You are on page 1of 34

‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الهيئة الوطنيّة للمحامين‬


‫الفرع الجهوي للمحامين بتونس‬

‫مذ ّكرة ختم التمرين‬

‫دعوى سحب الفلسة‬

‫إعداد األستاذ‪ :‬هشام قدّيش‬


‫تحت إشراف األستاذ‪ :‬محمد بوثلجة‬

‫السنة القضائيّة ‪2006/2007‬‬

‫‪1‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫‪‬‬ ‫‪:‬مقـدمــــــــة‬

‫تلعب الشركات التجاريةـ دورا هاما في الحياة االقتصادية باعتبارهاـ وسائل استثمارـ وتشغيل ومصادر للخيرات‬
‫والخدمات وموارد الجباية‪.‬وهي وإن كانت أقل عددا من التجارـ األفراد فإنها تمتلك قدرا أعظم من اإلمكانيات‬
‫الماليةـ وتستقطب قسطا أوفر من االستثمارات في مختلف الميادين الصناعية والتجارية‪.‬‬
‫تتأسس الشركات بحرية كبيرة نسبياـ وبشكل يسمح في معظم الحاالتـ باستقالل الذمة الماليةـ للشركة عن ذمة‬
‫الشركاء باعتبار أن كل شركة لها شخصية معنوية وذمة مالية مستقلة عن ذمة الشركاء‪.‬‬
‫ولقد حرص المشرعـ على تكريس الحماية للشـركة في حـ ّد ذاتها و الغــير المتعامل معها من تصــرفات الشـريكـ أو‬
‫المسير و ما قد ينتج عنه من تعسف‪ .‬من أجل ذلك فقد سن جملة من القوانين الزجريةـ الرامية إلى توفير الحمايةـ‬
‫الالزمة لحسن سير عمل الشركة التجاريةـ باعتبارـ أن المعامالتـ التجارية تقوم على مبــدأ " االئتمــانـ التجــاري "‬
‫و اتجه بذلك ضمان محيط مالئم لنشاط سليم للشركة‪.‬‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أن القانون التونسي لم يقتصرـ على النصوص الجزائية لضمان عدم االنحــراف بالشــركة عن‬
‫أهدافها المنشودة من إنتاجـ و رواج و ربح و االستفادة تحت اسم الشركة لخدمة مصالح خاصة تكــون عــادة على‬
‫حساب مصالح دائني الشركة و مضرة عموما بسالمة نشاط الشركات التجارية‪.‬‬
‫و تعتبر المسؤولية التجاريةـ بمثابةـ العقابـ الذي يمكن أن يطال مسير الشركة إضافة إلى العقوبــاتـ الجزائية الــتي‬
‫يكون عرضة إليها‪.‬‬
‫لقد تعرضت أغلبـ التشاريع لهذا الموضوع ورأت أن للمسيرينـ دور هام في نجاح الشــركة أو إخفاقها و إفالســها‬
‫و أنه في غالبـ األحيانـ يكون هذا اإلفالس نتيجة أخطاء تصرف أو أعمال إجرامية تجاه الشركة و تجــاه دائنيها ‪،‬‬
‫و بالتــالي أقر التشــريعـ التونسي تســليط جــزاء على مســيري الشــركات الــتي هي في حالة إفالس و ذلك بســحب‬
‫الفلسة عليهم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪-Ripert (G) et Roblot ; Traité élémentaire de droit commercial ; T1 3 éd ; LGDJ ; p 523.‬‬

‫‪ - ‬صالح الدين العايدي‪ ":‬جرائم تسيير الشركات التجارية"‪ ،‬م ق ت عـ‪5‬ـدد ماي ‪ 2003‬ص ‪.13‬‬

‫‪2‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫و ســحب الفلسةـ هو جـــزاء يختلف عن غـــيره من الجــزاءاتـ المدنية األخــرى مثل البطالنـ و الفسخ ال ــتي تمثل‬
‫جزاءات ترتبطـ بمادة العقود‪.‬‬
‫و قد تكون األفعال المرتكبةـ من قبل الشريك أو المسيرـ خطرة و بالتاليـ تكون الدعوى تسديد العجز ‪ ‬غير مناسبة‬
‫كجزاء‪ ‬عن األفعال التي أدت إلى إفالس الشركة فتسحب الفلسة على الشريكـ أو المسير المتسببـ في ذلك‪.‬‬
‫و تهــدف دعــوى ســحب الفلسة إلى تصــفية أمــوال المســيرـ و لكن وفق إجــراءات مختلفة عن إجــراءات تفليسـ‬
‫الشركة‪.‬‬
‫و أقر المشـرعـ التونسي ذلك الحل صـلب الفصل ‪ 596‬من المجلة التجارية‪ ‬الـذي يتمـيز بمجـال واسع ألنه ينطبق‬
‫على جميع الشركات‪.‬‬
‫و ربما تكون جدوى هذا الجزاء أكبر في شركات األموال خاصة في شركة الشخص الواحد مقابل تكريس استقالل‬
‫ذمة الشركة عن ذمة الشريكـ الوحيد و تمكينه من صالحيات واسعة في التسييرـ و اإلدارة عالوة على مســؤوليته‬
‫المحدودة و عدم اكتسابه صفة التاجر‪.‬‬
‫لذلك اقتضى الفصل ‪ 596‬م ت أنه" إذا أفلست الشركة يمكن التصريح بأن يكون التفليس مشــتركا بينها و بين كل‬
‫شخص التجأ إلى التسترـ بها إلخفاء تصرفاته و قام لمنفعته الخاصة بأعمــال تجارية و تصــرف بالفعل في مكاسب‬
‫الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصة"‪.‬‬
‫فمن الثابتـ أنه ال يمكن تفليسـ المسيرـ إال في حالة التصــريح بتفليسـ الشــركة و في ذلك قرينة بــأن تصــرفاته هي‬
‫‪.‬‬
‫‪‬‬
‫التي أدت بالشركة لإلفالس‬
‫و يختلف سحب الفلسةـ عن التفليس العادي للشركة ضرورة أن الســحب إجــراء يتجــاوز إطــار الشــركة ليمتـ ّد إلى‬
‫األشــخاصـ الــذين ســاهموا أو تســببوا في تفليسـ الشــركة‪ .‬فــإذا كــان التفليس العــادي يقتصر علىالشــركة دون‬
‫سواها فان دعوىســحب الفلسةـ آلية تمكن التفليس منأنيمتد بشــروط خاصة ليصــيب المســيرـ الــذيتســبب في‬
‫التفليسـ‪.‬‬

‫‪ - ‬إن الشخص المحمول عليه تسديد العجز يع ّد مسؤوال مسؤولية مالية ال تتعدى الجانب المالي " التعويض" وهي ال تنصرف‬
‫إال إلى جزء للذمة المالية للمسير على خالف السحب الذي يؤدي إلى تفليس شخصي للمسيّر‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬آثرنا استعمال عبارة الجزاء عوضا عن العقوبة ألن هذه األخير ة تبدو أقرب للمادة الجزائية منها إلى المادة المدنية ‪-‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬يقابل الفصل ‪ 596‬م ت القانون الفرنسي الصادر في ‪ 13/7/1967‬والمنقح بقانون ‪.29/01/1985‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬محمد العربي هاشم ‪ ":‬الجديد في مجلة الشركاتـ التجارية" ملتقى ‪ 27-26‬جانفي ‪.2001‬‬

‫‪‬‬
‫‪- Legeas (R)" L’extension de la faillite sociale, un mesure contre les abus de la personnalité‬‬
‫‪morale des sociétés" ; RTD.com.1957, p289‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪-Artz (JF) ; "L’extension de règlement judiciaire ou de liquidation des biens aux dirigeants‬‬
‫‪sociaux" ; RTD.com.1975, p 4.‬‬

‫‪3‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫تك ّرست مؤسسة سحب الفلسةـ في التشريعـ التونسي ضمن العنوان الخامس من المجلة التجارية المتعلق باألحكامـ‬
‫الخاصة لتفليسـ الشركات‪.‬‬
‫و الجدير بالذكر أن مؤسسة سحب الفلسة بقيت على حالهاـ بالرغم من التغيــيراتـ الجوهرية الــتي شــهدها اإلطــارـ‬
‫التشريعي للشركاتـ التجارية فرضته تحوالت اقتصادية كبرى و ما رافقها من هاجس لزوم إنشاء إطــار تشــريعي‬
‫جديد مالئم لها لقي صداه في البداية من خالل إصدار القانون عدد ‪ 15‬ـ ‪ 34‬المؤرخ في ‪ 17‬أفريل ‪ 1995‬المتعلق‬
‫بإنقــاذ المؤسســات الــتي تمر بصــعوباتـ اقتصــادية و الــذي تم تنقيحه بمقتضى القــانونـ عــدد ‪ 63‬المــؤرخ في ‪15‬‬
‫جويلية ‪ 1999‬و القــانون عــدد ‪ 79‬المــؤرخ في ‪ 29‬ديســمبر ‪ 2003‬و الــذي نص على أن إجــراءات التســوية‬
‫القضــائية بالنســبةـ إلى المؤسســات الخاضــعة لــذلك القــانونـ تســبق وجوبا إجــراءات التفليسـ و بالتــاليـ أصــبحتـ‬
‫إجراءات التفليس استثنائية‪.‬‬
‫كما كان إلصدار مجلة الشركاتـ التجارية بموجب القانون عدد ‪ 93‬المؤرخ في ‪ 3‬نوفمــبر ‪ 2000‬األثر البــالغ على‬
‫واقع الشركاتـ التجارية إذ تضــمنت هــذه المجلة خمسة أبــواب موزعة على ‪ 460‬فصال تنــاولتـ جميع المواضــيع‬
‫المتعلقة بالشــركاتـ ‪ ،‬فتطــرق الكتــابـ األول إلى األحكــام العامة المشــتركة بين جميع أنواعها بينماـ اختص كل من‬
‫الكتــاب الثــاني و الثــالثـ و الرابعـ بــأنواع هــذه الشــركات في حين اهتـم الكتـــابـ الخـامـس باندمـــاج الشركـــات و‬
‫انـقسامـها و تغير شكــلها و تجمعها‪ .‬و المتأمل في أحكام تلك المجلة يتضح أن خاصياتهاـ تكمن أساساـ في محاور‬
‫ثالثة ‪ :‬النفس الليبراليـ لتكـوين و تسيير الشركاتـ مع حرص على ضبط األحكام المتعلقة بالتسجيلـ و اإلشــهار و‬
‫المراقبة المالية إضـــافة إلى تنويع و تعزيز طـــرق التمويل و خلق اإلطـــار القـــانوني المالئم لتمكينـ الشـــركات‬
‫التونسية من المساهمة في المنافسة‪.‬‬
‫وال شك أن أهم تغيير جــاءت به مجلة الشــركاتـ التجارية يتعلق بإنشــاء شــركة الشــخص الواحد ذات المســؤولية‬
‫المحدودة و تجمع المصالح االقتصادية و في ما يخص اندماج الشركاتـ و انقسامهاـ و تغيير شكلها‪.‬‬
‫في ظل هذه التحوالت الكبرى ال تزال مؤسسة سحب الفلسةـ تمثل جــزاءا ناجعا و وســيلة حمائية ضــرورية لتعقب‬
‫المســتهترينـ بالشــركاتـ و مكاســبها‪ .‬و تــدعمت المجلة بقــانون ‪ 6‬ديســمبر ‪ 2001‬الــذي تأكد من خالله حــرص‬
‫المشرع على تكريس مؤسسة الســحبـ ضــمن تجمع الشــركات التجاريةـ و ذلك صــلبـ الفصل ‪ 478‬جديد من مجلة‬
‫الشركاتـ التجارية‪.01‬‬
‫و الواضح أن التنقيح األخير يشكل بوضوح استجابةـ إلى هاجس اإلبقاء على ســحب الفلسةـ كــإجراء الحق يهــدف‬
‫إلى معاقبة أشخاص الذين ساهموا أو تسببوا في تفليس الشركة‪.‬‬
‫و لئن حرص المشرعـ ضمن الفصل ‪ 596‬م ت على تحقيق الغايةـ من دعوى سحب الفلسةـ في التصدي للمخــالفين‬
‫و وضع حد لكائنـ خطر على الشركاء و الدائنينـ و النظامـ العام االقتصادي ‪ ،‬فــان عمومية و غمــوض عباراتهـ في‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬محمد العربي هاشم‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪ -‬ينص الفصل ‪ 478‬على إمكانية سحب ك ّل من إجراءات التسوية القضائية أو التفليس‪.‬‬ ‫‪01‬‬

‫‪4‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫بعض األحيان حالت دون تمكن المحاكم التونسيةـ من تبني رؤية قضائية واحدة في تطبيقهاـ لدعوى سحب الفلسة‬
‫مما أدى إلى قصور على بلورة نظام قانوني موحد لتلك الــدعوى‪ .‬فتــارة نجــدها تضـيّق في مجالها و تــارة أخــرى‬
‫تعمل إلى التوســيع في نطاقها و مجالها مما أدى في بعض األحيــان إلى تبــاين وحــتى إلى تعــارض نشأ عنه في‬
‫بعض الحاالتـ خلط بين سحب الفلسة و بين مفاهيم أخرى مشابهة‪.‬‬
‫إال أن ذلك الغمــوض و التضــارب ســواء في النص التشــريعي أو في تطبيقــات المحــاكم ال يحــول دون القــول بــأن‬
‫دعوى سحب الفلسة تشكل آلية جزائية تميزتـ بنظام قانوني خاص تختلف عن غيرها من المؤسسات المشابهة‪.‬‬
‫فأين تكمن خصوصية النظامـ القانونيـ لدعوى سحب الفلسة ؟‬
‫من شأن الوقوف على ميزات النظام القانوني لدعوى سحب الفلسةـ أن تمكن من تحديد أبرز العناصر التي تفردها‬
‫عن باقي اآلليات المشابهة و التي تتحد خصوصا في أهدافها المتمثلةـ أساساـ في ضمان محيط مالئم لنشــاط ســليم‬
‫للشركة‪.‬‬
‫كما تمكن دراسة النظامـ القانونيـ لدعوى سحب الفلسة من كشف مدى نجاعة تلك اآللية ومدى اســتجابتهاـ لتطــور‬
‫الواقع التشــريعي للشــركات التجاريةـ ‪ .‬فــإذا كــانت بعض اآلليــات المشــاركة تشــتركـ في كونها جــزاء يتســلط على‬
‫المستهترينـ بالشركةـ و مكاسبها ‪ ،‬فان دعوى ســحب الفلسةـ أفردها المشــرعـ بنص خــاص ليخرجها عن بقية تلك‬
‫المؤسسات فخصها بنظام قانوني متميز يستجيبـ في مجمله لطبيعة تلك الدعوى و أهمية آثارها‪.‬‬
‫و بالتالي يمكن أن نرصد خاصية النظامـ القانونيـ لــدعوى ســحب الفلسة من خالل الوقــوف في مرحلة أولـى على‬
‫أبرز أسسها القانونية ( الجـــــزء األول ) ثم في مرحلة ثانية علــى أهم شــروطها ( الجــزء الثــاني ) لننتهي في‬
‫مرحلة ثالثة إلى تحديد نطاقها ( الجزء الثالث )‪.‬‬

‫الجــــــزء األوّل‪:‬‬

‫أســاس دعــــــــــــوى سـحــب الـفـــــــــــلـســة‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫تجد مؤسسة ســــحب الفلسة أساسا تشـــريعياـ لها في الفصل ‪ 596‬من المجلة التجاريةـ وكـــذلك بالفصل ‪ 478‬من‬
‫القانون المتمم لمجلة الشركات التجاريةـ المتعلق بتجمع الشــركات‪ .‬لــذلك حــاول البعض تأســيس الســحبـ باعتمــاد‬

‫نظريــات تســتمد جــذورها في األعمــال الموجبة له الــواردة بــالنصـ التشــريعي ( الفصل األول )‪ .‬لكن عبــاراتـ‬

‫النص جــاءت عامة و غامضة مما أدى إلى تــأويالت مختلفة و اعتــبرـ فقه القضــاءـ أن تلك األعمــال مفــترض في‬

‫مفهوم اختالط الذمم ( الفصل الثاني )‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬األساس التشريعي لسحب الفلسة‬

‫أورد الفصل ‪ 596‬م ت أعماال بتوفرها يمكن سحب الفلسةـ على القائم بها ( الفرع األول ) و هي أعمــال تتمحــور‬
‫أساسا حول استعمال الشركة لغير الغاية التي أنشأتـ من أجلها ‪ .‬إال أن تعداد تلك األعمال ســواء الــواردة منها في‬
‫النص العام أو النص الخاص‪ 11‬ال يحجب بعض اإلشـكاالت الناشـئة عن تطـبيق النص القـانونيـ ( الفـرع الثـانيـ )‪.‬‬
‫فلئن أكد المشـــرعـ على ضـــرورة القيـــامـ باألعمـــال المـــذكورة فانه تغافل على وضع تعريف واضح ودقيق لتلك‬
‫األعمال من شأنه أن يرفع كل لبس أو غموض أثناء تطبيقها‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬األعمال الموجبة لسحب الفلسة‬
‫يعتبر الفصل ‪ 596‬م ت أساسـا عامـا لسـحب الفلسةـ ( الفقرة األولى ) و قد أضاف الفصل ‪ 478‬م ش ت المتعلق‬
‫بتجمع الشركاتـ أعماال جديدة لم يطرحها النص العام ( الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 478‬يتعلق بصورة خاصة مرتبطة بتجمع الشركات ال غير‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪6‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األعمال الموجبة للسحب طبق النص العام‬


‫يعتبر تستر الشخص بالشركةـ إلخفاء تصرفاته من األعمال الموجبة للسحبـ التي نص عليها الفصل ‪ 596‬م ت‪.21‬‬
‫فالشركة تتمتع ضرورة بشخصية قانونية مستقلة و يكون المسيرـ بمثابةـ الممثل القانونيـ لها يتصــرف باســمها و‬
‫لحسابها ‪ ،‬وفي حالة مخالفة تلك القاعدة يمكن إثارة مسؤوليته التجارية‪.‬‬
‫و يتجلى التستر بالشركة من خالل التصــرف وراء ســتار الشــركة " الواجهة " لخاصةـ نفسه إذ كثــيرا ما يــؤدي‬
‫التوقف عن الدفع إلى الكشف عن وهمية الشخص المعنوي‪ .31‬و تقدير الصفة الوهمية للشركة يبقى أمرا خاضــعا‬
‫للسـلطةـ التقديريةـ لقضــاة األصــل‪ .‬و قد وضع الفقه معـايير لهاته الحالة من بينها غيـابـ إرادة االشـتراكـ و غيــاب‬
‫مشــاركة حقيقية في رأس المــال و عــدم جدّية الغــرض االجتمــاعي‪ .‬فوهمية الشــركة إنما تؤكد تــداخل مكاســبها‬
‫ومكاسب الشركاء فيها و عدم إمكانية الفصل بين األهداف الخاصةـ للمسيرينـ وأهداف الشركة‪.‬‬
‫لكن تســتر الشــخص بالشــركةـ إلخفــاء تصــرفاته ال بد أن يرتبطـ بقيامه لمنفعته الخاصةـ بأعمــال تجارية‪ .41‬فقيــام‬
‫الشخص بأعمالـ تجاريةـ لمنفعته الخاصة هي من األعمال الموجبة لســحب الفلســة‪ .‬و قد يأتيهاـ مســير الشــركة أو‬
‫من نزل منزلته من المســيرينـ الفعلــيين‪ .‬فقد تعتمد المحكمة في تقــديرها لقيــامـ الشــخص بأعمــال لمنفعته الخاصةـ‬
‫كشرط لسحب الفلسةـ عليه على كونه الشريك الوحيد المكلف بإدارتهاـ و المتصرف في أموالها و أن من عداه من‬
‫الشــركاء ليســوا إال مه ّمشــين و صــوريين‪ .‬فــاعتبرت المحكمة االبتدائيةـ بتــونس لتعليلها لحكم ســحب الفلسة في‬
‫قضية " مؤسسة بوزقندة "‪ 51‬بقولها " حيث يستنتج من القانونـ األساسي للشركة ‪ ......‬واصل أعمالهـ التجارية‬
‫تحت غطــاء الشــركة لمنفعته الخاصة باعتبــاره المتحكم الوحيد في إدارة الشــركة و في أموالها و ال يشــاركه في‬
‫ذلك أحد ‪"...‬‬
‫و المالحظ أن تنصيصـ المشرعـ على الصفة التجارية لألعمال يؤول إلى إقصاء األعمــال المدنية من نطــاق جــزاء‬
‫الســحب‪ .‬و غالبية فقه القضــاء يقر بضــرورة تــوفر الصـفـة الـــتجاريةـ لألعـــمال " ذلك أنه على المحكمة إبــراز‬
‫‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫العنصر المتمثل في قيام المسيرـ بأعمالـ تجاريةـ لخاصةـ نفسه تحت ستار الشخصيةـ المعنوية للشركة ‪" ...‬‬
‫و من شــأن التطــبيق الحــرفي للنصـ في هــذا المجــال أن يح ـ ّد من مجــال ســحب الفلسة و يــؤدي إلى إفالت بعض‬
‫األشخاص من تسليط جزاء سحب الفلسة عليهم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪- Martin Serf (A) ; "Consentement des parties,sociétés fictives et frauduleuses ;juris-‬‬
‫‪class,sociétés" 1998,fasc. 7.40, p 29.‬‬

‫‪ - 31‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪18352‬ـدد مؤرخ في ‪ 4‬جويلية ‪ ": 1989‬وحيث إن طلب الحكم بتفليس المطلوب الثاني غير مؤيد‬
‫طالما لم تثبت المدعية توفّر شروط الفصل ‪ 596‬م ت والمتمثلة في التستر بالشركة إلخفاء التصرفات الشخصية واالنتفاع‬
‫الشخصي بمناسبة التصرف الفعلي في مكاسب الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصة‪"...‬‬

‫‪ -‬توفيق بالنصر‪ :‬تعليق على قانون الشركات التجارية‪ ،‬دار الميزان للنشر‪ ،‬أكتوبر ‪.1999‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪20504‬ـدد صادر بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر ‪.1989‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪ -‬محكمة التعقيب‪ ،‬قرار عـ‪21130‬ـدد ‪ ،‬مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪.1991‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪7‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫أخيرا يع ّد تصرف الشخص في مكاسب الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصةـ من األعمـال الموجبة لسـحب الفلسةـ‬
‫عليــه‪،‬ـ إذ ينتج عن هــذا التصــرف خلط بين ذمة الشــركة وذمة الشــخص مما يصــعب الفصل فيها بينهمــا‪ .‬ويمكن‬
‫عندئذ إثــارة مســؤوليته التجاريةـ وبالتــاليـ يعــاقب بســحب الفلسة عليه‪ 71‬وذلك كطريقة لحماية الــدائنينـ من هــذه‬
‫التصرفات‪ .‬فاألصل في األشياء أن تستقل الـذمتانـ عمال بقاعــدة أن لكل شــخص ذمة واحـدة فقط تشــمل ما له وما‬
‫عليه‪.‬‬
‫ويمكن أن يتصرف الشخص في أموال الشركة باستهالك بعض المواد بــدون مــوجب قــانوني أو بيع بعضــها دون‬
‫تسجيل ذلك في دفاتر الشركة‪ .81‬كما اعتبرتـ محكمة االستئناف بتونس في قرارها عـ‪59354‬ـدد أن " نية التستر‬
‫تتجسد وتبرز بجالء من خالل تصرف المسير في أمالك الشركة بحيث يخــول لنفسه التصــرف فيها كما لو أنها لم‬
‫تكن على ملك ذات معنوية مســـتقلة عنه وذلك من خالل توظيف األمـــوال المتأتية من المشـــروع في أغـــراض ال‬
‫‪91‬‬
‫عالقة لها به ودون سبق صدور قرار في توزيع األرباحـ والتبرعـ بأموال الشركة"‪.‬‬
‫فاختالط الذمة يستنتج من جملة الوقائع التي يكتشفها قاضي األصل من ذلك اندماج العناصرـ المكونة للموجودات‬
‫أو المكونة للمطلوبــاتـ التابعة لــذمم مختلفة إلى حــ ّد يعسر معه التميــيزـ بينهما أو عــدم وجــود محاســبة خاصة‬
‫بالشركة أو التماثل بين المقر االجتماعيـ للشركة ومقر الشريكـ ومن اختالط أموال الشركة بأموال مسيريها‪.‬‬
‫وفي كل الحاالتـ الب ّد أن تقــترنـ تلك األعمــال بالتســترـ تحت غطــاء الشــركة والقيــام بأعمــالـ تجاريةـ وهو ما يــبرر‬
‫سحب الفلسة عليه حماية لمصلحة الدائنينـ من جهة وردعا لكل من تسول له نفسه التخفيـ وراء شركة وهمية ال‬
‫وجود لها إالّ في الظاهر‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬األعمال الموجبة للسحب طبق الفصل ‪ 478‬م ش ت‬
‫حدد الفصل ‪ 478‬م ش ت صورا مخصوصة ومنفردة لسحب الفلسةـ في تجمع الشــركاتـ التجارية تتمثل في أربعة‬
‫حاالت هي اختالط الذمم‪ ،‬التحيل‪ ،‬التعسف في استغالل الشركة وثبوت أن الشركة المدينة هي شركة وهمية‪.‬‬

‫بمقارنة هذا الفصل بالنص العام يمكن إبداء المالحظاتـ التالية‪:‬ـ‬


‫‪ -1‬وردت هذه الحاالت مستقلة عن بعضها بحيث تكفي كل واحدة على حدة لسحب الفلسة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن اختالط الذمم والطــابع الــوهمي للشــركة لئن وردا ضــمن النص العــام متزامنة مع شــروط أخــرى فإنه وقع‬
‫استنتاجهاـ من عمومية عباراته‪.‬‬
‫‪ -3‬التحيل والتعسف في اســتغالل أمــوال الشــركة هي وضــعيات جديــدة خاصة بتجمع الشــركات لم يقع ذكرها وال‬
‫استنتاجهاـ بالفصل ‪ 596‬م ت بل هي حاالتـ خاصة بتجمع الشركاتـ بما يستدعي توضيحها‪.‬‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪20804‬ـدد‪ ،‬مؤرخ في ‪ 21‬نوفمبر ‪.1989‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪ -‬عبد المجيد الفاهم‪ :‬الكامل في اإلجراءات الجماعية‪ ،‬دار الميزان للنشر‪ ، 1998 ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪ -‬قرار عـ‪59354‬ـدد صادر عن محكمة استئناف تونس بتاريخ ‪ 28‬مارس ‪.2000‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪8‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫فالمشرع لم يعرف ضمن الفصل ‪ 478‬م ش ت مفهوم التحيل‪ .‬ولنا أن نتساءل ما إذا كان مفهــوم التحيل في تجمع‬
‫الشركاتـ يستمد مدلوله من الفصل ‪ 291‬من المجلة الجزائية؟‬
‫إن التفليسـ و إن كان إجراء عقابيا فانه يتخذ طابعا مـدنيا بحتاـ تجاريا باألسـاسـ و بالتــالي فالمقصـود بالتحيل في‬
‫هذا اإلطار هو التحيل طبق مجلة الشركاتـ مع جــواز االســتئناس بالفصــلين ‪ 291‬من المجلة الجزائيةـ و ‪ 101‬من‬
‫مجلة اإلجراءات الجبائية‪ 02‬قصد كشف و إثبات التحيل‪.‬‬
‫و على كل حــال فــان المقصــود بالتحيلـ هو اســتعمال إحــدى الشــركاتـ الخــزعبالت بإيهــام الغــير بأنها تشــكل ذاتا‬
‫معنوية واحــدة مع شــركة أخــرى أو بأنها مالكة لبعض األمالك الراجعة في الحقيقةـ إلى الشــركة المدينة أو بــأن‬
‫بعض األمالك الراجعة إليها في الحقيقةـ إنما تنتمي إلى شركة أخرى من الشركات األعضاء في تجمع الشركاتـ‪.12‬‬
‫أما فيما يتعلق بمفهوم التعسف في اسـتغالل الشـركة و إن كـان لهـذا المفهـوم نطـاق موسع يشـمل جميع الصـور‬
‫المس بالذمة المالية للشركة ‪ ،‬فانه يمكن تبني ما ورد صلب المناقشاتـ حول المشــروع التمهيــدي‬
‫ّ‬ ‫التي من شأنها‬
‫للقانونـ المتمم لمجلة الشركاتـ من أن المقصود بالتعسف في اسـتغالل أمـوال الشـركة يتعلق بصـورة اإلفـراط في‬
‫استعمال أموال الشركة لفائدة شركـة أخـرى بحيث يتسـبب ذلك في ضياع مصالح الشركـة المـالكة الحقيقيـة لـــها‬
‫و يعرضها للصعوبات التي أدت إلى افتتاح اإلجراءات الجماعيةـ ضدها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اإلشكاالت الناشئة عن تطبيق النص‬
‫لئن أورد المشــرعـ شــروط ســحب الفلسة فــان غمــوض بعض المفــاهيمـ ( الفقـرة األولى ) أدى إلى ظهــور بعض‬
‫اإلشكاالت في تطبيق شروط الفصل ‪ 596‬م ت ( الفقرة الثانية )‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اإلشكاالت المتعلقة بغموض المفاهيم‬
‫تتمحور األعمال الموجبة للسحبـ حول ثالثة أعمال هي تستر الشخص بالشركةـ إلخفاء تصرفاته و قيامه بأعمــال‬
‫تجارية لمنفعته الخاصةـ و التصرف في مكاسب الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصة‪ .‬و قد أدت عمومية عباراتـ‬
‫النص و غموضها إلى استناد الفقه و فقه القضاء إلى نظريات مختلفة لبلــورة المفــاهيم المناســبة لتطــبيق الفصل‬
‫‪ 596‬م ت‪.‬‬
‫فعبارة تستر الشخص بالشــركة إلخفــاء تصــرفاتهـ أفــرزت رأيين واحد يعتــبر أن ســحب الفلسةـ هو نتيجة للخطأ و‬
‫آخر يرى أنها نتيجة غيابـ نية االشتراكـ أي وهمية الذات االعتبارية‪.‬‬

‫‪ -20 2‬ع ّدد الفصل ‪ 101‬من مجلة اإلجراءات الجبائية صور التحيل الذي يمكن أن يتخذ أشكاال متنوعة مثل افتعال وضعيات‬
‫قانونية غير حقيقية أو تقديم وثائق مز ّو رة أو إخفاء الطبيعة القانونية الحقيقية لعقد أو اتفاقية أو القيام بعمليات تؤدي إلى تحويل‬
‫الممتلكاتـ إلى الغير قصد التملّص من تسديد الديون الجبائية‪...‬‬

‫‪ - 12‬يشار في هذا اإلطار إلى ‪ :‬ملحق بالتقرير المشترك‪ ،‬أجوبة وزارة العدل‪ ،‬مشروع القانون المتعلق بإتمام مجلة الشركات‬
‫التجارية مداوالت مجلس النواب‪ 20 ،‬نوفمبر ‪ ،2001‬الرائد الرسمي عـ‪5‬ـدد ص ‪.104‬‬

‫‪9‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫تبنت المحكمة االبتدائية بقرمبالية تأويال يتجه في اعتبــار الخطأ كأســاس لســحب الفلسة فقد أكـدت أنه " ثبت من‬
‫أوراق القضيةـ أن الشركة المطلوبة توقفت عن نشاطها نتيجة لسوء تســييرها و إدارتها من قبل وكيلها مما يتجه‬
‫‪22‬‬
‫معه سحب الفلسة عليه "‪.‬‬
‫إال أن محكمة التعقيبـ اعتبرت أن الخطأ أو ســوء التصــرف ال يمكن أن يكــون أساساـ كافيا لســحب الفلسةـ و بيّنتـ‬
‫قصـــور ذلك التأويل إذ اعتـــبرت أن " ســـوء التصـــرف ال ينجر عنه ســـحب الفلسةـ على الوكيل و إنما ينجر عنه‬
‫إمكانية تحميله بكامل ديـــون الفلسةـ أو جـــزء منها طبق الفصل ‪ 160‬من المجلة التجاريةـ "‪ .32‬و معـــنى ذلك أن‬
‫الخطأ يمثل أساسا كافيا لدعوى تسديد العجز ال دعوى سحب الفلسة‪.‬‬
‫كما يطرح الفصل ‪ 596‬م ت إشــكاال يتعلق بغمــوض عبــارة " األعمــال التجاريةـ " الــتي تطــرح مالحظــتين تتعلق‬
‫بتعدد األعمال من جهة و باألعمــال المدنية من جهة أخــرى‪ .‬فاســتعمال المشــرع للصــفة التجاريةـ لألعمــالـ يــؤ ّول‬
‫على أنه إقصاء لألعمالـ المدنية في نطاق جزاء السحب‪.‬‬
‫و يقر غالبية فقه القضاء بضرورة توفر الصفة التجاريةـ لألعمالـ ذلك أنه على المحكمة إبراز العنصرـ المتمثل في‬
‫قيـام المســير بأعمـالـ تجاريةـ لخاصةـ نفسه تحت سـتار الشخصـيةـ المعنوية للشــركة خصوصا و أن صـفة التــاجرـ‬
‫‪42‬‬
‫ليست مفترضة فيه إذ يمكن سحب الفلسةـ على من لم تكن له صفة التاجر‪.‬‬
‫و الثابتـ أن االقتصارـ على تطبيق الحرفي للنص في هذا المجال من شأنه الح ّد من مجال سحب الفلسةـ من جهة ‪،‬‬
‫كما سيؤدي إلى إفالت بعض األشخاصـ من الجزاء من جهة أخرى‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬اإلشكاالت المتعلقة بتطبيق شروط السحب‬
‫إن شروط الفصل ‪ 596‬م ت أو ما يمكن أن نسميها باألعمال الموجبة لسحب الفلسةـ هي أعمال على جــانب كبــير‬
‫من الخطورة و سحب الفلسة على القائمـ بها هو جزاء رادع له‪.‬و السؤال المطروح في هذا الســياق يتمركز حــول‬
‫ما إذا كان تطبيق ذلك الجزاء رهين توفر أي شرط من هذه الشروط أم هو متوقف على توفرها مجتمعة ؟‬
‫ال شك أن فقه القضاء كان واضحا و مستقرا حول هذه المسألةـ معتبرا أن النص يفــترض تــوفر شــروط محــددة و‬
‫مجتمعة حتى يستقيم تطبيقه‪ .‬فقد اعتــبرت المحكمة االبتدائية بتــونس بحكمها الصــادر في ‪ 4‬جويلية ‪ " 1989‬أن‬
‫طلب الحكم بتفليسـ المطلوبـ الثاني غــير مؤيد طالما لم تثبت المدعية تــوفر شــروط الفصل ‪ 596‬م ت و المتمثلة‬
‫في التســترـ بالشــركة إلخفــاء التصــرفات الشخصــيةـ واالنتفــاعـ الشخصي بمناســبةـ التصــرف الفعلي في مكاسب‬
‫الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصةـ و اتجه تبعا لذلك رفض الدعوى "‪.52‬‬

‫‪ -‬ابتدائية قرمبالية‪ ،‬حكم عـ‪780‬ـدد مؤرخ في ‪ 3‬فيفري ‪.1997‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪ -‬محكمة التعقيب‪ ،‬قرار عـ‪18198‬ـدد مؤرخ في ‪ 15‬جويلية ‪.1987‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ -‬محكمة االستئناف بتونس ‪ ،‬قرار عـ‪59354‬ـدد بتاريخ ‪ 28‬مارس ‪.2000‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪ -‬المحكمةـ االبتدائية بتونس‪ ،‬حكم عـ‪18352‬ـدد بتاريخ ‪ 4‬جويلية ‪.1989‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪10‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫كما أقرت صراحة في حكمها عـدد ‪ 10820‬أنه " بــالرجوع إلى أحكــام الفصل ‪ 596‬م ت يتضح أنه وضع شــروط‬
‫ثالثة لسحب الفلسة ‪ ...‬و حيث ال شيء بالملف يفيد توفر العناصر الثالثة المذكورة مما يتجه معه رفض الــدعوى‬
‫"‪.62‬‬
‫محكمة االستئناف بتونس تبنت نفس القراءة و اعتبرت أنه ال يمكن ( ســحب الفلسةـ ) إال إذا تــوفرت في الشــريكـ‬
‫الشروط الثالثةـ التالية‪.72" ...‬‬
‫و هذا الموقف يتناغم مع ما استقرتـ عليه محكمة التعقيبـ حين حسمت األمر بقولها‪:‬‬
‫" ‪ ...‬و يتضح من هذا النص أنه ال يمكن سحب الفلسةـ على شــخص إال إذا تــوفرت فيه ثالثة شــروط مجتمعة و‬
‫هي‬
‫‪ 1‬ـ تستر الشخص بالشركة إلخفاء تصرفاته‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ قيامه لمنفعته بأعمالـ تجارية‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ 3‬ـ تصرفه بالفعل في مكاسب الشركة كما لو كانت مكاسبه الخاصة‪." .‬‬
‫يبــدو أن موقف فقه القضــاءـ على جــانبـ كبــير من الوجاهة خاصة و أنه يتالءم مع ضــرورة الــتروي في تســليطـ‬
‫عقــاب خطــير مثل ســحب الفلســة‪ .‬و لكن ال يفوتناـ التنبيه إلى أن تبــني ذلك الموقف بصــفة آلية قد يمكن بعض‬
‫األشخاص من اإلفالت من جزاء سحب الفلسةـ بتعلة عدم توفر تلك الشروط مجتمعة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اختالط الذمم كحلّ فقه قضائي‬

‫تجاوزا للصعوبات الناشئةـ عن التطبيق الحرفي للفصل ‪ 596‬م ت توجه جانبـ من الفقه و فقه القضاءـ إلى البحث‬
‫عن أساس ناجع مستمد من مفهوم اختالط الذمم ( الفرع األول ) و ذلك تماشيا مع روح النص و تكريساـ ألهــداف‬
‫المشرع منه مما حدا بهم إلى اعتباره في بعض الحاالتـ أساساـ كافيا لسحب الفلسةـ ( الفرع الثانيـ )‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مفهومـ اختالط الذمم‬
‫يختلف مفهــوم اختالط الــذمم عن مفهــوم اختالط الذمة ( الفقــرة األولى ) و قد اعتمــدت معــايير محــددة لتحديد‬
‫مفهومه ( الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اختالط الذمم و اختالط الذمة‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪10820‬ـدد بتاريخ ‪ 17‬ماي ‪.2000‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪ -‬محكمة استئناف تونس‪ ،‬فرار عـ‪57053‬ـدد في ‪ 4‬أفريل ‪.1984‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪ -‬قرار تعقيبي عـ‪21230‬ـدد مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،1991‬ن م ت‪ ،‬القسم المدني سنة ‪ 1991‬ص ‪.112‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪11‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫يع ّد مفهوم اختالط الذمم مفهوما مبهما يمكن استنتاجهـ في حالة ثبوت تهمة تحويل أو تعسف في اســتعمال أمــوال‬
‫الشركة أو من خالل تكوين شركة ذات شخصية معنوية في الحقيقةـ غير مستقلة عن شخصية المسير سواء كــان‬
‫قانونيا أو فعليّا‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فهو يختلف عن مفهوم اختالط الذمة المتمثل في اجتماعـ أوصــاف الــدائن والمــدين في شــخص‬
‫واحد ودين واحد‪.‬فللذمة الماليةـ مفهوم مستقر في القانون‪ .92‬ويرجع أصل النظريةـ إلى الفقيهين ‪Aubry et Rau‬‬
‫الذينأكدا علىأنها مرتبطة أساساـ بالشخص‪ .‬فاألشخاص وحدهم لهم ذمة مالية‪،‬ـ ولكل شخص ذمة مالية واحدة ال‬
‫تتجزأ‪ .‬لذلك ك ّرس المشـرعـ هـذا المبـدأ بالفصل ‪ 192‬منمجلة الحقـوقالعينيـة‪،‬ـ وأقر له بعض االسـتثناءات‪ .‬لكن‬
‫خضوع الذمة المالية لمبدأ الوحدة أو عدم التجزئة أثارـ جدال بين الفقهاء ال سيما بالنسبة للتـاجرـ حيثاقـترح‬
‫التجاري‪ .0‬وقد اعتبرـ بعض رجال القانونـ أنتكــريس المشــرع‬
‫‪3‬‬
‫بعضهم االعترافله بذمة مالية مخصصة لنشاطهـ‬
‫لشركة الشـخص الواحد ذاتالمسـؤولية المحـدودة ألول مـرة ضـمن مجلة الشـركاتـكـان بقصد التفريقبين الذمة‬
‫الماليةـ الكاملة للشخص الطبيعي وبينما يخصصه هذا الشخص منذمته الماليةـ لذات معنوية دونحاجة لالســتعانة‬
‫بالغيرـ ‪ .13‬ولعل هذا الموقفيتماشى مع ما توصل إليه الفقه الفرنسي القديم الـذيحـاول جاهـدا إدخـال فكـرة الذمة‬
‫الماليةـ بالتخصيص حتىيتوصل إلى األخذ بفكرة تأسيس شركة منطرفشخص واحد‪.23‬‬
‫لكن شـركة الشـخص الواحد ذات المسـؤولية المحـدودة نضـمها المشـرعـ وبالتــاليـ ال تعـ ّد من قبيل الذمة المــالية‬
‫المخصصة على األقل في التشريعـ التونسي نظرا للصبغةـ المؤسساتيةـ للشركة‪ 33‬وعمالبمبدأ استقاللية شخصــية‬
‫الشركة عنشخصية مؤسسيها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المعايير المعتمدة لتحديد مفهوم اختالط الذمم‬
‫إضافة لخرقه المبادئ سالفة الـذكر فـإن اختالط الـذمم ّ‬
‫يـدخر الكثـير من الجهد في البحثـ وتقـديم األدلة إذ الشـرط‬
‫الضروري والكافي إلعالنـ توسيع الفلسةـ هو إثبات عدم وجــود أي فصل بين الذمة الماليةـ للشــخص الواقع تتبعه‬
‫سواء كان طبيعياـ أو اعتبارياـ‪ .43‬وقد أكـدت المحكمة االبتدائيةـ بتــونس هـذا الــرأي بقولها " وحيث ثبت مما سـبق‬

‫‪29‬‬
‫‪- Catala (P) ; "La transformation du patrimoine dans le droit civil moderne", RTD civil, 1966,‬‬
‫‪p166.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪- Mallouli (S) ; "Y a t il un patrimoine d’affectation en droit tunisien", Act.jur.tunisienne n°3,‬‬
‫‪septembre 1990, p 10.‬‬

‫‪ - 13‬صالح بوراس‪ ":‬شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة"‪ ،‬ملتقى دولي حول مجلة الشركات‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬تونس ‪.2002‬‬

‫‪ - 23‬محمد الشافعي‪" :‬شركة الرجل الواحد"‪ ،‬المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية ‪ ،1997-1996‬ص ‪.89‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- Audessat (J) ; "Société unipersonnelle et patrimoine d’affectation", rev.soc, 1974, p 228.‬‬

‫‪ -‬توفيق بالنصر‪ :‬تعليق على قانون الشركات‪،‬ـ مرجع سابق الذكر ص ‪.596‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪12‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫بيانه اختالط الذمة الماليةـ بين شخص الوكيل والشــركة مما تظهر معه هاته الشــركة مجــرد غطــاء مختفيا وراءه‬
‫للتفصيـ من مخاطر تجارته الخاصة كما قام بأعمالـ تجاريةـ لمنفعته الخاصة وتصــرف بالفعل في مكاسب الشــركة‬
‫كما لو كانت مكاسبه الخاصة األمر الموجب لسحب الفلسة عليه"‪.53‬‬
‫كما ساندت محكمة االستئناف بتونس في إطار قضـية " ‪ " Tunisie Scanner‬المسـتأنف لما اعتـبرت أنه "‬
‫بالرجوع إلى النص القانوني فإن المشرع ال يريد تســليطـ عقــاب على وكيل قــام بتصــرفاتـ منافية لواجباتهـ بل إنه‬
‫متى ثبت وجود اندماج للذمم فإن تفليس صاحب إحدى الذمم يفترضـ سحب اإلفالس على أصحاب الــذمم األخــرى‬
‫ألنه متى استحال تمييز الذمم التي اختلطت ببعضــها البعض بــات من الطــبيعي تســليط اإلفالس عليها جميعا وذلك‬
‫لحماية حقوق الدائنينـ وأن هذا المبدأ القانوني ال نزاع فيه وهو الذي ك ّرسه المشــرع التونسي في الفصل ‪ 596‬م‬
‫‪63‬‬
‫ت "‪.‬‬
‫ولكن ميزة اختالط الذمم المالية كأساس تكمن في إعفاء المــدعي من إثبــاتـ قيــام المســيرـ المــدان بأعمــالـ تجاريةـ‬
‫ذلك أن تصرف الوكيل في الشــركة وكأنها عنصرـ من ذمته الماليةـ إلى أن أوصـلها إلى العجز التـامـ ث ّم أغلق المقر‬
‫االجتماعي للشركة دون مراعاة حقوق دائنيها المشــروعة هو التصــرف الــذي أشــار إليه الفصل ‪ 596‬من المجلة‬
‫‪73‬‬
‫التجاريةـ لسحب التفليسـ عل الوكيل‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اختالط الذمم أساس كاف لسحب الفلسة‬
‫جعل المشرع من اختالط الذمم أساسا مستقال لسحب التسوية القضــائيةـ أو التفليسـ ضــمن الفصل ‪ 478‬من مجلة‬
‫الشركاتـ الخــاص بتجمع الشــركات التجاريةـ ( الفقرة الثانية ) أما بخصــوص النص العــام فقد اعتــبر البعض أن‬
‫شروط السحبـ الواردة بالفصل ‪ 596‬م ت تعتبر مفترضة في مفهوم اختالط الذمم ( الفقرة األولى )‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اختالط الذمم يفترض توفر شروط النص العام‬
‫كما أسلفناـ الذكر تكمن أهمية مفهوم اختالط الذمم في اإلعفاءـ من تقديم أي دليل إلثبات توفر شــروط الفصل ‪596‬‬
‫م ت الموجبة لسحب الفلسة‪.‬فإثبات المدعي الختالط الذمم الماليةـ يكون قد قدّم فعال ماديا يقينياـ يؤدي إلدانة أكيدة‬
‫للمسيّر الواقع تتبعــه‪ .‬فمــاذا لو قــام المســيرـ بتصــرفاتـ لخاصةـ نفسه وقــام بأعمــالـ تجاريةـ دون التســتر بالشــركةـ‬
‫إلخفاء تلك التصــرفات؟ أو تسـتّر بالشــركة وتصــرف فيها كـــما لـو كـــانتـ مكاسبـه الخـــاصةـ دون القيــامـ بأعـــمال‬
‫تجـارية؟ أو تستر بالشركة وقــام بأعمــال تجارية دون التصــرف فيها كما لوكــانت مكاســبه الخاصــة؟ـ هل يمكن له‬
‫اإلفالت من تطبيق الفصل ‪ 596‬م ت مستندا في ذلك إلى عدم توفر شروطه؟‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪20504‬ـدد‪ ،‬مؤرخ في ‪ 21‬نوفمبر ‪.1989‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪ - 63‬قرار عـ‪22234‬ـدد استئناف تونس في ‪ 26‬أفريل ‪.1995‬‬

‫‪ - 73‬محكمة االستئناف بقابس‪ ،‬عـ‪1593‬ـدد مؤرخ في ‪ 6‬ديسمبر ‪.1994‬‬

‫‪13‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫إن الفصل ‪ 596‬م ت ولئن أقر شروطا محددة لسحب الفلسةـ فإنه يمكن لفقه القضاء أن يساهم في تطوير القــانون‬
‫وذلك بتقـريب روح النص لمنطوقه ألن المشـرعـ يهـدف إلى تتبع أكـثر ما يمكن من األشـخاص الـذين يسـتهترون‬
‫بالشركة ويسعون إلى اإلضرار بمصــالح وحقــوق الــدائنين‪ .‬فيمكن اســتنتاج تلك الشــروط من خالل إثبــات اختالط‬
‫الذمم‪.‬‬
‫وقد دأب فقه القضاء على اعتبار اختالط الذمم مبرر لســحب الفلسةـ فــأقرت محكمة اســتئناف قــابس حكما صــادرا‬
‫عن ابتدائية قبلي يقضي بســحب الفلسةـ على وكيل الشــركة اســتنادا على ذلك المعيــارـ‪ .83‬كما اســتندت المحكمة‬
‫االبتدائية بتــونس في الحكم الصــادر ضــ ّد مؤسسة المنصف بوزقنــدة بشــكل واضح على اختالط الــذمم كمعيــار‬
‫أساسي لسحب الفلسة " حيث ثبت مما سبق بيانه اختالط الذمة الماليةـ بين شــخص المنصف بوزقنــدة ومؤسسة‬
‫المنصف بوزقندة مما تظهر معه هذه الشركة مجرد غطاء‪.93"...‬‬
‫فاختالط الذمم كمعيار يفترضـ توفر شروط الفصل ‪ 596‬م ت مجتمعة الموجبة لسحب الفلسة يمكن استنتاجهاـ من‬
‫جملة وقائع يكتشفها قاضي األصل وخاضعة الجتهاده المطلق فسلطته في هذا المجــال مطلقة في القضــاءـ بســحب‬
‫الفلسة من عدمه‪ .‬في المقابل يصبح السحب إجبارياـ بالنسبة للقاضيـ في صورة ثبــوت اختالط الــذمم صــلب تجمع‬
‫‪04‬‬
‫الشركات‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اختالط الذمم شرط مستقلـ لسحب الفلسة‬
‫جعل المشــرع من اختالط الــذمم أساسا كافيا لســحب التســوية القضــائيةـ أو التفليسـ ضــمن الفصل ‪ 478‬م ش ت‬
‫الخاص بتجمع الشركاتـ التجارية‪ .‬لكنه لم يوضح مفهومه كما لم يضع معيارا لتحديده‪.‬‬
‫اعتبر الفقه أن اختالط الذمم هو مفهوم مبهم إذ ال يمكن االقتصـار على معيـار واحد لتحديد درجة هـذا االختالطـ‪.14‬‬
‫مما أدىبفقه القضاء إلى تبني معايير مختلفة من أهمها اختالط العناصرـ المادية للذمم المالية للشركات األعضاء‬
‫أو تعمد الشــركاتاألعضــاء الظهــور للغــيرـ بمظهر الفــروع ‪ 24‬أو تعــذر فــرز ما تملكه كل شــركة على حــدة‬
‫وتمييزه عنأمالكالشركاتاألخرىنتيجة اندماج األصول أو الديون‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫‪ -‬محكمة استئناف قابس‪ ،‬نفس القرار سابق الذكر‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫‪ -‬حكم ابتدائي عـ‪20504‬ـدد سابق الذكر‪.‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪40‬‬
‫‪-Gisserot (F) ; "La confusion des patrimoines est elle une source autonome d’extension de la‬‬
‫‪faillite ? "; RTD.com, 1979, p66.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-Hannoun (C) ; Le droit et les groupes des sociétés, LGDJ, Paris ; p247.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪-Cousin (G) ; Etude juridique de groupe industriel constitué par une société mère et ses‬‬
‫‪filiales, Thèse ; Nancy 1950, p94, n°142.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪- Cass.com, 12 Octobre 1993, rev.soc.1994, p326, note B.saintourens.‬‬

‫‪14‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫لذا استقر فقه القضاءـ على اعتبارـ اختـالط الـذمم سـببا مـستقـال لـسحب اإلجـراء الجمـاعي‪ 44‬الـذيتـدعم من خالل‬
‫‪54‬‬
‫‪ 3‬قرارات حديثة مؤرخة في ‪ 7‬جانفي‪ 2003‬صادرة عنالدائرة التجارية لمحكمة التعقيبالفرنسية‪.‬‬
‫فالقانون الفرنسي عرف ظهور اتجاهين‪ :‬األول يقـ ّر بوحــدة مصــير الشــركاتـ األعضــاءـ في صــورة إعالن تفليسـ‬
‫الشركة العضو‪ .‬والثاني يقر باستقالليةـ الشركات األعضاء مما يجعل الذمة الماليةـ للشركة العضو ضمانا لــدائنيها‬
‫فقط‪ .‬لكن هذا التعارضـ يبقى مصــطنعا إذ يجب في كلتا الحــالتينـ البحثـ عن طبيعة العالقــات الرابطة بين الشــركة‬
‫‪64‬‬
‫األم وفروعها حتى يمكن الجزم بوجود دائن واحد أم ال‪.‬‬
‫أما في القانون التونسي وبالرجوعـ لمشروع قانون تجمع الشركاتـ التجاريةـ وقع تحديد ثالث صور الختالط الذمم‬
‫تتمثل في توظيف عناصر الذمة المالية لكل واحــدة من الشــركاتـ المعنية كيفما اتفق لخدمة مصــالحهاـ أو لخدمة‬
‫مصالح الشركات األخــرى‪ ،‬واســتعمال مـوارد خاصة بإحــدى الشــركات القتنــاء أشــياء أو خــدمات لفائــدة شــركات‬
‫أخرى منتمية إلى تجمع الشــركات بحيث يتعــذر فــرز ما تملكه كل شــركة على حــدة وتميــيزه عن أمالك الشــركات‬
‫األخرى‪ ،‬وتعهد الشركاتـ تجاه الغير لحساب الشركاتـ األخرى ولفائدتهاـ بحيث تختلط الذمم المالية لهذه الشركاتـ‬
‫‪74‬‬
‫وتظهر كأنها ذمة مالية واحدة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪- Cuyon (Y) ; "Conception stricte de la confusion des patrimoines, cause d’extension d’une‬‬
‫‪procédure collective", rev.soc2003, p152.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪- Xavier Lucas (F) ; "Confusion des patrimoines", Bull.joly n°4, 2003, p406.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪- Gisserot (F) ; op.cit, p59.‬‬

‫‪ -‬ملحق بالتقرير المشترك أجوبة وزارة العدل‪ ،‬مرجع سابق الذكر ص ‪.104‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪15‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الجـــــزء الثّاني‪:‬‬

‫شروط دعــــــــــــوى سـحــب الـفـــــــــــلـســة‪:‬‬

‫تقتضي دعـوى سـحب الفلـــسة توفـر شــروط عديــدة يمكـن تبــويبها ضـمن شـــروط أصـليةـ (الفصل األول )‬

‫وأخرى إجرائيةـ ( الفصل الثاني)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الشروط األصلية‬

‫‪16‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الب ّد من التذكير في هذا الصدد أنه ليس المقصود بالشروط األصــلية دراسة تلك الشــروط الــواردة بالفصل ‪ 596‬م‬
‫ت والـتي تشــكل جميع األعمــال الموجبة لتطــبيق النص التشـريعيـ وإنما يتعلق هـذا الجـزء بدراسة الشـروط ذات‬
‫االرتباطـ بدعوى سحب الفلسةـ في جانبهاـ اإلجرائيـ والتي تستوجب تــوفر شــرط الزم وضــروري يتمثل في تفليسـ‬
‫الشركة أ ّوال ( الفرع الثاني)‪ .‬فسحب الفلسة يفــترض شــروط خاصة تتجــاوز في مجملها الشــروط العامة للتفليسـ‬
‫( الفرع األول )‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الشروط العامة للتفليس‬
‫وردت إجراءات تفليس الشركة بالبابـ الثاني من الكتــابـ الرابعـ من المجلة التجاريةـ الــتي احتفظ بها المشــرعـ مع‬
‫تعـديل بعضـها حـتى تتالءم مع أحكـام قـانون اإلنقـاذ‪ .84‬وتقضي المحكمة بتفليسـ التـاجر بتـوفر شـرطين‪:‬ـ الصـفة‬
‫التجاريةـ والتوقف عن الدفع‪ .‬أما سحب الفلسةـ فهو يفـترضـ شــروطا خاصـة‪ .‬فــاعتبر بعضــهم أن تفليسـ الشــركة‬
‫يع ّد شرطا معوضا للتوقف عن الدفع بينما يعد استعمال الشــركة شــرطا معوضا لصــفة التــاجر‪ .‬وإن كــانت الصــفة‬
‫التجاريةـ للشركة ال تثير إشكاال إال بالنسبة للشركاتـ التجارية غير المرســمة بالســجل التجــاري‪،‬ـ فــإن التوقف عن‬
‫الدفع أصبح يثيرـ نقاشاـ خاصة بعد صدور قانون اإلنقاذ‪ .‬إذ باإلضافة إلى الصور الخاصةـ بتفليسـ الشركات بصــفة‬
‫مباشـــرة بالنســـبةـ لحالةـ التأكد طبق الفصل ‪ 449‬م ت وحالة التصـــفيةـ طبق الفصل ‪ 593‬م ت أصـــبحتـ المحكمة‬
‫تتعهد باإلفالس بصفة غير مباشرة‪ 94‬وأصبح التوقف عن الدفع يؤدي إلى التسـوية القضـائية ( الفقـرة األولى )‬
‫وبصورة استثنائيةـ إلى التفليسـ عند فشل التسوية القضائية ( الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التوقف عن الدفع يؤدي إلى التسوية القضائيةـ‬


‫اعتــبر فقه القضــاء في مرحلة أولى بــأن التوقف عن الــدفع هو بمثابةـ الظــروف الــتي تــدل على يــأس المــدين من‬
‫الخالص‪ " .05‬أو حالة واقعية تفيد أن التــاجرـ قد اضــطربـ نشــاطه ووصل به االرتبــاكـ إلى حالة مادية ميــؤوس‬
‫منها"‪.15‬‬
‫غير أن هذا التعريف الكالسيكي الذي ال يزال متصال بالتاجرـ كشخص طبيعي ال يتالءم مع التطور التشريعيـ لنظامـ‬
‫التفليسـ ولقانون اإلنقاذ عالوة على أنه يفتقد إلى مقاييس موضوعية يمكن أن يعتمدها القضاء للتصريح به‪.‬‬

‫‪ - 84‬خميس يونس‪ ،‬سحب الفلسة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود واالستثمار‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 2004-2003‬ص‪. 9‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 54‬من قانون اإلنقاذ‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪1153‬ـدد مؤرخ في ‪ 16‬جانفي ‪ ،1962‬م ق ت عـ‪9‬ـدد لسنة ‪ ،1962‬ص ‪.51‬‬ ‫‪05‬‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪182‬ـدد مؤرخ في ‪ 10‬جوان ‪ ،1968‬م ق ت عـ‪6‬ـو‪7‬ـدد لسنة ‪ 1969‬ص ‪.161‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪17‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫ك ّرس القانونـ عـ‪75‬ـــدد المــؤرخ في ‪ 3‬ديســمبر ‪ 2003‬المنقح لقــانون اإلنقــاذ تعريفاـ تشــريعياـ للتوقف عن الــدفع‬
‫فجــاء بـالفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 18‬أنه ‪ ":‬تعـ ّد متوقفة عن الــدفع على معـنى هـذا القــانون على وجه الخصــوص كل‬
‫مؤسسة تكون غير قادرة على مجابهة الديون الــتي حـ ّل أجلها بما هو موجــود لــديها من ســيولة ومن موجــودات‬
‫قابلة للصرف على المدى القصيرـ "‪ .‬أي أن التوقف عن الدفع هو العجز الحقيقيـ عن الوفاء بالديونـ الحالة لعــدم‬
‫القدرة الفعلية على ذلك‪.‬‬
‫ويطرح هذا التعريف حين استعمل المشرعـ عبارة " على وجه الخصــوص " تســاؤال ما إذا كــانت هنالكـ مظــاهر‬
‫أخرى للتوقف عن الدفع؟ وما هو مصــير المســير الــذي اســتعمل الشــركة لخاصةـ نفسه وارتكب األعمــال الــواردة‬
‫بالفصل ‪ 596‬م ت عند دخــول الشــركة طــور التســوية ؟ فال شـ ّك أن ذلك سيســاهم في إفالت بعض المســيرينـ من‬
‫جزاء السحب في صورة إنقاذ المؤسسة‪ 25‬ضرورة أن تفليسـ الشركة هو شرط أولي والزم لسحب الفلسة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬فشل التسويةـ المؤدي للتفليس‬


‫اقتضى الفصل ‪ 19‬من قانون اإلنقاذ أنه إذا رفض مطلب التسوية القضائيةـ وتبين أن الشركة قد توقفت عن الــدفع‬
‫يمكن الحكم بتفليسها‪ .‬كما اعتبرـ الفصل ‪ 39‬من نفس القانونـ أنه إذا فشلت التسوية النعدام إمكانية اإلنقــاذ يكــون‬
‫تفليس الشركة الحل األنجع والوحيد للتخلصـ من كائن خطر على الشركاء والدائنينـ والنظام العام االقتصادي وال‬
‫يتمتع بثقة التجارـ اآلخرينـ‪. 35‬‬
‫فإذا كان من الالزم إيجاد سبل كفيلة لمساعدة المؤسسة على تجاوز صعوباتها االقتصادية واالستبقاءـ على كيانها‬
‫كوحدة إنتاجية ومورد رزق للعديد‪ ،‬فإن التفليسـ في صورة فشل كل السبل يصبح آلية وقائية الهــدف منها حماية‬
‫النظام العام االقتصادي من شركة استنفذت جميع الحلول إلنقاذها‪.‬‬
‫ويســتعيد جــزاء ســحب الفلسة دوره عند تــوفر شــروطه وتحقق شــروط تطــبيق الفصل ‪ 596‬م ت ليطــال كل من‬
‫انحرف في استخدام الشركة مما أدى إلى تعطل نشاطها وتوقفها عن دفع ديونها مما تسبّب في إفالسها‪.‬‬
‫فاعتمــاد ســحب الفلسةـ يكتسي أهمية اقتصــادية بالغة تــبرره ضــرورة مالحقة من يســتهترون بمكاسب الشــركة‬
‫ودائنيها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التفليس شرط ضروري لسحب الفلسة‬

‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪ -‬محمد العربي هاشم‪ ":‬آثار إفالس الشركة على مسيّريها"‪ ،‬مجموعة دراسات لذكرى الحارث مزيودات‪ ،‬تونس ‪.1994‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪18‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫إن تفليس الشــركة شــرط أساسي و ضـــروري لســحب الفلـــسة‪ .45‬وعليه فـكـل شــركة أفلست و تــبين أن هنالك‬
‫شــخص قد ارتكب األعمــال المقــررة بالفصل ‪ 596‬م ت فــان اإلفالس يســلط عليه كجــزاء يســتغرق كامل آثــاره‬
‫المترتبةـ عنه‪.‬‬
‫و قد اســتعمل المشــرع الصــيغة الشــرطيةـ صــلبـ الفصل ‪ 596‬م ت الــذي وردت فيه الصــيغة اللغوية التاليةـ " إذا‬
‫أفلست شركة ‪ " ...‬وهو ما مفاده أن سحب الفلسة ال يقوم إال إذا حكم بتفليسـ الشركة أ ّوال‪ .‬فالســحبـ ليس ســوى‬
‫أثر من آثار التفليس‪ .‬فهو إذا الفعل القانوني المنشئ لمؤسسة السحب‪.‬‬
‫و بنــاء على ذلك يمكن اعتبــارـ جــزاء ســحب الفلسة ذو طبيعة مزدوجة ‪ :‬فله من ناحية صــفة التبعية باعتبــار‬
‫ارتباطه بضرورة تفليس الشركة ‪ ،‬لكنه من ناحية أخرى مستقل عنه نظرا لتميّزه بشــروط خاصة تختلف عن تلك‬
‫المقررة للتفليس‪.‬‬
‫و تطــرح هــذه االزدواجية في الطبيعة إشــكاال إجرائيا يتعلق بما إذا كــان يجب القيــامـ بــدعوى واحــدة في تقرير‬
‫اإلفالس أم أنه يجب رفع دعويين متتاليتين و مسـتقلتينـ ‪ ،‬أوال في تفليس الشـركة ثم تلك المتعلقةـ بسـحب الفلسة‬
‫؟ أي هل يجب أن تكون دعوى ســحب الفلسة متزامنة مع دعـوى التفليس و بالتــاليـ تصــبح فرعا من بقية فــروع‬
‫الدعوى األصليةـ أم أنها يمكن أن تكون في إطار دعوى الحقة مستقلة؟‬
‫لم يشترط المشرعـ نظاما إجرائيا خاصاـ يحدد توقيت رفع سحب الفلسةـ في إطار دعوى متزامنة مع دعوى تفليسـ‬
‫الشركة أم الحقة لهــا‪ .‬إال أنه من خالل األمثلة التطبيقية الصــادرة في هــذا المجــال يتــبينـ أن الجهة المثــيرة لطلبـ‬
‫سحب الفلسة هي التي تحدد في العـادة ما إذا كــان ذلك الطلب يمـارس في إطـار دعـوى متزامنة لـدعوى التفليسـ‬
‫األصلية أو في إطار دعوى مستقلة‪.‬‬
‫فيختلف حق إثارة دعوى سحب الفلسةـ حسب ما إذا كانت هذه األخــيرة متزامنة لــدعوى تفليس الشــركة أم الحقة‬
‫لها‪ .‬ذلك أنه يمكن للدائنين و للمحكمة من تلقاء نفسها طلب السحب ضمن دعوى متزامنة ‪ ،‬لكن بالنسبة لــدعوى‬
‫السحب الالحقة فال يمكن القيام بها عادة إال من قبل أمين الفلسة سواء من تلقــاء نفسه أو بطلبـ من الــدائنينـ في‬
‫إطار دعوى الحقة و مستقلة‪.55‬‬
‫في كل الحاالتـ تبقى دعوى سحب الفلسة مستقلة عن دعــوى تفليس الشــركة فهي دعــوى موجهة باألســاس إلى‬
‫الذمة المالية للغــيرـ المختلفةـ عن الذمة الماليةـ للشــركة ‪ ،‬و إن كــان بــدون هــذا التفليس ال يتحقق الســحبـ الــذي‬
‫يمارس في إطار دعوى ال بد لها أن تستجيبـ لشروط إجرائيةـ معينة‪.‬‬

‫‪ - 45‬حفصية العرضاوي‪ ،‬سحب الفلسة على الشركاء والمسيّرين‪ ،‬رسالة تخرج من المعهدـ األعلى للقضاء‪ ،‬السنة‬
‫القضائية ‪ 1995-94‬ص ‪.5‬‬

‫‪ - 55‬حكم عـ‪9402‬ـدد ابتدائية تونس بتاريخ ‪ 15‬ماي ‪ .1976‬كذلك عـ‪25114‬ـدد مؤرخ في ‪ 5‬جويلية ‪ .1994‬وعـ‪5161‬ـدد‬
‫مؤرخ في ‪ 18‬مارس ‪.2003‬‬

‫‪19‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الشروط اإلجرائية‬

‫إذا كــانت األعمــال الموجبة لســحب الفلسةـ واضــحة و مؤسسة بمقتضى النص القــانوني حيث أكد على ضــرورة‬
‫القيام بتلك األعمال الواردة به بما أدى إلى تفليس الشركة ‪ ،‬فإن المشرعـ لم يضع نظاماـ إجرائيا خاصا بهـا‪ .‬لــذلك‬
‫ينبغـي البحث في مرحلة أولى للوقوف عند خصـوصية هذه الدعوى و إلى شروط القيام بها (الفــرع األول) ثم في‬
‫مرحلة ثانية إلى أحكام النظرـ فيها (الفرع الثاني)ـ‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط القيام‬
‫أناط المشرعـ دعوى سحب الفلسةـ بإجراءات معينة تتعلق أساسا بحق إثــارة الــدعوى (الفقــرة األولى) و اآلجــال‬
‫التي يجب احترامها عند القيامـ بها (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إثارة دعوى سحب الفلسة‬
‫تختلف مسألة إثارة طلب سحب الفلسة بحسب ما إذا كانت دعوى السحبـ متزامنة مع دعوى التفليس الالحقة لها‬
‫فيمكن للدائنين و للمحكمة من تلقاء نفسها طلب السحب في إطار دعوى متزامنة ‪ ،‬كما يمكن القيــامـ بها في إطــار‬
‫‪65‬‬
‫دعوى الحقة من قبل أمين الفلسة‪.‬‬
‫قضت المحاكم التونسيةـ في عديد الحاالتـ بسحب الفلسة بناء على طلب الدائنين فيكون حكم الســحبـ متزامـن مع‬
‫حـكم تفليسـ الـشركة حيث يـسارعـ الدائـنون ضمانـا لحقوقهم و مصالحـهم بطـلب الـتصريح بـسحب الفلسـة على‬
‫كل من ثبت أنـه استــــهتر بالـشركـة و بمكاســـبها‪ .‬فالســـحب يكـــون في هـــذا الســـياق منظـــور إليه على أنه من‬
‫الضــماناتـ اإلضــافية لحقــوقهم حــتى ال يجد الشــخص المســلطـ عليه جــزاء الســحب أي فرصة للتفصيـ من كل‬
‫المسؤولياتـ المترتبة عن ذلك‪.‬‬
‫ويمكن للمحكمة المتعهدة بتفليسـ الشركة أن تتعهد من تلقاءـ نفسها بدعوى سحب الفلسة‪ .‬فعبــارة الفصل ‪ 596‬م‬
‫ت وردت عامة " إذا أفلست شركة يمكن التصريح ‪ "...‬أي أنه إذا تبينـ للمحكمة أثنــاء النظر في دعــوى التفليس‬
‫يجوز لها إثارة سحب الفلسةـ و أن تسحب تبعا لذلك نتائجه على األشخاصـ المعنــيينـ دونما حاجة إلى حكم منفــرد‬
‫قاض بالسحب‪.‬‬
‫بالنسبةـ ألمين الفلسة يجوز للمحكمة أن تتعهد بــالنظرـ في دعـوى سـحب الفلسةـ بنــاء على طلب منــه‪ .‬فـــلما كــان‬
‫أمين الفلسةـ مـخوال لمباشــرة إدارة جميع األعمـال المتعلقــة بالحـــــقوق و الــدعاوى المتصــلة بــأموال المفلس‪،75‬‬
‫فمن البديهي له إثارة دعوى سحب الفلسة إذا ارتأى بمناسبة القيام بأعمالهـ تــوفر شــروط الســحب‪ .‬و له في هــذه‬

‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪20‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الحالة تقديم جميع اإلثباتــاتـ الضــروريةـ و الالزمة للمحكمة للتثبت من تــوفر تلك الشــروط‪ .‬ويكــون الســحب وفق‬
‫هذه الصورة الحقا لحكم التفليسـ يمارس في إطار دعوى مستقلة بطلب من أمين الفلسة‪.‬‬
‫لكن القيام بدعوى مســتقلة لســحب الفلسة ليس حكــرا على أمين الفلسةـ و قد أجــاز فقه القضــاءـ الفرنسيـ إمكانية‬
‫رفع دعوى السحبـ من الدائنين حتى بصفة الحقة لدعوى تفليس الشركة و في إطار دعوى مستقلة عنها‪.85‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬آجال القيام‬
‫ينـدرج تحديد آجـال القيــام بدعــوى ســحب الفلسة حين تمــارس هـذه الــدعوى في إطــار دعـوى الحقة و مسـتقلة‬
‫لدعوى التفليس‪ .‬فطلب سحب الفلسةـ الذي يمـارس بـالتزامنـ مع دعـوى التفليس ال يطـرح أي إشـكال بخصــوص‬
‫اآلجال ضرورة أن إثارة الطلبـ يكون متزامنا وفي سياق إجراءات دعوى التفليس األصلية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪- Cass.com. 21Juillet 1952, Dalloz 1952, p773, note Copper-Royer.‬‬

‫‪21‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫و يكتسي تحديد آجــال القيــامـ بالــدعوى أهمية بالغة من منطلق أن جــزاء الســحب يشــكل خطــرا كبــيرا يســلط على‬
‫المسيرينـ و من الضروري أال يبقى ذلك الخطر مسلطا على شخص معين إلى ما ال نهاية‪.‬‬
‫في غياب أي تنصيصـ من المشرعـ على آجال القيام بالدعوى يرى البعض أنه من المنطقي أن تعتمد اآلجال الــتي‬
‫حددها المشــرع للقيــامـ بــدعوى التفليس‪ .95‬و قد أجمع الفقه في تــونس على وجاهة اعتمــاد نفس اآلجــال المتعلقة‬
‫بــدعوى تســديد العجز الــواردة بالفصل ‪ 120‬و ‪ 214‬من مجلة الشــركات التجاريةـ و المحــددة بثالثة ســنوات من‬
‫تاريخ صدور الحكم بالتفليس‪.‬‬
‫و يمثل ذلك الموقف استثناء لقواعد القانون العام الذي يجعل كل الدعوى الناشئةـ عن االلــتزامـ ســواء كــان التزاماـ‬
‫مدنيا أو تجاريا تتقادم بمضي خمسة عشر سنة وفقا لمقتضياتـ الفصل ‪ 402‬من مجلة االلتزاماتـ و العقود‪.‬‬
‫و الـرأي عنـدنا أن هـذا الموقف يتناسق و طبيعة دعـوى ســحب الفلسة كجـزاء‪ .‬فمن األهمية بمكـان أالّ يبقى ذلك‬
‫الجزاء سيفا مسلطا على المسير طيلة خمسة عشر سنة كاملة‪.‬‬
‫و السؤال المطروح في هـذا الســياق يتعلق بطلبـ ســحب الفلسةـ الــذي يمــارس في إطــار دعـوى مســتقلة و الحقة‬
‫لدعوى تفليسـ الشركة‪ .‬فهل من الضروري انتظار صيرورة الحكم القاضي بتفليس الشركة باتاـ حتى تقبل دعــوى‬
‫سحب الفلسة ؟‪.‬‬
‫فان كــانت أحكــام الفلسةـ تنفذ مؤقتا و بقطع النظر عن االســتئناف‪ ،06‬فانه من غــير الــواجب أن يتم ســحب الفلسة‬
‫دون أن يصبح حكم التفليس باتا ألن الحصول على حكم قاض بنقض هــذا األخــير يفقد دعــوى الســحب ما يبررها‬
‫أصال‪ .‬فالب ّد من التريثـ و انتظارـ أن يصبح حكم التفليسـ باتاـ حتى تقبل الدعوى‪.‬‬
‫و إذا ارتأى الفقه اعتماد نفس آجال القيامـ المعتمدة لدعوى تسديد العجز ‪ ،‬فان األمر يختلف بالنسبة آلجال الطعن‬
‫في الحكم القاضي بسحب الفلسة‪ .‬فإذا كانت دعوى تســديد العجز تخضع لآلجــال المنصــوص عليها فـي القانـــون‬
‫العام ‪ ،‬فقد نص الفصل ‪ 454‬من المجلـة التـجاريةـ " على أن اآلجال القانونيةـ للطعنـ تنطلق من تــاريخ التصــريح‬
‫بالحكم على أن األحكام الخاضعة لموجبات التعليق و نشر مضامين منها بالجرائدـ تبدأ آجال الطعن فيها من اليــوم‬
‫الموالي إلتمام الموجبات المذكورة و ال تقبل فيها المعارضةـ بعد مروره بعشرين يوما "‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أحكامـ النظر في الدعوى‬
‫تم ّكن دراسة أحكام النظرـ في دعوى الفلسةـ من اإلجابةـ على عديد األسئلةـ المتعلقةـ بدعوى السحبـ و لعل أبرزها‬
‫تلك المتصلة بالمحكمة المختصة بالنظرـ في الــدعوى (الفقــرة األولى) للحكم بـســـحب الـفلـسـة عـــلى ضـــوء مـا‬
‫تـوفـر لـديـها مـن أدلـة تـثـبت تـوفـر شـــروط الفصل ‪ 596‬م ت (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المحكمة المختصة‬

‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 454‬من المجلة التجارية‪.‬‬ ‫‪06‬‬

‫‪22‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫عهد المشرع للــدائرة التجارية بتركيبتهاـ الخماســيةـ بــالنظر في النزاعــات المتعلقة بتفليس الشــركاتـ و ذلك نظــرا‬
‫ألهمية هذا الصنف من النزاعاتـ و أثره سواء على الشركة المستهدفة للتفليسـ أو على الغير الذي تعلقتـ حقوقه‬
‫بتلك الشركة‪.16‬‬
‫في قضايا تفليس الشركة و دعوى سحب الفلسةـ تعد بحسب طبيعتها من أنظار المحكمة االبتدائية دون سواها‪.‬‬
‫و قد جــاء بــالفقرة األخــيرة من الفصل ‪ 464‬م ت أن المحكمة الــتي قــررت التفليس هي الــتي تختص بــالنظر في‬
‫جميع الدعاوى المرتبطة به‪ .‬و بناء عليه تعتبر المحكمة التي تعهدت بتفليس الشــركة هي المختصةـ ترابيا للتعهد‬
‫بسحب الفلسـة‪ .‬فالمحكمة الـتي أصـدرت حكم التفليسـ األول هي مختصة بـذلك عمال بقاعـدة أن قاضي األصل هو‬
‫قاضي الفرع هذا مع اعتبار أن حكم السحبـ الحق للحكم األول‪.‬‬
‫فالمحكمة التي أقرت تفليسـ الشركة هي األقرب و األكــثر تــأهيال بــالنظرـ في المالبســاتـ الــتي أدت إلى إفالســها و‬
‫يمكنها بالتــاليـ التحقق من مــدى تــوفر شــروط الفصل ‪ 596‬م ت الموجبة لســحب الفلســة‪ .‬فمن األنسب مواصــلة‬
‫إجراءات الفلسةـ لــدى المحكمة األولى فتكــون المحكمة الــتي نظــرت في دعــوى اإلفالس هي المختصة بالــدعاوى‬
‫الناشئةـ عن التفليس و المرتبطة به بما في ذلك دعوى سحب الفلسة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬وسائل اإلثبات‬
‫ينص الفصل ‪ 420‬من مجلة االلتزاماتـ و العقود أن " إثبات االلتزام على القائمـ به"‪.‬‬
‫و عليه فـان إثبـات تـوفر شـروط الفصل ‪ 596‬م ت من عدمه محمـول على المـدعي‪ .‬فالمـدعى عليه غـير مطـالبـ‬
‫بإقامة الدليل على سالمة تصرفه في شؤون الشركة مثلما هو الحال بالنسبة لدعوى تسديد العجز‪.‬‬
‫و قد أكدت محكمة االستئـناف بقـرارها المـؤرخ في ‪ 26‬أفـريل ‪ 1995‬على هذا المبـدأ مـــعتبرة أن " الفصل ‪596‬‬
‫م ت لم يضع أي قرينة و بالتـــالي يجب على من يـــدعي شـــيئا أن يثبته طبقا للفصل ‪ 420‬م إ ع ‪ ...‬وحيث أنه ال‬
‫يوجد بملف القضــيةـ ما يفيد أن المســتأنف قد تــوفرت في جانبه الشــروط الثالثةـ المنصــوص عليهاـ بالفصل ‪596‬‬
‫‪26‬‬
‫حتى يحكم بسحب الفلسة عليه"‪.‬‬
‫فيتعين إثبــات تلك الشــروط لتحميل الطــرف المعــني بنتائجهــا‪ .‬وذلك اإلثبــات جــائز بكل الطــرق ويمكن للمحكمة‬
‫استخالصه اعتمادا على الوقــائع الثابتةـ أمـــامها والمؤيـــدات المـــظروفة بــالملف‪ ".‬وحيث لم تســتعرض المحكمة‬
‫األدلة المعروضة عليها وخاصة تقرير االختبــار والفــاتورات والوصــوالت ولم تــبينـ كيف أنها ال تفيد في إثبــاتـ‬
‫‪36‬‬
‫توفر شروط الفصل ‪ 596‬م ت "‪.‬‬
‫استقر فقه القضاءـ إجماال على اعتبار أن تطـبيق جـزاء السـحب يجب أن يتأسس على وقـائع ثابتة وحقيقية يمكن‬
‫إثباتهاـ بكل الطــرق والوســائل " فطالماـ أن محكمة الحكم المنتقد أثبتت تــوفر األســباب الــواردة بالفصل ‪ 596‬م ت‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 40‬م م م ت‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪ -‬استئناف تونس‪ ،‬قرار عـ‪22234‬ـدد مؤرخ في ‪ 26‬أفريل ‪.1995‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ -‬محكمة التعقيب‪ ،‬قرار عـ‪7584/01‬ـدد مؤرخ في ‪ 17‬أكتوبر ‪.2001‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪23‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫لســحب الفلسة على الوكيل وأقــامت اقتناعهاـ على ما تــوفّر لــديها في الملف من حجج وأدلة وخاصة منها تقريرـ‬
‫‪46‬‬
‫ذوي الخبرة في الميدان‪."...‬‬

‫‪ -‬محكمة التعقيب‪ ،‬قرار عـ‪2000/5705‬ـدد مؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪.2001‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪24‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الجـــــــزء الثّالث‪:‬‬

‫نـطـــاق دعــــــــــــوى سـحــب الـفـــــــــــلـســة‪:‬‬

‫تمثل دعـوى ســحب الفلسة إجــراء يــؤدي إلى تفليسـ شخصي للمســير‪ .‬فهو إجــراء يتجــاوز إطــار الشــركة ليطــال‬
‫األشخاص الذين ساهموا أو تسببوا في تفليسـ الشــركة‪ .‬فال يقتصرـ على تفليس الشــركة وحــدها كمســؤول ظــاهر‬
‫ولكن يمتد بشروط خاصة ليصيبـ المسيرـ الذي تسبب في التفليس‪.‬‬

‫ومهما كــانت طبيعة األشــخاص المســلط عليهم ذلك الجــزاء ( الفصل األول ) فإنه يمكن اعتبــارـ آثــار ســحب‬

‫الفلسة ( الفصل الثــاني ) هي نفس اآلثـــارـ المترتبة عن التفليسـ ضـــرورة أن الســـحب ما هو في الحقيقة إال‬

‫تفليس شخصي للمسير وفق شروط وإجراءات محددة‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬األشخاص المسلط عليهم جزاء سحب الفلسة‬

‫‪25‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫انصرفت نيّة المشرعـ إلى ســحب الفلسةـ على كل شــخص تع ّمد التســتر بالشــركةـ إلخفــاء تصــرفاته أو لخلط ذمتها‬
‫يتفصـىـ من‬
‫ّ‬ ‫الماليةـ بذمته‪ .‬ومسيّرو الشركاتـ ومديروها هم المؤهلون دون غيرهم للقيام بهذه األعمـال‪ .‬وحـتى ال‬
‫هذه المسؤولية وردت عبارة " كل شخص" مطلقة تنطبق على كل من ارتكب األعمال الموجبة للسحب‪ .‬فتســحب‬
‫الفلسة على كل مسير سواء اكتسب صفته تلك قانونا ( الفرع األول ) أو أنه يحل محل هؤالء دون اكتسابـ صـفته‬
‫قانونا وهو ما يسمى بالمسير الفعلي للشركة ( الفرع الثاني )‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المسير القانوني‬
‫كل شخص يمارس وظائف التسيير بمقتضى تعيين قانوني يوصف بالمسير القــانوني و عــادة ما تســحب الفلسة‬
‫على الرئيسـ المدير العام للشركة أو وكيلها ألنهما مؤهالن أكثر من غيرهما للقيامـ باألعمال الموجبة له‪ 56.‬و تكاد‬
‫تنعدم األمثلة التطبيقية في سحب الفلسةـ على غيرهم‪.‬‬
‫و الجدير بالــذكر في هــذا المجــال أن ســحب الفلسةـ المســلط على الــرئيس المــدير العــام يختلف عن تلك التحــاجيرـ‬
‫الواردة بالفصل ‪ 456‬م ت المترتبة عن التفليس‪ .‬فآثار السحب تتعــدى شــخص المعــني بــذلك الجــزاء لتطــال ذمته‬
‫الماليةـ و تنفذ الفلسةـ على ممتلكاته و مكاسبه الخاصة‪.‬‬
‫و قد اعتبرـ فقه القضاءـ أن مغادرة المسيرـ للشركة ألي سبب كان ال يمنع إذا اقترف األعمال الموجبة للســحب من‬
‫تتبعه لتســليط ذلك الجــزاء عليــه‪ .‬فقضت محكمة االســتئناف بتــونس بمــوجب قرارها عــدد ‪ 596‬بتفليس الوكيل‬
‫السابق للشركة بعد أن تأكد من االختبار المجرى في القضية أن هذا األخير قد تستر بالشركةـ إلخفــاء تصــرفاته و‬
‫قام لمنفعته الخاصة بأعمـال تجارية و تصـرف بالفعل في مكاسب الشـركة كما لو كـانت مكاسـبه الخاصةـ ‪ " ...‬إذ‬
‫أنه بالرجوع إلى الموازنة المحررة من طرف الوكيل السابق للشركة تبينـ أن هذا األخير لم يــبرر اســتحواذه على‬
‫مبلغ ‪.994‬د ‪ 13022‬من صــندوق الشــركة كما أنه لم يثبتـ مــآل البضــائع الــتي تقــدر بـــ ‪.928‬د ‪ 116093‬من‬
‫‪66‬‬
‫مكاسب الشركة "‪.‬‬
‫لكن لنا أن نتساءل بخصوص شركة الشخص الواحد‪ ،‬هل يمكن ســحب الفلسةـ على الشــريك الوحيد بصــفته وكيال‬
‫لتلك الشركة؟ أال تقتضي طبيعة تلك الشركة استبداد الشريك الوحيد بالتصرف؟‬
‫يمكن القول في هذا اإلطــارـ أنه ال شــيء يمنع من ســحب الفلسة على الشــريكـ الوحيد في شــركة الشــخص الواحد‬
‫بصفته وكيال لها‪ .‬ألن سحب الفلسة وسيلة لحماية الدائن طالماـ لم يحترم الشريك الوحيد مبدأ اســتقالل الــذمم مما‬
‫يخــول تســليطـ ذلك الجــزاء و كل ما يــترتب عنه من آثــار‪ .‬فيجب أن ال تنقلبـ الشــركة إلى غطــاء صــوري لتحقيق‬
‫األهــداف الشخصــية للشــريك الوحيــد‪ .‬فيتســلط جــزاء الســحبـ عليه عقاباـ له و وكطريقة لحمايةـ الــدائنينـ من تلك‬
‫التصرفات‪.‬‬

‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪ -‬استئناف تونس‪ ،‬قرار عـ‪596‬ـدد بتاريخ ‪ 12‬ماي ‪.1987‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪26‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫بالنسبةـ لبقيةـ المسيرين طرح سؤال حول المــدير العــام المســاعد للشــركة الخفية االسم إذ اعتــبره البعض مســيرا‬
‫قانونيا دون البحث في الدور الذي يلعبه داخل الشركة‪ .76‬في حين نفى عنه البعض تلك الصفة ألنه يتصــرف تحت‬
‫إمرة و مسؤولية الرئيس المدير العام أو المدير العام‪.‬‬
‫المشـــرعـ التونسي و ضـــمن الفصل ‪ 214‬من مجلة الشـــركاتـ حسم األمر و اعتـــبره من المســـيرين القـــانونيينـ‬
‫المتحملينـ لـديون الشـركة في صـورة إفالسـها‪ .‬كما اعتـبرـ نفس الفصل أن أعضـاء مجلس اإلدارة من المسـيرين‬
‫القانونيين إلى جانبـ أعضاءـ هيئة اإلدارة و رئيسها طبق الفصول ‪ 197‬و ‪ 229‬من م ش ت‪.‬‬
‫في المقابلـ ال يمكن اعتبارـ أعضاء مجلس المراقبة من المسيرين القانونيينـ فصالحياتهم تنحصر في الرقابة دون‬
‫صالحياتـ التصرف فال يمكن تبعا لذلك مؤاخذة أعضاءه إال بصفة المسيرينـ الفعليين‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسيّر الفعلي‬


‫يقصد بالمسيرـ الفعلي كل شخص و لو من غـير الشـركاء يمـارس مباشـرة أو عن طريق واسـطة تسـييرـ الشـركة‬
‫بصفة فعلية عوضا عن ممثليها القانونيين‪.‬‬
‫و يعـ ّد الشــريكـ صــاحب األغلبيةـ في األســهم مســيرا فعليا‪ 86‬و إن كــان امتالك غالبيةـ األســهم ال يفــترض التســيير‬
‫الفعلي ما دام ال يمتلكـ الصالحية القانونية التخاذ أي نوع من القراراتـ المتعلقةـ بالشركة‪ .‬لكن امتالك نسبة كبيرة‬
‫من رأس المال يكون مؤشرا على اإلدارة الفعليةـ للشركة فيكون ذلك الشريكـ هو المحــرك الفعلي لها متخفياـ وراء‬
‫‪96‬‬
‫مسير قانوني ليس له سوى تنفيذ قراراته‪.‬‬
‫كما نظم المشرع إدارة شركات األموال بشكل يضمن مصلحة الشركة نفسها و اقتصاد البالد عامة‪ .‬فأوكل لمجلس‬
‫المراقبة صــالحية الرقابة على هيئة اإلدارة الجماعيةـ للشــركة خفية االسم‪ .07‬فلمجلس المراقبة أن يعين أعضــاءـ‬
‫هيئة اإلدارة الجماعية‪ 17‬و يمكن للجلسة العامة بنـــاء على اقـــتراح من مجلس المراقبة عـــزل عضو هيئة اإلدارة‬
‫الجماعيةـ‪ .27‬و له دون غيره ضبط طريقة و مقدار مكافأة أعضــاء هيئة اإلدارة الجماعية‪ 37‬و ال يمكن تغيــير المقر‬
‫‪47‬‬
‫االجتماعي للشركة إال بقرار صادر عنه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪- Houin (R), répertoire Dalloz, sociétés, n° 422.‬‬
‫‪68‬‬
‫‪- Macqueron (LM) ; La notion de dirigeant de fait, étude de la jurisprudence française de ses‬‬
‫‪origines à 1981, Thèse de DEA, Rouen 1981 p71.‬‬
‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪ -‬الفصلين ‪ 225‬و‪ 235‬من مجلة الشركات التجارية‪.‬‬ ‫‪07‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 226‬م ش ت‬ ‫‪17‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 227‬م ش ت‬ ‫‪27‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 228‬م ش ت‬ ‫‪37‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 230‬م ش ت‬ ‫‪47‬‬

‫‪27‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫يتــبين إذا أن ألعضــاءـ مجلس المراقبة صــالحياتـ هامة و يمارســون تــأثيراـ مســتمرا على أعضــاء مجلس اإلدارة‬
‫الجماعية‪ .‬فيمكن أن تنقلب الرقابة إلى التسيير الفعلي نتيجة ما يمارســونه من تــأثير فعلي و مســتقل في التســييرـ‬
‫بواسطة المسيرينـ القانونيين‪.‬‬
‫و اعتبر الفصل ‪ 240‬من مجلة الشركاتـ أنه يمكن تعيين شخص معنوي بمجلس المراقبة الــذي يجب عليه تعــيين‬
‫ممثل دائم له يكون مسؤوال بالتضامن معه في صورة اإلخالل بواجباتهـ و يمكن لهــذا العضو أن يمــارس ســيطرته‬
‫الفعلية على الشــركة و تطــور صــالحياته للتســييرـ الفعلي بمقتضى تدخله في اإلدارة و التصــرف داخل الشــركة‬
‫خاصة إذا كان مالكا ألغلبية األسهم‪.‬‬
‫كما يمكن للرقابةـ أن تنقلب إلى التسيير الفعلي بواسطة مــراقب الحســاباتـ الــذي مكنته مجلة الشــركاتـ التجارية‬
‫بصــالحيات واســعة للتحقق من ســالمة حســابات الشــركة فأوكل له مهمة مراجعة الــدفاتر و الخزانةـ و األوراق‬
‫التجاريةـ و القيم الماليةـ للشــركة و مراقبة صــحة و صــدق اإلحصــاءات و القــوائم الماليةـ و التحقق من صــحة‬
‫‪57‬‬
‫المعلومات التي تضمنها تقرير مجلس اإلدارة أو هيئة اإلدارة الجماعية‪.‬‬
‫و يجري مراقبو الحسابات كل عملياتـ المراقبة و الفحص التي يرونها ضــرورية دون تــدخل في إدارة الشــركة‪.‬‬
‫فليس لهم القيامـ بأي من أعمال التصرف أو اإلدارة حتى ال يعتبر مسيرا فعلياـ يمكن أن يطالهـ جزاء ســحب الفلسة‬
‫إذا تأكد ارتكابهـ لألعمالـ الموجب له الواردة بالفصل ‪ 596‬م ت‪.‬‬
‫إجماال يمكن القول إن كل شــخص مــارس فعلياـ ســلطاتـ تتعلق بتســييرـ أعمــال الشــركة و قــام فعليا بوظيفة إدارية‬
‫حتى و لم يحصل تعيينه فيها بصفة قانونية يمكن أن تسحب عليه الفلسةـ فتتسلط عليه كامل اآلثار الناتجةـ عنه‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 258‬وما بعده م ش ت‬ ‫‪57‬‬

‫‪28‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬آثار سحب الفلسة‬

‫على خالف دعوى تسديد العجز فان آثار دعوى سحب الفلسةـ تطال في اآلن نفسه شــخص المســير المســلط عليه‬
‫جزاء السحبـ ( الفرع األول ) و ذمته المالية ( الفرع الثانيـ )‪ .‬فدعوى سحب الفلسةـ أوسع نطاقا ‪ ،‬ذلك أن تسديد‬
‫العجز ال يسلّط إال على أشخاص حدّدهم القــانونـ حصــريّاـ في حين أن جــزاء الســحب يتســلط على كل شــخص ثبت‬
‫اقترافه لألعمالـ الواردة بالفصل ‪ 596‬م ت و تتعدى آثاره شخصه لتنصرف على ذمته المالية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار المتعلقة بشخص المسير المدين‬
‫رتب المشرعـ عن الحكم القاضيـ بتفليسـ شخص سـواء كـان مباشـرا أو عن طريق السـحبـ آثـار متعلقة بشـخص‬
‫المسلط عليه ذلك الجزاء يمكن أن تصل إلى عقوباتـ جزائية تســلبه حريته (الفقرة األولى ) أو تجــرده حــتى من‬
‫حقوقه المدنية و السياســية ( الفقــرة الثانية ) مع إمكانية تمتيعه بإعــادة اعتبــاره وفق شــروط خاصة ( الفقــرة‬
‫الثالثة )‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العقوبات الجزائية‬


‫سحب الفلسة و إن لم يكن إفالسا مباشــرا ‪ ،‬فهو و إن صــحت العبــارة إفالس بالتبعيةـ يــرتبـ نفس اآلثــارـ المترتبة‬
‫عن الحكم األول بالتفليسـ‪ .67‬و المشرع التونسي بمحافظته على نفس اآلثارـ المترتبة عن الحكم بالتفليس بــالرغم‬
‫من خطورتها في بعض األحيان ‪ ،‬فهو يبدو أكثر حماية لالقتصاد و شدة مع من اقترف األفعــال المــذكورة بالفصل‬
‫‪ 596‬م ت‪.‬‬
‫و من أخطر اآلثار التي قد تطال الشــخص المســلطـ عليه جــزاء الســحب إمكانية إيداعه الســجن‪ .‬إذ اقتضت الفقــرة‬
‫الثالثة من الفصل ‪ 455‬م ت أنه " يمكن للمحكمة في كل األوقات اإلذن بإيداع المفلس ســجن اإليقــاف أو اإلفــراج‬
‫عنه‪ "...‬و ذلك خشية أن يفر أو ضمانا لتعاونه مع أمين الفلسةـ حتى انتهـاء أعمالـه‪ .‬و قد أخضع المشـرع إيـداع‬
‫المفلس بسجن اإليقاف إلى جملة من اإلجراءات أهمها أن هذا اإليداع يتم بإذن من النيابة العمومية أو بســعي من‬
‫أمين الفلسة‪.‬‬
‫كما يمكن أن تؤسس األعمــال الــواردة بالفصل ‪ 596‬م ت لقيــام أعمــال إجرامية يجــوز تتبع مقترفها جزائيا و هو‬
‫‪77‬‬
‫الحال مثال بالنسبة لجريمة التسبب في اإلفالس‪.‬‬

‫‪ -‬حفصية العرضاوي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.89‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪ - 77‬تجدر اإلشارة إلى أن األعمال الواردة بالفصل ‪ 596‬م ت ال تك ّون بالضرورة جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي ولكن‬
‫يمكن لها بتوافر شروط إضافية أن تساهم في الكشف عن عمل إجرامي يستوجب تتبعا جزائيا‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫لم يحــدد الفصل ‪ 455‬م ت الفعل المج ـ ّرم الــذي يصــلح أساسا لإليــداع بالســجنـ و يــرى البعض أنه يشــكل إخالل‬
‫واضح بمبدأ شرعية الجريمة المنصوص عليه بالفصل ‪ 13‬من الدستور‪ .87‬و إن كان البعض اآلخر حــاول أن يجد‬
‫له أساسا في كونه إمكانية مخولة للمحكمة التي تنظر في اإلفالس لتعاقب التاجرـ الذي يحاول تعطيل التفليس‪.‬‬
‫و يمكن القول أنه طالماـ أن إيداع السجن هي مجردة إمكانية مخولة للمحكمة فانه من المنطقي أالّ تــأمر به في كل‬
‫حالة ثبت اقتراف شخص ما لألفعال الموجبة لســحب الفلسة و أن يقتصر تطــبيق ذلك إذا ثبت أن الشــخص الواقع‬
‫عليه السحبـ قد عطل إجراءات الفلسة أو عمليات التنفيذ على أمواله عمدا منه‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الحرمان من الحقوق المدنية و السياسية‬
‫ال ب ّد في تحليلناـ لهذا األثر من إقصاء الحقوق التي ال يمكن أن يســتقيم للفــرد عيش بــدونها‪ .‬وهي حقــوق لصــيقة‬
‫بذات الشخص ال يمكن أبدا حرمان من سحبت عليه الفلسة منها‪.‬‬
‫باســـتثناء تلك الحقـــوق‪ ،‬يجـــ ّرد الفصل ‪ 456‬م ت " المفلسـ الـــذي لم يحصل على اســـتعادة اعتبـــاره من حقوقه‬
‫المدنية‪...‬فال يكون ناخباـ أو منتخبا في المجالس السياسيةـ أو المهنيــة‪ ،‬و ال يمكن له أن يشــغل وظيفة أو يضــطلع‬
‫بمأمورية عمومية "‪.‬‬
‫حجر المشرعـ على المفلس ممارسة بعض الوظائف فهذا ال يعني منعه من االشتغال بوظيفة خاصة لتوفــير‬
‫و لئن ّ‬
‫حاجياتـــه‪ .‬لـــذلك فـــان المقصـــود بالوظيفة الـــواردة بالفصل ‪ 456‬م ت هي الوظيفة العمومية المرتبطةـ بالدولة و‬
‫بمدنية المجتمع و مصلحته‪ .‬و مهما يكن من أمر فان تلك التحاجير ترفع إذا تمكن المفلس من رد اعتباره‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬إعادة االعتبار‬
‫تخفيفا من وطأة آثار حكم التفليسـ نص المشرعـ صلب الفصل ‪ 581‬م ت على إمكانية استعادة االعتبارـ الذي يمثل‬
‫حدا تقف عنده سريانـ تلك اآلثار‪.‬‬
‫و ال يحــرم من هــذه اإلمكانيةـ إال المفلس المحكــوم عليه ســواء من أجل التســببـ في التفليس أو من أجل الســرقة‬
‫أوالتحيل أو الخيانةـ إال إذا كان قد تحصل على استرداد حقوقه في المادة الجزائية‪.97‬‬
‫و قد ميز القانونـ التونسي بين نــوعين من رد االعتبــار هما رد االعتبــارـ بقــوة القــانون و رد االعتبــارـ االختيــاري‬
‫فالمسير المفلس وفق الفصل ‪ 596‬م ت يمكنه استعادة اعتباره بمفعول القانونـ إذا وفّى بجميع الــديون الثابتة في‬
‫ذمته من أصل دين و فــوائض و مصــاريف‪ .‬أما بالنســبةـ إلعــادة االعتبــار االختيــاري فيستشف من أحكــام الفصل‬
‫‪ 582‬م ت أنه خاضع لتقدير المحكمة و تتصف شروطه بمرونة لصــالح المفلس ذلك أنه يعفى من إثبــاتـ أنه وفّى‬
‫بكامل الــدين المتخلد بذمته إذا أثبتـ أن دائنيه يوافقــون على أن يــر ّد له اعتبــاره‪ .‬و ر ّد االعتبــارـ على هــذا النحو‬
‫مشروط بتوفر عدة شروط أهمها شرط النزاهة الذي يعود للمحكمة وحدها تقدير توفر ذلك الشرط من عدمه‪.‬‬

‫‪ -‬حفصية العرضاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 589‬من المجلة التجارية‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫‪30‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫و يخضع كل طلب يــرمي إلى اســتعادة االعتبــار بنوعيه إلى عــدة إجــراءات أولها أن يرفع لكتابة المحكمة الــتي‬
‫أصدرت حكم التفليسـ أو سحبه بمقتضى عريضة تكون مرفوقة بالمؤيدات الــتي تثبتـ تــوفر الشــروط المســتوجبة‬
‫قانونا و إذا تعلق األمر بإعادة االعتبار بقوة القانونـ فان السلطةـ التقديريةـ للمحكمة تبقى محــدودة و تقتصرـ على‬
‫التثبتـ من صحة المؤيدات فحسب و تصرح بر ّد االعتبار عند ثبوت الوفــاء الكامل بالــدين‪ .‬أما إذا تعلق األمر بــر ّد‬
‫االعتبارـ االختياري فان السلطةـ التقديريةـ للمحكمة تكون كاملة و لها أن تمتنع من التصريح بإعادة االعتبارـ ما لم‬
‫تتوفر شروطه و في هذه الحالة يجب على المفلس أو من سحبت عليه الفلسةـ أن يتريثـ ســنة أخــرى ليعيد تقــديم‬
‫‪08‬‬
‫هذا الطلب‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار المتعلقة بالذمة المالية للمسير المدين‬
‫إن آثــار حكم الســحب ال تقف عند رفع يد المفلس عن إدارة أمواله ( الفقــرة الثانيــة) و تكــوين جماعة الــدائنينـ‬
‫( الفقرة األولى) بل إن هذه األخيرة أقر لفائدتهاـ المشرعـ رهن يسلّط على أموال المســيرـ المــدين ضــمانا لخالص‬
‫دينها ( الفقرة الثالثة )‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تكوين جماعة الدائنين‬
‫هل يؤدي حكم سحب الفلسةـ طبق الفصل ‪ 596‬م ت إلى تكوين جماعتينـ للدائنين مستقلتين‪ ،‬تتضمن األولى دائني‬
‫الشركة المفلسة في حين تتضمن الثانية الدائنين الشخصيين للمسيرـ مع دائني الشركة الذين لهم حق ضمان على‬
‫الذمة المالية للمسير ؟‬
‫ضح المشرعـ التونسي هذه المسألةـ وقد جاءت عبارة الفصل ‪ 596‬م ت " يكون التفليسـ مشتركا " غامضة‬
‫لم يو ّ‬
‫وال يحسم أمر ما إذا كان الحكم القاضي بالسحبـ يفترضـ تكوين جماعة لدائني الشركة وجماعة لدائني المسيرـ أم‬
‫جماعة واحدة للدائنين‪.‬‬
‫اعتمدت المحاكم التونسية تأويال حرفيا للفصل ‪ 596‬م ت لتقضيـ انطالقا من كــون التفليس مشــتركا بــأن للشــركة‬
‫‪18‬‬
‫المفلسة والشخص المسلط عليه جزاء سحب الفلسةـ يشتركانـ أيضاـ في جماعة الدائنين‪.‬‬
‫ومن شأن هذا التأويل أن يؤدي إلى محاصصة الدائنين للمسير مع دائــني الشــركة الســتخالص ديــونهم مما يهـدّد‬
‫حقوق دائني الشركة‪ .‬فالتفريق بين جماعتي الدائنين يؤدي إلى تكوين جماعة للدائنينـ مســتقلة وخاصة بالشــركة‬
‫المفلسة متكونة من دائنيها فقــط‪ .‬بينما تتكــون الجامعة الناشــئة عن ســحب الفلسة من دائــني الشــركة والــدائنينـ‬
‫الشخصيينـ للمسيرـ فيكون لــدائني الشــركة حق ضــمان على الذمة المالية للشــركة والمسـيّر‪،‬ـ بينماـ ليس للــدائنينـ‬
‫الشخصيينـ لهذا المسير سوى حق ضمان في ذمته الماليةـ الشخصية‪.‬‬
‫وسواء تعلق األمر بتكون جماعة واحدة للدائنينـ أو جماعتينـ مستقلتين‪،‬ـ فقد أخضع المشــرع المسـيّرـ المســحوبة‬
‫عليه الفلسةـ إلى عدة تحاجير لعل أه ّمها رفع يده عن إدارة مكاسبه والتصرف فيها ضمان لخالص الدائنين‪.‬‬
‫‪ -‬يراجع في هذا الشأن الفصل ‪ 583‬وما بعده من المجلة التجارية‪.‬‬ ‫‪08‬‬

‫‪ -‬ابتدائية تونس‪ ،‬حكم عـ‪11046‬ـدد مؤرخ في ‪ 13‬جويلية ‪ 1978‬وعـ‪20504‬ـدد سابق الذكر‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪31‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬رفع يد المسيّر عن اإلدارة والتصرف في مكاسبهـ‬


‫يترتب عن الحكم بــالتفليسـ وبالتحديد الحكم القاضي بســحب الفلسة من تــاريـخ صــدوره رفع يد المــدين عن إدارة‬
‫مكاسبه والتصرف فيها‪ .28‬وقد اقتضت عبارات الفصل ‪ 457‬م ت أن رفع اليد يشمل جميع المكاسبـ التي يكتســبها‬
‫بأي وجه من الوجوه ما دام في حالة تفليسـ وسواء تلك السابقة لحكم الفلسة أو الالحقة له‪.‬‬
‫ويمتد نطـاق رفع اليد ليشـمل جميع أعمـال اإلدارة والتقاضيـ الـتي يأتيها المفلس‪ ،‬فألمين الفلسة أن يباشر جميع‬
‫ما للمفلس من الحقوق والدعاوى المتعلقة بكسبه‪ .38‬إال أنه يمكن للمسحوب عليه الفلسةـ أن يقوم ببعض األعمــال‬
‫‪48‬‬
‫التحفظية لصيانةـ حقوقه وأن يتداخل في القضاياـ التي يتتبعها أمين الفلسة‪.‬‬
‫وتســتثنى من نطــاق غ ـ ّل اليد الحقــوق الخاصةـ بشــخص المــدين والمكاسب غــير القابلةـ للحجزـ الــتي تخــرج عن‬
‫الضمانـ العام للدائنينـ‪ 58‬إضافة إلى المرتبات واألجور التي يحصل عليها المفلس من نشاطه مقابل أجــر‪ .‬وال ش ـ ّك‬
‫أن هذه االستثناءاتـ تجد أساسا لها في كــون هــذه الحقــوق ال يمكن أن تشــكل ضــمانا لحقــوق الــدائنين من جهــة‪،‬‬
‫عالوة على أن رفع اليد ال يعني فقدان كل مقومات الحياة وإنما هو ضمان ألموال الدائنينـ ال أكثر‪.‬‬
‫ومن أبــرز المســائل الــتي تثــار عند دراسة رفع اليد كنتيجة لحكم التفليس هو تحديد مــدة ســريان غ ـ ّل اليد بداية‬
‫ونهاية‪.‬‬
‫نص الفصل ‪ 457‬م ت صراحة أن غ ّل اليد يبتدئ سريانهـ من تاريخ صدور حكم التفليس إلى انتهاء حالة اإلفالس‬
‫مســتعمال للتــدليل على ذلك عبــارة " مــادام في حالة تفليسـ "‪ .‬فرفع يد المفلس أو بــاألحرى المســلطـ عليه جــزاء‬
‫سحب الفلسة عن إدارة مكاسبه طيلة تلك المدة يستجيب لهاجس تشريعي يهدف أساسا لحماية الدائنين‪ .‬لكن ذلك‬
‫األثر يمكن أن يبقى غير ذي جــدوى إذا لم يقع تعزيــزه بحماية تســلط على ما قد يأتيهـ المــدين في الفــترة الســابقة‬
‫لحكم التفليس‪.‬‬
‫تكريسا لتلك الحماية أقر الفصل ‪ 462‬م ت ما يســمى بمؤسسة " فــترة الريبةـ " وحــدّد مصــير التصــرفات الــتي‬
‫يأتيها المدين في هذه الفترة‪ .‬فبإمكان المسيرـ المطلوبـ عند شعوره بقرب أجل إفالسه بسحب فلسة الشــركة عليه‬
‫أن يعمد إلى التفويتـ في أمالكه بشكل يضر بمصالح الدائنين وحقوقهم‪ .‬فــرتّب القــانون بطالن تصــرفاتهـ في فــترة‬
‫الريبة الــتي تشــكل أشد الفــتراتـ وأكثرها حساســية وخطــرا على الــدائنين‪ .‬وقد ح ـدّد المشــرع لفــترة الريبة أجال‬
‫يتراوح بين تاريخ الوقت الــذي عيّنته المحكمة للتوقف عن الــدفع وتــاريخ إعالن اإلفالس تضــاف إليها العشــرين‬
‫يوما السابقة‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 457‬م ت‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 457‬م ت‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 457‬م ت‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 308‬م م م ت‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪32‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬رهن أموال المدين‬


‫لم يكتف المشرعـ بغ ّل يد المفلس عن مكاسبه‪ ،‬بل أقر صــلب الفصل ‪ 453‬م ت أن الحكم بــالتفليس يقضي بتوظيف‬
‫رهن عقاري لفائدة جماعة الدائنين‪.‬‬
‫ويشكل هذا الرهن ضمانة إضافية لحقـوق الـدائنينـ وإن كـان من الممكن االكتفـاء بغـ ّل اليد ألن المـدين المرفوعة‬
‫يده ال يمكن أن يتص ّرف في عقاراته بالتفويتـ إضراراـ بمصالح دائنيه‪.‬‬
‫ويشمل الرهن العقارات سواء تلك التي يملكها المسير قبل الحكم بالتفليس أو الــتي يملكها بعد ذلك الحكم ويتــولى‬
‫أمين الفلسةـ إشهاره وفق الوسائل المقررة إلشهار الحقوق العينية العقارية‪.‬‬
‫وتنتفع بــالرهنـ جماعة الــدائنين دون غيرها من الــدائنين أصــحابـ االمتيــازـ الخــاص أو الــرهن ّإال فيما بقي من‬
‫‪68‬‬
‫ديونهم زائدا على المتحصل من بيع موضوع امتيازهم‪.‬‬
‫ويصبح الدائنون العاديون للشركة المفلسةـ بهذا الــرهن دائــنين مرتهــنين يرتّبــوا حسب تــاريخ ترســيم الــرهن مع‬
‫غيرهم من الدائنينـ الشخصيين المرتهنينـ للمسيرـ المسلطـ عليه سحب الفلسة‪.‬‬

‫‪ -‬خميس يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪33‬‬
‫دعوى سحب الفلسة‬

‫الخـــــــــــــــــــــــــــاتمة‬

‫لئن حــرص المشــرع ضــمن الفصل ‪ 596‬م ت على تخصــيص دعــوى ســحب الفلسة بشــروط تميّزها عن بقية‬
‫المؤسساتـ الشبيهة كدعوى تســديد العجــز‪ ،‬فانه قصر على تقــديم نص كامل يحتــوي على جميع القواعد المنظمة‬
‫لهذا اإلجراء‪ .‬إذ بقي النظام اإلجرائي للدعوى في مجمله خاضعا للقواعد اإلجرائيةـ العامة خصوصا منها المتعلقةـ‬
‫بــالتفليس‪ .‬كما رتب عن تلك الــدعوى نفس اآلثــارـ المترتبة عن التفليسـ اعتبــارا لكــون ســحب الفلسة ما هو في‬
‫الحقيقةـ إال تفليسـ شخصي للمسيّرـ ‪،‬سواء كان قانونياـ أو فعليــا‪،‬ـ يتم وفق شــروط خاصة تختلف عن تلك المقــررة‬
‫لدعوى التفليسـ العادية‪.‬‬
‫و تكشف هــذه الخصــائص أن دعــوى ســحب الفلسة تســتم ّد ميزتها من خالل تف ّردها بنظــام قــانوني ذي طبيعة‬
‫مزدوجة‪ .‬فهو نظــام مســتقل من جهة ضــرورة أنه و بمعــزل عن شــروط التفليسـ العادية تقتضي دعــوى الســحبـ‬
‫تــوفّر شــروط محــددة اســتقر فقه القضــاءـ على اعتبــارـ أنه في غيابهاـ يفقد كل طلب يــرمي إلى ســحب الفلسةـ على‬
‫شخص ما ألي سند أو أساس قانوني يب ّرره‪.‬‬
‫في المقابل‪،‬ـ و رغم تلك االستقالليةـ فان دعوى السحبـ تبقى مرتبطة بتفليسـ الشركة‪.‬فــإذا كــان اســتعمال الشــركة‬
‫يؤسس لقيام دعوى السحب ‪ ،‬فانه ال بد قبل ذلك من تــوفر شــرط أولي و هو تفليس الشــركة‪ .‬و هو ما يعــزز رأي‬
‫الفقهاء في اعتبارـ أن دعوى سحب الفلسةـ هي أثر من آثار دعوى تفليس الشركة التي تمت ّد إلى أشخاص معيــنين‬
‫لتطالهم نفس اآلثارـ الناجمةـ عن التفليس‪.‬‬

‫‪34‬‬

You might also like