You are on page 1of 131

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعـة محمد بوضياف ‪ -‬المسيلة ‪-‬‬


‫كلية اآلداب واللغات‬
‫قسم اللغة العربيـة وآدابهـا‬

‫محاضرات في مقياس‬
‫مناهج النقد األدبي‬
‫السنة األولى ماستر‬
‫التخصص‪ :‬أدب جزائري‬

‫إعداد الدكتور‬
‫محمد سعدون‬

‫السنة الجامعية‪4143-1442 :‬ه ‪0200-0221 /‬م‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المقدمة‬

‫المقدمة‬
‫أصبحت مناهج النقد في العصر الحديث علما ال غنى عنه في الدراسات النقدية‬
‫النصوص المختلفة أم ار أساسيا لسبر أغوار‬
‫األدبية الحديثة وأصبح المنهج المتبع في دراسة ّ‬
‫النص وكشف أبعاده الفكرية والفنية والفلسفية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهذه المناهج لم تأت من فراغ بل كان من وراء ك ّل منهج فلسفة كما يقول كلود‬
‫روميرو ‪ ،C.Romero‬وقد تأثرت المناهج النقدية بتلك الفلسفات التي انبثقت منها‪ ،‬ولما‬
‫النصوص األدبية كان ال بد من وضع مناهج لها أسس‬
‫تشعبت األفكار والدراسات في ّ‬
‫فإن الدراسات واألفكار ستصبح عرضة للتشتت وعدم‬
‫ومبادئ وقوانين يتبعها كل باحث واال ّ‬
‫االنضباط أما المناهج التقليدية فلم تكن مبنية على أسس تامة وقواعد متبعة يصل من‬
‫خاللها الناقد إلى النتائج واألهداف المرجوة من دراساته وأبحاثه‪ّ ،‬إنما كان النقد عبارة عن‬
‫أفكار انطباعية غالبا ما تكون ذاتية بعيدة عن التجرد والموضوعية‪.‬‬
‫وجاء العصر الحديث وتعددت الرؤى والفلسفات ومن ثمة تطلب األمر ابتكار طرق‬
‫مدروسة للنقد وقواعد مضبوطة ينتهجها الناقد‪ ،‬فظهرت مناهج مختلفة ومتعددة تنطلق من‬
‫أبعاد فلسفية ورؤية معينة حسب مختلف اتجاهات النقاد ونظرتهم لألدب‪ ،‬واجتهد النقاد في‬
‫بناء تلك المناهج على أسس علمية ومعرفية وأكاديمية تجعل الناقد يسير على بينة من أمره‬
‫النصوص وتقييمها‪.‬‬
‫في تحليل ّ‬
‫وكان الغربيون سباقين في ابتكار تلك المناهج التي وضعوا لها أسسا وقوانين علمية‪،‬‬
‫وتوسعت االتجاهات من خالل التقدم العلمي والمعرفي وبالتالي تعددت تلك المناهج وصار‬
‫ك ّل منهج يعبر عن اتجاه معين في األدب‪ ،‬واجترح له النقاد مصطلحات خاصة تضبط‬
‫حدوده‪ ،‬وتعبر عن نظرات فكرية وأدبية وفنية معينة‪.‬‬
‫وقد أصبح للمنهج أهمية قصوى في الدراسات الحديثة‪ ،‬لذلك فقد حرص الغربيون‬
‫على المنهجة لكل شيء‪ ،‬فال يعدون مشروعا أو موضوعا إال ومنهجوا له وقننوا له القوانين‬

‫‪-1-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المقدمة‬
‫وحددوا له الخطوات من بداية الدراسة إلى نهايتها‪ ،‬فأصبح الناقد ال يبعثر آراءه وال يطلقها‬
‫جزافا بل صار الناقد يبني أفكاره النقدية وفق منهج علمي مدروس ومضبوط ومحدد المعالم‪.‬‬
‫وانتقلت هذه المناهج إلى العالم العربي إال أن هذا االنتقال غالبا ما كان بطيئا حتّى‬
‫إذا استهلك في الغرب‪ ،‬بدأ النقاد العرب في تطبيقه والعمل به‪ ،‬وربما ال نعثر على منهج‬
‫نقدي وصل في وقته إلى العالم العربي‪ ،‬ومن ثمة فإن الدراسات النقدية العربية ظلت مقلدة‬
‫لمناهج الغرب ولم يستطع النقاد العرب أن يضاهوا أو يسايروا الدراسات األدبية والمنهجية‬
‫في الغرب فمعظم هذه المناهج التي يطبقونها هي نتاج غربي بحت‪ ،‬ومع ذلك فقد أفاد منها‬
‫الناقد األدبي في العالم العربي إلى حد بعيد مهما كانت الدراسات النقدية مبتسرة بالمقارنة مع‬
‫النقود الغربية المتطورة‪.‬‬
‫ويبقى هناك إشكال قائم في طريق الدراسات النقدية العربية التي تبنى على مناهج‬
‫مترجمة‪ ،‬وهذا اإلشكال يتمثل في الترجمة نفسها وفي تعدد المصطلح الواحد وترجمته إلى‬
‫العربية ومن ثمة وقع اختالف في تحديد المعنى فهناك من يترجمعلى سبيل المثال مصطلح‬
‫‪ Poétique‬بالشعرية وهناك من يترجمه إلى الشاعرية‪ ،‬حتى بلغت ترجمات هذا المصطلح‬
‫أحيانا حوالي ثالثين ترجمة‪.‬‬
‫وهناك إشكال آخر في المناهج وهو ّأنها صعبة التطبيق حتّى في البلدان التي نشأت‬
‫فإن الصعوبة كانت أكبر في تطبيقها في الدراسات العربية‪.‬‬
‫فيها‪ ،‬ومن ثمة ّ‬
‫فإن هذه المناهج كانت مفيدة جدا في الدراسات العربية الحداثية التي‬
‫ومع ذلك ّ‬
‫حاولت مواكبة الحركة النقدية في الغرب‪.‬‬
‫وال شك أن الباحثين والطالب قد وجدوا فيها معالم الطريق نحو الوصول إلى النتائج‬
‫المرجوة من دراساتهم النقدية المختلفة‪.‬‬
‫وقد حاول بعض الدراسيين أن يجدوا أث ار لهذه المناهج في تراثنا العربي لتكون امتدادا‬
‫للدراسات التراثية‪ ،‬ولكن فترة الركود وقرون التخلف نظ ار ألسباب واقعية وتاريخيه‪ ،‬جعلت هذه‬
‫النظرة قاصرة في إيجاد منهج حديث قائم بذاته يستند على الدراسات التقليدية‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المقدمة‬
‫بأن المعارف في العصر الحديث قد أصبحت مشتركة فأزيلت التخوم‬
‫ويمكن القول ّ‬
‫والحواجز بين المعارف التي صارت متقاربة متداخلة بعيدة عن اإلقليمية واإليديولوجية‬
‫والمبادئ القومية‪ ،‬وتطورت الدراسات فهي أقرب للعلمية والرؤى اإلنسانية التي ال تعترف‬
‫بالحدود الجغرافية‪.‬‬
‫هناك من النقاد من ينفي تطابق هذه المناهج الوافدة إلينا من الغرب مع طبيعة النص‬
‫األدبي العربي لكونها مبنية على خصائص تاريخية واجتماعية وفكرية غربية‪ ،‬ولكن الواقع‬
‫النصوص األدبية العربية ألنه ال بديل عنها‪ ،‬والذين‬
‫فرض تقبل هذه المناهج واسقاطها على ّ‬
‫ينادون بهذه النظرة لم يقدموا البديل لالستغناء عن هذه المناهج الوافدة‪.‬‬
‫ومن النقاد من رأى بأنها مناهج علمية تنطبق على ك ّل اآلداب العالمية دون استثناء‪،‬‬
‫ويبقى هذا االتجاه سائدا في غياب البديل‪.‬‬
‫ونحن فعال لما نحاول تطبيق هذه المناهج نجدها مالئمة إلى حد بعيد والسبب في‬
‫ذلك هو أن أ صحابها قد بنوها وفق قوانين علمية ال تختص بأدب دون آخر‪ ،‬إال أن التجديد‬
‫في مجال المناهج عند العرب يبقى منعدما‪ ،‬ويبقى التقليد واألخذ عن اآلخر هو السائد في‬
‫عالمنا العربي‪.‬‬
‫وهذه المطبوعة الموسومة "مناهج النقد األدبي" هي خاصة بطلبة الماستر في السنة‬
‫األولى تخصص أدب جزائري‪ ،‬وهي مفيدة للتخصصات والمراحل األخرى فال يعدم طالب‬
‫الماستر في التخصصات األخرى أو طالب الليسانس اإلفادة منها فبعض المناهج في هذه‬
‫المطبوعة مشتركة بين مختلف التخصصات والمراحل‪.‬‬
‫حاولنا أن تكون هذه المحاضرات متدرجة تدرجا تاريخيا على الرغم من أن فترة ظهور‬
‫ك ّل المناهج كان في فترات متقاربة‪ ،‬وال شك أن التسلسل التاريخي وفهم المنهج السابق قبل‬
‫الولوج إلى المنهج الالحق يمكن الطالب من فهم المنهج الالحق على أساس أن ك ّل منهج‬
‫يمهد لآلخر‪ ،‬وفي كثير من األحيان ال يمكن تصور أو فهم منهج معين ما لم تستوعب‬

‫‪-3-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المقدمة‬
‫المناهج السابقة له التي أثرت فيه‪ ،‬وقد يكون المنهج الجديد مناهضا أو مناقضا للمنهج الذي‬
‫سبقه‪.‬‬
‫وبدأت بالمناهج السياقية باعتبارها ظهرت قبل المناهج النسقية‪ ،‬وهي جميعها عبارة‬
‫عن محاوالت مرحلية تاريخية وفلسفية‪ ،‬فالمناهج السياقية وجدت في مرحلة معينة قبل‬
‫ثم أصبحت‬
‫االنفجار المعرفي العلمي وقبل سيطرة العلوم التجريبية على الساحة العالمية‪ّ ،‬‬
‫المناهج النقدية متأثرة بالموجة العلمية كغيرها من المعارف األخرى في العصر الحديث‪.‬‬
‫وقد حاولت إثر ك ّل منهج أن أعرف ببعض األعالم من أجل الرجوع إليهم للتوسع‬
‫فإن معرفة األعالم‬
‫واالستزادة إذ ال يمكن اإلحاطة بكل منهج في صفحات معينة‪ ،‬ومن ثمة ّ‬
‫من شأنه أن يوسع مدارك الطالب في معرفة المنظرين للمنهج ويدرك بوضوح فلسفتهم‬
‫ومنطلقاتهم في بناء هذه المناهج ‪ ،‬وال شك أن اإلحالة إلى كتبهم تمكن من الفهم العميق لكل‬
‫منهج‪.‬‬
‫أما اإلحالة إلى المصادر والمراجع فهو ضروري للطالب الّذي ينبغي َأال يكتفي بما‬
‫يلقى عليه من محاضرات‪ ،‬بل من الضروري أن يتحلى بروح الباحث الّذي يروم المزيد‬
‫والتوسع بقدر ما يستطيع ليتمكن من الفهم وبالتالي االستعداد لخوض غمار البحوث‬
‫مستقبال‪ ،‬وذلك باالطالع على كل ما قام به أولئك األعالم من دراسات وبحوث في مجال‬
‫مناهج النقد‪.‬‬
‫أما الخاتمة فقد استخلصت فيها كل ما يهم الطالب من نتائج يتوصل إليها من‬
‫دراسته للمناهج السياقية والنسقية‪.‬‬

‫د‪ /‬محمد سعدون‬

‫‪-4-‬‬
‫المحاضرة األولى‬
‫مهاد نظري‬

‫‪ .4‬تعريف نظرية األدب‬


‫‪ .0‬تعريف نظرية األجناس األدبية‬
‫‪ .3‬خصائص األجناس األدبية‬
‫‪ .1‬دوافع ظهور األجناس األدبية‬
‫‪ .5‬األجناس األدبية الكبرى‬

‫‪-5-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫مهـــــــــــــــــــــاد نظـــــــــــــــــــــري‬
‫سعى اإلنسان للتعبير عن تفاعله وصراعه المستمر مع الحياة والواقع إلى إيجاد طرق‬
‫ومسالك للتعبير عما يجيش بداخله وهي ما يسمى‪" :‬األجناس األدبية"‪ ،‬وهناك الضرب وهو‬
‫أقل من الجنس (الضرب من الشيء أو الصنف منه) ‪ 1‬وهذا أقل من الجنس‪.‬‬
‫وقد تولدت األجناس بدوافع عقلية وعاطفية وخيالية وغريزية وما هو شعوري وغير‬
‫النصوص‪ ،‬بعضا إلى‬
‫شعوري‪ ،‬وهناك تعريف آخر (الجنس مقولة تمكن من ضم عدد من ّ‬
‫بعض بناء على معايير مختلفة) ‪.2‬‬
‫فاألجناس األدبية قوالب وأطر خاصة تضم ما يختلج في داخل اإلنسان بأشكال‬
‫تتجانس فيها االختالجات فتكون لها ميزات وخصائص موحدة‪ ،‬ودراسة تلك األجناس هي‬
‫"نظرية األجناس األدبية"‪.‬‬
‫وقد اختلف النقاد والدارسون في تعريف األدب‪ ،‬وكانت لهم تعريفات شتى في مفهومه‬
‫ونشأت عن ذلك "نظرية األدب"‪ ،‬وهذه التعريفات المتباينة لألدب تنبع من اختالف الفلسفات‬
‫والتصورات التي ينطلق منها ك ّل من يتعامل مع األدب ويسعى للوصول إلى تعريفه وتحديده‬
‫وقبل الخوض في تعريف نظرية األجناس األدبية ينبغي التعريف بـ"نظرية األدب" التي تشمل‬
‫األجناس األدبية‪.‬‬
‫‪ -1‬تعريف نظرية األدب‪:‬‬
‫السؤال األساسي الّذي تنطلق منه نظرية األدب هو‪ :‬ما األدب؟‬
‫يعتقد الكثير من النقاد والباحثين ّأنه من غير الممكن تحديد ماهية األدب‪ ،‬غير أن‬
‫نظرية األدب تحاول اإلحاطة بمفهوم األدب‪ ،‬فترى بأنه الدراسة المنهجية لطبيعة األدب‬
‫وتحليله‪ ،‬فنظرية األدب هي مجموعة من األفكار التي تهتم بالبحث في نشأة األدب وطبيعته‬
‫ووظيفته‪ ،‬وهي تدرس الظاهرة األدبية بشكل عام‪ ،‬من أجل استنباط حقيقة األدب‪ ،‬وهذا ما‬

‫جميل صليبيا‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1891 ،‬ص‪.111‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيف ستالوني‪ :‬األجناس األدبية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الزكراوي‪ ،‬المنظمة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1212 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-6-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫يميزها عن غيرها من مجاالت الدراسة األدبية لذلك فهي تحاول تقديم إجابات تركز على‬
‫صميم األدب الستخراج مفهوم شامل ومتكامل عن معنى األدب‪.‬‬
‫ويعتبر النقد األدبي وتاريخ األدب أكثر الحقول األدبية تداخال مع نظرية األدب‪ ،‬ومن‬
‫فإنه يصعب فصلها عن بعضها مما جعل معظم الدراسيين يدمجون بعض أسس النظرية‬
‫ثمة ّ‬
‫في دراساتهم النقدية واألدبية‪.‬‬
‫وقد اختلف النقاد والدارسون في تعريف األدب وهو عند البنيويين واأللسنيين كما يرى‬
‫شكري عزيز الماضي فهو يرى أن (هناك من يحاول أن يعرف األدب من خالل األداة‪،‬‬
‫فاألدب فن لغوي‪ ،‬أو لغة الخيال أو كيان لغوي‪ ،‬جسد لغوي أو مجموعة من الجمل‪...‬الخ)‪،1‬‬
‫أن األدب بشكل عام هو ذلك التفاعل والجدل بين كيان اإلنسان الداخلي والواقع‬
‫إال ّ‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫وقد يتجاوز ذلك الجدل الطبيعة والكون إلى الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة‪ ،‬إال أن‬
‫األدب له أركان يقوم عليها‪:‬‬
‫‪ -‬ملكة االنشاء‬
‫‪ -‬ملكة التذوق‬
‫‪ -‬ملكة النقد‬
‫‪ -2‬تعريف نظرية األجناس األدبية‪:‬‬
‫نظرية األجناس من النظريات الحديثة في الحقل النقدي‪ ،‬وقد انبثقت من خالل‬
‫األعمال األدبية‪ ،‬وهذه النظرية لم تكن ضمن الدراسات النقدية عند القدماء‪ ،‬وقد غاص النقاد‬
‫الغربيون في العصر الحديث في أغوارها وتوقفوا عندها واعتكفوا على دراستها‪ ،‬وبدأ االهتمام‬
‫بها في الدراسات العربية الحديثة من خالل األعمال األدبية والنقدية مؤخرا‪.‬‬
‫ومن رواد هذه النظرية مخائيل باختين ‪ M.Bakhtine‬حيث ألف كتابا بعنوان "الخطاب‬
‫الرواية وسماها "األجناس المتخللة"‬
‫الروائي" الّذي أشار فيه إلى تداخل األجناس األدبية في ّ‬
‫ّ‬
‫شكري عزيز الماضي‪ :‬في نظرية األدب‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1891 ،1‬ص‪.12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-7-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫أما تزفيتان تودوروف ‪ T.Todorov‬فقد بين أصول النظرية في إحدى دراساته الموسومة‬
‫"نظرية األجناس األدبية"‪ ،‬أما جوليا كريستيفا ‪ J.Kristeva‬فقد تحدثت عن ذلك في كتابها‬
‫النص المغلق والتداخل النصي‪ ،‬أما جيرار جنيت ‪ G.Genette‬فقد‬
‫النص" وأشارت إلى ّ‬
‫"علم ّ‬
‫النص"‬
‫النص" عن تداخل األجناس األدبية وسماها "جامع ّ‬
‫تحدث في كتابه "مدخل لجامع ّ‬
‫واهتم بهذه النظرية نقاد غربيون آخرون منهم هانس روبرت ياوس ‪ H.R.Yaus‬وكارل فيتور‬
‫‪ K.Vietor‬وجان ماري شافر ‪ J.M.Chèvre‬وغيرهم من النقاد‪.‬‬
‫وقام النادي الثقافي بجدة عام ‪1881‬م بجمع أعمال النقاد الّذين كتبوا في النظرية في‬
‫ثم تتالت التآليف في هذه النظرية من ذوي‬
‫كتاب بعنوان "نظرية األجناس األدبية" ّ‬
‫االختصاص‪.‬‬
‫وشرع النقاد العرب المعاصرون يؤلفون في مجال نظرية األجناس‪ ،‬وأول من كتب‬
‫فيها خلدون الشمعة عام ‪ 1891‬في مقال له بعنوان "مقدمة في نظرية األجناس األدبية"‪ ،‬أما‬
‫غنيمي هالل فقد خصص جزءا من كتابه "األدب المقارن" تحدث فيه عن األجناس األدبية‬
‫وعرفها كما يلي‪ :‬المقصود باألجناس األدبية هي تلك القوالب الفنية العامة التي تفرض على‬
‫الشعراء والكتاب مجموعة من القواعد الفنية الخاصة بكل قالب على حدة‪. 1‬وأسهم نادي‬
‫الرياضي األدبي في التأسيس النقدي التطبيقي لهذه النظرية عند العرب وتقديم ملف بعنوان‬
‫"تداخل األجناس األدبية"‪ ،‬وتوالت التآليف عند العرب بعد ذلك‪ ،‬ففي سنة ‪ 1221‬ظهر كتاب‬
‫"نظرية األجناس األدبية في التراث النثري" لعبد العزيز نبيل‪" ،‬من اإلنشائية إلى األجناسية"‬
‫ألحمد الجوة عام ‪1229‬م‪ ،‬وكتاب "األجناس األدبية من الضبط إلى العبور" عام ‪1229‬م‬
‫ألمين بن مبروك‪ ،‬وألفت بسمة بن عروس عام ‪1229‬م كتابا بعنوان "التفاعل في األجناس‬
‫األدبية" وأقام قسم اللّغة العربية وآدابها بجامعة اليرموك األردنية مؤتمر النقد الدولي الثاني‬
‫عشر عام ‪ ،1228‬بعنوان "تداخل األنواع األدبية"‪ ،‬واشتمل على تسعين بحثا‪ ،‬وهناك دراسة‬

‫محمد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1228 ،8‬ص‪.119‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-8-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫لعز الدين لمناصرة تحت عنوان "األجناس األدبية المعاصرة في ضوء الشعريات المقارنة‬
‫قراءة مونتاجية" عام ‪1212‬م‪ ،‬وهناك مؤلفات معاصرة أخرى منها‪:‬‬
‫‪ -‬تداخل األنواع األدبية وشعرية النوع الهجين لعبد الناصر هالل ‪.1211‬‬
‫‪ -‬جذور نظرية األجناس األدبية في النقد العربي القديم لفاضل عبود التميمي عام ‪1211‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التداخل األجناسي في األدب العربي المعاصر لمحمد آيت ميهوب سنة ‪.1218‬‬
‫‪ -‬األدب العربي دراسة في ضوء نظرية األجناس لمحمد كريم الكواز عام ‪.1212‬‬
‫وهناك دراسات تطبيقية على األعمال األدبية‪ ،‬وبالرجوع إلى أصل نشأة هذه النظرية‬
‫نجد ّأنها تبحث في تاريخ انفصال األنواع األدبية واستقاللها عن بعضها بعضا‪ ،‬وكان ذلك‬
‫منذ الفترة اليونانية ممثلة في تلك األشكال األدبية األولى القديمة من شعر وملحمة ودراسات‪،‬‬
‫فقضية األجناس األدبية من أقدم القضايا وتناولها الباحثون منذ إرهاصات النقد اليوناني إلى‬
‫الدراسات النقدية الراهنة‪ ،‬واحتل تصور الجنس األدبي على مر العصور مكانة مرموقة فهو‬
‫يصف الظواهر األدبية ويفسرها‪ ،‬فبعد إهمال األجناس األدبية في النصف األول من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬عاد االهتمام به من جديد وتنوعت فيه المقاربات والتصنيفات‪.1‬‬
‫واستمر البحث إلى يومنا هذا‪ ،‬والجدل حول األدب نفسه أدى إلى دراسة األجناس‪،‬‬
‫وتحدث عن هذه األجناس ك ّل من أفالطون ‪ Platon‬وأرسطو ‪ Aristote‬فضال عن تصورات‬
‫سقراط‪.‬‬
‫ومنذ تلك العهود واألجناس األدبية تتوالد بشكل مستمر ضمن أساليب وقوالب مختلفة‬
‫لتواكب مسيرة اإلنسان عبر العصور في مختلف البيئات‪ ،‬وقد بحث الدارسون في األسباب‬
‫الداعي ة إلى وجود األجناس األدبية وبينوا األسس التي من شأنها أن تقسم األدب إلى أجناس‬
‫ثم درسوا خصائص ك ّل جنس ومكوناته وتطوره وتغيره من فترة إلى أخرى وربما يرجع السبب‬
‫ّ‬
‫في نشأة األجناس إلى المبدع ذاته فهو من خاللها يستطيع التعبير عن تجاربه الخاصة وما‬
‫يختلج في أعماقه من هموم وأفراح وخبرات ومواقف‪ ،‬ومن األجناس األدبية‪ :‬الشعر الغنائي‬

‫عبد العزيز شبيل‪ :‬نظرية األجناس األدبية في التراث النثري‪ ،‬دار محمد علي الحامي‪ ،‬تونس‪ ،‬ص‪.19،19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-9-‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫وما تفرع منه من موضوعات وأبواب‪ ،‬وكذلك األجناس النثرية كالخطابة والوصايا والرحلة‬
‫الرواية وأدب الرحلة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫القصة و ّ‬
‫والمقالة‪ ،‬والسيرة الذاتية والمسرحية و ّ‬
‫وهذه األجناس ليست ثابتة بل يط أر عليها التغيير والتطور وقد تظهر بعض األجناس‬
‫وقد يختفي بعضها‪ ،‬ولكل جنس ميزات فمثال‪ :‬ك ّل ما يتعلق بذات الشاعر وما يصدر عنه‬
‫من تجارب خاصة وهموم وأفراح وخبرات وتأمالت انضوى تحت "الشعر الغنائي"‪ ،‬وكذلك‬
‫الخطابة والوصايا والرحلة‪ ،‬والمقالة الذاتية والسيرة الذاتية‪ ،‬والميزة المشتركة بين هذه األجناس‬
‫هي الطابع الذاتي‪ ،‬وكل ما يتعلق بالواقع االجتماعي تنشأ عنه أجناس أدبية معينة كالملحمة‬
‫الرواية والمقالة الموضوعية والسيرة العامة‪ ،‬وهناك أدب الزهد والتصوف‬
‫القصة و ّ‬
‫والمسرحية و ّ‬
‫واالبتهال‪.‬‬
‫‪ -3‬خصائص األجناس األدبية‪:‬‬
‫وهي تصنيف األدب إلى مجموعات حسب المضمون واألسلوب وفق تعابير معينة‪،‬‬
‫وقد عرف األدب أجناسا أدبية مختلفة‪ ،‬وأول من استعمل مصطلح األجناس هو الجاحظ‬
‫"فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير"‪ ،‬وصنف النقاد العرب القدامى‬
‫ّ‬
‫األدب صنفين‪ :‬الشعر والنثر‪.‬‬
‫ولكل جنس أدبي خصائص ومميزات تجعله يختلف عن غيره من األجناس تتعلق‬
‫بالشكل والداللة‪ ،‬فلكل جنس مواصفات وأشكال فنية خاصة‪ ،‬فالجنس األدبي مضبوط ُببَنى‬
‫وقواعد وأنظمة تفرقه عن غيره من األجناس حتّى لو كانت تلك األجناس متشابهة في بعض‬
‫فإن هناك بعض االختالف يمنحها االستقالل ويكسبها‬
‫المزايا النوعية والخصائص األسلوبية‪ّ ،‬‬
‫اإلبداع والتجدد‪.1‬‬

‫أحمد محمد أبو مصطفى‪ :‬تداخل األجناس األدبية في القصيدة الع ارقية المعاصرة‪ ،‬رسالة ماجسـتير‪ ،‬الجامعـة اإلسـالمية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫غزة‪ ،1211 ،‬ص‪.11‬‬


‫‪- 11 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫وترجع بداية نشأة األجناس األدبية إلى اليونانيين إذ إن أفالطون ‪ Platon‬هو أول من‬
‫استعمل كلمة التجنيس األدبي‪ ،‬ولكنه لم يحدد المصطلح تحديدا دقيقا ولم يذكر تصنيفات‬
‫معينة لألدب‪.‬‬
‫أما أرسطو ‪ Aristote‬فقد قسم الشعر إلى شعر المالحم والملهاة والمأساة‪ ،‬ويعد كتابه‬
‫"فن الشعر" مصد ار أساسيا للنقاد في تصنيف األجناس األدبية حيث يعالج أرسطو الجنس‬
‫كأنه كائن طبيعي‪ . 1‬أما األجناس األدبية التي ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر‬
‫األدبي ّ‬
‫القصة القصيرة‬
‫نظ ار لالحتكاك بالغرب‪ ،‬فهي مجموعة من األجناس المتطورة كالرواية و ّ‬
‫واألقصوصة والمسرحية‪.‬‬
‫أ‪ -‬وجود مستقل‪ :‬لكل جنس أدبي وجود مستقل عن غيره من األحناس‪ ،‬وينفرد بمجموعة‬
‫من الخصائص‪ ،‬غير أن هناك تشابها بين بعض األجناس‪.‬‬
‫ثم يولد بعده‬
‫ب‪ -‬الزمان الخاص‪ :‬وهو الزمن الّذي يظهر فيه الجنس األدبي ويولد وينمو فيه ّ‬
‫جنس آخر‪.‬‬
‫ج‪ -‬المرونة‪ :‬تتصف األجناس األدبية بالمرونة‪ ،‬ففي كثير من األحيان نجد تداخل تلك‬
‫األجناس فيما بينها‪ ،‬وتتجلى في حالة فنيه‪ ،‬إبداعية‪ ،‬حيث تدمج مجموعة من األجناس في‬
‫كتاب واحد أو نص واحد‪.‬‬
‫د‪ -‬التطورية‪ :‬ال تتوقف األجناس في حالة واحدة‪ ،‬واّنما تتطور بتطور العصر واإلنسان‪.‬‬
‫‪ -4‬دوافع ظهور األجناس األدبية‪:‬‬
‫هناك مجموعة من األسباب والدوافع التي أدت إلى ظهور األجناس األدبية وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬االحتكاك بالغرب‪ :‬نظ ار للتطور االجتماعي في المجتمعات العربية‪ ،‬واحتكاك رواد األدب‬
‫العربي من خالل السفر بأدباء الغرب واطالعهم على األجناس األدبية عندهم جعلهم ينقلونها‬
‫ويدخلونها إلى األدب العربي فانتشرت تلك األجناس والقت رواجا كبيرا‪.‬‬

‫أرسطو طاليس‪ :‬فن الشعر‪ ،‬تر‪ :‬إبراهيم حمادة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫ب‪ -‬ذات المبدع‪ :‬يمثل المبدع مصد ار أساسيا في ظهور األجناس إذ هو الّذي يعبر عن‬
‫تجاربه وهمومه وانشغاالته وخبراته ومواقفه وتأمالته واختياراته‪.‬‬
‫ج‪ -‬مكانة الطبيعة‪ :‬ال شك أن الطبيعة تحفز المبدع وتؤثر في نفسه ومشاعره وتدفعه إلى‬
‫الكتابة‪.‬‬
‫د‪ -‬متطلبات العصر‪ :‬يعد االرتباط بالعصر والواقع نفسيا واجتماعيا دافعا لتعبير المبدع عن‬
‫الكثير من القضايا الفنية والفكرية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -5‬األجناس األدبية الكبرى‪:‬‬
‫أ‪ -‬الملحمة‪ :‬تعد الملحمة من أقدم األجناس األدبية في العهد اليوناني‪ ،‬وكان لها تأثير‬
‫عميق في المجتمع لما تحمله من طابع تاريخي وبطولي‪ ،‬وقد فصلها أفالطون ‪ Platon‬عن‬
‫الشعر كله نظ ار لكونها تبعث على الشجاعة والتفكير بعكس الدراسات التي تثير الشفقة‬
‫بأن‬
‫وتبعث على الحزن والضعف‪ ،‬لذلك نجد أفالطون يبعد الشعراء عن جمهوريته ويرى ّ‬
‫الشعراء مزيفين انطالقا من مبدأ أخالقي وديني فالملحمة تتحدث عن البطوالت واآللهة مما‬
‫يجعلها تثير عاطفة اإلعجاب وتقوي الجانب األخالقي‪ ،‬لكونها تنتسب للفن القصصي الّذي‬
‫يفضله "وقد فضل أفالطون الملحمة واعتبر الفن القصصي هو األفضل وليس الفن‬
‫فإنها تثير‬
‫التراجيدي ألن الملحمة على حد تعبيره تثير عاطفة اإلعجاب بأبطالها أما الدراما ّ‬
‫الناس أكثر ضعفا‪ ،‬أما رأيه األخير في الشعر‬
‫عاطفتي الشفقة والخوف وبالتالي تجعل ّ‬
‫فيتمثل في أن الشعر يجب أن يق أر كشكل"‪.1‬‬
‫وقد أقصى أفالطون في عالمه المثالي العالم الحسي إذ هو عالم مزيف وفيه تشويه‬
‫(ثم‬
‫للحقائق وهو عالم زائل‪ ،‬وقد ركز أفالطون على أهمية اآللهة مما جعله يرحب بالملحمة ّ‬
‫قلنا‪ :‬تلك هي القواعد التي ينبغي أن نلتزمها من األمور اإللهية‪ ،‬فلنصرح ببعض القصص‪،‬‬

‫شكري عزيز الماضي‪ :‬في نظرية األدب‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪ ،1891 ،1‬ص‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫ونمنع البعض اآلخر من أن يصل إلى أسماع رجال منذ طفولتهم شيئا أن يشبوا على تقوى‬
‫الناس)‪.1‬‬
‫اآللهة وتبجيل اآلباء ومحبة ّ‬
‫قصة مطولة تروي بطولة‬
‫ب‪ -‬الكوميديا اإللهية‪ :‬وهي من أبرز المالحم الشعرية‪ ،‬وهي ّ‬
‫إن سبب تسمية ملحمته‬
‫ال ّشخصية الرئيسية في أسلوب شعري‪ ،‬قال عنها مؤلفها دانتي ّ‬
‫بالملهاة ألنها تنفي الشقاء وتنقل إلى السعادة وقد قسمها دانتي إلى ثالثة أقسام‪ :‬الجحيم‬
‫المطهر‪-‬الجنة األرضية‪-‬السماوية‬
‫وتضم مائة أنشودة متكاملة عرضها دانتي بشكل رواية شعرية تنقله من رحاب‬
‫فإن دانتي انتقل إليها وهو‬
‫األرض إلى ملكوت السماء‪ ،‬واذا انتقل المعري إليها وهو أعمى ّ‬
‫نائم‪.2‬‬
‫ج‪ -‬اإللياذة ‪ :Iliad‬من تأليف الشاعر األعمى اإلغريقي هوميروس ‪ Homer‬وهي من أهم‬
‫الروائع اإلنسانية‪ ،‬وهي خالدة إلى اليوم رغم ّأنها عبارة عن أساطير ولكنها جسدت التصور‬
‫قصة حب‬
‫اإلنساني في إيمانه بقوة خارقة تمثلها اآللهة بمختلف أسمائها‪ ،‬وهي عبارة عن ّ‬
‫واشتملت على أحداث خارقة‪ ،‬واإللياذة أشهر ملحمة في العالم‪.‬‬
‫د‪ -‬األوديسا‪ :‬كتبها هوميروس وهي من األعمال العالمية المخلدة‪ ،‬تروي أحداثا أسطورية‬
‫توظف اآللهة التي تجسد القوى الخارقة وبطلها أوديسيوس‬
‫ه‪-‬اإلنياذة ‪ :Enèid‬مؤلفها فرجيل ‪ Virgile‬وكانت مؤلفة على شاكلة اإللياذة واألدوديسا‬
‫لهوميروس‪ ،‬وهي ملحمة شعرية‪ ،‬بطلها إنياد الطروادي‪.‬‬
‫تعد هذه األجناس الملحمية من األجناس األولى األدبية في التاريخ تلتها أجناس‬
‫أخرى كثيرة‪ ،‬وبقي هذا التقسيم سائدا حتّى مجيء الرومان ولم يضيفوا شيئا إلى نظرية‬
‫األجناس األدبية‪ ،‬وتبنوا ما توصل إليه اليونانيون‪ ،‬واستمر األمر هكذا حتّى القرن الثامن‬
‫عشر ومجيء أول مدرسة إنجليزية في النقد األدبي وسميت هذه المدرسة بالكالسيكية‬

‫أفالطون‪ :‬جمهورية أفالطون‪ ،‬ترجمة فؤاد زكريا‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد التونجي‪ :‬المعجم المفصل لألدب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.961‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫الجديدة التي دعت إلى فصل األنواع األدبية بعضها عن بعض‪ ،‬فهي محددة وغير‬
‫مختلطة‪.1‬‬
‫فاألجناس األدبية‪ :‬هي تصنيف األدب إلى مجموعات حسب المضمون واألسلوب‬
‫وفق معايير معينة‪.‬‬

‫محمد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫المحاضرة الثانية‬
‫نظريات األجناس األدبية‬

‫‪ .4‬النظرية التاريخية‬
‫‪ .0‬النظرية الجمالية‬
‫‪ .3‬النظرية األسلوبية‬
‫‪ .1‬النظرية الكالسيكية‬
‫‪ .5‬النظرية الرومانسية‬
‫‪ .6‬نظرية تداخل األجناس‬
‫‪ .7‬النظرية التطورية‬

‫‪- 15 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية‬

‫نظريات األجناس األدبية‪:‬‬


‫قام األدباء بوضع عدة نظريات لألجناس األدبية من بينها‪:‬‬
‫‪ -1‬النظرية التاريخية‪ :‬تدرس األجناس األدبية وتحوالتها عبر األزمنة في تطوراتها التاريخية‬
‫ثم تختفي‪ ،‬ويظهر بدال منها جنس‬
‫وعبر العصور‪ ،‬حيث تظهر بعض األجناس في عصر ّ‬
‫آخر‬
‫‪ -2‬النظرية الجمالية‪ :‬تدرس األجناس من الناحية الجمالية والذوقية والفنية باالعتماد على‬
‫النغم (اإليقاع)‪.‬‬
‫‪ -3‬النظرية األسلوبية‪ :‬وتدرس الجنس على مستوى الصياغة واألسلوب من حيث اللفظ‬
‫والفكرة والصياغة نحويا وصرفيا وبالغيا وتركيبيا‪.‬‬
‫‪ -4‬النظرية الكالسيكية‪ :‬وتقدم على غرار النظريات اليونانية والرومانية التي تعنى بالقواعد‬
‫لألجناس األدبية‪ ،‬وذلك بالفصل بين األجناس وعدم الخلط بينها‪.‬‬
‫‪ -5‬النظرية الرومانسية‪ :‬وهي عكس النظريات الكالسيكية تؤمن بخلط ومزج األجناس‬
‫األدبية وانصهارها‪ ،‬وتؤمن بـ(الوحدة الفنية بين األجناس)‪ ،‬وتناغم الجمل واأللفاظ والصور‬
‫الفنية‪.‬‬
‫‪ -6‬نظرية تداخل األجناس‪ :‬ويؤمن أصحاب هذه النظرية بتداخل األجناس األدبية فال يوجد‬
‫جنس أدبي نقي‪ ،‬ويرى موريس بالشو ‪ M.Blachot‬وهو أديب وكاتب وفيلسوف فرنسي بأنه‬
‫لم يعد هناك كتاب ينتمي إلى جنس‪ ،‬وقد استند هؤالء النقاد في دعوتهم لنفي مبدأ نقاد‬
‫األجناس إلى عجز األجناس القديمة التي تحدث عنها أفالطون وأرسطو عن االستم اررية‪،‬‬
‫وبخاصة بعد تحول المجتمعات األوروبية من العالقات اإلقطاعية إلى العالقات الجديدة‪.1‬‬

‫عبد المنعم تليمة‪ :‬مدخل إلى علم الجمال األدبي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1899 ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية‬

‫وهناك رأي معارض يؤمن بنقاء األجناس وعدم تداخلها‪ ،‬حيث ينبغي أال تتداخل‬
‫عناصر جنس مع جنس آخر‪ ،‬يقول فرديناند دوسوسير ‪( F.De Saussure‬النوع يتحدد قبل‬
‫ك ّل شيء بما ليس واردا في األجناس األخرى)‪.‬‬
‫أن الدراسات األدبية والنقدية واللسانية‬
‫وهناك نظريات أخرى لألجناس األدبية غير ّ‬
‫المعاصرة بدأت تتقارب في استخدام آليات الدراسة لألجناس األدبية وتستعير من بعضها‬
‫بأن نظرية تداخل األجناس هي التي تسود وتعتمد في‬
‫بعضا مصطلحات الدراسة بما يوحي ّ‬
‫الدراسات األدبية والنقدية واللسانية‪.‬‬
‫‪ -7‬النظرية التطورية‪ :‬ويرى أصحابها أن األجناس األدبية تتكون كما تتكون اإلشارات‬
‫األخرى في الطبيعة فهي تتوالد كما تتوالد الكائنات الحية‪ ،‬وتنتقل من البسيط إلى المركب‬
‫والمعقد‪ ،‬ومن األحادي إلى التعدد‪ ،‬ومن المتجانس إلى غير المتجانس ويمر الجنس األدبي‬
‫ثم االندثار‪.‬‬
‫بفترة الوالدة وفترة النضج وفترة الموت ّ‬

‫‪- 17 -‬‬
‫المحاضرة الثالثة‬
‫مدخل إلى مناهج النقد‬

‫‪ .4‬المنهج لغة‬
‫‪ .0‬نشأة النقد‬
‫‪ .3‬غاية مناهج النقد‬
‫‪ .1‬في مفهوم المناهج النقدية‬
‫‪ .5‬غاية النقد‬
‫‪ .6‬مجاالت اهتمام المناهج النقدية‬
‫‪ .7‬عالقة المجالين المعرفيين (النقد‪/‬المناهج)‬
‫‪ .8‬عالقة النص األدبي بالمناهج النقدية‬

‫‪- 18 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫مدخل إلى مناهج النقد‬


‫كلمة نقد في اللّغة العربية تعني تمييز الدراهم واخراج الزائف منها‪ ،‬تقول‪ :‬نقد الدراهم‬
‫ثم تطورت اللفظة إلى معنى آخر وهو الكشف عن محاسن‬
‫أي أخرج زائفها من صحيحها ّ‬
‫العمل األدبي ومساوئه‪.‬‬
‫‪ -1‬المنهج لغة‪:‬‬
‫هو الطريق الواضح‪ ،‬فتعريف المنهج لغويا‪ ،‬وهو الطريق والسبيل والوسيلة التي يتدرج‬
‫بها للوصول إلى هدف معين‪ . 1‬واصطالحا هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة‬
‫مسألة أو أكثر للوصول إلى نتيجة‪ ،‬وبناء على ذلك فقد اعتمد النقاد عدة مناهج نقدية‪.‬‬
‫‪ -2‬نشأة النقد‪:‬‬
‫لقد نشأ منذ نشوء األدب‪ ،‬وظهر بظهور اإلبداع فوجود أول نص أدبي صحبه والدة‬
‫النص نفسه‪.‬‬
‫أول ناقد هو صاحب ّ‬
‫ترى ما هو مجال النقد األدبي؟‪ :‬مجال النقد األدبي هو العمل األدبي أو الحيز الّذي يعنى‬
‫به النقد األدبي‪ ،‬فموضوع النقد إذن هو العمل األدبي‪ ،‬ويمكن أن نتساءل مرة أخرى ما هو‬
‫العمل األدبي؟ العمل األدبي هو التعبير اللفظي عن تجربة شعورية عايشها الكاتب أو‬
‫المؤلف‪ ،‬والتجربة الشعورية ليست هي العمل األدبي ما دامت مستكنة أو مضمرة في النفس‬
‫ولم تظهر في صورة لفظية معينة‪ ،‬وبالتالي فهي مجرد إحساس أو انفعال ذاتي يتحقق به‬
‫وجود العمل األدبي‪ ،‬ولكن مجرد الوصف للظاهرة األدبية باللفظ وصفا علميا أكاديميا بحتا‬
‫ال يمكن اعتباره عمال أدبيا مهما كانت الصيغة اللفظية فصيحة أو بليغة‪.‬‬
‫أما التعبير االنفعالي الوجداني عن الحقيقة فذلك هو العمل األدبي‪ ،‬ألن هذا العمل‬
‫قصة أخرى ألن‬
‫هو تجربة شعورية عايشها المؤلف بطريقة معينة‪( .‬لكن قضية المنهج ّ‬
‫البحث وفق منهج ما يستدعي أن يقوم على قواعد محددة‪ ،‬وهذا مرهون بتراكم التجارب‬

‫صالح فضل‪ :‬مناهج النقد‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1881 ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫اإلنسانية والتطور العلمي‪ ،‬كان ال بد أن تخطو اإلنسانية خطوات نوعية نحو درجة أرقى من‬
‫التحضر ساهمت فيها األجناس البشرية‪ ،‬ولكن الفضل األخير يعود إلى اآلخر‪/‬الغرب الّذي‬
‫شهد نهضة علمية تكنولوجية صار فيها العقل سيدا فابتكر مناهج في البحث لم تسبق‪،‬‬
‫خاصة وأنها اعتمدت البحث األكاديمي في الجامعات‪.1‬‬
‫‪ -3‬غاية مناهج النقد‪:‬‬
‫للمناهج النقدية غايات متعددة تتلخص في تقويم العمل األدبي من الناحية الفنية‬
‫وبيان قيمته الموضوعية وقيمته الشعورية والتعبيرية‪ ،‬وتعيين مكانته ورتبته وحجم اإلضافة‬
‫التي أضافها للتراث األدبي في اللّغة العربية بوجه خاص‪ ،‬وفي العالم األدبي بوجه عام‪.‬‬
‫‪ -4‬في مفهوم المناهج النقدية‪:‬‬
‫المنهج عبارة عن خطة مضبوطة واضحة لها بداية ولها نهاية‪ ،‬توضع قصد الوصول‬
‫إلى مناهج محددة والمنهج النقدي في الحقل األدبي يعني الطريقة التي يتبعها الناقد في‬
‫دراسة العمل اإلبداعي من أجل الكشف عن دالالته الضمنية وابراز جمالياته البنائية‬
‫والشكلية‪ ،‬فالمنهج هو الطريقة التي يتبعها ك ّل دارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من‬
‫موضوعات األدب وقضاياه‪.2‬‬
‫ويعتمد المنهج على التصور النظري لدراسة العمل اإلبداعي‪ ،‬وهذا التصور هو تلك‬
‫النص اإلبداعي‪ ،‬وهذه الخطة النظرية‬
‫الخطة المدروسة التي يعالج من خاللها الناقد ذلك ّ‬
‫النصوص تحليال تطبيقيا إجرائيا تتجلى منه مجموعة من النتائج‪.‬‬
‫يستطيع من تلقائها تحليل ّ‬
‫النص كما يفعل كمال أبو ديب‬
‫وينبغي أال يفرض المنهج األدبي بشكل قسري على ّ‬
‫النص‬
‫النص للمنهج الّذي يختاره وال يراعي طبيعة ّ‬
‫الّذي يقول "أنا منهجاوي"‪ ،‬حيث يخضع ّ‬
‫النص فيه وا ّن كان ذلك المنهج ال‬
‫ثم يقحم ّ‬
‫التي تالئم ذلك المنهج فهو يضع المنهج أوال ّ‬
‫النص‪.‬‬
‫يالئم طبيعة ّ‬

‫مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬منشورات الوطن اليوم‪ ،‬سطيف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1219 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي جواد الطاهر‪ :‬منهج البحث األدبي‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪ ،1891 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫والمنهج النقدي يمكن أن يقسم إلى مفهومين‪:‬‬


‫األول وهو المنهج العام‪ :‬له ارتباط وثيق بطبيعة الفكر النقدي في ذاته ويشمل كل العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وهذه الطبيعة الفكرية النقدية أسسها رونيي ديكارت ‪ R.Descartes‬ويرى أنها ال‬
‫تقبل أي مسلمات إال بعد عرضها على العقل انطالقا من مبدأ الشك للوصول إلى اليقين‪،‬‬
‫فقد رفض المسلمات إجرائيا ولم يقبل إال ما تصح البرهنة عليه‪ ،‬وهذا جوهر الفكر النقدي‪،‬‬
‫وهو جوهر فلسفي يتعلق بمنظومة العلوم كلها‪ ،‬ولهذا الفكر سمة أساسية وهو أنه ال يقبل‬
‫القضايا على عالتها انطالقا من شيوعها وانتشارها‪ ،‬فهو يختبرها ويدلل عليها بالوسائل التي‬
‫تؤدي إلى سالمتها‪ ،‬وذلك قبل اتخاذ تلك القضايا أساسا لبناء النتائج المزمع الوصول إليها‪.‬‬
‫الثاني وهو المنهج الخاص‪ :‬ويتعلق بالدراسة األدبية ويتطرق إلى معالجة القضايا األدبية‪،‬‬
‫والنظر في مجال اإلبداع األدبي بأشكاله وتحليل مظاهره‪ ،‬وهو من خالل هذا المفهوم يتحرك‬
‫طبقا لمنظومة خاصة به‪.1‬‬
‫‪ -5‬غاية النقد‪ :‬يمكن إيجاز غايات النقد األدبي فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة العمل األدبي في أبعاده الفنية‪ :‬حيث يستخدم األديب اللّغة المجازية واالنزياحية‬
‫والرمزية في نصه فيقوم الناقد بإبراز تلك الجوانب وتحليلها وتفسيرها والكشف عن جمالياتها‬
‫وما توحي به من دالالت وصور بالغية‪ ،‬فالناقد قارئ ممتاز يستطيع أن يغوص في أغوار‬
‫النص ويلم بكل أبعاده ويقدم للقارئ ما استغلق عليه من معان ومن إيحاءات ويبين للقارئ‬
‫ّ‬
‫الصيغ الفنية للجمل وجمالية األساليب والصور من خالل االنزياحات األدبية والشعرية‪ ،‬كما‬
‫النص األبعاد الصوتية المؤثرة في القارئ‪.‬‬
‫يبين أسرار اإليقاع والموسيقى التي تمنح ّ‬
‫النص ويقيمها من الناحية الموضوعية ومن ناحية‬
‫‪ -1‬ومن غايات النقد ّأنه يدرس أفكار ّ‬
‫بعدها عن الذاتية‪ ،‬ويكشف عن أهدافها ومراميها‪.‬‬

‫صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬ص ‪.12، 8‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫النص ليكون‬
‫‪ -6‬ومن أهداف النقد ّأنه يبين المواصفات األساسية التي ينبغي أن تتوفر في ّ‬
‫أث ار أدبيا خالدا وفق معايير وقواعد نقدية معينة كما أن النقد يضع بين أيدينا المعايير التي‬
‫النص األدبي‪ ،‬ويعني النقد بالفكر والخيال والعاطفة وكل ما يتعلق‬
‫تمكننا من معرفة جودة ّ‬
‫النص‪.‬‬
‫بأسلوب ّ‬
‫فإن لكل منهج نقدي أسسه وضوابطه وقوانينه ومبادئه‪،‬‬
‫أما الغاية من المناهج النقدية‪ّ ،‬‬
‫ويختار الناقد المنهج الّذي يالئم دراسة عمل أدبي ما‪ ،‬ومن بين غايات مناهج النقد بشكل‬
‫عام ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬التحليل والتفسير والشرح والمقارنة للوصول إلى نتائج معينة‪.‬‬
‫‪ .1‬الكشف عن الخصائص واآلليات التي تشكل العمل األدبي‪.‬‬
‫‪ .6‬الوصول إلى جوهر العمل األدبي‪.‬‬
‫النص األدبي "اللغوية‪ ،‬التركيبية‪ ،‬الفنية‪ ،‬النفسية‪ ،‬البيئية‪،‬‬
‫‪ .1‬تفكيك البنى التي تشكل ّ‬
‫االجتماعية‪( ،"...‬شكل سؤال المنهج مكونا رئيسيا من مكونات الخطاب النقدي العربي‬
‫المعاصر الّذي تولد فيه وعي نقدي بضرورة التأسيس المنهجي الّذي يكفل للعملية النقدية‬
‫النصوص األدبية واستنطاقها‪ ،‬وكشف بنياتها الداللية كشفا منسجما مترابطا من‬
‫مقاربة ّ‬
‫أجل تحقيق نتائج نقدية دقيقة وعلمية)‪.1‬‬

‫‪ -6‬مجاالت اهتمام المناهج النقدية‬


‫هناك مناهج سياقية ومناهج نسقية‪:‬‬
‫‪ -1‬المناهج السياقية‪ :‬لها اهتمامات خاصة تاريخية واجتماعية ونفسية‪.‬‬
‫‪ -‬فالمنهج التاريخي يهتم بحوادث التاريخ السياسي واالجتماعي لدراسة األدب‪ ،‬كما يهتم‬
‫باألعراف والتقاليد والجنس والبيئة والعصر والمؤلف‪.‬‬

‫محمــد لعياضــي‪ :‬منــاهج النقــد وتطبيقاتهــا عنــد محمــد مفتــاح‪ ،‬أطروحــة دكتــوراه‪ ،‬كليــة اللغــة العربيــة وآدابهــا‪ ،‬الج ازئــر ‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1212‬ص‪ ،11‬نقال عن جماعة من الباحثين‪ :‬التأسيس المنهجي والتأصيل المعرفي‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫‪- 22 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫‪ -‬المنهج االجتماعي‪ :‬ويفسر األدب من خالل القضايا االجتماعية‪ ،‬ويرى أن المجتمع هو‬
‫المنتج للعمل األدبي‪.‬‬
‫‪ -‬المنهج النفسي‪ :‬ويرى أن األدب له عالقة بعلم النفس ويفسر نقاد هذا المنهج األدب من‬
‫خالل علم النفس‪.‬‬
‫النص دون مضمونه كالشكالنية والبنيوية‬
‫‪ -2‬المناهج النسقية‪ :‬وهي مناهج تهتم بخارج ّ‬
‫والتفكيك‪.‬‬

‫‪ -7‬عالقة المجالين المعرفين (النقد‪/‬المناهج)‬


‫للنقد بصفته علما يفسر ويقيم العمل األدبي بطريقة منطقية تجريدية‪ ،‬وله عالقة‬
‫فإن النقد يصبح عملية مبعثرة مفككة وأفكا ار مشتتة انطباعية‪ ،‬وبالتالي فالنقد‬
‫بالمناهج واال ّ‬
‫يحتاج إلى قوانين ومبادئ تضبطه من أجل الوصول إلى نتائج علمية أكاديمية‪.‬‬
‫وتعدد المناهج يغني ويثري الدراسة للعمل األدبي‪ ،‬فالنص لما تطبق عليه عدة مناهج‬
‫فإنه يخرج حمولته المعرفية‪ ،‬ولما تطبق علي ه المناهج النسقية يعطي نتائج تختلف عن نتائج‬
‫ّ‬
‫المناهج السياقية‪.‬‬
‫وينبغي التفرقة بين المناهج النقدية والتيارات واالتجاهات النقدية مثل الكالسيكية‬
‫والرومانسية والواقعية والسريالية والرمزية‪.‬‬
‫فهذه التيارات لها خصائص وميزات تحدد طبيعة العمل األدبي‪ ،‬فالرومانسية لها‬
‫خصائص معينة كالعاطفة والحب والحزن والجمال واإلنسانية‪...‬إلخ‪ ،‬بينما المناهج لها أسس‬
‫للنص على ّأنه مستويات‪ :‬المستوى‬
‫وقوانين أكاديمية مضبوطة‪ ،‬فالناقد البنيوي مثال ينظر ّ‬
‫الصوتي‪ ،‬والمعجمي‪ ،‬والداللي‪ ،‬والتركيبي‪ ،‬مهما كان االتجاه الّذي ينتمي إليه النص‪،‬‬
‫كالسيكيا‪ ،‬رومانسيا‪ ،‬واقعيا‪...‬إلخ‪.‬‬
‫النصوص المختلفة باختالف التيار الّذي تنتمي إليه‪.‬‬
‫فالمنهج النقدي يستوعب ك ّل ّ‬
‫فإن المنهج النقدي يمكنه أن يدرس أي نص أدبي مهما كان نوعه‪.‬‬
‫ومن ثمة ّ‬

‫‪- 23 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫‪ -8‬عالقة ال ّنص األدبي بالمناهج النقدية‪:‬‬


‫النص األدبي والمناهج النقدية حيث يخضع ك ّل نص للدراسة‬
‫هناك عالقة وطيدة بين ّ‬
‫للنص األدبي يمكن من‬
‫وفق منهج معين‪ ،‬وهذا المنهج يتشكل من أسس وقوانين مالئمة ّ‬
‫النص وتفسيره والغوص في معانيه ومراميه الفكرية واألدبية والفنية‪.‬‬
‫خاللها تحليل ّ‬
‫للنص األدبي بالبحث عن منهج معين يالئم طبيعة‬
‫ولهذا فإن الناقد ملزم في دراسته ّ‬
‫النص األدبي من خالل منهج أو عدة مناهج في‬
‫ذلك النص‪ ،‬ويمكن للناقد أن يقدم رؤاه في ّ‬
‫النص األدبي‬
‫دراسة نقدية واحدة‪ ،‬فهو يعالجه من زوايا نقدية مختلفة تمس ك ّل جوانب ّ‬
‫فإن الناقد يسعى إلجالء الجوانب الغامضة واألفكار المستترة واألبعاد‬
‫اإلبداعي‪ ،‬ومن ثمة ّ‬
‫فإن أفكار الناقد وأحكامه ينبغي أن تسرد وفق‬
‫التي يهدف إليها المبدع أو الكاتب‪ ،‬ومن ثمة ّ‬
‫أسس وأطر علمية أكاديمية أو من خالل استنباطات خاصة بالناقد وهذه االستنباطات‬
‫تخضع للمنطق الصحيح‪ ،‬والنظرة العقالنية البعيدة عن الميل واألحكام الجزافية واالنطباعية‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬فرديناند دوسوسير ‪ Ferdinand de Saussure‬ولد في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1919‬في جنيف‪،‬‬
‫وتوفي في ‪1816/21/11‬م‪ ،‬وهو عالم كبير من علماء سويسرا‪ ،‬ويعد األب للمدرسة البنيوية‬
‫في علم اللسانيات‪ ،‬واعتبره الباحثون مؤسس علم اللّغة الحديث‪ ،‬اتجه دوسوسير إلى دراسة‬
‫اللغات دراسة علمية وظيفية‪ ،‬وقد أسهم في تطوير اللسانيات في القرن العشرين‪.‬‬
‫كان والده فريدريك دوسوسير عالما في المعادن والحشرات وتميز فرديناند دوسوسير‬
‫بموهبة كبيرة وقدرة ذهنية مبكرة‪ ،‬درس في جنيف‪ ،‬وعاش في عائلة زميله إيلي ديفيد‪ ،‬وكان‬
‫متفوقا في دراسته‪ ،‬وقد درس اللّغة الالتينية واإلغريقية والسنسكريتية‪ ،‬في عام ‪ 1991‬ألف‬
‫كتابا بعنوان "األطروحة على نظام الحرف المصوت البدائي في اللغات الهندوأوروبية"‪ ،‬درس‬
‫ثم انتقل إلى باريس‬
‫في جامعة برلين وحصل على الدكتوراه في فيفري عام ‪1992‬م‪ّ ،‬‬
‫وحاضر فيها‪ ،‬وألقى محاضرات في عدة لغات كالسنسكريتية والقوطية واأللمانية‪ ،‬ولم ينشر‬
‫أشياء كثيرة‪ ،‬وقد جمعت محاضراته حول المبادئ المهمة لوصف اللّغة في جنيف بين عامي‬
‫‪ 1829‬و‪ 1811‬ونشرها تالميذه بعد وفاته‪.‬‬
‫‪ -2‬مخائيل باختين ‪ )1875-1885( :Michel Bakhtine‬فيلسوف روسي درس فقه‬
‫اللغة‪ ،‬وأسس "حلقة باختين" في النقد عام ‪1811‬م‪ ،‬اعتنق المسيحية فنفي إلى سبيريا‪ ،‬عمل‬
‫في كلية التعليم‪ ،‬وأصيب بالتهاب أدى إلى بتر ساقه‪.‬‬
‫عمل في معهد تاريخ الفن‪ ،‬كتب كثي ار في قضايا األدب‪ ،‬كتب مقالة بعنوان "الفن‬
‫والمسؤولية" عام ‪1818‬م‪ ،‬صدر له كتابه الشهير "مشكالت في شعرية دوستويفسكي" كتب‬
‫بعض مقاالته بأسماء مستعارة‪ ،‬لم تر أعماله النور إال بعد وفاته‪ ،‬لذلك لم يتعرف عليه العالم‬
‫إال بعد خمسين عاما من التعتيم‪ ،‬ولم يحظ بالشهرة إال في نهاية حياته‪ ،‬كتب باختين في‬
‫نظرية األدب واللغة‪ ،‬والسيميائية‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫‪ -3‬تزفيتان تودوروف ‪ ،)2117-1838( Tzvetan Todorov‬مفكر فرنسي من أصل‬


‫بلغاري‪ ،‬يعيش في فرنسا منذ ‪1816‬م‪ ،‬وكتب عن النظرية األدبية‪ ،‬وعن تاريخ الفكر‪ ،‬وعن‬
‫نظرية الثقافة‪ ،‬له حوالي واحد وعشرون كتابا منها "شعرية النثر"‪" ،‬مقدمة الشاعرية"‪" ،‬مدخل‬
‫األدب العجائبي"‪ ،‬وكتاب "األدب في خطر"‪ ،‬عمل في عدة جامعات‪ ،‬وكرم بأكثر من جائزة‪،‬‬
‫بأن ما يجمع اإلنسانية أكثر مما‬
‫وهو من أبرز دعاة الحوار بين الحضارات‪ ،‬وهو يرى ّ‬
‫يفرقها‪ ،‬عارض نظرية صدام الحضارات‪ ،‬درس فقه اللّغة‪ ،‬نال شهادة الدكتوراه وقد أعدها‬
‫بإشراف روالن بارث ‪.R.Barthes‬‬
‫وهو من أبرز الكتاب الّذين يدعون االنفتاح على الحضارات وتجنب االنغالق على‬
‫الذات‪.‬‬
‫‪ -4‬جوليا كريستيفا‪ :)1841( Julia Kristeva :‬ناقدة أدبية وفيلسوفة بلغارية ومحللة‬
‫نفسية وناشطة نسوية وروائية‪ ،‬تعيش في فرنسا منذ منتصف الستينات من القرن العشرين‪،‬‬
‫ألفت حوالي ثالثين كتابا منها‪ :‬قوى الرعب‪ ،‬أساطير الحب‪ ،‬الشمس السوداء‪ ،‬االكتئاب‬
‫والسوداوية‪ ،‬بروست واالحساس بالزمن‪ ،‬وثالثية أنثى عبقرية‪ ،‬نالت عدة أوسمة وجوائز‬
‫وطنية ودولية‪ ،‬أصبحت كريستيفا مؤثرة في التحليل لنقدي الدولي والدراسات الثقافية‪ ،‬لديها‬
‫مقاالت مهمة في التناص والسيميائية واللسانيات والنظرية األدبية‪ ،‬والنقدية‪ ،‬والسيرة الذاتية‪،‬‬
‫اشتهرت في الفكر البنيوي وما بعد البنيوية‪ ،‬يمكن اعتبار كتاباتها تكييفا مع منهج التحليل‬
‫النفسي مع نقد ما بعد البنيوية‪.‬‬
‫‪ -5‬جرار جينيت ‪ )2118-1831( Gérard Genette‬هو ناقد ومنظر فرنسي ومنظر‬
‫النصوص‪ ،‬له مكانة عالية‬
‫السردي وأنساقه وشعرية ّ‬
‫أدبي له إنجاز ضخم في النقد والخطاب ّ‬
‫السرد إلى جانب صديقه روالن بارث وتزفيتان تودوروف‪.‬‬
‫في ّ‬
‫السردية‬
‫وأثار موجة خالقة تجديدية في النقد الجديد الّذي يدرس التقنيات والبنيات ّ‬
‫للنصوص األدبية ويستند هذا النقد إلى النظريات البنيوية واللسانية والسيمولوجية الحديثة‪،‬‬
‫ّ‬
‫النصوص بمهارة‪ ،‬ودعا‬
‫وقد فرض جيرار جينيت نفسه بأسلوبه ودقته وصرامته واشتغاله على ّ‬
‫‪- 26 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالثة‬

‫السردي‬
‫إلى جانب روالن بارث إلى تحليل أدبي إبداعي ودراسات نقدية تضاهي اإلبداع ّ‬
‫وليس فقط تطبيقا جافا للنظرية‪ ،‬وكان شغوفا بنحت المصطلحات النقدية‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫المحاضرة الرابعة‬
‫المصطلح النقدي‬

‫‪ .4‬أهمية المصطلح‬
‫‪ .0‬مفهوم المصطلح‬
‫‪ .3‬إشكالية المصطلح‬
‫‪ .1‬عالقة المصطلح بالمنهج‬
‫‪ .5‬هجرة المصطلح‬
‫‪ .6‬مصطلحات نقدية‬

‫‪- 28 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫المصطلح النقدي‬
‫‪Therme Monitaire‬‬
‫المصطلحات تضبط العلم إذا اتسع وتشعبت وتعددت طرائقه‪ ،‬والمصطلح يختزن كما‬
‫معرفيا غزي ار‪ ،‬فالمصطلحات هي المفاتيح لالستيالء واإلحاطة بعلم ما‪.‬‬
‫ويكتنز المصطلح ويعوض العبارة الطويلة أو المفهوم الواسع بكلمة‪ ،‬ويكتنز داخله‬
‫برصيد معرفي متفق عليه‪.‬‬

‫‪ -1‬أهمية المصطلح‬
‫وكل العلوم تحتاج إلى المصطلحات يفهمها أصحاب كل علم لكن "لكل علم‬
‫اصطالحا خاصا إذا لم يعلم بذلك ال يتيسر للشارع فيه االهتداء إليه سبيال‪ ،‬والى انفهامه‬
‫دليال"‪ ، 1‬فعلم الطب ال يفهم مصطلحاته إال المختص‪ ،‬وهناك مقولة تقول "المصطلحات‬
‫مفاتيح العلوم وثمارها القصوى"‪.‬‬
‫ترى متى وجد المصطلح؟ وجد منذ بداية الخليقة على هذه المسكونة‪ ،‬ألن‬
‫المصطلحات رموز تعبر عن األشياء والمكتشفات والمخترعات والموجودات‪.‬‬
‫وهو تفاهم مشترك بين الثقافات والشعوب‪ ،‬وهو بنية تداولية في الثقافات المختلفة‪،‬‬
‫إذن فالمعارف اإلنسانية تلتقي بواسطة المصطلحات فهي لغة العولمة التي تفيد التواصل‬
‫المعرفي بين األمم‪.‬‬
‫" االصطالح عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه‬
‫‪2‬‬
‫األول‪ ،‬واخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر‪ ،‬لمناسبة بينهما"‪.‬‬
‫فكل الحضارات القديمة عرفت االصطالحات والمصطلحات لتتمكن من التعبير عن‬
‫نفسها واكتشافاتها ونظرياتها‪.‬‬

‫محمد علي الفاروقي التهناوي‪ :‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬تح‪ :‬لطفي عبد البـديع‪ ،‬المؤسسـة المصـرية العامـة‪1886 ،‬م‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪ .1‬اب ــن عب ــد رب ــه‪ :‬العق ــد الفري ــد‪ ،‬ج‪ ،6‬ش ــرح وض ــبط وترتي ــب‪ :‬إبـ ـراهيم األبي ــاري‪ ،‬دار الكت ــاب العرب ــي‪ ،‬بي ــروت‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.199‬‬
‫الشريف الجرجاني‪ :‬كتاب التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1889 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫‪ -2‬مفهوم المصطلح‬
‫ويعرف الشريف الجرجاني المصطلح بقوله‪" :‬االصطالح عبارة عن اتفاق قوم على‬
‫تسمية الشيء باسم ما ينقل من موضعه األول"‪ ،‬وعلم المصطلح ليس قديما بمفهومه العلمي‬
‫وانما وجد في العصر الحديث حين اتسعت العلوم وظهرت التخصصات في "األربعينات‬
‫والخمسينات والستينات"‪ ،‬حيث صار المصطلح علما قائما بذاته له نظرياته وأسسه وقواعده‪.‬‬
‫وبدأ المصطلح ‪ -‬بمفهومه الحديث عند العرب ‪ -‬بندوة عربية عام ‪1891‬م في‬
‫المغرب‪ ،‬لحقتها ندوة أخرى بتونس عام ‪1891‬م تلتها ندوة ثالثة عربية في عمان‪ ،‬وهناك‬
‫مركز المعلومات الدولي للمصطلحات‪.‬‬
‫ويمكن تعريف المصطلح كما يلي‪ :‬هو رمز لغوي مفرد أو مركب أحادي الداللة‬
‫منزاح نسبيا عن داللته المعجمية فمثال المصطلحات التالية‪ :‬االتساع والتوسع والعدول لها‬
‫داللة لغوية معجمية‪ ،‬وانزاحت عن معناها اللغوي للداللة عن معنى مجازي هو الشعرية‪،‬‬
‫وهو يعبر عن مفهوم نقدي محدد واضح متفق عليه بين أهل حقل معرفي معين فاالصطالح‬
‫مصدر اصطلح وهو اتفاق طائفة على شيء مخصوص وفي نص صلح الحديبية (هذا ما‬
‫اصطلح عليه محمد بن عبد اهلل)‪.‬‬
‫والمصطلح يترجم للفرنسية بلفظ ‪ Terme‬ولإلنجليزية بلفظ ‪ ،Term‬وكلمة‬
‫‪ Terminologie‬في اللغة الفرنسية مركبة من كلمتين ‪ Termo‬وهي مشتقة من الكلمة الالتينية‬
‫‪ Terminus‬بمعنى عبارة‪ Logie ،‬مشتقة من الكلمة اإلغريقية ‪ Logos‬بمعنى خطاب‬
‫‪ Discours‬أو علم ‪.Science‬‬
‫لهذا فهي تعني علم العبارة وعلم الخطاب‪ ،‬ثم أصبحت ‪ Terminologie‬تعني علم‬
‫المصطلح‪.‬‬
‫واستعملت بمعنى بنك الكلمات ‪ Banque de mots‬وترد في الترجمات العربية باأللفاظ‬
‫التالية‪ :‬المصطلحات والمصطلحية واالصطالح واالصطالحية وغيرها‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫والعرب القدماء يسمون المصطلح تسميات عديدة مفاتيح العلوم‪ ،‬أوائل‬


‫الصناعات ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وقد وضع العرب كتبا خاصة بهذا العلم تُ ْعَنى بالمصطلحات العلمية المختلفة مثل‬
‫كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي‪ ،‬وكتاب التعريفات للجرجاني‪ ،‬وكتاب مفتاح العلوم للسكاكي‪،‬‬
‫وأهمها وأوسعها كتاب كشاف اصطالحات العلوم للثعالبي‪.‬‬
‫وترجموا عن الحضارات األخرى مثل كتاب القانون في الطب البن سينا وغيره كثير‪.‬‬
‫هذا عند العلماء أما أعراب البادية فال يعرفون المصطلح‪ ،‬قال األصمعي ألعرابي‪:‬‬
‫أتهمز إسرائيل؟ فقال الرجل‪ :‬إني إذا لرجل سوء (المهماز‪ :‬المنخاس تجمع مناخس للثور‬
‫والبقرة)‪.‬‬
‫ثم قال له‪ :‬أتجر فلسطين؟ فقال الرجل‪ :‬إني إذا لقوي‪ ،1‬فالمصطلح علم له رجاله‪،‬‬
‫مصطلح ا لقرآن‪ ،‬مصطلح الحديث‪ ،‬مصطلح الفقه‪ ،‬مصطلح الفلسفة‪ ،‬مصطلح علم النفس‪،‬‬
‫السياسة‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬علم االجتماع ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وال نحاول الغوص في معرفة كل شيء عن المصطلح‪ ،‬فالمختصون هم الذين‬
‫يحتاجون إلى ذلك‪ ،‬من ذكر لتاريخ المصطلح‪ ،‬وكيف ابتكر‪ ،‬وكيف ترجم‪ ،‬وما هي‬
‫مواصفاته‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -3‬إشكالية المصطلح‬
‫وهناك إشكالية أو معضلة تتمثل في ترجمة المصطلح للعربية حيث إن بلدان المشرق‬
‫العربي تعتمد على الثقافة اإلنجليزية في تعاملها مع المصطلح األجنبي‪.‬‬
‫أما بلدان المغرب العربي فهي تميل كثي ار إلى الثقافة الفرنسية وتحاول أن تقترب أو‬
‫تأخذ أكثر مصطلحاتها من غيرها من الثقافات‪.‬‬

‫ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ ،6‬شرح وضبط وترتيب‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫وهناك أزمة تعيق الباحث كلما تناول المصطلح بسبب تعدد اآلراء واختالف وجهات‬
‫النظر في مفهوم المصطلح وترجمته‪ ،‬فالمجتمع العربي يعيش في حالة من التبعية للفكر‬
‫الغربي‪ ،‬حيث استمد الناقد العربي المفاهيم النقدية الغربية دفعة واحدة دون أن يعرف أو يفهم‬
‫مراحل الحركة النقدية األجنبية وحيثياتها متجاهال نشأتها الطبيعية‪ ،‬فكثير من المفاهيم النقدية‬
‫التي أدخلت إلى الساحة العربية جاءت جاهزة قبل أن تنشأ األعمال األدبية التي تنطبق‬
‫عليها‪ ،‬ونجم عن ذلك تداخل في المفاهيم الداللية للمصطلح الواحد‪ ،‬وكذلك مفهوم واحد لعدد‬
‫من المصطلحات‪ ،‬مما أدى إلى الضبابية في مفهوم المصطلحات‪.‬‬
‫وينبغي الحرص في نقل المصطلح إلى العربية بطريقة ذكية وواعية‪ ،‬فنقله ال يعني‬
‫نقل لفظ أو كلمات‪ ،‬ألن المصطلح يكون محمال وغنيا بالدالالت التاريخية والمعرفية‪ ،‬ألن‬
‫(بين العلم والمصطلح لحاما هو كالتماهي الّذي يقوم بين الدال والمدلول في المسلمات‬
‫اللغوية األولى‪ ،‬فكل حديث عن الدال منفصال عن مدلوله‪ ،‬وكل حديث عن المدلول في‬
‫معزل عما يدلنا عليه‪ ،‬بل ك ّل حديث عن عالقة الدوال بمدلوالتها‪ّ ،‬إنما ينطوي على فصل‬
‫بين المتالحمات"‪.1‬‬
‫ويتضاعف المشكل عند العرب في كيفية ترجمة األجنبي عندما ننظر إلى الكم الهائل‬
‫من المصطلحات المتدفقة في الساحة المعرفية‪ ،‬وثمرات العلوم التي ال تتوقف ويصعب‬
‫متابعتها واحصاؤها‪ ،‬ومن المشاكل األخرى باإلضافة للكثرة والتراكم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التغير في داللة المصطلح حيث ال تكون له داللة واحدة عند جميع الكتاب التي تعني‬
‫األدبية كالشاعرية التي تعني الطاقة الشعرية لدى الشاعر وهناك من يترجم الشعرية إلى‬
‫الشاعرية بمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ -1‬تداخل المصطلحات مع مصطلحات العلوم األخرى حيث تنتقل بعض المصطلحات من‬
‫حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر‪.‬‬

‫عبد السالم المسدي‪ :‬المصطلح النقدي‪ ،‬مؤسسات عبد الكريم بن عبد اهلل للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس‪ ،1881 ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫‪ -6‬ترجمة المصطلحات بشكل خاطئ مثل ‪ Passive Verbe‬وهو مصطلح إنجليزي بمعنى‬
‫فعل مجهول‪ ،‬وفي الحقيقة أنه ال يعني أن الفعل هو المجهول وانما يعني أن الفاعل هو‬
‫المجهول وليس الفعل‪.‬‬
‫والمصطلح النقدي في الخطاب النقدي مازال يعاني من التداخل وعدم االستقرار فمثال‬
‫مصطلح ‪ Poétics‬ظل عرضة للتقلب بين عدد من الترجمات بلغت حوالي الثالثين ترجمة‬
‫منها‪ :‬االنشائية‪ ،‬فن الشعر وهو عنوان كتاب ألرسطو الذي ترجمه ابن سينا بنفس العنوان‪،‬‬
‫نظرية األدب‪ ،‬الشاعرية‪ ،‬البويطبقا ‪ ،Poétic‬قضايا الفن اإلبداعي‪ ،‬علم األدب ‪...‬إلخ‪،‬‬
‫وكذلك ‪ Structuralisation‬البنيوية‪ ،‬فقد شاع بترجمته إلى الهيكلية‪ ،‬وبعضهم استخدم‬
‫التركيبية‪ ،‬وبعضهم البنائية‪ ،‬وكذلك مصطلح الخطاب ‪ Discours‬حشدت له ترجمات ال‬
‫حصر لها‪ :‬القول‪ ،‬األطروحة‪ ،‬الحديث‪ ،‬اإلنشاء‪ ،‬لغة الكالم‪ ،‬الكالم المتصل‪ ،‬أسلوب‬
‫التناول‪....‬إلخ‪.‬‬
‫والمصطلح يكون كلمة عادة أو كلمة مركبة أو جملة مختصرة‪ :‬الشعرية‪ ،‬عبشمي‪،‬‬
‫البسملة‪ ،‬الحم دلة‪ ،‬الحوقلة‪ ،‬الشيوقراطية‪ ،‬وأفضل المصطلحات ما كان كلمة‪( ،‬لقد جرت‬
‫العادة أن يقيد المصطلح بجملة من الشروط العامة التي تميزه عن الكلمات اللغوية العادية‪،‬‬
‫كأن يكون قصي ار ال يتجاوز الكلمة الواحدة‪ ،‬ويمكن أن يكون في الحاالت االستثنائية عبارة‬
‫‪1‬‬
‫قصيرة ‪.)Locution phrase‬‬

‫‪ -4‬عالقة المصطلح بالمنهج‬


‫والمصطلح يشكل عالمة على المنهج أو العلم الذي ينتسب إليه فالميتافيزيقا مصطلح‬
‫في الفلسفة والالشعور في علم النفس‪ ،‬األنا‪ ،‬والجمهرة في علم االجتماع‪ ،‬والنسق في‬
‫البنيوية‪ ،‬واألدبية في الشكالنية ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫يوســف وغليســي‪ :‬إشــكالية المصــطلح فــي الخطــاب النقــدي العربــي الحــديث‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،‬الج ازئــر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1229‬ص‪ ،18‬نقال عن معجم مفردات علم المصطلح‪ ،‬ص ‪.161‬‬


‫‪- 33 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫ومن الفوضى أن نطبق منهجا نقديا باستخدام مصطلحات غيره من المناهج كأن نقوم‬
‫بدراسة بنيوية ونطبق عليها مصطلحات األسلوبية إال قليال‪.‬‬
‫ألن المصطلح وثيق الصلة بالمنهج‪ ،‬ويفقد المصطلح شرعيته خارج المنهج الذي‬
‫ينضوي تحته‪ ،‬فال نستعمل المصطلحات في غير حقولها‪.‬‬
‫ومن الذين كتبوا في المصطلح عبد السالم المسدي‪ ،‬عبد المالك مرتاض‪ ،‬عبد‬
‫الرحمان حاج صالح‪ ،‬كمال أبو ديب‪ ،‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ ،‬محمد مفتاح‪ ،‬بنيس‪ ،‬الجابري‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫‪ -5‬هجرة المصطلح‬
‫واللغات تقترض المصطلحات وال تستغني لغة عن االقتراض ‪،Emprunt‬‬
‫فالمصطلحات تهاجر من بيئة إلى بيئة ومن لغة إلى لغة فإذا هاجرت في اللغة الواحدة‬
‫نسميها النزوح المصطلحي ونستعمل كلمة هجرة‪ ،‬وقد استعمل محمد بنيس كلمة هجرة النص‬
‫ويقصد التناص ‪ Intertextualité‬لجوليا كريستيفا ‪.Julia Kristeva‬‬

‫واستعمل محمد السرغيني عبارة هجرة المصطلح‪ ،‬ويمر المصطلح بمراحل كي يستقر‬
‫في لغة ما مثال الفونيتيك ‪ Phonétique‬دخلت العربية بهذا اللفظ‪ ،‬ثم علم األصوات‪ ،‬ثم‬
‫الصوتيات في اللسانيات وليس ضروريا أن يمر كل مصطلح بهذه المراحل بل قد يقفز‬
‫المصطلح من لغة إلى لغة بلفظه وداللته واذا انتقل المصطلح إلى العربية ينبغي أن تجري‬
‫عليه قواعد اللغة العربية من وزن وصرف ونحو ويصبح خاضعا لها بحيث يعامل ويستعمل‬
‫استعمال المفردة العربية واال بقي دخيال ولم يندمج في بنية العربية ‪ Surréalisme‬سريالية‬
‫‪ Sémiologie‬السيميائية وهناك من يرى بأنه ال خوف على العربية من الدخيل بل إن اللغة‬
‫تكون حية بمقدار ما فيها من األجنبي والدخيل ألن ذلك يؤدي إلى توسيع شبكة مفردات‬
‫اللغة ففي العربية حوالي ثالثة آالف كلمة فارسية وفيها الحبشية والرومية والهندية واآلرامية‬
‫عن طريق االقتراض مثال‪ :‬أستاذ‪ ،‬االستبرق‪ ،‬السجنجل ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫وهناك فئة حرصا منها على نقاء العربية وصفائها وسالمتها من العجمة والرطانة‬
‫دعت إلى استبعاد الدخيل إال في حاالت الضرورة القصوى‪.‬‬
‫وهناك من يرى أن إشاعة الدخيل تقضي على فاعلية اللغة وهناك مثل يقول‪( :‬كل‬
‫شيء دخل الصين تصين)‪.‬‬
‫ومن هذا الباب فإن العربية بقواعدها واشتقاقاتها يمكن أن تستوعب كل ما يدخل‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪ -6‬مصطلحات نقدية‪:‬‬
‫‪ -1‬البياض والسواد‪ :‬البياض هو المساحة البيضاء المتروكة دون كتابة في النص‪،‬‬
‫وللبياض تأويالت يوحي بها النص‪ ،‬السواد هو الجزء المكتوب من النص‪.‬‬
‫وهذا البياض الطباعي الخارجي يجعل القارئ يتساءل‪ :‬لماذا ترك الشاعر هذا البياض؟ حيث‬
‫يترك الشاعر بياضا أو نقاطا‪ ،‬يقول السياب في قصيدة النهر والموت‪:‬‬
‫بويب‪...‬‬
‫بويب‪...‬‬
‫أما البياض في القصيدة التقليدية فال معنى له‪.‬‬
‫‪ -2‬التكرار‪ :‬يكرر األحداث‪ ،‬والوزن‪ ،‬والقافية "الوقفة"‪ ،‬السطور‪ ،‬والجملة الشعرية‪...‬‬
‫‪ -3‬الغموض‪ :‬سرية‪ ،‬إبهام‪ ،‬طالسم‪ ،‬االعتماد على الرمز واإلشارة‪ ،‬والتلميح بدل التصريح‪.‬‬
‫‪ -4‬المفارقة‪ :‬قد يرفض الشاعر أم ار ويقول عكس ما يريد ترضية للسلطان (المتنبي مع‬
‫كافور األخشيدي)‪.‬‬
‫‪ -5‬االنقطاع‪ :‬الالتجانس أي االنتقال من طرف إلى طرف يقول محمود درويش‪( :‬على‬
‫األنقاض وردتنا ‪ /‬ووجهانا على الرمل ‪ /‬إذا مرت رياح الصيف ‪ /‬أشرعنا المناديل ‪ /‬على‬
‫مهل على مهل‪.)....‬‬
‫‪ -6‬االنزياح‪ :‬عند جان كوهين ويسمى االنحراف ‪ Déviation‬وعند القدماء العدول‪ ،‬التوسع‪،‬‬
‫االتساع‪ ،‬واالنزياح فاالنزياح خرق لقوانين اللغة‪.‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫‪ -7‬الفجوة‪ /‬مسافة التوتر‪ :‬كلما بعد المشبه عن المشبه به ازدادت الفجوة وحدث التوتر‪.‬‬
‫‪ -8‬الحضور والغياب‪ :‬يدخالن في التناص‪ ،‬النص الغائب‪ ،‬والنص الحاضر‪ ،‬يقول بدر‬
‫شاكر السياب (عيناك غابتا نخيل ساعة السحر) النص الحاضر معلق والقارئ يبحث عن‬
‫الغائب وهو العراق‪.‬‬
‫‪ -8‬الموسيقى الداخلية والخارجية واإليقاع الداخلي‪ :‬كقول البحتري في وصف الذئب‬
‫(يقضقض عصال في أسرتها الردى)‪ ،‬فموسيقى الحروف تعبر عن حركة فكي الذئب‪.‬‬
‫‪ -11‬الصور الشعرية‪ :‬بسيطة‪ ،‬مركبة‪ ،‬كثيفة‪ ،‬جزئية‪ ،‬كلية‪.‬‬
‫‪ -11‬األسطورة‪ :‬يعبر بها الشاعر عن حالة واقعة‪ :‬سيزيف أدونيس‪ ،‬عشار‪ ،‬تموز‪ ،‬أتيس‪،‬‬
‫أفروديت‪...‬‬
‫‪ -12‬الرمز الشعري‪ :‬يكون تراثيا "عنترة‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬التتار‪ ،‬جميلة بوحيرد" أو يكون‬
‫ابتكا ار يبتكره الشاعر‪.‬‬
‫‪ -13‬التناص‪ :‬تداخل النصوص‪.‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬الخوارزمي (‪232-164‬ه)‪ :‬ولد محمد بن موسى الخوارزمي في خوارزم وهو عالم في‬
‫الرياضيات والفلك والجغرافيا‪ ،‬وهو من أوائل علماء الرياضيات المسلمين‪ ،‬أدت أعماله إلى‬
‫تقدم الرياضيات في عصره‪ ،‬اتصل بالخليفة المأمون وعمل في بيت الحكمة ببغداد‪.‬‬
‫ترك العديد من المؤلفات أهمها كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة الّذي هو‬
‫أهم كتبه‪ ،‬وترجم إلى اللّغة الالتينية واثر ذلك دخلت كلمات جديدة مثل الجبر‪ ،‬الصفر إلى‬
‫اللغات الالتينية‪.‬‬
‫‪ -2‬الجرجاني‪ :‬عبد القاهر الجرجاني‪191-122( :‬ه) ولد في جرجان نشأ محبا للعلم‬
‫والثقافة‪ ،‬وهو من ا لمتكلمين مال لدراسة النحو واألدب‪ ،‬أخذ األدب على يد القاضي‬
‫الجرجاني‪ ،‬وق أر كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه‪ ،‬درس على كبار العلماء والشيوخ ينقل‬
‫عن سيبويه والجاحظ وأبي علي الفارسي وابن قتيبة وقدامة بن جعفر واآلمدي وأبي هالل‬
‫العسكري والهمذاني والمرزباني والزجاج وغيرهم‪.‬‬
‫ويعتبر الجرجاني مؤسس علم البالغة ويعد كتاباه دالئل اإلعجاز وأسرار البالغة من‬
‫أهم الكتب‪ ،‬وألف العديد من الكتب والرسائل في الشعر واألدب‪ ،‬وأشتهر بنظرية النظم وهي‬
‫من أهم النظريات في البالغة العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬السكاكي (‪626-555‬ه)‪ :‬هو سراج الدين أبو يعقوب بن علي السكاكي الخوارزمي‪:‬‬
‫من آثاره "مفتاح العلوم" "كتاب الجمل" وهو شرح لكتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني‪،‬‬
‫"التبيان"‪" ،‬الطلسم" وهو باللغة الفارسية‪ ،‬رسالة في علم المناظرة‪ ،‬أتقن حرفة الحدادة التي‬
‫كانت تتقنها أسرته وقد اشتهرت بصنع سكك المحاريث فلقب بالسكاكي‪ ،‬اهتم السكاكي‬
‫بالدراسات القرآنية والفقهية واللغوية وأصول علم اللّغة والبالغة والعروض واالستدالل وعلم‬
‫المنطق وعلم الكالم‪ ،‬كان عارفا إلى جانب العربية باللغتين الفارسية والتركية‪ ،‬وهو من أبرز‬
‫مؤسسي علم البالغة العربية ومن أعالمها في القرن السابع الهجري‪.‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫‪ -4‬األصمعي (‪221-216‬ه)‪ :‬عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي ولد بالبصرة وهو‬
‫واحد من أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان‪ ،‬وهو راوية العرب وناقد شعري كثير التطواف‬
‫بالبوادي يتلقى من اإلعراب األخبار ويتحف بها الخلفاء فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة قال فيه‬
‫األخفش‪ :‬ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من األصمعي‪ ،‬وقال عنه أبو الطيب المتنبي‪ :‬كان أتقن‬
‫القوم للغة وأعلمهم بالشعر‪ ،‬وأحضرهم حفظا‪ ،‬كما كان األصمعي رائدا في العلوم الطبيعية‬
‫وعلم الحيوان وخاصة تصنيف الحيوان وتشريحه‪ ،‬من أعماله‪ :‬كتاب الخيل‪ ،‬كتاب اإلبل‪،‬‬
‫كتاب الشاة‪ ،‬كتاب خلق اإلنسان وغيره‪.‬‬
‫‪ -5‬ابن سينا (‪427-371‬ه)‪ :‬الحسن بن علي بن سينا البلخي البخاري‪ ،‬عالم وطبيب‪،‬‬
‫اشتهر بالطب والفلسفة‪ ،‬عرف باسم الشيخ الرئيس‪ ،‬وسماه الغربيون بأمير األطباء‪ ،‬ولقب‬
‫بأبي الطب في القرون الوسطى‪ ،‬وألف حوالي ‪ 122‬كتاب في مواضيع مختلفة‪ ،‬والكثير منها‬
‫يركز على الطب والفلسفة‪ ،‬وهو أول من كتب عن الطب في العالم‪ ،‬ومن مؤلفاته كتاب‬
‫القانون في الطب الّذي نال شهرة كبيرة حتّى أواسط القرن السابع عشر‪ ،‬ومن مؤلفاته‪:‬‬
‫اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬الشفاء‪ ،‬النجاة في المنطق‪ ،‬واإللهيات‪ ،‬كتاب األدوية القلبية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -6‬المسدي ‪1845‬م‪ :‬عبد السالم المسدي ولد بصفاقس‪ ،‬أكاديمي وكاتب ودبلوماسي‪ ،‬وهو‬
‫من أهم الباحثين في اللسانيات واللغة‪ ،‬وهو واحد من النقاد القالئل البارزين في النقد األدبي‬
‫في العالم العربي‪ ،‬قدم عطاء واف ار وأسهم في الحركة النقدية العربية‪ ،‬وله باإلضافة إلى ذلك‬
‫اسهامات في العمل السياسي والدبلوماسي‪ ،‬تولى عدة مناصب في الدولة التونسية‪ ،‬عضو‬
‫بمجامع اللّغة في تونس ودمشق وبغداد وطرابلس‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪ :‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬التفكير اللساني في الحضارة‪ ،‬قراءات مع الشابي‪ ،‬والمتنبي‬
‫والجاحظ وابن خلدون‪ ،‬النقد والحداثة‪ ،‬قاموس اللسانيات "عربي‪ ،‬فرنسي‪ ،‬فرنسي عربي"‪،‬‬
‫النصوص‪.‬‬
‫اللسانيات من خالل ّ‬
‫‪ -7‬عبد المالك مرتاض ‪1835‬م‪ :‬أديب وناقد جزائري‪ ،‬ولد بوالية تلمسان‪ ،‬تولى رئاسة‬
‫المجلس األعلى ل لغة العربية‪ ،‬وله مجموعة روايات يعد مرجعا في الدراسات األدبية والنقدية‪،‬‬
‫‪- 38 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫من مؤلفاته‪ :‬نهضة األدب المعاصر في الجزائر‪ ،‬ومجموعة روايات دماء ودموع‪ ،‬نار ونور‪،‬‬
‫وادي الظالم‪ ،‬رباعية الدم والنار‪ ،‬الحفر في تجاعيد الذاكرة‪ ،‬سيرة ذاتية‪ ،‬وغيرها من‬
‫المؤلفات‪.‬‬
‫‪ -8‬عبد الرحمن الحاج صالح‪ )2117-1828( :‬من علماء الجزائر‪ ،‬حصل على جائزة‬
‫الملك فيصل العالمية في اللّغة العربية لقب بـ"أبو اللسانيات" وهو رائد في اللّغة العربية في‬
‫العصر ا لحديث‪ ،‬قضى حياته أستاذا وباحثا وعاشقا للغة العربية في العصر الحديث‪ ،‬اشتهر‬
‫بمشروعه في اللسانيات "الذخيرة اللغوية العربية"‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬بحوث ودراسات في علوم‬
‫اللسانيات العربية‪ ،‬السماع اللغوي العلمي عند العرب‪ ،‬ومفهوم الفصاحة‪ ،‬منطق العرب في‬
‫علوم اللسان‪ ،‬الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع واالستعمال العربية‪ ،‬البني النحوية‬
‫العربية‪ ،‬اللسانيات العربية واللسانيات العامة‪.‬‬
‫‪ -8‬الغذامي‪ :‬عبد اهلل محمد عبد اهلل الغدامي ‪1864‬م‪ :‬كاتب وأكاديمي وناقد سعودي ولد‬
‫سنة ‪ 1811‬م‪ ،‬له العديد من المؤلفات‪ ،‬وقد نال الكثير من الجوائز‪ ،‬وهو صاحب مشروع في‬
‫النقد الثقافي‪ ،‬وله ثقافة واسعة وخبرة كبيرة خاصة في مجال النقد‪ ،‬ألف العديد من الكتب‪،‬‬
‫منها كتاب الخطيئة والتكفير‪ ،‬من البنيوية إلى التشريحية‪ ،‬تشريح النص‪ ،‬الصوت القديم‬
‫الجديد‪ ،‬الموقف من الحداثة‪ ،‬الكتابة ضد الكتابة‪ ،‬وغيرها من الكتب والمؤلفات‪.‬‬
‫‪ -11‬محمد مفتاح ‪1847‬م‪ :‬ولد بالدار البيضاء بالمغرب‪ ،‬وهو كاتب ومفكر مغربي‪،‬‬
‫درس فكر المغرب اإلسالمي والمناهج النقدية القديمة والمعاصرة‪ ،‬وهو أستاذ متقاعد من‬
‫جامعة محمد الخامس‪ ،‬بالرباط‪ ،‬عمل في التدريس في جامعة الرباط‪ ،‬له مؤلفات عديدة‬
‫منها‪ :‬الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية‪ ،‬في سيمياء الشعر القديم‪ ،‬التلقي والتأويل مقارنة‬
‫نسقية‪ ،‬اشتغل ممثال على خشبة المسرح‪ ،‬شارك في األفالم التاريخية واألفالم العالمية‪.‬‬
‫‪ -11‬محمد بنيس ‪1848‬م‪ :‬شاعر مغربي من مدينة فاس‪ ،‬وهو من أهم شعراء الحداثة‪،‬‬
‫يتمتع بمكانة خاصة في الثقافة العربية‪ ،‬له إسهامات في الحداثة الشعرية نشر أكثر من‬
‫أربعين كتابا من بينها ستة عشر ديوانا من مؤلفاته‪ :‬يحرقون الحرية‪ ،‬الشعر العربي الحديث‪،‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫النص إلى المناص‪ ،‬الحق في الشعر‪ ،‬األعمال‬


‫بنياته وابداالتها‪ ،‬عتبات‪ :‬جيرار جينيث من ّ‬
‫النثرية في خمسة مجلدات‪ ،‬وغيرها من الكتب‪.‬‬
‫‪ -12‬محمد عابد الجابري (‪2111-1835‬م)‪ :‬ولد في المغرب‪ ،‬مفكر وفيلسوف‪ ،‬له حوالي‬
‫‪ 62‬كتابا تعالج قضايا الفكر المعاصر من أهمها‪ :‬نقد العقل العربي الّذي ترجم إلى عدة‬
‫لغات‪ ،‬نحن والتراث‪ ،‬قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي‪ ،‬العصبية والدولة‪ :‬معالم نظرية‬
‫خلدونية في التاريخ العربي اإلسالمي‪ ،‬تكوين العقل العربي‪ ،‬العقل األخالقي العربي‪ ،‬وغيرها‬
‫من المؤلفات‪.‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫المحاضرة الخامسة‬
‫اتجاهات المناهج النقدية‬
‫أ‪ .‬المناهج النقدية السياقية‬

‫مدخل في مفهوم المناهج النقدية السياقة‬


‫‪ .4‬المنهج التاريخي‬
‫‪ ‬مفهومه‬
‫‪ ‬خلفياته المعرفية والفلسفية‬
‫‪ ‬خصائصه‬

‫‪- 41 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫اتجاهات المناهج النقدية‬


‫أ‪-‬المناهج النقدية السياقية‬
‫مدخل‪ :‬في مفهوم المناهج النقدية السياقية‬
‫ما أن ظهرت الرومانسية حتّى رافقها نقد جديد يبتعد عن النقد المعياري الّذي كان‬
‫يرتكز على القواعد المعيارية الكالسيكية كقاعدة نقاء النوع األدبي‪ ،‬وضرورة وحدة الزمان‬
‫والمكان في الدراما‪ ،‬وقد ساد هذه النقد المعياري في الحقبة التي انتشرت فيها مبادئ‬
‫الكالسيكية الجديدة إبان القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر‪ ،‬ولم يعن هذا‬
‫النقد بالتجديد الّذي هو خروج عن المألوف عندهم‪ ،‬وعلى غرار هذا النقد المعياري ظهرت‬
‫تيارات فكرية كثيرة أدت إلى ظهور المناهج السيميائية‪ ،‬وشاع هذا النقد في القرن التاسع‬
‫عشر في أوربا‪ ،‬وان كانت جذوره ممتدة قبل ذلك‪ ،‬ومبدأ أسباب ظهور المناهج السياقية‬
‫الرغبة في التخلص من األحكام النقدية الذاتية وجعل النقد األدبي يتشبه بالعلم‪.‬‬
‫النصوص األدبية من منطلقات خارجية‪ ،‬ومن مؤثرات المحيط‬
‫المناهج السياقية تدرس ّ‬
‫وتح ليلها وفق أسس معرفية واجتماعية ونفسية وتاريخية‪ ،‬وهذه المناهج تربط بين المحيط وما‬
‫ينجزه األديب من أعمال أدبية‪ ،‬فالنقد االجتماعي ينطلق من تفاعالت المجتمع المختلفة‪،‬‬
‫والنقد النفسي يربط بين معطيات علم النفس وبين األدب‪ ،‬والنقد التاريخي يربط بين التاريخ‬
‫وحياة األ ديب وما ينجزه من أدب‪ ،‬وترى هذه المناهج أن هناك عالقات وثيقة بين السياقات‬
‫الخارجية والنص‪ ،‬وال يمكن فصل األدب عنها‪.‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫‪ -1‬المنهج التاريخي‬
‫‪Méthode Historique‬‬
‫‪ ‬مفهومه‪ :‬المنهج التاريخي هو أول المناهج النقدية في العصر الحديث‪ ،‬وهو المنهج‬
‫النقدي الراسخ الذي واجه أعتى المناهج النقدية الحديثة التي كانت خصما له‪ ،‬وقد تشكلت‬
‫قوانينها األساسية من خالل االعتراض عليه أو مناقضته جذريا‪.1‬‬
‫ويركز هذا المنهج على حوادث التاريخ السياسي واالجتماعي لتفسير األدب وتعليل‬
‫ظواهره‪ ،‬أو يرصد التاريخ األدبي ألمة ما‪ ،2‬ويسجل اآلراء التي قيلت في أديب من األدباء‬
‫أو فن من الفنون‪ ،‬ويفسر تشكل خصائص اتجاه أدبي ما‪ ،‬ويبحث في فهم البواعث‬
‫والمؤثرات التي تنشأ عنها الظواهر والتيارات األدبية المرتبطة بالمجتمع ويعمل المنهج‬
‫التاريخي انطالقا من قاعدة اإلنسان ابن بيئته‪ ،‬ويعرف ابن خلدون في المقدمة أن المنهج‬
‫التاريخي قائال (اعلم أن فن التاريخ عزيز المذهب‪ ،‬جم الفائدة‪ ،‬شريف الغاية‪ ،‬إذ هو يوقفنا‬
‫على أحوال الماضين من األمم في أخالقهم‪ ،‬واألنبياء في سيرهم والملوك في دولهم‬
‫وسياساتهم حتّى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا)‪.3‬‬
‫فاألدب يعكس حركة الحياة وتطور المجتمع ويهتم بالتوثيق وعدم قبول األشياء بصفة‬
‫مسلمات‪ ،‬ويعتمد على العقل والبرهان‪ ،‬ويتعامل مع النصوص من منطلق نسبتها إلى‬
‫أصحابها أوال‪ ،‬ويدرس المصادر المعتمدة في النص‪ ،‬ويبحث في عالقات التأثير والتأثر بين‬
‫اآلداب المحلية والعالمية‪.‬‬
‫‪ ‬خلفياته المعرفية والفلسفية‪:‬‬
‫يدرس المنهج التاريخي اآلداب والنصوص في سلسلة من الحلقات التي تخضع‬
‫لقوانين التطور واالرتقاء‪ ،‬ويركز على المكان الذي نشأ فيه النص "المحلية" والبحث عن‬

‫عبد السالم المسدي‪ :‬في آليات النقد األدبي‪ ،‬دار الجنوب‪ ،‬تونس‪ ،1881 ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪1‬‬

‫يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1229 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬تح‪ :‬أحمد حامد الطاهر‪ ،‬دار الفجر للتراث‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫تأثير األقاليم األخرى القريبة والبعيدة العالمية ألنها تمثل دوائر متداخلة ومتفاعلة في اآلن‬
‫ذاته وينظم المادة األدبية ويدرسها بتحديد مصادرها‪ ،‬ويوثق النصوص ويحلل المخطوطات‬
‫ويكشف عن عمليات التأثير والتأثر وأول خطوة ينبغي على الدارس أن يتأكد منها قبل‬
‫الشروع في البحث هو أن يتساءل عن مادته ونسبتها إلى أصحابها‪.‬‬
‫فهذا المنهج يهتم بالمؤلفين ويوثق حياتهم ويدون تاريخهم ويكشف عن مصادر‬
‫تأليفهم‪ ،‬فالنقد هو تأريخ لألديب من خالل بيئته‪.‬‬
‫ومع أن المنهج التاريخي قاصر عن إعطاء النتائج باعتباره يجمع ويوثق للمادة‬
‫فحسب‪ ،‬إال أنه يبقى أكثر المناهج اعتمادا في البحث ألنه أصلح لتتبع الظواهر الكبرى في‬
‫األدب ودراسة تطوراتها‪ ،‬فهو يمكن من دراسة المسار األدبي ألية أمة من األمم‪ ،‬ويمكن من‬
‫التعرف على الخصائص التي يتميز بها ذلك األدب‪ ،‬ويعتبر النقد العلمي الذي ظهر في‬
‫أواخر القرن التاسع عشر شكال مبك ار للنقد التاريخي ومن أبرز ممثليه‪:‬‬
‫‪ -1‬هيبوليت تين ‪ :1883-1828 H.Taine‬وهو فيلسوف ومؤرخ وناقد فرنسي شهير‬
‫درس النصوص األدبية في ضوء تأثير ثالثيته الشهيرة انطالقا من‪:‬‬
‫أ‪ /‬العرف والجنس ‪ Race‬بمعنى الخصائص الفطرية الوراثية المشتركة بين أفراد األمة‬
‫الواحدة المنحدرة من جنس معين‪.‬‬
‫ب‪ /‬البيئة ‪ Milieu‬أو المكان أو الوسط بمعنى الفضاء الجغرافي وانعكاساته االجتماعية في‬
‫النص األدبي‪.‬‬
‫ج‪ /‬الزمن أو العصر ‪ Temps‬أي مجموع الظروف السياسية والثقافية والدينية التي من شأنها‬
‫أن تمارس تأثي ار على النص‪.‬‬
‫‪ -2‬فرديناند برونتيار ‪ 1816-1848 F.Brunetière‬وهو ناقد فرنسي آمن بنظرية‬
‫داروين ‪ 1821 -1928 Darwin‬وقد قام بمجهود معتبر من أجل تطبيقها على األدب‪،‬‬
‫وت مثل األنواع األدبية كائنات عضوية متطورة فكما تطور القرد إلى إنسان‪ ،‬تطور األدب‬

‫‪- 44 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫كذلك من فن إلى آخر‪ ،‬وقد ألف كتابا بعنوان "تطور األنواع األدبية" ‪1982‬م على غرار‬
‫كتاب أصل األنواع لداروين‪.‬‬
‫وقد رأى أن اآلداب تنقسم إلى فصائل مثلها مثل الكائنات الحية‪ ،‬وهي النمو وتتكاثر‬
‫متطورة من البساطة إلى التركيب في أزمنة متعاقبة‪ ،‬ثم تصل إلى مرتبة من النضج وتتالشى‬
‫عندها وتنقرض كما انقرضت بعض الفصائل الحيوانية كالدينصورات‪ ،‬ويضرب مثاال على‬
‫ذلك بالخطبة الدينية في القرن السابع عشر التي كانت تتحدث عن عظمة اإلنسان وحقارته‬
‫وزوال الحياة وفنائها‪ ،‬وتحولت الخطبة في القرن التاسع عشر إلى الشعر الرومانسي الذي‬
‫تغنى بالموضوعات ذاتها "التغني بالمشاعر الروحية والشكوى من الحياة" فالموضوع واحد‬
‫ولكن الجنس تحول من الخطابة إلى الشعر الرومانسي‪.‬‬
‫وهناك علماء آخرون أرسو أولويات النقد التاريخي في أوربا منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬شارل أوغستين سانت بيف ‪1868 – 1814 Charles Augustin Saint Beuve‬‬
‫وهو ناقد فرنسي أستاذ هيبوليت تين وقد ركز على شخصية األديب تركي از مطلقا إيمانا منه‬
‫بأنه (كما تكون الشجرة يكون ثمرها)‪ ،‬فالنص عنده تعبير عن المزاج الفردي‪ ،‬من أجل ذلك‬
‫كان مولعا بتقصي حياة الكاتب الشخصية والعائلية‪ ،‬ومعرفة أصدقائه وأعدائه‪ ،‬وحاالته‬
‫المادية والعقلية واألخالقية‪ ،‬وعاداته وأذواقه وآرائه الشخصية‪ ،‬وكل ما يصب فيما كان يسميه‬
‫"وعاء الكاتب"‪ ،‬الذي هو أساس مسبق لفهم ما يكتبه‪ ،‬وقد عده محمد مندور عميدا للنقد‬
‫التفسيري‪.‬‬
‫وهذا النقد يحرص على الشرح واإليضاح والمساعدة على الفهم أكثر من حرصه على‬
‫الحكم وتحديد القيم‪ ،‬واذا سمي نقده بالنقد التاريخي إال أنه يمثل النقد التفسيري‪.‬‬
‫‪ -2‬غستاف النسون ‪ ،1834-1857 Gustave Lanson‬وهو ناقد فرنسي ويعد الرائد‬
‫األكبر للمنهج التاريخي‪ ،‬وقد نسبت إليه الالنسونية ‪ Lansonisme‬أعلن النسون منهجيته‬
‫النقدية سنة ‪1828‬م في محاضرة ألقاها بجامعة بروكسل "الروح العلمية ومنهج تاريخ األدب"‬
‫حدد فيها خطوات المنهج التاريخي حتى عدت تلك المقالة قانون الالنسونية ودستورها المتبع‬
‫‪- 45 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫وواصل هذا النشاط الالنسوني ناقد حر فرنسي ريمون بيكار ‪ R.Picard‬ودخل في معارك‬
‫نقدية مع عميد النقد الفرنسي رونالد بارث ‪ R.barthes‬انتهت باإلطاحة بالمنهج التاريخي‪.‬‬
‫أما في النقد العربي فإنه منذ بداية القرن العشرين بدأت الممارسة النقدية التاريخية‬
‫بتأثير المدرسة الفرنسية ويترجم هذا االتجاه الدكتور أحمد ضيف ‪ 1811-1992‬ويمكن‬
‫عده أول متخرج من مدرسة لينسون الفرنسية‪ ،‬كذلك طه حسين‪ ،‬وزكي مبارك‪ ،‬وأحمد أمين‪،‬‬
‫ومحمد مندور وهو أول من أرسى معالم الالنسونية في النقد العربي حين أصدر كتابه النقد‬
‫المنهجي عند العرب ومنذ الستينات ترسخ هذا المنهج التاريخي في األبحاث األكاديمية‪.‬‬
‫ومن رموز هذا المنهج أيضا شوقي ضيف في مصر‪ ،‬وشكري فيصل في سوريا‪،‬‬
‫ومحمد الصالح الجابري في تونس‪ ،‬وعباس الجراري في المغرب‪ ،‬أما في الجزائر أبو القاسم‬
‫سعد اهلل‪ ،‬وصالح خرفي‪ ،‬وعبد اهلل الركيبي‪ ،‬وعبد المالك مرتاض في مرحلة أولى من تجربته‬
‫النقدية‪.‬‬
‫‪ ‬خصائصه‪:‬‬
‫‪ -1‬االهتمام بدراسة المدونات األدبية عبر فترة تاريخية‪.‬‬
‫‪ -1‬إهمال التفاوت بين المبدعين كأن المنهج عاجز عن تحديد الفوارق‪.‬‬
‫‪ -6‬االهتمام بالمبدع والبيئة اإلبداعية على حساب النص‪.‬‬
‫‪ -1‬تقديم المادة األدبية تقديما خاما دون دراسة المادة دراسة تمحيصية‪.‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬هيبوليت تين ‪1883-1828( Hippolyte Taine‬م)‪ :‬ناقد ومؤرخ فرنسي‪ ،‬هو أحد‬
‫أوائل النقد التاريخي وهو مؤسس هذه الحركة التاريخانية األدبية‪ ،‬وله قاعدة ثالثية لدراسة‬
‫العمل الفني (العرق‪ ،‬المحيط‪ ،‬اللحظة)‪ ،‬وكان لتين أثر عميق في األدب الفرنسي‪ ،‬وعرف‬
‫في زمنه كأديب ومؤرخ وفيسلوف‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬في العقل‪ ،‬تاريخ األدب اإلنجليزي‪ ،‬فالسفة‬
‫فرنسا الكالسيكيون في القرن التاسع عشر‪ ،‬أصول فرنسا المعاصرة وغيرها من المؤلفات‪.‬‬
‫‪ -2‬فرديناند برونتيار ‪ :)1816-1848( Ferdinand Brunetière‬ناقد فرنسي‪ ،‬مارس‬
‫مهنة التعليم‪ ،‬اشتهر ناقدا مختصا بكتابة تاريخ األدب وتاريخ النقد‪ ،‬كتب عدة مؤلفات في‬
‫النقد األدبي منها‪ :‬مسائل في النقد‪ ،‬مسائل جديدة في النقد‪ ،‬ومجموعة من المقاالت نشرها‬
‫ضد المدرسىة الطبيعية‪ ،‬وغيرها من المؤلفات‪.‬‬
‫‪ -3‬شارل أوغستين سانت بيف ‪:)1868-1814( :Charles Augustin Saint Beuve‬‬
‫ناقد وكاتب فرنسي‪ ،‬درس البالغة والفلسفة‪ ،‬درس الطب وعمل صحفيا‪ ،‬ارتبط بصداقة مع‬
‫فيكتور هيغو ‪ ، V.Hugo‬كتب العديد من المؤلفات التي كان لها تأثير مهم في النقد األدبي‪،‬‬
‫النصوص النقدية‪.‬‬
‫نشر العديد من ّ‬
‫من مؤلفاته‪ :‬اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر‪،‬‬
‫حياة وأشعار وأفكار جوزيف ديلور وهو مزيج من النثر والشعر‪ ،‬وديوان شعر بعنوان‬
‫المواساة‪.‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫المحاضرة السادسة‬
‫‪ -0‬المنهج االجتماعي‬

‫مفهومه‬ ‫‪‬‬
‫خلفياته المعرفية والفلسفية‬ ‫‪‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫‪ -2‬المنهج االجتماعي‬
‫‪Méthode Sociologique‬‬
‫‪ ‬مفهومه‪ :‬يعتبر المنهج االجتماعي من المناهج الهامة في الدراسات األدبية الحديثة‪ ،‬وقد‬
‫تولد من المنهج التاريخي وانبثق عنه‪ ،‬واستقى مبادئ انطالقه منه معتمدا على المفكرين‬
‫والنقاد الذين ربطوا فكرة تاريخية األدب بتطور المجتمعات تلك المجتمعات التي كانت مختلفة‬
‫باختالف البيئات "الجغرافية" والظروف والعصور‪ ،‬فالمنطلق التاريخي هو أساس هذا المنهج‬
‫من خالل محوري الزمان والمكان‪( ،‬ومن عالمات هذا النقد أنه يبين الصلة بين النص‬
‫والمجتمع الذي نشأ فيه) ‪ ، 1‬والمحور الزماني له تأثير على األعمال األدبية‪ ،‬والمحور‬
‫المكاني أيضا له أثره القوي فلكل مكان تاريخه وظروفه الخاصة‪ ،‬وبالتالي يتضح أن هناك‬
‫ارتباطا بين األدب والمجتمع‪ ،‬فهذا المنهج ينطلق من البنية االقتصادية للمجتمع التي تعد‬
‫األساس الحقيقي الّذي تقوم عليه العالقات في حياة األفراد‪ ،‬وتبنى من خالله القوانين التي‬
‫النص‬
‫تتحكم في تسيير حركة الحياة االجتماعية والسياسية والعقلية‪ ،‬ويدرس هذا المنهج ّ‬
‫باالعتماد على الوثائق المتعلقة بسيرة الكاتب التي تبرز انتماءه االجتماعي واتجاهه‬
‫وايديولوجيته‪.2‬‬
‫‪ ‬خلفياته المعرفية والفلسفية‪:‬‬
‫والمنهج االجتماعي هو الذي تبقى من المنهج التاريخي‪ ،‬وانصبت فيه كل الدراسات‬
‫والبحوث التي كانت متصلة بالوعي التاريخي‪ ،‬حيث تحول الوعي التاريخي إلى وعي‬
‫اجتماعي‪ ،‬وارتبط هذا الوعي االجتماعي بالمستويات المتعددة بالمجتمع وبالطبقات‪ ،‬وقد مثل‬
‫الحياة على مستوى المجتمعات وليس على مستوى الفرد‪( .‬وكان من نتيجة ذلك أن قام بين‬
‫الشاعر وقبيلته عقد فني يفرض عليه أال يتحدث عن نفسه في شعره إال بقدر محدود وفي‬
‫نطاق ضيق‪ ،‬واّنما يتحدث عن قبيلته‪ ،‬ويجعل من شعره سجال لحياتها‪ ،‬ومن لسانه لسانا‬

‫صايل حميدان‪ :‬قضايا النقد األدبي‪ ،‬دار األمل‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،1881 ،11‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫فاطمة البريكي‪ :‬قضية في النقد العربي القديم‪ ،‬د ار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫لها‪ ،‬يعبر عن آمالها وآالمها‪ ،‬ويرسم الخطوط العامة لسياستها‪ ،‬ويعلن على المأل أهدافها‬
‫وغاياتها‪ ،‬وفي مقابل هذا تمنحه القبيلة لقب شاعرها)‪.1‬‬
‫‪ -‬واألعمال األدبية من منظور هذا المنهج هي تعبير عن الواقع الخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬ويرى من الضرورة مراعاة تفاعالت المجتمع وتحوالته‪ ،‬باعتبار أن هذا المجتمع هو‬
‫المنتج الفعلي لألعمال الفنية اإلبداعية‪.‬‬
‫‪ -‬ويرى هذا النقد أن الكتابة حدث ذو طبيعة اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬وهو يعلي من قيمة الكاتب إذا مثل جذور المجتمع حقيقة‪.‬‬
‫ولعل النقد الماركسي هو أكثر أشكال النقد االجتماعي انتشارا‪ ،‬يقول جورج لوكاش‬
‫‪ G.Locas‬وهو ناقد ماركسي مجري يكتب باللغة األلمانية في تعريف المنهج االجتماعي (إنه‬
‫منهج بسيط جدا يتكون أوال وقبل كل شيء من دراسة األسس االجتماعية الواقعية بعناية)‪،‬‬
‫ويقول بونالد ‪ Bonald‬في مقالة له في جريدة (عطارد فرنسا) سنة ‪ 1921‬عبارة مشهورة‬
‫(األدب تعبير عن المجتمع)‪ ،‬وترى مدام دو ستال ‪ Madame De Stal‬أن المجتمع‪ ،‬يتغير‬
‫بتغير المجتمعات ويعتمد هذا النقد على نظريات علم االجتماع‪ ،‬وأوجد علماء االجتماع علم‬
‫اجتماع الظاهرة األدبية باعتبار أن األدب هو إحدى الظواهر االجتماعية التي يدرسها علم‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫وقد أسهمت نظرية االنعكاس المنبثقة عن الواقعية في تطوير هذا التوجه االجتماعي‬
‫لدراسة األدب‪.‬‬
‫غير أن اإلشكالية التي واجهت الدراسات التي تربط بين األدب والمجتمع تمثلت في‬
‫فرضية تقول بأنه كلما ازدهر المجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا أدى ذلك إلى‬
‫ازدهار أدب ي‪ ،‬ولكن إذا راجعنا تاريخ المجتمعات أثبتنا أن هذا غير صحيح‪ ،‬ألن كثي ار من‬
‫المجتمعات كانت تعاني من التفكك السياسي والتدهور االقتصادي والتردي االجتماعي‬

‫مخلـ ـ ـ ــوف عـ ـ ـ ــامر‪ :‬منـ ـ ـ ــاهج نقديـ ـ ـ ــة‪ ،‬ص‪ ،11‬نقـ ـ ـ ــال عـ ـ ـ ــن يوسـ ـ ـ ــف خليـ ـ ـ ــف‪ :‬حركـ ـ ـ ــات التجديـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ــي الشـ ـ ـ ــعر العربـ ـ ـ ــي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪11،11‬‬
‫‪- 51 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫شهدت ازدها ار أدبيا وتوهجا فنيا‪ ،‬ويمكن أن يكون العهد العباسي الثاني نموذجا لتفكك الدولة‬
‫حيث انتقلت السلطة من العرب إلى األعاجم ونشأت دويالت وتفسخ المجتمع‪ ،‬ومع هذه‬
‫الظواهر السلبية فإن كوكبة كبار الشعراء الذين يمثلون اإلبداع الشعري في الثقافة العربية‬
‫وجدوا في هذه الفترة‪.‬‬
‫إذا كيف يمكن أن نربط بين تدهور المستويات االجتماعية واالقتصادية والثقافية من‬
‫ناحية وازدهار مستوى اإلبداع من ناحية أخرى؟‬
‫وتحدث المؤرخون عن آراء كارل ماركس ‪ K.Marx‬وأثر فلسفته في ربط تفسير األدب‬
‫بالعالقات االجتماعية وصراع الطبقات‪.1‬‬
‫يرى الماركسيون ابتداء من ماركس أن العالقة بين األبنية االجتماعية من ناحية‬
‫واألبنية الثقافية واإلبداعية ليست عالقة مباشرة وفورية غير أنها تسفر عن نتائجها بإيقاع‬
‫بطيء‪ ،‬بمعنى أنه يمكن أن يكون هناك مظاهر للقوة في المجاالت المختلفة ويكون األدب‬
‫في موقف ضعيف‪ ،‬ألنه لم يستوعب بعد هذه المظاهر وعندما يبدأ في استيعابها وتمثيلها‬
‫وتفاعله معها تكون تلك العوامل التي أدت لالزدهار في مختلف المجاالت قد زالت ويبدأ‬
‫المجتمع في التفكك‪ ،‬ويصعد األدب في اضمحالل المجتمع ألن العالقة تقضي فترة تخمر‬
‫وفترات تأثير بعيدة المدى وبطيئة اإليقاع‪.‬‬
‫إذا عند النظر إلى التاريخ في جملته نجد أن التوازي بين الجانبين يتم على مستوى‬
‫العصور الطويلة وليس على مستوى المنحنيات القصيرة‪ ،‬ففي مثال الدولة العباسية يمكن‬
‫القول إن هناك عصر ازدهار عربي في إنشاء إمبراطورية عربية إسالمية كبرى امتلكت‬
‫أدوات القوة السياسية واالجتماعية واالقتصادية واإليديولوجية على مستوى ستة قرون وهذا ما‬
‫يطلق عليه قانون العصور الطويلة وهذا القانون يرفض قياس األدب في عالقته بالمجتمع‬
‫في فترات زمنية قصيرة‪ ،‬ويحاول هذا القانون أن يمدد هذا القياس على فترات زمنية طويلة‪.‬‬

‫مجموعـ ــة مـ ــن الكتـ ــاب‪ :‬م ـ ــدخل إلـ ــى منـ ــاهج النق ـ ــد األدبـ ــي‪ ،‬تـ ــر‪ :‬رض ـ ـوان ضاض ـ ــا‪ ،‬عـ ــالم المعرفـ ــة‪ ،‬ع‪ ،111‬الكوي ـ ــت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ماي ‪ ،1889‬ص‪.199 ،191‬‬


‫‪- 51 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫وقد عملت الماركسية والواقعية جنبا إلى جنب في تعميق هذا االتجاه النقدي‪ ،‬وذلك‬
‫بأن يكون هناك تالزم بين البنى االجتماعية من ناحية واألعمال األدبية من ناحية أخرى‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن علم االجتماع قد أسهم في ذلك حيث كان يزدهر ويتسع ويتنوع‪،‬‬
‫ومن بين هذه التنوعات لعلم االجتماع إنشاؤه لما يسمى بعلم اجتماع األدب أو سوسيولوجيا‬
‫األدب‪ ،‬وهذا العلم تأثر في نشأته بالتطورات التي حدثت في نظرية األدب من جانب‪ ،‬وما‬
‫حدث في مناهج علوم االجتماع من جانب آخر وقد تبلور هذا العلم في منتصف القرن‬
‫العشرين في تيارين‪:‬‬
‫‪ ‬التيار األول‪:‬‬
‫ويطلق عليه "علم اجتماع الظواهر األدبية"‪ ،‬وهو تيار تجريبي إمبريقي يستفيد من‬
‫تقنيات مناهج الدراسات االجتماعية‪ ،‬كاإلحصائيات والبيانات وتحليل المعلومات وتفسير‬
‫الظوا هر‪ ،‬انطالقا من معلومات محددة يبنيها الدارس طبقا لمناهج دقيقة ثم يستخلص‬
‫النتائج‪ ،‬وهذا التيار االجتماعي اإلمبريقي يحلل األدب عن طريق تجميع أكبر قدر من‬
‫البيانات الدقيقة عن األعمال األدبية‪ ،‬فعند دراسة الرواية مثال‪ :‬يدرس اإلنتاج الروائي في فترة‬
‫محددة وتوضع البي انات اإلحصائية‪ ،‬فاإلنتاج الروائي جزء من اإلنتاج السردي المتمثل في‬
‫القصة القصيرة والقصة والروايات والمسرح والسيناريوهات‪ ،‬ثم يأخذ الدارس في التوصيف‬
‫الكمي لهذا النتاج‪ ،‬فيحصي عدد القصص والروايات التي أنتجت في هذه البيئة وعدد‬
‫الطبعات التي صدرت منها‪ ،‬وعدد القراء الذين تداولوا تلك األعمال وعدد النسخ التي طبعت‬
‫وعدد اللغات التي ترجمت إليها‪ ،‬فالظاهرة األدبية في هذه الدراسة كأنها ظاهرة اقتصادية لكنه‬
‫اقتصاد الثقافة‪ ،‬وتزعم هذا التيار نقاد غربيون مثل سكاربيه ‪.Scarpier‬‬
‫وأهم ما يؤخذ على هذه الدراسة أنها تهتم بالطابع الكمي وتغفل الطابع النوعي‬
‫لألعمال األدبية‪ ،‬فهي تسوي بين الرواية العظيمة ذات القيمة الخالدة مع الرواية التي انتشرت‬
‫ألنها تحمل طابع اإلثارة أو غير ذلك من األشياء التي تؤدي إلى االنتشار‪ ،‬فقد تستوي لديهم‬

‫‪- 52 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫الرواية البوليسية مع الروائع األدبية الخالدة‪ ،‬ألن ما يحكم هذه الدراسات هو الجانب الكمي‬
‫وليس جانب الكيف‪.1‬‬
‫‪ ‬التيار الثاني‪:‬‬
‫ويطلق عليه "المدرسة الجدلية" وهذه المدرسة تعود إلى هيغل ‪ Hegel‬نفسه‪ ،‬وقد‬
‫اعتمد عليه ماركس في تحديد العالقة بين البنى التحتية والبنى الفوقية في النتاج األدبي‬
‫الثقافي‪ ،‬وهذه العالقة متبادلة بين الفوق والتحت ومتفاعلة ما يجعلها عالقة جدلية والمنظر‬
‫األول الذي أسس هذا االتجاه هو جورج لوكاش ‪ G.Locas‬وهو الفيلسوف األكبر للواقعية في‬
‫منتصف القرن العشرين‪.‬‬
‫وكان هذا الفيلسوف يدرس ويحلل العالقة بين األدب والمجتمع معتب ار أن األدب‬
‫انعكاس وتمثيل للحياة‪ ،‬وقدم دراسات حول سوسيولوجية األجناس األدبية وهذا الفرع يربط‬
‫بين الجنس األدبي وازدهاره وبين طبيعة الحياة االجتماعية والثقافية لمجتمع من المجتمعات‬
‫وبالتالي كتب عن طبيعة ونشأة الرواية المقترنة بنشأة حركة الرأسمالية العالمية وصعود‬
‫البرجوازية الغربية‪.‬‬
‫وظلت كتابات جورج لوكاش تتصف بالطابع الفلسفي الميتافيزيقي‪ ،‬واألدب لديه هو‬
‫التعبير الفكري والفلسفي عن حركة المجتمع ذاته‪.‬‬
‫وجاء بعده لوسيان جولدمان ‪ Lucien Goldmann‬روماني‪ ،‬وهو أكبر منظر لهذا‬
‫التيار األول لسيسولوجيا األدب أي تيار المدرسة الجدلية‪.‬‬
‫وقد انطلق جولدمان من مبادئ لوكاش وطورها واصطنع جملة من المصطلحات‬
‫الجديدة والتقنيات اإلجرائية الفورية التحليلية المبتكرة التي جعلت االتجاه الذي يتبناه يطلق‬
‫عليه علم اجتماع اإلبداع األدبي‪ ،‬واهتم بالدرجة األولى بالجانب الكيفي وليس الجانب الكمي‬

‫صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫الذي كانت تهتم به مدرسة سكاربيي ‪ Scarpier‬علم اجتماع الظواهر األدبية‪ ،‬وانطلق‬
‫جولدمان من مجموعة من المبادئ العميقة المنتشرة ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪:‬‬
‫يرى جولدمان أن األعمال األدبية ال تعبر عن األفراد وانما تعبر عن الوعي الطبقي‬
‫للفئات والمجتمعات المختلفة‪ ،‬بمعنى أن األديب وان كان فردا لكنه يختزل فيه ضمير‬
‫الجماعة ورؤية الجماعة التي ينتمي إليها وهذه هي النقطة األولى في نظرية جولدمان‪.‬‬
‫فاألدب في نظره ليس نتاجا فرديا وال يعبر عن وجهة نظر شخصية‪ ،‬ألن وجهة النظر هذه‬
‫تتجسد فيها عمليات الوعي الجماعي والضمير الجماعي‪ ،‬وأكثر من ذلك كلما كان األديب‬
‫على درجة عالية من القوة والعمق كان تجسيده للمنظور الجماعي أوضح وأقوى‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪:‬‬
‫ويتم التمييز بين األدباء الذين يعبرون عن منظورات شخصية هم أدباء مزيفون‪،‬‬
‫وغالبا ما يسقط أدبهم ويهمل ويطوى في طي النسيان‪ ،‬ألن القارئ ال يجد في أعمال هؤالء‬
‫ذاته وأحالمه ووعيه باألشياء‪ ،‬وهناك أدباء آخرون يمتلكون القدرة على التمثيل الصحيح‬
‫للضمير الجماعي‪ ،‬وهم الذين يدفعون بالوعي الجماعي نحو استشراف المستقبل واكتشاف‬
‫آفاقه‪.‬‬
‫فالمنهج االجتماعي ينطلق من البنية االقتصادية للمجتمع التي تعد األساس الحقيقي‬
‫الذي تقوم عليه العالقات في حياة األفراد‪ ،‬وتبنى من خالله القوانين التي تتحكم في تسيير‬
‫حركة الحياة االجتماعية والسياسية والعقلية ويدرس هذا المنهج النص باالعتماد على الوثائق‬
‫‪1‬‬
‫المتعلقة بسيرة الكاتب التي تبرز انتماءه االجتماعي واتجاهه وايديولوجيتة‪.‬‬
‫إن األعمال األدبية تتميز بأبنية داللية كلية‪ ،‬وهي تختلف من عمل آلخر‪ ،‬فما هي‬
‫طبيعة هذه األبنية الداللية أو ما هي ماهيتها؟ هي ما يفهم من العمل في إجماله‪ ،‬ويوجد‬

‫فاطمة البريكي‪ :‬قضية التلقي في النقد العربي القديم‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫تناظر بين األبنية الداللية للعمل األدبي وبين بنية العمل الجماعي وكأنهما حلقتان يمكن‬
‫لهما أن يلتحما ببعضهما بعضا‪ ،‬بمعنى أننا في قراءتنا لألعمال األدبية فإننا نتوخى أن‬
‫نصل إلى إقامة بنية داللية كلية للعمل الذي نقرأه‪ ،‬وهذه البنية الداللية الكلية تتعدل كلما‬
‫عبرنا من جزء إلى آخر في العمل اإلبداعي‪ ،‬وعندما ننتهي من القراءة‪ ،‬تتكون لدينا صورة‬
‫عن بنيته الداللية الكلية‪.‬‬
‫هذه الصورة التي تشكلت في أذهاننا هي التي تقابل الوعي والضمير االجتماعيين‬
‫المتبلورين لدى األديب‪.‬‬
‫إن نقطة االتصال بين البنية الداللية الكلية للعمل األدبي والوعي الجماعي لدى‬
‫األديب هي أهم الحلقات عند جولد مان‪ ،‬ويطلق عليها مصطلح "رؤية العالم"‪ ،‬فكل عمل‬
‫أدبي يتضمن رؤية العالم‪.‬‬
‫إذا فهناك تأثير متبادل بين األدب والفضاء االجتماعي الّذي نشأ فيه (وبعبارة أخرى‬
‫منذ أن وجد اإلنسان في جماعة‪ ،‬ألن األدب في هاته األثناء لم يكن في جوهره إال شكال من‬
‫أشكال ممارسة الحياة‪ ،‬فقد كان أداة من أدوات اإلنسان في صراعه مع قوى الطبيعة‬
‫المختلفة)‪.1‬‬
‫وهذا ال ينطبق على العمل األدبي الواحد المنفرد فحسب لكنه النتاج الكلي لألديب‪،‬‬
‫وعن طريق رؤية العالم أي نقطة االتصال يمكن أن نرى بشكل واضح كيفية تبلور العالقة‬
‫الخالقة بين األعمال اإلبداعية من ناحية والوقائع االجتماعية والخارجية من ناحية ثانية وقد‬
‫انطلق جولدمان من هذا المنظور في – علم اجتماع اإلبداع األدبي – لتأسيس منهجه في‬
‫سوسيولوجيا األدب‪ ،‬وهو الذي يسميه المشارقة – المنهج التقليدي – ويسمى في المغرب‬
‫العربي ‪ -‬المنهج التكويني ‪ -‬والذي أضافه جولدمان هو أنه لم يغفل الجانب الكيفي في‬
‫دراسته األعمال األدبية‪ ،‬بل اعتمد أساسا على هذا الجانب القيمي الكيفي لشرح مدى العالقة‬

‫عم ـ ـ ــر ع ـ ـ ــيالن‪ :‬األدب ـ ـ ــي واالجتم ـ ـ ــاعي‪ ،‬الملتق ـ ـ ــى الث ـ ـ ــاني‪ ،‬الج ازئ ـ ـ ــر‪ ،‬منش ـ ـ ــورات المرك ـ ـ ــز الج ـ ـ ــامعي‪ ،‬خنش ـ ـ ــلة‪،1229 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.11‬‬
‫‪- 55 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫بين األعمال اإلبداعية والوعي الجماعي‪ ،‬وذلك عندما جعل مستوى األديب يظهر في نقطة‬
‫االتصال – رؤية العالم ‪ ،-‬وبالتالي فإنه ال يمكن أن يستوي عمل روائي عظيم بعمل‬
‫بوليسي‪ ،‬ألن الرؤية اآللية والمحدودة للعمل البوليسي تجعله مجرد أداة للتسلية واإلثارة‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن يحمل رؤية للعالم بكل ما يملكه هذا المصطلح من خصوصية وتعقد وتشابك‪.‬‬
‫وتبقى هناك إشكالية أساسية لدى هذا المنهج تتمثل في العالقة بين الحياة االجتماعية‬
‫الخارجية من ناحية واألعمال التحليلية اللغوية من ناحية أخرى‪ ،‬وهي فجوة واسعة وفادحة‬
‫بين المنطقتين‪ ،‬وتعتبر هذه المسألة أكبر نقطة ضعف لدى التيارين السابقين – سوسيولوجيا‬
‫األدب – التيار الكمي عند سكاريبي‪ ،‬والتيار الكيفي عند جولدمان ولوكاش‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن منهج جولدمان حاول إقامة التجانس‪ ،‬وتضييق الفجوة بين األدب والحياة ولكنها مازالت‬
‫قائمة‪.‬‬
‫وهناك بعض الدراسات التطبيقية في الثقافة العربية التي استخدمت منهج التوليدية‬
‫"منهج جولدمان أي علم اجتماع اإلبداع األدبي" في تحليل ظواهر األدب العربي‪ ،‬وهي‬
‫دراسة قام بها عالم اجتماع عربي وليس ناقدا أدبيا‪ ،‬وهو التونسي الطاهر لبيب رئيس‬
‫"جمعية علماء االجتماع العرب"‪ ،‬وقد درس على يد جولدمان وكان مشرفا عليه في رسالة‬
‫الد كتوراه‪ ،‬وقد درس ظاهرة الغزل العذري في العصر األموي وحاول أن يقيم العالقة بين هذه‬
‫الظاهرة ‪ -‬وهي ظاهرة متميزة في الشعر العربي في الفترة األموية ‪ -‬وبين طبيعة األبنية‬
‫االجتماعية من ناحية أخرى وبين مدى نجاح أولئك الشعراء في تقديم أو تجسيد رؤيا للعالم‬
‫التي تعبر عن واقعهم االجتماعي‪ ،‬وهناك دراسة أخرى لشاعر أو ناقد مغربي وهو محمد‬
‫بنيس الذي حاول في هذا النوع من الدراسة أن يربط بين اإلبداع الشعري المغربي المعاصر‬
‫والظواهر السوسيولوجية في المغرب العربي‪ ،‬وهي دراسة تتميز بالتماسك المنهجي‪ .‬وقد أسفر‬
‫التطور الذي حدث في المناهج النقدية الحديثة منذ السبعينات عن تولد تيار جديد في‬
‫سوسي ولوجيا األدب أو علم اجتماع األدب ويختلف عن التيار الكمي والتيار الكيفي السابقين‪،‬‬
‫وهو "علم اجتماع النص" وقد أفاد هذا التيار من علم جديد في النقد األدبي وهو "علم‬
‫‪- 56 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫النص"‪ ،‬كما أفاد من السوسيولوجيا منذ بارث "موت المؤلف"‪" ،‬سلطة النص"‪" ،‬لذة النص"‬
‫‪ Le Plaisir Du Texte‬وبذلك يكون هنا التيار الثالث "علم اجتماع النص" قد ضيق الفجوة‬
‫المتسعة بين الحياة االجتماعية واألعمال التحليلية" ألنه استخدم وسيطا بينهما" "الحياة‬
‫االجتماعية واألعمال التحليلية" ‪ ،‬لذلك تسنى الربط بين األدب من ناحية والحياة من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬وذهب أصحاب المنهج االجتماعي (إلى ربط األشكال األدبية "األجناس" بحركية‬
‫المجتمع والحقب التاريخية‪ ،‬ويعتبرون الشكل األدبي شكال تاريخيا اجتماعيا [‪ ]...‬ألن لكل‬
‫جنس أدبي ظروفه ومالباساته التي ساعدت على والدته وبلورته)‪.1‬‬
‫وص ار البحث النقدي في علم اجتماع النص مرك از على اللغة لتفادي تلك الهوة‪،‬‬
‫وابتعد عن تحليل األفكار والمفاهيم الفلسفية للنص‪.‬‬

‫الرواي ـ ــة‪ ،‬منش ـ ــورات االخ ـ ــتالف‪ ،‬الج ازئـ ـ ـر‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪،11‬‬
‫حس ـ ــين خم ـ ــري‪ :‬فض ـ ــاء المتخي ـ ــل مقارب ـ ــات ف ـ ــي ّ‬
‫‪1‬‬

‫بتصرف‬
‫‪- 57 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السادسة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬جورج لوكاش‪ )1871-1885( George Locas :‬فيلسوف وكاتب وناقد ماركسي من‬
‫المجر‪ ،‬يعد مؤسس الماركسية الغربية مقابل الماركسية في االتحاد السوفياتي‪ ،‬اشتهر بعدة‬
‫أفكار منها‪ :‬التشيؤ‪ ،‬والوعي الطبقي‪ ،‬ويندرج المصطلحان تحت النظرية والفلسفة الماركسية‪،‬‬
‫الرواية بشكل عام‪ ،‬عمل وزي ار للثقافة في المجر بعد‬
‫أثر نقده األدبي في الواقعية األدبية وفي ّ‬
‫الثورة المجرية ‪.1811‬‬
‫الرواية التاريخية‪ ،‬تحطيم العقل‪ ،‬التاريخ‬
‫من مؤلفاته‪ :‬دراسات في الجدلية الماركسية‪ّ ،‬‬
‫والوعي الطبقي‪.‬‬
‫‪ -2‬لوسيان غولدمان ‪ )1871-1813( Lucien Goldman:‬فيلسوف فرنسي وناقد‬
‫بنيوي‪ ،‬تعرف على المفكر الماركسي ماكس ألدر ‪ ،M.Adler‬وعكف على دراسة أعمال‬
‫لوكاش (الروح واألشكال‪ ،‬التاريخ والوعي الطبقي‪ ،‬نظرية الرواية‪ ،‬وترك لوكاش أثره في منهج‬
‫غولدمان‪.‬‬
‫للرواية‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪ :‬اإلله الخفي‪ ،‬من أجل سوسيولوجيا ّ‬
‫‪ -3‬لويس دو بونالد ‪ :)1841-1754( Louis De Bonald‬من عائلة فرنسية عريقة‪،‬‬
‫وهو فيلسوف سياسي‪ ،‬عمل نائبا في البرلمان‪ ،‬استقر في ألمانيا‪ ،‬وكتب هناك أول عمل مهم‬
‫له "نظ رية القوة السياسية والدينية في المجتمع المدني التي أظهرها المنطق والتاريخ" تعتمد‬
‫كتاباته أساسا على الفلسفة االجتماعية‪.‬‬
‫من أعماله‪ :‬نظرية السلطة السياسية والدينية‪ ،‬أفكار في مختلف الموضوعات‪ ،‬أخالط أدبية‬
‫وسياسية وفلسفية‪ ،‬وغيرها من المؤلفات‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫المحاضرة السابعة‬
‫‪ -3‬المنهج النفسي – النفساني –‬

‫مفهومه‬ ‫‪‬‬
‫خلفياته المعرفية والفلسفية‬ ‫‪‬‬
‫مواقف النقاد منه‬ ‫‪‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫‪ -3‬المنهج النفسي – النفساني‪-‬‬


‫‪Méthode Psychologique‬‬
‫‪ ‬مفهومه‪ :‬يعد المنهج النفسي من قبيل منظومة المناهج التاريخية بشكل تقريبي فقط‪،‬‬
‫ألنه امتد بظله وتجاوز منطقة البحث التاريخي إلى منطقة البنيوية وما بعدها‪ ،‬حيث امتزج‬
‫بها وأصبح جزءا مكونا من تجلياتها المتعددة‪ ،‬وللمنهج النفسي جذور بعيدة في النقد األدبي‪،‬‬
‫لكنه لم يتبلور بشكل منهجي‪ ،‬وكانت اآلراء النفسية مجرد مالحظات لتفسير بعض وظائف‬
‫األدب كما نجد في نظريات أفالطون‪ ،‬وهو يتحدث عن أثر الشعراء على منظومات القيم‬
‫والحياة في مدينته الفاضلة‪ ،‬كما أن نظرية التطهير ‪ Catharsis‬ذاتها عند أرسطو تربط‬
‫اإلبداع األدبي بوظائفه النفسية‪ ،‬ونجد في النقد العربي القديم مقوالت كثيرة تربط الشعر بنفس‬
‫المبدع‪ ،‬وكذلك لدى المتلقي‪ ،‬وقد بلور هذه األفكار رائد من رواد النقد العربي الحديث وهو‬
‫األستاذ محمد خلف أحمد بشكل واضح في دراساته النقدية‪ ،‬ويقول غاستون باشالر‬
‫‪ G.Bachelard‬بأن تحليل الخيال إذا كان ال يريد أن يضل فعليه أن يقترن بالتحليل النفسي‬
‫وبدأ المنهج النفسي بشكل علمي منظم مع بداية علم النفس ذاته‪ ،‬وذلك منذ مائة عام أي في‬
‫نهاية القرن التاسع عشر بصدور مؤلفات سيجموند فرويد ‪ S.Freud‬في التحليل النفسي‬
‫وتأسيسه لعلم النفس (‪ )1868 -1911‬وهو نمساوي النشأة يهودي األصل وقد استعان في‬
‫تأسيسه لعلم النفس بدراسة ظواهر اإلبداع‪ ،‬حيث تتجلى الظواهر النفسية ومن هنا يمكن أن‬
‫نعتبر ما قبل فرويد من قبيل المالحظات العامة التي ال تؤسس لمنهج نفسي بقدر ما تعتبر‬
‫إرهاصا وتوطئة له‪ ،‬لكن المنهج نفسه يبدأ مع تكون علم النفس أو علم التحليل النفسي عند‬
‫فرويد‪.‬‬
‫‪ ‬خلفياته المعرفية والفلسفية‪:‬‬
‫إذا فالعالقة بين األدب وعلم النفس شديدة االتصال الن الذي يحرر األدب هو‬
‫اإلنسا ن‪ ،‬حتى أفالطون كان يعتبر أن القدرة اإلبداعية عند الفرد تقوم على أساس الحماسة‬
‫والحب وهي مشاعر‪.‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫دخل علم النفس في صميم األدب وأسهم في الكشف عن جوانب العمل األدبي‪ ،‬فكل‬
‫عمل فني ينتج عن سبب نفسي‪( ،‬وخالصة هذا التصور أن في أعماق ك ّل كائن بشري‬
‫رغبات مكبوتة‪ ،‬تبحث د وما عن اإلشباع في مجتمع قد ال يتيح لها ذلك‪ ،‬ولما كان صعبا‬
‫فإنه مضطر إلى تصعيدها أي إشباعها بكيفيات‬
‫إخماد هذه الحرائق المشتعلة في ال شعوره‪ّ ،‬‬
‫كأن الفن إذن‬
‫مختلفة‪ ،‬أحالم النوم‪ ،‬أحالم اليقظة‪ ،‬هذيان العصابيين‪ ،‬األعمال الفنية‪ّ ،‬‬
‫تصعيد وتعويض لما ال يستطيع الفنان تحقيقه في واقعه االجتماعي‪ ،‬واستجابة تلقائية لكل‬
‫المثيرات النائمة في األعماق النفسية السحيقة والتي قد تكون رغبات حسية‪-‬حسب فرويد‪ -‬أو‬
‫شعور بالنقص يقتضي التعويض‪-‬حسب أدلر‪ -‬أو مجموعة من التجارب واألفكار الموروثة‬
‫المخزنة في الالشعور الجمعي‪-‬حسب يونغ) ‪.1‬‬
‫والنقطة التي انطلق منها فرويد تتمثل في التمييز بين الشعور والالشعور‪ ،‬بين الوعي‬
‫والالوعي‪ ،‬وا عتبر الالوعي أو الالشعور هو المخزن الخلفي غير الظاهر للشخصية واعتبره‬
‫متضمنا لدوافع السلوك واإلبداع واإلنتاج‪ ،‬وانصب اهتمامه في الدرجة األولى على تفسير‬
‫األحالم باعتبارها النافذة التي يطل منها الالشعور‪ ،‬وهي الطريقة التي تعبر بها الشخصية‬
‫عن ذاتها حقيقة‪ ،‬واألحالم تقوم على قوانين الكبت والمنع االجتماعيين‪ ،‬وكان التناظر بين‬
‫األحالم من ناحية والفن مظه ار آخر تتجلى فيه النزعات الخفية في الشخصية اإلنسانية‪.‬‬
‫وقد وضع فرويد نظرية التحليل النفسي في كتابه تفسير األحالم‪ ،‬ويرى التحليل‬
‫النفسي أ ن اإلبداع حالة خاصة قابلة للتحليل‪ ،‬وقد لجأ فرويد إلى تاريخ األدب يستمد منه من‬
‫مقوالته ومصطلحاته في التحليل النفسي‪ ،‬فسمى بعض ظواهر العقد النفسية بأسماء‬
‫شخصيات أدبية‪ ،‬مثل عقدة أوديب‪ ،‬وعقدة إلكت ار وغيرهما‪ ،‬وعقدة أوديب مستوحاة من‬
‫أسطورة أوديب اليونانية وتعني صاحب األقدام المتورمة‪ ،‬أما عقدة إلكت ار فهي تطلق على‬
‫األنثى وهو مصطلح فرويدي يشير إلى تعلق الفتاة الالواعي بأبيها‪ ،‬وغيرتها من أمها‬

‫يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1229 ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫ويكرهها‪ ،‬واألسطورة اليونانية تقول بأن إلكت ار طلبت من أخيها أن يثأر لموت أبيها أغاممنون‬
‫بأن يقتل أمها كليتيمنست ار ألنها شاركت في قتل زوجها والد إلكترا‪ ،‬كما لجأ فرويد أيضا إلى‬
‫تحليل بعض اللوحات الفنية التشكيلية إلى جانب األعمال األدبية والشعرية‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫التدليل على نظرياته في التحليل النفسي‪ ،‬وفي العالقة بين الشعور والالشعور‪ ،‬وفي القوانين‬
‫التي تحكم هذه العالقة وهي قوانين التداعي‪ ،‬وكان فرويد يعمل في منطقة التحليل النفسي‪،‬‬
‫ويهتم بالدرجة األولى بالظواهر المرضية مثل العصاب وانفصام الشخصية وغيرهما‪ ،‬وعن‬
‫طريق تحليل هذه الحاالت المرضية يمكن الكشف عن الحاالت السوية األخرى‪.‬‬
‫وكان فرويد وتالميذه يركزون اهتمامهم في الدرجة األولى على الكشف عن القوانين‬
‫الخفية والمضمرة التي تعمل بها الذات اإلنسانية‪ ،‬فهم يبحثون في طبقات الشخصية والكشف‬
‫عن حاالتها المختلفة‪ ،‬ويرى فرويد بأن الدوافع الجنسية من بين الدوافع الالوعية التي تشكل‬
‫العمل اإلبداعي وقد ذكر عقدة أوديب وعقدة إلكترا‪ ،‬ويرى أن اإلبداع والفن مجرد تعويض‬
‫مقنع عن الكبت الجنسي‪ ،‬واإلبداع عنده ضرب من التنفيس من أجل التواؤم مع العالم‬
‫الجتناب المرض‪ ،‬فاألديب بهذا المعنى يشكل عالما خاصا به‪ ،‬إما عن طريق اللعب‪ ،‬أو‬
‫الحلم أو التحليل‪ ،‬ولكن فرويد فسر ذلك كله بحزمة من العقد الجنسية يسعى المرء إلى‬
‫تعويضها‪ ،‬وقد استقى مصطلحات من أعمال أدبية باألساس‪:‬‬
‫‪ -1‬عقدة أوديب‪ :‬وتتمثل في ميل الطفل جنسيا إلى أمه‪.‬‬
‫‪ -1‬عقدة إلكترا‪ :‬وتتمثل في ميل الطفلة إلى أبيها‪.‬‬
‫‪ -6‬العقدة النرجسية‪ :‬وهي حب الذات جنسيا‪.‬‬
‫‪ -1‬عقدة الخصاء‪ :‬في تصوره أن اإلنسان يخاف على أن يفقد أعضاءه التناسلية ألنه‬
‫سيعاقب على إتيانه أعماال محرمة‪.1‬‬

‫مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫وقد أتفق فرويد وتلميذه يونغ على أن اإلبداع ال شعوري‪ ،‬والفرق بينهما أن فرويد يراه‬
‫كبتا جنسيا عند الفرد‪ ،‬أما يونغ فيراه كبتا جنسيا من الالشعور الجمعي موروثا من األسالف‬
‫البدائيين‪.‬‬
‫أما أدلر ‪ Adler‬فقد خالف أستاذه فرويد ‪ Freud‬كما خالف يونغ ‪ ،Young‬ورأى أن‬
‫اإلبداع والفن مبعثهما التعويض عن الشعور بالنقص‪ ،‬وحب الظهور والسيطرة‪ ،‬واإلحساس‬
‫بعدم الكمال‪.‬‬
‫ويرى هؤالء أن جودة العمل األدبي ورداءته ال تعلل بجمالياته ولفتاته الذوقية‬
‫والشعورية والخيالية وجمال األسلوب ولكن بالقيم النفسية التي يحملها النص‪ ،‬ومنه ينطلق‬
‫التحليل النفسي لألدب ومن المبدع ذاته والربط بينه وبين نتاجه من ناحية وبين تاريخه‬
‫الشخصي من ناحية أخرى‪ ،‬حيث تكمن في تاريخه الشخصي مجموعة الخبرات المتراكمة‬
‫منذ سن الطفولة الباكر وهي أشد الفترات حسما في توجيه سلوك اإلنسان في المستقبل‪ ،‬فهي‬
‫فترة تتكون فيها عاطفته ووجدانه‪ ،‬فإذا ما عانى شيئا من الحرمان في هذه الطفولة الباكرة أو‬
‫لقي بعض التجارب القاسية‪ ،‬كان لذلك تأثير في السلوك والتصور‪ ،‬فإذا ما كان هذا اإلنسان‬
‫مبدعا أو شاع ار أصبح محكوما بتلك التجارب وأصبحت هي الجذر األساسي إلبداعه‬
‫والمرجعية الحقيقة لما يستخدمه من رموز‪ ،‬ولما يوظفه من وسائل اإلبداع األدبي‪ ،‬فالعالقة‬
‫إذا وطيدة بين العالم الباطني للمبدع واإلبداع األدبي‪.‬‬
‫وهناك دراسات تقرن بين العبقرية والجنون حيث ترى أن اإلبداع في جوهره مظهر‬
‫لوصول التوتر في نفس المبدع إلى ذروته‪ ،‬وهو حينئذ ال يستطيع التكيف مع الجماعة‪،‬‬
‫ويتجلى هذا التوتر وعدم التكيف في الخلق الفني واألدبي‪.‬‬
‫ونشأ فرع من فروع الدراسات النفسية واألدبية وهو علم نفس اإلبداع‪ ،‬ويمكن دراسة‬
‫األديب نفسيا من خالل مسودات أعماله اإلبداعية ذاتها وربما كشفت هذه المسودات عن‬
‫حاالت أعمق في نفسه وفي طريقة تعبيره وأسلوبه‪ ،‬فالمسودات هي المادة األولية أمام‬
‫المحلل النفسي‬
‫‪- 63 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫ونشأت في الثقافة العربية منذ منتصف القرن العشرين مدرسة وكان لها إنجازها‬
‫الكبير في علم نفس اإلبداع‪ ،‬أسسها الدكتور مصطفى سويف‪ ،‬ويعتبر كتابه األسس النفسية‬
‫لإلبداع الفني في الشعر خاصة بمثابة نقطة االرتكاز الجوهرية ألعمال هذه المدرسة ولم‬
‫تلبث أن تشعبت هذه الدراسات لدى تالميذه‪ ،‬فكتبوا بحوثهم ودراساتهم في بقية األجناس‬
‫األدبية‪ ،‬فكتب الدكتور شاكر عبد الحميد األسس النفسية لإلبداع الفني في القصة القصيرة‬
‫وكتبت الدكتورة سامية الملة األسس النفسية لإلبداع الفني في المسرح‪ ،‬وتكونت في الثقافة‬
‫العربية نواة مدرسة "علم نفس اإلبداع"‪ ،‬وقد استهوى هذا المنهج كثي ار من النقاد العرب‪،‬‬
‫ومنهم العقاد والمازني ومحمد النويهي ومحمد خلف اهلل أحمد‪ ،‬وقدم العقاد دراسة عن‬
‫شخصية أبي نواس في ضوء عقدة النرجسية في كتابه "أبو نواس الحسن بن هانئ"‪ ،‬وكتب‬
‫المازني دراسة عن بشار بن برد‪ ،‬وتمثل هذه الدراسة نموذجا لمفهوم أدلر عن عقدة النقص‬
‫ومن خصائص هذا المنهج أنه‪:‬‬
‫يعرف شخصية األديب من خالل إبداعه وما تتسم به شخصيته من حزن وألم ويفسر‬
‫الظواهر الفنية استنادا إلى عوامل نفسية‪ ،‬ويطبق نتائج علم النفس على شخصيات األدباء‬
‫ونتاجاتهم األدبية‪.‬‬
‫وتعد سنة ‪ 1869‬تاريخا حاسما في عالقة النقد األدبي بهذا المنهج ألنها السنة التي‬
‫أوكلت فيها كلية اآلداب بجامعة القاهرة إلى كل من أحمد أمين ومحمد خلف اهلل تدريس مادة‬
‫جديدة لطلبة الدراسات العليا تتناول صلة علم النفس باألدب‪ ،‬وفي السنة الموالية ‪1868‬‬
‫نشر أمين الخولي بحثا عنوانه "البالغة وعلم النفس"‪ ،‬وهو محاولة لترسيخ العالقة بين األدب‬
‫وعلم النفس‪ ،‬وقد أثار هذا المنهج مواقف مختلفة من النقاد‪.‬‬
‫‪ ‬مواقف النقاد منه‪:‬‬
‫‪ -1‬موقف األنصار‪ :‬وعلى رأسهم العقاد‪ ،‬فهو لم يكتف بالممارسة النقدية النفسانية‪ ،‬بل راح‬
‫يؤازر ذلك نظريا‪ ،‬فهو يقول في كتابه "النقد السيكولوجي" الذي نشره عام ‪ :1811‬إذا لم يكن‬
‫بد من الفضل فمدرسة النقد السيكولوجي أو النفساني أحقها جميعا بالتفضيل في رأيي وفي‬
‫‪- 64 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫ذوقي معا‪ ،‬ألنها المدرسة التي نستغني بها غيرها وال نفقد شيئا من جوهر الفن أو الفنان‬
‫المنقود‪ ،‬أما جورج ط ار بشي الذي مارس النقد النفساني في كثير من كتبه "أنثى ضد أنثى"‪،‬‬
‫"الرجولة وايديولوجيا الرجولة في األدب العربي"‪" ،‬عقدة أوديب في األدب العربي"‪" ،‬رمزية‬
‫المرأة في الرواية العربية"‪...‬إلخ‪ ،‬فهو أكثر النقاد تطرفا في الدفاع عن هذا المنهج‪ ،‬فهو‬
‫يقول‪ ( :‬لقد كتبت من قبل عدة دراسات في النقد ولم أشعر أن هناك منهجا قاد ار على الدخول‬
‫إلى قلب العمل األدبي واعطائه أبعادا‪ ،‬وأن يكشف فيه عن أبعاد خفية أو فلنقل تحتية‪،‬‬
‫كمنهج التحليل النفسي) ‪ ،1‬ويشبهه في هذا الموقف الشاعر الناقد اللبناني الدكتور خريستور‬
‫نجم الذي اتبع التحليل النفسي في الكثير من كتاباته النقدية "النرجسية في أدب نزار قباني"‪،‬‬
‫"المرأة في حياة جبران"‪" ،‬في النقد األدبي والتحليل النفسي"‪ ،‬ويخلص في دراساته إلى أن‬
‫التحليل النفسي لألدب من أصلح المناهج األدبية تقصيا للحقيقة واثراء للفن‪ ، 2‬ولكنه في‬
‫مواقف أخرى استعرض بعض المآخذ على هذا المنهج كاهتمامه بالفنان أكثر من الفن‪،‬‬
‫وايمان المنهج المتطرف بأن النص تعبير أمين عن نفسية صاحبه‪ ،‬ولجوء المنهج إلى‬
‫التعسف والتبرير بدل الحقيقة الموضوعية‪.‬‬
‫‪ -2‬مواقف الخصوم المعارضين‪ :‬يأتي محمد مندور في طليعة النقاد الداعين إلى فصل‬
‫األدب ودراسته عن العلوم المختلفة ومنها علم النفس‪ ،‬وتنحية العلم عن األدب ونقده‪،‬‬
‫ومحاربة تطبيق القوانين التي اهتدت إليها العلوم األخرى على األدب ونقد األدب‪ ،‬ألن‬
‫األدب في نظره ال يمكن أن نحدده ونوجهه ونحييه إال بعناصره الداخلية أي عناصره األدبية‬
‫البحتة‪ .‬ورأى بأن دعوة األستاذ خلف اهلل أحمد إلى هذا االتجاه هي محنة ستنزل على‬
‫األدب‪ ،‬أل ن معنى ذلك هو االنصراف عن األدب وتذوق األدب والفرار إلى نظريات عامة ال‬
‫فائدة منها‪ ،‬وأن االهتمام باألديب باسم عالقة األدب بعلم النفس سينتهي بنا إلى قتل األدب‪،‬‬

‫جهاد فاضل‪ :‬أسئلة النقد‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪1‬‬

‫خريستو نجم‪ :‬في النقد األدبي والتحليل النفسي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،1881 ،‬ص‪.68‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫وقد خفف من وطأة نقده للمنهج في كتاباته األخيرة‪ ،‬ورأى بأن الناقد يمكن أن يتوسع من‬
‫خالل الدراسات النفسية والتاريخية واالجتماعية والعلمية‪.‬‬
‫أما طه حسين فهو يعارض معارضة تامة هذا المنهج‪ ،‬فهو يرد على من كتبوا فيه‬
‫(والذي أريد أن أصل إليه من هذا النوع كله هو أني حين أنكرت إخضاع أبي نواس لهذا‬
‫النوع من التحليل النفسي كنت أعلم حق العلم ما كنت أقول‪ ،‬وكنت أعمد إليه من إرادة‬
‫وبصيرة وثقة ألني أرى ك ّل ما ينتج من إخضاع القدماء لهذا التحليل ضربا من الظن ال‬
‫يرقى إلى العلم وال ينتهي بأصحابه إلى اليقين وال يلزم ق ارءه االقتناع به واالطمئنان إليه‪ ،‬وما‬
‫زلت أرى هذا الرأي لم يصرفني عنه األستاذ العقاد بما كتب في مقاله األخير‪ ،‬وما أرى ّأنه‬
‫سيصرفني عنه اآلن على أقل تقدير)‪.1‬‬
‫أما عبد المالك مرتاض فهو من ألد أعداء هذا المنهج‪ ،‬ورأى بأن هذا المنهج النفسي‬
‫يفترض بشكل مسبق مرض األديب‪ ،‬فهو منهج همه األساسي هو البحث عن األمراض‬
‫النفسية في النصوص األدبية‪.‬‬
‫‪ -3‬مواقف وسطية ‪ :‬ال ينكر هذا الموقف فعالية المنهج النفسي في ذاته‪ ،‬ولكنه يسجل عليه‬
‫بعض االعتراضات الجزئية‪ ،‬يظهر ذلك في موقف الناقد سيد قطب الذي أعرب عن ذلك‬
‫قائال‪ :‬إنه لجميل أن ننتفع بالدراسات النفسية‪ ،‬ولكن يجب أن تبقى لألدب صبغته الفنية‪ ،‬وأن‬
‫نعرف حدود علم النفس في هذا المجال والحدود التي نراها مأمونة هي أن يكون المنهج‬
‫النفسي أوسع من علم النفس يقف عند حدود الظن والترجيح‪ ،‬ويتجنب الجزم والحسم‪ ،‬وأال‬
‫يقتصر عليه في فهم الشخصية اإلنسانية‪ ،‬فسيد قطب ال يمانع من االستفادة من هذا‬
‫المنهج‪ ،‬ولكنه يريد أن يلتزم حدوده‪ ،‬وأن يظل مجرد عنصر من مجموعة منهجية‪ ،‬وبذلك‬
‫فإن قطب له تصور منهجي شامل‪ ،‬حيث يرى قصور المنهج الواحد في تصور النص‪،‬‬

‫طه حسين‪ :‬خصام ونقد‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1892 ،12‬ص‪.121‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫والنص األدبي من السعة والعمق بما ال يستوعبه إال منهج متكامل‪ ،‬ويرى بأن عيوب هذا‬
‫المنهج تتجلى في‪:‬‬
‫‪ -‬اختناق األدب في هذه األجواء التي يتحول فيها النقد األدبي إلى تحليل نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬تواري القيم الفنية وانغماسها في لجة التحليالت النفسية التي ال تميز بين عمل فني جيد‬
‫وآخر رديء ‪ ،‬بمعنى أن هذا المنهج أخفق في الربط بين العامل النفسي والعامل اإلبداعي‬
‫(أما النتيجة الثانية المرتبطة بقصور منهج التحليل النفسي فتتمثل في عدم إمكانية عقد‬
‫عالقة سببية بين العامل النفسي من ناحية واإلبداع ذاته من ناحية أخرى)‪.1‬‬
‫‪ -‬وهو يحيل الشخصيات إلى أفكار وعقد‪ ،‬ويعد عز الدين إسماعيل من أصحاب هذا‬
‫المنهج أيضا‪ ،‬وهو يناصره باعتدال وال يخفي عنه معايبه‪ ،‬ويراه ضروريا إذا استخدم بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬أما الناقد محمود الربيعي فعلى الرغم من أنه يبدو وسطيا إال أنه أقرب الوسطين‬
‫إلى خصوم المنهج‪ ،‬ويرى أن المنهج السيكولوجي أحد المداخل النقدية المعاصرة إلى دراسة‬
‫النص األدبي‪ ،‬ولكنه يذكر جملة من العقبات التي تعترضه‪ ،‬كاهتمامه الرئيسي بأمور ال‬
‫يعيها المؤلف نفسه باإلضافة إلى أن المؤلف كثي ار ما ينفي تفسيرات الناقد النفساني وكذلك‬
‫إعطاء الناقد تفسي ار واحدا للعمل األدبي‪.‬‬
‫أما عادل فريحات فعلى الرغم من غرامه بما يقدمه المنهج من فائدة إال أنه يرى أن‬
‫المنهج يبين عما إذا كان األثر جميال أو قبيحا؟ عظيما أم تافها؟ إذ إن هذه األمور ال شأن‬
‫لعلم النفس بها‪ ،‬وهي تدخل في أجواء أخرى كالنقد األدبي وعلم الجمال منتهيا إلى أن علم‬
‫النفس ليس ضروريا للفن ولكنه يصبح ذا قيمة إذا اندمج في العمل الفني فيهتم بالجمال‬
‫والخيال ويتخلى عن صرامة العلم‪.‬‬

‫صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة السابعة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬سيغموند فرويد ‪ :)1838-1856( Sigmund Freud‬مختص في دراسة الطب‬
‫العصبي‪ ،‬ومفكر حر‪ ،‬وهو مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث‪ ،‬وهو طبيب‬
‫نمساوي اشتهر بنظريات العقل والالوعي‪ ،‬ودعا إلى التحليل النفسي لعالج األمراض النفسية‬
‫عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي‪ ،‬وتفسير األحالم كمصدر للكشف عن‬
‫الرغبات في الالوعي‪ ،‬وكرس وجهته إليه إال أن إسهاماته ال تزال تحتل مكانة هامة في علم‬
‫الطب النفسي‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬تفسير األحالم‪ ،‬قلق في الحضارة‪ ،‬تغلب على الخجل‪ ،‬نقطة‬
‫الضعف‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬ألفريد أدلر ‪ :)1837-1871( Alfred Adler‬طبيب عقلي نمساوي مؤسس مدرسة‬
‫علم النفس الفردي واختلف مع فرويد ويونغ في أن القوة الدافعة في حياة اإلنسان هي‬
‫الشعور بالنقص‪ ،‬ويبدأ هذا الشعور من بدء فهم الطفل للحياة‪ ،‬وفهم المحيط الّذي يعيش فيه‬
‫والقدرة على التكيف مع البيئة االجتماعية‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬معنى الحياة‪ ،‬سيكولوجيتك في‬
‫الحياة‪ ،‬الطبيعة البشرية وغيرها من المؤلفات‪.‬‬
‫‪ -3‬كارل غوستاف يونغ ‪1811-1991( :Carl Gustav Jung‬م)‪ :‬عالم نفس سويسري‬
‫مؤسس علم النفس التحليلي‪ ،‬مختص في علم النفس والطب النفسي‪ ،‬درس الفلسفة‬
‫والروحانيات وا لظواهر الخارقة للطبيعة‪ ،‬أصبح يونغ كبير األطباء‪ ،‬نشر عددا من المقاالت‬
‫أكسبته شهرة واسعة وقد أرسى قواعد الطب النفسي التحليلي وأثبت تجريبيا ما ذهب إليه‬
‫سيغموند فرويد وحظي بمناصب علمية مختلفة وكان ألعماله أثر في دراسة الدين واألدب‪،‬‬
‫من مؤلفاته‪ :‬جدلية األنا والالوعي‪ ،‬البنية النفسية عند اإلنسان‪ ،‬علم النفس التحليلي‪ ،‬وغيرها‬
‫من المؤلفات‪.‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬
‫‪ -1‬المنهج التوفيقي التكاملي‬

‫مفهومه‬ ‫‪‬‬
‫خلفياته المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫شروطه‬ ‫‪‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثامنة‬

‫‪ -4‬المنهج التوفيقي التكاملي‬


‫‪Méthode Compromis Intégrative‬‬
‫‪ ‬مفهومه‪ :‬ال يزال الخالف قائما بشأن المنهج التوفيقي التكاملي‪ ،‬وهناك من أخرجه تماما‬
‫من دائرة المناهج‪ ،‬وقد جاء هذا المنهج ليستغل قصور مناهج الدراسة لألدب في عدم‬
‫توصلها إلى نتائج حقيقية مضبوطة إذ ك ّل منهج يعتريه نقص في جانب من جوانبه لذلك‬
‫هرع بعض النقاد إليه ليكون مالذا يحقق األهداف المرجوة من النقد‪ ،‬وليكون بديال ويحاول‬
‫االستفادة من جميع المناهج السياقية والنسقية‪ .‬وقد أطلق عليه منهج الالمنهج‪.‬‬
‫بأن التوافق أو التكامل هو مبدأ إيجابي في حد ذاته‪ ،‬لذلك يمكن تعريفه‬
‫ويمكن القول ّ‬
‫هو منهج يأخذ من ك ّل منهج ما يراه معينا على إصدار أحكام متكاملة على األعمال األدبية‬
‫من جميع جوانبها‪.‬‬
‫ومن ثمة فهذا المنهج التوفيقي التكاملي يقترح الجمع بين المنهج التاريخي والفني‬
‫النص من زوايا مختلفة ويأخذ بطرف من كل المناهج‬
‫النفسي جميعا‪ ،‬ويمكن من دراسة ّ‬
‫بهدف التخلص من ضيق المنهج الواحد‪.‬‬
‫‪ ‬خلفياته المعرفية‪:‬‬
‫ويرى بعض النقاد أن لكل منهج قواعده وأسسه الخاصة به التي تميزه عن غيره لذلك‬
‫النصوص‬
‫فهم يبعدونه عن كونه منهجا‪ ،‬ويرى بعضهم ّأنه أصبح ضرورة مع اتساع آفاق ّ‬
‫األدبية ومحدودية النتائج التي يصل إليها ك ّل منهج منفردا‪.‬‬
‫وال شك أن ك ّل منهج مستقل ال يستطيع الوصول إلى درجة الكمال أو االكتفاء لذلك‬
‫فإن المؤمنين بهذا المنهج ال يخرجون عن هذه القاعدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫والمنهج التوفيقي ال يرتبط بالمناهج السياقية وحدها بل يمكن أن يكون بين منهج‬
‫نسقي وآخر أو أخرى سياقية‪ ،‬فنقد لوسيان غولدمان في البنيوية التكوينية يمثل شكال من‬
‫أشكال النزوع إلى المنهج التوفيقي التكاملي أو النقد المركب أو التركيبي الّذي جاء ردا على‬
‫أحادية المنهج‪.‬‬
‫‪- 71 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثامنة‬

‫وقد أدرج غولدمان السياق التاريخي واالجتماعي والسيرة الذاتية للمنتج من خالل‬
‫النص وخارجه مستفيدة من المناهج النقدية الحديثة‪.1‬‬
‫اآلليات التي تربط بين داخل ّ‬
‫(ولما انتقلت الفكرة إلى الحقل األدبي كانت النظرة التكاملية في واقع األمر رد فعل‬
‫على التفسير األحادي لألدب سواء أكان التفسير نفسيا أم تاريخيا أم اجتماعيا فالنص األدبي‬
‫ظاهرة متشعبة فيها ذات الكاتب والظروف المحيطة بإنتاجه فال يستقيم الفهم إال إذا أحاط‬
‫الناقد بكافة جوانبه‪ ،‬فجعلهم يطلقون عليه عدة تسميات منها النقد المتعدد أو المتكثر أو النقد‬
‫الكلي أو النقد الحواري‪. 2 )..‬‬
‫فتسمية هذا المنهج تختلف من ناقد إلى آخر فهو (منهج من ال يركن إلى منهج‬
‫وي ْمتَ ُح منها ما يفيد ويغني ويعمق‬
‫واحد‪ ،‬واّنما من يغمس قلمه في ك ّل المناهج والمحابر‪َ ،‬‬
‫النص الّذي بين يديه)‪.3‬‬
‫ّ‬
‫وهناك من وصف هذا المنهج بأنه توفيقي تلفيقي‪ ،‬ومتبع هذا المنهج في نظرهم ال‬
‫النص بصورة مشوشة غير‬
‫يكون وفيا لكل المناهج التي يعتمدها بنفس التوازن‪ ،‬فهو يحلل ّ‬
‫مستقرة‪ ،‬ومن ثمة تجده قد يميل ميال إلى منهج دون آخر‪ ،‬ويرى نعيم اليافي أن هناك‬
‫‪4‬‬
‫شروطا ضرورية الستيفاء المنهج التكاملي‪.‬‬
‫‪ ‬شروطه‪:‬‬
‫‪ -1‬الموسوعية‪ :‬إذ ينبغي للناقد أن يكون ملما موسوعيا يتمتع بمعارف مختلفة وكافية‪ ،‬ألن‬
‫النص يشمل النفسي واالجتماعي والتاريخي واألدبي والفلسفي‪ ،‬وبذلك يجب على الناقد أن‬
‫ّ‬
‫يحوز ثقافة واسعة‪.‬‬

‫الموقع اإللكتروني‪https//Ramadanellog.wordpress. :‬‬ ‫‪1‬‬

‫مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫نعيم اليافي‪ :‬في النقد التكاملي‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫‪3‬‬

‫مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬ص‪11‬؛ نقال عن نعيم اليافي‪ :‬النقد التكاملي حوار األسئلة واألجوبـة اتحـاد الكتـاب العـرب‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫سوريا‪ ،‬كانون الثاني‪ ،‬وشباط وآذار‪.1881 ،‬‬


‫‪- 71 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثامنة‬

‫‪ -2‬االنفتاح‪ :‬وما دام الناقد يسعى أن يكون موضوعيا فال ينبغي أن يعتمد على منهج واحد‬
‫بل عليه أن ينفتح على جميع المناهج‪.‬‬
‫‪ -3‬االنتقائية‪ :‬وال يمكن للناقد مهما كان موسوعيا أن يفرع ك ّل معرفته في نص واحد‪ ،‬ومن‬
‫ثمة يجد نفسه مضط ار للفرز واالنتقاء‪.‬‬
‫النص ينتقل إلى مرحلة ضرورية وهي القيام بعملية تركيب‬
‫‪ -4‬التركيب‪ :‬والناقد بعد معالجة ّ‬
‫العناصر‪.‬‬
‫‪ -5‬ال ّنصية‪ :‬وعلى الناقد أن ينظر إلى ك ّل نص من زاوية طبيعته الفنية المتميزة وأن ينظر‬
‫للنص التاريخي واألدبي‬
‫إلى ك ّل نص من زاوية تلك الخصوصية‪ ،‬حيث ال يمكن أن ينظر ّ‬
‫والفلسفي من نفس الزاوية‪.‬‬
‫وقد بدأت الدعوة في مجال النقد إلى هذا المنهج في نهاية األربعينات على يد سيد‬
‫قطب وشكري فيصل‪ ،‬وهو منهج ال يحصر نفسه في منهج جامد أو منهج محدد‪ ،‬ومنذ بداية‬
‫الستينات بدأ بعض النقاد يروجون لهذا المنهج أيضا‪ ،‬ومن هؤالء الناقد شوقي ضيف‪.1‬‬
‫ومن النقاد اآلخرين الّذين ساروا على هذا المنهج محمد الصادق عفيفي‪ ،‬ومحمد‬
‫مصطفى هدارة‪.‬‬
‫وحذر نقاد آخرون من اعتباطية المنهج ودعوا إلى التركيز على التكاملية بطرق‬
‫انتقائية صارمة ومحددة تتصف بالحيطة والحذر تفاديا لتحويل الدراسة إلى خليط من‬
‫المعلومات التي ال تخضع إلى أي ضابط أو نظام‪.‬‬

‫يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثامنة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬نعيم اليافي‪ :‬ولد في حمص سنة ‪ ،1861‬درس في مدارس سوريا‪ ،‬عرف بموسوعيته‪،‬‬
‫وهو أستاذ في األدب العربي الحديث بجامعة دمشق‪ ،‬درس في القاهرة وتحصل على اإلجازة‬
‫في األدب والماجستير والدكتوراه‪ ،‬وله ما يزيد على أربعة وعشرين كتابا منها‪ :‬الشعر بين‬
‫الفنون الجميلة‪ ،‬الشعر العربي الحديث‪ ،‬أوهاج الحداثة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬شوقي ضيف‪ :‬أ ديب مصري وعالم لغوي‪ ،‬كان رئيسا لمجمع اللغة العربية بمصر‪ ،‬ولد‬
‫في سنة ‪ ،1812‬توفي سنة ‪ ،1221‬من مؤلفاته‪ :‬العصر الجاهلي‪ ،‬العصر اإلسالمي‪،‬‬
‫العصر العباسي األول‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬الفن ومذاهبه في الشعر العربي وغير ذلك‬
‫من المؤلفات‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد مصطفى هدارة‪ :‬مفكر وأديب مصري وهو أستاذ جامعي‪ ،‬ولد سنة ‪ 1862‬وتوفي‬
‫سنة ‪ ،1889‬من مؤلفاته تيارات الشعر العربي‪ ،‬التجديد في شعر المهجر‪ ،‬مشكلة السرقات‬
‫في النقد األدبي‪ ،‬وغيرها من المؤلفات‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫المحاضرة التاسعة‬
‫ب‪ -‬المناهج النقدية النسقية‬
‫مدخل في مفهوم المناهج النسقية‬

‫‪ -4‬النقد الجديد‬
‫مفهومه وخلفياته المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫أسسه وخصائصه‬ ‫‪‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫ب‪ -‬المناهج النقدية النسقية‬


‫‪ ‬مدخل في مفهوم المناهج النسقية‬
‫تنشأ عبر التاريخ فلسفات متعددة فلسفة تقوم على أنقاض فلسفة أخرى‪ ،‬ولكل فلسفة‬
‫منظرون وأتباع وتالميذ‪ ،‬وذلك منذ عهد الفيلسوف سقراط ‪ Socratex‬وأفالطون ‪Platon‬‬

‫وأرسطو ‪ Aristote‬مرو ار بهيغل ‪ Hegel‬وديكارت ‪ Dicartes‬وغيرهم‪ ،‬ويتأثر األدب بهذه‬


‫الفلسفات‪ ،‬وتنشأ تيارات واتجاهات أدبية مختلفة‪ ،‬وتتعدد المناهج بتعدد طبيعة الرؤى الفلسفية‬
‫والفنية والفكرية التي يتصف بها تيار فكري معين يقول كلود روميرو "وراء ك ّل مذهب‬
‫فلسفته" "‪."Derrière chaque doctrine il y une philosophie‬‬
‫والمناهج النسقية هي مناهج علمية حداثية وتعتمد هذه المناهج على التجريد‬
‫النص لذلك أطلق عليها المناهج النصانية‪ ،‬فهي عكس‬
‫والموضوعية‪ ،‬وهي تركز على ّ‬
‫النص باالعتماد على العوامل الخارجية كالبيئة والتاريخ‪ ،‬وعلم‬
‫المناهج السياقية التي تعالج ّ‬
‫النفس وعلم االجتماع وغير ذلك من العوامل الخارجية‪.‬‬
‫النص وتبقى كما هي وفق‬
‫أما المناهج النسقية فهي تصب اهتمامها على النص ولغة ّ‬
‫منهج معين‪ ،‬فتدرس أنساق النص‪ ،‬وتعتمد على المحايثة اللغوية‪ ،‬أي دراسة اللّغة باللغة ومن‬
‫بين هذه المناهج النسقية الشكالنية والبنيوية والتفكيك وغير ذلك من المناهج األخرى‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫‪New criticisme‬‬ ‫‪ -1‬النقد الجديد‬


‫‪ ‬مفهومه وخلفياته المعرفية‪ :‬هي حركة نقدية أنجلو أمريكية سادت خالل النصف األول‬
‫من القرن العشرين أي زمن الثالثينات إلى نهاية الخمسينات‪ ،‬وشغلت العالم العربي لمدة‬
‫عقدين بعد ذلك‪ ،‬وفي سنة ‪1811‬م ظهر كت اب جون كرو رانسوم الذي كان عنوانه ‪The‬‬

‫‪ new criticisme‬وأصبح هذا العنوان اسما لهذه المدرسة كلها "النقد الجديد"‪ ،‬وقد اختلف‬
‫النقاد في ترجمة اسم هذه المدرسة‪ ،‬فتارة ترجموها إلى مدرسة النقد الجديد‪ ،‬وتارة أخرى أطلقوا‬
‫عليها مدرسة النقد الحديثة‪.‬‬
‫والنقد الجديد هو المحطة األساسية السابقة مباشرة لنقد الحداثة من بنيوية وما بعد‬
‫بنيوية‪( ،‬وقد تلتبس أحيانا التسمية األنجلو أمريكية ‪ The new criticisme‬بنظيرتها الفرنسية‬
‫حيث شاع مصطلح النقد الجديد بصيغته الفرنسية ‪ 1 ) Nouvelle critique‬في الستينات من‬
‫القرن الماضي في العالم العربي‪( ،‬يرى المهتمون بتاريخ النقد الجديد ّأنه يعود إلى أز ار باوند‬
‫‪ E.Pound‬ومقوالته المبعثرة أيام جماعة "نادي الشعراء" في لندن عام ‪ ،1829‬وأن أشهر‬
‫ممارسيه المؤسسين توماس ستيرنز إليوت وايفور أرمسترونغ ريتشاردز‪ ،‬ويضاف أحيانا إليهم‬
‫فرانك ريموند ليفيز عن الجانب البريطاني‪ ،‬وعن الجانب األمريكي ك ّل من جون كروا رانسوم‪،‬‬
‫وألن تيت‪ ،‬وروبرت بين وارين وكليانث بروكس وويليام كيرنز ومزات [‪ ]...‬ومن األسماء التي‬
‫أطلقت على األمريكيين النقاد الجنوبيين والنقاد الريفيين والنقاد الهاربين على أن االسم الّذي‬
‫‪2‬‬
‫استقر هو النقاد الجيد"‬
‫وواجه النقد الجديد رفضا عنيفا من نقد الحداثة‪ ،‬حيث جعل هؤالء همهم هدم النقد‬
‫الجديد‪ ،‬على الرغم من عدم تقديم البديل له‪ ،‬أو بدائل مقنعة‪ ،‬والذي يؤاخذ به النقد الجديد‬

‫يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1229 ،1‬ص‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫بيجان الرويلي وسعد البازعي‪ :‬دليل النقاد األدبي‪ ،‬ص‪.616‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫هو ّأنه يتجاهل السياق التاريخي والعوامل المحيطة الخارجية‪ ،‬مع إهماله للمؤلف والقارئ‪،‬‬
‫ويؤخذ عليه ّأنه ال يناسب إال النخبة فهو دكتاتوري السياق‪ ،‬ألنه يتعلق باألستاذ العالم وال‬
‫يهتم بالطالب المتدرب‪ ،‬ويقال عنه ّإنه نقد ميكانيكي‪ ،‬يجد ما يطلبه في ك ّل نص يختاره‪ ،‬فهو‬
‫يختار عادة ما يتناسب مع أدواته ومقوالته‪ ،‬ويفضل الشعراء الميتافزيقيين على غيرهم‪،‬‬
‫النصوص المطولة كالرواية‬
‫ويقتصر على القصيدة الغنائية‪ ،‬وهو يفشل في التعامل مع ّ‬
‫والمسرحية‪.1‬‬
‫ولم ينشأ النقد الجديد من فراغ ولم ينته إلى فراغ‪ ،‬فهو امتداد للفلسفة التجريبية المادية‬
‫الغربية‪ ،‬وتمرد عليها في آن واحد أي الدعوة إلى األخذ بالمنهج العلمي ورفض المادية‪ ،‬وهو‬
‫أيضا ثورة على الرومانسية التي تركز على الذات أي األنا‪ ،‬ألن النقد الذي يدعو إليه النقد‬
‫الجديد هو داخل النص‪ ،‬داخل اإلبداع‪ ،‬وهو بعيد عن ذات المبدع والمتلقي‪ ،‬باستثناء‬
‫ريتشاردز ‪ ،richards‬الذي يهتم بذات المبدع‪ ،‬متأث ار بإنجازات علم النفس الباهرة آنذاك‬
‫نظريات فرويد‪ ،‬والنقاد الجدد يعنون بالتجربة اإلنسانية سواء أكانت نابعة من األرشيف‬
‫الذهني للشاعر أم عن طريق اإلدراك الحسي‪ ،‬والقصيدة تخضع عندهم للتحليل الموضوعي‬
‫أي العلمي من ناحية البناء ومعطيات الشكل وهذه نقطة لقاء بين النقاد الجدد والشكالنيين‪،‬‬
‫وكذلك المضمون يخضع لتفكيك وتحليل التجربة اإلنسانية‪ ،‬واعادة بنائها من جديد "عملية‬
‫الهدم والبناء"‪ ،‬وهو الدعوة إلى العودة إلى الداخل في مقابل الخارج الذي توقف عنده بندول‬
‫الثنائية ثنائية الداخل والخارج‪.‬‬
‫وقد وقع النقاد الجدد في مأزق وانشطرت آراؤهم في الشعر‪ ،‬فمعنى القصيدة لديهم‬
‫يمكن أن يشير مرة إلى العالم الخارجي أو إلى الدوافع اإلنسانية الداخلية أو إلى المشاعر‬
‫والعواطف اإلنسانية أو إلى التنويعات األخالقية أو إلى التنظيم المنطقي للنص ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫ميخان الرويل وسعد البازعي‪ :‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪.619‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫وقد تواتر مصطلح النقد الجديد بغير داللته األنجلو سكسونية‪ ،‬ليكون عنوانا للمناهج الجديدة‬
‫بنيوية‪ ،‬سيميائية‪ ،‬موضوعاتية‪ ....‬إلخ‪ ،‬وهناك بعض الكتابات النقدية الفرنسية سعت إلى‬
‫إزالة اللبس بين التسمية اإل نجليزية والتسمية الفرنسية عن طريق أداة التعريف الفرنسية ‪Le‬‬

‫‪ new criticism‬للداللة على النقد الجديد في صبغته األنجلو أمريكية‪ ،‬بينما تمحض للصيغة‬
‫الفرنسية عبارة ‪ La nouvelle critique‬وقد أسهم ‪ T.S.Iliot‬بنظرية المعادل الموضوعي‪،‬‬
‫(واليوت بعد ذلك صاحب فكرة المعادل الموضوعي‪ ،‬وقصده بها أال يعبر الكاتب عن آرائه‬
‫تعبي ار مباشرا‪ ،‬بل يخلق عمال أدبيا فيه مقوماته الفنية الداخلية التي تكفل فنيا تبرير‬
‫األحاسيس واألفكار لالقتناع‪ ،‬بحيث ال يحس المرء أن الكاتب يفضي إليه بذات نفسه بإثارة‬
‫المشاعر المباشرة دون تبرير لها) ‪. 1‬‬
‫ويوضح إليوت المعادل الموضوعي قائال (الطريق الوحيد للتعبير عن االنفعال في‬
‫صورة فنية‪ ،‬هي العثور على معادل موضوعي‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬على مجموعة من األشياء أو‬
‫على موقف‪ ،‬أو على سلسلة من األحداث تكون بمثابة صورة لالنفعال الخاص‪ ،‬بحيث متى‬
‫استوفيت الحقائق الخارجية التي يجب أن تنتهي إلى تجربة حسية‪ ،‬وا ّن االنفعال يثار إثارة‬
‫مباشرة) ‪.2‬‬
‫‪ ‬أسسه وخصائصه‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة النص األدبي انطالقا من النص ذاته‪ ،‬إذ منه االنطالق واليه الوصول دون‬
‫اعتبار لقصدية الناص أو وجدان المتلقي‪.‬‬
‫‪ -1‬اتخاذ القراءة الفاحصة‪ :‬وهي الوسيلة التحليلية المركزية في دراسة النص‪ ،‬وهي تتقصى‬
‫معجم النص وتراكيبه اللغوية والبالغية ورموزه واشاراته‪ ،‬وكل العناصر الجوهرية التي تضيء‬
‫داللته وتفكك مغاليقه أي بحث النصوص مفردة بعيدا عن بيئتها الثقافية واالجتماعية‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫غنيمي هالل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،1891 ،‬ص‪.616‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪ .616‬نقال عن‪T.S.Mlidm Dacred wood,1928, p100. :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫‪ -6‬االهتمام بالطبيعة العضوية للنص‪ ،‬ودراسته باعتباره وحدة عضوية متجانسة العناصر‪،‬‬
‫وقد أخذ النقد الجديد فكرة الوحدة العضوية عن الشعراء الرومانسيين‪ ،‬وهم يعتبرون النص‬
‫كائنا لغويا كالكائن النباتي أو الكائن الحيواني‪ ،‬يمثل هذا الكائن اللغوي بنية متجانسة مستقلة‬
‫عن الظروف والمؤثرات المحيطة‪ ،‬وهو وحدة كلية متداخلة يستحيل فصل شكلها عن‬
‫مضمونها ويتساءل اآلن تيت ‪ Alain Tite‬هل في اإلمكان التمييز القاطع بين اللغة‬
‫والمضمون؟ أليس المضمون واللغة شيئا واحدا؟‬
‫‪ -1‬االهتمام بالتحليل العلمي للنص والحذر من اإلسراف في إطالق األحكام السيما تلك‬
‫التي تعوزها األدلة التعليلية والحيثيات النصية‪.‬‬
‫‪ -1‬نبذ االلتزام ورفض استخدام األدب وسيلة لغاية رسالية معينة اجتماعية‪ ،‬سياسية‪،‬‬
‫أخالقية‪....‬إلخ‪.‬‬
‫وقد ازدادت هيمنة النقد الجديد في مرحلة ما بعد الحرب الثانية‪ ،‬لكنه فتر بعد ذلك‬
‫مع نهاية الخمسين ات وبدأ االعتقاد بانتهاء النقد الجديد وقد أجمعت االنتقادات على ضيق‬
‫أفق النقد الجديد لتجاهله للسياق التاريخي والعوامل الخارجية وعدم اهتمامه بالمؤلف والقارئ‪،‬‬
‫وقد انتقل النقد الجديد إلى الوطن العربي في نهاية الخمسينات وبداية الستينات‪ ،‬نقله النقاد‬
‫المتغلغلون في أوساط الثقافة اإلنجليزية وعلى رأسهم الدكتور رشاد رشدي‪ ،‬وهو دكتور‬
‫مصري في األدب اإلنجليزي ‪ ،‬وقد آزره طالبه في جهوده تلك‪ ،‬حيث نشر محمد عناني النقد‬
‫التحليلي عن بروكس‪ ،‬ونشر سمير سرحان النقد الموضوعي عند ماتيو أرنولد ‪،M.Arnold‬‬
‫ونشر عبد العزيز حمودة كتابه علم الجمال عن كروتشي ‪ ،Croce‬ونشر فايز إسكندر النقد‬
‫النفسي عن ريتشاردز ‪.Richards‬‬
‫ومن األسس التي يقوم عليها هذا المنهج ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬النظر إلى النص األدبي على أنه ليس نسخة من الواقع‪ ،‬بل هو كيان مستقل عن‬
‫المؤثرات الخارجية سواء في ذلك البيئة االجتماعية أو التكوين السيكولوجي للفنان‪ ،‬ويرى‬
‫أصحاب هذا النقد ّأنه ينبغي أن يتوفر للناقد الحس الفني المرهف بالجمال‪ ،‬وبقدر ما يكون‬
‫‪- 79 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫عمق إحساس الناقد بالجمال بقدر ما تكون قوة نقده إذ ليس المهم اإللمام بالقواعد أو‬
‫تعريفات الجمال‪ ،‬أو األسس الذهنية العامة‪ ،‬إذ القيمة ك ّل القيمة لرهف المزاج الفني‪.1‬‬
‫‪ -‬التركيز على أدبية األدب واالنطالق من النص‪ ،‬ألن للنص األدبي حياته وروحه العامة‬
‫التي ال تأتي من الخارج‪ ،‬ويؤكد أحد الدارسين هذه الخاصية بمنطق رياضي‪:‬‬
‫(أ) قد تؤدي إلى (ب) ولكن معنى (ب) غير معني (أ) بمعنى أن الخارج ال يتعلق‬
‫بالنص‪ ،‬ويضرب ناقد آخر مثاال علميا ويتساءل هل نقول‪ :‬إن الماء الذي هو أوكسجين‬
‫وه يدروجين يحمل خصائص أي عنصر من عنصريه المكونين له؟ وهل ألثره عالقة بأثر‬
‫أي منهما؟ إننا نرى على العكس ‪ H+O2‬الماء ‪ Ho2‬أن أثره في اإلطفاء يناقض أحد‬
‫عنصريه في االشتغال‪.‬‬
‫‪ ‬مالحظة‪:‬‬
‫إن الداخل الذي يدعو إليه النقاد الجدد يبقى غامضا جدا ويوقعهم في الكثير من‬
‫التناقضات‪ ،‬فالتجربة اإلنسانية هي داخل النص لديهم وهي تأتي من األرشيف الذهني أو‬
‫اإلدراك الحسي وهم يسعون إلى تحليلها وهدمها واعادة بنائها لتكون القصيدة عمال مفردا‪،‬‬
‫وتبقى داللة تلك التجربة ممثلة في نسق القصيدة اللغوي والتركيبي والتنظيمي‪.‬‬

‫غنيمي هالل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬ص‪.611‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة التاسعة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬جان كرو رانسوم‪1874-1888( :John Crowe Ransom :‬م)‪ :‬شاعر وكاتب وناقد‬
‫أدبي من الواليات المتحدة‪ ،‬متخصص في األدب الكالسيكي نال عدة جوائز‪ ،‬وهو عضو في‬
‫األكاديمية للفنون واآلداب‪ ،‬تعلم في كنيسة المسيح أكسفورد ‪ ،Exford‬كان مدرسا وعالما‬
‫وناقدا وأديبا وشاع ار وكاتبا ومحررا‪ ،‬ويعتبر مؤسس مدرسة النقد الجديد‪ ،‬كان مناهضا‬
‫للرومانسية عمل على إرساء أسس العلمانية‪ ،‬ساهم في النقد التحليلي لألدب منذ ثالثينات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬مع توماس ستيرنس إليوب ‪ ،T.S Iliot‬كلينث بروكس ‪،Cleanth Brooks‬‬
‫ألين تيت ‪ Alain Tate‬في الواليات المتحدة أثناء األربعينات وحتّى أوائل الستينات‪ ،‬من أهم‬
‫كتبه في النقد "مبادئ النقد األدبي" وقد أثار الكتاب جدال واسعا في النصف الثاني من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬باإلضافة إلى كتابه "معنى المعنى"‪ ،‬وهو يتناقض مع المدرسة الشكالنية التي‬
‫النص الّذي تبناه النقاد الجدد‪.‬‬
‫تهمل الجانب اإلنساني االنفعالي من ّ‬
‫‪ -2‬توماس ستيرنس اليوت ‪ :T.S Iliot‬ولد في الواليات المتحدة (‪ )1999‬وتوفي سنة‬
‫‪ 1811‬م شاعر ومسرحي‪ ،‬وناقد أدبي‪ ،‬حاز على جائزة نوبل في األدب سنة ‪1819‬م‪ ،‬من‬
‫أهم قصائده‪ :‬األرض الخراب الرجال الجوف‪ ،‬أربعاء الرماد‪ ،‬والرباعيات األربع‪ ،‬ومن‬
‫مسرحياته‪ :‬جرعة في المكان‪ ،‬وحفلة كوكتيل‪ ،‬بدأت شهرته عندما انتقل إلى إنكلترا‪ ،‬وهو من‬
‫الشعراء المقلين رغم شهرته‪ ،‬وذلك ألنه كان يريد لكل عمل من أعماله أن يكون نموذجيا‪،‬‬
‫درس اليونانية القديمة‪ ،‬والالتينية والفرنسية واأللمانية‪ ،‬ودرس الفلسفة‪.‬‬
‫‪ -3‬ألين تيت ‪1878-1888( :Alain Tate‬م)‪ :‬شاعر وكاتب وأستاذ جامعي وناقد أدبي‬
‫من الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬التقى مع إليوت‪ ،‬نشر أول كتاب له في الشعر "السيد بوب‬
‫وقصائد أخرى"‪ .‬نشر سيرة ذاتية‪ ،‬وهو أول طالب جامعي يدعى لالنضمام إلى مجموعة من‬
‫الرجال الّذين كانوا يجتمعون بانتظام لقراءة ومناقشة شعرهم في الكلية‪ ،‬ومن بين هؤالء جان‬
‫كرو رانسوم‪ ،‬دونالد ديفيدسون‪ ،‬وله شعر كثير وهو ناقد بارز‪.‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫المحاضرة العاشرة‬
‫‪ -0‬الشكالنية‬

‫نشأة المدرسة الشكالنية‬ ‫‪‬‬


‫مبادئ الشكالنية وخلفياتها المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫مواصفاتها‬ ‫‪‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة العاشرة‬

‫‪Formalisme‬‬ ‫‪ -2‬الشكالنية‬
‫‪ ‬نشأة المدرسة الشكالنية‪ :‬وجد الشيوعيون الروس أنفسهم بعد الثورة الشيوعية سنة‬
‫‪ 1819‬في مواجهة حقيقية مع التخلف الحضاري الذي عم روسيا أثناء الحكم القيصري‪،‬‬
‫بينما ساد التطور الفكري والصناعي أرجاء أوربا‪ ،‬وذلك بفضل االختراعات واالبتكارات‬
‫العلمية المادية‪.‬‬
‫أما في روسيا فكان ا لبندول يتحرك بين الداخل والخارج‪ ،‬بين الحقيقة الخارجية المادية‬
‫والحقيقة الداخلية الشعرية‪ ،‬وتحول البندول للتوقف عند الخارج وقتا كافيا لتطور منهج نقدي‬
‫هو الشكالنية أو الشكلية‪( ،‬لم تكن حركة الشكالنيين الروس بعيدة عن كثير من األفكار‬
‫األساسية التي طرحتها مدرسة النقد الجديد في ك ّل األحوال‪ ،‬وعلى رأسها فكرة استقالل العمل‬
‫األدبي‪ ،‬وهي تعد الرافد الثاني لظهور المدرسة البنائية على اختالف اتجاهاتها) ‪.1‬‬
‫‪ ‬مبادئ الشكالنية وخلفياتها المعرفية‪:‬‬
‫تعنى الشكالنية بدراسة الشكل الفني وتتجاهل بصورة شبه كلية المضمون‪( ،‬ومن‬
‫التيارات المماثلة التي انطلقت من منظور المنهج الشكلي‪ ،‬تيار الشكالنيين الروس‪ ،‬الّذين‬
‫اهتموا بالشكل‪ ،‬وانتصروا له‪ ،‬و ْأولَ ْوهُ عناية بالغة) ‪.2‬‬
‫وأصحابها يميزون بين اللغة الشعرية االنزياحية المجازية وبين اللغة العلمية أي اللغة‬
‫في درجة الصفر‪ ،‬وقد وضع رومان جاكبسون ست وظائف للغة كالتعبيرية‪ ،‬واالنتباهية‪،‬‬
‫ومنها الوظيفة الشعرية للغة‪ ،‬فهم يضعون الشكل في المقام األول في الدراسة النقدية أو‬
‫دراسة النصوص بشكل عام‪ ،‬ويرون بأن دينامية النص وحركيته تبدأ من المصدر األساسي‬
‫وهو اللغة فهم بذلك أقرب إلى البنيوية من غيرهم من المدارس النصانية‪ :‬األسلوبية‪،‬‬

‫عبــد الناصـر حســن محمــد‪ :‬نظريـة التوصــيل وقـراءة الــنص األدبــي‪ ،‬المكتـب المصــري لتوزيـع المطبوعــات‪ ،‬القــاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1888‬ص‪.11‬‬
‫فاطمة البريكي‪ :‬قضية التلقي في النقد العربي القديم‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة العاشرة‬

‫التفكيكية‪....‬إلخ‪ ،‬والشكالنية تبعد في دراستها لألدب كل العوامل غير األدبية مثل العوامل‬
‫التاريخية‪ ،‬والسيكولوجية‪ ،‬والسوسيولوجية‪.‬‬
‫تزامنت الشكالنية مع النقد الجديد ‪ New criticisme‬وهي حركة نقدية أنجلو أمريكية‪،‬‬
‫وهناك حركة نقدية ذات صبغة فرنسية ‪ Nouvelle critique‬وقد تأثر الشعر العربي المعاصر‬
‫بشكل عميق بالنقد الجديد‪.‬‬
‫وازدهرت الشكالنية في روسيا‪ ،‬وكان لها كتاب بارزون‪ ،‬وتناقضت مع الماركسية التي‬
‫تعنى بالمضمون عكس الشكالنية‪( ،‬وهي التعارض الجذري بين مبادئ الشكالنية الروسية‬
‫التي تحولت إلى دراسة الشكل الفني والتركيز عليه مع تجاهل شبه كلي للمضمون الّذي‬
‫كانوا يرفضون االعتراف بأهميته في المقــام األول) ‪.1‬‬
‫وتأسس في براغ جناح للشكالنية‪ ،‬أسسه باختين ‪ Bakhtine‬سنة ‪ ،1811‬وفي هذا‬
‫الوقت كان النقد الجديد يشتد ويتقوى في الغرب‪ ،‬ثم بدأ ينحسر شيئا فشيئا عندما ترجمت‬
‫أعمال الشكالنيين في روسيا وفي براغ‪ ،‬ومن أبرز أعالم الشكالنية رومان جاكسون‬
‫‪ R.Jackobson‬صاحب نظرية التواصل واالتصال‪ ،‬تزفيتان تودوروف ‪ ،T.Todorov‬باختين‬
‫‪ ،Bakhtine‬ميدفيديف ‪ Medvedev‬شلوفسكي ‪ ،Chlovsky‬ماياكوفسكي ‪،Mayakovsky‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬هؤالء كلهم كتبوا في الشكالنية وتناولوا موضوع الشعرية أو أدبية األدب أو‬
‫اإلنشائية‪ ،‬وقد انضم جاكبسون إلى جناح براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا‪ ،‬كما انضم غيره من‬
‫الشكالنيين إلى هذا الجناح‪.‬‬
‫‪ ‬مواصفات الشكالنية‪:‬‬
‫وقد وصل هذا المنهج بالشكالنيين إلى إنكار رسالة األدب‪ ،‬فاألدب لديهم ال ينبغي‬
‫أن يحمل موضوعا باإلضافة إلى التناقص مع الماركسية‪ ،‬وتحمسوا إلى العلمية والعلمانية‬
‫والتطبيقات التكنولوجية‪ ،‬وانطلقوا من العلم إلنشاء علم األدب‪ ،‬ويتلخص منهج هذه المدرسة‬

‫عبد العزيز حمودة‪ :‬المرايا المحدبة‪ ،‬مجلة المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ،161‬أفريل ‪ ،1889‬ص‪.112‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة العاشرة‬

‫في قول وليام كارلوس وليامز ‪ W.C.Williams‬في إحدى قصائده‪ :‬دعونا نقدم تصريحين‬
‫جريئين‪ ،‬اآللة ال تعرف العاطفة‪ ،‬والقصيدة آلة صغيرة أو كبيرة مصنوعة من الكلمات‪ ،‬وحين‬
‫أقول إن القصيدة ال تعرف العاطفة‪ ،‬فإنني أقصد كما أنه في اآللة ال يوجد جزء زائد ال يوجد‬
‫شعر متميز دون شكل مستحدث‪ ،‬ألن األعمال األدبية يتحقق معناها الدقيق عن طريق‬
‫الشكل وهي في ذلك تشبه اآللة إلى أقصى حد‪.‬‬
‫فالشكالنية تدرس ظاهر األدب وليس جوهره‪ ،‬ويركز جاكبسون على أدبية األدب‬
‫الشعرية ‪ La poétique‬وهي موضوع نقدي لم يكتمل بعد‪ ،‬وكان هدف الشكالنيين البحث عن‬
‫خصائص مستمدة من األدب نفسه ليكون العمل عمال أدبيا‪ ،‬وقد ورد مصطلح الشعرية عند‬
‫النقاد العرب القدماء‪ ،‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬سيبويه‪ ،‬حازم القرطاجني‪ ،‬وغيرهم بألفاظ‬
‫مختلفة‪ :‬كالتخييل‪ ،‬االنزياح‪ ،‬االنحراف‪ ،‬التوسع‪ ،‬االتساع‪ ،‬العدول‪ ،‬معنى المعنى‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من األلفاظ المعبرة عن الشعرية‪.‬‬
‫وعند المحدثين‪ :‬الشعرية‪ ،‬الشاعرية‪ ،‬اإلنشائية‪ ،‬أدبية األدب‪ ،‬السردية‪....‬إلخ‪ ،‬ومن‬
‫النقاد المحدثين عبد اهلل م حمد الغذامي‪ ،‬وكمال أبو ديب‪ ،‬نصر أبو زيد‪ ،‬محمد مفتاح‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وال تتفق الشكالنية مع الرومانسية ألن األولى تتجه إلنجازات العلم‪ ،‬أما الثانية فتتجه‬
‫إلى الذات الشاعرة‪ ،‬والشكالنيون يسعون إلى علمنة الشعر واللغة هدفهم‪ ،‬وذلك باتباع أسلوب‬
‫تقني‪ ،‬أما الرومانسيون فيرون أن اللغة ينبغي أن تبتعد عن دنس الحضارة وتعقيدات العلم‪.‬‬
‫وكانت الشكالنية تمهيدا لنشأة البنيوية وقد نعتتها بعض الدراسات بالبنيوية السوفياتية‬
‫إذ ال اختالف بينهما‪ ،‬وقد تأثر الشكالنيون بدراسات العالم اللغوي فرديناند دوسوسور وهو‬
‫نمساوي‪ ،‬واذا كان الخارج هو المنطلق في الدراسة عند الشكالنيين‪ ،‬فهم بذلك يتسلحون‬
‫بأدوات مناهج التفكير العلمي في التعامل مع النصوص اإلبداعية ويستقلون عن األنظمة‬
‫األخرى أي حقائق التاريخ واالجتماع واالقتصاد وغيرها‪ ،‬فالناقد عند الشكالنيين ينبغي أن‬
‫يواجه الظروف الخارجية التي تنتج في إطارها هذه النصوص‪ ،‬وقد اتجه الشكالنيون إلى‬
‫‪- 85 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة العاشرة‬

‫فصل األدب والدراسة األدبية عن باقي الحقول المعرفية المجاورة والمعرقلة كعلم النفس‬
‫واالجتماع والتاريخ وينبغي أن ندرك أن منطلقها هو تلك المحاضرات التي قدمها دوسوسير‬
‫وهو أبو الدراسات اللغوية‪ ،‬تلك المحاضرات التي جمعها تالميذه في كتاب بعنوان‬
‫"محاضرات في اللسانيات العامة"‪ ،‬واألعمال األدبية عندهم ليست إبهاما غامضا كالرمزيين‬
‫مثال أو السرياليين أو أعماال ناتجة عن سيكولوجية المؤلف‪ ،‬بل هي طرائق وأشكال لإلدراك‪،‬‬
‫وهم يركزون بشدة على أدبية األدب‪( ،‬وبهذا يكون البحث منصبا على أدبية األدب بوصفه‬
‫لغة من دون التأمل في التجليات الفلسفية والنفسية والجمالية واإليديولوجية المنبثقة عنه‪ ،‬وقد‬
‫دعموا وجهة نظرهم هذه باللسانيات الحديثة التي عاصرت النتاج الشكالني) ‪ ،1‬ومع ذلك فإن‬
‫جاكسون قد عبر عن تحرجه إزاء تحديد مفهوم جامد للشعر في المدرسة الشكالنية‪ ،‬فهو‬
‫يقول ف ي كتابه قضايا الشعرية (ال توجد أسوار صينية بين الشعر والحياة وبين الشعر‬
‫والمرجع وبين الشعر والمبدع وبين الشعر والمتلقي وبين الشعر وباقي الفنون وبين الشعر‬
‫والهموم اإلنسانية) ‪.2‬‬
‫وقد واجهتها أثناء تطورها مسألة تاريخية األدب‪ ،‬فاضطرت الشكالنية أن تربط بين‬
‫النص في فترة معينة وبين نصوص موجودة قبله‪ ،‬بعد أن كانت الشكالنية تنظر إلى النص‬
‫من الناحية الدياكرونية ‪ Diachronique‬تلقي األعمال األدبية عبر التاريخ‪ ،‬وكذلك من‬
‫الناحية السانكرونية ‪ Synchronique‬أي نظام األدب في نقطة معينة من الزمن‬
‫وقد أدى إهمال المناهج السياقية للنص والقارئ إهماال تاما‪ ،‬والقاؤها بكل تركيزها‬
‫على المؤلف والمبدع والسياق الذي أنتج فيه النص إلى الثورة وبروز اتجاه آخر يدعو إلى‬
‫االهتمام بالنص بوصفه أساس العملية األدبية‪ ،‬فظهر عدد من المناهج النقدية التي ركزت‬
‫على دراسة النص نفسه‪ ،‬وهي المناهج النصانية‪.‬‬

‫حســن نــاظم‪ :‬مفــاهيم شــعرية د ارســة مقارنــة فــي األصــول والمــنهج‪ ،‬المؤسســة العربيــة للد ارســات والنشــر‪ ،‬بيــروت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1226‬ص‪.119‬‬
‫رومان جاكسون‪ :‬قضايا الشعرية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الولي ومبارك حنون‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،1899 ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة العاشرة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬رومان جاكبسون ‪ :Roman Jackobson‬ولد سنة ‪1981‬م بموسكو‪ ،‬كان مهتما منذ‬
‫سنواته األولى بالدراسات اللغوية واللهجات والفلكور‪ ،‬وق أر أعمال دوسوسير وهوسيرل‪.‬‬
‫أسس "النادي اللساني بموسكو" مع نخبة من طالبه سنة ‪1811‬م ومن هذا النادي‬
‫ثم انتقل إلى براغ وأسس سنة ‪" 1812‬النادي اللساني ببراغ"‬
‫تولدت مدرسة الشكالنيين‪ّ ،‬‬
‫واحتضن هذا النادي المناهج البنيوية في البحوث اإلنشائية والصرفية‪ ،‬ووظائف األصوات‪،‬‬
‫ثم إلى أمريكا فدرس في‬
‫رحل إلى عدة بلدان أوروبية من أجل الدراسة وانجاز األبحاث‪ّ ،‬‬
‫نيويورك وتعرف إلى ليفي شتراوس ‪ Lévi-Straus‬ومن أعماله‪:‬‬
‫قضايا الشعرية‪ ،‬محاضرات في الصوت والمعنى‪ ،‬نظرية التواصل‪.‬‬
‫‪ -2‬ماياكوفسكي‪ ).183-1883( Mayakovsky :‬شاعر وكاتب روسي ولد في جورجيا‪،‬‬
‫أتقن اللّغة الجورجية والروسية األصلية‪ ،‬تعرف في موسكو على الفكر الماركسي‪ ،‬كتب‬
‫العديد من المسرحيات والقصائد‪ ،‬ومات منتحرا‪ ،‬سنة ‪1862‬م‪ ،‬من أعماله البارزة‪ :‬صفعة‬
‫على وجه الرأي العام‪ ،‬غيمة في سروال‪.‬‬
‫‪ -3‬فيكتور شكلوفسكي ‪ )1884-1883( :Victor Chklovsky‬كاتب وأديب وناقد‬
‫روسي كتب العديد من المقاالت في الشكالنية الروسية وهو من ال ّشخصيات المرتبطة‬
‫بالشكلية الروسية‪ ،‬يعد أحد أهم المنظرين األدبيين في القرن العشرين‪ ،‬وانضم إلى جمعية‬
‫الشعرية التي انبثقت عنها الشكالنية الروسية‪.‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫المحاضرة الحادية عشرة‬
‫‪ -3‬البنيوية‬

‫التعريف بالبنيوية‬ ‫‪‬‬


‫خلفياتها المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫مميزاتها‬ ‫‪‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫‪ -3‬البنيوية ‪Structuralisme‬‬
‫‪ ‬التعريف بالبنيوية‪ :‬قامت البنيوية على أنقاض الشكلية الروسية أو هي الوجه اآلخر‬
‫للشكالنية‪ ،‬ويمكن القول بأنها نسخة مطورة من الشكالنية الروسية الشتراكهما في الحماس‬
‫للمنهج العلمي التجريبي‪ ،‬أو بعبارة أخرى هي النتيجة النهائية للتنظير الشكالني‪ ،‬ولشدة‬
‫ارتباط الشكالنية بالمنهج البنيوي نعتت الشكالنية بالبنيوية الروسية‪( ،‬والواقع أن الفضل بعده‬
‫يعود إلى جهود ما يعرف بالشكليين‪ ،‬أو الشكالنيين الروس الذين بذلوا جهودا كبيرة منذ‬
‫مطلع القرن العشرين من أجل تخليص النقد األدبي من النظرة األحادية وركزوا على أن‬
‫لألدب استقالليته وتميزه‪ ،‬وظهرت جهودهم من خالل مؤسستين هما جمعية دراسة اللّغة‬
‫الشعرية في سانت بطرسبرغ والدائرة اللغوية في موسكو) ‪. 1‬‬
‫‪ ‬خلفياتها المعرفية‪ :‬ومن الصعب تمييز أشكالها المتعددة‪ ،‬ولكنها تتحد في قاسم مشترك‬
‫وهو التمسك بالمنهج العلمي‪.‬‬
‫كانت محاضرات العالم اللغوي دوسوسير منطلقا للدراسات البنيوية‪ ،‬وقد ظهرت في‬
‫العشرينات من القرن الماضي‪ ،‬ولم تجد صداها في الساحة النقدية‪ ،‬وظلت أفكار دوسوسير‬
‫وليفي شتراوس ‪ Lévi-Strauss‬في المنهج البنيوي ال تجذب االنتباه‪( ،‬كانت أفكار العالم‬
‫اللغوي السويسري الشهير دوسوسير هي المنطلق لهذه التوجيهات‪ ،‬ألن مبادئه التي أمالها‬
‫على تالميذه في كورس الدراسات اللغوية في جنيف كانت تمثل البداية المنهجية للفكر‬
‫البنيوي في اللّغة وذلك عبر مجموعة من الثنائيات المتقابلة التي يمكن عن طريقها وصف‬
‫األنظمة اللغوية) ‪.2‬‬
‫وكان ألفكار سارتر الحرة تأثير أكبر من البنيوية ألن البنيوية جبرية تعمل على سجن‬
‫اللغة وتجعلها في دائرة مغلقة‪ ،‬وم ن هذه المحدودية للبنيوية فإن الشعرية التي تشترط‬
‫الفضاءات الالمحدودة ال تجد أجواءها الحقيقية في هذه المدرسة التي ال تتسع لها‪.‬‬

‫مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫وقد دعا جاكبسون على الرغم من كونه لسانيا إلى الوظيفة الشعرية للغة‪ ،‬وهو الذي‬
‫أبدع مصطلح البنيوية عام ‪1818‬م‪ ،‬والمشروع البنيوي يركز على األنساق الداخلية للغة‬
‫النص‪ ،‬وأصحاب هذه المدرسة يرفضون دور المؤلف وينادون بموته كما يرى روالن بارث‬
‫‪ R. Barthes‬موت المؤلف‪ ،‬وهو من أقطاب البنيوية‪.‬‬
‫وقد أدى استخدام البنية عند البنيويين أثناء بحوثهم إلى رسم حدود بينهم وبين‬
‫الشعرية‪ ،‬وأول من استخدم كلمة بنية هو تينيانوف ‪ Tynianov‬وتبعه جاكبسون مستخدما‬
‫كلمة البنيوية‪.‬‬
‫وتبنى أصحاب هذه المدرسة المنهج العلمي الصرف منذ تأسيس البنيوية‪ ،‬وهم يرون بأنه‬
‫يمكن التعامل مع اللغة بصورة علمية محضة‪ ،‬ويمكن قياسها بالمعايير التجريبية‪ ،‬وقد‬
‫أعطت البنيوية السلطة المطلقة للنص‪( ،‬ولع ّل هذا التداخل المعقد هو ما جعل تعريف‬
‫البنيوية أم ار صعب التحديد حتّى بدت وكأنها تصور ذهني يستحيل تبيانه) ‪.1‬‬
‫ولم تفرض البنيوية نفسها على الساحة إال بشكل ضئيل‪ ،‬ولم تمض إال سنوات حتى‬
‫قام جاك دريدا ‪ Jacques Derrida‬بمحاضرة فاتحا الباب أمام التفكيك‪ ،‬وهدفه الشك في كل‬
‫شيء وكسر كل البنى بحثا عن الحقيقة‪.‬‬
‫والبنيوية ترفض عملية الربط بين النظام الداخلي للغة وكل نظام خارج عنها‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فقد تأثرت فيما بعد بالنقد الجديد عن طريق ريتشاردز الذي أدخل علم النفس واهتم‬
‫بالمبدع والمتلقي‪ ،‬والتقى في ذلك بالرومانسية‪ ،‬كما تأثر ريتشاردز بإليوت وبروكس وكذلك‬
‫نورثروب فراي الذي انتقل من النقد الجديد إلى البنيوية ويعتبر كتابه تشريح النص دراسة‬
‫بنيوية‪ ،‬وهو في هذا الكتاب لم ينفصل عن النقد الجديد‪ ،‬بل كان الكتاب نقطة التقاء بين‬
‫النقد الجديد والبنيوية‪ ،‬وأتاح اقتراب البنيوية من النقد الجديد االقتراب من الشعرية‪ ،‬ويمكن‬

‫عبـد اهلل محمـد الغـذامي‪ :‬الخطيئـة والتفكيـر مـن البنيويـة إلـى التشـريحية‪ ،‬الهيئـة المصـرية العامـة للكتـاب‪ ،‬مصـر‪( ،‬د‪.‬ط)‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1221‬ص‪.66‬‬
‫‪- 91 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫القول إ ن كتاب تشريح النص هو محاولة من البنيوية لالقتراب من الشعرية الناجمة عن‬
‫الوظيفة الشعرية للغة التي حددها جاكبسون من بين الوظائف الست للغة‪.‬‬
‫واإلشكالية التي تقع فيها البنيوية تتمثل في الداخل والخارج‪ ،‬الذات والموضوع‪ ،‬األنا‬
‫واآلخر "المتلقي"‪ ،‬غير أن معظم البنيويين مثل روالن بارث‪ ،‬الكان‪ ،‬ميشال فوكو‪ ،‬يتفقون‬
‫على إبعاد كل ما هو خارج عن النص واللغة كالمجتمع والذات واألنا‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫المؤثرات الخارج ة عن لغة النص‪ ،‬لتبقى البنية وحدها‪ ،‬أي اللغة كجسد هي الموضوع‪،‬‬
‫وأخطر ما تقع فيه البنيوية هي مشكلة المعنى وعدم القدرة على استنطاق داللة النص‪ ،‬وهم‬
‫يرون أن المعنى يشتق من النسق اللغوي وليس العكس‪( ،‬والبنيوية في منحاها المتميز‪ ،‬نظام‬
‫تحليلي‪ ،‬يعتمد على الدالالت والرموز واإلشارات في دراسة النص‪ ،‬ويقوم هذا النظام لدى‬
‫روادها على قاعدة علمية‪ ،‬يستعين بها القارئ في التعامل مع النص‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫النص‬
‫اللّغة التي كتب بها‪ ،‬أو المذهب الّذي ينتمي إليه‪ ،‬فيستوي تبعا لهذا النظام‪ ،‬أن يكون ّ‬
‫النص ال بنتاجه‪ ،‬فليست له‬
‫كالسيكيا أو من الشعر الحديث‪ ،‬فاالتجاه البنيوي يتعلق باستقبال ّ‬
‫افتراضات أولية يمليها على األديب لتحقيق نزعات سياسية أو مذهبية فكرية خاصة‪ ،‬خالفا‬
‫التجاهات النقد الماركسي والوجودي والرمزي‪ ،‬وعليه فليس ثمة أدب بنيوي بل هناك قراءة‬
‫بنيوية لنص من النصوص‪ ،‬فهو باختصار نظام استقبال موجه بقاعدة علمية) ‪.1‬‬
‫وتقع التفكيكية في المأزق نفسه‪ ،‬وتبقى الداللة غائبة عن الدارسين‪ ،‬ويرى الناقد عبد‬
‫العزيز حمودة بأنهم فشلوا في تحقيق المعنى ألنهم يتعاملون مع وحدات مفرغة من الداللة‬
‫أي استنطاق الوحدات واألنساق اللغوية المجردة الصماء‪ ،‬ويرى البنيويون أن النص يمتلك‬
‫بنية مركزية‪ ،‬وأن لغة النص تتكون من أنساق وأنظمة محددة‪ ،‬وأن وظيفة القارئ هي الكشف‬
‫عن شفرة النص وأنساقه المختلفة‪ ،‬ويصطنع البنيويون وسيلة للهروب من هذه اإلشكاالت‬
‫التي وقعوا فيها‪ ،‬فأرجعوا النص إلى األجناس األخرى غير األدبية كعلم النفس وعلم‬

‫محمود عباس عبد الواحد‪ :‬قراءة النص وجماليات التلقي‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1881 ،1‬ص‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫االجتماع‪ ،‬كما فعل كمال أبو ديب‪ ،‬على الرغم من تمسكه بتغليب المنهج في الدراسات‬
‫األدبية وغيرها‪ ،‬والمنهج عنده أهم من الموضوع فيقول أنا منهجاوي‪ ،‬وفي سنة ‪ 1898‬نشرت‬
‫الناقدة اللبنانية خالدة سعيد كتابها "حركية اإلبداع" الذي تضمن تحليال تناول أدونيس‬
‫والسياب‪ ،‬والملفت للنظر أن مقاالتها توضح رؤية حداثية لألدب وتتضمن البنيوية ال سيما‬
‫التطبيقية‪ ،‬ولم تعلن خاصة عن دخول البنيوية شأن كثير من النقاد العرب في تلك المرحلة‬
‫المبكرة‪ ،‬وقد مارست القراءة البنيوية من خالل تلك الدوائر أو المثلثات وفي نفس الفترة‬
‫ظهرت دراسة للناقد السوري كمال أبو ديب عنوانها "نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر‬
‫الجاهلي" ونشرت هذه الدراسة عام ‪ ،1899‬وكمال أبو ديب هو الناقد األكثر تمثيال لهذا‬
‫التوجه الشكالني في البنيوية ‪. 1‬‬
‫ويقوم تحليل الخطاب البنيوي على مجموعة من المستويات هي‪:‬‬
‫(المستوى الصوتي‪/‬المستوى المعجمي‪/‬المستوى الداللي‪/‬المستوى التركيبي)‪.‬‬
‫‪ ‬مميزاتها‪:‬‬
‫‪ -1‬جاء بوصفه رد فعل على المناهج التي تتعامل مع العمل األدبي من خارجه‪.‬‬
‫‪ -1‬اتكأ على ميراث سوسير والشكالنيين الروس‪.‬‬
‫النص‪.‬‬
‫‪ -6‬يدعو إلى دراسة الكيفية أو الهيئة التي بني عليها ّ‬
‫ثم‬
‫النص من عناصر مترابطة‪ ،‬إذا اختل أحدها تداعت بقية العناصر باختالله‪ّ ،‬‬
‫‪ -1‬يتكون ّ‬
‫ال يلبث أن ينتظم في نسق‪.‬‬
‫للنص ويغفل الدور الخارجي في تشكيل‬
‫‪ -1‬يحرص على البحث عن العالقات الداخلية ّ‬
‫النص‪.‬‬
‫ّ‬
‫النص حيويته‬
‫‪ -1‬كثي ار ما ولع بعض النقاد برسم الجداول ورصد اإلحصاءات ما أفقد ّ‬
‫وروحه وحوله إلى ما يشبه الجثة الهامدة‪.‬‬

‫سعد البازعي‪ :‬استقبال اآلخر‪ ،‬المركز الثقافي اعربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪.191-191‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫‪ -9‬أخذ يتسرب إلى النقد العربي منذ سبعينات القرن الماضي‪ ،‬ولكن تطبيقاته ما زالت تشكو‬
‫من اضطراب المصطلح‪ ،‬ومن التعسف في إلصاق ما قد ال يتالءم بالضرورة مع طبيعة‬
‫النص العربي‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪- 93 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬روالن بارث ‪ )1881-1815( Roland Brathes‬ناقد أدبي وفيلسوف ومنظر‬
‫اجتماعي فرنسي‪ ،‬ولد في شربورك‪ ،‬له أعمال متنوعة‪ ،‬أسهم في تطور المدارس النظرية‬
‫كالبنيوية‪ ،‬وعلم اإلشارات‪ ،‬والوجودية‪ ،‬والنظرية االجتماعية والماركسية وما بعد البنيوية‪ ،‬عمل‬
‫في اإلدارة العامة للعالقات الثقافية‪ ،‬أغلب كتاباته مقاالت‪ ،‬جمع بعضها في كتب أثناء حياته‬
‫وبعدها‪ ،‬ومن أهم أعماله‪ :‬الكتابة في درجة الصفر‪ ،‬أساطير‪ ،‬حول راسين‪ ،‬عناصر‬
‫النص وغيرها من المؤلفات‪.‬‬
‫السيمولوجية‪ ،S/Z ،‬سيطرة الدالالت‪ ،‬لذة ّ‬
‫‪ -2‬لوري تينيانوف‪ )1843-1884( Louri Tynianov :‬كاتب روسي شهير‪ ،‬ناقد‬
‫الرواية‬
‫أدبي‪ ،‬مترجم‪ ،‬كاتب سيناريو‪ ،‬وعضو هام في المدرسة الشكالنية الروسية‪ ،‬كتب في ّ‬
‫التاريخية‪ ،‬أصبح مدرسا لألدب الروسي في الجامعة‪ ،‬واهتم بتحليل أعمال بوشكين وغوغول‬
‫ودوستويفسكي‪ ،‬وله رواية مشهورة "المحروم" التي نالت انتشا ار واسعا‪ ،‬وأعمال أخرى كثيرة‪.‬‬
‫‪ -3‬نورثروب فراي ‪1886-1837( Northrop Frye‬م) ولد في كيبك‪ ،‬نال شهرة كبيرة‬
‫بكتابه "التماثل المخيف" عام ‪ ،1819‬عمل أستاذا في جامعة هارفرد‪ ،‬أول ناقد افترض‬
‫ثم طور التماثل المخيف‪ ،‬في "تشريح النقد"‪ ،‬ورأى في ذلك محاولة‬
‫نظرية منهجية للنقد‪ّ ،‬‬
‫لرؤية شاملة في نظرية ومبادئ وتقنيات النقد‪.‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫المحاضرة الثانية عشرة‬
‫‪ -1‬التفكيكية‬

‫التعريف بالتفكيكية‬ ‫‪‬‬


‫خلفياتها المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫مقوالت خاصة بالتفكيكية‬ ‫‪‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫‪ -4‬التفكيكية ‪Déconstruction‬‬
‫‪ ‬التعريف بالتفكيكية‪ :‬إن نقد التلقي من خالل نظرية التلقي ‪Théorie de la réception‬‬

‫لهانز رورت ياوس حقق شعبية واسعة في الجامعات األمريكية وصلت إلى الذروة في‬
‫السبعينات‪ ،‬وقد مهدت تلك الشعبية الطريق للتفكيك فيما بعد‪ ،‬وخاصة أن كال من التلقي‬
‫والتفكيك يلتقيان في أهم مبادئهما‪ ،‬ويتمثل اللقاء في أن كال منهما يلغي النص‪ ،‬وقصدية‬
‫المؤلف‪ ،‬هناك تربة ثقافية أفرزت التفكيك ثم لفظته‪ ،‬وهناك تربة ثقافية أخرى فتحت له‬
‫ذراعيها واحتضنته‪ ،‬والمزاج الثقافي الفرنسي هو الذي أفرز التفكيك ثم لفظه ألن المزاج‬
‫الفرنسي تشكل من التجانس والتوحد والمحافظة لفترة طويلة‪ ،‬وقد خاطب التفكيك تلك القوى‬
‫الموحدة‪ ،‬حيث كان يرفض المذاهب الموحدة السابقة‪ ،‬والتفكيك يخطئ المشاريع المتجانسة‪،‬‬
‫ويرفض التقاليد وما هو سلفي متراكم‪ ،‬ألن تلك التقاليد تحجب المعنى‪ ،‬ومن ثمة فإن التفكيك‬
‫كان يريد أن يكون هو المشروع النقدي البديل عن كل المذاهب واالتجاهات النقدية‪( ،‬وفي‬
‫النص وما يشكل ترابطه وانسجامه الداخليين‪،‬‬
‫هذه الحالة ال تكون القراءة بحثا عن انسجام ّ‬
‫النص الداخلية ومعارضاته[‪ ]...‬ويمكننا أن نسميها بنزعة‬
‫ولكنها سعي حثيث خلف تناقضات ّ‬
‫القراءة التفكيكية أو بالنشاط التمهيدي[‪ ]...‬إن هذا النهج في القراءة يناقض ك ّل المعارضة‬
‫نه ج القراءة المركزية التي يشير بها أصحاب النزعة الهرمنيوطيقية‪ ،‬فهو ينادي كما ترى‬
‫النص وتبعثره‪ ،‬وهو يدعو إلى تجنب أن تهيمن خطوط المعاني على القارئ‬
‫بقراءة تفكك ّ‬
‫النص‬
‫بأن يعبر ّ‬
‫فتأخذ بلبه وتفرض عليه أوهامها التوحيدية‪ ،‬وينصح هذا المذهب القارئ ّ‬
‫ببطء وأن يقف طويال عند أدق تفاصيله‪ ،‬وأن يتأمل رويد رويدا في ك ّل جزئياته‪.)1‬‬
‫‪ ‬خلفياتها المعرفية‪:‬‬
‫وهكذا بدأ التفكيك في فرنسا على يد روالن بارت ‪ R.Barthes‬الذي ارتبط بالمشروع‬
‫التفكيكي أكثر من ارتباطه بالمشروع البنيوي‪ ،‬ثم ما لبث ذلك التجانس والتوحد والمحافظة من‬

‫حســن مصــطفى ســحلول‪ :‬نظريــات الق ـراءة والتأويــل األدبــي وقضــاياها‪ ،‬منشــورات اتحــاد الكتــاب العربــي‪ ،‬دمشــق‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1221‬ص‪ .81‬بتصرف‪.‬‬
‫‪- 96 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫رفض التفكيك فاضطر أصحابه إلى الهجرة للخارج إلى تربة أخرى مالئمة‪ ،‬وبذلك اضطرت‬
‫قوى التجانس والمحافظة من إبعاده ألنه ينادي بالتعدد الالنهائي لتفسير النص‪ ،‬فهاجر‬
‫التفكيكيون الجدد وعلى رأسهم جاك دريدا ‪ Jacques Derrida‬إلى مناخ ثقافي مختلف يقوم‬
‫على التعددية الثقافية ويحتفي بها‪ ،‬وهو المناخ الثقافي األمريكي وقد احتفت أمريكا‬
‫بالمهاجرين ورحبت جامعاتها بالتفكيك‪ ،‬وتأسست هناك مدرسة ييل النقدية ‪yale school‬‬

‫وتضم ميلر‪ ،‬وهارتمان وبلوم وغيرهم‪ ،‬وقد ضرب التفكيك بجرانه وجذوره في عمق التربة‬
‫الثقافية األمريكية حتى نسيت جذوره الفرنسية وأصبح الدارسون يتحدثون عنه وكأنه مدرسة‬
‫أمريكية‪ ،‬فالمناخ الثقافي هو األساس في إنشاء المشاريع النقدية الحديثة ورعايتها‪.‬‬
‫فالبيئة الفرنسية لم تفرز نقادا تفكيكيين كثيرين‪ ،‬ألن المناخ الثقافي الفرنسي كان‬
‫يالئمه النقد الجديد أكثر‪ ،‬ويرى دريدا أن التفكيك أكثر مشاريع الحداثة مالءمة للمزاج الثقافي‬
‫الغربي عامة وخاصة المزاج الثقافي األمريكي‪ ،‬وقد التقت فلسفة كانط ‪ kant‬مع التفكيك في‬
‫نقطة الشك‪ ،‬والتفكيكيون في مرحلة مرافقة فلسفة كانط في مرحلة الشك أقرب إلى فلسفة‬
‫هيدجر ‪ Heidegger‬التأويلية التي كان لها التأثير على المنهج التفكيكي منذ انطالقه على يد‬
‫دريدا سنة ‪ 1811‬م‪ ،‬وقد ال نستطيع أحيانا أن نميز بين نص نقدي تأويلي لهيدجر أو نص‬
‫لدريدا أو أحد أقطاب التفكيك‪ ،‬فالمعنى المفتوح والداللة الالنهائية واساءة القراءة هي جوهر‬
‫التفكيك كما قدمه دريدا وأقطاب المدرسة األمريكية للتفكيك وهناك ما يسمى بالرقص على‬
‫األجناب حيث يراقص الناقد والنص األدبي كال منهما اآلخر في حركة مراوغة مستمرة‪ ،‬يهتز‬
‫كل منهما إلى الجانب المعاكس من جانب رفيقه‪ ،‬والطرف الذي يرهق في هذه الرقصة هو‬
‫النص‪ ،‬والرقص على األجناب غير متناغم بل هو فوضى في الرقص دون انسجام‪،‬‬
‫فالتفكيكية تخرب كل شيء في التقاليد‪ ،‬وتشكك في كل البنى‪ ،‬وتشكك في األفكار الموروثة‬
‫واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير وأشكال الكتابة النقدية‪،‬‬
‫وبذلك فإن المادي في المشروع ينهار مخلفا الدمار والفظاعة‪ ،‬ويصف هيليس ميلر‬
‫‪ H.Miller‬وهو أحد أقطاب مدرسة ييل للتفكيك الرقص على األجناب‪ ،‬بأنه رقص يشبه‬
‫‪- 97 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫رقص الشيطان على أشالء التقاليد‪ ،‬فهو يقوم بدور المخرب الذي ال يكل‪ ،‬وسرعان ما‬
‫يتحول كل شيء يمسه ذلك الشيطان المخرب إلى شيء ممزق‪ ،‬الالشيء فقط في األخير هو‬
‫الذي يلبسه ثوبا نهائيا‪ ،‬فالتفكيك هو – كما قال أحد النقاد – كالساحر الذي يلبس إيهاب‬
‫ثور هائج‪ ،‬ينطلق داخل حانوت مرتب وهو دون قيد لتدمير كل شيء‪.‬‬
‫إذا فإن استراتيجية التفكيك هي مراجعة التفكير التقليدي كما يقول دريدا نفسه‪.‬‬
‫وتتنامى نزعة أخرى هي تفكيك التفكيك‪ ،‬وقد ظهرت في أمريكا في مناخ من عدم‬
‫الرضا بالوضع السائد‪ ،‬وكان هناك توقع بظهور مشروع جديد‪ ،‬وكان المشروع التفكيكي هو‬
‫المخرج‪ ،‬ويأتي جون أليس ‪ John Ellis‬وهو من الرافضين للتفكيك‪ ،‬وكان كتابه ‪Against‬‬

‫‪ ،Déconstruction‬أي مزيدا من التفكيك هجوما على التفكيك‪ ،‬ويرى بأن كل ما فعله‬


‫التفكيكيون إن هو إال مصطلحات نقدية جديدة للتعبير عن مقوالت سبقهم إليها نقاد آخرون‪.‬‬
‫وعلى الرغم من انتشار شعبية التفكيك في أمريكا إال أن ذلك لم يمنع من ظهور‬
‫حركة معارضة قوية‪ ،‬حاولت أن تكتشف زيف استراتيجية التفكيك وخطورتها‪ ،‬ويخرج‬
‫المشروع التفكيكي بعد أن دام حوالي خمس عشرة سنة في أمريكا‪ ،‬ويفسح الطريق أمام‬
‫مشاريع نقدية جديدة أبرزها‪ :‬التاريخية الجديدة في كل من أمريكا وبريطانيا‪.‬‬
‫إذا فالمشروع الذي قدمه التفكيك هو الالنموذج‪.‬‬
‫إنه حين عجز النقد البنيوي عن تقديم مشروع متكامل ومقنع عبر اللغة لتفسير الداللة‬
‫وانتاج المعنى‪ ،‬اتجه النقد فيما يسمى بمرحلة ما بعد البنيوية إلى بدائل مضادة‪ ،‬وكان النقد‬
‫التفكيكي من أظهر البدائل‪ ،‬وكان كثير من نقاد هذا االتجاه ينتمون للمنهج البنيوي حتى‬
‫أخفق هذا المنهج في تحقيق طموحاتهم في صناعة منهج متكامل للتحليل‪ ،‬وكان روالن‬
‫بارث على رأس النقاد الذين تحولوا إلى التفكيك‪ ،‬بل هو من أوائل من بدأوا حركة التفكيك‬
‫في الستينات‪.‬‬
‫واذا كان روالن بارث هو أحد الذين مهدوا لظهور التفكيكية‪ ،‬فإن جاك دريدا يعد بحق‬
‫المؤسس للتفكيكية‪.‬‬
‫‪- 98 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫وقد ظهر من األسماء التي راحت تنشر أطروحات ومداخالت في التفكيك‪ :‬بول‬
‫ديمان ‪ ،Paul De Man‬ميلر ‪ ،Miller‬وهارتمان ‪ ،Hartman‬وهارولد بلوم ‪،H.Bloom‬‬
‫وباربا ار جونسون ‪ ،Barbara Johnson‬وقد شاع في األوساط النقدية أن التفكيكيين خرجوا من‬
‫عباءة البنيوية‪ ،‬وأن العالقة بين البنيوية والتفكيك من نوع خاص‪ ،‬إنها عالقة تمثل تمردا‬
‫على الفكر البنيوي من ناحية وامتدادا طبيعيا من ناحية أخرى‪ ،‬وتتفق البنيوية مع التفكيك‬
‫على التركيز على النص وقراءته من الداخل ويتجلى ذلك في قول دريدا ال يوجد شيء خارج‬
‫النص ومعنى ذلك أنهما يزيحان التاريخ األدبي‪ ،‬وكذلك فكرة تقسيم العصور ‪...‬إلخ‪ ،‬ويتفقان‬
‫أيضا في الفصل بين الدال والمدلول‪ ،‬وهنا يتضح تأثير دوسوسير في التفكيك‪ ،‬وذلك حين‬
‫فصل بين العالمة والمعنى المشار إليه‪ ،‬ويتفقان كذلك في أن منشئ النص ليس له وجود‬
‫سابق على النص وانما يولد معه في أثناء الكتابة‪ ،‬ويتوارى نهائيا بموته بعد كتابة النص‪.‬‬
‫ويتجلى االختالف بينهما في كون البنيوية تتخذ المنهج العلمي وسيلة للدراسة‪ ،‬أما‬
‫التفكيك فهو على العكس من ذلك حيث يشك في المنهج العلمي ذاته‪ ،‬وعدم الوثوق في‬
‫إمكانياته لتحقيق العلمية النقدية الموضوعية المنشودة‪ ،‬ومن وجوه االختالف األخرى أن‬
‫البنيوية اعتبرت النسق هو األساس في عملية الكشف عن البنية‪ ،‬أما التفكيك فقد سخر من‬
‫النسق بوصفه نظاما عاما وقد جاء لينسق القواعد والقوانين‪ ،‬والبنيوية تعطي السلطة الكاملة‬
‫للنص‪ ،‬أما التفكيك فقد فسح المجال للقارئ فاتحا أمامه آفاقا حرة في تفسير العالمات ويرى‬
‫البنيويون أنه يمكن الوصول إلى دالالت النص‪ ،‬أما التفكيكية فهي ترى استحالة الوصول‬
‫إلى دالالت محددة حيث أن كل قراءة هي إساءة قراءة‪ ،‬وبذلك فإن النص لدى التفكيكية‬
‫مفتوح تتعدد دالالته بتعدد القراءات إلى ماال نهاية ويظل المعنى مرجأ أبدا‪.‬‬
‫إنه ال يمكن تقديم التفكيكية على أنها نظرية أو نظام أو مجموعة من األفكار الثابتة‬
‫المستقرة‪ ،‬ومن يفعل ذلك يكون كمن يقف ضد طبيعتها‪ .‬فهي تأويلية والتأويلية غير ثابتة‬
‫(التأويل والتفكيك يبتعدان في المنهج والرؤية بقدر ما يقتربان في الصيغة والغاية‪ ،‬أو يمكن‬

‫‪- 99 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫بأن أحدهما يقع في جغرافية اآلخر بالمعنى الّذي يستهدف فيه مساءلة األصل‪،‬‬
‫القول ّ‬
‫النص) ‪.1‬‬
‫والبحث عن الفص أو ما هو مكنون كاللؤلؤة في خبايا ّ‬
‫‪ ‬مقوالت خاصة بالتفكيكية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكتابة أو علم الكتابة‬
‫ويقصد به دريدا عدم وجود أي حقيقة أو مدلول خارج نطاق اللغة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحضور واإلرجاء‪:‬‬
‫وهو استعمال الكلمات بشكل مؤقت للوصول إلى الفكرة إلى حين التوصل إلى الفكرة‬
‫وبهذا فإن اللغة هي حضور مرجأ للمعنى‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬االختالف‬
‫وهو عند دريدا اإليمان بعدم وجود أي معنى محدد للكلمات عكس دوسوسير الذي‬
‫يرى بأن سمة اللغة هي االختالف الداللي للكلمات أي كل كلمة لها داللة أما دريدا فيرى أن‬
‫غاية ما ندركه في اللغة هو االختالف فيما بينهما‪ ،‬ومن ثم إرجاء المعنى إلى أجل آخر‬
‫مثال‪:‬‬
‫باب ‪ /‬نافذة ‪ /‬مقعد‪ ،‬ال ندرك معانيها إال من خالل اختالفها‪.‬‬
‫األلوان‪ :‬قيمة اللون األحمر ال وجود له إال بقدر تمييز هذا اللون عن سائر األلوان‬
‫األخرى‪ :‬األزرق‪ ،‬البني‪ ،‬الوردي‪...‬‬
‫في الصوت‪ :‬حان – بان – خان‪ :‬ال نميز بينها في المعنى إال من خالل االختالف‬
‫في الصوت وهكذا‬
‫رابعا‪ :‬انتفاء قصدية المؤلف (موت المؤلف)‪:‬‬
‫الجملتان التاليتان لروالن بارث تبينان نفي قصدية المؤلف (موت المؤلف)‪ ،‬يقول‬
‫(الكتابة هي السواد والبياض الذي تتوه فيه كل هوية بدءا بالجسد الذي يكتب)‪ ،‬ويقول (لكي‬

‫محمد شوقي الزين‪ :‬تأويالت وتفكيكات فصول في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغـرب‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.161‬‬
‫‪- 111 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫تسترد الكتابة مكانتها المستقلة يجب قلب أسطورة الكاتب فموت الكاتب هو الثمن الذي‬
‫يتطلبه ميالد القراءة)‪.‬‬
‫وهذا الفكر ينسجم مع التفكيكية ومع ما قاله دريدا (ال يوجد شيء خارج النص)‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التناص‪.‬‬
‫يرى البنيويون أن تحليل النص ينبع من داخله وهو نهائي ومغلق‪ ،‬أما النص عند‬
‫التفكيكين فهو يحمل أثا ار لنصوص كثيرة سابقة أو بتعبير آخر يحمل نوعا من الرماد الثقافي‬
‫لنصوص سابقة ومن هنا يصبح التناص أساسا لفكرة ال نهائية المعنى عند التفكيكيين‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬جاك دريد ‪ )2114-1831( Jacques Derrida‬ولد في األبيار بمدينة الجزائر‪ ،‬وهو‬
‫فيلسوف وناقد فرنسي‪ ،‬أول من استخدم مفهوم التفكيك في الفلسفة والنقد‪ ،‬والهدف الّذي سعى‬
‫إليه دريدا هو نقد منهج الفلسفة األوربية التقليدية‪ ،‬من خالل آليات التفكيك التي قام بتطبيقها‬
‫إجرائيا ‪ ،‬كان دريد مختلفا بأفكاره تمام االختالف لما هو سائد فلسفيا‪ ،‬فأحيانا كان مهتما‬
‫بالمبالغة في التحليل وأحيانا كان يوصف بالعبثية‪ ،‬وتعمد الغموض‪ ،‬انتقل إلى فرنسا ودرس‬
‫هناك‪ ،‬وتعرف إلى ميشال فوكو ‪ ،M.Foucault‬كما تعرف على العديد من المفكرين‬
‫الفرنسيين المشهورين‪ ،‬أذاع في بيان له نهاية البنيوية ووالدة ما بعد البنيوية‪.‬‬
‫كان أول عمل له بعنوان "بداية الهندسة" ونشر الكثير من المقاالت في المجالت‬
‫الدورية وكتاب "في علم الكتابة" و"الكتابة واالختالف"‪.‬‬
‫يعد األديب العراقي كاظم فضل أول من نقل مجهودات دريدا إلى العربية‪ ،‬وقد وضع‬
‫حرف التاء بين قوسين (ا خـ ( ـتـ) الف) لتؤدي الكلمة معناها الخالف‪ ،‬وهو ما أرداه دريد‬
‫من الكلمة‪.‬‬
‫‪ -2‬هارولد بلوم ‪ :)2118-1831( Harold Bloom‬ناقد أدبي وصحفي وأستاذ جامعي‬
‫وكاتب أمريكي ع ضو في األكاديمية األمريكية للفنون واآلداب انتسب إلى تيار الجمالية‬
‫والرومانسية‪ ،‬وهو مؤرخ أدبي‪.‬‬
‫من مؤلفاته "شكسبير ابتكار الطبيعة اإلنساني" و"قلق التأثر" و"كيف تق أر ولماذا؟"‪.‬‬
‫‪ -3‬مارتن هيدرجر ‪ :)1876-1888( : Martin Heideggar‬فيلسوف ألماني‪ ،‬درس‬
‫على إيدموند هوسرل ‪ E.Husserl‬مؤسس الظاهراتية‪ ،‬وجه اهتمامه إلى مشكالت الوجود‬
‫والحرية والحقيقة وغير ذلك‪ ،‬تأثر بمجموعة من الفالسفة ومن بينهم جاك دريدا‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪" :‬السؤال عن الشيء"‪" ،‬أصل العمل الفني"‪" ،‬كتابات أساسية" وغيرها‪.‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫المحاضرة الثالثة عشرة‬
‫‪ -5‬السيميائية‬

‫التعريف بالسيميائية‬ ‫‪‬‬


‫خلفياتها المعرفية‬ ‫‪‬‬
‫تعريف العالمة‬ ‫‪‬‬
‫إشكالية العالمة عند دوسوسير‬ ‫‪‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫‪ -5‬السيميائية ‪Sémiologie‬‬
‫‪ ‬التعريف بالسيميائية‪ :‬وردت في القرآن الكريم اآليات التالية‪:‬‬
‫‪( -‬تعرفهم بسيماهم ال يسألون الناس إلحافا)‪ ،‬سورة البقرة اآلية ‪.196‬‬
‫‪( -‬وعلى األعراف رجال يعرفون كال بسيماهم)‪ ،‬سورة األعراف اآلية ‪.11‬‬
‫‪( -‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود)‪ ،‬سورة الفتح اآلية ‪.18‬‬
‫‪( -‬يعرف المجرمون بسيماهم)‪ ،‬سورة الرحمان اآلية ‪.11‬‬
‫السيميائية أو السيمائية أو السيميولوجيا أو السيميوطيقا أو علم اإلشارة‪ ،‬أو علم‬
‫العالمات‪ ،‬وهناك ترجمات أخرى‪ ،‬وهذه ظاهرة عامة في إشكالية ترجمة المصطلحات بشكل‬
‫عام‪ ،‬ونظ ار لتلك االختالفات المتعددة سيتم التركيز على مصطلحين شائعين هما‪:‬‬
‫‪ sémiologie‬بالفرنسية‪ sémiology ،‬باإلنجليزية‪ ،‬وقد استعمال في مجال الطب العالجي أو‬
‫الطب النفسي سنة ‪1911‬م‪ ،‬وهو دراسة عالمات المرضى وأعراضهم الجسدية واللفظية‪.‬‬
‫أما في اللسانيات الحديثة فقد ظهر المصطلح مع العالم السويسري فرديناند دوسوسير سنة‬
‫‪.1812‬‬
‫‪ Sémiologie‬بالفرنسية أو ‪ Sémeion‬اليونانية حسب العالم دوسوسير بمعنى عالمة‪،‬‬
‫‪ Logos‬بمعنى علم ‪.1816-1911‬‬
‫المصطلح الثاني ‪ Semiotics‬حسب العالم والفيلسوف األمريكي شارل ساندرس بيرس‬
‫‪ 1811-1969 C.S.Pierce‬وقد بشر دوسوسير بمولد السيميولوجيا وحدد موضوعها بكل‬
‫عالمة دالة‪.‬‬
‫‪ ‬خلفياتها المعرفية‪:‬‬
‫والسمة هي العالمة وال نقول إن العرب عرفوا السيمياء بمعناها الحديث‪ ،‬ولكنهم عرفوا‬
‫العالمة ووظيفتها‪ ،‬ومن جهة أخرى هو إيصال الماضي بالحاضر ألن العودة للتراث ضرورة‬
‫وجودية ومعرفية‪ ،‬مما يجعلنا نشارك في بناء الحضارة اإلنسانية‪ ،‬ومفهوم العالمة موجود عند‬

‫‪- 114 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫الجاحظ وابن خلدون‪ .‬وتسعى السيميولوجيا إلى إيجاد التكامل بين األدب واللسانيات (ومن‬
‫االختصاصات المقترنة باللسانيات مما هيأ للنقد مقومات التجديد والحداثة علم العالمات‬
‫السميائية‪ ،‬وهو علم تصوره رائد المعرفة اللغوية الحديثة في مطلع هذا القرن محددا إياه‬
‫بالعلم الّذي يعكف على دراسة أنظمة العالمات مما يفهم به البشر بعضهم عن بعض‪،‬‬
‫والذي أداه إلى هذا التصور اعتباره اللّغة نظاما من العالمات قبل ك ّل شيء‪ ،‬والعالمة‬
‫ا ألدبية تسعى اليوم إلى إقامة نظرية في نوع الخطاب األدبي باعتباره حدثا عالميا أي نظاما‬
‫من العالمات الجمالية‪ ،‬وميزة العالمة الجمالية ّأنها قائمة بنفسها وليست فحسب وسيطا‬
‫دالليا كما هو الشأن في األلفاظ عندما نستعملها في أغراضنا الكالمية األخرى غير‬
‫اإلبداعية‪ ،‬فعلى هذا التفاعل بين علوم اللسان والنقد األدبي يعلق اليوم ك ّل األمل في بروز‬
‫المنهج االختباري التكامل الّذي يسمح بتجديد أدبية الخطاب الفني‪ ،‬وهذا معناه أن تضافر‬
‫جهود عالم اللسان وعالم األدب هو الّذي سيعين على تحديد بؤرة الفعل الشعري في ك ّل نص‬
‫إبداعي) ‪. 1‬‬
‫والسيميولوجيا علم من بين العلوم الحديثة وثمرة من ثمار القرن العشرين‪ ،‬وهو علم‬
‫يزعم القدرة على دراسة اإلنسان دراسة متكاملة من خالل دراسة العالمة فالسيميولوجيا ترغب‬
‫في دراسة الكلي‪ ،‬وهو علم اإلشارة الدالة مهما كان نوعها وأصلها‪ ،‬وال شيء سوى العالمة‬
‫فاإلنسان يشكل مع محيطه نسيجا متداخال من العالقات‪ ،‬ويتفاعل مع بنى جنسه ومع‬
‫الطبيعة معتمدا على أنظمة من العالمات‪ ،‬وينظر للعالم من خالل سماته ورموزه فيتفاعل مع‬
‫بالده وشعبه‪ ،‬يرى الطلل فيعبر عن أشجانه‪ ،‬فاإلنسان مدني بالطبع واذا كان معزوال ال‬
‫يكون في حاجة للعالمة بكثافة ما عدا م ن أجل احتياجاته الغريزية‪ ،‬فالعالمة أداة للتواصل‪،‬‬
‫واصطلحت البشرية على تسميات مصطلحات تفسيرية للوجود والحياة‪ ،‬وتقسم العالمات إلى‬
‫عالمات لسانية كاأللفاظ أو اللغة‪ ،‬وعالمات غير لسانية وتشمل جميع أنظمة التواصل‪،‬‬

‫عبد السالم المسدي‪ :‬النقد والحداثة‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1896 ،1‬م‪ ،‬ص‪.61-61‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫وأول من قدم مصطلح السيميولوجيا هو الفيلسوف ‪ 1Jim Loke‬ثم دعا دوسوسير إلى هذا‬
‫"العلم السيميولوجيا" وهو الذي سماه علم السيميولوجيا أو علم العالمات‪.‬‬
‫وهذا المنهج يعد من المناهج التي ظهرت بعد البنيوية وان كان تاريخيا قد ظهر معها‬
‫تقريبا‪ ،‬والقضية التي تواجه الدارس في البداية هي قضية المصطلح‪ ،‬فالمتحدثون باللغة‬
‫الفرنسية يتبعون تقاليد مدرسة جنيف التي يتزعمها دوسوسير‪ ،‬إذ يطلقون على هذا المنهج‬
‫السيميولوجيا‪ ،‬أما المتحدثون باللغة األنجلوساكسونية فيتبعون تقليدا يعود إلى شارل بيرس‬
‫األمريكي ويؤثرون مصطلح سيميوتيك أما النقاد الباحثون العرب‪ ،‬فهم يختلفون في تحديد‬
‫المصطلح‪.‬‬
‫السيميائية في العالم العربي يختلف تماما عما هو عليه في‬
‫إن وضع المصطلحية ّ‬
‫(ّ‬
‫أوربا‪ ،‬ولم يرق بحكم التضارب الموجود في المصطلحات المستعملة إلى بلورة نموذج مؤسس‬
‫لخطاب علمي دقيق يضبط مفاهيمه وأدواته الخاصة به [‪ ]...‬يكفي أن نق أر بعض الدراسات‬
‫السيميائية لنتأكد من االختالفات الموجودة بين الباحثين والتي تؤثر سلبا في تبليغ الرسالة‬
‫ّ‬
‫العلمية وتفسر جانبا من جوانب الفشل في االتصال القائم بين القارئ العربي والمعرفة‬
‫السيميائية) ‪. 2‬‬
‫ّ‬
‫ويتوزع العرب على ثالثة اتجاهات‪:‬‬
‫‪ -1‬بعضهم يؤثر مصطلح سيميولوجيا‪.‬‬
‫‪ -1‬واالتجاه الثاني يتبنى التسمية األنجلوسكسونية ‪.Semiotics‬‬
‫‪ -6‬االتجاه الثالث يبحث في التراث العربي ليجد الكلمة المناظرة‪ ،‬فيأخذون كلمة السيمياء‬
‫من التراث العربي القديم ويشتقون منها السيميائية‪ ،‬على الرغم من أن السيمياء في التراث‬
‫العربي القديم تتعلق بالكهانة والسحر أو اقتفاء األثر وغير ذلك من المعاني التي تجعل‬

‫بيير جيرو‪ :‬علم اإلشارة السيمولوجية‪ ،‬تـر‪ :‬منـذر عياشـي‪ ،‬دار طـالس للد ارسـات والترجمـة والنشـر‪ ،‬دمشـق‪ ،1899 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.12‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة في السيميائية السردية‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،1222 ،‬ص‪ ،92‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫المصطلح بعيدا عن الداللة الحديثة‪ ،‬ورأى من وجهة نظره بأن االصطالح العربي القديم ال‬
‫يخرج عن الداللة الحداثية فاقتفاء األثر هو البحث عن آثار المسير أي عالمات المسير‪،‬‬
‫والعالمة هي السمة‪ ،‬واستقر النقاد المغاربة على تسمية السيمياء‪ ،‬وآثر الدكتور صالح فضل‬
‫السيميولوجيا محاوال زرع هذا المصطلح في الثقافة العربية‪ ،‬وهناك مخطوطة البن سيناء‬
‫تحت عنوان" كتاب الدر"‪ ،‬وقد ورد في المخطوطة فصل تحت عنوان "علم السيمياء"‪ ،‬وهناك‬
‫كتاب آخر لشمس الدين الفناري ‪1112‬ه تحت عنوان كتاب "نموذج العلوم"‪ ،‬وفيه فصل‬
‫تحت عنوان "علم السيمياء"‪ ،‬ويخصص ابن خلدون فصال من مقدمته لعلم أسرار الحروف‬
‫وهو كما يقول المسمى بالسيميا‪ ،‬وفي الحقيقة أن علم السيمياء يعود إلى ألفي سنة كما يقول‬
‫أمبرتو إيكو‪ Umberto Eco‬فالرواقيون هم أول من قال بأن للعالمة ‪ Signe‬داال ومدلوال‬
‫‪ Signifiant-Signifie‬في فلسفتهم‪.‬‬
‫وقد ارتكزت السيميائية الحديثة على اكتشافاتهم األولى‪ ،‬ويرى إيكو بأن المقصود من‬
‫العالمة هو كل أنواع العالمات وكل أنواع السيميائيات أي ليست العالمة اللغوية فقط وانما‬
‫العالمة المنتشرة في جميع مناحي الحياة االجتماعية كالطقوس الدينية عند اليابان والهنود‪،‬‬
‫واشارات المرور كل ذلك يشكل عالمات واشارات ودالالت‪ ،‬وبهذا يكون المصطلح بعيدا عن‬
‫مجال المعاني العربية القديمة المتعلقة بالسحر والكهانة واقتفاء األثر‪ ،‬باإلضافة إلى توثيق‬
‫العالمة المعرفية مع الفكر النقدي الحديث‪ ،‬والعالمة مصطلح أشمل وأوسع من الكلمة‪،‬‬
‫فالعالمة تحوي الكلمة‪ ،‬والكلمة تتشكل داللتها من قيمة اللفظ في لغة معينة (ال) تعني النفي‬
‫في العربية وال تعني أداة تعريف في اللغة الفرنسية وال تعني شيئا باإلنجليزية‪ ،‬فالداللة ترتبط‬
‫بالقيمة التي تضيفها لغة ما أو ثقافة ما على الكلمة‪ ،‬فمثال اللون األسود عالمة الحداد في‬
‫بلدان معينة كالشيعة (الحزن على الحسين) فيلبسون األسود‪ ،‬وفي بعض البلدان األخرى‬
‫البياض هو عالمة الحداد فالمرأة عندنا أثناء العدة تلبس األبيض‪ ،‬فكال منهما عالمة حداد‬
‫يكتسبان داللتهما من السياق الثقافي‪ ،‬ويمكن استدعاء عدة أمثلة في األلوان لغرض‬
‫التوصيل‪ ،‬كاللون األزرق للطفل‪ ،‬والوردي للبنت واألخضر للبعث والتجدد‪ ،‬فاللون يوصل‬
‫‪- 117 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫رسالة ما‪ ،‬كالعلم الوطني وألوانه‪ ،‬ومن العالمات المحسوسة الطاولة المستديرة في الندوات‬
‫تعني المساواة بين األطراف المشاركة‪ ،‬وال تعني ذلك في العائلة‪ ،‬وفي اآلثار الفرعونية نرى‬
‫فرعون عمالقا وبجانبه زوجته التي ال تكاد تصل إلى ركبته للتدليل على البون بين الرجل‬
‫والمرأة أو الحاكم والرعية‪ ،‬وهناك عالمات تراها الطيور بغريزتها فتهاجر في الشتاء طلبا‬
‫للدفء إلى مناطق دافئة‪ ،‬ورقصات النحل رقصات إشارية إلى رحيق الزهور ومواطن الغذاء‪،‬‬
‫وهناك عالمات أخرى كاحمرار الوجه الذي يدل على الخجل‪ ،‬وفي مناطق أخرى يشير‬
‫للغضب‪ ،‬واصفرار الوجه يدل على الخوف‪ .‬وقد عد دوسوسير علم اللغة جزءا من علم‬
‫السيميولوجيا العام والسيميائية في نظر شارل بيرس هي اختصاص مستقل واطار يضم كل‬
‫الدراسات األخرى في الرياضيات والماورائيات واألخالقيات والصوتيات أو االقتصاد أو علم‬
‫النفس‪...‬إلخ‪ ،‬وتأسست الجمعية الدولية للسيميائية سنة ‪ 1811‬وتولى أمانتها العامة جوليان‬
‫غريماس ‪ Julien Greimas‬وعقدت هذه الجمعية مؤتمرات وملتقيات عديدة وأصدرت مجلة‬
‫‪ ،sémioticor‬وأنشأت فرق بحث لها‪ ،‬وانتقلت السيميائية للوطن العربي في وقت متأخر‪.‬‬
‫السيميائية (حاولنا أن نقدم في‬
‫ويحاول رشيد بن مالك أن يزيح اإلشكال في مفهوم ّ‬
‫السيميائية عمال من خاللها‬
‫هذا القسم تصو ار عاما عن بعض المنطلقات اللسانية للنظرية ّ‬
‫على توجيه القارئ العربي نحو أهم أصولها واظهار حدودها وابراز إشكالياتها‪ ،‬أردنا بهذا‬
‫اإلسهام المتواضع أن نثير فقط السؤال حول جوهر الممارسة السيميائية‪.1‬‬
‫والسيمولوجيا تشمل اللفظ والشيء والنص‪ ،‬والنص مهما كان منفلتا في معانيه إال أن‬
‫النص‬
‫السيمولوجيا تحاول تفسيره (فإذا كانت السيميولوجيا التي أتحدث عنها‪ ،‬قد عادت إلى ّ‬
‫[‪ ]...‬فالنص يحمل في طياته قوة اآلنفالت الالنهائي من الكالم) ‪.2‬‬

‫رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة في السيميائية‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫بلـوهم محمـد‪ :‬سـلطة القـارئ‪ ،‬مجلـة السـيميائية والـنص األدبـي‪ ،‬أعمـال ملتقـى معهـد اللغـة العربيـة وآدابهـا‪ ،‬جامعـة عنابـة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪/19/11‬ماي‪ ،1891 ،‬ص‪ .11‬بتصرف‬


‫‪- 118 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫‪ ‬تعريف العالمة‪:‬‬
‫هل العالمة وحدة ثنائية المبنى أم وحدة ثالثية المبنى؟ هل العالمة كيان مستقل أم‬
‫أنها وسيط؟‬
‫إن العالمة في مفهوم دوسوسير وحدة ثنائية المبنى وتتكون من وجهين يشبهان وجهي الورقة‬
‫وال يمكن فصل أحدهما عن اآلخر‪ ،‬الوجه األول هو الدال وهو عند دوسوسير حقيقة نفسية‬
‫أو صورة سمعية تحدثها في دماغ المستمع سلسلة األصوات التي تلتقطها أذنه ثم يحلل‬
‫الدماغ الصورة السمعية أو النفسية (الدال) ويتحول الدال إلى صورة ذهنية أو مفهوم‬
‫(المدلول)‪.‬‬
‫وهناك من يرى أن سلسلة األصوات هي الدال‪ ،‬أما المدلول فهو الصورة الذهنية التي‬
‫تستدعيها سلسلة األصوات هذه في ذهن المستمع‪.‬‬
‫سلسلة األصوات الدال– الدماغ يحلل سلسلة األصوات– الصورة الذهنية المدلول‪.‬‬
‫وداللة العالقة تنشأ من عملية الربط بين الدال والمدلول سواء أكان الدال حقيقة مادية‬
‫أم حقيقة نفسية والخالصة في تعريف الدال والمدلول عند دوسوسور أنهما حقيقتان نفسيتان‪.‬‬
‫األول‪ :‬أي الدال وهو الصورة السمعية التي تولدها في الذهن األصوات التي يسمعها‬
‫المتلقي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أي المدلول‪ ،‬وهو التصور الذهني الذي تثيره الصورة السمعية في ذهن‬
‫المستمع وقد شاع استخدام مصطلحي دوسوسير الدال والمدلول في مجال علم اللغة‬
‫والسيميوطيقا‪ ،‬وهناك من استخدمها بشيء من االختالف عن تعريف دوسوسير األصلي‪.‬‬
‫فالدال حقيقة مادية محسوسة (الشجرة) وال يقتصر على األصوات‪ ،‬إذ يمكن للحواس األخرى‬
‫أن تعطي مدلوال‪ ،‬وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير‬
‫محسوسة هي المدلول‪.‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫أما العالقة بين الدال والمدلول فال تزال غامضة‪ ،‬وما زالت مادة للتجريب فسوسير‬
‫يقول إن الصورة السمعية تثير في ذهن المستمع الصورة الذهنية أو المفهوم‪.‬‬

‫الدال‬

‫املدلول‬ ‫شجرة‬

‫أي أن الصورة الذهنية أو المفهوم تستدعي إلى الذهن الصورة السمعية‪.‬‬


‫‪ ‬إشكالية العالمة عند دو سوسير‬
‫‪ -1‬كيف تتكون الصورة الذهنية في العقل؟ وهذه قضية تخص علم النفس‪.‬‬
‫‪ -1‬ما هي العالقة التي تربط بين مفهوم الصورة الذهنية والصورة السمعية للعالمة؟ وهي‬
‫قضية تخص علم النفس أيضا وعلم الداللة‪.‬‬
‫‪ -6‬كيف تتحول الذبذبات الصوتية إلى صورة سمعية في الدماغ؟ وهي قضية تخص علم‬
‫الصوتيات أو علم النفس‬
‫‪ -1‬كيف يتم بث العالمة واستقبالها؟ وهي قضية تخص علم الصوتيات ونظرية االتصال‬
‫وللعالمة أربعة أوجه وتتمثل في الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬شجرة الشيء المادي الواقع‪.‬‬
‫‪ -1‬شجرة الذبذبات الصوتية في الواقع‪.‬‬
‫‪ -6‬شجرة الصورة السمعية وهي حقيقة نفسية عند سوسير غير مفسرة وليس صورة سمعية‬
‫(الدال)‪.‬‬
‫‪ -1‬شجرة الصورة الذهنية المفهوم الدال حقيقة نفسية عند سوسير غير مفسرة (المدلول)‪.‬‬
‫وقد استبعد سوسير من تعريفه للعالقة بين العنصرين ‪.6 ،1‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫ويرى بعض علماء السيميوطيقا أن السيميوطيقا ال تهتم بقضية الحقيقة والبطالن أي‬
‫بمطابقة العالمة للواقع‪.‬‬
‫وانما تكمن القيمة السيميوطيقة في العالقة القائمة بين الدال والمدلول دون التجاوز‬
‫إلى العالقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العالمة‪ ،‬فإذا قلت ألحد أن داره‬
‫تحترق فسيكون رد فعله أن ينطلق مهروال للتأكد من صحة قولك فال يهم عند العالم‬
‫السيموطيقي أن تحترق الدار في الواقع أو ال تحترق وال يهمه إن كنت كاذبا أو صادقا‪ ،‬إنما‬
‫يهمه فقط الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يفهم الشخص الذي تنقل إليه الرسالة قولك‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الثالث عشرة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬أمبرتو إيكو ‪ )2116-1832( Umberto Eco‬فيلسوف إيطالي وروائي وباحث‪ ،‬له‬
‫مقاالت عديدة في النقد وتخصص في تاريخ وآداب القرون الوسطى وهو من رواد علم‬
‫السيمياء‪ ،‬وهو أحد عظماء األدب العالمي المعاصر‪.‬‬
‫ألف مجموعة من الكتب منها‪ :‬اعترافات روائي شاب‪ ،‬ال نهائية القوائم‪ ،‬من‬
‫هوميروس حتّى جوس‪ ،‬مقبرة براغ "رواية" ورواية "وردة قطفها الموت"‪ ،‬وهي رواية مشهورة‪.‬‬
‫‪ -2‬جوليان غريماس ‪1882-1817( Julien Greimas‬م)‪ :‬وهو لساني وسيميائي‬
‫روسي‪ ،‬وهو مؤسس السيميائيات البنيوية انطالقا من فريدناند دوسوسير‪ ،‬وهو رائد مدرسة‬
‫باريس السيميائية‪ ،‬عمل أستاذا لألدب الفرنسي‪ ،‬بجامعة االسكندرية‪ ،‬نشأت بينه وبين رونالد‬
‫بارث صداقة قوية‪ ،‬وله دراسات في سيميائيات األهواء‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬نظرية السيموطيقا‪،‬‬
‫سيميائيات السرد‪ ،‬علم الداللة البنيوي‪.‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫المحاضرة الرابعة عشرة‬
‫‪ -6‬التأويلية – الهرمنيوطيقا –‬

‫التعريف بالتأويلية‬ ‫‪‬‬


‫خلفياتها المعرفية‬ ‫‪‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابع عشرة‬

‫‪ -6‬المنهج التأويلي – الهرمنيوطيقا – ‪Herméneutique‬‬


‫‪ ‬التعريف بالتأويل‪ :‬يقصد بالتأويل تحديد المعاني اللغوية في العمل األدبي من خالل‬
‫التحليل‪ ،‬بمعنى إعادة صياغة المفردات والتركيب من خالل التعليق على النص‪ ،‬والتأويل‬
‫يركز خاصة على مقطوعات غامضة أو مجازية يتعذر فهمها‪ ،‬وفي معناه الواسع هو‬
‫توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم ينطوي التأويل على شرح خصائص العمل وسماته مثل‪ :‬النوع األدبي‬
‫الذي ينتمي إليه‪ ،‬وعناصره‪ ،‬وبنيته‪ ،‬وغرضه‪ ،‬وتأثيراته‪.‬‬
‫أما المصطلح الهرمنيوطيقا ‪ Herméneutique‬فهو باختصار نظرية التأويل األدبي‪،‬‬
‫وممارسته‪ ،‬ويعني البحث عن المعنى والحاجة إلى توضيحه وتفسيره‪.‬‬
‫‪ ‬خلفياتها المعرفية والفلسفية‪:‬‬
‫وأول من كتب فيها هو دانهاور في كتابه "الهرمنيوطيقا المقدسة" أو منهج تأويل‬
‫المبهمة أو‬
‫النصوص غير المقدسة ْ‬
‫النصوص المقدسة‪ ،‬وقد أستخدم هذا المصطلح في ّ‬
‫ّ‬
‫الرمزية من أجل فهمها وتفسيرها‪ ،‬فالهرمينوطيقا هي فن التأويل‪ ،‬وأرسطو هو أول من أسس‬
‫النصوص وخاصة‬
‫معالم التأويل‪ ،‬وأخذ هذا المصطلح في العصر الحديث أهمية كبيرة لفهم ّ‬
‫ثم توسع التأويل بعده مع مارتن هايدجر ‪.M.Heidegger‬‬
‫مع دلثاي ‪ّ ،Dilthey‬‬
‫ولكن الهرمنيوطيقا العامة لم تظهر إال في عصر التنوير في القرن الثامن عشر‬
‫للنصوص المقدسة فحسب بل أصبحت "علم تأويل العالمات"‬
‫الميالدي‪ ،‬ولم تصبح تفسي ار ّ‬
‫النصوص دينية وغير دينية‪.‬‬
‫وبذلك صار التأويل يشمل ك ّل ّ‬
‫النص إلى ظاهر وباطن‪ ،‬وجعل الباطن‬
‫وهناك من حافظ على التأويل القديم بتقسيم ّ‬
‫أهم من الظاهر‪ ،‬وهناك تيار تأويلي تفكيكي ويرى هذا التيار أن ك ّل نص ال يتضمن عدة‬
‫تأويالت فحسب‪ ،‬بل يقبل تأويالت متناقضة يلغي بعضها بعضا‪.‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابع عشرة‬

‫وقد أعاد فريدريك شليرماخر ‪ )1961-1919( Friedrich Schleiermacher‬التصور‬


‫بأن الهرمينوطيقا "علم" الفهم أو "فن" الفهم‪ ،‬ويرى فيلهلم دلثاي (‪ )1811-1961‬أن‬
‫ّ‬
‫الهرمينوطيقا هي البحث المركزي الّذي يمكن أن يقدم األساس الّذي تقوم عليه جميع العلوم‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫وال تقتصر ممارسة الهرمنيوطيقا على التأويل األدبي‪ ،‬وال توجد مدرسة هرمنيوطيقية‬
‫معينة‪ ،‬وال يوجد ما يمكن أن نطلق عليه صفة الهرمنيوطيقية‪.‬‬
‫وهي ليست منهجا له صفاته وقواعده الخاصة أو نظرية منظمة وال تضع قواعد‬
‫للتحليل مثل باقي المناهج‪.‬‬
‫أما تاريخها فيضرب جذوره في التأويالت الرمزية التي خضعت لها أشعار هوميروس‬
‫في القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬وفي تأويالت الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى‪ ،‬وبهذا‬
‫كانت العملية الهرمنيوطيقية تعنى بتكوين الطريقة التي تحكم القراءة المشروعة للنص‬
‫المقدس‪ ،‬وتعنى كذلك بحواشي وتفسيرات المعاني أي شروحات وتفسيرات المعاني الموجودة‬
‫في النص‪ ،‬وتحديد وجوه تطبيقها في الحياة‪.‬‬
‫والهرمنيوطيقا تعنى بتأويل حقيقة الكتاب الواقعية والروحية‪ ،‬ومنذ القرن التاسع عشر‬
‫أصبحت الهرمنيوطيقا تعنى بصفة عامة نظرية التأويل أي تكوين اإلجراءات والمبادئ التي‬
‫تستخدم في الوصول إلى معاني النصوص المكتوبة بما في ذلك النصوص القانونية واألدبية‬
‫والدينية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1918‬م شرع فريدريك شيلرماخر في تأسيس نظرية فن النصوص عموما‬
‫أو صنعة إدراك النصوص عموما‪ ،‬ثم جاء الفيلسوف فيلهلم ديلثاي‪ ،‬وتبنى تطوير هذا الفكر‪،‬‬
‫وقد وضعا معا إجراءات تساعد القارئ كي ال يسيء فهم النص‪ ،‬ثم وضع شليرماخر نظرية‬
‫التأويل تتجاوز النص الديني وال تقتصر عليه كما كان األمر في السابق عند الكنيسة‬
‫الكاثوليكية التي ترى بأنها الوحيدة الجديرة بالتأويل‪ ،‬وكذلك البروتستانت الذين كانوا يفسرون‬
‫األسفار المقدسة ويؤولونها‪ ،‬ويولون العملية التأويلية اهتماما كبيرا‪.‬‬
‫‪- 115 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابع عشرة‬

‫إذا فقد قامت الهرمنيوطيقا على أساس ديني وقد استخدم المصطلح في الدراسات‬
‫الالهوتية من قبل المفسرين للكتاب المقدس منذ عهود مسيحية سابقة‪ ،‬و أروا بأن النص‬
‫المقدس يتضمن في ذاته قابلية التأويل‪ ،‬وال يزال مستم ار في األوساط البروتستانتية إلى يومنا‬
‫هذا‪.‬‬
‫وربما تعود جذور هذا المصطلح إلى األصل اليوناني ‪ Hermeneuein‬ويعني أن‬
‫يؤول المرء أو يترجم إلى لغته الخاصة أم ار لكي يوضحه ويقربه من األفهام ويعبر عنه‬
‫بصياغة معينة‪ ،‬واإلله هرمز ‪ Hermes‬في األساطير اليونانية هو الذي يؤول رسائل اآللهة‬
‫إلى البشر‪.1‬‬
‫وهناك من يرى بأن الهرمنيوطيقيا الحديثة ناتجة عن تأويالت القراء المسلمين‬
‫والمسيحيين‪( ،‬القراءة عند القراء المسلمين‪ ،‬أعني علماء التفسير الّذين انكبوا على القرآن‬
‫يتفحصونه ويدرسونه ويعايشونه قرونا عديدة‪ ،‬وكذلك عند القراء المسيحيين‪ ،‬أي آباء الكنيسة‬
‫الّذين وضعوا األسس التي شيدت عليها علوم قراءة الكتاب المقدس‪ ،‬وال شك أن ثمار قرون‬
‫النصوص الدينية يكشف لنا كثي ار من جوانب عالقة القارئ بالنص‪ ،‬وقد تكون‬
‫من تأويل ّ‬
‫المقارنة بين نظريات القراء المسلمين والمسيحيين كاشفة إلى حد كبير آلليات القراءة [‪]...‬‬
‫فالهرمنيوطيقا الحديثة نابعة من تراث تفسير الكتابات المقدسة)‪.2‬‬
‫فالهرمنيوطيقا الحديثة نابعة من تفسيرات الكتابات المقدسة‪ ،‬وقد أخرج شليرماخر في‬
‫نظريته المصطلح من دائرة االستخدام الالهوتي ليصبح علما أو فنا ويستخدم عملية فهم‬
‫وتحليل النصوص‪ ،‬وصاغ ما يعرف بالدائرة الهرمنيوطيقية التي يرى فيها بأن الجزء ال يفهم‬
‫إال من خالل الكل والعكس صحيح‪ ،‬فمعنى الكلمة مثال ال يتضح إال من سياق الجملة‪.‬‬

‫ســامي إســماعيل‪ :‬جماليــات التلقــي د ارســة فــي نظريــة التلقــي عنــد هــانز روبــرت يــاوس وفولفغــانغ إيــزر‪ ،‬المجلــس األعلــى‬ ‫‪1‬‬

‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪.91 ،91‬‬


‫سي از قاسم‪ :‬القارئ والنص العالقة والداللة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1221 ،1‬ص‪ ،129‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابع عشرة‬

‫وقدم الفيلسوف فيلهلم ديلثاي الهرمنيوطيقا على أنها تحليل وتأويل أشكال الكتابة في‬
‫العلوم اإلنسانية أي األدب واإلنسانيات والعلوم االجتماعية باعتبارها تختلف عن العلوم‬
‫الطبيعية التي ال تؤول وال تحتمل تعدد الوجوه فهي حقائق علمية ثابتة‪.‬‬
‫وقد عاد االهتمام بنظرية التأويل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حين‬
‫صار الهدف األساسي للنقد هو تأويل المعاني اللفظية‪.‬‬
‫والهرمنيوطيقا التقليدية كانت نظرية المعنى الوحيد وبذلك فهي تخالف نظرية التلقي‬
‫للنصوص‬
‫النص المقروء مقدس ال ينبغي أن يتجاوز‪ ،‬وقد انطلقت من المعنى الالهوتي ّ‬
‫ألن ّ‬
‫ثم اتسعت دائرتها في القرن التاسع عشر مع شيلرماخر ودلثاي‬
‫الدينية وخاصة اإلنجيل‪ّ ،‬‬
‫اللذين وضعا قواعد واجراءات تساعد القارئ كي ال يسيء فهم النص‪ ،‬وتحولت بذلك نظرية‬
‫‪1‬‬
‫المعنى الواحد إلى نظرية المعنى المتعدد"‬
‫وتمحورت قضايا النظرية حول إمكانية تحديد المعنى وثباته أو تغيره‪ ،‬وموضوعية‬
‫التأويل أو ذاتيته‪ ،‬وقضية التحيز‪ ،‬والتجرد‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫والتأويل يحاول أن يدرك ما فعله اآلخر أو فكر فيه أو كتبه‪.‬‬
‫إن اآلخرية أو الغيرية هي سبب التأويل‪ ،‬وأهم المفكرين في الهرمنيوطيقا مارتن‬
‫هايدجر ‪ Martin Heidegger‬وتلميذه هانز جورج غادامير ‪.Hans George Gadamer‬‬

‫سـعيد عمــري‪ :‬الروايـة مـن منظــور نظريـة التلقــي‪ ،‬منشـورات مشــروع البحـث النقــدي ونظريـة الترجمــة‪ ،‬جامعـة فــاس‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1228‬ص‪.19‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫المحاضرة الرابع عشرة‬

‫التعريف باألعالم‬
‫‪ -1‬فريدريك شليرماخر ‪ )1834-1768( Friedrich Schleiermacher‬فيلسوف ألماني‬
‫الهوتي‪ ،‬وعالم بالكتاب المقدس‪ ،‬له تأثير في النقد العالي‪ ،‬أسهم بشكل واسع في علم التأويل‬
‫الحديث‪ ،‬وكان له أثر في الفكر المسيحي في وقت متأخر وقد أطلق عليه أبو علم الالهوت‬
‫"الحديث"‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪ :‬عن الدين خطابات لمحتقريه من المثقفين‪ ،‬اإليمان المسيحي طبقا لمبادئ‬
‫الكنيسة االنجيلية‪ ،‬األخالق الفلسفية‪ ،‬دروس في علم الجمال‪.‬‬
‫‪ -2‬فيلهلم دلثاي ‪ )1811-1833( Wilhelm Dilthey‬فيلسوف ألماني وطبيب نفسي‬
‫وعالم اجتماع‪ ،‬وهو الفيلسوف األكثر نفوذا في فلسفة الحياة‪ ،‬وقد ارتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة‬
‫التاريخ من أعماله‪ :‬بناء العالم التاريخي‪ ،‬أفكار تتم بعلم النفس الوصفي والتحليلي‪ ،‬فلسفة‬
‫الحياة‪ ،‬علم الجمال وفلسفة الفن‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬مارتن هايدجر‪ Martin Heidegger :‬فيلسوف ألماني درس على يد إيدموند هوسرل‬
‫وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكالت الوجود والتقنية والحرية والحقيقة‪.‬‬
‫من أبرز مؤلفاته‪ :‬الوجود والزمان‪ ،‬دروب موحدة‪ ،‬ما الذي يسمى فكرا‪ ،‬المفاهيم األساسية في‬
‫الميتافيزيقا‪ ،‬نداء الحقيقة‪ ،‬وغيرها من المؤلفات‪.‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫الخاتمة‬

‫الخاتمة‬
‫يمكن من خالل هذه المطبوعة في مناهج النقد األدبي السياقية والنسقية التوصل إلى‬
‫النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اإللمام بعلم المناهج الذي يتطلب الدراسة واالطالع من أجل معرفة الطرق العلمية‬
‫التي ينبغي أن تتبع في تحليل النصوص األدبية اعتمادا على األسس العلمية التي‬
‫تضبط الدراسة وتوصل إلى النتائج المرجوة من كل بحث‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة خطة كل منهج نقدي في الدراسة حتى يتنسى للدراس والباحث أن يختار‬
‫المنهج المالئم لدراسة كل نص في مختلف األجناس األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬التعود على الضبط والتخطيط المحكم في كل عملية نقدية للوصول إلى الحقائق‬
‫العلمية في الدراسة البعيدة عن العشوائية والنظرة االنطباعية السطحية للنصوص‬
‫األدبية واإلبداعية‪.‬‬
‫‪ -‬اكتساب الطريقة المثلى في التحليل المتصفة بالتجرد والموضوعية لتجنب الميل نحو‬
‫الجانب الذاتي العاطفي‪.‬‬
‫‪ -‬التزود بالمعلومات الكافية من خالل اإللمام بكل المناهج والفلسفات الكامنة وراءها‬
‫لتحديد وجهة الباحث وهدفه من الدراسة وتحليل النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة كل منهج والتعمق فيه يؤدي حتما إلى معرفة الغوص بالتحليل والنقد في ثنايا‬
‫النص وخباياه بكل ثقة وفهم‪.‬‬
‫‪ -‬التدرج في فهم المن اهج منذ نشأتها إلى آخر منهج مبتكر يمنح الدارس والباحث فهم‬
‫تطور الفكر اإلنساني إبداعيا ونقديا‪.‬‬
‫‪ -‬االطالع على مناهج النقد يغري المشتغلين باألدب والنقد بالبحث ويحثهم على‬
‫الدراسة والكشف عن مبادئ الفكر والجواهر الكامنة وراء النصوص األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬توفر المناهج للباحث األرضية الصحيحة لينطلق في بحوثه على بينة ويقين لما‬
‫يسعى إلى البحث فيه‪.‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫الخاتمة‬

‫‪ -‬كل منهج يحمل رؤية معينة لدراسة النصوص‪ ،‬ومن ثمة فإن التمكن من المناهج‬
‫يوفر اإللمام بالرؤى المختلفة المتعددة فينطلق الباحث وفي جعبته رصيد معتبر من‬
‫المعلومات التي تمكنه من الدراسة والتحليل‪.‬‬
‫‪ -‬ت جعل المناهج الباحث يحيط علما بكل المصطلحات النقدية التي تساعده وتسهل‬
‫عليه عملية النقد والدراسة‪ ،‬تلك المصطلحات التي تعد بمثابة المفاتيح للولوج إلى‬
‫متاهات النص وفي أدغاله الفكرية والفلسفية والرؤيوية‪.‬‬
‫‪ -‬تساعد المناهج على إنجاز الدراسة الموضوعية والقدرة على ابتكار آليات الكتابة‬
‫والتأليف األكاديمي الجاد‪.‬‬
‫‪ -‬تشكل دراسة المناهج ملكة فكرية وذهنية علمية يحتاجها الناقد والمؤلف في منهجة‬
‫أفكاره على أسس وأصول معرفية علمية‪.‬‬
‫‪ -‬تحصيل الناقد على زاد معرفي نقدي يستطيع به أن يوازن ويقارن بين الدراسات‬
‫النقدية في مجال نقد النقد فيعرف اختالف النقاد والدارسين وطرق تحاليلهم ويجد‬
‫القدرة في نفسه على تقييم الدراسات النقدية ومدى توافقها مع المبادئ والقوانين النقدية‬
‫العلمية المضبوطة‪.‬‬
‫‪ -‬تمكن دراسة المناهج من معرفة ما توصل إليه الفكر اإلنساني من ابتكارات في مجال‬
‫العلوم اإلنسانية والمعرفية‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة أعالم وعلماء كل منهج يغري باالطالع على آرائهم وفلسفتهم ورؤاهم النقدية‬
‫مما يجعل الباحث يرقى بفكره إلى تلك المستويات الفكرية العالية‪.‬‬
‫‪ -‬تجعل الباحث يمتلك ملكة قوية في النقد‪ ،‬ويكتسب النظرة الثاقبة الحصيفة في إبداء‬
‫آرائه النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬التعود على التنظيم والترتيب والتدرج في كتابة بحوثه لتكون أكثر أهمية ونفعا‪.‬‬
‫‪ -‬التمكن واإللمام بالمناهج يجعل الباحث ينجز بحوثا تتصف باألهمية والروح العلمية‪.‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫الخاتمة‬

‫‪ -‬تفتح المناهج للباحث آفاقا ال نهائية من المعرفة وتمكنه من الغوص الكتشاف‬


‫الجديد‪.‬‬
‫‪ -‬إثراء المعرفة بما ينتجه الباحث من دراسات تزود الفكر اإلنساني وتدفعه نحو المزيد‬
‫من اكتشاف أسرار العلم والمعرفة‪.‬‬
‫‪ -‬المناهج نتاج معرفي إنساني من مختلف الثقافات لذلك فهي باب واسع لالطالع على‬
‫ما توصل إليه اآلخر من ابتكارات وفلسفات ورؤى جديدة ال تنتهي من خالل تالقي‬
‫المعارف في مناهج النقد األدبي‪.‬‬
‫مهما كانت هذه الدراسة فإنني أخي ار أشكر طلبتي في الماستر الذين شجعوني على‬
‫البحث باهتمامهم الشديد وبحرصهم المتواصل وحضورهم المكثف في تلقي هذه المادة‪ ،‬وال‬
‫شك أن بصمتهم من خالل المناقشة والحوار ظاهرة‪ ،‬إذ لوال استعدادهم وحماسهم للمادة‬
‫لكانت دراسات مبتسرة ضئيلة النفع‪..‬‬

‫د‪ /‬محمد سعدون‬

‫‪- 121 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫‪ .1‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬تح‪ :‬أحمد حامد الطاهر‪ ،‬دار الفجر للتراث‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .1‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ ،6‬شرح وضبط وترتيب‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .6‬أحمد محمد أبو مصطفى‪ :‬تداخل األجناس األدبية في العرافية المعاصرة‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬عزة‪.1211 ،‬‬
‫‪ .1‬أرسطو طاليس‪ :‬فن الشعر‪ ،‬تر‪ :‬إبراهيم حمادة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .1‬أفالطون‪ :‬جمهورية أفالطون‪ ،‬ترجمة فؤاد زكريا‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ .1‬أيف ستالوني‪ :‬األجناس األدبية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الزكراوي‪ ،‬المنظمة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1212‬‬
‫‪ .9‬بلوهم محمد‪ :‬سلطة القارئ‪ ،‬مجلة السيميائية والنص األدبي‪ ،‬أعمال ملتقى معهد اللغة‬
‫العربية وآدابها‪ ،‬جامة عنابة‪/19/11 ،‬ماي‪.1891 ،‬‬
‫‪ .9‬بيير جيرو‪ :‬علم اإلشارة السيمولوجية‪ ،‬تر‪ :‬منذر عياشي‪ ،‬دار الطالس للدراسات‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬دمشق‪.1899 ،‬‬
‫‪ .8‬جميل صليبيا‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪.1891 ،‬‬
‫‪ .12‬جهاد فاضل‪ :‬أسئلة النقد‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .11‬حسن مصطفى سحلول‪ :‬نظريات القراءة والتأويل األدبي وقضاياها‪ ،‬منشورات اتحاد‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .11‬حسن ناظم‪ :‬مفاهيم شعرية دراسة مقارنة في األصول والمنهج‪ ،‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1226 ،1‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫الرواية)‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪،‬‬


‫‪ .16‬حسين خمري‪ :‬فضاء المتخيل (مقاربات في ّ‬
‫ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .11‬خريستو نجم‪ :‬في النقد األدبي والتحليل النفسي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.1881 ،‬‬
‫‪ .11‬رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة في السيميائية السردية‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪.1222 ،‬‬
‫‪ .11‬رومان جاكسون‪ :‬قضايا الشعرية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الولي ومبارك حنون‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
‫المغرب‪.1899 ،‬‬
‫‪ .19‬سعد البازعي‪ :‬استقبال اآلخر‪ ،‬المركز الثقافي اعربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .19‬الشريف الجرجاني‪ :‬كتاب التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1889 ،1‬‬
‫‪ .18‬شكري عزيز الماضي‪ :‬في نظرية األدب‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1891 ،1‬‬
‫‪ .12‬شكري عزيز الماضي‪ :‬في نظرية األدب‪ ،‬د ار المنتخب العربي للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1886 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬صايل حميدان‪ :‬قضايا النقد األدبي‪ ،‬دار األمل‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.1881 ،11‬‬
‫‪ .11‬صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ط)‪.1881 ،‬‬
‫‪ .16‬صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪.1881 ،‬‬
‫‪ .11‬صالح فضل‪ :‬مناهج النقد المعاصر‪ ،‬د ار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ط)‪.1881 ،‬‬
‫‪ .11‬صالح فضل‪ :‬مناهج النقد‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪.1881 ،‬‬
‫‪ .11‬طه حسين‪ :‬خصام ونقد‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1892 ،12‬‬
‫‪ .19‬عبد السالم المسدي‪ :‬المصطلح النقدي‪ ،‬مؤسسات عبد الكريم بن عبد اهلل للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬تونس‪.1881 ،‬‬
‫‪ .19‬عبد السالم المسدي‪ :‬النقد والحداثة‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1896‬م‪.‬‬
‫‪- 123 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .18‬عبد السالم المسدي‪ :‬في آليات النقد األدبي‪ ،‬دار الجنوب‪ ،‬تونس‪.1881 ،‬‬
‫‪ .62‬عبد العزيز حمودة‪ :‬المرايا المحدبة‪ ،‬مجلة المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ،161‬أفريل ‪.1889‬‬
‫‪ .61‬عبد العزيز شبي ل‪ :‬نظرية األجناس األدبية في التراث النثري‪ ،‬دار محمد علي الحامي‪،‬‬
‫تونس‪.‬‬
‫‪ .61‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الخطيئة والتفكير من البنيوية إلى التشريحية‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط)‪.1221 ،‬‬
‫‪ .66‬عبد المنعم تليمة‪ :‬مدخل إلى علم الجمال األدبي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪.1899 ،‬‬
‫‪ .61‬عبد الناصر حسن محمد‪ :‬نظرية التوصيل وقراءة النص األدبي‪ ،‬المكتب المصري‬
‫لتوزيع المطبوعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1888 ،1‬‬
‫‪ .61‬علي جواد الطاهر‪ :‬منهج البحث األدبي‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪.1891 ،1‬‬
‫‪ .61‬عمر عيالن‪ :‬األدبي واالجتماعي‪ ،‬الملتقى الثاني‪ ،‬الجزائر‪ ،‬منشورات المركز الجامعي‪،‬‬
‫خنشلة‪.1229 ،‬‬
‫‪ .69‬غنيمي هالل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪.1891 ،‬‬
‫‪ .69‬فاطمة البريكي‪ :‬في النقد العربي القديم‪ ،‬د ار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .68‬فاطمة البريكي‪ :‬قضية التلقي في النقد العربي القديم‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1221‬‬
‫‪ .12‬فاطمة البريكي‪ :‬قضية التلقي في النقد العربي القديم‪ ،‬دار العالم العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اإلمارات المتحدة‪ ،‬ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .11‬مجموعة من الكتاب‪ :‬مدخل إلى مناهج النقد األدبي‪ ،‬تر‪ :‬رضوان ضاضا‪ ،‬عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬ع‪ ،111‬الكويت‪ ،‬ماي ‪.1889‬‬
‫‪ .11‬محمد التونجي‪ :‬المعجم المفصل لألدب‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪ .16‬محمد شوقي الزين‪ :‬تأويالت وتفكيكات فصول في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪- 124 -‬‬
‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .11‬محمد علي الفاروقي التهناوي‪ :‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬تح‪ :‬لطفي عبد البديع‪،‬‬
‫المؤسسة المصرية العامة‪1886 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬محمد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1229 ،8‬‬
‫‪ .11‬محمد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1228 ،8‬‬
‫‪ .19‬محمد لعياضي‪ :‬مناهج النقد وتطبيقاتها عند محمد مفتاح‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية اللغة‬
‫العربية وآدابها‪ ،‬الجزائر ‪.1212 ،1‬‬
‫‪ .19‬محمود عباس عبد الواحد‪ :‬قراءة النص وجماليات التلقي‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫ط‪.1881 ،1‬‬
‫‪ .18‬مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪11‬؛ نقال عن نعيم اليافي‪ :‬النقد‬
‫التكاملي حوار األسئلة واألجوبة اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬سوريا‪ ،‬كانون الثاني‪ ،‬وشباط‬
‫وآذار‪.1881 ،‬‬
‫‪ .12‬مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬منشورات الوطن اليوم‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1219 ،1‬‬
‫‪ .11‬مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬منشورات الوطن اليوم‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1219 ،1‬‬
‫‪ .11‬مخلوف عامر‪ :‬مناهج نقدية‪ ،‬منشورات الوطن اليوم‪ ،‬سطيف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1219 ،1‬‬
‫‪ .16‬ميخان الرويل وسعد البازعي‪ :‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫ط‪.1221 ،1‬‬
‫‪ .11‬نعيم اليافي‪ :‬في النقد التكاملي‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ،621‬جانفي‪.1881 ،‬‬
‫‪ .11‬يوسف وغليسي‪ :‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث‪ ،‬الدار العربية‬
‫للعلوم ناشرون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1229 ،1‬‬
‫‪ .11‬يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1229 ،1‬‬

‫المواقع اإللكتروني‪https//Ramadanellog.wordpress. :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫فهرس المحاضرات‬

‫فهرس المحاضرات‬

‫المقدمة‪1 ............................................................... .......‬‬


‫‪5‬‬ ‫المحاضرة األولى‪ :‬مهاد نظري‬
‫‪6‬‬ ‫مهاد نظري‬
‫‪ .1‬تعريف نظرية األدب‪6 ..................................................‬‬
‫‪ .2‬تعريف نظرية األجناس األدبية‪7 ........................................‬‬
‫‪ .3‬خصائص األجناس األدبية ‪11 ............................................‬‬
‫‪ .4‬دوافع ظهور األجناس األدبية‪11 .........................................‬‬
‫‪ .5‬األجناس األدبية الكبرى ‪12 ...............................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫المحاضرة الثانية‪ :‬نظريات األجناس األدبية‬
‫‪16‬‬ ‫نظريات األجناس األدبية‬
‫‪18‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‪ :‬مدخل إلى مناهج النقد‬
‫‪18‬‬ ‫مدخل إلى مناهج النقد‬
‫المنهج لغة‪18 ..................................................................‬‬
‫في مفهوم المناهج النقدية ‪21 ...................................................‬‬
‫غاية النقد‪21 ...................................................................‬‬
‫مجاالت اهتمام المناهج النقدية ‪22 ..............................................‬‬
‫عالقة المجالين المعرفيين‪( :‬النقد‪/‬المناهج) ‪23 ..................................‬‬
‫عالقة النص األدبي بالمناهج النقدية‪24 .........................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪25 .............................................................‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫فهرس المحاضرات‬

‫‪28‬‬ ‫المحاضرة الرابعة‪ :‬المصطلح النقدي‬


‫‪28‬‬ ‫المصطلح النقدي‬
‫أهمية المصطلح‪28 .............................................................‬‬
‫مفهوم المصطلح‪31 .............................................................‬‬
‫إشكالية المصطلح ‪31 .................................................... ......‬‬
‫عالقة المصطلح بالمنهج ‪33 ....................................................‬‬
‫هجرة المصطلح ‪34 ..............................................................‬‬
‫مصطلحات نقدية ‪35 ............................................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪37 .............................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫المحاضرة الخامسة‪ :‬اتجاهات المناهج النقدية‬
‫‪42‬‬ ‫اتجاهات المناهج النقدية السياقية‬
‫أ‪ -‬المناهج النقدية السياقية‪42 .................................................‬‬
‫مدخل‪ :‬في مفهوم المناهج النقدية السياقية‪42 ...................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ -1‬المنهج التاريخي‬
‫مفهومه ‪43 .....................................................................‬‬
‫خلفياته المعرفية والفلسفية ‪43 ...................................................‬‬
‫خصائصه ‪46 ....................................................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪47 .............................................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫المحاضرة السادسة‪ :‬المنهج االجتماعي‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -2‬المنهج االجتماعي‬
‫مفهومه ‪48 .....................................................................‬‬
‫خلفياته المعرفية والفلسفية‪48 ...................................................‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫فهرس المحاضرات‬

‫التعريف باألعالم ‪58 .............................................................‬‬


‫‪58‬‬ ‫المحاضرة السابعة‪ :‬المنهج النفسي ‪ -‬النفساني ‪-‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ -3‬المنهج النفسي ‪ -‬النفساني ‪-‬‬
‫مفهومه‪61 .....................................................................‬‬
‫خلفياته المعرفية والفلسفية ‪61 ...................................................‬‬
‫موقف النقاد منه ‪64 .............................................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪68 .............................................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫المحاضرة الثامنة‪ :‬المنهج التوفيقي التكاملي‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -4‬المنهج التوفيقي التكاملي‬
‫مفهومه ‪71 .....................................................................‬‬
‫خلفياته المعرفية ‪71 .............................................................‬‬
‫شروطه ‪71 ......................................................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪73 .............................................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫المحاضرة التاسعة‪ :‬المناهج النقدية النسقية‬
‫مدخل‪ :‬في مفهوم المناهج النقدية النسقية‪75 ...................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ -1‬النقد الجديد‬
‫مفهومه وخلفياته المعرفية ‪76 ...................................................‬‬
‫أسسه وخصائصه‪78 ............................................................‬‬
‫التعريف باألعالم‪81 .............................................................‬‬
‫‪82‬‬ ‫المحاضرة العاشرة‪ :‬الشكالنية‬
‫‪83‬‬ ‫‪ -2‬الشكالنية‬
‫نشأة المدرسة الشكالنية‪83 .....................................................‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫فهرس المحاضرات‬

‫مبادئ الشكالنية وخلفياتها المعرفية‪83 ..........................................‬‬


‫مواصفاتها‪84 .................................................................. .‬‬
‫التعريف باألعالم ‪87 .............................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫المحاضرة الحادية عشرة‪ :‬البنيوية‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -3‬البنيوية‬
‫التعريف بالبنيوية‪88 ............................................................‬‬
‫خلفياتها المعرفية ‪88 ............................................................‬‬
‫مميزاتها ‪82 .....................................................................‬‬
‫التعريف باألعالم ‪84 .............................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫المحاضرة الثانية عشرة‪ :‬التفكيكية‬
‫‪86‬‬ ‫‪ -4‬التفكيكية‬
‫التعريف بالتفكيكية ‪86 ...........................................................‬‬
‫خلفياتها المعرفية ‪86 ............................................................‬‬
‫مقوالت خاصة بالتفكيكية‪111 .....................................................‬‬
‫التعريف باألعالم‪112 .............................................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫المحاضرة الثالثة عشرة‪ :‬السيميائية‬
‫‪114‬‬ ‫‪ -5‬السيميائية‬
‫التعريف بالسيميائية‪114 .........................................................‬‬
‫خلفياتها المعرفية‪114 ............................................................‬‬
‫إشكالية العالمة عند دو سوسير‪111 .............................................‬‬
‫التعريف باألعالم‪111 .............................................................‬‬

‫‪- 129 -‬‬


‫محاضرات في مناهج النقد األدبي‬
‫الدكتور محمد سعدون‬ ‫فهرس المحاضرات‬

‫‪113‬‬ ‫المحاضرة الرابعة عشرة‪ :‬التأويلية ‪ -‬الهرمنيوطيقا ‪-‬‬


‫‪114‬‬ ‫‪ -6‬المنهج التأويلي‬
‫التعريف بالتأويلية‪114 ...........................................................‬‬
‫خلفياتها المعرفية والفلسفية‪114 ..................................................‬‬
‫التعريف باألعالم‪118 .............................................................‬‬
‫الخاتمة‪118 ......................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪122 .....................................................‬‬
‫الفهرس‪126 .....................................................................‬‬

‫‪- 131 -‬‬

You might also like