You are on page 1of 106

‫مفهوم القانون والحق‬

‫الق انون والحق مفهوم ان مترابط ان متالزم ان بحيث ال ي ذكر أح دهما إال‬
‫ويتب ادر لل ذهن اآلخ ر‪.‬ف الحق كما س نرى هو ثم رة الق انون ‪ :‬كما أن مهمة‬
‫الق انون األساس ية هي تحديد الحق وق وبي ان م داها وكيفية اكتس ابها‬
‫وانقضائها‪.‬‬
‫‪-1‬القانون ‪:‬‬
‫ويقصد به مجموعة القواعد ال تي تطبق على األش خاص في عالق اتهم‬
‫االجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق‬
‫النظام في المجتمع‪.‬‬
‫فالق انون يع بر به بحسب ه ذا التعريف عن مجموعة القواعد القانونية ال تي‬
‫تنظم حي اة المجتمع وس لوك األش خاص فيه أي اً ك ان مص در ه ذه القواعد‬
‫القانونية‪(:‬التشريع أو سواه من المصادر األخرى ) وقد تنظم هذه القواعد‬
‫أم ور مدنية او تجارية أو جزائية أو غيرها ومع ذلك فإنها جميعها بص رف‬
‫النظر عن مصدرها أو موضوعها هي التي يتكون منها القانون بمعناه العام‬
‫الذي بيناه‪.‬‬
‫على أن لكلمة القانون معنى آخر خاص شائع االستعمال ويقصد به القواعد‬
‫الصادرة عن السلطة التشريعية المختصة‪.‬وهذا النوع من القواعد وإ ن كان‬
‫يمثل في عصرنا الحاضر الجزء األكبر من القواعد القانونية بوجه عام غير‬
‫انه ال يش ملها جميعها وبالت الي ف إن الق انون به ذا المع نى الخ اص ليس س وى‬
‫مصدر من مصادر القانون بمعناه العام المبين آنفا بل هو أهم مصادره في‬
‫عص رنا الحاضر ولكنه ليس مص دره الوحي د‪.‬وقد آثرنا دفعا لاللتب اس أن‬
‫نقصر في اس تعمالنا لكلمة الق انون على معناها الع ام ال ذي يقصد به التعب ير‬

‫‪1‬‬
‫عن مجموعة القواعد القانونية وان نطلق على الق انون ب المعنى الخ اص اسم‬
‫التشريع المرادف له‬

‫‪-2‬الحق‪:‬‬
‫ويقصد به الس لطة أو اإلمكانية أو االمتي از ال تي يمنحها الق انون للش خص‬
‫تمكينا له من تحقيق مصلحة مشروعة يعترف له بها ويحميها‪.‬‬
‫والحق أو الحقوق بهذا المعنى ال تتمثل إذا بالقواعد القانونية نفسها وإ نما بما‬
‫تق ره ه ذه القواعد لألش خاص وما تمنحهم إي اه من س لطات وإ مكاني ات‬
‫وميزات‪.‬فالقواعد القانونية التي تمنح الحق للمستأجر مثال في سكنى العقار‬
‫المأجور وللبائع في استيفاء ثمن المبيع من المش تري وللعامل في الحصول‬
‫على تع ويض تس ريح من رب العمل ولألب في تربية أبنائه ت دخل كلها في‬
‫نط اق الق انون أما ما ينشأ عن ه ذه القواعد من س لطات وإ مكاني ات وم يزات‬
‫يتمتع بها المس تأجر أو الب ائع أو العامل أو األب فإنما تعت بر حقوقا يع ترف‬
‫بها الق انون له ؤالء األش خاص ويمنحهم إياه ا‪.‬وعلى ه ذا‪،‬حين يتح دث‬
‫المس تأجر مثال عن حقه في س كنى العق ار الم أجور‪،‬والب ائع عن حقه في‬
‫استيفاء ثمن المبيع‪،‬والعامل عن حقه في تعويض التسريح‪،‬‬
‫واألب عن حقه في تربية أبنائه‪،‬فإنهم ال يرمون من وراء ذلك إلى التحدث‬
‫عن قواعد قانونية معينة‪،‬بل عن السلطات واإلمكانيات والميزات التي‬
‫يتمتعون بها بمقتضى هذه القواعد‪،‬أو بمعنى آخر عن حقوقهم التي يمنحهم‬
‫إياها القانون‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نشوء فكرة القانون‬
‫خلق اإلنسان في مجتمع ينتمي إليه ويعيش بين أفرده‪ ،‬فهو ال يستطيع أن‬
‫يعيش منعزالً‪ ،‬عنهً ألن العزلة كما يرى أرسطو من طبيعة (البهيمة أو اإلله‬
‫)‪ ،‬واإلنسان ال يمكنه أن يستغني عن معونة غيره في كل دور من أدوار‬
‫حياته ‪ ،‬فهو في دور الطفولة يحتاج إلى رعاية والديه وحمايتهما‪،‬وهو في‬
‫دور الرجولة يحتاج إلى الغير في تأمين حاجاته ومنافعه المادية من مأكل‬
‫ومشرب ومسكن وتعليم‪ ،‬فالحياة الفردية ال وجود لها على األرض إال في‬
‫خيال بعض الفالسفة‪ ،‬وأما الحياة االجتماعية فهي حالة ضرورية لإلنسان ‪،‬‬
‫ولذلك قالوا‪ :‬إن اإلنسان اجتماعي بطبعه‪.‬‬
‫‪ -‬التعاون ضرورة حيوية‬
‫ٍ‬
‫أفراده‪،‬وقد شعر اإلنسان‬ ‫تقوم حياة اإلنسان في المجتمع على التعاون بين‬
‫البدائي بضرورة هذا التعاون‪،‬للتغلب على الصعوبات التي كانت تواجهه‬
‫للحصول على غذائه‪ ،‬ولمقاومة الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة التي‬
‫كانت تعترض سبيله وتهدد حياته‪ ،‬وقد اقتضى هذا التعاون أن‬
‫يؤلف اإلنسان مع أبناء جنسه جماعة ليستعين بها لتأمين غذائه والدفاع عن‬
‫نفسه‪ ،‬ثم هداه عقله إلى صنع األدوات لتكون له بمثابة الجوارح من‬
‫الحيوانات‪ ،‬فاستطاع أن يتغلب على الحيوان‪ ،‬وأن يظفر به ويجعل من‬
‫لحمه غذاء‪ ،‬ويتخذ من جلده وفرائه كساء‪،‬وتوفر له بذلك مزيد من القوت‬
‫والطمأنينة‪،‬وهذا أدى إلى زيادة أفراد الجماعة واتساع نطاق التعاون‬
‫والتبادل بينهم‪ ،‬ومن هنا انطلق عمران األرض وبناء الحضارة‪.‬‬

‫‪ -‬تنظيم العالقة الناشئة عن التعاون بين أفراد الجماعة"الشهور بالوازع"‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫إن التعاون بين أفراد المجتمع من شأنه أن ينشئ عالقات بينهم‪ ،‬وال بد‬
‫لسالمة هذه العالقات واستمرار التعاون من نظام يحدد الحقوق‬
‫والواجبات‪،‬وقد كان هذا النظام في نشأة الجماعات األولى‪ ،‬يقوم على القوة‬
‫فكانت هي التي تنشأ الحق وتحميه‪ ،‬وهي الحكم في كل خصومة‪ ،‬وكان‬
‫القوي هو صاحب الحق في كل مايناله بالغلبة والقهر‪ ،‬وقد بقي اإلنسان‬
‫طيلة العصر الحجري القديم ‪ ،‬يدفع القوة بالقوة دون وازع يردعه عن الظلم‬
‫واالعتداء‪ ،‬فكان يعيش في حالة تربص وحذر‪ ،‬ومن أجل ذلك اقتضت‬
‫سالمته واستقراره وجود وازع يمنع من الظلم‬
‫واالعتداء‪ ،‬وكان هذا الوازع‪ ،‬وهو األساس الذي قام عليه مفهوم‬
‫القانون‪.‬وإ لى هذا يشير ابن خلدون بقوله‪":‬ثم هذا أن االجتماع إذا حصل‬
‫للبشر كما قررناه وتم عمران العالم بهم‪،‬فال بد من وازع يدفع بعضهم عن‬
‫بعض‪،‬لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم"‬
‫وقد نشأ هذا الوازع من إحساس اإلنسان بسلوك معين يجب عليه أن يتبعه‬
‫داخل نطاق الجماعة التي يعيش فيها‪ ،‬وكان جزاء هذا الوازع الخوف من‬
‫انتقام القوى الخفية التي تتمثل في الظواهر الكونية‪،‬وفي الحيوانات التي كان‬
‫اإلنسان يعيش قريباً منها‪ ،‬والتي كان يخشى قدرتها على الفتك به ‪.‬‬

‫‪ -‬نشوء الفكر الديني"من السحر إلى الدين"‬


‫كانت تلك القوى الخفيه في تصور إنسان العصر الحجري أرواحاً‪،‬منها‬
‫الخير ومنها الشرير‪،‬وقد رأى بدافع من فطرته وإ حساسه‪،‬أن أحسن ماينال‬
‫به خيرها ويدفع عنه شرها ‪،‬أن يعبدها ويقدسها تقرباً منها وهنا نشأة فكرة‬
‫العبادة وتمثلت بالخضوع والطاعة والخوف واألمل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وقد اتخذ اإلنسان ذلك العصر لهذه القوى واألرواح صوراً ورموزاً وجعل‬
‫لها تمائم وتعاويذ‪،‬ووضع لمظاهرها وحركاتها تفسيراً يتعرف به على‬
‫رغباتها‪،‬وأنزل ذلك التفسير منزلة األحكام التي يجب أن تطاع لكي ترضى‬
‫إذا التمس رضاها ويذهب عنه غضبها إذا شاءت أن تغضب لما ال يرضيها‬
‫من األفعال‪ ،‬وقد أقام لعبادتها طقوس وشعائر كانت تدعى عند القبائل‬
‫اإليرانية القديمة باسم "موجي أو موج " ومن هذا االسم جاءت كلمة"ماجي"‬
‫أي السحر‪ ،‬ومنه جاءت كلمة "مجوس ومجوسية " لتدل على تلك القبائل‬
‫وعلى عبادتها وكان للساحر استرضاء األرواح واجتالبها إلى صفه‬
‫لمعونته‪.‬‬
‫وحين انتقل اإلنسان إلى عصر الزراعة وأنشأ المدينة تحول السحر إلى‬
‫ديانة‪،‬ودعيت األرواح الخيرة باسم "اآللهة"واألرواح الشريرة باسم"أبالسة‬
‫وشياطين"‪ ،‬وأصبح لكل مدينة آلهتها‪ ،‬يقام لها معبد في وسط المدينة ‪،‬‬
‫ودعي كهنة من كانوا يدعون سحرة‪،‬ومنهم تألفت طبقة رجال الدين‪،‬‬
‫لممارسة العبادة العامة‪ ،‬وقد نصبوا أنفسهم وسطاء بين اآللهة‬
‫والناس‪،‬يحملون رغبات الناس إلى اآللهة وينقلون رد اآللهة للناس‪.‬‬
‫وكان رجال الدين إذا ترجموا عن رأي اآللهة أو أعلنوا بأمر أو نهي‪ ،‬لزم‬
‫الناس طاعته وتنفيذه خوفاً من انتقام اآللهة‪ ،‬ومن هنا أضحى للقاعدة‬
‫القانونية بالنهي والتحريم وازع‪ ،‬وأضحت قوة رجال الدين مساوية لقوة‬
‫الدولة "فالفكر الديني لم يكن من خلق السحرة والكهان‪،‬وإ نها كان من خلق‬
‫فطرة اإلنسان بما فيها من تساؤل ال ينقطع ومن خوف وأمل ‪،‬وقد ورث‬
‫الكاهن عن الساحر األالعيب التي تلقي في روع الناس صلته باآللهة وزاد‬
‫فيها الخرافات واألساطير ليمسك بزمام الوازع‪،‬ويستمد منه القوة‬
‫والسلطان"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وعليه يمكننا القول بأن الصورة األولى التي برزت فيها فكرت القانون‬
‫تتمثل في صورة حكم إلهي‪،‬يستلهمه الكاهن من اآللهة‪ ،‬وكان الكاهن كما‬
‫رأينا في نظر الجماعات البدائية‪،‬يمتاز بقدرة على االتصال باآللهة‪،‬وتلقي‬
‫أحكامهم‪،‬فإذا نطق بالحكم فإنه يعبر عن إرادة اآللهة ويعلن عما تشاء‪،‬وهذا‬
‫منحه سلطة كبيرة ساعدته على سن المحرمات‪ ،‬أي األفعال التي يحرمها‬
‫القانون‪ ،‬فحرموا القتل في أوقات معينة ‪،‬واعتبروا أن بعض األفعال محرماً‬
‫كالزنا والقتل بطريق السحر الشيطاني‪،‬وأعلنوا أن من األفعال واألشياء‬
‫ماهو طاهر ومنها ماهو نجس‪ ،‬فحرموا إتيان تلك األفعال‪،‬أو مس تلك‬
‫األشياء لقداستها أو لنجاستها كما حددوا إقامة الشعائر الدينية في فصول‬
‫معينة‪ ،‬من السنة وبذلك تأيدت القاعدة القانونية بالنهي والتحذير وكان‬
‫الجزاء المؤيد لها هو التكفير والصور أو التطهر بتقديم القرابين ‪،‬وقد يكون‬
‫الجزاء الطرد من حظيرة الدين‪.‬‬
‫ومن المحرمات انبثقت المبادئ األخالقية لتؤيد القاعدة القانونية‪ ،‬فكان فعل‬
‫الخير فضيلة فيه معنى الطهارة‬
‫والجزاء المؤيد له استحسان الجماعة وكان فعل الشر رذيلة فيه معنى‬
‫النجاسة والجزاء المؤيد له استهجان الجماعة‪ ،‬وبذلك أحيطت القاعدة‬
‫القانونية بمؤيدات تقوم على أساس الدين واألخالق‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور التقاليد العرفية‬
‫كانت األحكام اآللهية تسود الجماعات البدائية في العصر الحجري القديم‬
‫والمتوسط وقد تحولت بفعل التطبيق المتكرر على الحوادث المتشابهة إلى‬
‫تقاليد دينية‪ ،‬فلما انتقلت هذه الجماعات إلى مرحلة الزراعة في العصر‬
‫الحجري الحديث ‪،‬استقرت في األرض واختارت مقراً لها شواطئ األنهار‬
‫لتستعين بها في ري األراضي ‪،‬وقد أدى هذا االستقرار إلى بناء المنازل‬

‫‪6‬‬
‫الثابتة ‪،‬ومن تجمعها نشأة القرية ثم تحولت إلى المدينة وبظهور المدينة بدأ‬
‫عصر المدينة‪.‬‬
‫وقد اقتضى هذا التطور ظهور قواعد تنظم عالقات األفراد في معامالتهم‬
‫المستجدة‪ ،‬تستمد قوتها من الرأي العام الذي‬
‫يمثل اإلرادة المشتركة في الجماعة‪ ،‬وفيها تنعكس عقائدها ومبادئها‬
‫األخالقية‪ ،‬فمن يخرج على هذه القواعد التي ألفتها وخالطت ديانتها‬
‫وتقاليدها‪،‬فإنه يخرج عن رأي الجماعة وينحرف عن خط سلوكها فترتد‬
‫عليه وتلزمه بإتباعها وتخرجه من حظيرها‪،‬فالعرف في الجماعات البدائية‬
‫هو قانون وهو يجري مع التفكير األخالقي ويتبدل بتبدل هذا التفكير وقد‬
‫عرف العرف بأنه ‪" :‬مراعاة الجماعة لقاعدة من قواعد السلوك ‪،‬‬
‫واستمرارهم على تكرارها بصفة عامة وموحدة مع االعتقاد بإلزامية هذه‬
‫القاعدة‪".‬‬
‫وعلى هذا فأن العرف يتألف من عنصرين‪:‬‬
‫أحدهما مادي أو موضوعي"خارجي" يقوم على تكرار عام ومستمر وموحد‬
‫لمسلك معين في ظروف واحدة‪.‬‬
‫والثاني معنوي"داخلي" يقوم على اعتقاد الناس بوجوب طاعة هذه القاعدة‪،‬‬
‫إما ألنها في اعتقادهم مطابقة للعدل ومالئمة لتنظيم العالقات التي وجدت‬
‫من أجلها فيجب أن تنزل منزلة القانون ‪ ،‬وإ ما ألنها أضحت بفعل التطبيق‬
‫المستمر قانون بالفعل ‪،‬ومن ثم وجبت طاعتها‪ ،‬فإذا تخلف‬
‫العنصر المعنوي عن القاعدة كانت "عادة" وإ ذا توفر هذا العنصر فيها‬
‫أضحت"عرف"‪،‬فالشعور الجماعي بإلزام القاعدة ووجود جزاء هو الذي‬

‫‪7‬‬
‫يميز العرف عن العادة‪ ،‬وبذلك يكون العرف "سلوكاً عفوياً يستقر بتكراره‬
‫جيالً بعد جيل ويكتسب من تكراره المستمر والموحد حرمة يستمد منها قوة‬
‫ملزمة"‪.‬‬

‫أما العادة فهي"مراعاة الجماعة لقاعدة من قواعد السلوك واستمرارهم على‬


‫تكرارها بصفة عامة دون االعتقاد بإلزاميتها"‪.‬‬
‫والعرف في جميع صوره يؤيده جزاء ال يكون بدونه قادر على فرض‬
‫السلوك‪،‬ويختلف الجزاء باختالف طبيعة السلوك‪ ،‬فجزاء القواعد األخالقية‬
‫استهجان الجماعة إلتيان الفعل المخالف‪،‬لما تعارفت أنها أخالقي ووصفته‬
‫بالرزيلة‪ ،‬وجزاء القواعد الدينية هو الخوف من غضب اآللهة‪،‬عند إتيان‬
‫فعل تعتقد أنه يغضبها‪.‬‬
‫وجزاء القواعد القانونية هو الخوف من الجزاء المادي‪ ،‬الذي تقرره‬
‫الجماعة وتوقع السلطة التي تمثلها ‪.‬‬
‫وقد كان هذا العرف ‪،‬على اختالف صوره مسبوغاً عند الشعوب القديمة‬
‫بالصبغة الدينية‪،‬فالعرف الذي يقرر القاعدة األخالقية أو القاعدة القانونية‪،‬‬
‫كان نوعاً من التقاليد المقدسة‪ ،‬التي ترعاها اآللهة ومن اجل ذلك كان‬
‫القانون مختلطاً باألخالق والدين ولم ينفصل عنهما إال بعد تطور‬
‫المجتمعات‪،‬وتغلب السلطة الزمنية على السلطة الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور التشريع المدون‬
‫لم تعد الديانة‪ ،‬بعد ظهور العرف القانوني ‪،‬المصدر الوحيد للقاعدة القانونية‬
‫فقد انحصرت في نطاق ضيق واقتصرت على تنظيم العالقات االجتماعية‬
‫التي تمس الدين كالزواج والطالق وأثارهما‪,‬أما العرف فقد اتسع نطاقه‬

‫‪8‬‬
‫باتساع العالقات الناتجة عن النشاط االقتصادي وتوسع العمل وما أدى إلية‬
‫تطور الحياة االجتماعية ‪،‬ثم دعت الحاجة –بعد‬
‫ظهور الكتابة‪-‬إلى تدوين أحكامه الشائعة‪،‬وظهر بهذا التدوين مصدر جديد‬
‫للقاعدة القانونية وهو"التشريع"والذي يعرف بأنه‪":‬مجموعة من القواعد‬
‫القانونية الصادرة عن السلطة المختصة في نصوص مكتوبة وفقاً‬
‫إلجراءات معينة‪.‬‬
‫وبتدوين العرف ‪ ،‬لم تعد القواعد القانونية سر مكنون في صدر الكهان‪ ،‬بل‬
‫أصبح الناس قادرين على معرفتها والنطق بصيغتها وألفاظها‪ ،‬ولم تعد من‬
‫حاجة إلى اللجوء إلى الكهنة للتعرف على القانون وتفسير أحكامه‪ ،‬بل‬
‫أخذوا يلجئون في ذلك إلى فئة أخرى من الناس ممن انصرفوا إلى فهم‬
‫القانون وتفسيره وتبيان طرائق تطبيقه‪،‬يجمعون العلم باألمور اآللهية‬
‫والبشرية ويميزون بين الحق والباطل‪ ،‬أولئك هم" الفقهاء"‪،‬وبجهودهم نشأ‬
‫الفقه وأصبح مصدر أخر من مصادر القانون ‪.‬‬
‫هذا مع العلم أن العرف قد أحتفظ بأهميته بعد تدوين القانون ‪ ،‬ذلك ألنه‬
‫ألصق بطبائع الجماعة وأمت إلى أخالقها ‪ ،‬بل أنه قد يسود القانون المدون‬
‫ويتقدم عليه عند بعض الشعوب غير أن الرأي السائد اليوم هو‪ ،‬أن العرف‬
‫يأتي بعد القانون وال يتقدم عليه فإذا تعرض حكم القانون مع حكم العرف‬
‫وجب تطبيق حكم القانون ‪.‬‬
‫والفرق بين العرف والقانون أن العرف يستمد قوته من سلطة غير معينة‬
‫هي الرأي العام‪ ،‬أما القانون فيستمد قوته من عمل تشريعي ‪ ،‬تفرضه سلطة‬
‫تتمثل في شخص أو جماعة وفي ذلك يقول "ول ديورانت"‪( :‬أنك إذا‬
‫جاوزت القانون فقد كسبت إعجاب نص القانون ‪ ،‬فالناس يحسدون في‬
‫أعماق نفوسهم كل من يستطيع بذكائه أن يتغلب على هذا العدو القديم‪ ،‬أما‬

‫‪9‬‬
‫إذا جاوزت حدود التقاليد فأنت تصطدم بمقت الجميع‪،‬ألن التقاليد تنشأ من‬
‫الناس أنفسهم بينما يفرض عليهم القانون فرضاً من األعلى ‪ ،/‬والقانون‬
‫مرسوم قضى به السلطان أما التقاليد فهي االنتخاب الطبيعي ألعراف‬
‫السلوك التي تثبت صالحيتها في خبرة المجتمع‬
‫والقانون يأخذ في حلوله محل التقاليد حين تحل الدولة محل األسرة والقبيلة‬
‫والعشيرة وكلها أنظمة طبيعية‪ ،‬ثم يتم حلول القانون محل التقاليد حين تظهر‬
‫الكتابة لكن حلول القانون محل التقاليد لم يكمل في يوم من األيام‪ ،‬وستظل‬
‫التقاليد حتى النهاية هي القوة الكامنة وراء القانون حين يقرر اإلنسان أي‬
‫نوع من السلوك ينبغي أن يسلك وحين يحكم على أنواع السلوك بالخير أو‬
‫الشر)‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫دور القانون في التنظيم االجتماعي‬

‫‪ -‬صلة القانون بالحياة االجتماعية‬


‫‪ -‬المذهب الفردي أو المذهب الحر‬

‫‪-‬المذهب االشتراكي أو مذهب التدخل‪.‬‬


‫‪-‬صلة القانون بالحياة االجتماعية‬
‫إن بين القانون والحياة داخل المجتمع صلة وثيقة العرى وارتباطا على‬
‫جانب كبير من األهمية والقوة‪ ،‬فالقانون ال يمكن أن ينشأ إال حيث يكون‬
‫هناك مجتمع يتولى تنظيمه وتحديد القواعد التي يجب أن تقوم عليها عالقات‬
‫األفراد فيه كما انه ال يمكن أن يقوم مجتمع بالمعنى الصحيح بدون نظام‬
‫صالح يبنى عليه ويتولى القانون أمر تحديده وفرضه ‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬لو أمكننا أن نتصور إنسان منفصل عن أقرانه كل االنفصال‬
‫ويعيش في عزلة تامة عنه‪-‬كحي بن يقظان مثالً أو روبنسن كروزو لوجدنا‬
‫أن هذا اإلنسان ال يمكنه أن يعرف معنى القانون وليست له حاجة إليه وإ لى‬
‫قواعده ‪ ،‬ألن هذه القواعد إنما توضع لتنظيم عالقات اإلنسان‬
‫مع غيره من الناس ال لتنظيم سلوكه فيما بينه وبين نفسه‪.‬‬
‫غير أن اإلنسان كائن إجتماعي ال يمكنه أن يعيش إال داخل المجتمع ‪.‬وحياة‬
‫اإلنسان في المجتمع أمر بديهي يدفع إليه عامالن ‪ :‬الواقع من جهة‪ ،‬ألن‬
‫اإلنسان في الواقع إنما يوجد دوماً مرتبطاً بمجتمع يعيش في كنفه‪،‬‬
‫والضرورة من جهة ثانية‪،‬ألن طبيعة الحياة في األرض توجب على‬
‫اإلنسان أن يعيش مجتمعاً مع غيره من الناس‪،‬ليتعاون وإ ياهم على الكفاح‬
‫في سبيل العيش وبلوغ أهدافه ومآربه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وإ ذا كانت الحياة االجتماعية واقع ال ريب فيه ‪ ،‬فإن وجود القانون بالتالي‬
‫عبارة عن ضرورة ملحة تقتضيها طبيعة الحياة االجتماعية نفسها التي يعود‬
‫إلى هذا القانون أمر تنظيمها وإ قامة أسس صالحة لها‪.‬‬
‫فالقانون القديم قدم المجتمع نفسه‪ ،‬وإ ن كان في نشأته األولى قد اصطبغ‬
‫بطابع بدائي يتناسب مع طابع المجتمع الذي وجد لتنظيمه‪.‬‬
‫ومادام القانون يتولى تنظيم المجتمع وعالقات األفراد فيه فمن الطبيعي لنا‬
‫أن نتساءل عن الدور الصحيح الذي يؤديه في هذا السبيل ‪ ،‬والحد الذي‬
‫يقف عنده في تدخله في شؤون األفراد وعالقاتهم المختلفة‪.‬‬
‫الجواب على هذا السؤال يختلف بالواقع على اختالف وجهات النظر التي‬
‫تتولى معالجته والرد عليه‪،‬ونستطيع أن نميز من خالل وجهات النظر هذه‬
‫بين مذهبين رئيسيين هما‪ :‬المذهب الفردي أو الحر من جهة‪ ،‬والمذهب‬
‫االشتراكي أو التدخلي من جهة ثانية‪.‬‬
‫‪-1‬المذهب الفردي أو المذهب الحر‪.‬‬
‫يقوم هذا المذهب‪ ،‬الذي ساد في أواخر القرن السادس عشر والقسم األكبر‬
‫من القرن التاسع عشر‪،‬على تقديس حرية الفرد تقديساً كامالً واعتبارها حقاً‬
‫أساسياً له من واجب المجتمع أن يبذل قصارى جهده للمحافظة عليها‪ ،‬ومن‬
‫واجب القانون أال يتدخل للحد منها إال بالقدر الضروري جداً الذي ال غنى‬
‫عنه‪.‬‬
‫والقانون ليس له ‪ ،‬بحسب هذا المذهب‪ ،‬سوى مهمة سلبية تقتصر على منع‬
‫تجاوز كل من األفراد‪ ،‬خالل ممارسته حريته ‪،‬على حريات اآلخرين‪.‬فهو‬
‫بما يضعه من قواعد وأحكام‪ ،‬ال يرمي إلى تنظيم فعاليات المرء ونشاطه في‬
‫المجتمع ألن للمرء وحده يعود مثل هذا التنظيم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ولكنه يرمي فقط إلى منعه من اإلخالل بحقوق اآلخرين‬
‫ٍ والتعدي عليها‪.‬فاألصل إذ‪ ،‬بحسب هذا المبدأ هو أن يكون المرء حر تمام‬
‫الحرية في شتى أعماله وشؤونه‪ ،‬أما القانون فليس من شأنه إال أن يضع‬
‫القواعد الضرورية لمنع اإلنسان من أن تطغى حريته على حريات اآلخرين‬
‫وعلى هذا يعرف زعماء المذهب الفردي‪ ،‬وعلى رأسهم الفيلسوف األلماني‬
‫"كانت"القانون بأنه(مجموعة الشروط التي بفضلها يمكن أن تتماشى إرادة‬
‫كل فرد من إرادات اآلخرين وفقاً لقانون عام من الحرية)‬
‫ففي ظل المذهب الفردي أو الحر نجد إذناً أن نطاق القانون يضيق إلى حد‬
‫كبير هو هذا الذي يقتضيه تأمين إقامة الحرية للجميع‪،‬ومنع الناس من‬
‫التجاوز بعضهم على بعض ‪.‬‬
‫‪-2‬المذهب االشتراكي أو مذهب التدخل‬
‫إن المذهب الفردي أو الحر‪ ،‬على مما يتضمنه من مثل عليا ودعوه مخلصة‬
‫إلى تقديس حرية الفرد أو احترامها‪ ،‬قد بدا ‪،‬بسبب التطور االجتماعي‬
‫األخير الذي ظهرت بوادره في منتصف القرن التاسع عشر وال يزال‬
‫مستمراً حتى يومنا هذا‪،‬غير كاف إلقامة نظام صالح يؤمن العدل‬
‫والطمأنينة واالستقرار لجميع المواطنين في المجتمع‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬فقد أثبت التطور االجتماعي األخير أن االكتفاء بتأمين الحرية‬
‫لجميع المواطنين وتركهم ينظمون عالقاتهم بأنفسهم قد ال يؤدي في كثير‬
‫من األحيان إلى تحقيق العدالة فيما بينهم وإ شاعة النظام واالستقرار بل‬
‫كثيراً ما يأتي هذا التنظيم الذي يقيمونه بإرادتهم المختلفة مجحفا بحقوق‬
‫البعض منهم الذين على الرغم مما يقره لهم القانون من حرية ومساواة مع‬
‫البعض اآلخر ‪ ،‬يجدون أنفسهم مضطرين عملياً إلى أن يذعنوا لشروطهم‬
‫ويوافقوا على مايريده هؤالء لهم ال ما يريدونه هم ألنفسهم(وذلك كما في‬

‫‪13‬‬
‫عالقات العمال بأرباب العمل مثالً حيث كان العمال في القرن التاسع عشر‬
‫يجدون أنفسهم مضطرين إلى أن يرضوا‬
‫بالشروط التي كان يمليها عليهم أرباب العمل‪ ،‬بالرغم من قسوتها بالنسبة‬
‫إليهم ألنهم كانوا عملياً تحت رحمة هؤالء وال يستطيعون أن يجادلونهم‬
‫كثيراً فيما يفرضونه عليهم‪.‬وكما في عالقات المستهلكين بالمنتجين الكبار‬
‫وخاصة المحتكرين منهم ) ‪.‬‬
‫وعلى هذا قامت النظريات االشتراكية الحديثة تدعوا الدولة إلى التدخل في‬
‫شؤون األفراد لحماية الضعفاء من تسلط األقوياء وسيطرتهم‪،‬فالقانون ‪،‬‬
‫بحسب هذه النظريات‪ ،‬ال يجب أن تقتصر مهمته على دور سلبي بأن يدع‬
‫األفراد بأن ينظمون بأنفسهم عالقاتهم فيما بينهم ويكتفي هو بمراقبتهم‬
‫لمنعهم من التجاوز بعضهم على بعض ولكن عليه أيضا أن يؤدي دور‬
‫إيجابياً في هذا المجال فيتولى هو بنفسه تنظيم عالقات األفراد وشؤونها‬
‫حين يخفق هؤالء في تنظيمها على أساس عادل صحيح‪.‬‬
‫ففي ظل المذهب االشتراكي نجد إن للقانون مجاالت أوسع وأعم من المجال‬
‫الذي يريده أن يدور فيه المذهب الفردي‪،‬‬
‫ألن دور القانون في الواقع ال يقتصر على تأمين الحرية للجميع وتركهم‬
‫يعملون بأنفسهم وإ نما هو يقوم أيضاً على التدخل في أعمالهم وشؤونهم‬
‫لتنظيمها عندما تقتضي الضرورة أو المصلحة لذلك‪،‬ومن هنا كان مبعث‬
‫االتساع الحالي لنطاق علم القانون‪............‬‬

‫‪14‬‬
‫مزايا القانون وعيوبه‬
‫أوالً ‪ :‬مزايا القانون ‪:‬‬
‫للقانون مزايا كثيرة أهمها مايلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬يعمل على التوفيق بين مصالح و رغبات أعضاء الجماعة المتعارضة‬
‫بما يحفظ األمن و النظام في المجتمع ويكفل بالتالي بقاء هذا المجتمع‪.‬‬
‫‪.2‬السعي نحو تقدم المجتمع ورقيه ‪ :‬إذ ال تقف وظيفة القانون عند حد‬
‫توفيرالوجود والبقاء للمجتمع بل أيضاً السعي إلى تقدمه ورقيه وال تحقق‬
‫هذه الغاية إال إذا وجدت خطة مرسومة يسير عليها ويلزم أفرادها باحترامها‬
‫ولو قسراً ومن القواعد التي ترسم هذه الخطة يتكون القانون‪.‬‬
‫‪ .3‬القانون أداة لتحقيق العدل لذلك يقال بحق أن القانون هو علم وفن تحقيق‬
‫العدل‬
‫‪ .4‬ينظم عالقات وسلوك األفراد في المجتمع ‪.‬‬
‫‪.5‬القانون قواعد اجتماعية تنظم سلوك و عالقات األفراد داخل المجتمع ‪.‬‬
‫‪.6‬يوجد حقوق األفراد و يبين مضمونها ويحدد نطاق تطبيقها ويحميها ‪.‬‬
‫إضافةً إلى المزايا الكثيرة التي سنتعرف عليها من خالل عرض للمواضيع‬
‫المقررة في برامجنا ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬عيوب القانون‪:‬‬
‫هناك بعض العيوب تطرأ على النصوص التشريعية فتجعلها بحاجة إلى‬
‫التفسير هي ‪:‬‬
‫الخطأ المادي الغموض أو اإلبهام النقص أو السكوت التناقض أو‬
‫التعارض ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫الخطأ المادي ‪ :‬يكون هناك خطأ مادي في النص إذا كانت العبارة‬ ‫‪‬‬
‫التي ورد بها النص تتضمن خطأ فادحا ً في بعض ألفاظها بحيث ال‬
‫يستقيم المعنى إال بتصحيحها ‪ ،‬و هذا الخطأ ال يستوجب تفسير‬
‫النص المعيب و إنما تصحيحه فقط ‪.‬‬
‫الغموض أو اإلبهام ‪ :‬يكون هناك غموض و إبهام في النص إذا‬ ‫‪‬‬
‫كانت عباراته غير واضحة و تحتمل التفسير و التأويل ‪ ،‬حيث‬
‫يمكن أن يكون هناك أكثر من معنى واحد وفي هذه الحالة على‬
‫القاضي أن يختار من بين المعاني المختلفة األكثر صحة و أقربها‬
‫إلى الحق والصواب ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬المادة ‪ 1599‬من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن "بيع‬
‫ملك الغير باطل " تقضي هذه المادة ببطالن البيع الذي يجريه البائع على‬
‫شيء ال يملكه ‪ ،‬و هناك نوعين من البطالن في القانون الفرنسي ‪:‬‬
‫بطالن مطلق و بطالن نسبي ‪.‬والفرق بينهما كبير فالبطالن المطلق يمكن‬
‫أن يدعي ببطالنه كل ذي مصلحة و يمكن للمحكمة أن تقضي ببطالنه من‬
‫تلقاء نفسها أما البطالن النسبي فال يستطيع أن يطالب ببطالنه إال المتعاقد‬
‫الذي تقرراإلبطال لمصلحته مثالً المشتري هو الذي يستطيع طلب البطالن‬
‫النقص أو السكوت ‪ :‬يكون هناك نقص في النص فيما إذا جاءت‬ ‫‪‬‬
‫عباراته خالية من بعض األلفاظ التي ال يستقيم الحكم إال بها ‪ ،‬أو‬
‫إذا أغفل التعرض لبعض الحاالت‪ j‬التي كان يفترض أن ينص‬
‫عليها ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬يمكن اعتبار المادة ‪ /151/‬من القانون المدني المصري أنها تحتوي‬
‫على نقص فيها ‪ ،‬و التي تنص على أن ( كل فعل نشأ عنه ضرر للغير‬

‫‪16‬‬
‫يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر ) ‪.‬بموجب هذه المادة فإن كل فعل‬
‫لإلنسان يستوجب هذا اإلنسان بالتعويض عما ينشأ عنه من ضرر‬
‫لألخرين ‪ ،‬و لكن الواقع ال يلزم المرء إال بالتعويض عن األضرار التي‬
‫تنجم عن أفعاله غير المشروعة أو الخاطئة ‪،‬بينما ال يسأل إذا نتج الضرر‬
‫عن أفعاله المشروعة ‪ .‬وبالتالي يجب أن يكون نص المادة كالتالي ‪ ( :‬كل‬
‫فعل " غير مشروع " نشأ عنه ضرر للغير )‬
‫التناقض أو التعارض ‪ :‬يكون هناك تعارض أو تناقض بين نصين‬ ‫‪‬‬
‫فيما إذا كان الحكم الذي يدل عليه أحدهما يخالف تماما ً الحكم الذي‬
‫يستنتج من اآلخر وعلى القاضي‪ j‬في هذه الحالة أن يحاول التوفيق‬
‫بين النصين قدر اإلمكان و يعمل على تطبيق كل منهما على‬
‫زمرة معينة من الحاالت‪ j‬أما إذا لم يستطع القاضي أن يطبق‬
‫النصين معا ً فإنه يعتبر أحدهما ناسخا ً لآلخر ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا النوع من العيوب لدينا التناقض الموجود بين المادة ‪/115/‬‬
‫من القانون المدني من جهة التي تنص على أنه ‪ ( :‬يقع باطالً تصرف‬
‫المجنون و المعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجر‪ ) ....‬و بين‬
‫المادة ‪ /200/‬من قانون األحوال الشخصية من جهة ثانية التي تنص على‬
‫أن (المجنون و المعتوه محجوران لذاتهما و يقام على كل منهما قيم بوثيقة )‬
‫فالمادة األولى تشترط العتبار تصرفات المجنون و المعتوه باطلة أن يكون‬
‫قد صدر قرار بالحجر عليهما ‪ ،‬بينما تعتبر المادة الثانية المجنون والمعتوه‬
‫محجورين لذاتهما و بالتالي فإن تصرفاتهما تعتبر باطلة لمجرد الجنون أو‬
‫العته حتى و لو لم يصدر قرار قضائي بالحجر عليهما ‪ .‬فالعقود التي‬
‫يعقدها المجنون أو المعتوه قبل الحجر عليهما هي إذاً صحيحة بحسب المادة‬

‫‪17‬‬
‫‪ /115/‬من القانون المدني و باطلة بحسب المادة ‪ /200/‬من قانون األحوال‬
‫الشخصية وهذا يدلنا على التناقض الواضح بين المادتين ‪ ،‬فتعتبر المادة‬
‫الثانية منهما ناسخة لألولى لصدورها بعدها ‪.‬‬

‫طرق التفسير و وسائله ‪:‬‬


‫إن النص الصريح الواضح ال مجال لتفسيره و ليس على القاضي إال أن‬
‫يطبقه بحذافيره دون أن يحاول تغيير معناه أو مخالفة الحكم الذي ينص‬
‫عليه وعلى هذا يقال في عالم القانون إنه ( ال مجال لالجتهاد في مورد‬
‫النص ) أي في مورد النص الصريح الواضح ‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك القاضي‪ j‬ليس ملزما ً بإتباع النص حرفيا ً و التعقيد بألفاظه بل‬
‫عليه أن يسعى إلى التعرف على معناه الحقيقي ‪ .‬وهذا ما تقضي به المادة‬
‫األولى من القانون المدني ‪ ( :‬تسري النصوص التشريعية على جميع‬
‫المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها ) ‪.‬‬
‫طرق خارجية‬ ‫وهناك نوعين من طرق التفسير وهما ‪ :‬طرق داخلية‬
‫أوالً طرق التفسير الداخلية ‪:‬‬
‫تقوم هذه الطرق على تحليل النص تحليالً منطقيا ً و استنتاج الحكم المطلوب‬
‫منه مباشرةً دون اللجوء إليضاحه إلى وسائل و مستندات أخرى خارجة‬
‫عنه‬
‫ومن طرق التفسير الداخلية ‪ -:‬االستنتاج بطريق القياس‬
‫‪ -‬االستنتاج من باب أولى‬
‫‪ -‬االستنتاج بمفهوم المخالفة‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬االستنتاج بطريق القياس ‪ :‬يطبق الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة‬
‫أخرى لم ينص عليها في التشريع و ذلك لوجود الشبه األكيد بين الحالتين أو‬
‫لوجود ما يسمى باالتحاد بينهما بالسبب أو العلة ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬ورد في أحد األحاديث النبوية الشريفة أن قاتل مورثه ‪ ،‬ال يرث ‪.‬‬
‫وقد قيست على هذه الحالة مماثلة تتعلق بالموصى له الذي يقتل الموصي‬
‫فيطبق عليه نفس الحكم ‪.‬‬
‫‪ -‬االستنتاج من باب أولى ‪ :‬يطبق الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة‬
‫أخرى لم ينص عليها في التشريع ‪ ،‬ال ألن علة الحكم الوارد بشأن الحالة‬
‫األولى أو سببه متوافرين في الحالة الثانية فحسب و لكن ألنهما أكثر توافراً‬
‫في الحالة الثانية منهما في الحالة األولى ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن معاملة أبوية بقولها ( وال تقل‬
‫لهما أف و ال تنهرهما ) ‪ ،‬نستطيع من باب أولي أن نستنتج أن من واجبه‬
‫أيضا ً أال يضربهما ‪.‬‬
‫‪ -‬االستنتاج بمفهوم المخالفة ‪ :‬يطبق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة‬
‫على حالة أخرى لم ينص عليها في التشريع ألن الحالة الثانية تختلف كل‬
‫االختالف عن األولى بحيث تعتبر معاكسة لها تماما ً ‪.‬‬
‫و طريقة االستنتاج بمفهوم المخالفة هي عكس االستنتاج بطريق القياس ففي‬
‫االستنتاج بطريق القياس وجدنا أن الحالة الثانية غير المنصوص عليها‬
‫تشابه الحالة األولى التي ورد بشأنها النص التشريعي ‪ ،‬وتتحد معها في‬
‫السبب أو العلة أما االستنتاج بمفهوم المخالفة فإن الحالة غير المنصوص‬
‫عليها هي عكس الحالة األولى التي ورد بشأنها النص ‪ ،‬و بالتالي يطبق‬
‫عليها حكما ً معاكسا ً ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مثال ‪ :‬المادة ‪ /405/‬من القانون المدني تنص على أن ‪ ( :‬إذا هلك المبيع‬
‫قبل التسليم ‪................‬انفسخ البيع و استرد المشتري الثمن ) ‪ .‬من الممكن‬
‫أن نستنتج بمفهوم المخالفة أنه إذا هلك المبيع بعد التسليم فال ينفسخ العقد و‬
‫ال يكوم للمشتري الحق في استرداد الثمن ‪.‬‬
‫ويجب اإلشارة إلى أنه من الواجب حين اللجوء إلى طرق االستنتاج أن يتم‬
‫ذلك بحذر شديد حيث أن االستنتاج قد ال يؤدي إلى الحكم الصحيح في كثير‬
‫من األحيان ‪ .‬وخصوصا ً طريقة االستنتاج بمفهوم المخالفة قد ال تصيب‬
‫دوما ً مثالً ‪ :‬إذا قلنا أنه يجب على الموظف أن يكون أمينا ً فال يصح أن‬
‫نستنتج من ذلك بمفهوم المخالفة أنه ال يجب على غير الموظف أن يتصف‬
‫باألمانة أيضا ً ‪.‬‬
‫و االستنتاج بطريق القياس يجب أن ال يطبق بصورة مطلقة فاألحكام‬
‫المتعلقة بتحديد سلطات رئيس الجامعة ال يمكن تطبيقها عن طريق القياس‬
‫على عمداء الكليات‪. j‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬طرق التفسير الخارجية ‪:‬‬
‫هي مجموعة األدلة و الوثائق و الوسائل التي يستعين بها القاضي على‬
‫تفسير النص التشريعي و بيان معناه ‪،‬أي العمل على تفسير النص بوسائل‬
‫أخرى ذات صلة وثيقة به و لكنها مع خارجة عنه و ال تدخل في مضمونه‬

‫ومن أهم هذه الطرق ‪ - :‬حكمة التشريع و غايته‬


‫‪ -‬األعمال التحضيرية‬
‫‪ -‬المصادر أو السوابق التاريخية‬
‫‪ -‬حكمة التشريع و غايته ‪ :‬إن معرفة غاية النص التشريعي و الحكمة التي‬
‫يتضمنها تساعد على تفسير هذا النص و استنتاج الحكم الصحيح منه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مثالً ‪ :‬حين يشدد التشريع العقوبة في حالة السرقة ليالً فإننا نستطيع أن‬
‫نفسر هذه العبارة بأنها السرقة التي تقع أثناء الظالم و ليس ليالً بالمعنى‬
‫الفلكي الذي يمتد من الغروب إلى الشروق‪.‬‬
‫‪ -‬األعمال التحضيرية ‪ :‬تشمل جميع األعمال التي سبقت صدور التشريع‬
‫عن السلطة التشريعية أو رافقته وأهم هذه الوثائق التي تتضمنها األعمال‬
‫التحضيرية هي ‪:‬‬
‫* المذكرة اإليضاحية أو الئحة األسباب الموجبة التي ترفق عادةً بالتشريع‬
‫لبيان األسباب التي دعت إلى صدوره و الغاية منه‬
‫* الدراسات التي تقوم بها اللجان التشريعية المختصة حول هذا التشريع بعد‬
‫إحالته إليها ‪.‬‬
‫* مناقشات أعضاء مجلس األمة المتعلقة بهذا التشريع حين عرضه عليهم‬
‫للتصويت عليه وإقراره و اإليضاحات‪ j‬التي يدلى بها حوله ‪........‬‬
‫و بالعودة للوثائق هذه يمكن في كثير من األحيان معرفة المعنى الحقيقي‬
‫للنصوص التشريعية كما أراده واضعوها وفي الوقت الحالي‪ j‬ال يؤخذ كثيراً‬
‫بها ألنها مجرد آراء و وجهات نظر شخصية لمن صدرت عنهم ليس لها‬
‫صفة رسمية أو إلزامية ‪.‬‬
‫د‪ .‬المصادر أو السوابق التاريخية ‪ :‬هي المصادر التي أخذ عنها التشريع‬
‫قواعده و استمد منها أحكامه فالتشريعات األجنبية تعتبر بمثابة مصادر‬
‫تاريخية ألغلب تشريعاتنا الحديثة و عندما يجد القاضي نفسه أمام نص‬
‫تشريعي غامض بإمكانه الرجوع إلى المصدر األصلي الذي استمد منه هذا‬
‫مثالً ‪ :‬يمكن بالنسبة لقانون األحوال الشخصية المعمول بها لدينا الرجوع‬
‫إلى أحكام الشريعة اإلسالمية لتفسير نصوصه ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫القاعدة القانونية‬

‫تعريفها ‪ :‬هي خطاب موجه إلى األشخاص في صيغة عامة له قوة‬


‫اإللزام ‪.‬‬
‫إذاً ‪ :‬عند تحليل القاعدة القانونية نجد أن عناصرها ‪ :‬الخطاب ‪ ،‬العموم ‪،‬‬
‫اإللزام‪.‬‬

‫خصائص القاعدة القانونية ‪:‬‬


‫‪ -1‬القاعدة القانونية خطاب موجه إلى األشخاص ‪:‬‬
‫وهذا الخطاب الموجه إلى األشخاص إما يتضمن أمراً لهم بالقيام بفعل‬
‫معين ‪ ،‬أو نهيا ً عن القيام به مجرد إباحة هذا الفعل دون أمر به أو نهي‬
‫عنه ‪.‬‬
‫مثالً ‪ :‬المادة (‪ )554‬من القانون المدني التي تنص على أنه ‪ (( :‬يجب‬
‫على المستأجر أن يقوم بوفاء األجرة في المواعيد المتفق عليها )) ‪،‬‬
‫وهذه المادة تتضمن األمر بفعل معين ‪.‬‬
‫أو المادة (‪ )185‬من قانون التجارة التي تنص بالنسبة للشركات المغفلة‬
‫على أنه ‪ (( :‬ال يجوز الجمع بين عضوية مجلس اإلدارة و أية وظيفة‬
‫عامة )) ‪ .‬تتضمن النهي عن فعل معين ‪.‬‬
‫والمادة (‪)768‬من القانون المدني التي تنص على أن ‪ (( :‬لمالك الشيء‬
‫وحده ‪ ،‬في حدود القانون حق استعماله و استغالله و التصرف فيه )) ‪،‬‬
‫فهي تتضمن مجرد إباحة فعل معين والترخيص له دون أمر به وال نهي‬
‫عنه ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫* يالحظ أن الحاالت السابقة كلها ترد إلى حالة واحدة وهي األمر ‪.‬‬
‫فالنهي عن الشيء يمكن أن يعتبر في الواقع أمراً بضده ‪ .‬كما أن اإلباحة‬
‫أو الترخيص بفعل ما يمكن اعتبارهما بمثابة أمر إلى جميع األشخاص‬
‫بعدم عرقلة ممارسة هذا الفعل من قبل من أبيح له ‪.‬‬
‫* ويالحظ أيضا ً أنه ال يشترط في القاعدة القانونية أن تأتي بصيغة األمر‬
‫أو النهي أو اإلباحة أو الترخيص ليعتبر أنها تتضمن األمر بفعل معين ‪.‬‬
‫إذ أنها تأتي في بعض األحيان على شكل إنذار موجه إلى األشخاص‬
‫بترتيب أثر ما على واقعة معينة فيستنتج من هذا اإلنذار ما تريد القاعدة‬
‫أن تأمر به ‪.‬‬
‫مثالً ‪ :‬المادة (‪ )388‬من قانون العقوبات التي تنص على أن ‪ (( :‬كل‬
‫سوري علم بجناية على أمن الدولة و لم ينبئ بها السلطة العامة في‬
‫الحال عوقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وبالمنع من الحقوق‬
‫المدنية ))‬
‫في هذه المادة يوجد فيها صيغة اإلنذار‬
‫‪ -2‬القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة و مجردة ‪:‬‬
‫يجب أن تكون القاعدة القانونية عامة و مجردة ال تخص شخصا ً معينا ً‬
‫بالذات أو تتعلق بحادثة معينة ‪ , ،‬إنما يجب أن تكون قابلة للتطبيق على‬
‫كل من يمكن أن تتوافر فيهم الصفات و الشروط التي تنص عليها‬

‫‪23‬‬
‫مثال ‪ :‬يحرم الطالب الذي يرتكب عملية الغش في االمتحان من متابعة‬
‫امتحانه ‪.‬‬
‫المادة (‪ )46‬من القانون المدني تنص على أنه (( كل شخص بلغ سن‬
‫الرشد متمتعا ً بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل األهلية لممارسة‬
‫حقوقه المدنية وسن الرشد هو ثمانية عشر سنة ميالدية كاملة ))‬
‫هذان المثاالن يعتبران من القواعد القانونية ألنهما ال يخصان طالب‬
‫معين أو شخص معين‬
‫أما إذا كان المثال كما يلي ‪:‬‬
‫*يحرم الطالب ((فالن )) من متابعة امتحانه الرتكابه عملية الغش‬
‫*أو الشخص ((فالن )) يعتبر كامل األهلية لبلوغه سن الرشد‬
‫فهذان المثاالن ال يعتبران قاعدتين قانونيتين ألنه يقتصر تطبيقهما على‬
‫طالب أو شخص معينين دون أن يتجاوزهما إلى غيرهما ‪.‬‬
‫إذاً ‪ :‬نالحظ أنه ال يشترط في القاعدة القانونية أن يكون حكمها على عدد‬
‫كبير من األشخاص أو أن تشمل المواطنين جميعا ً لتكتسب صفة العموم‪.‬‬
‫ولكن يجب أن ال تتناول القاعدة القانونية أشخاصا ً معينين بذواتهم بل أن‬
‫يعم حكمها جميع األشخاص الذين تنطبق عليهم الصفات و الشروط‬
‫المحددة فيها كالقواعد المتعلقة بالتجار أو أساتذة الجامعة ‪ ،‬و أحيانا ً‬
‫قد تتعلق بشخص واحد كالقواعد التي تتضمن تحديد صالحيات و‬
‫اختصاصات رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫‪ -3‬القاعدة القانونية يجب أن تتصف بالصبغة اإللزامية ‪:‬‬


‫ويقصد بذلك أن يكون للقاعدة القانونية مؤيد أو جزاء بحيث يجبر‬
‫األشخاص على إتباعها ويفرض احترامها و لو بالقوة عند االقتضاء ‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫و المؤيد أو الجزاء هو األثر الذي يترتب على مخافة القاعدة القانونية‬
‫فاألثر الذي يترتب على مخالفة القاعدة التي تأمر بعدم السرقة‬
‫هوالحبس‪.‬‬
‫وإن ما يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد االجتماعية هو تبني‬
‫الدولة للقاعدة القانونية و العمل على حسن تطبيقها و إلزام األشخاص‬
‫بإتباعها بما تضعه لها من مؤيدات تفتقر إليها القواعد األخرى و التي‬
‫ال تخل في نطاق القانون ‪ .‬و إن األشخاص قد يطبقون في أغلب األحيان‬
‫القاعدة القانونية من تلقاء أنفسهم ألنهم يعتقدون أنها واجبة التطبيق و لو‬
‫لم تكن مفروضة عليهم من الدولة و مؤيدة من قبلها ‪.‬‬
‫‪ -‬و المؤيد الذي تضعه الدولة للقاعدة ليكفل تطبيقها من قبل األشخاص‬
‫يكون على نوعين ‪:‬‬
‫*مؤيد جزائي ويقصد به الزجر ‪ :‬ويكون بإقاع العقوبة بالمخالف للقاعدة‬
‫القانونية ردعا ً له و لغيره من مخالفتها ‪.‬‬
‫والمؤيد الجزائي قد يقع على جسم الشخص ( كالسجن أو اإلعدام ) أو‬
‫يكون على شكل غرامة يعاقب بدفعها‬
‫*مؤيد مدني و يقصد به الجبر ‪ :‬ويكون ذلك بإعادة األمور إلى نصابها‬
‫و إزالة الخلل الذي أحدثته مخالفة القاعدة القانونية أو إصالحه قدر‬
‫اإلمكان‬
‫والمؤيد المدني عدة أنواع هي ‪:‬‬
‫‪ -‬إما أن يكون تنفيذاً عينيا ً وذلك بتنفيذ ذات االلتزام ( كإجبار البائع مثالً‬
‫على تسليم المبيع للمشتري )‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬أو تنفيذاً بمقابل وذلك عن طريق التعويض ( كإجبار من سبب بعمله‬
‫غير المشروع ضرراً للغير على دفع تعويض له عنه ) ‪.‬‬
‫‪ -‬أو يكون أيضا ً ببطالن االتفاق المخالف للقاعدة القانونية ( كبطالن‬
‫االتفاق الواقع على بيع المخدرات )‬
‫وللتمييز بين المؤيد الجزائي و المؤيد المدني نأخذ المثال التالي ‪:‬‬
‫لو فرضنا أن شخصا ً يقود سيارته مخالفا ً قواعد المرور قد صدم شجرة‬
‫و اقتلعها فحكم عليه بغرامة من جهة و بالتعويض عن الشجرة من جهة‬
‫ثانية ‪ ،‬فالغرامة يقصد بها معاقبته لمخالفته قواعد المرور هذا يعتبر‬
‫مؤيد جزائي‬
‫أما التعويض إلزالة الضرر الذي ألحقه بمالك الشجرة نتيجة عمله غير‬
‫المشروع وهذا يعتبر مؤيد مدني ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫القانون و الضوابط االجتماعية‬

‫صلة القانون بالحياة االجتماعية ‪:‬‬


‫إن طبيعة الحياة االجتماعية تقتضي ضرورة وجود القانون وذلك من‬
‫أجل تنظيمها و إقامة أسس صالحة لها وبالتالي فإن القانون ضروري‬
‫لتنظيم المجتمع و عالقات األفراد فيه ولكن ليست قواعد القانون وحدها‬
‫التي تنظم عالقات الناس في المجتمع و تحدد سلوكهم و سبيل سيرهم‬
‫و إنما هناك قواعد أخرى تلعب دوراً هاما ً مثل ( قواعد األخالق وقواعد‬
‫الدين – وقواعد العادات والتقاليد )‬

‫القانون و األخالق‬
‫مقارنة القانون باألخالق‬
‫إن التفريق بين القواعد القانونية و األخالقية لم يحدد بصورة علمية واضحة‬
‫إال في العصور الحديثة و ذلك ألنه في العصور القديمة كان الدين هو‬
‫المسيطر بين أغلب الشعوب و كان ما يأمر به الدين ‪ ،‬يعتبر في الوقت ذاته‬
‫موافقا ً لألخالق و واجب اإلتباع من الوجهة القانونية ‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا التدخل الكبير فقد حاول فقهاء القرن الثامن عشر بيان‬
‫بعض الفوارق بينهما و هي فوارق يؤدي إليها اختالف الغاية و الهدف‬
‫بالنسبة إليهما ‪:‬‬
‫فاألخالق تهدف بصورة رئيسية إلى تحقيق الطمأنينة و السالمة الداخلية‬
‫لإلنسان و بلوغ الكمال الفردي ‪ ،‬بينما يهدف القانون قبل كل شيئ إلى‬
‫تحقيق الطمأنينة و السالمة العامة أو الخارجية و تأمين النظام في المجتمع ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -‬و إن الفوارق بين القانون و األخالق يمكن أن تظهر من خالل ثالثة‬
‫وجوه هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث نطاق كل منهما ‪.‬‬
‫‪ -2‬من حيث درجتهما في الشدة‬
‫‪ -3‬من حيث المؤيد و الجزاء ‪.‬‬

‫‪ -1‬اختالف القانون من حيث النطاق ‪:‬‬


‫إن نطاق األخالق أوسع من نطاق القانون ‪ ،‬فالقانون يهتم بقسم من أعمال‬
‫اإلنسان و تصرفاته ‪ ،‬ال بها كلها ‪ .‬وهذا القسم يتعلق بسلوك الفرد‬
‫االجتماعي و عالقاته مع غيره من أفراد المجتمع بينما قواعد األخالق‬
‫تشمل هذا النوع من التصرفات‪ j‬الخاصة المتعلقة بسلوكه الفردي حتى و لو‬
‫لم يكن لها من أثر على عالقاته باآلخرين ‪.‬‬
‫إن تصرفات اإلنسان في المجتمع و صالته بالغير تعتبر منطقة‬ ‫‪-‬‬
‫مشتركة بين القانون و األخالق و هي قواعد يفرضها القانون و‬
‫األخالق معا ً كالقواعد المتعلقة بمنع ارتكاب الجريمة أو احترام‬
‫حقوق و ملكيات اآلخرين ‪.‬‬
‫و القواعد المتعلقة بسلوك اإلنسان و تصرفاته الفردية التي ال تأثير‬ ‫‪-‬‬
‫لها على صالته باآلخرين هي عبارة عن قواعد تفرضها األخالق‬
‫وحدها دون القانون وهذه المنطقة خاصة باألخالق دون القانون‬
‫كالحث على الصدق أو الشجاعة ‪.‬‬
‫و القاعدة تعتبر قاعدة أخالقية طالما أنها تتعلق بالفرد وحده دون أن‬ ‫‪-‬‬
‫تؤثر على اآلخرين في المجتمع ‪ ،‬و إذا امتد أثر هذه القاعدة إلى‬
‫هؤالء أصبحت قاعدة أخالقية و قانونية معا ً‬

‫‪28‬‬
‫فمثالً ‪ :‬األخالق ال ترضى بالجبن أو التخاذل ‪ ،‬و لكن القانون ال‬ ‫‪-‬‬
‫يعاقب اإلنسان على جبنه و تخاذله ‪ ،‬إال حين يكون هناك ضرر‬
‫منهما بالنسبة للمجتمع كما في حالة الفرار أمام العدو مثالً ‪.‬‬
‫هناك منطقة ثالثة يتولى القانون تنظيمها دون أن تكون لألخالق صلة‬ ‫‪-‬‬
‫بها كما في القواعد المتعلقة مثالً بتنظيم السير التي يفرضها القانون‬
‫لتأمين النظام بينما ال توجد لألخالق عالقة بها ‪.‬‬

‫‪ -2‬اختالف القانون و األخالق من حيث الشدة ‪:‬‬


‫إن القواعد القانونية في بعض األحيان تكون أقل شدة من القواعد‬
‫األخالقية و أكثر تساهالً و ذلك بسبب مقتضيات المصلحة و‬
‫الضرورة ‪ ،‬حيث أن األخالق تهدف دوما ً إلى اإلصالح التام و‬
‫الكمال المطلق ‪ ،‬بينما يحرص القانون على مراعاة اعتبارات أخرى‬
‫كالمصلحة و النفع إلى جانب المثل األخالقية التي يحاول تحقيقها‬
‫فاألخالق مثالً ال ترضى بحال من األحوال أن يمتنع اإلنسان عن‬
‫وفاء دينه مهما مر على هذا الدين من مدة دون المطالبة به من قبل‬
‫صاحبه ‪ ،‬أما القانون فإنه يبيح لهذا اإلنسان أن يمتنع عن وفاء دينه‬
‫بعد فترة من الزمن إذا لم يطالبه صاحبه به خاللها ( يسقط بالتقادم )‬
‫ومن هنا يتضح لنا معنى جملة الفقيه الروماني بول من أن ما يسمح‬
‫به القانون ال يكون دوما ً موافقا ً لألخالق ‪.‬‬

‫‪ -3‬اختالف القانون و األخالق من حيث المؤيد و الجزاء ‪:‬‬


‫إن القواعد القانونية تتميز بأنها مؤيدة من قبل الدولة التي تستطيع أن‬
‫تفرضها بالقوة حين االقتضاء بينما القواعد األخالقية ال تفرض من‬

‫‪29‬‬
‫قبل الدولة و إنما يفرضها ضمير المرء و وجدانه أو الضمير العام‬
‫في المجتمع ‪.‬‬
‫فمثالً ‪ :‬قد يمتنع اإلنسان عن الكذب ألنه يرفض الكذب ‪ ،‬و ال‬
‫يرتضيه لنفسه أو خشية من الناس الذين يحتقرونه و لكنه يمتنع عن‬
‫شهادة الزور لهذه األسباب نفسها و ألن الدولة تعاقب أيضا ً على‬
‫شهادة الزور ‪.‬‬
‫و على الرغم من هذه االختالفات بين القانون و األخالق إال أنه ال‬
‫تزال الصلة قوية و متينة بينهما لدرجة أن القانون ليس سوى‬
‫األخالق حين ترتدي صيغة إلزامية ‪.‬‬

‫القاعدة القانونية وقواعد الدين‬

‫ال شك أن الدين أكثراً شموالً من القانون إذ يدخل في مضمونه‬


‫القواعد التي تحدد عالقة اإلنسان نحو خالقه ‪ ،‬أو نحو نفسه ‪ ،‬أو نحو‬
‫غيره من األشخاص ‪ .‬بينما يقتصر القانون بصورة أساسية على‬
‫قواعد المعامالت إال أن هذا ال يعني أن قواعد القانون ال تمتد أحياناً‪j‬‬
‫لتشمل بعض شؤون العبادات " عالقة اإلنسان بخالقه " فالقانون‬
‫يكفل ممارسة الشعائر الدينية و يمنع أي اعتداء عليها ‪.‬‬
‫إال أنه تجدر اإلشارة إلى أن عالقة القانون بالدين عبر التاريخ لم تكن‬
‫واحدة فقد اختلفت وما زالت تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان‬
‫إلى آخر فقواعد الدين في الشرق أكثر تأثيراً من قواعد الدين في‬
‫الغرب وال سيما في العصور األخيرة ‪ .‬وال يخفى على أحد التأثيرات‬
‫الواضحة لقواعد الدين حتى اليوم على النظام القانوني و مثالها في‬

‫‪30‬‬
‫سورية ما ورد في قانون البينات لعام ‪ 1947‬حيث نصت المادة ‪/‬‬
‫‪ /112‬منه على أن ‪:‬‬
‫" اليمين الحاسمة هي التي يوجهها أحد المتنازعين لخصمه ليحسم‬
‫بها النزاع " ‪.‬‬
‫أما المادة ‪ /121/‬من القانون ذاته فتنص على أن " اليمين المتممة‬
‫هي التي توجهها المحكمة من تلقاء نفسها ألي من الخصمين لتبني‬
‫على ذلك حكمها في موضوع الدعوى أو في قيمة ما تحكم " ‪.‬‬
‫إال أنه مهما كان هذا التأثير ومهما بلغت أهميته يبقى هناك أكثر من‬
‫وجه اختالف بينهما ‪:‬‬
‫‪ -1‬يهتم الدين بالنوايا و المقاصد أما القانون فيهتم أساسا ً بالسلوك‬
‫الخارجي فهو ال يعتد بالنوايا في ذاتها ‪ ،‬إال إذا ظهرت إلى حيز‬
‫الوجود في شكل سلوك يرتب آثاراً قانونية معينة ‪.‬‬
‫‪ -2‬تهدف قواعد الدين إلى الرقي باإلنسان و تربيته تربية مثالية نقية‬
‫لذلك فهي تأمر بالمحبة و التراحم و التعاطف وتقديم المساعدة عند‬
‫الشدائد وعدم الكذب أيا ً كان نوعه أو نتيجته أما القانون فيهدف إلى‬
‫إقامة النظام في المجتمع و تحقيق العدل و المساواة وفقا ً لمعايير‬
‫واقعية فعلى سبيل المثال يحارب السلوك المعين إذا بلغ حداً من‬
‫الخطورة يهدد النظام في المجتمع ‪.‬‬
‫‪ -3‬الجزاء على مخالفة القاعدة الدينية غالبا ً ما يكون جزاءاً دينيا ً‬
‫مؤجالً يوقع في اآلخرة ‪ .‬أما الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية‬
‫فيكون جزاءاً ماديا ً و حاالً توقعه السلطة العامة ‪ .‬على أنه قد يقوم‬
‫المشرع بصياغة مجموعة من القواعد الدينية في قواعد قانونية‬

‫‪31‬‬
‫تصبح هذه القواعد ملزمة بالجزاء و لكن ليس باعتبارها قواعد دينية‬
‫بل باعتبارها قواعد قانونية و مثال ذلك تبني المشرع السوري‬
‫ألحكام الدين اإلسالمي بجزاءاتها الدينية ‪ ،‬وفي بعض مسائل‬
‫األحوال الشخصية من زواج و طالق وعدة و نفقة و نسب و ميراث‬
‫و غيرها من المسائل المتعلقة باألسرة ‪ .‬وفي هذا الخصوص تتطابق‬
‫القواعد القانونية مع األحكام الدينية وال يختلف في كليهما إال أنه ال‬
‫يطبق باعتباره جزاء دينيا ً بل بوصفة جزاء لمخالفة نصوص القانون‪.‬‬

‫القاعدة القانونية وقواعد العادات و المجامالت‬

‫تعتبر قواعد العادات و المجامالت من القواعد االجتماعية التي‬


‫تستهدف تنظيم سلوك األفراد في عالقاتهم اليومية داخل المجتمع‬
‫ومن ثم تتبلور هذه القواعد وفقا ً لمبادئ متعددة منها ما يدخل في‬
‫نطاق الذوق الجمالي الخاص كالمأكل ومنها ما يراعي مبادئ الذوق‬
‫الجمالي العام كالملبس و المسكن ومنها ما يقوم على أساس حسن‬
‫اآلداب في التعامل كالتحية و السالم والتزاور بين األقرباء وعيادة‬
‫المرضى ومواساتهم و تبادل التهاني في المناسبات واألفراح‬
‫و األعياد و ما أشبه ذلك ‪ .‬وفي ضوء ذلك يثور التساؤل عن معيار‬
‫التمييز الذي يفرق بين هذه القواعد االجتماعية و بين القواعد‬
‫القانونية ‪.‬‬
‫إن االختالف في طبيعة الجزاء هو المعيار الفاصل للتمييز بين‬
‫القواعد القانونية وقواعد العادات‪ j‬و المجامالت‪ j‬إذ أن مخالفة القاعدة‬
‫القانونية يؤدي لتدخل السلطة العامة استناداً لما تتمتع به من سلطة‬

‫‪32‬‬
‫اإلكراه و القسر إلجبار األفراد على احترامها أما الخروج عن قواعد‬
‫العادات و المجامالت فال يؤدي سوى الستنكار الناس و اشمئزاز‬
‫الرأي العام ممن يخرق إحدى هذه القواعد ‪ .‬ويرجع سبب االختالف‬
‫في طبيعة الجزاء بين هذين النوعين من القواعد االجتماعية إلى‬
‫االختالف و التفاوت في طبيعة المصالح التي تهدف إلى تحقيقها‬
‫وحمايتها ‪ .‬فالقيم و المصالح التي تهدف قواعد العادات و المجاالت‬
‫لتحقيقها هي قيم و مصالح كمالية تعطي مظهراً جماليا ً و بالتالي ال‬
‫تحتاج لتدخل الدول بل يكفي أن يترك األمر في حال مخالفتها إلى‬
‫مجرد االستنكار العام للجماعة ‪ .‬أما المصالح التي ترمي إلى تحقيقها‬
‫القاعدة القانونية فهي مصالح ضرورية و أساسية إلقامة النظام و‬
‫االستقرار في المجتمع ‪ ،‬ولذلك فهي تحتاج لتدخل السلطة العامة‬
‫تدخالً ماديا ً إلجبار األفراد على احترامها و عدم خرقها ‪ .‬على أن‬
‫قواعد العادات‪ j‬و المجامالت‪ j‬قد تتحول إلى قواعد قانونية عندما يشعر‬
‫المجتمع بارتباطها بمصالح جوهرية و أساسية وعندها يحميها‬
‫بالجزاء المادي باعتبارها قد أصبحت قواعد قانونية ‪.‬‬
‫ومثال ذلك ما نصت عليه قوانين بعض الدول من ضرورة ترك‬
‫الشبان لمقاعدهم في وسائل النقل العامة للشيوخ و العجائز فهنا ال‬
‫نغدو بصدد قاعدة من قواعد العادات و المجامالت بل بصدد قاعدة‬
‫قانونية يجبر من يخالفها على احترامها ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مصادر القانون‬

‫المصدر المادي و المصدر الرسمي ‪:‬‬


‫إن القانونية عبارة عن حكم عام ‪ ،‬و مجرد له قوة اإللزام و الحكم الذي‬
‫تتضمنه القاعدة هو الذي يكون موضوعها و مادتها ‪ ،‬أما القوة اإللزامية‬
‫التي تتمتع بها فهي التي تضفي عليها الصبغة الرسمية ‪.‬‬
‫و المصدر الذي تستمد منه القاعد ة القانونية مادتها أو موضوعها يطلق‬
‫عليه اسم المصدر المادي للقاعدة ‪ ،‬أما المصدر الذي يوفر لها قوتها‬
‫اإللزامية أو صبغتها الرسمية فيطلق عليه اسم المصدر الرسمي ‪.‬‬
‫و المصادر المادية عديدة و متنوعة فقد تكون وليدة ظروف البيئة و أوضاع‬
‫المجتمع و قد يكون حكمها مقتبس من قانون قديم كان سائداً في المجتمع أو‬
‫في قانون أجنبي أو من االجتهادات التي استقر عليها القضاء‪ j‬أو من آراء و‬
‫نظريات الفقهاء‪ . j‬و إن كانت توفر للقاعدة مادتها و مضمونها ‪ ،‬و فحواها‬
‫فإنها ال تكفي لجعلها قاعدة قانونية بل ال بد للقاعدة في نفس الوقت ‪ ،‬من‬
‫مصدر رسمي يضفي عليها القوة اإللزامية ‪.‬‬

‫تعداد المصادر الرسمية و بيان أهميتها ‪:‬‬


‫هناك مصدران رسميان رئيسيان للقانون ‪ ،‬تأخذ بهما جميع الدول و هما ‪:‬‬
‫‪ -‬التشريع‬
‫‪ -‬العرف‬
‫ويضاف إليهما في بعض البالد ‪ ،‬كبالدنا مثالً مصدران آخران أو‬
‫أحدهما ‪ ،‬و هما ‪:‬‬
‫‪ -‬القواعد الدينية‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة ‪.‬‬
‫ويتصل بالمصادر الرسمية للقانون ‪ ،‬مصدران آخران ‪ ،‬يعتبران‬
‫بمثابة مصدرين تفسيريين هما ‪:‬‬
‫‪ -‬االجتهاد القضائي‬
‫‪ -‬الفقه‬
‫ووجه االختالف بين هذين المصدرين ‪ ،‬و بين المصادر الرسمية هو‬
‫أن االجتهاد القضائي و الفقه ‪ ،‬ال يؤديان إلى إيجاد قواعد قانونية‬
‫عامة قابلة للتطبيق بصورة إلزامية ‪ ،‬و مطردة على جميع الحاالت‪j‬‬
‫المتماثلة كما هو األمر بالنسبة للمصادر الرسمية ‪ ،‬بل إن دورهما‬
‫يقتصر على تفسير و بيان كيفية تطبيق القواعد القانونية المنبثقة عن‬
‫المصادر الرسمية دون أن يكون لما ينتج عنها صفة القواعد القانونية‬
‫اإللزامية ‪.‬‬
‫‪ -‬و في هذا المجال ‪ ،‬نورد المالحظات التالية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬إن المصادر الرسمية للقواعد القانونية ال تطبق جميعها دوما ً‬
‫في مختلف األحوال و الظروف بل هناك بعض األمور كاألمور‬
‫الجزائية ال يمكن أن يطبق فيها سوى مصدر واحد هو التشريع ‪ ،‬و‬
‫إن أهم مبادئ القانون الجزائي المبدأ الذي ينص على أنه ( ال جريمة‬
‫و ال عقوبة إال بناء على قانون)‬
‫وكلمة قانون هذا بمعنى التشريع ‪ ،‬أي أن القاضي ال يستطيع أن‬
‫يعاقب إال الجريمة التي تنص عليها التشريع ‪.‬‬
‫مثالً ‪ :‬إذا كان ال يوجد نص تشريعي يعاقب اإلنسان على عدم‬
‫تطوعه إلنقاذ شخص معرض للخطر فإن القاضي ال يستطيع أن‬

‫‪35‬‬
‫يفرض عليه عقوبة ما استناداً إلى ما قد يراه من مبادئ القانون‬
‫الطبيعي أو قواعد العدالة ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬بالنسبة لألمور التي يمكن أن تطبق فيها جميع المصادر‬


‫الرسمية للقواعد القانونية ليس للقاضي‪ j‬حرية األختيار بين هذه‬
‫المصادر و تطبيق ما يراه مناسبا ً منها دون غيره ‪ ،‬بل هناك تسلسل‬
‫و ترتيب معين و هذا ما تقتضي به المادة األولى من القانون المدني‬
‫التي تنص ‪:‬‬
‫(( ‪ -1‬تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها‬
‫هذه النصوص في لفظها أو فحواها‬
‫‪ -2‬فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ‪ ،‬حكم القاضي بمقتضى‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬فإذا لم توجد فبمقتضى العرف ‪ ،‬فإذا لم‬
‫يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة ‪)) .‬‬
‫مثالً ‪ :‬لو عرضت على القاضي قضية تتعلق بالقرض مع الفائدة فإنه‬
‫ال يستطيع أن يقرر الحكم فيها بموجب مبادئ الشريعة اإلسالمية ‪،‬‬
‫التي تحرم هذا النوع من القرض ألن القاضي ملزم بأن يحكم أوالً‬
‫بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالموضوع الذي يطلب إليه‬
‫الحكم فيه وال يستطيع أن يطبق مبادئ الشريعة اإلسالمية إال في حال‬
‫عدم وجود هذه النصوص ‪ ،‬وبالنسبة للقرض مع الفائدة هناك‬
‫نصوص تشريعية تجيزه فال يمكن إذاً تطبيق قواعد غيرها‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا كان االجتهاد القضائي‪ j‬و الفقه يعتبران حالياً‪ j‬بالنسبة ألغلب‬
‫النظم القانونية من المصادر التفسيرية ال الرسمية فإنهما قد كانا في‬
‫ما مضى يعتبران في كثير من الشرائع من المصادر الرسمية للقواعد‬
‫القانونية ‪ ،‬كما أن االجتهاد القضائي ال يزال يعتبر حاليا ً كذلك في‬
‫بعض البلدان مثل انكلترا ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬إن االجتهاد القضائي بصورة خاصة بالرغم من اعتباره من‬


‫الوجهة النظرية من المصادر التفسيرية ال الرسمية بالنسبة ألغلب‬
‫النظم القانونية الحالية له من الوجهة العملية تأثيرا كبير حتى بالنسبة‬
‫لهذه النظم في تطوير القواعد القانونية بل و تعديلها ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬إن مصادر القانون الرسمية منها و التفسيرية ليست منفصلة‬


‫عن بعضها كل االنفصال بل هناك نوع من التداخل و التقارب‪ j‬بينها‬
‫فالتشريع مثالً يستمد كثيراً في قواعده من األعراف السائدة كما أن‬
‫االجتهاد القضائي من شأنه أن يوضح التشريع كما من شأنه أن يظهر‬
‫األعراف ويثبتها ‪ .‬فجميع هذه المصادر تسهم مشتركة في إيجاد‬
‫القواعد القانونية وتطويرها ‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬إن هذه المصادر المختلفة لم تظهر جميعها دفعة واحدة في‬
‫التاريخ بل ظهرت على مراحل متتالية تبعا ً لتطور المدنية و تقدمها ‪.‬‬
‫و يمكن القول أن العرف هو أكثر هذه المصادر قدما ً و أسبقها إلى‬
‫الظهور ثم تلته المصادر األخرى ‪ ،‬كقواعد الدين و مبادئ القانون‬
‫الطبيعي و االجتهاد و أخيراً التشريع‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬و إذا كان التشريع قد تأخر في الظهور فإنه و ال شك يعتبر في‬
‫عصرنا الحاضر‪ j‬أكثر مصادر القواعد القانونية أهمية و أوسعها‬
‫انتشاراً ‪ ،‬و إن تكن المصادر األخرى ذات قيمة ال تتكرر و أثر بالغ‬
‫في إيجاد القواعد القانونية و تطويرها ‪.‬‬

‫التشريع و الدستور و األنظمة‬

‫إلى جانب التشريع ‪ :‬وهو النص المكتوب الصادر عن السلطة التشريعية‬


‫المختصة ‪ ،‬متضمنا ً القواعد القانونية ‪ ،‬في نصوص مكتوبة ووفقا ً ألصول‬
‫معينة يوجد نوعان آخران من النصوص التي تتضمن مثل هذه القواعد‬
‫و هما ‪ - :‬الدستور ‪ -‬األنظمة‬
‫مقارنة التشريع بالدستور و األنظمة ‪:‬‬
‫‪ -‬موقع التشريع بين الدستور و األنظمة ‪:‬‬
‫هناك بين الدستور و التشريع و األنظمة نوع من التسلسل و التدرج في‬
‫الترتيب ‪ ،‬فالدستور هو أعلى هذه النصوص جميعا ً ثم يأتي بعده التشريع و‬
‫تليها األنظمة ‪.‬‬
‫مقارنة الدستور بالتشريع ‪:‬‬
‫الدستور ‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة عن سلطة خاصة تسمى‬
‫بالسلطة التأسيسية و التي تتضمن النظام األساسي للدولة و المبادئ العامة‬
‫التي يقوم عليها أسلوب الحكم فيها ‪.‬‬
‫د‪ 0‬و بالتالي هناك اختالف بين الدستور و التشريع من ناحيتين ‪ :‬ناحية‬
‫الشكل و ناحية الموضوع ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ ‬من ناحية الشكل ‪ :‬فإن االختالف هو أن الدستور يوضع من قبل‬
‫سلطة خاصة هي السلطة التأسيسية ‪ .‬أما التشريع فهو من عمل‬
‫السلطة التشريعية وقد ال تختلف السلطة التأسيسية في كثير من‬
‫األحيان عن السلطة التشريعية من حيث تركيبها و طريقة تشكيلها و‬
‫لكنها تختلف من حيث التسمية و نوع المهمة المعهود بها إليها‬

‫و التي هي عبارة عن وضع دستور للبالد ال سن التشريعات العادية‪.‬‬


‫‪ ‬من ناحية الموضوع ‪ :‬الدستور يتضمن النظام األساسي للدولة و‬
‫المبادئ العامة التي يقوم عليها أسلوب الحكم فيها ‪ ،‬في حين ال يرمي‬
‫التشريع إلى شيء من ذلك بل تقتصر مهمته على تنظيم عالقات‬
‫الدولة و أمور األفراد العادية ضمن حدود الدستور و نطاقه ‪.‬‬

‫مقارنة األنظمة بالتشريع ‪:‬‬


‫األنظمة ‪ :‬هي عبارة عن نصوص تصدر عن السلطة التنفيذية متضمنة‬
‫القواعد التي تفصل أحكام التشريعات و توضحها وتبين كيفية تنفيذها‬
‫وتطبيقها ‪ .‬وذلك األنظمة إما تصدر عن رئيس الجمهورية أو الوزراء‬
‫المختصين أو اإلدارات العامة و المجالس البلدية ‪ .‬ويطلق على األنظمة‬
‫الصادرة عن رئيس الجمهورية اسم المراسيم التنظيمية ‪ ،‬أما الصادرة‬
‫عن بقية السلطات يطلق عليها اسم القرارات التنظيمية ‪.‬‬
‫وتستمد السلطة التنفيذية صالحيتها في إصدار المراسيم و القرارات‬
‫التنظيمية ‪ ،‬إما من التشريع نفسه الذي تصدر ألجله هذه المراسيم و‬
‫القرارات أو من المبدأ العام الذي يعترف لها بموجبه بحقها في إصدار‬
‫األنظمة الالزمة لتنفيذ التشريعات‬

‫‪39‬‬
‫‪ -‬هناك اختالف بين التشريع و بين المرسوم أو القرار التنظيمي من‬
‫ناحيتين أيضا ً ناحية الشكل و ناحية الموضوع ‪.‬‬
‫* من ناحية الشكل ‪ :‬التشريع يصدر عن السلطة التشريعية ‪ ،‬بينما‬
‫المرسوم يصدر عن السلطة التنفيذية ‪.‬‬
‫* من ناحية الموضوع ‪ :‬المرسوم ال يتطرق إلى األمور التي يعالجها‬
‫بصورة رئيسية أصلية و لكن بصورة تبعية بغية تفسير التشريع و‬
‫تفصيل أحكامه ‪.‬‬
‫دون أن يستطيع مخالفة هذه األحكام أو التعديل فيها ‪ ،‬والمرسوم‬
‫التشريعي بالرغم أنه صادر عن رئيس الجمهورية كالمرسوم التنظيمي‬
‫يعتبر بمثابة التشريع ويقوم مقامه وهو بذلك ال يخضع للتشريع أو يتقيد‬
‫به بل يستطيع أن يخالف أحكامه أو يعدلها أو يلغيها‬
‫مالحظة ‪ :‬هناك نوعين من المراسيم التي تصدر عن السلطة التنفيذية‬
‫هي ‪:‬‬
‫‪ -‬المراسيم و القرارات التنظيمية‬
‫‪ -‬المراسيم و القرارات العادية أو الفردية ‪ :‬وهي تختلف عن السابقة في‬
‫أنها ال تتضمن قواعد قانونية عامة بل هي عبارة عن أحكام فردية‬
‫خاصة بشخص أو أشخاص معينين أو بواقعة أو وقائع محددة كما في‬
‫قرار تعيين موظف مثالً ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫رقابة القضاء لدستورية التشريع ‪:‬‬
‫يمكن أن نلخص هذا الموضوع في السؤال التالي ‪:‬‬
‫هل يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق التشريع إذا وجد أن أحكامه‬
‫تخالف المبادئ المقررة في الدستور و تتعارض معها أم أن من واجبه‬
‫تطبيق التشريع دوما ً سواء أكان موافقا ً للدستور أم ال ؟‬
‫لقد ظهر في البالد التي لم تنص دساتيرها على حل معين حول هذا‬
‫الموضوع اتجاهان متعاكسان ‪:‬‬
‫االتجاه األول ‪ :‬يرى أصحابه أنه ال حق للقضاء في مناقشة مسألة‬
‫دستورية التشريع بل عليه تطبيق التشريع كما هو ‪ ،‬إذا كان مستوفيا ً‬
‫لشرائطه الشكلية ولو كان مخالفا ً في أحكامه مبادئ الدستور ‪.‬‬
‫وحجتهم هي أن السماح للقضاء بمراقبة دستورية التشريع من شأنه أن‬
‫يؤدي حتما ً إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية و‬
‫هذا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ‪.‬‬
‫االتجاه الثاني ‪ :‬يرى أصحابه أن للقضاء الحق في مراقبة دستورية‬
‫التشريع و أن عليه أن يمتنع عن تطبيق التشريع حين يتأكد من مخالفة‬
‫أحكامه للدستور ‪.‬‬
‫وهم يوردون في سبيل تأييد رأيهم حججا ً عديدة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬في حال رفضنا هذا الحق فإن السلطة التشريعية تستطيع أن تخالف‬
‫الدستور دون أن يمكن منعها و ألصبح المبدأ القائل بضرورة تقييد‬
‫القوانين أو التشريعات بمبادئ و أحكام الدستور غير ذي قيمة و ال معنى‬
‫من الوجهة العلمية ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -2‬إن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر يدخل في حدود مهمامه و‬
‫اختصاصه ألن القضاء ملزم باحترام نصوص التشريع والدستور معا ً ‪،‬‬
‫و حين وجود تعارض بين أحكام الدستور و التشريع عليه أن يطبق‬
‫النص األعلى مرتبة ‪ .‬أي عليه أن يطبق الدستور و أن يمتنع عن تطبيق‬
‫التشريع لمخالفته إياه ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن رقابة القضاء لدستورية التشريع ليس فيها ما يتعارض مع مبدأ‬
‫فصل السلطات وذلك ألن السلطتين التشريعية و القضائية ملزمتان‬
‫باحترام الدستور ‪.‬‬
‫والرأي الثاني أقوى حجة و أكثر صوابا ً من الرأي األول ‪.‬‬
‫وفي بالدنا القضاء العادي يرفض بصورة عامة أن يعترف لنفسه بحق‬
‫مراقبة دستورية التشريع ‪ ،‬بينما القضاء اإلداري فيستشعر من بعض‬
‫قراراته أنه يعترف لنفسه بهذا الحق ‪.‬‬

‫رقابة القضاء لقانونية األنظمة ‪:‬‬


‫إن رقابة القضاء لقانونية األنظمة تعني رقابة لدستوريتها ‪ ،‬و هي ال‬
‫تقتصر على المراسيم و القرارات التنظيمية بل تتناول أيضا ً المراسيم و‬
‫القرارات العادية أو الفردية فجميع ما يصدر عن السلطة التنفيذية من‬
‫مراسيم و قرارات سواء أكانت تنظيمية أم غير تنظيمية يمكن الطعن‬
‫فيها أمام القضاء إذا تجاوزت في أحكامها حدود الدستور أو التشريع أو‬
‫خالفتها ‪.‬‬
‫و في بالدنا يعهد بأمر هذه الرقابة القضائية لقانونية المراسيم و‬
‫القرارات اإلدارية من أنظمة أو غيرها إلى قضاء خاص مستقل عن‬
‫القضاء العادي هو القضاء اإلداري ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فروع القانون‬
‫يضم قسم القانون الفروع التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون الدستوري‬
‫‪ -2‬القانون اإلداري ‪ ،‬ويلحق به القانون المالي‬
‫‪ -3‬القانون الجزائي ‪ ،‬بما فيه ذلك أصول المحاكمات الجزائية‬
‫‪ -4‬القانون الدولي العام‬
‫وسيتم إعطاء لمحة موجزة عنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون الدستوري‬
‫يتضمن القانون الدستوري المبادئ و القواعد األساسية التي تحدد‬
‫الحقوق و الواجبات‪ j‬العمة للمواطنين في الدولة ( كضمان حرياتهم‬
‫العامة )‪ ،‬وتبين نظام الحكم فيها(من حيث أنه جمهوري مثالً أو ملكي )‪،‬‬
‫وكيفية تنظيم السلطات العامة فيها(من تشريعية أو تنفيذية أو قضائية ) ‪،‬‬
‫وعالقة هذه السلطات بعضها ببعض ومع األفراد حتى أن الدستور‬
‫يسمى أيضا ً بالقانون األساسي‬
‫‪ -2‬القانون اإلداري ‪ ( :‬والقانون المالي )‬
‫القانون اإلداري ‪ :‬يتضمن القواعد التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية و‬
‫أعمالها ومهامها و عالقاتها باألفراد ‪ .‬والسلطة التنفيذية تمارس نشاطها‬
‫في الدولة عن طريق اإلدارات العامة التابعة لها ‪ ،‬فالقانون اإلداري هو‬
‫الذي ينظم عمل هذه اإلدارات ويحدد عالقاتها فيما بينها ومع األفراد ‪.‬‬
‫وقواعد القانون اإلداري ال يجمعها تشريع موحد و إنما توجد في‬
‫تشريعات متفرقة ( كقانون الموظفين و قانون االستمالك ) ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ومباحث القانون اإلداري متعددة ‪:‬‬
‫فهو يبحث في التنظيمات اإلدارية و تقسيماتها ( كتقسيم الدولة إلى‬
‫محافظات و مناطق و نواحي و غير ذلك ‪).............‬‬
‫ويبحث في نشاط الدولة و مظاهره وفي أعمالها و القرارات‪ j‬التي تصدر‬
‫عنها ‪ ،‬و يبحث في الوظائف العامة و الموظفين فيبين حقوقهم وواجباتهم‬
‫‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬و يبحث في أمالك الدولة فيبين صفاتها ومميزاتها وهو‬
‫يبحث في القضاء اإلداري و تنظيمه و تحديد مهامه و كيفية عمله ‪.‬‬
‫القانون المالي و يسمى بالتشريع المالي ‪ :‬وهو يتضمن القواعد التي‬
‫تحدد كيفية تنظيم الميزانية العامة في الدولة و الموارد التي تتألف منها‬
‫هذه الميزانية و وجوه الصرف التي تنفق فيها ‪.‬‬
‫‪ -‬الموارد تتألف من الضرائب التي تجبها الدولة و يحدد القانون المالي‬
‫أنواعها و أسسها و كيفية جبايتها ‪ ،‬كما تتألف من الغالت التي تجنيها‬
‫الدولة من أمالكها ومن القروض ‪.‬‬
‫‪ -‬أما النفقات‪ j‬منها ما يصرف من أجل رواتب الموظفين أو من أجل‬
‫المشاريع التي تتطلبها مصلحة الدفاع الوطني أو التي تقتضيها األعمال‬
‫اإلنشائية أو اإلنمائية‬
‫‪ -3‬القانون الجزائي ( و أصول المحاكمات الجزائية )‬
‫القانون الجزائي ‪ :‬يتضمن القواعد التي تنظم سلطة الدولة في معاقبة‬
‫المجرمين فيبين الجرائم التي تستوجب العقوبة كما يبين حدود هذه‬
‫العقوبة بالنسبة لكل نوع من أنواع الجرائم ‪.‬‬

‫و القانون الجزائي يقسم إلى قسمين ‪ :‬قسم عام و قسم خاص ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫*القسم العام ‪ :‬يبحث في الجريمة و أنواعها و الجرائم ‪،‬تقسم عادةً إلى‬
‫جنايات و جنح و مخالفات ‪ ،‬بحسب أنواع العقوبة المحددة لها و يبحث‬
‫أيضا ً في عناصر الجريمة و هي ثالث أنواع ‪ :‬قانوني ‪ ،‬معنوي ‪ ،‬مادي‬
‫فالعنصر القانوني ‪ :‬هو أن يكون الفعل المرتكب محرما ً بنص القانون‬
‫والعنصر المعنوي ‪ :‬هو أن تتوافر لدى مرتكب الفعل اإلدارة الحرة و‬
‫النية الجرمية أو أن يكون ارتكابه لهذا الفعل ناجما ً عن خطأ أو إهمال‬
‫على أقل تقدير‬
‫والعنصر المادي ‪ :‬هو أن يكون الشخص قد قام فعالً بارتكاب هذا الفعل‬
‫المحرم أو شرع فيه أو شارك في ارتكابه ‪ .‬وهو يبحث في العقوبة و‬
‫أنواعها ‪.‬‬
‫*أما القسم الخاص ‪ :‬فيبحث في أنواع الجرائم المختلفة ‪ ،‬كجرائم القتل و‬
‫السرقة و الخيانة و التزوير و غيرها ‪ ،‬ويبين أركان هذه الجرائم و‬
‫صفاتها وصورها المختلفة و أنواع العقوبة التي تحدد لكل منها ‪.‬‬

‫أصول المحاكمات الجزائية ‪ :‬تلحق بالقانون الجزائي نفسه باعتبار أنها‬


‫تتضمن القواعد التي تيبن األصول الواجب إتباعها فيما يتعلق بالتحقيق‬
‫عن الجريمة و محاكمة المتهم و طرق الطعن ‪ ،‬باألحكام الجزائية ‪،‬‬
‫الصادرة عن المحاكم و كيفية تنفيذها ‪.‬‬

‫‪ -4‬القانون الدولي العام‬


‫يتضمن القانون الدولي العام القواعد التي تنظم عالقات الدول فيما بينها‬
‫في حاالت السلم و الحرب و الحياد ‪ ،‬كما يشمل القواعد المتعلقة‬
‫بالمنظمات الدولية ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -‬في حالة السلم يبين القانون الدولي العام ‪ ،‬شروط وجود الدولة ‪،‬‬
‫واكتسابها الشخصية القانونية و تمتعها بالسيادة و االعتراف بها من‬
‫الوجهة الدولية ‪ ،‬كما يبين األسلوب الذي تلجأ إليه الدول للتعامل فيما‬
‫بينها ‪.‬‬
‫‪ -‬أما في حالة الحرب ‪ ،‬فإنه يتولى تنظيم عالقات الدول المتحاربة فيما‬
‫بينها و التي تتضمن كيفية إعالن الحرب ‪ ،‬وكيفية إنهائها عن طريق‬
‫المفاوضة و الصلح أو إيقافها بصورة غير نهائية عن طريق الهدنة كما‬
‫تتضمن تحديد األسلحة التي يحظر استعماله ‪.‬‬
‫‪ -‬ويبحث القانون الدولي العام في حالة الحياد التي تكون عليها بعض‬
‫الدول أثناء الحرب ‪ ،‬فيحدد عالقات هذه الدول المحايدة بكل من الفريقين‬
‫المتحاربين و يبين الحقوق و الواجبات و النتائج التي تترتب على حيادها‬
‫‪.‬‬
‫و القانون الدولي العام ‪ ،‬يتضمن القواعد التي تتعلق بالمنظمات الدولية ‪،‬‬
‫سواء من حيث تكوينها أو تحديد اختصاصاتها و تنظيم عالقاتها فيما‬
‫بينها ومع الدول ‪.‬‬
‫وقد أدى القانون الدولي العام إلى إحالل فكرة القانون و العدل محل‬
‫الظلم و الفوضى ‪ ،‬ولكنه ال يزال عاجزاً أن يستطيع أداء مهمته اإلنسانية‬
‫على أكمل وجه و يحتاج القانون الدولي العام إلى وجود قوة دولية كافية‬
‫احترام قواعده على جميع الدول ‪.‬‬
‫و تعتبر األعراف الدولية المصدر األول لقواعد القانون الدولي العام ‪،‬‬
‫كما تعتبر من مصادرها االتفاقات و المعاهدات الدولية التي تولد قواعد‬
‫إلزامية بالنسبة للدول الموقعة عليها ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فروع القانون الخاص‬

‫يضم القانون الخاص الفروع التالية ‪:‬‬


‫‪ -1‬القانون المدني بما في ذلك قانون األسرة أو العائلة‬
‫‪ -2‬القانون التجاري‬
‫‪ -3‬أصول المحاكمات‪ j‬المدنية والتجارية‬
‫‪ -4‬القانون الدولي الخاص‬
‫‪ -5‬بعض الفروع المستحدثة كقانون العمل والقانون الزراعي‬

‫‪ -1‬القانون المدني ‪:‬‬


‫تعريف القانون المدني و خصائصه ‪ :‬يتضمن القانون المدني ‪،‬‬
‫القواعد التي تنظم عالقات األفراد فيما بينهم إال ما يتناوله بالتنظيم‬
‫منها فرع آخر من فروع القانون الخاص ‪.‬‬

‫والعالقات التي تقوم بين األفراد تقسم إلى نوعين ‪:‬‬


‫إما أن تكون عالقات عائلية ‪ :‬يعود أمر تنظيمها في معظم الدول‬ ‫‪‬‬
‫إلى القانون المدني و لكنها في بالدنا العربية فصلت عنه و أصبح‬
‫لها فرع مستقل قائم بذاته ‪ ،‬تنظم تنظيما ً مستقالً يراعى فيه‬
‫اختالف األديان في بالدنا وضرورة خضوع كل طائفة من‬
‫الطوائف إلى قواعدها الدينية الخاصة بها في مجال أمور العائلة ‪.‬‬
‫أو أن تكون العالقات مالية ‪ :‬و يعود أمر تنظيمها إلى القانون‬ ‫‪‬‬
‫المدني ‪ ،‬و لكن هناك أنواع من هذه العالقات‪ j‬انفصلت تدريجيا ً في‬
‫معظم الدول عن القانون المدني كالعالقات التجارية أو العمالية‬
‫التي ينظمها حاليا ً قانون التجارة أو قانون العمل ‪ ،‬وهكذا فإن‬
‫‪47‬‬
‫القانون المدني يقتصر حاليا ً في بالدنا العربية على تنظيم‬
‫العالقات المالية دون العالقات العائلية ‪ .‬كما أنه ال يشمل من هذه‬
‫العالقات المالية إال ما ال يعود أمر تنظيمه إلى فرع آخر غيره ‪.‬‬

‫و القانون المدني له أهمية بالغة بالنسبة إلى بقية فروع القانون ‪،‬‬
‫وتبدو هذه األهمية واضحة في األمور التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون المدني هو األصل الذي تفرعت عنه بقية فروع‬
‫القانون الخاص كالقانون التجاري مثالً ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن القانون المدني ال يختص بفئات معينة من المواطنين بل‬
‫هو يطبق على جميع المواطنين‬
‫‪ -3‬إن قواعد القانون المدني تعتبر القواعد العامة التي يرجع‬
‫إليها و يعمل بها عند عدم وجود قواعد خاصة في فروع‬
‫القانون األخرى ‪ .‬وهذا ما تشير إليه المادة الثانية من قانون‬
‫التجارة التي تنص على أنه ( إذا انتفى النص في هذا القانون‬
‫فتطبق على المواد التجارية أحكام القانون المدني ) ‪.‬‬

‫تطور القانون المدني في بالدنا ‪:‬‬


‫كانت سورية خاضعة ألحكام الشريعة اإلسالمية التي كانت‬
‫تستمد من كتب الفقه اإلسالمي في مذاهبه المختلفة ‪ ،‬وتعتمد‬
‫على المصادر األربعة المعروفة في الشريعة اإلسالمية وهي ‪:‬‬
‫الكتاب والسنة و اإلجماع و االجتهاد ‪.‬‬
‫استمر هذا األمر إلى عهد الدولة العثمانية التي صدرت في‬
‫عهدها مجلة األحكام العدلية التي استقت قواعدها من المذهب‬
‫الحتفي في الشريعة اإلسالمية الذي كان المذهب الرسمي‬
‫‪48‬‬
‫للدولة العثمانية ‪ ،‬و بعد زوال الحكم العثماني استمرت سورية‬
‫على تطبيق مجلة األحكام العدلية كتشريع مدني لها كما صدر‬
‫في عهد االنتداب الفرنسي عدد من التشريعات ‪ ،‬أهمها قانون‬
‫الملكية العقارية الصادر في عام ‪ 1930‬بالقرار ‪. 3339‬‬
‫وحين زال االنتداب الفرنسي عن البالد أخذ التفكير يتجه إلى‬
‫وضع تشريع مدني سوري جديد ‪ ،‬وقد ظهر هذا المجال‬
‫باتجاهان متعاكسان‪.‬‬
‫يرمي إلى وضع تشريع مستمد من أحكام الشريعة‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلسالمية بمختلف مذاهبها ‪.‬‬
‫يرى األخذ بتشريع جديد مستمد من التشريعات الغربية‬ ‫‪-2‬‬
‫على غرار القانون المدني المصري الذي صدر في تلك‬
‫األثناء ‪.‬‬
‫وقد انتهى األمر بترجيح الرأي الثاني فصدر بتاريخ ‪18‬‬
‫أيار ‪ 1949‬المرسوم التشريعي ذي الرقم ‪ 84‬متضمنا ً‬
‫القانون المدني السوري الحالي ‪.‬‬
‫ومصادر القانون المدني المصري الحالي التي تعتبر في‬
‫نفس الوقت مصادر القانون المدني السوري المأخوذ عنه‬
‫هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬التشريع المدني المصري السابق المستمد من التشريع‬
‫المدني الفرنسي و التعديالت و األحكام التي أدخلت‬
‫عليه أو أضيفت إليه ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -2‬اجتهاد القضاء‪ j‬المصري في تطبيق نصوص ذلك‬
‫التشريع و تفسيرها ‪،‬وهو اجتهاد غني بالحلول العملية و‬
‫التطبيقات المالئمة لتطور الحاجات االجتماعية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الشريعة اإلسالمية بما تحويه من مبادئ و أحكام ال‬
‫تنكر قيمتها و قابليتها ‪ ،‬لمجاراة التطور االجتماعي و‬
‫الحاجات المتجددة ‪.‬‬
‫‪ -4‬التشريعات أو التقنيات‪ j‬األجنبية الحديثة ‪ ،‬كالقانون‬
‫الفرنسي و البولوني ‪.‬‬
‫إذاً دراسة القانون المدني السوري تستوجب في الوقت‬
‫نفسه الرجوع إلى القانون المصري الذي أخذ عنه ‪.‬‬
‫أبحاث القانون المدني‪.‬‬

‫يعالج القانون المدني أبحاثا ً متعددة جمعها التشريع‬


‫السوري و المصري في باب تمهيدي و قسمين ‪.‬‬
‫الباب التمهيدي ‪ :‬يقسم إلى ثالثة فصول ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬في القانون و الحق و تطبيقهما ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬في األشخاص ( الشخص االعتباري و‬ ‫‪-‬‬
‫الشخص الطبيعي )‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬في تقسيم األشياء و األموال ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أما القسمين فهما ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫القسم األول ‪ :‬فقد خصص لاللتزامات‪ j‬أو الحقوق الشخصية ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫و يقسم إلى كتابين ‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫الكتاب األول ‪ :‬يتناول االلتزامات بوجه عام فيبحث في‬
‫مصادر االلتزام آثاره و األوصاف المعدلة له و انتقاله و‬
‫انقضائه ‪.‬‬
‫الكتاب الثاني ‪ :‬ينظم أحكام العقود المسماة ‪ :‬كعقود البيع و‬
‫اإليجار‪.....‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬فقد خصص للحقوق العينية و هو يقسم إلى‬ ‫‪-‬‬
‫كتابين ‪:‬‬
‫الكتاب الثالث ‪ :‬يتناول الحقوق العينية األصلية ‪ ،‬كحقوق‬ ‫‪-‬‬
‫الملكية و االنتفاع‬
‫الكتاب الرابع ‪ :‬يشمل الحقوق العينية التبعية و هي الرهن و‬ ‫‪-‬‬
‫الـتأمين العقاري ‪.............‬‬

‫قانون األسرة أو العائلة ‪:‬‬


‫ينظمها حالياً‪ j‬بالنسبة للمسلمين في سورية ‪ ،‬قانون األحوال الشخصية‬
‫الصادر بتاريخ ‪ ، 1953 /9 /17‬وهو مستمد من الشريعة اإلسالمية و‬
‫يتضمن أحكام الزواج و الطالق و النسب و األهلية و النيابة الشرعية و‬
‫الوصية و المواريث ‪..............‬‬
‫أما بالنسبة لغير المسلمين فقد نصت المادة األخيرة من قانون األحوال‬
‫الشخصية على أنه ( يطبق بالنسبة إلى الطوائف المسيحية و اليهودية ما‬
‫لدى كل طائفة من أحكام دينية تتعلق في الخطبة و شروط الزواج و عقده ‪،‬‬
‫والمتابعة و النفقة الزوجية و نفقة الصغير و بطالن الزواج و حله وانفكاك‬
‫رباطه و في البائنة ( الدوطة ) و ( الحضانة) ‪ .‬وهناك بعض األحكام‬
‫بالطائفة الدرزية ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫القانون التجاري ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يتضمن القواعد التي تطبق بالنسبة للتجار و على األعمال‬
‫واألمور التجارية و يعود السبب األول في انفصال القانون‬
‫التجاري عن القانون المدني إلى ما تمتاز به المعامالت‬
‫التجارية بالنسبة إلى بقية المعامالت من طبيعة مختلفة تقوم‬
‫على التبسيط و المرونة و السرعة و الثقة التجارية ‪ ،‬مما‬
‫يستوجب إيجاد قواعد خاصة بها تراعى فيها هذه االعتبارات ‪.‬‬
‫والقانون التجاري يقسم إلى قسمين رئيسيين هما ‪:‬‬
‫القانون التجاري البري ‪ ،‬والقانون التجاري البحري ‪،‬‬
‫( ويضاف إليهما قسم جديد هو القانون التجاري الجوي )‬
‫القانون التجاري البري ‪ :‬ينظمه حاليا ً في سورية قانون التجارة و‬ ‫‪‬‬
‫الذي يشمل عدة أبحاث منها ما يتعلق بالتجارة بوجه عام ‪،‬‬
‫والتجارة و المؤسسات التجارية ‪ ،‬وما يتعلق بالشركات التجارية ‪،‬‬
‫وباألعمال و العقود التجارية و باألسناد التجارية ‪ ،‬وبالصلح‬
‫الواقي ‪.‬‬
‫القانون التجاري البحري ‪ :‬ينظمه قانون التجارة البحرية ‪ ،‬فيبحث‬ ‫‪‬‬
‫في السفن وملكيتها ‪ ،‬وما يتعلق بها من أحكام وفي عقد العمل‬
‫البحري و إيجار السفن وعقد النقل البحري ‪.............‬‬

‫‪ -3‬أصول المحاكمات المدنية و التجارية‬


‫تتضمن أصول المحاكمات المدنية والتجارية القواعد التي تبين‬
‫اإلجراءات‪ j‬الواجب على المحاكم تطبيقها و على األفراد‬
‫‪52‬‬
‫إتباعها في الدعاوي التي يقيمها هؤالء فيما يتعلق بأمورهم‬
‫المدنية و التجارية وأصول األحكام الصادرة بشأنها‪.‬‬

‫التنظيم القضائي الحالي في سورية ‪:‬‬


‫هناك نوعين من المحاكم ‪ :‬محاكم القضاء اإلداري ومحاكم‬
‫القضاء‪ j‬العادي‪.‬‬
‫*القضاء‪ j‬اإلداري ‪ :‬يتمثل في مجلس الدولة الذي يتكوم من‬
‫قسمين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬القسم القضائي‪j‬‬
‫‪ -2‬القسم االستشاري للفتوى و التشريع‬
‫‪ -1‬يتألف القسم القضائي من ‪ -:‬المحكمة اإلدارية العليا‬
‫‪ -‬محكمة القضاء اإلداري‬
‫‪ -‬المحاكم اإلدارية‬
‫وتتولى محكمة القضاء‪ j‬اإلداري و المحاكم اإلدارية مهمة الفصل في‬
‫الدعاوى اإلدارية ‪ ،‬وتتولى المحكمة اإلدارية العليا مهمة الفصل في‬
‫الطعون التي ترفع إليها فيما يتعلق باألحكام الصادرة عن محكمة القضاء‬
‫اإلداري أو المحاكم اإلدارية وتقوم إلى جانب هذه المحكم هيئة مفوضي‬
‫الدولة تتولى تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة‬
‫*محاكم القضاء‪ j‬العادي ‪ :‬تتألف مما يلي ‪ -:‬محكمة النقض (التمييز سابقاً)‬
‫‪ -‬محاكم االستئناف‬
‫‪ -‬المحاكم البدائية‬
‫‪ -‬المحاكم الصلحية‬

‫‪53‬‬
‫ويضاف إلى هذه المحاكم أيضا ً المحاكم الشرعية و الطائفية و المذهبية التي‬
‫تختص بالفصل في أمور األحوال الشخصية و هناك أيضا ً النيابة العامة‬
‫التي يتجلى دورها بالنسبة لألمور الجزائية بوجه خاص في إقامة الدعةى‬
‫الجزائية ومباشرتها وتمثيل المجتمع لدى المحاكم ثم تنفيذ األحكام الجزائية‬
‫بعد اكتسابها الدرجة القطعية‬
‫تختص المحاكم التي يتألف منها القضاء‪ j‬العادي بالفصل في كافة‬
‫عالمنازعات و جميع الجرائم إال ما استثنى منها بنص خاص و كل محكمة‬
‫من المحاكم السابقة تختص بفض النزاعات كل بحسب اختصاصاته‬
‫‪ -‬محكمة النقض ‪ :‬توزع إلى غرف متعددة فهي المرجع األعلى الذي يعود‬
‫إليه أمر مراقبة أحكام هذه األحكام والنظر في مدى صحتها و مطابقتها‬
‫للقانون و األصول ‪.‬‬
‫‪ -‬محكمة االستئناف ‪ :‬تتألف من رئيس و أعضاء يسمون مستشارين و‬
‫يوزعون على عدد من الغرف و الجزائية و تستأنف إليها أحكام المحاكم‬
‫البدائية و بعض األحكام الصلحية ‪.‬‬
‫‪ -‬المحاكم البدائية ‪ :‬يتألف كل منها من قاض منفرد فهي تتولى أمر الفصل‪j‬‬
‫في سائر المنازعات المدنية و التجارية وفي الجنح إال من عهد أمره إلى‬
‫غيرها بنص خاص‬
‫‪ -‬المحاكم الصلحية ‪ :‬يتألف كل منها من قاض منفرد يعود إليها أمر الفصل‬
‫في بعض المنازعات المدنية و التجارية البسيطة التي يعينها القانون وفي‬
‫المخالفات و بعض الجنح ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫القانون الدولي الخاص ‪:‬‬
‫يتضمن القواعد التي تبين بالنسبة لكل نوع من القضايا‪ j‬التي يكون فيها‬
‫عنصر أجنبي ما إذا كانت محاكم الدولة مختصة للنظر فيه أم ال كما تحدد‬
‫القانون الذي يجب تطبيقه عليه وقد جرت العادة على أن تدخل في نطاق‬
‫القانون الخاص القواعد المتعلقة بالجنسية و بمركز األجانب في الدولة‬
‫فمثالً ‪ :‬لو باع شخص سوري شخصا ً ألمانيا عقاراً يملكه في إيطاليا وجرى‬
‫العقد في فرنسا ثم حدث نزاع بعد ذلك حول هذا العقد فإن القانون الدولي‬
‫الخاص هو الذي يحدد ما إذا كانت المحاكم السورية مختصة للنظر في هذا‬
‫النزاع أم ال كما يحدد القوانين الواجب تطبيقها ‪.‬‬
‫‪-‬وقواعد القانون الدولي الخاص داخلية أو وطنية بمعنى أنه ال توجد قواعد‬
‫موحدة تسير عليها جميع الدول فيما يتعلق بمسائل هذا القانون و إنما لكل‬
‫دولة قواعد ها الخاصة بهذا الشأن‬

‫‪ -5‬بعض الفروع المستحدثة في نطاق القانون‪ V‬الخاص ‪:‬‬


‫من أهم هذه الفروع قانون العمل و القانون الزراعي وقد انفصلت عن‬
‫القانون المدني في الوقت الحاضر‪ j‬بسبب اتساع العالقات‪ j‬التي تقوم بتنظيمها‬
‫و ازدياد أهميتها و تعقدها تبعا ً لتطور المدنية الحديثة و انتشار‬
‫المذاهب‪...........‬‬
‫والعالقات التي تنظم هذه الفروع تؤثر بصورة مباشرة على المصالح‬
‫االقتصادية و االجتماعية للدولة ‪ ،‬ولذلك تتدخل الدولة في تنظيمها و‬
‫مراقبتها كما تعتبر القواعد المتعلقة بها قواعد آمرة من النظام ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫أنواع القواعد القانونية‬
‫القواعد اآلمرة والقواعد التكميلية أو المفسرة‬

‫التمييز بين القواعد اآلمرة والقواعد‪ V‬التكميلية أو المفسرة ‪:‬‬


‫من القواعد القانونية ‪ :‬القواعد اآلمرة والقواعد التكميلية المفسرة ‪:‬‬
‫‪ ‬القواعد اآلمرة ( القواعد الناهية ) ‪:‬هي التي تهدف إلى حماية مصالح‬
‫المجتمع األساسية ولذلك ال يسمح لألفراد باستبعاد أحكامها وتبني‬
‫أحكام غيرها فيما يجرونه من عقود أو تصرفات قانونية ‪.‬‬
‫‪ ‬القواعد القانونية التكميلية أو المفسرة ( القواعد المعلنة ) ‪ :‬وهي‬
‫خالفا ً للقواعد اآلمرة التي ال تهدف إلى حماية مصالح المجتمع‬
‫األساسية و إنما تتعلق مباشرةً بمصالح األفراد ‪ ،‬ولذا يسمح لهؤالء‬
‫األفراد باستبعاد أحكامها إذا شاءوا و األخذ بأحكام غيرها يختارونها‬
‫بأنفسهم ألنهم األولى بتقدير مصالحهم و طرق تحقيقها ‪.‬‬

‫‪ -‬إن تنظيم الفعالية و النشاط اإلنساني في المجتمع يتم بأساليب مختلفة ‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يترك لألفراد أنفسهم أمر تنظيم عالقاتهم االجتماعية و اختيار‬
‫األحكام التي يخضعون لها و يسيرون عليها دون أن تفرض عليهم هذه‬
‫األحكام مسبقا ً أو تحدد لهم‬
‫‪ -2‬قد يرشد األفراد إلى األحكام التي يرغبون بتطبيقها والعمل بها فتبين لهم‬
‫هذه األحكام في قواعد قانونية ثم يترك لهم الخيار بين العمل بهذه القواعد أو‬
‫االتفاق على خالفها ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -3‬قد تحدد لألفراد األحكام التي يجب عليهم إتباعه و السير عليها في‬
‫قواعد تفرض عليهم فرضا ً دون أن يكون لهم أدني حرية في استبعادها و‬
‫اختيار غيرها ‪.‬‬
‫فاألحكام من النوع األول هي ما يمكننا أن نسميها باألحكام االتفاقية أو‬
‫التعاقدية أما القواعد التي تتضمن األحكام من النوع الثاني فهي ما تسمى‬
‫بالقواعد التكميلية أو المفسرة و أما القواعد من النوع الثالث فهي ما تسمى‬
‫بالقواعد اآلمرة ‪.‬‬
‫و من الواضح أن القاعدة القانونية تعرف فيما إذا كانت آمرة أو تكميلية و‬
‫مفسرة باللجوء إلى عبارة النص الذي وردت فيه ‪ ،‬فإذا وجدنا من خالل هذه‬
‫العبارة ما يشير إلى أن من غير الجائز مخافة الحكم الذي تنص عليه كأن‬
‫يقال مثالً ( يعتبر باطالً كل اتفاق مخالف ) كانت القاعدة آمرة ‪.‬‬
‫أما إذا كانت العبارة تدل على جواز مخالفة هذا الحكم كأن يقال مثالً ( إال‬
‫إذا اتفق المتعاقدان على خالف ذلك ) اعتبرت القاعدة تكميلية أو مفسرة ‪.‬‬
‫فإذا لم تساعدنا عبارة النص في معرفة نوع القاعدة كان ال بد من المتمعن‬
‫في حكمها و تقدير مدى صلته بمصالح المجتمع األساسية أو بمصالح‬
‫األفراد ثم تحديدي نوعها على هذا األساس‪.‬‬
‫سبب هذه التسمية ‪:‬‬
‫بالنسبة للقواعد اآلمرة ‪ :‬فهي تفرض أحكاما ً معينة على األشخاص و‬
‫األحكام التي تفرضها مطلقة ال يجوز لهؤالء األشخاص مخالفتها أبدأ و لهذا‬
‫سميت بالقواعد اآلمرة ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫أما بالنسبة للقواعد التكميلية أو المفسرة فإنها تحتاج إلى اإليضاح ‪.‬‬
‫حين يعقد األشخاص العقود أو االتفاقات فيما بينهم فإنهم يحاولون أن‬
‫يحددوا بأنفسهم األحكام التي تترتب عليها ‪ ،‬فهذه األحكام إنما تنشأ بمحض‬
‫إرادتهم و تنبعث عنها بحيث يمكن القول بأن إرادتهم هي مصدر تلك‬
‫األحكام ‪ .‬إال أن األفراد أو األشخاص قد ال يحددون في عقودهم أو اتفاقاتهم‬
‫جميع األمور و المسائل الفصيلية التي يمكن أن تنشأ عنها وال يبينون‬
‫أحكامها فتكون إرادتهم غير ظاهرة أو جلية بالنسبة لهذه األمور ‪ ،‬و لهذا‬
‫تأتي القواعد التكميلية أو المفسرة لتكمل عمل إرادة األفراد وتفسر ما خفي‬
‫منها ‪ ،‬فهي تكميلية ألنها تكمل إرادة األفراد بالنسبة لألمور التي لم‬
‫يتعرضوا لذكرها في عقودهم ‪ ،‬ومفسرة هذه اإلرادة حين ال يبينها األفراد‬
‫أنفسهم ‪.‬‬
‫مالحظة ‪:‬‬
‫يجب عدم الخلط بين التسمية التي نطلقها على القواعد اآلمرة و بين‬
‫مضمون الخطاب‪ j‬الذي توجهه القاعدة إلى األشخاص من حيث أنه أمر أو‬
‫نهي أو مجرد إباحة و ترخيص ‪ ،‬و أال نتوهم أن القاعدة اآلمرة هي التي‬
‫تتضمن األمر ( النهي ) و أن القاعدة التكميلية أو المفسرة هي التي تتضمن‬
‫اإلباحة أو الترخيص ‪.‬‬
‫فالقواعد جميعها آمرة أو تكميلية و مفسرة تتضمن كل من هذه األنواع‬
‫الثالث ( األمر أو النهي أو اإلباحة ) ‪.‬‬

‫القوة اإللزامية للقواعد التكميلية أو المفسرة ‪:‬‬


‫يجب أن ال نتوهم أن هناك تعارضا ً بين مفهوم القاعدة القانونية التكميلية أو‬
‫المفسرة و بين ما يجب أن يتوفر في القاعدة القانونية بوجه عام من قوة‬
‫‪58‬‬
‫إلزامية ‪،‬و بمعنى آخر علينا أن ال نتوهم أن القاعدة القانونية اآلمرة هي‬
‫وحدها التي تعتبر ملزمة أما القاعدة التكميلية أو المفسرة ليست ملزمة‬
‫لألفراد ‪.‬‬
‫فالقواعد القانونية جميعها سواء كانت آمرة أم تكميلية أو مفسرة هي قواعد‬
‫ملزمة و هي قواعد مؤيدة بقوة الدولة و سلطانها و من الممكن فرض‬
‫احترامها على الناس فرضا ً‬
‫‪ -‬فالفرق بين القواعد اآلمرة و القواعد التكميلية أو المفسرة ينحصر في أن‬
‫القواعد اآلمرة ال يمكن لألشخاص أن يتفقوا على خالفها في عقودهم بينما‬
‫يمكن لهم ذلك بالنسبة للقواعد التكميلية أو المفسرة فإذا اتفق األشخاص على‬
‫أحكام تختلف عن األحكام التي تتضمنها القواعد التكميلية أو المفسرة في‬
‫عقودهم طبقت عليهم هذه األحكام التي اتفقوا عليها ‪ ،‬و إذا لم يتقثوا طبقت‬
‫عليهم األحكام التي تتضمنها القواعد التكميلية و اعتبرت هذه القواعد‬
‫بالنسبة إليهم ملزمة ‪ ،‬ال يمكنهم التنصل منها بل يرغمون على ذلك بقوة‬
‫القانون إذا اقتضى األمر ‪.‬‬

‫مفهوم النظام العام ‪:‬‬


‫إن مفهوم النظام العام يتمثل بالمصالح األساسية للمجتمع ‪ ،‬ويطلق على‬
‫القواعد اآلمرة اسم القواعد المتعلقة بالنظام العام ‪ ،‬وإن هذه المصالح تتجلى‬
‫بالنسبة للقانون المعاصر في األمور التالية ‪:‬‬
‫حماية الفرد في كل ما يتصل بحياته و سالمته وحريته و أمنه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حماية الدولة و مؤسساتها القانونية و نظام الحكم فيها ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حماية العائلة و إقامتها على أساس سليم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حماية األخالق و اآلداب العامة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪59‬‬
‫حماية بعض المصالح االقتصادية و االجتماعية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫و يجب اإلشارة إلى أن النظرة إلى مدى هذه المصالح أو كيفية‬
‫حمايتها قد تختلف من مجتمع إلى آخر و يختلف تبعا ً لذلك مفهوم‬
‫النظام العام كما تختلف القواعد اآلمرة نفسها ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫تطبيق التشريع من حيث المكان و الزمان‬
‫(تنازع القوانين )‬

‫تصدر في فترات متعاقبة تشريعات ضمن حدود الدولة الواحدة يخالف‬


‫بعضها أو يناقض البعض اآلخر و يحل الالحق منها محل السابق ومن‬
‫المهم تحديد مدى إمكانية تطبيق كل من هذه التشريعات على الوقائع‬
‫القانونية التي تحدث خالل تلك الفترات المتعاقبة كل من هذه التشريعات‬
‫على الوقائع القانونية التي تحدث خالل تلك الفترات المتعاقبة وهذا ما نعبر‬
‫عنه بتطبيق التشريع من حيث الزمان ‪.‬‬
‫وقد تحدث وقائع قانونية تجاوز في بعض عناصرها حدود الدولة الواحدة‬
‫وتمتد إلى دول متعددة ومن المهم تحديد مدى إمكانية تطبيق كل من‬
‫تشريعات هذه الدول المختلفة عليها وهذا ما نعبر عنه بتطبيق التشريع من‬
‫حيث المكان ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا حدث تنازع بين تشريعات متعاقبة ضمن الدولة الواحدة كان تنازعا ً‬
‫من حيث الزمان و أما إذا كان بين تشريعات دول متعددة فهو تنازع من‬
‫حيث المكان‬
‫‪ -‬والتنازع سواء من حيث الزمان أو المكان ال يقع فقط بين التشريعات‬
‫وحدها و إنما هو يقع بين القواعد القانونية المختلفة أيا ً كان مصدرها فمن‬
‫حيث الزمان مثالً قد يقع التنازع بين تشريع سابق و تشريع الحق أو بين‬
‫عرف سابق و عرف أو تشريع الحق ‪ .‬ومن حيث المكان يقع التنازع بين‬
‫القواعد القانونية المعمول بها في إحدى الدول من أي مصدر كانت و بين‬
‫القواعد القانونية لدولة أخرى ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق التشريع من حيث الزمان ‪:‬‬
‫المبدأ العام ‪:‬‬
‫عرض المبدأ ‪ :‬التشريع يطبق منذ صدوره و نفاذ ه إلى حين إلغائه فهو ال‬
‫يسري على ما تم من أفعال و تصرفات قبل نفاذه وهو ال يتناول في حكمه‬
‫ما ينشأ من هذه األفعال و التصرفات بعد زواله ‪ ،‬وإنما ينحصر تأثيره و‬
‫مفعوله فيما بين هاتين النقطتين ‪ :‬نقطة مبدئه و نقطة منتهاه ‪.‬‬
‫المبدأ إذاً يقوم على فكرتين رئيسيتين هما ‪:‬‬
‫‪ ‬األثر المباشر للتشريع ‪ :‬وهذا يقتضي تطبيق التشريع الجديد فوراً‬
‫ووقف العمل بالتشريع السابق ‪.‬‬
‫‪ ‬عدم رجعية التشريع ‪ :‬وهذا يقتضي عدم سريان التشريع الجديد على‬
‫الماضي بل تطبيق التشريع القديم على ما تم من أفعال و تصرفات‬
‫قبل نفاذ التشريع الجديد ‪.‬‬
‫مثالً ‪ :‬لو فرضنا أن تشريعا ً جديداً قد نص على عقوبة معينة لفعل لم يكن‬
‫محرما ً من قبل كتهريب الذهب خارج البالد مثالً فإن هذا التشريع يطبق‬
‫فوراً بالنسبة لجميع األفعال التي ترتكب بعد نفاذه ( األثر المباشر ) و لكنه‬
‫ال يطبق على ما أتم قبله من أفعال ( عدم الرجعية ) ‪.‬‬
‫ضرورة هذا المبدأ ‪ :‬يجب تطبيق التشريع الجديد مباشرةً ألنه يصدر ليلغي‬
‫تشريع سابق و يحل محله في التطبيق ‪ ،‬وإن عدم رجعية التشريع مبدأ هام‬
‫يستند إلى مبررات كثيرة من المنطق و العدل و ليس من المنطق أو العدل‬
‫أن نحاسب الناس على أفعال لم تكن محرمة حين قاموا بارتكابها أو نطلب‬
‫إليهم إتباع قواعد لم تكن موجودة حين قاموا بتصرفاتهم و أعمالهم ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫صعوبة تطبيق هذا المبدأ ‪ :‬هناك صعوبة في تحديد أي التشريعين يجب أن‬
‫تعتبر ساري المفعول ‪ ،‬القديم أم الجديد ؟‬
‫هناك حاالت يسهل فيما تطبيق هذا المبدأ فمثالً ‪ :‬ارتكاب فعل لمن يكن‬
‫محرما ً من قبل ‪ ،‬شراء سيارة ‪ .‬هذه الحاالت تمت خالل فترة قصيرة‬
‫محدودة واقعة ‪ ،‬إما بعد نفاذ التشريع الجديد ( و عندها نطبق التشريع‬
‫الجديد ) أو قبل نفاذه ( و عندها نطبق التشريع القديم ) ‪.‬‬
‫ولكن هناك حاالت كثيرة ال تنقضي فيها الوقائع و التصرفات دفعة واحدة و‬
‫إنما تمتد فترة من الزمن تبدأ في ظل التشريع القديم و تستمر إلى ما بعد نفاذ‬
‫التشريع الجديد وهنا تكمن الصعوبة في انتقاء أحد هذين التشريعين لتطبيقه‬
‫عليها ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬شخص أوصى بثلث ماله في ظل تشريع يجيز الوصية بثلب المال ثم‬
‫صدر بعد ذلك تشريع جديد يحرم الوصية بأكثر من الربع فأي التشريعين‬
‫يطبق في هذه الوصية ؟‬
‫شخص تزوج في ظل تشريع يبيح الطالق ثم صدر بعد ذلك تشريع جديد‬
‫بتحريمه ‪ ،‬هل يستطيع هذا الشخص أن يطلق امرأته استناداً إلى التشريع‬
‫األول الذي تزوج في ظله أم يحرم عليه ذلك تطبيقا ً ألحكام التشريع الجديد؟‬
‫‪ -‬وقد ظهرت نظريات متعددة للتفريق بين الحاالت‪ j‬التي يمتنع فيها تطبيق‬
‫التشريع الجديد والحاالت التي يجب فيها تطبيقه ‪ ،‬منها النظرية التقليدية و‬
‫النظرية الحديثة ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أوالً ‪ :‬النظرية التقليدية ‪:‬‬
‫عرض النظرية ‪ :‬تعتمد هذه النظرية على فكرة التمييز بين ما تسميه بالحق‬
‫المكتسب و مجرد األمل للتفريق بين الحاالت التي يمتنع فيها تطبيق‬
‫التشريع الجديد و الحاالت التي يجب تطبيقه فيها ‪.‬‬
‫وترى أنه يجب االستمرار بتطبيق التشريع القديم و االمتناع عن تطبيق‬
‫التشريع الجديد إذا كان األمر يتعلق بحق مكتسب ألن تطبيق التشريع الجديد‬
‫على الحق المكتسب إلى إعطائه مفعوالً رجعيا ً وهذا غير جائز بحسب مبدأ‬
‫أمل عدم رجعية التشريع أما إذا كان األمر ال يتعلق بحق مكتسب و إنما‬
‫مجرد أمل فيجب أن يعمد إلى تطبيق التشريع الجديد فوراً تحقيقا ً لمبدأ األثر‬
‫المباشر ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬إذا أوصى شخص بثلث تركته في ظل تشريع يجيز الوصية بالثلث‪j‬‬
‫ثم بعد ذلك صدر تشريع جديد يحرم الوصية بأكثر من التشريع فيجب‬
‫التفريق بين حالتين ‪:‬‬
‫‪ ‬إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع الجديد تؤول ملكية ما‬
‫أوصي به إلى الموصى له وهنا حق مكتسب وال يجوز تطبيق‬
‫التشريع الجديد على هذه الوصية ‪.‬‬
‫‪ ‬إذا كان الموصي لم يمت بعد حين صدور التشريع الجديد فإن‬
‫التشريع الجديد يطبق على الوصية ألنه لدينا حالة أمل ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫االستثناءات من هذه القاعدة التي تقرها النظرية التقليدية ‪:‬‬
‫هناك بعض االستثناءات التي يطبق فيها التشريع الحديد ‪ ،‬و يسري مفعوله‬
‫على الماضي حتى و لو كان األمر بمجرد األمل ‪ ،‬و إنما ببعض الحقوق‬
‫المكتسبة منها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬إذا نص التشريع الجديد صراحة على سريان أحكامه على‬
‫الماضي ‪،‬ألن مبدأ عدم الرجعية ال يقيد المشروع و إنما يقيد القاضي‪ j‬فقط ‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا كان التشريع الجديد يتعلق بالنظام العام ( مثال إذا صدر تشريع بمنع‬
‫التعامل بالذهب ‪ ،‬و هذا يعتبر من التشريعات التي تتعلق بالنظام العام فإنه‬
‫ال يطبق بالنسبة للعقود الجارية بعد صدوره و إنما بالنسبة للعقود السابقة‬
‫عليه أيضا )‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان التشريع الجديد تشريعا ً تفسيريا ً فإنه يطبق اعتباراً من تاريخ‬
‫التشريع الذي جاء لتفسيره وليس من تاريخ صدوره فقط والذي يطبق‬
‫التشريع السابق و لكن بالمعنى الذي دل عليه التشريع الجديد‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا كان التشريع الجديد من التشريعات الجزائية التي تلغى عقوبة سابقة‬
‫أو تتضمن عقوبة أخف للمتهم ففي هذه الحالة يطبق على المتهم إذا لم‬
‫يصدر عليه الحكم النهائي بعد التشريع الجديد فتمنع معاقبته أو يقضى عليه‬
‫بالعقوبة األخف بالرغم من ارتكابه الفعل في ظل التشريع القديم وهذا أرحم‬
‫بالنسبة إليه و أخف ‪.‬‬
‫نقد النظرية التقليدية ‪:‬‬
‫‪ -1‬غموض هذا المعيار إذ يصعب التفريق في الواقع بين ما يجب أن يعتبر‬
‫حقا ً مكتسبا ً فال يطبق عليه التشريع الجديد أو مجرد أمل فيطبق عليه‬
‫التشريع الجديد وهناك بعض الحاالت يصعب إدراجها في أي من زمرتي‬

‫‪65‬‬
‫الحق المكتسب أو مجرد األمل كاألهلية مثالً ‪ ،‬فاألهلية هي الحالي التي‬
‫يمنح فيها القانون اإلنسان صالحيته إجراء التصرفات و األعمال القانونية‬
‫بنفسه وهي بهذا ليست حقا ً مكتسبا ً بالنسبة إليه و المجرد أمل و إنما هي‬
‫أقرب إلى أن تكون بمثابة صفة يسبقها القانون عليه أو قابلية يمنحه إياها ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم صحة هذا المعيار في بعض األحيان فهناك حاالت تتعلق بحق‬
‫مكتسب ومع ذلك يطبق عليها التشريع الجديد ال القديم ‪ ،‬وهناك حاالت‬
‫تتعلق بمجرد األمل و يطبق عليها التشريع القديم ال الجديد‬
‫مثال ‪ :‬الوصية ‪ :‬في حياة الموصي هي عبارة عن مجرد أمل ال ينقلب إلى‬
‫حق مكتسب إال بعد وفاة الموصي ولهذا طبقنا التشريع الجديد الذي يعدل‬
‫من حدود الوصية إذا صدرت قبل وفاة الموصي ولكن إذا صدر تشريع‬
‫جديد في حال حياة الموصي ليضيف بعض الشروط الجديدة لصحة إنشائها‬
‫فإن التشريع ال يطبق على الوصية السابقة لصدوره حتى و لو كان‬
‫الموصي على قيد الحياة فالوصية تظل في هذه الحالة صحيحة استناداً إلى‬
‫التشريع الذي نشأت في ظله وال يطبق عليها التشريع الجديد بالرغم من أن‬
‫تطبيقه ال يتعلق بحق مكتسب و إنما بمجرد أمل ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬النظرية الحديثة ‪:‬‬


‫تفرق هذه النظرية بين ما يسمى طرق إنشاء أو زوال الوضع القانوني من‬
‫جهة و بين آثار ذلك الوضع أو المركز القانوني من جهة ثانية ‪.‬‬
‫فكل وضع قانوني ( كالوضع القانوني للمالك مثالً أو الموصي له او للدائن‬
‫أو نحو ذلك ‪ )..........‬إنما ينشأ ويزول بطرق مختلفة هي عبارة عن وقائع‬
‫و تصرفات قانونية كما أن كل وضع قانوني تنتج عنه بعض اآلثار‬

‫‪66‬‬
‫( كاآلثار التي تترتب على الملكية أو الوصية أو حق الدائن تجاه الدين أو‬
‫غيرها من األوضاع و المراكز القانونية ) وهذا التفريق بين الوقائع و‬
‫التصرفات التي تؤدي إلى إنشاء أو زوال األوضاع القانونية من جهة وبين‬
‫آثار هذه األوضاع القانونية من جهة ثانية هو الذي تعتمده النظرية الحديثة‬
‫كمعيار للتفريق بين الحاالت التي يمتنع فيها تطبيق التشريع الجديد و‬
‫الحاالت التي يجب فيها تطبيقه ‪.‬‬
‫‪ -‬ترى هذه النظرية أن الوقائع و التصرفات‪ j‬التي تؤدي إلى إنشاء األوضاع‬
‫القانونية أو زوالها يجب أن تتم وفقا ً لشروط التشريع الذي تمت في ظله فلو‬
‫جاء تشريع يعدل من شروط تكوين أو صحة واقعة أو تصرف ما فإن هذا‬
‫التشريع يجب أال يطبق على الوقائع و التصرفات‪ j‬التي تمت قبل صدوره و‬
‫نفاذه و ذلك لكي ال يخالف مبدأ عدم رجعية التشريع ‪.‬‬
‫‪ -‬أما لوكان التشريع الجديد ال يعدل من شروط أو صحة الوقائع و‬
‫التصرفات التي تؤدي إلى إنشاء الوضع القانوني وإنما يعدل من آثاره فقط‬
‫هنا يجب التمييز بين حالتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة لآلثار التي نجمت سابقا ً عن هذا الوضع القانوني ال يمكن تطبيق‬
‫التشريع الجديد عليها إال إذا نص المشرع على خالف ذلك عمالً بمبدأ عدم‬
‫رجعية التشريع ‪.‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة لآلثار التي ستنجم عن هذا الوضع القانوني في ظل التشريع‬
‫الجديد فإن هذا التشريع هو الذي يطبق عليها عمالً بمبدأ األثر المباشر ‪.‬‬
‫و لكن اآلثار التي ستنجم عن هذا الوضع القانوني في ظل التشريع الجديد ‪،‬‬
‫إذا كانت أثاره تعاقدية فال يطبق عليها هذا التشريع الجديد و إنما تخضع‬
‫لحكم التشريع السابق حرصا ً على استقرار المعامالت‬

‫‪67‬‬
‫مثال لتوضيح النظرية الحديثة ‪ :‬الوصية تصرف ينشئ وضعا ً قانونيا ً‬
‫للموصى له بهذا التصرف يجب أن يكون بحسب النظرية الحديثة موافقا ً من‬
‫حيث تكوينه و صحته لقواعد التشريع الذي جرى في ظله ‪.‬‬
‫اآلثار الناجمة عن الوصية ال تترتب على الموصى له إال بعد وفاة الموصي‬
‫ففي حالة الوصية بثلث التركة في ظل تشريع يجيز بذلك ‪ ،‬ثم صدور‬
‫تشريع جديد ال يجيز الوصية بأكثر من الربع ( كما في النظرية التقليدية )‬
‫بين ما إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع أم بعده ‪:‬‬
‫‪ ‬إذا كان الموصي قد توفي قبل صدور التشريع الجديد ال يسري هذا‬
‫التشريع على تلك الوصية ألن أثر الوصية قد ترتب قبل نفاذ التشريع‬
‫الجديد فال مجال لتعديله وفقا ً للتشريع الجديد ألن التشريع الجديد ال‬
‫يطبق على اآلثار التي ترتبت قبل صدور و نفاذه في النظرية‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬أما إذا توفي الموصي بعد نفاذ التشريع الجديد فإن التشريع الجديد‬
‫يطبق على تلك الوصية ‪ ،‬إلن أثر الوصية قد ترتب في ظل التشريع‬
‫الجديد و التشريع الجديد يطبق على اآلثار التي تترتب في ظله‬
‫بحسب النظرية الحديثة ‪.‬‬

‫إن النتائج التي توصلنا إليها فيما يتعلق بآثار الوصية هي نفسها بالنسبة‬
‫للنظريتين التقليدية و الحديثة ولكن معيار النظرية الحديثة يبدو أكثر دقة‬
‫ووضوح من معيار النظرية التقليدية‪.‬‬
‫الحلول المتبعة في نظامنا القانوني ‪:‬‬
‫إن مسألة تطبيق التشريع من حيث الزمان ‪ ،‬مسألة معقدة وسنورد بعض‬
‫الحلول المتبعة في نظامنا القانوني بالنسبة لهذه المسألة منها ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫أوالً ‪ :‬في القانون الجزائي ‪ :‬يجب التفريق بين حالتين هما ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتضمن التشريع الجديد إحداث عقوبة لم يكن يعاقب عليه التشريع‬
‫السابق أو تشديد العقوبة التي كان يحددها هذا التشريع ألحد األفعال فهنا ال‬
‫يطبق التشريع الجديد على األفعال السابقة لصدوره و نفاذه و المشرع نفه ال‬
‫يجوز له إعطاء المفهوم الرجعي لهذا النوع من التشريعات الجزائية ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتضمن التشريع الجديد إلغاء العقوبة التي كان يقضي بها التشريع‬
‫السابق بالنسبة لفعل من األفعال أو تخفيفها يمكن هنا تطبيق التشريع الجديد‬
‫على األفعال السابقة لصدوره إذا لم يصدر بشأنها حكم مبرم ألن التشريع‬
‫الجديد أرحم بالنسبة للمتهم ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬في أصول المحاكمات المدنية و التجارية ‪:‬‬


‫نصت المادتان األولى والثانية من قانون أصول المحاكمات على أحكام‬
‫تنازع قوانين األصول من حيث الزمان ومنها نستنتج أن قوانين األصول‬
‫تطبق مبدئيا ً فوراً ( على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعوى أو تم من‬
‫اإلجراءات قبل تاريخ العمل بها ) ‪.‬‬
‫مثالً ‪ :‬لو صدر تشريع جديد يجعل أمر النظر في نوع معين من الدعوي من‬
‫اختصاص محكمة جديدة غير المحكمة التي كانت هذه القضايا‪ j‬معروضة‬
‫عليها من قبل ‪ ،‬فإن التشريع الجديد يطبق فوراً وتحال هذه القضايا من‬
‫المحكمة السابقة إلى المحكمة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك بعض االستثناءات من هذه القاعدة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬التشريعات المعدلة لالختصاص ال تطبق إذا كان تاريخ العمل بها يبدأ‬
‫بعد تاريخ ختام المرافعة في الدعوى وبذلك ال تنقل الدعوى في هذه الحالة‬

‫‪69‬‬
‫إلى المحكمة الجديدة المختصة بحسب التشريع الجديد و إنما بها من قبل‬
‫المحكمة السابقة ‪.‬‬
‫‪ -2‬التشريعات المعدلة للمواعيد ال تطبق إذا كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ‬
‫العمل بها بل يطبق بالنسبة لهذا الميعاد ‪ ،‬التشريع القديم الذي بدأ في ظله ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬في القانون المدني ‪:‬‬


‫نص القانون المدني على كيفية تطبيق التشريع من حيث الزمان بالنسبة‬
‫لثالث حاالت هي ‪ :‬األهلية ‪ ،‬التقادم ‪ ،‬األدلة التي تعد مسبقا ً ‪.‬‬

‫*األهلية‪:‬‬
‫نصت المادة السابعة من القانون المدني على أن ‪:‬‬
‫( النصوص المتعلقة باألهلية تسري على جميع األشخاص الذين تنطبق‬
‫عليهم الشروط المقررة في هذه النصوص و إذا عاد شخص توافرت فيه‬
‫األهلية بحسب نصوص قديمة ‪ ،‬ناقص األهلية بحسب نصوص جديدة فإن‬
‫ذلك ال يؤثر في تصرفاته السابقة )‬
‫‪ -‬ومعنى هذا أن التشريع الجديد المتعلق باألهلية يطبق فوراً على جميع‬
‫األشخاص الذين تتناولهم أحكامه سواء أكانوا بلغوا سن األهلية بحسب‬
‫التشريع القديم أم لم يبلغوها ‪ .‬والفترة الواقعة بين بلوغ الشخص سن األهلية‬
‫الكاملة بحسب التشريع القديم و عوديه ناقص األهلية بحسب التشريع الجديد‬
‫يعتبر هذا الشخص فيها كامل األهلية و تظل تصرفاته التي جرت خاللها‬
‫صحيحة و معتبرة دون أن يؤثر فيها التشريع الجديد ‪.‬‬
‫فمثالً ‪ :‬الهبة ‪ :‬ال تصح إذا صدرت عن شخص ناقص األهلية في حبن‬
‫تعتبر صحيحة إذا صدرت عن شخص كامل األهلية ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فلو فرضنا أن التشريع القديم يعتبر أن السن التي يصبح فيها اإلنسان كامل‬
‫األهلية هي (‪ )18‬سنة ‪ ،‬وأن إنسانا ً أتم هذه السن في ظل ذلك التشريع ثم‬
‫وهب جزءاً من أمواله هبته هذه تعتبر صحيحة لصدورها عن شخص كامل‬
‫األهلية ‪.‬‬
‫ولو صدر تشريع جديد بعد ذلك يعدل هذه السن و يجعلها (‪ )21‬فإن اإلنسان‬
‫الذي اعتبر كامل األهلية بحسب التشريع القديم يعود ناقص األهلية بحسب‬
‫التشريع الجديد و إذا وهب هذا اإلنسان شيئا ً من أمواله بعد صدور التشريع‬
‫الجديد وقبل أن الحادية والعشرين من عمره فإن هبته هذه تعتبر باطلة‬
‫لصدورها عن شخص ناقص األهلية أما هبته التي أجراها بعد بلوغه سن‬
‫األهلية بحسب التشريع القديم وقبل صدور التشريع الجديد فإنها تظل‬
‫صحيحة ‪.‬‬

‫*التقادم ‪:‬‬
‫يجب التفريق بين نوعين من الحاالت هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يقرر النص الجديد مدة للتقادم أطول من مدة النص القديم ‪:‬‬
‫لنفرض أن مدة التقادم لحق من الحقوق بحسب التشريع القديم (‪)15‬‬
‫سنة ‪ ،‬وبحسب تشريع جديد (‪ )20‬سنة ‪ ،‬فلو أن تقادما ً بدأ في ظل‬
‫التشريع القديم و انقضى من (‪ )14‬سنة ‪ ،‬حين صدور الجديد فإنه‬
‫يطبق عليه فوراً و تصبح مدة التقادم (‪ )20‬أما لو كان قد انقضى (‬
‫‪ )15‬سنة ‪ ،‬وبعدها صدر التشريع الجديد فإنه ال يطبق عليه ألن مدة‬
‫التقادم اكتملت قبل صدور التشريع الجديد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون مدة التقادم التي يقرها النص الجديد أقصر من المدة التي‬
‫يقرها القديم‬

‫‪71‬‬
‫مثالً ‪ :‬لو كانت مدة التقادم بحسب تسريع قديم (‪ )15‬وبحسب تشريع جديد (‬
‫‪ )5‬سنوات فلو أن تقادما ً بدأ في ظل التشريع الجديد هو الذي يطبق ألن‬
‫مدته أقصر من القديم و ال حاجة الكتمال التقادم في هذه الحالة إلى إقحام‬
‫مدة السنوات األثنتي عشر الباقية بل يكتفي بمدة السنوات الخمس التي نص‬
‫عليهما التشريع الجديد ال من بدء التشريع السابق ‪.‬‬
‫ولكن تبدأ مدة التقادم الجديد اعتباراً من صدور التشريع الجيد أي تطبق مدة‬
‫الخمس سنوات كاملة إضافة إلى مدة السنوات الثالث التي مرت من التقادم‬
‫السابق ‪.‬‬
‫أما إذا كانت المدة الباقية من التقادم السابق أقل من المدة التي يقررها‬
‫التشريع الجديد فيعتبر أن التقادم يكتمل بانتهاء هذه المدة المتبقية وال حاجة‬
‫لتطبيق مدة التقادم الجديد ‪ .‬فلو كانت قد انقضت من التقادم مدة (‪ )13‬سنة‬
‫مثالً و بقيت مدة سنتين فقط ثم صدر تشريع جديد يجعل مدة التقادم خمس‬
‫سنوات فإنه ال تطبق مدة السنوات الخمس هذه بل يكتفي بإتمام السنتين‬
‫الباقيتين من المدة السابقة ليعتبر أن التقادم قد اكتمل و هذه مانقض به‬
‫المادة ‪ /9/‬من القانون المدني ‪.‬‬

‫*األدلة التي تعد مسبقا ً ‪:‬‬


‫نصت المادة العاشرة من القانون المدني على أنه‪:‬‬
‫( تسري في شأن األدلة التي تعد مقدما ً النصوص المعمول بها في الوقت‬
‫الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده ) ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬لو تعاقد شخصين على مبلغ مئة ليرة سورية و كان يجوز التعاقد في‬
‫ذلك الوقت بشهادة شهود ثم صدر تشريع جديد ال يجيز إثبات التعاقد بشهادة‬
‫الشهود إال على ما ال يتجاوز خمسين ليرة سورية و يوجب أن يكون‬

‫‪72‬‬
‫اإلثبات بسند خطي فإن من الممكن إثبات العقد السابق بشهادة الشهود ألنه‬
‫في الوقت الذي تم فيه هذا العقد لم يكن هناك حاجة إلعداد دليل خطي ‪.‬‬
‫‪-‬ويجب أن نبن كيفية تطبيق التشريع من حيث الزمان بالنسبة للعقود ‪:‬‬
‫العقود ‪:‬‬
‫يطبق عليها دوما ً التشريع الذي جرت في ظله سواء فيما يتعلق بشروط‬
‫انعقادها أو صحتها أو فيما يتعلق بآثارها على أنه يطبق التشريع الجديد‬
‫على الغالب بالنسبة لآلثار التي تنجم بعد نفاذه عن العقود السابقة إذا كان‬
‫هذا التشريع من النظام العام‬
‫مثالً ‪ :‬عقد بيع تم في ظل التشريع القديم يعتبر أن نفقات استالم المبيع تقع‬
‫على عاتق المشتري ثم صدور بعد ذلك تشريع جديد يعتبر أن النفقات‪j‬‬
‫يتحملها البائع فإن المشتري هو الذي يتحمل هذه النفقات حتى و لو قام‬
‫باستالم المبيع بعد نفاذ التشريع الجديد ‪.‬‬
‫أما إذا كان التشريع الجديد من النظام العام فهو ال يطبق على اآلثار المترتبة‬
‫على العقود قبل نفاذه و لكنه يطبق على الغالب‪ j‬بالنسبة لآلثار المقبلة التي‬
‫ستنجم بعد نفاذه عن هذه العقود فلو اتفق البائع و المشتري في عقد البيع‬
‫على أن يتم الوفاء بالعملية الذهبية ثم صدر تشريع جديد يمنع التعامل بها و‬
‫يقضي بأن يتم التعامل بالعملة السورية فإذا كان الوفاء قد تم العملة الذهبية‬
‫قبل صدور التشريع الجديد ونفاذه فإن هذا التشريع ال يطبق بالنسبة لذلك‬
‫الوفاء الذي تم قبله ‪.‬‬
‫أما إذا كان الوفاء لم يتم و إنما سيجري في ظل التشريع الجديد الذي يعتبر‬
‫من النظام العام فإنه يطبق عليه فوراً على الرغم من أن الوفاء بالعملة‬
‫الذهبية كان جائزاً بحسب التشريع القديم ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫تطبيق التشريع من حيث المكان ‪:‬‬

‫مبدأ إقليمية القوانين –مبدأ شخصية القوانين – مبررات كل من المبدأين –‬


‫تطبيق التشريع من حيث المكان بحسب نظامنا القانوني األمور التي يطبق‬
‫بالنسبة إليهما المبدآن معا ً ‪ ،‬األمور التي يطبق بالنسبة إليهما مبدأ إقليمية‬
‫القوانين ‪ ،‬األمور التي يطبق بالنسبة إليهما مبدأ شخصية القوانين ‪ ،‬العقود‬
‫مسألة تطبيق التشريع من حيث المكان تفترض كما ذكرنا وجود تنازع بين‬
‫تشريعات مختلفة صادرة عن دول متعددة فيكون من الواجب‪ j‬انتقاء أحد هذه‬
‫التشريعات لتطبيقه على القضايا التي يراد الحكم فيها وهذه المسألة يعود‬
‫بحثها إلى علم القانون الدولي الخاص و لكننا سنحاول أن نعرض لها هنا‬
‫بإيجاز اتماما ً لبحثنا عن تنازع القوانين ‪.‬‬
‫لقد ظهر هناك مبدآن متناقضان لبيان كيفية تطبيق التشريعات ومدى‬
‫شمولها من حيث المكان و األشخاص وهما مبدأ إقليمية القوانين و مبدأ‬
‫شخصية القوانين ‪.‬‬

‫مبدأ إقليمية القوانين ‪:‬‬


‫تعتبر الدولة بحسب مبدأ أقليمية القوانين صاحبة السلطان المطلق و السادة‬
‫التامة في حدود إقليمها و على ذلك فجميع التشريعات الصادرة عن الدولة‬
‫تطبق ضمن حدود هذا اإلقليم على األشخاص الذين يقيمون فيه سواء‬
‫أكانوا مواطنين أم جانب و لكنها ال تطبق على غيره من األقاليم احتراما ً‬
‫لسيادة الدول األخرى عليها ‪.‬‬
‫فهذا المبدأ يقوم إذن على الفكرتين اآلتيتين ‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -1‬تطبق تشريعات الدولة ضمن حدود إقليمها على جميع من يقيمون‬
‫فيه سواء أكانوا مواطنين أم أجانب‬
‫‪ -2‬ال تطبق هذه التشريعات ضمن حدود أقاليم الدول األخرى بالنسبة‬
‫لمواطني الدولة التي صدرت عنها بل يخضع هؤالء المواطنون‬
‫لتشريعات الدول صاحبة السادة على األقاليم التي يقيمون فيها ‪.‬‬
‫مبدأ شخصية القوانين ‪:‬‬
‫إن العنصر البارز في الدولة بحسب مبدأ شخصية القوانين هو مجموعة‬
‫األشخاص الذين ينتسبون إليها والذين تجمعهم روابط واحدة و عقلية و‬
‫حضارة وعادات مشتركة أما اإلقليم فليس سوى المكان الذي يقيم عليه‬
‫هؤالء األشخاص و الدولة إنما تضع التشريعات للمواطنين ال لألقليم‬
‫وهي تحاول أن تطبعها بطابعهم وأن تجعلها مالئمة لرغباتهم و‬
‫حاجاتهم ‪.‬ولذلك كان من المستحسن أن تطبق التشريعات الصادرة عن‬
‫الدولة على جميع المواطنين الذين ينتسبون إليها سواء أكانو يقيمون‬
‫على أرضها و ضمن حدودها أم كانوا يقيمون ضمن حدود األقاليم‬
‫األخرى الخاضعة لسادة غيرها من الدول أما غير المواطنين فتطبق‬
‫عليهم تشريعاتهم الخاصة ال تشريعات الدولة التي يقيمون على أرضها‪.‬‬
‫وهذا المبدأ يقوم أيضا ً على فكرتين تناقضان الفكرتين اللتين يقوم عليهما‬
‫المبدأ السابق و هما ‪:‬‬
‫‪ -1‬تطبق تشريعات الدولة على جميع المواطنين الذين ينتسبون إليها‬
‫سواء أكانوا يقيمون ضمن حدود إقليمها أم خارج هذا اإلقليم‬
‫‪ -2‬ال تطبق هذه التشريعات على األجانب الذين يقيمون ضمن إقليم‬
‫الدولة الصادرة عنها بل يخضع هؤالء لتشريعاتهم الوطنية ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مبررات كل من المبدأين ‪:‬‬
‫إن مبدأ إقليمية القوانين ينسجم إلى حد كبير مع فكرة سيادة الدولة و‬
‫سلطانها ضمن حدود إقليمها ولهذا ساد هذا المبدأ في فترات طويلة و خاصة‬
‫في العصور اإلقطاعية حيث كانت التشريعات المطبقة على األفراد تبعا ً‬
‫لصلتهم باألرض و ارتباطهم بها ‪.‬‬
‫إال أن مبدأ إقليمية القوانين ال يشجع كثيراً على نمو العالقات بين أفراد‬
‫الدول المختلفة الن األجنبي الذي تدفعه تجارته أو مهنته إلى العيش في بلد‬
‫غريب قد يكون حريصا ً على أال يخضع لتشريعات هذا البلد كلها كما أنه قد‬
‫يكون من العدل أحيانا أال تخضعه لها أو أال نخضعه لبعضها وأن تطبق‬
‫عليه التشريعات الوطنية وفقا ً لمبدأ شخصية القوانين و تبدو أهمية مبدأ‬
‫شخصية القوانين بصورة خاصة بالنسبة ألمور األحوال الشخصية من‬
‫زواج أو طالق أو نسب أو نحوها إذ أن أغلب الناس حريصون بالنسبة لهذه‬
‫األمور على أن تطبق عليهم تشريعاتهم الوطنية ألنها أقرب إلى طبائعهم و‬
‫عاداتهم و تقاليدهم ‪.‬‬
‫تطبيق التشريع من حيث المكان بحسب نظامنا القانوني ‪:‬‬
‫أغلب النظم القانونية في عصرنا الحاضر ومن بينها النظام المطبق في‬
‫بالدنا تأخذ بالمبدأين معا ً فهي تطبق تارةً مبدأ إقليمية القوانين و تارةً مبدأ‬
‫شخصية القوانين بحسب نوع العالقات‪ j‬التي يراد تطبيق التشريع عليها‬
‫ولعلنا نستطيع القول إن مبدأ إقليمية القوانين هو الغالب‪ j‬بالنسبة لنظامنا‬
‫القانوني وهو يعبتر مبدئيا ً بمثابة القاعدة األصلية بينما يطبق مبدأ شخصية‬
‫القوانين على سبيل االستثناء بالنسبة لبعض الحاالت‪ j‬الخاصة ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ونعدد فيما يلي بعض القواعد المنصوص عليها في التشريعات السورية و‬
‫التي نبين نطاق تطبيق كل من المبدأين ‪:‬‬
‫األمور التي يطبق بالنسبة إليها المبدآن معا ً ‪ :‬تدخل في هذه الحالة الزمرة‬
‫في الواقع األمور الجزائية حيث يطبق بالنسبة إليهما مبدأ إقليمية القوانين‬
‫كما يطبق أيضا ً مبدأ شخصية القوانين‬
‫ومعنى ذلك أن التشريعات الجزائية السورية تطبق بالنسبة لجميع الجرائم‬
‫التي ترتكب ضمن حدود األرض السورية سواء أكان مرتكبو هذه الجرائم‬
‫من السوريين أو األجانب (مبدأ إقليمية القوانين ) ‪ ،‬وهي تطبق أيضا ً بالنسبة‬
‫للجرائم التي يرتكبها المواطنون السوريون في أي مكان وجدوا فيه ولو كان‬
‫هذا المكان واقعا ً خارج نطاق األرض السورية ( مبدأ شخصية القوانين ) ‪.‬‬
‫والسبب في ذلك هو أن الدولة تحرص على أن تعاقب جميع ما يرتكب من‬
‫جرائم على أرضها لتهديدها سالمتها و أمنها كما تحرص على أن تعاقب‬
‫المجرمين من أبنائها وفقا ً لقواعدها القانونية ولو ارتكبوا جرائمهم خارج‬
‫أرضها ألنها ال ترضى لهم اقتراف الجرائم ‪.‬‬
‫وهذا هو ما تقضي به المادتان ( ‪15‬و ‪ ) 20‬من قانون العقوبات فاألولى و‬
‫هي التي تحدد الصالحية المكانية للقانون الجزائي السوري تنص على أنه‬
‫" يطبق القانون السوري على جميع الجرائم المقترفة في األرض السورية"‬
‫أما الثانية و هي التي تحدد الصالحية الشخصية لهذا القانون فتنص على أنه‬
‫" يطبق القانون السوري على كل سوري ‪.....‬أقدم خارج األرض السورية‬
‫على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري " ‪.‬‬
‫األمور التي يطبق بالنسبة إليها مبدأ إقليمية القوانين ‪:‬‬
‫وتدخل في هذه الزمرة أنواع مختلفة من األمور أهمها مايلي ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫القواعد المتعلقة بالضابطة ( بالبوليس ) كتنظيم المرور و مراقبة األسواق‬
‫و المحالت الخطرة أو المقلقة للراحة أو الضارة بالصحة العامة و نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫القواعد المتعلقة باألشياء من عقارات أو منقولة وبما يترتب عليها من‬
‫حقوق عينية ( المادة ‪ 19‬من القانون المدني ) ‪.‬‬
‫القواعد المتعلقة باإللتزامات غير التعاقدية ( المادة ‪ 22‬من القانون المدني )‬
‫القواعد المتعلقة باالختصاص القضائي و إجراءات‪ j‬المحاكمة (المادة ‪23‬‬
‫من القانون المدني )‬
‫القواعد المتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة (المادة ‪30‬من القانون المدني )‬

‫األمور التي يطبق بالنسبة إليها مبدأ شخصية القوانين ‪:‬‬


‫القانون المدني طائفة من األمور التي تطبق بالنسبة إليها مبدأ شخصية‬
‫القوانين و هي تتصل بصورة رئيسية باألحوال الشخصية و أهمها مايلي ‪:‬‬
‫الحالة المدنية لألشخاص و أهليتهم ‪( .‬المادة ‪)12‬‬
‫الشروط الموضوعية لصحة الزواج ‪ ( .‬المادة ‪ ) 13‬وآثار الزواج‬
‫(المادة ‪)14‬‬
‫الطالق ‪( .‬المادة ‪)14‬‬
‫االلتزام بالنفقة فيما بين األقارب‪ ( . j‬المادة ‪)16‬‬
‫المسائل الموضوعية الخاصة بالوالية والوصاية و القوامة و غيرها من‬
‫النظم لحماية المحجورين و الغائبين ( المادة ‪)17‬‬
‫الميراث و الوصية وسائر التصرفات‪ j‬المضافة إلى ما بعد الموت‬
‫( المادة ‪)18‬‬

‫‪78‬‬
‫تطبيق التشريع من حيث المكان بالنسبة للعقود ‪ :‬نصت الماد ة(‪ )20‬من‬
‫القانون المدني على ما يلي ‪:‬‬
‫" يسري على االلتزامات‪ j‬التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن‬
‫المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا ً فإن اختلفا‪ j‬موطنا ً سرى قانون الدولة‬
‫التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا‬
‫آخر هو الذي يراد تطبيقه ‪.‬‬
‫على أن قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت بشأن‬
‫هذا العقار " ‪.‬‬
‫بالنسبة للعقود يطبق إذن التشريع الذي يختاره المتعاقدان فإذ لم يتفقا على‬
‫تشريع معين يطبق التشريع النافذ في موطنهما المشترك فإذا لم يكن لهما‬
‫موطن مشترك يطبق التشريع النافذ في الدولة الذي تم فيها العقد أما العقود‬
‫التي تتعلق بعقار ما فيطبق عليها تشريع موقع هذا العقار ‪.‬‬
‫هذا عرض موجز جداً لبعض الحاالت‪ j‬التي نصت عليها تشريعاتنا فيما‬
‫يتعلق بتطبيق القانون من حيث المكان و هو عرض ال يقصد منه دراسة‬
‫هذه الحاالت‪ j‬دراسة تفصيلية و إنما إعطاء لمحة خاطفة عنها تبين لنا‬
‫صورة عامة مدى تطبيق كل من المبدأين مبدأ إقليمية القوانين و مبدأ‬
‫شخصية القوانين في نظامنا القانوني و ال بد لنا أن نشير إلى أ كثير من هذه‬
‫األحكام حوله قيود و استثناءات نصت عليها مفصالً المواد القانونية المتعلقة‬
‫بالموضوع ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫تفسير التشريع‬
‫ضرورة تفسير التشريع ‪:‬‬
‫عندما تعرض على القاضي قضية معينة فإنه يبحث في نصوص التشريع‬
‫عن القاعدة التي يمكن تطبيقها على هذه القضية ثم يصدر حكمه في هذه‬
‫القضية بمقتضى القاعدة المتعلقة بها بعد أن يتثبت من صحة انطباق القاعدة‬
‫عليها ‪.‬‬
‫و لكن في بعض األحيان تكون قواعد التشريع غير واضحة و بالتالي على‬
‫القاضي في هذه الحالة أن يتبين مضمون القاعدة التشريعية و يفسرها و‬
‫يستنتج الحكم المطلوب فيها أي عليه بيان المعنى الحقيقي‪ j‬الذي تدل عليه‬
‫القاعدة و إيضاحه و استنتاج الحكم و هو ما يسمى بالتفسير ‪.‬‬
‫ويلجأ إلى التفسير إذا كان هناك نص يراد التعرف إلى مضمونه و توضيحه‬
‫و عادةً يكون ذلك بالنسبة للتشريع أما العرف و مبادئ القانون الطبيعي و‬
‫قواعد العدالة ال مجال لتفسير قواعدها لعدم ورودها في نصوص مكتوبة و‬
‫إنما تدعو الحاجة إلى استقصائها فقط و التأكد من وجودها ‪.‬‬

‫أنواع التفسير ‪:‬‬


‫هناك عدة أنواع للتفسير منها ‪ :‬التفسير التشريعي ‪ ،‬التفسير القضائي ‪،‬‬
‫التفسير الفقهي ‪ ،‬التفسير اإلداري ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬التفسير التشريعي ‪:‬‬


‫يصدر عن المشرع الذي سن التشريع األصلي تشريعا ً آخراً لتفسيره يسمى‬
‫بالقانون التفسيري عند الضرورة لذلك ‪.‬‬
‫والمشرع هو صاحب‪ j‬الحق األول في تفسير التشريع الذي يصدر عنه و‬
‫يعتبر القانون التفسيري بمنزلة التشريع نفسه الذي يراد تفسيره و هو ال‬
‫‪80‬‬
‫يطبق منذ صدوره و إنما منذ صدور التشريع األصلي الذي جاء ليفسره ألن‬
‫القانون التفسيري ال يعتبر تشريعا ً جديداً و إنما هو إيضاح للتشريع السابق‬
‫و بيان لمضمونه و معناه ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التفسير القضائي‪: j‬‬


‫هو الذي يصدر عن القضاة في معرض تطبيقهم للقواعد التشريعية و يعمل‬
‫على توضيح التشريع و يسهل فهمه و يبين أحكامه و يتالفى نواقصه ‪.‬‬
‫والتفسير القضائي ذو طابع عملي ألن القاضي يحاول تفسير التشريع في‬
‫ضوء ظروف القضية أو القضايا‪ j‬التي يطلب إليه الحكم فيها وهذا التفسير‬
‫يكون أشد صلة بالحياة العملية و أكثر مالئمة لضرورات الواقع من أي‬
‫تفسير غيره ‪.‬‬
‫يختلف التفسير القضائي عن التشريعي في أن التفسير القضائي ليس له‬
‫صفة إلزامية إال بالنسبة للقضية التي صدر من أجلها ‪.‬‬
‫فالتفسير الذي يصدره المشرع حول قاعدة من القواعد القانونية يجب أن‬
‫يراعى بالنسبة لجميع القضايا‪ j‬التي تطبق فيها هذه القاعة أما التفسير الذي‬
‫تصدره محكمة من المحاكم ال يلزم إال في القضية التي فصل فيها و يجوز‬
‫مخالفته و تبني تفسير معاكس له في القضايا‪ j‬المماثلة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التفسير الفقهي ‪:‬‬
‫هو الذي يصدر عن الفقهاء و ذوي االختصاص في القانون‬
‫ويختلف هذا التفسير عن التفسير القضائي‪ j‬في أن الطابع النظري هو الذي‬
‫يغلب عليه أكثر من الطابع العملي ‪ ،‬ألن الفقهاء‪ j‬يميلون إلى دراسة المواد‬
‫القانونية دراسة مجردة بعيدة نوعا ً ما عن الحياة الواقعية ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫و يتصف التفسير الفقهي أنه ال يتمتع بأية قوة إلزامية و إنما هو عبارة عن‬
‫مجرد رأي يصدره فقيه أو رجل قانون وقد يؤخذ به أو يهمل ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬التفسير اإلداري ‪:‬‬
‫عبارة عن البالغات و التعليمات التي تصدرها اإلدارات العامة المختصة‬
‫إلى موظفيها لتفسر لهم فيها أحكام التشريعات التي يكلفون بتطبيقها و تبين‬
‫كيفية هذا التطبيق وهذا التفسير ال يلزم إال هؤالء الموظفين وحدهم بسبب‬
‫اضطرارهم إلى التقيد بتعليمات رؤسائهم و لكنه ال يلزم القضاء‪ j‬مطلقا ً و ال‬
‫يعتبر حجة يقضي بموجبها ليبحث عنها ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫إلغاء التشريع‬

‫تعريف اإللغاء ‪:‬‬

‫إلغاء التشريع يعني زواله و إنهاء العمل به ‪ .‬فالمشرع ‪ ،‬كما أنه يستطيع أن‬
‫يسن ما يشاء من التشريعات حين تدعو الضرورة أو المصلحة إلى ذلك ‪،‬‬
‫فإن باستطاعته أيضا ً أن يلغي التشريعات التي يرى أنها لم تعد مالئمة‬
‫للمصلحة العامة أو لم تعد قادرة على مجاراة التطور االجتماعي و أن من‬
‫الضرورة االستغناء عنها أو استبدال غيرها بها‪.‬‬
‫والتشريع إما أن يلغى دون أن يعقبه تشريع جديد يحل محله في التطبيق ألن‬
‫الظروف التي دعت إلى إيجاد التشريع السابق لم تعد قائمة و ألنه لم تعد‬
‫هناك حاجة إلى تنظيم األمور التي كان ينظمها ذلك التشريع ‪ ،‬وذلك كأغلب‬
‫التشريعات التي تصدر خالل الظروف االستثنائية – كظروف الحرب مثالً‬
‫– و التي تلغى بانتهاء هذه الظروف التي وجدت من أجلها دون أن يسن‬
‫غيرها من التشريعات ليقوم مقامها و إما أن يستبدل بالتشريع الملغى تشريع‬
‫جديد يحل محله في التطبيق فينتهي العمل بالتشريع السابق لعدم مالءمته‬
‫للمصلحة و حاجات المجتمع ويعمل بالتشريع الجديد الذي يحرص فيه على‬
‫تالفي أخطاء التشريع الملغى و إصالح ما فيه من عيب و قصور ‪.‬‬
‫و اإللغاء إما أن يكون عاما بحيث يشمل جميع أحكام التشريع السابق أو‬
‫جزئيا ً بحيث يقصر على بعض هذه األحكام دون بعضها اآلخر ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫السلطة التي تملك حق إلغاء التشريع ‪:‬‬

‫إللغاء نص تشريعي يجب أن يكون النص الجديد الذي يتضمن هذا اإللغاء‬
‫صادراً عن السلطة نفسها التي أصدرت النص السابق أو عن سلطة أعلى‬
‫منها ‪.‬‬
‫فهناك كما نعلم تسلسل بين أنواع النصوص التي تتضمن قواعد قانونية و‬
‫تسلسل بين السلطات التي تصدر عنها هذه النصوص وقد رأينا أن الدستور‬
‫الذي يصدر عن السلطة التأسيسية هو أعلى النصوص القانونية مرتبة ‪ ،‬ثم‬
‫يأتي بعده التشريع الذي يصدر عن السلطة التشريعية ثم المراسيم و‬
‫القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية ‪ .‬فكل واحد من هذه النصوص‬
‫يمكن أن يلغى بنص مماثل له من حيث المرتبة أو بنص أعلى منه ‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يمكن أن يلغى بنص أدنى ‪ .‬وعلى هذا مثالً فالنص التشريعي يمكن أن‬
‫يلغى بنص تشريعي آخر أو بنص دستوري و لكنه ال يلغى بقرار إداري ‪.‬‬
‫و كذلك ال يمكن ‪ ،‬بحسب الرأي الراجح أن يعتبر النص التشريعي ملغى‬
‫بسبب عدم االستعمال أي بسبب التوقف عن تطبيقه فترة من الزمن ‪ .‬فعدم‬
‫االستعمال إنما يعني في الواقع وجود عرف مخالف لهذا النص أدى إلى‬
‫التوقف عن تطبيقه و العرف المخالف للنص التشريعي ال يؤدي إلى إلغائه‬
‫بحسب الرأي الراجح ‪ .‬إذ أن العرف أدنى في المرتبة من نصوص التشريع‬
‫كما أن المادة الثانية من القانون المدني التي تبين كيفية إلغاء التشريع تنص‬
‫صراحةً على أنه (( ال يجوز إلغاء نص تشريعي إال بتشريع الحق ‪))...‬‬
‫فالنص التشريعي يمكن االحتجاج‪ j‬به وطلب تطبيقه في كل وقت مادام‬
‫المشرع لم يعمد إلى إلغائه ألنه يظل قائما ً و ساري المفعول و لو أهمل‬
‫استعماله أو نشأ عرف مخالف له‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫أنواع اإللغاء ‪:‬‬
‫نصت المادة الثانية من القانون المدني المشار إليه آنفا على ما يلي ‪:‬‬
‫(( ال يجوز إلغاء نص تشريعي إال بتشريع الحق ينص صراحة على هذا‬
‫اإللغاء أو يشمل على نص يتعارض مع النص التشريعي القديم أو ينظم من‬
‫جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع )) ‪.‬‬
‫فهناك بحسب هذه المادة نوعان من اإللغاء ‪ :‬اإللغاء الصريح واإللغاء‬
‫الضمني ‪.‬‬
‫اإللغاء الصريح ‪ :‬يكون هناك إلغاء صريح حين يتضمن التشريع الجديد‬
‫نصا ً يقضي بإلغاء التشريع السابق أو بإلغاء بعض مواده وهذا اإللغاء هو‬
‫أبسط أنواع اإللغاء و أشدها وضوحا ً يقضي بإلغاء أحكام التشريعات‬
‫المخالفة لها أو التي جاءت لتحل محلها ‪.‬‬
‫و لعلنا نستطيع أن نعتبر من صور اإللغاء الصريح أيضا ً الحالة التي يحدد‬
‫فيها التشريع أحيانا ً المدة التي يطبق خاللها إذ يعتبر التشريع حين انقضاء‬
‫هذه المدة بحكم الملغى صراحة استناداً إلى نصه نفسه ‪ ،‬وذلك كما لو نص‬
‫التشريع مثالً على أن األحكام التي يتضمنها تطبق خالل مدة سنة فقط فحين‬
‫انتهاء هذه السنة يتوقف العمل بهذا التشريع ويعتبر بحكم الملغى صراحة‬
‫استناداً إلى نصه نفسه الذي يحدد مدة العمل بأحكامه‪.‬‬
‫اإللغاء الضمني ‪ :‬يقع اإللغاء الضمني في إحدى الحالتين التاليتين اللتين‬
‫أشارت إليهما المادة الثانية من القانون المدني المذكور آنفا ‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يشتمل التشريع الالحق على نص يتعارض مع نص التشريع القديم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ينظم التشريع الالحق من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده‬
‫التشريع القديم الحالة األولى ‪ :‬إذا اشتمل التشريع الالحق على نص‬

‫‪85‬‬
‫يتعارض مع نص التشريع القديم بحيث يتعذر تطبيق النصين في آن واحد و‬
‫العمل بهما كليهما ‪ ،‬فيعتبر أن النص الالحق قد ألغى ضمنا ً النص القديم ‪.‬‬
‫أما إذا أمكن التوفيق بين النصين القديم و الجديد فال يعتبر أن النص الالحق‬
‫قد ألغى السابق و إنما يطبقان معا ً كل منهما بالنسبة للحاالت‪ j‬التي تتناولها‬
‫أحكامه ‪ .‬ومثال ذلك أن يكون النص القديم نصا ً عاما ً و النص الجديد نصا ً‬
‫خاصا ً ‪ ،‬فيعتبر النص الخاص بمثابة استثناء من النص العام و يعمد إلى‬
‫تطبيقه بالنسبة لألمور التي جاء لتنظيمها ثم يطبق النص العم فيما عدا ذلك‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬إذا كان التشريع الالحق ينظم من جديد الموضوع الذي سبق‬
‫أن قرر قواعده التشريع القديم فيعتبر أن التشريع الالحق قد حل محل‬
‫التشريع القديم و إلغاءه و إن ينص صراحة على هذا اإللغاء ‪.‬‬
‫وفي الواقع حين يعمد المشرع إلى وضع تشريع جديد ينظم بصورة كاملة‬
‫شاملة موضوعا ً من الموضوعات فمعنى ذلك أنه أراد أن يستغني عن‬
‫التشريع السابق الذي ينظم هذا الموضوع وأن يستعيض عنه بالتشريع‬
‫الجديد و على هذا ال تطبق أحكام التشريع السابق حتى تلك التي ال تتعارض‬
‫مع التشريع الجديد ألن اإللغاء الضمني ال يستنتج هنا من التعارض بين‬
‫النصوص القديمة و الجديدة و لكن من مجرد تنظيم الموضوع السابق‬
‫تنظيما ً جديداً شامالً فهذا التنظيم الجديد قد ألغى ضمنا ً برمته سواء منه‬
‫األحكام التي تتعارض مع التشريع الجديد أو التي ال تتعارض ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا النوع من اإللغاء حالة الدستور السوري الذي صدر عام‬
‫‪ 1950‬فهو بالرغم من أنه لم ينص صراحة على إلغاء الدستور السابق له‬
‫يعتبر قد ألغاه ضمنا ً حتى بالنسبة لما يتضمنه من أحكام ال تعارض أحكامه‬
‫ألن وضع دستور جديد للبالد يستدل منه ضمنا ً أن هذا الدستور هو وحده‬

‫‪86‬‬
‫الذي يجب أن يتبع و أن الدستور السابق قد ألغي و لو لم يكن األمر كذلك‬
‫لما كانت هناك حاجة إلصدار دستور جديد وال تكتفي فقط بمجرد تعديل‬
‫الدستور السابق ‪.‬‬
‫و يالحظ في أغلب األحيان أن التشريع الالحق الذي يصدر لينظم من جديد‬
‫الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده تشريع قديم يتضمن عادة نصا ً‬
‫صريحا ً بإلغاء هذا التشريع القديم و ال شك أن اإللغاء الصريح في مثل هذه‬
‫الحالة ال ضرورة له إذ أن التشريع الالحق ولو لم ينص صراحة على إلغاء‬
‫التشريع السابق يعتبر أنه قد ألغاه ضمنا ً لمجرد تنظيمه الموضوع الذي كان‬
‫ينظمه ذلك التشريع تنظيما ً جديداً ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫نظرية الحق‬

‫على الرغم من أن وجود فكرة الحق قد أصبح اليوم من الحقائق المسلمة في‬
‫فقه القانون فقد اختلف الفقهاء اختالفاً‪ j‬كبيراً حول تعريف الحق وسوف‬
‫نعرض على التوالي النظريات التقليدية و النظرية الحديثة في تعريف‬
‫الحق‪.‬‬

‫النظريات التقليدية‬
‫ثمة ثالث نظريات تقليدية حاولت تعريف الحق فمن الفقهاء‪ j‬من نظر إلى‬
‫الحق من خالل صاحبه أي صاحب الحق و هذه هي النظرية الشخصية‬
‫ومنهم من حاول تعريف الحق بالنظر إلى موضوع الحق وهذه هي النظرية‬
‫الموضوعية ومنهم من أقام تعريف الحق بالنظر إلى صاحب‪ j‬الحق و‬
‫موضوع الحق معا ً وهذه النظرية المختلطة‪.‬‬

‫النظرية الشخصية أو نظرية اإلرادة‬


‫أوالً ‪ :‬مضمون النظرية ‪:‬‬
‫ينظر أنصار النظرية الشخصية إلى الحق من خالل شخص صاحبه‬
‫فيعرفون الحق بأنه " قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون لشخص من‬
‫األشخاص في نطاق معلوم " ‪ .‬و ترتبط هذه النظرية ارتباطا ً وثيقا ً بالمذهب‬
‫الفردي وما ينادي به من مبدأ سلطان اإلرادة ومن هذا التعريف نجد أن‬
‫جوهر الحق عند أنصار هذه النظرية هو إرادة الشخص ‪ .‬فال يتصور الحق‬
‫بال إرادة و على هذا ‪ ،‬فإن القانون ال يمكنه أن يفرض أي حق على إنسان‬
‫إال إذا أراده ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ثانيا ً نقد النظرية ‪:‬‬
‫لقد تعرضت النظرية الشخصية لنقد شديد من الفقه ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن القول بأن الحق قدرة أو سلطة إرادية يتعارض مع الواقع ذلك أنه‬
‫يربط وجود الحق باإلرادة في حين أنه قد يوجد حق دون أن توجد اإلرادة‬
‫لدى صاحبه‪ .‬فالمجنون و الصغير غير المميز يتمتع كل منهما بحقوق‬
‫يعترف بها القانون رغم أنه عديم اإلرادة ‪ ،‬ولو كانت اإلرادة هي جوهر‬
‫الحق لما أمكن االعتراف لهما بأي حق ‪ .‬كما أن الحق قد يثبت لصاحبه‬
‫دون تدخل من إرادته أو دون علمه ‪ ،‬كالوارث الذي تثبت له الحقوق في‬
‫تركة مورثه بمجرد وفاة المورث ودون تدخل إرادته ‪ ،‬وكذلك الغائب الذي‬
‫قد يكتسب حقوقا ً دون علمه ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن تعريف النظرية الشخصية للحق يجعل من المتعذر االعتراف‬
‫لألشخاص المعنوية أو االعتبارية بإمكانية اكتساب الحقوق ألنه يصعب‬
‫التسليم بتوافر اإلرادة الحقيقية لهذه األشخاص ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن هذه النظرية تخلط بين وجود الحق و استعماله ‪ .‬فالحق يوجد و لو‬
‫بدون إرادة صاحبه ‪ ،‬و لكن مباشرة هذا الحق أو استعماله قد يستلزم وجود‬
‫اإلرادة و حينئ ٍذ ال يكون وجود اإلرادة شرطا ً لقيام الحق و إنما يكون شرطا ً‬
‫الستعماله ‪ .‬ومع ذلك فإن هناك حاالت ال يستلزم استعمال الحق فيها وجود‬
‫اإلرادة ‪ .‬فالمجنون يستعمل حق ملكيته حين يسكن منزله أو يركب سيارته‬
‫بالرغم من كونه عديم اإلرادة ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫النظرية الموضوعية أو نظرية المصلحة‬
‫أوالً ‪ :‬مضمون النظرية ‪:‬‬
‫ينظر أنصار هذه النظرية إلى الحق من خالل موضوعه و الغاية منه ‪،‬‬
‫ولذلك يعرفون الحق بأنه " مصلحة يحميها القانون " ‪ .‬فالحق يتكون من‬
‫عنصرين متالزمين‪:‬عنصر موضوعي هو المنفعة أو المصلحة التي يحققها‬
‫الحق لصاحبه ‪ ،‬وهذه المصلحة قد تكون مادية أو معنوية ‪ ،‬وعنصر شكلي‬
‫يتمثل في الحماية القانونية للحق أي الدعوى القضائية ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نقد النظرية ‪:‬‬
‫رغم أن هذه النظرية قد القت قبوالً في بعض األوساط القانونية إال أنها لم‬
‫تسلم من النقد ‪:‬‬
‫‪ -1‬فقد قيل نقداً لهذه النظرية أنها تعرف الحق بهدفه و الغاية منه وهي‬
‫المصلحة ‪ .‬وال يجوز تعريف الشيء بغايته و إنما بجوهره ‪ .‬وليس جوهر‬
‫الحق هو المصلحة أو المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحق ‪ ،‬ألن الحق‬
‫ما هو إال وسيلة لتحقيق المصلحة و لذلك ال يجوز أن تدخل المصلحة في‬
‫بيان ماهية الحق‪.‬‬
‫و إن كان صحيحاً‪ j‬أن الحق يتضمن مصلحة فإن العكس غير صحيح إذ‬
‫ليست كل مصلحة تعتبر حقا ً فهناك مصالح معينة ال ترقى إلى مرتبة الحق‪.‬‬
‫فمثالً حين تفرض الدولة رسوما ً جمركية على بعض الواردات األجنبية‬
‫حماية للصناعة الوطنية ‪ ،‬فإن ذلك يحقق مصلحة مؤكدة للمنتجين‬
‫الوطنيين‪ ،‬ولكن هذه المصلحة ال ترتفع إلى مرتبة الحق الذي يمكن المطالبة‬
‫به أمام القضاء ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -2‬إن هذه النظرية تجعل من الحماية القانونية أو الدعوى عنصراً ثانيا ً في‬
‫الحق ‪ ،‬في حين أن الحماية القانونية هي نتيجة أو أثر لوجود الحق ‪.‬‬
‫فالحماية الحقة على نشوء الحق وال يمكن اعتبارها عنصراً لوجوده ‪.‬‬
‫فالحق ال يعتبر حقا ً ألن القانون يحميه بدعوى ‪ ،‬ولكن الصحيح أن القانون‬
‫يحميه بدعوى ألنه حق ‪.‬‬
‫النظرية المختلطة‬
‫إزاء االنتقادات السابقة للنظريتين الشخصية و الموضوعية ‪ ،‬وجدت نظرية‬
‫أخرى تقوم على الجمع بين نظريتي اإلرادة و المصلحة ‪ ،‬وذلك بالنظر إلى‬
‫الحق من خالل صاحبه ومن خالل موضوعه أو الغرض منه على حد‬
‫سواء ‪.‬‬
‫ولكن أنصار هذه النظرية اختلفوا فيما بينهم بشأن ترجيح اإلرادة أو‬
‫المصلحة في تعريف الحق فبعضهم يغلب عنصر المصلحة على عنصر‬
‫اإلرادة فيعرف الحق بأنه " مصلحة تحميها سلطة إرادة اإلنسان " والبعض‬
‫اآلخر يغلب دور اإلرادة على دور المصلحة فيعرف الحق بأنه " قدرة أو‬
‫سلطة إرادية يعترف بها القانون و يحميها لشخص من األشخاص في سبيل‬
‫تحقيق مصلحة معينة " ‪.‬‬
‫وسواء أكان مصلحة تحميها اإلرادة أو كان إرادة في سبيل تحقيق مصلحة ‪،‬‬
‫فإن هذه النظرية ال تضيف جديداً في الكشف عن جوهر الحق ‪ .‬و لهذا‬
‫يمكن أن يوجه إليها ذات االنتقادات التي وجهت إلى النظريتين السابقتين ‪.‬‬
‫فالحق ليس اإلرادة كما أنه ليس المصلحة و ال يجوز اعتباره مركبا ً من‬
‫المصلحة واإلرادة معا ً ‪ .‬ولذلك ظهرت نظرية حديثة حاولت أن تكشف عن‬
‫جوهر الحق و خصائصه الذاتية المميزة ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫النظرية الحديثة أو نظرية دابان‬
‫أوالً ‪:‬عرض النظرية ‪:‬‬
‫حاول الفقيه البلجيكي جان دابان أن يتالفى االنتقادات التي تعرضت لها‬
‫النظريات التقليدية في تعريفها للحق ولذلك قام بتعريف الحق عن طريق‬
‫تحليل فكرة الحق ذاتها و الوقوف على العناصر التي تتكون منها ‪ .‬و انتهى‬
‫إلى أن الحق يتكون من أربعة عناصر ‪:‬‬
‫‪ -1‬االستئثار‪ V‬أو االختصاص ‪ :‬ويقصد به اختصاص أو استئثار شخص معين‬
‫بقيمة معينة بحيث تكون هذه القيمة مقصورة على صاحب الحق ‪ .‬فالمالك‬
‫يستأثر أو يختص بملكه دون غيره ‪ .‬و ال يقتصر مفهوم القيمة هنا على‬
‫القيمة المالية ‪ ،‬بل قد تكون القيمة معنوية ال تقدر بالمال ‪ ،‬كحق الشخص في‬
‫الحياة و حقه في الحرية و حقه في أن ينسب إليه إنتاجه الفكري ‪ ،‬وهذا‬
‫االختصاص أو االستئثار ليس له صلة باإلرادة فهو يثبت لصاحبه و لو لم‬
‫تتوافر لديه اإلرادة كالمجنون و الصغير غير المميز كما أن يثبت للشخص‬
‫دون علمه ‪.‬‬
‫‪ – 2‬التسلط ‪ :‬وهو نتيجة لعنصر االستئثار ‪ .‬ذلك أن استئثار شخص بشيء‬
‫معين يؤدي حتما ً إلى االعتراف له بنوع من التسلط على هذا الشيء ويقصد‬
‫بالتسلط هنا القدرة على التصرف بحرية في الشيء موضوع الحق ‪ .‬و‬
‫يتحقق التسلط و لو وجد مانع يحول دون ممارسته من قبل صاحب الحق ‪،‬‬
‫أي أن وجود التسلط ال يتوقف على ممارسته فعالً من قبل صاحبه ‪ .‬فالمالك‪j‬‬
‫الذي ضاع منه الشيء المملوك أو سرق يظل مع ذلك مالكا ً أي صاحب‪ j‬حق‬
‫ذلك أن ضياع الشيء أو سرقته ‪ ،‬وإن حال دون تحقيق التسلط المادي أو‬
‫الفعلي على الشيء إال أنه ال يمنع من وجود التسلط القانوني أو المعنوي ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ -3‬احترام الغير للحق ‪ :‬و يقصد بالغير جميع الناس عدا صاحب الحق ‪ .‬ذلك‬
‫ألن الحق يقتضي وجود أشخاص يسري الحق في مواجهتهم و يتحقق‬
‫سريان الحق في مواجهة الغير من خالل أمرين ‪ :‬عدم جواز االعتداء على‬
‫الحق أي عدم االعتداء على االستئثار و التسلط اللذين يتمتع بهما صاحب‬
‫الحق ‪ ،‬واالقتضاء أي إمكان صاحب الحق بالمطالبة بعدم االعتداء على‬
‫حقه فعدم جواز االعتداء على الحق هو و اجب على الغير كما أن صاحب‬
‫الحق يستطيع أن يقتضي احترام حقه ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحماية القانونية ‪ :‬تعتبر الحماية القانونية عند دابان عنصراً أساسيا ً ال‬
‫يمكن أن يوجد الحق بدونه ‪ .‬فالحق ال يكون كامالً إال إذا تكفل القانون‬
‫بحمايته والدعوى القضائية هي وسيلة حماية الحق ‪ .‬فكل حق كامل يكون‬
‫مزود بدعوى لحمايته ‪.‬‬
‫في ضوء هذه العناصر األربعة التي يتكون منها الحق ‪ ،‬ينتهي دابان إلى‬
‫تعريف الحق بأنه "ميزة يمنحها القانون لشخص و تحميها طرق قانونية‬
‫فيكون لذلك الشخص بمقتضى تلك الميزة أن يتصرف في مال أقر القانون‬
‫بانتمائه إليه سواء باعتباره ملكا ً له أو باعتباره شيئا ً مستحقا ً له في ذمة‬
‫الغير" ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬تقدير النظرية ‪:‬‬
‫أهم ما قيل في نقد هذه النظرية أن تعريف الحق كاختصاص أو استئثار و تسلط‬
‫إن كان يتفق تماما ً مع الحقوق في نطاق القانون الخاص كما في حق الملكية ‪،‬‬
‫فإنه ال يتفق مع الحقوق في نطاق القانون العام ‪ ،‬كالحق في االنتخابات أو‬
‫الحريات العامة فمثل هذه الحقوق يعترف بها القانون للناس كافةً وال يختص أو‬
‫يستأثر بها شخص دون غيره ‪ .‬كما أن هذه الحقوق غير قابلة للتصرف األمر‬

‫‪93‬‬
‫الذي يجعل من الصعب تصور وجود عنصر التسلط فيها باعتبار أن التسلط‬
‫يعني القدرة على التصرف بحرية في الشيء موضوع‪ j‬الحق ‪.‬‬
‫وأيا ً ما كان األمر بشأن الخالف الفقهي حول تعريف الحق ‪ ،‬فإن الحق يتكون‬
‫من عناصر أساسية تميزه عن غيره من األوضاع المتشابهة كالحريات أو‬
‫الرخص العامة فالحق كما يرى الدكتور حسن كيره يفترض وجود عنصرين‬
‫أساسيين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬رابطة قانونية ‪ ،‬وهذه الرابطة إما أن تكون رابطة اقتضاء أو رابطة تسلط ‪.‬‬
‫‪ -2‬استئثار شخص و انفراده دون‪ j‬غيره من الناس بما تخوله الرابطة القانونية‬
‫من تسلط أو اقتضاء ‪.‬‬
‫وفي ضوء هذين العنصرين ينتهي الدكتور حسن كيره إلى تعريف الحق بأنه "‬
‫هو تلك الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول القانون شخصا ً من األشخاص‬
‫على سبيل االنفراد و االستئثار التسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من‬
‫شخص آخر " ‪.‬‬
‫و يالحظ في هذا التعريف أنه لم يعتبر الحماية القانونية أو الدعوى القضائية‬
‫عنصراً من العناصر المكونة للحق ‪ .‬وفي الواقع إن الحماية القانونية للحق أو‬
‫الدعوى‪ j‬القضائية ال تعدو أن تكون أثراً من آثار وجود الحق ‪ ،‬فهي الحقة‬
‫لوجوده وال يجوز اعتبارها من العناصر الجوهرية للحق ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫نسبية الحق‬

‫أو نظرية التعسف في استعمال الحق‬

‫عدم مسؤولية الشخص مبدئيا ً عن استعماله لحقه ‪:‬‬


‫الحق هو عبارة عن سلطة يمنحها القانون للشخص تحقيقا ً لمصلحة‬
‫مشروعة يعترف له بها ويحميها ‪ ،‬وهذه السلطة تنظمها قواعد القانون‬
‫وتحدد مضمونها و مداها ‪.‬‬
‫وصاحب الحق يستطيع – مبدئيا ً – أن يستعمل هذه السلطة الممنوحة إليه‬
‫بالشكل الذي يروق له و أن يمارسها كما يشاء دون أن يكون مسؤوالً عما‬
‫ينجم عنها من ضرر لآلخرين طالما أنه ال يتعدى حدودها المرسومة و ال‬
‫يتجاوز نطاقها المشروع‬
‫إال أن استعمال الشخص لحقه يجب أن يكون ضمن الحدود و القيود‬
‫المرسومة لهذا الحق ‪ ،‬والقانون هو الذي يرسم نطاق كل حق من الحقوق و‬
‫يبين حدوده و القيود المفروضة على استعماله ‪ ،‬فإذا تجاوز الشخص هذه‬
‫الحدود و القيود فإن تجاوزه هذا يخرج من دائرة الحق ويعتبر عمالً غير‬
‫مشروع يستوجب مسؤولية صاحبه عن األضرار التي يسببها للغير ‪.‬‬
‫فمستأجر األرض الزراعية مثالً ينحصر حقه في استعمال األرض‬
‫المأجورة و االنتفاع بثمارها دون أن يكون له حق قطع األشجار المزروعة‬
‫أو بيعها و لو فرضنا على سبيل المثال ‪ ،‬أن مستأجر أقام بقطع هذه‬
‫األشجار فإنه يكون مسؤوالً عن األضرار التي تصيب المالك من جراء ذلك‬
‫لتجاوزه حدود حقه ‪ ،‬وألن التجاوز هو من قبيل العمل غير المشروع الذي‬
‫سيتوجب المسؤولية ‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫وجوب عدم التعسف في استعمال الحق ‪:‬‬
‫باإلضافة إلى الحدود و القيود التي يرسمها القانون بالنسبة لكل حق من‬
‫الحقوق فإن هنالك قيداً عاما ً تخضع له هذه الحقوق جميعا ً و يتوجب على‬
‫أصحابها مراعاته و احترامه ‪ ،‬وهو ضرورة استعمال هذه الحقوق استعماالً‬
‫مشروعا ً يخلو من اإلساءة و التعسف ‪.‬‬
‫فال يكفي إذن أن يستعمل الشخص حقه ضمن حدوده المرسومة لتنتفي عنه‬
‫المسؤولية و إنما يجب أن يكون هذا االستعمال نفسه مشروعا ً ‪ .‬أما لو‬
‫تعسف الشخص في استعمال حقه و لو كان ذلك دون تجاوز منه أو خروج‬
‫عن حدود هذا الحق ‪ ،‬فإن تعسفه هذا يكون سببا ً لمسؤوليته عن األضرار‬
‫التي تنجم عنه للغير ‪ ،‬ألن مجرد التعسف يعتبر نوعا ً من الخطأ و خروجا ً‬
‫عن القيد العام الذي تخضع له الحقوق جميعا ً ‪ ،‬وهو قيد االستعمال المشروع‬
‫‪.‬‬
‫حاالت التعسف التي نص عليها القانون المدني ‪:‬‬
‫القانون المدني نص على ثالث حاالت يعتبر صاحي الحق فيها متعسفا ً في‬
‫استعماله ‪ ،‬وهي ‪ :‬أ‪ -‬قصد األضرار بالغير ‪ .‬ب – التفاوت‪ j‬الكبير بين‬
‫مصلحة صاحب‪ j‬الحق و الضرر الذي يصيب الغير ‪ .‬ج‪ -‬تحقيق مصالح‬
‫غير مشروعة ‪.‬‬
‫أ‪ -‬قصد األضرار بالغير ‪ :‬هذه الحالة هي أبرز حاالت التعسف في استعمال‬
‫الحق ‪ ،‬وفيها يكون الشخص قد استغل الحق الممنوح له ال لتحقيق مصلحته‬
‫التي منح هذا الحق ألجلها ‪ ،‬و لكن ليلحق الضرر بالغير و يسئ إليه ‪.‬‬
‫وقد يكون الشخص الذي يستعمل حقه بقصد األضرار بالغير ال يجني من‬
‫استعماله لحقه أية منفعة و هنا ال خالف على وجود التعسف ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مثال ( الشخص الذي يقيم جداراً عاليا ً في أرضه ‪ ،‬ال يعود عليه بأية فائدة ‪،‬‬
‫لمجرد حجب النور و الهواء عن جاره بسبب تعسفه في استعمال حقه الذي‬
‫يستنتج من وجود قصد األضرار لديه مع عدم وجود مصلحة له في هذا‬
‫االستعمال ‪.‬‬
‫إال أنه قد يصدف في كثير من األحيان أن يجني الشخص الذي يستعمل حقه‬
‫بقصد األضرار بالغير بعض المنفعة بمناسبة استعماله لهذا الحق ‪ .‬وهنا‬
‫يرى أغلب الفقهاء‪ j‬أن يعتبر التعسف حاصالً إذا كان قصد األضرار هو‬
‫العامل الرئيسي أو األصلي الذي دفع صاحب الحق إلى استعماله حقه و‬
‫كان جلب المنفعة عامالً ثانويا ً بالنسبة إليه ‪ .‬وذلك كمن يقيم في أرضه برجا ً‬
‫للحمام إلى جانب حظيرة للمواشي تعود إلى جاره بقصد األضرار بهذا‬
‫الجار الناتج عن تساقط ريش الحمام في علف مواشيه و حيث يعتبر‬
‫صاحب البرج متعسفا ً في استعمال حقه مادام قصد األضرار هو العامل‬
‫الرئيسي الذي دفعه إلى إقامة البرج بقرب الحظيرة المجاورة و بالرغم من‬
‫المنفعة الثانوية التي تحققها له إقامة هذا البرج و تربية الحمام فيه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر ‪ :‬و في هذه الحالة إذا كان‬
‫استعمال الحق يؤدي إلى تحقيق مصلحة قليلة األهمية لصاحبه و يسبب في‬
‫نفس الوقت ضرراً للغير ال يتناسب البتة مع هذه المصلحة الناجمة عنه فإن‬
‫هذا االستعمال يكون مشوبا ً بالتعسف ويستوجب مسؤولية صاحب‪ j‬الحق ‪،‬‬
‫ولو لم يثبت لديه قصد األضرار و اإليذاء ‪ .‬فالتعسف هنا يستخلص من‬
‫مجرد التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر و دون النظر إلى النية و‬
‫القصد ‪ .‬إال أن التفاوت الكبير بين المصلحة و الضرر إذا نظر إليه مجرداً‬
‫عن قصد األضرار و اعتبر وحده كافيا ً لتقرير التعسف ‪ ،‬فإن من الممكن أن‬

‫‪97‬‬
‫يعتبر في نفس الوقت بمثابة دليل على وجود قصد األضرار لدى صاحب‪j‬‬
‫الحق ‪ .‬ألن من يستعمل حقه فيسبب للغير ضرراً بالغا ً مع ضآلة المصلحة‬
‫التي تعود عليه ‪ ،‬إما أن يكون عابثا ً مستهتراً ال يبالي بما يصيب الغير من‬
‫أضرار ‪ ،‬أو يكون – و هذا هو الغالب ‪ -‬متعمداً أحداث الضرر الذي‬
‫أصاب الغير بسبب استعماله لحقه ‪.‬‬
‫و ليس هناك من حد معلوم أو ضابط واضح لتقدير التفاوت الكبير بين‬
‫المصلحة و الضرر الذي يجعل استعمال الحق مشوبا ً بالتعسف و الضابط‬
‫الذي يضعه القانون المدني في هذا المجال هو أال تتناسب المصلحة البتة مع‬
‫الضرر الذي يصيب الغير ويعود تقدير ذلك إلى القاضي الذي يتوجب عليه‬
‫أن يوازن بين المصلحة و الضرر في كل حالة من الحاالت‪ j‬حتى إذا بدا‬
‫أنهما ال يتناسبان إطالقا ً قضى عندئذ بوجود التعسف ‪.‬‬
‫ويرى بعض الفقهاء أن الحكم المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة ‪/‬‬
‫‪ /818‬من القانون المدني المصري ‪ ،‬والقاضي يمنع مالك الحائط من " أن‬
‫يهدمه مختاراً دون عذر قوي إن كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه‬
‫بالحائط " يمكن أن يعتبر بمثابة تطبيق لهذه الحالة باعتبار أن مصلحة‬
‫المالك ‪ ،‬الذي ال يستند في هدم حائطه إلى عذر قوي ‪ ،‬تعتبر ضئيلة بالنسبة‬
‫إلى ضرر الجار من هدمه ‪.‬‬
‫ج‪ -‬تحقيق مصالح غير مشروعة ‪ :‬وفي هذه الحالة يعتبر التعسف قائما ً ال‬
‫بسبب قصد األضرار بالغير لدى صاحب الحق أو بسبب التفاوت‪ j‬الكبير بين‬
‫المصلحة التي يجنيها من استعماله لحقه و الضرر الذي يصيب الغير من‬
‫جراء ذلك و لكن بسبب استعماله لحقه ابتغاء تحقيق مصلحة غير مشروعة‬

‫‪98‬‬
‫ومن األمثلة التي يكون التعسف فيها ناتجا ً عن استعمال الحق في سبيل‬
‫تحقيق مصالح غير مشروعة مثال رب العمل الذي يسرح أحد عماله بسبب‬
‫انتمائه إلى إحدى النقابات‪ j‬أو مثال صاحب‪ j‬األرض المجاورة ألحد‬
‫المطارات الذي يقيم األعمدة العالية على أرضه أو يحيطها باألسالك لعرقلة‬
‫هبوط الطائرات و إرغام أصحاب‪ j‬المطار بالتالي على شراء أرضه بأسعار‬
‫مرتفعة على شراء األرض ‪ .‬تعتبران من المصالح غير المشروعة التي‬
‫تدل على وجود التعسف ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أقسام الحق‬
‫تعداد أقسام الحق‬
‫يمكن أن تصنف الحقوق باعتبارات متعددة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬الحقوق العامة و الحقوق الخاصة ‪ -‬الحقوق العينية والحقوق الشخصية‪-‬‬
‫الحقوق األدبية أو المعنوية ‪.‬‬
‫‪ -1‬الحقوق العامة ‪:‬‬
‫يدخل في زمرة الحقوق العامة نوعان من الحقوق يطلق عليهما الحقوق‬
‫السياسية و حقوق الشخصية ‪.‬‬
‫* الحقوق السياسية ‪ :‬هي الحقوق التي تمنح للشخص باعتباره عضواً في‬
‫الدولة لتمكينه من اإلسهام في حكم بالده و إدارتها كحق االنتخاب و‬
‫الترشيح مثالً أو حق تولي الوظائف العامة ‪.‬‬
‫* حقوق الشخصية ‪ :‬فهي عبارة عن حقوق تتصل بالشخصية اإلنسانية و‬
‫تعتبر ضرورة لحماية الفرد في ذاته و مقوماته ووجوده وتمكينه من العيش‬
‫بصورة حرة كريمة و ذلك كحق اإلنسان في الحرية و في الحياة ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحقوق الخاصة ‪ :‬تقسم الحقوق الخاصة عادةً إلى قسمين هما ‪ :‬حقوق‬
‫األسرة من جهة والحقوق المالية من جهة ثانية ‪.‬‬
‫* حقوق األسرة ‪ :‬هي عبارة عن مراكز ممتازة أو سلطات تعترف بها‬
‫قواعد األحوال الشخصية لألفراد بسبب صلة القرابة أو الزواج أو‬
‫المصاهرة القائمة بينهم و بين سائر أفراد أسرتهم ‪ ،‬كسلطة األب على ابنه‬
‫في تربيته و رعايته و اإلشراف على شؤونه ‪.‬‬
‫*أما الحقوق المالية ‪ :‬فهي سلطات تمنحها قواعد القانون الخاص ألصحابها‪j‬‬
‫تمكينا ً لهم من تحقيق مصالح تعود إليهم يمكن تقويمها بالمال ‪ ،‬كحق المالك‬
‫‪100‬‬
‫مثالً والدائن و البائع وهذه الحقوق تدخل في ذمة الشخص المالية و يجوز‬
‫التعامل فيها و الحجز عليها بخالف حقوق األسرة أو حقوق الشخصية أو‬
‫الحقوق السياسية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحقوق العينية والحقوق الشخصية ‪:‬‬
‫تقسم الحقوق المالية إلى قسمين رئيسين هما الحقوق العينية من جهة‬
‫والحقوق الشخصية من جهة ثانية‬
‫*الحق العيني ‪ :‬يعرف بأنه سلطة مباشرة لشخص على شيء معين بالذات‬
‫يستطيع هذا الشخص ممارستها دون واسطة و السلطة التي يتمتع بها‬
‫صاحب الحق العيني هي سلطة مباشرة على الشيء الذي يتعلق به هذا‬
‫الحق ‪ ،‬فصاحب حق الملكية له سلطة مباشرة على الشيء الذي يملكه ‪.‬‬
‫والحقوق العينية تقسم إلى قسمين ‪ :‬حقوق عينية أصلية و حقوق عينية‬
‫تبعية‪.‬‬
‫‪ -‬الحقوق العينية األصلية‪:‬فهي التي يكون لها وجود مستقل بحيث ال ترتبط‬
‫أو تتعلق بأي حق آخر ‪ ،‬وأهمها حق الملكية ‪ ،‬وحق االنتفاع وحق االرتفاق‪.‬‬
‫وحق الملكية هوأهم أنواع الحقوق العينية إطالقا ً وأوسعها مدى ألن صاحبه‬
‫يتمتع بسلطة استعمال الشيء و استغالله و التصرف فيه بشتى أنواع‬
‫التصرف وهذه المكنات الثالث ال تجتمع كلها إال في حق الملكية وحده أما‬
‫حق االنتفاع فتقتصر سلطة صاحبه على االستعمال واالستغالل دون‬
‫التصرف وحق االرتفاق ليس لصاحبه سوى سلطة محدودة في استعمال‬
‫الشيء بحسب ما يقتضيه نوع حقه كحق المرور في ارض الغير مثالً ‪.‬‬
‫‪ -‬الحقوق العينية التبعية ‪ :‬هي التي ال يمكن أن توجد بصورة مستقلة و إنما‬
‫تتبع حقا ً آخر ترتبط به وتكون ضامنا ً له والحق الذي يتبعه الحق العيني هو‬

‫‪101‬‬
‫دوما ً حق شخصي ‪ ،‬ومن أهم هذه الحقوق ‪ :‬حق الرهن فهو حق عيني ألن‬
‫لصاحب حق الرهن سلطة مباشرة على المال المرهون و هو تبعي ألنه ال‬
‫يمكن أن يوجد بصورة مستقلة ‪ ،‬إذ ال يمكن أن ينشأ حق الرهن إال إذا كان‬
‫هناك دين يراد إيجاد ضمان للوفاء به‪.‬‬
‫*الحق الشخصي ‪ :‬هو سلطة مقررة لشخص تجاه آخر تخول األول وهو‬
‫صاحب الحق الشخصي أو الدائن أو الملتزم له أن يجبر الثاني وهو المكلف‬
‫أو المدين أو الملتزم على أن يقوم له بعمل أو يمتنع من أجله عن عمل ‪،‬‬
‫فللبائع مثالً حق شخصي على المشتري فيما يتعلق بدفع الثمن و للمشتري‬
‫حق شخصي على البائع فيما يتعلق بتسليم المبيع ‪.‬‬
‫‪ -‬المقارنة بين الحق العيني و الحق الشخصي ‪:‬‬
‫يمكن التفريق بين الحق العيني و الحق الشخصي من ثالثة وجوه و هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث األطراف ‪ :‬يختلف الحق العيني عن الحق الشخصي من حيث‬
‫أن الحق العيني ال يوجد فيه سوى طرف واحد موجب هو صاحب الحق‬
‫بينما ال بد من وجود طرفين بالنسبة للحق الشخصي أحدهما موجب هو‬
‫صاحب الحق أو الدائن أو الملتزم له و اآلخر سالب هو الملتزم أو المكلف‬
‫أو المدين ‪ .‬فصاحب الحق العيني كالمالك مثالً ال عالقة له بأي شخص آخر‬
‫و إنما هو يتمتع بسلطة مبشرة يستطيع ممارستها دون واسطة على الشيء‬
‫الذي يقع عليه حقه و ليس هناك من طرف سواه بالنسبة لهذا الحق ‪ ،‬أما‬
‫صاحب الحق الشخصي كالدائن أو المتضرر فال تقع سلطته على شيء‬
‫معين ليعتبر الطرف الوحيد في الحق و إنما هي سلطة مقررة له تجاه‬
‫شخص آخر يقع عليه عبء االلتزام المقابل لحقه كالمدين أو المسؤول عن‬
‫الضرر و يعتبر الشخص اآلخر الذي يقع عليه االلتزام المقابل للحق‬

‫‪102‬‬
‫الشخصي طرفا ً ثانيا ً فيه هو الطرف السالب باإلضافة إلى صاحب‪ j‬الحق‬
‫نفسه الذي يعتبر الطرف الموجب ‪.‬‬
‫‪ –2‬من حيث المضمون ‪ :‬إن الحق العيني عبارة عن سلطة مباشرة لشخص‬
‫على شيء معين بالذات أما الحق الشخصي فعبارة عن سلطة مقررة‬
‫لشخص اتجاه شخص آخر موضوعها القيام بعمل أو االمتناع عن عمل ‪.‬‬
‫‪ -3‬من حيث النتائج و اآلثار ‪ :‬إن الحق العيني يخول صاحبه امتيازين‬
‫هامين ال يخولهما الحق الشخصي لصاحبه و هما حق التتبع من جهة وحق‬
‫األولوية أو الرجحان من جهة ثانية ‪.‬‬
‫‪ -‬حق التتبع ‪ :‬إن صاحب الحق العيني يستطيع تتبع الشيء الذي يقع عليه‬
‫حقه و اللحاق به السترداده من أي يد وقع فيها و ذلك نتيجة لسلطته‬
‫المباشرة عليه ‪ ،‬فالمالك يستطيع إذا غصب منه الشيء الذي يملكه أن يتتبعه‬
‫و يسترده من أي شخص يقع تحت يده ‪ ،‬أما صاحب الحق الشخصي فليس‬
‫له حق التتبع ألن سلطته على الشيء غير مباشرة ‪.‬‬
‫‪ -‬حق األولوية والرجحان ‪ :‬معناه أن صاحب الحق العيني يستطيع أن يتقدم‬
‫على غيره للحصول على حقه و هو يرجح على سائر الدائنين العاديين ‪،‬‬
‫فالدائن الذي استحصل مثالً على رهن من مدينه يكون له حق عيني تبعي‬
‫على المال المرهون و هو لهذا يرجح على سائر الدائنين في استيفاء دينه‬
‫من هذا المال ألن عليه سلطة مباشرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحق األدبي أو المعنوي ‪:‬‬
‫يعرف هذا الحق بأنه سلطة مخولة لشخص على نتاجه الفكري أواألدبي‬
‫أو الفني لتمكينه من االحتفاظ بنسبة من هذا النتاج و احتكار المنفعة المالية‬

‫‪103‬‬
‫التي تنتج عن استغالله وذلك كحق المؤلف على مؤلفه و المخترع على‬
‫اختراعه و الفنان على مبتكراته ‪.‬‬
‫و يدخل في هذه الزمرة أيضا ً حق صاحب‪ j‬االسم التجاري على اسم محله‬
‫وصاحب العالمة الفارقة على عالمته و هذا الحق في الواقع كحق الملكية‬
‫إال أنه ال يقع على شيء مادي بل على شيء معنوي ‪.‬‬
‫ومن خصائص هذا الحق أن له طابع مالي و معنوي في نفس الوقت ‪:‬‬
‫فهو من جهة يخول صاحبه إستثمار نتاجه الفكري و استغالله و التصرف‬
‫فيه و جني األرباح التي تنتج عنه كأن ينشر المؤلف كتابا ً تحقيقيا ً للربح أو‬
‫بيع المخترع حق اختراعه لقاء مبلغ من المال ‪.‬‬
‫وهو من جهة ثانية يخول صاحبه نسبة هذا النتاج إليه وعدم االعتداء عليه‬
‫أو انتحاله من قبل غيره حفظا ً لسمعته أو شهرته األدبية أو العلمية أو‬
‫الفكرية ‪.‬‬

‫أركان الحق‬
‫تعداد أركان الحق ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء‪ j‬في تحديد أركان الحق فبعضهم يرى أن للحق ركنين‬
‫أساسيين هما ‪ :‬األطراف من جهة و المحل من جهة ثانية ‪ ،‬يضيف البعض‬
‫اآلخر إلى هذين الركنين أركانا ً ثالثة أخرى أو بعضها وهي ‪ :‬المضمون ‪،‬‬
‫السبب ‪ ،‬المؤيد أو الجزاء‪j‬‬
‫‪ )1‬األطراف ‪ :‬هم األشخاص سواء أكانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين ‪،‬‬
‫ألن األشخاص هم أصحاب‪ j‬الحقوق و أربابها و هم الذين تقع الواجبات‪ j‬على‬
‫عاتقهم ‪ .‬و أطراف الحقوق على نوعين‪ :‬أطراف إيجابيون و هم أصحاب‬

‫‪104‬‬
‫هذه الحقوق و أطراف سلبيون و هم األشخاص الذين يقع عليهم االلتزامات‬
‫المقابلة لهذه الحقوق ‪ .‬وكل حق أيا ً كان نوعه ال بد من طرف موجب يعود‬
‫إليه هذا الحق و يعترف له به أما بالنسبة للطرف السالب فهو يبدو واضحا ً‬
‫في الحق الشخصي ‪.‬‬
‫‪ )2‬المحل ‪ :‬محل الحق هو الشيء المادي أو المعنوي الذي يتعلق بهذا الحق‬
‫سواء مباشرة كما في الحقوق العينية ( والمعنوية ) أو بصورة غير مباشرة‬
‫كما في الحقوق الشخصية ‪ ،‬فمحل الحق بالنسبة للمالك‪ j‬مثالً هو الشيء‬
‫المادي الذي تقع عليه ملكيته كاألرض أو الكتاب ‪ ،...........‬أما بالنسبة‬
‫للحق الشخصي الذي يقابله التزام على الطرف السالب للقيام بعمل أو‬
‫االمتناع عن عمل فمن الجدير أن نفرق بين حالتين ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان االلتزام المترتب على الطرف السالب يتضمن إعطاء شيء‬
‫كالتزام البائع بإعطاء المبيع مثالً و المدين بدفع مبلغ من النقود فإن هذا‬
‫الشيء هو المحل الذي يقع عليه الحق الشخصي و الذي يكون لصاحب هذا‬
‫الحق عليه سلطة غير مباشرة ألنه ال يستطيع الوصول إليه إال عن طريق‬
‫الطرف السالب الملتزم بإعطائه ‪ ،‬وفي هذه الحالة يمكن التمييز بين محل‬
‫الحق و مضمونه إذ يكون المحل هو الشيء و المضمون هو اإلعطاء الذي‬
‫يتوجب على الملتزم القيام به ‪.‬‬
‫‪ -‬أما إذا كان االلتزام المترتب على الطرف السالب ال يتضمن إعطاء شيء‬
‫و إنما مجرد القيام بعمل أو االمتناع عن عمل كالتزام شركة النقل بنقل‬
‫المسافر مثالً أو التزام الممثل باالمتناع عن التمثيل لدى فرقة أخرى فإن‬
‫القيام بالعمل أو االمتناع عنه هو نفسه محل الحق الشخصي في هذه الحالة ‪،‬‬

‫‪105‬‬
‫وهنا يندمج محل الحق الشخصي بمضمونه حتى اليكاد يمكن التفريق بينهما‬
‫إذ يكون كالهما عبارة عن القيام بعمل أو امتناع عن عمل‬
‫‪ )3‬المضمون ‪ :‬مضمون الحق هو السلطة التي يخولها هذا الحق لصاحبه و‬
‫هذه السلطة تختلف من حق ألخر و لكن يمكن أن نجملها في الحقوق العينية‬
‫األصلية بأنها سلطة استعمال الشيء و استغالله و التصرف به أو بعض‬
‫ذلك و في الحقوق العينية التبعية بأنها سلطة من نوع خاص تهدف إلى‬
‫ضمان الوفاء بالحق الشخصي بمنح صاحبه اآلثار التي تترتب على الحق‬
‫العيني و بصورة خاصة حق التتبع وحق األولوية أو الرجحان‪ j‬كما نستطيع‬
‫أن نجملها في الحقوق الشخصية بأنها سلطة إجبار المدين على القيام بعمل‬
‫أو االمتناع عن عمل ‪.‬‬
‫‪ )4‬السبب ‪ :‬سبب الحق أو مصدره هو الواقعة القانونية التي تولد عنها الحق‬
‫و أدت إلى نشوئه ‪ .‬ومصادر الحقوق متعددة بعضها عبارة عن وقائع مادية‬
‫كالوالدة و الوفاء و الفعل الضار و بعضها اآلخر عبارة عن تصرفات‬
‫إرادية يستهدف أصحابها‪ j‬من ورائها إنشاء هذه الحقوق كالعقود مثالً ‪.‬‬
‫‪ )5‬المؤيد و الجزاء‪ : j‬هو الحماية التي يسبغها القانون على الحقوق لتمكين‬
‫أصحابها من التمتع بها و ممارستها و منع الغير من االعتداء عليها و إن‬
‫المؤيد أو الجزاء الذي يتمتع به الحق هو نفس المؤيد أو الجزاء‪ j‬المقرر‬
‫بالنسبة للقاعدة القانونية ‪.‬‬

‫‪106‬‬

You might also like