مضامين التوجهات الكبرى لميثاق إصالح منظومة العدالة
أوال :توطيد استقاللية السلطة القضائية
في السابق و قبل مجيء دستور 1122كان تنظيم المجلس األعلى للقضاء بموجب الفصل 68من الدستور و كان أعضائه يتألفون من السلطة القضائية بإستثناء وزير العدل الذي أسندت إليه بموجب الفصل المذكور مهمة رئيس المجلس و الحال أنه ينتمي إلى السلطة التنفيذية ،ومن تم فإن هاته األخيرة كانت تتمتع بمهمة التسيير الكامل و المباشر لجهاز القضاء عبر صالحيات هامة التي كان يتوفر عليها و زير العدل ومن تم فإن وزير العدل كانت له قوة قانونية للتأثير على القضاء بمقتضى الفصل 68و 68من دستور _2_ 2998 بعد مجيء دستور 1122و اإلرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية و التشريعية أصبحت تلك المهمة التي كان يتمتع بها وزير العدل متناقضة __1 و بمقتضى الميثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة تحددت معالم إستقالل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية عن طريق األهداف المسطرة . حسب الميثاق فإنه ال يمكن تحقيق مسألة اإلستقاللية للسلطة القضائية دون ضمان إستقاللية المجلس األعلى للسلطة القضائية، إال إذا تحقق لهذا المجلس قانون تنظيمي خاص به يكرس له ميزانية سنوية تضمن له اإلستقالل المالي و اإلداري ،باإلضافة إلى توفره على مقر يحتوي في تنظيمه على أمانة عامة و مفتشية عامة تسير بنظام داخلي . وقد عزز الميثاق هذا التوجه بضرورة ضمان تمثيلية شاملة و فعالة بالمجلس األعلى للسلطة القضائية ،فتمثيلية العنصر النسوي ضمن المؤسسات الوطنية أصبحت مسألة أساسية ،ولهذا فإن الميثاق قد تعرض لهذه النقطة باإلضافة إلى وضعه لمعايير واضحة لترشيح القضاة بالمجلس للتفرغ ،و تطرق كذلك إلى مدة إنتخاب القضاة و التي حددها في مدة أربع سنوات ،و خمس سنوات ألعضاء معينين من الملك . تحدث الميثاق كذلك في هذا الهدف عن مسألة التدبير األمثل للمسار المهني للقضاة ،وقد تعرض الميثاق إلى ضرورة وضع القانون التنظيمي الخاص بالقضاة ،و تعيين الرئيس األول لمحكمة النقض و الوكيل العام للملك لديها من قبل الملك، وتطرق كذلك إلى ضرورة النهوض بالوضعية المادية للقضاة ،مع إسناد المسار المهني للقضاة للمجلس األعلى للسلطة القضائية، ووضعه معايير إلختيار القضاة . وقد عزز الميثاق توجه إصالح القضاء على مستوى تحقيق ذلك أيضا ،بضرورة تأليف المفتشية بالمجلس األعلى للسلطة القضائية تكون مهمتها التحري و التحقق و المراقبة ،وفيما يخص التنسيق بين المجلس األعلى للسلطة القضائية و باقي السلطات فقد تم إسناد رئاسة مجلس وإدارة معهد تكوين القضاة إلى الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية مع تقديم سلطات التسهيالت الالزمة إلى المجلس األعلى للسلطة القضائية،و ضرورة تواصل المجلس األعلى للسلطة القضائية مع محيطه ،بوضع آليات إلعداد التقارير و الدراسات ،ووضع تقرير سنوي سيرصد تشخيصا كامال لتوجهات السلطة القضائية . وتعد نقطة إستقالل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ،من أهم النقط التي عرفت جداال واسعا في الماضي ،فإسناد الميثاق رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، هي نقطة إيجابية تعزز مسألة اإلستقاللية ،فوزير العدل لم تبقى له أية سلطة على القضاء ماعدا مهمته في وضع السياسة الجنائية و تبليغها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ،وهذا األخير يكون معنيا بتقديم تقرير سنوي إلى المجلس العلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة.
ثانيا :تخليق منظومة العدالة
دون تحقيق مدخل التخليق لمنظومة العدالة ال يمكن الحديث عن تكريس تطبيقي إلستقاللية السلطة القضائية ،ودون تخليق ال يمكن ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و األمن القضائي . فالتخليق هدفه باألساس توفير مناخ الثقة و األمن القضائي على عكس المناخ الذي تميز به القضاء المغربي في السابق ،وقد جاء الميثاق بمقتضيات هامة في هذه النقطة ،منها تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة و شفافية منظومة العدالة ،وذلك عن طريق التصريح بالممتلكات و إحداث هيئة مستقلة بين المجلس األعلى للسلطة القضائية و المجلس األعلى للحسابات مع سن مقتضيات تشريعية بشأن المخالفات ،ووضع إطار للتوصيف القانوني للمخالفات ،و تعزيز مبادئ الشفافية و المسؤولية في المهن القضائية ،وحضور الوكيل العام للملك في المجلس التأديبي للمحامين دون مشاركته في إتخاذ القرار ،وإحداث هيئة قضائية مختلطة للبت في القرارات التأديبية ،فهي إذا تعتبر إجراءات إيجابية في تعزيز مسألة التخليق القضائي ،باإلضافة إلى ترسيخ القيم والمبادئ األخالقية لمنظومة العدالة باإلضافة و وضع مدونة سلوك المهن القانونية ،ونشر األحكام و القرارات المتعلقة بالتأديب في كل مهن منظومة العدالة . وهو التوجه الذي يراعي اإلرادة الملكية في إصالح القضاء ،و التي أشار إليها جاللة الملك في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 1116بقوله " إن النهج القويم لإلصالح يرتكز على ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و األمن القضائي "
تالثا :تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات
هنا يطرح سؤال مهم حول كيفية حماية القضاء للحقوق و الحريات دون تدخل السلطة التنفيذية في ذلك ،أو بمعنى أخر كيف سيصبح دور وزير العدل أمام السلطة القضائية ،في إطار من الموازنة بين مبدأ إستقالل السلطة القضائية ،وعضوية وزير العدل داخل الجهاز التنفيذي و ما يتطلب منه ذلك من تنفيذ السياسة الجنائية للحكومة . وحسبما يدل عليه مصطلحا السياسة الجنائية :من كلمة السياسة وهي ممنوحة للحكومة ،و الجنائية التي هي ميدان من عمل السلطة القضائية ،ومن تم فال بد من التعاون بين الطرفين بما يتماشى أوال مع السياسة العامة للحكومة في مجال حماية القضاء للحقوق والحريات ،ووفقا إلعتبار السلطة القضائية من المؤسسات العامة في مجال العدل ،وقد أعنى الميثاق هذا المدخل بأهداف هامة ترتكز على نهج سياسة جنائية جديدة، وهو النهج الذي يقوم على مالئمة القوانين و التنسيق بين السياسات و إستحضار مقاربة النوع مع تعزيز حماية األحداث و إستكمال مالئمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية ،مع تطوير سياسة التجريم عن طريق توسيع الجرائم القابلة للصلح و نزع التجريم عن بعض األفعال ،و إقرار نظام الغرامات التصالحية ،وقد عزز الميثاق هذه الرؤية بإرساء سياسة عقابية ناجعة ،و إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحريات ،مع إعتماد ضوابط محددة في ممارسة السلطة التقديرية . وحسب الميثاق سيتم تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة ،بمراجعة ضوابط و ضع األشخاص تحت الحراسة النظرية ،وتعزيز مراقبة النيابة العامة وتوحيد اإلطار القانوني لشكليات و بيانات وحجية محاضر الشرطة القضائية ،وترشيد اإلعتقال اإلحتياطي ،و رفع من مستوى التكوين األساسي للموظفين و األعوان المكلفين بمهام الشرطة القضائية . وهو التوجه الذي سيعتمد على ضرورة تحقيق نجاعة العدالة الجنائية ،بإقرار مبدأ إختيارية التحقيق في الجنايات ،و إسناد تعيين قضاة التحقيق للرئيس األول لمحكمة اإلستئناف ضمن دائرة نفوذها ،وتعزيز إشراف قضاة النيابة العامة و قضاة التحقيق على عمل الشرطة القضائية ،مع حوسبة محاضر الضابطة القضائية .
رابعا :اإلرتقاء بفعالية ونجاعة القضاء
إن تحقيق هذا المدخل يرتبط باألساس في إرساء و حدة القضاء قائم على التخصص قمته محكمة النقض ،والمحكمة االبتدائية هي التي تكون الوحدة الرئيسية في التنظيم القضائي ،من أجل دعم فعالية األداء القضائي و تقريب القضاء من المتقاضين و عقلنة الخريطة القضائية ،تحقيقا لخريطة القضائية مبنية على معايير موضوعية . ودون شك يعتبر الطاقم البشري لجهاز القضاء مدخال مهما في هذه النقطة ،األمر الذي يحتم إعادة توزيع الموارد البشرية ،والبت في القضايا و تنفيذ األحكام خالل آجال معقولة ،مع مراجعة القوانين اإلجرائية السيما قانون المسطرة المدنية و المسطرة الجنائية ،ولن يأتي ذلك دون الرفع من جودة األحكام و ضمان األمن القضائي ،وإعتماد آليات لتوحيد اإلجتهاد القضائي ،و إقرار آليات قانونية تتعلق بالتعويض عن الخطأ القضائي . وهي إجراءات ستساهم في تسهيل الولوج إلى القانون و العدالة من جهة ،وستمكن من وضع آليات لتدعيم هذا التوجه من قبيل تطوير المساعدة القضائية ،وإحداث نظام المساعدة القضائية ،و تحسين ظروف إستقبال المواطنين بالمحاكم و تعميم المعلومة القانونية ،باإلضافة إلى تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات من قبيل الوساطة و الصلح و التحكيم لحل النزاعات .
الغاية من هذا الهدف هو تحقيق الجودة و ضمن التميز ،و السبيل إلى ذلك هو مراجعة نظام التكوين األساسي للقضاء، وإحداث مركز البحوث و الدراسات القضائية ،وإحداث المدرسة وطنية لكتابة الضبط ،وإحداث مؤسسة لتكوين المحامين و معهد وطني للتوثيق و مركز لتكوين العدول و المفوضين و الخبراء القضائيين . فاإلرتقاء بمعايير القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة ،من الشروط األساسية التي تراعي ولوج و ممارسة مهن منظومة العدالة ،ومراجعة مستوى السن للمشاركة في مباريات وولوج القضاء ،و تنظيم مباريات بشروط خاصة مع إشراف المجلس األعلى للسلطة القضائية على تنظيم مباريات اإللتحاق بسلك القضاء، فهي من المسائل اإليجابية و المهمة في تحقيق فاعلية أفضل لمنظومة القضاء . فتوجه الميثاق في مسألة الفاعلية ،ال يمكن فصله عن مسألة السن لولوج مهنة القضاء ورفع مدة التكوين ،مع وضع برامج التكوين التخصصي ،مع إلزامية التكوين ،من أجل تعميق المعارف المهنية ،و رفع قدرات الموارد البشرية ،لتقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية و القانونية ،وقد عزز الميثاق هذا التوجه بإقراره إحداث مجلس وطني لهيئة المحامين ،الذي سيتمتع بنظام داخلي موحد ،مع إعادة مراجعة شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض ،وتوسيع صالحيات المفوضين القضائيين ،من أجل االرتقاء بخطة العدالة وفتح المجال أمام المرأة لممارستها ،وإحداث هيئة و وطنية للخبراء القضائيين، من أجل دعم الثقة في المهن القضائية و القانونية .
سادسا :تحديث اإلدارة القضائية وتعزيز حكامتها
من المبادئ الدولية إلستقالل السلطة القضائية وجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة على صعيد المسائل الداخلية لإلدارة القضائية بما في ذلك إسناد القضايا إلى قضاة في إطار المحكمة التي ينتمون إليها ،ووجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة بالنسبة للمسائل المالية و تتوفر على موارد كافية ألداء مهامها على النحو األمثل . فإقامة إدارة قضائية إحترافية و مؤهلة ،حسب الميثاق ال يمكن فصله عن مراجعة إختصاصات وزارة العدل و تحديت إختصاصات المفتشية العامة ،وتحديث اإلطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، مع إحداث مناصب جديدة في هذا الصدد ،كإحداث منصب مسير إداري بالمحكمة لتطوير األساليب القضائية ،الذي سيساهم في تعزيز الحكامة الجيدة لإلدارة القضائية . وقد إستحضر الميثاق في هذه النقطة مسألة الالتمركز اإلداري و المالي لإلدارة القضائية بتسليطه الضوء على ضرورة توسيع مجال التفويض اإلداري و المالي للوحدات اإلدارية الالممركزة ،وإعادة هيكلة وتنظيم المديريات الفرعية الجهوية ،وهيكلة المراكز الجهوية للحفظ و األرشيف . لن ينسى الميثاق التوجه الرقمي الذي إنخرط فيه المغرب ،وقد تحدث عن آليات إلرساء مقومات المحكمة الرقمية بضرورة وضع مخطط مديري إلرساء مقوماتها مع تقوية البنية التكنولوجية لإلدارة القضائية ،وتأهيل الموارد البشرية ،وإعتماد التوقيع اإللكتروني ،وهو التوجه الذي يدخل في تحديث خدمات اإلدارة القضائية ،و الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم وإنفتاحها على المواطن ،من أجل اإلرتقاء بمستوى المحاكم . تلكم إذا هي أهم األهداف المحددة والتحديات المرفوعة اليوم أمام القضاء ،والتي تعتبر في رأينا مسألة إيجابية لم تكن من قبل ،ينبغي تحقيقها بتعاون كافة الجهات و المؤسسات الوطنية من أجل جهاز قضائي أفضل ،ال محيد عنه في تفعيل دولة الحق و القانون و إحترام المؤسسات ،و هي أهداف تنطلق من عمق الرغبة األكيدة في تحصيل مؤسسة حقيقية مستقلة و متمتعة بكل صالحيات السلطة القضائية ،و التي تعتبر أحد األعمدة األساسية لضمان الحقوق و الحريات ،ومقومات الدولة الحديثة و مركزا أساسيا في البناء الديمقراطي و مدخال ال محيد عنه لتحقيق المغرب األفضل .