Professional Documents
Culture Documents
الأخلاق والقانون
تمهيد
2
3
التحديد المفاهيمي
األخالق جمع خلق ،وهي المروءة والسجية والطبع ،وعلم األخالق أحد
أقسام الحكمة العملية ،ويسمى أيضا الحكمة الخلقية ،والمختلق:
الكريم األخالق.
إن الفضيلة الفكرية تأتي في جزئها الكبير من التعليم ،في حين أن
الفضيلة األخالقية تعد وليدة العادات والتقاليد التي نتربى في ظلها
بعدما نتوارثها جيال عن جيل.
وكالم أرسطو هنا يلتقي مع ما جاء في حديث رسول هللا -صلى هللا
4
عليه وسلم" :-اإلنسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه".
أما مصطلح القانون ،فيعني لغة النظام والثبات واالستقرار ،وبالتالي ال
يقتصر استعمال لفظ القانون على الظواهر الطبيعية المشاهدة في
الكون فحسب ،بل يشير من ناحية أخرى إلى مجمل القواعد الكلية
التي تتخذ مقياسا لسلوك الفرد في المجتمع ،فإذا اتصلت هذه القواعد
بالنوايا الباطنية أطلق على هذه القواعد اصطالح القانون األخالقي أو
القانون الخلقي ،أما إذا اتصلت هذه القواعد بأعمال اإلنسان الظاهرة
في العالم الخارجي أطلق عليها القانون الوضعي ،وهذا المفهوم هو
الذي يعنينا في هذه الدراسة .وعموما يشكل القانون الوضعي مجموع
القواعد التي تنظم وتوجه سلوك األفراد في المجتمع بشكل ملزم
يقترن بتنفيذ جزاء في حالة مخالفة هذه القواعد.
ويذكر الفقه القانوني التقليدي بأن أهم ما يميز قواعد القانون عن قواعد
األخالق هو عنصر الجزاء ،فجزاء مخالفة القواعد القانونية مادي
ومحسوس تقوم السلطة العامة بتطبيقه جبرا على المخالف ،أما الجزاء
في القواعد األخالقية ،فإنه يخلو من هذا التعبير؛ ألنه جزاء معنوي
ينحصر في تأنيب الضمير أو استهجان المجتمع ونفور الناس من مرتكب
الفعل المنافي لألخالق[.]6
باإلضافة لما سبق ،فإن قواعد القانون تتميز بكونها تظهر دائما في
شكل واضح ومحدد ،بحيث يكون العلم بها وتطبيقها سهال وفي
المتناول ،في حين أن القاعدة األخالقية غالبا ما تكون غير واضحة وغير
محددة على اعتبار أنها مجرد أحاسيس داخلية مستقرة في ضمير
الشخص[.]7
لكن رغم وجود اختالفات واضحة بين قواعد القانون وقواعد األخالق ،إال
أنه يالحظ أن معظم قواعد القانون تعتبر في نفس الوقت قواعد خلقية،
وكلما ارتقت اإلنسانية كلما اتسعت الدائرة المشتركة بينهما نتيجة
دخول بعض المبادئ األخالقية في دائرة القانون ،فقد كانت هناك
مجموعة من القواعد اعتبرت في البداية مجرد مبادئ خلقية عامة ال
االخالق والقانون
وتعتبر فكرة العدل قيمة أخالقية سامية يسعى إليها اإلنسان لتحقيق
المساواة والفضيلة ،بل إن فكرة العدل هي إحدى األمور الخيرة التي
تسعى األخالق لتحقيقها لإلنسان ،لذلك فالقاضي برجوعه إلى تطبيق
مبادئ العدالة ومبادئ القانون الطبيعي يسعى إلى تطبيق قواعد
أخالقية سامية.
االخالق والقانون
ورغم أن قواعد األخالق ال تفرض على األفراد بقوة القانون ،فإن الظاهرة
7
الخلقية مثل الظاهرة القانونية تظل من الناحية المعيارية واجبة االتباع،
إما ألنها تحقق العدل والخير ،أو ألنها تعيد الحقوق إلى أصحابها ،أو
لكونها تواجه عادات ال تنسجم مع المقتضيات االجتماعية ،وهو ما يعبر
عنه بمخالفتها للنظام العام وحسن اآلداب ،أو لكونها اتفاقات شائعة
بين األفراد يتعين إحترامها وعدم التنصل منها[.]9
يضع القانون ضوابط تلجم الفرد الذي يحاول أن يتجاوز حدوده ،ويسلب
اآلخرين حقوقهم؛ ألن مثل هذا التجاوز يحدث خلال عميقا في البناء
االجتماعي ويقضي على عنصر الثقة فيه ،لذلك تلجأ القوانين لفرض
التعويض على كل من يسبب ضرراً للغير ،من جراء خطأ يرتكبه ،عمداً أو
إهماالً ،فمثل هذه المبادئ ليست جديدة ،بل هي قديمة جداً ،فقد
الحظ الفيلسوف اليوناني أرسطو أن العدالة التتحقق إال إذا تأسست
على فكرة المساواة في تبادل الحقوق والواجبات ،فالحياة تتطلب وجود
سلطة تقدم الخدمات ،وتطالب بما يقابلها ،فالسلطة العادلة تعمل
جاهدة على التوزيع العادل لألعباء ،ومنح األرباح والفوائد :أي أن نسبية
العدالة تدعو الفرد إلى احترام السلطة التي تتيح له الفرصة للتطور
واالرتقاء في جو من االستقرار واالطمئنان[.]11
إن فكرة العدالة ،رغم كونها مطلقة ،إال أنها يمكن أن تكون نسبية وفق
أهداف الحياة المشتركة للمجتمع ،في زمن معين ،وفي مكان معين،
لذلك نجد أن علماء القانون ،على سبيل المثال ،يؤيدون الصفة اإللزامية
للعقد المبرم بحرية وصدق وبشكل مشروع ،إال أنهم ال يؤيدون تملص
المتعاقد من تنفيذ مضمون العقد بحجة الغبن ،أو عدم تحقق األرباح
االخالق والقانون
التي كان ينتظر تحقيقها بعد التعاقد ،إنهم ال يعتبرون الغبن لوحده سببا
8
إللغاء العقد ،وهذا عكس ما يعتقده علماء األخالق .وسبب أخذ علماء
القانون بهذا االتجاه ،هو سبب وجيه ومقبول؛ ألننا إذا قبلنا إلغاء العقد
بسبب الغبن لوحده ،وبدون توافر شروط أخرى ،فإن ذلك سيشجع
جميع محاوالت التملص من العقود ،ويقضي على الثقة التي يجب أن
تتوفر بين المتعاقدين ،ويضع كل ذلك المحاكم والقضاة أمام معضالت
يصعب حلها ،لذلك لم يؤخذ هنا برأي علماء األخالق ،وتغلبت فكرة
نسبية العدالة؛ ألنه من صالح المجتمع حمل المتعاقدين على االلتزام
بالعقود التي قبلوا بها برضاء منهم .إن وراء هذا االتجاه ،المناقض التجاه
علماء األخالق سببين ،هما :تيسير سبل العالقات االجتماعية ،ثم منع
هدرها وتفككها؛ ألن ذلك سينمي الثقة بالوعود المبرمة[.]11
المحاوالت ،فإن تحديد حق كل فرد يثير أمامنا مشكلة جديدة ،ال يمكن
9
حلها إال من خالل تنظيم المجتمع ،وال يتم هذا التنظيم إال من خالل
احترام الفرد لفكرة دوره في المجتمع ،وال يتحقق هذا الدور بشكل
صحيح إال عندما يقوم الفرد بتأدية واجباته التي يفرضها عليه وجوده في
المجتمع[.]12
إن المساواة تقتضيها فكرة العدالة المطلقة على سبيل المثال ،إال أن
تلك المساواة قد تتعارض مع مبدأ احترام ملكية اآلخرين؛ ألن تلك
المساواة قد تستدعي إعادة توزيع األموال ،إال أن علماء القانون وجدوا
الحل لتحقيق المساواة النسبية في توزيع األموال ،وذلك من خالل
تشجيع النشاط الفردي ،عن طريق منح الحرية لألفراد ،مع وضع
الضوابط التي تمنع إساءة استعمال القدرة االقتصادية لألفراد ،فالقانون
يعمل منذ القدم على الوصول لفكرة الخير العام ،وهو بهذا يقترب ،شيئا
فشيئا ،من الفكرة األساسية للفلسفة األخالقية ألرسطو الذي اعتبر
أن لكل تصرف إنساني هدفاً معيناً ،وتتحقق قيمة هذا الهدف على قدر
توخيه للخير[.]13
االجتماعية واتساعها .ومع ذلك يستطع أنصار فكرة الخير العام الدفاع
10
عن فكرتهم دفاعاً حقيقياً ،فظلت فكرة الخير العام تثير المخاوف لدى
أنصار الحرية الفردية ،حيث الحظوا أن األنظمة الدكتاتورية تستغل هذه
الفكرة لبسط سيطرتها على مقدرات الناس .وفي الواقع إن نمو
المجتمع سيفيد الجميع من حيث النتيجة ،إال أن هذا النمو يؤدي إلى
إجبار الفرد على تقديم تضحيات قد تبدو غير متساوية اتجاه
الجميع[.]14
إن فكرة الخير العام يمكن الدفاع عنها إذا ما اعتبرنا أن الفرد يتمتع
بقيمة أسمى ،وأن انطالقه وتطوره يجد مداه في الحياة االجتماعية،
لذلك يجب أن يأخذ القانون في اعتباره غاية المجتمع ،فمتى ما كان
المجتمع يستطيع أن يحقق مكاسب لعدد أكثر من األفراد ،دون أن
يضطهد اآلخرين ،يبقى القانون متعلقاً بالحق العام ،إال أن اضطهاد
اآلخرين ينفي عن القانون فكرة اهتمامه بالخير العام؛ ألن ذلك الخير ال
يشمل جميع الناس ،حتى إن كان ذلك بصورة نسبية.
لكن الحل يكمن ببساطة في فكرة الحد األدنى للخير العام ،فمتى ما
استطعنا أن نجعل القانون يحقق الحد الكافي للمجتمع ومتطلباته،
نصبح على يقين أن القانون ،إنما تم سنّه لمصلحة الجميع ،ونجد هذا
متمثال ً عند تعرض المجتمع لخطر عام ،حيث تدعو الدولة الجميع
للتضامن والتضحية بالمال ،وبالحياة لدرء هذا الخطر.
إن فكرة الخير العام تبرز حتى في حالة تعارض المصالح الفردية،
فمصلحة المدين تقتضي أن ....ليدفع الدين ،أو أن يماطل في دفعه،
في حين أن مصلحته ،التي ال يمكنه إدراكها ،تتمثل في أن يدفع ذلك
الدين عند االستحقاق ،وبذلك تلتقي المصالح المتعارضة؛ وبهذا نخلص
االخالق والقانون
إلى أن المصلحة ذاتية ،في حين أن الخير العام يخص الجميع :أي
11
جميع المصالح الذاتية المتعارضة والمتوافقة ،وهو ما يفضي بنا إلى
الخير الذي نتوخاه ،والذي هو خير للجميع .وال نصل لهذا الخير إال إذا
استطعنا أن نرفع اإلنسان فوق آفاق الحيوانية :أي أن يتم توجيهه نحو
هدف ،من خالل أن ينذر ذاته لمشروع مشترك يحقق ما ال يستطيع أي
شخص لوحده تحقيقه ،وبالتالي يوصلنا هذا لمنح الطابع اإلنساني
على المشتركين في هذا المشروع .إن هذا االتجاه يبرز القوة الذهنية
لدى اإلنسان الذي يتكون ،بال شك ،من مزيج غريب من الحيوانية
والعقالنية والذهنية والنزعة العاطفية ،وبهذا نصل لعدم وجود تعارض
األفكار عنه ماعبرت وهذا العام، والخير الفردي الخير بين
االشتراكية[.]15
إن مثل هذا التوجه ينجح نظرياً ،إال أنه عملياً ال يتفق مع طبيعة
األشياء؛ ألنه يتجاوز حب الذات وحب السيطرة ،ويفترض لدى اإلنسان
نزعة حيوانية يمكن ترويضها ،وتنمية قوة اإلرادة نحو إنسان أكثر فطنة
واستقامة وصفاء نفس .إن هذا النظام المشترك يؤدي عمليا إلى منع
الناس ذوي النزعة الحيوانية القوية من أن يهبوا ذواتهم للمشروع
المشترك ،ويشجع العناصر السيئة على استثمار جهود اآلخرين الذين
انخرطوا بذلك المشروع المشترك ،مضحين بذواتهم .من هنا حاول
علماء القانون التأكيد على أهمية القانون الذاتي ،أو الوازع الذاتي ،أو
االمتثال الطوعي للقانون ،وحاولوا أن يجعلوه أساساً في كل بناء
قانوني :أي حاولوا التقريب والتوفيق بين المفهوم األخالقي والمفهوم
القانوني .وبغض النظر عن هذا الجدل المحتدم ،فال يمكن إيجاد الخير
المشترك للجميع إال إذا اعترفنا بوجود التمايز؛ فال يكفي أن تتوفر لدينا
النوايا الطيبة ،لذلك على السلطة أن تدرك اتجاه المصالح العامة ،وأن
االخالق والقانون
إن تحقيق الخير العام يتم عن طريق مبدأ الموازنة واالعتدال ،فال يمكن
أن نطالب اإلنسان بتقديم أكثر مما يستطيعه ،خاصة عندما ينمو لديه
الشعور أن ما يطلب منه أن يقدمه سيجعله ضحية لآلخرين .إن التعامل
مع اإلنسان كإنسان ،وتنمية اإلحساس لديه بأنه ليس ضحية لآلخرين،
وأن ما يطلب منه تقديمه هو لخيره وخير أهله ومجتمعه ،يبرر للمشرع
حقه في أن يضع في قوانينه ميزاناً لسلطته مقرونة بالتهديد،
فيستعملها لحمل المتقاعسين على العمل ،ويرغم المتمردين على أن
يختاروا بين الخير والشر .فدور القانون يبدو واضحاً في جعل الفئة التي
تميل للخير تمثل األكثرية المقتنعة والفعالة[.]17
الشك أن العدالة ،مثلها مثل سائر القيم ،ال يمكن تحقيقها إال بشكل
نسبي ،إال أن وسائل القانون تتيح وسائل االزدهار لكل إنسان ،وتفتح
أمامه سبل ذلك االزدهار ،وقد أضفى ذلك على القانون قيمة نبيلة
وسامية ،حيث يستطيع المشرع ،عبر القانون أن يفرض ويحدد األهداف
االخالق والقانون
ومع أن القاضي ال يصدر حكمه إال استناداً ألدلة وبينات رسمها القانون
مقدماً ،ومع عدم اقتناعه أحيانا بها ،إال أنه على القاضي أن يقول رأيه
األخير استنادا إليها ،وال يمكنه أن يعلن لطرفي الدعوى أنه أصدر قراره
وفقاً لقناعته الوجدانية ،وهذا ما يجده البعض متعارضاً مع األخالق ،إال
أنه يحقق النظام ،الذي ال نصل إليه إال بوسائل مادية .ومع ذلك فإن
العالقة بين األخالق والقانون ،تضفي على األخير الصفة الشرعية متى
ما انسجم معها ،وأدرك المواطن أن القانون على صلة وثيقة بقيم
أخالقية يؤمن بها الناس ،وهو ما سوف يخلق لدى المواطن التزاماً
شخصيا باحترام القانون ،متى أدرك الضرورة االجتماعية التي أملت هذا
القانون ،الذي يستهدف تحقيق أهداف ومقاصد تتضمن تماسك
المجتمع؛ عندها فقط يمكننا أن نتكلم عن شرعية القانون ،وتنفيذه
بطواعية مطلقة[.]21
االخالق والقانون
تتضح العالقة التفاعلية بين القانون واألخالق على مستويات عدة :منها
أن األخالق تشكل مصدر المثل الفردية والجماعية التي يستهدفها
القانون ،وبالتالي فإن بعض المبادئ العامة للقانون تعد في جوهرها
قواعد خلقية اقترنت بالصبغة القانونية ،ومن أمثلة هذه المبادئ التوازن
بين االلتزامات المتقابلة في كل اتفاق ،وحسن النية في تنفيذ
االلتزامات التعاقدية ،وااللتزام بعدم اإلضرار بالغير ،وااللتزام بعدم اإلثراء
على حساب الغير :وعليه فإن المتطلبات األخالقية هي التي تضفي
عادة على قواعد القانون طابع المشروعية.
ومن ناحية أخرى ،يجب أن يتم تطبيق القواعد القانونية انطالقا من
اعتبارات أخالقية ،بحيث ال يمكن ،مثال ،أن ينتج عن مبدأ القوة الملزمة
للعقد استغالل متعاقد قوي لمتعاقد ضعيف.
لكن إذا كانت األخالق تشكل في أحيان كثيرة أساس العديد من
المبادئ القانونية ،فإن القانون ه هو الكفيل بإعطاء القاعدة الخلقية
طابع اإللزام ،فتتحول تبع لذلك إلى قاعدة قانونية واجبة النفاذ[.]21
.1الفضالة
وقد استقر الفقهاء حديثا على تعريف الفضالة بأنها" :أن يتولى شخص
تلقائيا أعماال نافعة بنية الفضالة دون أن يكون مكلفا بهذه األعمال،
ويسمى فضوليا لصالح غيره[".]23
.2الوعد بجائزة
رغم أن الفصل 14من قانون االلتزامات والعقود المغربي ينص على أن
مجرد الوعد ال ينشئ التزاما ،إال أن الفصل 15نص صراحة" :الوعد عن
طريق اإلعالنات أو أية وسيلة أخرى من وسائل اإلشهار بمنح جائزة
لمن يعثر على شيء ضائع أو يقوم بأي عمل آخر ،يعتبر مقبوال ممن
يأتي بالشيء أو يقوم بالعمل"...
ويضيف الفصل 16أنه" :ال يجوز الرجوع في الوعد بجائزة بعد الشروع
في تنفيذ الفعل الموعود بالجائزة من أجله"...
ينص الفصل 66من قانون االلتزامات والعقود المغربي على أنه" :من
تسلم شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر
هذا اإلثراء إلتزم برده لمن أثرى على حسابه".
وينص الفصل 67من نفس القانون على أنه" :من استخلص بحسن نية
نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع التزم بتعويض
من أثرى على حسابه في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه".
يتبين من هذه النصوص القانونية أنه إذا أثرى شخص نتيجة افتقار آخر
بغير وجود مبرر قانوني لهذا اإلثراء ،فإن األول يلتزم بأن يدفع تعويضا
يساوي أقل القيمتين ،قيمة اإلثراء وقيمة االفتقار ،ولذلك يعتبر اإلثراء بال
سبب مصدرا لاللتزام :أي التزام من أثرى بتعويض من افتقر نتيجة
إلثرائه[.]26
ويجد هذا المبدأ أساسه الفلسفي في قاعدة خلقية مبنية على فكرة
العدل ،فاألخالق تتنافى مع احتفاظ المثرى بما أثرى به على حساب
المفتقر نتيجة إلثرائه عندما تتوافر أركان هذا المبدأ وهي :إثراء المدين
وإفتقار الدائن وصلة السببية بين اإلثراء واالفتقار وانعدام السبب
القانوني لإلثراء]27[.
نجد الفصل 373من القانون الجنائي ينص" :من كان يعلم دليال على
براءة متهم محبوس احتياطيا ،أو مقدم للمحاكمة من أجل جناية أو
جنحة ،وسكت عمدا عن اإلدالء بشهادته عنه فورا إلى السلطات
القضائية أو الشرطة ،يعاقب بما يلي:
ولكن ال يعاقب إذا أدى شهادته متأخرا أو متى تقدم بها من تلقاء
20
نفسه.
وال تطبق أحكام هذا الفصل على المتهم في الجريمة موضوع المتابعة
وال على المساهمين أو المشاركين فيها ،وال على أقاربهم ،أو
أصهارهم إلى الدرجة الرابعة".
كما جرم المشرع المغربي شهادة الزور ،وعرفها من خالل الفصل 368
من القانون الجنائي على أنها :تغيير الحقيقة عمدا تغييرا من شأنه
تضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده ،إذا أدلى بها شاهد بعد حلف
االخالق والقانون
خاتمة
فإذا كان القانون الوضعي يربط ربطا حتميا بين الحقوق والواجبات ،فإن
األخالق تهتم بالواجبات التي تترتب عنها حقوق فقط ،وإذا كانت
المبادئ األخالقية تتميز بعالقتها بالضمير ،فإن القانون الوضعي يهتم
بشكل أساسي بتحقيق األمن واالستقرار االجتماعي ،الذي يساهم
في تحقيقه المشرع ،وكذا القاضي عند تطبيقه للتشريع ارتباطا
بالوقائع.
ولذلك ال يوجد مبدئيا تعارض بين األخالق وقواعد القانون ،إال بصورة
22
استثنائية حينما يجوّز هذا األخير أمورا ال تقرها األخالق ،وهذا نادر
الوقوع ،على أساس أن القواعد القانونية والقواعد األخالقية تصدر
جميعا وفق منظور الخير االجتماعي:
وفي كل األحوال توجد بين قواعد القانون وقواعد االخالق روابط قوية
وتداخالت تبين بوضوح أن العالقة بينهما قوية وذات طابع تكاملي ،ويبرز
ذلك على عدة مستويات ،ثم إن تطبيق قواعد القانون الوضعي يجب أن
يتم انطالقا من اعتبارات أخالقية بالدرجة األولى.
الهوامش
.3انظر مقال دمحم شعيبي ،بعض جوانب التقارب والتباعد بين قواعد
القانون الوضعي وقواعد األخالق – اإلدالء بالشهادة أمام المحاكم
نموذجا ،المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية ،العدد،2112 ،46
ص.88
االخالق والقانون
انظر أيضا دمحم الكشبور ،البعد األخالقي لطالق الخلع ،المجلة المغربية
23
لقانون واقتصاد التنمية،العدد 2112 ،46ص.15
.5انظر مرجع رجاء ناجي ،مدخل للعلوم القانونية ،نظرية القانون ،ج،1
الرباط :مطبعة المعارف الجديدة ،1998 ،ص.38
.6انظر مرجع عباس الصراف وجورج حزبون ،المدخل إلى علم القانون،
األردن :دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2115 ،ص.18
.21عبد السالم فيغو ،المدخل إلى العلوم القانونية ،مراكش :دار وليلي
25
للطباعة والنشر ،1997،ص.37