Professional Documents
Culture Documents
نفي النسب- الذخيرة القانونية
نفي النسب- الذخيرة القانونية
نفي النسب
األستاذة المحاضرة:
األستاذة هالة نصراوي
0
المقدمة
الزواج رابطة روحية مقدسة شرعها هللا سبحانه و تعالى وسيلة إلنجاب األطفال و إيجادهم في هذه
الحياة فإذا ما ولد الطفل كان من اوكد حقوقه ثبوت نسبه.
و لعبارة النسب مفهومان ،مفهوم واسع و آخر ضيق ،فأما المفهوم الواسع للنسب فيعني العالقة
الموجودة بين جميع أفراد العائلة الواحدة ولو كانوا من األباعد فالنسب بهذا المفهوم يعني القرابة ،
و أما المفهوم الضيق فيعني العالقة الشرعية او القانونية الرابطة بين الطفل و والده .
و قد يبدو ذلك غريبا ضرورة أن الطفل يولد من ذكر و أنثى فلم اإلشارة إلى األب و إغفال الحديث
عن األم تماما؟
في الواقع فان إهمال عالقة األمومة في مادة النسب موروثة عن التقاليد العربية في الجاهلية حين
كانت القبيلة هي األساس وهي بمثابة األسرة الموسعة ،فكان ارتباط أفراد األسرة األعضاء كارتباط
أفراد القبيلة األم ،مؤسسا على النسب المبنى على قرابة العصوبة أي قرابة الرجال اللذين كانت
النصرة بهم و اللذين يستأثرون بحقوق اإلرث و غيرها.1
و قد انتقل المفهوم الضيق للنسب إلى التشريع اإلسالمي الذي يعرفه بأنه الرابطة الشرعية التي تربط
بين الطفل و أبيه مصداقا لقول هللا تعالى في سورة األحزاب "ادعوهم آلبائهم هو اقسط عند هللا".2
فاإلسالم حرم على األوالد أن ينتسبوا إلى غير إبائهم كما حرم على النساء أن تنسب إحداهن إلى
زوجها من تعلم انه ليس منه فكان نتيجة لهذا التحريم ان فتح هللا الباب لألزواج لنفي نسب األطفال
الغرباء عنهم.
إذا يمكن القول أن رابطة النسب و إن كانت رابطة شرعية فإنها تبقى دوما عرضة للقطع ،من ذلك
أن الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي التونسي أعطيا إمكانية نفي النسب في حاالت معينة.
ففي إطار الفقه اإلسالمي يمكن نفي النسب بمالعنة تجري بين الزوجين و لقد ضبط هللا سبحانه و
تعالى اللعان بقوله تعالى "و اللذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إال أنفسهم ،فشهادة احدهم
أربع شهادات باهلل انه لمن الصادقين و الخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبين و يدرا عنها
العذاب أن تشهد أربع شهادات باهلل انه لمن الكاذبين و الخامسة أن غضب هللا عليها إن كان من
الصادقين"
1عبد الرؤوف بن الشيخ " :الوضعية القانونية للبنوة الغير الشرعية في القانون التونسي" مذكرة في شهادة الدراسات العليا للقانون الخاص ص 11
2سورة االحزاب االية 5
1
أما في إطار القانون الوضعي التونسي ،فان المشرع تعرض إلى مسالة النسب صلب الفصول 86إلى
68من مجلة األحوال الشخصية دون أن يعطي تعريفا لها .إال أن الفقهاء اجمعوا على أن المقصود
بالنسب ،عالقة البنوة المبنية على زواج شرعي و هو ما يقابل التعبير الفرنسي filiation 1
.légitime.
و هنا تجدرا لمالحظة انه من الممكن أن يولد الطفل في ظل الرابطة الزوجية و ال يثبت نسبه نظرا
لوالدته دون أدنى مدة الحمل .وعمال بالفصل 61من م أ ش إذا ولد لتمام ستة أشهر من حين عقد
الزواج يثبت نسبه تجاه زوج أمه باعتبار نسبه ثابت بالفراش.2إال انه رغم تمتع هذا الطفل بقرينة
األبوة الشرعية فان نفي نسبه يبقى ممكنا.
لإلجابة عن هذا اإلشكال فانه يتجه تناول جملة من المسائل التي يمكن تقسيمها إلى جزأين ,آليات نفي
النسب (الجزء األول) و آثار نفي النسب (الجزء الثاني) .
. 1ساسي بن حليمة " :وضعية الطفولة الطبيعية أو الغير الشرعية في تونس" م ق ت عدد 1688/ 2صفحة6
2المراد شرعا بالفرش الزوجية القائمة حين ابتداء الحمل
2
إذا ارتأى الزوج نفي نسب الولد الذي أنجبته زوجته أثناء قيام الزوجية الصحيحة ،وجب عليه القيام
بدعوى نفي النسب (الفصل األول) و إثبات صحة ما ادعاه بناء على وسائل نفي حددها المشرع
التونسي صلب الفصول 65و 86فقرة أولى من م ا ش (الفصل الثاني).
اعتبر ميرابو أن "الناس في حاجة إلى القضاء ما عاشوا فإذا فرض عليهم احترامه لزم أن يحسوا بأنه
1
محل ثقتهم و موضع طمأنينتهم".
و لئن جع ل المشرع التونسي اكتساب الطفل الشرعي لحقوقه المعنوية و المادية بمجرد والدته في
إطار الزوجية و ذلك بمفعول القانون فان تجريد الطفل من هذه الحقوق يمر حتما عبر القيام بدعوى
نفي النسب إال أن أحكام مجلة األحوال الشخصية لم تتعرض صراحة إلى إجراءات دعوى نفي النسب
(الفرع األول) كما أنها أهملت مسالة إمكانية سقوط هذه الدعوى بمرور الزمن (الفرع الثاني).
تشتمل مادة اإلجراءات على القواعد التي تنظم السلطة القضائية التي تعنى بسير الدعوى فتوزع
االختصاص بين مختلف محاكم القضاء كما تبين هذه القواعد اإلجرائية طرق رفع الدعوى و البيانات
الواجب توفرها في عريضة الدعوى و كيفية إبالغها إلى المطلوب و إجراءات الحضور و جزاء
التخلف عنه و ممارسة الطعن وصوال إلى تنفيذ اإلحكام.
و لما كانت دعوى نفي النسب دعوى مدنية فهي بالضرورة خاضعة لقواعد اإلجراءات المدنية إال أن
مسالة تنظيم إجراءات هذه الدعوى لم يقع التعرض إليها بمجلة األحوال الشخصية لذلك وجب توضيح
المسائل اإلجرائية التي تتعلق أساسا بمعرفة المحكمة المختصة (الفقرة األولى) و أطراف الدعوى
(الفقرة الثانية).
1
Gabriel Riquet Mirabeau : «petit Larousse » 1985 p 1526 « la justice est un besoin de tous et de chaque instant comme elle doit
» commander le respect elle doit inspirer la confiance
3
لتحديد المحكمة المختصة في دعوى نفي النسب ال بد من معرفة االختصاص الحكمي (ا)
و الترابي (ب).
إن قواعد االختصاص الحكمي في النزاعات الخاصة بمسائل األحوال الشخصية كما في غيرها من
النزاعات هي قواعد آمرة تهم النظام العام و ال يجوز للقاضي تركها و ال يمكن لألطراف مخالفتها أو
التفصي من إتباعها باتفاقاتهم الخاصة .1و هذا عمال بمنطوق الفصل الثالث من مجلة المرافعات
المدنية و التجارية الذي نص على انه " ال عمل على كل اتفاق من شانه مخالفة االختصاص الحكمي
المعين بالمجلة " .وبالتالي كان لزاما على المحكمة أن تثيره و تتمسك به من تلقاء نفسها كما يمكن أن
تقع إثارة مسالة عدم االختصاص من كل ذي صفة و من طرف النيابة و يمكن أن يثار هذا الطعن
ألول مرة أمام محكمة التعقيب.
و تكتسي هذه المسالة أهمية بارزة باألخص في دعوى نفي النسب لما فيها من مس بمصلحة الطفل
واألسرة و المجتمع عموما إال أن المشرع لم يتعرض بمجلة األحوال الشخصية إلى مسالة
االختصاص الحكمي في دعاوي النسب و ذلك على خالف المشرع الفرنسي الذي نص صراحة
صلب الفصل 111من المجلة المدنية على ما يلي :
و لئن كان الجواب بديهيا باعتبار أن الجهة المختصة هي دائرة األحوال الشخصية بالمحكمة االبتدائية
فانه يجب البحث عن األساس التشريعي لذلك فبالرجوع للنصوص القانونية ال نجد أحكاما صريحة
تسند االختصاص للمحكمة االبتدائية للنظر في دعاوى نفي النسب و لكن عمال بالفصل 68من م م م
ت فان المحكمة االبتدائية هي محكمة ذات اختصاص حكمي عام اي محكمة تختص بالنظر في جميع
النزاعات عدى ما خرج عنها بنص خاص .
و طالما لم يفرد المشرع دعوى نفي النسب باختصاص معين يخرج عن أنظار المحكمة االبتدائية
مثلما فعل بالنسبة لدعوى النفقة 2التي ترجع بالنظر لحاكم الناحية فإنها تخضع لالختصاص العام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1جيهان باألكحل " :قضاء األحوال الشخصية" مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون األعمال كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة 2005ص85
2الفصل 16من م م م ت
4
سكت المشرع التونسي عن بيان المحكمة المختصة ترابيا بالنظر في دعوى نفي النسب و لذلك وجب
الرجوع إلى القواعد العامة لإلجراءات الواردة بمجلة المرافعات المدنية و التجارية اذ نص الفصل
10منها على ما يلي ":المطلوب شخصا أو ذاتا معنوية تلزم محاكمته لدى المحكمة التي بدائرتها
مقره األصلي أو مقره المختار" .فيتضح أن مرجع النظر الترابي يتحدد بحسب مقر المطلوب فتكون
المحكمة االبتدائية الموجود بدائرتها المطلوب هي المختصة في دعوى نفي النسب.
و يمكن تبرير هذا الحل بان المطلوب هو الطرف الضعيف في القضية لذلك فمن العدل محاكمته لدى
المحكمة التي بدائرتها مقره .إال أن اإلشكال يبقى قائما إذا كان المطلوب مقيما خارج الوطن ،و هنا
يمكن التفكير في فرضيتين لحل هذا اإلشكال .1وتتعلق الفرضية األولى بالقاعدة العامة الواردة
بالفصل 11من م م م ت إذ نص هذا الفصل على ما يلي " إذا لم يكن للمطلوب مقر معروف بالتراب
التونسي فالدعوى ترفع للمحكمة التي بدائرتها مقر الطالب" غير انه وقع إلغاء هذا الفصل بمقتضى
قانون عدد 66لسنة 1666المؤرخ في 26نوفمبر .1666
من هنا وجب التفكير في الفرضية الثانية التي تتعلق بإسناد االختصاص إلى المحكمة االبتدائية بتونس
العاصمة وهو أمر تقتضيه سرعة الفصل و الضمانات الالزمة لألطراف و بالتالي يتدعم القول بان
تحديد المحكمة المختصة ترابيا من المسائل األولية التي يجب حسمها حتى يكون المتقاضي على بينة
من أمره و يعلم مسبقا مسار دعواه و يرفعها أمام المحكمة االبتدائية المختصة ترابيا.
و خالصة القول أن دعوى نفي النسب ترفع أمام المحكمة االبتدائية التي بدائرتها مقر المطلوب و هي
الحالة العادية .و إذا ما تيسر لنا معرفة المحكمة المختصة حكميا و ترابيا فانه هنالك مسالة أخرى
أولية من الضروري حسمها و هي المتعلقة بمعرفة أطراف الدعوى.
تفترض كل دعوى وجود طرفين هما المدعي و المدعى عليه و كل منهما يوجد في مركز قانوني
معين فاحدهما يقف موقف الطالب و اآلخر مطلوبا لكن األمر ليس على هذه الدرجة من البساطة إذا
تعلق بدعوى نفي النسب لذلك وجب معرفة من يمكنه أن يكون في مركز المدعي (ا) و من يكون
مدعى عليه في هذه الدعوى (ب).
1عبد السالم العوني" :نسب االبن الطبيعي" مذكرة لالحراز على شهادة الماجستير في قانون االعمال كلية الحقوق بصفاقس ص 16
5
جاء الفصل 65من م ا ش ناصا على ما يلي "إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الولد الالزم له فال ينتفي
عنه إال بحكم الحاكم و تقبل في هاته الصورة جميع وسائل اإلثبات الشرعية " ما يعني أن المشرع
التونسي جعل حق القيام بدعوى نفي النسب حكرا على الزوج 1وحده ألنه هو الوحيد الذي يقدر إن
كان لدعواه مرتكز قوي أم ال .و هذا الحل يذكر بما جاء بالفصل 112من المجلة المدنية الفرنسية،
من أن الطفل المولود أثناء قيام الرابطة الزوجية هو ابن شرعي للزوج و إذا ما رام هذا األخير نفيه
فما عليه إال إثبات عدم أبوته له.
ورغم أن هذا الفصل لم يخص صراحة الزوج وحده بحق القيام بدعوى نفي النسب فان الفقه
الفرنسي 2ذهب في هذا االتجاه معتبرا أن دعوى نفي النسب هي حكر على الزوج وحده باعتبار أن
هذا األخير هو المؤهل للحكم على نسب المولود لعلمه بخصوصيات العالقة الزوجية و خفاياها وهو
القادر على تقدير دعواه و معرفة ما إذا كانت متجهة أم ال.
إال أن المشرع الفرنسي تدخل بموجب قانون 1جانفي 1662ليفتح الباب لغير الزوج للقيام بدعوى
نفي النسب.إذ أتاح الفرصة لالم للقيام بدعوى نفي نسب الطفل عن زوجها و لكن قيد ذلك بشروط
هدفها حماية مصلحة الطفل من ذلك أن األم التي تروم نفي نسب ابنها عن زوجها بقصد إلحاقه بوالده
الحقيقي عليها أن تتزوج بهذا الوالد الحقيقي للطفل بقصد إكسابه وضعية االبن الشرعي.
و لكن في إطار القانون التونسي ال يمكن للزوجة حاليا القيام بدعوى نفي النسب خاصة أن الفصل 65
من م ا ش يجعل هذه الدعوى حكرا على الزوج وحده و لم يشر إلى األم بوصفها مدعية في مثل هذه
الدعاوى .
إذن يتضح مما سلف أن الزوج طالما انه على قيد الحياة فهو الوحيد صاحب المصلحة في القيام
بدعوى نفي النسب .أما بعد وفاته فان المشكل يبقى قائما في القانون التونسي نظرا لغياب نص صريح
يبيح للورثة القيام بدعوى نفي النسب وهو ما أمكن تجاوزه في إطار القانون الفرنسي الذي كرس
صراحة حق الورثة في القيام صلب الفصل 118م م ف الذي جاء فيه انه "إذا توفي الزوج قبل إثارة
الدعوى و قبل انقضاء اجلها فان ورثته تكون لهم صفة القيام بهذه الدعوى".
أما في القانون التونسي و في غياب نص صريح اتجه البعض إلى اعتبار انه ال يمكن للورثة القيام
بدعوى نفي النسب الن الزوج هو الوحيد ذو الصفة و المصلحة في الدفاع عن مصالحه المادية و
المعنوية.
1
الزوج هو والد المولود خالل الزواج "االمين الشابي " :البنوة الشرعية في القانون التونسي م ق ت عدد 8لسنة 1686صفحة . 10
2
Doyen carbonher « droit civil » tome 1 .9 eme edition n 70.
6
و اعتبر البعض اآلخر أن الفصل 86فقرة أولى من م أ ش الذي ينص على انه "ال يثبت النسب عند
اإلنكار لولد زوجة ثبت عدم التالقي بينها و بين زوجها" جاء مختلفا من حيث صياغته عن الفصل
65م ا ش الذي جعل حق القيام مقصورا على الزوج وحده مما يدعو للقول بان هذا الفصل لم
يخصص أي كان بهذه الدعوى وهو ما يبعث على االعتقاد بأنها دعوى مفتوحة لكل ذي مصلحة .1و
لقد تدعم هذا الرأي بما استقر عليه فقه القضاء من قبول لدعوى نفي النسب المرفوعة من قبل ورثة
الزوج و ذلك في حال كان القيام على أساس أحكام الفصل 86فقرة أولى من م ا ش.2
تقتضي القواعد العامة لإلجراءات أن الدعوى تقام من ذي صفة على ذي صفة معنى هذا أن الشروط
المتوفرة في القائم بالدعوى هي نفسها الشروط المطلوبة في المقام ضده و من هذا المنطلق تثار
الدعوى من طرف من له أهلية القيام لدى القضاء ضد طرف هو اآلخر أهل للتقاضي.
و من هنا يمكن القول أن المدعى عليه في دعوى نفي النسب إذا بلغ سن الرشد تقام الدعوى ضده
مباشرة و تبدو هذه الصورة ألول وهلة نظرية ،ذلك انه يستبعد إثارتها ضد طرف انقضى زمن طويل
عن والدته حتى بلغ سن الرشد.
و في غير هذه الصورة تصبح مسألة تحديد المدعي عليه صعبة و مثار جدل فقهي و قضائي فدعوى
نفي النسب ال يمكن أن تقام مباشرة ضد الطفل القاصر كما انه ال يمكن لهذه الدعوى أن تقام ضد
الولي الشرعي للطفل وهو والده حسب ما ضبطه القانون صلب م ا ش 3باعتبار أن المصالح
متضاربة بين الوالد من جهة و الطفل من جهة أخرى.
من هنا وجب التفكير في القيام بدعوى نفي النسب ضد شخص من شانه أن يمثل القاصر قانونا دون
أن تكون مصالحه متضاربة مع مصالح هذا األخير .و أول ما يتبادر للذهن هو القيام بهذه الدعوى
ضد والدة الطفل نظرا لالتحاد في المصلحة بينهما.
بالرجوع إلى قرار صادر عن محكمة االستئناف بسوسة 4بمناسبة عرض نزاع عليها تلخصت وقائعه
في كون الزوج قام بدعوى نفي نسب الطفل عنه و كان قيامه مسلطا على والدة الطفل فأجابت
المحكمة بان "الدعوى إن كانت ترمي أساسا لنفي نسب الصبي و لم يقع القيام ضد هذا األخير و إنما
وقع ضد والدته التي و إن كانت لها مصلحة في ثبوت النسب فإنها ال تملك الصفة لتمثيل الصبي الذي
نفى نسبه و بذلك فان القيام وقع ضد من ال صفة له و ال يمكن قبول الدعوى على هذه الحالة عمال
بالفصل 16من م م م ت".
1
كمال البجاوي " :نفي النسب " رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء صفحة 26
2قرار تعقيبي 6جانفي 1686عدد 2862م ق ت 1686صفحة 685
1الفصل 6م ا ش
6قرار استئنافي مدني عدد 6221صادر في 1665/06/26م ق ت 1666الجزء 1مع تعليق األستاذ عبد العزيز بن ضياء.
7
فالمحكمة اعتبرت أن األم ال صفة لها لتمثيل ابنها القاصر في قضية نفي النسب دون أن تتعرض
لمن له تلك الصفة و لكن سبق لهاته المحكمة أن قدمت إجابة في مناسبة أخرى 1و كان موضوع
الدعوى إثبات نسب عندما اعتبرت أن األم ال صفة لها لتمثيل ابنتها القاصرة و أكدت انه "كان من
الوجيه بالنظر إلى أن البنت قاصرة عن سن الرشد و ال سبيل الن يقوم الوالد بالدعوى بناءا على انه
الخصم المنكر لألبوة أن يقع السعي في إقامة مقدم على البنت بواسطة النيابة العمومية".
ولعل األب الذي ينازع في أبوته هو األكثر حرصا على تسمية المقدم لكي يتمكن من القيام على المقدم
بقضية في نفي النسب وهو ما يشكل خطرا يهدد الطفل الن زوج أمه يميل إلى اختيار شخص يتواطأ
معه و ال يدافع عن مصالح الطفل بجدية و تفديا لمثل هذه المخاطر فكر البعض في تسمية األم كمقدم
وقتي للنزاع للدفاع عن مصالح ابنها التحاد مصلحتهما.
و ذهب اتجاه آخر 2إلى المناداة بضرورة قبول القيام ضد األم مباشرة معتبرين أن األم تستمد صفة
تمثيل أبنائها من حقها في الحضانة إذ يمكنها في هذه الصورة طلب الحكم بإلزام زوجها باالنفاق على
محضونها و قياسا على ذلك يمكن قبول تمثيل األم ألبنائها القصر في دعاوى النسب وهو ما استقر
عليه فقه القضاء و أقرته محكمة التعقيب في عديد المناسبات. 3
لم يرد بمجلة األحوال الشخصية حكم صريح بشان ما إذا كانت دعوى نفي النسب تخضع للسقوط
بمرور الزمن من عدمه .و نظريا يمكن التفكير في حلين اثنين لهذه المسالة لكل منها دعائمه
فأما الحل األول فيتمثل في القول بان دعوى نفي النسب تسقط بمرور الزمن (الفقرة األولى) و أما
الحل الثاني فيمثل في القول بان الدعوى المذكورة ال تسقط بمرور الزمن (الفقرة الثانية).
قد يكون من المتجه اعتبار أن دعوى نفي النسب تسقط بمرور الزمن و ذلك كي تستقر حالة
األشخاص و ال تبقى مهددة بقضية في نفي نسبهم و من الممكن أن نتصور أن الدعوى ترفع بعد
مضي عشرات السنين عن والدة "الطفل" بما في ذلك القيام من انعكاسات و خيمة عليه ،و ليس هذا
التصور خياليا بحتا بل حدث أن مثل ذلك القيام صدر ضد شخص بلغ من العمر خمسين عاما.4
و ضرورة استقرار الحالة المدنية لألشخاص تدعو إلى انقراض دعوى نفي النسب بمرور اجل قصير
عن الوالدة و ذلك هو الحل المعتمد من قبل المشرع الفرنسي و من لدن الفقه اإلسالمي.
1
قرار استئنافي مدني عدد 2861صادر في 1861/01/26م ق ت ص . 680
2
الرئيس رشيد الصباغ "صفة األم في رفع الدعوى بإثبات نسب ابنها من ابيه و دعوى إلزامه باإلنفاق عليه " م ق ت 1666ج 1ص . 86
3
قرار تعقيبي عدد 521مؤرخ في 1666/01/10م ق ت لسنة 1666عدد 5ص . 60
4
قرار تعقيبي مدني عدد 21660بتاريخ 11جوان 1666م ق ت عدد 6لسنة 1661ص . 26
8
فأما بالنسبة للمشرع الفرنسي فلقد كان الفصل 118م م ف ينص على أن القيام بدعوى نفي النسب
يسقط بمرور شهر عن والدة الطفل أو في صورة جهل الزوج للوالدة بمرور شهرين عن تاريخ علمه
بها .ثم نقح الفصل المذكور بمقتضى قانون 1جانفي 1662و أصبح األجل ستة أشهر من تاريخ
العلم.
أما بالنسبة للفقه اإلسالمي فانه يتضح بمراجعة الئحة الشيخ جعيط "األحكام الشرعية في مادة
األحوال الشخصية" أن الفصل 565من تلك الالئحة سواء كان في تحريره حسب المذهب المالكي آو
حسب المذهب الحنفي ينص على انه "يصح نفي الولد في وقت الوالدة آو عند شراء أدواتها أو في
أيام التهنئة المعتادة من عرف أهل البلد و أذا كان الزوج غائبا بحالة علمه بالوضع".
يستخلص إذا أن دعوى نفي النسب في بعض المذاهب اإلسالمية تسقط بمرور الزمن و بأجل قصير و
هذا الحل يعمل على الحفاظ على استقرار الحالة المدنية لألفراد فال يعقل مثال أن تظل دعوى نفي
النسب تهدد كل األشخاص،أطفاال و شيوخا ،يمكن أن يحركها أصحابها متى توفرت لهم الرغبة و
سمحت لهم الظروف .
إال أن بعض الفقهاء 1لم يوافقوا على هذا الحل و اعتبروا أن صغر السن ال عالقة له بالنفي آذ أن نفي
النسب حق و ال يعقل أن يوجد هذا الحق و الطفل الصغير و ال يوجد وهو كبير.
الفقرة الثانية :عدم قابلية دعوى نفي النسب للسقوط بمرور الزمن:
اعتبرت محكمة التعقيب التونسية في أكثر من قرار أن "دعوى نفي النسب تتعلق بالحقوق الشخصية
المحصنة فال ينالها التقادم مثل الدعاوى الناشئة عن تعمير الذمة التي جاءت بها أحكام الفصلين 166
و 602من مجلة االلتزامات و العقود".
و تتجه اإلشارة إلى أن الحل الذي وضعته محكمة التعقيب هو الحل المعمول به حاليا في التطبيق و
الذي تبنته محاكم الموضوع إذ كلما عرض نزاع بين طرفين موضوعه نفي نسب ال تطرح مسألة
سقوط الدعوى بمرور الزمن فمحاكم الموضوع سلمت بصفة ال تدع مجاال للشك بان هذه الدعاوى ال
ينالها التقادم.
و لكن هذا الحل الذي استقر عليه فقه القضاء التونسي ال يستساغ قانونا ألمرين ،أولهما قانوني إذ أن
سكوت المشرع بشان تقادم دعاوى الحالة الشخصية ال يمكن أن نستنتج منه عدم سقوط دعاوى نفي
النسب بمرور الزمن إذ لو كان المشرع راغبا في هذا اآلمر لنص عليه صراحة صلب مجلة األحوال
الشخصية.
1عبد العزيز عامر" :األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية فقها و قضاء" دار الفكر العربي صفحة 111
9
أما ثاني األمرين فهو واقعي إذ ال تبقى دعوى نفي النسب قائمة قيام حياة أصحابها.فحياة األشخاص
تحتاج إلى االستقرار فمن غير المعقول أن يتحصل شخص ما على شهادات علمية و يتولى مناصب
عليا و يعرف باسم معين و ينجب أبناء يحملون اسمه و يستخرج وثائق رسمية و بعد ذلك يستهدف
بدعوى في نفي النسب تغير حياته و تقلبها رأسا على عقب إذا ما قضي بنفي نسبه.1
إذا على مستوى التطبيق من الصعب التسليم بان دعوى نفي النسب ال تسقط بمضي المدة الن هذا
الحل له تأثير سلبي على وضعية بعض األطفال و حتى الكهول طالما أن هذه الدعوى قد تطالهم في
أي مرحلة من مراحل حياتهم.
أتاح المشرع التونسي الفرصة لنفي نسب الطفل المولود في اطار عالقة زوجية شرعية بصورتين أما
األولى فأوردها صلب الفصل 86من م ا ش في فقرته األولى عندما فتح المجال إلقامة الدليل على
عدم التالقي بين الزوج و زوجته أثناء المدة القانونية للحمل و هذا الحل عرفه الفقه اإلسالمي و دون
صلب الفصل 562من الئحة الشيخ جعيط.
أما الصورة الثانية فقد جاءت بالفصل 65م ا ش الذي مكن الزوج من نفي النسب بواسطة جميع
وسائل اإلثبات الشرعية ،و تم تأويل هذه العبارة األخيرة بصفة متباينة ،فرأي أول أولها على أنها
وسائل اإلثبات المقبولة قانونا ،أما الرأي الثاني 2فقد اعتبر انها تعني وسائل اإلثبات التي قررها الفقه
اإلسالمي و حجته في ذلك المنشور الصادر عن السيد وزير العدل في 8نوفمبر 1661تحت عدد
218الذي جاء مفسرا لعبارة الموانع الشرعية على انها الموانع التي قررها الفقه اإلسالمي .و إذا
أخذنا بهذه التأويالت جاز القول أن النسب قد ينفى على أساس الفصل 65من م ا ش سواء بالعان آو
باالختبارات الطبية.
و من هنا يمكن تقسيم وسائل نفي النسب إلى وسائل مستمدة من الفقه اإلسالمي (الفرع األول) و
أخرى مستحدثة تتمثل أساسا في االختبارات الطبية (الفرع الثاني).
1
كمال البجاوي :المصدر السابق ص . 56
2الهاشمي دحيدح" :نفي النسب عن طريق تحليل الدم" م ق ت عدد 5و 8لسنة 1666صفحة 6
10
ينتفي النسب في الفقه اإلسالمي اعتمادا على وسيلة شرعها هللا في كتابه الكريم وهي اللعان
(الفقرة األولى) إال انه و بمراجعة ما جاء في الئحة الشيخ جعيط يمكن اعتبار إثبات عدم التالقي بين
الزوجين وسيلة نفي مستمدة من الفقه اإلسالمي كما سبق و وضحنا (الفقرة الثانية).
اللعان كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف فراشه فألحق العار به أو المضطر إلى نفي
الولد.1
و اقر هللا سبحانه و تعالى اللعان بقوله تعالى "و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إال أنفسهم
فشهادة احدهم أربع شهادات باهلل انه لمن الصادقين و الخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبين و
يدرا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باهلل انه لمن الكاذبين و الخامسة أن غضب هللا عليها إن كان
من الصادقين".2
و لما نزلت هذه اآليات أقام رسول هللا صلى هللا عليه و سلم اللعان بين زوجين اتهم الزوج زوجته
بالزنا مع شخص بعد أن وعظهما فصار ذلك هو الحكم المقرر في حال اتهام الزوج زوجته بالزنا أو
بنفي نسب ولدها و لم تكن له بينة في دعواه و لم تصدقه الزوجة و طلبت حد القذف.3
و يتالعن الزوجان أمام القاضي فيأمر هذا األخير الزوج بمالعنتها بان يقول :اشهد باهلل إني لمن
الصادقين فيما رميت به فالنة هذه ،و يشير إليها إن كانت حاضرة و إن لم تكن حاضرة ذكر اسمها و
وصفها بما تتميز به (فعل الزنا) و يكرر ذلك أربع مرات و في الخامسة يقول لعنة هللا عليه إن كان
من الكاذبين فيما رماها به من الزنا و نفي الولد .فإذا انتهى الزوج أمر الزوجة بمالعنته فتقول :اشهد
باهلل انه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا و نفي الولد حسبما جاء في دعواه و تكرر ذلك أربع
مرات ثم تقول في الخامسة :غضب هللا عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به.
بالنسبة للمشرع التونسي ,فانه لم ينص صراحة على كون اللعان وسيلة لنفي النسب و إنما أورد ذلك
ضمنيا ،و يتأيد هذا الرأي بان مصادر األحوال الشخصية تتضمن هذا الحل من ذلك أن الئحة الشيخ
جعيط تنص على اللعان باعتباره وسيلة لنفي النسب فضال على أن فقه القضاء التونسي أكد ذلك إذ
جاء بحيثيات قرار صادر عن محكمة االستئناف بسوسة 4أن "الفقه اإلسالمي جاء مقرا بطريقة معينة
للفصل في مثل هذا الخالف و هي تتمثل في تحليف كل واحد من الزوجين عدة إيمان مغلطة حسب
الصيغة المضبوطة في أحكام اللعان و في صورة إصرارهما يحكم الحاكم بنفي نسب الولد عن المنكر
عالقته و بالفراق األبدي بين الزوجين".
لقد جاء بالفصل 86فقرة أولى م ا ش انه " ال يثبت النسب عند اإلنكار لولد زوجة ثبت عدم التالقي
بينها و بين زوجها" .يفهم من هذا النص القانوني أن قرينة الشرعية مفترضة في الطفل لكن إذا رام
الزوج إنكارها عليه أن يثبت عدم التالقي مع زوجته أثناء المدة القانونية للحمل مما يرجح معه نسبة
الحمل لغيره.
و إذا كان المشرع التونسي لم يعرف المدة القانونية للحمل فانه من الممكن االهتداء إليها بعد مقارنة
بعض النصوص الواردة بمجلة األحوال الشخصية و خاصة أحكام الفصول 15و 86و 61فالمدة
القانونية للحمل إذا أخذنا سنة و افترضنا أن الطفل ولد في موفى السنة أي يوم 11ديسمبر فان الحمل
به من الممكن أن يكون قد حصل ستة أشهر قبل الوالدة باعتبار أن أدنى مدة الحمل هي ستة أشهر،
لذا من الممكن القول أن المدة القانونية للحمل هي الفترة التي تمتد من 185يوما إلى 160يوما قبل
تاريخ الوالدة.1
و حتى يتسنى للزوج نفي الولد عنه عليه إثبات عدم التالقي بينه و بين زوجته كامل الفترة المشار
إليها و الحاالت التي ال يحصل فيها التالقي بين الزوجين كثيرة كان يكون الزوج مقيما ببلد أجنبي أو
نزيال بالمستشفى أو سجينا أو بصدد اداء واجبه العسكري ،مع المالحظ و أن نفس الصور من الممكن
أن تصح من جانب الزوجة كان تكون مفارقة لزوجها بسبب مرضها أو هجرتها خارج تراب الوطن
ففي كل هذه الحاالت يستحيل التالقي بين الطرفين و يتواجد عنصر البعد بين الزوجين الذي ينتفي
معه النسب.2
و لكن إثبات عدم التالقي أمر صعب النه يتعلق بإثبات أمر سلبي 3فإذا ادعى الزوج وجوده خارج
تراب الوطن وجب عليه أن يقدم شهادة من مركز األجانب و الحدود يضمن بها تاريخ سفره و تاريخ
رجوعه و هي الوسيلة التي تبين فترة غيابه عن زوجته و عدم التقائه بها .كما يمكن للزوج أن يثبت
وجوده بالمستشفى أو انه بصدد اداء واجبه العسكري و هي الصورة التي نظرت فيها محكمة
التعقيب 4بمناسبة نزاع قام بين الورثة و الطفل المراد نفي نسبه من ذلك أن الورثة ادعوا أن الطفل ال
1عبد الرؤوف بن الشيخ" :الوضعية القانونية للبنوة الشرعية في القانون التونسي" مذكرة لنيل شهادة الدراسات العليا صفحة 68و 66
2إن الفصول 15و 86و 61متأثرة ببعض اآلراء الفقهية اإلسالمية التي تبدو اليوم غير مقبولة الن مدة الحمل ثبت طبيا أنها ال تزيد عن 6أشهر .
3االستاذ ساسي بن حليمة "تعلق على قرار محكمة االستئناف بصفاقس م ق ت 1665
4قرار تعقيبي 6جانفي 1686عدد 2862م ق ت 1686صفحة 685
12
يمكن أن يكون من صلب مورثهم الن ذلك المورث كان متواجدا بالخدمة العسكرية من سنه 1610
إلى سنة 1611دون أن يكون قد تمتع خالل تلك الفترة ببعض الرخص .
و لقد اعتبرت محكمة الموضوع بان الدفتر العسكري ال يمكن أن يعتبر حجة قطعية و على ذلك
األساس لم تقض بنفي النسب و عندما طرح األمر على محكمة التعقيب أيدتها في ذلك معتبرة أن
تقدير األدلة و كفاية مدلولها يعتبر من األمور الراجعة لمحض اجتهاد حكام األصل.
و إذا أردنا التقدم أكثر فإننا نقول أن عدم التالقي بين الزوجين ال يعني فقط البعد الجغرافي و لكن من
الممكن أن يتعذر التالقي بين الطرفين و هما على مقربة من بعضهما البعض و يحصل ذلك في
صورة عجز الرجل أو عقمه.1فإذا رجعنا إلى الفقه اإلسالمي باعتباره مصدرا مباشرا لمجلة األحوال
الشخصية نجد الفصل 561من الئحة الشيخ جعيط سواء في تحريره وفق المذهب المالكي آو الحنفي
ينص على صورتين ينتفي فيهما النسب احدهما تتمثل في عدم قدرة الزوج على اإلنجاب لصغر سنه
و األخرى حالة ما إذا كان مصابا بعجز جنسي طبيعي.
إذا باالعتماد على هذا الفصل يمكن القول أن عدم القدرة على اإلنجاب تكون أساسا لنفي النسب
يندرج ضمن عدم التالقي المقصود بالفصل 86فقرة أولى م ا ش.هذا و تجدر اإلشارة إلى أن المشرع
الفرنسي تدخل بموجب قانون 1جانفي 1662و نقح الفصل 112فقرة ثانية من م م ف معتبرا أن
العجز الجنسي من بين الصور التي تكون أساسا لنفي النسب.
أما فيما يتعلق بإثبات العجز الجنسي فانه حتما ال يكون إال بواسطة أهل الخبرة و هم األطباء فالطب
وحده كفيل ببيان ما إذا كان العجز مستمرا أو مؤقتا حائال دون الحمل أم ال.
إذا يمكن اعتبار التحاليل الطبية المجرات إلثبات العجز الجنسي وسيلة غير مباشرة لنفي النسب
لكونها تثبت عدم التالقي بين الزوجين و على أساسه يتم نفي النسب ،إال أن االختبارات الطبية يمكن
أن تكون أيضا وسيلة مباشرة لنفي النسب.
إن التطورات الحاصلة في مجال العلوم أثرت بصفة مباشرة في دعوى نفي النسب إذ مكنت القائم بها
من وسائل علمية مستحدثة كالتحليل الدموي (الفقرة األولى) و التحليل الجيني (الفقرة الثانية).
و استمر الجدل إلى أن عرض األمر على محكمة التعقيب و من قبلها محكمة االستئناف بسوسة التي
قررت أن التحليل الدموي يعتبر وسيلة شرعية من بين الوسائل المنصوص عليها بالفصل 65م ا ش
التي ينتفي بها النسب و ذلك بناء على ما أكده الخبير من أن الطفل ال يمكن أن يكون من صلب
الزوج.
و قد لقي هذا القرار تأييد محكمة التعقيب 2التي استعانت برأي أهل الخبرة لتقديم رأيهم في الموضوع
و كان جوابهم بان تحليل الدم من الممكن أن يكون أساسا لنفي نسب الطفل و عليه أسست قرارها
برفض مطلب التعقيب المقدم من الزوجة و ضمنت جوابها صلب حيثية جاء فيها "و حيث يتضح من
كل ذلك (التحاليل العلمية) أن موضوع الشك في توصل العلم لنتيجة جازمة صار ال محل له بعد كل
هذه التحقيقات العلمية الصرفة ".
و المالحظ أن فقه قضاء محكمة التعقيب استقر على هذا الرأي حيث وجدت المحكمة مرة أخرى
الفرصة مناسبة إلبداء رأيها بخصوص تحليل الدم كوسيلة لنفي النسب إذ أوردت بإحدى حيثياتها "أن
نفي النسب في هذه الحالة يكون مع توفر الفراش و الزواج الصحيح و لكن الوالدة أو الحمل الذي
جاءت به الزوجة هو موضوع الطعن و النفي بحسب ما يقدمه الزوج من وسائل اإلثبات الشرعية و
القانونية و التي ال تعد شهادة الشهود فيه كافية بل يجب االعتماد على األبحاث و االختبارات الطبية
التي يكون لها تأثير سلبي آو ايجابي و من ذلك وسيلة تحليل الدم لكل من الزوج و الزوجة و المولود
المطالب نفي نسبه و انه ال شيء يمنع من اعتماد تلك الوسيلة التي حقق علماء الطب الشرعي صحتها
و التي تعد طريقة علمية قاطعة وهو ما درج عليه فقه قضاء هذه المحكمة."3
و لكن هذه النتيجة التي اهتدت إليها محكمة التعقيب و إن كانت واضحة و ثابتة في مبدئها إال انها تثير
عند التطبيق عدة صعوبات و مشاكل نرى من المفيد بسطها و تحليلها.
1دمحم الهاشمي دحيدح "نفي النسب عن طريق تحليل الدم" ق ت عدد 5و 8لسنة 1666ص 6
2قرار تعقيبي عدد 11005مؤرخ في 1668/06/26م ق ت ج 1ص 26
3قرار تعقيبي عدد 26666مؤرخ في 1661/01/28م ق ت 1666ص 158
14
و من بين الصعوبات التي من الممكن أن تحدث ،رفض األم تمكين الخبير من انتزاع كمية دمها قصد
تحليلها خاصة و أن التحليل الدموي يجب لكي يكون مجديا تمام الجدوى أن ال يقع بالنسبة للطفل و
الزوج فقط بل كذلك بالنسبة لالم.
فهل من الممكن إلزام األم بتمكين الخبير من كمية من دمها؟ و هل من الممكن استنتاج أن الطفل غير
مولود من صلب الزوج في صورة رفض أمه تمكين الطبيب من تحليل دمها؟
بالنسبة للسؤال األول فانه من البديهي أن نجيب بالنفي .فاألمر يتعلق ببدن األم فغير ممكن أن ينال من
حرمة ذلك البدن إذا كانت صاحبته غير مستعدة لتمكين الخبير من انتزاع كمية من دمها و ال يمكن أن
نتصور أن تجر عنوة و بواسطة القوة العامة مثال إلى المخبر كي يجرى االختبار على دمها فمبدأ
سالمة بدن اإلنسان و حرمته يحول دون ذلك.1
أما بالنسبة للسؤال الثاني فال يسعنا أن نجيب ايضا إال بالنفي ذلك الن األم طرف مستقل عن الطفل
فهي أجنبية عن النزاع و من الممكن أن ال تشملها القضية بالمرة إذا كان الطفل ممثال من طرف مقدم
وقتي يمكن أن يكون األم كما يمكن أن يكون شخصا آخر .لذا فانه ال يمكن تحميل الطفل بما عسى أن
تتخذه األم من موقف سلبي إزاء االختبار.
إال انه يمكن تفادي هذا اإلشكال باللجوء إلى التحليل الجيني لنفي النسب باعتبار أن هذه الوسيلة
تتطلب فقط الحصول على عينة من الطفل المتنازع في نسبه مع عينة ممن نسبت إليه أبوته دون
حاجة إلى عينة من األم.
التحليل الجيني هو عبارة عن عملية حسابية علمية تهدف إلى المقارنة بين التركيبة الجينية لخاليا
الطفل المتنازع في نسبه مع الخاليا الجينية لمن نسبت إليه أبوته وهو ما ينتج عنه إما تباين هاتين
التركيبتين و بالتالي انتفاء نسب الولد عن زوج أمه أو تطابقهما فتثبت بهذا التحليل العالقة بين طرفي
االختبار.
و مرد هذا االختبار حقيقة مبدئية مفادها أن خاليا الجسم البشري تحتوي على تركيبة ADNو هي
اختصار لعبارة " "acide dexoscyribo nucleiqueالتي تحمل جميع الخاصيات الوراثية
لإلنسان .و كل إنسان له تركيبة جينية خاصة به ال يشترك فيها إال مع والده أو والدته.2و يتمثل
التحليل الجيني في اخذ عينة من احد مكونات الجسم ليا كانت سواء الشعر أو الجلد أو الحيوان المنوي
أو األظافر أو األسنان.
1االستاذ ساسي بن حليمة "تعليق على قرار تعقيبي مدني عدد 11005مؤرخ في 26جويلية 1668ق ت 1668 /6ص 62
2نجاة البشيني" :الوضعية القانونية لالبن الطبيعي" رسالة تخرج من المعهد االعلى للقضاء 1666ص 60
15
و على خالف عديد الوسائل العلمية كالتحليل الدموي فان نسبة اليقين التي يوفرها التحليل الجيني هي
نسبة مرتفعة تصل إلى حد يتجاوز %66و ال تتجاوز نسبة الخطأ فيها %0.01إذ يمكن من الحسم
بصفة قاطعة في كون الطفل من صلب األب أو ليس من صلبه أي هو يؤدي إلى إثبات األبوة أو
نفيها.1
و يجب التأكيد أن اعتماد هذه الوسيلة العلمية ال يتعارض مع مبادئ الشريعة اإلسالمية حيث جاء في
قوله تعالى"قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين ال يعلمون إنما يتذكر أولو األلباب" .2فاعتماد طريقة
علمية قاطعة تجنب اختالط األنساب ال تتعارض مع تعاليم الدين اإلسالمي الحنيف.
و قد اعتمد فقه القضاء الفرنسي تقنية التحليل الجيني منذ القضية المشهورة بقضية "ايف مونتان"
التي آل الحكم فيها إلى نفي نسب البنت المزعوم نسبها إلى الممثل الفرنسي الشهير "ايف مونتان" من
قبل القضاء الفرنسي بعد أن وقع تحليل الحامض النووي المأخوذ عينة منه من جثته و مقارنته بنتيجة
تحاليل فصائل البنت المنسوبة إليه.3
و تم تركيز وحدة متطورة للتحليل الجيني ألول مرة في تونس بمعهد باستور لسنة ،1668اثر ذلك
تم تجهيز العديد من المستشفيات بوسائل الالزمة للقيام بهذه التحاليل ،غير أن صدور قانون 26
أكتوبر 1666المتعلق بإسناد لقب عائلي لألطفال المهملين أو مجهولي النسب أعطى سندا قانونيا
صريحا لهذه الوسيلة العلمية الجديدة إذ ينص الفصل 1مكرر من هذا القانون على انه "يمكن للمعني
باألمر أو لألب أو لالم أو للنيابة العمومية رفع األمر إلى المحكمة االبتدائية المختصة لطلب إسناد
لقب األب إلى مجهول النسب الذي يثبت باإلقرار أو بشهادة الشهود أو بواسطة التحليل الجيني أن هذا
الشخص هو أب ذلك الطفل".
فمسايرة المشرع التونسي للتطور الذي شهدته العلوم البيولوجية يؤكد حرصه على كشف الحقيقة .و
يتجسم هذا الموقف فيما جاء في رد وزير العدل و حقوق اإلنسان على تساؤالت النواب أثناء النقاش
في مشروع القانون المذكور .إذ جاء على لسان الوزير ما يلي ":إن التحليل الجيني يثبت علميا و دون
شك انتماء الطفل التونسي ألبيه و قد أفاد بذلك أهل االختصاص" .4فالمشرع التونسي استفاد مما
توصلت إليه علوم البيولوجيا و وظف آخر اكتشافاتها من اجل تمكين األطفال الطبيعيين من لقب
عائلي.
1حاتم الفارس" :حق الطفل في الهوية الكاملة" مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص كلية الحقوق بصفاقس 2005ص .121
2االية 6من سورة الزمر
3
cour d appel paris 1ere chambre 6 novembre 1997 d 97 1R page 262
16
و هذا ما دفع البعض إلى انتقاد األخذ بهذه الوسيلة (التحليل الجيني) كوسيلة لنفي النسب ما يجعلها
تؤدي وظيفة عكسية تتمثل في التشطيب على ألقاب أبناء كانت وضعيتهم االجتماعية و القانونية مثاليه
بدل تمكين أطفال مجهولي النسب من لقب عائلي.
و لكن من الناحية القانونية الصرفة فان اعتماد هذه الوسيلة كوسيلة نفي نسب في فقه القضاء التونسي
في طريقها و ذلك بالنظر إلى صياغة الفصل 65م ا ش و تقبل في هذه الصورة "جميع وسائل
اإلثبات الشرعية".
17
الجزء الثاني :آثار نفي النسب:
ينص الفصل 68من مجلة األحوال الشخصية على انه "إذا اثبت الحاكم نفي األبوة طبق أحكام الفصل
السابق فانه يحكم بقطع النسب و الفراق األبدي بين الزوجين" مما يعني أن آثار نفي النسب تتمثل
أساسا في انقطاع نسب الولد عن زوج أمه وهو ما سنتعرض له في (الفصل األول) لنسلط الضوء
على آثار نفي النسب على العالقة بين الزوجين في (الفصل الثاني).
إن نفي النسب يؤثر مباشرة على الوضعية االجتماعية و القانونية للطفل المنفي نسبه فهو يمس جميع
حقوقه المدنية الشخصية منها (الفرع األول) و المالية (الفرع الثاني).
الفرع األول :اثر انقطاع النسب على الحقوق ذات الصبغة الشخصية:
من أهم الحقوق الشخصية التي يمسها انقطاع نسب الولد ,الحق في اللقب العائلي (الفقرة األولى) و
الحق في الرعاية (الفقرة ثانية).
"لكل طفل الحق في الهوية ."1هذا الحق يعد من الحقوق الخاصة بذات اإلنسان كالحق في الحرية و
من مقومات الهوية االسم و اللقب العائلي و يمثل هذا األخير ابرز الحقوق الذاتية للطفل باعتباره من
مقومات شخصيته ،فاللقب العائلي يشكل عنوان شخصية الشخص الطبيعي و يأخذ إبعادا فردية و
اجتماعية ذلك انه يمكن من تمييز الشخص عن غيره و من التعريف به داخل المجتمع وهو وسيلة
تربط الشخص بعائلته و تترجم انتماءه األسري لها.2
كما يعتبر اللقب بمثابة عالمة تسجيل تعتمد للتمييز بين األفراد numéro matricules3و ذلك
خدمة للمصلحة العامة أوال و المصلحة الخاصة ثانيا و لذلك جاء القانون عدد 51لسنة 1656
المؤرخ في 28ماي 1656موجبا أن يكون لكل تونسي اسم و لقب عائلي.
على أن اكتساب الهوية يكون مرتبطا بعالقة البنوة إذ يخضع إسناد اللقب إلى قاعدة عرفية مفادها أن
اللقب هو نتيجة لرابطة النسب األبوي .و من هنا فان الحكم الذي يصدر بنفي النسب يكون مقترنا
إذا فبمجرد انقطاع نسب الولد عن زوج أمه ،يشطب لقبه العائلي و يصبح طفال "مجهول النسب"
ينطبق عليه قانون 26أكتوبر 1666المتعلق بإسناد لقب عائلي لألطفال المهملين آو مجهولي النسب
و بمقتضى أحكام الفصل األول 1من هذا القانون على "األم الحاضنة البنها القاصر و مجهول النسب
أن تسند اليه اسمها و لقبها العائلي أو أن تطلب اإلذن بذلك طبقا ألحكام القانون المتعلق بتنظيم الحالة
المدنية كما عليها في اجل ال يتجاوز ستة أشهر من تاريخ الواقعة أن تطلب من رئيس المحكمة
االبتدائية المختصة أو نائبه أن يسند إلى ابنها اسم أب أو اسم جد و لقبا عائليا ".
أما في صورة التعرف على األب الطبيعي للطفل المنفي نسبه فان لقبه هو الذي يسند إليه بمقتضى
حكم قضائي متى تثبت أبوته نتيجة إقراره أو شهادة الشهود أو بواسطة تحليل جيني تطبيقا ألحكام
الفصل 1مكرر من قانون 26أكتوبر 1666مكرسا بذلك قاعدة إسناد لقب األب بالنسبة للطفل
مجهول النسب .فاللقب يمثل األثر المباشر لألبوة وهو يمس نفسية الطفل و شخصيته و وضعه في
المجتمع باعتباره يخرجه من دائرة أبناء الزنا بما ينسجم مع اتفاقية حقوق الطفل الداعية إلى إلغاء
جميع أشكال التمييز بين األطفال بموجب أصل الميالد فيما يتعلق بالحق في الهوية باعتباره من
الحقوق البديهية التي يكتسبها الفرد لمجرد كونه أنسانا بقطع النظر عن طبيعة بنوته .
و لكن تجدر المالحظة أن اكتساب االبن المنفي نسبه للقب أبيه الطبيعي يبقى مجرد إمكانية فهو لم
يرتقى مع أحكام الفصل 1من قانون 26أكتوبر 1666إلى صيغة الوجوب ،حيث استعمل المشرع
عبارة "يمكن" التي تخضع الحصول على لقب األب إلرادة المعني باألمر كما يبقى إسناده رهن
الحكم لصالح الدعوى.
اهتمت جل القوانين و المواثيق الدولية بتكريس مسؤولية األولياء و الوالدين في تنشئة الطفل و
رعايته ،و اعتبرت الرعاية واجب على الوالدين و حق لألبناء فقد أقرت المادة السابعة من اتفاقية
األمم المتحدة لحقوق الطفل بان هذا األخير يكون له قدر اإلمكان الحق في تلقي الرعاية من والديه و
يشمل الحق في الرعاية ،الحضانة (أ) و الوالية (ب).
1
الفصل 1جديد من القانون عدد 51لسنة 2001مؤرخ في 6جويلية 2001المتعلق بتنقيح بعض احكام القانون عدد 65لسنة 1666المؤرخ في 26اكتوبر 1666
19
أ /الحضانة:
تعرف الحضانة في االصطالح القانوني بأنها رعاية الطفل الصغير و القيام بإطعامه و إلباسه
والحرص على نظافته في المرحلة األولى من عمرة 1و قد عرفها المشرع التونسي صلب الفصل 56
من مجلة األحوال الشخصية "بحفظ الولد من مبيته و القيام بتربيته" كما عرفتها محكمة التعقيب
التونسية بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير و التعهد بما يصلح له و وقايته مما يؤذيه و يضره و
تربيته نفسيا و عقليا . 2و ال يخفى ما تمثله الحضانة من رعاية و حنان و قيام على شؤون الطفل من
أثار ايجابية على صحة الطفل و نفسيته و نموه متوازنا وسط مجتمعه 3و من المعلوم انه وفقا للفصل
56من مجلة األحوال الشخصية فان الحضانة محمولة على األبوين معا ما دامت الزوجية قائمة أما
في صورة انقطاع نسب الطفل عن أبيه فان هذا األخير يكون في حل من واجب الحضانة.
تطبيقا ألحكام الفصل 86من مجلة األحوال الشخصية ،فانه على القاضي عند البت في مسالة إسناد
الحضانة أن يراعي مصلحة المحضون وهو ما اقره ايضا فقه القضاء التونسي في العديد من
المناسبات ،حيث اعتبرت محكمة التعقيب في احد قراراتها أن "الحضانة و إسنادها تراعي فيها
مصلحة المحضون تماشيا مع فكرة التشريع و االعتبارات التي شرعت من اجلها الحضانة وهي
جميعها ترمي إلى حفظ المحضون و رعايته بما يتوجب من عناية و يضفي عليه من السكينة و
االطمئنان و على القاضي عند البت في ذلك أن يراعي مصلحة المحضون".4
و على هذا األساس يمكن القول أن مسالة إسناد الحضانة تبقى خاضعة إلى السلطة التقديرية للقاضي
الذي يحدد الطرف القادر على حضانة الطفل و مراعاة مصلحته الفضلى بشرط التعليل المستساغ
واقعا و قانونا.
و يمكن للقاضي أن يحدد مصلحة الطفل بتقديره لمدى توفر الشروط التي ضبطها المشرع إلسناد
الحضانة الواردة بالفصل 56م ا ش الذي ينص على انه "يشترط في مستحق الحضانة أن يكون مكلفا
أمينا قادرا على القيام بشؤون المحضون سالما من األمراض المعدية."...
1زكريا احمد البشري" :احكام االوالد في االسالم" الدار القومية للطباعة و النشر القاهرة ص 66
2جمال شهلول "الحق في الهوية" ق ت جانفي ق ت 1666ص 115
3قرار تعقيبي مدني عدد 2851بتاريخ 6وت 1666ن م ت 1666ص 56
4قرار تعقيبي مدني عدد 1861مؤرخ في 6مارس 1661ن م ت 1661ق م ج ص 266
20
تكمن مصلحة الطفل خاصة في المرحلة األولى من عمره في إسناد الحضانة إلى أمه باعتبارها تكون
األكثر كفاءة لحضانته .لكن متى ارتأى القاضي أن مصلحة المحضون تستوجب إسناد حضانته إلى
غير أمه أمكنه ذلك بناء على ما جاء بالفصل 86م ا ش "إذا انفصم الزواج و كان الزوجان بقيد
الحياة عهدت الحضانة إلى احدهما أو إلى غيرهما." ...
أما على المستوى التطبيقي فانه يعسر إسناد حضانة الطفل المنفى نسبه إلى غير أمه نظرا للنظرة
الدونية التي ينظر بها المجتمع العربي و اإلسالمي لهذه الفئة من األطفال باعتبارهم ثمرة عالقة زنا
فال يتوقع تبعا لذلك أن يجد هؤالء األطفال الحنان من غير أمهاتهم . 1مهما يكن من أمر فان إسناد
حضانة الطفل تخ ول للحاضن ممارسة جميع صالحيات الحضانة و التي تجعله يسعى للحفاظ على
مصلحة الطفل من خالل حسن رعايته و تربيته إلى جانب احترام مصالح الغير و تحمل المسؤولية
في صورة حصول أي ضرر يتسبب فيه الطفل تجاه الغير.
ب /الوالية:
عرف الفقهاء المسلمون الوالية بأنها تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى و يرى بعض الفقهاء انها
سلطة شرعية تجعل لصاحبها القدرة على التصرف في شؤون غيره جبرا عنه.
و لم يعرف المشرع الوالية و لم يحدد مشموالتها ويمكن تعريفها بكونها "سلطة تجعل للولي الحق في
مباشرة التصرفات التي تتعلق بنفس الطفل من تربية و حفظ و تزويج كما تثبت له على الطفل والية
أخرى وهي الوالية على المال فيكون للولي قدرة على التصرف في الذمة المالية للطفل".2
و في ظل العائلة الشرعية توزع صالحيات الوالية على األبناء القصر بين األب و األم و ذلك تطبيقا
لمبدأ التعاون الذي ادخله المشرع التونسي بموجب تنقح 12جويلية 1661و أصبح بمقتضاه الفصل
21م ا ش ينص على انه "يقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف و العادة و
يتعاونان على تسيير شؤون األسرة و حسن تربية األبناء و تصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم و
السفر و المعامالت المالية".
و لكن بمجرد انقطاع نسب الولد عن أبيه تسقط والية هذا األخير عن الطفل القاصر و تصبح األم
الحاضنة هي التي تمارس جميع صالحيات الوالية .يمكن القول أن مسألة الوالية ال تطرح إشكاليات
عملية بالنسبة للطفل المنفي نسبه و ذلك الرتباط أهم مشموالتها بحضانة هذا الطفل و التي تسند في
غالب األحيان إلى األم باعتبارها األحرص على رعاية ابنها و حماية مصالحه.
إال انه تجدر اإلشارة إلى ما اقتضاه الفصل 6من م ا ش من ضرورة أن يكون الولي عاصبا بالنسب
و أن يكون عاقال ذكر ا رشيدا بما قد يتعارض و ممارسة األم الحاضنة سلطة الوالية الكلية من ذلك
عدم إمكانية تزويجها لطفلها المنفي نسبه.
1عبد السالم العويني" :نسب االبن الطبيعي" مذكرة لالحراز على شهادة الماجيستير في قانون االعمال كلية الحقوق بصفاقس ص 116
2الصادق بوفادن" :الحق في الهوية" ق ت اكتوبر 1666ص 251
21
الفرع الثاني :اثر انقطاع النسب على الحقوق ذات الصيغة المالية:
من أهم الحقوق المالية التي يمسها انقطاع نسب الولد عن أبيه الحق في النفقة (الفقرة األولى) و الحق
في اإلرث (الفقرة الثانية).
تعرف النفقة في االصطالح القانوني بأنها الشيء الذي يبذله اإلنسان ليعيش عيشة الئقة و تمثل حتما
1
الطعام و الكسوة و المسكن بالنسبة لجميع مستحقيها و الخدمة للعاجز و التعليم و التربية للصغار
و لقد تعرض المشرع التونسي للنفقة و ضبط أحكامها صلب الفصول 16إلى 51من م ا ش
و تطبيقا لمقتضيات هذه المجلة "يستمر اإلنفاق على األبناء حتى بلوغ سن الرشد أو بعده إلى نهاية
مراحل تعلمهم على أال يتجاوزوا الخامسة و العشرين من عمرهم و تبقى البنت مستحقة للنفقة إذا لم
يتوفر لها الكسب أو لم تجب نفقتها على زوجها كما يستمر اإلنفاق على األبناء المعوقين العاجزين
على الكسب بقطع النظر عن سنهم".2
و األصل أن يتحمل األب واجب اإلنفاق على أبنائه غير أن استحقاق االبن للنفقة تجاه األب يرتبط
بثبوت رابطة البنوة و بالتالي فانقطاع نسب االبن عن أبيه يخرج هذا األخير عن دائرة المدينين
بالنفقة.
في هذه الحالة ينتقل واجب اإلنفاق إلى األم باعتبارها أيضا مسؤولة عن طفلها وهو ما تؤكده أحكام
الفصل 66من مجلة األحوال الشخصية الذي جاء فيه أن "األم حال عسر األب مقدمة على الجد في
اإلنفاق على ولدها".
و بالتالي فان األم تكون ملزمة باإلنفاق على طفلها في صورة عسر األب فمن باب أولى أن تلزم
باإلنفاق عليه في صورة انقطاع نسبه .وهو التزام أصلي نظرا لثبوت رابطة األمومة .و على هذا
األساس فانه يمكن لالبن أن يطالب والدته باإلنفاق عليه عمال بالفصل 66من مجلة األحوال
الشخصية غير انه في صورة عدم بلوغه سن الرشد يمكن أن تعترض االبن المنفى نسبه صعوبة في
مطالبته بالنفقة نظرا لقيامه ضد األم التي تعد وليته الشرعية في حال إسناد الوالية لها فيكون الحل
عندها القيام بطلب تسمية مقدم وقتي للنزاع يمثل الطفل في دعوى النفقة المقامة ضد والدته.3
لكن هل يعني هذا انه يمكن للطفل المنفي نسبه تتبع أمه من اجل جريمة عدم دفع مال النفقة ؟.
1
رضا خماخم " :أحكام النفقة حسب مجلة األحوال الشخصية في 11جويلية " 1661منشورات مركز الدراسات القانونية .1666
2الفصل 68من مجلة األحوال الشخصية
3عبد السالم العويني" :نسب االبن الطبيعي" مذكرة لإلحراز على شهادة الماجستير في قانون األعمال كلية الحقوق بصفاقس ص116
22
لضمان حق الطفل في التمتع بمستحقاته من النفقة اقتضى الفصل 51مكرر من مجلة األحوال
الشخصية في فقرته األولى انه "كل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطالق فقضى عمدا شهرا دون
دفع ما حكم عليه بأدائه يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثالثة أشهر و عام و بخطية من مائة دينار إلى
ألف دينار" .هذا الفصل يجعل من عدم االمتثال لواجب أداء النفقة جنحة يعاقب جزائيا مرتكبها.
أما عن إمكانية تتبع األم من اجل هذه الجريمة فان عبارة الفصل 51مكرر من مجلة األحوال
الشخصية جاءت مطلقة و لم تميز بين األب و األم ":كل من حكم عليه بالنفقة" ،لذلك يمكن القول بأنه
ال شيء يحول دون قيام االبن المنفي نسبه بتتبع أمه من اجل جريمة عدم دفع مال النفقة .
بقي أن نشير إلى أن دائرة المدينين بالنفقة بالنسبة لالبن المنفي نسبه ال تقتصر على والدته و إنما
يمكن أن ينتقل واجب النفقة في صورة عسر األم إلى الجد و ذلك إذا أخذنا بعين االعتبار ما تضمنه
الفصل 152من م ا ش " يرث ولد الزنا أمه و قرابتها و ترثه أمه و قرابتها".
و هذا الفصل يحيلنا للحديث عن حق االبن المنفي نسبه في اإلرث.
لم يعرف المشرع التونسي الميراث أو اإلرث و اكتفى بتحديد شروطه صلب الفصول من 65إلى 66
م ا ش و لذلك فقد تدخل الفقهاء لتحديد مفهوم هذه المؤسسة التي تكتسي طابعا ماديا يشكل ضمانا
الستمرار الوضع المالي و االجتماعي للوارث على ما هو عليه قبل وفاة مورثه و طابعا معنويا
باعتبار أن عالقة الميراث تعد تمتينا و تأكيدا للعالقة األسرية بين األطراف.
وعرف الفقهاء الميراث بأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت يستحق بموت المورث و تحقق حياة
الوارث من بعده وهو ما أكدته أحكام الفصل 65من مجلة األحوال الشخصية.1
و تعد القرابة أهم عناصر التوريث في التشريع التونسي و في اغلب التشريعات األخرى .على أن
القرابة المعتبرة هي القرابة التي ترتكز على النسب القائم بين الوارث و المورث و هي السبب
الرئيسي الكتساب الحق في اإلرث فإذا توفرت الرابطة الشرعية و القانونية بين الطفل و والده جاز
التوارث بينهما.
و جاء بالفصل 62من م ا ش أن "انقطاع الولد من نسب أبيه يخرجه من العصبة و يسقط حقه في
النفقة و اإلرث " .و هذا الفصل يتماشى مع مقتضيات الشريعة اإلسالمية ،إذ أجمعت كل المذاهب
الفقهية على اعتبار انقطاع النسب بموجب اللعان مانعا من موانع اإلرث ,فال توارث بين األب
1حميدة المثناني":ميراث االبن الغير الشرعي" مذكرة ختم التدريب بالمعهد االعلى للقضاء 2006ص. 1
23
المالعن و الطفل المنفي نسبه فإذا مات المنفي عن مال فان من نفاه ال يرثه و ال يرثه كذلك احد عن
طريق قرابة األبوة المنفية.1
إال أن حرمان االبن المنفي نسبه من حقه في االرث ال ينسحب على عالقته بأمه ذلك انه في حديث
مروى عن أهل السنن األربعة قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم "تحوز المرأة مواريث لقيطها و
وولدها الذي العنت عليه".
فولد اللعان "المنفي نسبه" يأخذ حكم ولد الزنا الذي تنطبق عليه أحكام الفصل 152الوارد بالباب
الثامن تحت عنوان "في مسائل متنوعة" و الذي ينص على انه "يرث ولد الزنا أمه و قرابتها و ترثه
أمه و قرابتها" معنى هذا الفصل أن األمومة تنشئ حقا متبادال في االرث بين األم و طفلها.
فالنسب تجاه األم يبقى قائما رغم ثبوت الزنا و يرتب حقا متبادال في االرث بين األم و أبنائها فيدخل
بذلك الطفل في عائلة أمه .
يعد الفراق األبدي بين الزوجين أهم آثار نفي النسب على مستوى الزوجية فهو حالة استثنائية من
حاالت انفصام العالقة الزوجية وهو مؤسسة مستمدة من الفقه اإلسالمي سنتناولها بالدرس في
(الفرع األول) لنتعرض في (الفرع الثاني) إلى إمكانية تتبع الزوجة من اجل ما أقدمت عليه من مس
بقداسة الحياة الزوجية.
في هذا اإلطار سنتعرض إلى الفراق بين الزوجين في (الفقرة األولى) لنسلط الضوء في (الفقرة
الثانية) على تأبيد التحريم.
ذهب بعض الفقهاء 2إلى انه ال وجوب للفرقة بين الزوجين كأثر من آثار نفي النسب و ذلك بدعوى أن
هذه الفرقة لم تتضمنها آية اللعان .إال أن اغلب الفقهاء اجمعوا على هذا األثر و استدلوا بما روي عن
ابن عباس في قصة المتالعنين "ففرق رسول هللا بينهما" و بما روي عن سهل بن سعد في قصة
عويمر بن الحرث العجالني "مضت السنة في المتالعنين أن يفرق بينهما".3و الفرقة تقع بين
الزوجين المتالعنين النه وقع بينهما من التقاطع و التباغض و التهاتر و إبطال حدود هللا و ما اوجب
1عبد العزيز عامر" :االحوال الشخصية في الشريعة االسالمية فقها و قضاءا ص 161
2مذهب عثمان البتى و من نهج نهجه من فقهاء أهل البصرة
3دمحم مصطفى شلبي" :أحكام االسرة في االسالم" دار النهضة العربية صفحة 206
24
أن ال يجتمعا بعدها ابدأ و ذلك الن الزوجية مبناها المودة و الرحمة و هؤالء قد عدموا ذلك كل العدم
و ال اقل من أن تكون بينهما فرقة.1
و نقطة الخالف بالنسبة لمن اتفقوا على أن نفي النسب يثبت الفرقة ،تبرز في أن بعض الفقهاء و
خاصة أتباع المذهب المالكي يعتبرون أن الفرقة تقع بمجرد وقوع التالعن بين الزوجين و ذلك حتى
و إن لم يفرق القاضي بينهما.2و حجة مالك فيما ذهب إليه حديث ابن عويمر المستفاد منه أن الرسول
صلى هللا عليه و سلم فرق بين المتالعنين و قال "حسبكما على هللا أحدكما كاذب ال سبيل لك عليها".
و خالفا لذلك اعتبر أبو حنيفة انه إذا التعن الزوجان فرق بينهما القاضي و هذه الفرقة ال تقع إال
بالحاكم و قبل أن يفرق الحاكم بينهما ال تقع.و حجة أبو حنيفة في لزوم أمر القاضي أن الفراق إنما
ينفذ بينهما في تلك الحادثة بحكمه و آمره صلى هللا عليه و سلم بقوله (ال سبيل لك عليها) و لذلك
فحكمه شرط في وقوع الفرقة.3
بالنسبة للقانون الوضعي التونسي فان الفصل 68من مجلة األحوال الشخصية ينص على انه "إذا
اثبت الحاكم نفي األبوة طبق أحكام الفصل السابق فانه يحكم بقطع النسب و الفراق األبدي بين
الزوجين".و من هنا يمكننا أن نالحظ أن المشرع التونسي اتجه اتجاها حنفيا مخوال للقاضي وحده
صالحية التفريق بين الزوجين ،فالفرقة ال تقع بمجرد نفي األبوة و إنما يبقى تحققها رهينة أمر
القاضي.
إن مصطلح "الفراق األبدي بين الزوجين" كما جاء بالفصل 68من مجلة األحوال الشخصية ،يؤكد
أن المشرع التونسي اخذ بالرأي المالكي الذي يوجب تأبيد التحريم بموجب اللعان كعقاب للزوجين
عما وقع بينهما من تقاطع و تباغض من جهة و حسما لكل نزاع متوقع بينهما لو عادت حياتهما
الزوجية من جديد من جهة أخرى.
فالفرقة باللعان تكون فرقة مؤبدة كحرمة الرضاع فال يمكنهما إعادة الزواج بينهما لحديث رسول هللا
4
"المتالعنان ال يجتمعان أبدا".
و في نفس هذا االتجاه سار المشرع المغربي بالمادة 25من مدونة األحوال الشخصية إذ اعتبر اللعان
من موانع الزواج المؤبدة.
1علي حسي الفطناسي" :دراسات في النسب" التعاضدية العمالية للطباعة و النشر ص 100
2عبد العزيز عامر" :االحوال الشخصية في الشريعة االسالمية فقها و قضاء" دار الفكر العربي الصفحة 126
3احمد نصر الجندي" :النسب في االسالم و االرحام البديلة" دار الكتب القانونية صفحة 115
4احمد نصر الجندي :المرجع السابق ص .181
25
و هنا خالف كل من المشرع التونسي و المشرع المغربي االتجاه الحنفي الذي اعتبر الفرقة بين
الزوجين غير موجبة لتأبيد التحريم بصفة مطلقة و دائمة إذ أنها تعتبر من باب الطالق البائن.1
هذا و اعتبر المشرع العراقي التفريق بسبب الخيانة الزوجية طالقا بائنا بيونة صغرى وفقا لما نص
عليه بالمادتين 60و 65من مجلة األحوال الشخصية.
إن إقدام الزوجة على المس بحرمة العالقة الزوجية يجعلها عرضة للتتبع سواء على المستوى المدني
بمطالبتها بجبر الضرر (الفقرة األولى) أو على المستوى الجزائي بتتبعها من اجل جريمة الزنا
(الفقرة الثانية).
إن مطالبة الزوج بالتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء عدم احترام زوجته لواجب الوفاء و
اإلخالص المحمول عليها 2و إقدامها على إقامة عالقة جنسية مع غيره ،تكون عادة على أساس
الفصل 11من مجلة األحوال الشخصية ،أي بمعنى آخر قيام الزوج بدعوى في الطالق للضرر و
المطالبة بالغرامة المستحقة لجبر الضرر الذي لحقه جراء ما أقدمت عليه زوجته .
و في هذا اإلطار نستحضر حكما ابتدائيا صادرا عن المحكمة االبتدائية بالقصرين ،3قضت فيه بإيقاع
الطالق بين زوجين بموجب الضرر من الزوجة التي أتت ببنتين من غير زوجها ،كما ألزمت
الزوجة بجبر الضرر الذي لحق الزوج ،متجاهلة أن هذا األخير كان قد استصدر حكما باتا يقضي
بنفي نسب البنتين وبالتفريق األبدي بينه و بين زوجته .
و هو ما أثارته محكمة االستئناف بالكاف 4مؤكدة أن العالقة الزوجية انفصمت بموجب التفريق
األبدي مما يجعل دعوى الطالق للضرر في غير طريقها و حرية بالرفض.
فعلى أي أساس يمكن إذا للزوج الذي أتت زوجته بولد من غيره المطالبة بجبر الضرر؟
وضع المشرع التونسي قاعدة عامة مفادها أن كل من تسبب في ضرر غيره عمدا أو خطأ بال وجه
قانوني فعليه جبر الضرر الناشئ عن فعله و هو ما يسمى المسؤولية عن الفعل الشخصي مناط
1علي حسين الفطناسي" :دراسات في النسب" التعاضدية العمالية للطباعة و النشر صفاقس صفحة .115
2الفصل 21من مجلة االحوال الشخصية
3حكم ابتدائي عدد 66661صادر بتاريخ 28فيفري2006
4قرار استئنافي عدد 5606صادر بتاريخ 21جانفي 2010
26
الفصل 62من مجلة االلتزامات و العقود الذي جاء فيه أن "من تسبب في ضرر غيره عمدا منه و
اختيارا بال وجه قانوني سواء كان الضرر حسيا أو معنويا فعليه جبر الضرر الناشئ عن فعله إذا ثبت
أن ذلك الفعل هو الموجب للضرر مباشرة ".
بناء على هذا الفصل يمكن للزوج الذي أتت زوجته بولد من غيره القيام بدعوى مدنية أساسها الفصل
62ا ع ،يطالب فيها الزوجة بجبر الضرر المعنوي و األذى النفسي الذي أصابه جراء تدنيس هذه
األخيرة لفراش الزوجية و إلحاق العار به ،هذا و يكون الحكم الصادر بنفي النسب مؤيدا يستدل به
إلثبات توفر أركان المسؤولية من خطا و ضرر و عالقة سببية بينهما.1
ينص الفصل 218من المجلة الجزائية على أن "زنا الزوج و الزوجة يعاقب عنه بالسجن مدة خمسة
أعوام و خطية قدرها خمسمائة دينار و ال يسوغ التتبع إال بطلب من الزوج او الزوجة الذين لهما
وحدهما الحق في إيقاف التتبع او إيقاف تنفيذ العقاب ...و الشريك يعاقب بنفس العقاب المقرر للزوجة
أو الزوج المرتكب للجريمة".
و الزنا هو االتصال الجنسي الواقع بالتراضي بين رجل و امرأة ال تربطهما عالقة زوجية و يكون
احدهما أو كالهما متزوجا بالغير.
2
و يعد الزنا لدى بعض التشاريع صورة حصرية لجريمة قائمة الذات هي جريمة الخيانة الزوجية
وهو ما جعل الفقه يجمع على أن القوانين ال تعاقب على الزنا باعتباره ماسا بالعرض و بالتالي فهي ال
تعمل على حمايته و إنما هي تجرمه و تعاقب عليه باعتباره اعتداء على حرمة العالقة الزوجية التي
تعد مقدسة ،و يرى بعض الفقهاء أن جريمة الزنا تشكل انتهاكا لحرمة الزواج و ما يقوم عليه من
حقوق و واجبات من بينها خاصة واجب الوفاء و اإلخالص.و تمس هذه الجريمة ايضا العائلة ممثلة
خاصة في الشريك الزوج و المجتمع بصفة عامة و ذلك بالنيل من قيمه االجتماعية التي من بينها
المحافظة على صفاء األنساب ،و أيا كان الغرض فان الزنا جريمة قانونا و شرعا و ذلك لقوله تعالى:
"ال تقربوا الزنا انه كان فاحشة و ساء سبيال".3
إال أن اإلشكال يبقى مطروحا حول كيفية إثبات زنا الزوجة التي أتت بولد نفاه زوجها عنه؟
اتخذ فقه القضاء التونسي توجها خاصا في إثبات الزنا إذ كرس حرية اإلثبات و جعل الزنا يثبت بكل
الوسائل وهو ما أكدته المحاكم في أكثر من مناسبة من بينها قرار تعقيبي صادر بتاريخ 25فيفري
1
Philppe le tourneau « la responsabilité civile » dalloz p 605 .
2مثال القانون المغربي
3سورة االسراء االية 12
27
1666جاء فيه أن "النصوص القانونية التونسية أوكلت للقاضي الجزائي حرية تقدير األدلة من
شهادات و قرائن و غيرها من الحجج التي لم يحجرها القانون و بالتأمل في الفصل 118من المجلة
الجزائية يتضح انه لم يفرض نوعا خاصا من األدلة إلدانة الزانية" .1مما يجعل للمحكمة الحرية في
األخذ بكل الوسائل المقنعة من شهادة أو إقرار أو قرائن ،و يعد حمل الزوجة من غير زوجها قرينة
قطعية على ارتكابها لجريمة الزنا.
هذا و تعد جريمة الزنا من الجرائم ذوى الصفة ،و الصفة الواجب توفرها هي صفة الزوجية التي
تطرح إشكاليات ال بد من الوقوف عندها خاصة و أن قيام الرابطة الزوجية ليست فقط ركنا من أركان
جريمة الزنا التي يجب أن تتوفر في احد طرفي العالقة الجنسية أو في كليهما و إنما ايضا شرطا من
شروط إثارة الدعوى ،فالفصل 218م ج اقر انه ال يسوغ التتبع في جريمة الزنا إال بطلب من الزوج
أو الزوجة ،فحق التتبع إذا في جريمة الزنا ال يكون إال بطلب من القرين المتضرر بما يعني انه حق
شخصي ال ينسحب على سواه.2
و يبقى اإلشكال مطروح عن إمكانية إثارة دعوى الزنا بعد صدور الحكم بالتفريق األبدي بين
الزوجين أو أثناء سير دعوى نفي النسب؟
اعتبرت محكمة االستئناف بالكاف أن " التفريق األبدي الناتج عن نفي النسب و إن كان حالة استثنائية
من حاالت انفصام العالقة الزوجية التي تنفصم عادة بالوفاة أو بالطالق إال انه يحل الرابطة الزوجية
و بالتالي فان من فقد صفة الزوجية بموجب الحكم القاضي بالتفريق األبدي بينه و بين زوجته ال
يمكنه تتبعها من اجل جريمة الزنا " 3لكن المنطق القانوني يقضي أن ننظر في أركان الجريمة زمن
وقوعها ,فالزوج المتضرر يمكنه التشكي في اجل ثالث سنوات من ارتكاب الفعل (وهنا يجب أن
نأخذ بعين االعتبار تاريخ الحمل بالطفل المنفي نسبه ) فإذا ثبتت الجريمة يمكن للمتضرر المتمتع
بصفة الزوجية زمن ارتكاب الفعل تتبع الزوجة من اجل جريمة الزنا.
و مهما كان الموقف المتبنى فيما يتعلق بالصورة سالفة الذكر ,فان إمكانية التتبع تبقى قائمة إذا ما تمت
إثارة دعوى الزنا قبل صدور حكم بات يقضي بالتفريق األبدي بين الزوجين ،فقياسا على ما استقر
عليه فقه القضاء التونسي فيما يتعلق بانفصام الرابطة الزوجية بالطالق يمكن الجزم بان إثارة دعوى
الزنا تعد صحيحة ما دام الحكم بنفي النسب لم يصبح حكما باتا.
قائمة المراجع
1
ماجدة بن جعفر " :تطور وسائل االثبات في مادة النسب "م ق ت جانفي . 2002ص . 65
29
المراجع باللغة العربية :
المراجع العامة :
*عبد العزيز عامر" :األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية فقها و قضاء" دار الفكر العربي.
*زكريا احمد البشري" :أحكام األوالد في اإلسالم" الدار القومية للطباعة و النشر القاهرة.
*رضا خماخم " :أحكام النفقة حسب مجلة األحوال الشخصية في 11جويلية " 1661منشورات
مركز الدراسات القانونية .1666
*دمحم مصطفى شلبي" :أحكام األسرة في اإلسالم" دار النهضة العربية .
*علي حسين الفطناسي" :دراسات في النسب" التعاضدية العمالية للطباعة و النشر .
*احمد نصر الجندي" :النسب في اإلسالم و األرحام البديلة" دار الكتب القانونية.
الرسائل:
*جيهان باألكحل" :قضاء األحوال الشخصية" مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون األعمال كلية
الحقوق و العلوم السياسية بسوسة . 2005
*كمال البجاوي " :نفي النسب " رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء .
*عبد الرؤوف بن الشيخ" :الوضعية القانونية للبنوة الشرعية في القانون التونسي" مذكرة لنيل شهادة
الدراسات العليا الجامعة التونسية .
*نجاة البشيني" :الوضعية القانونية لالبن الطبيعي" رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء . 1666
*حاتم الفارس" :حق الطفل في الهوية الكاملة" مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص كلية
الحقوق بصفاقس 2005ص .
*ايمان بن شعبان" :الحق في الهوية" مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في قانون العقود
و االستثمارات كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس . 2001 – 2002
*عبد السالم العويني" :نسب االبن الطبيعي" مذكرة لإلحراز على شهادة الماجستير في قانون
األعمال كلية الحقوق بصفاقس.
30
*حميدة المثناني":ميراث االبن الغير الشرعي" مذكرة ختم التدريب بالمعهد األعلى للقضاء . 2006
المقاالت:
*الصادق بوفادن" :الحق في الهوية" ق ت أكتوبر 1666ص .251
*ساسي بن حليمة " :وضعية الطفولة الطبيعية أو الغير الشرعية في تونس" م ق ت عدد 1688/ 2
صفحة .6
.
*الهاشمي دحيدح" :نفي النسب عن طريق تحليل الدم" م ق ت عدد 5و 8لسنة 1666صفحة .6
*ساسي بن حليمة "تعليق على قرار محكمة االستئناف بصفاقس" م ق ت 1665ج . 1و "تعليق على
قرار تعقيبي مدني عدد 11005مؤرخ في 26جويلية 1668ق ت 1668 /6ص .62
*رشيد الصباغ "صفة األم في رفع الدعوى بإثبات نسب ابنها من أبيه و دعوى إلزامه باإلنفاق عليه
" م ق ت 1666ج 1ص .86
*ماجدة بن جعفر " :تطور وسائل اإلثبات في مادة النسب "م ق ت جانفي . 2002
31
المالحق
الفهرس
مقدمة 1..................................................................................................................
الجزء األول:آليات نفي النسب1....................................................................................
الفصل األول :دعوى نفي النسب1..................................................................................
الفرع األول :إجراءات دعوى نفي النسب1.......................................................................
الفقرة األولى :تحديد المحكمة المختصة6..........................................................................
أ :االختصاص الحكمي6...............................................................................................................
ب :االختصاص الترابي5..............................................................................................................
32
الفقرة الثانية:أطراف دعوى نفي النسب 5..........................................................................
أ :المدعي في دعوى نفي النسب8....................................................................................................
ب :المدعى عليه في دعوى نفي النسب6............................................................................................
الفرع الثاني:سقوط دعوى نفي النسب بمرور الزمن6..........................................................
الفقرة األولى :قابلية سقوط دعوى نفي النسب بمرور الزمن6.................................................
الفقرة الثانية:عدم قابلية سقوط دعوى نفي النسب بمرور الزمن6.............................................
الفصل الثاني:وسائل نفي النسب10...............................................................................
الفرع األول :وسائل نفي النسب المستمدة من الفقه اإلسالمي11..............................................
الفقرة األولى:اللعان11...............................................................................................
الفقرة الثانية:إثبات عدم التالقي بين الزوجين12.................................................................
الفرع الثاني:االختبارات الطبية11.................................................................................
الفقرة األولى :نفي النسب بواسطة تحليل الدم16.................................................................
الفقرة الثانية:التحليل الجيني15......................................................................................
الجزء األول:آثار نفي النسب16....................................................................................
الفصل األول :انقطاع نسب الولد 16................................................................................
الفرع األول :اثر انقطاع النسب على الحقوق ذات الصبغة الشخصية16....................................
الفقرة األولى :الحق في اللقب العائلي16..........................................................................
الفقرة الثانية:الحق في الرعاية16...................................................................................
أ :الحضانة20...........................................................................................................................
ب :الوالية21............................................................................................................................
الفرع الثاني :اثر انقطاع النسب على الحقوق ذات الصبغة المالية22.......................................
الفقرة األولى :الحق في النفقة22....................................................................................
الفقرة الثانية:الحق في اإلرث21....................................................................................
الفصل الثاني:اثر نفي النسب على العالقة بين الزوجين26...................................................
الفرع األول :الفراق األبدي بين الزوجين26.....................................................................
الفقرة األولى:الفراق بين الزوجين26..............................................................................
الفقرة الثانية:تأبيد التحريم25........................................................................................
الفرع الثاني:إمكانية تتبع الزوجة 28..............................................................................
الفقرة األولى :المطالبة بجبر الضرر28...........................................................................
الفقرة الثانية:تتبع الزوجة من اجل جريمة الزنا26...............................................................
خاتمة26...............................................................................................................:
33
34