Professional Documents
Culture Documents
( )1الصدق :الصدق في الشعر أن يعبر الشاعر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في
نفسه ،وأال يتكلف في إيراده ،بقطع النظر عما إذا كانت الحوادث التي يذكرها قد وقعت
أو لم تقع أو كان مبالغا فيها .فليس من الضروري مثال أن يكون قول عمرو بن كلثوم:
مألنا البر حتى ضاق عنا ...وماء البحر نمأله سفينا
صحيحا (ونحن نعلم إنه غير صحيح) .ولكن المهم أن عمروا كان يشعر هذا الشعور
فجاء بيته هذا صادقا في التعبير عن شعوره هو.
( )2النزعة الوجدانية :والشعر الجاهلي وجداني في الدرجة األولى ،يصف نفس قائله
وشعوره .حتى أن الشاعر القديم كان إذا عرض «لبحث موضوعي واقعي» ،كوصف
الصيد والحرب أو كالحكمة والرثاء ،لونه بشعوره هو فانقلب الموضوع الواقعي في
شعره موضوعا وجدانيا.
واألدب في الحقيقة هو اإلنتاج الوجداني المطبوع .ووصف ابن قتيبة الشاعر المطبوع
فقال فيه ( )1هو «من سمح بالشعر واقتدر على القوافي ،وأراك في صدر بيته عجزه،
وفي فاتحته خاتمته ،وتبيّنت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة ،وإذا امتحن
(بإنشاد شعره) لم يتلعثم ولم يتز ّحر ( .»)2ولذلك كره النقاد أشعار العلماء إذ ليس فيها
شيء جاء عن إسماح وسهولة كشعر األصمعي وشعر ابن المقفّع وشعر الخليل (ابن
أحمد)» ،وسواهم ( .)3ولعلّهم من أجل ذلك أيضا فضلوا أشعار البدو على أشعار
الحضر لما في أشعار البدو من الطبع في القول والعفو في النظم ،ولما في أشعار
الحضر من التكلف بعوامل من العلم والمداراة وتعقّد الحياة االجتماعية.
( )3البساطة :إن الحياة الفطرية والبدوية والقدم في الزمن عوامل تتضافر على جعل
الشخصية اإلنسانية ساذجة بسيطة ،كذلك كانت البيئة الجاهلية ،وكذلك كان أثرها في
الشعر الجاهلي.
جرى الشاعر الجاهلي على طبعه وسجيته فلم يتكلف القول في ما لم يشعر به وال
تكلف اإلحاطة و الشمول وال التخريج والتعليل وال التعقيد والمعاصاة في ما شعر به.
إن الطبع والسجية والبساطة والصدق تتمثل كلها في قول عنترة يخاطب عبلة:
1
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ...مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف ألنها ...لمعت كبارق ثغرك المتبسم.
( )4القول الجامع :كانت الصفة الغالبة على الشعر الجاهلي أنه «شعر وجداني» ،من
أجل ذلك كان معرضا لآلراء المفردة أكثر منه معالجة مستفيضة لشئون الحياة .ولقد
مال العرب عموما والجاهليون خصوصا إلى استجماع القول حتى كان البيت الواحد
من الشعر يجمع معاني تامة ،وحتى جعل األقدمون يفتخرون بذلك .وقد أعجب النقاد
بقول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ...بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقالوا :إنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد!.
( )5اإلطالة واالستطراد :وكان يحمد في الشاعر الجاهلي أن يكون «طويل النفس» أي
أن يطيل القصائد .وقد يخرج الشاعر أحيانا عن الموضوع األساسي إلى موضوعات
تتعلق به من قرب أو من بعد ،وهذا يس ّمى االستطراد.
وقد أثر عن الجاهلية مقطعات قيل إن أكثرها كان في األصل قصائد طويلة ثم نسي
بعضها .ومع العلم اليقين أن الشاعر الجاهلي نظم مثل هذه المقطعات ابتداء ،فإن
الغالب على طبع الجاهلي أنه كان يميل إلى إطالة القصائد.
( )6الخيال :وإذا كان اتساع أفق الصحراء قد أدّى إلى اتساع خيال الشاعر الجاهلي،
فإن هذا الشاعر الجاهلي كان فطريا بسيطا كبيئته .ولعلك ال تستغرب إذا علمت إن
الشعراء الذين اتصلوا بالحضر كاألعشى وامرئ القيس والنابغة كانوا في خيالهم أوسع
وأعمق وأدق كما ترى في معلقة امرئ القيس عند الكالم على البرق والمطر والسيل
وعلى النبات الذي هاج بعد ذلك المطر.
وال ريب في أن الخيال في الجاهلية كان ال يزال يعتمد على التشابيه واالستعارات أكثر
من اعتماده على انتزاع الصور من الطبيعة.
______________________
)1الشعر والشعراء 26؛ راجع العمدة 1:108وما بعدها.
)2أحدث صوتا كأنما يريد أن يخرج منه شيئا بالجهد.
)3الشعر والشعراء .11-10
2