You are on page 1of 7

‫التخليق في اإلدارة القضائية ‪:‬المسار واآلفاق‬

‫ال شك أن التخليق ومحاربة الفساد في مرافق العدالة ورش كبير ومهم ال يقل‬
‫أهمية عن ورش إصالح المنظومة التشريعية وتبسيط اإلجراءات المسطرية‪ ،‬ذلك‬
‫‪ ،‬أن األخالق "هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها‪ ،‬وتنهار بانهيارها‬ ‫"‬
‫كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية‬
‫"حول دعم األخالقيات بالمرفق العام" في ‪ 29‬و ‪ 30‬أكتوبر ‪ ،1999‬ولن تتحقق‬
‫العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية وحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة في كل جزئياتها‪ ،‬ما‬
‫لم تكن مصحوبة بالتزام أخالقي رصين وضمير مهني حي ممن يعملون في الجهاز‬
‫القضائي على اختالف درجاتهم وتخصصاتهم‬ ‫‪.‬‬
‫ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا الموضوع‪ ،‬فإننا سنحاول في هذه‬
‫الورقة مقاربة مسار التخليق في اإلدارة القضائية و كذا اآلليات العملية‬
‫واألدبية الكفيلة بتحقيق ذلك‪ ،‬مع رسم بعض اآلفاق المنظورة لهذا الورش‬
‫الحيوي في منظومة العدالة‬ ‫‪.‬‬
‫أوال‪ /‬أهداف التخليق باإلدارة القضائية‬ ‫‪:‬‬
‫لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة‪ ،‬وتجليات أفعال‬
‫منحرفة في عدد من المرافق القضائية التي تسيء إلى سمعة الجهاز القضائي‬
‫برمته وتتطلب ضرورة المعالجة الفورية بل والتصدي الصارم‪ ،‬ويمكن تصنيفها‬
‫إلى ثالث مستويات من االختالالت‬ ‫‪:‬‬
‫أوال‪ /‬اختالالت على مستوى المهام‪ ،‬حيث تطفو سلوكيات التماطل والتقاعس‬
‫والالمباالة والتوظيف السلبي للسلطة التقديرية وافتعال أسباب غير معقولة‬
‫للتغيب وغيرها‬‫‪..‬‬
‫ثانيا‪ /‬اختالالت على مستوى التدبير اإلداري‪ ،‬حيث تنتشر سلوكيات االختالس‬
‫واستغالل النفوذ وتحصيل المنافع غير المشروعة والتبذير في الممتلكات‬
‫العامة وغيرها‬ ‫‪..‬‬
‫ثالثا‪ /‬اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة‪ ،‬سواء كانوا أشخاصا‬
‫ذاتيين أو معنويين‪ ،‬حيث تبرز سلوكيات االرتشاء والمحسوبية والشطط في‬
‫استعمال السلطة والنصب واالحتيال والمعاملة التفضيلية وضحالة الخدمات‬
‫اإلدارية والقضائية وغيرها‬ ‫‪..‬‬
‫إن مواجهة االختالالت بمستوياتها الثالث المشار إليها‪ ،‬تتطلب جرأة وصرامة‬
‫قانونية وأخالقية من طرف جميع الفاعلين في اإلدارة القضائية رؤساء‬
‫ومرؤوسين ومساعدي قضاء وحتى وافدين؛ ألن من شأن ذلك أن يحقق جملة من‬
‫األهداف اإلجرائية واآلنية لمنظومة العدالة وعلى جميع المستويات الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬نوجزها فيما يلي‬ ‫‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم يطمئنون‬
‫إلى العاملين بها‪ ،‬خاصة وأن غالبية المواطنين‪ ،‬من المتقاضين أو غيرهم‪،‬‬
‫انطبعت في أذهانهم صورة نمطية سلبية وقاتمة عن هذه المؤسسات‪ ،‬مؤداها أن‬
‫فضاءات العدالة أماكن لالبتزاز وممارسة الظلم والتعسف المادي والمعنوي‬
‫بما يجعلها بعيدة كل البعد عن مجرد التحلي بشعار "القضاء قي خدمة‬
‫المواطن" بْ‬
‫له تحقيقه وتنزيله على أرض الواقع‬ ‫‪..‬‬
‫‪-‬‬ ‫الرفع من جودة الخدمات القضائية واإلدارية المقدمة للوافدين على‬
‫اإلدارة القضائية‪ ،‬وذلك بالتعامل الجدي مع طلبات المتقاضين‪ ،‬والمحافظة‬
‫على التوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة‪ ،‬دون المساس بجوهر‬
‫القانون المنظم للعمل‬ ‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫تطهير الجسد المهني من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات المشينة‬
‫التي تضر بصورة اإلدارة القضائية‪ ،‬إذ من شأن انتشار القيم اإليجابية في‬
‫المرفق محاصرة العناصر الفاسدة والتحجيم من تأثير سلوكياتها الشاذة‪،‬‬
‫وفي المقابل إعادة المصداقية واالعتبار للعناصر الصالحة والمصلحة‬ ‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫تخفيف عبء العمل والتحبيب في المهام الممارسة من خالل خلق جو مهني‬
‫واجتماعي سليم بين كافة العاملين بالجهاز القضائي‪ ،‬بعيدا عن أجواء‬
‫التوتر واالحتقان الناتجة عن البيروقراطية المفرطة و هيمنة "الخشبية" في‬
‫التواصل الداخلي و "عمودية" القرار القائمة على أساس "افعل" و"ال‬
‫تفعل‬‫‪"...‬‬
‫‪-‬‬ ‫التقليل من الصراعات الشخصية والحد من النزعات األنانية والتحديات‬
‫والتحالفات الخفية والمقالب والرغبة في اإليقاع باآلخرين في محيط العمل‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫المساعدة في التنزيل السليم ألحكام القضاء وقراراته العادلة‪ ،‬بحكم أن‬
‫القواعد األخالقية تقوم بدور المكمل للقاعدة القانونية وتساعد على انتشار‬
‫تطبيقها واحترامها‬‫‪..‬‬
‫ثانيا‪ /‬آليات ترسيخ التخليق باإلدارة القضائية‬ ‫‪:‬‬
‫إن بلوغ هذه األهداف‪ ،‬يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة على جعل‬
‫التخليق أمرا واقعيا وليس مجرد حلم يراود أذهان المخلصين‪ ،‬أو شعارا‬
‫يوظف لالستهالك وتأثيث منظومة اإلصالح المنشود‪ ..‬ويمكن التمييز في هذا‬
‫اإلطار بين نوعين من اآلليات‬‫‪:‬‬
‫– آليات التحسيس والتوعية‬ ‫‪:‬أ‬
‫انخراطا في اإلصالح الشامل لمنظومة للعدالة التي أعلنها جاللة الملك منذ‬
‫خطاب ‪ 20‬غشت ‪ ،2009‬وخاصة في الشق المتعلق بتخليق الجهاز القضائي‪ ،‬قامت‬
‫بعض الجمعيات الفاعلة في قطاع العدل بخطوة مهمة تمثلت في مبادرتها إلى‬
‫إصدار مدونات خاصة بالقيم المهنية وقواعد السلوك؛ وهكذا أصدرت الودادية‬
‫الحسنية للقضاة سنة ‪"ّ2009‬مدونة القيم القضائية"‪ ،‬ضمنتها‪ ،‬كما جاء في‬
‫كلمة رئيس الودادية الحسنية‪" :‬مجموعة من القيم والتقاليد و األعراف التي‬
‫تحكم سلوك القاضي وتروم طمأنينة المجتمع إليه واحترامه‪ ،‬باعتبارها تدعم‬
‫استقالله وحصانته وكفاءته ونزاهته‪ ،‬فمدونة القيم القضائية – من هذه‬
‫المنطلقات – إطار يتعرف القاضي والمجتمع من خاللها على الصفات والمزايا‬
‫الواجب التحلي بها من طرف القضاة‬ ‫‪".‬‬
‫ومن جهتها أصدرت ودادية موظفي العدل سنة ‪" 2010‬ميثاق قيم وسلوك كتابة‬
‫الضبط"‪ ،‬ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم‬
‫المهنية‪ ،‬ويساعدهم في ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع‬
‫الوافدين على مرافق العدالة"‪ ،‬وذلك إيمانا من كتاب الضبط بأن "االلتزام‬
‫بالقيم األخالقية والممارسات الفضلى من طرف العاملين بالمرافق القضائية‬
‫بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة‪ ،‬يشكل شرطا ضروريا لتحقيق‬
‫العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي هي أساس‬
‫التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية‬ ‫‪".‬‬
‫وحيث إنني كنت من ضمن خلية إعداد وصياغة ومناقشة مختلف مضامين هذا‬
‫"الميثاق"‪ ،‬فال بأس من التوقف عند تفاصيله الجزئية مذ كان فكرة في الذهن‬
‫إلى أن استوى وثيقة متداولة تسمى "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط‬ ‫‪".‬‬
‫فعلى مستوى اإلعداد‬‫‪:‬‬
‫تم إنجاز هذا الميثاق بعد أن تم تكوين لجنة من األطر الفاعلة في مجاالت‬
‫التكوين والتأطير والعمل المدني والنقابي المرتبط بقطاع العدل‪ ،‬وذلك‬
‫تحت إشراف السيد مدير تكوين كتاب الضبط بالمعهد العالي للقضاء آنذاك‬
‫األستاذ عبد الرافع أرويحن‪،‬‬
‫وقامت هذه اللجنة بعقد لقاءات تشاورية أولية بكل من الرباط ومراكش‬
‫الستعراض التصورات األولية حول كيفية إعداد مدونات السلوك –سواء على‬
‫المستوى العربي أو الغربي – كما تمت االستعانة بخبير دولي في هذا المجال‬
‫من دولة إيرلندا‪،‬‬
‫وبعد إعداد المشروع األولي المتفق عليه بين أعضاء اللجنة‪ ،‬قامت اللجنة‬
‫بعدة "مشاورات جهوية موسعة" شارك فيها أزيد من ‪ 1000‬موظف وإطار من‬
‫كتابة الضبط بمختلف درجاتهم اإلدارية وانتماءاتهم الفكرية وقناعاتهم‬
‫األيديولوجية وتوجهاتهم النقابية‪ ،‬وقد عقدت تلك اللقاءات بكل من طنجة‪،‬‬
‫وفاس‪ ،‬ووجدة‪ ،‬وأكادير‪ ،‬والدار البيضاء‪ ،‬والرباط‪ .‬وعرفت نقاشات حرة‬
‫ّرة أفادت منها اللجنة في‬ ‫وديمقراطية راقية‪ ،‬كما جاءت بعدة اقتراحات ني‬
‫تعديل وإضافة وحذف العديد من المبادئ وتطبيقاتها التي جاءت في المشروع‬
‫األولي للميثاق‪ .‬ثم توج هذا العمل الجبار الذي استغرق حوالي سنة كاملة‬
‫باإلعالن الرسمي عن "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" يوم الجمعة ‪ 04‬يونيو‬
‫‪ 2010‬بالمعهد العالي للقضاء بحضور عدد من المدراء المركزيين بوزارة‬
‫العدل وكذا المدير العام للمعهد للقضاء آنذاك األستاذ محمد سعيد بناني‪،‬‬
‫وعدد من المسؤوليين القضائيين واإلداريين وأطر وموظفي وزارة العدل‬ ‫‪.‬‬
‫أما على مستوى لغة الميثاق فتتميز بما يلي‬ ‫‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫االعتماد على البساطة في الصياغة التي تحقق سالسة في الفهم وحسن‬
‫اإلدراك الذي ال يوقع في التأويل في السيء أو التعسف في الفهم‪،‬‬
‫تجنب األساليب التحقيرية أو التي تحط من كرامة موظفي كتابة الضبط‪- ،‬‬
‫عدم اعتماد أساليب اإللزام التي تبدأ بـ "يجب"‪ ،‬حتى ال يفهم من ‪-‬‬
‫"الميثاق" على أنه قانون ملزم يستوجب العقاب في حال المخالفة أو عدم‬
‫االمتثال‬‫‪..‬‬
‫‪-‬‬ ‫إال أنه في المقابل جاء غنيا بأساليب التحفيز من مثل "يتفانى في‬
‫كذا"‪ ،‬و"ينأى بنفسه عن كذا"‪ ،‬و"يقاوم كذا"‪ ،‬و "يسهر على كذا" وغيرها‬
‫كثير‪ ،‬أو أساليب الدعم والتوجيه من مثل "يرفض كذا"‪ ،‬و "يتفادى كذا"‬
‫‪ ،‬و"يلتزم بكذا"‪ ،‬و "يحترم كذا‬‫"‬
‫‪-‬‬ ‫افتتاح القواعد المبينة لمبادئ الميثاق‪ ،‬وكذا تطبيقاتها بفعل‬
‫المضارعة‪ ،‬للداللة على أن الفعل األخالقي المطلوب االلتزام به غير جامد أو‬
‫ٍ‪ ،‬وإنما هو فعل مستصحب للحركية والديمومة سواء في الحال‬ ‫ُنته‬
‫م‬
‫أواالستقبال‬‫‪.‬‬
‫أما على مستوى المضمون‪،‬‬
‫فإن الميثاق جاء متضمنا لتسعة مبادئ أخالقية تبدو في ظاهرها على أنها‬
‫مجرد عناوين منقولة من هنا وهناك ال يحكمها أي منهج‪ ،‬إال أن لجنة الصياغة‬
‫وضعتها وفق نسق معرفي ومنهجي محكم ومتكامل يمكن إيضاح معالمه كاآلتي‬ ‫‪:‬‬
‫أوال‪ /‬مراعاة النسقية في ترتيب المبادئ‪ ،‬حيث جاءت الشرعية في مقدمتها‪،‬‬
‫للداللة على أن أي فعل أخالقي أو قانوني مهما كان ساميا‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫مؤطرا بالقواعد الشرعية المنظمة للعمل ال يمكن القبول به بتاتا‪ ،‬إال أن‬
‫ممارسة الشرعية في الواقع العملي تحتاج إلى دعامات إضافية كاشفة ومؤيدة‬
‫لحسن تصريف اإلجراءات وضمان قواعد الشفافية المطلوبة مع المتقاضين‪ ،‬ولذا‬
‫جاءت على التوالي مبادئ التجرد والنزاهة والمساواة‬ ‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫وبعد هذه المبادئ العامة‪ ،‬جاء مبدأ الكفاءة‪ ،‬ليكون واسطة العقد بين‬
‫المبادئ التي تبدو أكثر نظرية‪ ،‬والمبادئ ذات الصبغة العملية الصرفة‪ ،‬إذ‬
‫بالكفاءة العلمية والعقلية تدرك المعارف النظرية‪ ،‬وبالكفاءة العملية‬
‫تنجز المهام المهنية باقتدار‪ ،‬وذلك من أجل بلوغ النجاعة الالزمة لتحقيق‬
‫أفضل النتائج في المرفق القضائي‪ ،‬كما جاء في المبدأ السادس من ميثاق‬
‫السلوك‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫إال أن هذه النجاعة‪ ،‬التي تتطلب االنخراط الجدي في العمل‪ ،‬والتحلي‬
‫بروح المبادرة واإلبداع في المهام قدر اإلمكان‪ ،‬تتطلب – كذلك ‪ -‬عدم‬
‫المساس بجوهر القوانين المنظمة للعمل‪ ،‬وفي طليعتها كتمان السر المهني‬
‫وعدم إفشائه ألي جهة غير مرخص لها‪ ،‬على حد تعبير المبدأ السابع من‬
‫الميثاق‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫وألن االلتزام الصارم بجملة المبادئ السالفة يفترض أن يتحلى فيه كاتب‬
‫الضبط بشيء من الصرامة التي قد تؤدي إلى نوع من االحتكاكات مع العاملين‬
‫ّد ذلك – في المبدأ‬‫في الجهاز القضائي أو الوافدين عليه‪ ،‬فإن الميثاق قي‬
‫الثامن ‪ -‬بضرورة التزام اللياقة في المظهر واللباقة في التصرف سواء على‬
‫المستوى الداخلي أو عند استقبال الوافدين وتصريف اإلجراءات المطلوبة‬
‫منهم‬‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫ووعيا من لجنة الصياغة بأن فعل التخليق في اإلدارة القضائية‪ ،‬وفي أي‬
‫إدارة أخرى‪ ،‬ال يمكن أن يؤتي ثماره‪ ،‬إال إذا تم في نسق جماعي متضامن‬
‫ومتعاضد‪ ،‬جعلت آخر مبدأ من هذا الميثاق بعنوان "التضامن"‪ ،‬وأكدت فيه‬
‫على الخصوص على ضرورة االعتزاز باالنتماء لجهاز كتابة الضبط‪ ،‬والسعي إلى‬
‫تقوية العمل الجماعي داخل اإلدارة القضائية‪ ،‬وكذا توطيد أواصر التعاون‬
‫بين كافة الفئات المهنية العاملة بفضاء المحكمة‬ ‫‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختيار التطبيقات الدالة والصريحة على القيمة األخالقية المعبر‬
‫عنها في القاعدة‪ ،‬وذلك ضمانا لحسن الفهم وسالمة التنزيل‬ ‫‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التوسع في مفهوم التخليق وعدم حصره فيما يحيل على المتداول لدى‬
‫العموم كالرشوة واستغالل المرفق مثال‪ ،‬ولذا جاء الميثاق متضمنا لعديد‬
‫كبير من القواعد السلوكية الالزمة في المحيط المهني‪ ،‬يمكن تصنيفها إلى‬ ‫‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫أخالقيات ناظمة للعالقات الداخل بين عموم العاملين باإلدارة القضائية‪،‬‬
‫كالتأكيد على مسألة االحترام المتبادل بين الرؤساء والمرؤوسين‪ ،‬وتفادي‬
‫المحسوبية أو الوقوع في التمييز تجاه المرؤوسين‪ ،‬وااللتزام بقواعد‬
‫المروءة والشهامة في التعامل بين الزمالء والزميالت‪ ،‬واالمتناع عن إيذاء‬
‫زمالء العمل أو الكيد لهم‪ ،‬وعدم التدخل في الحياة الشخصية والعائلية بما‬
‫يسيء إليها‪ ،‬وااللتزام بالتضامن والعمل بروح الفريق وغيرها كثير‬ ‫‪...‬‬
‫‪-‬‬ ‫أخالقيات ناظمة للعالقة مع فضاء العمل‪ ،‬مثل التأكيد على تبني قيم‬
‫إيجابية تثمن المرفق والوظيفة والمهام‪ ،‬والمحافظة على الممتلكات العامة‬
‫الموضوعة رهن إشارة الموظف وحسن استغاللها فيما أعدت له‪ ،‬وتنظيم مكاتب‬
‫العمل بما يحقق جودة تصريف اإلجراءات للمتقاضين‪ ،‬والسرعة في إنجاز‬
‫المهام‪ ،‬وااللتزام بأوقات الدخول والخروج‪ ،‬وعدم افتعال أسباب للتغيب عن‬
‫العمل‪ ،‬وغيرها‬‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫أخالقيات ناظمة للعالقات مع القضاة ومساعدي القضاء‪ ،‬كالتأكيد على عدم‬
‫التوسط أو التدخل في القضايا لدى قضاة الحكم أو النيابة العامة‪،‬‬
‫واالمتناع عن تقديم استشارات قانونية ألي طرف من أطراف الدعوى أثناء‬
‫سريان المسطرة من شأنها أن تضر بمصالح أحدهم‪ ،‬وعدم السماح لمساعدي‬
‫القضاء باستعمال مكتبه أو أي مرفق تحت إمرته كمقر الستقبال الزبناء‪،‬‬
‫واالمتناع عن توجيه المتقاضين نحو أي محام أو موثق أو خبير أو عدل أو‬
‫مفوض قضائي‬‫‪...‬‬
‫‪-‬‬ ‫أخالقيات ناظمة للعالقات مع عموم الوافدين على اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫كالتأكيد على ضرورة التزام المساواة وعدم التمييز بين الوافدين سواء‬
‫على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو االنتماء الجغرافي أو االجتماعي أو‬
‫الحزبي أو النقابي‪ ،‬وتمكين ذوي الصفة والمصلحة من اإلجراءات المطلوبة‪،‬‬
‫وتسهيل وولوج المتقاضين إلى الخدمات القضائية من خالل شفافية الخدمة‬
‫وتجنب أساليب المماطلة أو تجريح الكرامة‪ ،‬وتعليل القرارات الصادرة عن‬
‫اإلدارة القضائية‪ ،‬وتجنب الشطط في استعمال السلطة‪ ،‬وتوخي الحذر والتحفظ‬
‫تجاه دعوات المناسبات والوالئم من األشخاص الذين تحوم حولهم شبهات أو‬
‫المعروفين بترددهم على المحاكم‬ ‫‪...‬‬
‫‪-‬‬ ‫أخالقيات داعمة لمفهوم النجاعة القضائية‪ ،‬مثل الدعوة إلى االنخراط‬
‫الجدي في العمل لتحقيق األهداف المساهمة في تحقيق العدالة‪ ،‬والتحلي بروح‬
‫اإلبداع واالبتكار وتتبع المستجدات التي تنهض باإلدارة القضائية‪،‬‬
‫والمساهمة في تطوير الجهاز القضائي من خالل البحوث األكاديمية‬
‫والميدانية‪ ،‬واحترام قواعد المحاسبة والصفقات العمومية وعدم تبديد‬
‫المال العام‬ ‫‪..‬‬
‫ب – آليات التنفيذ والمتابعة والمراقبة‬
‫إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك المهني للعاملين في المرافق‬
‫القضائية‪ ،‬ال يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة على مستوى التخليق ما لم يكن‬
‫مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ والمتابعة والمراقبة الكفيلة بجعل‬
‫ّا يوميا ال مجرد شعار مناسباتي‪ ،‬وفي أفق تحقيق هذا المبتغى‬
‫التخليق هم‬
‫نقترح ما يلي‬ ‫‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫تنمية الرقابة الذاتية‪ ،‬فالموظف الناجح هو الذي يراقب هللا تعالى في‬
‫عمله قبل أن يراقبه المسؤول‪ ،‬وهو الذي يراعي المصلحة الوطنية قبل‬
‫المصلحة الشخصية‪ ،‬وهو الذي يحب عمله ووظيفته ويتفانى في خدمة الناس‪،‬‬
‫مهما كانت الظروف واألحوال‪ ،‬ويلتزم بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق‬ ‫‪.‬‬
‫فإذا ترسخت هذه المعاني الكبيرة في نفس الموظف فستنجح المؤسسة التي‬
‫ّ ؛ ألن ذلك دليل قوي على إخالص العاملين في وظائفهم‬
‫ينتمي إليها بال شك‬ ‫‪.‬‬
‫فالرقابة الذاتية تنمي كل الصفات الحميدة المتفق عليها بين بني البشر‬
‫في كل بقاع العالم‪...‬فتمنع الخيانة‪ ،‬وتعين على األمانة‪ ،‬وترسخ النزاهة‬
‫والشفافيةـ وتقوي اإلحساس بالمسؤولية‪ ،‬وتزرع الثقة بين الناس‬ ‫‪..‬‬
‫‪-‬‬ ‫التعريف الواسع بميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط على كافة العاملين‬
‫بالجهاز القضائي (قضاة‪ ،‬كتاب ضبط‪ ،‬محامون‪ ،‬عدول خبراء‪ ،‬موثقين‪،‬‬
‫تراجمة‪ )..‬وذلك بتعميم نشره ومدارسته من خالل حلقات تكوينية مشتركة‪ ،‬في‬
‫أفق إيجاد مدونة موحدة تستهدف جميع شركاء اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫إحياء األيام الوطنية الخاصة بالتخليق في المحاكم (اليوم الوطني‬
‫لمحاربة الرشوة‪ ،‬اليوم الوطني لسياسة الجودة‪ )..‬عبر ندوات دراسية‬
‫وتوزيع ملصقات وغيرها‬ ‫‪...‬‬
‫‪-‬‬ ‫تسهيل الولوج للمعلومة القضائية واإلدارية بالمحاكم (مكاتب استقبال‬
‫عصرية ومجهزة‪ :‬موظفون أكفاء ‪ +‬مطويات إجرائية ‪ +‬ونوافذ إلكترونية‬
‫تفاعلية‬‫)‪...‬‬
‫‪-‬‬ ‫التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك مركزيا‬
‫وجهويا ومحليا مع ضرورة تعميمها على كافة الموظفين والقضاة ومساعدي‬
‫القضاء‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫التكثيف من الدورات التكوينية الخاصة بتقنيات التواصل مع الوافدين‬
‫على المحاكم‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫تفعيل سياسة األبواب المفتوحة بالمحاكم وإشراك جميع الفاعلين في‬
‫الجهاز القضائي في اإلعداد والتأطير‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫إحداث أوسمة تقديرية للعنصر المثالي العامل بالمحاكم سواء أكان‬
‫قاضيا أو كاتب ضبط أو عون خدمة‪( ...‬وسام النزاهة‪ ،‬وسام االنضباط‪ ،‬وسام‬
‫احترام الوقت‪ ،‬وسام االلتزام بالواجبات المهنية‬ ‫‪...)،‬‬
‫‪-‬‬ ‫إحداث شهادات تشجيعية للموظف المبدع والمبتكر في المجال المهني‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫العناية بمفهوم "ثقافة خدمة المرفق العام" وذلك من خالل التذكير‬
‫المستمر بأهمية هذا المرفق في خدمة المواطن‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫تفعيل نظام المحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة للسلوكيات‬
‫المشينة مثل {االرتشاء (الفصل ‪ 248‬و ‪ 249‬من ق ‪ .‬ج) ‪ ،‬اختالس األموال (‬
‫الفصول ‪ 241‬و ‪ 242‬من ق ‪ .‬ج )‪ ،‬استغالل النفوذ (الفصل ‪ 250‬من ق ‪ .‬ج )‪،‬‬
‫الغدر (الفصول ‪ 243‬و ‪ 244‬من ق ‪ .‬ج)‪ ،‬تحصيل منافع غير قانونية (الفصول‬
‫‪ 245‬و ‪ ،)246‬المحسوبية (الفصل ‪ 254‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬الشطط في استعمال السلطة‬
‫وخيانة األمانة (الفصلين ‪ 547‬و ‪ 555‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬التزوير (الفصلين ‪334‬و ‪367‬‬
‫من ق‪ .‬ج‬‫‪)}،‬‬
‫‪-‬‬ ‫التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في المجال العملي أفقيا وعموديا؛‬
‫وذلك ألن الكثير من القيم األخالقية والقواعد السلوكية المهنية‪ ،‬ال تحتاج‬
‫في العمل بها إلى مواثيق أو مدونات سلوكيات‪ ،‬بقدر ما يمكن اكتسابها عن‬
‫طريق القدوة الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس أو الموظف األعلى للموظف‬
‫األدنى‪ ،‬أو الموظف النشيط للمتقاعس‪ ..‬باعتبارها تنزيال عمليا وممارسة‬
‫واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير من التعابير والشرح‬ ‫‪.‬‬
‫ويمكن أن تظهر هذه القدوة الحسنة في العمل اإلداري في جوانب كثيرة‪،‬‬
‫كالتقيد بالقوانين وأنظمة العمل‪ ،‬وفي االلتزام بأوقات العمل في الحضور‬
‫واالنصراف‪ ،‬وفي تنظيم العمل وجودة الخدمة المقدمة للمتقاضين‪ ،‬وفي حسن‬
‫التواصل مع المحيط الداخلي والخارجي‪ ،‬وفي الهندام والمظهر الخارجي‪...‬‬
‫وفي غيرها من الجوانب التي تحتاج إلى األعمال أكثر من األقوال‬ ‫‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض المظاهر السلوكية غير الالئقة في‬
‫اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫تفعيل المساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند وجود اختالالت‬
‫أخالقية أو مهنية‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي بكافة المحاكم‬
‫أو عبر البوابة اإللكترونية لمديرية الموارد البشرية لوزارة العدل أو‬
‫ودادية موظفي العدل أو الودادية الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو‬
‫جمعية المحامين بالمغرب أو الهيئة الوطنية للعدول أو هيئة المفوضين‬
‫القضائيين‪ ،‬ألن من شأن ذلك أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز القضائي‬
‫ويحد من توسع دائرة المظاهر السلبية في مرافق العدالة‬ ‫‪..‬‬
‫وأخيرا‪،‬‬
‫نقول إن نجاح التخليق في مرافق العدالة عامة واإلدارة القضائية على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬كفيل بأن يعيد الثقة في القضاء المغربي ومحيطه الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬وأن يجعل كل من يفد عليه غير يائس من عدل قوانينه وال خائفا‬
‫من شطط أهله‬

You might also like