You are on page 1of 5

‫تجليات مظهر الخصب‪ ،‬من خالل العنصر األسطوري " القمر "‪:‬‬

‫تتجلى أس طورة اخلصب من خالل العنصر األس طوري " القمر "‪ ،‬عرب تيمة " اخلس وف "‪.‬‬
‫باعتماد تقنية العنوان‪ ،‬حيث جاء عنوان الرواية‪ " ،‬البئر " واليت تعد فاحتة مخاسيته‪ ،‬مندرجا حتت‬
‫عنوان اخلماسية ككل وهو " اخلسوف "‪.‬‬
‫والعن وان أكرب إش ارة‪ ،‬حتيلنا إىل منت النص‪ ،‬حيث أن " اخلس وف " جتلّى على كافة‬
‫النصوص الروايات اخلمس‪.‬‬
‫وحني ك انت دراس تنا مرك زة على رواية " الب ئر "‪ ،‬ف إن تيمة " اخلس وف " جتلت بوض وح‬
‫يف نص الرواية‪.‬‬
‫ك ذلك‪ ،‬ج اء جتلي العنصر األس طوري " خس وف القمر "‪ ،‬من خالل تقنية "العب ارة‬
‫استهل الكوين روايته " البئر "‪ ،‬بعبارة لـ(هنري تورو) (‪ )‬من كتابه "احلياة يف‬
‫ّ‬ ‫االستهاللية "‪ ،‬حيث‬
‫الغابة"‪ ،‬لتحيلنا مباشرة على ظاهرة خسوف القمر‪ ،‬حيث جاءت كما يلي‪ " :‬عندما أراد فايتون‬
‫أن يق ّدم الدليل على أصله السماوي منح له مل ّدة يوم واحد عجلة الشمس فانطلق هبا وحرق عدة‬
‫وكون‬
‫أحياء من املدينة السماوية السفلية‪ ،‬وأضرم النار على وجه األرض وج ّفف كل منابع املاء ّ‬
‫الص حراء الك ربى‪ ،‬هنا ق ام يوبرت وص رعه على األرض بض ربة رعد وح زنت الش مس ورفضت أن‬
‫تضيء بعد ذلك ملدة عام كامل " (‪ .)1‬فكانت هذه العبارة االستهاللية اليت تزيّن صدر الرواية تنبئ‬
‫توجه النص إىل أسطورة (كسوف الشمس وخسوف القمر)؛ هذه األسطورة اليت هلا أصوال‬ ‫عن ّ‬
‫إسالمية أيضا؛ حيث جاء يف الرتاث اإلسالمي‪ ،‬وجاء حتديدا يف كتاب (عرائس اجملالس)‪ .‬الذي‬
‫حيت وي على ‪ " :‬جملس يف ذكر خلق الش مس والقمر وصفة س ريمها وب دأ أمرها ومعادمها" (‪ .)2‬فقد‬
‫جاء احلديث عن (خلق الشمس والقمر وجتلياهتما وكسوف الشمس وخسوف القمر) على النحو‬
‫الت ايل‪ " :‬إن اهلل تع اىل ملا أتقن خلقه إحكاما ومل يبق إالّ آدم خلق مشسني من ن وع عرش ه‪ .‬فأما ما‬
‫كان من سابق علم اهلل تعاىل أن يدعوها مشسا ‪ ،‬فإنه خلقها مثل الدنيا من مشارقها ومغارهبا‪ ،‬وأما‬

‫‪ -‬ولد العبقري األمريكي هنري ديفيد ثورو يف كونكورد بوالية ماساشوستس األمريكية سنة ‪ ،1917‬خترج هذا‬ ‫‪‬‬

‫الشاب من جامعة هارفرد سنة ‪ .1837‬أما رائعته األدبية فهي كتاب ( وولدن ) أو ( احلياة يف الغابة ) «‪Walden، ‬‬
‫‪ or life in the woods‬الذي جيسد نظراته وفلسفته يف احلياة‪ ،‬تويف هنري سنة ‪.1862‬‬
‫‪ -‬رواية البئر‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬الثعليب‪ ،‬عرائس اجملالس‪ ،‬ص ‪.20 -15‬‬


‫‪2‬‬
‫ما ك ان من س ابق علم اهلل أن يطمسها وحيوهلا قمرا ‪ ،‬فإنه خلقها دون الشمس يف العظم ‪ ،‬ولكن‬
‫أمر‬
‫إمنا ي رى ص غرها من ش دة ارتف اع الس ماء وبع دها عن األرض‪..‬فأرسل جربيل عليه الس الم ف ّ‬
‫مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور‪..‬‬ ‫جناحه على وجه القمر وهو يومئذ مثل الشمس ثالث ّ‬
‫فالس واد ال ذي يف جوف القمر مثل اخلط وط فيه إمنا هو أثر احملو‪ ..‬مث خلق اهلل للش مس عجلة فيها‬
‫بالش مس وعجلتها ثالمثائة وس تني ملكا من املالئكة من أهل الس ماء‬ ‫ثالمثائة وس تون ع روة ووكل ّ‬
‫الدنيا‪ .‬قد تعلق كل منهم بعروة من تلك العرى‪.‬‬
‫وخلق اهلل تع اىل مش ارق ومغ ارب يف أقط ار األرض وكنفي الس ماء مثانني ومائة عني يف‬
‫املش رق من طينة س وداء يف ور غلياهنا كغلي الق در إذا اش تد غلياهنا‪ ..‬مث خلق اهلل تع اىل حبرا دون‬
‫مساء ال دنيا مبق دار ثالثة فراسخ فهو م وج ملف وف ق ائم يف اهلواء ب إذن اهلل ال يقطر منه قط رة‬
‫والنج وم كلّها س اكنة يف ذلك البح ر‪ ،‬وهو ج ار يف س رعة الس هم وانطالقه فهو يف اهلواء مس تو‬
‫الرحى‬‫كأنه جبل ممدود ما بني املشرق واملغرب‪ .‬وجتري الشمس والقمر واخلنّس يف سرعة دوران ّ‬
‫من أه وال ي وم القيامة وزالزهلا يف ذلك البح ر‪ ..‬والفلك يف دوران العجلة يف جلّة غم رة م اء ذلك‬
‫البح ر‪ .‬وال ذي نفس حممد بي ده لو ب دت الش مس من دون ذلك البحر ألح رقت كل ش يء على‬
‫وجه األرض حىت الص خور واحلج ارة‪ .‬ولو ب دا القمر من دون ذلك البحر الفتنت به أهل األرض‬
‫حىت يعبدونه دون اهلل تع اىل‪ ..‬ف إذا طلعت الش مس فإهنا تطلع من بعض تلك العي ون على عجلتها‬
‫ومعها ثالمثائة وس تون ملكا ناش رين أجنحتهم يف الفلك بالتس بيح والتق ديس للّه تع اىل على ق در‬
‫س اعات النه ار والقمر ك ذلك على ق در س اعات اللي ل‪ ..‬ف إذا أراد اهلل أن يبتلي القمر ك ذلك‬
‫خرت الشمس عن العجلة فتقع‬ ‫مرة ّ‬ ‫والشمس ويري العباد آية من آيات الشمس عن العجلة وقال ّ‬
‫يف عمر م اء ذلك البحر وهو الفل ك‪ .‬ف إذا أراد اهلل أن يعظّم تلك اآلية ليش تد خ وف العب اد وقعت‬
‫الش مس كلها فال يبقى على العجلة ش يء منها ف ذلك حني يظلّم النه ار وتب دو النج وم وذلك هو‬
‫املنتهى عند كسوفها‪ .‬فإذا أراد اهلل أن جيعل آية وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان يف املاء ويبقى‬
‫سائر ذلك على العجلة وهو كسوف ابتالء الشمس والقمر وذلك ختويف للعباد واستعتاب من اهلل‬
‫(‪) 1‬‬
‫تعاىل "‬

‫‪ -‬حممد عجينة‪ ،‬موسوعة أساطري العرب‪ ،‬ص ‪ 198‬و‪ 199‬و‪ 200‬و‪.201‬‬ ‫‪1‬‬
‫وبالتايل فقد أحالتنا العبارة االستهاللية ‪ -‬هلنري ثورو ‪ -‬مباشرة على األسطورة القدمية يف‬
‫جيرها ع دد كبري من‬
‫الفولكل ور اإلس المي‪ ،‬واليت تقضي ب أن الش مس ت دور ب إذن اهلل على عجلة ّ‬
‫املالئكة ما إن ح ادت عنها أو اق رتبت من األرض اح رتق كل ش يء‪ ،‬فانزي اح عجلة الش مس عن‬
‫موض عها جعلها حترق ع ّدة أحي اء من املدينة الس ماوية الس فلية‪ ،‬وتض رم الن ار على وجه األرض‬
‫وجت ّفف كل من ابع املاء وك ّونت الص حراء الك ربى ومن مثّ ح زنت الش مس على ح ّد تعبري ه نري‬
‫ثورو ‪ -‬وحدث اخلسوف ‪-‬‬
‫وحني ك ان التجلي ص رحيا من خالل العب ارة االس تهاللية اليت أحالتنا مباش رة إىل ظ اهرة‬
‫اخلس وف‪ ،‬ف إن مطاوعة العنصر األس طوري " خس وف القمر " ج اءت متقلصة عن طريق حالة‬
‫التماثل والتش ابه‪ .‬فبانزي اح الش مس عن العجلة حيدث ح رق لكل ما يف الك ون وحتدث اخلس وف‬
‫وهكذا يف العبارة االستهاللية أيضا‪.‬‬
‫ك ذلك يتجلى لنا الرمز األس طوري " القمر " من خالل تيمة " اخلس وف "‪ ،‬وذلك عرب‬
‫تقنية " اخللفية األس طورية "‪ ،‬حيث ج اء يف نص الرواية " البارحة م ات أمس تان‪ ،‬وجد منتح را يف‬
‫بيته‪ ،‬يف ذروة التظاهرة اليت أقامها األهايل‪ .‬يف تلك الليلة – لطرد األرواح الشريرة عن وجه القمر‬
‫(‪) 1‬‬
‫عندما اكتسحه خسوف مفاجئ "‬
‫والطق وس ‪ -‬كما علمنا ‪ -‬هي دوما اجلانب املم ارس من األس طورة‪ ،‬فهي اجلانب الفعلي‬
‫والقص ة األس طورية هي اجلانب الق ويل منه ا؛ "فقد جلأ األه ايل إىل ممارسة طقوس هم لط رد‬ ‫ّ‬ ‫هلا‪،‬‬
‫األرواح الشريرة عن وجه القمر‪ ،‬الذي اكتسحه اخلسوف املفاجئ‪ ،‬عند البئر العتيق‪..! ‬والبئر كما‬
‫جتل واضح ألسطورة اخلصب‪ ،‬وله قدسية خاصة منذ غابر األزمان‪ ،‬فقد جاء يف‬ ‫رأينا من قبل هو ّ‬
‫معهن الطّبول والدفوف‬
‫جتمعت النسوة عند البئر العتيق مبجرد أن أشيع اخلرب‪ .‬جلنب ّ‬ ‫نص الرواية‪ّ " :‬‬
‫وآالت املوسيقى‪ ،‬وسرعان ما أقبل الرجال أيضا‪ ،‬يتبخرتون بعماماهتم الكبرية‪ ،‬حتلّقوا حول النساء‬
‫يف دائ رة واس عة‪ .‬أقبل األطف ال أيض ا‪ .‬وقف وا بعي دا‪ ،‬حتلّق وا ح ول النس اء يف دائ رة واس عة‪ .‬أقبل‬
‫األطفال أيضا‪ .‬وقفوا بعيدا‪ ،‬يف طابور طويل‪ ،‬يراقبون طقوس ختليص القمر من أعدائه‪ ،‬وإعادته إىل‬
‫أهل األرض‪ :‬س احرا‪ ،‬س اطعا‪ ،‬المعا باألض واء‪ ،‬واع دا باألس رار‪ .‬دقّت الطب ول‪ ،‬والمست األنامل‬
‫الرقيقة أوتار املوسيقى‪ ،‬ارتفعت احلناجر بغناء مجاعي كرتاتيل وثنية‪:‬‬

‫‪ -‬رواية البئر‪ ،‬ص‪.07 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫يا قمر أنت حبيبنا‬
‫هل ختوننا ؟‬
‫الصحراء قدرنا‬
‫العطش مصرينا‬
‫أنت ملك النجوم‬
‫قاهر الكواكب‬
‫نصرينا‪...‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫كالصالة‪ ،‬يفضح فجيعة مكبوتة‪ .‬استمر حىت الفجر‪"..‬‬ ‫استمر الغناء حزينا‪ ،‬صوفيا ّ‬
‫وه ذه الطق وس واملمارس ات لتك رمي إله اخلصب القم ر‪ ،‬وابته اال ل ه‪ ،‬واس تعطافا له جللب‬
‫اخلصب والنماء‪ ،‬هي شعرية قدمية ج ّدا متعلقة بأساطري إله اخلصب (القمر)‪ .‬حيث " كان القمر إله‬
‫(‪) 2‬‬
‫عرب اجلنوب ومسي بأمسائهم‪ ،‬وكذلك كان عند عرب الشمال "‪.‬‬
‫وود وسني وكهل وهبل وهو‬ ‫وع رف إلله اخلصب (القم ر) أمساء كث رية‪ ،‬منه ا‪ ( :‬امل ّقة ّ‬
‫(بعل) عند الكنعانيني‪ ،‬وهو (بيل) عند البابليني‪ " .‬وال تزال األرض أو الزراعة " البعلية " يف البالد‬
‫العربية مبعىن األرض غري املس قية‪ ،‬أي اليت ت روي مبا جتود به الس ماء بن اء على االعتق اد األس طوري‬
‫الق دمي ال ذي مف اده‪ ،‬أهنا أرض اإلله بعل وأنه ال ذي ج اد عليها ب الغيث‪ ،‬ففي إح دى املالحم‬
‫الكنعانية هي " ملحمة بعل " تعداد ألفعاله وصفاته‪:‬‬
‫" بعل الذي يرسل الصواعق‬
‫بعل سيعطي بغزارة أمطاره‬
‫وبغزارة رطوبته‬
‫وسريسل صوته يف السحب‬
‫وبروقه ورعوده على األرض‬
‫(‪) 3‬‬
‫فليكملوا هيكله خبشب األرز "‬

‫‪ -‬إبراهيم الكوين‪ ،‬رواية " البئر "‪ ،‬ص‪.07 :‬‬‫‪1‬‬

‫‪ -‬حممد عجينة‪ ،‬موسوعة أساطري العرب‪ ،‬ص‪.196 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 196‬و‪.197‬‬ ‫‪3‬‬


‫اجلب‪ ،‬حيث " إن وظيفة‬ ‫و"هبل" الذي هو "القمر" مرتبط ‪ -‬أيضا ‪ -‬منذ القدمي بالبئر أو ّ‬
‫"هب ل" ‪-‬كبري اآلهلة ‪ -‬فإهنا تتح دد من خالل ما يتعلق به من طق وس وش عائر‪ .‬فلقد ك انوا‬
‫يستقسمون لديه باألزالم‪ ،‬وكانت تضرب عنده القداح ويف ذلك داللة على مدى علمه ومعرفته‬
‫جب أمر ال خيلو من داللة رمزية‪ .‬فهبل ذكر‬‫بشؤون الغيب‪ ...‬إال أن نصبه يف جوف الكعبة على ّ‬
‫وهو أب ومن نباته الالت والع ّزى ومن اة الثالثة األخ رى‪ ،‬وهو بوجه من الوج وه من رم وز‬
‫( ‪)1‬‬
‫اخلصوبة‪ ،‬يستم ّد معناه الرمزي من املاء "‬
‫وحني ك ان التجلي ص رحيا‪ ،‬من خالل تقنية اخللفية األس طورية ك انت مطاوعة العنصر‬
‫األس طوري متقلص ة‪ ،‬عرب حالة (التماثل والتش ابه) حيث اعترب األه ايل القمر هو ب اعث اخلصب‬
‫والنماء كما يف القدمي‪ .‬وحني كان " القمر " هو رمز للخصب وجتدد دورة احلياة‪ ،‬فإ ّن األهايل يف‬
‫الص حراء حيلّ ون ويرحتل ون وفق ما مينحهم إي اه من خصب ووف رة م اء‪ .‬لكن إن ح دث اخلس وف‬ ‫ّ‬
‫وج ّفت اآلب ار نزح وا إىل من اطق أخ رى‪ ،‬أو إىل الواح ات حبثا عن النج اة‪ .‬وه ذه س نّة حي اة أهل‬
‫الص حراء منذ الق دمي إىل يومنا ه ذا‪ ،‬فح اول الك وين‪ ،‬تس ليط الض وء على احلي اة اليومية للط وارق‬
‫شح ذلك نزحوا منها‪.‬‬
‫وكيف أهنا مرتبطة باخلصب والنماء املتوفرات فيها فإن ّ‬
‫لنكتشف من خالل رواياته طبيعة حياة الطوارق املعيشية إىل جانب معرفة جوانب أخرى‬
‫من حياهتم‪ ،‬كاجلانب العقدي والثقايف وغريمها‪.‬‬

‫‪ -‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.197 :‬‬ ‫‪1‬‬

You might also like