You are on page 1of 31

‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الـ ـمـقـدّ مــة‬

‫تعرض سبيل المؤسسة االقتصادية عقبات متعددة بتعدد أسبابها‪ ،‬قد تكون عارضة‪ ،‬سرعان ما تزول‪،‬‬
‫وقد تك ون ص عبة‪ ،‬مس تديمة‪ ،‬يعسر على المؤسسة تخطيه ا‪ ،‬فتح ول دون تحقيق أه دافها المنش ودة من إنت اج‬
‫ورواج وربح‪ ،‬فتتف اقم ديونه ا‪ ،‬ويتع دد دائنوه ا‪ ،‬وهي حالة ت ؤول بها إلى العج ز‪ ،‬وت ؤدي بها ت دريجيا إلى‬
‫إقصائها من النسيج االقتصادي (‪.)1‬‬

‫وحكم التفليس هو الحكم القاضي ع ادة بانته اء مراحل وإ ج راءات محاولة إنق اذ المؤسسة االقتص ادية المتوقفة‬
‫عن دفع ديونها‪ ،‬واإلعالن عن إفالسها‪ ،‬وفتح إجراءات تصفية أموال المفلس استيفاء لديونها (‪.)2‬‬

‫وقد نظم المش رع التونسي األحك ام المتعلقة بالفلسة بالكت اب الرابع من المجلة التجارية " في الص لح‬
‫االحتياطي والتفليس" الذي عدد فيه مختلف الصور المؤدية إلى التفليس (‪ )3‬حيث يتقرر في نهاية األمر بحكم‬
‫من المحكمة التي بدائرتها المركز التجاري الرئيسي للتاجر (‪.)4‬‬

‫ومن نتائج الحكم بالتفليس‪ ،‬رفع يد المدين عن إدارة جميع مكاسبه والتصرف فيها حتى المكاسب التي يكتسبها‬
‫بأي وجه من الوجوه ما دام في حالة تفليس (‪.)5‬‬

‫ومن ه ذه المكاسب ما تعلقت بها عق ود إيج ار م الي‪ ،‬وهي من أن واع العق ود الخاصة المس ماة‪ ،‬عرفها‬
‫المش رع التونسي في محاولة لتنظيم العالقة القانونية القائمة بين المالك والمس تأجر في ظل عملية اإليج ار‬
‫المالي بكونها " عملية إيجار تجهيزات أو معدات أو عقارات مقتناة أو منجزة لغرض اإليجار من قبل المؤجر‬
‫الذي يبقى مالكها معدة لالستعمال في األنشطة المهنية أو التجارية أو الصناعية أو الفالحية أو الصيد البحري‬
‫أو في الخ دمات‪ ،‬ويتم اإليج ار الم الي بمقتضى عقد كت ابي لم دة مح ددة ومقابل معل وم معين ويخ ول للمس تأجر‬
‫اقتناء تلك التجهيزات أو المعدات أو العقارات أو البعض منها في نهاية أمد اإليجار مقابل ثمن متفق عليه يأخذ‬
‫بعين االعتبار على األقل في جزء منه المبالغ المدفوعة بعنوان اإليجار ويمكن‬

‫محمد الهادي دعلول ‪ :‬الصعوبات االقتصادية وإ نقاذ المؤسسات بواسطة التسوية القضائية‪ .‬مجلة القضاء والتشريع العدد ‪ 9‬السنة ‪42‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نوفمبر ‪ 2000‬ص ‪11‬‬
‫حول آثار حكم التفليس يراجع التعليق على أحكام المجلة التجارية بلكسمبورغ ‪www.legilux.public.lu/leg :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫"‪"Régime général de la faillite‬‬
‫حول شروط فتح إجراءات الفلسة ومختلف حاالتها باالتحاد األوروبي يراجع المقال على الموقع ‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫"‪"Commission européenne>RJE>Faillite>Espagne" www.legilux.public.lu " Faillite- Espagne‬‬

‫‪1‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفصل ‪ 446‬من المجلة التجارية " يتق رر التفليس بحكم من المحكمة ال تي ب دائرتها المركز التج اري الرئيسي بعد س ماع النيابة‬ ‫(‪)4‬‬
‫العمومية‪"...‬‬
‫الفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية‬ ‫(‪)5‬‬

‫للمستأجر اقتناء تلك التجهيزات أو المعدات أو العقارات أو البعض منها خالل مدة اإليجار باتفاق مع المؤجر‬
‫(‪.)6‬‬

‫ويفهم من الفصل األول من القانون المتعلق باإليجار المالي لسنة ‪ 1994‬أن اإليجار المالي " عبارة عن عقد‬
‫يل تزم بمقتض اه المال ك‪ ،‬ع ادة مؤسسة مالي ة‪ ،‬بك راء تجه يزات أو بص فة عامة منق والت (اإليج ار الم الي‬
‫للمنق والت) (‪ )7‬أو العق ارات (اإليج ار الم الي للعق ارات) (‪ )8‬لفائ دة ش خص يكتسب ص فة المك تري ويتمتع‬
‫بإمكانية اكتس اب ص فة مالك عند انته اء عقد اإليج ار الم الي وممارس ته الخي ار الممن وح له في ش راء الش يء‬
‫موضوع العقد أو إرجاعه للشركة‪)9( " .‬‬

‫ه ذا التعريف لعقد اإليج ار الم الي لم يكن المب ادرة األولى من المش رع التونس ي‪ ،‬إذ س بق وأن ع رف‬
‫التش ريع الجب ائي لإليج ار الم الي قبل س نة ‪ 1994‬ص لب ق انون المالية الم ؤرخ في ‪ 21‬ديس مبر ‪ 1989‬في‬
‫فص له ‪ 32‬المتعلق بمع اليم تس جيل عق ود اإليج ار الم الي‪ .‬إال أن المش رع‪ ،‬وأم ام التجربة الواقعية وجد نفسه‬
‫أم ام سن تش ريع خ اص ينظم الن واحي القانونية و الجبائية لهاته العملية المعق دة‪ ،‬مع القطع مع قواعد الق انون‬
‫الع ام المنطبق وتخص يص اإليج ار الم الي بنظ ام ق انوني خ اص يه دف إلى "‪...‬سد الف راغ التش ريعي وبغاية‬
‫تنظيم قطاع اإليجار المالي الذي يمثل وسيلة تكميلية لتمويل االقتصاد الوطني‪.)10("...‬‬

‫ويفهم من ه ذه العب ارات أن اإليجار الم الي هو أحد أوجه وس ائل تمويل المشاريع االقتص ادية‪ ،‬إن لم يكن‬
‫من أهمها في ال وقت الراهن‪ ،‬ذلك أن هذه الطريقة في التموي ل‪ ،‬تجد أهميتها في تمكين المؤسسة من المحافظة‬
‫على س يولتها بما يمكنها من توظيفها في عملية اإلنت اج دون اس تنزاف مواردها المالي ة‪ .‬كما ي وفر للمؤسسة‬
‫مص در تمويل كلي مائة بالمائة بما في ذلك اآلالت‪ ،‬ومع اليم النق ل‪ ،‬والتوري د‪ ،‬وال تركيب‪ .‬ه ذه الطريقة تعد‬
‫هامة جدا خصوصا للمؤسسات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬والمبتدئة التي تجد صعوبة في التمويل‬

‫‪2‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفصل األول من الق انون ع دد ‪ 89‬لس نة ‪ 1994‬الم ؤرخ في ‪ 26‬جويلية ‪ 1994‬المتعلق باإليج ار الم الي‪ .‬الرائد الرس مي للجمهورية‬ ‫(‪)6‬‬
‫التونسية عدد ‪ 60‬مؤرخ في ‪ 02/08/1994‬صفحة ‪.1343‬‬
‫‪(7) Crédit bail mobilier‬‬
‫‪(8) Crédit bail mobilier‬‬
‫‪(9) Ajimi Nadia, l’autonomie de la volonté dans les contrats d’affaires, mémoire master-droit des affaires-faculté de‬‬
‫‪droit et des sciences politiques de tunis, 2004 – p.10‬‬
‫تعليق وزير المالية أم ام لجن تي النظر في ق انون اإليج ار الم الي بت اريخ ‪ 4‬جويلية ‪ 1994‬يراجع في خص وص التط ور الت اريخي‬ ‫(‪)10‬‬
‫لإليجار المالي‪ .‬مقال جالل الفرجاوي "اإليجار المالي في القانون التونسي" مجلة القضاء والتشريع العدد ‪ 4‬السنة ‪ 41‬أفريل ‪ 1999‬ص‪.‬‬
‫‪ 41‬إلى ‪47‬‬

‫الفتقادها لضمانات القروض(‪.)11‬‬

‫هذه األهمية العملية ألسلوب التمويل على طريقة اإليجار المالي‪ ،‬ال تخفي النقائص التشريعية التي يتخبط‬
‫فيها الق انون التونس ي‪ ،‬حيث يبقى تنظيما س طحيا ال يمكن من اس تيفاء الض مانات ال تي يتطلبها التط ور‬
‫االقتصادي‪ ،‬سواء بالنسبة للمؤسسات الممولة‪ ،‬أو بالنسبة للمؤسسات المنتفعة باإليجار المالي‪ ،‬ويتأكد ذلك من‬
‫خالل المستوى السطحي لتطلع الفقهاء إلى مثل التنظيم القانوني‪ ،‬ونظرة القضاء التقليدية في فصل النزاعات‬
‫المتعلقة بذات النوع من العقود‪.‬‬

‫ه ذا النقص التشريعي‪ ،‬ينعكس بوض وح في إط ار العالقة بين حكم التفليس وعقد اإليجار الم الي؛ حيث‪،‬‬
‫وبالرجوع إلى أحكام المجلة التجارية‪ ،‬كأحكام القانون المنظم لإليجار المالي لسنة ‪ ،1994‬يالحظ وجود فراغ‬
‫تشريعي كلي‪ ،‬يجلب االنتباه‪ ،‬ويبقى التساؤل مطروح حول تأثير حكم التفليس على العالقة التسويغية بموجب‬
‫عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫ه ذا التس اؤل لم يلقى اهتم ام الفق ه‪ ،‬ولم يجد في أحك ام القض اء ما يفي بالحاجة للج واب‪ ،‬خصوصا أم ام‬
‫اقتص ار القض اء في بعض الح االت على تبس يط الحل ول‪ ،‬واعتم اد المنطق االرتج الي لتس وية وض عية ال ديون‬
‫المثقلة على كاهل المفلس؛ وفي إطار إجراءات الصلح مبدئيا‪.‬‬

‫ه ذه الص عوبات مردها وبالض رورة خصوص ية عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬وش مولية األحك ام المتعلقة بالص لح‬
‫والتفليس‪ ،‬وهو ما يبقي االستفهام مطروحا‪ .‬فما هي آثار حكم التفليس على تطبيق عقد اإليجار ؟‬

‫اإلجابة عن هذا اإلشكال ال تخلو من الصعوبة‪ ،‬باعتبار خصوصية الطبيعة القانونية لعملية اإليجار المالي‪.‬‬

‫وانطالقا من المج ال الض يق للدراس ة‪ ،‬وقلة المراج ع‪ ،‬س نحاول النظر في مختلف ج وانب اآلث ار المترتبة عن‬
‫الحكم ب التفليس‪ ،‬وبي ان م دى اس تجابتها على الوض عية القانونية لألط راف (الج زء األول) ثم على الوض عية‬
‫القانونية للعقد (الجزء الثاني)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫‪(11) www.legilux.public.lu « Avis sur la révision de l’arrêté royale N°55 du 10/11/1967 organisant le statut‬‬
‫‪juridique des entreprises pratiquant la location financement et de l’arrêté ministériel du 23/02/1968 portant condition‬‬
‫‪d’agréation des entreprises pratiquant la location financement et dont le statut juridique est réglé par l’arrêté royale‬‬
‫‪N°55 du 10/11/1967. » (10décembre 2001, termes monsieur ch. Pique, ministre de l’économie ; avis du conseil‬‬
‫)ملحق عدد‪central de l’économie)  (1‬‬

‫األول ‪ :‬انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية لألطراف‬


‫الجزء ّ‬

‫عملية اإليجار المالي تولد بالضرورة عالقة تعاقدية بين طرف ممول وطرف منتفع من التمويل‪ ،‬ينجر‬
‫عنه حقوق ومنافع متبادلة بحسب موقع كل معاقد‪.‬‬

‫التفليس هو الحكم حسب منط وق الفصل ‪ 446‬من المجلة التجاري ة‪ ،‬يتق رر بحكم من المحكمة ال تي‬
‫ب دائرتها المركز التج اري الرئيس ي‪ .‬ويفهم من منط وق ه ذا الفصل أن حكم التفليس هو الحكم ال ذي يتعلق‬
‫بتفليس التاجر أساس ا‪ .‬ويتأكد ذلك بالرجوع إلى الفصل ‪ 1‬من المجلة التجارية الذي حصر انطباق أحكام‬
‫المجلة التجارية على التجار واألعمال التجارية‪.‬‬

‫ومن هذا المنظور‪ ،‬ينتصب بحث الحال على مدى انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية‬
‫لألطراف‪ ،‬بالرجوع إلى صفتهم كتجار وباعتبار التعريف الوارد صلب الفصل ‪ 2‬من المجلة التجارية‪.‬‬

‫ومن ه ذا المنطلق تنصب دراسة الج زء األول على تحليل م دى قابلية االنس حاب الكلي آلث ار حكم‬
‫التفليس على الوض عية القانونية لألط راف انطالقا من تقس يم مبسط يع نى في فقرته األولى بانس حاب آث ار‬
‫حكم التفليس على الوضعية القانونية للمسوغ (الفصل األول) ثم على الوضعية القانونية للمتسوغ (الفصل‬
‫الث اني) وح تى يمكن اس تخالص مختلف ج وانب اإلش كاليات القانونية وما تطرحه من ص عوبات نظرية‬
‫وعملية‪.‬‬

‫األول ‪ :‬إشكاليات انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية‬


‫الفصل ّ‬
‫للمسوغ‬
‫‪4‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ب الرجوع إلى ق انون ‪ 1994‬المتعلق باإليج ار الم الي‪ ،‬ف إن عملية اإليج ار الم الي هي عملية إيج ار‬
‫تجه يزات أو مع دات أو عق ارات مقتن اة أو منج زة لغ رض اإليج ار لالس تعمال في األنش طة المهنية أو‬
‫التجارية أو الصناعية أو الفالحية أو الصيد البحري أو في الخدمات‪.‬‬

‫وانطالقا من انس حاب ص فة الت اجر على المؤسسة المالية بحكم الق انون ف إن ذات المؤسسة يمكن أن تتخذ‬
‫أحد الموقعين القانونيين بحسب الحالة‪ ،‬فيمكن بالتالي أن تتخذ صورة المسوغ القائم بالتتبع (الفقرة األولى)‬
‫من أجل ما ت رتب لها من حق بم وجب عقد اإليج ار الم الي من جه ة‪ ،‬كما يمكن أن تخضع لموقع المس وغ‬
‫المقضي بتفليسه (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫وفي كل من الح التين‪ ،‬ف إن تق دير م دى انس حاب آث ار حكم التفليس على الوض عية القانونية للمؤسسة‬
‫المالية ال تي مارست نش اط اإليج ار الم الي‪ ،‬ال تخلو من الص عوبات‪ ،‬وذلك ب الرجوع إلى الطبيعة القانونية‬
‫للعقد والفراغ التشريعي الذي مهد إلى بروز هذه الصعوبات‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬صورة المسوغ القائم بالتتبع‬

‫ينص الفصل ‪ 459‬من المجلة التجارية أن "الحكم بالتفليس يعطل الدائنين ذوي الديون المجردة والدائنين‬
‫ذوي االمتي از الع ام القي ام بالمطالبة منف ردين"(‪ .)12‬وتطبيقا ألحك ام ه ذا الفصل على ش ركة اإليج ار الم الي‬

‫‪5‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫بصفتها مؤجرة‪ ،‬قائمة بالتتبع‪ ،‬فإنه يتجه تحديد الموقع القانوني لهذا الطرف في النزاع‪ ،‬وخصوصا من حيث‬
‫صفته‪ ،‬انطالقا من القانون المتعلق باإليجار المالي‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى القانون عدد ‪ 89‬المؤرخ في ‪ 26‬جويلية ‪ ،)13( 1994‬ومن خالل التعريف النصي "أن‬
‫اإليج ار الم الي عملية تتمثل في ك راء منق والت أو عق ارات تمنح للمتس وغ إمكانية اكتس اب ملكية ذلك الش يء‬
‫مقابل دفع ثمن يتم االتفاق عليه مسبقا مع األخذ بعين االعتبار للمبالغ المدفوعة بعنوان معينات كراء (‪.)14‬‬

‫وحيث يفهم من ه ذا التعريف أن عقد اإليج ار الم الي هو باألس اس عقد إيج ار لكن ذو طبيعة خاص ة‪ ،‬تنظمه‬
‫أحكام خاصة به‪ ،‬وعقد بيع تحكمه قواعد خاصة ونظام مميز له (‪.)15‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن شركة اإليجار المالي هي من جهة مسوغ لمنقوالت أو عقارات بموجب عقد اتفاقي‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخ رى ط رف في عقد بيع يتعلق ب ذات المنق ول أو العق ار ينشئ مفعوله بانته اء أمد الك راء "ورفع خي ار‬
‫الشراء" (‪ )16‬ودفع الثمن الذي يأخذ بعين االعتبار معين اإليجار المدفوع (‪ .)17‬والسؤال هنا‪ ،‬هل أن ش ركة‬
‫اإليج ار الم الي من قبل "ال دائنين" بقطع النظر عن ترتيبها ح تى ينطبق عليها أحك ام الفصل ‪ 459‬من المجلة‬
‫التجارية ؟‬

‫ح ول الفصل ‪ 459‬من المجلة التجارية يراجع الق رار التعقي بي الم دني ع دد ‪ 9761‬م ؤرخ في ‪ 18‬أكت وبر ‪ 1984‬ن م ت القسم‬ ‫(‪)12‬‬
‫الم دني ج ج لس نة ‪" .1984‬حجر الفصل ‪ 459‬من المجلة التجارية على أصحاب ال ديون المج ردة أو الممتازة القيام منف ردين لدى المحاكم‬
‫بطلب استخالص ديونهم بعد صدور حكم التفليس أو االسترسال على تنفيذ أحكام صدرت لهم بذلك من قبل‪".‬‬
‫القانون عدد ‪ 89‬المؤرخ في ‪ 26‬جويلية ‪ 1994‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية مؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1994‬ص‪1343‬‬ ‫(‪)11‬‬
‫)‪(12‬‬ ‫‪Article 15‬‬
‫)‪(13‬‬ ‫‪Salma Khaled Slama – Docteur en droit « L’opération de leasing est qualifiée de contrat, toutefois ce‬‬
‫‪contrat est un peu particulier car il regroupe deux contrats classiques à savoir le contrat de location et le contrat de‬‬
‫المجلة القانونية الع دد ‪vente, qui jusque là sont des contrats distincts ayant chacun ses règles propres et ses spécificités.‬‬
‫‪ 20/21‬مارس ‪2007‬‬
‫(‪ )16‬السؤال ‪ :‬هل رفع خيار الشراء شرط إلتمام البيع؟ "األخبار القانونية (عقد اإليجار المالي)" العدد ‪ 20/21‬مارس ‪ 2007‬ص‪13‬‬
‫(‪ )17‬القانون المتعلق باإليجار المالي‪.‬‬

‫وب الرجوع إلى الفصل أعاله‪ ،‬يت بين أن أحكامه ج اءت على إطالقها دون تمي يز‪ .‬كما أنه وب الرجوع إلى‬
‫القانون المتعلق باإليجار المالي‪ ،‬فإن مثل هذا التدقيق يعد مفقودا‪ ،‬مما يصعب معه تكييف الوضعية القانونية‬
‫لش ركة اإليج ار الم الي‪ ،‬وتقتصر أحك ام الموض وع بإمكانية توثيق معين ات الك راء بوس يلة دين تع ادل االتف اق‬
‫التعاقدي بين األطراف‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ولعل تدوين وثيقة الدين‪ ،‬والمتعامل بها عادة‪ ،‬وطبق ما تتضمنه المجلة التجارية‪ ،‬التي حصرت وسيلة الدين‬
‫في الكمبيالة والسند ألمر (‪ )18‬هو من يمكن أن يعطي لشركة اإليجار المالي صبغة الدائن‪.‬‬

‫أما عند تحديد الصفة في إطار عقد اإليجار المالي‪ ،‬فإنه من المفروض حسب ما يمكن تقديره‪ ،‬أن تتحقق‬
‫المديونية في تخلف المتس وغ لخالص معين ات التس ويغ الحالة (‪ ،)19‬واختي ار ش ركة اإليج ار الم الي انته اج‬
‫تتبع معاقدها في البعض أو الكل من معينا اإليجار التعاقدية‪.‬‬

‫أما بالرجوع إلى الواقع العملي‪ ،‬يالحظ أن القض اء التونسي‪ ،‬يتبع منهج إصباغ "أوتوم اتيكي" لشركة اإليجار‬
‫المالي بصبغة الدائن (‪ ،)20‬دون تحديد موقعه القانوني‪ ،‬أو الخوض النظري والقانوني في مدى انطباق أحكام‬
‫التفليس على العالقة التعاقدية الرابطة بين شركة اإليجار المالي والمنتفع‪.‬‬

‫ويتبين مما تقدم‪ ،‬أن الفراغ التشريعي‪ ،‬والفقه القضائي‪ ،‬كالفقهي على وجه العموم‪ ،‬ال يفتح المجال حول‬
‫الجزم في خصوص الموقع القانوني للمؤجر الذي تم تكييفه في دراسة الحال "بالقائم بالتتبع" دون إسناده صفة‬
‫الدائن لالحتراز القائم حول تحديد صفته‪ .‬وحتى االستئناس بموقف القضاء العملي في ترتيب شركة اإليجار‬
‫الم الي في س لم ال دائنين‪ ،‬ال يمكن قبوله في غي اب التك ييف المس بق‪ ،‬والعل ني في األحك ام الص ادرة في‬
‫الخصوص‪.‬‬

‫ولعل الس ند في أحك ام القض اء‪ ،‬يرفع على األقل بعض االلتب اس‪ ،‬بعد االص طدام بالط ابع العملي غ ير الم برر‬
‫لتحديد موقع المؤجر‪ ،‬إال أن هذا الفراغ يبقى حسب التقدير المتواضع‪ ،‬المخرج السترسال إجراءات الفلسة‪.‬‬

‫المجلة التجارية الطبعة الرابعة ‪ 2008-2007‬سلس لة المكتبة القانونية – إع داد س امي بن فرح ات‪ ،‬المغاربية للطباعة والنشر‬ ‫(‪)18‬‬
‫واإلشهار‪.‬‬
‫في بعض صور تتبع المستأجر بخصوص معينات اإليجار المالي ‪.‬‬ ‫(‪)14‬‬
‫أنظر الحكم االبتدائي عدد‪ 11377‬والحكم االبتدائي عدد‪ 33454‬واألمر بالدفع عدد‪ 49882‬غير منشور (ملحق عدد‪)6‬‬
‫يراجع الحكم االبت دائي الص ادر عن المحكمة االبتدائية ب القيروان بخص وص ملف التس وية القض ائية ع دد ‪ 20‬بت اريخ ‪ 4‬أفريل ‪2003‬‬ ‫(‪)15‬‬
‫غ ير منش ور ملحق ع دد وك ذلك القض ية ع دد ‪ 20‬بت اريخ ‪ 16‬ج انفي ‪ 2004‬الص ادر عن نفس المحكمة والقاضي ب التفليس‪ .‬غ ير منش ور‬
‫(ملحق عدد‪)7‬‬

‫هذا المخرج يبقى في غير طريقة بالنظر إلى مصلحة األطراف المتعاقدة‪ ،‬وخصوصا في إطار الحال‬
‫بالنسبة لشركة اإليجار المالي‪ ،‬إال في حال تكييفها كدائن موثق دينها بامتياز خاص أو بضمان على منقول أو‬
‫عقار طبق أحكام الفصل ‪ 460‬من المجلة التجارية (‪.)21‬‬

‫‪7‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫هذا المخرج العملي يبقي السؤال مطروح‪ ،‬حول ما يوازيه من حلول في حال كانت شركة اإليجار المالي في‬
‫موقع الصادر في حقه حكم التفليس‪.‬‬

‫(‪ )21‬الفصل ‪ 460‬من المجلة التجارية ينص أن "الحكم ب التفليس يوقف بالنس بة لجماعة ال دائنين ال غ يرهم ف وائض ال ديون غ ير الموثقة‬
‫بامتي از خ اص أو بض مان من منق ول أو عق ار‪ .‬أما ف وائض ال ديون الموثقة فال يمكن المطالبة بها إال من المب الغ الحاص لة من بين المكاسب‬
‫المخصصة للضمان‪".‬‬

‫الفقرة الثّانية ‪ :‬صورة المسوغ المقضي بتفليسه‬

‫‪8‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ينص الفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية أن الحكم بالتفليس يترتب عليه قانونا من تاريخ صدوره رفع يد‬
‫الم دين عن إدارة جميع مكاس به والتص رف فها حسب المكاسب ال تي يكتس بها ب أي وجه من الوج وه ما دام في‬
‫حالة تفليس‪ .‬ويباشر األمين ما للمفلس من الحقوق والدعاوى المتعلقة بكسبه‪.‬‬

‫وحيث يمكن اإلذن لألمين حسب نفس المجلة وتحت رقابة الح اكم المنت دب‪ ،‬مباش رة اس تيفاء ال ديون ال تي‬
‫للمفلس ويتعهد بمواصلة استغالل تجارته متى صدر له اإلذن في ذلك من المحكمة‪.‬‬

‫وي ترتب عما تق دم أن ش ركة اإليج ار الم الي‪ ،‬تفقد س لطتها على مكاس بها ال تي اكتس بتها ب أي وجه من‬
‫الوج وه‪ ،‬وترفع ي دها عن إدارة مكاس بها‪ .‬وعلى س بيل التنويه في ه ذا الخص وص‪ ،‬فإنه ومن حيث المب دأ‪ ،‬ف إن‬
‫المحكمة في إط ار الحكم القاضي ب التفليس‪ ،‬ت أمر بوضع األخت ام (‪ )22‬ح تى يمكن إحص اء م ال المفلس‪ ،‬ويتم‬
‫وضع األختام على المخازن والمكاتب‪ ،‬والصناديق والملفات واألوراق والمنقوالت واألمتعة‪ ،‬وبمقر المفلس‬
‫أو كل واحد من الشركاء في حال تضامنهم‪ ،‬إال ما استثناه القانون (‪.)23‬‬

‫ويق وم الح اكم المنت دب باس تخراج األوراق التجارية ال تي تحت وي على دي ون المفلس المؤجلة ألجل ق ريب‬
‫الحل ول‪ ،‬أو ال تي تحت اج إلى قب ول أو ال تي تس توجب أعم اال تحفظية ويس لمها لألمين الس تيفاء مبالغها بعد ذكر‬
‫أوصافها (‪.)24‬‬

‫وتباع األشياء المعرضة للفساد أو لنقص محقق لقيمتها أو التي تستوجب نفقات مشطة لحفظها وذلك بسعي من‬
‫األمين بعد الترخيص له من الحاكم المنتدب‪ .‬وال تأذن باالستمرار على استغالل تجارة المفلس إذا طلب منها‬
‫األمين ذلك اعتمادا على تقرير الحاكم المنتدب وفيما إذا استوجبته بحكم الضرورة المصلحة العامة ومصلحة‬
‫الدائنين (‪.)25‬‬

‫والسؤال األول الذي يمكن طرحه في الخصوص‪ ،‬هل يمكن التطبيق المطلق لهذه األحكام على شركة اإليجار‬
‫الم الي ؟ والس ؤال الث اني‪ ،‬هل من الممكن اعتب ار حكم التفليس ق ادرا على إيق اف نش اط ش ركة اإليج ار الم الي‬
‫ب النظر إلى العالقة التعاقدية الجارية بينها وبين المنتفعين بعق ود إيج ار م الي ؟ والس ؤال الث الث‪ ،‬هل يمكن‬
‫وضع األخت ام تحفظيا على ممتلك ات الش ركة القائمة في ت اريخ الحكم ب التفليس وهي في ج انب منها تحت‬
‫تصرف المستفيدين من عقد اإليجار المالي سواء في إطار العقود المتعلقة بعقارات أو متعلقة منها بمنقوالت‬
‫وخصوصا التجهيزات المعدة للصناعة والتجارة والفالحة والخدمات ؟‬

‫الفصل ‪ 476‬م ت‬ ‫(‪)22‬‬


‫يراجع في هذا الخصوص أحكام الباب الثالث من المجلة التجارية "في إجراءات التفليس" من الفصل ‪ 466‬إلى الفصل ‪496‬‬ ‫(‪)16‬‬
‫الفصل ‪ 479‬من نفس المجلة‬ ‫(‪)17‬‬
‫الفصل ‪ 480‬من نفس المجلة‬ ‫(‪)18‬‬

‫‪9‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫يب دو في ط رح ه ذا التس اؤل أن آث ار حكم التفليس في ص ورة المس وغ المقضي بتفليسه يضع حجر عقبة‬
‫أمام تحققها باعتبار تش عب الموضوع‪ ،‬وأمام عدم وجود بساط تشريعي أو فقه قضائي واضح يوفر الحلول‬
‫المالئمة‪ ،‬ويخصص نظام قانوني خاص مستقل عن أحكام القانون العام التي ال تكاد تصلح لتنطبق على جميع‬
‫الصور من الناحية المبدئية‪.‬‬

‫ه ذا الف راغ التش ريعي‪ ،‬والفقه القض ائي‪ ،‬والفقهي على حد الس واء‪ ،‬يع زى لحداثة الق انون المنظم إليج ار‬
‫الم الي من جه ة‪ ،‬ال ذي م ازال ي واكب باحتش ام تط ور مج ال ت دخل مثل الش ركات المتخصصة في المج ال‪،‬‬
‫كتطور األنشطة االقتصادية المنتفعة بمثل تلكم العقود‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬وبالضرورة‪ ،‬فإن حداثة تركيز مثل‬
‫المؤسسات المالية‪ ،‬لم يضع أمام المشرع والقضاء والفقهاء صور عملية تتطلب تنظيم مثل هذه اإلشكاليات‪،‬‬
‫أو البحث في مضمونها‪.‬‬

‫ه ذا الف راغ في الحقيقة ال يقتصر مفعوله على الق انون التونس ي‪ ،‬ناهيك أن بعض البل دان ال تي ترع رعت فيها‬
‫أنش طة اإليج ار الم الي منذ عق ود‪ ،‬م ازالت تع اني من افتق اد أسس تنظيمية ثابت ة‪ ،‬وحل ول عملية ق ادرة على‬
‫تج اوز ه ذه الص عوبات‪ ،‬رغم الكم الهائل من مح اوالت المش رع‪ ،‬وفق القض اء والفق ه‪ ،‬لإللم ام بكل ج وانب‬
‫الحلول المتعلقة بالنزاعات وتطورها في إطار اإليجار المالي‪ .‬وخاصة بأمريكا ولكسمبورغ‪ ،‬وكندا‪ ،‬وألمانيا‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬وعلى سبيل الذكر والقياس‪ ،‬فإنه من المذهل االستئناس بالقانون السويسري‪ ،‬الذي لقي‬
‫في تجربته في حادثة األزمة المالية ال تي أص ابت مجمع ش ركات الط يران السويس ري "‪Groupe‬‬
‫‪ ،"Swissair‬حيث وجد المجلس الفدرالي نفسه أمام ضرورة التثبت من أهمية تعديل وتنقيح القانون الفدرالي‬
‫المتعلق ب التتبع من أجل ال ديون والفلس ة‪ .‬وانطالقا من أن "الق انون المتعلق بال ديون والفلسة قد سن من حيث‬
‫المب دأ لجميع ص ور الفلس ة"‪ ،‬وهو واقع الق انون التونسي ك ذلك‪" ،‬ف إن ه ذا ال يع ني أن كل ص ور الفلسة تخضع‬
‫إلى نفس األحكام بقطع النظر عن الخصوصيات التي تميزها‪ ،‬لكن بالعكس" (‪.)26‬‬

‫ه ذا التأكيد م ازال الق انون السويس ري ي روم إلى اس تيفائه من الناحية العملي ة‪ ،‬وموقف المجلس الف درالي‬
‫بتاريخ ‪ 27/02/2002‬واضح في هذا الخصوص (‪ ،)27‬وبالرغم من كون اإلطار التشريعي يخصص‬

‫يراجع الموقع ‪(" www.ec.europa.eu/civiljustice  "Texte déposé :‬ملحق عدد‪)3‬‬ ‫(‪)19‬‬


‫نفس المرجع‬ ‫(‪)20‬‬

‫‪10‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫أحكاما خاصة لح االت من اإلفالس بمثل الق انون المتعلق بالت أمين (‪ )28‬والتش ريع المتعلق ب البنوك (‪ )29‬؛‬
‫فإن السعي إلى التنظيم المحكم لقانون الديون والفلسة يبقى هاجسه األساسي والهدف الذي يسعى إلى تحقيقه‪.‬‬

‫هذه التجربة واألهداف المرسومة من المفروض أن تضع أمام المشرع التونسي مرجعا لإلقتداء به أمام‬
‫الص عوبات االقتص ادية العالمية ال تي أص بحت واقعا ال يمكن التغافل عن ه‪ .‬ه ذا إض افة إلى ك ون الق انون‬
‫التونسي تخصيصا كان بإمكانه أن يجد نفسه أمام صعوبات عملية في هذا اإلطار أمام الصعوبات التي كانت‬
‫تعرضت لها إح دى ش ركات اإليج ار الم الي بالعاص مة‪ ،‬وال تي اض طرت إلى تجميد نش اطها واالقتص ار على‬
‫تتبع ديونها وحسب علمنا لم ت دخل في إط ار إج راءات التس وية القض ائية والتفليس إلى حد ت اريخ الح ال‪ ،‬مما‬
‫يبقي الواقع العملي متعلقا وباألساس بحاالت تفليس المنتفعين بعقود اإليجار المالي‪.‬‬

‫يراجع نفس المرجع ‪Loi sur la surveillance des assurances, RS 961 .01‬‬ ‫(‪)21‬‬
‫يراجع نفس المرجع ‪Prescription particulières sur les cas d insolvabilité des banques dans la loi sur les banques .‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫‪RS 282 .11‬‬

‫‪11‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفصل الثّاني ‪ :‬إشكاليات انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية‬
‫للمتسوغ‬

‫انطالقا من كون المؤسسات الممارسة لنشاط اإليجار المالي‪ ،‬هي مؤسسات مالية ذات صبغة تجارية‬
‫وباألس اس‪ ،‬خاض عة إلى الب اب المتعلق ب التفليس ص لب المجلة التجارية من جه ة‪ .‬واعتب ارا لكون هذه المجلة‬
‫حسب منط وق الفصل األول ال تنطبق أحكامها إال على التج ار واألعم ال التجاري ة‪ ،‬من جهة أخ رى‪ ،‬ف إن‬
‫دراسة الحال تتمحور أساسا وفي هذا الفصل على الحالة التي تتحد فيها صفة الطرفين التجارية‪.‬‬

‫ومن ه ذا المنظ ور‪ ،‬ينصب بحث الح ال على م دى انس حاب آث ار حكم التفليس على الوض عية القانونية‬
‫للطرف المنتفع بعقد اإليجار المالي بموجب تمويل من المؤسسة المالية‪ ،‬وانطالقا من صفته كتاجر‪ ،‬يمكن أن‬
‫يتخذ موقعا بحسب األح وال‪ ،‬كمس تأجر منتفع بعقد إيج ار طرفه المقابل قضي بتفليسه (الفق رة األولى) ويمكن‬
‫أن يخضع إلى موقع المنتفع المقضي ذاته بتفليسه (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫وفي كل من الحالتين‪ ،‬فإن تقدير مدى انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية للطرف المنتفع‬
‫بالتمويل في إط ار عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬ال يخلو ب دوره من ص عوبات‪ ،‬ب الرجوع بالمثل إلى الطبيعة القانونية‬
‫للعقد‪ ،‬والفراغ التشريعي بالموازاة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬صورة المستأجر المنتفع‬

‫تماش يا مع الص بغة المالية لعملية اإليج ار الم الي ال تي تعد ش كال من أش كال االئتم ان البنكي (‪ )30‬فقد‬
‫اقتضى الفصل ‪ 6‬من ق انون جويلية ‪ 1994‬بأنه "ال تتع اطى اإليج ار الم الي بص فة نش اط إال ‪ :‬المؤسس ات‬
‫البنكية الخاض عة ألحك ام الق انون ع دد ‪ 51‬لس نة ‪ 1967‬الم ؤرخ في ‪ 7‬ديس مبر ‪ 1967‬المنظم لمهنة البن وك‬
‫والنصوص المنقحة والمتممة له‪ .‬والمؤسسات المالية المنصوص عليها بالفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 51‬لسنة‬
‫‪ 1967‬في ديس مبر ‪ 1967‬المنظم لمهنة البن وك والنص وص المنقحة والمتممة ل ه‪ .‬والمؤسس ات الخاض عة‬
‫ألحك ام الق انون ع دد ‪ 108‬لس نة ‪ 1985‬الم ؤرخ في ‪ 6‬ديس مبر ‪ 1985‬المتعلق بتش جيع المؤسس ات المالية‬
‫والبنكية المتعاملة أساسا مع غير المقيمين‪"...‬‬

‫كل هذه المؤسسات هي في صورة الواقع شركات تجارية لها صبغة المؤسسات المالية وخاضعة ألحكام‬
‫المجلة التجارية ناهيك الباب المتعلق بالتفليس‪ .‬وقد يحصل أن تمر هذه المؤسسات بصعوبات مالية تؤدي إلى‬
‫الحكم بتفليسها‪ ،‬وأن يكون أن أبرمت عقود إيجار مالي‪.‬‬
‫وقد يحصل أن ي برم عقد اإليج ار الم الي في ص ورتين‪ ،‬الحالة األولى أن يك ون س ابقا لحكم التفليس‪ ،‬والحالة‬
‫الثانية أن يكون الحقا لحكم التفليس‪.‬‬

‫في الحالة الثانية‪ ،‬ينص الفصل ‪ 463‬من المجلة التجارية أن "كل دفع آخر يقوم به المدين إيفاء بديون حل‬
‫أجلها‪ ،‬وكل عمل بعوض يصدر عنه على غير النحو المتقدم‪ ،‬باإلشارة إلى حاالت الفصل ‪ ،462‬بعد التوقف‬
‫عن دفع ديونه يمكن التص ريح ببطالنه بالنس بة لجماعة ال دائنين إذا ك ان األش خاص ال ذين قبض وا ال دين أو‬
‫عاقدوه عالمين بتوقفه عن دفع ديونه"‪.‬‬

‫ويفهم من الص بغة المطلقة للفصل ‪ 463‬أن عقد اإليج ار الم الي الم برم بين المنتفع والمؤسسة المالية الص ادر‬
‫في حقها حكم التفليس‪ ،‬ت دخل تحت آث ار الفصل ‪ 462‬من المجلة التجاري ة‪ ،‬وي وجب الحكم ببطالنه ا‪ ،‬في‬
‫صورة علم المنتفع بتوقف معاقده عن دفع ديونه‪.‬‬
‫وبطالن األعم ال الواقع ذكرها بالفص لين ‪ 462‬و ‪ 463‬من المجلة التجارية تمكن عند االقتض اء بالقي ام‬
‫بدعوى الرد‪.‬‬
‫أما الحالة األولى‪ ،‬وهي ص ورة إب رام عقد اإليج ار الم الي قبل حكم التفليس‪ ،‬وقبل العش رين يوما من‬
‫التاريخ المعين من طرف المحكمة لتوقف المدين عن دفع ديونه وتاريخ الحكم ب التفليس‪ ،‬والمسماة فقه قض اء‬
‫"الم دة الزمنية المس ماة بف ترة الريب ة‪ ،)31("...‬حيث تنتج نفس اآلث ار الم ومئ إليها أعاله من حيث‬

‫جالل الفرجاوي "اإليجار المالي في القانون التونسي" مجلة القضاء والتشريع العدد ‪ 4‬السنة ‪ 41‬أفريل ‪ 1999‬ص ‪.70‬‬ ‫(‪)23‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 36177‬مؤرخ في ‪ 30‬نوفمبر ‪ 1992‬مجلة القضاء والتشريع عدد ‪ 2‬لسنة ‪ 1994‬ص ‪.98‬‬ ‫(‪)24‬‬

‫‪13‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫المبدأ‪ ،‬دون االعتبار للصعوبات العملية (‪ .)32‬في هذه الحالة فإنه من المفروض أن ينتج عقد اإليجار المالي‬
‫آث اره قانون ا‪ ،‬من انتف اع المس تأجر ب المكرى‪ ،‬وتنفيذ هذا األخير اللتزاماته في دفع معين ات اإليج ار الحالة إلى‬
‫انتهاء أمد الكراء‪ ،‬وتنفيذ مقتضيات الوعد بالبيع بحسب األحوال‪.‬‬

‫وحيث باعتبار أن "في منظومة اإليجار المالي‪ ،‬التمتع بالقرض يبقى دائما مرتبطا بحق الملكية للشيء‪ ،‬ويوفر‬
‫للمؤجر الضمانات الكافي ة" (‪ ،)33‬ف إن السؤال يبقى مطروح ا‪ ،‬فهل ينتج حكم التفليس آث اره بما يمس بحقوق‬
‫المستأجر وسلطته على الشيء ؟‬

‫هذا اإلشكال لم يتطرق له المشرع في الباب المتعلق بالتفليس‪ ،‬حيث اكتفى في القسم الخامس من المجلة‬
‫بعنوان "في كراء وامتياز المكرى" بالصورة التي يكون فيها الطرف المستأجر هو الطرف الواقع الحكم في‬
‫حقه بالتفليس‪ .‬ولعل مرد هذا الفراغ‪ ،‬الواقع العملي عند وضع هذه المجلة‪ ،‬حيث من المعتاد أن يكون التاجر‬
‫هو المستأجر لمحل أو محالت تجارته‪.‬‬

‫وباعتب ار أنه ومن حيث المب دأ "يجب الوف اء ب العقود مع تم ام األمان ة" فإنه ومن المف روض‪ ،‬وتطبيقا للفصل‬
‫‪ 462‬و‪ 463‬و‪ 464‬و‪ 465‬من المجلة التجاري ة‪ ،‬أن يك ون المنتفع بعقد اإليج ار الم الي‪ ،‬حسن الني ة‪ ،‬وخ ال‬
‫ال ذهن من توقف معاق ده عن دفع ديون ه‪ ،‬لك ون تعاق ده ك ان س ابقا عن الحكم ب التفليس‪ ،‬وعليه من حقه االنتف اع‬
‫بالمكرى بعد أن ال وجه لحرمانه من مواصلة ذلك قانونا‪.‬‬

‫انطالقا من ه ذا المعطى‪ ،‬فإنه مب دئيا يص عب تط بيق آث ار حكم التفليس على عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬من حيث‬
‫وضع األخت ام على م ال المفلس‪ ،‬وتبقى ه ذه الص ورة اس تثناء إلطالقية الفصل ‪ 476‬وما بع ده من المجلة‬
‫التجارية‪.‬‬

‫هذه االستثنائية تبرز بوضوح محدودية االنطباق الكلي ألحكام الفلسة على الرابطة التعاقدية بين الممول‬
‫المفلس والمنتفع بعقد اإليج ار الم الي‪ ،‬وهو ما يط رح األهمية للتس اؤل ح ول آث ار تض ارب الحق وق‪ ،‬بين‬
‫مصلحة المنتفع والدائنين‪ ،‬الذين يجدون أنفسهم أمام وضعية حجر عائق أمام القضاء لضمان قيمة ممتلكات‬
‫المفلس في تاريخ صدور حكم التفليس من ناحية‪ ،‬ولضمان حقوق المستأجر الذي يبقى في وضعية الريبة إذا‬
‫طالت إجراءات الفلسة في حال ارتفاع قيمة المكرى وخصوصا العقارات واألصول‬

‫في كل األح وال تبقى العالقة التعاقدية قائمة عملي ا‪ ،‬ويص عب إبط ال العقد بحسب األح وال والمص لحة‪ ،‬والم دة الزمنية ال تي اس تمر بها‬ ‫(‪)25‬‬
‫تنفيذ عقد اإليج ار الم الي‪ .‬ومع ذلك يبقى الس ؤال مطروحا ح ول إمكانية إب رام مؤسسة اإليج ار الم الي لمثل العق ود أم ام الص عوبات المالية‬
‫التي تتخبط فيها ‪.‬‬
‫)‪(26‬‬ ‫‪Avis sur la révision de l’arrêté royale N°55 du 10/11/1967 organisant le statut juridique des entreprises‬‬
‫‪pratiquant la location financement et de l’arrêté ministériel du 23/02/1968 portant condition d’agréation des‬‬
‫‪entreprises pratiquant la location financement et dont le statut juridique est réglé par l’arrêté royale N°55 du‬‬
‫‪10/11/1967 -précité.‬‬

‫‪14‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫التجارية منها بمرور الوقت ؛ والتي قد يجد فيها المنتفع الفرصة السامحة للتفريط في موضوع اإليجار المالي‬
‫(‪ )34‬بأسعار ال يمكن له استغاللها بحكم التفليس ؛ وطول اإلجراءات‪.‬‬

‫ه ذه اإلش كاليات ال يوجد لها حل ص ريح بالمجلة التجاري ة‪ ،‬وهو ما ي دعو إلى التفك ير مليا في األخذ بعين‬
‫االعتبار بعض األنشطة الهامة التي يمكن أن تطرح إشكاليات‪ ،‬خصوصا وأن الحالة العكسية في صورة كان‬
‫المستأجر من تم الحكم بتفليسه‪ ،‬تطرح عمليا عديد الصعوبات‪ ،‬تؤدي في غالب األحيان إن لم تكن في مجمل‬
‫صورها‪ ،‬إلى اإلضرار الواضح بمصلحة المدين كمصلحة جماعة الدائنين‪.‬‬

‫يراجع الشروط العامة لعقد اإليجار المالي‪ ،‬حيث يخول لمستأجر المكرى أن يرفع خيار الشراء قبل أجل انتهاء العقد‪ ،‬أو التقدم بمطلب‬ ‫(‪)27‬‬
‫في تعويضه بمنتفع غ يرا عن العقد وبالش روط ال تي يتم االتف اق عليها نهاية مع الش ركة الممولة وبحسب األح وال‪ .‬نم وذج من عقد اإليج ار‬
‫المالي – (الملحق عدد‪)5‬‬

‫‪15‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفقرة الثّانية‪ : 1‬صورة المستأجر المفلس‬

‫ينص الفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية أن "الحكم بالتفليس يترتب عليه قانونا من تاريخ صدوره رفع يد‬
‫المدين عن إدارة جميع مكاسبه والتصرف فيه ا‪ ...‬مادام في حالة تفليس‪ ...‬على أنه يجوز للمفلس أن يجري‬
‫جميع األعم ال التحفظية لص يانة حقوقه وأن يت دخل في القض ايا ال تي يتبعها األمين‪ .‬وبن اء على الفصل ‪457‬‬
‫من المجلة التجارية‪ ،‬فإن المفلس ترفع يده بحكم القانون عن إدارة مكاسبه‪ ،‬وينتج عن ذلك أن رفع كل دعوى‬
‫متعلقة بمنقول أو عقار ينوبه عنه أمين الفلسة‪)35( "...‬‬

‫ومن ه ذا المنظ ور‪ ،‬يفقد المس تأجر س لطته على الش يء تأسيس ا‪ ،‬إال ما اس تثناه الق انون ص راحة بالفصل‬
‫الموالي (‪ ،)36‬ويشمل رفع اليد جميع الحقوق التي حصل عليها المفلس بأي وجه من الوجوه‪ ،‬ويشمل ذلك ما‬
‫انتفع به بموجب عقود إيجار مالي‪ ،‬سواء تعلقت بإيجار منقوالت أو عقارات‪ .‬وال يبقى للمفلس حسب منطوق‬
‫الفصل ‪ 457‬الفقرة األخيرة إال إجراء جميع األعمال التحفظية لصيانة حقوقه‪...‬‬

‫ه ذه اآلث ار المترتبة عن حكم التفليس‪ ،‬تط رح التس اؤل بص ورة مباش رة ح ول تك ييف الس لطة القانونية للمفلس‬
‫على الشيء‪ ،‬هل هي سلطة مالك على ملكه‪ ،‬أو سلطة مفوض في استعمال الشيء ؟‬

‫الركون إلى هذا التساؤل يطرح بدوره تساؤال موازيا حول الطبيعة القانونية لإليجار المالي‪ ،‬إذ ذهب بعض‬
‫الفقه اء إلى اعتب اره من العق ود "الهجين ة" (‪ )37‬ذلك أنه يحت وي على أجن اس قانونية متع ددة تح اول التوفيق‬
‫أساسا بين عناصر مستمدة من عقد البيع وأخرى من عقد الكراء‪ ،‬وهو ما يجعل األطروحات تتعدد‪ ،‬فهناك من‬
‫اعتبره كراء ساتر للبيع‪ ،‬أو بيع بالتقسيط مستترا‪ ،‬أو عقد بيع مدرج به بند االحتفاظ بالملكية‪ .‬وهي في الحقيقة‬
‫أطروحات تعنى أساسا بالنهاية االقتصادية للعملية دون البحث في مرتكزاتها القانونية التي تحملنا إلى تكييف‬
‫العملية من قبيل الك راء ولكنه ك راء تم ويلي من جه ة‪ ،‬ومن جهة أخ رى ك راء مرف وق بوعد بيع من ج انب‬
‫واحد‪.‬‬

‫وب الرجوع إلى الفصل األول من ق انون جويلية ‪ 1994‬حيث ع رف اإليج ار الم الي بكونه "عملية إيج ار‬
‫تجهيزات أو معدات أو عقارات مقتناة أو منجزة لغرض اإليجار من قبل المؤجر الذي يبقى مالكا لها‪"...‬‬

‫حكم ابت دائي م دني ع دد ‪ 308‬ص ادر عن المحكمة االبتدائية بت ونس في ‪ 11‬م اي ‪ .1963‬مجلة القض اء والتش ريع ع دد ‪ 10-9‬لس نة‬ ‫(‪)28‬‬
‫‪ 1964‬ص ‪.11‬‬
‫الفصل ‪ 458‬من المجلة التجارية‪.‬‬ ‫(‪)29‬‬
‫)‪(30‬‬ ‫‪M. El Bay et C.Galvada « Le crédit bail immobilier » Que sais-je P.V.F. 1981 1ière éd. P 87.‬‬

‫‪16‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ي برز بوض وح أن اإليج ار الم الي يعد ك راء بمقتضى الق انون‪ ،‬وه ذا الوض وح إنما وض وح من حيث‬
‫الغموض يعطي حصانة التكييف أمام الفقه والقضاء واألطراف (‪.)38‬‬

‫هذا الغموض ينعكس بدوره على آثار حكم التفليس على عقد اإليجار المالي من حيث طبيعته‪ ،‬فانطالقا‬
‫من طبيعته القانونية ووصف عقد اإليج ار‪ ،‬فإنه ومن حيث المب دأ يجب أن يس تبعد انطب اق أحك ام الفصل ‪457‬‬
‫من المجلة التجارية‪ ،‬حيث تقف رغبة األطراف من جهة في مواصلة التعاقد‪ ،‬كاالستحالة القانونية للقيام ضد‬
‫المفلس قضائيا حسب منطوق الفصل ‪ 459‬من نفس المجلة‪ ،‬حاجزا أمام سلطة القضاء في رفع يد المفلس عن‬
‫استعمال المكرى‪ ،‬وعجزها لضمان استيفاء ديونه‪.‬‬

‫ه ذا المب دأ‪ ،‬رغم اقترابه من مس ايرة الطبيعة القانونية لعملية اإليج ار الم الي‪ ،‬إال أنها تتع ارض والص بغة‬
‫المطلقة للفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية ال ذي يقر كآث ارا لحكم التفليس‪ ،‬رفع يد الم دين عن إدارة جميع‬
‫مكاسبه والتصرف فيها حتى المكاسب التي يكتسبها بأي وجه من الوجوه مادام في حالة تفليس‪.‬‬

‫عملي ا‪ ،‬درجت المح اكم‪ ،‬على غ رار القض ية ع دد ‪ 20‬م ازالت إجراءاتها جارية بالمحكمة االبتدائية‬
‫ب القيروان‪ ،‬على وضع اليد على جميع مكاسب الم دين بما فيها ما هي موض وع عقد إيج ار م الي‪ ،‬س واء ك انت‬
‫من قبيل العقارات‪ ،‬أو المنقوالت‪ ،‬واستغاللها كضمان الستيفاء خالص جماعة الدائنين‪.‬‬

‫ه ذه الحل ول‪ ،‬وإ ن ك ان من الممكن تبريرها قانوني ا‪ ،‬إال أنها ال يمكن أن تس تفي موجب ات الطبيعة القانونية لعقد‬
‫اإليجار المالي‪ ،‬ومصلحة األطراف غير الدائنين في حال اعتبار أن شركة اإليجار المالي غيرا عن النزاع‪.‬‬

‫فمن جه ة‪ ،‬من حق المؤسسة المالية التمسك بملكيتها للمك رى‪ ،‬ومعارضة المحكمة وجماعة ال دائنين بحق‬
‫ملكيتها وس لطتها على الش يء‪ ،‬واختي ار األس لوب الق انوني لحماية مص الحها بم وجب الض مانات ال تي يوفرها‬
‫عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬ومن جهة أخ رى‪ ،‬من المف روض أن يك ون من حق المنتفع المفلس معارضة المحكمة‬
‫وجماعة الدائنين بخروج المكرى عن ذمته المالية‪ ،‬بشرط توفر المصلحة‪.‬‬

‫هذه الفرضيات‪ ،‬وإ ن كانت موضوعية بالنسبة للمعارضة بحق الملكية‪ ،‬إال أنها تبدو بعيدة عن منطق القانون‬
‫بالنس بة للفرض ية الثاني ة‪ ،‬اعتب ارا لبطالن جميع التص رفات ال تي يبرمها المفلس بع وض أو بدونه وكما تم‬
‫اإلشارة إليه سابقا‪.‬‬

‫جالل الفرجاوي "اإليجار المالي في القانون التونسي" مجلة القضاء والتشريع العدد ‪ 4‬لسنة ‪ 41‬أفريل ‪ 1999‬ص ‪ 54‬وما بعده‪.‬‬ ‫(‪)31‬‬

‫‪17‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ومع ذلك‪ ،‬مازال موقف الفقه والقضاء غير حاسم في الموضوع‪ ،‬باعتبار الفراغ التشريعي‪ ،‬وسلبيته من حيث‬
‫مثل الوضعية‪ ،‬مما يجعله متناقضا من منظور كل زاوية‪ ،‬وبحسب كل وضعية‪.‬‬

‫ه ذه الس لبيات ال تي أح دثها الف راغ التش ريعي‪ ،‬ح اول القض اء تجاوزها من الناحية العملي ة‪ ،‬مجانبا ح وار‬
‫التض ارب بين التك ييف الق انوني لعقد اإليج ار الم الي‪ ،‬وعمومية األحك ام المتعلقة ب التفليس‪ ،‬معتم دا على‬
‫إجراءات الصلح االحتياطي كمخرج من المأزق‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الجزء الثّاني ‪ :‬انسحاب آثار حكم التفليس على الوضعية القانونية لعقد‬
‫اإليجار المالي‬

‫عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬عقد خ اص تنظمه أحك ام خاصة ص لب ق انون ‪ 1994‬المتعلق باإليج ار‬
‫الم الي‪ .‬إال أن ه ذا النظ ام الق انوني في اقتض ابه‪ ،‬يقتصر على تعريف وتنظيم العالقة التعاقدية بين‬
‫المؤسسة الممولة والمنتفع‪.‬‬

‫هذا اإلطار الضيق للقانون المتعلق باإليجار المالي‪ ،‬يفرض في طبيعته الرجوع إلى نظام القانون العام‪،‬‬
‫ناهيك أحك ام المجلة التجارية المتعلقة في الكت اب الرابع بالص لح االحتي اطي والتفليس‪ ،‬من جه ة‪ ،‬وأحك ام‬
‫االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مجموع هذه النظم القانوني ة‪ ،‬يتبين انعدام اإلطار القانوني الصريح في تنظيم اآلثار التي‬
‫يمكن أن تتولد عن حكم التفليس في حال ارتبطت ذمة المفلس من طرفيه بعقد إيجار مالي‪.‬‬

‫هذا الفراغ التشريعي‪ ،‬يوازيه فراغ فقهي‪ ،‬في النظام القانوني التونسي‪ ،‬وتبقى بعض البوادر العملية‬
‫القضائية المرجع الوحيد الذي يمكن أن ينطلق منه البحث‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى هذه البوادر العملية‪ ،‬وبعض المحاوالت الفقهية في القانون المقارن‪ ،‬يمكن أن يستخلص أنه‬
‫باإلمك ان س حب آث ار حكم التفليس ال وارد بالمجلة التجارية على الوض عية القانونية لعقد اإليج ار الم الي‬
‫األول) ثم الرك ون إلى الحل ول الطارئة على الفلسة (الفصل الثّ اني) لتحقيق‬
‫باعتم اد القي اس (الفصل ّ‬
‫النتائج‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫األول ‪ :‬ضرورة القياس في سحب آثار حكم التفليس على الوضعية‬


‫الفصل ّ‬
‫القانونية للعقد‬

‫بالنظر إلى الفراغ التشريعي‪ ،‬وسكوت الفقه‪ ،‬كالتجربة المحتشمة التي يمر بها القضاء التونسي‪ ،‬فإن‬
‫دراسة م دى إمكانية س حب آث ار حكم التفليس في إط ار العالقة التعاقدية ال تي يحكمها الق انون المنظم‬
‫لإليجار المالي تطرح في ذاتها عديد الصعوبات‪ .‬وإ يجاد الحلول يفرض وبالضرورة االستئناس بالتجربة‬
‫األجنبية من جهة‪ ،‬واستقراء الحلول التي انتهجها القضاء التونسي بصورة عملية‪.‬‬

‫والبحث في ه ذه األس س‪ ،‬وإ ن ك ان يعطي في الحقيقة إجابة ح تى لو ك ان محتش ما ال يفي واقعيا ليك ون‬
‫مرجعا لت دارس الح االت في تع ددها‪ ،‬فإنه وبالمقابل يفضي إلى ط رح عديد التس اؤالت وب التوازي‪ ،‬مما‬
‫يسمح بالقول‪ ،‬بالدغمائية الفعلية التي تحوم حول الموضوع‪ ،‬وأن أسلوب التبسيط المعتمد إنما غموض في‬
‫ذاته‪ ،‬ال يرقى إلى مرتبة الحلول القانونية الصرفة‪.‬‬

‫ولبيان هذا الفراغ‪ ،‬واستشراف نظرة متواضعة للحلول سيعتمد البحث على التجارب العملية والنظرية‬
‫وبيان أن حكم التفليس ال ينهي العمل بعقد اإليجار المالي (الفقرة األولى) بالرغم من اإلشكاليات المتولدة‬
‫عن استمرارية تنفيذ العقد (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬حكم التفليس ال ينهي العمل بعقد اإليجار المالي‬

‫القانون المنظم لإليجار المالي (‪ ،)39‬واإلطار الضيق في تنظيم عقود اإليجار المالي‪ ،‬يفتح في المجال‬
‫ض رورة للبحث قياسا بما ورد بالمجلة التجارية (‪ )40‬بالفصل ‪ 572‬وما بع ده‪ .‬وفي ه ذا اإلط ار‪ ،‬ينص‬
‫الفصل ‪ 572‬أن "التفليس ال يترتب عليه قانون فسخ كراء العقارات المخصصة لتجارة المدين وفي ضمنها ما‬
‫اشتملت عليه من المحالت المعدة لسكناه أو سكنى عائلته ويلغي كل شرط مخالف لذلك‪".‬‬

‫ويتبين من الفصل المذكور‪ ،‬أن حكم التفليس ال ينهي العمل بعقد الكراء‪ ،‬إال أنه اقتصر في مشموالته على‬
‫ك راء العق ارات المخصصة لتج ارة المفلس وس كناه وس كنى عائلته دون غيره ا‪ .‬وقياسا على ه ذا التنظيم‬
‫الق انوني ص لب المجلة التجاري ة‪ ،‬وانطالقا من التعريف ال وارد ص لب الق انون المنظم لإليج ار الم الي (‪،)41‬‬
‫وانطالقا من المبدأ بكون أن طبيعة عقد اإليجار المالي هو عقد إيجار باألساس لمعدات أو عقارات‪ ،‬فإنه من‬
‫المفروض قياسا أن حكم التفليس "ال يترتب عليه قانونا فسخ عقد اإليجار المالي"‪.‬‬

‫هذا المبدأ يبدو األق رب إلى الواقع العملي والنظ ري‪ ،‬ويبقى رغم ظه ور ب وادره لدى القض اء التونس ي‪ ،‬بعيدا‬
‫عن المقترح الذي يفي حفيظة رجال القانون‪.‬‬

‫وفي ه ذا اإلط ار‪ ،‬يب دو موقف الفقه في لكس مبورغ أك ثر وض وحا حيث ينطلق الفقه اء من الق انون المنظم‬
‫للفلس فة وتحدي دا الفصل ‪ 46‬من الق انون المتعلق بالفلس فة لتعليل "أن التفليس ال ي ترتب عليه قانونا فسخ العق ود‬
‫الجارية‪ ،‬ناهيك منها المتعلقة بعقد اإليجار المالي‪)42( ".‬‬

‫القانون عدد ‪ 86‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 26‬جويلة ‪ 1994‬مذكور سابقا‪.‬‬ ‫(‪)32‬‬


‫المجلة التجارية‪ ،‬القسم الخامس في الكراء وامتياز المكرى‪ .‬الفصول من ‪ 572‬إلى ‪.574‬‬ ‫(‪)33‬‬
‫يراجع أعاله‪.‬‬ ‫(‪)34‬‬
‫يراجع في الخصوص مقال ‪ » Gilles CARNOY et Raphaël GEUERS « contrats en cours et faillite‬على الموقع‬ ‫(‪)35‬‬
‫‪(www.businessandlaw.be‬ملحق عدد‪ )2‬‬

‫‪21‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫هذه اإلحالة على الفصل ‪ 46‬من القانون المتعلق بالفلسة بلكسمبورغ‪ ،‬يسمح من وجهة المقاربة االعتماد‬
‫بالمثل على الفصل ‪ 572‬من المجلة التجارية‪ ،‬ولعل هذا الموقف حسب رأينا األقرب للواقع القانوني والعملي‬
‫وبالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ 459‬والفصل ‪ 446‬الفقرة الثالثة من المجلة التجارية‪)43(.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن لم تكن شركة اإليجار المالي قد استصدرت حكما سابقا للتفليس‪ ،‬فإنه يصبح من الواجب عليها‬
‫طبق أحكام الفصل ‪ 572‬الفقرة الثالثة أن ترفع دعواها في خالل الخمسة عشر يوما من بلوغ اإلعالم المشار‬
‫إليه ب الفقرة المتقدم ة‪ ،‬وتص در على أساسه المحكمة المتعه دة حكما بالفسخ في ح ال اعت برت أن الض مانات‬
‫المعروضة غير كافية‪.‬‬

‫هذا القياس تبقى مناظرته مع الحالة التي تكون فيها المؤسسة المالية هي الواقع تفليسها‪ ،‬قائما من حيث‬
‫المب دأ‪ ،‬وتأسيسا على نفس معطي ات الفص لين ‪ 446‬و‪ 459‬من المجلة التجاري ة‪ ،‬كتأسيسا على مص لحة‬
‫المستأجر في مواصلة االنتفاع بالمكرى‪.‬‬

‫على أن أحك ام الج زء الخ امس "في الك راء وامتي از المك رى" ال يمكن القي اس عليه على إطالق ه‪ ،‬باعتب ار وأنه‬
‫من غير الوارد مبدئيا تطلع المكتري إلى فسخ العقد من جهة‪ ،‬وطبق أحكام الفصل ‪ 572‬من المجلة التجارية‪،‬‬
‫كما أن اإلمكانية ال واردة بنفس الفصل في إمكانية فسخ األمين لعقد الك راء ب إذن من المحكمة يص طدم‬
‫وبالض رورة ب الحق المتولد للمك تري من عقد اإليج ار الم الي في إمكانية ش راء المع دات موض وع اإليج ار‬
‫وبالشروط المضمنة بالعقد‪.‬‬

‫ويس تخلص مما س بق أن ت رتيب مثل اآلث ار ال واردة بالمجلة التجارية على عقد اإليج ار الم الي عند تفليس‬
‫أحد طرفيه‪ ،‬يبقى مجرد قياس موضوعي يتطلب تدعيما عمليا ارتجاليا من المحكمة التي تجد نفسها وفي كل‬
‫األح وال أم ام ص عوبات جدية لخصوص ية عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬يف رض عليه ا‪ ،‬حسب نظرن ا‪ ،‬التم ادي في‬
‫الحفاظ على استمرارية العالقة التعاقدية‪ ،‬ورغم اإلشكاليات التي تطرح بالتوازي حول آثار استمرارية هذه‬
‫العالقة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفصل ‪ 459‬من المجلة التجارية "الحكم ب التفليس يعطل على ال دائنين ذوي ال ديون المج ردة وال دائنين ذوي االمتي از الع ام القي ام‬ ‫(‪)36‬‬
‫بالمطالبة منفردين‪ .‬ال يمكن رفع الدعوى بخصوص منقوالت أو عقارات أو تتبعها وال االسترسال في إجراء وسائل تنفيذية أو الشروع فيها‬
‫إذا كانت من قبيل ما يلحقه هذا التعطيل إال من األمين كما أن القيام بها ال يكون إال عليه‪"...‬‬
‫الفصل ‪ 446‬فقرة ‪" 3‬تختص المحكمة التي قررت التفليس بالنظر في جميع الدعاوى المرتبطة به‪".‬‬

‫الفقرة الثّانية ‪ :‬اإلشكاليات المتولدة عن استمرارية‪ 1‬عقد اإليجار المالي‬

‫انطالقا من القياس على مبدأ الفصل ‪ 572‬من المجلة التجارية يكون التفليس ال يترتب عليه قانونا فسخ‬
‫عقد اإليجار المالي‪ ،‬وباعتبار الفرضية المتعلقة بالمصلحة في استمرار عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫هذه االستمرارية تطرح بدورها فرضية الفصل ‪ 473‬الفقرة الثانية من المجلة التجارية التي تنص أنه "…وفي‬
‫صورة عدم الفسخ ال يمكن للمكري بعد استيفاء ما وجب له من الكراء الحال أن يطالب بدفع الكراء الجاري‬
‫أو ال ذي س يحل إذا احتفظ بالض مانات ال تي منحت له بالعقد أو إذا اعت برت الض مانات المعط اة له منذ توقف‬
‫المدين عن دفع ديونه كافية‪".‬‬

‫وانطالقا من المعطى الض يق لعقد اإليج ار الم الي دون التوسع في مج ال الض مانات‪ ،‬واالقتص ار على ك ون‬
‫المع دات تش كل في ذاتها الض مان لتنفيذ عقد اإليج ار الم الي‪ .‬واعتم ادا على ك ون المع دات تبقى م دة اإليج ار‬
‫ملكا للمؤسسة المالية باعتبار وأن عقد اإليجار يبقى ساري المفعول بتاريخ صدور الحكم بالتفليس‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما تق دم ف إن الس ؤال المط روح يتأسس ح ول اآلث ار المترتبة عن اس تمرارية عقد اإليج ار‬
‫المالي‪ ،‬ومدى تحمل عقد اإليجار المالي للنظام القانوني الوارد صلب المجلة التجارية ؟‬

‫في الحقيقة ه ذا اإلش كال يفتقد إلى الحل ول النص ية ح تى ب الرجوع إلى أحك ام التفليس وإ جراءات ه‪ ،‬وتختلف‬
‫الصعوبات من منظور كل طرف في عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫وانطالقا من الفرضية األولى‪ ،‬التي يكون فيها المحكوم بتفليسه هو الطرف المتسوغ‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬فإنه‬
‫من المف روض أن يتع ذر على المفلس اإليف اء بالتزاماته المالية تج اه المؤسسة المالية طبقا ألحك ام الفص لين‬
‫‪ 463‬و‪ 462‬من المجلة التجاري ة‪ ،‬أو ح تى فسخ عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬أو معاوضة ال دين الح ال بالمع دات أو‬
‫العقارات موضوع اإليجار المالي‪ ،‬أو أي منقوالت أو أية عقارات أخرى‪.‬‬

‫ه ذه الوض عية تف رض على المؤسسة المالية من حيث المب دأ ض رورة المطالبة بفسخ عقد اإليج ار الم الي‬
‫قياسا على أحكام الفصل ‪ 572‬من المجلة التجارية‪ .‬إال أن الفسخ وبالضرورة يبقى تحت طائلة قرار المحكمة‬
‫المتعهدة التي تقرر في الموضوع بحسب األحوال‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫وحسب نظرنا يبقى من الص عب على المحكمة الحكم بفسخ عقد اإليج ار الم الي‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر‬
‫بإيجار عقارات حيث تبقى عمليا الضمان الوحيد الستيفاء أغلب الديون المثقلة على المفلس‪ .‬وعلى األقل هذه‬
‫الوض عية ش هدتها وض عية القض ية ع دد ‪ ،)44( 20‬حيث ورغم تع دد ال دائنين إال أن الض مان الوحيد بقيت‬
‫عقارات المحكوم بتفليسه‪ ،‬وأهمها ما تعلق بها عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫هذه الوضعية تطرح الفرضية المبدئية ألهمية مواصلة العالقة التعاقدية بالنسبة لألمين والمحكم ة‪ ،‬إال‬
‫أنها تتض ارب وحق المؤسسة المالية وباالحتج اج بملكيتها للعق ارات أو المنق والت المتعلق بها عقد اإليج ار‬
‫المالي (‪ ،)45‬ونظرية استحالة تنفيذ العقد النعدام الذمة المالية للمفلس‪.‬‬

‫وإ ض افة إلى ه ذه الفرض ية األولى‪ ،‬ف إن الفرض ية الثاني ة‪ ،‬وهي ص ورة أن يك ون المحك وم بتفليسه هي‬
‫المؤسسة المالي ة‪ .‬ه ذه الفرض ية تط رح ب دورها‪ ،‬وانطالقا من ص ورة الخي ار في اس تمرارية عقد اإليج ار‬
‫الم الي‪ ،‬اإلش كال الج وهري انطالقا من النظرية العامة لاللتزام ات والعق ود‪ .‬فهل يمكن لألمين والمحكمة‬
‫ف رض خي ار الش رط أم ام المك تري في ش راء المع دات نهائيا بخالف التقس يط المتفق علي ه‪ ،‬أو التن ازل عن‬
‫مواصلة العالقة التعاقدية ؟‬

‫ه ذه اإلمكانية غ ير واردة من حيث المب دأ باعتب ار أنه ال يمكن تحميل معاقد المفلس ب أكثر مما تتحمله ذمته‬
‫المالية بغير خطئ منه‪.‬‬

‫ه ذه الص عوبة العملية والقانونية تب دو خي ارا مف روض أم ام المص لحة في اس تمرارية عقد اإليج ار الم الي‪،‬‬
‫باعتب ار أنه وفي ح ال تقرير فسخ عقد اإليج ار من قبل األمين ب إذن من المحكم ة‪" ،‬فإنه يحق لمعاقد المفلس‬
‫المطالبة بج بر الض رر‪ ،‬ه ذا دون اعتب ار األحك ام المتعلقة بالنظ ام الع ام في تنفيذ العق ود وال تي ال تعفي األمين‬
‫من االمتثال إليها…"(‪)46‬‬

‫هذه اإلشكاليات العملية تطرح نفسها في إطار اآلثار المتولدة عن الحكم بالتفليس في عالقته بعقد اإليجار‬
‫الم الي‪ .‬وفي إط ار ه ذه اإلش كاليات المش ارة في عين ات منها تفضي إلى االس تخالص ض رورة‪ ،‬وأن ج انب‬
‫االرتج ال في مثل ه ذه الوض عيات يبقى الحل األنسب بالنس بة للقاضي المتعهد وأمين الفلس ة‪ ،‬وأط راف قض ية‬
‫الفلسة‪ ،‬وعليه‪ ،‬ال مفر عمليا من ضرورة توفير أرضية تفاهم توفيقية بين جميع المصالح المتضاربة للخروج‬
‫من المأزق واستغالل موضوع اإليجار كقاعدة الستيفاء ما يمكن من ديون حالة وثابتة طبق القانون‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫القضية عدد ‪ 20‬مذكورة سابقا‪.‬‬ ‫(‪)37‬‬


‫يراجع حول الموضوع مقال «‪ » La réserve de la propriété  ‬حول قانون ‪ 31‬مارس ‪ 2000‬مقال محين في أكتوبر ‪.2005‬‬ ‫(‪)38‬‬
‫على الموقع ‪(www.cdm.lu :‬ملحق عدد‪)4‬‬
‫يراجع مقال ‪ » Gilles CARNOY et Raphaêl GEUERS « contrats en cours et faillite‬مذكور سابقا‪.‬‬ ‫(‪)39‬‬

‫الفصل الثّاني ‪ :‬في الحلول الطارئة على الفلسة‬

‫انطالقا من اإلش كاليات التي تطرحها ض رورة س حب آث ار حكم التفليس على الوضعية القانونية‬
‫لعقد اإليجار المالي‪ ،‬مقارنة بالفراغ القانوني الذي يحوم حول الموضوع‪ ،‬فإنه يمكن الجزم بعدم إمكانية‬
‫الخي ار في انته اج أس لوب عملي للخ روج من الم أزق‪ ،‬وت رتيب اآلث ار المتول دة عن حكم التفليس بص ورة‬
‫أقرب إلى مرجعها القانوني‪ ،‬وتفي بضرورة استيفاء النتائج وخصوصا تسوية الوضعية المالية للدائنين‪.‬‬

‫ه ذه الم رامي‪ ،‬من المف روض أن تس تند إلى أسس قانونية ص ريحة‪ ،‬إال أن ه‪ ،‬وب النظر إلى محدودية‬
‫التنظيم القانوني التونسي‪ ،‬فإنه كان من الضروري استخالص قياسا‪ ،‬بعض الحلول العملية التي تبقى في‬
‫محاوالت القضاء التونسي قاصرة عن اتخاذ ما يعلل سندها‪.‬‬

‫هذه الحلول‪ ،‬ترتكز أساسا حول الركون إلى الصلح الذي يجيزه الفراغ التشريعي التونسي (الفقرة األولى)‬
‫باعتبار اآللية الوحيدة الستيفاء الديون من المكرى (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الفراغ التشريعي يجيز الصلح‬

‫بالنظر إلى المجلة التجارية وقانون ‪ 1994‬المتعلق باإليجار المالي‪ ،‬يالحظ الفراغ التشريعي في تنظيم‬
‫األحكام التي يمكن أن تالئم مثل اإلشكاليات المطروحة في آثار حكم التفليس على عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫ه ذا الف راغ التش ريعي‪ ،‬يوازيه ف راغ فقه قض ائي وفقهي على حد علمن ا‪ ،‬باس تثناء الواقع العملي من ج انب‬
‫الفرضية التي يكون فيها المحكوم بتفليسه هو شخص المكتري في إطار عقد اإليجار المالي‪.‬‬

‫ه ذا الف راغ التش ريعي في إط ار الق انون التونسي يعكس بوض وح قص ور النظ ام الق انوني في بالدنا على‬
‫احتواء فرضياته‪ ،‬وإ يجاد الحلول العملية المالئمة للحقوق الفردية والنظام العام‪.‬‬

‫ه ذا الف راغ التش ريعي ليس بقص ور خ اص باإلط ار التش ريعي التونس ي‪ ،‬إال أنه ف راغ يحسب عليه من حيث‬
‫التطرق لمثل اإلشكاليات المطروحة‪ ،‬ومسايرة األنظمة المقاربة‪.‬‬

‫وفي ه ذا الخص وص‪ ،‬يمكن التنويه بالمح اوالت الفقهية بألكس مبورغ في ق راءة الق انون المنظم للعق ود الجارية‬
‫في إط ار حكم التفليس (‪ )47‬واس تخالص الفرض يات والحل ول المالئمة رغم ص عوبة الج زم ب الحلول‬
‫المقترحة‪.‬‬

‫هذه الخواطر في البحث حول الموضوع‪ ،‬يبدو أنها تلقى في قانون ‪ 31‬مارس ‪ 2000‬الذي أضاف للمجلة‬
‫التجارية بألكس مبورغ فصال جدي دا هو الفصل ‪ 567-1‬ال ذي ي دمج مب دأ "معارضة جميع ال دائنين بالملكية في‬
‫صورة الفلسة وعند توفر بعض الشروط" (‪.)48‬‬

‫ه ذه الش روط تنقسم إلى ش روط ش كلية‪ ،‬إذ ي وجب الفصل ‪ )49( 567-1‬في ه ذا الخص وص وبص ريح‬
‫النص أن الش رط المتعلق بالمعارضة أو االحتج اج بالملكية يجب أن يك ون ش رطا كتابيا في نط اق التس ليم في‬
‫أقصى تقدير‪ ،‬وعليه يكون شرط المعارضة شرطا تعاقديا رضائيا بين الطرفين حتى يمكن له أن ينتج آثاره‪.‬‬
‫أما من جهة الش روط الجوهري ة‪ ،‬ف إن الفصل الم ذكور ال ينطبق إال في إط ار التفليس‪ ،‬وال يمكن أن يتعلق إال‬
‫بالمنقوالت المميزة بالعقد‪)50( .‬‬

‫‪26‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪)40‬‬


‫يراجع المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪)41‬‬
‫الفصل ‪Le vendeur d'un bien mobilier non fongible, qui est convenu avec le faillite... peut " 567-1‬‬ ‫(‪)42‬‬
‫‪revendiquer ce bien" ("La réserve de la propriété") précité‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪)43‬‬

‫هذا الحل التشريعي بالقانون المقارن‪ ،‬ورغم حدود مجال انطباقه خصوصا من حيث الموضوع‪ ،‬يعتبر‬
‫حال موض وعيا في الحقيقة باعتب ار ما ي وفره من ض مانات لمؤسس ات اإليج ار الم الي ال تي تمثل في ال وقت‬
‫ال راهن مؤسس ات لها تأثيرها على تنش يط االقتص اد‪ ،‬ودفع اإلنت اج‪ ،‬وتش جيع االس تثمار‪ ،‬ومن المف روض أن‬
‫يوفر لها حماية خاصة تالئم هذه األهمية‪ .‬وحسب نظرنا‪ ،‬فإن سحب مثل الفصل ‪ 567‬من قانون ‪ 31‬مارس‬
‫‪ 2000‬على العق ارات موض وع عق ود اإليج ار الم الي يعد أق رب للمنطق من خالل االنطالق من فك رة أنه‬
‫يصعب على المستأجر اعتماد موضوع اإليجار للحصول على قروض بنكية أو سلف نقدية أو ما يقوم مقامها‬
‫من الغ ير بض مان المش روع‪ ،‬ويبقى كل متعامل مع المفلس متحمال لمس ؤولية الثقة المج ردة ال تي يتعامل بها‬
‫دون التثبت من توفر الضمانات الكافية‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬يبقى عقد اإليجار المالي خارجا عن نطاق تطبيق أحكام التفليس‪ ،‬مما يسهل إعادة بيع‬
‫المش روع إلى كل مس تثمر ي رغب في معاق دة مؤسسة اإليج ار الم الي وتحمل مس ؤولية التس يير واإلنت اج‪.‬‬
‫وبالتالي تحقيق المصلحة االقتصادية واالجتماعية التي من المفروض أن تحلى باألولوية في نظر المشرع‪.‬‬

‫على أنه‪ ،‬ورغم توفر مثل هذه التجربة المخصوصة بلكسمبورغ‪ ،‬يبدو أن الموضوع قد يبقى بعيدا عن مرمى‬
‫المش رع التونس ي‪ ،‬ال ذي خ ير في س كوته إعط اء المس ؤولية للتجربة العملية االرتجالية للقض اء الس تخالص‬
‫الحلول القابلة العتماد‪.‬‬

‫ه ذه الحل ول ال يمكن أن تخ رج وبالض رورة عن إمكانية وضع أسس اتفاقية للخ روج من م أزق ش رط حماية‬
‫النظام العام في تطبيق القانون على مجموع األطراف في النزاع‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى المجلة التجارية في الباب الرابع "في الحلول الطارئة على الفلسة"‪ ،‬يالحظ صعوبة تطبيق‬
‫األحكام الواردة به في حال تعلق األمر بعقد إيجار مالي‪ ،‬وبالنظر إلى تضارب المصالح‪ ،‬والصعوبة العملية‬
‫سواء كان في إطار القسم األول "في الصلح االحتياطي" أو في إطار القسم الثاني "في الصلح في تنازل المفلس‬
‫عن ماله" أو حتى في إطار القسم الثالث "في ختم الفلسة النعدام مصلحة جماعة الدائنين"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫ه ذه المرجعية التش ريعية المفرغة من إمكانية انطباقها في الموض وع ال تمنع بالمقابل من إب رام ص لح خ اص‬
‫تكون فيه المؤسسة المالية الصوت الفيصل إن لم نتجاوز للقول "بسلطة القضاء التي تتجاوز حدود الشرعية‬
‫باألساس‪".‬‬

‫الفقرة الثّانية ‪ :‬الصلح اآللية الوحيدة الستيفاء الديون من المكرى‬

‫انطالقا من الف راغ التش ريعي كما تم بيانه س ابقا‪ ،‬ومن الطبيعة القانونية "الهجين ة" كيفما نعت الفقه‬
‫الطبيعة القانونية لعقد اإليج ار الم الي‪ ،‬وما يطرحه من ص عوبات عملية وقانونية عند تعلق موض وع اإليج ار‬
‫بأحد أط راف العقد وقد تم تفليس ه؛ فإنه من الض روري إيج اد الحل ول لتص فية م ال المفلس ومحاولة اس تيفاء‬
‫ديونه وما أمكن منها باعتبار وضعيته المادية وذمته المالية‪.‬‬

‫ه ذه الض رورة ت وجب على القاضي وضع أسس عملية للخ روج من جميع اإلش كاليات القانونية ال تي يمكن أن‬
‫تط رح وبحسب الفرض ية موض وع المواجه ة‪ .‬ه ذه األسس العملية ال يمكن أن تخ رج وبالض رورة عن إط ار‬
‫الص لح‪ ،‬واالتف اق بين جميع األط راف المتداخلة مع االح تراز لم دى ت أثير موقف الم دين المفلس ال ذي يبقى‬
‫عمليا وموضوعيا الطرف المهمش النعدام المصلحة قانونا‪.‬‬

‫والص لح‪ ،‬أو االتف اق "الرض ائي" يبقى نظريا مرتبطا بجميع األط راف المتداخل ة‪ ،‬إال أنه واقعيا ال يمكن إال‬
‫أن يكون منحصرا بين القاضي المتعهد والطرف غير المفلس في عقد اإليجار المالي‪ ،‬ناهيك‪ ،‬وأن الموضوع‬
‫وفي كل الحاالت ومن حيث المبدأ في مصلحة بقية الدائنين مهما كان ترتيبهم‪.‬‬

‫ويتمثل الص لح أساسا في تن ازل معاقد المفلس في إط ار مرجع عقد اإليج ار الم الي عن ج انب من حقوق ه‪،‬‬
‫وحسب الفرض ية‪ .‬ف إذا تعلق الموض وع بالمؤسسة المالية الممول ة‪ ،‬ف إن ه ذه األخ يرة تتن ازل عن حقها في‬
‫المعارضة بملكية المكرى سواء تعلق بمنقول أو عقار‪ .‬أما إذا تعلق الموضوع بالمستأجر المنتفع‪ ،‬فيكون له‬
‫س واء إمكانية الش راء النه ائي للمك رى في ح ال تماشي الع رض وإ مكانياته ومص لحته‪ ،‬أو بالتن ازل عن حقه‬
‫باالنتفاع بعقد اإليجار المالي مقابل التعويض له عما يلحقه من ضرر‪)51( .‬‬

‫وفي حين تبدو هذه الفرضيات ممكنة بحسب األحوال‪ ،‬إال أنها ال تخلو من الصعوبات العملية‪ ،‬وتستوجب‬
‫اتخاذ القرار الحاسم من المحكمة المتعهدة‪ .‬وفي هذا اإلطار كان لمحكمة القيروان االبتدائية تجربة عملية في‬

‫‪28‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫إط ار الموض وع بمناس بة تعه دها بقض ية الفلسة ع دد ‪ )52( 20‬حيث بعد أن ت بين لها اس تحالة اس تيفاء بعض‬
‫ديون المفلس إال بتصفية العقارات التي كانت موضوع إيجار مالي‪ ،‬حيث توصل القاضي المتعهد إلى إقناع‬
‫ش ركة اإليج ار الم الي بالتن ازل عن حقوقها في ملكية العق ارات‪ ،‬واقتص ارها على الض مانات المقترحة من‬
‫المحكمة في خالص ما تبقى من قيمة اإليجار بعد تبتيت العقارات موضوعه‪.‬‬

‫يراجع في خصوص هذه الفرضيات «‪ » contrats en cours et faillite ‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪)44‬‬


‫مذكور سابقا‪.‬‬ ‫(‪)45‬‬

‫هذا الصلح من الناحية النظرية يقترب من أحكام القسم الخامس من المجلة التجارية "في كراء وامتياز‬
‫المك رى"‪ ،‬إال أنه ال يخلو من الخصوص ية ب الرجوع إلى الق انون المنظم لإليج ار الم الي‪ ،‬والق وانين المنظمة‬
‫لالمتيازات بشكل عام‪.‬‬

‫إال أن المرجعية في فهم الحل المعتمد من الناحية القانوني ة‪ ،‬وبالص ورة المبس طة‪ ،‬يحيل حسب تق ديرنا إلى‬
‫اعتماد القاضي المتعهد لطريقة "الشراء المؤجل الدفع للعق ارات موضوع اإليجار الم الي‪ ،‬على أن يكون دفع‬
‫الثمن بعد التبتيت‪".‬‬

‫هذا الحل وإ ن كان أقرب للواقع‪ ،‬إال أنه من الناحية القانونية يفتح الباب إلى ضرورة التكييف القانوني للحل‬
‫المعتم د‪ ،‬وال ذي يبقى مع ذلك وحسب تق ديرنا مج رد حل عملي موض وعي مف رغ من س نده الق انوني‪ ،‬وحرفيا‬
‫"ارتجال من القاضي المتعهد في تسوية الوضعية بصورة عملية"‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى استقرار مثل الحل المتقدم‪ ،‬والنظر في مدى إمكانية انطباقه في صورة المتسوغ المنتفع المقابل‬
‫للمؤسسة الممول ة‪ ،‬ف إن مثل ه ذا الق رار العملي ال يمكن اف تراض إمكانية العمل ب ه‪ ،‬وربما يك ون من األق رب‬
‫انتظ ار انته اء م دة اإليج ار‪ ،‬ورفع خي ار الش راء من المنتف ع‪ ،‬وهو ما يطيل آج ال نشر قض ية التفليس‪ ،‬ويضع‬
‫القاضي المتعهد أمام األمر الواقع وضرورة االستجابة له‪.‬‬

‫ويستخلص مما سبق‪ ،‬أن "الص لح االتف اقي" يبقى الحل الوحيد لتجاوز الصعوبات القانونية‪ ،‬على األقل في‬
‫ال وقت ال راهن‪ ،‬إال أنه مع ذلك ال يفي بالحاجة ب اختالف الوض عيات والفرض يات ال تي يمكن أن تط رح أم ام‬
‫القاضي المتعهد‪ .‬وعليه يبقى السؤال المطروح‪ ،‬هل ينتظر المشرع السقوط في "المأزق" (‪ )53‬حتى يفكر في‬
‫حلول قانونية تتطلب في ذاتها مجهود خاص‪ ،‬وجبار للتوصل إلى حلول منطقية طالما تتوق الدول الغربية إلى‬
‫بسط نماذجها منذ سنوات ؟‬

‫‪29‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫وهل من غ ير المج دي االقت داء بأزمة "ش ركة الط يران السويس رية" الس تباق األم ور ومحاص رة الف راغ‬
‫التشريعي ؟‬

‫‪impasse’ L‬‬ ‫(‪)46‬‬

‫ال ـخـاتـمــة‬

‫يتبين مما سبق بسطة‪ ،‬أن حكم التفليس باعتباره الحكم القاضي عادة بانتهاء مراحل وإ جراءات محاولة‬
‫إنق اذ المؤسسة االقتص ادية المتوقفة عن دفع ديونه ا‪ ،‬وإ ن ك ان يحكمه مرجع ق انوني كفيل إلى حد ما بتنظيم‬
‫مختلف اإلج راءات‪ ،‬للوص ول إلى تص فية م ال المفلس اس تيفاء لديون ه‪ ،‬وذلك ص لب المجلة التجاري ة‪ ،‬ال تي‬
‫تخصص الكتاب الرابع للغرض‪ ،‬يجمع في طياته ‪ 152‬فصال تقريبا‪ ،‬من الفصل ‪ 445‬إلى الفصل ‪ ،596‬إال‬
‫أن مثل هذه األحكام تبدو قاصرة على استيعاب الحالة التي تفترض انسحاب آثار حكم التفليس في حال تعلق‬
‫بذمة شخص المفلس عقد إيجار مالي‪.‬‬

‫والمتأمل في وض عية الح ال‪ ،‬يت بين أن الق انون التونس ي‪ ،‬وب الرغم من السالسة المعتم دة في إط ار الحل ول‬
‫القض ائية‪ ،‬ال يمكنه أن يك ون مرجعا فعليا لفصل مثل اإلش كاليات ال تي تنعكس س لبا على مص لحة كل ط رف‪،‬‬
‫كمص لحة المجتم ع‪ ،‬اعتب ارا ألهمية التمويل في إط ار اإليج ار الم الي‪ ،‬وما يحققه من دفع لبعث المش اريع‪،‬‬
‫وتوفير مواطن وفرص التشغيل‪ ،‬ودفع الدورة االقتصادية‪.‬‬

‫ه ذه األهمية لعملية التمويل بطريقة اإليج ار الم الي‪ ،‬تف ترض عمليا األخذ بعين االعتب ار اإلش كاليات ال تي‬
‫يمكن أن ت أثر على تط ور نش اط اإليج ار الم الي‪ ،‬خصوصا أم ام انفت اح الس وق العالمي ة‪ ،‬وتزايد الص عوبات‬
‫االقتص ادية ال تي تعيش ها المؤسس ات التونس ية في ال وقت ال راهن‪ ،‬مما يضع ص وب الواقع ض رورة المب ادرة‬

‫‪30‬‬
‫حـكم التـفـلـيس وعـقد اإليـجار الـ ـمـالـي‬

‫بوضع قانون يالئم خصوصية النشاط‪ ،‬وطبيعة عقود اإليجار المالي‪ ،‬سواء بتطوير القانون المتعلق باإليجار‬
‫الم الي‪ ،‬أو بوضع ق انون خ اص ص لب المجلة التجاري ة‪ ،‬أو ح تى ق انون منفص ل‪ ،‬يمكن له اس تيفاء التص دي‬
‫لجميع اإلشكاليات في إطار الحكم بالتفليس‪.‬‬

‫هذه الضرورة تبدو بعيدة عن مشاغل المشرع التونسي‪ ،‬والسؤال‪ ،‬هل ينتظر المشرع السقوط في المأزق‬
‫ح تى يتفطن إلى س لبيات ه ذا الف راغ التش ريعي‪ ،‬أم هو في وض عية المتأم ل‪ ،‬ينتظر الب وادر الفقهية إليج اد‬
‫المخ رج‪ ،‬أم أن وج وب الكلية في مراجعة كل من الق انون المنظم لإليج ار الم الي‪ ،‬والق انون المنظم للص لح‬
‫االحتياطي والتفليس‪ ،‬هو الذي يطرح اإلشكالية في تحقيق الكمالية ؟‬

‫‪31‬‬

You might also like