Professional Documents
Culture Documents
الق انون والحق مفهوم ان مترابط ان متالزم ان بحيث ال ي ذكر أح دهما إال
ويتب ادر لل ذهن اآلخ ر.ف الحق كما س نرى هو ثم رة الق انون :كما أن مهمة
الق انون األساس ية هي تحديد الحق وق وبي ان م داها وكيفية اكتس ابها
وانقضائها.
-1القانون :
ويقصد به مجموعة القواعد ال تي تطبق على األش خاص في عالق اتهم
االجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق
النظام في المجتمع.
فالق انون يع بر به بحسب ه ذا التعريف عن مجموعة القواعد القانونية ال تي
تنظم حي اة المجتمع وس لوك األش خاص فيه أي اً ك ان مص در ه ذه القواعد
القانونية(:التشريع أو سواه من المصادر األخرى ) وقد تنظم هذه القواعد
أم ور مدنية او تجارية أو جزائية أو غيرها ومع ذلك فإنها جميعها بص رف
النظر عن مصدرها أو موضوعها هي التي يتكون منها القانون بمعناه العام
الذي بيناه.
على أن لكلمة القانون معنى آخر خاص شائع االستعمال ويقصد به القواعد
الصادرة عن السلطة التشريعية المختصة.وهذا النوع من القواعد وإ ن كان
يمثل في عصرنا الحاضر الجزء األكبر من القواعد القانونية بوجه عام غير
انه ال يش ملها جميعها وبالت الي ف إن الق انون به ذا المع نى الخ اص ليس س وى
مصدر من مصادر القانون بمعناه العام المبين آنفا بل هو أهم مصادره في
عص رنا الحاضر ولكنه ليس مص دره الوحي د.وقد آثرنا دفعا لاللتب اس أن
نقصر في اس تعمالنا لكلمة الق انون على معناها الع ام ال ذي يقصد به التعب ير
1
عن مجموعة القواعد القانونية وان نطلق على الق انون ب المعنى الخ اص اسم
التشريع المرادف له
-2الحق:
ويقصد به الس لطة أو اإلمكانية أو االمتي از ال تي يمنحها الق انون للش خص
تمكينا له من تحقيق مصلحة مشروعة يعترف له بها ويحميها.
والحق أو الحقوق بهذا المعنى ال تتمثل إذا بالقواعد القانونية نفسها وإ نما بما
تق ره ه ذه القواعد لألش خاص وما تمنحهم إي اه من س لطات وإ مكاني ات
وميزات.فالقواعد القانونية التي تمنح الحق للمستأجر مثال في سكنى العقار
المأجور وللبائع في استيفاء ثمن المبيع من المش تري وللعامل في الحصول
على تع ويض تس ريح من رب العمل ولألب في تربية أبنائه ت دخل كلها في
نط اق الق انون أما ما ينشأ عن ه ذه القواعد من س لطات وإ مكاني ات وم يزات
يتمتع بها المس تأجر أو الب ائع أو العامل أو األب فإنما تعت بر حقوقا يع ترف
بها الق انون له ؤالء األش خاص ويمنحهم إياه ا.وعلى ه ذا،حين يتح دث
المس تأجر مثال عن حقه في س كنى العق ار الم أجور،والب ائع عن حقه في
استيفاء ثمن المبيع،والعامل عن حقه في تعويض التسريح،
واألب عن حقه في تربية أبنائه،فإنهم ال يرمون من وراء ذلك إلى التحدث
عن قواعد قانونية معينة،بل عن السلطات واإلمكانيات والميزات التي
يتمتعون بها بمقتضى هذه القواعد،أو بمعنى آخر عن حقوقهم التي يمنحهم
إياها القانون.
2
نشوء فكرة القانون
خلق اإلنسان في مجتمع ينتمي إليه ويعيش بين أفرده ،فهو ال يستطيع أن
يعيش منعزالً ،عنهً ألن العزلة كما يرى أرسطو من طبيعة (البهيمة أو اإلله
) ،واإلنسان ال يمكنه أن يستغني عن معونة غيره في كل دور من أدوار
حياته ،فهو في دور الطفولة يحتاج إلى رعاية والديه وحمايتهما،وهو في
دور الرجولة يحتاج إلى الغير في تأمين حاجاته ومنافعه المادية من مأكل
ومشرب ومسكن وتعليم ،فالحياة الفردية ال وجود لها على األرض إال في
خيال بعض الفالسفة ،وأما الحياة االجتماعية فهي حالة ضرورية لإلنسان ،
ولذلك قالوا :إن اإلنسان اجتماعي بطبعه.
-التعاون ضرورة حيوية
ٍ
أفراده،وقد شعر اإلنسان تقوم حياة اإلنسان في المجتمع على التعاون بين
البدائي بضرورة هذا التعاون،للتغلب على الصعوبات التي كانت تواجهه
للحصول على غذائه ،ولمقاومة الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة التي
كانت تعترض سبيله وتهدد حياته ،وقد اقتضى هذا التعاون أن
يؤلف اإلنسان مع أبناء جنسه جماعة ليستعين بها لتأمين غذائه والدفاع عن
نفسه ،ثم هداه عقله إلى صنع األدوات لتكون له بمثابة الجوارح من
الحيوانات ،فاستطاع أن يتغلب على الحيوان ،وأن يظفر به ويجعل من
لحمه غذاء ،ويتخذ من جلده وفرائه كساء،وتوفر له بذلك مزيد من القوت
والطمأنينة،وهذا أدى إلى زيادة أفراد الجماعة واتساع نطاق التعاون
والتبادل بينهم ،ومن هنا انطلق عمران األرض وبناء الحضارة.
3
إن التعاون بين أفراد المجتمع من شأنه أن ينشئ عالقات بينهم ،وال بد
لسالمة هذه العالقات واستمرار التعاون من نظام يحدد الحقوق
والواجبات،وقد كان هذا النظام في نشأة الجماعات األولى ،يقوم على القوة
فكانت هي التي تنشأ الحق وتحميه ،وهي الحكم في كل خصومة ،وكان
القوي هو صاحب الحق في كل مايناله بالغلبة والقهر ،وقد بقي اإلنسان
طيلة العصر الحجري القديم ،يدفع القوة بالقوة دون وازع يردعه عن الظلم
واالعتداء ،فكان يعيش في حالة تربص وحذر ،ومن أجل ذلك اقتضت
سالمته واستقراره وجود وازع يمنع من الظلم
واالعتداء ،وكان هذا الوازع ،وهو األساس الذي قام عليه مفهوم
القانون.وإ لى هذا يشير ابن خلدون بقوله":ثم هذا أن االجتماع إذا حصل
للبشر كما قررناه وتم عمران العالم بهم،فال بد من وازع يدفع بعضهم عن
بعض،لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم"
وقد نشأ هذا الوازع من إحساس اإلنسان بسلوك معين يجب عليه أن يتبعه
داخل نطاق الجماعة التي يعيش فيها ،وكان جزاء هذا الوازع الخوف من
انتقام القوى الخفية التي تتمثل في الظواهر الكونية،وفي الحيوانات التي كان
اإلنسان يعيش قريباً منها ،والتي كان يخشى قدرتها على الفتك به .
4
وقد اتخذ اإلنسان ذلك العصر لهذه القوى واألرواح صوراً ورموزاً وجعل
لها تمائم وتعاويذ،ووضع لمظاهرها وحركاتها تفسيراً يتعرف به على
رغباتها،وأنزل ذلك التفسير منزلة األحكام التي يجب أن تطاع لكي ترضى
إذا التمس رضاها ويذهب عنه غضبها إذا شاءت أن تغضب لما ال يرضيها
من األفعال ،وقد أقام لعبادتها طقوس وشعائر كانت تدعى عند القبائل
اإليرانية القديمة باسم "موجي أو موج " ومن هذا االسم جاءت كلمة"ماجي"
أي السحر ،ومنه جاءت كلمة "مجوس ومجوسية " لتدل على تلك القبائل
وعلى عبادتها وكان للساحر استرضاء األرواح واجتالبها إلى صفه
لمعونته.
وحين انتقل اإلنسان إلى عصر الزراعة وأنشأ المدينة تحول السحر إلى
ديانة،ودعيت األرواح الخيرة باسم "اآللهة"واألرواح الشريرة باسم"أبالسة
وشياطين" ،وأصبح لكل مدينة آلهتها ،يقام لها معبد في وسط المدينة ،
ودعي كهنة من كانوا يدعون سحرة،ومنهم تألفت طبقة رجال الدين،
لممارسة العبادة العامة ،وقد نصبوا أنفسهم وسطاء بين اآللهة
والناس،يحملون رغبات الناس إلى اآللهة وينقلون رد اآللهة للناس.
وكان رجال الدين إذا ترجموا عن رأي اآللهة أو أعلنوا بأمر أو نهي ،لزم
الناس طاعته وتنفيذه خوفاً من انتقام اآللهة ،ومن هنا أضحى للقاعدة
القانونية بالنهي والتحريم وازع ،وأضحت قوة رجال الدين مساوية لقوة
الدولة "فالفكر الديني لم يكن من خلق السحرة والكهان،وإ نها كان من خلق
فطرة اإلنسان بما فيها من تساؤل ال ينقطع ومن خوف وأمل ،وقد ورث
الكاهن عن الساحر األالعيب التي تلقي في روع الناس صلته باآللهة وزاد
فيها الخرافات واألساطير ليمسك بزمام الوازع،ويستمد منه القوة
والسلطان".
5
وعليه يمكننا القول بأن الصورة األولى التي برزت فيها فكرت القانون
تتمثل في صورة حكم إلهي،يستلهمه الكاهن من اآللهة ،وكان الكاهن كما
رأينا في نظر الجماعات البدائية،يمتاز بقدرة على االتصال باآللهة،وتلقي
أحكامهم،فإذا نطق بالحكم فإنه يعبر عن إرادة اآللهة ويعلن عما تشاء،وهذا
منحه سلطة كبيرة ساعدته على سن المحرمات ،أي األفعال التي يحرمها
القانون ،فحرموا القتل في أوقات معينة ،واعتبروا أن بعض األفعال محرماً
كالزنا والقتل بطريق السحر الشيطاني،وأعلنوا أن من األفعال واألشياء
ماهو طاهر ومنها ماهو نجس ،فحرموا إتيان تلك األفعال،أو مس تلك
األشياء لقداستها أو لنجاستها كما حددوا إقامة الشعائر الدينية في فصول
معينة ،من السنة وبذلك تأيدت القاعدة القانونية بالنهي والتحذير وكان
الجزاء المؤيد لها هو التكفير والصور أو التطهر بتقديم القرابين ،وقد يكون
الجزاء الطرد من حظيرة الدين.
ومن المحرمات انبثقت المبادئ األخالقية لتؤيد القاعدة القانونية ،فكان فعل
الخير فضيلة فيه معنى الطهارة
والجزاء المؤيد له استحسان الجماعة وكان فعل الشر رذيلة فيه معنى
النجاسة والجزاء المؤيد له استهجان الجماعة ،وبذلك أحيطت القاعدة
القانونية بمؤيدات تقوم على أساس الدين واألخالق.
-ظهور التقاليد العرفية
كانت األحكام اآللهية تسود الجماعات البدائية في العصر الحجري القديم
والمتوسط وقد تحولت بفعل التطبيق المتكرر على الحوادث المتشابهة إلى
تقاليد دينية ،فلما انتقلت هذه الجماعات إلى مرحلة الزراعة في العصر
الحجري الحديث ،استقرت في األرض واختارت مقراً لها شواطئ األنهار
لتستعين بها في ري األراضي ،وقد أدى هذا االستقرار إلى بناء المنازل
6
الثابتة ،ومن تجمعها نشأة القرية ثم تحولت إلى المدينة وبظهور المدينة بدأ
عصر المدينة.
وقد اقتضى هذا التطور ظهور قواعد تنظم عالقات األفراد في معامالتهم
المستجدة ،تستمد قوتها من الرأي العام الذي
يمثل اإلرادة المشتركة في الجماعة ،وفيها تنعكس عقائدها ومبادئها
األخالقية ،فمن يخرج على هذه القواعد التي ألفتها وخالطت ديانتها
وتقاليدها،فإنه يخرج عن رأي الجماعة وينحرف عن خط سلوكها فترتد
عليه وتلزمه بإتباعها وتخرجه من حظيرها،فالعرف في الجماعات البدائية
هو قانون وهو يجري مع التفكير األخالقي ويتبدل بتبدل هذا التفكير وقد
عرف العرف بأنه " :مراعاة الجماعة لقاعدة من قواعد السلوك ،
واستمرارهم على تكرارها بصفة عامة وموحدة مع االعتقاد بإلزامية هذه
القاعدة".
وعلى هذا فأن العرف يتألف من عنصرين:
أحدهما مادي أو موضوعي"خارجي" يقوم على تكرار عام ومستمر وموحد
لمسلك معين في ظروف واحدة.
والثاني معنوي"داخلي" يقوم على اعتقاد الناس بوجوب طاعة هذه القاعدة،
إما ألنها في اعتقادهم مطابقة للعدل ومالئمة لتنظيم العالقات التي وجدت
من أجلها فيجب أن تنزل منزلة القانون ،وإ ما ألنها أضحت بفعل التطبيق
المستمر قانون بالفعل ،ومن ثم وجبت طاعتها ،فإذا تخلف
العنصر المعنوي عن القاعدة كانت "عادة" وإ ذا توفر هذا العنصر فيها
أضحت"عرف"،فالشعور الجماعي بإلزام القاعدة ووجود جزاء هو الذي
7
يميز العرف عن العادة ،وبذلك يكون العرف "سلوكاً عفوياً يستقر بتكراره
جيالً بعد جيل ويكتسب من تكراره المستمر والموحد حرمة يستمد منها قوة
ملزمة".
8
باتساع العالقات الناتجة عن النشاط االقتصادي وتوسع العمل وما أدى إلية
تطور الحياة االجتماعية ،ثم دعت الحاجة –بعد
ظهور الكتابة-إلى تدوين أحكامه الشائعة،وظهر بهذا التدوين مصدر جديد
للقاعدة القانونية وهو"التشريع"والذي يعرف بأنه":مجموعة من القواعد
القانونية الصادرة عن السلطة المختصة في نصوص مكتوبة وفقاً
إلجراءات معينة.
وبتدوين العرف ،لم تعد القواعد القانونية سر مكنون في صدر الكهان ،بل
أصبح الناس قادرين على معرفتها والنطق بصيغتها وألفاظها ،ولم تعد من
حاجة إلى اللجوء إلى الكهنة للتعرف على القانون وتفسير أحكامه ،بل
أخذوا يلجئون في ذلك إلى فئة أخرى من الناس ممن انصرفوا إلى فهم
القانون وتفسيره وتبيان طرائق تطبيقه،يجمعون العلم باألمور اآللهية
والبشرية ويميزون بين الحق والباطل ،أولئك هم" الفقهاء"،وبجهودهم نشأ
الفقه وأصبح مصدر أخر من مصادر القانون .
هذا مع العلم أن العرف قد أحتفظ بأهميته بعد تدوين القانون ،ذلك ألنه
ألصق بطبائع الجماعة وأمت إلى أخالقها ،بل أنه قد يسود القانون المدون
ويتقدم عليه عند بعض الشعوب غير أن الرأي السائد اليوم هو ،أن العرف
يأتي بعد القانون وال يتقدم عليه فإذا تعرض حكم القانون مع حكم العرف
وجب تطبيق حكم القانون .
والفرق بين العرف والقانون أن العرف يستمد قوته من سلطة غير معينة
هي الرأي العام ،أما القانون فيستمد قوته من عمل تشريعي ،تفرضه سلطة
تتمثل في شخص أو جماعة وفي ذلك يقول "ول ديورانت"( :أنك إذا
جاوزت القانون فقد كسبت إعجاب نص القانون ،فالناس يحسدون في
أعماق نفوسهم كل من يستطيع بذكائه أن يتغلب على هذا العدو القديم ،أما
9
إذا جاوزت حدود التقاليد فأنت تصطدم بمقت الجميع،ألن التقاليد تنشأ من
الناس أنفسهم بينما يفرض عليهم القانون فرضاً من األعلى ،/والقانون
مرسوم قضى به السلطان أما التقاليد فهي االنتخاب الطبيعي ألعراف
السلوك التي تثبت صالحيتها في خبرة المجتمع
والقانون يأخذ في حلوله محل التقاليد حين تحل الدولة محل األسرة والقبيلة
والعشيرة وكلها أنظمة طبيعية ،ثم يتم حلول القانون محل التقاليد حين تظهر
الكتابة لكن حلول القانون محل التقاليد لم يكمل في يوم من األيام ،وستظل
التقاليد حتى النهاية هي القوة الكامنة وراء القانون حين يقرر اإلنسان أي
نوع من السلوك ينبغي أن يسلك وحين يحكم على أنواع السلوك بالخير أو
الشر).
10
دور القانون في التنظيم االجتماعي
11
وإ ذا كانت الحياة االجتماعية واقع ال ريب فيه ،فإن وجود القانون بالتالي
عبارة عن ضرورة ملحة تقتضيها طبيعة الحياة االجتماعية نفسها التي يعود
إلى هذا القانون أمر تنظيمها وإ قامة أسس صالحة لها.
فالقانون القديم قدم المجتمع نفسه ،وإ ن كان في نشأته األولى قد اصطبغ
بطابع بدائي يتناسب مع طابع المجتمع الذي وجد لتنظيمه.
ومادام القانون يتولى تنظيم المجتمع وعالقات األفراد فيه فمن الطبيعي لنا
أن نتساءل عن الدور الصحيح الذي يؤديه في هذا السبيل ،والحد الذي
يقف عنده في تدخله في شؤون األفراد وعالقاتهم المختلفة.
الجواب على هذا السؤال يختلف بالواقع على اختالف وجهات النظر التي
تتولى معالجته والرد عليه،ونستطيع أن نميز من خالل وجهات النظر هذه
بين مذهبين رئيسيين هما :المذهب الفردي أو الحر من جهة ،والمذهب
االشتراكي أو التدخلي من جهة ثانية.
-1المذهب الفردي أو المذهب الحر.
يقوم هذا المذهب ،الذي ساد في أواخر القرن السادس عشر والقسم األكبر
من القرن التاسع عشر،على تقديس حرية الفرد تقديساً كامالً واعتبارها حقاً
أساسياً له من واجب المجتمع أن يبذل قصارى جهده للمحافظة عليها ،ومن
واجب القانون أال يتدخل للحد منها إال بالقدر الضروري جداً الذي ال غنى
عنه.
والقانون ليس له ،بحسب هذا المذهب ،سوى مهمة سلبية تقتصر على منع
تجاوز كل من األفراد ،خالل ممارسته حريته ،على حريات اآلخرين.فهو
بما يضعه من قواعد وأحكام ،ال يرمي إلى تنظيم فعاليات المرء ونشاطه في
المجتمع ألن للمرء وحده يعود مثل هذا التنظيم.
12
ولكنه يرمي فقط إلى منعه من اإلخالل بحقوق اآلخرين
ٍ والتعدي عليها.فاألصل إذ ،بحسب هذا المبدأ هو أن يكون المرء حر تمام
الحرية في شتى أعماله وشؤونه ،أما القانون فليس من شأنه إال أن يضع
القواعد الضرورية لمنع اإلنسان من أن تطغى حريته على حريات اآلخرين
وعلى هذا يعرف زعماء المذهب الفردي ،وعلى رأسهم الفيلسوف األلماني
"كانت"القانون بأنه(مجموعة الشروط التي بفضلها يمكن أن تتماشى إرادة
كل فرد من إرادات اآلخرين وفقاً لقانون عام من الحرية)
ففي ظل المذهب الفردي أو الحر نجد إذناً أن نطاق القانون يضيق إلى حد
كبير هو هذا الذي يقتضيه تأمين إقامة الحرية للجميع،ومنع الناس من
التجاوز بعضهم على بعض .
-2المذهب االشتراكي أو مذهب التدخل
إن المذهب الفردي أو الحر ،على مما يتضمنه من مثل عليا ودعوه مخلصة
إلى تقديس حرية الفرد أو احترامها ،قد بدا ،بسبب التطور االجتماعي
األخير الذي ظهرت بوادره في منتصف القرن التاسع عشر وال يزال
مستمراً حتى يومنا هذا،غير كاف إلقامة نظام صالح يؤمن العدل
والطمأنينة واالستقرار لجميع المواطنين في المجتمع.
وفي الواقع ،فقد أثبت التطور االجتماعي األخير أن االكتفاء بتأمين الحرية
لجميع المواطنين وتركهم ينظمون عالقاتهم بأنفسهم قد ال يؤدي في كثير
من األحيان إلى تحقيق العدالة فيما بينهم وإ شاعة النظام واالستقرار بل
كثيراً ما يأتي هذا التنظيم الذي يقيمونه بإرادتهم المختلفة مجحفا بحقوق
البعض منهم الذين على الرغم مما يقره لهم القانون من حرية ومساواة مع
البعض اآلخر ،يجدون أنفسهم مضطرين عملياً إلى أن يذعنوا لشروطهم
ويوافقوا على مايريده هؤالء لهم ال ما يريدونه هم ألنفسهم(وذلك كما في
13
عالقات العمال بأرباب العمل مثالً حيث كان العمال في القرن التاسع عشر
يجدون أنفسهم مضطرين إلى أن يرضوا
بالشروط التي كان يمليها عليهم أرباب العمل ،بالرغم من قسوتها بالنسبة
إليهم ألنهم كانوا عملياً تحت رحمة هؤالء وال يستطيعون أن يجادلونهم
كثيراً فيما يفرضونه عليهم.وكما في عالقات المستهلكين بالمنتجين الكبار
وخاصة المحتكرين منهم ) .
وعلى هذا قامت النظريات االشتراكية الحديثة تدعوا الدولة إلى التدخل في
شؤون األفراد لحماية الضعفاء من تسلط األقوياء وسيطرتهم،فالقانون ،
بحسب هذه النظريات ،ال يجب أن تقتصر مهمته على دور سلبي بأن يدع
األفراد بأن ينظمون بأنفسهم عالقاتهم فيما بينهم ويكتفي هو بمراقبتهم
لمنعهم من التجاوز بعضهم على بعض ولكن عليه أيضا أن يؤدي دور
إيجابياً في هذا المجال فيتولى هو بنفسه تنظيم عالقات األفراد وشؤونها
حين يخفق هؤالء في تنظيمها على أساس عادل صحيح.
ففي ظل المذهب االشتراكي نجد إن للقانون مجاالت أوسع وأعم من المجال
الذي يريده أن يدور فيه المذهب الفردي،
ألن دور القانون في الواقع ال يقتصر على تأمين الحرية للجميع وتركهم
يعملون بأنفسهم وإ نما هو يقوم أيضاً على التدخل في أعمالهم وشؤونهم
لتنظيمها عندما تقتضي الضرورة أو المصلحة لذلك،ومن هنا كان مبعث
االتساع الحالي لنطاق علم القانون............
14
مزايا القانون وعيوبه
أوالً :مزايا القانون :
للقانون مزايا كثيرة أهمها مايلي :
.1يعمل على التوفيق بين مصالح و رغبات أعضاء الجماعة المتعارضة
بما يحفظ األمن و النظام في المجتمع ويكفل بالتالي بقاء هذا المجتمع.
.2السعي نحو تقدم المجتمع ورقيه :إذ ال تقف وظيفة القانون عند حد
توفيرالوجود والبقاء للمجتمع بل أيضاً السعي إلى تقدمه ورقيه وال تحقق
هذه الغاية إال إذا وجدت خطة مرسومة يسير عليها ويلزم أفرادها باحترامها
ولو قسراً ومن القواعد التي ترسم هذه الخطة يتكون القانون.
.3القانون أداة لتحقيق العدل لذلك يقال بحق أن القانون هو علم وفن تحقيق
العدل
.4ينظم عالقات وسلوك األفراد في المجتمع .
.5القانون قواعد اجتماعية تنظم سلوك و عالقات األفراد داخل المجتمع .
.6يوجد حقوق األفراد و يبين مضمونها ويحدد نطاق تطبيقها ويحميها .
إضافةً إلى المزايا الكثيرة التي سنتعرف عليها من خالل عرض للمواضيع
المقررة في برامجنا .
ثانيا ً :عيوب القانون:
هناك بعض العيوب تطرأ على النصوص التشريعية فتجعلها بحاجة إلى
التفسير هي :
الخطأ المادي الغموض أو اإلبهام النقص أو السكوت التناقض أو
التعارض .
15
الخطأ المادي :يكون هناك خطأ مادي في النص إذا كانت العبارة
التي ورد بها النص تتضمن خطأ فادحا ً في بعض ألفاظها بحيث ال
يستقيم المعنى إال بتصحيحها ،و هذا الخطأ ال يستوجب تفسير
النص المعيب و إنما تصحيحه فقط .
الغموض أو اإلبهام :يكون هناك غموض و إبهام في النص إذا
كانت عباراته غير واضحة و تحتمل التفسير و التأويل ،حيث
يمكن أن يكون هناك أكثر من معنى واحد وفي هذه الحالة على
القاضي أن يختار من بين المعاني المختلفة األكثر صحة و أقربها
إلى الحق والصواب .
مثال :المادة 1599من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن "بيع
ملك الغير باطل " تقضي هذه المادة ببطالن البيع الذي يجريه البائع على
شيء ال يملكه ،و هناك نوعين من البطالن في القانون الفرنسي :
بطالن مطلق و بطالن نسبي .والفرق بينهما كبير فالبطالن المطلق يمكن
أن يدعي ببطالنه كل ذي مصلحة و يمكن للمحكمة أن تقضي ببطالنه من
تلقاء نفسها أما البطالن النسبي فال يستطيع أن يطالب ببطالنه إال المتعاقد
الذي تقرراإلبطال لمصلحته مثالً المشتري هو الذي يستطيع طلب البطالن
النقص أو السكوت :يكون هناك نقص في النص فيما إذا جاءت
عباراته خالية من بعض األلفاظ التي ال يستقيم الحكم إال بها ،أو
إذا أغفل التعرض لبعض الحاالت jالتي كان يفترض أن ينص
عليها .
مثال :يمكن اعتبار المادة /151/من القانون المدني المصري أنها تحتوي
على نقص فيها ،و التي تنص على أن ( كل فعل نشأ عنه ضرر للغير
16
يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر ) .بموجب هذه المادة فإن كل فعل
لإلنسان يستوجب هذا اإلنسان بالتعويض عما ينشأ عنه من ضرر
لألخرين ،و لكن الواقع ال يلزم المرء إال بالتعويض عن األضرار التي
تنجم عن أفعاله غير المشروعة أو الخاطئة ،بينما ال يسأل إذا نتج الضرر
عن أفعاله المشروعة .وبالتالي يجب أن يكون نص المادة كالتالي ( :كل
فعل " غير مشروع " نشأ عنه ضرر للغير )
التناقض أو التعارض :يكون هناك تعارض أو تناقض بين نصين
فيما إذا كان الحكم الذي يدل عليه أحدهما يخالف تماما ً الحكم الذي
يستنتج من اآلخر وعلى القاضي jفي هذه الحالة أن يحاول التوفيق
بين النصين قدر اإلمكان و يعمل على تطبيق كل منهما على
زمرة معينة من الحاالت jأما إذا لم يستطع القاضي أن يطبق
النصين معا ً فإنه يعتبر أحدهما ناسخا ً لآلخر .
ومن أمثلة هذا النوع من العيوب لدينا التناقض الموجود بين المادة /115/
من القانون المدني من جهة التي تنص على أنه ( :يقع باطالً تصرف
المجنون و المعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجر ) ....و بين
المادة /200/من قانون األحوال الشخصية من جهة ثانية التي تنص على
أن (المجنون و المعتوه محجوران لذاتهما و يقام على كل منهما قيم بوثيقة )
فالمادة األولى تشترط العتبار تصرفات المجنون و المعتوه باطلة أن يكون
قد صدر قرار بالحجر عليهما ،بينما تعتبر المادة الثانية المجنون والمعتوه
محجورين لذاتهما و بالتالي فإن تصرفاتهما تعتبر باطلة لمجرد الجنون أو
العته حتى و لو لم يصدر قرار قضائي بالحجر عليهما .فالعقود التي
يعقدها المجنون أو المعتوه قبل الحجر عليهما هي إذاً صحيحة بحسب المادة
17
/115/من القانون المدني و باطلة بحسب المادة /200/من قانون األحوال
الشخصية وهذا يدلنا على التناقض الواضح بين المادتين ،فتعتبر المادة
الثانية منهما ناسخة لألولى لصدورها بعدها .
18
-االستنتاج بطريق القياس :يطبق الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة
أخرى لم ينص عليها في التشريع و ذلك لوجود الشبه األكيد بين الحالتين أو
لوجود ما يسمى باالتحاد بينهما بالسبب أو العلة .
مثال :ورد في أحد األحاديث النبوية الشريفة أن قاتل مورثه ،ال يرث .
وقد قيست على هذه الحالة مماثلة تتعلق بالموصى له الذي يقتل الموصي
فيطبق عليه نفس الحكم .
-االستنتاج من باب أولى :يطبق الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة
أخرى لم ينص عليها في التشريع ،ال ألن علة الحكم الوارد بشأن الحالة
األولى أو سببه متوافرين في الحالة الثانية فحسب و لكن ألنهما أكثر توافراً
في الحالة الثانية منهما في الحالة األولى .
مثال :اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن معاملة أبوية بقولها ( وال تقل
لهما أف و ال تنهرهما ) ،نستطيع من باب أولي أن نستنتج أن من واجبه
أيضا ً أال يضربهما .
-االستنتاج بمفهوم المخالفة :يطبق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة
على حالة أخرى لم ينص عليها في التشريع ألن الحالة الثانية تختلف كل
االختالف عن األولى بحيث تعتبر معاكسة لها تماما ً .
و طريقة االستنتاج بمفهوم المخالفة هي عكس االستنتاج بطريق القياس ففي
االستنتاج بطريق القياس وجدنا أن الحالة الثانية غير المنصوص عليها
تشابه الحالة األولى التي ورد بشأنها النص التشريعي ،وتتحد معها في
السبب أو العلة أما االستنتاج بمفهوم المخالفة فإن الحالة غير المنصوص
عليها هي عكس الحالة األولى التي ورد بشأنها النص ،و بالتالي يطبق
عليها حكما ً معاكسا ً .
19
مثال :المادة /405/من القانون المدني تنص على أن ( :إذا هلك المبيع
قبل التسليم ................انفسخ البيع و استرد المشتري الثمن ) .من الممكن
أن نستنتج بمفهوم المخالفة أنه إذا هلك المبيع بعد التسليم فال ينفسخ العقد و
ال يكوم للمشتري الحق في استرداد الثمن .
ويجب اإلشارة إلى أنه من الواجب حين اللجوء إلى طرق االستنتاج أن يتم
ذلك بحذر شديد حيث أن االستنتاج قد ال يؤدي إلى الحكم الصحيح في كثير
من األحيان .وخصوصا ً طريقة االستنتاج بمفهوم المخالفة قد ال تصيب
دوما ً مثالً :إذا قلنا أنه يجب على الموظف أن يكون أمينا ً فال يصح أن
نستنتج من ذلك بمفهوم المخالفة أنه ال يجب على غير الموظف أن يتصف
باألمانة أيضا ً .
و االستنتاج بطريق القياس يجب أن ال يطبق بصورة مطلقة فاألحكام
المتعلقة بتحديد سلطات رئيس الجامعة ال يمكن تطبيقها عن طريق القياس
على عمداء الكليات. j
ثانيا ً :طرق التفسير الخارجية :
هي مجموعة األدلة و الوثائق و الوسائل التي يستعين بها القاضي على
تفسير النص التشريعي و بيان معناه ،أي العمل على تفسير النص بوسائل
أخرى ذات صلة وثيقة به و لكنها مع خارجة عنه و ال تدخل في مضمونه
20
مثالً :حين يشدد التشريع العقوبة في حالة السرقة ليالً فإننا نستطيع أن
نفسر هذه العبارة بأنها السرقة التي تقع أثناء الظالم و ليس ليالً بالمعنى
الفلكي الذي يمتد من الغروب إلى الشروق.
-األعمال التحضيرية :تشمل جميع األعمال التي سبقت صدور التشريع
عن السلطة التشريعية أو رافقته وأهم هذه الوثائق التي تتضمنها األعمال
التحضيرية هي :
* المذكرة اإليضاحية أو الئحة األسباب الموجبة التي ترفق عادةً بالتشريع
لبيان األسباب التي دعت إلى صدوره و الغاية منه
* الدراسات التي تقوم بها اللجان التشريعية المختصة حول هذا التشريع بعد
إحالته إليها .
* مناقشات أعضاء مجلس األمة المتعلقة بهذا التشريع حين عرضه عليهم
للتصويت عليه وإقراره و اإليضاحات jالتي يدلى بها حوله ........
و بالعودة للوثائق هذه يمكن في كثير من األحيان معرفة المعنى الحقيقي
للنصوص التشريعية كما أراده واضعوها وفي الوقت الحالي jال يؤخذ كثيراً
بها ألنها مجرد آراء و وجهات نظر شخصية لمن صدرت عنهم ليس لها
صفة رسمية أو إلزامية .
د .المصادر أو السوابق التاريخية :هي المصادر التي أخذ عنها التشريع
قواعده و استمد منها أحكامه فالتشريعات األجنبية تعتبر بمثابة مصادر
تاريخية ألغلب تشريعاتنا الحديثة و عندما يجد القاضي نفسه أمام نص
تشريعي غامض بإمكانه الرجوع إلى المصدر األصلي الذي استمد منه هذا
مثالً :يمكن بالنسبة لقانون األحوال الشخصية المعمول بها لدينا الرجوع
إلى أحكام الشريعة اإلسالمية لتفسير نصوصه .
21
القاعدة القانونية
22
* يالحظ أن الحاالت السابقة كلها ترد إلى حالة واحدة وهي األمر .
فالنهي عن الشيء يمكن أن يعتبر في الواقع أمراً بضده .كما أن اإلباحة
أو الترخيص بفعل ما يمكن اعتبارهما بمثابة أمر إلى جميع األشخاص
بعدم عرقلة ممارسة هذا الفعل من قبل من أبيح له .
* ويالحظ أيضا ً أنه ال يشترط في القاعدة القانونية أن تأتي بصيغة األمر
أو النهي أو اإلباحة أو الترخيص ليعتبر أنها تتضمن األمر بفعل معين .
إذ أنها تأتي في بعض األحيان على شكل إنذار موجه إلى األشخاص
بترتيب أثر ما على واقعة معينة فيستنتج من هذا اإلنذار ما تريد القاعدة
أن تأمر به .
مثالً :المادة ( )388من قانون العقوبات التي تنص على أن (( :كل
سوري علم بجناية على أمن الدولة و لم ينبئ بها السلطة العامة في
الحال عوقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وبالمنع من الحقوق
المدنية ))
في هذه المادة يوجد فيها صيغة اإلنذار
-2القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة و مجردة :
يجب أن تكون القاعدة القانونية عامة و مجردة ال تخص شخصا ً معينا ً
بالذات أو تتعلق بحادثة معينة , ،إنما يجب أن تكون قابلة للتطبيق على
كل من يمكن أن تتوافر فيهم الصفات و الشروط التي تنص عليها
23
مثال :يحرم الطالب الذي يرتكب عملية الغش في االمتحان من متابعة
امتحانه .
المادة ( )46من القانون المدني تنص على أنه (( كل شخص بلغ سن
الرشد متمتعا ً بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل األهلية لممارسة
حقوقه المدنية وسن الرشد هو ثمانية عشر سنة ميالدية كاملة ))
هذان المثاالن يعتبران من القواعد القانونية ألنهما ال يخصان طالب
معين أو شخص معين
أما إذا كان المثال كما يلي :
*يحرم الطالب ((فالن )) من متابعة امتحانه الرتكابه عملية الغش
*أو الشخص ((فالن )) يعتبر كامل األهلية لبلوغه سن الرشد
فهذان المثاالن ال يعتبران قاعدتين قانونيتين ألنه يقتصر تطبيقهما على
طالب أو شخص معينين دون أن يتجاوزهما إلى غيرهما .
إذاً :نالحظ أنه ال يشترط في القاعدة القانونية أن يكون حكمها على عدد
كبير من األشخاص أو أن تشمل المواطنين جميعا ً لتكتسب صفة العموم.
ولكن يجب أن ال تتناول القاعدة القانونية أشخاصا ً معينين بذواتهم بل أن
يعم حكمها جميع األشخاص الذين تنطبق عليهم الصفات و الشروط
المحددة فيها كالقواعد المتعلقة بالتجار أو أساتذة الجامعة ،و أحيانا ً
قد تتعلق بشخص واحد كالقواعد التي تتضمن تحديد صالحيات و
اختصاصات رئيس الجمهورية .
24
و المؤيد أو الجزاء هو األثر الذي يترتب على مخافة القاعدة القانونية
فاألثر الذي يترتب على مخالفة القاعدة التي تأمر بعدم السرقة
هوالحبس.
وإن ما يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد االجتماعية هو تبني
الدولة للقاعدة القانونية و العمل على حسن تطبيقها و إلزام األشخاص
بإتباعها بما تضعه لها من مؤيدات تفتقر إليها القواعد األخرى و التي
ال تخل في نطاق القانون .و إن األشخاص قد يطبقون في أغلب األحيان
القاعدة القانونية من تلقاء أنفسهم ألنهم يعتقدون أنها واجبة التطبيق و لو
لم تكن مفروضة عليهم من الدولة و مؤيدة من قبلها .
-و المؤيد الذي تضعه الدولة للقاعدة ليكفل تطبيقها من قبل األشخاص
يكون على نوعين :
*مؤيد جزائي ويقصد به الزجر :ويكون بإقاع العقوبة بالمخالف للقاعدة
القانونية ردعا ً له و لغيره من مخالفتها .
والمؤيد الجزائي قد يقع على جسم الشخص ( كالسجن أو اإلعدام ) أو
يكون على شكل غرامة يعاقب بدفعها
*مؤيد مدني و يقصد به الجبر :ويكون ذلك بإعادة األمور إلى نصابها
و إزالة الخلل الذي أحدثته مخالفة القاعدة القانونية أو إصالحه قدر
اإلمكان
والمؤيد المدني عدة أنواع هي :
-إما أن يكون تنفيذاً عينيا ً وذلك بتنفيذ ذات االلتزام ( كإجبار البائع مثالً
على تسليم المبيع للمشتري )
25
-أو تنفيذاً بمقابل وذلك عن طريق التعويض ( كإجبار من سبب بعمله
غير المشروع ضرراً للغير على دفع تعويض له عنه ) .
-أو يكون أيضا ً ببطالن االتفاق المخالف للقاعدة القانونية ( كبطالن
االتفاق الواقع على بيع المخدرات )
وللتمييز بين المؤيد الجزائي و المؤيد المدني نأخذ المثال التالي :
لو فرضنا أن شخصا ً يقود سيارته مخالفا ً قواعد المرور قد صدم شجرة
و اقتلعها فحكم عليه بغرامة من جهة و بالتعويض عن الشجرة من جهة
ثانية ،فالغرامة يقصد بها معاقبته لمخالفته قواعد المرور هذا يعتبر
مؤيد جزائي
أما التعويض إلزالة الضرر الذي ألحقه بمالك الشجرة نتيجة عمله غير
المشروع وهذا يعتبر مؤيد مدني .
26
القانون و الضوابط االجتماعية
القانون و األخالق
مقارنة القانون باألخالق
إن التفريق بين القواعد القانونية و األخالقية لم يحدد بصورة علمية واضحة
إال في العصور الحديثة و ذلك ألنه في العصور القديمة كان الدين هو
المسيطر بين أغلب الشعوب و كان ما يأمر به الدين ،يعتبر في الوقت ذاته
موافقا ً لألخالق و واجب اإلتباع من الوجهة القانونية .
وبالرغم من هذا التدخل الكبير فقد حاول فقهاء القرن الثامن عشر بيان
بعض الفوارق بينهما و هي فوارق يؤدي إليها اختالف الغاية و الهدف
بالنسبة إليهما :
فاألخالق تهدف بصورة رئيسية إلى تحقيق الطمأنينة و السالمة الداخلية
لإلنسان و بلوغ الكمال الفردي ،بينما يهدف القانون قبل كل شيئ إلى
تحقيق الطمأنينة و السالمة العامة أو الخارجية و تأمين النظام في المجتمع .
27
-و إن الفوارق بين القانون و األخالق يمكن أن تظهر من خالل ثالثة
وجوه هي :
-1من حيث نطاق كل منهما .
-2من حيث درجتهما في الشدة
-3من حيث المؤيد و الجزاء .
28
فمثالً :األخالق ال ترضى بالجبن أو التخاذل ،و لكن القانون ال -
يعاقب اإلنسان على جبنه و تخاذله ،إال حين يكون هناك ضرر
منهما بالنسبة للمجتمع كما في حالة الفرار أمام العدو مثالً .
هناك منطقة ثالثة يتولى القانون تنظيمها دون أن تكون لألخالق صلة -
بها كما في القواعد المتعلقة مثالً بتنظيم السير التي يفرضها القانون
لتأمين النظام بينما ال توجد لألخالق عالقة بها .
29
قبل الدولة و إنما يفرضها ضمير المرء و وجدانه أو الضمير العام
في المجتمع .
فمثالً :قد يمتنع اإلنسان عن الكذب ألنه يرفض الكذب ،و ال
يرتضيه لنفسه أو خشية من الناس الذين يحتقرونه و لكنه يمتنع عن
شهادة الزور لهذه األسباب نفسها و ألن الدولة تعاقب أيضا ً على
شهادة الزور .
و على الرغم من هذه االختالفات بين القانون و األخالق إال أنه ال
تزال الصلة قوية و متينة بينهما لدرجة أن القانون ليس سوى
األخالق حين ترتدي صيغة إلزامية .
30
سورية ما ورد في قانون البينات لعام 1947حيث نصت المادة /
/112منه على أن :
" اليمين الحاسمة هي التي يوجهها أحد المتنازعين لخصمه ليحسم
بها النزاع " .
أما المادة /121/من القانون ذاته فتنص على أن " اليمين المتممة
هي التي توجهها المحكمة من تلقاء نفسها ألي من الخصمين لتبني
على ذلك حكمها في موضوع الدعوى أو في قيمة ما تحكم " .
إال أنه مهما كان هذا التأثير ومهما بلغت أهميته يبقى هناك أكثر من
وجه اختالف بينهما :
-1يهتم الدين بالنوايا و المقاصد أما القانون فيهتم أساسا ً بالسلوك
الخارجي فهو ال يعتد بالنوايا في ذاتها ،إال إذا ظهرت إلى حيز
الوجود في شكل سلوك يرتب آثاراً قانونية معينة .
-2تهدف قواعد الدين إلى الرقي باإلنسان و تربيته تربية مثالية نقية
لذلك فهي تأمر بالمحبة و التراحم و التعاطف وتقديم المساعدة عند
الشدائد وعدم الكذب أيا ً كان نوعه أو نتيجته أما القانون فيهدف إلى
إقامة النظام في المجتمع و تحقيق العدل و المساواة وفقا ً لمعايير
واقعية فعلى سبيل المثال يحارب السلوك المعين إذا بلغ حداً من
الخطورة يهدد النظام في المجتمع .
-3الجزاء على مخالفة القاعدة الدينية غالبا ً ما يكون جزاءاً دينيا ً
مؤجالً يوقع في اآلخرة .أما الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية
فيكون جزاءاً ماديا ً و حاالً توقعه السلطة العامة .على أنه قد يقوم
المشرع بصياغة مجموعة من القواعد الدينية في قواعد قانونية
31
تصبح هذه القواعد ملزمة بالجزاء و لكن ليس باعتبارها قواعد دينية
بل باعتبارها قواعد قانونية و مثال ذلك تبني المشرع السوري
ألحكام الدين اإلسالمي بجزاءاتها الدينية ،وفي بعض مسائل
األحوال الشخصية من زواج و طالق وعدة و نفقة و نسب و ميراث
و غيرها من المسائل المتعلقة باألسرة .وفي هذا الخصوص تتطابق
القواعد القانونية مع األحكام الدينية وال يختلف في كليهما إال أنه ال
يطبق باعتباره جزاء دينيا ً بل بوصفة جزاء لمخالفة نصوص القانون.
32
اإلكراه و القسر إلجبار األفراد على احترامها أما الخروج عن قواعد
العادات و المجامالت فال يؤدي سوى الستنكار الناس و اشمئزاز
الرأي العام ممن يخرق إحدى هذه القواعد .ويرجع سبب االختالف
في طبيعة الجزاء بين هذين النوعين من القواعد االجتماعية إلى
االختالف و التفاوت في طبيعة المصالح التي تهدف إلى تحقيقها
وحمايتها .فالقيم و المصالح التي تهدف قواعد العادات و المجاالت
لتحقيقها هي قيم و مصالح كمالية تعطي مظهراً جماليا ً و بالتالي ال
تحتاج لتدخل الدول بل يكفي أن يترك األمر في حال مخالفتها إلى
مجرد االستنكار العام للجماعة .أما المصالح التي ترمي إلى تحقيقها
القاعدة القانونية فهي مصالح ضرورية و أساسية إلقامة النظام و
االستقرار في المجتمع ،ولذلك فهي تحتاج لتدخل السلطة العامة
تدخالً ماديا ً إلجبار األفراد على احترامها و عدم خرقها .على أن
قواعد العادات jو المجامالت jقد تتحول إلى قواعد قانونية عندما يشعر
المجتمع بارتباطها بمصالح جوهرية و أساسية وعندها يحميها
بالجزاء المادي باعتبارها قد أصبحت قواعد قانونية .
ومثال ذلك ما نصت عليه قوانين بعض الدول من ضرورة ترك
الشبان لمقاعدهم في وسائل النقل العامة للشيوخ و العجائز فهنا ال
نغدو بصدد قاعدة من قواعد العادات و المجامالت بل بصدد قاعدة
قانونية يجبر من يخالفها على احترامها .
33
مصادر القانون
35
يفرض عليه عقوبة ما استناداً إلى ما قد يراه من مبادئ القانون
الطبيعي أو قواعد العدالة .
36
ثالثا ً :إذا كان االجتهاد القضائي jو الفقه يعتبران حالياً jبالنسبة ألغلب
النظم القانونية من المصادر التفسيرية ال الرسمية فإنهما قد كانا في
ما مضى يعتبران في كثير من الشرائع من المصادر الرسمية للقواعد
القانونية ،كما أن االجتهاد القضائي ال يزال يعتبر حاليا ً كذلك في
بعض البلدان مثل انكلترا .
سادسا ً :إن هذه المصادر المختلفة لم تظهر جميعها دفعة واحدة في
التاريخ بل ظهرت على مراحل متتالية تبعا ً لتطور المدنية و تقدمها .
و يمكن القول أن العرف هو أكثر هذه المصادر قدما ً و أسبقها إلى
الظهور ثم تلته المصادر األخرى ،كقواعد الدين و مبادئ القانون
الطبيعي و االجتهاد و أخيراً التشريع.
37
-و إذا كان التشريع قد تأخر في الظهور فإنه و ال شك يعتبر في
عصرنا الحاضر jأكثر مصادر القواعد القانونية أهمية و أوسعها
انتشاراً ،و إن تكن المصادر األخرى ذات قيمة ال تتكرر و أثر بالغ
في إيجاد القواعد القانونية و تطويرها .
38
من ناحية الشكل :فإن االختالف هو أن الدستور يوضع من قبل
سلطة خاصة هي السلطة التأسيسية .أما التشريع فهو من عمل
السلطة التشريعية وقد ال تختلف السلطة التأسيسية في كثير من
األحيان عن السلطة التشريعية من حيث تركيبها و طريقة تشكيلها و
لكنها تختلف من حيث التسمية و نوع المهمة المعهود بها إليها
39
-هناك اختالف بين التشريع و بين المرسوم أو القرار التنظيمي من
ناحيتين أيضا ً ناحية الشكل و ناحية الموضوع .
* من ناحية الشكل :التشريع يصدر عن السلطة التشريعية ،بينما
المرسوم يصدر عن السلطة التنفيذية .
* من ناحية الموضوع :المرسوم ال يتطرق إلى األمور التي يعالجها
بصورة رئيسية أصلية و لكن بصورة تبعية بغية تفسير التشريع و
تفصيل أحكامه .
دون أن يستطيع مخالفة هذه األحكام أو التعديل فيها ،والمرسوم
التشريعي بالرغم أنه صادر عن رئيس الجمهورية كالمرسوم التنظيمي
يعتبر بمثابة التشريع ويقوم مقامه وهو بذلك ال يخضع للتشريع أو يتقيد
به بل يستطيع أن يخالف أحكامه أو يعدلها أو يلغيها
مالحظة :هناك نوعين من المراسيم التي تصدر عن السلطة التنفيذية
هي :
-المراسيم و القرارات التنظيمية
-المراسيم و القرارات العادية أو الفردية :وهي تختلف عن السابقة في
أنها ال تتضمن قواعد قانونية عامة بل هي عبارة عن أحكام فردية
خاصة بشخص أو أشخاص معينين أو بواقعة أو وقائع محددة كما في
قرار تعيين موظف مثالً .
40
رقابة القضاء لدستورية التشريع :
يمكن أن نلخص هذا الموضوع في السؤال التالي :
هل يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق التشريع إذا وجد أن أحكامه
تخالف المبادئ المقررة في الدستور و تتعارض معها أم أن من واجبه
تطبيق التشريع دوما ً سواء أكان موافقا ً للدستور أم ال ؟
لقد ظهر في البالد التي لم تنص دساتيرها على حل معين حول هذا
الموضوع اتجاهان متعاكسان :
االتجاه األول :يرى أصحابه أنه ال حق للقضاء في مناقشة مسألة
دستورية التشريع بل عليه تطبيق التشريع كما هو ،إذا كان مستوفيا ً
لشرائطه الشكلية ولو كان مخالفا ً في أحكامه مبادئ الدستور .
وحجتهم هي أن السماح للقضاء بمراقبة دستورية التشريع من شأنه أن
يؤدي حتما ً إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية و
هذا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات .
االتجاه الثاني :يرى أصحابه أن للقضاء الحق في مراقبة دستورية
التشريع و أن عليه أن يمتنع عن تطبيق التشريع حين يتأكد من مخالفة
أحكامه للدستور .
وهم يوردون في سبيل تأييد رأيهم حججا ً عديدة منها :
-1في حال رفضنا هذا الحق فإن السلطة التشريعية تستطيع أن تخالف
الدستور دون أن يمكن منعها و ألصبح المبدأ القائل بضرورة تقييد
القوانين أو التشريعات بمبادئ و أحكام الدستور غير ذي قيمة و ال معنى
من الوجهة العلمية .
41
-2إن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر يدخل في حدود مهمامه و
اختصاصه ألن القضاء ملزم باحترام نصوص التشريع والدستور معا ً ،
و حين وجود تعارض بين أحكام الدستور و التشريع عليه أن يطبق
النص األعلى مرتبة .أي عليه أن يطبق الدستور و أن يمتنع عن تطبيق
التشريع لمخالفته إياه .
-3إن رقابة القضاء لدستورية التشريع ليس فيها ما يتعارض مع مبدأ
فصل السلطات وذلك ألن السلطتين التشريعية و القضائية ملزمتان
باحترام الدستور .
والرأي الثاني أقوى حجة و أكثر صوابا ً من الرأي األول .
وفي بالدنا القضاء العادي يرفض بصورة عامة أن يعترف لنفسه بحق
مراقبة دستورية التشريع ،بينما القضاء اإلداري فيستشعر من بعض
قراراته أنه يعترف لنفسه بهذا الحق .
42
فروع القانون
يضم قسم القانون الفروع التالية :
-1القانون الدستوري
-2القانون اإلداري ،ويلحق به القانون المالي
-3القانون الجزائي ،بما فيه ذلك أصول المحاكمات الجزائية
-4القانون الدولي العام
وسيتم إعطاء لمحة موجزة عنها :
-1القانون الدستوري
يتضمن القانون الدستوري المبادئ و القواعد األساسية التي تحدد
الحقوق و الواجبات jالعمة للمواطنين في الدولة ( كضمان حرياتهم
العامة ) ،وتبين نظام الحكم فيها(من حيث أنه جمهوري مثالً أو ملكي )،
وكيفية تنظيم السلطات العامة فيها(من تشريعية أو تنفيذية أو قضائية ) ،
وعالقة هذه السلطات بعضها ببعض ومع األفراد حتى أن الدستور
يسمى أيضا ً بالقانون األساسي
-2القانون اإلداري ( :والقانون المالي )
القانون اإلداري :يتضمن القواعد التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية و
أعمالها ومهامها و عالقاتها باألفراد .والسلطة التنفيذية تمارس نشاطها
في الدولة عن طريق اإلدارات العامة التابعة لها ،فالقانون اإلداري هو
الذي ينظم عمل هذه اإلدارات ويحدد عالقاتها فيما بينها ومع األفراد .
وقواعد القانون اإلداري ال يجمعها تشريع موحد و إنما توجد في
تشريعات متفرقة ( كقانون الموظفين و قانون االستمالك ) .
43
ومباحث القانون اإلداري متعددة :
فهو يبحث في التنظيمات اإلدارية و تقسيماتها ( كتقسيم الدولة إلى
محافظات و مناطق و نواحي و غير ذلك ).............
ويبحث في نشاط الدولة و مظاهره وفي أعمالها و القرارات jالتي تصدر
عنها ،و يبحث في الوظائف العامة و الموظفين فيبين حقوقهم وواجباتهم
،وغير ذلك ،و يبحث في أمالك الدولة فيبين صفاتها ومميزاتها وهو
يبحث في القضاء اإلداري و تنظيمه و تحديد مهامه و كيفية عمله .
القانون المالي و يسمى بالتشريع المالي :وهو يتضمن القواعد التي
تحدد كيفية تنظيم الميزانية العامة في الدولة و الموارد التي تتألف منها
هذه الميزانية و وجوه الصرف التي تنفق فيها .
-الموارد تتألف من الضرائب التي تجبها الدولة و يحدد القانون المالي
أنواعها و أسسها و كيفية جبايتها ،كما تتألف من الغالت التي تجنيها
الدولة من أمالكها ومن القروض .
-أما النفقات jمنها ما يصرف من أجل رواتب الموظفين أو من أجل
المشاريع التي تتطلبها مصلحة الدفاع الوطني أو التي تقتضيها األعمال
اإلنشائية أو اإلنمائية
-3القانون الجزائي ( و أصول المحاكمات الجزائية )
القانون الجزائي :يتضمن القواعد التي تنظم سلطة الدولة في معاقبة
المجرمين فيبين الجرائم التي تستوجب العقوبة كما يبين حدود هذه
العقوبة بالنسبة لكل نوع من أنواع الجرائم .
و القانون الجزائي يقسم إلى قسمين :قسم عام و قسم خاص .
44
*القسم العام :يبحث في الجريمة و أنواعها و الجرائم ،تقسم عادةً إلى
جنايات و جنح و مخالفات ،بحسب أنواع العقوبة المحددة لها و يبحث
أيضا ً في عناصر الجريمة و هي ثالث أنواع :قانوني ،معنوي ،مادي
فالعنصر القانوني :هو أن يكون الفعل المرتكب محرما ً بنص القانون
والعنصر المعنوي :هو أن تتوافر لدى مرتكب الفعل اإلدارة الحرة و
النية الجرمية أو أن يكون ارتكابه لهذا الفعل ناجما ً عن خطأ أو إهمال
على أقل تقدير
والعنصر المادي :هو أن يكون الشخص قد قام فعالً بارتكاب هذا الفعل
المحرم أو شرع فيه أو شارك في ارتكابه .وهو يبحث في العقوبة و
أنواعها .
*أما القسم الخاص :فيبحث في أنواع الجرائم المختلفة ،كجرائم القتل و
السرقة و الخيانة و التزوير و غيرها ،ويبين أركان هذه الجرائم و
صفاتها وصورها المختلفة و أنواع العقوبة التي تحدد لكل منها .
46
فروع القانون الخاص
و القانون المدني له أهمية بالغة بالنسبة إلى بقية فروع القانون ،
وتبدو هذه األهمية واضحة في األمور التالية :
-1القانون المدني هو األصل الذي تفرعت عنه بقية فروع
القانون الخاص كالقانون التجاري مثالً .
-2إن القانون المدني ال يختص بفئات معينة من المواطنين بل
هو يطبق على جميع المواطنين
-3إن قواعد القانون المدني تعتبر القواعد العامة التي يرجع
إليها و يعمل بها عند عدم وجود قواعد خاصة في فروع
القانون األخرى .وهذا ما تشير إليه المادة الثانية من قانون
التجارة التي تنص على أنه ( إذا انتفى النص في هذا القانون
فتطبق على المواد التجارية أحكام القانون المدني ) .
49
-2اجتهاد القضاء jالمصري في تطبيق نصوص ذلك
التشريع و تفسيرها ،وهو اجتهاد غني بالحلول العملية و
التطبيقات المالئمة لتطور الحاجات االجتماعية .
-3الشريعة اإلسالمية بما تحويه من مبادئ و أحكام ال
تنكر قيمتها و قابليتها ،لمجاراة التطور االجتماعي و
الحاجات المتجددة .
-4التشريعات أو التقنيات jاألجنبية الحديثة ،كالقانون
الفرنسي و البولوني .
إذاً دراسة القانون المدني السوري تستوجب في الوقت
نفسه الرجوع إلى القانون المصري الذي أخذ عنه .
أبحاث القانون المدني.
50
الكتاب األول :يتناول االلتزامات بوجه عام فيبحث في
مصادر االلتزام آثاره و األوصاف المعدلة له و انتقاله و
انقضائه .
الكتاب الثاني :ينظم أحكام العقود المسماة :كعقود البيع و
اإليجار.....
القسم الثاني :فقد خصص للحقوق العينية و هو يقسم إلى -
كتابين :
الكتاب الثالث :يتناول الحقوق العينية األصلية ،كحقوق -
الملكية و االنتفاع
الكتاب الرابع :يشمل الحقوق العينية التبعية و هي الرهن و -
الـتأمين العقاري .............
53
ويضاف إلى هذه المحاكم أيضا ً المحاكم الشرعية و الطائفية و المذهبية التي
تختص بالفصل في أمور األحوال الشخصية و هناك أيضا ً النيابة العامة
التي يتجلى دورها بالنسبة لألمور الجزائية بوجه خاص في إقامة الدعةى
الجزائية ومباشرتها وتمثيل المجتمع لدى المحاكم ثم تنفيذ األحكام الجزائية
بعد اكتسابها الدرجة القطعية
تختص المحاكم التي يتألف منها القضاء jالعادي بالفصل في كافة
عالمنازعات و جميع الجرائم إال ما استثنى منها بنص خاص و كل محكمة
من المحاكم السابقة تختص بفض النزاعات كل بحسب اختصاصاته
-محكمة النقض :توزع إلى غرف متعددة فهي المرجع األعلى الذي يعود
إليه أمر مراقبة أحكام هذه األحكام والنظر في مدى صحتها و مطابقتها
للقانون و األصول .
-محكمة االستئناف :تتألف من رئيس و أعضاء يسمون مستشارين و
يوزعون على عدد من الغرف و الجزائية و تستأنف إليها أحكام المحاكم
البدائية و بعض األحكام الصلحية .
-المحاكم البدائية :يتألف كل منها من قاض منفرد فهي تتولى أمر الفصلj
في سائر المنازعات المدنية و التجارية وفي الجنح إال من عهد أمره إلى
غيرها بنص خاص
-المحاكم الصلحية :يتألف كل منها من قاض منفرد يعود إليها أمر الفصل
في بعض المنازعات المدنية و التجارية البسيطة التي يعينها القانون وفي
المخالفات و بعض الجنح .
54
القانون الدولي الخاص :
يتضمن القواعد التي تبين بالنسبة لكل نوع من القضايا jالتي يكون فيها
عنصر أجنبي ما إذا كانت محاكم الدولة مختصة للنظر فيه أم ال كما تحدد
القانون الذي يجب تطبيقه عليه وقد جرت العادة على أن تدخل في نطاق
القانون الخاص القواعد المتعلقة بالجنسية و بمركز األجانب في الدولة
فمثالً :لو باع شخص سوري شخصا ً ألمانيا عقاراً يملكه في إيطاليا وجرى
العقد في فرنسا ثم حدث نزاع بعد ذلك حول هذا العقد فإن القانون الدولي
الخاص هو الذي يحدد ما إذا كانت المحاكم السورية مختصة للنظر في هذا
النزاع أم ال كما يحدد القوانين الواجب تطبيقها .
-وقواعد القانون الدولي الخاص داخلية أو وطنية بمعنى أنه ال توجد قواعد
موحدة تسير عليها جميع الدول فيما يتعلق بمسائل هذا القانون و إنما لكل
دولة قواعد ها الخاصة بهذا الشأن
55
أنواع القواعد القانونية
القواعد اآلمرة والقواعد التكميلية أو المفسرة
-إن تنظيم الفعالية و النشاط اإلنساني في المجتمع يتم بأساليب مختلفة :
-1قد يترك لألفراد أنفسهم أمر تنظيم عالقاتهم االجتماعية و اختيار
األحكام التي يخضعون لها و يسيرون عليها دون أن تفرض عليهم هذه
األحكام مسبقا ً أو تحدد لهم
-2قد يرشد األفراد إلى األحكام التي يرغبون بتطبيقها والعمل بها فتبين لهم
هذه األحكام في قواعد قانونية ثم يترك لهم الخيار بين العمل بهذه القواعد أو
االتفاق على خالفها .
56
-3قد تحدد لألفراد األحكام التي يجب عليهم إتباعه و السير عليها في
قواعد تفرض عليهم فرضا ً دون أن يكون لهم أدني حرية في استبعادها و
اختيار غيرها .
فاألحكام من النوع األول هي ما يمكننا أن نسميها باألحكام االتفاقية أو
التعاقدية أما القواعد التي تتضمن األحكام من النوع الثاني فهي ما تسمى
بالقواعد التكميلية أو المفسرة و أما القواعد من النوع الثالث فهي ما تسمى
بالقواعد اآلمرة .
و من الواضح أن القاعدة القانونية تعرف فيما إذا كانت آمرة أو تكميلية و
مفسرة باللجوء إلى عبارة النص الذي وردت فيه ،فإذا وجدنا من خالل هذه
العبارة ما يشير إلى أن من غير الجائز مخافة الحكم الذي تنص عليه كأن
يقال مثالً ( يعتبر باطالً كل اتفاق مخالف ) كانت القاعدة آمرة .
أما إذا كانت العبارة تدل على جواز مخالفة هذا الحكم كأن يقال مثالً ( إال
إذا اتفق المتعاقدان على خالف ذلك ) اعتبرت القاعدة تكميلية أو مفسرة .
فإذا لم تساعدنا عبارة النص في معرفة نوع القاعدة كان ال بد من المتمعن
في حكمها و تقدير مدى صلته بمصالح المجتمع األساسية أو بمصالح
األفراد ثم تحديدي نوعها على هذا األساس.
سبب هذه التسمية :
بالنسبة للقواعد اآلمرة :فهي تفرض أحكاما ً معينة على األشخاص و
األحكام التي تفرضها مطلقة ال يجوز لهؤالء األشخاص مخالفتها أبدأ و لهذا
سميت بالقواعد اآلمرة .
57
أما بالنسبة للقواعد التكميلية أو المفسرة فإنها تحتاج إلى اإليضاح .
حين يعقد األشخاص العقود أو االتفاقات فيما بينهم فإنهم يحاولون أن
يحددوا بأنفسهم األحكام التي تترتب عليها ،فهذه األحكام إنما تنشأ بمحض
إرادتهم و تنبعث عنها بحيث يمكن القول بأن إرادتهم هي مصدر تلك
األحكام .إال أن األفراد أو األشخاص قد ال يحددون في عقودهم أو اتفاقاتهم
جميع األمور و المسائل الفصيلية التي يمكن أن تنشأ عنها وال يبينون
أحكامها فتكون إرادتهم غير ظاهرة أو جلية بالنسبة لهذه األمور ،و لهذا
تأتي القواعد التكميلية أو المفسرة لتكمل عمل إرادة األفراد وتفسر ما خفي
منها ،فهي تكميلية ألنها تكمل إرادة األفراد بالنسبة لألمور التي لم
يتعرضوا لذكرها في عقودهم ،ومفسرة هذه اإلرادة حين ال يبينها األفراد
أنفسهم .
مالحظة :
يجب عدم الخلط بين التسمية التي نطلقها على القواعد اآلمرة و بين
مضمون الخطاب jالذي توجهه القاعدة إلى األشخاص من حيث أنه أمر أو
نهي أو مجرد إباحة و ترخيص ،و أال نتوهم أن القاعدة اآلمرة هي التي
تتضمن األمر ( النهي ) و أن القاعدة التكميلية أو المفسرة هي التي تتضمن
اإلباحة أو الترخيص .
فالقواعد جميعها آمرة أو تكميلية و مفسرة تتضمن كل من هذه األنواع
الثالث ( األمر أو النهي أو اإلباحة ) .
59
حماية بعض المصالح االقتصادية و االجتماعية . -
و يجب اإلشارة إلى أن النظرة إلى مدى هذه المصالح أو كيفية
حمايتها قد تختلف من مجتمع إلى آخر و يختلف تبعا ً لذلك مفهوم
النظام العام كما تختلف القواعد اآلمرة نفسها .
60
تطبيق التشريع من حيث المكان و الزمان
(تنازع القوانين )
61
تطبيق التشريع من حيث الزمان :
المبدأ العام :
عرض المبدأ :التشريع يطبق منذ صدوره و نفاذ ه إلى حين إلغائه فهو ال
يسري على ما تم من أفعال و تصرفات قبل نفاذه وهو ال يتناول في حكمه
ما ينشأ من هذه األفعال و التصرفات بعد زواله ،وإنما ينحصر تأثيره و
مفعوله فيما بين هاتين النقطتين :نقطة مبدئه و نقطة منتهاه .
المبدأ إذاً يقوم على فكرتين رئيسيتين هما :
األثر المباشر للتشريع :وهذا يقتضي تطبيق التشريع الجديد فوراً
ووقف العمل بالتشريع السابق .
عدم رجعية التشريع :وهذا يقتضي عدم سريان التشريع الجديد على
الماضي بل تطبيق التشريع القديم على ما تم من أفعال و تصرفات
قبل نفاذ التشريع الجديد .
مثالً :لو فرضنا أن تشريعا ً جديداً قد نص على عقوبة معينة لفعل لم يكن
محرما ً من قبل كتهريب الذهب خارج البالد مثالً فإن هذا التشريع يطبق
فوراً بالنسبة لجميع األفعال التي ترتكب بعد نفاذه ( األثر المباشر ) و لكنه
ال يطبق على ما أتم قبله من أفعال ( عدم الرجعية ) .
ضرورة هذا المبدأ :يجب تطبيق التشريع الجديد مباشرةً ألنه يصدر ليلغي
تشريع سابق و يحل محله في التطبيق ،وإن عدم رجعية التشريع مبدأ هام
يستند إلى مبررات كثيرة من المنطق و العدل و ليس من المنطق أو العدل
أن نحاسب الناس على أفعال لم تكن محرمة حين قاموا بارتكابها أو نطلب
إليهم إتباع قواعد لم تكن موجودة حين قاموا بتصرفاتهم و أعمالهم .
62
صعوبة تطبيق هذا المبدأ :هناك صعوبة في تحديد أي التشريعين يجب أن
تعتبر ساري المفعول ،القديم أم الجديد ؟
هناك حاالت يسهل فيما تطبيق هذا المبدأ فمثالً :ارتكاب فعل لمن يكن
محرما ً من قبل ،شراء سيارة .هذه الحاالت تمت خالل فترة قصيرة
محدودة واقعة ،إما بعد نفاذ التشريع الجديد ( و عندها نطبق التشريع
الجديد ) أو قبل نفاذه ( و عندها نطبق التشريع القديم ) .
ولكن هناك حاالت كثيرة ال تنقضي فيها الوقائع و التصرفات دفعة واحدة و
إنما تمتد فترة من الزمن تبدأ في ظل التشريع القديم و تستمر إلى ما بعد نفاذ
التشريع الجديد وهنا تكمن الصعوبة في انتقاء أحد هذين التشريعين لتطبيقه
عليها .
مثال :شخص أوصى بثلث ماله في ظل تشريع يجيز الوصية بثلب المال ثم
صدر بعد ذلك تشريع جديد يحرم الوصية بأكثر من الربع فأي التشريعين
يطبق في هذه الوصية ؟
شخص تزوج في ظل تشريع يبيح الطالق ثم صدر بعد ذلك تشريع جديد
بتحريمه ،هل يستطيع هذا الشخص أن يطلق امرأته استناداً إلى التشريع
األول الذي تزوج في ظله أم يحرم عليه ذلك تطبيقا ً ألحكام التشريع الجديد؟
-وقد ظهرت نظريات متعددة للتفريق بين الحاالت jالتي يمتنع فيها تطبيق
التشريع الجديد والحاالت التي يجب فيها تطبيقه ،منها النظرية التقليدية و
النظرية الحديثة .
63
أوالً :النظرية التقليدية :
عرض النظرية :تعتمد هذه النظرية على فكرة التمييز بين ما تسميه بالحق
المكتسب و مجرد األمل للتفريق بين الحاالت التي يمتنع فيها تطبيق
التشريع الجديد و الحاالت التي يجب تطبيقه فيها .
وترى أنه يجب االستمرار بتطبيق التشريع القديم و االمتناع عن تطبيق
التشريع الجديد إذا كان األمر يتعلق بحق مكتسب ألن تطبيق التشريع الجديد
على الحق المكتسب إلى إعطائه مفعوالً رجعيا ً وهذا غير جائز بحسب مبدأ
أمل عدم رجعية التشريع أما إذا كان األمر ال يتعلق بحق مكتسب و إنما
مجرد أمل فيجب أن يعمد إلى تطبيق التشريع الجديد فوراً تحقيقا ً لمبدأ األثر
المباشر .
مثال :إذا أوصى شخص بثلث تركته في ظل تشريع يجيز الوصية بالثلثj
ثم بعد ذلك صدر تشريع جديد يحرم الوصية بأكثر من التشريع فيجب
التفريق بين حالتين :
إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع الجديد تؤول ملكية ما
أوصي به إلى الموصى له وهنا حق مكتسب وال يجوز تطبيق
التشريع الجديد على هذه الوصية .
إذا كان الموصي لم يمت بعد حين صدور التشريع الجديد فإن
التشريع الجديد يطبق على الوصية ألنه لدينا حالة أمل .
64
االستثناءات من هذه القاعدة التي تقرها النظرية التقليدية :
هناك بعض االستثناءات التي يطبق فيها التشريع الحديد ،و يسري مفعوله
على الماضي حتى و لو كان األمر بمجرد األمل ،و إنما ببعض الحقوق
المكتسبة منها :
– 1إذا نص التشريع الجديد صراحة على سريان أحكامه على
الماضي ،ألن مبدأ عدم الرجعية ال يقيد المشروع و إنما يقيد القاضي jفقط .
-2إذا كان التشريع الجديد يتعلق بالنظام العام ( مثال إذا صدر تشريع بمنع
التعامل بالذهب ،و هذا يعتبر من التشريعات التي تتعلق بالنظام العام فإنه
ال يطبق بالنسبة للعقود الجارية بعد صدوره و إنما بالنسبة للعقود السابقة
عليه أيضا ).
-3إذا كان التشريع الجديد تشريعا ً تفسيريا ً فإنه يطبق اعتباراً من تاريخ
التشريع الذي جاء لتفسيره وليس من تاريخ صدوره فقط والذي يطبق
التشريع السابق و لكن بالمعنى الذي دل عليه التشريع الجديد.
-4إذا كان التشريع الجديد من التشريعات الجزائية التي تلغى عقوبة سابقة
أو تتضمن عقوبة أخف للمتهم ففي هذه الحالة يطبق على المتهم إذا لم
يصدر عليه الحكم النهائي بعد التشريع الجديد فتمنع معاقبته أو يقضى عليه
بالعقوبة األخف بالرغم من ارتكابه الفعل في ظل التشريع القديم وهذا أرحم
بالنسبة إليه و أخف .
نقد النظرية التقليدية :
-1غموض هذا المعيار إذ يصعب التفريق في الواقع بين ما يجب أن يعتبر
حقا ً مكتسبا ً فال يطبق عليه التشريع الجديد أو مجرد أمل فيطبق عليه
التشريع الجديد وهناك بعض الحاالت يصعب إدراجها في أي من زمرتي
65
الحق المكتسب أو مجرد األمل كاألهلية مثالً ،فاألهلية هي الحالي التي
يمنح فيها القانون اإلنسان صالحيته إجراء التصرفات و األعمال القانونية
بنفسه وهي بهذا ليست حقا ً مكتسبا ً بالنسبة إليه و المجرد أمل و إنما هي
أقرب إلى أن تكون بمثابة صفة يسبقها القانون عليه أو قابلية يمنحه إياها .
-2عدم صحة هذا المعيار في بعض األحيان فهناك حاالت تتعلق بحق
مكتسب ومع ذلك يطبق عليها التشريع الجديد ال القديم ،وهناك حاالت
تتعلق بمجرد األمل و يطبق عليها التشريع القديم ال الجديد
مثال :الوصية :في حياة الموصي هي عبارة عن مجرد أمل ال ينقلب إلى
حق مكتسب إال بعد وفاة الموصي ولهذا طبقنا التشريع الجديد الذي يعدل
من حدود الوصية إذا صدرت قبل وفاة الموصي ولكن إذا صدر تشريع
جديد في حال حياة الموصي ليضيف بعض الشروط الجديدة لصحة إنشائها
فإن التشريع ال يطبق على الوصية السابقة لصدوره حتى و لو كان
الموصي على قيد الحياة فالوصية تظل في هذه الحالة صحيحة استناداً إلى
التشريع الذي نشأت في ظله وال يطبق عليها التشريع الجديد بالرغم من أن
تطبيقه ال يتعلق بحق مكتسب و إنما بمجرد أمل .
66
( كاآلثار التي تترتب على الملكية أو الوصية أو حق الدائن تجاه الدين أو
غيرها من األوضاع و المراكز القانونية ) وهذا التفريق بين الوقائع و
التصرفات التي تؤدي إلى إنشاء أو زوال األوضاع القانونية من جهة وبين
آثار هذه األوضاع القانونية من جهة ثانية هو الذي تعتمده النظرية الحديثة
كمعيار للتفريق بين الحاالت التي يمتنع فيها تطبيق التشريع الجديد و
الحاالت التي يجب فيها تطبيقه .
-ترى هذه النظرية أن الوقائع و التصرفات jالتي تؤدي إلى إنشاء األوضاع
القانونية أو زوالها يجب أن تتم وفقا ً لشروط التشريع الذي تمت في ظله فلو
جاء تشريع يعدل من شروط تكوين أو صحة واقعة أو تصرف ما فإن هذا
التشريع يجب أال يطبق على الوقائع و التصرفات jالتي تمت قبل صدوره و
نفاذه و ذلك لكي ال يخالف مبدأ عدم رجعية التشريع .
-أما لوكان التشريع الجديد ال يعدل من شروط أو صحة الوقائع و
التصرفات التي تؤدي إلى إنشاء الوضع القانوني وإنما يعدل من آثاره فقط
هنا يجب التمييز بين حالتين :
-1بالنسبة لآلثار التي نجمت سابقا ً عن هذا الوضع القانوني ال يمكن تطبيق
التشريع الجديد عليها إال إذا نص المشرع على خالف ذلك عمالً بمبدأ عدم
رجعية التشريع .
-2بالنسبة لآلثار التي ستنجم عن هذا الوضع القانوني في ظل التشريع
الجديد فإن هذا التشريع هو الذي يطبق عليها عمالً بمبدأ األثر المباشر .
و لكن اآلثار التي ستنجم عن هذا الوضع القانوني في ظل التشريع الجديد ،
إذا كانت أثاره تعاقدية فال يطبق عليها هذا التشريع الجديد و إنما تخضع
لحكم التشريع السابق حرصا ً على استقرار المعامالت
67
مثال لتوضيح النظرية الحديثة :الوصية تصرف ينشئ وضعا ً قانونيا ً
للموصى له بهذا التصرف يجب أن يكون بحسب النظرية الحديثة موافقا ً من
حيث تكوينه و صحته لقواعد التشريع الذي جرى في ظله .
اآلثار الناجمة عن الوصية ال تترتب على الموصى له إال بعد وفاة الموصي
ففي حالة الوصية بثلث التركة في ظل تشريع يجيز بذلك ،ثم صدور
تشريع جديد ال يجيز الوصية بأكثر من الربع ( كما في النظرية التقليدية )
بين ما إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع أم بعده :
إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع الجديد ال يسري هذا
التشريع على تلك الوصية ألن أثر الوصية قد ترتب قبل نفاذ التشريع
الجديد فال مجال لتعديله وفقا ً للتشريع الجديد ألن التشريع الجديد ال
يطبق على اآلثار التي ترتبت قبل صدور و نفاذه في النظرية
الحديثة.
أما إذا توفي الموصي بعد نفاذ التشريع الجديد فإن التشريع الجديد
يطبق على تلك الوصية ،إلن أثر الوصية قد ترتب في ظل التشريع
الجديد و التشريع الجديد يطبق على اآلثار التي تترتب في ظله
بحسب النظرية الحديثة .
إن النتائج التي توصلنا إليها فيما يتعلق بآثار الوصية هي نفسها بالنسبة
للنظريتين التقليدية و الحديثة ولكن معيار النظرية الحديثة يبدو أكثر دقة
ووضوح من معيار النظرية التقليدية.
الحلول المتبعة في نظامنا القانوني :
إن مسألة تطبيق التشريع من حيث الزمان ،مسألة معقدة وسنورد بعض
الحلول المتبعة في نظامنا القانوني بالنسبة لهذه المسألة منها :
68
أوالً :في القانون الجزائي :يجب التفريق بين حالتين هما :
-أن يتضمن التشريع الجديد إحداث عقوبة لم يكن يعاقب عليه التشريع
السابق أو تشديد العقوبة التي كان يحددها هذا التشريع ألحد األفعال فهنا ال
يطبق التشريع الجديد على األفعال السابقة لصدوره و نفاذه و المشرع نفه ال
يجوز له إعطاء المفهوم الرجعي لهذا النوع من التشريعات الجزائية .
-أن يتضمن التشريع الجديد إلغاء العقوبة التي كان يقضي بها التشريع
السابق بالنسبة لفعل من األفعال أو تخفيفها يمكن هنا تطبيق التشريع الجديد
على األفعال السابقة لصدوره إذا لم يصدر بشأنها حكم مبرم ألن التشريع
الجديد أرحم بالنسبة للمتهم .
69
إلى المحكمة الجديدة المختصة بحسب التشريع الجديد و إنما بها من قبل
المحكمة السابقة .
-2التشريعات المعدلة للمواعيد ال تطبق إذا كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ
العمل بها بل يطبق بالنسبة لهذا الميعاد ،التشريع القديم الذي بدأ في ظله .
*األهلية:
نصت المادة السابعة من القانون المدني على أن :
( النصوص المتعلقة باألهلية تسري على جميع األشخاص الذين تنطبق
عليهم الشروط المقررة في هذه النصوص و إذا عاد شخص توافرت فيه
األهلية بحسب نصوص قديمة ،ناقص األهلية بحسب نصوص جديدة فإن
ذلك ال يؤثر في تصرفاته السابقة )
-ومعنى هذا أن التشريع الجديد المتعلق باألهلية يطبق فوراً على جميع
األشخاص الذين تتناولهم أحكامه سواء أكانوا بلغوا سن األهلية بحسب
التشريع القديم أم لم يبلغوها .والفترة الواقعة بين بلوغ الشخص سن األهلية
الكاملة بحسب التشريع القديم و عوديه ناقص األهلية بحسب التشريع الجديد
يعتبر هذا الشخص فيها كامل األهلية و تظل تصرفاته التي جرت خاللها
صحيحة و معتبرة دون أن يؤثر فيها التشريع الجديد .
فمثالً :الهبة :ال تصح إذا صدرت عن شخص ناقص األهلية في حبن
تعتبر صحيحة إذا صدرت عن شخص كامل األهلية .
70
فلو فرضنا أن التشريع القديم يعتبر أن السن التي يصبح فيها اإلنسان كامل
األهلية هي ( )18سنة ،وأن إنسانا ً أتم هذه السن في ظل ذلك التشريع ثم
وهب جزءاً من أمواله هبته هذه تعتبر صحيحة لصدورها عن شخص كامل
األهلية .
ولو صدر تشريع جديد بعد ذلك يعدل هذه السن و يجعلها ( )21فإن اإلنسان
الذي اعتبر كامل األهلية بحسب التشريع القديم يعود ناقص األهلية بحسب
التشريع الجديد و إذا وهب هذا اإلنسان شيئا ً من أمواله بعد صدور التشريع
الجديد وقبل أن الحادية والعشرين من عمره فإن هبته هذه تعتبر باطلة
لصدورها عن شخص ناقص األهلية أما هبته التي أجراها بعد بلوغه سن
األهلية بحسب التشريع القديم وقبل صدور التشريع الجديد فإنها تظل
صحيحة .
*التقادم :
يجب التفريق بين نوعين من الحاالت هي :
-1أن يقرر النص الجديد مدة للتقادم أطول من مدة النص القديم :
لنفرض أن مدة التقادم لحق من الحقوق بحسب التشريع القديم ()15
سنة ،وبحسب تشريع جديد ( )20سنة ،فلو أن تقادما ً بدأ في ظل
التشريع القديم و انقضى من ( )14سنة ،حين صدور الجديد فإنه
يطبق عليه فوراً و تصبح مدة التقادم ( )20أما لو كان قد انقضى (
)15سنة ،وبعدها صدر التشريع الجديد فإنه ال يطبق عليه ألن مدة
التقادم اكتملت قبل صدور التشريع الجديد.
-2أن تكون مدة التقادم التي يقرها النص الجديد أقصر من المدة التي
يقرها القديم
71
مثالً :لو كانت مدة التقادم بحسب تسريع قديم ( )15وبحسب تشريع جديد (
)5سنوات فلو أن تقادما ً بدأ في ظل التشريع الجديد هو الذي يطبق ألن
مدته أقصر من القديم و ال حاجة الكتمال التقادم في هذه الحالة إلى إقحام
مدة السنوات األثنتي عشر الباقية بل يكتفي بمدة السنوات الخمس التي نص
عليهما التشريع الجديد ال من بدء التشريع السابق .
ولكن تبدأ مدة التقادم الجديد اعتباراً من صدور التشريع الجيد أي تطبق مدة
الخمس سنوات كاملة إضافة إلى مدة السنوات الثالث التي مرت من التقادم
السابق .
أما إذا كانت المدة الباقية من التقادم السابق أقل من المدة التي يقررها
التشريع الجديد فيعتبر أن التقادم يكتمل بانتهاء هذه المدة المتبقية وال حاجة
لتطبيق مدة التقادم الجديد .فلو كانت قد انقضت من التقادم مدة ( )13سنة
مثالً و بقيت مدة سنتين فقط ثم صدر تشريع جديد يجعل مدة التقادم خمس
سنوات فإنه ال تطبق مدة السنوات الخمس هذه بل يكتفي بإتمام السنتين
الباقيتين من المدة السابقة ليعتبر أن التقادم قد اكتمل و هذه مانقض به
المادة /9/من القانون المدني .
72
اإلثبات بسند خطي فإن من الممكن إثبات العقد السابق بشهادة الشهود ألنه
في الوقت الذي تم فيه هذا العقد لم يكن هناك حاجة إلعداد دليل خطي .
-ويجب أن نبن كيفية تطبيق التشريع من حيث الزمان بالنسبة للعقود :
العقود :
يطبق عليها دوما ً التشريع الذي جرت في ظله سواء فيما يتعلق بشروط
انعقادها أو صحتها أو فيما يتعلق بآثارها على أنه يطبق التشريع الجديد
على الغالب بالنسبة لآلثار التي تنجم بعد نفاذه عن العقود السابقة إذا كان
هذا التشريع من النظام العام
مثالً :عقد بيع تم في ظل التشريع القديم يعتبر أن نفقات استالم المبيع تقع
على عاتق المشتري ثم صدور بعد ذلك تشريع جديد يعتبر أن النفقاتj
يتحملها البائع فإن المشتري هو الذي يتحمل هذه النفقات حتى و لو قام
باستالم المبيع بعد نفاذ التشريع الجديد .
أما إذا كان التشريع الجديد من النظام العام فهو ال يطبق على اآلثار المترتبة
على العقود قبل نفاذه و لكنه يطبق على الغالب jبالنسبة لآلثار المقبلة التي
ستنجم بعد نفاذه عن هذه العقود فلو اتفق البائع و المشتري في عقد البيع
على أن يتم الوفاء بالعملية الذهبية ثم صدر تشريع جديد يمنع التعامل بها و
يقضي بأن يتم التعامل بالعملة السورية فإذا كان الوفاء قد تم العملة الذهبية
قبل صدور التشريع الجديد ونفاذه فإن هذا التشريع ال يطبق بالنسبة لذلك
الوفاء الذي تم قبله .
أما إذا كان الوفاء لم يتم و إنما سيجري في ظل التشريع الجديد الذي يعتبر
من النظام العام فإنه يطبق عليه فوراً على الرغم من أن الوفاء بالعملة
الذهبية كان جائزاً بحسب التشريع القديم .
73
تطبيق التشريع من حيث المكان :
74
-1تطبق تشريعات الدولة ضمن حدود إقليمها على جميع من يقيمون
فيه سواء أكانوا مواطنين أم أجانب
-2ال تطبق هذه التشريعات ضمن حدود أقاليم الدول األخرى بالنسبة
لمواطني الدولة التي صدرت عنها بل يخضع هؤالء المواطنون
لتشريعات الدول صاحبة السادة على األقاليم التي يقيمون فيها .
مبدأ شخصية القوانين :
إن العنصر البارز في الدولة بحسب مبدأ شخصية القوانين هو مجموعة
األشخاص الذين ينتسبون إليها والذين تجمعهم روابط واحدة و عقلية و
حضارة وعادات مشتركة أما اإلقليم فليس سوى المكان الذي يقيم عليه
هؤالء األشخاص و الدولة إنما تضع التشريعات للمواطنين ال لألقليم
وهي تحاول أن تطبعها بطابعهم وأن تجعلها مالئمة لرغباتهم و
حاجاتهم .ولذلك كان من المستحسن أن تطبق التشريعات الصادرة عن
الدولة على جميع المواطنين الذين ينتسبون إليها سواء أكانو يقيمون
على أرضها و ضمن حدودها أم كانوا يقيمون ضمن حدود األقاليم
األخرى الخاضعة لسادة غيرها من الدول أما غير المواطنين فتطبق
عليهم تشريعاتهم الخاصة ال تشريعات الدولة التي يقيمون على أرضها.
وهذا المبدأ يقوم أيضا ً على فكرتين تناقضان الفكرتين اللتين يقوم عليهما
المبدأ السابق و هما :
-1تطبق تشريعات الدولة على جميع المواطنين الذين ينتسبون إليها
سواء أكانوا يقيمون ضمن حدود إقليمها أم خارج هذا اإلقليم
-2ال تطبق هذه التشريعات على األجانب الذين يقيمون ضمن إقليم
الدولة الصادرة عنها بل يخضع هؤالء لتشريعاتهم الوطنية .
75
مبررات كل من المبدأين :
إن مبدأ إقليمية القوانين ينسجم إلى حد كبير مع فكرة سيادة الدولة و
سلطانها ضمن حدود إقليمها ولهذا ساد هذا المبدأ في فترات طويلة و خاصة
في العصور اإلقطاعية حيث كانت التشريعات المطبقة على األفراد تبعا ً
لصلتهم باألرض و ارتباطهم بها .
إال أن مبدأ إقليمية القوانين ال يشجع كثيراً على نمو العالقات بين أفراد
الدول المختلفة الن األجنبي الذي تدفعه تجارته أو مهنته إلى العيش في بلد
غريب قد يكون حريصا ً على أال يخضع لتشريعات هذا البلد كلها كما أنه قد
يكون من العدل أحيانا أال تخضعه لها أو أال نخضعه لبعضها وأن تطبق
عليه التشريعات الوطنية وفقا ً لمبدأ شخصية القوانين و تبدو أهمية مبدأ
شخصية القوانين بصورة خاصة بالنسبة ألمور األحوال الشخصية من
زواج أو طالق أو نسب أو نحوها إذ أن أغلب الناس حريصون بالنسبة لهذه
األمور على أن تطبق عليهم تشريعاتهم الوطنية ألنها أقرب إلى طبائعهم و
عاداتهم و تقاليدهم .
تطبيق التشريع من حيث المكان بحسب نظامنا القانوني :
أغلب النظم القانونية في عصرنا الحاضر ومن بينها النظام المطبق في
بالدنا تأخذ بالمبدأين معا ً فهي تطبق تارةً مبدأ إقليمية القوانين و تارةً مبدأ
شخصية القوانين بحسب نوع العالقات jالتي يراد تطبيق التشريع عليها
ولعلنا نستطيع القول إن مبدأ إقليمية القوانين هو الغالب jبالنسبة لنظامنا
القانوني وهو يعبتر مبدئيا ً بمثابة القاعدة األصلية بينما يطبق مبدأ شخصية
القوانين على سبيل االستثناء بالنسبة لبعض الحاالت jالخاصة .
76
ونعدد فيما يلي بعض القواعد المنصوص عليها في التشريعات السورية و
التي نبين نطاق تطبيق كل من المبدأين :
األمور التي يطبق بالنسبة إليها المبدآن معا ً :تدخل في هذه الحالة الزمرة
في الواقع األمور الجزائية حيث يطبق بالنسبة إليهما مبدأ إقليمية القوانين
كما يطبق أيضا ً مبدأ شخصية القوانين
ومعنى ذلك أن التشريعات الجزائية السورية تطبق بالنسبة لجميع الجرائم
التي ترتكب ضمن حدود األرض السورية سواء أكان مرتكبو هذه الجرائم
من السوريين أو األجانب (مبدأ إقليمية القوانين ) ،وهي تطبق أيضا ً بالنسبة
للجرائم التي يرتكبها المواطنون السوريون في أي مكان وجدوا فيه ولو كان
هذا المكان واقعا ً خارج نطاق األرض السورية ( مبدأ شخصية القوانين ) .
والسبب في ذلك هو أن الدولة تحرص على أن تعاقب جميع ما يرتكب من
جرائم على أرضها لتهديدها سالمتها و أمنها كما تحرص على أن تعاقب
المجرمين من أبنائها وفقا ً لقواعدها القانونية ولو ارتكبوا جرائمهم خارج
أرضها ألنها ال ترضى لهم اقتراف الجرائم .
وهذا هو ما تقضي به المادتان ( 15و ) 20من قانون العقوبات فاألولى و
هي التي تحدد الصالحية المكانية للقانون الجزائي السوري تنص على أنه
" يطبق القانون السوري على جميع الجرائم المقترفة في األرض السورية"
أما الثانية و هي التي تحدد الصالحية الشخصية لهذا القانون فتنص على أنه
" يطبق القانون السوري على كل سوري .....أقدم خارج األرض السورية
على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري " .
األمور التي يطبق بالنسبة إليها مبدأ إقليمية القوانين :
وتدخل في هذه الزمرة أنواع مختلفة من األمور أهمها مايلي :
77
القواعد المتعلقة بالضابطة ( بالبوليس ) كتنظيم المرور و مراقبة األسواق
و المحالت الخطرة أو المقلقة للراحة أو الضارة بالصحة العامة و نحو
ذلك.
القواعد المتعلقة باألشياء من عقارات أو منقولة وبما يترتب عليها من
حقوق عينية ( المادة 19من القانون المدني ) .
القواعد المتعلقة باإللتزامات غير التعاقدية ( المادة 22من القانون المدني )
القواعد المتعلقة باالختصاص القضائي و إجراءات jالمحاكمة (المادة 23
من القانون المدني )
القواعد المتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة (المادة 30من القانون المدني )
78
تطبيق التشريع من حيث المكان بالنسبة للعقود :نصت الماد ة( )20من
القانون المدني على ما يلي :
" يسري على االلتزامات jالتعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن
المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا ً فإن اختلفا jموطنا ً سرى قانون الدولة
التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا
آخر هو الذي يراد تطبيقه .
على أن قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت بشأن
هذا العقار " .
بالنسبة للعقود يطبق إذن التشريع الذي يختاره المتعاقدان فإذ لم يتفقا على
تشريع معين يطبق التشريع النافذ في موطنهما المشترك فإذا لم يكن لهما
موطن مشترك يطبق التشريع النافذ في الدولة الذي تم فيها العقد أما العقود
التي تتعلق بعقار ما فيطبق عليها تشريع موقع هذا العقار .
هذا عرض موجز جداً لبعض الحاالت jالتي نصت عليها تشريعاتنا فيما
يتعلق بتطبيق القانون من حيث المكان و هو عرض ال يقصد منه دراسة
هذه الحاالت jدراسة تفصيلية و إنما إعطاء لمحة خاطفة عنها تبين لنا
صورة عامة مدى تطبيق كل من المبدأين مبدأ إقليمية القوانين و مبدأ
شخصية القوانين في نظامنا القانوني و ال بد لنا أن نشير إلى أ كثير من هذه
األحكام حوله قيود و استثناءات نصت عليها مفصالً المواد القانونية المتعلقة
بالموضوع .
79
تفسير التشريع
ضرورة تفسير التشريع :
عندما تعرض على القاضي قضية معينة فإنه يبحث في نصوص التشريع
عن القاعدة التي يمكن تطبيقها على هذه القضية ثم يصدر حكمه في هذه
القضية بمقتضى القاعدة المتعلقة بها بعد أن يتثبت من صحة انطباق القاعدة
عليها .
و لكن في بعض األحيان تكون قواعد التشريع غير واضحة و بالتالي على
القاضي في هذه الحالة أن يتبين مضمون القاعدة التشريعية و يفسرها و
يستنتج الحكم المطلوب فيها أي عليه بيان المعنى الحقيقي jالذي تدل عليه
القاعدة و إيضاحه و استنتاج الحكم و هو ما يسمى بالتفسير .
ويلجأ إلى التفسير إذا كان هناك نص يراد التعرف إلى مضمونه و توضيحه
و عادةً يكون ذلك بالنسبة للتشريع أما العرف و مبادئ القانون الطبيعي و
قواعد العدالة ال مجال لتفسير قواعدها لعدم ورودها في نصوص مكتوبة و
إنما تدعو الحاجة إلى استقصائها فقط و التأكد من وجودها .
81
و يتصف التفسير الفقهي أنه ال يتمتع بأية قوة إلزامية و إنما هو عبارة عن
مجرد رأي يصدره فقيه أو رجل قانون وقد يؤخذ به أو يهمل .
رابعا ً :التفسير اإلداري :
عبارة عن البالغات و التعليمات التي تصدرها اإلدارات العامة المختصة
إلى موظفيها لتفسر لهم فيها أحكام التشريعات التي يكلفون بتطبيقها و تبين
كيفية هذا التطبيق وهذا التفسير ال يلزم إال هؤالء الموظفين وحدهم بسبب
اضطرارهم إلى التقيد بتعليمات رؤسائهم و لكنه ال يلزم القضاء jمطلقا ً و ال
يعتبر حجة يقضي بموجبها ليبحث عنها .
82
إلغاء التشريع
إلغاء التشريع يعني زواله و إنهاء العمل به .فالمشرع ،كما أنه يستطيع أن
يسن ما يشاء من التشريعات حين تدعو الضرورة أو المصلحة إلى ذلك ،
فإن باستطاعته أيضا ً أن يلغي التشريعات التي يرى أنها لم تعد مالئمة
للمصلحة العامة أو لم تعد قادرة على مجاراة التطور االجتماعي و أن من
الضرورة االستغناء عنها أو استبدال غيرها بها.
والتشريع إما أن يلغى دون أن يعقبه تشريع جديد يحل محله في التطبيق ألن
الظروف التي دعت إلى إيجاد التشريع السابق لم تعد قائمة و ألنه لم تعد
هناك حاجة إلى تنظيم األمور التي كان ينظمها ذلك التشريع ،وذلك كأغلب
التشريعات التي تصدر خالل الظروف االستثنائية – كظروف الحرب مثالً
– و التي تلغى بانتهاء هذه الظروف التي وجدت من أجلها دون أن يسن
غيرها من التشريعات ليقوم مقامها و إما أن يستبدل بالتشريع الملغى تشريع
جديد يحل محله في التطبيق فينتهي العمل بالتشريع السابق لعدم مالءمته
للمصلحة و حاجات المجتمع ويعمل بالتشريع الجديد الذي يحرص فيه على
تالفي أخطاء التشريع الملغى و إصالح ما فيه من عيب و قصور .
و اإللغاء إما أن يكون عاما بحيث يشمل جميع أحكام التشريع السابق أو
جزئيا ً بحيث يقصر على بعض هذه األحكام دون بعضها اآلخر .
83
السلطة التي تملك حق إلغاء التشريع :
إللغاء نص تشريعي يجب أن يكون النص الجديد الذي يتضمن هذا اإللغاء
صادراً عن السلطة نفسها التي أصدرت النص السابق أو عن سلطة أعلى
منها .
فهناك كما نعلم تسلسل بين أنواع النصوص التي تتضمن قواعد قانونية و
تسلسل بين السلطات التي تصدر عنها هذه النصوص وقد رأينا أن الدستور
الذي يصدر عن السلطة التأسيسية هو أعلى النصوص القانونية مرتبة ،ثم
يأتي بعده التشريع الذي يصدر عن السلطة التشريعية ثم المراسيم و
القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية .فكل واحد من هذه النصوص
يمكن أن يلغى بنص مماثل له من حيث المرتبة أو بنص أعلى منه ،ولكنه
ال يمكن أن يلغى بنص أدنى .وعلى هذا مثالً فالنص التشريعي يمكن أن
يلغى بنص تشريعي آخر أو بنص دستوري و لكنه ال يلغى بقرار إداري .
و كذلك ال يمكن ،بحسب الرأي الراجح أن يعتبر النص التشريعي ملغى
بسبب عدم االستعمال أي بسبب التوقف عن تطبيقه فترة من الزمن .فعدم
االستعمال إنما يعني في الواقع وجود عرف مخالف لهذا النص أدى إلى
التوقف عن تطبيقه و العرف المخالف للنص التشريعي ال يؤدي إلى إلغائه
بحسب الرأي الراجح .إذ أن العرف أدنى في المرتبة من نصوص التشريع
كما أن المادة الثانية من القانون المدني التي تبين كيفية إلغاء التشريع تنص
صراحةً على أنه (( ال يجوز إلغاء نص تشريعي إال بتشريع الحق ))...
فالنص التشريعي يمكن االحتجاج jبه وطلب تطبيقه في كل وقت مادام
المشرع لم يعمد إلى إلغائه ألنه يظل قائما ً و ساري المفعول و لو أهمل
استعماله أو نشأ عرف مخالف له.
84
أنواع اإللغاء :
نصت المادة الثانية من القانون المدني المشار إليه آنفا على ما يلي :
(( ال يجوز إلغاء نص تشريعي إال بتشريع الحق ينص صراحة على هذا
اإللغاء أو يشمل على نص يتعارض مع النص التشريعي القديم أو ينظم من
جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع )) .
فهناك بحسب هذه المادة نوعان من اإللغاء :اإللغاء الصريح واإللغاء
الضمني .
اإللغاء الصريح :يكون هناك إلغاء صريح حين يتضمن التشريع الجديد
نصا ً يقضي بإلغاء التشريع السابق أو بإلغاء بعض مواده وهذا اإللغاء هو
أبسط أنواع اإللغاء و أشدها وضوحا ً يقضي بإلغاء أحكام التشريعات
المخالفة لها أو التي جاءت لتحل محلها .
و لعلنا نستطيع أن نعتبر من صور اإللغاء الصريح أيضا ً الحالة التي يحدد
فيها التشريع أحيانا ً المدة التي يطبق خاللها إذ يعتبر التشريع حين انقضاء
هذه المدة بحكم الملغى صراحة استناداً إلى نصه نفسه ،وذلك كما لو نص
التشريع مثالً على أن األحكام التي يتضمنها تطبق خالل مدة سنة فقط فحين
انتهاء هذه السنة يتوقف العمل بهذا التشريع ويعتبر بحكم الملغى صراحة
استناداً إلى نصه نفسه الذي يحدد مدة العمل بأحكامه.
اإللغاء الضمني :يقع اإللغاء الضمني في إحدى الحالتين التاليتين اللتين
أشارت إليهما المادة الثانية من القانون المدني المذكور آنفا ،وهما :
-1أن يشتمل التشريع الالحق على نص يتعارض مع نص التشريع القديم .
-2أن ينظم التشريع الالحق من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده
التشريع القديم الحالة األولى :إذا اشتمل التشريع الالحق على نص
85
يتعارض مع نص التشريع القديم بحيث يتعذر تطبيق النصين في آن واحد و
العمل بهما كليهما ،فيعتبر أن النص الالحق قد ألغى ضمنا ً النص القديم .
أما إذا أمكن التوفيق بين النصين القديم و الجديد فال يعتبر أن النص الالحق
قد ألغى السابق و إنما يطبقان معا ً كل منهما بالنسبة للحاالت jالتي تتناولها
أحكامه .ومثال ذلك أن يكون النص القديم نصا ً عاما ً و النص الجديد نصا ً
خاصا ً ،فيعتبر النص الخاص بمثابة استثناء من النص العام و يعمد إلى
تطبيقه بالنسبة لألمور التي جاء لتنظيمها ثم يطبق النص العم فيما عدا ذلك
الحالة الثانية :إذا كان التشريع الالحق ينظم من جديد الموضوع الذي سبق
أن قرر قواعده التشريع القديم فيعتبر أن التشريع الالحق قد حل محل
التشريع القديم و إلغاءه و إن ينص صراحة على هذا اإللغاء .
وفي الواقع حين يعمد المشرع إلى وضع تشريع جديد ينظم بصورة كاملة
شاملة موضوعا ً من الموضوعات فمعنى ذلك أنه أراد أن يستغني عن
التشريع السابق الذي ينظم هذا الموضوع وأن يستعيض عنه بالتشريع
الجديد و على هذا ال تطبق أحكام التشريع السابق حتى تلك التي ال تتعارض
مع التشريع الجديد ألن اإللغاء الضمني ال يستنتج هنا من التعارض بين
النصوص القديمة و الجديدة و لكن من مجرد تنظيم الموضوع السابق
تنظيما ً جديداً شامالً فهذا التنظيم الجديد قد ألغى ضمنا ً برمته سواء منه
األحكام التي تتعارض مع التشريع الجديد أو التي ال تتعارض .
ومن أمثلة هذا النوع من اإللغاء حالة الدستور السوري الذي صدر عام
1950فهو بالرغم من أنه لم ينص صراحة على إلغاء الدستور السابق له
يعتبر قد ألغاه ضمنا ً حتى بالنسبة لما يتضمنه من أحكام ال تعارض أحكامه
ألن وضع دستور جديد للبالد يستدل منه ضمنا ً أن هذا الدستور هو وحده
86
الذي يجب أن يتبع و أن الدستور السابق قد ألغي و لو لم يكن األمر كذلك
لما كانت هناك حاجة إلصدار دستور جديد وال تكتفي فقط بمجرد تعديل
الدستور السابق .
و يالحظ في أغلب األحيان أن التشريع الالحق الذي يصدر لينظم من جديد
الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده تشريع قديم يتضمن عادة نصا ً
صريحا ً بإلغاء هذا التشريع القديم و ال شك أن اإللغاء الصريح في مثل هذه
الحالة ال ضرورة له إذ أن التشريع الالحق ولو لم ينص صراحة على إلغاء
التشريع السابق يعتبر أنه قد ألغاه ضمنا ً لمجرد تنظيمه الموضوع الذي كان
ينظمه ذلك التشريع تنظيما ً جديداً .
87
نظرية الحق
على الرغم من أن وجود فكرة الحق قد أصبح اليوم من الحقائق المسلمة في
فقه القانون فقد اختلف الفقهاء اختالفاً jكبيراً حول تعريف الحق وسوف
نعرض على التوالي النظريات التقليدية و النظرية الحديثة في تعريف
الحق.
النظريات التقليدية
ثمة ثالث نظريات تقليدية حاولت تعريف الحق فمن الفقهاء jمن نظر إلى
الحق من خالل صاحبه أي صاحب الحق و هذه هي النظرية الشخصية
ومنهم من حاول تعريف الحق بالنظر إلى موضوع الحق وهذه هي النظرية
الموضوعية ومنهم من أقام تعريف الحق بالنظر إلى صاحب jالحق و
موضوع الحق معا ً وهذه النظرية المختلطة.
88
ثانيا ً نقد النظرية :
لقد تعرضت النظرية الشخصية لنقد شديد من الفقه :
-1إن القول بأن الحق قدرة أو سلطة إرادية يتعارض مع الواقع ذلك أنه
يربط وجود الحق باإلرادة في حين أنه قد يوجد حق دون أن توجد اإلرادة
لدى صاحبه .فالمجنون و الصغير غير المميز يتمتع كل منهما بحقوق
يعترف بها القانون رغم أنه عديم اإلرادة ،ولو كانت اإلرادة هي جوهر
الحق لما أمكن االعتراف لهما بأي حق .كما أن الحق قد يثبت لصاحبه
دون تدخل من إرادته أو دون علمه ،كالوارث الذي تثبت له الحقوق في
تركة مورثه بمجرد وفاة المورث ودون تدخل إرادته ،وكذلك الغائب الذي
قد يكتسب حقوقا ً دون علمه .
-2إن تعريف النظرية الشخصية للحق يجعل من المتعذر االعتراف
لألشخاص المعنوية أو االعتبارية بإمكانية اكتساب الحقوق ألنه يصعب
التسليم بتوافر اإلرادة الحقيقية لهذه األشخاص .
-3إن هذه النظرية تخلط بين وجود الحق و استعماله .فالحق يوجد و لو
بدون إرادة صاحبه ،و لكن مباشرة هذا الحق أو استعماله قد يستلزم وجود
اإلرادة و حينئ ٍذ ال يكون وجود اإلرادة شرطا ً لقيام الحق و إنما يكون شرطا ً
الستعماله .ومع ذلك فإن هناك حاالت ال يستلزم استعمال الحق فيها وجود
اإلرادة .فالمجنون يستعمل حق ملكيته حين يسكن منزله أو يركب سيارته
بالرغم من كونه عديم اإلرادة .
89
النظرية الموضوعية أو نظرية المصلحة
أوالً :مضمون النظرية :
ينظر أنصار هذه النظرية إلى الحق من خالل موضوعه و الغاية منه ،
ولذلك يعرفون الحق بأنه " مصلحة يحميها القانون " .فالحق يتكون من
عنصرين متالزمين:عنصر موضوعي هو المنفعة أو المصلحة التي يحققها
الحق لصاحبه ،وهذه المصلحة قد تكون مادية أو معنوية ،وعنصر شكلي
يتمثل في الحماية القانونية للحق أي الدعوى القضائية .
ثانياً :نقد النظرية :
رغم أن هذه النظرية قد القت قبوالً في بعض األوساط القانونية إال أنها لم
تسلم من النقد :
-1فقد قيل نقداً لهذه النظرية أنها تعرف الحق بهدفه و الغاية منه وهي
المصلحة .وال يجوز تعريف الشيء بغايته و إنما بجوهره .وليس جوهر
الحق هو المصلحة أو المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحق ،ألن الحق
ما هو إال وسيلة لتحقيق المصلحة و لذلك ال يجوز أن تدخل المصلحة في
بيان ماهية الحق.
و إن كان صحيحاً jأن الحق يتضمن مصلحة فإن العكس غير صحيح إذ
ليست كل مصلحة تعتبر حقا ً فهناك مصالح معينة ال ترقى إلى مرتبة الحق.
فمثالً حين تفرض الدولة رسوما ً جمركية على بعض الواردات األجنبية
حماية للصناعة الوطنية ،فإن ذلك يحقق مصلحة مؤكدة للمنتجين
الوطنيين ،ولكن هذه المصلحة ال ترتفع إلى مرتبة الحق الذي يمكن المطالبة
به أمام القضاء .
90
-2إن هذه النظرية تجعل من الحماية القانونية أو الدعوى عنصراً ثانيا ً في
الحق ،في حين أن الحماية القانونية هي نتيجة أو أثر لوجود الحق .
فالحماية الحقة على نشوء الحق وال يمكن اعتبارها عنصراً لوجوده .
فالحق ال يعتبر حقا ً ألن القانون يحميه بدعوى ،ولكن الصحيح أن القانون
يحميه بدعوى ألنه حق .
النظرية المختلطة
إزاء االنتقادات السابقة للنظريتين الشخصية و الموضوعية ،وجدت نظرية
أخرى تقوم على الجمع بين نظريتي اإلرادة و المصلحة ،وذلك بالنظر إلى
الحق من خالل صاحبه ومن خالل موضوعه أو الغرض منه على حد
سواء .
ولكن أنصار هذه النظرية اختلفوا فيما بينهم بشأن ترجيح اإلرادة أو
المصلحة في تعريف الحق فبعضهم يغلب عنصر المصلحة على عنصر
اإلرادة فيعرف الحق بأنه " مصلحة تحميها سلطة إرادة اإلنسان " والبعض
اآلخر يغلب دور اإلرادة على دور المصلحة فيعرف الحق بأنه " قدرة أو
سلطة إرادية يعترف بها القانون و يحميها لشخص من األشخاص في سبيل
تحقيق مصلحة معينة " .
وسواء أكان مصلحة تحميها اإلرادة أو كان إرادة في سبيل تحقيق مصلحة ،
فإن هذه النظرية ال تضيف جديداً في الكشف عن جوهر الحق .و لهذا
يمكن أن يوجه إليها ذات االنتقادات التي وجهت إلى النظريتين السابقتين .
فالحق ليس اإلرادة كما أنه ليس المصلحة و ال يجوز اعتباره مركبا ً من
المصلحة واإلرادة معا ً .ولذلك ظهرت نظرية حديثة حاولت أن تكشف عن
جوهر الحق و خصائصه الذاتية المميزة .
91
النظرية الحديثة أو نظرية دابان
أوالً :عرض النظرية :
حاول الفقيه البلجيكي جان دابان أن يتالفى االنتقادات التي تعرضت لها
النظريات التقليدية في تعريفها للحق ولذلك قام بتعريف الحق عن طريق
تحليل فكرة الحق ذاتها و الوقوف على العناصر التي تتكون منها .و انتهى
إلى أن الحق يتكون من أربعة عناصر :
-1االستئثار Vأو االختصاص :ويقصد به اختصاص أو استئثار شخص معين
بقيمة معينة بحيث تكون هذه القيمة مقصورة على صاحب الحق .فالمالك
يستأثر أو يختص بملكه دون غيره .و ال يقتصر مفهوم القيمة هنا على
القيمة المالية ،بل قد تكون القيمة معنوية ال تقدر بالمال ،كحق الشخص في
الحياة و حقه في الحرية و حقه في أن ينسب إليه إنتاجه الفكري ،وهذا
االختصاص أو االستئثار ليس له صلة باإلرادة فهو يثبت لصاحبه و لو لم
تتوافر لديه اإلرادة كالمجنون و الصغير غير المميز كما أن يثبت للشخص
دون علمه .
– 2التسلط :وهو نتيجة لعنصر االستئثار .ذلك أن استئثار شخص بشيء
معين يؤدي حتما ً إلى االعتراف له بنوع من التسلط على هذا الشيء ويقصد
بالتسلط هنا القدرة على التصرف بحرية في الشيء موضوع الحق .و
يتحقق التسلط و لو وجد مانع يحول دون ممارسته من قبل صاحب الحق ،
أي أن وجود التسلط ال يتوقف على ممارسته فعالً من قبل صاحبه .فالمالكj
الذي ضاع منه الشيء المملوك أو سرق يظل مع ذلك مالكا ً أي صاحب jحق
ذلك أن ضياع الشيء أو سرقته ،وإن حال دون تحقيق التسلط المادي أو
الفعلي على الشيء إال أنه ال يمنع من وجود التسلط القانوني أو المعنوي .
92
-3احترام الغير للحق :و يقصد بالغير جميع الناس عدا صاحب الحق .ذلك
ألن الحق يقتضي وجود أشخاص يسري الحق في مواجهتهم و يتحقق
سريان الحق في مواجهة الغير من خالل أمرين :عدم جواز االعتداء على
الحق أي عدم االعتداء على االستئثار و التسلط اللذين يتمتع بهما صاحب
الحق ،واالقتضاء أي إمكان صاحب الحق بالمطالبة بعدم االعتداء على
حقه فعدم جواز االعتداء على الحق هو و اجب على الغير كما أن صاحب
الحق يستطيع أن يقتضي احترام حقه .
-4الحماية القانونية :تعتبر الحماية القانونية عند دابان عنصراً أساسيا ً ال
يمكن أن يوجد الحق بدونه .فالحق ال يكون كامالً إال إذا تكفل القانون
بحمايته والدعوى القضائية هي وسيلة حماية الحق .فكل حق كامل يكون
مزود بدعوى لحمايته .
في ضوء هذه العناصر األربعة التي يتكون منها الحق ،ينتهي دابان إلى
تعريف الحق بأنه "ميزة يمنحها القانون لشخص و تحميها طرق قانونية
فيكون لذلك الشخص بمقتضى تلك الميزة أن يتصرف في مال أقر القانون
بانتمائه إليه سواء باعتباره ملكا ً له أو باعتباره شيئا ً مستحقا ً له في ذمة
الغير" .
ثانيا ً :تقدير النظرية :
أهم ما قيل في نقد هذه النظرية أن تعريف الحق كاختصاص أو استئثار و تسلط
إن كان يتفق تماما ً مع الحقوق في نطاق القانون الخاص كما في حق الملكية ،
فإنه ال يتفق مع الحقوق في نطاق القانون العام ،كالحق في االنتخابات أو
الحريات العامة فمثل هذه الحقوق يعترف بها القانون للناس كافةً وال يختص أو
يستأثر بها شخص دون غيره .كما أن هذه الحقوق غير قابلة للتصرف األمر
93
الذي يجعل من الصعب تصور وجود عنصر التسلط فيها باعتبار أن التسلط
يعني القدرة على التصرف بحرية في الشيء موضوع jالحق .
وأيا ً ما كان األمر بشأن الخالف الفقهي حول تعريف الحق ،فإن الحق يتكون
من عناصر أساسية تميزه عن غيره من األوضاع المتشابهة كالحريات أو
الرخص العامة فالحق كما يرى الدكتور حسن كيره يفترض وجود عنصرين
أساسيين :
- 1رابطة قانونية ،وهذه الرابطة إما أن تكون رابطة اقتضاء أو رابطة تسلط .
-2استئثار شخص و انفراده دون jغيره من الناس بما تخوله الرابطة القانونية
من تسلط أو اقتضاء .
وفي ضوء هذين العنصرين ينتهي الدكتور حسن كيره إلى تعريف الحق بأنه "
هو تلك الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول القانون شخصا ً من األشخاص
على سبيل االنفراد و االستئثار التسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من
شخص آخر " .
و يالحظ في هذا التعريف أنه لم يعتبر الحماية القانونية أو الدعوى القضائية
عنصراً من العناصر المكونة للحق .وفي الواقع إن الحماية القانونية للحق أو
الدعوى jالقضائية ال تعدو أن تكون أثراً من آثار وجود الحق ،فهي الحقة
لوجوده وال يجوز اعتبارها من العناصر الجوهرية للحق .
94
نسبية الحق
96
مثال ( الشخص الذي يقيم جداراً عاليا ً في أرضه ،ال يعود عليه بأية فائدة ،
لمجرد حجب النور و الهواء عن جاره بسبب تعسفه في استعمال حقه الذي
يستنتج من وجود قصد األضرار لديه مع عدم وجود مصلحة له في هذا
االستعمال .
إال أنه قد يصدف في كثير من األحيان أن يجني الشخص الذي يستعمل حقه
بقصد األضرار بالغير بعض المنفعة بمناسبة استعماله لهذا الحق .وهنا
يرى أغلب الفقهاء jأن يعتبر التعسف حاصالً إذا كان قصد األضرار هو
العامل الرئيسي أو األصلي الذي دفع صاحب الحق إلى استعماله حقه و
كان جلب المنفعة عامالً ثانويا ً بالنسبة إليه .وذلك كمن يقيم في أرضه برجا ً
للحمام إلى جانب حظيرة للمواشي تعود إلى جاره بقصد األضرار بهذا
الجار الناتج عن تساقط ريش الحمام في علف مواشيه و حيث يعتبر
صاحب البرج متعسفا ً في استعمال حقه مادام قصد األضرار هو العامل
الرئيسي الذي دفعه إلى إقامة البرج بقرب الحظيرة المجاورة و بالرغم من
المنفعة الثانوية التي تحققها له إقامة هذا البرج و تربية الحمام فيه .
ب -التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر :و في هذه الحالة إذا كان
استعمال الحق يؤدي إلى تحقيق مصلحة قليلة األهمية لصاحبه و يسبب في
نفس الوقت ضرراً للغير ال يتناسب البتة مع هذه المصلحة الناجمة عنه فإن
هذا االستعمال يكون مشوبا ً بالتعسف ويستوجب مسؤولية صاحب jالحق ،
ولو لم يثبت لديه قصد األضرار و اإليذاء .فالتعسف هنا يستخلص من
مجرد التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر و دون النظر إلى النية و
القصد .إال أن التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر إذا نظر إليه مجرداً
عن قصد األضرار و اعتبر وحده كافيا ً لتقرير التعسف ،فإن من الممكن أن
97
يعتبر في نفس الوقت بمثابة دليل على وجود قصد األضرار لدى صاحبj
الحق .ألن من يستعمل حقه فيسبب للغير ضرراً بالغا ً مع ضآلة المصلحة
التي تعود عليه ،إما أن يكون عابثا ً مستهتراً ال يبالي بما يصيب الغير من
أضرار ،أو يكون – و هذا هو الغالب -متعمداً أحداث الضرر الذي
أصاب الغير بسبب استعماله لحقه .
و ليس هناك من حد معلوم أو ضابط واضح لتقدير التفاوت الكبير بين
المصلحة و الضرر الذي يجعل استعمال الحق مشوبا ً بالتعسف و الضابط
الذي يضعه القانون المدني في هذا المجال هو أال تتناسب المصلحة البتة مع
الضرر الذي يصيب الغير ويعود تقدير ذلك إلى القاضي الذي يتوجب عليه
أن يوازن بين المصلحة و الضرر في كل حالة من الحاالت jحتى إذا بدا
أنهما ال يتناسبان إطالقا ً قضى عندئذ بوجود التعسف .
ويرى بعض الفقهاء أن الحكم المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة /
/818من القانون المدني المصري ،والقاضي يمنع مالك الحائط من " أن
يهدمه مختاراً دون عذر قوي إن كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه
بالحائط " يمكن أن يعتبر بمثابة تطبيق لهذه الحالة باعتبار أن مصلحة
المالك ،الذي ال يستند في هدم حائطه إلى عذر قوي ،تعتبر ضئيلة بالنسبة
إلى ضرر الجار من هدمه .
ج -تحقيق مصالح غير مشروعة :وفي هذه الحالة يعتبر التعسف قائما ً ال
بسبب قصد األضرار بالغير لدى صاحب الحق أو بسبب التفاوت jالكبير بين
المصلحة التي يجنيها من استعماله لحقه و الضرر الذي يصيب الغير من
جراء ذلك و لكن بسبب استعماله لحقه ابتغاء تحقيق مصلحة غير مشروعة
98
ومن األمثلة التي يكون التعسف فيها ناتجا ً عن استعمال الحق في سبيل
تحقيق مصالح غير مشروعة مثال رب العمل الذي يسرح أحد عماله بسبب
انتمائه إلى إحدى النقابات jأو مثال صاحب jاألرض المجاورة ألحد
المطارات الذي يقيم األعمدة العالية على أرضه أو يحيطها باألسالك لعرقلة
هبوط الطائرات و إرغام أصحاب jالمطار بالتالي على شراء أرضه بأسعار
مرتفعة على شراء األرض .تعتبران من المصالح غير المشروعة التي
تدل على وجود التعسف .
99
أقسام الحق
تعداد أقسام الحق
يمكن أن تصنف الحقوق باعتبارات متعددة منها :
-الحقوق العامة و الحقوق الخاصة -الحقوق العينية والحقوق الشخصية-
الحقوق األدبية أو المعنوية .
-1الحقوق العامة :
يدخل في زمرة الحقوق العامة نوعان من الحقوق يطلق عليهما الحقوق
السياسية و حقوق الشخصية .
* الحقوق السياسية :هي الحقوق التي تمنح للشخص باعتباره عضواً في
الدولة لتمكينه من اإلسهام في حكم بالده و إدارتها كحق االنتخاب و
الترشيح مثالً أو حق تولي الوظائف العامة .
* حقوق الشخصية :فهي عبارة عن حقوق تتصل بالشخصية اإلنسانية و
تعتبر ضرورة لحماية الفرد في ذاته و مقوماته ووجوده وتمكينه من العيش
بصورة حرة كريمة و ذلك كحق اإلنسان في الحرية و في الحياة .
-2الحقوق الخاصة :تقسم الحقوق الخاصة عادةً إلى قسمين هما :حقوق
األسرة من جهة والحقوق المالية من جهة ثانية .
* حقوق األسرة :هي عبارة عن مراكز ممتازة أو سلطات تعترف بها
قواعد األحوال الشخصية لألفراد بسبب صلة القرابة أو الزواج أو
المصاهرة القائمة بينهم و بين سائر أفراد أسرتهم ،كسلطة األب على ابنه
في تربيته و رعايته و اإلشراف على شؤونه .
*أما الحقوق المالية :فهي سلطات تمنحها قواعد القانون الخاص ألصحابهاj
تمكينا ً لهم من تحقيق مصالح تعود إليهم يمكن تقويمها بالمال ،كحق المالك
100
مثالً والدائن و البائع وهذه الحقوق تدخل في ذمة الشخص المالية و يجوز
التعامل فيها و الحجز عليها بخالف حقوق األسرة أو حقوق الشخصية أو
الحقوق السياسية .
-3الحقوق العينية والحقوق الشخصية :
تقسم الحقوق المالية إلى قسمين رئيسين هما الحقوق العينية من جهة
والحقوق الشخصية من جهة ثانية
*الحق العيني :يعرف بأنه سلطة مباشرة لشخص على شيء معين بالذات
يستطيع هذا الشخص ممارستها دون واسطة و السلطة التي يتمتع بها
صاحب الحق العيني هي سلطة مباشرة على الشيء الذي يتعلق به هذا
الحق ،فصاحب حق الملكية له سلطة مباشرة على الشيء الذي يملكه .
والحقوق العينية تقسم إلى قسمين :حقوق عينية أصلية و حقوق عينية
تبعية.
-الحقوق العينية األصلية:فهي التي يكون لها وجود مستقل بحيث ال ترتبط
أو تتعلق بأي حق آخر ،وأهمها حق الملكية ،وحق االنتفاع وحق االرتفاق.
وحق الملكية هوأهم أنواع الحقوق العينية إطالقا ً وأوسعها مدى ألن صاحبه
يتمتع بسلطة استعمال الشيء و استغالله و التصرف فيه بشتى أنواع
التصرف وهذه المكنات الثالث ال تجتمع كلها إال في حق الملكية وحده أما
حق االنتفاع فتقتصر سلطة صاحبه على االستعمال واالستغالل دون
التصرف وحق االرتفاق ليس لصاحبه سوى سلطة محدودة في استعمال
الشيء بحسب ما يقتضيه نوع حقه كحق المرور في ارض الغير مثالً .
-الحقوق العينية التبعية :هي التي ال يمكن أن توجد بصورة مستقلة و إنما
تتبع حقا ً آخر ترتبط به وتكون ضامنا ً له والحق الذي يتبعه الحق العيني هو
101
دوما ً حق شخصي ،ومن أهم هذه الحقوق :حق الرهن فهو حق عيني ألن
لصاحب حق الرهن سلطة مباشرة على المال المرهون و هو تبعي ألنه ال
يمكن أن يوجد بصورة مستقلة ،إذ ال يمكن أن ينشأ حق الرهن إال إذا كان
هناك دين يراد إيجاد ضمان للوفاء به.
*الحق الشخصي :هو سلطة مقررة لشخص تجاه آخر تخول األول وهو
صاحب الحق الشخصي أو الدائن أو الملتزم له أن يجبر الثاني وهو المكلف
أو المدين أو الملتزم على أن يقوم له بعمل أو يمتنع من أجله عن عمل ،
فللبائع مثالً حق شخصي على المشتري فيما يتعلق بدفع الثمن و للمشتري
حق شخصي على البائع فيما يتعلق بتسليم المبيع .
-المقارنة بين الحق العيني و الحق الشخصي :
يمكن التفريق بين الحق العيني و الحق الشخصي من ثالثة وجوه و هي :
-1من حيث األطراف :يختلف الحق العيني عن الحق الشخصي من حيث
أن الحق العيني ال يوجد فيه سوى طرف واحد موجب هو صاحب الحق
بينما ال بد من وجود طرفين بالنسبة للحق الشخصي أحدهما موجب هو
صاحب الحق أو الدائن أو الملتزم له و اآلخر سالب هو الملتزم أو المكلف
أو المدين .فصاحب الحق العيني كالمالك مثالً ال عالقة له بأي شخص آخر
و إنما هو يتمتع بسلطة مبشرة يستطيع ممارستها دون واسطة على الشيء
الذي يقع عليه حقه و ليس هناك من طرف سواه بالنسبة لهذا الحق ،أما
صاحب الحق الشخصي كالدائن أو المتضرر فال تقع سلطته على شيء
معين ليعتبر الطرف الوحيد في الحق و إنما هي سلطة مقررة له تجاه
شخص آخر يقع عليه عبء االلتزام المقابل لحقه كالمدين أو المسؤول عن
الضرر و يعتبر الشخص اآلخر الذي يقع عليه االلتزام المقابل للحق
102
الشخصي طرفا ً ثانيا ً فيه هو الطرف السالب باإلضافة إلى صاحب jالحق
نفسه الذي يعتبر الطرف الموجب .
–2من حيث المضمون :إن الحق العيني عبارة عن سلطة مباشرة لشخص
على شيء معين بالذات أما الحق الشخصي فعبارة عن سلطة مقررة
لشخص اتجاه شخص آخر موضوعها القيام بعمل أو االمتناع عن عمل .
-3من حيث النتائج و اآلثار :إن الحق العيني يخول صاحبه امتيازين
هامين ال يخولهما الحق الشخصي لصاحبه و هما حق التتبع من جهة وحق
األولوية أو الرجحان من جهة ثانية .
-حق التتبع :إن صاحب الحق العيني يستطيع تتبع الشيء الذي يقع عليه
حقه و اللحاق به السترداده من أي يد وقع فيها و ذلك نتيجة لسلطته
المباشرة عليه ،فالمالك يستطيع إذا غصب منه الشيء الذي يملكه أن يتتبعه
و يسترده من أي شخص يقع تحت يده ،أما صاحب الحق الشخصي فليس
له حق التتبع ألن سلطته على الشيء غير مباشرة .
-حق األولوية والرجحان :معناه أن صاحب الحق العيني يستطيع أن يتقدم
على غيره للحصول على حقه و هو يرجح على سائر الدائنين العاديين ،
فالدائن الذي استحصل مثالً على رهن من مدينه يكون له حق عيني تبعي
على المال المرهون و هو لهذا يرجح على سائر الدائنين في استيفاء دينه
من هذا المال ألن عليه سلطة مباشرة .
-4الحق األدبي أو المعنوي :
يعرف هذا الحق بأنه سلطة مخولة لشخص على نتاجه الفكري أواألدبي
أو الفني لتمكينه من االحتفاظ بنسبة من هذا النتاج و احتكار المنفعة المالية
103
التي تنتج عن استغالله وذلك كحق المؤلف على مؤلفه و المخترع على
اختراعه و الفنان على مبتكراته .
و يدخل في هذه الزمرة أيضا ً حق صاحب jاالسم التجاري على اسم محله
وصاحب العالمة الفارقة على عالمته و هذا الحق في الواقع كحق الملكية
إال أنه ال يقع على شيء مادي بل على شيء معنوي .
ومن خصائص هذا الحق أن له طابع مالي و معنوي في نفس الوقت :
فهو من جهة يخول صاحبه إستثمار نتاجه الفكري و استغالله و التصرف
فيه و جني األرباح التي تنتج عنه كأن ينشر المؤلف كتابا ً تحقيقيا ً للربح أو
بيع المخترع حق اختراعه لقاء مبلغ من المال .
وهو من جهة ثانية يخول صاحبه نسبة هذا النتاج إليه وعدم االعتداء عليه
أو انتحاله من قبل غيره حفظا ً لسمعته أو شهرته األدبية أو العلمية أو
الفكرية .
أركان الحق
تعداد أركان الحق :
اختلف الفقهاء jفي تحديد أركان الحق فبعضهم يرى أن للحق ركنين
أساسيين هما :األطراف من جهة و المحل من جهة ثانية ،يضيف البعض
اآلخر إلى هذين الركنين أركانا ً ثالثة أخرى أو بعضها وهي :المضمون ،
السبب ،المؤيد أو الجزاءj
)1األطراف :هم األشخاص سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين ،
ألن األشخاص هم أصحاب jالحقوق و أربابها و هم الذين تقع الواجبات jعلى
عاتقهم .و أطراف الحقوق على نوعين :أطراف إيجابيون و هم أصحاب
104
هذه الحقوق و أطراف سلبيون و هم األشخاص الذين يقع عليهم االلتزامات
المقابلة لهذه الحقوق .وكل حق أيا ً كان نوعه ال بد من طرف موجب يعود
إليه هذا الحق و يعترف له به أما بالنسبة للطرف السالب فهو يبدو واضحا ً
في الحق الشخصي .
)2المحل :محل الحق هو الشيء المادي أو المعنوي الذي يتعلق بهذا الحق
سواء مباشرة كما في الحقوق العينية ( والمعنوية ) أو بصورة غير مباشرة
كما في الحقوق الشخصية ،فمحل الحق بالنسبة للمالك jمثالً هو الشيء
المادي الذي تقع عليه ملكيته كاألرض أو الكتاب ،...........أما بالنسبة
للحق الشخصي الذي يقابله التزام على الطرف السالب للقيام بعمل أو
االمتناع عن عمل فمن الجدير أن نفرق بين حالتين :
-إذا كان االلتزام المترتب على الطرف السالب يتضمن إعطاء شيء
كالتزام البائع بإعطاء المبيع مثالً و المدين بدفع مبلغ من النقود فإن هذا
الشيء هو المحل الذي يقع عليه الحق الشخصي و الذي يكون لصاحب هذا
الحق عليه سلطة غير مباشرة ألنه ال يستطيع الوصول إليه إال عن طريق
الطرف السالب الملتزم بإعطائه ،وفي هذه الحالة يمكن التمييز بين محل
الحق و مضمونه إذ يكون المحل هو الشيء و المضمون هو اإلعطاء الذي
يتوجب على الملتزم القيام به .
-أما إذا كان االلتزام المترتب على الطرف السالب ال يتضمن إعطاء شيء
و إنما مجرد القيام بعمل أو االمتناع عن عمل كالتزام شركة النقل بنقل
المسافر مثالً أو التزام الممثل باالمتناع عن التمثيل لدى فرقة أخرى فإن
القيام بالعمل أو االمتناع عنه هو نفسه محل الحق الشخصي في هذه الحالة ،
105
وهنا يندمج محل الحق الشخصي بمضمونه حتى اليكاد يمكن التفريق بينهما
إذ يكون كالهما عبارة عن القيام بعمل أو امتناع عن عمل
)3المضمون :مضمون الحق هو السلطة التي يخولها هذا الحق لصاحبه و
هذه السلطة تختلف من حق ألخر و لكن يمكن أن نجملها في الحقوق العينية
األصلية بأنها سلطة استعمال الشيء و استغالله و التصرف به أو بعض
ذلك و في الحقوق العينية التبعية بأنها سلطة من نوع خاص تهدف إلى
ضمان الوفاء بالحق الشخصي بمنح صاحبه اآلثار التي تترتب على الحق
العيني و بصورة خاصة حق التتبع وحق األولوية أو الرجحان jكما نستطيع
أن نجملها في الحقوق الشخصية بأنها سلطة إجبار المدين على القيام بعمل
أو االمتناع عن عمل .
)4السبب :سبب الحق أو مصدره هو الواقعة القانونية التي تولد عنها الحق
و أدت إلى نشوئه .ومصادر الحقوق متعددة بعضها عبارة عن وقائع مادية
كالوالدة و الوفاء و الفعل الضار و بعضها اآلخر عبارة عن تصرفات
إرادية يستهدف أصحابها jمن ورائها إنشاء هذه الحقوق كالعقود مثالً .
)5المؤيد و الجزاء : jهو الحماية التي يسبغها القانون على الحقوق لتمكين
أصحابها من التمتع بها و ممارستها و منع الغير من االعتداء عليها و إن
المؤيد أو الجزاء الذي يتمتع به الحق هو نفس المؤيد أو الجزاء jالمقرر
بالنسبة للقاعدة القانونية .
106