Professional Documents
Culture Documents
التخليق في الإدارة القضائية
التخليق في الإدارة القضائية
ال شك أن التخليق ومحاربة الفساد في مرافق العدالة ورش كبير ومهم ال يقل
أهمية عن ورش إصالح المنظومة التشريعية وتبسيط اإلجراءات المسطرية ،ذلك
،أن األخالق "هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها ،وتنهار بانهيارها "
كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية
"حول دعم األخالقيات بالمرفق العام" في 29و 30أكتوبر ،1999ولن تتحقق
العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية وحقوق
اإلنسان ،ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة في كل جزئياتها ،ما
لم تكن مصحوبة بالتزام أخالقي رصين وضمير مهني حي ممن يعملون في الجهاز
القضائي على اختالف درجاتهم وتخصصاتهم .
ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا الموضوع ،فإننا سنحاول في هذه
الورقة مقاربة مسار التخليق في اإلدارة القضائية و كذا اآلليات العملية
واألدبية الكفيلة بتحقيق ذلك ،مع رسم بعض اآلفاق المنظورة لهذا الورش
الحيوي في منظومة العدالة .
أوال /أهداف التخليق باإلدارة القضائية :
لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة ،وتجليات أفعال
منحرفة في عدد من المرافق القضائية التي تسيء إلى سمعة الجهاز القضائي
برمته وتتطلب ضرورة المعالجة الفورية بل والتصدي الصارم ،ويمكن تصنيفها
إلى ثالث مستويات من االختالالت :
أوال /اختالالت على مستوى المهام ،حيث تطفو سلوكيات التماطل والتقاعس
والالمباالة والتوظيف السلبي للسلطة التقديرية وافتعال أسباب غير معقولة
للتغيب وغيرها..
ثانيا /اختالالت على مستوى التدبير اإلداري ،حيث تنتشر سلوكيات االختالس
واستغالل النفوذ وتحصيل المنافع غير المشروعة والتبذير في الممتلكات
العامة وغيرها ..
ثالثا /اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة ،سواء كانوا أشخاصا
ذاتيين أو معنويين ،حيث تبرز سلوكيات االرتشاء والمحسوبية والشطط في
استعمال السلطة والنصب واالحتيال والمعاملة التفضيلية وضحالة الخدمات
اإلدارية والقضائية وغيرها ..
إن مواجهة االختالالت بمستوياتها الثالث المشار إليها ،تتطلب جرأة وصرامة
قانونية وأخالقية من طرف جميع الفاعلين في اإلدارة القضائية رؤساء
ومرؤوسين ومساعدي قضاء وحتى وافدين؛ ألن من شأن ذلك أن يحقق جملة من
األهداف اإلجرائية واآلنية لمنظومة العدالة وعلى جميع المستويات الداخلية
والخارجية ،نوجزها فيما يلي :
- خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم يطمئنون
إلى العاملين بها ،خاصة وأن غالبية المواطنين ،من المتقاضين أو غيرهم،
انطبعت في أذهانهم صورة نمطية سلبية وقاتمة عن هذه المؤسسات ،مؤداها أن
فضاءات العدالة أماكن لالبتزاز وممارسة الظلم والتعسف المادي والمعنوي
بما يجعلها بعيدة كل البعد عن مجرد التحلي بشعار "القضاء قي خدمة
المواطن" بْ
له تحقيقه وتنزيله على أرض الواقع ..
- الرفع من جودة الخدمات القضائية واإلدارية المقدمة للوافدين على
اإلدارة القضائية ،وذلك بالتعامل الجدي مع طلبات المتقاضين ،والمحافظة
على التوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة ،دون المساس بجوهر
القانون المنظم للعمل .
- تطهير الجسد المهني من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات المشينة
التي تضر بصورة اإلدارة القضائية ،إذ من شأن انتشار القيم اإليجابية في
المرفق محاصرة العناصر الفاسدة والتحجيم من تأثير سلوكياتها الشاذة،
وفي المقابل إعادة المصداقية واالعتبار للعناصر الصالحة والمصلحة .
- تخفيف عبء العمل والتحبيب في المهام الممارسة من خالل خلق جو مهني
واجتماعي سليم بين كافة العاملين بالجهاز القضائي ،بعيدا عن أجواء
التوتر واالحتقان الناتجة عن البيروقراطية المفرطة و هيمنة "الخشبية" في
التواصل الداخلي و "عمودية" القرار القائمة على أساس "افعل" و"ال
تفعل"...
- التقليل من الصراعات الشخصية والحد من النزعات األنانية والتحديات
والتحالفات الخفية والمقالب والرغبة في اإليقاع باآلخرين في محيط العمل،
- المساعدة في التنزيل السليم ألحكام القضاء وقراراته العادلة ،بحكم أن
القواعد األخالقية تقوم بدور المكمل للقاعدة القانونية وتساعد على انتشار
تطبيقها واحترامها..
ثانيا /آليات ترسيخ التخليق باإلدارة القضائية :
إن بلوغ هذه األهداف ،يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة على جعل
التخليق أمرا واقعيا وليس مجرد حلم يراود أذهان المخلصين ،أو شعارا
يوظف لالستهالك وتأثيث منظومة اإلصالح المنشود ..ويمكن التمييز في هذا
اإلطار بين نوعين من اآلليات:
– آليات التحسيس والتوعية :أ
انخراطا في اإلصالح الشامل لمنظومة للعدالة التي أعلنها جاللة الملك منذ
خطاب 20غشت ،2009وخاصة في الشق المتعلق بتخليق الجهاز القضائي ،قامت
بعض الجمعيات الفاعلة في قطاع العدل بخطوة مهمة تمثلت في مبادرتها إلى
إصدار مدونات خاصة بالقيم المهنية وقواعد السلوك؛ وهكذا أصدرت الودادية
الحسنية للقضاة سنة "ّ2009مدونة القيم القضائية" ،ضمنتها ،كما جاء في
كلمة رئيس الودادية الحسنية" :مجموعة من القيم والتقاليد و األعراف التي
تحكم سلوك القاضي وتروم طمأنينة المجتمع إليه واحترامه ،باعتبارها تدعم
استقالله وحصانته وكفاءته ونزاهته ،فمدونة القيم القضائية – من هذه
المنطلقات – إطار يتعرف القاضي والمجتمع من خاللها على الصفات والمزايا
الواجب التحلي بها من طرف القضاة ".
ومن جهتها أصدرت ودادية موظفي العدل سنة " 2010ميثاق قيم وسلوك كتابة
الضبط" ،ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم
المهنية ،ويساعدهم في ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع
الوافدين على مرافق العدالة" ،وذلك إيمانا من كتاب الضبط بأن "االلتزام
بالقيم األخالقية والممارسات الفضلى من طرف العاملين بالمرافق القضائية
بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة ،يشكل شرطا ضروريا لتحقيق
العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي هي أساس
التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية ".
وحيث إنني كنت من ضمن خلية إعداد وصياغة ومناقشة مختلف مضامين هذا
"الميثاق" ،فال بأس من التوقف عند تفاصيله الجزئية مذ كان فكرة في الذهن
إلى أن استوى وثيقة متداولة تسمى "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط ".
فعلى مستوى اإلعداد:
تم إنجاز هذا الميثاق بعد أن تم تكوين لجنة من األطر الفاعلة في مجاالت
التكوين والتأطير والعمل المدني والنقابي المرتبط بقطاع العدل ،وذلك
تحت إشراف السيد مدير تكوين كتاب الضبط بالمعهد العالي للقضاء آنذاك
األستاذ عبد الرافع أرويحن،
وقامت هذه اللجنة بعقد لقاءات تشاورية أولية بكل من الرباط ومراكش
الستعراض التصورات األولية حول كيفية إعداد مدونات السلوك –سواء على
المستوى العربي أو الغربي – كما تمت االستعانة بخبير دولي في هذا المجال
من دولة إيرلندا،
وبعد إعداد المشروع األولي المتفق عليه بين أعضاء اللجنة ،قامت اللجنة
بعدة "مشاورات جهوية موسعة" شارك فيها أزيد من 1000موظف وإطار من
كتابة الضبط بمختلف درجاتهم اإلدارية وانتماءاتهم الفكرية وقناعاتهم
األيديولوجية وتوجهاتهم النقابية ،وقد عقدت تلك اللقاءات بكل من طنجة،
وفاس ،ووجدة ،وأكادير ،والدار البيضاء ،والرباط .وعرفت نقاشات حرة
ّرة أفادت منها اللجنة في وديمقراطية راقية ،كما جاءت بعدة اقتراحات ني
تعديل وإضافة وحذف العديد من المبادئ وتطبيقاتها التي جاءت في المشروع
األولي للميثاق .ثم توج هذا العمل الجبار الذي استغرق حوالي سنة كاملة
باإلعالن الرسمي عن "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" يوم الجمعة 04يونيو
2010بالمعهد العالي للقضاء بحضور عدد من المدراء المركزيين بوزارة
العدل وكذا المدير العام للمعهد للقضاء آنذاك األستاذ محمد سعيد بناني،
وعدد من المسؤوليين القضائيين واإلداريين وأطر وموظفي وزارة العدل .
أما على مستوى لغة الميثاق فتتميز بما يلي :
- االعتماد على البساطة في الصياغة التي تحقق سالسة في الفهم وحسن
اإلدراك الذي ال يوقع في التأويل في السيء أو التعسف في الفهم،
تجنب األساليب التحقيرية أو التي تحط من كرامة موظفي كتابة الضبط- ،
عدم اعتماد أساليب اإللزام التي تبدأ بـ "يجب" ،حتى ال يفهم من -
"الميثاق" على أنه قانون ملزم يستوجب العقاب في حال المخالفة أو عدم
االمتثال..
- إال أنه في المقابل جاء غنيا بأساليب التحفيز من مثل "يتفانى في
كذا" ،و"ينأى بنفسه عن كذا" ،و"يقاوم كذا" ،و "يسهر على كذا" وغيرها
كثير ،أو أساليب الدعم والتوجيه من مثل "يرفض كذا" ،و "يتفادى كذا"
،و"يلتزم بكذا" ،و "يحترم كذا"
- افتتاح القواعد المبينة لمبادئ الميثاق ،وكذا تطبيقاتها بفعل
المضارعة ،للداللة على أن الفعل األخالقي المطلوب االلتزام به غير جامد أو
ٍ ،وإنما هو فعل مستصحب للحركية والديمومة سواء في الحال ُنته
م
أواالستقبال.
أما على مستوى المضمون،
فإن الميثاق جاء متضمنا لتسعة مبادئ أخالقية تبدو في ظاهرها على أنها
مجرد عناوين منقولة من هنا وهناك ال يحكمها أي منهج ،إال أن لجنة الصياغة
وضعتها وفق نسق معرفي ومنهجي محكم ومتكامل يمكن إيضاح معالمه كاآلتي :
أوال /مراعاة النسقية في ترتيب المبادئ ،حيث جاءت الشرعية في مقدمتها،
للداللة على أن أي فعل أخالقي أو قانوني مهما كان ساميا ،إذا لم يكن
مؤطرا بالقواعد الشرعية المنظمة للعمل ال يمكن القبول به بتاتا ،إال أن
ممارسة الشرعية في الواقع العملي تحتاج إلى دعامات إضافية كاشفة ومؤيدة
لحسن تصريف اإلجراءات وضمان قواعد الشفافية المطلوبة مع المتقاضين ،ولذا
جاءت على التوالي مبادئ التجرد والنزاهة والمساواة .
- وبعد هذه المبادئ العامة ،جاء مبدأ الكفاءة ،ليكون واسطة العقد بين
المبادئ التي تبدو أكثر نظرية ،والمبادئ ذات الصبغة العملية الصرفة ،إذ
بالكفاءة العلمية والعقلية تدرك المعارف النظرية ،وبالكفاءة العملية
تنجز المهام المهنية باقتدار ،وذلك من أجل بلوغ النجاعة الالزمة لتحقيق
أفضل النتائج في المرفق القضائي ،كما جاء في المبدأ السادس من ميثاق
السلوك،
- إال أن هذه النجاعة ،التي تتطلب االنخراط الجدي في العمل ،والتحلي
بروح المبادرة واإلبداع في المهام قدر اإلمكان ،تتطلب – كذلك -عدم
المساس بجوهر القوانين المنظمة للعمل ،وفي طليعتها كتمان السر المهني
وعدم إفشائه ألي جهة غير مرخص لها ،على حد تعبير المبدأ السابع من
الميثاق،
- وألن االلتزام الصارم بجملة المبادئ السالفة يفترض أن يتحلى فيه كاتب
الضبط بشيء من الصرامة التي قد تؤدي إلى نوع من االحتكاكات مع العاملين
ّد ذلك – في المبدأفي الجهاز القضائي أو الوافدين عليه ،فإن الميثاق قي
الثامن -بضرورة التزام اللياقة في المظهر واللباقة في التصرف سواء على
المستوى الداخلي أو عند استقبال الوافدين وتصريف اإلجراءات المطلوبة
منهم.
- ووعيا من لجنة الصياغة بأن فعل التخليق في اإلدارة القضائية ،وفي أي
إدارة أخرى ،ال يمكن أن يؤتي ثماره ،إال إذا تم في نسق جماعي متضامن
ومتعاضد ،جعلت آخر مبدأ من هذا الميثاق بعنوان "التضامن" ،وأكدت فيه
على الخصوص على ضرورة االعتزاز باالنتماء لجهاز كتابة الضبط ،والسعي إلى
تقوية العمل الجماعي داخل اإلدارة القضائية ،وكذا توطيد أواصر التعاون
بين كافة الفئات المهنية العاملة بفضاء المحكمة .
ثانيا :اختيار التطبيقات الدالة والصريحة على القيمة األخالقية المعبر
عنها في القاعدة ،وذلك ضمانا لحسن الفهم وسالمة التنزيل .
ثالثا :التوسع في مفهوم التخليق وعدم حصره فيما يحيل على المتداول لدى
العموم كالرشوة واستغالل المرفق مثال ،ولذا جاء الميثاق متضمنا لعديد
كبير من القواعد السلوكية الالزمة في المحيط المهني ،يمكن تصنيفها إلى :
- أخالقيات ناظمة للعالقات الداخل بين عموم العاملين باإلدارة القضائية،
كالتأكيد على مسألة االحترام المتبادل بين الرؤساء والمرؤوسين ،وتفادي
المحسوبية أو الوقوع في التمييز تجاه المرؤوسين ،وااللتزام بقواعد
المروءة والشهامة في التعامل بين الزمالء والزميالت ،واالمتناع عن إيذاء
زمالء العمل أو الكيد لهم ،وعدم التدخل في الحياة الشخصية والعائلية بما
يسيء إليها ،وااللتزام بالتضامن والعمل بروح الفريق وغيرها كثير ...
- أخالقيات ناظمة للعالقة مع فضاء العمل ،مثل التأكيد على تبني قيم
إيجابية تثمن المرفق والوظيفة والمهام ،والمحافظة على الممتلكات العامة
الموضوعة رهن إشارة الموظف وحسن استغاللها فيما أعدت له ،وتنظيم مكاتب
العمل بما يحقق جودة تصريف اإلجراءات للمتقاضين ،والسرعة في إنجاز
المهام ،وااللتزام بأوقات الدخول والخروج ،وعدم افتعال أسباب للتغيب عن
العمل ،وغيرها.
- أخالقيات ناظمة للعالقات مع القضاة ومساعدي القضاء ،كالتأكيد على عدم
التوسط أو التدخل في القضايا لدى قضاة الحكم أو النيابة العامة،
واالمتناع عن تقديم استشارات قانونية ألي طرف من أطراف الدعوى أثناء
سريان المسطرة من شأنها أن تضر بمصالح أحدهم ،وعدم السماح لمساعدي
القضاء باستعمال مكتبه أو أي مرفق تحت إمرته كمقر الستقبال الزبناء،
واالمتناع عن توجيه المتقاضين نحو أي محام أو موثق أو خبير أو عدل أو
مفوض قضائي...
- أخالقيات ناظمة للعالقات مع عموم الوافدين على اإلدارة القضائية،
كالتأكيد على ضرورة التزام المساواة وعدم التمييز بين الوافدين سواء
على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو االنتماء الجغرافي أو االجتماعي أو
الحزبي أو النقابي ،وتمكين ذوي الصفة والمصلحة من اإلجراءات المطلوبة،
وتسهيل وولوج المتقاضين إلى الخدمات القضائية من خالل شفافية الخدمة
وتجنب أساليب المماطلة أو تجريح الكرامة ،وتعليل القرارات الصادرة عن
اإلدارة القضائية ،وتجنب الشطط في استعمال السلطة ،وتوخي الحذر والتحفظ
تجاه دعوات المناسبات والوالئم من األشخاص الذين تحوم حولهم شبهات أو
المعروفين بترددهم على المحاكم ...
- أخالقيات داعمة لمفهوم النجاعة القضائية ،مثل الدعوة إلى االنخراط
الجدي في العمل لتحقيق األهداف المساهمة في تحقيق العدالة ،والتحلي بروح
اإلبداع واالبتكار وتتبع المستجدات التي تنهض باإلدارة القضائية،
والمساهمة في تطوير الجهاز القضائي من خالل البحوث األكاديمية
والميدانية ،واحترام قواعد المحاسبة والصفقات العمومية وعدم تبديد
المال العام ..
ب – آليات التنفيذ والمتابعة والمراقبة
إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك المهني للعاملين في المرافق
القضائية ،ال يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة على مستوى التخليق ما لم يكن
مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ والمتابعة والمراقبة الكفيلة بجعل
ّا يوميا ال مجرد شعار مناسباتي ،وفي أفق تحقيق هذا المبتغى
التخليق هم
نقترح ما يلي :
- تنمية الرقابة الذاتية ،فالموظف الناجح هو الذي يراقب هللا تعالى في
عمله قبل أن يراقبه المسؤول ،وهو الذي يراعي المصلحة الوطنية قبل
المصلحة الشخصية ،وهو الذي يحب عمله ووظيفته ويتفانى في خدمة الناس،
مهما كانت الظروف واألحوال ،ويلتزم بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق .
فإذا ترسخت هذه المعاني الكبيرة في نفس الموظف فستنجح المؤسسة التي
ّ ؛ ألن ذلك دليل قوي على إخالص العاملين في وظائفهم
ينتمي إليها بال شك .
فالرقابة الذاتية تنمي كل الصفات الحميدة المتفق عليها بين بني البشر
في كل بقاع العالم...فتمنع الخيانة ،وتعين على األمانة ،وترسخ النزاهة
والشفافيةـ وتقوي اإلحساس بالمسؤولية ،وتزرع الثقة بين الناس ..
- التعريف الواسع بميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط على كافة العاملين
بالجهاز القضائي (قضاة ،كتاب ضبط ،محامون ،عدول خبراء ،موثقين،
تراجمة )..وذلك بتعميم نشره ومدارسته من خالل حلقات تكوينية مشتركة ،في
أفق إيجاد مدونة موحدة تستهدف جميع شركاء اإلدارة القضائية،
- إحياء األيام الوطنية الخاصة بالتخليق في المحاكم (اليوم الوطني
لمحاربة الرشوة ،اليوم الوطني لسياسة الجودة )..عبر ندوات دراسية
وتوزيع ملصقات وغيرها ...
- تسهيل الولوج للمعلومة القضائية واإلدارية بالمحاكم (مكاتب استقبال
عصرية ومجهزة :موظفون أكفاء +مطويات إجرائية +ونوافذ إلكترونية
تفاعلية)...
- التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك مركزيا
وجهويا ومحليا مع ضرورة تعميمها على كافة الموظفين والقضاة ومساعدي
القضاء،
- التكثيف من الدورات التكوينية الخاصة بتقنيات التواصل مع الوافدين
على المحاكم،
- تفعيل سياسة األبواب المفتوحة بالمحاكم وإشراك جميع الفاعلين في
الجهاز القضائي في اإلعداد والتأطير،
- إحداث أوسمة تقديرية للعنصر المثالي العامل بالمحاكم سواء أكان
قاضيا أو كاتب ضبط أو عون خدمة( ...وسام النزاهة ،وسام االنضباط ،وسام
احترام الوقت ،وسام االلتزام بالواجبات المهنية ...)،
- إحداث شهادات تشجيعية للموظف المبدع والمبتكر في المجال المهني،
- العناية بمفهوم "ثقافة خدمة المرفق العام" وذلك من خالل التذكير
المستمر بأهمية هذا المرفق في خدمة المواطن،
- تفعيل نظام المحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة للسلوكيات
المشينة مثل {االرتشاء (الفصل 248و 249من ق .ج) ،اختالس األموال (
الفصول 241و 242من ق .ج ) ،استغالل النفوذ (الفصل 250من ق .ج )،
الغدر (الفصول 243و 244من ق .ج) ،تحصيل منافع غير قانونية (الفصول
245و ،)246المحسوبية (الفصل 254من ق.ج) ،الشطط في استعمال السلطة
وخيانة األمانة (الفصلين 547و 555من ق.ج) ،التزوير (الفصلين 334و 367
من ق .ج)}،
- التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في المجال العملي أفقيا وعموديا؛
وذلك ألن الكثير من القيم األخالقية والقواعد السلوكية المهنية ،ال تحتاج
في العمل بها إلى مواثيق أو مدونات سلوكيات ،بقدر ما يمكن اكتسابها عن
طريق القدوة الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس أو الموظف األعلى للموظف
األدنى ،أو الموظف النشيط للمتقاعس ..باعتبارها تنزيال عمليا وممارسة
واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير من التعابير والشرح .
ويمكن أن تظهر هذه القدوة الحسنة في العمل اإلداري في جوانب كثيرة،
كالتقيد بالقوانين وأنظمة العمل ،وفي االلتزام بأوقات العمل في الحضور
واالنصراف ،وفي تنظيم العمل وجودة الخدمة المقدمة للمتقاضين ،وفي حسن
التواصل مع المحيط الداخلي والخارجي ،وفي الهندام والمظهر الخارجي...
وفي غيرها من الجوانب التي تحتاج إلى األعمال أكثر من األقوال .
- إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض المظاهر السلوكية غير الالئقة في
اإلدارة القضائية،
- تفعيل المساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند وجود اختالالت
أخالقية أو مهنية،
- إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي بكافة المحاكم
أو عبر البوابة اإللكترونية لمديرية الموارد البشرية لوزارة العدل أو
ودادية موظفي العدل أو الودادية الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو
جمعية المحامين بالمغرب أو الهيئة الوطنية للعدول أو هيئة المفوضين
القضائيين ،ألن من شأن ذلك أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز القضائي
ويحد من توسع دائرة المظاهر السلبية في مرافق العدالة ..
وأخيرا،
نقول إن نجاح التخليق في مرافق العدالة عامة واإلدارة القضائية على وجه
الخصوص ،كفيل بأن يعيد الثقة في القضاء المغربي ومحيطه الداخلي
والخارجي ،وأن يجعل كل من يفد عليه غير يائس من عدل قوانينه وال خائفا
من شطط أهله