهو الشريك يعلم أن الغرض
من تقديم مساعدته ومعاونته للفاعل هو تعضيده في تنفيذ الجريمة( ) ،والمالحظ أن هذه المساعدة
3
ورغم اقتصارها على عمل تحضيري يمكن اعتبار القائم به فاعال أصليا للجريمة أو شريكا فقط،
بحسب ما إذا كان متواجدا على مسرح الجريمة واتجهت نيته للمساعدة فقط.
-1نالحظ أن النص باللغة الفرنسية استعمل ou qui l’ont consomméeمقابل المصطلح الذي استعملته النسخة العربية
وهو «المنفذة».
- 2د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق .ص .455
-3نقض جزائي ،1988.04.12المجلة القضائية عدد ،2سنة ،1993ص .170
نقض جزائي ،1989.02.14المجلة القضائية عدد ،3سنة ،1991ص .203
123
الفرع الثاني -االشتراك الحكمي
ينظم قانون العقوبات االشتراك الحكمي في موضعين ،في األحكام العامة لقانون العقوبات
في الم ادة 43من ه ،وفي بعض الم واد من األحك ام الخاص ة في ه في الم واد 177 ،91مك رر،
394مكرر 5منه.
أوال -االعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ
تنص الم ادة « 43يأخذ حكم الش ريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا لالجتماع
لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو األمن العام
أو ض د األش خاص أو األم وال م ع علم ه بس لوكهم اإلج رامي» ،ص ورة لالش تراك ليس ت حقيقي ة،
ألن من شروط االشتراك أن يكون سابقا على ارتكاب الجريمة أو معاصرا لها ،ويؤسس إضفاء
وص ف الش ريك حكم ا على من اعت اد تق ديم مس كن ألح د المج رمين ،...على العم ل على مكافح ة
جمعيات األشرار ومعتادي اإلجرام لما تشكله هذه الجماعات من خطر على األمن العام هذا من
جهة ،ومن جهة ثانية فإن التعود على مثل تلك السلوكات أو األفعال من شأنه أن يشد ويزيد في
عزيمة الجناة على مواصلة العمل بغرض تنفيذ الجريمة ،وإ ضفاء وصف الشريك حكما يتطلب
شرطين هما:
-1االعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ لجمعيات األشرار أو أحد أفرادها ،ألن عدم توافر شرط
االعتياد ينفي عن الفعل صفة االشتراك الحكمي فتكون جريمة خاصة ومميزة المقررة في المادة
180ق.ع «فيما عدا الحاالت المنصوص عليها في المادتين 42و 91فقرات 2و 3و 4كل
من أخفى عمدا شخصا يعلم أنه ارتكب جناية أو أن العدالة تبحث عنه بسبب هذا الفعل وكل من
ح ال عم دا دون القبض على الج اني أو البحث عن ه أو ش رع في ذل ك وك ل من س اعده على
االختف اء أو اله رب يع اقب ب الحبس من س نة إلى خمس س نوات وبغرام ة من 20.001إلى
100.000دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين( )».
1
-2أن يعلم من يقدم المسكن أو الملجأ أو مكانا لالجتماع ،بما ينويه من يقدم لهم يد المساعدة من
سلوك إجرامي ،ألن عدم علمه بذلك ينفي عنه صفة الشريك حكما.
ثانيا -حاالت مقررة في األحكام الخاصة لقانون العقوبات
ومن تطبيقات االشتراك الحكمي في القانون الجزائري في أحكامه الخاصة.
-1إض فاء وص ف الش ريك حكم ا على أش خاص ال تت وافر فيهم ص فة الفاع ل وال الش ريك ،في
الم ادة 91/2فتنص «يع اقب باعتب اره ش ريكا من ي رتكب دون أن يك ون ف اعال أو ش ريكا أح د
األفع ال اآلتي ة :أ -تزوي د مرتكبي الجناي ات أو الجنح ض د أمن الدول ة ب المؤن أو وس ائل المعيش ة
وتهيئة مساكن لهم أو أماكن الختفائهم أو لتجمعهم وذلك دون أن يكون قد وقع إكراه ومع علمه
بنواياهم .ب -حمل مراسالت مرتكبي هذه الجنايات وتلك الجنح وتسهيل الوصول إلى موضوع
الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله وذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك».
-2االش تراك في جمعي ة أش رار ،فتنص الم ادة 177مك رر تنص «دون اإلخالل بأحك ام الم ادة
42من هذا القانون ،يعد اشتراكا في جمعية األشرار( ) المنصوص عليها في هذا القسم :أ -كل
2
اتف اق بين شخص ين أو أك ثر الرتك اب إح دى الج رائم المنص وص عليه ا في الم ادة 176من ه ذا
- 1رفع الحدان األدنى واألقصى لعقوبة الغرامة بالمادة 60من القانون 23-06المعدل والمتمم لقانون العقوبات.
124
القانون ،بغرض الحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى ،ب -قيام الشخص عن علم بهدف
جمعية األشرار أو بعزمها على ارتكاب جرائم معينة بدور فاعل في»« :نشاط جمعية األشرار
وفي أنش طة أخ رى تض طلع به ا ه ذه الجماع ة م ع علم ه أن مش اركته ستس اهم في تحقي ق اله دف
اإلج رامي للجماع ة»« ،تنظيم ارتك اب جريم ة من قب ل جمعي ة األش رار أو اإليع از بارتك اب تل ك
الجريمة أو المساعدة أو التحريض( ) عليه أو تيسيره أو إبداء المشورة بشأنه».
1
-3المشاركة في مجموعة أو اتفاق يعد الرتكاب جريمة من الجرائم بالمساس بأنظمة المعالجة
اآللي ة للمعطي ات ،فتنص الم ادة 394مك رر « 5ك ل من ش ارك في مجموع ة أو في اتف اق ت ألف
بغرض اإلعداد لجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم وكان هذا التحضير
مجسدا بفعل أو عدة أفعال مادية ،يعاقب بالعقوبات المقررة للجريمة ذاتها».
المطلب الرابع -مسؤولية الشريك وعقابه
تق رر التش ريعات الجنائي ة ومن بينه ا ق انون العقوب ات الجزائ ري مس ؤولية الش ريك في
المساهم الجنائية ،وإ ن هي اختلفت في األسس التي تقوم عليها ،والتي على ضوئها تحدد شروط
مساءلته جزائيا ،باإلضافة لتحديد مقدار العقاب المقرر له وأثر الظروف على العقوبة المقررة
له ،فتنص المادة 42ق.ع «يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا ،»...وتنص
المادة « 44/1يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة( )».
2
-2تنص الم ادة « 177يع اقب على االش تراك في جمعي ة األش رار بالس جن الم ؤقت من خمس( )5س نوات إلى عش ر()10
سنوات وبغرامة من 500.000دج إلى 1.000.000دج ،إذا تم اإلعداد الرتكاب جنايات».
-1ونالح ظ أن المقص ود ب التحريض في ه ذه الحال ة تح ريض بس يط أو ع ادي ،ليس المقص ود ب ه التح ريض الموص وف
المنصوص عليه في المادة .41
-2نالح ظ أن المش رع الجن ائي خ رج على المب دإ ال ذي يق رره في الم ادة 43/4من ق انون العقوب ات بع دم العق اب على
المخالفات إطالقا ،بتجريم االشتراك أحيانا في المخالفات في األحكام الخاصة من قانون العقوبات ،فتنص مثال المادة 442
من ه «يعاقب ب الحبس من عش رة أي ام على األق ل إلى ش هرين على األك ثر وبخرام ة مالي ة من 8.000إلى 16.000دج أو
بإحدى هاتين العقوبتين فقط -1 :األشخاص وشركاؤهم Les individus et leurs complicesالذين يحدثون جروحا أو
يعتدون بالضرب ،»...وكذلك تنص المادة 442مكرر من نفس القانون «يعاقب بغرامة من 8.000إلى 16.000دج كما
يجوز أن يعاقب بالحبس لمدة عشرة أيام على األكثر األشخاص وشركاؤهم »Les auteurs et complices
125
ب ه ،وي رى غ يره مج رد أتب اع ل ه يق دمون ل ه المعاون ة والمس اعدة ،والش ريك ي رى نفس ه يق دم ي د
المساعدة لغيره ،ووجود وحدة معنوية تبدو في الرابطة الذهنية بينهما.
-4توافر القصد الجنائي لدى من يشترك مع غيره في ارتكاب الجريمة ،وهو نفس القصد في
الجريمة التامة ،ويقوم القصد في هذا المجال على عنصري اإلرادة والعلم ،فيقوم الشريك بسلوكه
حرا مختارا بقصد تحقيق الجريمة التي يساهم فيها ،ويعلم بحقيقة الفعل الذي يساهم به وحقيقة
الجريمة األصلية ونتيجتها ورغبته في تحقيقها بالمساعدة.
الفرع الثاني -العـقـاب على االشتراك
تنص المادة « 44يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة»،
«وال يعاقب على االشتراك في المخالفة إطالقا» ،فطالما أن االشتراك ال يكون في المخالفات( )،
1
فإن العقاب ال يكون إال على المشاركة في جناية أو جنحة التي يعاقب على االشتراك فيها بوجود
نص خاص يقضي بذلك ،ويوحد القانون المساءلة على الجريمة التامة والمحاولة فيها ،فالشريك
في الجناي ة أو الجنح ة يع اقب بعقوب ة الجناي ة أو الجنح ة ال تي س اهم فيه ا ،إال أن ه ذا ال يمن ع
القاضي الجزائي استعمال سلطته في تقرير العقاب المناسب إعماال لألحكام القانونية المقررة في
المواد 54 ،) (53 ،44وما يليهما ،بتطبيق عقوبة على المساهم في الجريمة فاعال أو شريكا أشد
2
أو أخ ف من العقوب ة المق ررة للجناي ة أو الجنح ة بحس ب الظ روف الشخص ية المت وفرة أو
الموضوعية سواء كانت مخففة أو مشددة.
الفرع الثالث -أثر الظروف على العقاب
يوحد القانون بين الفاعل والشريك في المسؤولية الجزائية والعقوبة تأثرا بنظرية التبعية،
فتنص الم ادة 44/1ق.ع «يع اقب الش ريك في جناي ة أو جنح ة بالعقوب ة المق ررة للجناي ة أو
الجنحة» ،وفي نفس الوقت وضع قواعد خاصة تخضع للظروف التي تحيط بالمساهم أو السلوك
من ظ روف شخص ية أو ظ روف موض وعية ،فتنص نفس الم ادة فقرتيه ا « 3 ،2وال ت ؤثر
الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو اإلعفاء منها إال بالنسبة للفاعل أو
الشريك الذي تتصل به هذه الظروف»« ،والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي
إلى تش ديد أو تخفي ف العقوب ة ال تي توق ع على من س اهم فيه ا ي ترتب عليه ا تش ديدها أو تخفيفه ا
بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف» ،فما هي الظروف الشخصية والموضوعية وما
حكمهما تشديدا أو تخفيفا؟
أوال -الظروف الشخصية
الظروف الشخصية ظروف تتعلق بشخص المساهم في الجريم ة فتتطلب توافر صفة فيه
تتعلق وهي تتعلق ب الركن المعنوي للجريمة ،من شأنها زيادة خطورة الجريم ة أو التقلي ل منه ا،
-1خرج المشرع الجنائي على قاعدة عدم العقاب على االشتراك في المخالفات المقررة في المادة 43/4ق.ع ،في المادة
442منه التي تنص «يعاقب بالحبس من عشرة ( )10أيام على األقل إلى شهرين ( )2على األكثر وبغرامة من 8.000
دج إلى 16.000دج »« ،ا - 1ألشخاص وشركاؤهم الذين يحدثون جروحا أو يعتدون بالضرب.»...
-2ويمكن للقاض ي الج زائي تخفي ف العقوب ة على ك ل مس اهم في الجريم ة ي راه ج ديرا بتخفي ف العق اب علي ه ،باس تعمال
الظ روف المخفف ة المق ررة في الم ادة 53ق.ع ،وفي الح دود ال تي يس مح ل ه به ا الق انون في نفس الم ادة ،وه ذا يع ني أن
المس اهم في الجريم ة يس تقل بعقوبت ه على المس اهمين اآلخ رين تبع ا لم دى ت وافر الظ روف المخفف ة أو الشخص ية أو
الموضوعية.
126
فتدعو إلى تشديد العقاب على المتهم أو تخفيفه أو اإلعفاء منه ،وهي ،وقد وضع القانون حكمها
بوجوب عدم تأثيرها إال فيمن توافرت فيه( ).
1
52/1ق.ع «األع ذار هي ح االت مح ددة في الق انون على س بيل الحص ر ي ترتب عليه ا م ع قي ام
الجريم ة والمسؤولية إم ا عدم عق اب المتهم إذا كانت أعذارا معفية ،») (...ومن األعذار المعفية
3
من العقاب صفة األصل أو الفرع في جرائم :السرقة والنصب وخيانة األمانة في المواد ،368
389 ،377 ،373ق.ع ،وص فة القرابة غير المباشرة وبالمصاهرة حتى الدرجة الرابع ة في
جريم ة إخف اء الجن اة أو الحيلول ة عم دا دون القبض عليهم أو البحث عنهم أو الش روع في ذل ك
طبقا للمادة 180/2ق.ع.
-3الظروف الشخصية المانعة من قيام المسؤولية الجزائية
وهي ظروف تمنع مساءلة من توافرت لديه جزائيا ،مثل حالة الجنون وفقدان الوعي طبقا
للمادة ) (47ق.ع واإلكراه في المادة 48ق.ع وصغر السن في المادة 49ق.ع فتنص «ال توقع
4
على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إال تدابير الحماية أو التربية»« ،ومع ذلك فإنه في مواد
المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»« ،ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه 13إلى 18إما لتدابير
الحماية ،أو التربية أو لعقوبات مخففة( )».
5
-1ويعتبر هذا الحكم بالنسبة للظروف الشخصية ،وهو عدم تعدي أثر الظروف إلى غير من توافرت فيه ،من نتائج تبني
فكر نظرية االستقالل ،أي استقالل كل مساهم بظروفه فيتأثر بها وحده دون غيره من المساهمين.
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...ص .426
- 2األعذار القانونية المعفية ال تمحو صفة عدم المشروعية فال تمنع من اتخاذ تدابير األمن على من أعفي من العقاب.
- 3نالحظ أن اإلعفاء من العقاب لتوفر العذر المعفي ال يمنع من تطبيق تدابير األمن على المعفى من العقاب ،المادة 52/2
ق.ع.
-4تنص الفق رة 2من الم ادة « 21يمكن أن يص در األم ر ب الحجز بم وجب حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو
بعدم وجود وجه إلقامة الدعوى ،غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة»
-5راجع المادتين 51 ،50من قانون العقوبات والمواد 87 ،86 ،85 ،40 ،37 ،36 ،35من قانون حماية الطفل.
127
أ -الظ روف القض ائية المخفف ة لم يح ددها الق انون حص را ف ترك أم ر تقري ر وجوده ا وتطبيقه ا
لسلطة القاضي الجزائي ،يجوز له تخفيف العقاب متى قدر ذلك طبقا للمادة 53وما يليها «يجوز
تخفيض العقوبات المنصوص عليها قانونا بالنسبة للشخص الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت
إفادت ه بظ روف مخفف ة ،») (...وتنص الم ادة 53مك رر« 7تج وز إف ادة الش خص المعن وي
3
ب الظروف المخففة ،حتى ولو كان مسؤوال جزائي ا وح ده» ،إال أن ه ليس هن اك م ا يمن ع أن ينص
القانون على استبعاد تطبيقا مثل ما ورد في قانون مكافحة التهريب( ) في المادة 22منه.
4
ب -األع ذار القانوني ة ،وهي ظ روف شخص ية أيض ا ،تتم يز عن الظ روف القض ائية أنه ا ج اءت
في القانون حصرا ،فتنص المادة 52/1ق.ع «األعذار هي حاالت محددة في القانون على سبيل
الحص ر ي ترتب عليه ا ....تخفي ف العقوب ة إذا ك انت مخففة( )» ،أع ذار يقرره ا الق انون س لفا
5
وحص را في ك ل نص تج ريمي ي رى داع لتخفي ف العق اب ،وهي تتم يز أيض ا من حيث وجب
إعماله ا م تى ت وفرت ،فتنحص ر س لطة القاض ي في البحث عن وجوده ا من عدم ه ،ف إذا ت وافرت
طب ق حكمه ا ،ومن أمثلته ا ع ذر تج اوز ال دفاع الش رعي في الم ادة 278ق.ع ،وع ذر ص فة
الزوجي ة في جريم ة القت ل والض رب والج رح أثن اء مفاج أة ال زوج لل زوج اآلخ ر متلبس ا بجريم ة
الزنا في المادة 279ق.ع ،وعذر صغر السن بين 18-13في المادتين 51 ،50ق.ع ،وعذر
صفة األم في جريمة قتل الحديث العهد بالوالدة في المادة 261/2ق.ع( ).
6
ونالحظ أن هذه األعذار قد تكون عامة تطبق على كل أنواع الجرائم كعذر تجاوز الدفاع
الش رعي وع ذر ص غر الس ن طبق ا للم ادة 49وم ا يليه ا ،وق د تك ون أع ذارا خاص ة ال تس ري إال
على نوع محدد من الجرائم يحدده القانون سلفا كالعذر المقرر في المادة 279ق.ع.
ثانيا -الظروف الموضوعية
هي ظروف مادية ويطلق عليها العينية ،تتصل بماديات الجريمة ،تتصل بالفعل فتغير من
خطورت ه زي ادة ونقص انا ،لطبيع ة الوس يلة المس تعملة في الجريم ة ،كالس م في القت ل والس الح أو
التس لق في جريم ة الس رقة ،أو لتع دد الجن اة في جريم ة الس رقة مثال ،أو لزم ان ارتك اب الجريم ة
كظرف الليل في السرقة ،والنهار في الجرائم الواردة في المادة 40من قانون العقوبات.
وهي ظروف يمتد أثرها إلى كل من ساهم في الجريمة ،فتؤثر في مسؤولية الجميع سواء
ك انوا ف اعلين أو ش ركاء ،وهي نتيج ة طبيعي ة لقاع دة وح دة الجريم ة مادي ا ومعنوي ا ،وتختل ف
األنظم ة التش ريعية ح ول ش رط العلم بوجوده ا من عدم ه ،فمنه ا من ال تش ترط العلم كالق انون
الفرنس ي ،ومنه ا تق ر بوج وب علم المس اهم به ا ق وانين تش ترط العلم ب الظروف الموض وعية
كق انون العقوب ات الجزائ ري في الم ادة 44/3ق.ع «والظ روف الموض وعية اللص يقة بالجريم ة
التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو
تخفيفها بحسب ما إذا كان يعلم أو ال يعلم بهذه الظروف».
-3تنص المادة « 21/2يمكن أن يصدر األمر بالحجز Internementبموجب حكم بإدانة المتهم أو العفو عنه أو ببراءته أو
بعدم وجود وجه إلقامة الدعوى ،غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة».
-4القانون الصادر باألمر 06-05في 23أوت ،2005المنشور في الجريدة الرسمية رقم 59بتاريخ 28أوت .2005
- 5نالحظ أن اإلعفاء من العقاب لتوفر العذر المعفي من العقاب ،ال يمنع من تطبيق تدابير األمن ،المادة 52/2ق.ع.
-6تنص الفق رة الثاني ة من المادة 261على أن ه «وم ع ذل ك تع اقب األم س واء ك انت فاعل ة أص لية أو ش ريكة في قت ل ابنها
ح ديث العه د ب الوالدة بالس جن الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة على أال يطب ق ه ذا النص على من س اهموا أو
اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة».
128
ومن الظروف الموضوعية المشدد للعقاب ،تلك التي تلحق ارتكاب جريمة السرقة كظرف
اللي ل وحم ل الس الح والتس لق والكس ر وغيره ا المق ررة في الم ادة 351وم ا يليه ا من ق انون
العقوبات ،والترصد في جرائم القتل والضرب والجرح في المواد 265 ،261 ،257من نفس
القانون ،أما الظروف الموضوعية المخففة مثل عذر وقوع ضرب شديد من أحد األشخاص فيدفع
المعتدى عليه الرتكاب جريمة القتل أو الجرح أو الضرب طبقا للمادة 278من قانون العقوبات،
وك ذلك ظ رف دف ع تس لق أو ثقب أس وار أو حيط ان أو تحطيم م داخل المس اكن أو األم اكن
المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث كل ذلك أثناء النهار طبقا للمادة ،) (278/1ومنها أيضا إطالق
1
إتيانها فيسبغ عليها عدم المشروعية ،فهو إذن األصول النفسية للجريمة والسيطرة عليها( ).
3
وعليه فالركن المعنوي يقوم على إرادة معتبرة قانونا تتجه لمخالفة أمر القانون أو نهيه،
س واء ب إرادة الفع ل والنتيج ة مع ا ،بإتي ان س لوك يجرم ه الق انون تحقيق ا لتل ك النتيج ة ،كمن يطل ق
الن ار على ش خص بقص د قتل ه أو أخ ذ م ال ممل وك للغ ير بني ة تملك ه ،أو ق د تك ون اإلرادة تري د
السلوك وال تريد النتيجة ،كأن يطلق شخص النار بغرض الصيد فيصيب شخصا مارا بالقرب
من مكان الصيد ،وفي الحالين فإن اإلرادة في كال األمرين يجب أن يتوفر فيها عنصرا األهلية
وحرية االختيار.
المسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية
تحتل اإلرادة أهمية جوهرية في النظرية العامة للجريمة ،فهي قوام الركن المعنوي بشقيه
القصد والخطأ ،وهي صفة لصيقة باإلنسان وال يعتد بها القانون إال إذا كانت واعية حرة ،وهو
األم ر الذي ط رح س ؤاال جوهريا ح ول مدى مس ؤولية األش خاص المعنوي ة جزائي ا؟ ،خاص ة في
مالزما لصفة اإلنسان ،وذلك في الحدود التي يقررها القانون»« ،يكون لها خصوصا :ذمة مالية،
أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون ،موطن وهو المكان الذي يوجد
في ه مرك ز إدارتها( )»« ،ن ائب يع بر عن إرادته ا»« ،ح ق التقاض ي» ،ومن خالل تل ك النص وص
2
مكرر 18 ،مكرر 51 ،1مكرر ،فوضع أحكاما عامة لمساءلته جزائيا ،فتنص المادة 51مكرر
«...يكون الشخص المعنوي مسؤوال جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته
أو ممثلي ه الش رعيين عن دما ينص الق انون على ذل ك ،».وتح دد المادت ان 18مك رر 18 ،مك رر1
العقوب ات ال تي تطب ق على األش خاص المعنوي ة في م واد الجناي ات والجنح والمخالف ات ،فتنص
األولى «العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح هي -1:الغرامة
التي تساوي من مرة( )1إلى خمس( )5مرات الحد األقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي
الذي يعاقب على الجريمة -2 .واحدة أو أكثر من العقوبات التالية :حل الشخص المعنوي ،غلق
المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة ال تتجاوز خمس( )5سنوات ،اإلقصاء من الصفقات العمومية
لم دة ال تتج اوز خمس( )5س نوات ،المن ع من مزاول ة نش اط أو ع دة أنش طة مهني ة أو اجتماعي ة
بشكل مباشر أو غير مباشر ،نهائيا أو لمدة ال تتجاوز خمس( )5سنوات ،مصادرة الشيء الذي
اس تعمل في ارتك اب الجريم ة أو نتج عنه ا ،نش ر وتعلي ق حكم اإلدان ة ،الوض ع تحت الحراس ة
القضائية لمدة ال تتجاوز خمس( )5سنوات ،وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى
الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته»
وتنص الم ادة 18مك رر« 1العقوب ات ال تي تطب ق على الش خص المعن وي في المخالف ات
هي :الغرام ة ال تي تس اوي من م رة ( )1إلى خمس( )5م رات الح د األقص ى للغرام ة المق ررة
للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة .كما يمكن الحكم بمصادرة الشيء الذي
استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها» ،أما القانون 23-06فقد ألغى المواد ،24 ،23 ،20
26 ،25من قانون العقوبات ،وعوضت باألحكام الجديدة في المادتين 16مكرر 16 ،1مكر،2
باإلض افة ألحك ام الم ادتين 18مك رر 18 ،مك رر ،1وتض من ق انون اإلج راءات الجزائي ة عنوان ا
ه و «فه رس الش ركات» في الم واد ،654-646فتنص الم ادة « 546فه رس الش ركات المدني ة
والتجاري ة ...والخاص ة بالعقوب ات أو الج زاءات الص ادرة ض د األش خاص المعنوي ة» ،وهي
نص وص قانوني ة يمكن أن نس تخلص منه ا أن ق انون العقوب ات الجزائ ري يع ترف بالمس ؤولية
الجزائي ة -المس ؤولية الجنائي ة -لألش خاص المعنوي ة ويقرره ا ،وذل ك بإمك ان توقي ع عقوب تي
الغرامة والمصادرة اللتين ال تتعارضان مع طبيعته ،وتقرير عقوبات أخرى تتسق وتتفق مع هذه
الطبيعة كالحل أو إغالق المؤسسة بصفة نهائية أو مؤقتة لفترة محددة.
الفصل األول
-3حيث قسم الباب األول من قانون العقوبات ألبواب ثالث ،الباب األول تحت عنوان «العقوبات المطبقة على األشخاص
الطبيعية» ،و يحتوي المواد من 5إلى 18من قانون العقوبات ،والباب األول مكرر تحت عنوان «العقوبات المطبقة على
األشخاص المعنوية» ،ويضمم المادتين 18مكرر 18 ،مكرر ،1والباب الثاني تحت عنوان «تدابير األمن» ،ويضم المواد
من 19إلى 26م قانون العقوبات ،والباب األول مكرر والباب الثاني يتعلقان بالمسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية ،من
حيث تحديد العقوبات المطبقة عليها وسبلها وحاالتها ،مع مالحظة أن المواد 26 ،25 ،24 ،23 ،20التي كان يتضمنها
الباب الثاني قد ألغيت بالقانون .23-06
131
األهلية الجنــائيـة
تقتضي اإلرادة اآلثمة أن يصدر السلوك عن شخص يتمتع باألهلية القانونية المقررة ببلوغ
الس ن الق انوني المق ررة لقي ام المس ؤولية الجزائي ة فيك ون م دركا ومم يزا ،ف إذا لم تت وافر الس ن
الق انوني أو انع دمت اإلرادة فال ي درك وال يم يز امتنعت المسؤولية الجزائي ة ،فاألهلي ة هي التمت ع
بقدر معين من اإلدراك والتمييز ،أي أن اإلرادة يجب أن تعي ما تقوم به ،أي أن تكون للشخص
القدرة على التعرف على ماهية أفعاله أو سلوكاته ،ألن اإلدراك والتمييز هما أساس قيام األهلية
وتوافرها( ) ،ألن غير المدرك وغير المميز ال يتصور أن يكون أهال فيوجه إرادته على نحو ما
1
كمخالف ة أم ر الق انون أو نهي ه ،ف المجنون أو ص غير الس ن ال ذي لم يبل غ س ن الرش د الجن ائي ،ال
يتوافر فيهما اإلدراك والتمييز ابتداء ،األول لخلل في العقل والثاني لعدم اكتمال إدراكه وتمييزه
بعدم بلوغه السن القانوني دون أن يعتريها عارض من عوارض األهلية كالجنون أو صغر السن
أو اإلكراه.
المبحث األول -سن الرشد الجنائي
وقد حدد قانون اإلجراءات الجزائية وقانون العقوبات األهلية الجنائية ،فأوضحا متى تتوافر
األهلية بتحديد أطوارها التي تمر بها ،من انعدام لها إلى نقصها بنقص في اإلدراك والتمييز إلى
اكتمالهما ببلوغ سن معينة فتكتمل األهلية ،فحدد قانون اإلجراءات الجزائية األهلية الجنائية ببلوغ
سن الثامنة عشر سنة كاملة ،وحدد قانون العقوبات أطوارها ،بنصه على سن التمييز ،محددا إياه
ببل وغ ثالث ة عش رة س نة كامل ة ،فتنص الم ادة األولى من ق انون حماي ة الطفل( ) «الطف ل -أي
2
الحدث -كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر ( )18سنة كاملة »« ،الطفل الجانح :الطفل الذي يرتكب
فعال مجرم ا وال ذي ال عم ره عن عش ر ( )10س نوات»« ،تك ون الع برة في تحدي د س نه بي وم
ارتكاب الجريمة( )» ،وقد تضمن قانون العقوبات األحكام المتعلقة بالطفل ،فتنص المادة 49ق.ع
3
«ال يكون محال للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر ( )10سنوات( )»« ،ال تطبق على
4
القاص ر ال ذي ي تراوح س نه من 10إلى أق ل من 13س نة إال ت دابير الحماي ة أو التربي ة»« ،وم ع
ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»« ،ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من
13إلى 18س نة إم ا لت دابير الحماي ة أو التربي ة أو الته ذيب أو لعقوب ات مخفف ة» ،فوض عت
األحكام القانونية المقررة للطفل فحددت أطواره ،بعدم مسؤوليته الجزائية أصال ،وتحديد تدابير
األمن ومتى يمكن تطبيقا والمسؤولية الجزائية المخففة فتولت المادتان 51 ،50من نفس القانون
تحديد العقوبة المخففة المطبقة على الطفل الجانح وكيفية تطبيقها ،فتنص المادة األولى «إذا قضي
بأن يخضع القاصر الذي يبلغ من 13إلى 18لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون
ك اآلتي« ،»:إذا ك انت العقوب ة ال تي تف رض علي ه هي اإلع دام أو الس جن المؤب د فإن ه يحكم علي ه
بعقوب ة الحبس من عش ر س نوات إلى عش رين س نة»« ،وإ ذا ك انت العقوب ة هي الس جن أو الحبس
المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان
بالغا» ،وتنص المادة الثانية «في مواد المخالفات يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من 13إلى
18إما بالتوبيخ وإ ما بعقوبة الغرامة( )».
5
- 1وقد تمتنع المسؤولية الجنائية لتخلف عنصر الحرية ،باعتبار أن الحرية تعتبر العنصر الثاني لقيام المسؤولية الجنائية.
-2القانون رقم 12-15المؤرخ في 15يوليو ،2015نشر في الجريدة الرسمية رقم 39لنس السنة.
-3حددت المادتان 443 ،442من قانون اإلجراءات الجزائية سن الرشد وحكمه ،ألغيتا بمقتضى قانون حماية الطفل.
-4أنظر المادة 56من قانون حماية الطفل.
-5أنظر المواد 87 ،86 ،85 ،41 ،40 ،36 ،35من قانون حماية الطفل.
132
وهي أحكام تؤسس على درجة مدى توافر القدرة على اإلدراك والتمييز ،فجعل من الطور
األول من الميالد إلى م ا دون العش ر س نوات تنع دم في ه األهلي ة ،وفي الط ور الث اني من عش ر
س نوات إلى م ا دون الثالث ة عش رة س نة ال يك ون محال إال لت دابير الحماي ة أو الته ذيب أم ا الط ور
الث الث عن د بل وغ 13س نة إلى أق ل من 18فتحكم ه قاع دتان ،واح دة أص ال وهي اتخ اذ ت دابير
الحماي ة أو الته ذيب ،وقاع دة اس تثناء أن تس تبدل الجه ة القض ائية الت دبير بعقوب ة مخفف ة وفق ا لم ا
تقرره المادة 50من قانون العقوبات( ).
1
الجزائية على عاتق مرتكب الجريمة ويوقع عليه العقاب المقرر لها ،تأسيسا على مقدرة اإلنسان
على اإلدراك والتمييز وبما يتوافر له من حرية االختيار ،فيقوم اإلنسان بالمفاضلة بين البواعث
المختلفة وتوجيه إرادته على نحو معين يتحرر من كل العوامل التي شأنها أن تفرض عليه نمطا
معينا من السلوك ،فهو له القدرة على التمييز بين السلوك المتفق مع القانون والسلوك المخالف
له ،فيفرق بين المباح والمجرم فيختار بينهما بحرية بتوجيه إرادته على نحو يخالف أمر القانون
أو نهيه ،وتؤسس المسؤولية الجزائية على أساس أخالقي أو أدبي ،فتكون أخالقية أو أدبية ،ألنها
لوم من أجل سلوك مخالف للقانون ،فإذا تخلف العنصر اإلرادي بسبب عاهة عقلية أو لصغر في
السن فال تقوم المسؤولية الجزائية.
المطلب الثاني -مذهب الحتميـــة
يقوم المذهب الحتمي أو الجبري على أساس أن الجريمة ينقاد إليها اإلنسان انقيادا ،بحكم
عوامل تسيطر عليه فال يستطيع التحرر منها ،فيسلك مسلكا على نحو معين دون اختيار منه( )،
3
فالجريم ة حتمي ة تطبيق ا لق وانين الس ببية الحتمي ة على تص رفات اإلنس ان ،فتك ون نتيج ة حتمي ة
ألس باب ت ؤدي إليه ا ،أس باب داخلي ة ترج ع للتك وين الجس مي والعقلي للج اني ،وق د تك ون أس بابا
خارجي ة تتعل ق بالبيئ ة االجتماعي ة ال تي يعيش فيه ا ،مم ا يع ني أن الجريم ة لن تك ون ثم رة حري ة
االختيار( ) ،وبالتالي تؤسس المسؤولية الجزائية على أساس اجتماعي باعتبار الجريمة سلوكا ال
4
اجتم اعي ،يتطلب ج زاء من ن وع خ اص ،باس تبدال العقوب ة التقليدي ة بت دابير األمن والحماي ة،
فانصب اهتمامهم على السلوك غير االجتماعي فقط فأهمل اإلرادة وأنكر وجود موانع للمسؤولية
وتأخ ذ التش ريعات الجنائي ة الحديث ة كأص ل ع ام بم ذهب الحري ة ،فتقيم المس ؤولية الجزائي ة
بنوعيها العمدية وغير العمدية على أساس إرادي وحرية االختيار فتقيم المسؤولية األخالقية ،إال
أنه ا تعتم د في نفس ال وقت على الجبري ة في ح االت خاص ة بالتأس يس للمس ؤولية االجتماعي ة،
بنص ها على الت دابير األمني ة ،ومن بينه ا الق انون الجزائ ري في ق انون العقوب ات وق انون حماي ة
الطفل ،عمال بأحكام المواد 50 ،49 ،48 ،47 ،22 ،21 ،19من قانون العقوبات والمواد ،58
87 ،86من قانون حماية الطفل.
يقيم الق انون الجزائ ري المس ؤولية الجزائي ة على أس اس أخالقي بت وافر عنص رين ،الق درة
على اإلدراك والتمي يز وحري ة االختي ار ،فتنص الم ادة 47ق .ع «ال عقوب ة على من ك ان في
حال ة جن ون وقت ارتك اب الجريم ة وذل ك دون اإلخالل بأحك ام الفق رة 2من الم ادة ،»21فتنص
الم ادة 1من ق انون حماي ة الطف ل « ،الطف ل الج انح :الطف ل ال ذي ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال
عمره عن عشر ( )10سنوات»« ،تكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتك اب الجريم ة» ،وتنص
المادة 56/1منه «ال يكون محال للمتابعة الجزائية الطفل الذي لم يكمل العشر ( )10سنوات »،
وتنص الم ادة 49ق.ع «ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة القاص ر ال ذي لم يكم ل عش ر ()10
س نوات( )»« ،ال تطب ق على القاص ر ال ذي ي تراوح س نه من 10إلى أق ل من 13س نة إال ت دابير
2
الحماية أو التربية»« ،ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال إال للتوبيخ»« ،ويخضع
القاصر الذي يبلغ سنه من 13إلى 18سنة إما لتدابير الحماية أو التربية أو التهذيب أو لعقوبات
مخفف ة» ،باإلض افة إقام ة المس ؤولية على الق درة على اإلدراك والتمي يز فق د أقامه ا أيض ا على
الحرية طبقا للمادة 48من قانون العقوبات فتنعدم المسؤولية بتخلفها.
إال أن هذا لم يمنعه من تقرير المسؤولية االجتماعية التي تقوم على أساس غير تلك التي
تقوم عليها المسؤولية األخالقية ،حماية للجماعة مما يشكله الجانحون من خطورة عليه( ) ،فتمتنع
3
المس ؤولية الجزائي ة ويق رر ت دابير خاص ة بك ل فئ ة ،فتنص الم ادة 21/2ق.ع «يمكن أن يص در
األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم وج ود
وجه إلقامة الدعوى غير أنه في هاتين الحالتين األخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع
المادية ثابت ة» ،والنص على تدابير األمن في المواد 22 ،21 ،19من قانون العقوبات ،وكذلك
المادتين 85 ،53وما يليهما من قانون حماية الطفل.
المبحث الثالث -اإلرادة اآلثمة جزائيا
إن ت وافر اإلرادة والحري ة واتجاهه ا نح و س لوك يجرم ه الق انون ويع اقب علي ه ،بمخالف ة
أوامره ونواهيه تعتبر إرادة آثمة ـلك اإلرادة التي تسمح بإسناد الجريمة لها في إحدى صورتيها
القص د أو الخط إ ،فم تى ط رأ عليه ا م ا يع دمها أو ينقص منه ا امتنعت المس ؤولية الجزائي ة لع دم
إمكان إسناد الجريمة لها ،فال يقوم الركن المعنوي في الجريمة إال إذا توافرت األهلية المعتبرة
قانونا فيمن يقوم بذلك السلوك ،وعلية فاإلرادة قد تكون تتجه نحو إرادة الفعل والنتيجة معا ،وقد
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص .525
-2أنظر المادة 56من قانون حماية الطفل.
-3الح ظ أن الم ادة 4من ق انون العقوب ات تق رر أن الج زاء على الجريم ة يك ون بتط بيق العقوب ة ،وأن الوقاي ة منه ا يك ون
باتخاذ تدابير األمن.
134
تتج ه نح و إتي ان الفع ل دون إرادة النتيج ة ،وهم ا م ا يع بر عنهم ا بالقص د والخط إ -بغ ير قص د-
نتعرض لهما في نقطة أولى لنوعي اإلرادة ،وفي النقطة الثانية نتعرض لموانع األهلية.
الفصل الثاني
صورتا اإلرادة اآلثمة
تتخ ذ اإلرادة اآلثم ة ص ورتين متم يزتين تتح دد على ض وئهما طبيع ة المس ؤولية ،فق د تتج ه
اإلرادة اآلثمة نحو إتيان الفعل والنتيجة فتريدهما فتسمى قصدا ،وقد تتجه نحو إتيان السلوك دون
إرادة النتيجة فتسمى خطأ ،فيقوم كل منهما على العالقة النفسية التي تربط بين شخصية الجاني
ومادي ات الجريم ة ،ولكنهم ا يختلف ان في م دى س يطرة الفاع ل على تل ك المادي ات ،ففي القص د
تس يطر اإلرادة س يطرة فعلي ة وش املة عليه ا ،وفي الخط إ يتقلص نط اق الس يطرة على مادي ات
الجريمة فال يشمل إال بعضها. ،فتقوم بتوافر القصد الجريمة العمدية ،وتقوم بالخطإ الجريمة غ ير
العمدية.
المبحث األول -القـصـد الجنائــي
إذا ك ان اإلثم يق وم على اإلرادة المعت برة قانون ا ،وأن اإلرادة أن تتج ه في إح دى ص ورتيها
الرتك اب الس لوك المج رم قانون ا وإ رادة النتيج ة اإلجرامي ة ال تي يع اقب عليه ا الق انون ( ) ، ،وهي
2
اإلرادة ال تي يق وم به ا القص د ،مم ا ي دل على أن ه اتج اه اإلرادة للس لوك والنتيج ة مع ا ،م ع العلم
بعناص ر الجريم ة ،ولم تعرف ه التش ريعات ومن بينه ا ق انون العقوب ات الجزائ ري ،فيكتفي بوض ع
النص التج ريمي الخ اص بك ل جريم ة عمدي ة فيتطلب فيه ا العم د بص ورة ص ريحة ،أو ض منية
فيس تخلص من النص وص والمب ادئ القانوني ة ،ص راحة أو ض منا ،فيس تعمل القص د أو العم د في
نصوصه ،فيستعمل أحيانا مصطلح «القصد» ،ومن النصوص التي استعمل فيها مصطلح القصد
الم ادة التالي ة 61 :في فقرتيه ا ،4 ،2والم واد ،329 ،225 ،219 ،202 ،198 ،148 ،62
،...343وأحيانا أخرى يستعمل مصطلح "العمد"( ) ،ومن النصوص التي استعمل فيها مصطلح
2
العم د :الم واد 160 ،160 ،158 ،155 ،73مك رر 160 ،مك رر ،180 ،172 ،6 ،5 ،4
،416 ،402 ،400 ،398 ،396 ،395 ،331 ،325 ،309 ،273 ،264 ،254 ،182
442 ،422مكرر 4-450 ،من قانون العقوبات ،إال أن النص قد يجيء خاليا منهما أي القصد
وال العمد ،فيستخلصان منه خاصة أنه يستعمل مصطلح "العلم" وهو عنصر من عناصر القصد
في وجب ت وافره ،فمثال في تنص الم ادة 75من ه «يع اقب بالس جن الم ؤقت من خمس إلى عش ر
سنوات كل من يساهم وقت السلم في مشروع إلضعاف الروح المعنوية للجيش يكون الغرض
من ه اإلض رار بال دفاع الوط ني وه و ع الم ب ذلك» ،ومن أمثل ة ذل ك أيض ا الم واد ،91 ،44 ،42
211بند 367 ،366 ،238 ،222 ،3من قانون العقوبات.
القصد الجنائي والباعث
إذا ك ان القص د الجن ائي يق وم على العلم بعناص ر الجريم ة واتج اه اإلرادة لتحقي ق تل ك
العناصر أو قبولها ،فإن الباعث عبارة عن القوة المحركة لإلرادة فهو العامل النفسي الذي يدعو
للتفك ير في الس لوك اإلج رامي ،وتع دد الب واعث في الجريم ة بتع دد الج رائم وتنوعه ا فال يمكن
حص رها ،إال أن ه يص نف إلى ب واعث ش ريرة ،ب واعث ش ريفة اجتماعي ة ك دافع الش فقة وعاطف ة
- 1إن وقوع النتيجة التي أرادها المجرم من عدمها ليس شرطا لقيام المسؤولية الجزائية ،مثل المحاولة في الجريمة.
- 2فال تقوم الجريمة العمدية إال بتوار القصد الجنائي.
135
الحب وحب ال وطن وال دفاع عن الش رف والع رض ،غ ير اجتماعي ة كاالنتق ام والحق د وتس هيل
ارتكاب الجرائم ،...فهو يختلف عن القصد في أنه يكمن في الدافع الذي يدفع الرتكاب الجريمة
كدافع الشفقة في القتل الرحيم أي بدافع الشفقة.
وال أث ر للب اعث على وج ود الجريم ة وقيامه ا وال على المس ؤولية الجزائي ة عنه ا ،ألن
الجريمة تقوم بتوافر القصد أو العمد بغض النظر عن باعثها ،شريفا أو شريرا أو كان غير ذلك،
ألن وجوده ال ينفي توافر القصد ،إال أن هذا ال يمنع أن يقرر القانون أحيانا التجريم انطالقا من
الب اعث على الجريم ة فيك ون أس اس قي ام الجريم ة والمس ؤولية الجزائي ة عنها( ) مث ل م ا تق رره
1
الم ادة ) (77بالنس بة لج رائم القض اء على نظ ام الحكم والتح ريض على حم ل الس الح ض د
2
السلطة ،وكذلك المادة ) (78بالنسبة لجريمة المؤامرة ضد السلطة ونظام الحكم وسالمة أرض
3
الوطن.
ه ذا من حيث التج ريم والمس ؤولية ،أم ا من حيث العق اب ونظ را لم ا يكش ف عن م دى
الخطورة اإلجرامي ة لشخص ية الفاع ل من ع دمها ،يمكن أن يكون للب اعث دور في تحدي د العق اب
انطالق ا من تط بيق حكم الم ادة 53وم ا يليه ا من ق انون العقوب ات المتض منة أحك ام الظ روف
القض ائية المخفف ة ،فتنص «يج وز تخفيض العقوب ة المنص وص عليه ا قانون ا بالنس بة للش خص
الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة ،»...وقد يكون الباعث على ارتكاب
الجريمة ظرفا مشددا للعقاب مثل ما تقرره المادة 293مكرر ق.ع التي تنص «كل من يخطف
أو يحاول القيام بخطف شخص مهما بلغت سنه ،مرتكبا في ذلك عنفا ،أو تهديدا أو غشا ،يعاقب
بالسجن المؤقت من عشر ( )10سنوات إلى عشرين ( )20سنة وبغرامة من 1.000.000دج
إلى 2.000.000دج»« ،ويع اقب الج اني بالس جن المؤب د إذا تع رض الش خص المخط وف إلى
تع ذيب جس دي»« ،وإ ذا ك ان ال دافع للخط ف ه و تس ديد فدي ة ،يع اقب الج اني بالس جن المؤب د
أيضا( )».
4
-1وهي ح االت س بق التع رض له ا أثن اء تن اول مراح ل ارتك اب الجريم ة حيث رأين ا أن األص ل في التج ريم والعق اب أن
المش رع يعتم د على إتي ان الس لوك أو الب دء في تنفي ذه وال مج ال لتج ريم األفع ال التحض يرية واألفك ار ،ورغم ذل ك يض ع
المشرع قواعد استثنائية فيؤاخذ على مجرد الفكرة كما فعل في المؤامرة واالتفاق الجنائي.
- 2فتنص «يعاقب باإلعدام االعتداء الذي يكون الغرض منه.»....
-3فتنص «المؤامرة التي يكون الغرض منها»...
- 4ومن النصوص التي تعتد بالباعث غير الشريف ظرفا مشددا للعقاب المادة 344بند 8 ،7ق.ع.
136
يقوم القصد على عنصري اإلرادة والعلم بتوجيه الجاني إرادته إلى ارتكاب سلوك
مج رم لتحقي ق النتيج ة المبتغ اة م ع العلم بأرك ان الجريمة( ) ،وينتفي القص د كلم ا انتفى أي منهم ا،
1
أهمية العلم في توافر القصد ،بالنص عليه في كثير من المواضع المتعلقة بالشريك في الجريمة،
مثل المواد 91 ،44 ،42من قانون العقوبات.
وقد يتعلق العلم بالوقائع التي تعد عنصرا من عناصر الجريمة ،وقد يتعلق بمدلولها متى
أضفى عليها القانون مدلوال معينا ،فيعتبر عنصرا من عناصر الجريمة ،وعدم العلم بهذه الوقائع
ينتفي معه القصد الجنائي ،فانتفاء القصد بانتفاء العلم بالوقائع ال تنصرف إلى عدم العلم بالقانون،
ألن العلم بالق انون مف ترض فال يج وز ألح د االحتج اج بالجه ل بالق انون ،فتنص الم ادة 3 ،78/1
من دستور 1996المعدل والمتمم «ال يعذر بجهل القانون»« ،يجب على كل شخص أن يحترم
الدستور وقوانين الجمهورية» ،فال يجوز ألي شخص دفع المسؤولية الجزائية عنه بالدفع بجهله
القانون أو الغلط فيه.
ومن الص ور ال تي ال يجب أن ينص رف إليه ا العلم وتتعل ق ب المجني علي ه ،هم ا ص ورتا
الغل ط في شخص ية المج ني علي ه والحي دة عن اله دف الم راد تحقيق ه ،فال أث ر لهم ا على قي ام
المس ؤولية الجزائي ة لت وافر المحاول ة في الجريم ة ،ألنهم ا ينص بان على ص فة غ ير جوهري ة ال
تعتبر ركنا من أركان الجريمة ،ففي الصورة األولى وهي الغلط في شخصية المجني عليه ،كمن
يقص د قت ل زي د فيخطئ في شخص ية المج ني علي ه لس بب من األس باب النع دام الرؤي ة للظالم أو
لعدم معرفة المجني عليه جيدا ،فيقتل عمرا فيس أل عن جريمة قت ل عمر عم دا أو المحاولة في
قتله بحسب األحوال ،أما الصورة الثانية وهي الحيدة عن الهدف أو الخطأ في إصابة الهدف لعدم
الدقة في التصويب مثال ،فيسأل الجاني عن محاولة قتل من قصد قتله لخيبة األثر ،ويسأل أيضا
عن جريم ة قت ل المج ني علي ه أو محاول ة قتل ه بحس ب األح وال( ) ،وهن اك وق ائع ال ينص رف له ا
3
-1وقد ثار جدل فقهي حول عناصر القصد ،فظهرت نظرية العلم ونظرية اإلرادة ،األولى تقوم على أنه يضم عنصرين
هما :إرادة الفعل والعلم بالنتيجة اإلجرامية واستبعاد عنصر إرادة النتيجة من عناصره ،ألنها ترى فيه أن القصد الجنائي
وهو مخالفة القانون فإن علم الجاني بالداللة اإلجرامية لسلوكه وأن من شأنه أن يوقع اعتداء على حق محمي جنائيا ،ولم
يمنع ه ذل ك عن إتيان ه فوج ه إرادت ه إليه ،ف إن إرادت ه في ه ذه الحال ة تعت بر إرادة متجه ة نح و مخالف ة الق انون ،وبالت الي فإن
إرادة النتيجة لن تضيف لألمر شيئا وبالتالي وجب استبعادها ،أما النظرية الثانية وهي نظرية اإلرادة فتقوم على أن القصد
الجنائي ه و إرادة الفع ل وإ رادة النتيجة اإلجرامية وإ رادة ك ل واقع ة تعطي الفعل داللته اإلجرامية ،ألن أصحاب النظرية
يعتقدون بأن العلم وحده حالة ساكنة مجردة عن الصفة اإلجرامية و اإلثم أو الخطيئة ،ألن القصد الجنائي لديهم عبارة عن
وضع مخالف للقانون وسلوك يوصف باإلجرام.
والمالح ظ أن ه إذا ك انت نظري ة العلم تتف ق م ع نظري ة اإلرادة ح ول عنص ر اتج اه اإلرادة للفع ل والعلم بالوق ائع المكون ة
للجريم ة ،فإنهما تختلف ان من حيث أن نظري ة العلم ال تتطلب اتج اه اإلرادة للنتيج ة اإلجرامي ة فتكفي ب العلم بها ،ف إن نظرية
اإلرادة تقوم على وجوب اتجاه تلك اإلرادة للنتيجة وإ لى الوقائع التي تحدد الداللة اإلجرامية للفعل.
د .محمود نجيب حسني :النظرية العامة للقصد الجنائي ،دراسة تأصيلية للركن المعنوي في الجرائم العمدية ،الطبعة الثالثة
،1988دار النهضة العربية.
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...ص 601وما يليها.
د .محمد الفاضل :لمبادئ العامة في قانون العقوبات ،...ص 502وما يليها.
- 2وهو ما يعرف بالقصد االحتمالي ،الذي يقوم على عنصر التوقع ،فالجاني يتوقع حدوث النتيجة كأثر ممكن لسلوكه ،وقد
ظهرت نظريتان تعالج القصد االحتمالي ،واحدة فرنسية واألخرى ألمانية.
- 3د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .416
137
العلم كتلك المتعلقة بأهلية المتهم للمسؤولية الجزائية ،كأن يعتقد شخص إصابته بعاهة عقلي ة وقت
ارتكاب الجريمة ،وكذلك الظروف المشددة التي ال تغير من وصف الجريمة كالعود ،كمن يجهل
توافر الوقائع التي تجعل من القائم بالفعل عائدا لإلجرام.
وفي جمي ع األح وال ،ف إن العلم ال يش ترط انص رافه للنتيج ة ال تي وقعت ،وإ نم ا يكفي إرادة
الس لوك المج رم واتجاهه ا نح و تحقي ق نتيج ة إجرامي ة معين ة ،فمثال ش خص يري د إلح اق األذى
بشخص آخر أو بمجموعة أشخاص ،فيلقي بقنبلة في جمهور من الناس فيصيب من أرادهم كلهم
أو بعضهم ،ويصيب من األشخاص من لم يقصدهم ،وهو ما يعرف بالقصد غير المحدود ،فإنه
يس أل عن النتيج ة اإلجرامي ة ال تي وقعت ،س واء اتجهت إرادة الفاع ل له ا أم لم تتج ه ،ألن الع برة
باإلرادة واتجاهها إلحداث نتيجة إجرامية.
الفرع الثاني -اإلرادة اآلثـمــة
اإلرادة اآلثم ة ق د توج ه نح و ارتك اب الس لوك المج رم وإ ح داث النتيج ة ،وهي عنص ر
جوهري في القصد ،وقد تتجه إلى إتيان السلوك دون إرادة النتيجة ،ففي الحالة األولى نكون أمام
القصد الجنائي الذي تقوم به الجرائم العمدية ،وفي الحالة الثانية نكون بصدد خطإ غير عمدي
فتقوم به الجرائم غير العمدية الختالف درجة خطورة السلوك في كل منهما وتخلف النتيجة في
الثاني.
المطلب الثاني -أنواع القصد الجنائي
ال تقوم الجريمة العمدية إال بتوافر القصد ،فينص غليه القانون بصورة صريحة أو ضمنية
ولم يحدد صوره المختلفة فترك األمر للفقه الذي تولى المسألة بتبيان طبيعة القصد( ) ،فاستخلص
1
من النصوص القانونية أنواعه ،وهي القصد العام والقصد الخاص ،القصد المحدود والقصد غير
المح دود ،القص د البس يط والقص د م ع س بق اإلص رار ،القص د المباش ر والقص د غ ير المباش ر أو
االحتمالي.
الفرع األول -القصد العام والقصد الخاص
القصد العام هو أبسط صور القصد ،وهو اتجاه اإلرادة اإلجرامية الرتكاب الجريمة مع
علم الج اني بعناص رها ،أي أن ه قص د يق وم على عنص ري اإلرادة والعلم ،يجب ت وافره في جمي ع
أن واع الج رائم العمدية( ) فيكفي فيه ا مج رد إتي ان الفاع ل لس لوكه عن إرادة واعي ة واتجاهه ا
2
الرتكاب الجريمة مع العلم بتوافر أركانها ،كجريمة القتل والضرب أو الجرح واإليذاء البدني أو
المساس بالسالمة الجسدية للمجني عليه واستعمال الوثائق المزورة.
أم ا القص د الجن ائي الخ اص ،فه و اتج اه اإلرادة لوق ائع إض افية ت دخل في تك وين الجريم ة،
باإلضافة لعنصري العلم واإلرادة ،فال يكتفي بالقصد الخاص فيتطلب عنصرا إضافيا ،يتمثل في
الني ة المنص رفة إلى غاي ة مح ددة ومعين ة ،أو ه و ني ة دفعه ا إلى الس لوك ب اعث خ اص ،وبالت الي
يجب أن تتجه إرادة الجاني نحو تحقيق الغاية التي يحددها القانون ،وهو قصد يشترط المشرع
الجن ائي ت وافره في ج رائم معين ة ،بوج وده في الجريم ة العمدي ة أو القص دية فيولي ه المش رع في
- 1وقد سبق اإلشارة لبعض النصوص القانونية التي تستعمل مصطلحي «القصد» و «العمد.
- 2د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .261
138
بعض ص ورها أهمي ة خاص ة ،يلعب فيه ا دورا متم يزا يس تند إلي ه في تحدي د وص ف الجريم ة أو
تقرير العقوبة المقررة لها.
إن العبرة في تحديد ما إذا كان قانون العقوبات يكتفي لقيام الجريمة بالقصد الجنائي العام
أو يشترط توافر القصد الخاص لجانبه ،يتم بالرجوع للنص الجزائي المجرم لتقرير ذلك ،كم ا في
ج رائم القت ل والس رقة وال تزوير ،ألن ه ال يمكن قي ام أي منه ا م ا لم يت وفر فيه ا قص د خ اص ،في
القت ل ني ة إزه اق ال روح ،وفي الس رقة خلس ة وب دون الرض ا وني ة التمل ك ،وفي جريم ة ال تزوير
إدخال تعديل على الوثيقة بنية استعمال الوثيقة المزورة( ) ،وقد يستعمل النص الجزائي ألفاظا أو
1
مص طلحات تفي د وج وب ت وافر القص د الخ اص ،مث ل اس تعمال «قص د حمله ا على القي ام بأعم ال
عدوانية» في المادة ،2-61و «قصد معاونة دولة أجنبية في خططها ضد الجزائر» في المادة
،2-62و «قص د اإلض رار» في الم ادة ،4-61و «بقص د أن يعفي نفس ه أو يعفي الغ ير من أي
خدمة عمومية» في المادة ،225و «المؤامرة الغرض منها ارتكاب الجنايات المنصوص عليها
في المادة ،»77و «طريق الغش» في المادة ،216و «نية تملك شيء مملوك للغير في جريمة
الس رقة» في الم ادة ،350و «ك ل من اختلس ش يئا غ ير ممل وك ل ه يع د س ارقا ،») (...و «ني ة
2
إزه اق روح إنس ان حي في جريم ة القت ل» في الم ادة ،254و «القت ل ه و إزه اق روح إنس ان
عم دا( )» و «االس تعمال في المح ررات الم زورة »...في الم ادة ،222ونالح ظ أن ه ال يمكن
3
تص ور وج ود القص د الخ اص دون وج ود القص د الع ام وه و اتج اه الني ة للفع ل والنتيج ة ،ألن
الجريم ة ال يمكن اشتراط وجود القصد الخاص فيها ما لم يكن المشرع قد جرم س لوكا وعاقب
عليه ،فتطلب وجود القصد الجنائي العام.
الفرع الثاني -القصد المحدود والقصد غير المحدود
القصد المحدود هو اتجاه اإلرادة إلى تحقيق نتيجة أو نتائج معينة ومحددة بذاتها ،فيكون
القصد الجاني مح دودا ،مثال في الس رقة إذا اتجاه ه اإلرادة ألخ ذ منقول معين مملوك للغير بني ة
تملكه ،وفي القتل إزهاق روح إنسان حي ،أما القصد غير المحدود كالقصد المحدود يقوم على
توافر عنصري اإلرادة والعلم باإلضافة للنتيجة اإلجرامية ،ويختلف عنه أن النتيجة غير محددة
الموضوع( ) ،ألن غرض الجاني تحقيق هدف إجرامي غير محدد أو ال يكترث بموضوعه ،كمن
4
يطل ق الن ار على جمه رة من الن اس ،أو كمن يس تعمل طرق ا احتيالي ة مواجه ة الجمه ور للنص ب
على أي منهم.
ويوح د المش رع الجن ائي في الحكم بين القص دين ،ألن ه في الح الين يت وفر القص د ،فيري د
مق ترف الس لوك تحقي ق نتيج ة إجرامي ة معين ة في القص د المح دود ،وغ ير معين ة في القص د غ ير
المح دود ،ويت وافر في كليهم ا عنص را القص د ،وهم ا العلم واإلرادة ،ه ذا من ناحي ة ،ومن ناحي ة
أخ رى أن تحق ق النتيج ة المح ددة أو غ ير المح ددة ،ال يع د عنص را من عناص ر القص د الجن ائي،
فالمسؤولية الجزائية تقوم لمجرد انصراف اإلرادة للسلوك والعلم بعناصره.
الفرع الثالث -القصد البسيط والقصد مع سبق اإلصرار
- 1د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .261
…- Quiconque soustrait frauduleusement une chose qui n’appartient pas est coupable de vol
2
- 4د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .265
139
إن القصد الجنائي قد يصحبه ،هذا األخير ،يعرف سبق اإلصرار Préméditationبأنه
التفك ير اله ادئ في الجريم ة قب ل التص ميم عليه ا وتنفي ذها ،ويعرف ه المش رع الجن ائي في على أن
تعرف المادة 256من قانون العقوبات «سبق اإلصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على
االعت داء على ش خص معين أو ح تى على ش خص يتص ادف وج وده أو مقابلت ه ،وح تى ل و ك انت
ه ذه الني ة متوقف ة على أي ظ رف أو ش رط ك ان» ،والمالح ظ أن ه ليس هن اك تالزم ا بين القص د
البس يط -الع ام والخ اص -وبين س بق اإلص رار ،فيمكن ت وافر القص د البس يط دون ت وافر س بق
اإلصرار ،كما في جريمة القتل والضرب والجرح فقد يكون قتال بسيطا أو ضربا بتوافر فقط،
وقد يكون قصدا بسيطا مصحوبا بسبق اإلصرار الذي يترتب عليه تشديد العقاب ،كما ورد في
المواد 265 ،264 ،261 ،263/3ق.ع ،وتكمن العلة في تشديد العقاب بتوافر سبق اإلصرار،
أن مرتكب الجريمة في مثل هذه الحالة ،وبتفكيره الهادئ قبل التصميم على جريمت ه ،يتخلص من
االنفع االت النفس ية ال تي ق د تعيق ه عن اإلق دام على عق د عزم ه ،مم ا يجعل ه يس يطر على نفس ه
وانفعاالته مما يزيد في فرص نجاحه في مشروعه اإلجرامي الذي عقد العزم على ارتكابه.
يحت ل س بق اإلص رار أهمي ة خاص ة في ج رائم االعت داء على الح ق في الحي اة والس المة
الجسدية التي أطلق عليها "أعمال العنف العمدية" المتمثلة في جرائم الضرب والجرح ،في المواد
264 ،261 ،255ق.ع وم ا يليه ا ،فيش دد العق اب على م رتكب جريم ة القت ل أو الض رب
والجرح كلما اقترن ارتكابها بسبق اإلصرار ،وتبدو معاملة المجرم بالشدة في أن المصمم على
ارتك اب الجريم ة وإ قدام ه على تنفي ذها بع د تفك يره اله ادئ ،يك ون ق د تخلص من انفعاالت ه وأت اح
لنفسه تقدير ما يترتب على جريمته من مخاطر ،مما يبرز خطورته اإلجرامية( ) ،فاقتضى األمر
1
معاملت ه جزائي ا ب أكثر ش دة من الش خص ال ذي ي رتكب الجريم ة تحت ت أثير االنفع االت النفس ية
المختلف ة ،فمثال جريم ة القت ل عقوبته ا الس جن المؤب د ،وجريم ة الض رب والج رح عقوبته ا من
ش هرين إلى خمس س نوات وغرام ة من 20.001إلى 100.000دج( ) ،ف إذا اق ترن ارتكابه ا
2
بس بق اإلص رار ،فتك ون العقوب ة في األولى اإلع دام وفي الثاني ة الس جن الم ؤقت من 5إلى 10
سنوات.
الفرع الرابع -القصد المباشر والقصد االحتمالي
القص د المباش ر ه و ال وعي بحقيق ة النش اط اإلج رامي اإلرادي وتوق ع نتائج ه ك أثر حتمي
والزم للس لوك باعتباره ا ض رورية وحتمي ة الح دوث م ع الس عي لتحقيقه ا ،في حين أن القص د
االحتمالي يتوفر عندما يعي الجاني حقيقة نشاطه اإلرادي المكون للجريمة ويتوقع إمكان وقوع
النتيجة ويسمح بوعي منه بوقوعها ،وبعبارة أخرى أن القصد االحتمالي هو توقع النتيجة كأثر
ممكن أو محتمل للسلوك اإلجرامي الذي اتجهت له إرادة الفاعل ،ومن األمثلة:
-شخص يقود سيارته بسرعة كبيرة في طريق مزدحم بالمارة ويتوقع إمكان إصابة أحد المارة،
ورغم ذلك يمضي في قيادة سيارته بسرعة فيصيب مارا في الطريق.
-شخص يشوه جسم شخص ثان بغرض احتراف التسول ،أو االستفادة من اإلعفاء من الخدمة
الوطنية ،فيتوقع إمكان أن يؤدي سلوكه إلى وفاته ،فحصلت الوفاة.
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص .661
-2انظر المادة 60من القانون 23-06في 20ديسمبر 2006المعدل والمتمم لقانون العقوبات التي تقرر حدودا جديدة
للغرامة في الجنح في المادتين 467 ،5مكرر.
140
-شخص يريد قتل شخص آخر بالسم فيضع له مادة سامة في طعامه ،وهو يعلم أن غيره قد
يشاركه في األكل ،فيتوقع أن حدوث وفاة هذا الغير ،فيحدث التسمم للشخصين فيموتا معا.
-ط بيب يجري عملية جراحي ة خط يرة لمريض اش تد علي ه الم رض ،ويتوق ع أن س لوكه ه ذا قد
يؤدي إلى وفاة مريضه ،فتحدث الوفاة.
وق د ث ار ج دل فقهي ح ول طبيع ة المس ؤولية الجزائي ة بت وافر القص د االحتم الي ه ل هي
مسؤولية جزائية عمدية أم مسؤولية جزائية غير عمدية؟
يتن ازع القص د االحتم الي رأي ان ،رأي يق ول بنظري ة االحتم ال ،ورأي يق ول بنظري ة
القبول( ):
1
-األول ،تق وم على أس اس التفرق ة بين االحتم ال ومج رد اإلمك ان ،فاالحتم ال ه و مج ال القص د
االحتمالي ،ومجرد اإلمكان هو مجال الخطإ غير العمدي باستبعاد القصد االحتمالي منه ،فمثال
إذا توق ع الفاع ل في األمثل ة الس ابقة عن د إتيان ه لس لوكه ح دوث النتيج ة ك أثر محتم ل ق امت بحق ه
المسؤولية العمدية ،أما إذا توقعها كأثر ممكن فقط فتقوم به المسؤولية غير العمدية( ).
2
-الثاني يقول بنظرية القبول التي تسوي بين القصد الجزائي في صورتيه القصد العام والقصد
االحتم الي ،فيف رق بين ه ذا األخ ير والخط إ غ ير العم دي اس تنادا لإلرادة وتحدي د كيفي ة اتجاهه ا،
فالقص د يق وم على العلم واإلرادة معا ،فيتوافر القصد االحتم الي إذا ثبت أن الجاني يفض ل تحقق
غرضه مقترنا بالنتيجة التي توقع إمكان حدوثها.
وإ ذا ك ان القص د الجن ائي االحتم الي يق وم على أس اس االحتم ال والتوق ع الفعلي إلمكاني ة
وقوع النتيجة مع الس ماح عن وعي بوقوعه ا ،فاختلف بش أن النظام الذي يخضعه له ،فأخضعه
البعض ألحك ام الخط إ غ ير العم دي لرفض هم أن يك ون القص د االحتم الي ص ورة من القص د،
وحجتهم في ذل ك أن الجاني مع توقعه للنتيج ة فإن ه لم يرده ا ،ف اعتبر القصد االحتم الي من قبيل
الخطإ الواعي( ) ،واتجاه ثان يخضعه ألحكام القصد المباشر ،فيعتبره صورة من القصد الجنائي،
3
ألن الج اني بتوقع ه النتيج ة ومض يه في س لوكه ق دما غ ير مب ال بم ا يمكن أن يق ع ول و قي ل بع دم
إرادته للنتيجة فهو قبلها على األقل( ).
4
النت ائج المجرم ة وال يقبله ا إال أن ه يتوقعه ا ك أثر ممكن لس لوكه يأم ل في تفاديه ا ،كس ائق الس يارة
الذي يقود سيارته بسرعة في مناطق آهلة بالسكان فيتسبب في حادث ...أو كمسؤول في شركة
- 1د .محمود نجيب حسني :النظرية العامة للقصد الجنائي ،...ص 224وما يليها.
- 2يفرق أنصار نظرية االحتمال بين االحتمال ومجرد اإلمكان على أساس أن األول يمثل الدرجات العليا من اإلمكان ،أي
هو ذلك اإلمكان الذي بلغ قدرا كبيرا من األهمية ،وأساس هذه التفرقة هو االختالف في مقدار العلم الذي توافر لدى الج اني
بالنتيجة المحتملة.
- 3د .علي راشد :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .393
- 4د .محمود نجيب حسني :النظرية العامة للقصد الجنائي ،...المرجع السابق ،ص .204
د .محمود محمود مصطفى :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق ،ط ،10ص .435
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .268
- 5د .محمود نجيب حسني :النظرية العامة للقصد الجنائي ،...المرجع السابق ،ص .204
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 639وما يليها.
د .محمود محمود مصطفى :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،المرجع السابق ،ط ،10ص .435
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .268-267
141
النقل البحري الذي يأذن بإقالع السفينة وهو يعلم عدم صالحيتها لإلبحار ،ويميز هذا االتجاه بين
القصد االحتمالي والخطإ غير العمدي ،أن النتيجة في األول محتملة وفي الثاني غير محتمل ة ،في
حين يميزه عن القصد المباشر في أن النتيجة في هذا األخير يتوقعها الفاعل ويقبلها كأثر حتمي
لسلوكه ،في حين أنه في القصد االحتمالي ال يريد الفاعل النتيجة وال يقبلها ولكنه يتوقعها ،ورغم
خطورة القصد االحتمالي لما ينطوي عليه من إرادة للفعل وتوقع للنتيجة ،والقبول بها عن وعي
فإن االتجاه الفرنسي يخضعه ألحكام الخطإ غير العمدي.
ثانيا -االتجاه األلماني
يخض ع القص د االحتم الي ألحك ام القص د المباش ر ،ف إذا ك ان ه ذا األخ ير يق وم على توق ع
النتيجة اإلجرامية كأثر مباشر وحتمي للسلوك ،كإطالق النار على شخص في مقتل فالنتيجة هي
ح دوث واقع ة الوف اة ،ف إن النتيج ة في القص د االحتم الي متوقع ة ك أثر ممكن للس لوك المج رم،
كتشويه جسم إنسان من أجل ممارسة ظاهرة التسول ،وما واقعة الوفاة إال إحدى االحتماالت التي
يمكن أن تقع مع السماح عن وعي بحدوثها ،فالقصد االحتمالي نوع من القصد الجنائي له قيمته
القانوني ة ،وبالت الي يتطلب تط بيق القواع د العام ة ال تي ترس م ح دود القص د في ص ورته العام ة،
وتحدد طبيعته وعناصره ،وعليه يجب أن يتوفر في القصد االحتمالي جميع عناصر القصد بنفس
م دلولهما في القص د في ص ورته العام ة ،فيقص د بالعنص ر األول العلم الفعلي بك ل عنص ر من
عناصر الجريمة التي تتطلب القواعد العامة في القصد الجنائي وإ حاطة علمه بها ،أما العلم من
حيث اإلحاط ة بالنتيج ة ال تي ت رتبت عن الفع ل فيجب أن يتوقعه ا حقيق ة عن دما ارتك اب الس لوك
المجرم ،فتقوم به المسؤولية العمدية ،فإذا انتفى عنصر منها انتفت المسؤولية العمدية.
إذا لم يتوق ع الفاع ل النتيج ة ولكن ه ك ان في اس تطاعته ومن واجب ه أن يتوقعه ا انتفت
مسؤوليته العمدية النتفاء القصد الجنائي ،وتقوم المسؤولية غير العمدية لتوافر استطاعة التوقع
ووجوبه الذي يقوم بهما الخطأ غير العمدي( ).
1
األخيرة رغم عدم إرادته لها ،إال أنه كان بوسعه وباستطاعته أو من واجبه أن يتوقعها ،وإ ذا كان
جوهر الخط إ هو إخالل بالتزام ع ام يقرره القانون( ) بوج وب مراعاة الحيط ة والحذر ومراع اة
3
األنظمة والحرص على الحقوق والمصالح بوجه عام ،فإنه يبحث في مدى توافره بمعيارين هما:
أولا -معي ار شخص ي يق وم على قي اس س لوك المخطئ بس لوك ش خص آخ ر تجتم ع لدي ة نفس
الظ روف ال تي أح اطت ب المخطئ وم ا إذا ك ان س يرتكب نفس الخط إ أم ال؟ ،ف إذا ك ان س يرتكب
- 1د .محمود نجيب حسني :النظرية العامة للقصد الجنائي ،...المرجع السابق ،ص .205-204
- 2نالحظ أنه إذا توقع الجاني حدوث النتيجة المجرمة يتوافر لديه القصد الجنائي االحتمالي الذي سبق أن قلنا بأنه محكوم
باتجاهين أو نظريتين هما نظرية االحتمال ونظرية التوقع.
-3يمكن أن تق وم الجريم ة غ ير العمدي ة بامتن اع أي بس لوك س لبي ،مث ل ذل ك م ا تق رره المادت ان 442 ،109من ق انون
العقوبات ،كما نالحظ أن هذا النوع من الجرائم التي ينتفي فيها القصد الجنائي ال شروع فيها ،ألن هذا األخير يتطلب أن
يقص د من يش رع في ارتك اب الجريم ة أن يأتيه ا بكاف ة أركانه ا ،وال اش تراك فيه ا ألن ه يتطلب اتج اه إرادة الش ريك لمعاون ة
ومساعدة الفاعل على تنفيذ الجريمة وهو -أي الشريك -يعلم بذلك.
142
الخطأ فتقوم المسؤولية الجزائية غير العمدية ،وإ ذا كان ال يمكن ارتكابه في نفس تلك الظرف فال
تقوم المسؤولية الجزائية ،وقد انتقد هذا المعيار لتعارضه مع النصوص التجريمية( ) من حيث أنه
1
ولقي ام المس ؤولية الجنائي ة غ ير العمدي ة عن الس لوك ال ذي يض في علي ه المش رع ص فة ع دم
المشروعية ،يجب توافر العالقة النفسية بين شخصية الجاني وماديات الجريمة ،والمالحظ أنه ال
مج ال للبحث في ت وافر الخط إ غ ير العم دي إال إذا ثبت انتف اء القص د الجن ائي ،ألن ت وافر ه ذا
األخير ينتفي معه الخطأ الجنائي ،وال يعني بالضرورة انتفاء القصد توافر الخطإ ،فقد ال يتوافرا
معا ،وبالتالي ال تقوم المسؤولية الجنائية بنوعيها المسؤولية العمدية وغير العمدية.
المطلب األول -مجال الخطإ غير العمدي
يق وم الخط أ غ ير العم دي أساس ا للمس ؤولية الجزائي ة غ ير العمدي ة ومجال ه الط بيعي ه و
الج رائم الموص وفة قانون ا بالمخالف ات ،م ع مالحظ ة أن ه إذا ك ان مجال ه المخالف ات فال يع ني أن
جمي ع المخالف ات غ ير عمدي ة ،فهن اك مخالف ات عمدي ة ،ألن المش رع هو ال ذي يح دد نوعه ا ،فإذا
أغفل تحديد طبيعتها كانت المخالفة غير عمدية ،ويمكن الوقوف على هذه التفرقة في نصوص
قانون العقوبات في الكتاب الرابع المتعلق بالمخالفات ومقوماتها في المادة 440وما يليها ،فمثال
المخالف ات المنصوص عليه ا في المواد 441 ،440مك رر 442 ،442 ،مك رر455 ،450 ،
عمدية ،ومن النصوص التي تقرر أن المخالفة غير عمدية المواد التالية ،3-457/2 ،1-453
463 ،4 -3 -2 -462/1 ،460من قانون العقوبات.
أم ا في الجنح وإ ن ك انت أص ال تق وم على العم د إال أن ه يج وز اس تثناء قيامه ا على الخط إ،
مثل جريمة القتل والجرح خطأ وهو ما تقضي به المادتان 289-288ق.ع ،فتنص المادة 288
«كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم مراعاته
األنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من 20.001إلى 100.000
دج ،».وتنص الم ادة « 289إذا نتج عن الرعون ة أو ع دم االحتي اط إص ابة أو ج رح أو م رض
أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثالثة أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى
سنتين وبغرامة من 20.001إلى ) (100.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين».
3
وفي الجناي ات ال يتص ور الخط أ فيه ا الجناي ات كأص ل ،ألن الجناي ة تق وم على العم د أي
القصد ،فإذا أراد المشرع إقامتها عن خطإ بصورة من صوره وجب النص صراحة على ذلك،
ومن األمثل ة على ذل ك الم ادة 2 ،66/1ق.ع تقيم الجناي ة على الخط إ ،فتنص «يع اقب بالس جن
الم ؤقت من عش ر س نوات إلى عش رين س نة ك ل ح ارس وك ل أمين بحكم وظيفت ه أو بحكم ص فته
- 1د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .446
- 2د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .446
-3انظ ر الم ادة 60من الق انون 23-06الم ؤرخ في 20ديس مبر 2006المع دل والمتمم لق انون العقوب ات ال تي تض ع
حدودا جديدة لعقوبة الغرامة في الجنح والمخالفات.
143
على معلوم ات أو أش ياء أو مس تندات أو تص ميمات يجب أن تحف ظ تحت س تار الس رية لمص لحة
الدفاع الوطني أو يمكن أن تؤدي معرفتها إلى الكشف عن سر من أسرار الدفاع الوطني قد قام
بغ ير قصد الخيان ة أو التجس س بم ا ي أتي -1« »:إتالفه ا أو اختالس ها أو ت رك الغ ير يتلفه ا أو
يختلس ها أو أخ ذ ص ور منه ا» -2« ،إبالغه ا إلى علم ش خص ال ص فة ل ه في االطالع عليه ا أو
إلى علم الجمه ور أو ت رك الغ ير يبلغه ا» ،وتنص الفق رة الثاني ة «وتك ون العقوب ة الس جن الم ؤقت
من خمس إلى عش ر س نوات إذا ك ان الح ارس أو األمين ق د ارتكب الجريم ة برعون ة أو بغ ير
حيطة أو بعدم تبصر أو بإهمال أو بعدم مراعاة األنظمة».
المطلب الثاني -صور الخطـإ غير العمدي
يقوم الخطأ على مجموعة من الصور أهمها واألكثر تحققا في الواقع هي :الرعونة ،عدم
االحتياط ،عدم االنتباه ،اإلهمال ،عدم التبصر ،عدم مراعاة اللوائح واألنظمة وبغير قصد ،صور
لم تكن موض وع اتفاق بين الفقه فاختلف بشأنها ،ما إذا كانت واردة على سبيل الحصر أو على
سبيل المثال ،إذ يذهب جانب منه إلى أنها حاالت واردة على سبيل المثال وهو األغلبية( ) ،ألن
1
جوهر الخطإ ال يكمن في تحديد صوره وإ نما في بيان عناصره -وهما اإلخالل بواجب الحيطة
والح ذر وت وافر العالق ة النفس ية بين إرادة المخ الف والنتيج ة اإلجرامي ة -ال تي من خالله ا يمكن
معرف ة الح االت ال تي يت وافر الخط إ فيه ا ،فال يع دو ذك ر ه ذه الص ور في النص وص القانوني ة إال
حرص المشرع على بيان أهم صور الخطإ.
في حين ي ذهب ج انب آخ ر إلى أنه ا ج اءت على س بيل الحص ر ،ويب دو ذل ك في ح رص
المش رع على بي ان ص ور الخط إ ال تي تنط وي على ق در من الخط ورة ،فح ددها في نص وص
قانونية ،وصياغة نصوص الجرائم غير العمدية بطريقة تبين مدى حرص المشرع على اإلحاطة
بك ل م ا يمكن تص وره من ص ور للخط إ ،وم ا ع داها من األخط اء فال يمكن أن يش ملها الخط أ
الجنائي.
ونعتقد أن الرأي األرجح ،من يعتمد هذه الصور واردة على سبيل الحصر تطبيقا لشرعية
الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في المادة األولى من قانون العقوبات ،رغم أنها ال تستغرق
كل صور الخطإ ،ولذلك يمكن القول أن القانون الجزائري يميل لهذا الرأي فال يجوز خارج تلك
الص ور الق ول ب أن حال ة م ا يمكن أن يق وم به ا الخط أ ،وبالت الي فيقي د ب ذلك من س لطة القاض ي
بوجوب االلتزام بتلك الصور إلثبات قيام الخطإ ،فيتعين عليه وفي ظل الشرعية التأكد من توافر
صورة من الصور المذكورة أعاله إلدانة المتهم بجريمة غير عمدية وفق واحدة منها.
وقد تنوع موقف المشرع الجزائري في إقامة المسؤولية الجزائية على الخطإ ،فمرة حددها
في صورة واحدة باستعمال مصطلح «بغير قصد» أو باستعمال مصطلح معين منها "الرعونة أو
ع دم االحتي اط أو اإلهم ال أو ع دم االنتب اه أو ع دم التبص ر أو ع دم مراع اة الل وائح واألنظم ة أو
الخط أ» ،وم رة يقيم المس ؤولية في جريم ة واح دة ح دد على ت وافر ص ورتين الم ادة 289ق.ع
- 1د .السعيد مصطفى السعيد :الركن المعنوي في المخالفات ،رسالة دكتوراه القاهرة .1959
د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات الجزائري ،...المرجع السابق ،ص .443
د .سامي النبراوي :النظرية العامة للقانون الجنائي ،...ص .181
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص 678وما يليها.
د .عبد اهلل سليمان :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص .273
د .معوض عبد التواب :الوسيط في شرح جرائم القتل واإلصابة خطأ ،القاهرة .1984
R. Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal..., t 5, n° 2049.
144
الرعون ة وع دم االحتي اط ،،وفي بعض الح االت ب أكثر من ص ورة في الم ادة 405مك رر ق.ع:
الرعون ة وع دم االحتي اط وع دم االنتب اه واإلهم ال أو ع دم مراع اة النظم ،وفي الم ادة 288
الرعونة ،عدم االحتياط ،عدم االنتباه ،اإلهمال ،عدم مراعاة األنظمة.
الفرع األول -الرعونــة
هي ن وع من س وء التق دير ونقص في المه ارة المطلوب ة أو الجه ل بم ا يتعين العلم ب ه،
فتتحق ق الرعون ة بفع ل ال يتالءم وال يتناس ب م ع واجب االحتي اط والح ذر ،كإق دام ش خص على
عم ل غ ير مق در لخطورت ه وم ا ق د ي ترتب علي ه من آث ار ونت ائج ،ومن تطبيقاته ا الجه ل بأص ول
مهن ة الطب ك الطبيب أو الج راح ال ذي يج ري عملي ة جراحي ة دون االس تعانة أثناءه ا بمخ در ،أو
كقائد السيارة الذي يغير االتجاه فجأة دون إشارة لذلك فيصيب أحد المارة ،أو كمن يلقي بحجر
من علو دون أن يتوقع إصابة أحد المارة في الطريق العام.
الفرع الثاني -عدم االنتباه وعدم التبصر واإلهمال
صور للخطإ تقوم بها جريمة غير عمدية سلبية ،أي حاالت الخطإ باالمتناع ،هذه الصور
عب ارة عن موق ف س لبي يتخ ذه الفاع ل بع دم اتخ اذ االحتياط ات الالزم ة ال تي ت دعو له ا الحيط ة
والحذر من شأنها أن تحول دون وقوع النتيجة ،كحارس المنزل الذي يهمل في الصيانة المقررة
قانونا فيسقط على من فيه ،وكحارس ممر القطار الذي ال يبادر بوضع اإلشارة معلنا عن قدوم
القطار.
الفرع الثالث -عـدم االحتيـاط
وهو صورة أخرى للخطإ باالمتناع ،فيدرك الشخص خطورة فعله وما قد يترتب عليه من
آثار ضارة ،فال يتخذ اإلجراءات واالحتياطات الالزمة والكافية لتجنبها ،كتجاوز سائق السيارة
دون إشارة منه لمثل هذا الفعل ودون تأكده من خلو الطريق ،أو كانطالق حافلة ركاب دون تأكد
س ائقها من غل ق أبوابه ا ،أو ص احب آل ة خط يرة معروض ة للجمه ور فال يتخ ذ من االحتياط ات
الالزمة لمنع أخطارها عليه.
الفرع الرابع -عدم مراعاة اللوائح واألنظمة
يقوم هذا الخطإ على عدم مطابقة السلوك للقواعد واألحكام التي تقررها اللوائح واألنظمة
القانونية ،سواء توفرت صورة من الصور السابقة للخطإ أم لم تتوافر ألن مجرد مخالفة الالئحة
يكش ف عن خط إ المخ الف لها( ) ،وتتع دد ه ذه ل وائح الض بط والب وليس بتع دد المص الح المنظم ة
1
والمحمية بالقواعد اآلمرة الصادرة عن السلطات المختصة وهي السلطة التنفيذية ،كاللوائح التي
توض ع بغ رض تنظيم الم رور مثال ،ولوائح( ) حيازة وس ائل النقل والصحة العام ة ولوائح تنظيم
2
الذي لم يكمل عشر ( )10سنوات( )»« ،ال توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10إلى أقل
2
من 13سنة إال تدابير الحماية أو التهذيب( )»« ،ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات ال يكون محال
3
إال للتوبيخ( )»« ،ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13إلى 18إما لتدابير الحماية أو التهذيب
4
يح دد الق انون ه ذه األس باب كموان ع للمس ؤولية الجزائي ة ،وهي الجن ون واإلك راه وص غر
الس ن ،ألن ه من ش أن ع دم ت وافر واح د منه ا أن ي ؤثر في اإلرادة فيجرده ا من قيمته ا القانوني ة،
وينتفي تبعا لذلك الركن المعنوي ،وهي حاالت ال تنتفي بها صفة عدم المشروعية.
المبحث األول -صـغـر السـن
يعت بر ص غر الس ن في التش ريعات الحديث ة مانع ا من موان ع المس ؤولية الجنائية( ) ،ألن
6
الصغير الذي لم يبلغ سنا يحددها القانون سلفا يعتبر عديم اإلدراك والتمييز أو ناقصهما ،فتنص
الم ادة األولى من ق انون حماي ة الطف ل «الطف ل :ك ل ش خص لم يبل غ الثامن ة عش ر ( )18س نة
كامل ة»« ،الطف ل الج انح :الطف ل الذي ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال يق ل عم ره عن عش ر ()10
سنوات»« ،وتكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتكاب الجريمة» ،وعليه فالصغير الذي يرتكب
جريمة لم يبلغ حينها سن الرشد الجزائي يعتبر غير مسؤول جزائيا ،وإ دا كانت القاعدة العامة أن
من لم يبلغ سن الرشد الجزائي ال يسأل جزائيا ،فإن أحكام القانون وضعت ألهلية الطفل أطوارا
وحددت أحكامها على النحو التالي:
المطلب األول -طور الصغير إلى ما قبل بلوغ 10سنوات
يق رر ك ل من ق انون العقوب ات وق انون حماي ة الطف ل ع دم قي ام المس ؤولية الجزائي ة بص فة
مطلق ة للطف ل ال ذي لم يبل غ عش ر ( )10س نوات كامل ة ،فتنص الم ادة 49/1من ق انون العقوب ات
«ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة القاص ر ال ذي لم يكم ل عش ر ( )10س نوات» ،وتنص الم ادة
- 1وقد سبق القول أن هذه المادة يمكن التسع فيها لتشمل حالتي اإلكراه والضرورة.
-2أنظر المادة 56من قانون حماية الطفل.
-3أنظر المادة 87/2من قانون حماية الطفل.
-4أنظر المادة 87/1من قانون حماية الطفل.
-5أنظر المادة 86من قانون حماية الطفل.
- 6تختلف التشريعات الجنائية في تحديد سن الرشد الجنائي والذي يعتبر كل من يبلغه صغيرا ،فيحدد القانون الجزائري بـ
18س نة كامل ة ،ويح دده الق انون الجن ائي المغ ربي بـ 16س نة كامل ة في الفص ل 140من ه ،ويح دده الق انون الفرنس ي بـ 18
سنة.
146
56/1من ق انون حماي ة الطف ل «ال يك ون محال للمتابع ة الجزائي ة الطف ل ال ذي لم يكم ل العش ر (
)10سنوات( )».
7
الطفل ،وإ ن اقتضت مصلحته يوضع في نظام الحرية المراقبة( ) ،وإ ذا كان الطفل غير مسؤول
3
جزائيا فإنه إعماال لقواعد المسؤولية االجتماعية يقرر القانون اتخاذ تدابير الحماية أو التهذيب( ).
4
الذي يبلغ سنه من 13إلى 18لحكم جزائي( ) فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون كاآلتي»« :إذا
6
كانت العقوبة التي تفرض عليه هي اإلعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من
عش ر س نوات إلى عش رين س نة»« ،وإ ذا ك انت العقوب ة هي الس جن أو الحبس الم ؤقت فإن ه يحكم
عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا».
وتؤك د على ه ذا الم ادة 86/1من ق انون حماي ة الطف ل فتنص «يمكن جه ة الحكم بص فة
استثنائية بالنسبة للطفل البالغ من العمر من ثالث عشرة ( )13سنة إلى ثماني عشرة ( )18سنة،
أن تستبدل أو تستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة 85أعاله ،بعقوبة الغرامة أو الحبس
وفقا للكيفيات المحددة في المادة 50من قانون العقوبات ،على أن تسبب ذلك في الحكم».
والمالحظ أن القانون يميز بين الحدث في هذا السن من خالل السلوك الذي قام به ،ما إذا
ك ان جناي ة أو جنح ة ،وم ا إذا ك ان مخالف ة ،فبالنس بة للمخالف ة يق رر للطف ل في ه ذا الط ور إمك ان
توبيخه أو الحكم عليه بالغرامة فقط طبقا للمادة 51ق.ع والمادة 87/1من قانون حماية الطفل،
وفي غيرها للجهة القضائية أن تستبدل تدابير الحماية والتهذيب بعقوبا مخففة وفقا لما هو مقرر
في المادة 50من قانون العقوبات أو تستملها بالعقوبة المخففة بحسب الحاجة مع تسبيب ذلك.
-7وتق رر الفق رة الثاني ة من الم ادة 56أن ممثل ه الش رعي ه و من يتحم ل المس ؤولية المدني ة عم ا يلحق ه ه ذا الطف ل من
أضرار.
-2أنظر المادة 87من قانون حماية الطفل.
-3يأمر بالوضع تحت الحرية المراقبة قاضي األحاد أو قاضي التحقيق المختص باألحدث حسب الحالة ،وتكلف مصالح
الوسط المفتوح تنفيذ ذلك طبقا للمادة 70من قانون حماية الطفل.
-4تنص المادة 58/1من ق انون حماي ة الطف ل «يمن ع وض ع الطف ل ال ذي يتراوح س نه من عش ر ( )10س نوات إلى أق ل من
ثالث عشرة ( )13سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة».
-5أنظر المادة 86من قانون حماية الطفل.
-6تنص الم ادة 58/2من ق انون حماي ة الطف ل «ويمن ع وض ع الطف ل الب الغ من العم ر ثالث عش رة ( )13س نة إلى ثم اني
عشرة ( )18سنة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة ،إال إذا كان هذا اإلجراء ضروريا واستحال اتخاذ أي إجراء آخر،
وفي هذه الحالة ،يوضع الطفل بمركز إعادة التربية وإ دماج الحداث أو بجناح خاص باألحداث في المؤسسات العقابية عند
االقتضاء».
147
ب الرجوع لألحك ام ال واردة في الم واد 51 ،50 ،49ق.ع وأحك ام الم ادة األولى من ه ال تي
تنص «الطفل :كل شخص لم يبلغ الثامنة عشر ( )18سنة كاملة»« ،الطفل الجانح :الطفل الذي
ي رتكب فعال مجرم ا وال ذي ال يق ل عم ره عن عش ر ( )10س نوات»« ،وتك ون الع برة في تحدي د
سنه بيوم ارتكاب الجريمة» ،أن من بلغ ثماني عشرة سنة كاملة يصبح أهال للمساءلة الجزائية
الكامل ة عما اقترف ه من س لوكات مجرم ة ،الكتم ال القدرة على اإلدراك والتمي يز لديه ،إال أنه قد
تع تري الش خص ح االت تع دم أو تنقص من قدرت ه على اإلدراك والتمي يز ك الجنون ،أو أن يك ون
الش خص مض طرا أو م دفوعا بق وة ال قب ل ل ه ب دفعها ،ك أن يك ره الش خص على إتي ان الس لوك
المجرم ،فال يسأل عنه جزائيا.
المبحث الثاني -الجـنــــون
تنص الم ادة 47ق.ع «ال عقوب ة على من ك ان في حال ة جن ون وقت ارتك اب الجريم ة
وذل ك دون اإلخالل بأحك ام الم ادة »21/2فتنص الفق رة الثاني ة من الم ادة 21على «يمكن أن
يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب أي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو ببراءت ه أو بع دم
وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى غ ير أن ه في ه اتين الح التين األخ يرتين يجب أن تك ون مش اركته في
الوق ائع المادي ة ثابت ة» .وتنص الم ادة 21/1ق.ع «الحج ز القض ائي في مؤسس ة استش فائية
لألم راض العقلي ة ه و وض ع الش خص بن اء على أم ر أو حكم أو ق رار قضائي في مؤسس ة مهي أة
له ذا الغ رض بس بب خل ل في ق واه العقلي ة ق ائم وقت ارتكاب ه الجريم ة أو اع تراه بع د ارتكابه ا»،
والمالحظ جعل من الجنون مانعا للمسؤولية الجزائية فإنه لم يعرفه رغم أنه في الفقرة األولى من
الم ادة 21وص فته بأن ه "خل ل في الق وى العقلي ة ق ائم وقت ارتك اب الجريم ة أو اع تراه بع د
ارتكابها" ،فما هو الجنون؟
نالحظ وجوب التفرقة بين وضعين ،واحد تنعدم فيه المسؤولية الجزائية متى كانت حالة
الجنون عبارة عن "خلل في القوى العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة" ووضع آخر ال تمتنع فيه
المسؤولية أن يكون الجنون الحقا الرتك اب الجريم ة "اعتراه بعد ارتكابها" ،وهذه األخيرة حال ة
ت ؤثر في اإلج راءات ي حال ة ق د تط رأ أثن اء التحقي ق أو المحاكم ة ،وق د تك ون الحق ة على الحكم
باإلدانة فتؤثر في سير اإلجراءات الجزائية مما يتطلب وضعه في الحجز القضائي في مؤسسة
استشفائية للعالج بناء على المادة 21من قانون العقوبات ،مع مالحة أن الحجز القضائي يمكن
اتخاذه في مواجهة المجنون غير السؤول جزائيا أيضا.
يع رف الجن ون مص طلح يتس ع لك ل خل ل يص يب العق ل س واء ك ان مطلق ا أو متقطع ا ،أو
األمراض العصبية التي تعني انحراف الجهاز العصبي عن النحو الطبيعي المعتاد( ) ،أو هو خلل
1
عقلي يص يب المخ في ؤثر في الق درة على اإلدراك والتمي يز ،وه ذا الخل ل في العق ل المتن اع
المسؤولية الجزائية يجب أن يكون أو معاصرا الرتكاب الجريمة أو سابقا لها بشرط أن يستمر
الخلل العقلي أثناء ارتكاب الجريمة ،إال امتناع المسؤولية ال تمنع اتخاذ تدابير أمنية في مواجهة
المجنون التقاء خطره على األفراد والجماعة مثل الحجز القضائي عليه طبقا للمادة 21ق.ع.
والمالحظ أن امتناع المسؤولية الجنائية بالنسبة لكل من توفر فيه المانع ،وهو عدم قدرة
الش خص على اإلدراك والتمي يز لخل ل في الق وى العقلي ة ال ت ؤثر في قي ام مس ؤولية من س اهم في
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص 549وما يليها.
148
الجريمة معه بأي صورة منها ،ألنه ظرف شخصي ال يستفيد منه إال من توفر فيه ،ألن الجريمة
تظل قائمة فيسأل المساهمون في ارتكابها وتقوم المسؤولية المدنية عنها.
حـكـم السكـر
الس كر نوع ان ،س كر غ ير اختي اري أو اض طراري وس كر اختي اري ،يف رق الفق ه بينهم ا،
ف األول يعت بر حال ة من ح االت امتن اع المس ؤولية الجزائي ة ،ألن الس كران يك ون فاق دا للش عور أو
االختيار ،أما السكر االختياري فيبقي على المسؤولية الجزائية ألنه عمل إرادي ،ولكن هل تقوم
المس ؤولية الجنائي ة على العم د أو على الخط إ؟( ) ،ويش كل الس كر االختياري جريم ة مس تقلة ،ولم
1
ينص الق انون الجزائ ري ص راحة على حكم للس كر بنوعي ه ،ولكن الم ادة 22ق.ع «الوض ع
القض ائي في مؤسس ة عالجي ة هو وض ع ش خص مص اب بإدم ان اعتي ادي ن اتج عن تع اطي مواد
كحولي ة أو مخ درات أو م ؤثرات عقلي ة ،تحت المالحظ ة في مؤسس ة مهي أة له ذا الغ رض ،وذل ك
بناء على أمر أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها الشخص ،إذا بدا أن السلوك
اإلج رامي للمع ني مرتب ط به ذا اإلدم ان» ،وتنص الفق رة الثاني ة منه ا «يمكن أن يص در األم ر
بالوضع القضائي في مؤسسة عالجية( ) طبقا للشروط المنصوص في المادة ( 21الفقرة ،») ()2
3 2
وتنص المادة 290ق.ع «تضاعف العقوبات المنصوص عليها في المادتين 288و ) (289إذا
4
ك ان م رتكب الجنح ة في حال ة س كر ،»...وه ذا يع ني أن الم ادة 22تق رر اتخ اذ ت دبير أم ني في
مواجهة المدمن على الكحول والسكران أو من في حكمهما ،بوضعه في مؤسسة عالجية بغرض
معالجت ه وإ ص الحه ،لتجنب الخط ورة ال تي يش كلها على الجماع ة واألف راد ،وهي م ادة لم تفص ح
عما إذا كان المدمن مسؤوال جزائيا عن السلوكات التي قام بها مسؤولية عمدية أم غير عمدية،
في حين تقرر المادة 290ق.ع أن السكر يعتبر ظرفا مشددا للعقاب في جريمتي القتل والجرح
خطأ وهما جريمتان غير عمديتين( ).
5
- 1د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص 566وما يليها.
د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 378وما يليها.
د .محمد الفاضل :المبادئ العامة في قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص ،442وما يليها.
-2تنص الفق رة الثالث ة من الم ادة « 22تج وز مراجع ة الوض ع القض ائي في مؤسس ة عالجي ة ،ب النظر إلى تط ور الخط ورة
اإلجرامية للمعني ،وفقا لإلجراءات والكيفيات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما».
-3تنص الم ادة 21/2على «يمكن أن يص در األم ر ب الحجز القض ائي بم وجب ّأي حكم بإدان ة المتهم أو العف و عن ه أو
ببراءت ه أو بع دم وج ود وج ه إلقام ة ال دعوى غ ير أن ه في ه اتين الح التين األخ يرتين يجب أن تك ون مش اركته في الوق ائع
المادية ثابتة».
-4جريمة القتل خطأ والجرح خطأ.
-5انظر المادة 288ق.ع.
-6واإلكراه يختلف في هذا -المصدر فعل اإلنسان -عن القوة القاهرة ،بأنه يتعلق بالحاالت التي تسيطر فيها على جسم
المتهم المك ره ق وة تس خره على نح و معين فتمحي إرادت ه ،في حين أن الق وة الق اهرة مص درها ق وى الطبيع ة أو أي مص در
آخر غير اإلنسان ،وهو يتميز عنها أيضا من حيث أنه ال يمحو صفة الجريمة عن الفعل-في اإلكراه المادي إذا كان من
شأنه أن يلغي إرادة المكره فتنسب الجريمة لمن باشر اإلكراه نفسه ،كمن يمسك بيد شخص فيطلق النار على شخص آخر،
أو كمن يمس ك بي د ش خص فيحركه ا على وثيق ة لوض ع بيان ات مخالف ة للحقيق ة في مح رر رس مي أو تزوي ر م ا ب ه من
معلومات ،-في حين أن القوة القاهرة تمحو وصف الجريمة عن الفعل بصفة مطلقة.
د .محمود نجيب حسني :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،...المرجع السابق ،ص .581
149
لوضع بيانات مخالفة للحقيقة في محرر رسمي أو تزوير ما به من معلومات ،أو كمن يمسك بيد
ش خص فيطل ق الن ار على ش خص آخ ر ،وق د يك ون من فع ل الطبيع ة أو الحي وان ،فالحرك ة
العضوية التي يقوم بها المكره حركة غير إرادية ،ألن هناك قوة ال سيطرة له عليها ،تفقده إرادته
والس يطرة على أفعال ه ،وفي ه ذه الحال ة تنس ب الجريم ة المرتكب ة لمن أك ره المك ره على الحرك ة
العضوية( ).
1
أما اإلكراه المعنوي فهو دفع شخص الرتكاب الجريمة تحت تأثير قوة معنوية ال يستطيع
دفعها أو درءها كالتهديد ،أو هو ممارسة الضغط على إرادة المكره للنيل من الجانب النفسي إلى
حد توجيه إرادته نحو ارتكاب السلوك اإلجرامي( ) ،بقتل أحد أبناء المكره أو تهديده باختطافه( ).
3 2
وق د نظم المش رع الجزائ ري اإلك راه وحكم ه في الم ادة 48ق.ع ،فجع ل من ه مانع ا لقي ام
المسؤولية الجنائية ،ألن المكره يفقد أحد عناصر قيام المسؤولية وهو عنصر الحرية ،فتنص «ال
عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة ال قبل له بدفعها ( )» ،وعليه فاإلكراه المادي
4
أو المعنوي باعتباره سببا لعدم قيام المسؤولية الجنائية ،يشترط فيه أن يكون مصدره قوة غير
متوقع ة ال قب ل ل ه ب دفعها مص درها اإلنس ان ،وأال تك ون من الممكن مقاومته ا ،وه ذا يع ني أن
يستحيل على المتهم تجنب الجريمة.
تم بتوفيق من اهلل وعونه
د .رضا فرج :شرح قانون العقوبات ،...المرجع السابق ،ص 381وما يليها.
د .إبراهيم زكي أخنوخ :حالة الضرورة في قانون العقوبات ،رسالة دكتوراه القاهرة .1966
-1يتفق في هذه الحالة اإلك راه الم ادي م ع الض رورة من حيث أنهما يع دمان المس ؤولية الجنائي ة للمض طر والمكره ماديا،
ال ذي يمكن أن يكون مصدره ق وى الطبيعة كالفيضانات فتمنع الشاهد عن المثول أمام قاض ي التحقيق أو المحكمة لإلدالء
بشهادته
2
- G. Stefani- G. Levasseur- B. Bouloc: Droit pénal Général, 11 éd. Dalloz, Paris 1980, p.345 et
s.
- 3يجب استبعاد االنفعاالت العاطفية للمتهم ،فال يجوز االستناد إليها لتقرير عدم مسؤوليته الجزائية عما قام به من سلوكات
مجرمة ،وال يمنع القاضي أن يعتد بمثل هذه االنفعاالت كظروف قضائية مخففة تطبيقا لحكم المادة 53ق.ع.
-4وق د س بق أن أش رنا إلى أن ه ذه الم ادة 48من ق انون العقوب ات يمكن تفس يرها تفس يرا موس عا لتش مل حال ة الض رورة
أيضا.
150