Professional Documents
Culture Documents
محاضرات مناهج النقد-ماستر أدب جزائري
محاضرات مناهج النقد-ماستر أدب جزائري
محاضرات في مقياس
مناهج النقد األدبي
السنة األولى ماستر
التخصص :أدب جزائري
إعداد الدكتور
محمد سعدون
المقدمة
أصبحت مناهج النقد في العصر الحديث علما ال غنى عنه في الدراسات النقدية
النصوص المختلفة أم ار أساسيا لسبر أغوار
األدبية الحديثة وأصبح المنهج المتبع في دراسة ّ
النص وكشف أبعاده الفكرية والفنية والفلسفية.
ّ
وهذه المناهج لم تأت من فراغ بل كان من وراء ك ّل منهج فلسفة كما يقول كلود
روميرو ،C.Romeroوقد تأثرت المناهج النقدية بتلك الفلسفات التي انبثقت منها ،ولما
النصوص األدبية كان ال بد من وضع مناهج لها أسس
تشعبت األفكار والدراسات في ّ
فإن الدراسات واألفكار ستصبح عرضة للتشتت وعدم
ومبادئ وقوانين يتبعها كل باحث واال ّ
االنضباط أما المناهج التقليدية فلم تكن مبنية على أسس تامة وقواعد متبعة يصل من
خاللها الناقد إلى النتائج واألهداف المرجوة من دراساته وأبحاثهّ ،إنما كان النقد عبارة عن
أفكار انطباعية غالبا ما تكون ذاتية بعيدة عن التجرد والموضوعية.
وجاء العصر الحديث وتعددت الرؤى والفلسفات ومن ثمة تطلب األمر ابتكار طرق
مدروسة للنقد وقواعد مضبوطة ينتهجها الناقد ،فظهرت مناهج مختلفة ومتعددة تنطلق من
أبعاد فلسفية ورؤية معينة حسب مختلف اتجاهات النقاد ونظرتهم لألدب ،واجتهد النقاد في
بناء تلك المناهج على أسس علمية ومعرفية وأكاديمية تجعل الناقد يسير على بينة من أمره
النصوص وتقييمها.
في تحليل ّ
وكان الغربيون سباقين في ابتكار تلك المناهج التي وضعوا لها أسسا وقوانين علمية،
وتوسعت االتجاهات من خالل التقدم العلمي والمعرفي وبالتالي تعددت تلك المناهج وصار
ك ّل منهج يعبر عن اتجاه معين في األدب ،واجترح له النقاد مصطلحات خاصة تضبط
حدوده ،وتعبر عن نظرات فكرية وأدبية وفنية معينة.
وقد أصبح للمنهج أهمية قصوى في الدراسات الحديثة ،لذلك فقد حرص الغربيون
على المنهجة لكل شيء ،فال يعدون مشروعا أو موضوعا إال ومنهجوا له وقننوا له القوانين
-1-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المقدمة
وحددوا له الخطوات من بداية الدراسة إلى نهايتها ،فأصبح الناقد ال يبعثر آراءه وال يطلقها
جزافا بل صار الناقد يبني أفكاره النقدية وفق منهج علمي مدروس ومضبوط ومحدد المعالم.
وانتقلت هذه المناهج إلى العالم العربي إال أن هذا االنتقال غالبا ما كان بطيئا حتّى
إذا استهلك في الغرب ،بدأ النقاد العرب في تطبيقه والعمل به ،وربما ال نعثر على منهج
نقدي وصل في وقته إلى العالم العربي ،ومن ثمة فإن الدراسات النقدية العربية ظلت مقلدة
لمناهج الغرب ولم يستطع النقاد العرب أن يضاهوا أو يسايروا الدراسات األدبية والمنهجية
في الغرب فمعظم هذه المناهج التي يطبقونها هي نتاج غربي بحت ،ومع ذلك فقد أفاد منها
الناقد األدبي في العالم العربي إلى حد بعيد مهما كانت الدراسات النقدية مبتسرة بالمقارنة مع
النقود الغربية المتطورة.
ويبقى هناك إشكال قائم في طريق الدراسات النقدية العربية التي تبنى على مناهج
مترجمة ،وهذا اإلشكال يتمثل في الترجمة نفسها وفي تعدد المصطلح الواحد وترجمته إلى
العربية ومن ثمة وقع اختالف في تحديد المعنى فهناك من يترجمعلى سبيل المثال مصطلح
Poétiqueبالشعرية وهناك من يترجمه إلى الشاعرية ،حتى بلغت ترجمات هذا المصطلح
أحيانا حوالي ثالثين ترجمة.
وهناك إشكال آخر في المناهج وهو ّأنها صعبة التطبيق حتّى في البلدان التي نشأت
فإن الصعوبة كانت أكبر في تطبيقها في الدراسات العربية.
فيها ،ومن ثمة ّ
فإن هذه المناهج كانت مفيدة جدا في الدراسات العربية الحداثية التي
ومع ذلك ّ
حاولت مواكبة الحركة النقدية في الغرب.
وال شك أن الباحثين والطالب قد وجدوا فيها معالم الطريق نحو الوصول إلى النتائج
المرجوة من دراساتهم النقدية المختلفة.
وقد حاول بعض الدراسيين أن يجدوا أث ار لهذه المناهج في تراثنا العربي لتكون امتدادا
للدراسات التراثية ،ولكن فترة الركود وقرون التخلف نظ ار ألسباب واقعية وتاريخيه ،جعلت هذه
النظرة قاصرة في إيجاد منهج حديث قائم بذاته يستند على الدراسات التقليدية.
-2-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المقدمة
بأن المعارف في العصر الحديث قد أصبحت مشتركة فأزيلت التخوم
ويمكن القول ّ
والحواجز بين المعارف التي صارت متقاربة متداخلة بعيدة عن اإلقليمية واإليديولوجية
والمبادئ القومية ،وتطورت الدراسات فهي أقرب للعلمية والرؤى اإلنسانية التي ال تعترف
بالحدود الجغرافية.
هناك من النقاد من ينفي تطابق هذه المناهج الوافدة إلينا من الغرب مع طبيعة النص
األدبي العربي لكونها مبنية على خصائص تاريخية واجتماعية وفكرية غربية ،ولكن الواقع
النصوص األدبية العربية ألنه ال بديل عنها ،والذين
فرض تقبل هذه المناهج واسقاطها على ّ
ينادون بهذه النظرة لم يقدموا البديل لالستغناء عن هذه المناهج الوافدة.
ومن النقاد من رأى بأنها مناهج علمية تنطبق على ك ّل اآلداب العالمية دون استثناء،
ويبقى هذا االتجاه سائدا في غياب البديل.
ونحن فعال لما نحاول تطبيق هذه المناهج نجدها مالئمة إلى حد بعيد والسبب في
ذلك هو أن أ صحابها قد بنوها وفق قوانين علمية ال تختص بأدب دون آخر ،إال أن التجديد
في مجال المناهج عند العرب يبقى منعدما ،ويبقى التقليد واألخذ عن اآلخر هو السائد في
عالمنا العربي.
وهذه المطبوعة الموسومة "مناهج النقد األدبي" هي خاصة بطلبة الماستر في السنة
األولى تخصص أدب جزائري ،وهي مفيدة للتخصصات والمراحل األخرى فال يعدم طالب
الماستر في التخصصات األخرى أو طالب الليسانس اإلفادة منها فبعض المناهج في هذه
المطبوعة مشتركة بين مختلف التخصصات والمراحل.
حاولنا أن تكون هذه المحاضرات متدرجة تدرجا تاريخيا على الرغم من أن فترة ظهور
ك ّل المناهج كان في فترات متقاربة ،وال شك أن التسلسل التاريخي وفهم المنهج السابق قبل
الولوج إلى المنهج الالحق يمكن الطالب من فهم المنهج الالحق على أساس أن ك ّل منهج
يمهد لآلخر ،وفي كثير من األحيان ال يمكن تصور أو فهم منهج معين ما لم تستوعب
-3-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المقدمة
المناهج السابقة له التي أثرت فيه ،وقد يكون المنهج الجديد مناهضا أو مناقضا للمنهج الذي
سبقه.
وبدأت بالمناهج السياقية باعتبارها ظهرت قبل المناهج النسقية ،وهي جميعها عبارة
عن محاوالت مرحلية تاريخية وفلسفية ،فالمناهج السياقية وجدت في مرحلة معينة قبل
ثم أصبحت
االنفجار المعرفي العلمي وقبل سيطرة العلوم التجريبية على الساحة العالميةّ ،
المناهج النقدية متأثرة بالموجة العلمية كغيرها من المعارف األخرى في العصر الحديث.
وقد حاولت إثر ك ّل منهج أن أعرف ببعض األعالم من أجل الرجوع إليهم للتوسع
فإن معرفة األعالم
واالستزادة إذ ال يمكن اإلحاطة بكل منهج في صفحات معينة ،ومن ثمة ّ
من شأنه أن يوسع مدارك الطالب في معرفة المنظرين للمنهج ويدرك بوضوح فلسفتهم
ومنطلقاتهم في بناء هذه المناهج ،وال شك أن اإلحالة إلى كتبهم تمكن من الفهم العميق لكل
منهج.
أما اإلحالة إلى المصادر والمراجع فهو ضروري للطالب الّذي ينبغي َأال يكتفي بما
يلقى عليه من محاضرات ،بل من الضروري أن يتحلى بروح الباحث الّذي يروم المزيد
والتوسع بقدر ما يستطيع ليتمكن من الفهم وبالتالي االستعداد لخوض غمار البحوث
مستقبال ،وذلك باالطالع على كل ما قام به أولئك األعالم من دراسات وبحوث في مجال
مناهج النقد.
أما الخاتمة فقد استخلصت فيها كل ما يهم الطالب من نتائج يتوصل إليها من
دراسته للمناهج السياقية والنسقية.
-4-
المحاضرة األولى
مهاد نظري
-5-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
مهـــــــــــــــــــــاد نظـــــــــــــــــــــري
سعى اإلنسان للتعبير عن تفاعله وصراعه المستمر مع الحياة والواقع إلى إيجاد طرق
ومسالك للتعبير عما يجيش بداخله وهي ما يسمى" :األجناس األدبية" ،وهناك الضرب وهو
أقل من الجنس (الضرب من الشيء أو الصنف منه) 1وهذا أقل من الجنس.
وقد تولدت األجناس بدوافع عقلية وعاطفية وخيالية وغريزية وما هو شعوري وغير
النصوص ،بعضا إلى
شعوري ،وهناك تعريف آخر (الجنس مقولة تمكن من ضم عدد من ّ
بعض بناء على معايير مختلفة) .2
فاألجناس األدبية قوالب وأطر خاصة تضم ما يختلج في داخل اإلنسان بأشكال
تتجانس فيها االختالجات فتكون لها ميزات وخصائص موحدة ،ودراسة تلك األجناس هي
"نظرية األجناس األدبية".
وقد اختلف النقاد والدارسون في تعريف األدب ،وكانت لهم تعريفات شتى في مفهومه
ونشأت عن ذلك "نظرية األدب" ،وهذه التعريفات المتباينة لألدب تنبع من اختالف الفلسفات
والتصورات التي ينطلق منها ك ّل من يتعامل مع األدب ويسعى للوصول إلى تعريفه وتحديده
وقبل الخوض في تعريف نظرية األجناس األدبية ينبغي التعريف بـ"نظرية األدب" التي تشمل
األجناس األدبية.
-1تعريف نظرية األدب:
السؤال األساسي الّذي تنطلق منه نظرية األدب هو :ما األدب؟
يعتقد الكثير من النقاد والباحثين ّأنه من غير الممكن تحديد ماهية األدب ،غير أن
نظرية األدب تحاول اإلحاطة بمفهوم األدب ،فترى بأنه الدراسة المنهجية لطبيعة األدب
وتحليله ،فنظرية األدب هي مجموعة من األفكار التي تهتم بالبحث في نشأة األدب وطبيعته
ووظيفته ،وهي تدرس الظاهرة األدبية بشكل عام ،من أجل استنباط حقيقة األدب ،وهذا ما
جميل صليبيا :المعجم الفلسفي ،ج ،1دار الكتاب ،بيروت ،د.ط ،1891 ،ص.111 1
أيف ستالوني :األجناس األدبية ،تر :محمد الزكراوي ،المنظمة العربية ،بيروت ،ط ،1212 ،1ص.11 2
-6-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
يميزها عن غيرها من مجاالت الدراسة األدبية لذلك فهي تحاول تقديم إجابات تركز على
صميم األدب الستخراج مفهوم شامل ومتكامل عن معنى األدب.
ويعتبر النقد األدبي وتاريخ األدب أكثر الحقول األدبية تداخال مع نظرية األدب ،ومن
فإنه يصعب فصلها عن بعضها مما جعل معظم الدراسيين يدمجون بعض أسس النظرية
ثمة ّ
في دراساتهم النقدية واألدبية.
وقد اختلف النقاد والدارسون في تعريف األدب وهو عند البنيويين واأللسنيين كما يرى
شكري عزيز الماضي فهو يرى أن (هناك من يحاول أن يعرف األدب من خالل األداة،
فاألدب فن لغوي ،أو لغة الخيال أو كيان لغوي ،جسد لغوي أو مجموعة من الجمل...الخ)،1
أن األدب بشكل عام هو ذلك التفاعل والجدل بين كيان اإلنسان الداخلي والواقع
إال ّ
الخارجي.
وقد يتجاوز ذلك الجدل الطبيعة والكون إلى الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة ،إال أن
األدب له أركان يقوم عليها:
-ملكة االنشاء
-ملكة التذوق
-ملكة النقد
-2تعريف نظرية األجناس األدبية:
نظرية األجناس من النظريات الحديثة في الحقل النقدي ،وقد انبثقت من خالل
األعمال األدبية ،وهذه النظرية لم تكن ضمن الدراسات النقدية عند القدماء ،وقد غاص النقاد
الغربيون في العصر الحديث في أغوارها وتوقفوا عندها واعتكفوا على دراستها ،وبدأ االهتمام
بها في الدراسات العربية الحديثة من خالل األعمال األدبية والنقدية مؤخرا.
ومن رواد هذه النظرية مخائيل باختين M.Bakhtineحيث ألف كتابا بعنوان "الخطاب
الرواية وسماها "األجناس المتخللة"
الروائي" الّذي أشار فيه إلى تداخل األجناس األدبية في ّ
ّ
شكري عزيز الماضي :في نظرية األدب ،دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،ط ،1891 ،1ص.12 1
-7-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
أما تزفيتان تودوروف T.Todorovفقد بين أصول النظرية في إحدى دراساته الموسومة
"نظرية األجناس األدبية" ،أما جوليا كريستيفا J.Kristevaفقد تحدثت عن ذلك في كتابها
النص المغلق والتداخل النصي ،أما جيرار جنيت G.Genetteفقد
النص" وأشارت إلى ّ
"علم ّ
النص"
النص" عن تداخل األجناس األدبية وسماها "جامع ّ
تحدث في كتابه "مدخل لجامع ّ
واهتم بهذه النظرية نقاد غربيون آخرون منهم هانس روبرت ياوس H.R.Yausوكارل فيتور
K.Vietorوجان ماري شافر J.M.Chèvreوغيرهم من النقاد.
وقام النادي الثقافي بجدة عام 1881م بجمع أعمال النقاد الّذين كتبوا في النظرية في
ثم تتالت التآليف في هذه النظرية من ذوي
كتاب بعنوان "نظرية األجناس األدبية" ّ
االختصاص.
وشرع النقاد العرب المعاصرون يؤلفون في مجال نظرية األجناس ،وأول من كتب
فيها خلدون الشمعة عام 1891في مقال له بعنوان "مقدمة في نظرية األجناس األدبية" ،أما
غنيمي هالل فقد خصص جزءا من كتابه "األدب المقارن" تحدث فيه عن األجناس األدبية
وعرفها كما يلي :المقصود باألجناس األدبية هي تلك القوالب الفنية العامة التي تفرض على
الشعراء والكتاب مجموعة من القواعد الفنية الخاصة بكل قالب على حدة. 1وأسهم نادي
الرياضي األدبي في التأسيس النقدي التطبيقي لهذه النظرية عند العرب وتقديم ملف بعنوان
"تداخل األجناس األدبية" ،وتوالت التآليف عند العرب بعد ذلك ،ففي سنة 1221ظهر كتاب
"نظرية األجناس األدبية في التراث النثري" لعبد العزيز نبيل" ،من اإلنشائية إلى األجناسية"
ألحمد الجوة عام 1229م ،وكتاب "األجناس األدبية من الضبط إلى العبور" عام 1229م
ألمين بن مبروك ،وألفت بسمة بن عروس عام 1229م كتابا بعنوان "التفاعل في األجناس
األدبية" وأقام قسم اللّغة العربية وآدابها بجامعة اليرموك األردنية مؤتمر النقد الدولي الثاني
عشر عام ،1228بعنوان "تداخل األنواع األدبية" ،واشتمل على تسعين بحثا ،وهناك دراسة
محمد غنيمي هالل :األدب المقارن ،نهضة مصر ،القاهرة ،ط ،1228 ،8ص.119 1
-8-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
لعز الدين لمناصرة تحت عنوان "األجناس األدبية المعاصرة في ضوء الشعريات المقارنة
قراءة مونتاجية" عام 1212م ،وهناك مؤلفات معاصرة أخرى منها:
-تداخل األنواع األدبية وشعرية النوع الهجين لعبد الناصر هالل .1211
-جذور نظرية األجناس األدبية في النقد العربي القديم لفاضل عبود التميمي عام 1211م.
-التداخل األجناسي في األدب العربي المعاصر لمحمد آيت ميهوب سنة .1218
-األدب العربي دراسة في ضوء نظرية األجناس لمحمد كريم الكواز عام .1212
وهناك دراسات تطبيقية على األعمال األدبية ،وبالرجوع إلى أصل نشأة هذه النظرية
نجد ّأنها تبحث في تاريخ انفصال األنواع األدبية واستقاللها عن بعضها بعضا ،وكان ذلك
منذ الفترة اليونانية ممثلة في تلك األشكال األدبية األولى القديمة من شعر وملحمة ودراسات،
فقضية األجناس األدبية من أقدم القضايا وتناولها الباحثون منذ إرهاصات النقد اليوناني إلى
الدراسات النقدية الراهنة ،واحتل تصور الجنس األدبي على مر العصور مكانة مرموقة فهو
يصف الظواهر األدبية ويفسرها ،فبعد إهمال األجناس األدبية في النصف األول من القرن
العشرين ،عاد االهتمام به من جديد وتنوعت فيه المقاربات والتصنيفات.1
واستمر البحث إلى يومنا هذا ،والجدل حول األدب نفسه أدى إلى دراسة األجناس،
وتحدث عن هذه األجناس ك ّل من أفالطون Platonوأرسطو Aristoteفضال عن تصورات
سقراط.
ومنذ تلك العهود واألجناس األدبية تتوالد بشكل مستمر ضمن أساليب وقوالب مختلفة
لتواكب مسيرة اإلنسان عبر العصور في مختلف البيئات ،وقد بحث الدارسون في األسباب
الداعي ة إلى وجود األجناس األدبية وبينوا األسس التي من شأنها أن تقسم األدب إلى أجناس
ثم درسوا خصائص ك ّل جنس ومكوناته وتطوره وتغيره من فترة إلى أخرى وربما يرجع السبب
ّ
في نشأة األجناس إلى المبدع ذاته فهو من خاللها يستطيع التعبير عن تجاربه الخاصة وما
يختلج في أعماقه من هموم وأفراح وخبرات ومواقف ،ومن األجناس األدبية :الشعر الغنائي
عبد العزيز شبيل :نظرية األجناس األدبية في التراث النثري ،دار محمد علي الحامي ،تونس ،ص.19،19 1
-9-
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
وما تفرع منه من موضوعات وأبواب ،وكذلك األجناس النثرية كالخطابة والوصايا والرحلة
الرواية وأدب الرحلة...إلخ.
القصة و ّ
والمقالة ،والسيرة الذاتية والمسرحية و ّ
وهذه األجناس ليست ثابتة بل يط أر عليها التغيير والتطور وقد تظهر بعض األجناس
وقد يختفي بعضها ،ولكل جنس ميزات فمثال :ك ّل ما يتعلق بذات الشاعر وما يصدر عنه
من تجارب خاصة وهموم وأفراح وخبرات وتأمالت انضوى تحت "الشعر الغنائي" ،وكذلك
الخطابة والوصايا والرحلة ،والمقالة الذاتية والسيرة الذاتية ،والميزة المشتركة بين هذه األجناس
هي الطابع الذاتي ،وكل ما يتعلق بالواقع االجتماعي تنشأ عنه أجناس أدبية معينة كالملحمة
الرواية والمقالة الموضوعية والسيرة العامة ،وهناك أدب الزهد والتصوف
القصة و ّ
والمسرحية و ّ
واالبتهال.
-3خصائص األجناس األدبية:
وهي تصنيف األدب إلى مجموعات حسب المضمون واألسلوب وفق تعابير معينة،
وقد عرف األدب أجناسا أدبية مختلفة ،وأول من استعمل مصطلح األجناس هو الجاحظ
"فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" ،وصنف النقاد العرب القدامى
ّ
األدب صنفين :الشعر والنثر.
ولكل جنس أدبي خصائص ومميزات تجعله يختلف عن غيره من األجناس تتعلق
بالشكل والداللة ،فلكل جنس مواصفات وأشكال فنية خاصة ،فالجنس األدبي مضبوط ُببَنى
وقواعد وأنظمة تفرقه عن غيره من األجناس حتّى لو كانت تلك األجناس متشابهة في بعض
فإن هناك بعض االختالف يمنحها االستقالل ويكسبها
المزايا النوعية والخصائص األسلوبيةّ ،
اإلبداع والتجدد.1
أحمد محمد أبو مصطفى :تداخل األجناس األدبية في القصيدة الع ارقية المعاصرة ،رسالة ماجسـتير ،الجامعـة اإلسـالمية، 1
وترجع بداية نشأة األجناس األدبية إلى اليونانيين إذ إن أفالطون Platonهو أول من
استعمل كلمة التجنيس األدبي ،ولكنه لم يحدد المصطلح تحديدا دقيقا ولم يذكر تصنيفات
معينة لألدب.
أما أرسطو Aristoteفقد قسم الشعر إلى شعر المالحم والملهاة والمأساة ،ويعد كتابه
"فن الشعر" مصد ار أساسيا للنقاد في تصنيف األجناس األدبية حيث يعالج أرسطو الجنس
كأنه كائن طبيعي . 1أما األجناس األدبية التي ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر
األدبي ّ
القصة القصيرة
نظ ار لالحتكاك بالغرب ،فهي مجموعة من األجناس المتطورة كالرواية و ّ
واألقصوصة والمسرحية.
أ -وجود مستقل :لكل جنس أدبي وجود مستقل عن غيره من األحناس ،وينفرد بمجموعة
من الخصائص ،غير أن هناك تشابها بين بعض األجناس.
ثم يولد بعده
ب -الزمان الخاص :وهو الزمن الّذي يظهر فيه الجنس األدبي ويولد وينمو فيه ّ
جنس آخر.
ج -المرونة :تتصف األجناس األدبية بالمرونة ،ففي كثير من األحيان نجد تداخل تلك
األجناس فيما بينها ،وتتجلى في حالة فنيه ،إبداعية ،حيث تدمج مجموعة من األجناس في
كتاب واحد أو نص واحد.
د -التطورية :ال تتوقف األجناس في حالة واحدة ،واّنما تتطور بتطور العصر واإلنسان.
-4دوافع ظهور األجناس األدبية:
هناك مجموعة من األسباب والدوافع التي أدت إلى ظهور األجناس األدبية وهي:
أ -االحتكاك بالغرب :نظ ار للتطور االجتماعي في المجتمعات العربية ،واحتكاك رواد األدب
العربي من خالل السفر بأدباء الغرب واطالعهم على األجناس األدبية عندهم جعلهم ينقلونها
ويدخلونها إلى األدب العربي فانتشرت تلك األجناس والقت رواجا كبيرا.
أرسطو طاليس :فن الشعر ،تر :إبراهيم حمادة ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،د.ط ،د.ت ،ص.16 1
- 11 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
ب -ذات المبدع :يمثل المبدع مصد ار أساسيا في ظهور األجناس إذ هو الّذي يعبر عن
تجاربه وهمومه وانشغاالته وخبراته ومواقفه وتأمالته واختياراته.
ج -مكانة الطبيعة :ال شك أن الطبيعة تحفز المبدع وتؤثر في نفسه ومشاعره وتدفعه إلى
الكتابة.
د -متطلبات العصر :يعد االرتباط بالعصر والواقع نفسيا واجتماعيا دافعا لتعبير المبدع عن
الكثير من القضايا الفنية والفكرية واالجتماعية.
-5األجناس األدبية الكبرى:
أ -الملحمة :تعد الملحمة من أقدم األجناس األدبية في العهد اليوناني ،وكان لها تأثير
عميق في المجتمع لما تحمله من طابع تاريخي وبطولي ،وقد فصلها أفالطون Platonعن
الشعر كله نظ ار لكونها تبعث على الشجاعة والتفكير بعكس الدراسات التي تثير الشفقة
بأن
وتبعث على الحزن والضعف ،لذلك نجد أفالطون يبعد الشعراء عن جمهوريته ويرى ّ
الشعراء مزيفين انطالقا من مبدأ أخالقي وديني فالملحمة تتحدث عن البطوالت واآللهة مما
يجعلها تثير عاطفة اإلعجاب وتقوي الجانب األخالقي ،لكونها تنتسب للفن القصصي الّذي
يفضله "وقد فضل أفالطون الملحمة واعتبر الفن القصصي هو األفضل وليس الفن
فإنها تثير
التراجيدي ألن الملحمة على حد تعبيره تثير عاطفة اإلعجاب بأبطالها أما الدراما ّ
الناس أكثر ضعفا ،أما رأيه األخير في الشعر
عاطفتي الشفقة والخوف وبالتالي تجعل ّ
فيتمثل في أن الشعر يجب أن يق أر كشكل".1
وقد أقصى أفالطون في عالمه المثالي العالم الحسي إذ هو عالم مزيف وفيه تشويه
(ثم
للحقائق وهو عالم زائل ،وقد ركز أفالطون على أهمية اآللهة مما جعله يرحب بالملحمة ّ
قلنا :تلك هي القواعد التي ينبغي أن نلتزمها من األمور اإللهية ،فلنصرح ببعض القصص،
شكري عزيز الماضي :في نظرية األدب ،دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت،ط ،1891 ،1ص.18 1
- 12 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
ونمنع البعض اآلخر من أن يصل إلى أسماع رجال منذ طفولتهم شيئا أن يشبوا على تقوى
الناس).1
اآللهة وتبجيل اآلباء ومحبة ّ
قصة مطولة تروي بطولة
ب -الكوميديا اإللهية :وهي من أبرز المالحم الشعرية ،وهي ّ
إن سبب تسمية ملحمته
ال ّشخصية الرئيسية في أسلوب شعري ،قال عنها مؤلفها دانتي ّ
بالملهاة ألنها تنفي الشقاء وتنقل إلى السعادة وقد قسمها دانتي إلى ثالثة أقسام :الجحيم
المطهر-الجنة األرضية-السماوية
وتضم مائة أنشودة متكاملة عرضها دانتي بشكل رواية شعرية تنقله من رحاب
فإن دانتي انتقل إليها وهو
األرض إلى ملكوت السماء ،واذا انتقل المعري إليها وهو أعمى ّ
نائم.2
ج -اإللياذة :Iliadمن تأليف الشاعر األعمى اإلغريقي هوميروس Homerوهي من أهم
الروائع اإلنسانية ،وهي خالدة إلى اليوم رغم ّأنها عبارة عن أساطير ولكنها جسدت التصور
قصة حب
اإلنساني في إيمانه بقوة خارقة تمثلها اآللهة بمختلف أسمائها ،وهي عبارة عن ّ
واشتملت على أحداث خارقة ،واإللياذة أشهر ملحمة في العالم.
د -األوديسا :كتبها هوميروس وهي من األعمال العالمية المخلدة ،تروي أحداثا أسطورية
توظف اآللهة التي تجسد القوى الخارقة وبطلها أوديسيوس
ه-اإلنياذة :Enèidمؤلفها فرجيل Virgileوكانت مؤلفة على شاكلة اإللياذة واألدوديسا
لهوميروس ،وهي ملحمة شعرية ،بطلها إنياد الطروادي.
تعد هذه األجناس الملحمية من األجناس األولى األدبية في التاريخ تلتها أجناس
أخرى كثيرة ،وبقي هذا التقسيم سائدا حتّى مجيء الرومان ولم يضيفوا شيئا إلى نظرية
األجناس األدبية ،وتبنوا ما توصل إليه اليونانيون ،واستمر األمر هكذا حتّى القرن الثامن
عشر ومجيء أول مدرسة إنجليزية في النقد األدبي وسميت هذه المدرسة بالكالسيكية
أفالطون :جمهورية أفالطون ،ترجمة فؤاد زكريا ،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ،القاهرة ،ص.91 1
- 13 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة األولى
الجديدة التي دعت إلى فصل األنواع األدبية بعضها عن بعض ،فهي محددة وغير
مختلطة.1
فاألجناس األدبية :هي تصنيف األدب إلى مجموعات حسب المضمون واألسلوب
وفق معايير معينة.
- 14 -
المحاضرة الثانية
نظريات األجناس األدبية
.4النظرية التاريخية
.0النظرية الجمالية
.3النظرية األسلوبية
.1النظرية الكالسيكية
.5النظرية الرومانسية
.6نظرية تداخل األجناس
.7النظرية التطورية
- 15 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية
عبد المنعم تليمة :مدخل إلى علم الجمال األدبي ،دار الثقافة ،القاهرة ،د.ط ،1899 ،ص.12 1
- 16 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية
وهناك رأي معارض يؤمن بنقاء األجناس وعدم تداخلها ،حيث ينبغي أال تتداخل
عناصر جنس مع جنس آخر ،يقول فرديناند دوسوسير ( F.De Saussureالنوع يتحدد قبل
ك ّل شيء بما ليس واردا في األجناس األخرى).
أن الدراسات األدبية والنقدية واللسانية
وهناك نظريات أخرى لألجناس األدبية غير ّ
المعاصرة بدأت تتقارب في استخدام آليات الدراسة لألجناس األدبية وتستعير من بعضها
بأن نظرية تداخل األجناس هي التي تسود وتعتمد في
بعضا مصطلحات الدراسة بما يوحي ّ
الدراسات األدبية والنقدية واللسانية.
-7النظرية التطورية :ويرى أصحابها أن األجناس األدبية تتكون كما تتكون اإلشارات
األخرى في الطبيعة فهي تتوالد كما تتوالد الكائنات الحية ،وتنتقل من البسيط إلى المركب
والمعقد ،ومن األحادي إلى التعدد ،ومن المتجانس إلى غير المتجانس ويمر الجنس األدبي
ثم االندثار.
بفترة الوالدة وفترة النضج وفترة الموت ّ
- 17 -
المحاضرة الثالثة
مدخل إلى مناهج النقد
.4المنهج لغة
.0نشأة النقد
.3غاية مناهج النقد
.1في مفهوم المناهج النقدية
.5غاية النقد
.6مجاالت اهتمام المناهج النقدية
.7عالقة المجالين المعرفيين (النقد/المناهج)
.8عالقة النص األدبي بالمناهج النقدية
- 18 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
صالح فضل :مناهج النقد ،دار اآلفاق العربية ،القاهرة ،د.ط ،1881 ،ص.9 1
- 19 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
اإلنسانية والتطور العلمي ،كان ال بد أن تخطو اإلنسانية خطوات نوعية نحو درجة أرقى من
التحضر ساهمت فيها األجناس البشرية ،ولكن الفضل األخير يعود إلى اآلخر/الغرب الّذي
شهد نهضة علمية تكنولوجية صار فيها العقل سيدا فابتكر مناهج في البحث لم تسبق،
خاصة وأنها اعتمدت البحث األكاديمي في الجامعات.1
-3غاية مناهج النقد:
للمناهج النقدية غايات متعددة تتلخص في تقويم العمل األدبي من الناحية الفنية
وبيان قيمته الموضوعية وقيمته الشعورية والتعبيرية ،وتعيين مكانته ورتبته وحجم اإلضافة
التي أضافها للتراث األدبي في اللّغة العربية بوجه خاص ،وفي العالم األدبي بوجه عام.
-4في مفهوم المناهج النقدية:
المنهج عبارة عن خطة مضبوطة واضحة لها بداية ولها نهاية ،توضع قصد الوصول
إلى مناهج محددة والمنهج النقدي في الحقل األدبي يعني الطريقة التي يتبعها الناقد في
دراسة العمل اإلبداعي من أجل الكشف عن دالالته الضمنية وابراز جمالياته البنائية
والشكلية ،فالمنهج هو الطريقة التي يتبعها ك ّل دارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من
موضوعات األدب وقضاياه.2
ويعتمد المنهج على التصور النظري لدراسة العمل اإلبداعي ،وهذا التصور هو تلك
النص اإلبداعي ،وهذه الخطة النظرية
الخطة المدروسة التي يعالج من خاللها الناقد ذلك ّ
النصوص تحليال تطبيقيا إجرائيا تتجلى منه مجموعة من النتائج.
يستطيع من تلقائها تحليل ّ
النص كما يفعل كمال أبو ديب
وينبغي أال يفرض المنهج األدبي بشكل قسري على ّ
النص
النص للمنهج الّذي يختاره وال يراعي طبيعة ّ
الّذي يقول "أنا منهجاوي" ،حيث يخضع ّ
النص فيه وا ّن كان ذلك المنهج ال
ثم يقحم ّ
التي تالئم ذلك المنهج فهو يضع المنهج أوال ّ
النص.
يالئم طبيعة ّ
مخلوف عامر :مناهج نقدية ،منشورات الوطن اليوم ،سطيف ،الجزائر ،ط ،1219 ،1ص.11 1
علي جواد الطاهر :منهج البحث األدبي ،مكتبة النهضة ،بغداد ،ط ،1891 ،1ص.11 2
- 21 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
- 21 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
النص ليكون
-6ومن أهداف النقد ّأنه يبين المواصفات األساسية التي ينبغي أن تتوفر في ّ
أث ار أدبيا خالدا وفق معايير وقواعد نقدية معينة كما أن النقد يضع بين أيدينا المعايير التي
النص األدبي ،ويعني النقد بالفكر والخيال والعاطفة وكل ما يتعلق
تمكننا من معرفة جودة ّ
النص.
بأسلوب ّ
فإن لكل منهج نقدي أسسه وضوابطه وقوانينه ومبادئه،
أما الغاية من المناهج النقديةّ ،
ويختار الناقد المنهج الّذي يالئم دراسة عمل أدبي ما ،ومن بين غايات مناهج النقد بشكل
عام ما يلي:
.1التحليل والتفسير والشرح والمقارنة للوصول إلى نتائج معينة.
.1الكشف عن الخصائص واآلليات التي تشكل العمل األدبي.
.6الوصول إلى جوهر العمل األدبي.
النص األدبي "اللغوية ،التركيبية ،الفنية ،النفسية ،البيئية،
.1تفكيك البنى التي تشكل ّ
االجتماعية( ،"...شكل سؤال المنهج مكونا رئيسيا من مكونات الخطاب النقدي العربي
المعاصر الّذي تولد فيه وعي نقدي بضرورة التأسيس المنهجي الّذي يكفل للعملية النقدية
النصوص األدبية واستنطاقها ،وكشف بنياتها الداللية كشفا منسجما مترابطا من
مقاربة ّ
أجل تحقيق نتائج نقدية دقيقة وعلمية).1
محمــد لعياضــي :منــاهج النقــد وتطبيقاتهــا عنــد محمــد مفتــاح ،أطروحــة دكتــوراه ،كليــة اللغــة العربيــة وآدابهــا ،الج ازئــر ،1 1
-المنهج االجتماعي :ويفسر األدب من خالل القضايا االجتماعية ،ويرى أن المجتمع هو
المنتج للعمل األدبي.
-المنهج النفسي :ويرى أن األدب له عالقة بعلم النفس ويفسر نقاد هذا المنهج األدب من
خالل علم النفس.
النص دون مضمونه كالشكالنية والبنيوية
-2المناهج النسقية :وهي مناهج تهتم بخارج ّ
والتفكيك.
- 23 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
- 24 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
التعريف باألعالم
-1فرديناند دوسوسير Ferdinand de Saussureولد في 11نوفمبر 1919في جنيف،
وتوفي في 1816/21/11م ،وهو عالم كبير من علماء سويسرا ،ويعد األب للمدرسة البنيوية
في علم اللسانيات ،واعتبره الباحثون مؤسس علم اللّغة الحديث ،اتجه دوسوسير إلى دراسة
اللغات دراسة علمية وظيفية ،وقد أسهم في تطوير اللسانيات في القرن العشرين.
كان والده فريدريك دوسوسير عالما في المعادن والحشرات وتميز فرديناند دوسوسير
بموهبة كبيرة وقدرة ذهنية مبكرة ،درس في جنيف ،وعاش في عائلة زميله إيلي ديفيد ،وكان
متفوقا في دراسته ،وقد درس اللّغة الالتينية واإلغريقية والسنسكريتية ،في عام 1991ألف
كتابا بعنوان "األطروحة على نظام الحرف المصوت البدائي في اللغات الهندوأوروبية" ،درس
ثم انتقل إلى باريس
في جامعة برلين وحصل على الدكتوراه في فيفري عام 1992مّ ،
وحاضر فيها ،وألقى محاضرات في عدة لغات كالسنسكريتية والقوطية واأللمانية ،ولم ينشر
أشياء كثيرة ،وقد جمعت محاضراته حول المبادئ المهمة لوصف اللّغة في جنيف بين عامي
1829و 1811ونشرها تالميذه بعد وفاته.
-2مخائيل باختين )1875-1885( :Michel Bakhtineفيلسوف روسي درس فقه
اللغة ،وأسس "حلقة باختين" في النقد عام 1811م ،اعتنق المسيحية فنفي إلى سبيريا ،عمل
في كلية التعليم ،وأصيب بالتهاب أدى إلى بتر ساقه.
عمل في معهد تاريخ الفن ،كتب كثي ار في قضايا األدب ،كتب مقالة بعنوان "الفن
والمسؤولية" عام 1818م ،صدر له كتابه الشهير "مشكالت في شعرية دوستويفسكي" كتب
بعض مقاالته بأسماء مستعارة ،لم تر أعماله النور إال بعد وفاته ،لذلك لم يتعرف عليه العالم
إال بعد خمسين عاما من التعتيم ،ولم يحظ بالشهرة إال في نهاية حياته ،كتب باختين في
نظرية األدب واللغة ،والسيميائية.
- 25 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالثة
السردي
إلى جانب روالن بارث إلى تحليل أدبي إبداعي ودراسات نقدية تضاهي اإلبداع ّ
وليس فقط تطبيقا جافا للنظرية ،وكان شغوفا بنحت المصطلحات النقدية.
- 27 -
المحاضرة الرابعة
المصطلح النقدي
.4أهمية المصطلح
.0مفهوم المصطلح
.3إشكالية المصطلح
.1عالقة المصطلح بالمنهج
.5هجرة المصطلح
.6مصطلحات نقدية
- 28 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
المصطلح النقدي
Therme Monitaire
المصطلحات تضبط العلم إذا اتسع وتشعبت وتعددت طرائقه ،والمصطلح يختزن كما
معرفيا غزي ار ،فالمصطلحات هي المفاتيح لالستيالء واإلحاطة بعلم ما.
ويكتنز المصطلح ويعوض العبارة الطويلة أو المفهوم الواسع بكلمة ،ويكتنز داخله
برصيد معرفي متفق عليه.
-1أهمية المصطلح
وكل العلوم تحتاج إلى المصطلحات يفهمها أصحاب كل علم لكن "لكل علم
اصطالحا خاصا إذا لم يعلم بذلك ال يتيسر للشارع فيه االهتداء إليه سبيال ،والى انفهامه
دليال" ، 1فعلم الطب ال يفهم مصطلحاته إال المختص ،وهناك مقولة تقول "المصطلحات
مفاتيح العلوم وثمارها القصوى".
ترى متى وجد المصطلح؟ وجد منذ بداية الخليقة على هذه المسكونة ،ألن
المصطلحات رموز تعبر عن األشياء والمكتشفات والمخترعات والموجودات.
وهو تفاهم مشترك بين الثقافات والشعوب ،وهو بنية تداولية في الثقافات المختلفة،
إذن فالمعارف اإلنسانية تلتقي بواسطة المصطلحات فهي لغة العولمة التي تفيد التواصل
المعرفي بين األمم.
" االصطالح عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه
2
األول ،واخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر ،لمناسبة بينهما".
فكل الحضارات القديمة عرفت االصطالحات والمصطلحات لتتمكن من التعبير عن
نفسها واكتشافاتها ونظرياتها.
محمد علي الفاروقي التهناوي :كشاف اصطالحات الفنون ،تح :لطفي عبد البـديع ،المؤسسـة المصـرية العامـة1886 ،م، 1
ص .1اب ــن عب ــد رب ــه :العق ــد الفري ــد ،ج ،6ش ــرح وض ــبط وترتي ــب :إبـ ـراهيم األبي ــاري ،دار الكت ــاب العرب ــي ،بي ــروت ،د.ت،
ص.199
الشريف الجرجاني :كتاب التعريفات ،تحقيق إبراهيم األبياري ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط ،1889 ،1ص.11 2
- 29 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
-2مفهوم المصطلح
ويعرف الشريف الجرجاني المصطلح بقوله" :االصطالح عبارة عن اتفاق قوم على
تسمية الشيء باسم ما ينقل من موضعه األول" ،وعلم المصطلح ليس قديما بمفهومه العلمي
وانما وجد في العصر الحديث حين اتسعت العلوم وظهرت التخصصات في "األربعينات
والخمسينات والستينات" ،حيث صار المصطلح علما قائما بذاته له نظرياته وأسسه وقواعده.
وبدأ المصطلح -بمفهومه الحديث عند العرب -بندوة عربية عام 1891م في
المغرب ،لحقتها ندوة أخرى بتونس عام 1891م تلتها ندوة ثالثة عربية في عمان ،وهناك
مركز المعلومات الدولي للمصطلحات.
ويمكن تعريف المصطلح كما يلي :هو رمز لغوي مفرد أو مركب أحادي الداللة
منزاح نسبيا عن داللته المعجمية فمثال المصطلحات التالية :االتساع والتوسع والعدول لها
داللة لغوية معجمية ،وانزاحت عن معناها اللغوي للداللة عن معنى مجازي هو الشعرية،
وهو يعبر عن مفهوم نقدي محدد واضح متفق عليه بين أهل حقل معرفي معين فاالصطالح
مصدر اصطلح وهو اتفاق طائفة على شيء مخصوص وفي نص صلح الحديبية (هذا ما
اصطلح عليه محمد بن عبد اهلل).
والمصطلح يترجم للفرنسية بلفظ Termeولإلنجليزية بلفظ ،Termوكلمة
Terminologieفي اللغة الفرنسية مركبة من كلمتين Termoوهي مشتقة من الكلمة الالتينية
Terminusبمعنى عبارة Logie ،مشتقة من الكلمة اإلغريقية Logosبمعنى خطاب
Discoursأو علم .Science
لهذا فهي تعني علم العبارة وعلم الخطاب ،ثم أصبحت Terminologieتعني علم
المصطلح.
واستعملت بمعنى بنك الكلمات Banque de motsوترد في الترجمات العربية باأللفاظ
التالية :المصطلحات والمصطلحية واالصطالح واالصطالحية وغيرها.
- 31 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
-3إشكالية المصطلح
وهناك إشكالية أو معضلة تتمثل في ترجمة المصطلح للعربية حيث إن بلدان المشرق
العربي تعتمد على الثقافة اإلنجليزية في تعاملها مع المصطلح األجنبي.
أما بلدان المغرب العربي فهي تميل كثي ار إلى الثقافة الفرنسية وتحاول أن تقترب أو
تأخذ أكثر مصطلحاتها من غيرها من الثقافات.
ابن عبد ربه :العقد الفريد ،ج ،6شرح وضبط وترتيب :إبراهيم األبياري ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،د.ت ،ص.199 1
- 31 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
وهناك أزمة تعيق الباحث كلما تناول المصطلح بسبب تعدد اآلراء واختالف وجهات
النظر في مفهوم المصطلح وترجمته ،فالمجتمع العربي يعيش في حالة من التبعية للفكر
الغربي ،حيث استمد الناقد العربي المفاهيم النقدية الغربية دفعة واحدة دون أن يعرف أو يفهم
مراحل الحركة النقدية األجنبية وحيثياتها متجاهال نشأتها الطبيعية ،فكثير من المفاهيم النقدية
التي أدخلت إلى الساحة العربية جاءت جاهزة قبل أن تنشأ األعمال األدبية التي تنطبق
عليها ،ونجم عن ذلك تداخل في المفاهيم الداللية للمصطلح الواحد ،وكذلك مفهوم واحد لعدد
من المصطلحات ،مما أدى إلى الضبابية في مفهوم المصطلحات.
وينبغي الحرص في نقل المصطلح إلى العربية بطريقة ذكية وواعية ،فنقله ال يعني
نقل لفظ أو كلمات ،ألن المصطلح يكون محمال وغنيا بالدالالت التاريخية والمعرفية ،ألن
(بين العلم والمصطلح لحاما هو كالتماهي الّذي يقوم بين الدال والمدلول في المسلمات
اللغوية األولى ،فكل حديث عن الدال منفصال عن مدلوله ،وكل حديث عن المدلول في
معزل عما يدلنا عليه ،بل ك ّل حديث عن عالقة الدوال بمدلوالتهاّ ،إنما ينطوي على فصل
بين المتالحمات".1
ويتضاعف المشكل عند العرب في كيفية ترجمة األجنبي عندما ننظر إلى الكم الهائل
من المصطلحات المتدفقة في الساحة المعرفية ،وثمرات العلوم التي ال تتوقف ويصعب
متابعتها واحصاؤها ،ومن المشاكل األخرى باإلضافة للكثرة والتراكم ما يلي:
-1التغير في داللة المصطلح حيث ال تكون له داللة واحدة عند جميع الكتاب التي تعني
األدبية كالشاعرية التي تعني الطاقة الشعرية لدى الشاعر وهناك من يترجم الشعرية إلى
الشاعرية بمعنى واحد.
-1تداخل المصطلحات مع مصطلحات العلوم األخرى حيث تنتقل بعض المصطلحات من
حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر.
عبد السالم المسدي :المصطلح النقدي ،مؤسسات عبد الكريم بن عبد اهلل للنشر والتوزيع ،تونس ،1881 ،ص.11 1
- 32 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
-6ترجمة المصطلحات بشكل خاطئ مثل Passive Verbeوهو مصطلح إنجليزي بمعنى
فعل مجهول ،وفي الحقيقة أنه ال يعني أن الفعل هو المجهول وانما يعني أن الفاعل هو
المجهول وليس الفعل.
والمصطلح النقدي في الخطاب النقدي مازال يعاني من التداخل وعدم االستقرار فمثال
مصطلح Poéticsظل عرضة للتقلب بين عدد من الترجمات بلغت حوالي الثالثين ترجمة
منها :االنشائية ،فن الشعر وهو عنوان كتاب ألرسطو الذي ترجمه ابن سينا بنفس العنوان،
نظرية األدب ،الشاعرية ،البويطبقا ،Poéticقضايا الفن اإلبداعي ،علم األدب ...إلخ،
وكذلك Structuralisationالبنيوية ،فقد شاع بترجمته إلى الهيكلية ،وبعضهم استخدم
التركيبية ،وبعضهم البنائية ،وكذلك مصطلح الخطاب Discoursحشدت له ترجمات ال
حصر لها :القول ،األطروحة ،الحديث ،اإلنشاء ،لغة الكالم ،الكالم المتصل ،أسلوب
التناول....إلخ.
والمصطلح يكون كلمة عادة أو كلمة مركبة أو جملة مختصرة :الشعرية ،عبشمي،
البسملة ،الحم دلة ،الحوقلة ،الشيوقراطية ،وأفضل المصطلحات ما كان كلمة( ،لقد جرت
العادة أن يقيد المصطلح بجملة من الشروط العامة التي تميزه عن الكلمات اللغوية العادية،
كأن يكون قصي ار ال يتجاوز الكلمة الواحدة ،ويمكن أن يكون في الحاالت االستثنائية عبارة
1
قصيرة .)Locution phrase
يوســف وغليســي :إشــكالية المصــطلح فــي الخطــاب النقــدي العربــي الحــديث ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،الج ازئــر ،ط،1 1
ومن الفوضى أن نطبق منهجا نقديا باستخدام مصطلحات غيره من المناهج كأن نقوم
بدراسة بنيوية ونطبق عليها مصطلحات األسلوبية إال قليال.
ألن المصطلح وثيق الصلة بالمنهج ،ويفقد المصطلح شرعيته خارج المنهج الذي
ينضوي تحته ،فال نستعمل المصطلحات في غير حقولها.
ومن الذين كتبوا في المصطلح عبد السالم المسدي ،عبد المالك مرتاض ،عبد
الرحمان حاج صالح ،كمال أبو ديب ،عبد اهلل محمد الغذامي ،محمد مفتاح ،بنيس ،الجابري
وغيرهم.
-5هجرة المصطلح
واللغات تقترض المصطلحات وال تستغني لغة عن االقتراض ،Emprunt
فالمصطلحات تهاجر من بيئة إلى بيئة ومن لغة إلى لغة فإذا هاجرت في اللغة الواحدة
نسميها النزوح المصطلحي ونستعمل كلمة هجرة ،وقد استعمل محمد بنيس كلمة هجرة النص
ويقصد التناص Intertextualitéلجوليا كريستيفا .Julia Kristeva
واستعمل محمد السرغيني عبارة هجرة المصطلح ،ويمر المصطلح بمراحل كي يستقر
في لغة ما مثال الفونيتيك Phonétiqueدخلت العربية بهذا اللفظ ،ثم علم األصوات ،ثم
الصوتيات في اللسانيات وليس ضروريا أن يمر كل مصطلح بهذه المراحل بل قد يقفز
المصطلح من لغة إلى لغة بلفظه وداللته واذا انتقل المصطلح إلى العربية ينبغي أن تجري
عليه قواعد اللغة العربية من وزن وصرف ونحو ويصبح خاضعا لها بحيث يعامل ويستعمل
استعمال المفردة العربية واال بقي دخيال ولم يندمج في بنية العربية Surréalismeسريالية
Sémiologieالسيميائية وهناك من يرى بأنه ال خوف على العربية من الدخيل بل إن اللغة
تكون حية بمقدار ما فيها من األجنبي والدخيل ألن ذلك يؤدي إلى توسيع شبكة مفردات
اللغة ففي العربية حوالي ثالثة آالف كلمة فارسية وفيها الحبشية والرومية والهندية واآلرامية
عن طريق االقتراض مثال :أستاذ ،االستبرق ،السجنجل ...إلخ.
- 34 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
وهناك فئة حرصا منها على نقاء العربية وصفائها وسالمتها من العجمة والرطانة
دعت إلى استبعاد الدخيل إال في حاالت الضرورة القصوى.
وهناك من يرى أن إشاعة الدخيل تقضي على فاعلية اللغة وهناك مثل يقول( :كل
شيء دخل الصين تصين).
ومن هذا الباب فإن العربية بقواعدها واشتقاقاتها يمكن أن تستوعب كل ما يدخل
إليها.
-6مصطلحات نقدية:
-1البياض والسواد :البياض هو المساحة البيضاء المتروكة دون كتابة في النص،
وللبياض تأويالت يوحي بها النص ،السواد هو الجزء المكتوب من النص.
وهذا البياض الطباعي الخارجي يجعل القارئ يتساءل :لماذا ترك الشاعر هذا البياض؟ حيث
يترك الشاعر بياضا أو نقاطا ،يقول السياب في قصيدة النهر والموت:
بويب...
بويب...
أما البياض في القصيدة التقليدية فال معنى له.
-2التكرار :يكرر األحداث ،والوزن ،والقافية "الوقفة" ،السطور ،والجملة الشعرية...
-3الغموض :سرية ،إبهام ،طالسم ،االعتماد على الرمز واإلشارة ،والتلميح بدل التصريح.
-4المفارقة :قد يرفض الشاعر أم ار ويقول عكس ما يريد ترضية للسلطان (المتنبي مع
كافور األخشيدي).
-5االنقطاع :الالتجانس أي االنتقال من طرف إلى طرف يقول محمود درويش( :على
األنقاض وردتنا /ووجهانا على الرمل /إذا مرت رياح الصيف /أشرعنا المناديل /على
مهل على مهل.)....
-6االنزياح :عند جان كوهين ويسمى االنحراف Déviationوعند القدماء العدول ،التوسع،
االتساع ،واالنزياح فاالنزياح خرق لقوانين اللغة.
- 35 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
-7الفجوة /مسافة التوتر :كلما بعد المشبه عن المشبه به ازدادت الفجوة وحدث التوتر.
-8الحضور والغياب :يدخالن في التناص ،النص الغائب ،والنص الحاضر ،يقول بدر
شاكر السياب (عيناك غابتا نخيل ساعة السحر) النص الحاضر معلق والقارئ يبحث عن
الغائب وهو العراق.
-8الموسيقى الداخلية والخارجية واإليقاع الداخلي :كقول البحتري في وصف الذئب
(يقضقض عصال في أسرتها الردى) ،فموسيقى الحروف تعبر عن حركة فكي الذئب.
-11الصور الشعرية :بسيطة ،مركبة ،كثيفة ،جزئية ،كلية.
-11األسطورة :يعبر بها الشاعر عن حالة واقعة :سيزيف أدونيس ،عشار ،تموز ،أتيس،
أفروديت...
-12الرمز الشعري :يكون تراثيا "عنترة ،صالح الدين ،التتار ،جميلة بوحيرد" أو يكون
ابتكا ار يبتكره الشاعر.
-13التناص :تداخل النصوص.
- 36 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
التعريف باألعالم
-1الخوارزمي (232-164ه) :ولد محمد بن موسى الخوارزمي في خوارزم وهو عالم في
الرياضيات والفلك والجغرافيا ،وهو من أوائل علماء الرياضيات المسلمين ،أدت أعماله إلى
تقدم الرياضيات في عصره ،اتصل بالخليفة المأمون وعمل في بيت الحكمة ببغداد.
ترك العديد من المؤلفات أهمها كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة الّذي هو
أهم كتبه ،وترجم إلى اللّغة الالتينية واثر ذلك دخلت كلمات جديدة مثل الجبر ،الصفر إلى
اللغات الالتينية.
-2الجرجاني :عبد القاهر الجرجاني191-122( :ه) ولد في جرجان نشأ محبا للعلم
والثقافة ،وهو من ا لمتكلمين مال لدراسة النحو واألدب ،أخذ األدب على يد القاضي
الجرجاني ،وق أر كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه ،درس على كبار العلماء والشيوخ ينقل
عن سيبويه والجاحظ وأبي علي الفارسي وابن قتيبة وقدامة بن جعفر واآلمدي وأبي هالل
العسكري والهمذاني والمرزباني والزجاج وغيرهم.
ويعتبر الجرجاني مؤسس علم البالغة ويعد كتاباه دالئل اإلعجاز وأسرار البالغة من
أهم الكتب ،وألف العديد من الكتب والرسائل في الشعر واألدب ،وأشتهر بنظرية النظم وهي
من أهم النظريات في البالغة العربية.
-3السكاكي (626-555ه) :هو سراج الدين أبو يعقوب بن علي السكاكي الخوارزمي:
من آثاره "مفتاح العلوم" "كتاب الجمل" وهو شرح لكتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني،
"التبيان"" ،الطلسم" وهو باللغة الفارسية ،رسالة في علم المناظرة ،أتقن حرفة الحدادة التي
كانت تتقنها أسرته وقد اشتهرت بصنع سكك المحاريث فلقب بالسكاكي ،اهتم السكاكي
بالدراسات القرآنية والفقهية واللغوية وأصول علم اللّغة والبالغة والعروض واالستدالل وعلم
المنطق وعلم الكالم ،كان عارفا إلى جانب العربية باللغتين الفارسية والتركية ،وهو من أبرز
مؤسسي علم البالغة العربية ومن أعالمها في القرن السابع الهجري.
- 37 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
-4األصمعي (221-216ه) :عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي ولد بالبصرة وهو
واحد من أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ،وهو راوية العرب وناقد شعري كثير التطواف
بالبوادي يتلقى من اإلعراب األخبار ويتحف بها الخلفاء فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة قال فيه
األخفش :ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من األصمعي ،وقال عنه أبو الطيب المتنبي :كان أتقن
القوم للغة وأعلمهم بالشعر ،وأحضرهم حفظا ،كما كان األصمعي رائدا في العلوم الطبيعية
وعلم الحيوان وخاصة تصنيف الحيوان وتشريحه ،من أعماله :كتاب الخيل ،كتاب اإلبل،
كتاب الشاة ،كتاب خلق اإلنسان وغيره.
-5ابن سينا (427-371ه) :الحسن بن علي بن سينا البلخي البخاري ،عالم وطبيب،
اشتهر بالطب والفلسفة ،عرف باسم الشيخ الرئيس ،وسماه الغربيون بأمير األطباء ،ولقب
بأبي الطب في القرون الوسطى ،وألف حوالي 122كتاب في مواضيع مختلفة ،والكثير منها
يركز على الطب والفلسفة ،وهو أول من كتب عن الطب في العالم ،ومن مؤلفاته كتاب
القانون في الطب الّذي نال شهرة كبيرة حتّى أواسط القرن السابع عشر ،ومن مؤلفاته:
اإلشارات والتنبيهات ،الشفاء ،النجاة في المنطق ،واإللهيات ،كتاب األدوية القلبية وغيرها.
-6المسدي 1845م :عبد السالم المسدي ولد بصفاقس ،أكاديمي وكاتب ودبلوماسي ،وهو
من أهم الباحثين في اللسانيات واللغة ،وهو واحد من النقاد القالئل البارزين في النقد األدبي
في العالم العربي ،قدم عطاء واف ار وأسهم في الحركة النقدية العربية ،وله باإلضافة إلى ذلك
اسهامات في العمل السياسي والدبلوماسي ،تولى عدة مناصب في الدولة التونسية ،عضو
بمجامع اللّغة في تونس ودمشق وبغداد وطرابلس.
من مؤلفاته :األسلوبية واألسلوب ،التفكير اللساني في الحضارة ،قراءات مع الشابي ،والمتنبي
والجاحظ وابن خلدون ،النقد والحداثة ،قاموس اللسانيات "عربي ،فرنسي ،فرنسي عربي"،
النصوص.
اللسانيات من خالل ّ
-7عبد المالك مرتاض 1835م :أديب وناقد جزائري ،ولد بوالية تلمسان ،تولى رئاسة
المجلس األعلى ل لغة العربية ،وله مجموعة روايات يعد مرجعا في الدراسات األدبية والنقدية،
- 38 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
من مؤلفاته :نهضة األدب المعاصر في الجزائر ،ومجموعة روايات دماء ودموع ،نار ونور،
وادي الظالم ،رباعية الدم والنار ،الحفر في تجاعيد الذاكرة ،سيرة ذاتية ،وغيرها من
المؤلفات.
-8عبد الرحمن الحاج صالح )2117-1828( :من علماء الجزائر ،حصل على جائزة
الملك فيصل العالمية في اللّغة العربية لقب بـ"أبو اللسانيات" وهو رائد في اللّغة العربية في
العصر ا لحديث ،قضى حياته أستاذا وباحثا وعاشقا للغة العربية في العصر الحديث ،اشتهر
بمشروعه في اللسانيات "الذخيرة اللغوية العربية" ،من مؤلفاته :بحوث ودراسات في علوم
اللسانيات العربية ،السماع اللغوي العلمي عند العرب ،ومفهوم الفصاحة ،منطق العرب في
علوم اللسان ،الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع واالستعمال العربية ،البني النحوية
العربية ،اللسانيات العربية واللسانيات العامة.
-8الغذامي :عبد اهلل محمد عبد اهلل الغدامي 1864م :كاتب وأكاديمي وناقد سعودي ولد
سنة 1811م ،له العديد من المؤلفات ،وقد نال الكثير من الجوائز ،وهو صاحب مشروع في
النقد الثقافي ،وله ثقافة واسعة وخبرة كبيرة خاصة في مجال النقد ،ألف العديد من الكتب،
منها كتاب الخطيئة والتكفير ،من البنيوية إلى التشريحية ،تشريح النص ،الصوت القديم
الجديد ،الموقف من الحداثة ،الكتابة ضد الكتابة ،وغيرها من الكتب والمؤلفات.
-11محمد مفتاح 1847م :ولد بالدار البيضاء بالمغرب ،وهو كاتب ومفكر مغربي،
درس فكر المغرب اإلسالمي والمناهج النقدية القديمة والمعاصرة ،وهو أستاذ متقاعد من
جامعة محمد الخامس ،بالرباط ،عمل في التدريس في جامعة الرباط ،له مؤلفات عديدة
منها :الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية ،في سيمياء الشعر القديم ،التلقي والتأويل مقارنة
نسقية ،اشتغل ممثال على خشبة المسرح ،شارك في األفالم التاريخية واألفالم العالمية.
-11محمد بنيس 1848م :شاعر مغربي من مدينة فاس ،وهو من أهم شعراء الحداثة،
يتمتع بمكانة خاصة في الثقافة العربية ،له إسهامات في الحداثة الشعرية نشر أكثر من
أربعين كتابا من بينها ستة عشر ديوانا من مؤلفاته :يحرقون الحرية ،الشعر العربي الحديث،
- 39 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الرابعة
- 41 -
المحاضرة الخامسة
اتجاهات المناهج النقدية
أ .المناهج النقدية السياقية
- 41 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
- 42 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
-1المنهج التاريخي
Méthode Historique
مفهومه :المنهج التاريخي هو أول المناهج النقدية في العصر الحديث ،وهو المنهج
النقدي الراسخ الذي واجه أعتى المناهج النقدية الحديثة التي كانت خصما له ،وقد تشكلت
قوانينها األساسية من خالل االعتراض عليه أو مناقضته جذريا.1
ويركز هذا المنهج على حوادث التاريخ السياسي واالجتماعي لتفسير األدب وتعليل
ظواهره ،أو يرصد التاريخ األدبي ألمة ما ،2ويسجل اآلراء التي قيلت في أديب من األدباء
أو فن من الفنون ،ويفسر تشكل خصائص اتجاه أدبي ما ،ويبحث في فهم البواعث
والمؤثرات التي تنشأ عنها الظواهر والتيارات األدبية المرتبطة بالمجتمع ويعمل المنهج
التاريخي انطالقا من قاعدة اإلنسان ابن بيئته ،ويعرف ابن خلدون في المقدمة أن المنهج
التاريخي قائال (اعلم أن فن التاريخ عزيز المذهب ،جم الفائدة ،شريف الغاية ،إذ هو يوقفنا
على أحوال الماضين من األمم في أخالقهم ،واألنبياء في سيرهم والملوك في دولهم
وسياساتهم حتّى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا).3
فاألدب يعكس حركة الحياة وتطور المجتمع ويهتم بالتوثيق وعدم قبول األشياء بصفة
مسلمات ،ويعتمد على العقل والبرهان ،ويتعامل مع النصوص من منطلق نسبتها إلى
أصحابها أوال ،ويدرس المصادر المعتمدة في النص ،ويبحث في عالقات التأثير والتأثر بين
اآلداب المحلية والعالمية.
خلفياته المعرفية والفلسفية:
يدرس المنهج التاريخي اآلداب والنصوص في سلسلة من الحلقات التي تخضع
لقوانين التطور واالرتقاء ،ويركز على المكان الذي نشأ فيه النص "المحلية" والبحث عن
عبد السالم المسدي :في آليات النقد األدبي ،دار الجنوب ،تونس ،1881 ،ص.98 1
يوسف وغليسي :مناهج النقد األدبي ،جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط ،1229 ،1ص.11 2
ابن خلدون :المقدمة ،تح :أحمد حامد الطاهر ،دار الفجر للتراث ،ط ،1221 ،1ص.11 3
- 43 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
تأثير األقاليم األخرى القريبة والبعيدة العالمية ألنها تمثل دوائر متداخلة ومتفاعلة في اآلن
ذاته وينظم المادة األدبية ويدرسها بتحديد مصادرها ،ويوثق النصوص ويحلل المخطوطات
ويكشف عن عمليات التأثير والتأثر وأول خطوة ينبغي على الدارس أن يتأكد منها قبل
الشروع في البحث هو أن يتساءل عن مادته ونسبتها إلى أصحابها.
فهذا المنهج يهتم بالمؤلفين ويوثق حياتهم ويدون تاريخهم ويكشف عن مصادر
تأليفهم ،فالنقد هو تأريخ لألديب من خالل بيئته.
ومع أن المنهج التاريخي قاصر عن إعطاء النتائج باعتباره يجمع ويوثق للمادة
فحسب ،إال أنه يبقى أكثر المناهج اعتمادا في البحث ألنه أصلح لتتبع الظواهر الكبرى في
األدب ودراسة تطوراتها ،فهو يمكن من دراسة المسار األدبي ألية أمة من األمم ،ويمكن من
التعرف على الخصائص التي يتميز بها ذلك األدب ،ويعتبر النقد العلمي الذي ظهر في
أواخر القرن التاسع عشر شكال مبك ار للنقد التاريخي ومن أبرز ممثليه:
-1هيبوليت تين :1883-1828 H.Taineوهو فيلسوف ومؤرخ وناقد فرنسي شهير
درس النصوص األدبية في ضوء تأثير ثالثيته الشهيرة انطالقا من:
أ /العرف والجنس Raceبمعنى الخصائص الفطرية الوراثية المشتركة بين أفراد األمة
الواحدة المنحدرة من جنس معين.
ب /البيئة Milieuأو المكان أو الوسط بمعنى الفضاء الجغرافي وانعكاساته االجتماعية في
النص األدبي.
ج /الزمن أو العصر Tempsأي مجموع الظروف السياسية والثقافية والدينية التي من شأنها
أن تمارس تأثي ار على النص.
-2فرديناند برونتيار 1816-1848 F.Brunetièreوهو ناقد فرنسي آمن بنظرية
داروين 1821 -1928 Darwinوقد قام بمجهود معتبر من أجل تطبيقها على األدب،
وت مثل األنواع األدبية كائنات عضوية متطورة فكما تطور القرد إلى إنسان ،تطور األدب
- 44 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
كذلك من فن إلى آخر ،وقد ألف كتابا بعنوان "تطور األنواع األدبية" 1982م على غرار
كتاب أصل األنواع لداروين.
وقد رأى أن اآلداب تنقسم إلى فصائل مثلها مثل الكائنات الحية ،وهي النمو وتتكاثر
متطورة من البساطة إلى التركيب في أزمنة متعاقبة ،ثم تصل إلى مرتبة من النضج وتتالشى
عندها وتنقرض كما انقرضت بعض الفصائل الحيوانية كالدينصورات ،ويضرب مثاال على
ذلك بالخطبة الدينية في القرن السابع عشر التي كانت تتحدث عن عظمة اإلنسان وحقارته
وزوال الحياة وفنائها ،وتحولت الخطبة في القرن التاسع عشر إلى الشعر الرومانسي الذي
تغنى بالموضوعات ذاتها "التغني بالمشاعر الروحية والشكوى من الحياة" فالموضوع واحد
ولكن الجنس تحول من الخطابة إلى الشعر الرومانسي.
وهناك علماء آخرون أرسو أولويات النقد التاريخي في أوربا منهم:
-1شارل أوغستين سانت بيف 1868 – 1814 Charles Augustin Saint Beuve
وهو ناقد فرنسي أستاذ هيبوليت تين وقد ركز على شخصية األديب تركي از مطلقا إيمانا منه
بأنه (كما تكون الشجرة يكون ثمرها) ،فالنص عنده تعبير عن المزاج الفردي ،من أجل ذلك
كان مولعا بتقصي حياة الكاتب الشخصية والعائلية ،ومعرفة أصدقائه وأعدائه ،وحاالته
المادية والعقلية واألخالقية ،وعاداته وأذواقه وآرائه الشخصية ،وكل ما يصب فيما كان يسميه
"وعاء الكاتب" ،الذي هو أساس مسبق لفهم ما يكتبه ،وقد عده محمد مندور عميدا للنقد
التفسيري.
وهذا النقد يحرص على الشرح واإليضاح والمساعدة على الفهم أكثر من حرصه على
الحكم وتحديد القيم ،واذا سمي نقده بالنقد التاريخي إال أنه يمثل النقد التفسيري.
-2غستاف النسون ،1834-1857 Gustave Lansonوهو ناقد فرنسي ويعد الرائد
األكبر للمنهج التاريخي ،وقد نسبت إليه الالنسونية Lansonismeأعلن النسون منهجيته
النقدية سنة 1828م في محاضرة ألقاها بجامعة بروكسل "الروح العلمية ومنهج تاريخ األدب"
حدد فيها خطوات المنهج التاريخي حتى عدت تلك المقالة قانون الالنسونية ودستورها المتبع
- 45 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
وواصل هذا النشاط الالنسوني ناقد حر فرنسي ريمون بيكار R.Picardودخل في معارك
نقدية مع عميد النقد الفرنسي رونالد بارث R.barthesانتهت باإلطاحة بالمنهج التاريخي.
أما في النقد العربي فإنه منذ بداية القرن العشرين بدأت الممارسة النقدية التاريخية
بتأثير المدرسة الفرنسية ويترجم هذا االتجاه الدكتور أحمد ضيف 1811-1992ويمكن
عده أول متخرج من مدرسة لينسون الفرنسية ،كذلك طه حسين ،وزكي مبارك ،وأحمد أمين،
ومحمد مندور وهو أول من أرسى معالم الالنسونية في النقد العربي حين أصدر كتابه النقد
المنهجي عند العرب ومنذ الستينات ترسخ هذا المنهج التاريخي في األبحاث األكاديمية.
ومن رموز هذا المنهج أيضا شوقي ضيف في مصر ،وشكري فيصل في سوريا،
ومحمد الصالح الجابري في تونس ،وعباس الجراري في المغرب ،أما في الجزائر أبو القاسم
سعد اهلل ،وصالح خرفي ،وعبد اهلل الركيبي ،وعبد المالك مرتاض في مرحلة أولى من تجربته
النقدية.
خصائصه:
-1االهتمام بدراسة المدونات األدبية عبر فترة تاريخية.
-1إهمال التفاوت بين المبدعين كأن المنهج عاجز عن تحديد الفوارق.
-6االهتمام بالمبدع والبيئة اإلبداعية على حساب النص.
-1تقديم المادة األدبية تقديما خاما دون دراسة المادة دراسة تمحيصية.
- 46 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الخامسة
التعريف باألعالم
-1هيبوليت تين 1883-1828( Hippolyte Taineم) :ناقد ومؤرخ فرنسي ،هو أحد
أوائل النقد التاريخي وهو مؤسس هذه الحركة التاريخانية األدبية ،وله قاعدة ثالثية لدراسة
العمل الفني (العرق ،المحيط ،اللحظة) ،وكان لتين أثر عميق في األدب الفرنسي ،وعرف
في زمنه كأديب ومؤرخ وفيسلوف ،من مؤلفاته :في العقل ،تاريخ األدب اإلنجليزي ،فالسفة
فرنسا الكالسيكيون في القرن التاسع عشر ،أصول فرنسا المعاصرة وغيرها من المؤلفات.
-2فرديناند برونتيار :)1816-1848( Ferdinand Brunetièreناقد فرنسي ،مارس
مهنة التعليم ،اشتهر ناقدا مختصا بكتابة تاريخ األدب وتاريخ النقد ،كتب عدة مؤلفات في
النقد األدبي منها :مسائل في النقد ،مسائل جديدة في النقد ،ومجموعة من المقاالت نشرها
ضد المدرسىة الطبيعية ،وغيرها من المؤلفات.
-3شارل أوغستين سانت بيف :)1868-1814( :Charles Augustin Saint Beuve
ناقد وكاتب فرنسي ،درس البالغة والفلسفة ،درس الطب وعمل صحفيا ،ارتبط بصداقة مع
فيكتور هيغو ، V.Hugoكتب العديد من المؤلفات التي كان لها تأثير مهم في النقد األدبي،
النصوص النقدية.
نشر العديد من ّ
من مؤلفاته :اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر،
حياة وأشعار وأفكار جوزيف ديلور وهو مزيج من النثر والشعر ،وديوان شعر بعنوان
المواساة.
- 47 -
المحاضرة السادسة
-0المنهج االجتماعي
مفهومه
خلفياته المعرفية والفلسفية
- 48 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
-2المنهج االجتماعي
Méthode Sociologique
مفهومه :يعتبر المنهج االجتماعي من المناهج الهامة في الدراسات األدبية الحديثة ،وقد
تولد من المنهج التاريخي وانبثق عنه ،واستقى مبادئ انطالقه منه معتمدا على المفكرين
والنقاد الذين ربطوا فكرة تاريخية األدب بتطور المجتمعات تلك المجتمعات التي كانت مختلفة
باختالف البيئات "الجغرافية" والظروف والعصور ،فالمنطلق التاريخي هو أساس هذا المنهج
من خالل محوري الزمان والمكان( ،ومن عالمات هذا النقد أنه يبين الصلة بين النص
والمجتمع الذي نشأ فيه) ، 1والمحور الزماني له تأثير على األعمال األدبية ،والمحور
المكاني أيضا له أثره القوي فلكل مكان تاريخه وظروفه الخاصة ،وبالتالي يتضح أن هناك
ارتباطا بين األدب والمجتمع ،فهذا المنهج ينطلق من البنية االقتصادية للمجتمع التي تعد
األساس الحقيقي الّذي تقوم عليه العالقات في حياة األفراد ،وتبنى من خالله القوانين التي
النص
تتحكم في تسيير حركة الحياة االجتماعية والسياسية والعقلية ،ويدرس هذا المنهج ّ
باالعتماد على الوثائق المتعلقة بسيرة الكاتب التي تبرز انتماءه االجتماعي واتجاهه
وايديولوجيته.2
خلفياته المعرفية والفلسفية:
والمنهج االجتماعي هو الذي تبقى من المنهج التاريخي ،وانصبت فيه كل الدراسات
والبحوث التي كانت متصلة بالوعي التاريخي ،حيث تحول الوعي التاريخي إلى وعي
اجتماعي ،وارتبط هذا الوعي االجتماعي بالمستويات المتعددة بالمجتمع وبالطبقات ،وقد مثل
الحياة على مستوى المجتمعات وليس على مستوى الفرد( .وكان من نتيجة ذلك أن قام بين
الشاعر وقبيلته عقد فني يفرض عليه أال يتحدث عن نفسه في شعره إال بقدر محدود وفي
نطاق ضيق ،واّنما يتحدث عن قبيلته ،ويجعل من شعره سجال لحياتها ،ومن لسانه لسانا
صايل حميدان :قضايا النقد األدبي ،دار األمل ،األردن ،ط ،1881 ،11ص.11 1
فاطمة البريكي :قضية في النقد العربي القديم ،د ار الشروق ،عمان ،ط ،1221 ،1ص.11 2
- 49 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
لها ،يعبر عن آمالها وآالمها ،ويرسم الخطوط العامة لسياستها ،ويعلن على المأل أهدافها
وغاياتها ،وفي مقابل هذا تمنحه القبيلة لقب شاعرها).1
-واألعمال األدبية من منظور هذا المنهج هي تعبير عن الواقع الخارجي.
-ويرى من الضرورة مراعاة تفاعالت المجتمع وتحوالته ،باعتبار أن هذا المجتمع هو
المنتج الفعلي لألعمال الفنية اإلبداعية.
-ويرى هذا النقد أن الكتابة حدث ذو طبيعة اجتماعية.
-وهو يعلي من قيمة الكاتب إذا مثل جذور المجتمع حقيقة.
ولعل النقد الماركسي هو أكثر أشكال النقد االجتماعي انتشارا ،يقول جورج لوكاش
G.Locasوهو ناقد ماركسي مجري يكتب باللغة األلمانية في تعريف المنهج االجتماعي (إنه
منهج بسيط جدا يتكون أوال وقبل كل شيء من دراسة األسس االجتماعية الواقعية بعناية)،
ويقول بونالد Bonaldفي مقالة له في جريدة (عطارد فرنسا) سنة 1921عبارة مشهورة
(األدب تعبير عن المجتمع) ،وترى مدام دو ستال Madame De Stalأن المجتمع ،يتغير
بتغير المجتمعات ويعتمد هذا النقد على نظريات علم االجتماع ،وأوجد علماء االجتماع علم
اجتماع الظاهرة األدبية باعتبار أن األدب هو إحدى الظواهر االجتماعية التي يدرسها علم
االجتماع.
وقد أسهمت نظرية االنعكاس المنبثقة عن الواقعية في تطوير هذا التوجه االجتماعي
لدراسة األدب.
غير أن اإلشكالية التي واجهت الدراسات التي تربط بين األدب والمجتمع تمثلت في
فرضية تقول بأنه كلما ازدهر المجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا أدى ذلك إلى
ازدهار أدب ي ،ولكن إذا راجعنا تاريخ المجتمعات أثبتنا أن هذا غير صحيح ،ألن كثي ار من
المجتمعات كانت تعاني من التفكك السياسي والتدهور االقتصادي والتردي االجتماعي
مخلـ ـ ـ ــوف عـ ـ ـ ــامر :منـ ـ ـ ــاهج نقديـ ـ ـ ــة ،ص ،11نقـ ـ ـ ــال عـ ـ ـ ــن يوسـ ـ ـ ــف خليـ ـ ـ ــف :حركـ ـ ـ ــات التجديـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ــي الشـ ـ ـ ــعر العربـ ـ ـ ــي، 1
ص11،11
- 51 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
شهدت ازدها ار أدبيا وتوهجا فنيا ،ويمكن أن يكون العهد العباسي الثاني نموذجا لتفكك الدولة
حيث انتقلت السلطة من العرب إلى األعاجم ونشأت دويالت وتفسخ المجتمع ،ومع هذه
الظواهر السلبية فإن كوكبة كبار الشعراء الذين يمثلون اإلبداع الشعري في الثقافة العربية
وجدوا في هذه الفترة.
إذا كيف يمكن أن نربط بين تدهور المستويات االجتماعية واالقتصادية والثقافية من
ناحية وازدهار مستوى اإلبداع من ناحية أخرى؟
وتحدث المؤرخون عن آراء كارل ماركس K.Marxوأثر فلسفته في ربط تفسير األدب
بالعالقات االجتماعية وصراع الطبقات.1
يرى الماركسيون ابتداء من ماركس أن العالقة بين األبنية االجتماعية من ناحية
واألبنية الثقافية واإلبداعية ليست عالقة مباشرة وفورية غير أنها تسفر عن نتائجها بإيقاع
بطيء ،بمعنى أنه يمكن أن يكون هناك مظاهر للقوة في المجاالت المختلفة ويكون األدب
في موقف ضعيف ،ألنه لم يستوعب بعد هذه المظاهر وعندما يبدأ في استيعابها وتمثيلها
وتفاعله معها تكون تلك العوامل التي أدت لالزدهار في مختلف المجاالت قد زالت ويبدأ
المجتمع في التفكك ،ويصعد األدب في اضمحالل المجتمع ألن العالقة تقضي فترة تخمر
وفترات تأثير بعيدة المدى وبطيئة اإليقاع.
إذا عند النظر إلى التاريخ في جملته نجد أن التوازي بين الجانبين يتم على مستوى
العصور الطويلة وليس على مستوى المنحنيات القصيرة ،ففي مثال الدولة العباسية يمكن
القول إن هناك عصر ازدهار عربي في إنشاء إمبراطورية عربية إسالمية كبرى امتلكت
أدوات القوة السياسية واالجتماعية واالقتصادية واإليديولوجية على مستوى ستة قرون وهذا ما
يطلق عليه قانون العصور الطويلة وهذا القانون يرفض قياس األدب في عالقته بالمجتمع
في فترات زمنية قصيرة ،ويحاول هذا القانون أن يمدد هذا القياس على فترات زمنية طويلة.
مجموعـ ــة مـ ــن الكتـ ــاب :م ـ ــدخل إلـ ــى منـ ــاهج النق ـ ــد األدبـ ــي ،تـ ــر :رض ـ ـوان ضاض ـ ــا ،عـ ــالم المعرفـ ــة ،ع ،111الكوي ـ ــت، 1
وقد عملت الماركسية والواقعية جنبا إلى جنب في تعميق هذا االتجاه النقدي ،وذلك
بأن يكون هناك تالزم بين البنى االجتماعية من ناحية واألعمال األدبية من ناحية أخرى.
باإلضافة إلى أن علم االجتماع قد أسهم في ذلك حيث كان يزدهر ويتسع ويتنوع،
ومن بين هذه التنوعات لعلم االجتماع إنشاؤه لما يسمى بعلم اجتماع األدب أو سوسيولوجيا
األدب ،وهذا العلم تأثر في نشأته بالتطورات التي حدثت في نظرية األدب من جانب ،وما
حدث في مناهج علوم االجتماع من جانب آخر وقد تبلور هذا العلم في منتصف القرن
العشرين في تيارين:
التيار األول:
ويطلق عليه "علم اجتماع الظواهر األدبية" ،وهو تيار تجريبي إمبريقي يستفيد من
تقنيات مناهج الدراسات االجتماعية ،كاإلحصائيات والبيانات وتحليل المعلومات وتفسير
الظوا هر ،انطالقا من معلومات محددة يبنيها الدارس طبقا لمناهج دقيقة ثم يستخلص
النتائج ،وهذا التيار االجتماعي اإلمبريقي يحلل األدب عن طريق تجميع أكبر قدر من
البيانات الدقيقة عن األعمال األدبية ،فعند دراسة الرواية مثال :يدرس اإلنتاج الروائي في فترة
محددة وتوضع البي انات اإلحصائية ،فاإلنتاج الروائي جزء من اإلنتاج السردي المتمثل في
القصة القصيرة والقصة والروايات والمسرح والسيناريوهات ،ثم يأخذ الدارس في التوصيف
الكمي لهذا النتاج ،فيحصي عدد القصص والروايات التي أنتجت في هذه البيئة وعدد
الطبعات التي صدرت منها ،وعدد القراء الذين تداولوا تلك األعمال وعدد النسخ التي طبعت
وعدد اللغات التي ترجمت إليها ،فالظاهرة األدبية في هذه الدراسة كأنها ظاهرة اقتصادية لكنه
اقتصاد الثقافة ،وتزعم هذا التيار نقاد غربيون مثل سكاربيه .Scarpier
وأهم ما يؤخذ على هذه الدراسة أنها تهتم بالطابع الكمي وتغفل الطابع النوعي
لألعمال األدبية ،فهي تسوي بين الرواية العظيمة ذات القيمة الخالدة مع الرواية التي انتشرت
ألنها تحمل طابع اإلثارة أو غير ذلك من األشياء التي تؤدي إلى االنتشار ،فقد تستوي لديهم
- 52 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
الرواية البوليسية مع الروائع األدبية الخالدة ،ألن ما يحكم هذه الدراسات هو الجانب الكمي
وليس جانب الكيف.1
التيار الثاني:
ويطلق عليه "المدرسة الجدلية" وهذه المدرسة تعود إلى هيغل Hegelنفسه ،وقد
اعتمد عليه ماركس في تحديد العالقة بين البنى التحتية والبنى الفوقية في النتاج األدبي
الثقافي ،وهذه العالقة متبادلة بين الفوق والتحت ومتفاعلة ما يجعلها عالقة جدلية والمنظر
األول الذي أسس هذا االتجاه هو جورج لوكاش G.Locasوهو الفيلسوف األكبر للواقعية في
منتصف القرن العشرين.
وكان هذا الفيلسوف يدرس ويحلل العالقة بين األدب والمجتمع معتب ار أن األدب
انعكاس وتمثيل للحياة ،وقدم دراسات حول سوسيولوجية األجناس األدبية وهذا الفرع يربط
بين الجنس األدبي وازدهاره وبين طبيعة الحياة االجتماعية والثقافية لمجتمع من المجتمعات
وبالتالي كتب عن طبيعة ونشأة الرواية المقترنة بنشأة حركة الرأسمالية العالمية وصعود
البرجوازية الغربية.
وظلت كتابات جورج لوكاش تتصف بالطابع الفلسفي الميتافيزيقي ،واألدب لديه هو
التعبير الفكري والفلسفي عن حركة المجتمع ذاته.
وجاء بعده لوسيان جولدمان Lucien Goldmannروماني ،وهو أكبر منظر لهذا
التيار األول لسيسولوجيا األدب أي تيار المدرسة الجدلية.
وقد انطلق جولدمان من مبادئ لوكاش وطورها واصطنع جملة من المصطلحات
الجديدة والتقنيات اإلجرائية الفورية التحليلية المبتكرة التي جعلت االتجاه الذي يتبناه يطلق
عليه علم اجتماع اإلبداع األدبي ،واهتم بالدرجة األولى بالجانب الكيفي وليس الجانب الكمي
- 53 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
الذي كانت تهتم به مدرسة سكاربيي Scarpierعلم اجتماع الظواهر األدبية ،وانطلق
جولدمان من مجموعة من المبادئ العميقة المنتشرة ومنها:
أوال:
يرى جولدمان أن األعمال األدبية ال تعبر عن األفراد وانما تعبر عن الوعي الطبقي
للفئات والمجتمعات المختلفة ،بمعنى أن األديب وان كان فردا لكنه يختزل فيه ضمير
الجماعة ورؤية الجماعة التي ينتمي إليها وهذه هي النقطة األولى في نظرية جولدمان.
فاألدب في نظره ليس نتاجا فرديا وال يعبر عن وجهة نظر شخصية ،ألن وجهة النظر هذه
تتجسد فيها عمليات الوعي الجماعي والضمير الجماعي ،وأكثر من ذلك كلما كان األديب
على درجة عالية من القوة والعمق كان تجسيده للمنظور الجماعي أوضح وأقوى.
ثانيا:
ويتم التمييز بين األدباء الذين يعبرون عن منظورات شخصية هم أدباء مزيفون،
وغالبا ما يسقط أدبهم ويهمل ويطوى في طي النسيان ،ألن القارئ ال يجد في أعمال هؤالء
ذاته وأحالمه ووعيه باألشياء ،وهناك أدباء آخرون يمتلكون القدرة على التمثيل الصحيح
للضمير الجماعي ،وهم الذين يدفعون بالوعي الجماعي نحو استشراف المستقبل واكتشاف
آفاقه.
فالمنهج االجتماعي ينطلق من البنية االقتصادية للمجتمع التي تعد األساس الحقيقي
الذي تقوم عليه العالقات في حياة األفراد ،وتبنى من خالله القوانين التي تتحكم في تسيير
حركة الحياة االجتماعية والسياسية والعقلية ويدرس هذا المنهج النص باالعتماد على الوثائق
1
المتعلقة بسيرة الكاتب التي تبرز انتماءه االجتماعي واتجاهه وايديولوجيتة.
إن األعمال األدبية تتميز بأبنية داللية كلية ،وهي تختلف من عمل آلخر ،فما هي
طبيعة هذه األبنية الداللية أو ما هي ماهيتها؟ هي ما يفهم من العمل في إجماله ،ويوجد
- 54 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
تناظر بين األبنية الداللية للعمل األدبي وبين بنية العمل الجماعي وكأنهما حلقتان يمكن
لهما أن يلتحما ببعضهما بعضا ،بمعنى أننا في قراءتنا لألعمال األدبية فإننا نتوخى أن
نصل إلى إقامة بنية داللية كلية للعمل الذي نقرأه ،وهذه البنية الداللية الكلية تتعدل كلما
عبرنا من جزء إلى آخر في العمل اإلبداعي ،وعندما ننتهي من القراءة ،تتكون لدينا صورة
عن بنيته الداللية الكلية.
هذه الصورة التي تشكلت في أذهاننا هي التي تقابل الوعي والضمير االجتماعيين
المتبلورين لدى األديب.
إن نقطة االتصال بين البنية الداللية الكلية للعمل األدبي والوعي الجماعي لدى
األديب هي أهم الحلقات عند جولد مان ،ويطلق عليها مصطلح "رؤية العالم" ،فكل عمل
أدبي يتضمن رؤية العالم.
إذا فهناك تأثير متبادل بين األدب والفضاء االجتماعي الّذي نشأ فيه (وبعبارة أخرى
منذ أن وجد اإلنسان في جماعة ،ألن األدب في هاته األثناء لم يكن في جوهره إال شكال من
أشكال ممارسة الحياة ،فقد كان أداة من أدوات اإلنسان في صراعه مع قوى الطبيعة
المختلفة).1
وهذا ال ينطبق على العمل األدبي الواحد المنفرد فحسب لكنه النتاج الكلي لألديب،
وعن طريق رؤية العالم أي نقطة االتصال يمكن أن نرى بشكل واضح كيفية تبلور العالقة
الخالقة بين األعمال اإلبداعية من ناحية والوقائع االجتماعية والخارجية من ناحية ثانية وقد
انطلق جولدمان من هذا المنظور في – علم اجتماع اإلبداع األدبي – لتأسيس منهجه في
سوسيولوجيا األدب ،وهو الذي يسميه المشارقة – المنهج التقليدي – ويسمى في المغرب
العربي -المنهج التكويني -والذي أضافه جولدمان هو أنه لم يغفل الجانب الكيفي في
دراسته األعمال األدبية ،بل اعتمد أساسا على هذا الجانب القيمي الكيفي لشرح مدى العالقة
عم ـ ـ ــر ع ـ ـ ــيالن :األدب ـ ـ ــي واالجتم ـ ـ ــاعي ،الملتق ـ ـ ــى الث ـ ـ ــاني ،الج ازئ ـ ـ ــر ،منش ـ ـ ــورات المرك ـ ـ ــز الج ـ ـ ــامعي ،خنش ـ ـ ــلة،1229 ، 1
ص.11
- 55 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
بين األعمال اإلبداعية والوعي الجماعي ،وذلك عندما جعل مستوى األديب يظهر في نقطة
االتصال – رؤية العالم ،-وبالتالي فإنه ال يمكن أن يستوي عمل روائي عظيم بعمل
بوليسي ،ألن الرؤية اآللية والمحدودة للعمل البوليسي تجعله مجرد أداة للتسلية واإلثارة ،وال
يمكن أن يحمل رؤية للعالم بكل ما يملكه هذا المصطلح من خصوصية وتعقد وتشابك.
وتبقى هناك إشكالية أساسية لدى هذا المنهج تتمثل في العالقة بين الحياة االجتماعية
الخارجية من ناحية واألعمال التحليلية اللغوية من ناحية أخرى ،وهي فجوة واسعة وفادحة
بين المنطقتين ،وتعتبر هذه المسألة أكبر نقطة ضعف لدى التيارين السابقين – سوسيولوجيا
األدب – التيار الكمي عند سكاريبي ،والتيار الكيفي عند جولدمان ولوكاش ،على الرغم من
أن منهج جولدمان حاول إقامة التجانس ،وتضييق الفجوة بين األدب والحياة ولكنها مازالت
قائمة.
وهناك بعض الدراسات التطبيقية في الثقافة العربية التي استخدمت منهج التوليدية
"منهج جولدمان أي علم اجتماع اإلبداع األدبي" في تحليل ظواهر األدب العربي ،وهي
دراسة قام بها عالم اجتماع عربي وليس ناقدا أدبيا ،وهو التونسي الطاهر لبيب رئيس
"جمعية علماء االجتماع العرب" ،وقد درس على يد جولدمان وكان مشرفا عليه في رسالة
الد كتوراه ،وقد درس ظاهرة الغزل العذري في العصر األموي وحاول أن يقيم العالقة بين هذه
الظاهرة -وهي ظاهرة متميزة في الشعر العربي في الفترة األموية -وبين طبيعة األبنية
االجتماعية من ناحية أخرى وبين مدى نجاح أولئك الشعراء في تقديم أو تجسيد رؤيا للعالم
التي تعبر عن واقعهم االجتماعي ،وهناك دراسة أخرى لشاعر أو ناقد مغربي وهو محمد
بنيس الذي حاول في هذا النوع من الدراسة أن يربط بين اإلبداع الشعري المغربي المعاصر
والظواهر السوسيولوجية في المغرب العربي ،وهي دراسة تتميز بالتماسك المنهجي .وقد أسفر
التطور الذي حدث في المناهج النقدية الحديثة منذ السبعينات عن تولد تيار جديد في
سوسي ولوجيا األدب أو علم اجتماع األدب ويختلف عن التيار الكمي والتيار الكيفي السابقين،
وهو "علم اجتماع النص" وقد أفاد هذا التيار من علم جديد في النقد األدبي وهو "علم
- 56 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
النص" ،كما أفاد من السوسيولوجيا منذ بارث "موت المؤلف"" ،سلطة النص"" ،لذة النص"
Le Plaisir Du Texteوبذلك يكون هنا التيار الثالث "علم اجتماع النص" قد ضيق الفجوة
المتسعة بين الحياة االجتماعية واألعمال التحليلية" ألنه استخدم وسيطا بينهما" "الحياة
االجتماعية واألعمال التحليلية" ،لذلك تسنى الربط بين األدب من ناحية والحياة من ناحية
أخرى ،وذهب أصحاب المنهج االجتماعي (إلى ربط األشكال األدبية "األجناس" بحركية
المجتمع والحقب التاريخية ،ويعتبرون الشكل األدبي شكال تاريخيا اجتماعيا [ ]...ألن لكل
جنس أدبي ظروفه ومالباساته التي ساعدت على والدته وبلورته).1
وص ار البحث النقدي في علم اجتماع النص مرك از على اللغة لتفادي تلك الهوة،
وابتعد عن تحليل األفكار والمفاهيم الفلسفية للنص.
الرواي ـ ــة ،منش ـ ــورات االخ ـ ــتالف ،الج ازئـ ـ ـر ،ط ،1221 ،1ص،11
حس ـ ــين خم ـ ــري :فض ـ ــاء المتخي ـ ــل مقارب ـ ــات ف ـ ــي ّ
1
بتصرف
- 57 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السادسة
التعريف باألعالم
-1جورج لوكاش )1871-1885( George Locas :فيلسوف وكاتب وناقد ماركسي من
المجر ،يعد مؤسس الماركسية الغربية مقابل الماركسية في االتحاد السوفياتي ،اشتهر بعدة
أفكار منها :التشيؤ ،والوعي الطبقي ،ويندرج المصطلحان تحت النظرية والفلسفة الماركسية،
الرواية بشكل عام ،عمل وزي ار للثقافة في المجر بعد
أثر نقده األدبي في الواقعية األدبية وفي ّ
الثورة المجرية .1811
الرواية التاريخية ،تحطيم العقل ،التاريخ
من مؤلفاته :دراسات في الجدلية الماركسيةّ ،
والوعي الطبقي.
-2لوسيان غولدمان )1871-1813( Lucien Goldman:فيلسوف فرنسي وناقد
بنيوي ،تعرف على المفكر الماركسي ماكس ألدر ،M.Adlerوعكف على دراسة أعمال
لوكاش (الروح واألشكال ،التاريخ والوعي الطبقي ،نظرية الرواية ،وترك لوكاش أثره في منهج
غولدمان.
للرواية.
من مؤلفاته :اإلله الخفي ،من أجل سوسيولوجيا ّ
-3لويس دو بونالد :)1841-1754( Louis De Bonaldمن عائلة فرنسية عريقة،
وهو فيلسوف سياسي ،عمل نائبا في البرلمان ،استقر في ألمانيا ،وكتب هناك أول عمل مهم
له "نظ رية القوة السياسية والدينية في المجتمع المدني التي أظهرها المنطق والتاريخ" تعتمد
كتاباته أساسا على الفلسفة االجتماعية.
من أعماله :نظرية السلطة السياسية والدينية ،أفكار في مختلف الموضوعات ،أخالط أدبية
وسياسية وفلسفية ،وغيرها من المؤلفات.
- 58 -
المحاضرة السابعة
-3المنهج النفسي – النفساني –
مفهومه
خلفياته المعرفية والفلسفية
مواقف النقاد منه
- 59 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
دخل علم النفس في صميم األدب وأسهم في الكشف عن جوانب العمل األدبي ،فكل
عمل فني ينتج عن سبب نفسي( ،وخالصة هذا التصور أن في أعماق ك ّل كائن بشري
رغبات مكبوتة ،تبحث د وما عن اإلشباع في مجتمع قد ال يتيح لها ذلك ،ولما كان صعبا
فإنه مضطر إلى تصعيدها أي إشباعها بكيفيات
إخماد هذه الحرائق المشتعلة في ال شعورهّ ،
كأن الفن إذن
مختلفة ،أحالم النوم ،أحالم اليقظة ،هذيان العصابيين ،األعمال الفنيةّ ،
تصعيد وتعويض لما ال يستطيع الفنان تحقيقه في واقعه االجتماعي ،واستجابة تلقائية لكل
المثيرات النائمة في األعماق النفسية السحيقة والتي قد تكون رغبات حسية-حسب فرويد -أو
شعور بالنقص يقتضي التعويض-حسب أدلر -أو مجموعة من التجارب واألفكار الموروثة
المخزنة في الالشعور الجمعي-حسب يونغ) .1
والنقطة التي انطلق منها فرويد تتمثل في التمييز بين الشعور والالشعور ،بين الوعي
والالوعي ،وا عتبر الالوعي أو الالشعور هو المخزن الخلفي غير الظاهر للشخصية واعتبره
متضمنا لدوافع السلوك واإلبداع واإلنتاج ،وانصب اهتمامه في الدرجة األولى على تفسير
األحالم باعتبارها النافذة التي يطل منها الالشعور ،وهي الطريقة التي تعبر بها الشخصية
عن ذاتها حقيقة ،واألحالم تقوم على قوانين الكبت والمنع االجتماعيين ،وكان التناظر بين
األحالم من ناحية والفن مظه ار آخر تتجلى فيه النزعات الخفية في الشخصية اإلنسانية.
وقد وضع فرويد نظرية التحليل النفسي في كتابه تفسير األحالم ،ويرى التحليل
النفسي أ ن اإلبداع حالة خاصة قابلة للتحليل ،وقد لجأ فرويد إلى تاريخ األدب يستمد منه من
مقوالته ومصطلحاته في التحليل النفسي ،فسمى بعض ظواهر العقد النفسية بأسماء
شخصيات أدبية ،مثل عقدة أوديب ،وعقدة إلكت ار وغيرهما ،وعقدة أوديب مستوحاة من
أسطورة أوديب اليونانية وتعني صاحب األقدام المتورمة ،أما عقدة إلكت ار فهي تطلق على
األنثى وهو مصطلح فرويدي يشير إلى تعلق الفتاة الالواعي بأبيها ،وغيرتها من أمها
يوسف وغليسي :مناهج النقد األدبي ،جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط ،1229 ،1ص.11 1
- 61 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
ويكرهها ،واألسطورة اليونانية تقول بأن إلكت ار طلبت من أخيها أن يثأر لموت أبيها أغاممنون
بأن يقتل أمها كليتيمنست ار ألنها شاركت في قتل زوجها والد إلكترا ،كما لجأ فرويد أيضا إلى
تحليل بعض اللوحات الفنية التشكيلية إلى جانب األعمال األدبية والشعرية ،وذلك من أجل
التدليل على نظرياته في التحليل النفسي ،وفي العالقة بين الشعور والالشعور ،وفي القوانين
التي تحكم هذه العالقة وهي قوانين التداعي ،وكان فرويد يعمل في منطقة التحليل النفسي،
ويهتم بالدرجة األولى بالظواهر المرضية مثل العصاب وانفصام الشخصية وغيرهما ،وعن
طريق تحليل هذه الحاالت المرضية يمكن الكشف عن الحاالت السوية األخرى.
وكان فرويد وتالميذه يركزون اهتمامهم في الدرجة األولى على الكشف عن القوانين
الخفية والمضمرة التي تعمل بها الذات اإلنسانية ،فهم يبحثون في طبقات الشخصية والكشف
عن حاالتها المختلفة ،ويرى فرويد بأن الدوافع الجنسية من بين الدوافع الالوعية التي تشكل
العمل اإلبداعي وقد ذكر عقدة أوديب وعقدة إلكترا ،ويرى أن اإلبداع والفن مجرد تعويض
مقنع عن الكبت الجنسي ،واإلبداع عنده ضرب من التنفيس من أجل التواؤم مع العالم
الجتناب المرض ،فاألديب بهذا المعنى يشكل عالما خاصا به ،إما عن طريق اللعب ،أو
الحلم أو التحليل ،ولكن فرويد فسر ذلك كله بحزمة من العقد الجنسية يسعى المرء إلى
تعويضها ،وقد استقى مصطلحات من أعمال أدبية باألساس:
-1عقدة أوديب :وتتمثل في ميل الطفل جنسيا إلى أمه.
-1عقدة إلكترا :وتتمثل في ميل الطفلة إلى أبيها.
-6العقدة النرجسية :وهي حب الذات جنسيا.
-1عقدة الخصاء :في تصوره أن اإلنسان يخاف على أن يفقد أعضاءه التناسلية ألنه
سيعاقب على إتيانه أعماال محرمة.1
- 62 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
وقد أتفق فرويد وتلميذه يونغ على أن اإلبداع ال شعوري ،والفرق بينهما أن فرويد يراه
كبتا جنسيا عند الفرد ،أما يونغ فيراه كبتا جنسيا من الالشعور الجمعي موروثا من األسالف
البدائيين.
أما أدلر Adlerفقد خالف أستاذه فرويد Freudكما خالف يونغ ،Youngورأى أن
اإلبداع والفن مبعثهما التعويض عن الشعور بالنقص ،وحب الظهور والسيطرة ،واإلحساس
بعدم الكمال.
ويرى هؤالء أن جودة العمل األدبي ورداءته ال تعلل بجمالياته ولفتاته الذوقية
والشعورية والخيالية وجمال األسلوب ولكن بالقيم النفسية التي يحملها النص ،ومنه ينطلق
التحليل النفسي لألدب ومن المبدع ذاته والربط بينه وبين نتاجه من ناحية وبين تاريخه
الشخصي من ناحية أخرى ،حيث تكمن في تاريخه الشخصي مجموعة الخبرات المتراكمة
منذ سن الطفولة الباكر وهي أشد الفترات حسما في توجيه سلوك اإلنسان في المستقبل ،فهي
فترة تتكون فيها عاطفته ووجدانه ،فإذا ما عانى شيئا من الحرمان في هذه الطفولة الباكرة أو
لقي بعض التجارب القاسية ،كان لذلك تأثير في السلوك والتصور ،فإذا ما كان هذا اإلنسان
مبدعا أو شاع ار أصبح محكوما بتلك التجارب وأصبحت هي الجذر األساسي إلبداعه
والمرجعية الحقيقة لما يستخدمه من رموز ،ولما يوظفه من وسائل اإلبداع األدبي ،فالعالقة
إذا وطيدة بين العالم الباطني للمبدع واإلبداع األدبي.
وهناك دراسات تقرن بين العبقرية والجنون حيث ترى أن اإلبداع في جوهره مظهر
لوصول التوتر في نفس المبدع إلى ذروته ،وهو حينئذ ال يستطيع التكيف مع الجماعة،
ويتجلى هذا التوتر وعدم التكيف في الخلق الفني واألدبي.
ونشأ فرع من فروع الدراسات النفسية واألدبية وهو علم نفس اإلبداع ،ويمكن دراسة
األديب نفسيا من خالل مسودات أعماله اإلبداعية ذاتها وربما كشفت هذه المسودات عن
حاالت أعمق في نفسه وفي طريقة تعبيره وأسلوبه ،فالمسودات هي المادة األولية أمام
المحلل النفسي
- 63 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
ونشأت في الثقافة العربية منذ منتصف القرن العشرين مدرسة وكان لها إنجازها
الكبير في علم نفس اإلبداع ،أسسها الدكتور مصطفى سويف ،ويعتبر كتابه األسس النفسية
لإلبداع الفني في الشعر خاصة بمثابة نقطة االرتكاز الجوهرية ألعمال هذه المدرسة ولم
تلبث أن تشعبت هذه الدراسات لدى تالميذه ،فكتبوا بحوثهم ودراساتهم في بقية األجناس
األدبية ،فكتب الدكتور شاكر عبد الحميد األسس النفسية لإلبداع الفني في القصة القصيرة
وكتبت الدكتورة سامية الملة األسس النفسية لإلبداع الفني في المسرح ،وتكونت في الثقافة
العربية نواة مدرسة "علم نفس اإلبداع" ،وقد استهوى هذا المنهج كثي ار من النقاد العرب،
ومنهم العقاد والمازني ومحمد النويهي ومحمد خلف اهلل أحمد ،وقدم العقاد دراسة عن
شخصية أبي نواس في ضوء عقدة النرجسية في كتابه "أبو نواس الحسن بن هانئ" ،وكتب
المازني دراسة عن بشار بن برد ،وتمثل هذه الدراسة نموذجا لمفهوم أدلر عن عقدة النقص
ومن خصائص هذا المنهج أنه:
يعرف شخصية األديب من خالل إبداعه وما تتسم به شخصيته من حزن وألم ويفسر
الظواهر الفنية استنادا إلى عوامل نفسية ،ويطبق نتائج علم النفس على شخصيات األدباء
ونتاجاتهم األدبية.
وتعد سنة 1869تاريخا حاسما في عالقة النقد األدبي بهذا المنهج ألنها السنة التي
أوكلت فيها كلية اآلداب بجامعة القاهرة إلى كل من أحمد أمين ومحمد خلف اهلل تدريس مادة
جديدة لطلبة الدراسات العليا تتناول صلة علم النفس باألدب ،وفي السنة الموالية 1868
نشر أمين الخولي بحثا عنوانه "البالغة وعلم النفس" ،وهو محاولة لترسيخ العالقة بين األدب
وعلم النفس ،وقد أثار هذا المنهج مواقف مختلفة من النقاد.
مواقف النقاد منه:
-1موقف األنصار :وعلى رأسهم العقاد ،فهو لم يكتف بالممارسة النقدية النفسانية ،بل راح
يؤازر ذلك نظريا ،فهو يقول في كتابه "النقد السيكولوجي" الذي نشره عام :1811إذا لم يكن
بد من الفضل فمدرسة النقد السيكولوجي أو النفساني أحقها جميعا بالتفضيل في رأيي وفي
- 64 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
ذوقي معا ،ألنها المدرسة التي نستغني بها غيرها وال نفقد شيئا من جوهر الفن أو الفنان
المنقود ،أما جورج ط ار بشي الذي مارس النقد النفساني في كثير من كتبه "أنثى ضد أنثى"،
"الرجولة وايديولوجيا الرجولة في األدب العربي"" ،عقدة أوديب في األدب العربي"" ،رمزية
المرأة في الرواية العربية"...إلخ ،فهو أكثر النقاد تطرفا في الدفاع عن هذا المنهج ،فهو
يقول ( :لقد كتبت من قبل عدة دراسات في النقد ولم أشعر أن هناك منهجا قاد ار على الدخول
إلى قلب العمل األدبي واعطائه أبعادا ،وأن يكشف فيه عن أبعاد خفية أو فلنقل تحتية،
كمنهج التحليل النفسي) ،1ويشبهه في هذا الموقف الشاعر الناقد اللبناني الدكتور خريستور
نجم الذي اتبع التحليل النفسي في الكثير من كتاباته النقدية "النرجسية في أدب نزار قباني"،
"المرأة في حياة جبران"" ،في النقد األدبي والتحليل النفسي" ،ويخلص في دراساته إلى أن
التحليل النفسي لألدب من أصلح المناهج األدبية تقصيا للحقيقة واثراء للفن ، 2ولكنه في
مواقف أخرى استعرض بعض المآخذ على هذا المنهج كاهتمامه بالفنان أكثر من الفن،
وايمان المنهج المتطرف بأن النص تعبير أمين عن نفسية صاحبه ،ولجوء المنهج إلى
التعسف والتبرير بدل الحقيقة الموضوعية.
-2مواقف الخصوم المعارضين :يأتي محمد مندور في طليعة النقاد الداعين إلى فصل
األدب ودراسته عن العلوم المختلفة ومنها علم النفس ،وتنحية العلم عن األدب ونقده،
ومحاربة تطبيق القوانين التي اهتدت إليها العلوم األخرى على األدب ونقد األدب ،ألن
األدب في نظره ال يمكن أن نحدده ونوجهه ونحييه إال بعناصره الداخلية أي عناصره األدبية
البحتة .ورأى بأن دعوة األستاذ خلف اهلل أحمد إلى هذا االتجاه هي محنة ستنزل على
األدب ،أل ن معنى ذلك هو االنصراف عن األدب وتذوق األدب والفرار إلى نظريات عامة ال
فائدة منها ،وأن االهتمام باألديب باسم عالقة األدب بعلم النفس سينتهي بنا إلى قتل األدب،
جهاد فاضل :أسئلة النقد ،الدار العربية للكتاب ،القاهرة ،د.ت ،ص.81 1
خريستو نجم :في النقد األدبي والتحليل النفسي ،دار الجيل ،بيروت ،1881 ،ص.68 2
- 65 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
وقد خفف من وطأة نقده للمنهج في كتاباته األخيرة ،ورأى بأن الناقد يمكن أن يتوسع من
خالل الدراسات النفسية والتاريخية واالجتماعية والعلمية.
أما طه حسين فهو يعارض معارضة تامة هذا المنهج ،فهو يرد على من كتبوا فيه
(والذي أريد أن أصل إليه من هذا النوع كله هو أني حين أنكرت إخضاع أبي نواس لهذا
النوع من التحليل النفسي كنت أعلم حق العلم ما كنت أقول ،وكنت أعمد إليه من إرادة
وبصيرة وثقة ألني أرى ك ّل ما ينتج من إخضاع القدماء لهذا التحليل ضربا من الظن ال
يرقى إلى العلم وال ينتهي بأصحابه إلى اليقين وال يلزم ق ارءه االقتناع به واالطمئنان إليه ،وما
زلت أرى هذا الرأي لم يصرفني عنه األستاذ العقاد بما كتب في مقاله األخير ،وما أرى ّأنه
سيصرفني عنه اآلن على أقل تقدير).1
أما عبد المالك مرتاض فهو من ألد أعداء هذا المنهج ،ورأى بأن هذا المنهج النفسي
يفترض بشكل مسبق مرض األديب ،فهو منهج همه األساسي هو البحث عن األمراض
النفسية في النصوص األدبية.
-3مواقف وسطية :ال ينكر هذا الموقف فعالية المنهج النفسي في ذاته ،ولكنه يسجل عليه
بعض االعتراضات الجزئية ،يظهر ذلك في موقف الناقد سيد قطب الذي أعرب عن ذلك
قائال :إنه لجميل أن ننتفع بالدراسات النفسية ،ولكن يجب أن تبقى لألدب صبغته الفنية ،وأن
نعرف حدود علم النفس في هذا المجال والحدود التي نراها مأمونة هي أن يكون المنهج
النفسي أوسع من علم النفس يقف عند حدود الظن والترجيح ،ويتجنب الجزم والحسم ،وأال
يقتصر عليه في فهم الشخصية اإلنسانية ،فسيد قطب ال يمانع من االستفادة من هذا
المنهج ،ولكنه يريد أن يلتزم حدوده ،وأن يظل مجرد عنصر من مجموعة منهجية ،وبذلك
فإن قطب له تصور منهجي شامل ،حيث يرى قصور المنهج الواحد في تصور النص،
طه حسين :خصام ونقد ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط ،1892 ،12ص.121 1
- 66 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
والنص األدبي من السعة والعمق بما ال يستوعبه إال منهج متكامل ،ويرى بأن عيوب هذا
المنهج تتجلى في:
-اختناق األدب في هذه األجواء التي يتحول فيها النقد األدبي إلى تحليل نفسي.
-تواري القيم الفنية وانغماسها في لجة التحليالت النفسية التي ال تميز بين عمل فني جيد
وآخر رديء ،بمعنى أن هذا المنهج أخفق في الربط بين العامل النفسي والعامل اإلبداعي
(أما النتيجة الثانية المرتبطة بقصور منهج التحليل النفسي فتتمثل في عدم إمكانية عقد
عالقة سببية بين العامل النفسي من ناحية واإلبداع ذاته من ناحية أخرى).1
-وهو يحيل الشخصيات إلى أفكار وعقد ،ويعد عز الدين إسماعيل من أصحاب هذا
المنهج أيضا ،وهو يناصره باعتدال وال يخفي عنه معايبه ،ويراه ضروريا إذا استخدم بشكل
صحيح ،أما الناقد محمود الربيعي فعلى الرغم من أنه يبدو وسطيا إال أنه أقرب الوسطين
إلى خصوم المنهج ،ويرى أن المنهج السيكولوجي أحد المداخل النقدية المعاصرة إلى دراسة
النص األدبي ،ولكنه يذكر جملة من العقبات التي تعترضه ،كاهتمامه الرئيسي بأمور ال
يعيها المؤلف نفسه باإلضافة إلى أن المؤلف كثي ار ما ينفي تفسيرات الناقد النفساني وكذلك
إعطاء الناقد تفسي ار واحدا للعمل األدبي.
أما عادل فريحات فعلى الرغم من غرامه بما يقدمه المنهج من فائدة إال أنه يرى أن
المنهج يبين عما إذا كان األثر جميال أو قبيحا؟ عظيما أم تافها؟ إذ إن هذه األمور ال شأن
لعلم النفس بها ،وهي تدخل في أجواء أخرى كالنقد األدبي وعلم الجمال منتهيا إلى أن علم
النفس ليس ضروريا للفن ولكنه يصبح ذا قيمة إذا اندمج في العمل الفني فيهتم بالجمال
والخيال ويتخلى عن صرامة العلم.
- 67 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة السابعة
التعريف باألعالم
-1سيغموند فرويد :)1838-1856( Sigmund Freudمختص في دراسة الطب
العصبي ،ومفكر حر ،وهو مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث ،وهو طبيب
نمساوي اشتهر بنظريات العقل والالوعي ،ودعا إلى التحليل النفسي لعالج األمراض النفسية
عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي ،وتفسير األحالم كمصدر للكشف عن
الرغبات في الالوعي ،وكرس وجهته إليه إال أن إسهاماته ال تزال تحتل مكانة هامة في علم
الطب النفسي ،من مؤلفاته :تفسير األحالم ،قلق في الحضارة ،تغلب على الخجل ،نقطة
الضعف ،وغيرها.
-2ألفريد أدلر :)1837-1871( Alfred Adlerطبيب عقلي نمساوي مؤسس مدرسة
علم النفس الفردي واختلف مع فرويد ويونغ في أن القوة الدافعة في حياة اإلنسان هي
الشعور بالنقص ،ويبدأ هذا الشعور من بدء فهم الطفل للحياة ،وفهم المحيط الّذي يعيش فيه
والقدرة على التكيف مع البيئة االجتماعية ،من مؤلفاته :معنى الحياة ،سيكولوجيتك في
الحياة ،الطبيعة البشرية وغيرها من المؤلفات.
-3كارل غوستاف يونغ 1811-1991( :Carl Gustav Jungم) :عالم نفس سويسري
مؤسس علم النفس التحليلي ،مختص في علم النفس والطب النفسي ،درس الفلسفة
والروحانيات وا لظواهر الخارقة للطبيعة ،أصبح يونغ كبير األطباء ،نشر عددا من المقاالت
أكسبته شهرة واسعة وقد أرسى قواعد الطب النفسي التحليلي وأثبت تجريبيا ما ذهب إليه
سيغموند فرويد وحظي بمناصب علمية مختلفة وكان ألعماله أثر في دراسة الدين واألدب،
من مؤلفاته :جدلية األنا والالوعي ،البنية النفسية عند اإلنسان ،علم النفس التحليلي ،وغيرها
من المؤلفات.
- 68 -
المحاضرة الثامنة
-1المنهج التوفيقي التكاملي
مفهومه
خلفياته المعرفية
شروطه
- 69 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثامنة
وقد أدرج غولدمان السياق التاريخي واالجتماعي والسيرة الذاتية للمنتج من خالل
النص وخارجه مستفيدة من المناهج النقدية الحديثة.1
اآلليات التي تربط بين داخل ّ
(ولما انتقلت الفكرة إلى الحقل األدبي كانت النظرة التكاملية في واقع األمر رد فعل
على التفسير األحادي لألدب سواء أكان التفسير نفسيا أم تاريخيا أم اجتماعيا فالنص األدبي
ظاهرة متشعبة فيها ذات الكاتب والظروف المحيطة بإنتاجه فال يستقيم الفهم إال إذا أحاط
الناقد بكافة جوانبه ،فجعلهم يطلقون عليه عدة تسميات منها النقد المتعدد أو المتكثر أو النقد
الكلي أو النقد الحواري. 2 )..
فتسمية هذا المنهج تختلف من ناقد إلى آخر فهو (منهج من ال يركن إلى منهج
وي ْمتَ ُح منها ما يفيد ويغني ويعمق
واحد ،واّنما من يغمس قلمه في ك ّل المناهج والمحابرَ ،
النص الّذي بين يديه).3
ّ
وهناك من وصف هذا المنهج بأنه توفيقي تلفيقي ،ومتبع هذا المنهج في نظرهم ال
النص بصورة مشوشة غير
يكون وفيا لكل المناهج التي يعتمدها بنفس التوازن ،فهو يحلل ّ
مستقرة ،ومن ثمة تجده قد يميل ميال إلى منهج دون آخر ،ويرى نعيم اليافي أن هناك
4
شروطا ضرورية الستيفاء المنهج التكاملي.
شروطه:
-1الموسوعية :إذ ينبغي للناقد أن يكون ملما موسوعيا يتمتع بمعارف مختلفة وكافية ،ألن
النص يشمل النفسي واالجتماعي والتاريخي واألدبي والفلسفي ،وبذلك يجب على الناقد أن
ّ
يحوز ثقافة واسعة.
مخلوف عامر :مناهج نقدية ،ص11؛ نقال عن نعيم اليافي :النقد التكاملي حوار األسئلة واألجوبـة اتحـاد الكتـاب العـرب، 4
-2االنفتاح :وما دام الناقد يسعى أن يكون موضوعيا فال ينبغي أن يعتمد على منهج واحد
بل عليه أن ينفتح على جميع المناهج.
-3االنتقائية :وال يمكن للناقد مهما كان موسوعيا أن يفرع ك ّل معرفته في نص واحد ،ومن
ثمة يجد نفسه مضط ار للفرز واالنتقاء.
النص ينتقل إلى مرحلة ضرورية وهي القيام بعملية تركيب
-4التركيب :والناقد بعد معالجة ّ
العناصر.
-5ال ّنصية :وعلى الناقد أن ينظر إلى ك ّل نص من زاوية طبيعته الفنية المتميزة وأن ينظر
للنص التاريخي واألدبي
إلى ك ّل نص من زاوية تلك الخصوصية ،حيث ال يمكن أن ينظر ّ
والفلسفي من نفس الزاوية.
وقد بدأت الدعوة في مجال النقد إلى هذا المنهج في نهاية األربعينات على يد سيد
قطب وشكري فيصل ،وهو منهج ال يحصر نفسه في منهج جامد أو منهج محدد ،ومنذ بداية
الستينات بدأ بعض النقاد يروجون لهذا المنهج أيضا ،ومن هؤالء الناقد شوقي ضيف.1
ومن النقاد اآلخرين الّذين ساروا على هذا المنهج محمد الصادق عفيفي ،ومحمد
مصطفى هدارة.
وحذر نقاد آخرون من اعتباطية المنهج ودعوا إلى التركيز على التكاملية بطرق
انتقائية صارمة ومحددة تتصف بالحيطة والحذر تفاديا لتحويل الدراسة إلى خليط من
المعلومات التي ال تخضع إلى أي ضابط أو نظام.
- 72 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثامنة
التعريف باألعالم
-1نعيم اليافي :ولد في حمص سنة ،1861درس في مدارس سوريا ،عرف بموسوعيته،
وهو أستاذ في األدب العربي الحديث بجامعة دمشق ،درس في القاهرة وتحصل على اإلجازة
في األدب والماجستير والدكتوراه ،وله ما يزيد على أربعة وعشرين كتابا منها :الشعر بين
الفنون الجميلة ،الشعر العربي الحديث ،أوهاج الحداثة وغيرها.
-2شوقي ضيف :أ ديب مصري وعالم لغوي ،كان رئيسا لمجمع اللغة العربية بمصر ،ولد
في سنة ،1812توفي سنة ،1221من مؤلفاته :العصر الجاهلي ،العصر اإلسالمي،
العصر العباسي األول ،العصر العباسي الثاني ،الفن ومذاهبه في الشعر العربي وغير ذلك
من المؤلفات.
-3محمد مصطفى هدارة :مفكر وأديب مصري وهو أستاذ جامعي ،ولد سنة 1862وتوفي
سنة ،1889من مؤلفاته تيارات الشعر العربي ،التجديد في شعر المهجر ،مشكلة السرقات
في النقد األدبي ،وغيرها من المؤلفات.
- 73 -
المحاضرة التاسعة
ب -المناهج النقدية النسقية
مدخل في مفهوم المناهج النسقية
-4النقد الجديد
مفهومه وخلفياته المعرفية
أسسه وخصائصه
- 74 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
- 75 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
new criticismeوأصبح هذا العنوان اسما لهذه المدرسة كلها "النقد الجديد" ،وقد اختلف
النقاد في ترجمة اسم هذه المدرسة ،فتارة ترجموها إلى مدرسة النقد الجديد ،وتارة أخرى أطلقوا
عليها مدرسة النقد الحديثة.
والنقد الجديد هو المحطة األساسية السابقة مباشرة لنقد الحداثة من بنيوية وما بعد
بنيوية( ،وقد تلتبس أحيانا التسمية األنجلو أمريكية The new criticismeبنظيرتها الفرنسية
حيث شاع مصطلح النقد الجديد بصيغته الفرنسية 1 ) Nouvelle critiqueفي الستينات من
القرن الماضي في العالم العربي( ،يرى المهتمون بتاريخ النقد الجديد ّأنه يعود إلى أز ار باوند
E.Poundومقوالته المبعثرة أيام جماعة "نادي الشعراء" في لندن عام ،1829وأن أشهر
ممارسيه المؤسسين توماس ستيرنز إليوت وايفور أرمسترونغ ريتشاردز ،ويضاف أحيانا إليهم
فرانك ريموند ليفيز عن الجانب البريطاني ،وعن الجانب األمريكي ك ّل من جون كروا رانسوم،
وألن تيت ،وروبرت بين وارين وكليانث بروكس وويليام كيرنز ومزات [ ]...ومن األسماء التي
أطلقت على األمريكيين النقاد الجنوبيين والنقاد الريفيين والنقاد الهاربين على أن االسم الّذي
2
استقر هو النقاد الجيد"
وواجه النقد الجديد رفضا عنيفا من نقد الحداثة ،حيث جعل هؤالء همهم هدم النقد
الجديد ،على الرغم من عدم تقديم البديل له ،أو بدائل مقنعة ،والذي يؤاخذ به النقد الجديد
يوسف وغليسي :مناهج النقد األدبي ،جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط ،1229 ،1ص.18 1
- 76 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
هو ّأنه يتجاهل السياق التاريخي والعوامل المحيطة الخارجية ،مع إهماله للمؤلف والقارئ،
ويؤخذ عليه ّأنه ال يناسب إال النخبة فهو دكتاتوري السياق ،ألنه يتعلق باألستاذ العالم وال
يهتم بالطالب المتدرب ،ويقال عنه ّإنه نقد ميكانيكي ،يجد ما يطلبه في ك ّل نص يختاره ،فهو
يختار عادة ما يتناسب مع أدواته ومقوالته ،ويفضل الشعراء الميتافزيقيين على غيرهم،
النصوص المطولة كالرواية
ويقتصر على القصيدة الغنائية ،وهو يفشل في التعامل مع ّ
والمسرحية.1
ولم ينشأ النقد الجديد من فراغ ولم ينته إلى فراغ ،فهو امتداد للفلسفة التجريبية المادية
الغربية ،وتمرد عليها في آن واحد أي الدعوة إلى األخذ بالمنهج العلمي ورفض المادية ،وهو
أيضا ثورة على الرومانسية التي تركز على الذات أي األنا ،ألن النقد الذي يدعو إليه النقد
الجديد هو داخل النص ،داخل اإلبداع ،وهو بعيد عن ذات المبدع والمتلقي ،باستثناء
ريتشاردز ،richardsالذي يهتم بذات المبدع ،متأث ار بإنجازات علم النفس الباهرة آنذاك
نظريات فرويد ،والنقاد الجدد يعنون بالتجربة اإلنسانية سواء أكانت نابعة من األرشيف
الذهني للشاعر أم عن طريق اإلدراك الحسي ،والقصيدة تخضع عندهم للتحليل الموضوعي
أي العلمي من ناحية البناء ومعطيات الشكل وهذه نقطة لقاء بين النقاد الجدد والشكالنيين،
وكذلك المضمون يخضع لتفكيك وتحليل التجربة اإلنسانية ،واعادة بنائها من جديد "عملية
الهدم والبناء" ،وهو الدعوة إلى العودة إلى الداخل في مقابل الخارج الذي توقف عنده بندول
الثنائية ثنائية الداخل والخارج.
وقد وقع النقاد الجدد في مأزق وانشطرت آراؤهم في الشعر ،فمعنى القصيدة لديهم
يمكن أن يشير مرة إلى العالم الخارجي أو إلى الدوافع اإلنسانية الداخلية أو إلى المشاعر
والعواطف اإلنسانية أو إلى التنويعات األخالقية أو إلى التنظيم المنطقي للنص ...إلخ.
ميخان الرويل وسعد البازعي :دليل الناقد األدبي ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،ط ،1221 ،1ص.619 1
- 77 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
وقد تواتر مصطلح النقد الجديد بغير داللته األنجلو سكسونية ،ليكون عنوانا للمناهج الجديدة
بنيوية ،سيميائية ،موضوعاتية ....إلخ ،وهناك بعض الكتابات النقدية الفرنسية سعت إلى
إزالة اللبس بين التسمية اإل نجليزية والتسمية الفرنسية عن طريق أداة التعريف الفرنسية Le
new criticismللداللة على النقد الجديد في صبغته األنجلو أمريكية ،بينما تمحض للصيغة
الفرنسية عبارة La nouvelle critiqueوقد أسهم T.S.Iliotبنظرية المعادل الموضوعي،
(واليوت بعد ذلك صاحب فكرة المعادل الموضوعي ،وقصده بها أال يعبر الكاتب عن آرائه
تعبي ار مباشرا ،بل يخلق عمال أدبيا فيه مقوماته الفنية الداخلية التي تكفل فنيا تبرير
األحاسيس واألفكار لالقتناع ،بحيث ال يحس المرء أن الكاتب يفضي إليه بذات نفسه بإثارة
المشاعر المباشرة دون تبرير لها) . 1
ويوضح إليوت المعادل الموضوعي قائال (الطريق الوحيد للتعبير عن االنفعال في
صورة فنية ،هي العثور على معادل موضوعي ،وبعبارة أخرى ،على مجموعة من األشياء أو
على موقف ،أو على سلسلة من األحداث تكون بمثابة صورة لالنفعال الخاص ،بحيث متى
استوفيت الحقائق الخارجية التي يجب أن تنتهي إلى تجربة حسية ،وا ّن االنفعال يثار إثارة
مباشرة) .2
أسسه وخصائصه:
-1دراسة النص األدبي انطالقا من النص ذاته ،إذ منه االنطالق واليه الوصول دون
اعتبار لقصدية الناص أو وجدان المتلقي.
-1اتخاذ القراءة الفاحصة :وهي الوسيلة التحليلية المركزية في دراسة النص ،وهي تتقصى
معجم النص وتراكيبه اللغوية والبالغية ورموزه واشاراته ،وكل العناصر الجوهرية التي تضيء
داللته وتفكك مغاليقه أي بحث النصوص مفردة بعيدا عن بيئتها الثقافية واالجتماعية ...إلخ.
غنيمي هالل :النقد األدبي الحديث ،دار العودة ،بيروت ،1891 ،ص.616 1
- 78 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
-6االهتمام بالطبيعة العضوية للنص ،ودراسته باعتباره وحدة عضوية متجانسة العناصر،
وقد أخذ النقد الجديد فكرة الوحدة العضوية عن الشعراء الرومانسيين ،وهم يعتبرون النص
كائنا لغويا كالكائن النباتي أو الكائن الحيواني ،يمثل هذا الكائن اللغوي بنية متجانسة مستقلة
عن الظروف والمؤثرات المحيطة ،وهو وحدة كلية متداخلة يستحيل فصل شكلها عن
مضمونها ويتساءل اآلن تيت Alain Titeهل في اإلمكان التمييز القاطع بين اللغة
والمضمون؟ أليس المضمون واللغة شيئا واحدا؟
-1االهتمام بالتحليل العلمي للنص والحذر من اإلسراف في إطالق األحكام السيما تلك
التي تعوزها األدلة التعليلية والحيثيات النصية.
-1نبذ االلتزام ورفض استخدام األدب وسيلة لغاية رسالية معينة اجتماعية ،سياسية،
أخالقية....إلخ.
وقد ازدادت هيمنة النقد الجديد في مرحلة ما بعد الحرب الثانية ،لكنه فتر بعد ذلك
مع نهاية الخمسين ات وبدأ االعتقاد بانتهاء النقد الجديد وقد أجمعت االنتقادات على ضيق
أفق النقد الجديد لتجاهله للسياق التاريخي والعوامل الخارجية وعدم اهتمامه بالمؤلف والقارئ،
وقد انتقل النقد الجديد إلى الوطن العربي في نهاية الخمسينات وبداية الستينات ،نقله النقاد
المتغلغلون في أوساط الثقافة اإلنجليزية وعلى رأسهم الدكتور رشاد رشدي ،وهو دكتور
مصري في األدب اإلنجليزي ،وقد آزره طالبه في جهوده تلك ،حيث نشر محمد عناني النقد
التحليلي عن بروكس ،ونشر سمير سرحان النقد الموضوعي عند ماتيو أرنولد ،M.Arnold
ونشر عبد العزيز حمودة كتابه علم الجمال عن كروتشي ،Croceونشر فايز إسكندر النقد
النفسي عن ريتشاردز .Richards
ومن األسس التي يقوم عليها هذا المنهج ما يلي:
-النظر إلى النص األدبي على أنه ليس نسخة من الواقع ،بل هو كيان مستقل عن
المؤثرات الخارجية سواء في ذلك البيئة االجتماعية أو التكوين السيكولوجي للفنان ،ويرى
أصحاب هذا النقد ّأنه ينبغي أن يتوفر للناقد الحس الفني المرهف بالجمال ،وبقدر ما يكون
- 79 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
عمق إحساس الناقد بالجمال بقدر ما تكون قوة نقده إذ ليس المهم اإللمام بالقواعد أو
تعريفات الجمال ،أو األسس الذهنية العامة ،إذ القيمة ك ّل القيمة لرهف المزاج الفني.1
-التركيز على أدبية األدب واالنطالق من النص ،ألن للنص األدبي حياته وروحه العامة
التي ال تأتي من الخارج ،ويؤكد أحد الدارسين هذه الخاصية بمنطق رياضي:
(أ) قد تؤدي إلى (ب) ولكن معنى (ب) غير معني (أ) بمعنى أن الخارج ال يتعلق
بالنص ،ويضرب ناقد آخر مثاال علميا ويتساءل هل نقول :إن الماء الذي هو أوكسجين
وه يدروجين يحمل خصائص أي عنصر من عنصريه المكونين له؟ وهل ألثره عالقة بأثر
أي منهما؟ إننا نرى على العكس H+O2الماء Ho2أن أثره في اإلطفاء يناقض أحد
عنصريه في االشتغال.
مالحظة:
إن الداخل الذي يدعو إليه النقاد الجدد يبقى غامضا جدا ويوقعهم في الكثير من
التناقضات ،فالتجربة اإلنسانية هي داخل النص لديهم وهي تأتي من األرشيف الذهني أو
اإلدراك الحسي وهم يسعون إلى تحليلها وهدمها واعادة بنائها لتكون القصيدة عمال مفردا،
وتبقى داللة تلك التجربة ممثلة في نسق القصيدة اللغوي والتركيبي والتنظيمي.
- 81 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة التاسعة
التعريف باألعالم
-1جان كرو رانسوم1874-1888( :John Crowe Ransom :م) :شاعر وكاتب وناقد
أدبي من الواليات المتحدة ،متخصص في األدب الكالسيكي نال عدة جوائز ،وهو عضو في
األكاديمية للفنون واآلداب ،تعلم في كنيسة المسيح أكسفورد ،Exfordكان مدرسا وعالما
وناقدا وأديبا وشاع ار وكاتبا ومحررا ،ويعتبر مؤسس مدرسة النقد الجديد ،كان مناهضا
للرومانسية عمل على إرساء أسس العلمانية ،ساهم في النقد التحليلي لألدب منذ ثالثينات
القرن العشرين ،مع توماس ستيرنس إليوب ،T.S Iliotكلينث بروكس ،Cleanth Brooks
ألين تيت Alain Tateفي الواليات المتحدة أثناء األربعينات وحتّى أوائل الستينات ،من أهم
كتبه في النقد "مبادئ النقد األدبي" وقد أثار الكتاب جدال واسعا في النصف الثاني من القرن
العشرين ،باإلضافة إلى كتابه "معنى المعنى" ،وهو يتناقض مع المدرسة الشكالنية التي
النص الّذي تبناه النقاد الجدد.
تهمل الجانب اإلنساني االنفعالي من ّ
-2توماس ستيرنس اليوت :T.S Iliotولد في الواليات المتحدة ( )1999وتوفي سنة
1811م شاعر ومسرحي ،وناقد أدبي ،حاز على جائزة نوبل في األدب سنة 1819م ،من
أهم قصائده :األرض الخراب الرجال الجوف ،أربعاء الرماد ،والرباعيات األربع ،ومن
مسرحياته :جرعة في المكان ،وحفلة كوكتيل ،بدأت شهرته عندما انتقل إلى إنكلترا ،وهو من
الشعراء المقلين رغم شهرته ،وذلك ألنه كان يريد لكل عمل من أعماله أن يكون نموذجيا،
درس اليونانية القديمة ،والالتينية والفرنسية واأللمانية ،ودرس الفلسفة.
-3ألين تيت 1878-1888( :Alain Tateم) :شاعر وكاتب وأستاذ جامعي وناقد أدبي
من الواليات المتحدة األمريكية ،التقى مع إليوت ،نشر أول كتاب له في الشعر "السيد بوب
وقصائد أخرى" .نشر سيرة ذاتية ،وهو أول طالب جامعي يدعى لالنضمام إلى مجموعة من
الرجال الّذين كانوا يجتمعون بانتظام لقراءة ومناقشة شعرهم في الكلية ،ومن بين هؤالء جان
كرو رانسوم ،دونالد ديفيدسون ،وله شعر كثير وهو ناقد بارز.
- 81 -
المحاضرة العاشرة
-0الشكالنية
- 82 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة العاشرة
Formalisme -2الشكالنية
نشأة المدرسة الشكالنية :وجد الشيوعيون الروس أنفسهم بعد الثورة الشيوعية سنة
1819في مواجهة حقيقية مع التخلف الحضاري الذي عم روسيا أثناء الحكم القيصري،
بينما ساد التطور الفكري والصناعي أرجاء أوربا ،وذلك بفضل االختراعات واالبتكارات
العلمية المادية.
أما في روسيا فكان ا لبندول يتحرك بين الداخل والخارج ،بين الحقيقة الخارجية المادية
والحقيقة الداخلية الشعرية ،وتحول البندول للتوقف عند الخارج وقتا كافيا لتطور منهج نقدي
هو الشكالنية أو الشكلية( ،لم تكن حركة الشكالنيين الروس بعيدة عن كثير من األفكار
األساسية التي طرحتها مدرسة النقد الجديد في ك ّل األحوال ،وعلى رأسها فكرة استقالل العمل
األدبي ،وهي تعد الرافد الثاني لظهور المدرسة البنائية على اختالف اتجاهاتها) .1
مبادئ الشكالنية وخلفياتها المعرفية:
تعنى الشكالنية بدراسة الشكل الفني وتتجاهل بصورة شبه كلية المضمون( ،ومن
التيارات المماثلة التي انطلقت من منظور المنهج الشكلي ،تيار الشكالنيين الروس ،الّذين
اهتموا بالشكل ،وانتصروا له ،و ْأولَ ْوهُ عناية بالغة) .2
وأصحابها يميزون بين اللغة الشعرية االنزياحية المجازية وبين اللغة العلمية أي اللغة
في درجة الصفر ،وقد وضع رومان جاكبسون ست وظائف للغة كالتعبيرية ،واالنتباهية،
ومنها الوظيفة الشعرية للغة ،فهم يضعون الشكل في المقام األول في الدراسة النقدية أو
دراسة النصوص بشكل عام ،ويرون بأن دينامية النص وحركيته تبدأ من المصدر األساسي
وهو اللغة فهم بذلك أقرب إلى البنيوية من غيرهم من المدارس النصانية :األسلوبية،
عبــد الناصـر حســن محمــد :نظريـة التوصــيل وقـراءة الــنص األدبــي ،المكتـب المصــري لتوزيـع المطبوعــات ،القــاهرة ،ط،1 1
،1888ص.11
فاطمة البريكي :قضية التلقي في النقد العربي القديم ،ص.11 2
- 83 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة العاشرة
التفكيكية....إلخ ،والشكالنية تبعد في دراستها لألدب كل العوامل غير األدبية مثل العوامل
التاريخية ،والسيكولوجية ،والسوسيولوجية.
تزامنت الشكالنية مع النقد الجديد New criticismeوهي حركة نقدية أنجلو أمريكية،
وهناك حركة نقدية ذات صبغة فرنسية Nouvelle critiqueوقد تأثر الشعر العربي المعاصر
بشكل عميق بالنقد الجديد.
وازدهرت الشكالنية في روسيا ،وكان لها كتاب بارزون ،وتناقضت مع الماركسية التي
تعنى بالمضمون عكس الشكالنية( ،وهي التعارض الجذري بين مبادئ الشكالنية الروسية
التي تحولت إلى دراسة الشكل الفني والتركيز عليه مع تجاهل شبه كلي للمضمون الّذي
كانوا يرفضون االعتراف بأهميته في المقــام األول) .1
وتأسس في براغ جناح للشكالنية ،أسسه باختين Bakhtineسنة ،1811وفي هذا
الوقت كان النقد الجديد يشتد ويتقوى في الغرب ،ثم بدأ ينحسر شيئا فشيئا عندما ترجمت
أعمال الشكالنيين في روسيا وفي براغ ،ومن أبرز أعالم الشكالنية رومان جاكسون
R.Jackobsonصاحب نظرية التواصل واالتصال ،تزفيتان تودوروف ،T.Todorovباختين
،Bakhtineميدفيديف Medvedevشلوفسكي ،Chlovskyماياكوفسكي ،Mayakovsky
وغيرهم ،هؤالء كلهم كتبوا في الشكالنية وتناولوا موضوع الشعرية أو أدبية األدب أو
اإلنشائية ،وقد انضم جاكبسون إلى جناح براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا ،كما انضم غيره من
الشكالنيين إلى هذا الجناح.
مواصفات الشكالنية:
وقد وصل هذا المنهج بالشكالنيين إلى إنكار رسالة األدب ،فاألدب لديهم ال ينبغي
أن يحمل موضوعا باإلضافة إلى التناقص مع الماركسية ،وتحمسوا إلى العلمية والعلمانية
والتطبيقات التكنولوجية ،وانطلقوا من العلم إلنشاء علم األدب ،ويتلخص منهج هذه المدرسة
عبد العزيز حمودة :المرايا المحدبة ،مجلة المعرفة ،الكويت ،ع ،161أفريل ،1889ص.112 1
- 84 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة العاشرة
في قول وليام كارلوس وليامز W.C.Williamsفي إحدى قصائده :دعونا نقدم تصريحين
جريئين ،اآللة ال تعرف العاطفة ،والقصيدة آلة صغيرة أو كبيرة مصنوعة من الكلمات ،وحين
أقول إن القصيدة ال تعرف العاطفة ،فإنني أقصد كما أنه في اآللة ال يوجد جزء زائد ال يوجد
شعر متميز دون شكل مستحدث ،ألن األعمال األدبية يتحقق معناها الدقيق عن طريق
الشكل وهي في ذلك تشبه اآللة إلى أقصى حد.
فالشكالنية تدرس ظاهر األدب وليس جوهره ،ويركز جاكبسون على أدبية األدب
الشعرية La poétiqueوهي موضوع نقدي لم يكتمل بعد ،وكان هدف الشكالنيين البحث عن
خصائص مستمدة من األدب نفسه ليكون العمل عمال أدبيا ،وقد ورد مصطلح الشعرية عند
النقاد العرب القدماء ،عبد القاهر الجرجاني ،سيبويه ،حازم القرطاجني ،وغيرهم بألفاظ
مختلفة :كالتخييل ،االنزياح ،االنحراف ،التوسع ،االتساع ،العدول ،معنى المعنى ،وغير ذلك
من األلفاظ المعبرة عن الشعرية.
وعند المحدثين :الشعرية ،الشاعرية ،اإلنشائية ،أدبية األدب ،السردية....إلخ ،ومن
النقاد المحدثين عبد اهلل م حمد الغذامي ،وكمال أبو ديب ،نصر أبو زيد ،محمد مفتاح
وغيرهم.
وال تتفق الشكالنية مع الرومانسية ألن األولى تتجه إلنجازات العلم ،أما الثانية فتتجه
إلى الذات الشاعرة ،والشكالنيون يسعون إلى علمنة الشعر واللغة هدفهم ،وذلك باتباع أسلوب
تقني ،أما الرومانسيون فيرون أن اللغة ينبغي أن تبتعد عن دنس الحضارة وتعقيدات العلم.
وكانت الشكالنية تمهيدا لنشأة البنيوية وقد نعتتها بعض الدراسات بالبنيوية السوفياتية
إذ ال اختالف بينهما ،وقد تأثر الشكالنيون بدراسات العالم اللغوي فرديناند دوسوسور وهو
نمساوي ،واذا كان الخارج هو المنطلق في الدراسة عند الشكالنيين ،فهم بذلك يتسلحون
بأدوات مناهج التفكير العلمي في التعامل مع النصوص اإلبداعية ويستقلون عن األنظمة
األخرى أي حقائق التاريخ واالجتماع واالقتصاد وغيرها ،فالناقد عند الشكالنيين ينبغي أن
يواجه الظروف الخارجية التي تنتج في إطارها هذه النصوص ،وقد اتجه الشكالنيون إلى
- 85 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة العاشرة
فصل األدب والدراسة األدبية عن باقي الحقول المعرفية المجاورة والمعرقلة كعلم النفس
واالجتماع والتاريخ وينبغي أن ندرك أن منطلقها هو تلك المحاضرات التي قدمها دوسوسير
وهو أبو الدراسات اللغوية ،تلك المحاضرات التي جمعها تالميذه في كتاب بعنوان
"محاضرات في اللسانيات العامة" ،واألعمال األدبية عندهم ليست إبهاما غامضا كالرمزيين
مثال أو السرياليين أو أعماال ناتجة عن سيكولوجية المؤلف ،بل هي طرائق وأشكال لإلدراك،
وهم يركزون بشدة على أدبية األدب( ،وبهذا يكون البحث منصبا على أدبية األدب بوصفه
لغة من دون التأمل في التجليات الفلسفية والنفسية والجمالية واإليديولوجية المنبثقة عنه ،وقد
دعموا وجهة نظرهم هذه باللسانيات الحديثة التي عاصرت النتاج الشكالني) ،1ومع ذلك فإن
جاكسون قد عبر عن تحرجه إزاء تحديد مفهوم جامد للشعر في المدرسة الشكالنية ،فهو
يقول ف ي كتابه قضايا الشعرية (ال توجد أسوار صينية بين الشعر والحياة وبين الشعر
والمرجع وبين الشعر والمبدع وبين الشعر والمتلقي وبين الشعر وباقي الفنون وبين الشعر
والهموم اإلنسانية) .2
وقد واجهتها أثناء تطورها مسألة تاريخية األدب ،فاضطرت الشكالنية أن تربط بين
النص في فترة معينة وبين نصوص موجودة قبله ،بعد أن كانت الشكالنية تنظر إلى النص
من الناحية الدياكرونية Diachroniqueتلقي األعمال األدبية عبر التاريخ ،وكذلك من
الناحية السانكرونية Synchroniqueأي نظام األدب في نقطة معينة من الزمن
وقد أدى إهمال المناهج السياقية للنص والقارئ إهماال تاما ،والقاؤها بكل تركيزها
على المؤلف والمبدع والسياق الذي أنتج فيه النص إلى الثورة وبروز اتجاه آخر يدعو إلى
االهتمام بالنص بوصفه أساس العملية األدبية ،فظهر عدد من المناهج النقدية التي ركزت
على دراسة النص نفسه ،وهي المناهج النصانية.
حســن نــاظم :مفــاهيم شــعرية د ارســة مقارنــة فــي األصــول والمــنهج ،المؤسســة العربيــة للد ارســات والنشــر ،بيــروت ،ط،1 1
،1226ص.119
رومان جاكسون :قضايا الشعرية ،تر :محمد الولي ومبارك حنون ،دار توبقال للنشر ،المغرب ،1899 ،ص.9 2
- 86 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة العاشرة
التعريف باألعالم
-1رومان جاكبسون :Roman Jackobsonولد سنة 1981م بموسكو ،كان مهتما منذ
سنواته األولى بالدراسات اللغوية واللهجات والفلكور ،وق أر أعمال دوسوسير وهوسيرل.
أسس "النادي اللساني بموسكو" مع نخبة من طالبه سنة 1811م ومن هذا النادي
ثم انتقل إلى براغ وأسس سنة " 1812النادي اللساني ببراغ"
تولدت مدرسة الشكالنيينّ ،
واحتضن هذا النادي المناهج البنيوية في البحوث اإلنشائية والصرفية ،ووظائف األصوات،
ثم إلى أمريكا فدرس في
رحل إلى عدة بلدان أوروبية من أجل الدراسة وانجاز األبحاثّ ،
نيويورك وتعرف إلى ليفي شتراوس Lévi-Strausومن أعماله:
قضايا الشعرية ،محاضرات في الصوت والمعنى ،نظرية التواصل.
-2ماياكوفسكي ).183-1883( Mayakovsky :شاعر وكاتب روسي ولد في جورجيا،
أتقن اللّغة الجورجية والروسية األصلية ،تعرف في موسكو على الفكر الماركسي ،كتب
العديد من المسرحيات والقصائد ،ومات منتحرا ،سنة 1862م ،من أعماله البارزة :صفعة
على وجه الرأي العام ،غيمة في سروال.
-3فيكتور شكلوفسكي )1884-1883( :Victor Chklovskyكاتب وأديب وناقد
روسي كتب العديد من المقاالت في الشكالنية الروسية وهو من ال ّشخصيات المرتبطة
بالشكلية الروسية ،يعد أحد أهم المنظرين األدبيين في القرن العشرين ،وانضم إلى جمعية
الشعرية التي انبثقت عنها الشكالنية الروسية.
- 87 -
المحاضرة الحادية عشرة
-3البنيوية
- 88 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
-3البنيوية Structuralisme
التعريف بالبنيوية :قامت البنيوية على أنقاض الشكلية الروسية أو هي الوجه اآلخر
للشكالنية ،ويمكن القول بأنها نسخة مطورة من الشكالنية الروسية الشتراكهما في الحماس
للمنهج العلمي التجريبي ،أو بعبارة أخرى هي النتيجة النهائية للتنظير الشكالني ،ولشدة
ارتباط الشكالنية بالمنهج البنيوي نعتت الشكالنية بالبنيوية الروسية( ،والواقع أن الفضل بعده
يعود إلى جهود ما يعرف بالشكليين ،أو الشكالنيين الروس الذين بذلوا جهودا كبيرة منذ
مطلع القرن العشرين من أجل تخليص النقد األدبي من النظرة األحادية وركزوا على أن
لألدب استقالليته وتميزه ،وظهرت جهودهم من خالل مؤسستين هما جمعية دراسة اللّغة
الشعرية في سانت بطرسبرغ والدائرة اللغوية في موسكو) . 1
خلفياتها المعرفية :ومن الصعب تمييز أشكالها المتعددة ،ولكنها تتحد في قاسم مشترك
وهو التمسك بالمنهج العلمي.
كانت محاضرات العالم اللغوي دوسوسير منطلقا للدراسات البنيوية ،وقد ظهرت في
العشرينات من القرن الماضي ،ولم تجد صداها في الساحة النقدية ،وظلت أفكار دوسوسير
وليفي شتراوس Lévi-Straussفي المنهج البنيوي ال تجذب االنتباه( ،كانت أفكار العالم
اللغوي السويسري الشهير دوسوسير هي المنطلق لهذه التوجيهات ،ألن مبادئه التي أمالها
على تالميذه في كورس الدراسات اللغوية في جنيف كانت تمثل البداية المنهجية للفكر
البنيوي في اللّغة وذلك عبر مجموعة من الثنائيات المتقابلة التي يمكن عن طريقها وصف
األنظمة اللغوية) .2
وكان ألفكار سارتر الحرة تأثير أكبر من البنيوية ألن البنيوية جبرية تعمل على سجن
اللغة وتجعلها في دائرة مغلقة ،وم ن هذه المحدودية للبنيوية فإن الشعرية التي تشترط
الفضاءات الالمحدودة ال تجد أجواءها الحقيقية في هذه المدرسة التي ال تتسع لها.
- 89 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
وقد دعا جاكبسون على الرغم من كونه لسانيا إلى الوظيفة الشعرية للغة ،وهو الذي
أبدع مصطلح البنيوية عام 1818م ،والمشروع البنيوي يركز على األنساق الداخلية للغة
النص ،وأصحاب هذه المدرسة يرفضون دور المؤلف وينادون بموته كما يرى روالن بارث
R. Barthesموت المؤلف ،وهو من أقطاب البنيوية.
وقد أدى استخدام البنية عند البنيويين أثناء بحوثهم إلى رسم حدود بينهم وبين
الشعرية ،وأول من استخدم كلمة بنية هو تينيانوف Tynianovوتبعه جاكبسون مستخدما
كلمة البنيوية.
وتبنى أصحاب هذه المدرسة المنهج العلمي الصرف منذ تأسيس البنيوية ،وهم يرون بأنه
يمكن التعامل مع اللغة بصورة علمية محضة ،ويمكن قياسها بالمعايير التجريبية ،وقد
أعطت البنيوية السلطة المطلقة للنص( ،ولع ّل هذا التداخل المعقد هو ما جعل تعريف
البنيوية أم ار صعب التحديد حتّى بدت وكأنها تصور ذهني يستحيل تبيانه) .1
ولم تفرض البنيوية نفسها على الساحة إال بشكل ضئيل ،ولم تمض إال سنوات حتى
قام جاك دريدا Jacques Derridaبمحاضرة فاتحا الباب أمام التفكيك ،وهدفه الشك في كل
شيء وكسر كل البنى بحثا عن الحقيقة.
والبنيوية ترفض عملية الربط بين النظام الداخلي للغة وكل نظام خارج عنها ،ومع
ذلك فقد تأثرت فيما بعد بالنقد الجديد عن طريق ريتشاردز الذي أدخل علم النفس واهتم
بالمبدع والمتلقي ،والتقى في ذلك بالرومانسية ،كما تأثر ريتشاردز بإليوت وبروكس وكذلك
نورثروب فراي الذي انتقل من النقد الجديد إلى البنيوية ويعتبر كتابه تشريح النص دراسة
بنيوية ،وهو في هذا الكتاب لم ينفصل عن النقد الجديد ،بل كان الكتاب نقطة التقاء بين
النقد الجديد والبنيوية ،وأتاح اقتراب البنيوية من النقد الجديد االقتراب من الشعرية ،ويمكن
عبـد اهلل محمـد الغـذامي :الخطيئـة والتفكيـر مـن البنيويـة إلـى التشـريحية ،الهيئـة المصـرية العامـة للكتـاب ،مصـر( ،د.ط)، 1
،1221ص.66
- 91 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
القول إ ن كتاب تشريح النص هو محاولة من البنيوية لالقتراب من الشعرية الناجمة عن
الوظيفة الشعرية للغة التي حددها جاكبسون من بين الوظائف الست للغة.
واإلشكالية التي تقع فيها البنيوية تتمثل في الداخل والخارج ،الذات والموضوع ،األنا
واآلخر "المتلقي" ،غير أن معظم البنيويين مثل روالن بارث ،الكان ،ميشال فوكو ،يتفقون
على إبعاد كل ما هو خارج عن النص واللغة كالمجتمع والذات واألنا ،وغير ذلك من
المؤثرات الخارج ة عن لغة النص ،لتبقى البنية وحدها ،أي اللغة كجسد هي الموضوع،
وأخطر ما تقع فيه البنيوية هي مشكلة المعنى وعدم القدرة على استنطاق داللة النص ،وهم
يرون أن المعنى يشتق من النسق اللغوي وليس العكس( ،والبنيوية في منحاها المتميز ،نظام
تحليلي ،يعتمد على الدالالت والرموز واإلشارات في دراسة النص ،ويقوم هذا النظام لدى
روادها على قاعدة علمية ،يستعين بها القارئ في التعامل مع النص ،بصرف النظر عن
النص
اللّغة التي كتب بها ،أو المذهب الّذي ينتمي إليه ،فيستوي تبعا لهذا النظام ،أن يكون ّ
النص ال بنتاجه ،فليست له
كالسيكيا أو من الشعر الحديث ،فاالتجاه البنيوي يتعلق باستقبال ّ
افتراضات أولية يمليها على األديب لتحقيق نزعات سياسية أو مذهبية فكرية خاصة ،خالفا
التجاهات النقد الماركسي والوجودي والرمزي ،وعليه فليس ثمة أدب بنيوي بل هناك قراءة
بنيوية لنص من النصوص ،فهو باختصار نظام استقبال موجه بقاعدة علمية) .1
وتقع التفكيكية في المأزق نفسه ،وتبقى الداللة غائبة عن الدارسين ،ويرى الناقد عبد
العزيز حمودة بأنهم فشلوا في تحقيق المعنى ألنهم يتعاملون مع وحدات مفرغة من الداللة
أي استنطاق الوحدات واألنساق اللغوية المجردة الصماء ،ويرى البنيويون أن النص يمتلك
بنية مركزية ،وأن لغة النص تتكون من أنساق وأنظمة محددة ،وأن وظيفة القارئ هي الكشف
عن شفرة النص وأنساقه المختلفة ،ويصطنع البنيويون وسيلة للهروب من هذه اإلشكاالت
التي وقعوا فيها ،فأرجعوا النص إلى األجناس األخرى غير األدبية كعلم النفس وعلم
محمود عباس عبد الواحد :قراءة النص وجماليات التلقي ،دار الفكر العربي ،مصر ،ط ،1881 ،1ص.19 1
- 91 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
االجتماع ،كما فعل كمال أبو ديب ،على الرغم من تمسكه بتغليب المنهج في الدراسات
األدبية وغيرها ،والمنهج عنده أهم من الموضوع فيقول أنا منهجاوي ،وفي سنة 1898نشرت
الناقدة اللبنانية خالدة سعيد كتابها "حركية اإلبداع" الذي تضمن تحليال تناول أدونيس
والسياب ،والملفت للنظر أن مقاالتها توضح رؤية حداثية لألدب وتتضمن البنيوية ال سيما
التطبيقية ،ولم تعلن خاصة عن دخول البنيوية شأن كثير من النقاد العرب في تلك المرحلة
المبكرة ،وقد مارست القراءة البنيوية من خالل تلك الدوائر أو المثلثات وفي نفس الفترة
ظهرت دراسة للناقد السوري كمال أبو ديب عنوانها "نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر
الجاهلي" ونشرت هذه الدراسة عام ،1899وكمال أبو ديب هو الناقد األكثر تمثيال لهذا
التوجه الشكالني في البنيوية . 1
ويقوم تحليل الخطاب البنيوي على مجموعة من المستويات هي:
(المستوى الصوتي/المستوى المعجمي/المستوى الداللي/المستوى التركيبي).
مميزاتها:
-1جاء بوصفه رد فعل على المناهج التي تتعامل مع العمل األدبي من خارجه.
-1اتكأ على ميراث سوسير والشكالنيين الروس.
النص.
-6يدعو إلى دراسة الكيفية أو الهيئة التي بني عليها ّ
ثم
النص من عناصر مترابطة ،إذا اختل أحدها تداعت بقية العناصر باختاللهّ ،
-1يتكون ّ
ال يلبث أن ينتظم في نسق.
للنص ويغفل الدور الخارجي في تشكيل
-1يحرص على البحث عن العالقات الداخلية ّ
النص.
ّ
النص حيويته
-1كثي ار ما ولع بعض النقاد برسم الجداول ورصد اإلحصاءات ما أفقد ّ
وروحه وحوله إلى ما يشبه الجثة الهامدة.
سعد البازعي :استقبال اآلخر ،المركز الثقافي اعربي ،بيروت ،ط ،1221 ،1ص.191-191 1
- 92 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
-9أخذ يتسرب إلى النقد العربي منذ سبعينات القرن الماضي ،ولكن تطبيقاته ما زالت تشكو
من اضطراب المصطلح ،ومن التعسف في إلصاق ما قد ال يتالءم بالضرورة مع طبيعة
النص العربي.
ّ
- 93 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الحادية عشرة
التعريف باألعالم
-1روالن بارث )1881-1815( Roland Brathesناقد أدبي وفيلسوف ومنظر
اجتماعي فرنسي ،ولد في شربورك ،له أعمال متنوعة ،أسهم في تطور المدارس النظرية
كالبنيوية ،وعلم اإلشارات ،والوجودية ،والنظرية االجتماعية والماركسية وما بعد البنيوية ،عمل
في اإلدارة العامة للعالقات الثقافية ،أغلب كتاباته مقاالت ،جمع بعضها في كتب أثناء حياته
وبعدها ،ومن أهم أعماله :الكتابة في درجة الصفر ،أساطير ،حول راسين ،عناصر
النص وغيرها من المؤلفات.
السيمولوجية ،S/Z ،سيطرة الدالالت ،لذة ّ
-2لوري تينيانوف )1843-1884( Louri Tynianov :كاتب روسي شهير ،ناقد
الرواية
أدبي ،مترجم ،كاتب سيناريو ،وعضو هام في المدرسة الشكالنية الروسية ،كتب في ّ
التاريخية ،أصبح مدرسا لألدب الروسي في الجامعة ،واهتم بتحليل أعمال بوشكين وغوغول
ودوستويفسكي ،وله رواية مشهورة "المحروم" التي نالت انتشا ار واسعا ،وأعمال أخرى كثيرة.
-3نورثروب فراي 1886-1837( Northrop Fryeم) ولد في كيبك ،نال شهرة كبيرة
بكتابه "التماثل المخيف" عام ،1819عمل أستاذا في جامعة هارفرد ،أول ناقد افترض
ثم طور التماثل المخيف ،في "تشريح النقد" ،ورأى في ذلك محاولة
نظرية منهجية للنقدّ ،
لرؤية شاملة في نظرية ومبادئ وتقنيات النقد.
- 94 -
المحاضرة الثانية عشرة
-1التفكيكية
- 95 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية عشرة
-4التفكيكية Déconstruction
التعريف بالتفكيكية :إن نقد التلقي من خالل نظرية التلقي Théorie de la réception
لهانز رورت ياوس حقق شعبية واسعة في الجامعات األمريكية وصلت إلى الذروة في
السبعينات ،وقد مهدت تلك الشعبية الطريق للتفكيك فيما بعد ،وخاصة أن كال من التلقي
والتفكيك يلتقيان في أهم مبادئهما ،ويتمثل اللقاء في أن كال منهما يلغي النص ،وقصدية
المؤلف ،هناك تربة ثقافية أفرزت التفكيك ثم لفظته ،وهناك تربة ثقافية أخرى فتحت له
ذراعيها واحتضنته ،والمزاج الثقافي الفرنسي هو الذي أفرز التفكيك ثم لفظه ألن المزاج
الفرنسي تشكل من التجانس والتوحد والمحافظة لفترة طويلة ،وقد خاطب التفكيك تلك القوى
الموحدة ،حيث كان يرفض المذاهب الموحدة السابقة ،والتفكيك يخطئ المشاريع المتجانسة،
ويرفض التقاليد وما هو سلفي متراكم ،ألن تلك التقاليد تحجب المعنى ،ومن ثمة فإن التفكيك
كان يريد أن يكون هو المشروع النقدي البديل عن كل المذاهب واالتجاهات النقدية( ،وفي
النص وما يشكل ترابطه وانسجامه الداخليين،
هذه الحالة ال تكون القراءة بحثا عن انسجام ّ
النص الداخلية ومعارضاته[ ]...ويمكننا أن نسميها بنزعة
ولكنها سعي حثيث خلف تناقضات ّ
القراءة التفكيكية أو بالنشاط التمهيدي[ ]...إن هذا النهج في القراءة يناقض ك ّل المعارضة
نه ج القراءة المركزية التي يشير بها أصحاب النزعة الهرمنيوطيقية ،فهو ينادي كما ترى
النص وتبعثره ،وهو يدعو إلى تجنب أن تهيمن خطوط المعاني على القارئ
بقراءة تفكك ّ
النص
بأن يعبر ّ
فتأخذ بلبه وتفرض عليه أوهامها التوحيدية ،وينصح هذا المذهب القارئ ّ
ببطء وأن يقف طويال عند أدق تفاصيله ،وأن يتأمل رويد رويدا في ك ّل جزئياته.)1
خلفياتها المعرفية:
وهكذا بدأ التفكيك في فرنسا على يد روالن بارت R.Barthesالذي ارتبط بالمشروع
التفكيكي أكثر من ارتباطه بالمشروع البنيوي ،ثم ما لبث ذلك التجانس والتوحد والمحافظة من
حســن مصــطفى ســحلول :نظريــات الق ـراءة والتأويــل األدبــي وقضــاياها ،منشــورات اتحــاد الكتــاب العربــي ،دمشــق ،ط،1 1
،1221ص .81بتصرف.
- 96 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية عشرة
رفض التفكيك فاضطر أصحابه إلى الهجرة للخارج إلى تربة أخرى مالئمة ،وبذلك اضطرت
قوى التجانس والمحافظة من إبعاده ألنه ينادي بالتعدد الالنهائي لتفسير النص ،فهاجر
التفكيكيون الجدد وعلى رأسهم جاك دريدا Jacques Derridaإلى مناخ ثقافي مختلف يقوم
على التعددية الثقافية ويحتفي بها ،وهو المناخ الثقافي األمريكي وقد احتفت أمريكا
بالمهاجرين ورحبت جامعاتها بالتفكيك ،وتأسست هناك مدرسة ييل النقدية yale school
وتضم ميلر ،وهارتمان وبلوم وغيرهم ،وقد ضرب التفكيك بجرانه وجذوره في عمق التربة
الثقافية األمريكية حتى نسيت جذوره الفرنسية وأصبح الدارسون يتحدثون عنه وكأنه مدرسة
أمريكية ،فالمناخ الثقافي هو األساس في إنشاء المشاريع النقدية الحديثة ورعايتها.
فالبيئة الفرنسية لم تفرز نقادا تفكيكيين كثيرين ،ألن المناخ الثقافي الفرنسي كان
يالئمه النقد الجديد أكثر ،ويرى دريدا أن التفكيك أكثر مشاريع الحداثة مالءمة للمزاج الثقافي
الغربي عامة وخاصة المزاج الثقافي األمريكي ،وقد التقت فلسفة كانط kantمع التفكيك في
نقطة الشك ،والتفكيكيون في مرحلة مرافقة فلسفة كانط في مرحلة الشك أقرب إلى فلسفة
هيدجر Heideggerالتأويلية التي كان لها التأثير على المنهج التفكيكي منذ انطالقه على يد
دريدا سنة 1811م ،وقد ال نستطيع أحيانا أن نميز بين نص نقدي تأويلي لهيدجر أو نص
لدريدا أو أحد أقطاب التفكيك ،فالمعنى المفتوح والداللة الالنهائية واساءة القراءة هي جوهر
التفكيك كما قدمه دريدا وأقطاب المدرسة األمريكية للتفكيك وهناك ما يسمى بالرقص على
األجناب حيث يراقص الناقد والنص األدبي كال منهما اآلخر في حركة مراوغة مستمرة ،يهتز
كل منهما إلى الجانب المعاكس من جانب رفيقه ،والطرف الذي يرهق في هذه الرقصة هو
النص ،والرقص على األجناب غير متناغم بل هو فوضى في الرقص دون انسجام،
فالتفكيكية تخرب كل شيء في التقاليد ،وتشكك في كل البنى ،وتشكك في األفكار الموروثة
واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير وأشكال الكتابة النقدية،
وبذلك فإن المادي في المشروع ينهار مخلفا الدمار والفظاعة ،ويصف هيليس ميلر
H.Millerوهو أحد أقطاب مدرسة ييل للتفكيك الرقص على األجناب ،بأنه رقص يشبه
- 97 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية عشرة
رقص الشيطان على أشالء التقاليد ،فهو يقوم بدور المخرب الذي ال يكل ،وسرعان ما
يتحول كل شيء يمسه ذلك الشيطان المخرب إلى شيء ممزق ،الالشيء فقط في األخير هو
الذي يلبسه ثوبا نهائيا ،فالتفكيك هو – كما قال أحد النقاد – كالساحر الذي يلبس إيهاب
ثور هائج ،ينطلق داخل حانوت مرتب وهو دون قيد لتدمير كل شيء.
إذا فإن استراتيجية التفكيك هي مراجعة التفكير التقليدي كما يقول دريدا نفسه.
وتتنامى نزعة أخرى هي تفكيك التفكيك ،وقد ظهرت في أمريكا في مناخ من عدم
الرضا بالوضع السائد ،وكان هناك توقع بظهور مشروع جديد ،وكان المشروع التفكيكي هو
المخرج ،ويأتي جون أليس John Ellisوهو من الرافضين للتفكيك ،وكان كتابه Against
وقد ظهر من األسماء التي راحت تنشر أطروحات ومداخالت في التفكيك :بول
ديمان ،Paul De Manميلر ،Millerوهارتمان ،Hartmanوهارولد بلوم ،H.Bloom
وباربا ار جونسون ،Barbara Johnsonوقد شاع في األوساط النقدية أن التفكيكيين خرجوا من
عباءة البنيوية ،وأن العالقة بين البنيوية والتفكيك من نوع خاص ،إنها عالقة تمثل تمردا
على الفكر البنيوي من ناحية وامتدادا طبيعيا من ناحية أخرى ،وتتفق البنيوية مع التفكيك
على التركيز على النص وقراءته من الداخل ويتجلى ذلك في قول دريدا ال يوجد شيء خارج
النص ومعنى ذلك أنهما يزيحان التاريخ األدبي ،وكذلك فكرة تقسيم العصور ...إلخ ،ويتفقان
أيضا في الفصل بين الدال والمدلول ،وهنا يتضح تأثير دوسوسير في التفكيك ،وذلك حين
فصل بين العالمة والمعنى المشار إليه ،ويتفقان كذلك في أن منشئ النص ليس له وجود
سابق على النص وانما يولد معه في أثناء الكتابة ،ويتوارى نهائيا بموته بعد كتابة النص.
ويتجلى االختالف بينهما في كون البنيوية تتخذ المنهج العلمي وسيلة للدراسة ،أما
التفكيك فهو على العكس من ذلك حيث يشك في المنهج العلمي ذاته ،وعدم الوثوق في
إمكانياته لتحقيق العلمية النقدية الموضوعية المنشودة ،ومن وجوه االختالف األخرى أن
البنيوية اعتبرت النسق هو األساس في عملية الكشف عن البنية ،أما التفكيك فقد سخر من
النسق بوصفه نظاما عاما وقد جاء لينسق القواعد والقوانين ،والبنيوية تعطي السلطة الكاملة
للنص ،أما التفكيك فقد فسح المجال للقارئ فاتحا أمامه آفاقا حرة في تفسير العالمات ويرى
البنيويون أنه يمكن الوصول إلى دالالت النص ،أما التفكيكية فهي ترى استحالة الوصول
إلى دالالت محددة حيث أن كل قراءة هي إساءة قراءة ،وبذلك فإن النص لدى التفكيكية
مفتوح تتعدد دالالته بتعدد القراءات إلى ماال نهاية ويظل المعنى مرجأ أبدا.
إنه ال يمكن تقديم التفكيكية على أنها نظرية أو نظام أو مجموعة من األفكار الثابتة
المستقرة ،ومن يفعل ذلك يكون كمن يقف ضد طبيعتها .فهي تأويلية والتأويلية غير ثابتة
(التأويل والتفكيك يبتعدان في المنهج والرؤية بقدر ما يقتربان في الصيغة والغاية ،أو يمكن
- 99 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية عشرة
بأن أحدهما يقع في جغرافية اآلخر بالمعنى الّذي يستهدف فيه مساءلة األصل،
القول ّ
النص) .1
والبحث عن الفص أو ما هو مكنون كاللؤلؤة في خبايا ّ
مقوالت خاصة بالتفكيكية:
أوال :الكتابة أو علم الكتابة
ويقصد به دريدا عدم وجود أي حقيقة أو مدلول خارج نطاق اللغة.
ثانيا :الحضور واإلرجاء:
وهو استعمال الكلمات بشكل مؤقت للوصول إلى الفكرة إلى حين التوصل إلى الفكرة
وبهذا فإن اللغة هي حضور مرجأ للمعنى.
ثالثا :االختالف
وهو عند دريدا اإليمان بعدم وجود أي معنى محدد للكلمات عكس دوسوسير الذي
يرى بأن سمة اللغة هي االختالف الداللي للكلمات أي كل كلمة لها داللة أما دريدا فيرى أن
غاية ما ندركه في اللغة هو االختالف فيما بينهما ،ومن ثم إرجاء المعنى إلى أجل آخر
مثال:
باب /نافذة /مقعد ،ال ندرك معانيها إال من خالل اختالفها.
األلوان :قيمة اللون األحمر ال وجود له إال بقدر تمييز هذا اللون عن سائر األلوان
األخرى :األزرق ،البني ،الوردي...
في الصوت :حان – بان – خان :ال نميز بينها في المعنى إال من خالل االختالف
في الصوت وهكذا
رابعا :انتفاء قصدية المؤلف (موت المؤلف):
الجملتان التاليتان لروالن بارث تبينان نفي قصدية المؤلف (موت المؤلف) ،يقول
(الكتابة هي السواد والبياض الذي تتوه فيه كل هوية بدءا بالجسد الذي يكتب) ،ويقول (لكي
محمد شوقي الزين :تأويالت وتفكيكات فصول في الفكر العربي المعاصر ،المركز الثقافي العربي ،المغـرب ،ط ،1د.ت، 1
ص.161
- 111 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثانية عشرة
تسترد الكتابة مكانتها المستقلة يجب قلب أسطورة الكاتب فموت الكاتب هو الثمن الذي
يتطلبه ميالد القراءة).
وهذا الفكر ينسجم مع التفكيكية ومع ما قاله دريدا (ال يوجد شيء خارج النص).
خامسا :التناص.
يرى البنيويون أن تحليل النص ينبع من داخله وهو نهائي ومغلق ،أما النص عند
التفكيكين فهو يحمل أثا ار لنصوص كثيرة سابقة أو بتعبير آخر يحمل نوعا من الرماد الثقافي
لنصوص سابقة ومن هنا يصبح التناص أساسا لفكرة ال نهائية المعنى عند التفكيكيين.
التعريف باألعالم
-1جاك دريد )2114-1831( Jacques Derridaولد في األبيار بمدينة الجزائر ،وهو
فيلسوف وناقد فرنسي ،أول من استخدم مفهوم التفكيك في الفلسفة والنقد ،والهدف الّذي سعى
إليه دريدا هو نقد منهج الفلسفة األوربية التقليدية ،من خالل آليات التفكيك التي قام بتطبيقها
إجرائيا ،كان دريد مختلفا بأفكاره تمام االختالف لما هو سائد فلسفيا ،فأحيانا كان مهتما
بالمبالغة في التحليل وأحيانا كان يوصف بالعبثية ،وتعمد الغموض ،انتقل إلى فرنسا ودرس
هناك ،وتعرف إلى ميشال فوكو ،M.Foucaultكما تعرف على العديد من المفكرين
الفرنسيين المشهورين ،أذاع في بيان له نهاية البنيوية ووالدة ما بعد البنيوية.
كان أول عمل له بعنوان "بداية الهندسة" ونشر الكثير من المقاالت في المجالت
الدورية وكتاب "في علم الكتابة" و"الكتابة واالختالف".
يعد األديب العراقي كاظم فضل أول من نقل مجهودات دريدا إلى العربية ،وقد وضع
حرف التاء بين قوسين (ا خـ ( ـتـ) الف) لتؤدي الكلمة معناها الخالف ،وهو ما أرداه دريد
من الكلمة.
-2هارولد بلوم :)2118-1831( Harold Bloomناقد أدبي وصحفي وأستاذ جامعي
وكاتب أمريكي ع ضو في األكاديمية األمريكية للفنون واآلداب انتسب إلى تيار الجمالية
والرومانسية ،وهو مؤرخ أدبي.
من مؤلفاته "شكسبير ابتكار الطبيعة اإلنساني" و"قلق التأثر" و"كيف تق أر ولماذا؟".
-3مارتن هيدرجر :)1876-1888( : Martin Heideggarفيلسوف ألماني ،درس
على إيدموند هوسرل E.Husserlمؤسس الظاهراتية ،وجه اهتمامه إلى مشكالت الوجود
والحرية والحقيقة وغير ذلك ،تأثر بمجموعة من الفالسفة ومن بينهم جاك دريدا.
من مؤلفاته" :السؤال عن الشيء"" ،أصل العمل الفني"" ،كتابات أساسية" وغيرها.
-5السيميائية Sémiologie
التعريف بالسيميائية :وردت في القرآن الكريم اآليات التالية:
( -تعرفهم بسيماهم ال يسألون الناس إلحافا) ،سورة البقرة اآلية .196
( -وعلى األعراف رجال يعرفون كال بسيماهم) ،سورة األعراف اآلية .11
( -سيماهم في وجوههم من أثر السجود) ،سورة الفتح اآلية .18
( -يعرف المجرمون بسيماهم) ،سورة الرحمان اآلية .11
السيميائية أو السيمائية أو السيميولوجيا أو السيميوطيقا أو علم اإلشارة ،أو علم
العالمات ،وهناك ترجمات أخرى ،وهذه ظاهرة عامة في إشكالية ترجمة المصطلحات بشكل
عام ،ونظ ار لتلك االختالفات المتعددة سيتم التركيز على مصطلحين شائعين هما:
sémiologieبالفرنسية sémiology ،باإلنجليزية ،وقد استعمال في مجال الطب العالجي أو
الطب النفسي سنة 1911م ،وهو دراسة عالمات المرضى وأعراضهم الجسدية واللفظية.
أما في اللسانيات الحديثة فقد ظهر المصطلح مع العالم السويسري فرديناند دوسوسير سنة
.1812
Sémiologieبالفرنسية أو Sémeionاليونانية حسب العالم دوسوسير بمعنى عالمة،
Logosبمعنى علم .1816-1911
المصطلح الثاني Semioticsحسب العالم والفيلسوف األمريكي شارل ساندرس بيرس
1811-1969 C.S.Pierceوقد بشر دوسوسير بمولد السيميولوجيا وحدد موضوعها بكل
عالمة دالة.
خلفياتها المعرفية:
والسمة هي العالمة وال نقول إن العرب عرفوا السيمياء بمعناها الحديث ،ولكنهم عرفوا
العالمة ووظيفتها ،ومن جهة أخرى هو إيصال الماضي بالحاضر ألن العودة للتراث ضرورة
وجودية ومعرفية ،مما يجعلنا نشارك في بناء الحضارة اإلنسانية ،ومفهوم العالمة موجود عند
الجاحظ وابن خلدون .وتسعى السيميولوجيا إلى إيجاد التكامل بين األدب واللسانيات (ومن
االختصاصات المقترنة باللسانيات مما هيأ للنقد مقومات التجديد والحداثة علم العالمات
السميائية ،وهو علم تصوره رائد المعرفة اللغوية الحديثة في مطلع هذا القرن محددا إياه
بالعلم الّذي يعكف على دراسة أنظمة العالمات مما يفهم به البشر بعضهم عن بعض،
والذي أداه إلى هذا التصور اعتباره اللّغة نظاما من العالمات قبل ك ّل شيء ،والعالمة
ا ألدبية تسعى اليوم إلى إقامة نظرية في نوع الخطاب األدبي باعتباره حدثا عالميا أي نظاما
من العالمات الجمالية ،وميزة العالمة الجمالية ّأنها قائمة بنفسها وليست فحسب وسيطا
دالليا كما هو الشأن في األلفاظ عندما نستعملها في أغراضنا الكالمية األخرى غير
اإلبداعية ،فعلى هذا التفاعل بين علوم اللسان والنقد األدبي يعلق اليوم ك ّل األمل في بروز
المنهج االختباري التكامل الّذي يسمح بتجديد أدبية الخطاب الفني ،وهذا معناه أن تضافر
جهود عالم اللسان وعالم األدب هو الّذي سيعين على تحديد بؤرة الفعل الشعري في ك ّل نص
إبداعي) . 1
والسيميولوجيا علم من بين العلوم الحديثة وثمرة من ثمار القرن العشرين ،وهو علم
يزعم القدرة على دراسة اإلنسان دراسة متكاملة من خالل دراسة العالمة فالسيميولوجيا ترغب
في دراسة الكلي ،وهو علم اإلشارة الدالة مهما كان نوعها وأصلها ،وال شيء سوى العالمة
فاإلنسان يشكل مع محيطه نسيجا متداخال من العالقات ،ويتفاعل مع بنى جنسه ومع
الطبيعة معتمدا على أنظمة من العالمات ،وينظر للعالم من خالل سماته ورموزه فيتفاعل مع
بالده وشعبه ،يرى الطلل فيعبر عن أشجانه ،فاإلنسان مدني بالطبع واذا كان معزوال ال
يكون في حاجة للعالمة بكثافة ما عدا م ن أجل احتياجاته الغريزية ،فالعالمة أداة للتواصل،
واصطلحت البشرية على تسميات مصطلحات تفسيرية للوجود والحياة ،وتقسم العالمات إلى
عالمات لسانية كاأللفاظ أو اللغة ،وعالمات غير لسانية وتشمل جميع أنظمة التواصل،
عبد السالم المسدي :النقد والحداثة ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت ،ط1896 ،1م ،ص.61-61 1
وأول من قدم مصطلح السيميولوجيا هو الفيلسوف 1Jim Lokeثم دعا دوسوسير إلى هذا
"العلم السيميولوجيا" وهو الذي سماه علم السيميولوجيا أو علم العالمات.
وهذا المنهج يعد من المناهج التي ظهرت بعد البنيوية وان كان تاريخيا قد ظهر معها
تقريبا ،والقضية التي تواجه الدارس في البداية هي قضية المصطلح ،فالمتحدثون باللغة
الفرنسية يتبعون تقاليد مدرسة جنيف التي يتزعمها دوسوسير ،إذ يطلقون على هذا المنهج
السيميولوجيا ،أما المتحدثون باللغة األنجلوساكسونية فيتبعون تقليدا يعود إلى شارل بيرس
األمريكي ويؤثرون مصطلح سيميوتيك أما النقاد الباحثون العرب ،فهم يختلفون في تحديد
المصطلح.
السيميائية في العالم العربي يختلف تماما عما هو عليه في
إن وضع المصطلحية ّ
(ّ
أوربا ،ولم يرق بحكم التضارب الموجود في المصطلحات المستعملة إلى بلورة نموذج مؤسس
لخطاب علمي دقيق يضبط مفاهيمه وأدواته الخاصة به [ ]...يكفي أن نق أر بعض الدراسات
السيميائية لنتأكد من االختالفات الموجودة بين الباحثين والتي تؤثر سلبا في تبليغ الرسالة
ّ
العلمية وتفسر جانبا من جوانب الفشل في االتصال القائم بين القارئ العربي والمعرفة
السيميائية) . 2
ّ
ويتوزع العرب على ثالثة اتجاهات:
-1بعضهم يؤثر مصطلح سيميولوجيا.
-1واالتجاه الثاني يتبنى التسمية األنجلوسكسونية .Semiotics
-6االتجاه الثالث يبحث في التراث العربي ليجد الكلمة المناظرة ،فيأخذون كلمة السيمياء
من التراث العربي القديم ويشتقون منها السيميائية ،على الرغم من أن السيمياء في التراث
العربي القديم تتعلق بالكهانة والسحر أو اقتفاء األثر وغير ذلك من المعاني التي تجعل
بيير جيرو :علم اإلشارة السيمولوجية ،تـر :منـذر عياشـي ،دار طـالس للد ارسـات والترجمـة والنشـر ،دمشـق ،1899 ،ص 1
.12
رشيد بن مالك :مقدمة في السيميائية السردية ،دار القصبة للنشر ،الجزائر ،1222 ،ص ،92بتصرف. 2
المصطلح بعيدا عن الداللة الحديثة ،ورأى من وجهة نظره بأن االصطالح العربي القديم ال
يخرج عن الداللة الحداثية فاقتفاء األثر هو البحث عن آثار المسير أي عالمات المسير،
والعالمة هي السمة ،واستقر النقاد المغاربة على تسمية السيمياء ،وآثر الدكتور صالح فضل
السيميولوجيا محاوال زرع هذا المصطلح في الثقافة العربية ،وهناك مخطوطة البن سيناء
تحت عنوان" كتاب الدر" ،وقد ورد في المخطوطة فصل تحت عنوان "علم السيمياء" ،وهناك
كتاب آخر لشمس الدين الفناري 1112ه تحت عنوان كتاب "نموذج العلوم" ،وفيه فصل
تحت عنوان "علم السيمياء" ،ويخصص ابن خلدون فصال من مقدمته لعلم أسرار الحروف
وهو كما يقول المسمى بالسيميا ،وفي الحقيقة أن علم السيمياء يعود إلى ألفي سنة كما يقول
أمبرتو إيكو Umberto Ecoفالرواقيون هم أول من قال بأن للعالمة Signeداال ومدلوال
Signifiant-Signifieفي فلسفتهم.
وقد ارتكزت السيميائية الحديثة على اكتشافاتهم األولى ،ويرى إيكو بأن المقصود من
العالمة هو كل أنواع العالمات وكل أنواع السيميائيات أي ليست العالمة اللغوية فقط وانما
العالمة المنتشرة في جميع مناحي الحياة االجتماعية كالطقوس الدينية عند اليابان والهنود،
واشارات المرور كل ذلك يشكل عالمات واشارات ودالالت ،وبهذا يكون المصطلح بعيدا عن
مجال المعاني العربية القديمة المتعلقة بالسحر والكهانة واقتفاء األثر ،باإلضافة إلى توثيق
العالمة المعرفية مع الفكر النقدي الحديث ،والعالمة مصطلح أشمل وأوسع من الكلمة،
فالعالمة تحوي الكلمة ،والكلمة تتشكل داللتها من قيمة اللفظ في لغة معينة (ال) تعني النفي
في العربية وال تعني أداة تعريف في اللغة الفرنسية وال تعني شيئا باإلنجليزية ،فالداللة ترتبط
بالقيمة التي تضيفها لغة ما أو ثقافة ما على الكلمة ،فمثال اللون األسود عالمة الحداد في
بلدان معينة كالشيعة (الحزن على الحسين) فيلبسون األسود ،وفي بعض البلدان األخرى
البياض هو عالمة الحداد فالمرأة عندنا أثناء العدة تلبس األبيض ،فكال منهما عالمة حداد
يكتسبان داللتهما من السياق الثقافي ،ويمكن استدعاء عدة أمثلة في األلوان لغرض
التوصيل ،كاللون األزرق للطفل ،والوردي للبنت واألخضر للبعث والتجدد ،فاللون يوصل
- 117 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون المحاضرة الثالث عشرة
رسالة ما ،كالعلم الوطني وألوانه ،ومن العالمات المحسوسة الطاولة المستديرة في الندوات
تعني المساواة بين األطراف المشاركة ،وال تعني ذلك في العائلة ،وفي اآلثار الفرعونية نرى
فرعون عمالقا وبجانبه زوجته التي ال تكاد تصل إلى ركبته للتدليل على البون بين الرجل
والمرأة أو الحاكم والرعية ،وهناك عالمات تراها الطيور بغريزتها فتهاجر في الشتاء طلبا
للدفء إلى مناطق دافئة ،ورقصات النحل رقصات إشارية إلى رحيق الزهور ومواطن الغذاء،
وهناك عالمات أخرى كاحمرار الوجه الذي يدل على الخجل ،وفي مناطق أخرى يشير
للغضب ،واصفرار الوجه يدل على الخوف .وقد عد دوسوسير علم اللغة جزءا من علم
السيميولوجيا العام والسيميائية في نظر شارل بيرس هي اختصاص مستقل واطار يضم كل
الدراسات األخرى في الرياضيات والماورائيات واألخالقيات والصوتيات أو االقتصاد أو علم
النفس...إلخ ،وتأسست الجمعية الدولية للسيميائية سنة 1811وتولى أمانتها العامة جوليان
غريماس Julien Greimasوعقدت هذه الجمعية مؤتمرات وملتقيات عديدة وأصدرت مجلة
،sémioticorوأنشأت فرق بحث لها ،وانتقلت السيميائية للوطن العربي في وقت متأخر.
السيميائية (حاولنا أن نقدم في
ويحاول رشيد بن مالك أن يزيح اإلشكال في مفهوم ّ
السيميائية عمال من خاللها
هذا القسم تصو ار عاما عن بعض المنطلقات اللسانية للنظرية ّ
على توجيه القارئ العربي نحو أهم أصولها واظهار حدودها وابراز إشكالياتها ،أردنا بهذا
اإلسهام المتواضع أن نثير فقط السؤال حول جوهر الممارسة السيميائية.1
والسيمولوجيا تشمل اللفظ والشيء والنص ،والنص مهما كان منفلتا في معانيه إال أن
النص
السيمولوجيا تحاول تفسيره (فإذا كانت السيميولوجيا التي أتحدث عنها ،قد عادت إلى ّ
[ ]...فالنص يحمل في طياته قوة اآلنفالت الالنهائي من الكالم) .2
بلـوهم محمـد :سـلطة القـارئ ،مجلـة السـيميائية والـنص األدبـي ،أعمـال ملتقـى معهـد اللغـة العربيـة وآدابهـا ،جامعـة عنابـة، 2
تعريف العالمة:
هل العالمة وحدة ثنائية المبنى أم وحدة ثالثية المبنى؟ هل العالمة كيان مستقل أم
أنها وسيط؟
إن العالمة في مفهوم دوسوسير وحدة ثنائية المبنى وتتكون من وجهين يشبهان وجهي الورقة
وال يمكن فصل أحدهما عن اآلخر ،الوجه األول هو الدال وهو عند دوسوسير حقيقة نفسية
أو صورة سمعية تحدثها في دماغ المستمع سلسلة األصوات التي تلتقطها أذنه ثم يحلل
الدماغ الصورة السمعية أو النفسية (الدال) ويتحول الدال إلى صورة ذهنية أو مفهوم
(المدلول).
وهناك من يرى أن سلسلة األصوات هي الدال ،أما المدلول فهو الصورة الذهنية التي
تستدعيها سلسلة األصوات هذه في ذهن المستمع.
سلسلة األصوات الدال– الدماغ يحلل سلسلة األصوات– الصورة الذهنية المدلول.
وداللة العالقة تنشأ من عملية الربط بين الدال والمدلول سواء أكان الدال حقيقة مادية
أم حقيقة نفسية والخالصة في تعريف الدال والمدلول عند دوسوسور أنهما حقيقتان نفسيتان.
األول :أي الدال وهو الصورة السمعية التي تولدها في الذهن األصوات التي يسمعها
المتلقي.
والثاني :أي المدلول ،وهو التصور الذهني الذي تثيره الصورة السمعية في ذهن
المستمع وقد شاع استخدام مصطلحي دوسوسير الدال والمدلول في مجال علم اللغة
والسيميوطيقا ،وهناك من استخدمها بشيء من االختالف عن تعريف دوسوسير األصلي.
فالدال حقيقة مادية محسوسة (الشجرة) وال يقتصر على األصوات ،إذ يمكن للحواس األخرى
أن تعطي مدلوال ،وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير
محسوسة هي المدلول.
أما العالقة بين الدال والمدلول فال تزال غامضة ،وما زالت مادة للتجريب فسوسير
يقول إن الصورة السمعية تثير في ذهن المستمع الصورة الذهنية أو المفهوم.
الدال
املدلول شجرة
ويرى بعض علماء السيميوطيقا أن السيميوطيقا ال تهتم بقضية الحقيقة والبطالن أي
بمطابقة العالمة للواقع.
وانما تكمن القيمة السيميوطيقة في العالقة القائمة بين الدال والمدلول دون التجاوز
إلى العالقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العالمة ،فإذا قلت ألحد أن داره
تحترق فسيكون رد فعله أن ينطلق مهروال للتأكد من صحة قولك فال يهم عند العالم
السيموطيقي أن تحترق الدار في الواقع أو ال تحترق وال يهمه إن كنت كاذبا أو صادقا ،إنما
يهمه فقط الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يفهم الشخص الذي تنقل إليه الرسالة قولك.
التعريف باألعالم
-1أمبرتو إيكو )2116-1832( Umberto Ecoفيلسوف إيطالي وروائي وباحث ،له
مقاالت عديدة في النقد وتخصص في تاريخ وآداب القرون الوسطى وهو من رواد علم
السيمياء ،وهو أحد عظماء األدب العالمي المعاصر.
ألف مجموعة من الكتب منها :اعترافات روائي شاب ،ال نهائية القوائم ،من
هوميروس حتّى جوس ،مقبرة براغ "رواية" ورواية "وردة قطفها الموت" ،وهي رواية مشهورة.
-2جوليان غريماس 1882-1817( Julien Greimasم) :وهو لساني وسيميائي
روسي ،وهو مؤسس السيميائيات البنيوية انطالقا من فريدناند دوسوسير ،وهو رائد مدرسة
باريس السيميائية ،عمل أستاذا لألدب الفرنسي ،بجامعة االسكندرية ،نشأت بينه وبين رونالد
بارث صداقة قوية ،وله دراسات في سيميائيات األهواء ،من مؤلفاته :نظرية السيموطيقا،
سيميائيات السرد ،علم الداللة البنيوي.
إذا فقد قامت الهرمنيوطيقا على أساس ديني وقد استخدم المصطلح في الدراسات
الالهوتية من قبل المفسرين للكتاب المقدس منذ عهود مسيحية سابقة ،و أروا بأن النص
المقدس يتضمن في ذاته قابلية التأويل ،وال يزال مستم ار في األوساط البروتستانتية إلى يومنا
هذا.
وربما تعود جذور هذا المصطلح إلى األصل اليوناني Hermeneueinويعني أن
يؤول المرء أو يترجم إلى لغته الخاصة أم ار لكي يوضحه ويقربه من األفهام ويعبر عنه
بصياغة معينة ،واإلله هرمز Hermesفي األساطير اليونانية هو الذي يؤول رسائل اآللهة
إلى البشر.1
وهناك من يرى بأن الهرمنيوطيقيا الحديثة ناتجة عن تأويالت القراء المسلمين
والمسيحيين( ،القراءة عند القراء المسلمين ،أعني علماء التفسير الّذين انكبوا على القرآن
يتفحصونه ويدرسونه ويعايشونه قرونا عديدة ،وكذلك عند القراء المسيحيين ،أي آباء الكنيسة
الّذين وضعوا األسس التي شيدت عليها علوم قراءة الكتاب المقدس ،وال شك أن ثمار قرون
النصوص الدينية يكشف لنا كثي ار من جوانب عالقة القارئ بالنص ،وقد تكون
من تأويل ّ
المقارنة بين نظريات القراء المسلمين والمسيحيين كاشفة إلى حد كبير آلليات القراءة []...
فالهرمنيوطيقا الحديثة نابعة من تراث تفسير الكتابات المقدسة).2
فالهرمنيوطيقا الحديثة نابعة من تفسيرات الكتابات المقدسة ،وقد أخرج شليرماخر في
نظريته المصطلح من دائرة االستخدام الالهوتي ليصبح علما أو فنا ويستخدم عملية فهم
وتحليل النصوص ،وصاغ ما يعرف بالدائرة الهرمنيوطيقية التي يرى فيها بأن الجزء ال يفهم
إال من خالل الكل والعكس صحيح ،فمعنى الكلمة مثال ال يتضح إال من سياق الجملة.
ســامي إســماعيل :جماليــات التلقــي د ارســة فــي نظريــة التلقــي عنــد هــانز روبــرت يــاوس وفولفغــانغ إيــزر ،المجلــس األعلــى 1
وقدم الفيلسوف فيلهلم ديلثاي الهرمنيوطيقا على أنها تحليل وتأويل أشكال الكتابة في
العلوم اإلنسانية أي األدب واإلنسانيات والعلوم االجتماعية باعتبارها تختلف عن العلوم
الطبيعية التي ال تؤول وال تحتمل تعدد الوجوه فهي حقائق علمية ثابتة.
وقد عاد االهتمام بنظرية التأويل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حين
صار الهدف األساسي للنقد هو تأويل المعاني اللفظية.
والهرمنيوطيقا التقليدية كانت نظرية المعنى الوحيد وبذلك فهي تخالف نظرية التلقي
للنصوص
النص المقروء مقدس ال ينبغي أن يتجاوز ،وقد انطلقت من المعنى الالهوتي ّ
ألن ّ
ثم اتسعت دائرتها في القرن التاسع عشر مع شيلرماخر ودلثاي
الدينية وخاصة اإلنجيلّ ،
اللذين وضعا قواعد واجراءات تساعد القارئ كي ال يسيء فهم النص ،وتحولت بذلك نظرية
1
المعنى الواحد إلى نظرية المعنى المتعدد"
وتمحورت قضايا النظرية حول إمكانية تحديد المعنى وثباته أو تغيره ،وموضوعية
التأويل أو ذاتيته ،وقضية التحيز ،والتجرد ،وهلم جرا.
والتأويل يحاول أن يدرك ما فعله اآلخر أو فكر فيه أو كتبه.
إن اآلخرية أو الغيرية هي سبب التأويل ،وأهم المفكرين في الهرمنيوطيقا مارتن
هايدجر Martin Heideggerوتلميذه هانز جورج غادامير .Hans George Gadamer
سـعيد عمــري :الروايـة مـن منظــور نظريـة التلقــي ،منشـورات مشــروع البحـث النقــدي ونظريـة الترجمــة ،جامعـة فــاس ،ط،1 1
،1228ص.19
التعريف باألعالم
-1فريدريك شليرماخر )1834-1768( Friedrich Schleiermacherفيلسوف ألماني
الهوتي ،وعالم بالكتاب المقدس ،له تأثير في النقد العالي ،أسهم بشكل واسع في علم التأويل
الحديث ،وكان له أثر في الفكر المسيحي في وقت متأخر وقد أطلق عليه أبو علم الالهوت
"الحديث".
من مؤلفاته :عن الدين خطابات لمحتقريه من المثقفين ،اإليمان المسيحي طبقا لمبادئ
الكنيسة االنجيلية ،األخالق الفلسفية ،دروس في علم الجمال.
-2فيلهلم دلثاي )1811-1833( Wilhelm Diltheyفيلسوف ألماني وطبيب نفسي
وعالم اجتماع ،وهو الفيلسوف األكثر نفوذا في فلسفة الحياة ،وقد ارتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة
التاريخ من أعماله :بناء العالم التاريخي ،أفكار تتم بعلم النفس الوصفي والتحليلي ،فلسفة
الحياة ،علم الجمال وفلسفة الفن ،وغيرها.
-3مارتن هايدجر Martin Heidegger :فيلسوف ألماني درس على يد إيدموند هوسرل
وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكالت الوجود والتقنية والحرية والحقيقة.
من أبرز مؤلفاته :الوجود والزمان ،دروب موحدة ،ما الذي يسمى فكرا ،المفاهيم األساسية في
الميتافيزيقا ،نداء الحقيقة ،وغيرها من المؤلفات.
الخاتمة
يمكن من خالل هذه المطبوعة في مناهج النقد األدبي السياقية والنسقية التوصل إلى
النتائج التالية:
-اإللمام بعلم المناهج الذي يتطلب الدراسة واالطالع من أجل معرفة الطرق العلمية
التي ينبغي أن تتبع في تحليل النصوص األدبية اعتمادا على األسس العلمية التي
تضبط الدراسة وتوصل إلى النتائج المرجوة من كل بحث.
-معرفة خطة كل منهج نقدي في الدراسة حتى يتنسى للدراس والباحث أن يختار
المنهج المالئم لدراسة كل نص في مختلف األجناس األدبية.
-التعود على الضبط والتخطيط المحكم في كل عملية نقدية للوصول إلى الحقائق
العلمية في الدراسة البعيدة عن العشوائية والنظرة االنطباعية السطحية للنصوص
األدبية واإلبداعية.
-اكتساب الطريقة المثلى في التحليل المتصفة بالتجرد والموضوعية لتجنب الميل نحو
الجانب الذاتي العاطفي.
-التزود بالمعلومات الكافية من خالل اإللمام بكل المناهج والفلسفات الكامنة وراءها
لتحديد وجهة الباحث وهدفه من الدراسة وتحليل النصوص.
-دراسة كل منهج والتعمق فيه يؤدي حتما إلى معرفة الغوص بالتحليل والنقد في ثنايا
النص وخباياه بكل ثقة وفهم.
-التدرج في فهم المن اهج منذ نشأتها إلى آخر منهج مبتكر يمنح الدارس والباحث فهم
تطور الفكر اإلنساني إبداعيا ونقديا.
-االطالع على مناهج النقد يغري المشتغلين باألدب والنقد بالبحث ويحثهم على
الدراسة والكشف عن مبادئ الفكر والجواهر الكامنة وراء النصوص األدبية.
-توفر المناهج للباحث األرضية الصحيحة لينطلق في بحوثه على بينة ويقين لما
يسعى إلى البحث فيه.
-كل منهج يحمل رؤية معينة لدراسة النصوص ،ومن ثمة فإن التمكن من المناهج
يوفر اإللمام بالرؤى المختلفة المتعددة فينطلق الباحث وفي جعبته رصيد معتبر من
المعلومات التي تمكنه من الدراسة والتحليل.
-ت جعل المناهج الباحث يحيط علما بكل المصطلحات النقدية التي تساعده وتسهل
عليه عملية النقد والدراسة ،تلك المصطلحات التي تعد بمثابة المفاتيح للولوج إلى
متاهات النص وفي أدغاله الفكرية والفلسفية والرؤيوية.
-تساعد المناهج على إنجاز الدراسة الموضوعية والقدرة على ابتكار آليات الكتابة
والتأليف األكاديمي الجاد.
-تشكل دراسة المناهج ملكة فكرية وذهنية علمية يحتاجها الناقد والمؤلف في منهجة
أفكاره على أسس وأصول معرفية علمية.
-تحصيل الناقد على زاد معرفي نقدي يستطيع به أن يوازن ويقارن بين الدراسات
النقدية في مجال نقد النقد فيعرف اختالف النقاد والدارسين وطرق تحاليلهم ويجد
القدرة في نفسه على تقييم الدراسات النقدية ومدى توافقها مع المبادئ والقوانين النقدية
العلمية المضبوطة.
-تمكن دراسة المناهج من معرفة ما توصل إليه الفكر اإلنساني من ابتكارات في مجال
العلوم اإلنسانية والمعرفية.
-معرفة أعالم وعلماء كل منهج يغري باالطالع على آرائهم وفلسفتهم ورؤاهم النقدية
مما يجعل الباحث يرقى بفكره إلى تلك المستويات الفكرية العالية.
-تجعل الباحث يمتلك ملكة قوية في النقد ،ويكتسب النظرة الثاقبة الحصيفة في إبداء
آرائه النقدية.
-التعود على التنظيم والترتيب والتدرج في كتابة بحوثه لتكون أكثر أهمية ونفعا.
-التمكن واإللمام بالمناهج يجعل الباحث ينجز بحوثا تتصف باألهمية والروح العلمية.
.18عبد السالم المسدي :في آليات النقد األدبي ،دار الجنوب ،تونس.1881 ،
.62عبد العزيز حمودة :المرايا المحدبة ،مجلة المعرفة ،الكويت ،ع ،161أفريل .1889
.61عبد العزيز شبي ل :نظرية األجناس األدبية في التراث النثري ،دار محمد علي الحامي،
تونس.
.61عبد اهلل محمد الغذامي :الخطيئة والتفكير من البنيوية إلى التشريحية ،الهيئة المصرية
العامة للكتاب ،مصر( ،د.ط).1221 ،
.66عبد المنعم تليمة :مدخل إلى علم الجمال األدبي ،دار الثقافة ،القاهرة ،د.ط.1899 ،
.61عبد الناصر حسن محمد :نظرية التوصيل وقراءة النص األدبي ،المكتب المصري
لتوزيع المطبوعات ،القاهرة ،ط.1888 ،1
.61علي جواد الطاهر :منهج البحث األدبي ،مكتبة النهضة ،بغداد ،ط.1891 ،1
.61عمر عيالن :األدبي واالجتماعي ،الملتقى الثاني ،الجزائر ،منشورات المركز الجامعي،
خنشلة.1229 ،
.69غنيمي هالل :النقد األدبي الحديث ،دار العودة ،بيروت.1891 ،
.69فاطمة البريكي :في النقد العربي القديم ،د ار الشروق ،عمان ،ط.1221 ،1
.68فاطمة البريكي :قضية التلقي في النقد العربي القديم ،دار الشروق ،عمان ،ط،1
.1221
.12فاطمة البريكي :قضية التلقي في النقد العربي القديم ،دار العالم العربي للنشر والتوزيع،
اإلمارات المتحدة ،ط.1221 ،1
.11مجموعة من الكتاب :مدخل إلى مناهج النقد األدبي ،تر :رضوان ضاضا ،عالم
المعرفة ،ع ،111الكويت ،ماي .1889
.11محمد التونجي :المعجم المفصل لألدب ،ج.1
.16محمد شوقي الزين :تأويالت وتفكيكات فصول في الفكر العربي المعاصر ،المركز
الثقافي العربي ،المغرب ،ط ،1د.ت.
- 124 -
محاضرات في مناهج النقد األدبي
الدكتور محمد سعدون قائمة المصادر والمراجع
.11محمد علي الفاروقي التهناوي :كشاف اصطالحات الفنون ،تح :لطفي عبد البديع،
المؤسسة المصرية العامة1886 ،م.
.11محمد غنيمي هالل :األدب المقارن ،نهضة مصر ،القاهرة ،ط.1229 ،8
.11محمد غنيمي هالل :األدب المقارن ،نهضة مصر ،القاهرة ،ط.1228 ،8
.19محمد لعياضي :مناهج النقد وتطبيقاتها عند محمد مفتاح ،أطروحة دكتوراه ،كلية اللغة
العربية وآدابها ،الجزائر .1212 ،1
.19محمود عباس عبد الواحد :قراءة النص وجماليات التلقي ،دار الفكر العربي ،مصر،
ط.1881 ،1
.18مخلوف عامر :مناهج نقدية ،المرجع السابق ،ص11؛ نقال عن نعيم اليافي :النقد
التكاملي حوار األسئلة واألجوبة اتحاد الكتاب العرب ،سوريا ،كانون الثاني ،وشباط
وآذار.1881 ،
.12مخلوف عامر :مناهج نقدية ،منشورات الوطن اليوم ،الجزائر ،ط.1219 ،1
.11مخلوف عامر :مناهج نقدية ،منشورات الوطن اليوم ،الجزائر ،ط.1219 ،1
.11مخلوف عامر :مناهج نقدية ،منشورات الوطن اليوم ،سطيف ،الجزائر ،ط.1219 ،1
.16ميخان الرويل وسعد البازعي :دليل الناقد األدبي ،المركز الثقافي العربي ،المغرب،
ط.1221 ،1
.11نعيم اليافي :في النقد التكاملي ،مجلة البيان ،الكويت ،ع ،621جانفي.1881 ،
.11يوسف وغليسي :إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث ،الدار العربية
للعلوم ناشرون ،الجزائر ،ط.1229 ،1
.11يوسف وغليسي :مناهج النقد األدبي ،جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط.1229 ،1
فهرس المحاضرات