You are on page 1of 16

‫إدارة األزمــــــــــــــــات داخـــــل المؤسســة‬

‫مـــــــــــــن خـــــالل التشريـــــع التونســـــي‬


‫حـــــافظ العمــــــوري‬
‫دكتور دولة فـي قانون الشغـل‬
‫والضمـــــــــان االجتمـــــاعــي‬
‫أستاذ محاضر بالمعهد الوطني‬
‫للشغل والدراســـات االجتمـاعية‬

‫تج اوز التش ريع التونس ي النظري ات الكالس يكية اليس ارية للمؤسس ة كخلي ة مص الح‬
‫متضاربة ومتنازعة وحاول إرساء النظرية اللبرالية الحديثة للمؤسسة كخلي ة إلتق اء مص الح‬
‫ليست بالضرورة متجانسة وبالتالي معرضة ألزمات ككل الخاليا االجتماعية ‪.‬‬

‫ولكن ه ذا المفه وم الجدي د للمؤسس ة ال يكتم ل إال إذا تم التخلص من المفه وم الف ردي‬
‫الرأس مالي الكالس يكي للمؤسس ة كمل ك خ اص للم ؤجر يتص رف فيه ا كم ا ش اء ليح ل محل ه‬
‫المفه وم الح ديث للمؤسس ة ك ثروة وطني ة يتعين المحافظ ة عليه ا من ط رفي االنت اج‪ ،‬وأن‬
‫األضرار بها هو إضرار بمصالح الطرفين معا وباالقتصاد التونسي بالدرجة األولى ‪.‬‬

‫وتكريسا له ذه المف اهيم الجدي دة للمؤسس ة ح اول المش رع التونس ي إيج اد آلي ات إلدارة‬
‫األزمات داخل المؤسسة لتجنيبها هزات عنيفة قد تقضي على قدرتها التنافس ية في ه ذا الوض ع‬
‫االقتصادي المتحول الذي ال مكان فيه إال للمؤسسات ذات القدرة التنافسية العالية والمتجددة‪.‬‬

‫وق د أعطى المش رع األولوي ة إلدارة األزم ات المنج رة عن النزاع ات الفردي ة للعم ل‬
‫خاصة التأديبية منها عن طريق الهياكل الداخلية للمؤسس ات والمقص ود ب ذلك مج الس الت أديب‬
‫( الجزء األول) بينما أوكل أولوية إدارة األزمات المنجرة عن النزاعات الجماعية إلى هياكل‬
‫خارج المؤسسة بعد فشل محاولة إدارتها داخليا ( الجزء الثاني) ‪.‬‬
‫‪-1-‬‬
‫وبالرغم من ال دور ال ذي تق وم ب ه الهياك ل التمثيلي ة للمؤسس ة مس اهمة منه ا في إدارة‬
‫األزمات عن طريق هياكل خارجة عن المؤسسة فإننا سنحاول االقتص ار على إب راز دوره ا في‬
‫إدارة هذه األزمات داخليا نظرا ألهمية هذا ال دور في التوص ل إلى حل ول تنب ع من المؤسس ة‬
‫وبالتالي تكون مبدئيا أنجع وأكثر دواما ‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫الجزء األول ‪:‬‬

‫إدارة األزمـــــــات المنجــــــرة‬


‫عــــــن النزاعــــــات الفردية ‪:‬‬

‫النزاع ات الفردي ة متع ددة داخ ل المؤسس ة من حيث األس باب وواح دة من حيث النت اج‬
‫المتمثلة في خلق أزمات متفاوتة الحدة‪ ،‬ولع ل أهم ه ذه األزم ات تل ك الناتج ة عن القط ع التعس في‬
‫لعقد الشغل وهو ما يبرر إقتصارنا على هذا النوع من األزمات‪.‬‬

‫لــم تتعرض مجلــة الشغل إلــى إدارة هـــذا النوع مــن األزمـات داخل المؤسسة إال بصفة‬
‫عرضية وذلك بالتنصيص علــى أهــم األخطــاء ال تي تبــرر إنهــاء العالقـة الش غلية وإج راءات‬
‫هذا اإلنهاء بحيث كل إخالل بهذه الشروط واإلجراءات من شأنه أن يخلق أزمة داخل المؤسس ة‬
‫باعتبار أن صــاحب العمل تعسف فــي استعمــال حقـه وبالتالي ألح ق ضــرارا مادي ا ومعنوي ا‬
‫باألجير المعني مباشرة وبكــافة أجراء المؤسسة بطريقة غير مباشرة إذ قــد يستهدفون لنفس هــذا‬
‫التعسف مستقبال‪.‬‬

‫فالمشرع في مجلة الشغل أهمل بصفة تكاد كلي ة التع رض إلى إدارة األزم ة المندلع ة‬
‫داخل المؤسسة بسبب تعسف المؤجر في ممارسة حق إنهاء العالقة الشغلية باستثناء التنص يص‬
‫على بعض المسائل اإلجرائية البسيطة كاإلعالم واقتصر على تقنين نتاج األزمة من حيث المنح‬
‫والتعويضات ‪.‬‬

‫وقد يكون المشرع فوض سلطته التشريعية في هذا المجال الداخلي للمؤسس ة إلى األط راف‬
‫االجتماعية لتشرع لنفسها ما تراه مالئما إلدارة أزماتها صلب االتفاقيات المشتركة بك ل مس توياتها‬
‫التفاوضية واألنظمة األساسية للمنشآت العمومية‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫فعلى عكس مجلة الشغل التي لم تتعرض إلى مجلس التأديب إال بالقول في الفصل ‪160‬‬
‫(جدي د) من مجل ة الش غل أن اللجن ة االستش ارية للمؤسس ة تنتص ب كمجلس ت أديب ف إن االتفاقي ة‬
‫المشتركة اإلطــارية واالتفاقيــات المشتركــة القطـــاعية واألنظمــة األســاسية للمنشـآت العمومية‬
‫تعرضت بأكثر دقة لهذا المجلس باعتب اره اآللي ة الرئيس ية إلدارة األزم ة المنج رة عن العقوب ات‬
‫التاديبية عامة وعن الفصل عن العمل خاصة ‪.‬‬

‫ومــن خــالل القــانون التفــاوضي نتبين أن إدارة هــذا الص نف مــن األزمــات أوكــل‬
‫أساس لمجلس التأديب‪.‬فهل تسمح له تركيبت ه ب ذلك وه ل أس ندت ل ه الص لوحيات الالزم ة لض مان‬
‫موضوعويته ونجاعته؟‬

‫نرى أن مجلس التأديب يحمل في صلبه بذور عجزه وضعف نجاعت ه في إدارة األزم ات‬
‫المنجرة عن التعسف في ممارسة الحق التأديبي من طرف المؤجر وذلك لألسباب التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬التركيبية التناصفية الخيالية للمجلس ‪:‬‬

‫باعتباره هيكال منبثقا عن اللجن ة االستش ارية للمؤسس ة فه و ي تركب تناص فا بين ممثلي‬
‫األجراء وممثلي صاحب العمل طبقا لتركيبة اللجنة المنبثق عنها فالفرع يتبع األصل‪.‬‬

‫ومن حيث المبدأ التركيبة التناصفية ال تعد عائقا في وج ه المجلس إلدارة األزم ات لكن‬
‫ترجيح صوت رئيسه هو الذي يضفي الخيال القانوني على التناصف الذي يتح ول من واق ع إلى‬
‫مجرد خيال‪ ،‬فرئيس المجلس الذي هو المؤجر أو من يمثله يصوت كعضو ولكن في حالة تع ادل‬
‫األص وات ي رجح ص وته وبالت الي فه و ّ‬
‫ص وت كعض و ثم ك رئيس مم ا ي نزع الص فة التناص فية‬
‫الواقعية على تركيبة المجلس‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫وبعض االتفاقيات المشتركة واألنظم ة األساس ية للمنش آت العمومي ة ح اولت الح د من‬
‫نفوذ رئيس المجلس وذلك بالتنصيص على أنــه فــي حالة تعادل األصوات يحــال الملف الت أديبي‬
‫إلى الم ؤجر ال ذي ال يمكن ه تش ديد العقوب ة المقترح ة من ط رف المجلس ‪ .‬ه ذه المحاول ة تبقى‬
‫محددوة الفاعلية إذا لم يتمتع المجلس بالموضوضعية والحي اد خاص ة في المؤسس ات ال تي ال‬
‫تكون فيها النقابة األساسية ممثلة في هذا الهيكل ‪.‬‬

‫‪ -2‬غياب التمثيل النقابي في المجلس ‪:‬‬

‫األمر عدد ‪ 30‬الم ؤرخ في ‪ 9‬ج انفي ‪ 1995‬وك ذلك النص وص المنظم ة للتمثي ل غ ير‬
‫النقابي داخل المنش آت العمومي ة لم تنص على ح ق النقاب ة األساس ية في التمثي ل ص لب مجلس‬
‫الت أديب‪ ،‬فكم ا س لف ذك ره ينبث ق ه ذا المجلس عن اللجن ة االستش ارية أو اإلداري ة للمؤسس ة‬
‫(حسبما تكون منظمة باتفاقية مشتركة أو بنظام أساسي) وباعتبار أن الترشح لعضوية هذه اللجنة‬
‫مفتوح مبدائيا لكل أج راء المؤسس ة الق ارين الب الغين من العم ل ‪ 20‬س نة على األق ل وغ ير‬
‫مقتصر على األجراء النقابيين فقد تغيب النقابة األساسية عن ه ذه اللجن ة وال تك ون ممثل ة ول و‬
‫بطريقة غير مباشرة عن طريق أحد األجراء المنخرطين بها ‪.‬‬

‫فغياب التمثيل النقابي صلب مجلس التأديب ليس عامال مساعدا إلدارة ه ذه األزم ات وق د‬
‫يحد بشكل كبير من نجاعة هذا الهيكل نظرا للثقل التمثيلي الذي للنقابة داخل المؤسس ة مقارن ة‬
‫باللجنة االستشارية أو اإلدارية للمؤسسة وكذلك بسبب إختالف الطبيعة والمه ام فالنقاب ة هيك ل‬
‫نظالي واللجنة هيكل استشاري توفيقي‪.‬‬

‫قد يكون دور المجلس أنجع لو أن القانون التفاوض ي في القط اعين الخ اص والع ام وك ذلك‬
‫النصوص القانونية والترتيبية ذات الصلة نصت على وجوب التمثي ل النق ابي اآللي ب المجلس إلى‬
‫جانب التمثيل غير النقابي إن اقتضى األمر ‪.‬فهذا التمثي ل ق د يض في مص داقية أك بر على دور ه ذا‬
‫الهيكل في إدارة األزمات واكتسابه مزيدا من الموضوعية والحي اد والخ وف من أن تتح ول اللجن ة‬

‫‪-5-‬‬
‫االستش ارية أو اإلداري ة أو مجلس الت أديب إلى نقاب ة في غ ير موض عه نظ را الختالف مه ام ه ذه‬
‫الهياكل عن مهام النقابة ‪.‬‬

‫‪ -3‬قلة الموضوعية والحياد في اقتراحات المجلس ‪:‬‬

‫اإلنحياز اآللي وغير المشروط للمثلي اإلدارة للمؤجر وممثلي األجراء لألجير المعني يفقد‬
‫المجلس الكثير من نجاعته في إدارة األزمات ‪.‬‬

‫وعلى المستوى الواقعي العملي يب دو أن اللجن ة االستش ارية أو اإلداري ة للمؤسس ة تعم ل‬
‫باألساس كمجلس تأديب على حساب مهامها األخرى المتعددة والتي من شأنها أن تساهم في الوقاي ة‬
‫من األزمات داخل المؤسسة ‪.‬‬

‫وانحي از ممثلي اإلدارة وفي بعض األحي ان ممثلي األج راء خاص ة في غي اب التمثي ل‬
‫النق ابي للم ؤجر س واء خوف ا أو تقرب ا من ه يجع ل من ه ذا المجلس أداة لتعمي ق األزم ات وليس‬
‫إلدارتها حيث يتحول إلى مجرد هيكل إضفاء الص بغة القانوني ة المبدئي ة على عقوب ات تعس فية‬
‫قد يكون المؤجر إتخذها مسبقا أو أمر بآتخاذها مهما ك انت األدل ة المقدم ة للمجلس على ب راءة‬
‫األجير مما يطرح خاصة إشكالية غياب حماية ناجعة لممثلي العملة بالمجلس‪.‬‬

‫‪ -4‬الحماية الشكلية ألعضاء المجلس ‪:‬‬

‫نص الفصل ‪ ( 166‬جديد) من مجلة الشغل على حماي ة ألعض اء مجلس الت أديب ض د‬
‫تعس ف الم ؤجر باعتب ارهم أعض اء باللجن ة االستش ارية للمؤسس ة غ ير أن ه ذه الحماي ة تبقى‬
‫ض عيفة الج دوى وال تس اعد المجلس على إدارة األزم ات بموض وعية وحي اد وذل ك لع دة‬
‫أسباب أهمها ‪:‬‬

‫‪-6-‬‬
‫‪ )1‬إقتص ار الحماي ة على ممثلي العمل ة وإقص اء ممثلي اإلدارة مم ا يعم ق من تبعيتهم‬
‫االّمشروطة للمؤجر والخضوع ألوامره المسبقة وبالت الي فق دان الموض وعية والحي اد‬
‫في إدارة األزمة هذا إضافة إلى إمكانية استبدالهم بأعض اء أخ رين حس ب رغب ة الم ؤجر‬
‫ومصالحه‬
‫‪ )2‬إقتصار الحماية على الطرد دون غيره من العقوبات التأديبية ‪.‬‬
‫‪ )3‬غي اب حماي ة خاص ة ب الممثلين النق ابيين داخ ل المجلس حيث يتمتع ون بالحماي ة‬
‫المخصصة ألعضاء اللجنة االستشارية للمؤسسة باعتبار أن تم ثيلهم ب المجلس ليس على‬
‫أساس صفتهم النقابية بل على أساس عضويتهم باللجنة المذكورة ‪.‬‬
‫‪ )4‬الصبغة الشكلية للحماية حيث أنها تقتصر على أخ ذ رأي اللجن ة االستش ارية ثم أخ ذ‬
‫رأي متفقد الشغل فاألمر يقتصر على مج رد إج راءات يتعين على الم ؤجر القي ام به ا‬
‫دون وجوب اإلل تزام بم ا تس فر عن ه حيث يبقى ص احب الق رار األخ ير وق د ال يعت بر‬
‫قراره تعسفيا بالرغم من مخالفته لرأي اللجنة ورأي متفقد الشغل معا ش ريطة إقن اع‬
‫المحكمة بما قرره ‪.‬‬
‫‪ )5‬غي اب نص ق انون أو تعاق دي يج بر الم ؤجر على إرج اع ممثلي العمل ة ب المجلس‬
‫المطرودين تعس فيا وإن ك ان من الناحي ة القانوني ة ال ش يء يمن ع المح اكم من القض اء‬
‫باإلرج اع للعم ل وإبط ال الط رد إستئناس يا بق رارات محكم ة التعقيب القاض ية بإبط ال‬
‫عقوبات تأديبية تعسفية أقل درجة من الطرد ‪.‬‬
‫لكن إبطال الطرد والقضاء باإلرجاع في غي اب نص ق انوني يج بر الم وجر على تنفي ذ‬
‫األحكام تحت طائل ة عقوب ات ردعي ة يص بح مض يعة ل وقت األج ير ال ذي ليس ل ه إال‬
‫الرجوع مجددا للقضاء للمطالبة بالتعويض عن الطرد ‪.‬‬
‫‪ )6‬غياب تعويض خ اص بممثلي العمل ة المط رودين تعس فيا حيث ك ان ربم ا إلض فاء‬
‫بعض النجاعة والفاعلية على هذه الحماية أن ينص المشرع على حرية القاضي في تقدير‬
‫غرامة الطرد التعسفي لممثل العملة أو أن يضبط لها سقفا أعلى من السقف المحدد لباقي‬
‫العملة وكذلك الشأن بالنسبة لمكافأة نهاية الخدمة إلثناء أصحاب العمل على أخذ قرارات‬
‫تعسفية ضد ممثلي العملة حماي ة للتمثي ل العم الي داخ ل المؤسس ة لكي يق وم ب دور فع ال‬
‫‪-7-‬‬
‫ومس تقل في إدارة األزم ات دون خ وف من رد فع ل ص احب العم ل ب الرغم من أن ه يبقى‬
‫صاحب القرار األخير خاصة في حالة تعادل األص وات بحكم غي اب ط رف محاي د يفص ل‬
‫بين الموقفين ‪.‬‬

‫‪ -5‬غياب طرف محايد للفصل عند تعادل األصوات بالمجلس ‪:‬‬

‫بالرغم من الصبغة االستشارية لس لطة المجلس في إدارة األزم ات ف إن إحال ة الفص ل‬


‫فيه ا في حال ة قط ع العالق ة الش غلية إلى ط رف خ ارجي محاي د كمتفق د الش غل عن د تع ادل‬
‫األصوات يضفي الكثير من المصداقية على دور المجلس دون الحاجة أن يك ون ت دخل متفق د‬
‫الشغل ملزما لألجير وال للمؤجر إذا أثبتا للقضاء خالف ذلك ودون إخراج إدارة األزمة عن نط اق‬
‫المؤسسة‪ ،‬فإدارة هذه األزمة تبقى إذن داخلية عن طريق هذا الهيكل الداخلي ولكن بحضور طرف‬
‫خارجي محايد في حالة تعادل األصوات وعندما يتعلق األمر بالفصل عن العمل فقط‪.‬‬

‫وت دخل ط رف محاي د في ه ذه الحال ة في إدارة األزم ة داخلي ا ي نزع عن األج ير ص فة‬
‫الخصم والحكــم التــي تجعــل مــن اجتمـــاع المجلس مجـــرد إجراء شكلــي إلضفــاء الشرعيــة‬
‫على عقوبات قد تكــون تعسفية وتضــفي علــى هذا الهيكل بعض النجاعة المتمثلة في الصبغة‬
‫اإللزامية المبدئية للطرفين لرأي المحكم غير أنه بإمكانهم ا ع دم اإلل تزام به ذا ال رأي ش ريطة‬
‫إثبات مخالفته للصواب أمام القضاء عند عرض الخالف عليه ‪.‬‬

‫أما والحالة على ما هي عليه من تدخل بعض المؤجرين لتوجيه مجلس الت أديب في بعض‬
‫المؤسسات الخاصة أو العامة وفي بعض األحيان تقرير ما يجب اتخ اذه ف إن م ا ورد في بعض‬
‫اإلتفاقيات المش تركة واألنظم ة األساس ية من وج وب إحال ة المل ف على الم ؤجر في حال ة تع ادل‬
‫األصوات أو من عدم جواز التشديد في العقوبة المقترحة يبقى محدود الجدوى ‪.‬‬

‫يبدو من خالل م ا عرض ناه بالنس بة إلدارة األزم ات المنج رة عن النزاع ات الفردي ة أن‬
‫المشرع لم يوفر آلية ذات نجاعة عالية إلدارة هذه األزمات داخليا فهل وفق في وضع آليات ناجعة‬
‫‪-8-‬‬
‫إلدارة األزمات المنجرة عن النزاعات الجماعية بحكم تأثيره ا ال ذي يك ون مب دئيا أش د س لبية على‬
‫المناخ االجتماعي من النزاعات الفردية ؟ ‪.‬‬
‫ومحاولة منه توفير أكثر ما يمكن من فرص إنجاح إدارة هذه األزمات داخليا أوكل المشرع لللجنة‬
‫االستشارية للمؤسسة دورا توفيقيا بين المؤجر والنقابة فهل وفق في ذلك ؟‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫الجــزء الثــاني ‪:‬‬

‫إدارة األزمـــــــــات المنجــــرة‬


‫عـــن النزاعـــــــات الجماعية ‪:‬‬

‫خالف ا إلدارة النزاع ات الفردي ة داخ ل المؤسس ة ال تي أوك ل المش رع تنظيمه ا أس اس‬
‫لألطراف االجتماعية في النصوص التفاوض ية فق د إنف رد بتنظيم إدارة األزم ات المنج رة عن‬
‫النزاعات الجماعية باعتبارها تنعكس مباشرة على النظام العام‪.‬‬

‫واألهمية التي أوالها المشرع إلدارة األزمات المنجرة عن النزاعات الجماعية بمختل ف‬
‫أسبابها تبرز جليا من خالل مراجعة أحاكم مجلة الشغل المتعلقة بالنزاعات الجماعية للشغل‪ ،‬فمن ذ‬
‫صدور مجلة الشغل سنة ‪ 1966‬أكثر الفصول التي خضعت للمراجعة تلك المتعلقة بإدارة األزمات‬
‫المنج رة عن النزاع ات الجماعي ة به دف تجنب اإلض رابات بك ل الوس ائل وض ع آلي ات داخ ل‬
‫المؤسس ة وخارجه ا م ع الح رص على تناس ق التش ريع التونس ي م ع االتفاقي ات الدولي ة ذات‬
‫الصلة وخاصة االتفاقية رقــم ‪. 87‬‬

‫وق د أوك ل المش رع مس ؤولية إدارة ه ذه األزم ات داخ ل المؤسس ة للنقاب ات تجنب ا ألي‬
‫تعارض مع االتفاقيات الدولية وفقه قضاء لجنة الخبراء بالمنظمة الدول ة للعم ل بش أن الحري ات‬
‫النقابية ‪.‬‬

‫‪-10-‬‬
‫أوال ‪ :‬إدارة األزمات عن طريق اللجنة االستشارية للمؤسسة ‪:‬‬

‫نص الفصل ‪ ( 376‬جديد ) من مجلة الشغل على وجوب ‪ ":‬عرض كــل صــعوبة تنشــأ بين‬
‫المؤجر والعملة من شأنها أن تثير نزاع شغل جمــاعي على اللجنــة االستشــارية للمؤسســة قصــد‬
‫إيجاد حلول ترضي طرفي النزاع ‪ ،‬وإذا لم يتم فض الخالف داخل المؤسسة يقع عرضه وجوبــا‬
‫من قبل أكثر الطرفين حرصا على المكتب الجهوي للتصالح‪"...‬‬

‫نرى أن المشرع ق د أقحم اللجن ة االستش ارية للمؤسس ة في إدارة أزم ة ال عالق ة له ا به ا‬
‫وبالتالي من الصعب أن يكون تدخلها ذا جدوى كبيرة بل من شأنه أن يقسم الوحدة العمالي ة إلى‬
‫مؤيد ومناهض لكيفية إدارة األزمة وه ذا وإن يب دو ظاهري ا لفائ دة الم ؤجر لكن في الواق ع ه ذا‬
‫التقسيم قد يؤدي إلى تعميق األزمة وصعوبة إدارتها سلميا‪.‬‬

‫وحتى وإن تم حلها فإن تأثير هذا التقسيم سيكون عميقا على األمد القصير وربم ا المتوس ط‬
‫وسينعكس على المناخ االجتماعي داخل المؤسس ة وبالت الي على ق درتها االنتاجي ة والتنافس ية في‬
‫هذا الوضع االقتصادي الذي ما انفكت تشتد فيه المنافسة‪.‬‬

‫وقد كان باإلمكان للجنة االستشارية للمؤسسة أن تقوم بدور أنجع في إدارة ه ذه األزم ة‬
‫لو كانت تركيبتها مختلف ة لم ا هي علي ه اآلن بحيث يك ون الط رف النق ابي ممثال فيه ا آلي ا أو أن‬
‫يوكل للنقابة األساسية أولوية تقديم الترش حات لعض وية ه ذه اللجن ة أو تزكي ة ه ذه الترش حات‬
‫بحيث ال تقبل الترشحات األخرى إال في حالة عدم قيام النقاب ة به ذا ال دور كم ا ه و في العدي د من‬
‫البلدان األخرى لتجنب المنافسة السلبية بين التمثيل النقابي والتمثيل غ ير النق ابي ‪.‬ووج ود تمثي ل‬
‫نقابي داخل اللجنة االستشارية للمؤسسة من شأنه تنسيق المواق ف بين النقاب ة األساس ية وبين ه ذا‬
‫الهيكل في إدارة األزمة‪.‬‬

‫‪-11-‬‬
‫أما بتركيبتها الحالية فمن الصعب تحقيق النجاعة الكافية إلدارته ا ألزم ة من المف روض‬
‫أن تتم إدارتها من طرف النقابة بالتفاوض مع الم ؤجر أي بين الط رفين المعن يين به ا مباش رة‬
‫وليس مع من ليس طرفا فيها ‪.‬‬

‫وحتى على المستوى القانوني من الصعب تطبيق الفصل ‪( 376‬جديد) السالف الذكر بالرغم‬
‫من أنه ورد في صيغة الوجوب "يتعين" ويدخل في باب اإلجراءات القانوني ة لص حة اإلض راب‬
‫ألن محاول ة إدارة ه ذه األزم ة من ط رف اللجن ة من المف روض أن يك ون خالل م دة التنبي ه‬
‫باإلضراب المحددة بعشرة أيام فالمقصود من قول المشرع " من شأنها أن تثير نزاع شغل جماعي‬
‫" هو التهديد بإضراب‪.‬‬

‫كما أنه خالل هذا األجل يتعين اللجوء إلى الهياكل الصلحية خارج المؤسسة بعد فشل اللجنة‬
‫في التوصل إلى حل يرضي الطرفين لمحاولة الصلح بينهما‪.‬‬
‫ونتساءل عن مدى تطابق ه ذا اإلج راء المتمث ل في اللج وء إلى اللجن ة االستش ارية للمؤسس ة من‬
‫طرف النقابة باعتبارها الطرف الحريص على إضفاء الصبغة القانونية على اإلض راب ب احترام‬
‫كافة اإلجراءات المنصوص عليها مع روح اإلتفاقي ات الدولي ة بش أن الحري ات النقابي ة وخاص ة‬
‫فقه قضاء لجنة خبراء المكتب الدولي للعمل الذي يؤكد على إزاح ة ك ل إج راء من ش أنه أن يح ّد‬
‫من الممارسة الحرة للحق النق ابي وخاص ة ح ق اإلض راب ال ذي يمكن اعتب اره كطريق ة إلدارة‬
‫أزمة داخل المؤسسة من طرف النقابة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬إدارة األزمات عن طريق النقابة ‪:‬‬

‫باعتبار أن النقابة هي عادة الهيكل األك ثر تمثيلي ة داخ ل المؤسس ة وبص فتها الم دافع عن‬
‫الحقوق المعنوية والمادية ألجراء المؤسسة فهي القادرة دون غيره ا على إدارة األزم ات المنج رة‬
‫عن النزاعات الجماعية للعمل ‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫وتطور العمل النقابي في تونس يبرز خاص ة من خالل ع دم تقوق ع النقاب ات في دوره ا‬
‫المطل بي الم ادي التقلي دي ال ذي تعدت ه إلى المطالب ة ب الحقوق المعنوي ة لمنخرطيه ا وبتحس ين‬
‫ظروف وبئة العمل عموما ‪.‬‬

‫وقد تنشأ بعض األزمات داخل المؤسسة بين النقاب ة وص احب العم ل عن د قيامه ا بمهامه ا‬
‫توصف بالنزاعات الجماعية باعتبارها تتعلق بحقوق ومط الب تهم مجموع ة من العم ال أو كلهم ‪.‬‬
‫ومن خالل مجلة الشغل نتبين جليا أن المش رع أعطى األولوي ة المطلق ة للح وار في إدارة ه ذا‬
‫النوع من األزمات ‪.‬‬

‫كما أنه خالف إلدارة األزمات المنجرة عن النزاعات الفردية للعمل أولى المشرع األولوية‬
‫إلدارة األزمات المنجرة عن النزاعات الجماعية لهياكــل صلحية خارجــة عن المؤسســة لكن‬
‫دون تهميش الهيكل النقابي الذي يبقى الطرف األساسي في التوصل إلى اتفاق صلحي‪.‬‬
‫وإعطاء المشرع األهمية البالغة للحوار كطريق ة إلدارة األزم ات داخ ل المؤسس ة ال يح ول دون‬
‫حق النقابة في اللجوء لإلضراب بعد فشل الحوار داخل وخارج المؤسسة وإال فإن التشريع التونسي‬
‫يصبح متناقضا مع االتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات النقابية ‪.‬‬

‫ونرى أن اإلضراب ليس أزمة في حد ذاته بقدر ما هو آلية إلدارة أزمة ‪ .‬فاألزمة ق د تتعل ق‬
‫بعدم قيام المؤجر بأحد إلتزاماته القانونية أو التعاقدية كعدم إحترام الحق النقابي أو عدم دفع األج ور‬
‫في أجالها أو عدم تنفيذ إتفاق أبرمه أو غير ذلك من اإللتزامات ‪.‬‬

‫وقد تظطر النقابة بعد فشل الحوار إلى إدارة هذه األزمة عن طريق اإلضراب لدفع صاحب‬
‫العمل نحو تنفيذ إلتزماته وبالتالي الوصول إلى ح ل له ذه األزم ة ق د يخل ف انعكاس ات س لبية على‬
‫المناخ االجتماعي داخل المؤسسة ‪.‬‬

‫‪-13-‬‬
‫وبالرغم من أن ه من المب ادئ القانوني ة أن اإلض راب الق انوني يعل ق العالق ة الش غلية فإن ه‬
‫يتعين عدم الخلط بين عقد الشغل الذي يج ّمد بفعل اإلضراب وبين عقد الوكال ة ال ذي بموجب ه أوك ل‬
‫العمال مهمة الدفاع عن حقوقهم المادي ة والمعنوي ة لمن يمثلهم في إط ار نقاب ة أساس ية وال ذي يبقى‬
‫قائما خالل اإلضراب‪.‬‬

‫فالعالقة الشغلية تنبثق عن إرادة المؤجر كطرف وبالتالي له أن يعلقها بينم ا العالق ة النقابي ة‬
‫التمثلية تنبثق عن إرادة العمال وال يمكن لغيرهم تعليقها حيث ال دخل للمؤجر فيها ‪ .‬وقيام العالق ة‬
‫التمثيلية للممثليين النقابيين وغير النقابيين تمكنهم من مواصلة مه امهم التمثيلي ة ب الرغم من تعلي ق‬
‫عقود شغلهم بسبب اإلضراب أو اإليقاف عن العمل بعقوبة تأديبية والهدف من إبقاء الصفة التمثيلية‬
‫هو تمكين هؤالء من إدارة األزمة بكل الوسائل من الحوار إلى اإلضراب ‪.‬‬

‫ومن الخطاء القول أن الصفة التمثلية النقابية أو غير النقابية تج د مص درها في عق د الش غل‬
‫وفي صفة ممثل العملة في أنه أجير قبل كل شئ ألن في ذل ك إفش ال ك ل مح اوالت إدارة األزم ات‬
‫داخل المؤسسة للتوصل لحلول لها ‪.‬‬

‫فإذا علقت الصفة التمثلية لألجير كنتيج ة لتعلي ق عق د ش غلهم تنتفي عن ه ك ل ص فة قانوني ة‬
‫إلدارة األزم ات وإب رام اتفاقي ة ص لحية م ع الم ؤجر لحله ا بص رف النظ ر عن نوعي ة األزم ات‬
‫وأسبابها وإبرام االتفاقات لحلها ال يكون إال من طرف النقابة دون غيرها باعتبارها الهيكل التمثلي‬
‫الوحيد الذي يتمتع بالشخص ية القانوني ة وال تي يس تمدها من المركزي ة النقابي ة كف رع منه ا بخالف‬
‫اللجنة االستشارية للمؤسسة التي تفتقد لهذه الشخصية التي تخولها إلى إداراة األزمات المنج رة عن‬
‫النزاعات الجماعية وحلها بمقتضى إبرام اتفاقات مع المؤجر‪.‬‬

‫فمن صالح المؤجر أن يكون بالمؤسسة هياكل تمثلية للعملة وخاصة نقاب ة أساس ية أو ن واب‬
‫نقابيين كما في صالحه أو تكون هذه النقابة قوية ألن ه في حال ة إن دالع أزم ة داخ ل المؤسس ة يمكن‬
‫إدارتها وحلها عن طريق الممثلين النق ابيين وفي غي اب ه ؤالء ق د تس تفحل ه ذه األزم ة ويص عب‬
‫حلها‪.‬‬
‫‪-14-‬‬
‫وحتى إن توصل المؤجر إلى حلها بطريقة آحادية الجانب أو عن طريق هيك ل آخ ر غ ير‬
‫النقابة قد يكون هذا الحل آنيا وبالتالي ال يحق ق إال س لما اجتماعي ا س طحيا ومص طنعا ي ؤثر س لبا‬
‫على إنتاج المؤسسة كما وكيفا بالتالي على قدرتها التنافسية الضامنة الوحيد لبقائها في هذا الظ رف‬
‫االقتصادي المتحول ‪.‬‬

‫كما أن إضعاف النقابة داخل المؤسسة قد يخ دم مص لحة الم ؤجر ظاهري ا لكن عن د إن دالع‬
‫األزمات تعجز هذه النقابات على إدارتها والتوصل إلى حل لها ألنها قد تكون فق دت الش يء الكث ير‬
‫من مصداقيتها إزاء منخرطيها وبالتالي من األنجع واألنفع للمؤجر التعام ل م ع نقاب ة قوي ة ذات‬
‫مصداقية أفضل من التعامل مع نقابة ضعيفة فاقدة المصداقية الكافية التي تمكنها من إدارة األزمات‬
‫وحلها بنجاعة لثقة األجراء فيها‪.‬‬

‫وبالرغم من التأكيد على دور النقابات في إدارة األزمات داخل المؤسس ة بص فة مباش رة أو‬
‫غير مباشرة من خالل مختلف النصوص الصادرة عن المنظمة الدولية للعمل ذات الصلة وتك ريس‬
‫هذا الدور وطنيا واقعا وقانونا‪ ،‬صراحة وضمنيا فإن المشرع التونسي خالف ا لعدي د التش ريعات في‬
‫البلدان األخرى مازال متمسكا بعدم تمتيع النائب النقابي بحماية خاصة ضد تعسف المؤجر أو ح تى‬
‫توسيع الحماية التي يتمتع بها النواب غ ير النق ابيين ب الرغم من محدودي ة نجاعته ا لتش مل الن واب‬
‫النقابيين‪.‬‬

‫وهذه الحماية من شأنها أن ترفع في مردودية النواب النقابيين عند إدارتهم لألزم ات داخ ل‬
‫المؤسسة بالتوصل إلى حل ول جذري ة ونهائي ة تجنب إن دالع ه ذه األزم ات من جدي د بس بب قب ول‬
‫جزئية خوفا من تعسف صاحب العمل ضد الممثلين النقابيين الذي يصل إلى حد الطرد‪.‬‬

‫‪-15-‬‬
‫وغياب حماية قانونية ناجعة للممث ل النق ابي في ح د ذات ه منب ع لألزم ات داخ ل المؤسس ة‬
‫خاصة عند قيام المؤجر بطرده حيث تض طر النقاب ة األساس ية إلى إرس اء حماي ة واقعي ة تعويض ا‬
‫للحماية القانونية المفقودة وذلك بفرض إرجاع النائب النقابي المطرود تعسفيا إلى س الف عمل ه عن‬
‫طريق التهديد باإلضراب أو حتى شنه إن إقتضى األمر ذلك وهي حماي ة أنج ع بكث ير من الحماي ة‬
‫القانونية التي أقصى منها المشرع النواب النقابيين‪.‬‬

‫كان إذن بإمكان المشرع تجنيب المؤسسة عديد األزمات الناتجة عن غياب حماية النواب‬
‫النقابيين لو نص على مثل هذه الحماية لفائدتهم حيث يتم اللجوء إلى القضاء عوضا عن اللجوء‬
‫إلى اإلضرابات لفرض الحماية المنشودة وهو ما يؤك د ض رورة مص ادقة ت ونس على اإلتفاقي ة‬
‫الدولية بشأن حماية النواب النقابيين ‪.‬‬

‫‪-16-‬‬

You might also like