Professional Documents
Culture Documents
تقدمي:
نخطئ كثريا حني نظن �أن �أزمة التعليم املدر�سي يف
املغرب هي �أزمة معرفة �أو منهج �أو مقررات درا�سية �أو
لغة �أو غري ذلك؛ لأننا ،بهذا احلكم ال�شائع ،نغفل جوهر
الق�ضية و�أ�سا�سها� ،إنها �أزمة قراءة بالدرجة الأوىل ،من
�أب�سط جتلياتها وم�ستوياتها� ،إىل �أكرثها تركيبا وتعقيدا.
فغياب «التلميذ القارئ»� ،أو غياب «الهم القرائي» هو ما التلمذة حالة �أو ❞
يوقع يف م�شاكل عديدة وخطرية ،يتخبط فيها املتعلم، و�ضع ،والقراءة �أداة �أو
والتعليم ،واملعلم. و�سيلة ،وهذا يدل داللة
و�إذا ما ا�ستطعنا �أن جند حال مالئما لإ�شكال القراءة مبا�رشة على �أن كل تلميذ
يف ذاته ،ف�إن ذلك �سيمهد لنا ال�سبيل لتجاوز امل�شاكل هو بال�رضورة قارئ
الأخرى املرتبطة بها ارتباطا وثيقا ،وهنا تتبادر �إىل ❝
�أذهاننا جمموعة من الأ�سئلة املختلفة من قبيل:
1)1من هو التلميذ القارئ؟
2)2وكيف ن�ستطيع تن�شئة تلميذ قارئ؟
3)3وما هي معيقات القراءة بالن�سبة للتلميذ املغربي؟
4)4ومباذا ترتبط �أزمة القراءة ،بالقارئ �أم باملقروء� ،أم
املقرئ؟
ي�ؤدي �إهمالها �إىل ق�صور فهمنا لفعل القراءة، وهي الأ�سئلة التي �سنحاول البحث عن
فهي �أوال تدل على �أن هذا الفعل لي�س فرديا، �إجابات تقريبية عنها يف ال�صفحات التالية،
بل هو م�شرتك بني جانبني اثنني على الأقل، لعل ذلك يخفف بع�ض هموم واقع تربوي
وثانيا �أنه فعل مركب ومعقد ،يتطلب جهدا وتعليمي م�ضطرب و�سلبي ،يف نتائجه وقيمه
ومهارة ،ويخ�ضع لنظام حمدد ،وهذا الفهم وظواهره وخ�صائ�صه.
جنده عند بع�ض العلماء العرب القدماء،
�إذ �إنهم �أدركوا ،بحكم خربتهم وثقافتهم 1.1مفهوم القراءة:
الوا�سعة� ،أن «القارئ» ال بد �أن ميتلك الرغبة �إن حتديد الداللة املفهومية مل�صطلح
يف «القراءة» ،و�أن يلتزم ب�شروط «الإقراء»، القراءة يقت�ضي منا البحث عن معانيه
يقول �ضياء الدين بن الأثري« :و�إذا �س�ألت
عما ُي ْن َت َف ُع ب ِه فيِ َف ِّن ِه ِقيل َ اللغوية ،ففي معجم «ل�سان العرب»َ « :ق َر�أتُ
لك َه َذا! ف�إنَّ ال ُّد ْر َب َة
و�ض َم ْمتُ َب ْع َ�ض ُه �إىل ال�شي َء ُق ْر�آن ًاَ :ج َم ْع ُت ُه َْ
والإ ْد َمانَ � ْأج َدى َع َل ْي َك َنفْع ًا ،و� ْأه َدى َب َ�صر ًا
انك خْ َو�س ْمع ًا ،وهُ َما ُي ِر َي َ َب ْع ٍ�ض (َ )...وم ْع َنى ق َر�أتُ ال ُق ْر�آنَ :ل َفظتُ ِب ِه
الن الرب ِع َيانا ،و َي ْج َع ِ َ
مجَ ْ ُموع ًا � ْأي �أل َق ْي ُت ُه ( )...و�أ ْقر�أ َغيرْ َ ُه �إق َرا ًء.
ُع ْ�س َر َك ِمنَ ال َق ْو ِل � ْإم َكانا ،و ُك ُّل َجار َِح ٍة
ول�سان ًاُ ، ومنه قيلُ :فالن المْ ُق ِْر ُئ .قال ِ�سيب َوي ِه :ق َر�أ
الكتَاب َما فخ ْذ ِمنْ َهذا ِ م ْن َك ق ْلب ًا َ
اك. انك َما � َأخ َط َ وا�س َت ْن ِب ْط ب�إ ْد َم َاكْ ، � ْأع َط َ وا ْق رَ َت�أ ،بمِ َ ْعنى :بمِ َ ْن ِزل ِة َعال ق ْرن ُه ْ
وا�س َت ْعال ُه
الطر ِيق هذ ِه ِ لك ِمنْ ِ َوما ِم ْثلي في َما َم َّه ْد ُت ُه َ تاب ِق َراء ًة و ُق ْر�آن ًا ،وم ْن ُه الك َ ( )...وق َر�أتُ ِ
�إال َك َمنْ َط َب َع َ�س ْيف ًا ،و َو َ�ض َع ُه فيِ يمَ ِ ي ِن َك ِل ُت َق َ
اتل ُ�س ِّم َي ال ُق ْر�آن .و�أق َر�أ ُه ال ُق ْر�آن ف ُه َو ُمق ِْر ٌئ
ِب ِه ،ول ْي َ�س َع َل ْي ِه �أنْ َي ْخ ُلقَ َل َك َق ْلب ًا ،ف�إنَّ َح ْم َل ( )...واال ْق رِتَا ُء :ا ْف ِتعا ٌل ِمنَ ال ِق َراء ِة ()...
ا�ش َر ِة ال ِقتَال )2(».ويقول ال ِّن َ�ص ِال غيرْ ُ ُم َب َ
()1
وا�س َتقْر�أ ُه :ط َل َب �إل ْي ِه �أنْ َي ْق َر�أ».
ْ
واع َل ْم �أنَّ ع ْل َم الأ َد ِب َمتَى َكانَ
ال�سكاكي« :هذا ْ ففي هذا التعريف املعجمي ،يظهر �أن
ال ْو ِ�ض ِفيه مجُ َ َّرد ال ُو ُقوف َعلى الحْ َ امل َعلى خْ َ مدار كلمة «قر�أ» هو اجلمع وال�ضم والتلفظ،
ات، الح ِ اال�ص ِط َو�ش ْيءٍ منَ ْ َب ْع ِ�ض الأ ْو َ�ضا ِعَ ، غري �أن ثمة �صيغا لفظية �أخرى قد تفيدنا يف
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
ف ُه َو َلد ْي َك ع َلى َط َرف ال َّت َم ِام� ،أ َّما �إذا فهم املعنى ،وهي:
االح رِتَا ِز َع ِن ُخ ْ�ض َت في ِه ِل ِه َّمة َت ْب َع ُث َك ع َلى ْ الإ ْف َعال •الإقراء
ال�ص َواب و�س ُلوك َجا َّد ِة َّ الط�إ فيِ ال َع َرب َّيةُ ، خْ َ
اال�س ِتفعال •اال�ستقراء
َ�ض دُو َن َك ِم ْن ُه �أ ْن َواع ُتل ِقي لأ ْد َن َاها ِفي َهاْ ،اع رَت َ ْ
ُع ْرف ال ُق ْرب ِة ،ال ِ�س َي َما � َإذا ا ْن َ�ض َّم �إىل ِه َّم ِت َك اال ْف ِت َع ُال •االقرتاء
كالم ِه،ال�ش َغ ُف بال َّت َل ِّقي لمِ ُ َرا ِد اهلل َت َعاىل ِمنْ ِ َّ وهي �صيغ تخفي يف طياتها دالالت هامة،
8
اطل ِمنْ َبينْ ِ َي َدي ِه وال ِمنْ ثم الكلمات ،ق�صد الو�صول �إىل فهم املعاين، الذي ال َي�أْتي ِه ال َب ُ
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
لك ِم ْن َها َما ال َي ْب ُع ُد وهذا يدل على وجود ترابط وثيق بني عمليتني َخ ْل ِف ِه ،ف ُه َناك ال َي ْ�س َت ْق ِب َ
�أنْ ُي ْر ِج َع َك ال َق ْه َق َرى ،و َك� يِّأن ِب َك ول ْي َ�س َم َع َك اثنتني ترتبطان بالقراءة ،وهما:
الفعل الذهني الفعل املادي قد َذ َه َبِمنْ َه َذا ال ِع ْل ِم �إال ِذ ْك ُر ال َّن ْح ِو والل َغ ِةْ ،
َ َ
ِبك ال َو ْه ُم �إىل �أنَّ َما ق َر َع َ�س ْم َعك هُ َو َ�ش ْي ٌء �ضم احلروف والكلمات التعرف على املعاين
َ
َق ِد ا ْف رَ َّت َع ْنه َع َ�ص ِب َّي ُة ِّ
ال�ص َناع ِة ،ال تحَ ْ ِقيقَ
الفهم الرتتيل ل ُه (ِ )...لك َّن ّك � َإذا َّ
اط َل ْع َت َعلى َما َن ْحنُ
9 �أما معاجم امل�صطلحات احلديثة، دعو ُه ِكتَا َب َنا َه َذاُ ،م ِ�ش ِريينَ في ِه �إلىَ َما ُم ْ�س َت ْو ُ
ذلك �إال َب ْع َد في�سعفنا بع�ضها ب�إ�شارات دالة حول املفهوم، لك َ تجَ ِ ُب ال َإ�شا َر ُة �إل ْي ِه ،ولنْ َب ِت َّم َ
وذ ُل ٍول ،بعد التحوالت الداللية التي �شهدها ،مبرور أمل ُك َّل َ�ص ْع ٍب َ �أنْ َت ْر َك َب ل ُه ِمنَ ال َّت� ِ
اك �أنَّ �صو َغ الحْ َ ِديث لي�س �إال الأيام ،وتطور الوعي الثقايف والفكري، مت � ْإذ َذ َ َع ِل َ
ْ َ َ ْ
ِمنْ عني التَّح ِقيق ،وجو َهر ال�س َدا ِد»(� ،)3إذ وظهور اجتهادات نقدية وفل�سفية ومعرفية
َ ِ ْ ِ َ ْ ِ َّ
نالحظ هذا اخلطاب التوجيهي الذي يقوم عديدة ،ففي «معجم امل�صطلحات الأدبية
املعا�صرة» وردت معان عدة للم�صطلح ،منها
على التحفيز والتح�ضي�ض ،والأخذ بيد
�أن « القراءة هي فك ُكو ِد خْ َ
البرَ المْ َ ْكتُوب،
القارئ الراغب وامل�ستعد ،نف�سيا وذهنيا
وت�أ ِويل َن ٍّ�ص �أ َد ِبي َما»(� ،)5إذ يبدو �أن املفهوم
للتلقي والقراءة ،ولهذا جند تواتر مفردات
جتاوز الداللة ال�سطحية الب�سيطة القدمية،
دالة يف هذا اخلطاب ،مثل :الدربة والإدمان،
واتخذ داللة �أخرى ،ت�ؤ�شر عليها يف التعريف
وال�شغف ،والت�أمل وغريها ،مما يفيد دالالت
اال�صطالحي ال�سابق م�صطلحات «فك
كود» ،و«ت�أويل» ،مما يعني �أن م�صطلح الفعل القرائي ب�أبعاده املختلفة واملتعددة.
و�إذا حتولنا �إىل ا�صطالحية مفهوم القراءة �أ�صبح �أكرث تعقيدا وقوة ،واكت�سب
القراءة ،جند معاجم امل�صطلحات القدمية ا�صطالحية وا�ضحة يف املجاالت الثقافية
ال تقدم �إ�ضافة جديدة ووا�ضحة �إىل املعنى والنقدية والفل�سفية التي ا�ستعمل فيها
اللغوي ،ففي معجم «الكليات»« :القراءة :ا�ستعماال مطردا ،فالقراءة ،بهذا املعنى،
ات ب ْع ِ�ضها �إلىَ َب ْع ٍ�ض هي عملية مركبة ،يقوم بها القارئ ،يف �ض ُّم الحْ ُ ُروف وال َك ِل َم ِ
ْتيل»( ،)4ففي هذا التعريف �إ�شارة �إىل مواجهة ن�ص معني ،مير فيها مبرحلتني الت ِ فيِ رَّ
البعد اللغوي الفيزيولوجي لفعل القراءة الذي اثنتني هما :فك كود اخلرب ،وت�أويل الن�ص،
يقوم به القارئ ،وهو فعل متدرج ومت�سل�سل �إنها «عملية ا�ستخراج املعنى من الكلمات
يف الزمان واملكان ،يبد�أ بالنطق باحلروف ،املطبوعة �أو املكتوبة ،وهي �أ�سا�سية يف
�سواء على م�ستوى الأفكار واملو�ضوعات التعليم ،وتعد �إحدى املهارات املهمة يف
�أو الأ�ساليب واللغة ،وهي خربة تنتج عن ()6
احلياة اليومية.
التمر�س الإبداعي باجلن�س الأدبي الذي ينتج غري �أن داللة امل�صطلح �ستبقى ناق�صة
فيه ،و�أي�ضا عن القراءات»( ،)9وبال�شكل ذاته �إذا مل نقف على اجتهادات نقدية هامة
فالقارئ «ال ُيق ِبل على قراءة ن�ص ما وذهنه متخ�ص�صة يف هذا املجال ،وهي تقدم �أبعادا
�صفحة بي�ضاء ،بل وهو ميتلك �أفقا فنيا �أخرى لهذه الداللة ،ونق�صد باخل�صو�ص ما
وفكريا ،يتحكم يف تلقي هذا الن�ص و�شحنه ي�سمى ب «نظرية التلقي �أو القراءة» ،عند
()10
باملعاين وت�أويله». روادها احلقيقيني ،هانز روبرت ياو�س،
واملكون الثاين الذي يت�ضمنه الت�صور وولفغانغ �إيزر.
النقدي لياو�س حول التلقي ،هو ما ي�سمى بـ« ينطلق ياو�س YAUSSيف حتليله ملفهوم
التجربة اجلمالية» ،بو�صفها ت�شري �إىل ح�ضور القراءة من نقد م�س�ألة التاريخ الأدبي ،حماوال
املتعة يف تلقي الأعمال الفنية ،ويقرر ياو�س« �إعادة االعتبار للعالقة بني الأدب والتاريخ،
�أن املتعة اجلمالية ت�شتمل على حلظتني: من زاوية جديدة ،هي زاوية القارئ� ،إذ «�إن
يف اللحظة الأوىل ،التي تالئم كذلك املتعة اجلوهر التاريخي لعمل فني ما ال ميكن بيانه
�إجماال ،يحدث ا�ست�سالم مبا�شر من الذات عن طريق عملية فح�ص �إنتاجه �أو من خالل
للمو�ضوع� ،أما اللحظة الثانية ،التي تخ�ص جمرد و�صفه ،والأحرى �أن الأدب ينبغي
املتعة اجلمالية ،فت�شتمل على اتخاذ موقع �أن يدر�س بو�صفه عملية جدل بني الإنتاج
يح�صر وجود املو�ضوع بني معقوفني ويجعله ()7
والتلقي».
()11
– من ثم -مو�ضوعا جماليا». وبناء على هذا الت�صور ،يقدم ياو�س
وداخل التجربة اجلمالية يتحدث ياو�س مكونات العالقة بني الن�ص ومتلقيه ،و�أهمها
عن ثالث مقوالت م�ؤثرة هي ،مقولة فعل ما �سماه بـ «�أفق التوقعات» ،وهو« ي�شري �إىل
الإبداع ،وهو اجلانب املنتج ،ومقولة احل�س نظام ذاتي م�شرتك �أو بنية من التوقعات؛ �إىل
اجلمايل ،وهو جانب التلقي ،ومقولة التطهري،
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
احلديثة ،ويتقاطع مع مفاهيم �أخرى ،مثل الأول هو ن�ص امل�ؤلف ،والثاين هو التحقق
التلقي والت�أويل وغريهما ،وهذا التحول كان الذي ينجزه القارئ( ،)13وال يكت�سب العمل
رد فعل على الدرا�سات النقدية ال�سابقة التي الأدبي معناه �إال من خالل التفاعل بني
كانت تويل اهتماما بالغا للم�ؤلف «النقد القطبني ،مما يعني �أن للقارئ دورا كبريا يف
الكال�سيكي/النف�سي» ،واملجتمع «النقد الإبداع الفني عموما ،ولهذا يتحدث �إيزر عن
االجتماعي» ،والن�ص «النقد البنيوي»، فئات القراء ،مركزا على ما ي�سمى بـ«القارئ
11 حماولة �إعادة االعتبار للقارئ ،ذلك « �أن ال�ضمني» ،وهو «بنية ن�صية تتوقع ح�ضور
الن�ص �أيا كان �سيظل وجوده منقو�صا حتى ()14
متلق دون �أن حتدده بال�ضرورة».
يتهي�أ له القراء ،ميدونه بالطاقة والوجود، غري �أن فعل القراءة ،يف نظر �إيزر ،لي�س
()18
مبا لهم من خربات وجتارب وفهم». �سهال ،فالن�ص بكامله ال ميكن �أبدا �أن يدرك
دفعة واحدة ،وال ميكن تخيل مو�ضوع الن�ص
2.2من هو التلميذ القارئ: �إال من خالل املراحل املختلفة واملتتابعة
ي�صعب �أن نف�صل ف�صال قاطعا بني للقراءة( ،)15وهنا يتحدث �إيزر عما �سماه
مفهومي «التلمذة» و«القراءة»� ،إذ ال ميكن �أن بـ«وجهة النظر اجلوالة» ،وهي عملية قرائية
نفهم �أحدهما مبعزل عن الآخر. مركبة تتكون من مراحل وحلظات متعددة،
فالتلمذة حالة �أو و�ضع ،والقراءة �أداة �أو بحيث «تنتقل وجهة النظر با�ستمرار بني
و�سيلة ،وهذا يدل داللة مبا�شرة على �أن كل املنظورات الن�صية ،وكل حتول ميثل حلظة
تلميذ هو بال�ضرورة قارئ ،وتنتفي بالتايل قراءة متمف�صلة� ،إنها تربز املنظورات وتربط
قيمة ال�س�ؤال :من هو التلميذ القارئ؟ ()16
بينها يف نف�س الوقت».
غري �أن هذه القيمة تتجدد بالنظر �إىل وال يخفى ت�أثر رواد نظرية التلقي الأملان
التغيريات الواقعية الطارئة� ،إذ �أ�صبحت باجلهود الفل�سفية التي قدمها فال�سفة اللغة،
«التلمذة» حقا من احلقوق ،و�ضرورة من ودار�سو الهرمينوطيقيا من �أمثال هايدغر
ال�ضرورات ،بغ�ض النظر عن ظروفها وجادامر ،فـ «عملية التلقي تفتح لنا عاملا
و�شروطها ،مبا يف ذلك �شرط القراءة، جديدا ،وتو�سع ،من ثم� ،أفق عاملنا وفهمنا
فحدث بالتايل االنف�صال �أو القطيعة بني
()17
لأنف�سنا يف نف�س الوقت».
املفهومني؛ ولهذا كان لزاما البحث عن ونخل�ص �إىل �أن مفهوم القراءة اتخذ
ال�سبل الكفيلة بتجاوز هذه الفجوة ،وترميم �أبعادا جديدة ،واكت�سب عمقا دالليا وثراء
وهذا الفعل ،مثل غريه من الأفعال ،يرتبط العالقة املفرت�ضة بني التلمذة والقراءة ،لكي
باملكان ،غري �أنه ال يجب االقت�صار على مكان ن�صل �إىل تلميذ قارئ بالقوة والفعل معا.
بعينه دون �آخر ،بل ي�ستح�سن تنويع ف�ضاءات �إن التلميذ القارئ هو الذي تكون لديه
القراءة وتو�سيعها ،فلي�ست املدر�سة وحدها القراءة و�سيلة �إدراكية وفعلية للتال�ؤم مع
مكان القراءة ،فثمة �أماكن �أخرى ،مثل و�ضعه االعتباري بو�صفه تلميذا� ،إنه الفاعل
اخلزانة والبيت واحلديقة وال�شاطئ واجلبل الأ�سا�س يف عملية التعلم ،القراءة هي الفعل
وغريها ،فالقراءة ارتباط باملكان وجت�سيد امللمو�س الذي مينح التلميذ قيمته اجلوهرية
حليويته وت�أثريه. الثابتة ،وميكنه من التفاعل املبا�شر
•البعد النف�سي� :إذ لي�ست القراءة عمال واحلركة امل�ؤثرة يف املكان والإن�سان والزمان
فيزيولوجيا �صوتيا وح�سب ،بل هو قبل ذلك واملجتمع.
فعل ينطلق من رغبة نف�سية و�إرادة ذاتية، غري �أن القراءة التي ت�ؤدي هذه الوظائف
ذلك لأن القارئ يقر�أ بجماع �أحا�سي�سه، ال تعني فقط « فهم م�ضمون الن�ص املقروء،
فينفعل مبا يقر�ؤه ويت�أثر به ،ويحدث التالحم عن طريق القيام بعملية انتقال مراوحة بني
النف�سي بني القارئ واملقروء ،وهذا يعني الدوال ال�صوتية املج�سدة يف �أ�شكال احلروف
�أن القراءة �إح�سا�س داخلي يحرك �صاحبه الكتابية ،واملدلوالت املعنوية املجردة»(،)19
ويدفعه �إىل البحث والفعل واالكت�شاف. بل هي تتجاوز ذلك لتتخذ �أبعادا متعددة
ف�ضل كذلك �أن يتنوع •البعد النوعيُ :ي َّ ومرتابطة فيما بينها� ،أهمها ما يلي:
املقروء ،فال يقت�صر القارئ ،مهما كانت ميوله •البعد الكمي :يتجلى يف تراكم
وظروفه ،على نوع دون �آخر� ،أو جمال معريف التجارب القرائية وتعددها� ،إذ كلما كرث
دون غريه ،و�إن كان ب�إمكانه �أن مينح الن�سبة املقروء ،ن�ضجت التجربة و�أثمرت القراءة
الأكرب ملا مييل �إليه ،من موا�ضيع وق�ضايا قارئا فاعال.
ومعارف ،فيقر�أ الأدب والنقد والفل�سفة •البعد الزمني :نق�صد به ا�ستمرارية فعل
وال�سيا�سة والعلوم وغريها ،لتحقيق التو�سع
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
ويف التفاعل ،ويف الت�صور العام حول مو�ضوع الذهنية ،بحيث يركز �أثناء القراءة ،ويبذل
القراءة ،وميكن �أن نتتبع جوانب هذا الق�صور جهدا للفهم والإدراك والتفكري ،موظفا ما
يف ما يلي: �أوتيه من ملكات عقلية وتنظيمية ومنطقية،
أ-أاجلانب الكمي :يتجلى يف قلة عدد ويندرج يف هذا الإطار كذلك مراعاة القارئ
القراء عموما� ،إذ ال نكاد جند �إال ن�سبة �ضئيلة لظروفه واختياره الأوقات املالئمة للقراءة،
من بني �أفراد املجتمع ميار�سون القراءة وا�ستثمار ما يقر�ؤه يف �سياقات �أخرى.
13 ممار�سة منظمة ،وتندرج �ضمن هذه الن�سبة التلميذ القارئ �إذا لي�س جمرد �شخ�ص
فئات حمددة مثل املثقفني والأ�ساتذة والطلبة يقتعد مقعدا لفرتة زمنية حمددة وين�صرف
والتالميذ ،بدرجات متفاوتة ،من فئة �إىل بعدها ،التلميذ القارئ هو الذي يكون لديه هم
�أخرى ،مما يعني �أن القراءة �أ�صبحت عمال القراءة موازيا لهم التلمذة ،فيحمل الهمني
نخبويا خا�صا ،ولي�ست هما جماعيا متاحا، معا برغبة مطلقة ،ال تزحزحها احلواجز،
وك�أن ثمة حواجز اجتماعية تف�صل بني جميع وال تنال منها املثبطات ،التلميذ القارئ
الفئات وبني القراءة. هو الذي يقر�أ مبعزل عن حمددات الزمان
ومن جهة �أخرى ،ف�إن هذا اجلانب واملكان واملجتمع والنوع واللغة واحلجم ،يقر�أ
الكمي يظهر يف حجم القراءة ذاتها� ،أو بانفعال وتفاعل وفكر وت�أمل ،يقر�أ ل�سانا
عدد املقروء من الن�صو�ص والكتابات ،فحتى و�إح�سا�سا و�إدراكا� ،إنه بالتايل فاعل ومبدع
�ضمن فئات القراء املذكورين ،يتفاوت هذا وم�شارك يف بناء املعرفة والإدراك ،ويف
احلجم ،بحيث �إن الن�سبة الأكرث ،تكون لديها التوا�صل املثمر ،ويف االكت�شاف واخللق.
القراءة حمدودة يف ن�صو�ص قليلة ،من حيث
عددها ،تبعا الهتماماتها الثقافية واملهنية، 3.3تلميذ قارئ يف جمتمع غري قارئ:
وهنا تتحول القراءة �إىل جمرد عمل روتيني، من الغريب واملتناق�ض �أن نتحدث عن
تفر�ضه �ضرورة م�ؤقتة� ،أو حدث طارئ ،مما تلميذ قارئ يف جمتمع غري قارئ ،بل يف
يفقدها حيويتها وت�أثريها املطلوب. جمتمع ال يقدر �أهمية القراءة� ،إذ �إن معظم
ب-باجلانب الكيفي :نق�صد به نوع الن�صو�ص الإح�صائيات تفيد برتاجع عدد القراء ون�سب
واملوا�ضيع املقروءة من قبل القراء� ،سواء من القراءة� ،سواء �أكان الأمر يتعلق بالقراءة
حيث جماالتها ،ومن حيث لغتها و�أ�ساليبها ال�سطحية الب�سيطة واال�ستهالكية� ،أم كان
وطريقة عر�ضها وكتابتها ،فاملوا�ضيع يت�صل بالقراءة النقدية الفاعلة واملنتجة،
نطقا �صحيحا ،ويف بعدها املركب ،وهو االجتماعية والفنية العامة هي الأكرث
القراءة التتبعية للكلمات واجلمل والن�صو�ص جذبا للقراء ،بحكم ات�صالها بواقع احلياة
املختلفة ،وتتدرج هذه العملية عرب مراحل وق�ضاياها ،وبحكم لغتها الب�سيطة و�أ�سلوبها
التعليم ،زمانيا ،و�سلوكيا ،وتربويا ،من الوا�ضح ،بينما املوا�ضيع الفكرية والنقدية
املرحلة االبتدائية �إىل املرحلة الثانوية ،مما والأدبية ،ذات اللغة الدقيقة ،والأ�سلوب
يدل على وجود ترابط وثيق بينها ،بحيث العلمي الر�صني ،ال تكاد جتذب �إال فئة قليلة
ي�صعب �إجناز القراءة املركبة (قراءة اجلمل من القراء ،هم املثقفون املتخ�ص�صون ،من
والن�صو�ص)� ،إذا مل يتحقق الإجناز الفعلي النقاد واملفكرين والباحثني وغريهم.
الدقيق للقراءة الب�سيطة (قراءة احلروف هذا التحول الكمي والكيفي يف م�سار
و�ضبط خمارجها و�شكلها) ،وكل خلل الفعل القرائي داخل املجتمع املغربي ،هو
فيها ينعك�س انعكا�سا مبا�شرا على املرحلة نتيجة منطقية لظروف اجتماعية ونف�سية،
الالحقة. ذاتية ،ومو�ضوعية ،تت�صل بت�ضخم النزعة
•القراءة الذهنية :تتجلى يف فهم املقروء، النفعية املادية ،وتراجع القيم الإن�سانية
ب�إعمال الذهن والت�أمل ،وهذه القراءة غالبا والثقافية ،وت�أثري الإعالم وتوجهاته
ما تكون تابعة للنوع الأول� ،إذ الفهم ال يتحقق الإيديولوجية ال�سلبية ،وتراجع دور املدر�سة
حتققا كامال �إال بالتفاعل اللفظي املبا�شر مع يف التكوين والتوعية والتوجيه.
الكالم/الن�ص املقروء ،وتفكيك عنا�صره،
وتتخذ القراءة الذهنية بدورها �أ�شكاال 4.4القراءة يف املنظومة الرتبوية:
متعددة ،منها ا�ستيعاب املعاين اللغوية يعد مفهوم القراءة ،ب�أبعاده املختلفة،
للكلمات املنطوقة ،ثم تركيب املعاين وو�صل مفهوما مركزيا يف املنظومة الرتبوية
بع�ضها ببع�ض ،ق�صد الو�صول �إىل معنى عام املغربية ،مبا هي جمموعة من املناهج
للن�ص املقروء. والربامج واملقررات الدرا�سية واملخططات
التعليمية ،ويتنوع هذا احل�ضور �إىل
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
العمل على تنمية تلك الكفايات وحت�سينها وق�ضاياه و�أبعاده املختلفة .وجند املقررات
وتطويرها وتعميقها وذلك ب�إقدار املتعلمني الدرا�سية ،خا�صة يف �سلك التعليم الثانوي،
على التوا�صل والتعبري بلغة عربية �سليمة ت�ؤكد هذا املنحى التدرجي يف بناء الفعل
ومتكينهم من التقنيات واملنهجيات الكفيلة القرائي ،و�إن كانت امل�صطلحات امل�ستعملة
بتوليد املهارات ال�ضرورية التي ت�سعفهم يف فيها تختلف وتتعدد ،بني الفهم والتحليل
حماورة الن�صو�ص الأدبية وغري الأدبية ،ومن والرتكيب والتوجيه وغريها ،وهي بذلك
15 ثم الو�صول �إىل امتالك ثقافة عربية �إ�سالمية تعك�س توجها عاما داخل املنظومة الرتبوية
�أ�صيلة ومنفتحة على املجتمع املعا�صر ،ثقافة التعليمية كلها� ،إذ حتر�ص على جتذير
من �ش�أنها �أن ت�ساعدهم على حب املعارف، �سلوك القراءة وجعله فعال تربويا �أ�سا�سا يف
()21
والبحث عنها». تنمية �شخ�صية املتعلم ،وقد ا�ستعملت لهذا
وقد نحت التوجيهات الرتبوية اجلديدة الأمر م�صطلحات ومفاهيم يكت�سي بع�ضها
املنحى نف�سه تقريبا يف تكري�س القراءة طابع التعميم والغمو�ض ،و�إن كانت تعني،
�سلوكا تربويا ،جامعة بني الو�سيلة والغاية ب�شكل �أو ب�آخر ،عملية القراءة ،مثل التعلم
معا� ،إذ «يختزن ال�سياق االجتماعي لهذه الذاتي ،والكفايات ،والرتبية ،والتفاعل
املقاربة اجلديدة يف ثناياه خمتلف العنا�صر وغريها .ويندرج هذا الأمر يف �سياق تفعيل
واملتغريات التي ت�شتق منها املواد الدرا�سية دور الو�سائط التعليمية يف عملية القراءة،
وظيفتها التكوينية واملجتمعية يف بناء مواطن فـ «بالإ�ضافة �إىل الكتاب املدر�سي يحفز
م�ستوعب ملختلف ق�ضايا جمتمعه ،متمكن من التالميذ للإقبال على املطالعة اخلا�صة
الكفايات الثقافية واملنهجية والتكنولوجية وذلك باالت�صال باخلزانة املدر�سية �أو
والتوا�صلية التي ت�ؤهله لالندماج وامل�شاركة، العمومية من �أجل تو�سيع مداركهم و�إغناء
والإنتاج والإبداع ،وامل�ساهمة يف بناء �صرح ()20
مرجعياتهم بالآراء النقدية واللغوية».
()22
التنمية ال�شاملة للبالد». وال تغفل هذه املنظومة وجود ترابط
وال يقف الت�صريح ب�أهمية هذا الفعل بني مراحل التكوين القرائي للتلميذ ،فـ «�إذا
ودوره يف عملية التعلم على الدالئل املنظمة كانت مكونات وحدة اللغة العربية بالتعليم
للتنفيذ ،بل يتم الت�صريح بها يف الكتب الأ�سا�سي قد عملت على متكني املتعلمني
املدر�سية اخلا�صة بالتلميذ �أي�ضا ،مما يدل من الكفايات التوا�صلية واملنهجية والثقافية
على رغبة يف و�ضع ميثاق قرائي/توا�صلي يعيه وفق ما متليه حاجاتهم يف هذه املرحلة ،ف�إن
(الفهم اللغوي) ،ويف �أكرثها تركيبا (الفهم التلميذ ويلتزم به ،ومن جتليات هذا اخلطاب
واملعريف). ما ورد يف مقدمة بع�ض هذه الكتب:
•وثمة �إ�شكال �آخر يت�صل بتقدير القراءة «ي�صدر هذا الكتاب املدر�سي ليعزز
و�إدراك �أهميتها ،ومن ثم تقزمي هذا الفعل. َ
وميكنك اكت�س ْب َت ُه من تعلمات �سابقة،
ما َ
�إىل جمرد �أداة لالمتحان� ،أي تكري�س من تنمية كفاياتك وتطوير مهاراتك وبلورة
النظرة النفعية الرباغماتية للقراءة ،وهي قدراتك ،مما يجعلك �أكرث فاعلية يف
نظرة ت�شمل جوانب تربوية �أخرى ،مثل الكتب تلقي املعرفة و�إنتاجها يف و�ضعيات تعليمية
املدر�سية ،والأ�ساتذة ،والأن�شطة ،وغريها. ()23
مالئمة».
هذه الإ�شكاليات كر�ست َ
بع�ض َها املنظومة غري �أن هذا اجلهد النظري املالحظ
الرتبوية ،و�إن ب�شكل غري مبا�شر �أحيانا ،من يف املنظومة الرتبوية ال توازيه موازا ًة فعلي ًة،
خالل متالزمات حمددة ،منها: ممار�س ٌة تطبيقي ٌة جادة �أثناء �إجناز الفعل
املقرر الإجناز االمتحان التقومي ✓✓
القرائي وتفعيل مراحله وخطواته الإجرائية،
التلميذ الكتاب الأ�ستاذ ✓✓ �إذ جند تعرثا وا�ضحا يف ذلك ،وبطئا جليا،
وكذا من خالل منطية الفعل القرائي من �أبرز مالحمه و�أقربها ما يلي:
يف املنظومة ،مما يقيد حرية املتعلم ،ويكبح •�صعوبة االنتقال من املرحلة القرائية
رغبته� ،إن كان ثمة رغبة ،يف تو�سيع مداركه الب�سيطة (قراءة احلروف) �إىل املرحلة
ون�شاطه القرائي. القرائية املوالية (قراءة اجلمل والن�صو�ص)،
وهذه �صعوبة زمنية �إجرائية.
5.5تكوين التلميذ القارئ:
•يتم االنتقال �إىل املرحلة القرائية املوالية
�أن ُن َك ِّونَ تلميذا قارئا ،معناه ،انطالقا �أحيانا دون �إعادة تقومي القراءة ال�سابقة،
مما �سبق ،جتاوز معيقات القراءة لدى مما يجعل التلميذ ينتقل حامال معه م�شكالت
التلميذ ،و«جت�سري» امل�سافة بينه وبني املقروء القراءة الأوىل ،خا�صة ما يتعلق مبخارج
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
(كتاب ،ن�ص ،وثيقة) ،ونقل القراءة من احلروف والبطء وغياب الطالقة الل�سانية.
�أفقها ال�ضيق واملحدود (قراءة املقررات
والن�صو�ص الدرا�سية) �إىل �أفق �أرحب (كتب •غياب امتداد الفعل القرائي ،وحمدودية
ومراجع وروايات وق�ص�ص ودواوين،)... تفعيل القراءة (�صعوبة نف�سية).
فكيف يتحقق هذا الأمر ونح�صل يف الأخري •�إىل جانب ذلك ،ثمة �صعوبة يف فهم
على تلميذ قارئ؟ املقروء ،يف �أب�سط م�ستويات هذا الفهم
16
ومثل الإكراه والقمع ،و�أق�صد هنا عدم ينبغي يف هذا الإطار ا�ستح�ضار
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
اخل�ضوع لرغبات الذات وميوالتها ،فالنف�س جميع املكونات ال�سياقية امل�ؤثرة يف فعل
الإن�سانية عادة ما متيل �إىل املتعة وما ي�ؤدي القراءة ،ونق�صد بها :التلميذ ،والأ�ستاذ،
�إليها من لهو ولعب وتكا�سل ونوم وغريها، واملنظومة الرتبوية ،والإعالم ،والأ�سرة،
ومن ثم ال بد من تعويد هذه الذات على وامل�ؤ�س�سة الثقافية ،واملدر�سة وغريها ،فدون
الفعل ،بكل �أ�شكاله ،وخا�صة فعل القراءة ،مبا ا�ستح�ضارها ال ميكن �إجناح هذا الفعل �أو
هو جهد فيزيولوجي ونف�سي وذهني وفكري، حتقيق النتائج املرجوة منه ،و�إذا مل ي�ؤد كل
17 مينح الذات حرية �أكرب وجماال �أو�سع لإبراز واحد دوره املنوط به ،فالف�شل �سيكون حتما
قدراتها الفطرية واملكت�سبة. حليف اجلهد املبذول يف هذا الإطار.
وال يخفى �أن الرتبية عمل منهجي و�إذا كان من ال�صعب حتقيق هذه
منظم ،ومن �شروط تنظيمه التدرج يف الغاية الأوىل ب�سبب ما قلناه �سابقا عن
الإجناز� ،أي املرور عرب مراحل متتابعة �أزمة املجتمع عموما ،بو�صفه جمتمعا غري
لبناء الفعل الرتبوي املراد حتقيقه ،وباملثل قارئ ،ف�إنه ميكن �أن ن�ستثمر هذا الو�ضع
فالقراءة عمل �أو �سلوك تربوي ،يتم بنا�ؤه ا�ستثمارا �إيجابيا لتفعيل عملية القراءة
و�إجنازه واكت�سابه عرب التدرج ،و�إن كان هذا لدى التلميذ� ،شريطة التدرج يف التوجيه
الأمر �شرطا �أو معيارا غري م�صرح به ،وثمة والتكوين والتوعية.
�أ�شكال عديدة لهذا التدرج يف فعل القراءة، وهنا �أ�ؤكد ت�أكيدا م� َّؤ�س�سا على جتربة
نذكر منها ما يلي: عملية وزمنية �سابقة� ،أنه ال ينبغي الف�صل
•التدرج الزمني� :إذ يجب تعويد التلميذ بني فعل القراءة وبني فعل الرتبية ،بقدر
على القراءة �أو التعامل مع املقروء ،منذ ما ينبغي النظر �إىل القراءة بو�صفها
ال�صغر ،ثم يتم التدرج معه من مرحلة زمنية عمال تربويا ،ولن يتحقق ذلك �إال بال َّت َعود
�سابقة� ،إىل مرحلة زمنية تابعة ،دون �أن ي�شعر واملمار�سة املتتابعة واملتدرجة ،بحيث ت�صبح
باالنقطاع الزمني �أو الت�أخر يف القراءة. القراءة لدى التلميذ قيمة وجودية و�ضرورة
•التدرج الكمي :يوازي هذا التتابع الزمني من �ضرورات احلياة ،ال تقل يف �أهميتها عن
للقراءة ،تدرج يف امل�ستوى الكمي ،من �أب�سط �أهمية املاء والقوت والهواء وغريها.
جتلياته (احلروف فالكلمات فالن�صو�ص) �إىل والرتبية ،يف هذا الإطار ،يجب �أن تتخذ
�أعقد جتلياته (ن�ص ق�صري ،فن�ص متو�سط طرقا عديدة لتجاوز العراقيل وال�صعوبات،
فن�ص طويل...ن�ص فكتاب)� ،إذ ي�صعب �أن مثل الرتغيب والإغراء والتحفيز والت�شجيع،
�إن تكوين التلميذ القارئ ممكن �إذا جنابه التلميذ ،وهو يف فرتة ال�صغر ،مثال
توفرت ال�شروط املذكورة ،غري �أن �إجناز هذا بن�ص طويل يف حجمه؛ لأن ذلك �سيحدث
الفعل يحتاج �إىل جهد وعمل� ،إذ ال بد من ما ميكن ت�سميته ب «�صدمة القراءة»،
توجيه وحت�سي�س وم�ساعدة ،فالتلميذ لي�س و�سي�ؤدي حتما �إىل ف�شل الفعل القرائي ،فكل
كائنا معزوال عن واقعه ،بل ينبغي �أن تكون مرحلة زمنية حتتاج �إىل نوع معني من �أنواع
القراءة �أداة لتوعيته بهذا الواقع وبدوره املقروء :احلروف والكلمات للتلميذ ال�صغري،
الفعال فيه ،ولن يتحقق ذلك �إال بح�سن واجلمل للتلميذ املتو�سط ،والن�صو�ص للتلميذ
التوجيه ،وا�ستثمار املقروء ،كيفما كان نوعه الكبري وهكذا.
ومو�ضوعه و�شكله ولغته ،مبعنى �أنه ينبغي •التدرج اللغوي :ي�ستح�سن �أي�ضا البدء
�أن ي�شعر التلميذ ب�أهمية ما يقر�ؤه ،وب�أنه ب�أنواع حمددة من املقروء ذات لغة ب�سيطة
خماطب َم ْع ِني باخلطاب املقروء ،وعليه �أن
ٌ ومتداولة وم�ألوفة ،ال يجد التلميذ �صعوبة
يتفاعل معه ،وال ي�شعر بالعزلة من هذا املقروء يف قراءتها وفهمها ،وميكن �أن ن�سميها «لغة
وبالغربة النف�سية �إزاءه ،مما �سي�شجعه على انتقالية»� ،أي تنقل التلميذ من م�ستوى اللغة
الإقبال عليه ،بعيدا عن احل�سابات �أو املعايري التي �ألف �سماعها يف حميطه االجتماعي،
ال�ضيقة ،مثل االمتحان ،واملنفعة املادية وغري �إىل لغة �أخرى ذات خ�صائ�ص حمددة،
(الف�صاحة والتعبري.)..
ذلك مما يغلق �أفق القراءة.
•التدرج املو�ضوعي :من الأف�ضل كذلك
6.6التلميذ و�آفاق القراءة: تقدمي قراءة ن�صو�ص تتناول مو�ضوعات
الأ�سرة والطفولة والربيع ،ثم نتدرج �إىل
�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه ب�إحلاح مو�ضوعات �أخرى ،تبعا ملراحل النمو الذهني
يف هذا الإطار ،هو :ملاذا ُن َكون تلميذا قارئا؟ والنف�سي للتلميذ ،مثل الدرا�سة ،والبيئة
وفيم تفيد القراءة التلميذ؟ والأعياد� ،إىل مو�ضوعات �أكرث عمقا وتعقيدا،
لن تت�أتى الإجابة عن هذا ال�س�ؤال مثل العلم ،والتاريخ ،والدين وغريها.
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
املركب دفعة واحدة ،بل �إنها �إجابة تت�شكل •التدرج ال�شكلي :يبدو م�ستح�سنا
عرب مراحل متتابعة ،هي ذاتها التي يتم كذلك هذا التدرج يف قراءة الن�صو�ص،
من خاللها بناء فعل القراءة ،وهذا يدل تبعا ل�شكلها ،بدءا بالن�صو�ص ذات املنحى
داللة قاطعة على �أن للقراءة غايات و�أهدافا احلكائي والق�ص�صي امل�شوق� ،إىل ن�صو�ص
حمددة ،ينبغي حتقيقها ،و�إال كان هذا الفعل نرثية �إخبارية� ،إىل ن�صو�ص �شعرية ب�سيطة،
من قبيل العبث الذي ال ي�ستحق االهتمام. �إىل ن�صو�ص حتليلية مركبة وغريها.
18
املجتمع ،وتتحول القراءة لديه �إىل فعل تغيري�إن احلديث عن غايات القراءة هو يف
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب ،الكويت، (« )4الكليات :معجم يف امل�صطلحات والفروق
املجلد ،39العدد ،1يوليو/دي�سمرب 2010م، اللغوية »� ،أبو البقاء الكفوي ،قابله على ن�سخة خطية
�ص .19 و�أعده للطبع وو�ضع فهار�سه :عدنان دروي�ش ،وحممد
( )10نف�سه� ،ص .19 امل�صري ،م�ؤ�س�سة الر�سالة للطباعة والن�شر ،بريوت،
( « )11نظرية التلقي » ،مرجع مذكور� ،ص لبنان ،الطبعة الثانية1419 :هـ1998/م� ،ص .703
.124-125 (« )5معجم امل�صطلحات الأدبية املعا�صرة»،
( )12نف�سه� ،ص .128-127-126-125 �سعيد علو�ش ،دار الكتاب اللبناين ،بريوت،
20
الوطنية ،املغرب ،من�شورات مطبعة النجاح اجلديدة، ( « )13فعل القراءة :نظرية جمالية التجاوب
مجلة علوم التربية ـ العدد61 :
البي�ضاء ،الطبعة الأوىل1417 :هـ1996/م� ،ص .73 يف الأدب» ،وولفجاجن �إيزر ،ترجمة وتقدمي ،دكتور
(« )21دليل الأ�ستاذ �إىل تنفيذ منهاج اللغة حميد حلميداين ،ودكتور اجلياليل الكدية،
العربية :ال�سنة الأوىل الثانوية ،جميع ال�شعب ،وزارة من�شورات مكتبة املناهل ،فا�س ،بدون طبعة ،بدون
الرتبية الوطنية ،دار الن�شر املعرفة ،الرباط ،الطبعة تاريخ� ،ص .12
الأوىل1995 :م� ،ص .3 ( )14نف�سه� ،ص .30
(« )22التوجيهات الرتبوية والربامج اخلا�صة ( )15نف�سه� ،ص .57
بتدري�س مادة اللغة العربية ب�سلك التعليم الثانوي ( )16نف�سه� ،ص .64-63
الت�أهيلي» ،نونرب 2007م ،مديرية املناهج ،وزارة 21 (� « )17إ�شكاليات القراءة و�آليات الت�أويل»،
الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين الأطر ن�صر حامد �أبو زيد ،املركز الثقايف العربي ،البي�ضاء،
والبحث العلمي. بريوت ،الطبعة ال�سابعة2007 :م� ،ص .39
(« )23الكامل يف اللغة العربية » ال�سنة الأوىل ( « )18يف مناهج القراءة النقدية احلديثة»،
من �سلك الباكالوريا ،م�سلك العلوم التجريبية دكتور عبد القادر علي باعي�سى ،احتاد الأدباء
والعلوم الريا�ضية ،ت�أليف جماعة من امل�ؤلفني، والكتاب اليمنيني ،مركز عبادي للدرا�سات
مكتبة العلوم ،الدار البي�ضاء ،الطبعة الأوىل: والن�شر� ،صنعاء ،دار ح�ضرموت للدرا�سات والن�شر،
1427هـ2006/م� ،ص .3 ح�ضرموت ،الطبعة الأوىل1425 :هـ2004/م،
(« )24ال�شخ�صية :منوها وطرق توجيهها
�ص .90-89
يف املدر�سة» ،دونالد .ج مورتن�س� ،أالن .م �شمولر،
(« )19تدري�س الأدب :ا�سرتاتيجية القراءة
ترجمة و�إعداد جلنة التعريب والرتجمة ،دار
والإقراء» ،حممد حمود ،جملة البحث البيداغوجي
الكتاب اجلامعي ،غزة ،فل�سطني ،الطبعة الأوىل:
1425هـ2005/م� ،ص .27 «ديداكتيكا» ،بدون طبعة1993 ،م� ،ص .17
(« )25القراءة من �أجل التعلم» ،مرجع مذكور، (« )20الدليل �إىل تنفيذ منهاج اللغة العربية
�ص .33 لل�سنة الثالثة الثانوية » ،كتاب الأ�ستاذ ،وزارة الرتبية