Professional Documents
Culture Documents
الفكر اإلسالمي
تأليف
د .عدنان محمود الكحلوت
أستاذ الحديث الشريف وعلومه المساعد
بقسم الدراسات اإلسالمية -
جامعة األقصى -غزة
الطبعة األولى
3415هـ 1034 -م
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
محاضرات في
الفكر اإلسالمي
-1-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-1- 3
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
مقدمة
-4-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-5- 5
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
تمييد:
تعرضت أمتنا اإلسبلمية منذ نشكء الدعكة كقياـ األمة إلى أشد أنكاع المقاكمة ،كأقكل
حركب شعكاء لـ يتكرع فييا ه ضركب التحدم كالكيد ،فحيكت ليا المؤامرات كمكرست عمييا
أصحابيا عف استخداـ كافة أساليبيا النفسية كاالقتصادية كالعسكرية ،كصدؽ هللا العظيـ إذ
كف اء ىكىي ٍب يسطيكا إًلىٍي يك ٍـ أ ٍىيًد ىييي ٍـ ىكأىٍل ًس ىنتىيي ٍـ بً ُّ
السكًء ىكىكُّدكا لى ٍك تى ٍكفيير ى ىع ىد ن
كنكا لى يك ٍـ أ ٍ يقكؿ :إً ٍف ىيثٍقىفي ي
كك ٍـ ىي يك ي
الممتحنة :اآلية ِ.
كلكف عناية هللا كانت -دائمان -تخرجيا مف كؿ ىذه الحركب كالمعارؾ أقكل عكدان كأشد
كجو المشرككف حرابيـ إلييا ،كرفع الفرس كالركـ سيكفيـ في
إيمانان بدينيا كعقيدتيا .فقد ٌ
أف يخضعيا كيفترسيا كيستعبدىا ،غير
كؿ يريد ٍكجييا ،كتصدت ليا شياطيف اإلنس كالجف ه
أنيا كانت دائمان تقؼ في كجو المعتديف في قكة كشمكخ ،مسمحة باإليماف كاإلرادة كالعزـ ،تدؾ
المعاقؿ كتفرؽ الجمكع كتحطـ األكثاف ،كتجكب أنحاء األرض ىادية ميدية ،حتى أصبحت
الدكلة األكلى كاألمة الكسط.
ثـ أتى زماف طاؿ فيو األمد ،فقست القمكب ككادت أف تنضب ينابيع اإليماف في النفكس،
كخبت جذكة الحماس .فأخذت ىجمات األعداء تفعؿ فعميا كتترؾ آثارىا في كياف األمة،
أف أعداء األمة -مع ذلؾ كمو -لـ يستطيعكا يكمان أف
فتنخر في بنائيا ،كتكىف تماسكيا ،إال ٌ
ينتصركا عمييا انتصا انر يقضي عمى كيانيا ،كييدـ أركانيا ،فقد بقيت األمة مع كؿ الذم
أصابيا قكية اإليماف ،ثابتة الجناف ،مما حمؿ أعداءىا عمى أف يديمكا النظر ،كيعممكا الفكر
كالرأم ،لعميـ يتكصمكف إلى ما يؤثر فييا ،فيمحؽ مقاكمتيا كقدرتيا عمى الصمكد كيجردىا مف
سبلحيا الكاقي كدرعيا المتيف ،فكاف أف تمخضت دراساتيـ كتكصمت أذىانيـ إلى أف أقكل
سبلح كاف بيد ىذه األمة لـ يخنيا في مكقؼ أك يخذليا في معركة ،ىك دينيا كعقيدتيا كقكاـ
شخصيتيا كدعامة كيانيا كمصدر قكتيا ،فقرركا االنطبلؽ مف ىذه النقطة كأجمعكا أمرىـ عمى
إضعاؼ صمة ىذه األمة بدينيا كتغيير فيميا لو لتتحكؿ عبلقتيا بو إلى عبلقة شكمية جامدة
ال ثمر ليا كال أثر في حياة كقمكب كأركاح كنفكس شبابيا … .فبدأت عمميات مختمفة يمكف
أف نطمؽ عمييا اسـ -الغزك الفكرم -أخذ ىذا الغزك يصبح أكثر تنظيمان كأشد خط نار ،كأكسع
مساحة .إذ قرر مفكرك الغرب كسدنة سياستو كمصالحو أف يجعمكا منو غزكان شامبلن يتغمغؿ دكف
حكاجز في العقمية اإلسبلمية فيغيرىا ،كالى الفكر اإلسبلمي فيمسخو ،كالى الثقافة اإلسبلمية
-6-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
فيبدليا ،كالى الديف اإلسبلمي فيعزلو كيحصره في زكايا كينكتية ضيقة لتحدث عممية المسخ
الثقافي الشامؿ ،كالتبديؿ الفكرم الكامؿ.
كلما بمغت النيضة األكركبية أكجيا في العصر الحديث كتعاظمت قكتيا ،ىبط المسممكف
إلى درؾ مف الضعؼ كبير ،فقرر المعتدكف أف يحكمكا الخناؽ حكؿ األمة فاحتمكا أرضيا
كاستكلكا عمى مقدراتيا ،كاشتدت قبضتيـ عمى الببلد فخططكا تخطيطان دقيقاي لتنفيذ عممية
التبديؿ الثقافي لمكصكؿ بمعركتيـ مع اإلسبلـ إلى الصفحة األخيرة كالغاية المنشكدة.....
ككاف ليـ ما أرادكا فقد تفرقت األمة أيدم سبأ كذىبت شذر مذر ،فبعد أف كانت أمة كاحدة
أضحت خمسان كأربعيف دكلة ،تتصارع فيما بينيا ،كتكجو سبلحيا إلى صدكر أبنائيا ،كتكاد
(ُ)
تغمر القبلقؿ كالفتف سائر أرجائيا ،كتيدد ثركاتيا ،كيفترس الجكع كالتخمؼ المبلييف منيـ".
أف ىذا االنحطاط ،كىذا التخمؼ استنيض ىمـ الكثير مف أبناء ىذه األمة مف عمماء
غير ٌ
كمفكريف كقادة يحاكلكف ليؿ نيار مقاكمة السيؿ الجارؼ كالتضميؿ المكجو إلى عقكؿ أبناء
األمة ،كيكمان بعد يكـ ينجحكف كيزدادكف ،كيمتؼ الناس حكليـ ،كما يقكـ ليذا األمر جماعات
كمؤسسات كجمعيات تيدؼ إلى بياف سمات اإلسبلـ كأىـ خصائصو ،كما تميز بو عمى سائر
األفكار كالمبادئ ،كعكامؿ صبلحيتو لكؿ زماف كمكاف ،كحاجة األمة اإلسبلمية -بؿ
كالعالمية -إليو.
كتبيف لممسمميف كجكه انحطاط الحضارة األكركبية ،كعكامؿ فسادىا ،كعدـ صبلحيتيا لؤلمة
اإلسبلمية .مع بياف مستمزمات األمة لنيضة جديدة مبنية عمى أساس فيـ العصر الذم
نعيش ،كتشرب عمكمو المختمفة بعد تنقيتيا مف الشكائب التي ال تتفؽ كديننا كخصائصنا كأمة
مسممة .كعمى أساس فيـ اإلسبلـ قرآنان كسنة ،الفيـ الصحيح القكيـ دكف تحريؼ أك تشكيو،
كدراسة تراثنا ألنو مخزكف فكر األمة كسجؿ ثقافتيا مع ضركرة اإلعراض عف الغث منو كاف
كاف قميبلن ،كأخذ الدرس كالعبرة مف مكاطف الخطأ ،كأسباب االنيزاـ أك الجمكد.
(ُ) انظر مقدمة كتاب إسبلمية المعرفة -المعيد العالي لمفكر اإلسبلمي ص ٗ .َِ -
-7- 7
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الفصل األول:
مكانة الفكر في اإلسالم وخصائصو ومصادره.
المطمب األول:
مكانة الفكر والتفكير في اإلسالم:
-8-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ُ -الفكر كالتفكير مف طبائع اإلنساف ،كقد ميز هللا سبحانو اإلنساف عمى سائر المخمكقات
بأف كىبو نعمة العقؿ.
قاؿ سبحانو :كلىقىد ىك َّرمنا بنًي آدـ كحمٍمناىـ ًفي اٍلب ًر كاٍلبح ًر كرزٍقناىـ ًمف الطَّيًب ً
ات ٌى ىٌ ى ى ٍ ى ى ى ى ي ٍ ٍ ىى ى ى ى ى يٍ ى ٍ ٍى ى
ضيبلن اإلسراء اآلية َٕ. ٍ اى ٍـ ىعمىى ىكثً و
ير ًم َّمف ىخمى ٍق ىنا تى ٍف ً ىكفى َّ
ضٍم ىن ي
النيى ،ضد الحمؽ، ِ -العقؿ :العقؿ لغة :مف عقؿ يعقؿ عقبلن كمعقكالن ،كالعقؿً :
الح ٍجر ك ي
البعير
ى تكالجمع عقكؿ .قاؿ ابف األنبارم :رجؿ عاقؿ كىك الجامع ألمره كرأيو ،مأخكذ مف ىع ىقمٌ ي
اعتيقؿ
يخ ىذ مف قكليـ قد ٍ إذا جمعت قكائمو ،كقيؿ :العاقؿ الذم يحبس نفسو كيردىا عف ىكاىا ،أ ً
ىىٍ
(ُ)
كمنًع مف الكبلـ. ً
لسانو إذا يحب ىس ي
العقؿ اصطبلحان :قاؿ الراغب األصفياني":العقؿ :القكة المتييئة لقبكؿ العمـ" كىك العقؿ
(ِ)
الغريزم ،ككجكده في الطفؿ ككجكد النخمة في النكاة كالسنبمة في الحبة.
كقد ذكر العمماء لمعقؿ تعريفات عدة مف أىميا نذكر مف أىميا:
(ّ)
ُ -اإلماـ الشافعي قاؿ :العقؿ" :آلة التمييز كاإلدراؾ"
(ْ)
ِ -ىك العقؿ المستفاد الذم تتقكل بو تمؾ القكة.
(ٓ)
ّ" -ىك أداة االختيار بيف البدائؿ".
فيك آلة التمييز التي بكاسطتيا خاطب الحؽ جؿ كعبل اإلنساف بالتكميؼ باألمر كالنيي
كالتشريع كالحدكد كاألخبلؽ مرتبان عمى ىذا الخطاب الثكاب كالعقاب
اب ىم ٍفا*كقى ٍد ىخ ى
اى ىاىا* قى ٍد أى ٍفمى ىح ىم ٍف ىزَّك ى
كرىىا ىكتى ٍق ىك ى
اىا*فىأىٍليى ىميىا في يج ى
س ىك ىما ىس َّك ىقاؿ تعالى :كىن ٍف و
ى
اىا الشمس اآلية َُٕ- ىد َّس ى
كبدكف العقؿ يسقط التكميؼ كما يترتب عميو مف الثكاب كالعقاب جاء في الحديث ىع ٍف ىعمً وي
ٌ
ً
رضي هللا عنو ىع ٍف النَّب ًٌي قى ى
اؿ:
-9- 9
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) أخرجو أبك داكد في السنف ؾ الحدكد (َّْْ) ،كالترمذم في ؾ الحدكد (ُِّْ).
(ِ) انظر كتاب :فصكؿ في التفكير المكضكعي :د.عبد الكريـ بكار صُٔ ،ُٖ-كالفكر اإلسبلمي تأليؼ لجنة مف
المفكريف صٕٔ-
(ّ) أخرجو الترمذم في جامعو ؾ العمـ عف رسكؿ هللا (ِٔٓٔ) كأبك داكد في السنف ؾ العمـ (َّٔٔ) ،كابف ماجو في
السنف المقدمة (َِّ).
(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ فرض الخمس (ُُّٔ) ،كمسمـ في صحيحو ؾ الزكاة (َُّٕ).
(ٓ) أخرجو أحمد في الزىد صُٖٗ(ُٕٗ) ،كابف المبارؾ في الزىد صٕٗ(ِٖٔ) ،كأبك الشيخ في العظمة صّْ
(ْ )ْٕ-ْٔ/ٓ-كاسناده صحيح.
-30-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ِ)
كعنو رحمو هللا قاؿ" :التفكر مرآة تريؾ حسناتؾ كسيئاتؾ".
و ً ًً ً ً
يف سكرة الحجر اآلية ٕٓ:عف كجاء في تفسير قكلو تعالى :إً َّف في ىذل ىؾ ى
آليات لٍم يمتىىك ٌسم ى
(ّ)
قتادة كابف زيد كغيرىما المتكسميف أم المعتبريف المتفكريف.
المطمب الثاني:
تعريف الفكر اإلسالمي ،والفرق بين الفكر والتفكير اإلسالمي
تعريف الفكر :لغة:
(ُ) أخرجو ابف أبي شيبة في مصنفو جٕ ،َُٗ/كأخرجو أحمد في الزىد صَِِ(ْٕٓ) كالبييقي في شعب اإليماف
عف أبي الدرداء جُ ،ُّٔ/كابف أبي عاصـ في السنة جُ ُِٗ/كقاؿ :غريب اإلسناد صحيح ،كأخرجو أبك الشيخ
في العظمة عف ابف عباس صّّ.
(ِ) أخرجو أبك الشيخ في العظمة صَِ(ُّ )ُّ/كاسناده حسف.
(ّ) أخرجو تفسير الطبرم جٕ ،ِٓٗ-ِٖٓ/كأبك الشيخ في العظمة صّْ(ٖ )َٓ/كاسناده صحيح.
-33- 11
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) مكسكعة البحث العممي ،د .عبد الفتاح مراد صْٕٕ بيركت.
(ِ) انظر بتصرؼ لساف العرب ُِ.ِّٗ/
-31-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الفكر اإلسالمي :مجمكعة العمكـ كالمعارؼ القائمة عمى أسس كمكازيف إسبلمية.
فالفكر اإلسبلمي ىك الذم أنتجو التفكير اإلسبلمي الممتزـ باألسس كالمكازيف اإلسبلمية.
الرسكؿ إلى اليكـ في "كؿ ما أنتجو ًف ٍكر المسمميف منذ مبعث َّ
الفكر اإلسبلمي يعنيٌ :
يعبر عف اجتيادات الع ٍقؿ َّ
المعارؼ الككنيَّة المتصمة با﵀ سبحانو كتعالى كالعالـ كاإلنساف ،كالذم ٌ
كسمككا".
ن العامة في إطار المبادئ اإلسبلميَّة ،عقيدة كشريعة
اإلنساني لتفسير تمؾ المعارؼ َّ
كرؤل حكؿ القضاياتصكرات كأحكاـ نُّ يراد بما أنتجو المسممكف :ما نتج عف ذلؾ مف
ً
المحدد لمفيكـ الفكر ،فإذا
ٌ ثـ تتَّسع دائرة مفيكـ الف ٍكر أك تضيؽ ن
تبعا لمنطمقات المطركحةَّ ،
المع ًرفة كالعمكـ
المكركث الف ٍكرم لئلنساف في ىجميع مياديف ٍ َّ
اتسع مفيكـ الف ٍكر اشتمؿ عمى ٍ
أف ىناؾ ىمف يدخؿ العمكـ التَّجريبيَّة كالتَّطبيقيَّة داخؿ مفيكـ الفكر، الصعيد َّ
النظرم ،عمى َّ عمى َّ
ليشتمؿ عمى مفيكـ فيشتمؿ عمى النَّشاط اإلنساني َّ
بعامة بما يخرج مفيكـ الف ٍكر ،عف الف ٍكر ٍ
الثَّقافة بؿ الحضارة ن
أيضا.
النظر العقمي في و
أمر ما ،فيككف مجرد َّ
تنحصر في َّ ً كقد تضيؽ دائرة مفيكـ الفكر حتَّى
أمة ،أك عصر ،أكديف.منسكبا إلى مبدأ ،أك مذىب ،أك طائفة ،أك َّ و
عندئذ الف ٍكر
ن
فإما أف يراد بو ِ -عندما يضاؼ الفكر إلى اإلسبلـ أك يكصؼ الفكر َّ
بأنو إسبلميَّ ،
المدركة لدل اإلنساف في ضكء اإلسبلـ؛ كلذلؾ كيفية عمؿ العقؿ كما يمحؽ بو مف القكل ٍ
بأنو" :المنيج الَّذم يف ًٌكر بو المسممكف أك الَّذم ينبغي أف يف ًٌكركا بو"
عرفو بعضيـ َّ
َّ
كبناء عمى ذلؾ نقكؿ :ليس كؿ ما أنتجو المسممكف يكصؼ بالفكر اإلسبلمي.
فبل نسمي اإلنتاج األدبي بأنو إسبلمي إال إذا كاف أدبان ممتزمان بالقيـ كالمكازيف اإلسبلمية،
كحامبلن طابع اإلسبلـ كركحو.
ككذلؾ ال نسمي كؿ فف ينتجو الفنانكف المسممكف فنان إسبلميان إال إذا كاف فنان ممتزمان بالقيـ
اَّلل كمف أىحسف ًمف ًَّ ً
ً ً
اَّلل ص ٍب ىغةن ىكىن ٍح يف لىوي معب انر عنيا .قاؿ تعالى :ص ٍب ىغةى َّ ى ى ٍ ٍ ى ي ى
كالمكازيف اإلسبلمية ٌ
ىعابً يد ى
كف البقرة اآلية.ُّٖ:
المطمب الثالث:
الفروق بين الفكر البشري والفكر اإلسالمي:
-31- 13
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الفكر البشرم عمى اختبلؼ مصادره أك يم َّدعكه معرض لمخطأ كالصكاب ،كقد يصيب
الحقيقة حينان ،كيضؿ أحيانان كثيرة ،ألف:
أ -العقؿ ييعمؿ الفكر بدكف مصدر ثابت يرتكز إليو.
ب -كألف طبيعة اإلنساف طبيعة متقمبة تتككف مف مجمكعة مف العكاطؼ كالنكازع
كالشيكات كىي متنازعة بشكؿ دائـ.
ج -مع األخذ باالعتبار أف العقؿ البشرم عمى اتساعو اليائؿ يبقى محدكدان ،ضمف قدرة
البشر كحجـ ما يستطيع الكصكؿ إليو مما تقع عميو عيناه.
بينما الفكر اإلسبلمي متميز عف الفكر البشرم البحت بعدة أمكر أىميا:
ُ -أنو فكر أصيؿ مصدره الكحي الرباني الذم أخرج الناس مف ظممات الكفر كالجيؿ
كالجمكد إلى نكر اإليماف كالعمـ كالعقؿ كاالستنباط كاالبتكار كالتجديد ،كمف ضيؽ الدنيا إلى
سعة الدنيا كاآلخرة،
الن ً ًَّ اَّلل كلً ُّي الًَّذيف آمنكا ي ٍخ ًرجيـ ًمف الظُّميم ً
يف ىكفىيركا أ ٍىكلً ىي ي
اؤ يى ٍـ كر ىكالذ ى ات إًلىى ُّ ى ى ى ي ي ي يٍ ٍ قاؿ سبحانوَّ :ي ى
ُّ ً ً
كفالبقرة اآلية ً ً
الن ًار يى ٍـ فييىا ىخال يد ى
اب َّىص ىح يكر إًلىى الظمي ىمات أ ٍيكلىئ ىؾ أ ٍ كنيي ٍـ ًم ٍف ُّ
الن ً كت يي ٍخ ًريج ى الطَّ ي
اغ ي
ِٕٓ.
ِ -اإلسبلـ الذم استحيا اإلنسانية مف درجة المكات الكامؿ إلى درجة الحياة الكاممة قاؿ
اس ىكمف مثىميو ًفي الظُّميم ً سبحانو :أىكمف ىكاف ميتنا فىأىحيي ىناه كجعٍم ىنا لىو ين ا ً ً ً
ات ى كر ىي ٍمشي بًو في النَّ ً ى ٍ ى ي ٍ ىٍ ي ى ى ى ي ن ى ى ٍ ى ىٍ
ً ً ً ً
كف األنعاـ اآلية ُِِ لى ٍي ىس بً ىخ ًاروج م ٍنيىا ىك ىذل ىؾ يزٌيً ىف لٍم ىكاف ًر ى
يف ىما ىك يانكا ىي ٍع ىممي ى
اك ٍـ لً ىما يي ٍحيً ي ًً
َّلل كلً َّمرس ً ًَّ
كؿ ىب ٍي ىف
اَّللى ىي يح ي
ىف َّاعمى يمكا أ َّ
يك ٍـ ىك ٍ كؿ إً ىذا ىد ىع ي استى ًج ييبكا َّ ى ي آمينكا ٍ يف ى يا أييا الذ ى
ً ً
كف األنفاؿ اآلية ِْ اٍل ىم ٍرًء ىكىقٍمبًو ىكأَّىنوي إًلىٍيو تي ٍح ىش ير ى
ّ -اجتيادات المجتيديف مف عمماء األمة سمفان كخمفان أمثاؿ األئمة األربعة أبك حنيفة
كمالؾ كالشافعي كأحمد ،كمف جاء بعدىـ أمثاؿ الغزالي كابف تيمية كالسيكطي كالشككاني
كمحمد بف عبد الكىاب كحسف البنا كسيد قطب كمالؾ بف نبي ك د .محمد البيي كأبك األعمى
المكدكدم..الخ في شتى العمكـ كالمعارؼ يدخؿ ضمف إطار الفكر اإلسبلمي ألنو فكر ممتزـ
بإطار المصادر الشرعية ،كاف كاف ثمة مآخذ عمى بعض المجتيديف ،فبسبب أنيـ مجتيدكف
فمف أصاب فمو أجراف ،كمف أخطأ فمو أجر كاحد.
-34-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
المطمب الرابع:
خصائص الفكر اإلسالمي
(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ االعتصاـ باب أجر الحاكـ (ِّٕٓ) ،كمسمـ في صحيحو ؾ اإلمارة باب بياف أجر
الحاكـ إذا اجتيد جّ.)ُُٕٔ(ُِّْ/
-35- 15
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
يمتاز الفكر اإلسبلمي بكثير مف الخصائص كالصفات النكعية الكاضحة التي تيميزه عف
كثير عف غيره مف األفكار كالنظريات ،كتمنحو الحيكية كالقدرة عمى الحركة كالعطاء كالنمك،
كمف ىذه الخصائص:
أولً :السعة والشمول:
يتميز الفكر اإلسبلمي بسعتو كشمكلو لجميع جكانب الحياة ،كسبب ذلؾ سعة كشمكؿ آفاؽ
المصادر التي يعتمدىا الفكر .لقد عبر اإلماـ الشييد حسف البنا رحمو هللا عف أبعاد ىذا
الشمكؿ في رسالة اإلسبلـ فقاؿ كأجاد:
"إنيا الرسالة التي امتدت طكالن حتى شممت آباد الزمف ،كامتدت عرضان حتى انتظمت آفاؽ
األمـ ،كامتدت عمقان حتى استكعبت شئكف الدنيا كاآلخرة".
فالفكر اإلسبلمي ليس مكقكتان بعصر معيف أك زمف مخصكص ينتيي أثره بانتيائو ،كما أنو
ليس محدكدان بمكاف كال بأمة كال بشعب كال بطبقة إنو يمتاز بالشمكؿ ،يخاطب كؿ األمـ ككؿ
األجناس ككؿ الشعكب ككؿ الطبقات.
كذلؾ نجد ىذا الشمكؿ يتجمى في العقيدة كالتصكر ،كيتجمى في العبادات كالتقرب ،كيتجمى
في األخبلؽ كالفضائؿ ،كيتجمى في التشريع كالتنظيـ.
كلعؿ السبب األساسي لسعة الفكر اإلسبلمي كشمكلو ،ىك سعة كشمكؿ المصادر التي
يعتمدىا ىذا الفكر.
كاف نتاج العمماء كالمفكريف المسمميف في جميع شؤكف الحياة كنكاحييا ابتداء مف كبيرىا
إلى صغيرىا لدليؿ عمى ذلؾ ،كما كاف ليـ ذلؾ لكال شمكؿ العقيدة اإلسبلمية ،كنظاميا
األخبلقي ،كالتشريعي ...كما انطكل عميو مف قكاعد ككميات ،كاف شاىدنا قصك انر في مساحات
مف الفكر كالمعرفة فسببو قصكر الباحثيف اإلسبلمييف ،كتأخرىـ نتيجة لتعرضيـ النتكاسات
فكرية كسياسية كبيرة كليس بسبب عجز الفكر اإلسبلمي كالمعارؼ اإلسبلمية.
-36-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
تدؿ عمى التطكر كىذا مف ركائع اإلعجاز في ىذا الديف كآية مف آيات عمكمو كخمكده
كصبلحيتو لكؿ زماف كمكاف .كيتجمى ىذا الثبات في المصادر األصمية القطعية لمتشريع
المتمثمة بالكتاب كالسنة كتتجمى المركنة في "المصادر االجتيادية" التي اختمؼ فقياء األمة
في مدل االحتجاج بيا ما بيف مكسع كمضيؽ مثؿ اإلجماع كالقياس كاالمتحاف كالمصالح
المرسمة كأقكاؿ الصحابة كشرع مف قبمنا.
كما نجد الثبات يتمثؿ في العقائد األساسية كاألركاف العممية الخمسة كالمحرمات اليقينية
كأميات الفضائؿ كفي شرائع اإلسبلـ القطعية ،كما تتجمى المركنة في الكسائؿ كاألساليب كفي
الفركع كالجزئيات كالشئكف الدنيكية كالعممية.
كاذا كاف بالمثاؿ يتضح المقاؿ ،فبل بأس أف نذكر ىنا مثاؿ لتكضيح ما قمناه:
كرل ىب ٍي ىنيي ٍـ﴾
﴿كأ ٍىم يريى ٍـ يش ى
يتمثؿ الثبات في مثؿ قكلو تعالى في كصؼ مجتمع المؤمنيف :ى
الشكرل:اآليةّٖ فبل يجكز لحاكـ كال لمجتمع أف يمغي الشكرل ألنو مف الثكابت اإلسبلمية.
ترؾ لمناس كزمانيـ كمكانيـ.
كتتمثؿ المركنة في عدـ تحديد شكؿ معيف لمشكرل إنما يي ي
اربعاًُ :يقدر الخبرة اإلنسانية والتجارب البشرية:
بحيث ال يضع الحكاجز كالسدكد بينو كبيف خبرات األمـ السابقة ،بؿ إنو فكر منفتح يتعامؿ
مع الجميع كيستفيد مف خبرات اآلخريف ،عمى اعتبار أف التراث اإلنساني ممؾ لمجميع ،فالفكر
نكر فضؿ أىؿ الفضؿ. ً
اإلسبلمي ال ىيغمط الناس حقيـ كال يي ي
خامسا :الفاعمية والحركية:
ً
تميز الفكر اإلسبلمي أنو فكر يمتاز بتفاعمو في حياة الفرد كاألمة فيمنحيما قكة كطاقة
تدفعيما نفسيان كفعميان نحك السمك كالتكامؿ ،كتصنع منيما كاقعان متحركان نحك بناء الحياة.
كيشيد التاريخ عمى قدرة الفكر اإلسبلمي عمى تحريؾ األمة بعد طكؿ تحجر كجمكد
كتكقؼ إلى مياديف العمؿ الرحبة ،كالحركة الدؤكب في عالـ الطبيعة ،كىك ما فعمتو الرسالة
اإلسبلمية في حياة العرب التي كانت قبمو بسيطة ممؤىا الجمكد كالتكقؼ كالتحجر كالجيؿ،
فانتقمكا بيذا الفكر إلى صدارة األمـ ،كامامة الككف في جميع شؤكف الحياة.
كىك اليكـ قادر -لك لجأت األمة إليو -عمى تفجير كتحريؾ كتنظيـ طاقاتيا ،كاغنائيا
بالعطاء كالعمؿ كاإلبداع.
سادسا :اللتزام بالضوابط والمقاييس الشرعية:
ً
-37- 17
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الفكر اإلسبلمي لو أصكؿ كمكازيف كضكابط تحفظ لو أصالتو كبناءه المتيف ،كالباحث
كالمفكر اإلسبلمي ينطمؽ مف ضكابط كمقاييس تحدد مسار تفكيره كمنيج بحثو كما يتكصؿ
إليو مف النتائج ،تتمخص ىذه المقاييس كالضكابط فبما يأتي:
ُ -العقيدة كالمفاىيـ.
ِ -القيـ كاألخبلؽ.
ّ -األحكاـ الشرعية.
كعمى سبيؿ المثاؿ :عندما يقكـ مفكر إسبلمي ببحث قضية الحرية يمتزـ ببحثيا عمى
أساس االلتزاـ بالقيـ كاألحكاـ الشرعية ،بخبلؼ ما قاـ بو المفكركف غير اإلسبلمييف مف بحثو
بدكف أم رابط أك قيكد أخبلقية أك شرعية فأدت إلى ما نراه مف الفكضى كاالنحبلؿ.
كعندما يبحث االقتصادم اإلسبلمي قضايا االقتصاد ،يمتزـ بالخطكط العامة لئلسبلـ الذم
يحرـ الربا كالجشع كالغش كاألنانية كالظمـ كتكريس الثركة في أيدم القمة ،كىك حاؿ االقتصاد
العالمي اليكـ مما أدل إلى انتشار الفقر كالجكع في مناطؽ كثيرة مف العالـ في كقت تركزت
فيو الثركات في أيدم النصؼ بالمائة الذيف يقكدكف الشركات العمبلقة أك كما يقكلكف:
الشركات العابرة لمقارات ...ككذلؾ الباحث في عمـ األخبلؽ كالسمكؾ ...كالباحث في أمكر
األدب كالفنكف....الخ كؿ ىذا كغيره يقكـ الباحث المسمـ بو عمى أساس العقيدة التي تعطينا
الفكرة اليقينية الكمية عف اإلسبلـ كالككف كالحياة كما قبؿ الحياة كما بعدىا.
ابعا :األصالة:
س ً
معنى أصالة الفكر أم فكر إسبلمي أصيؿ لو أصكؿ إسبلمية يقكـ عمييا كيستمد كجكده
منيا .أما سمات كعناصر ىذه األصالة فيي:
أ -أصالة المصدر كغناه.
ب -كجكد الضكابط كاألطر التي تحفظ ىكيتو اإلسبلمية.
ج -كجكد المنيج كطريقة البحث كالتفكير التي تؤدم إلى اإلنتاج األصيؿ الممتزـ.
-38-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ّ .نقد كمحاكمة األفكار كالمفاىيـ كالنظريات الغريبة عف ركح اإلسبلـ كأسسو
الفكرية.
كفؽ ىذه األصالة استطاع العمماء كالمفكركف انتياج النقد كالدفاع عف اإلسبلـ عمى
صعيديف:
الصعيد األكؿ :الدائرة غير اإلسبلمية :بالرد عمى األفكار كالنظريات كالشبيات المتسممة
إلى الكياف الفكرم اإلسبلمي.
الصعيد الثاني :الدائرة اإلسبلمية؛ قاـ بو أىؿ التكحيد ببياف قكاعد أركاف اإلسبلمية
الصحيحة ،مع بياف العقائد الضالة كالمنحرفة.
كاألصكليكف مف خبلؿ تقعيد قكاعد عمـ األصكؿ لمحفاظ عمى أصالة الشريعة اإلسبلمية
كحمايتيا مف األىكاء.
عممي القرآف الكريـ كالحديث الشريؼ.
الم ىح ٌدثكف بإرسائيـ لقكاعد ى
كقاـ بو المفسركف ك ي
في المراحؿ السابقة بعد تكسع الدكلة اإلسبلمية كتفكقيا كانتصارىا عمى القكل العظمى
الركمانية كالفارسية كاف الصراع الفكرم عمى أشده مع األفكار كالعقائد الغربية غير َّ
أف حصانة
األمة ضد ىذه األفكار كاف قكيان ،بؿ استطاع الفكر اإلسبلمي أف يذيب كييضـ كيستكعب
األفكار الكاردة فأخذ منيا ما يتبلءـ معو ،كرفض كنفى الغريب عنو.
أما في المرحمة الحالية -الغزك الفكرم الغربي الحديث -التي أراد مف خبلليا محك
الشخصية اإلسبلمية كتذكيب ىكيتيا قامت عمى ذلؾ مؤسسات استعمارية كثقافية كالجامعات
كالمدارس ،إضافة إلى ما حرص عميو االستعمار مف السيطرة عميو حتى بعد خركجو مف ببلد
المسمميف كك ازرات المعارؼ.
ج -مرحمة االستنباط كتأسيس النظريات :كال تأتي ىذه المرحمة إال بعد اإلحاطة بمصادر
الفكر كالتشريع اإلسبلمي كما نتج عنو مف عمكـ .كبعد االطبلع عمى البحكث كالدراسات
كالنظريات التي طرحيا المتخصصكف مف غير المسمميف .ثـ امتبلؾ الفيـ كالقدرة
االستنباطية.
ثام ًنا :الخصوبة والنمو:
تميز الفكر اإلسبلمي بصفة الخصكبة كالقابمية لمنماء كالعطاء ،ألف مصدره القرآف الكريـ
كالسنة النبكية ،بشمكليتيما كاطبلقيما العناف لبلجتياد المنضبط ،كالحث عمى التفكير كذـ
-39- 19
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الجمكد كالجيؿ ،ليذا رأينا العمكـ المختمفة التي انبثقت عنو مثؿ عمـ التفسير كالفقو كأصكلو
كعمـ االجتماع كالنفس كعمـ األخبلؽ ،كالتاريخ...
تاسعا :الوحدة والترابط:
ً
تميز الفكر اإلسبلمي أنو منظكمة فكرية متكاممة ،يؤثر بعضيا ببعض كيكمؿ بعضيا
بعضان ،مثاؿ ذلؾ منظكمة األخبلؽ كالقيـ ترتبط ارتباطان كثيقان بعقيدة التكحيد كصفات هللا
تعالى .كفريضة الزكاة مرتبطة باإليماف با﵀ تعالى أكالن،
كمفيكـ العبادة ثانيان،
(ُ)
كباألخبلؽ ثالثان
المطمب الخامس:
أسس الفكر اإلسالمي
ُ -التكحيد :كحدانية هللا تعالى ىي المبدأ األكؿ لئلسبلـ .كمقتضى ىذا اإليماف يعني:
(ُ) انظر خصائص الفكر بإسياب مفيد جدان في كتاب الفكر اإلسبلمي ص ْٖ،َٕ-
-10-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أف هللا كاحد ال إلو غيره فرد صمد ،كأنو مطمؽ الكماؿ :لىيس ىك ًم ٍثمً ًو ىشيء كىك َّ ً
السميعي ٍ ه ى يى ٍى
ص يير الشكرل :اآلية ُُ كارادتو ىي الحؽ كالخير ،كىي القانكف الذم يحكـ الككف الب ً
ى
كالمخمكقات ،كيقنف لمسمكؾ كاألخبلؽ.
التكجو إلى هللا كالرغبة إليو أسمى الغايات كأعمى مراتب الكجكد ألف الخير كالعدؿ كالحؽ
عنده ،كطاعتو سبحانو تحقيؽ ليذه األصكؿ.
ىك سبحانو خالؽ األسباب كالمصرؼ الفعمي ليا .كعنيا تصدر الحكادث ،كبيا نتكصؿ
مرد ذلؾ كمو إلى كميات أمر هللا تعالى ،كمع األخذ باألسباب عمى المكحديف لنتائج ،ألف ٌ
مسؤكلية اإليماف كاليقيف كااللتزاـ كالسعي.
ِ -كحدة الخمؽ كنظاـ الككف:
الككف كمو متكامؿ متناسؽ كالسبب في ذلؾ أنو صنعة هللا الكاحد ،سرل نظامو كتقديره إلى
كؿ جزء في ىذا الككف ،فإف الناظر إليو يجده مككنان مف قكانيف طبيعية ،ىذه القكانيف تؤدم
كظيفتيا في كؿ جكانب الككف سكاء كانت ماديةن أك فضائيةن أك جسمانيةن أك نفسيةن أك
التي يسمييا القرآف الكريـ السنف الربانية "اإلليية". اجتماعيةن أك أخبلقيةن .ىذه القكانيف
اَّلل تىٍبًديبلن
تىح ًكيبلن اإلسراء :اآلية ٕٕ كلىف تى ًجد لًسَّن ًة ًَّ
ى ٍ ى ي ٍ قاؿ سبحانو :ىكالى تى ًج يد لً يسنَّتًىنا
األحزاب :اآلية ِٔ.
عمى اإلنسا ف أف يسعى في مناكبيا كفؽ طاقتو كمسؤكلياتو نحك أدائيا كىك محاسب عمى
ما كسبت يداه ألف عميو مسؤكلية السعي نحك الخير كالحؽ كاإلعمار.
خمؽ هللا الخمؽ فقدره تقدي نار ،فيك سبحانو الذم يعطي الكائنات كيانيا كيحدد غاياتيا،
كالمطمكب منيا ،كالحسف كالقبيح ليا ،كليذا مف القكاعد المسممة عند المسمميف أنو ال يكجد
شيء في ىذا الككف اسمو مصادفة أك "قدر أعمى"
فكؿ ما عمى األرض عممناه أـ لـ نعممو ،فيمناه أـ لـ نفيمو ،أحببناه أـ كرىناه ،ىك مف
خمؽ هللا تعالى كقدره كنظامو الكاجب عمينا ،كعمى المسمـ كاجب السعي الكتشاؼ السنف
اإلليية في الككف إلعماره كإلحقاؽ مبادئ العدؿ كالحؽ فيو.
د .سخر هللا سبحانو لئلنساف العالـ كمو نعمة منو ،كمجاالن لنشاطو في حياتو الدنيا،
كجعؿ كؿ شئ فيو مسخ انر لو تحت تصرفو يستخدمو لغذائو كحاجتو كمتعتو كراحتو .كىناؾ
-13- 21
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
تناسؽ بيف مفردات الخميقة كاالنتفاع اإلنساني ،فالحاجات اإلنسانية جزء مف بناء الخميقة،
كمفرداتيا طكع اإلنساف يستطيع أف يتصرؼ بيا كيفما يشاء.
ّ -األمانة اإلليية :عجزت السماكات كاألرض كالجباؿ عف حمؿ األمانة اإلليية لعدـ
كجكد اإلرادة لدييف ،كحمميا اإلنساف ألنو دكف باقي المخمكقات كىبو هللا اإلرادة كيتمتع بيذه
الحرية األخبلقية ،كىذه اإلمكانية لديو جعمتو في كضع أسمى مف المبلئكة الذيف ال يتمتعكف
بالحرية في أف يطيعكا أك ال يطيعكا ،كىذا ىك السبب في أمر هللا تعالى ليـ أف يسجدكا آلدـ،
فكاف انعداـ حرية اإلرادة لدييـ سببان في إنزاليـ عف مرتبة اإلنساف -ىـ كاممكف يستطيعكف
فقط أف يطيعكا أكامر هللا -أما اإلنساف الذم منحو هللا تعالى بحكمتو كسابؽ مشيئتو القدرة
عمى الشر كالعصياف مثؿ قدرتو عمى الخير كالطاعة،
فمم ا أعرض عف الشر ،كاتجو إلى طريؽ الخير بمحض إرادتو فعؿ ما طمب منو مف السير
َّ
كفؽ اليدم الرباني ،فكاف ىذا سبب رفعتو كعمك شأنو.
ْ -الخبلفة :حمؿ اإلنساف األمانة اإلليية بجعمو في مقاـ الخبلفة أك النيابة عف هللا،
كتتمثؿ خبلفتو في القكانيف األخبلقية التي تعتبر ىي كالقكانيف الدينية اإلسبلمية شيئان كاحدان.
كمف الطبيعي أف يرغب الناس كأف يطمبكا المتع كالخيرات كأف تيكل نفكسيـ كأف يحبكا كأف
يتزكجكا كأف ينجبكا ،كأف يسعكا في طمب الماؿ كالثركة كالقكة كالحكـ ....الخ ،ألف اإلسبلـ
يحب لكؿ ىذه األنشطة أف تزدىر كتستمر كاإلسبلـ ال يكبتيا كال يشجبيا كال يحاربيا كشأف
النصرانية كالبكذية ،كؿ ما يطمبو اإلسبلـ مف الناس أف يقدمكا عمى األفعاؿ بدكافع سميمة كأف
يؤدكىا بطرؽ قكيمة.
الدافع السميـ :ىك ابتغاء كجو هللا سبحانو كتعالى.
الطريؽ القكيـ :ىك أف أداء األفعاؿ بالحؽ كالعدؿ كاإلحساف بحيث يؤدم إلى تحقيؽ
غاياتيا النفعية كاألخبلقية.
كاإلسبلـ ال ينظر إلى الحياة إال عمى أنيا حقيقة كاحدة ال تنقسـ إلى قسميف ديني كدنيكم،
كليس معنى التديف في اإلسبلـ أف ينسحب المسمـ مف ساحات األنشطة الحياتية كالعمرانية
أف الخميقة ال تعني
كما فعمت البكذية كالنصرانية التي ترل االنغماس في شؤكف الحياة إثـ ،ك ٌ
سكل األلـ كالمعاناة.
-11-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ٓ -الشمكلية :إف منيج اإلسبلـ في اإلعمار كاإلصبلح كبناء الثقافة كالحضارة منيج
شامؿ ،كعمى المسمـ أف يعمؿ عمى تحقيؽ إسبلمية الحياة ،كأف يحدد نظريان كتطبيقيان عبلقة
اإلسبلـ بكؿ جزئيات الحياة اإلنسانية.
ٔ -كحدة اإلنسانية :ال يمثؿ االنتماء إلى نكع أك جنس أك سبللة عرقية قيمة كجكدية ،إذ
البد لمبشر أف يرتبطكا جميعان كمخمكقيف بخالقيـ ،كال فرؽ بينيـ إال بالتقكل كالعمؿ الصالح
كبا ىكقىىبائً ىؿ لًتى ىع ىارفيكا إً َّف اك ٍـ ًم ٍف ىذ ىك ور ىكأينثىى ىك ىج ىعٍم ىن ي
اك ٍـ يش يع ن اس إًَّنا ىخمى ٍق ىن ي قاؿ سبحانو :يا أييا َّ
الن ي
يـ ىخبً هير الحجرات :اآلية ُّ اكـ إً َّف َّ ً أى ٍكرم يكـ ًع ٍند ًَّ
اَّللى ىعم ه اَّلل أىتٍقى ي ٍ ىى ٍ ى
فما خمؽ هللا سبحانو الناس شعكبان كقبائؿ إال مف أجؿ أف يتقاربكا كيتعارفكا عمى مستكل
األفراد كالجماعات ،ال أف يتعالى بعضيـ عمى بعض ،كأف يقاتؿ بعضيـ بعضان.
الناس كميـ عند هللا سكاء كىذا ىك أساس عالمية اإلسبلـ .أما العنصرية لمكف أك جنس أك
أمة فإنيا جريمة خارجة عمى أكامر هللا تعالى ،كانتياؾ لئلنسانية ،كال شئ كالعنصرية أدل
إلى العداكة كالحرب كاراقة الدماء كالكراىية.
مف جية ثانية ال يعني إدانة اإلسبلـ لمعنصرية القائمة عمى تفضيؿ جنس أك لكف أك عرؽ
إدانة لمكطنية ،فإف مف الكاجب عمى المرء دينيان كأخبلقيان أف يحب أقربائو كقكمو كيخدميـ
كيدافع عنيـ بالحؽ ضد كؿ اعتداء كظمـ ،كيحب أرضو كيقاتؿ دكنيا ،دكف أف يعني ذلؾ
عداء لسكاىـ مف البشر أك األكطاف بؿ بالعكس فإف حب المسمـ كاع اززه ألقربائو كقكمو ككطنو
جزء ،كحمقة مف مجمكعة مف المشاعر الفطرية السميمة التي تبدأ بالذات كتنتيي باإلنسانية
قاطبة.
(ِ) (ُ)
كنيتشة كليذا رفض اإلسبلـ ما غرستو الصييكنية في ركح الييكد ،كما غرسو ىيجؿ
(ُ)
في الفرنسييف...الخ في األلماف ،كما غرسو ركسك
(ُ) ىيجؿ :جكرج كيميمـ فريدريش ىيغؿ َُُُّٕٕٖ-ـ فيمسكؼ ألماني كلد في شتكتغارت ،بألمانيا .يعتبر ىيغؿ أحد
أىـ الفبلسفة األلماف حيث يعتبر أىـ مؤسسي حركة الفمسفة المثالية األلمانية في أكائؿ القرف التاسع عشر
الميبلدم.
(ِ) نيتشة :فريدريؾ فيمييمـ نيتشو ََُُْْٖٗ-ـ فيمسكؼ كشاعر ألماني ،كاف مف أبرز المميٌديف لعمـ النفس ككاف
عالـ لغكيات متمي انز ،كتب نصكصان ككتبان نقدية حكؿ المبادئ األخبلقية كالنفعية كالفمسفة المعاصرة المادية منيا
كالمثالية األلمانية ،ككتب عف الركمانسية األلمانية كالحداثة أيضان.
-11- 23
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ِ)
إذا أريد منيا تكريس كما يرفض اإلسبلـ ما يسمى بعمـ اإلنساف (األنثربكلكجيا)
(ّ)
العنصرية كاطبلؽ سعارىا بيف الناس.
المطمب السادس:
مصادر الفكر اإلسالمي
أولً :المصادر األصمية:
ُ – الكتاب.
ِ – السنة.
ّ – العقؿ.
ْ -اإلجماع.
عد نيتشو إلياـ لممدارس الكجكدية كما بعد الحداثة في مجاؿ الفمسفة كاألدب في أغمب األحياف ،ركج ألفكار تكىـ
يي ٌ
كثيركف أنيا مع التيار البلعقبلني كالعدمية ،استخدمت بعض آرائو فيما بعد مف قبؿ أيديكلكجيي الفاشيةَّ ،
كتبنت
النازية أفكاره ،رفض نيتشو األفبلطكنية كالمسيحية الميتافيزيقيا بشكؿ عاـ كدعا إلى تبني قيـ جديدة بعيدان عف
الكانتية كالييغيمية كالفكر الديني كالنيمستية ،حارب األخبلؽ السائدة ،كالضمير ،يعد نيتشو أكؿ مف درس األخبلؽ
دراسة تاريخية مفصمة ،قدـ نيتشو تصك انر ميمان عف تشكؿ الكعي كالضمير.
(ُ) ركسك :جاف جاؾ ركسك ُُُِٕٕٕٖ-ـ :ىك كاتب كفيمسكؼ ،أصمو فرنسي ،كعاش في جنيؼ َٕ سنة ،يعد
مف أىـ كتاب عصر العقؿ ،كىي فترة مف التاريخ األكركبي ،امتدت مف أكاخر القرف السابع عشر إلى أكاخر القرف
الثامف عشر الميبلدييف .ساعدت فمسفة ركسك في تشكيؿ األحداث السياسية ،التي أدت إلى قياـ الثكرة الفرنسية.
حيث أثرت أعمالو في التعميـ كاألدب كالسياسة.
نحتت الكممة مف كممتيف يكنانيتيف ىما anthroposكمعناىا "اإلنساف"
عمـ اإلنساف .كقد ي
(ِ) األنثركبكلكجيا :ىي ي
عمـ اإلنساف.
logosكمعناىا "عمـ" .كعميو فإف المعنى المفظي إلصطبلح األنثركبكلكجيا )(anthropologyىك ي
عمـ
عمـ اإلنساف كأعمالو كسمككو جػ -ي
يفات عدة أشيرىا :أ -عم يـ اإلنساف ب -ي كتعٌرؼ األنثركبكلكجيا تعر ه
ي
عمـ
ي ػ ى .مكحضار اجتماعي
ك طبيعي كائف
ه ىك حيث مف اإلنساف عمـ
ي - د نتاجيااك كسمككيا ية
ر البش الجماعات
العامة". "لؤلنثركبكلكجيا ىي يفات الحضارات كالمجتمعات البشريةً .
ىذه التعر
ٌ
أما أقساـ األنثركبكلكجيا فيي -ُ :الطبيعية -ِ ،االجتماعية -ّ ،الثقافية – ْ ،األنثركبكلكجيا التطبيقية.
(ّ) انظر أسس المعرفة في الفكر اإلسبلمي كالمنيجية اإلسبلمية بتكسع مفيد في كتاب إسبلمية المعرفة الصادر عف
المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي ص ٖٕ،ُُٕ-
-14-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-15- 25
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) انظر :أحمد إبراىيـ بؾ في عمـ أصكؿ الفقو ص ٗٓ ،ٕٕ ،َٕ - ٖٔ ،ّٔ ،ُٔ ،كمحمد زكريا البرديسي في
أصكؿ الفقو ص ِّٖ.ُْٔ-ُُْ ،ّٗٗ ،ّْٗ ،
-16-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ُ) انظر الفرؽ بينيما بالتفصيؿ في كتاب التفسير كالمفسركف لمدكتكر محمد حسيف الذىبي جُ.ِِ-ُّ/
-17- 27
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أصحاب ىذه المذاىب في تفسير القرآف الكريـ نتيجة غياب المكضكعية كالمنيجية القكيمة
عنيـ.
فإنو ال يصح في التفسير :جمكد العقؿ كالفكر في سبر المعاني ،كفيـ
بناء عمى ما تقدـ ٌ
ن
دالالت األلفاظ .كما ال يصح فيو لىي أعناؽ النصكص كفؽ األىكاء كالميكؿ المذىبية
ٌ
كالعقائدية..
أسباب النزول:
نزؿ القرآف لييدم اإلنسانية إلى المحجة الكاضحة ،كيرشدىا إلى الطريؽ المستقيـ ،كيقيـ
ليا أسس الحياة الفاضمة التي تقكـ دعامتيا عمى اإليماف با﵀ كرساالتو ...كأكثر القرآف نزؿ
ابتداء ليذه األىداؼ العامة ،لكف الصحابة رضكاف هللا عمييـ قد كقعت بينيـ حكادث كمسائؿ
ن
احتاجكا فييا إلى بياف الشريعة ،كمعرفة حكـ اإلسبلـ ،كىذا ما يسمى أسباب النزكؿ.
فوائد معرفة أسباب النزول:
ُ -بياف الحكمة التي دعت إلى تشريع حكـ مف األحكاـ ،كادراؾ مراعاة الشرع لممصالح
العامة في عبلج الحكادث رحمة باألمة.
كف بً ىما ًَّ
ِ -تخصيص حكـ ما نزؿ بصيغة العمكـ مثؿ قكلو تعالى :الى تى ٍح ىس ىب َّف الذ ى
يف ىي ٍف ىريح ى
يـ آؿ ً ىف ي ٍحم يدكا بًما لىـ ي ٍف ىعميكا فىبلى تى ٍح ىسبَّنيـ بًمفى ىازوة ًم ٍف اٍل ىع ىذ ً ً
اب أىل ه اب ىكلىيي ٍـ ىع ىذ ه ى يٍ ى ى ٍ ى ُّكف أ ٍ ي ى
أىتىكا ىكييحب ى
عمراف اآلية ،ُٖٖ :نزلت في أىؿ الكتاب خاصة.
ّ -إذا كاف ما نزؿ عامان ككرد دليؿ عمى تخصيصو فمعرفة السبب تقصر التخصيص
عمى ما عدا صكرتو ،كال يصح إخراجيا إلى غيره مثؿ قكلو تعالى:
ً ات اٍلغ ًافبلى ًت اٍلمؤ ًمن ً
ات لي ًعينكا ًفي ُّ إً َّف الًَّذيف يرمكف اٍلمحصن ً
الد ٍن ىيا ىكاآلخ ى ًرة ىكلىيي ٍـ ىع ىذ ه
اب يٍ ى ى ى ىٍ ي ى ي ٍ ى ى
يـ النكر اآلية ِّ .قاؿ ابف عباس رضي هللا عنيما: ً
ىعظ ه
"ىذه في عائشة كأزكاج النبي ،كلـ يجعؿ هللا لمف فعؿ ذلؾ تكبة ،كجعؿ لمف رمى امرأة
مف المؤمنات مف غير أزكاج النبي تكبة".
ْ -معرفة سبب النزكؿ خير سبيؿ لفيـ معاني القرآف ،ككشؼ الغمكض الذم يكتنؼ
(ُ)
بعض اآليات في تفسيرىا ما لـ يعرؼ سبب نزكليا.
-18-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
مما يتقدـ يتبيف قيمة العمـ بأسباب النزكؿ لما لو مف دكر في الفيـ كاكتشاؼ األفكار،
كاغناء الفكر كالثقافة كالمعرفة اإلسبلمية ،كالتي ال يمكف الكصكؿ إلييا بدكف معرفتو.
المصدر الثاني :السنة المطيرة:
السنة ىي :كؿ ما نقؿ عف رسكؿ هللا مف قكؿ أك فعؿ أك تقرير أك صفة خمقية أك
خمقية.
السنة المصدر الثاني مف مصادر الفكر كالتشريع بعد القرآف الكريـ ،كمنبع مف منابع
(ُ)
اليداية اإلصبلح كعبلقتيا بالقرآف مف حيث أنيا مؤكدة كمكضحة كشارحة أك مقيدة
عناية عمماء اإلسالم بالسنة النبوية:
بذؿ عمماء اإلسبلـ منذ عصر النبي حتى عصرنا الحاضر جيكدان مضنية في حفظ
حديث رسكؿ هللا مف التغيير أك التحريؼ أك الضياع ،فسيركا ليميـ ،كتعددت أسفارىـ،
كبذلكا أمكاليـ ،كرخصت في سبيمو نفكسيـ.
(ُ) انظر عبلقة السنة بالقرآف في حديثنا عف المصدر األكؿ لمفكر اإلسبلمي.
-19- 29
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
التحريؼ أك التبديؿ ،كؿ ذلؾ في منيج نقدم فريد لـ يألفو تاريخ العمكـ قاطبة في غير ًعمٌمي
القرآف كالسنة.
ضوابط التعامل مع السنة النبوية:
إذا كاف الحؽ تبارؾ كتعالى قد تكفؿ بحفظ القرآف الكريـ فإنو سبحانو سخر لمسنة النبكية
المشرفة عمماء كقفكا أنفسيـ في كؿ عصر مف أجؿ المحافظة عمييا كتمييز الصحيح منيا
مف المردكد .كلكي يستطيع المفكر اإلسبلمي كلكج أبكاب السنة الستنباط الفكر عميو ما يمي:
أف يقؼ عمى ضكابط كقكاعد مصطمح الحديث لمعرفة المقبكؿ مف المردكد مف الحديث،
كأف يطمع عمى العمكـ المتعمقة بو مثؿ المتقدـ كالمتأخر ،كالناسخ كالمنسكخ ،كأسباب كركد
الحديث...الخ،
حتى ال يقع المفكر في قصكر الفيـ كادراؾ المعاني منقكصة فيؤدم بو ذلؾ إلى استنباط مفاىيـ
كأفكار خاطئة.
(ُ) انظر :د .رمضاف الزياف كد .عدناف الكحمكت في دراسات في الحديث الشريؼ كعمكمو ص ُٔ.
-10-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
نظ انر لما تمي از بو مف السعة كالشمكؿ ،كمف مادة فكرية كثقافية كعممية ،فقد كضعت القرآف
كالسنة األسس كالقكاعد العامة كاإلطار الشامؿ لمفكر اإلسبلمي ،كلخط الحياة كالمعرفة
اإلسبلمية.
دل ىكىر ٍح ىمةن النحؿ:اآلية ٖٗ .ىكلىقى ٍد و ً ً قاؿ تعالى :كن َّزٍلنا عمىيؾ اٍل ًكتى ً
اب ت ٍب ىيانان ل يك ٌؿ ىش ٍيء ىك يى ن
ى ىى ى ى ٍ ى
آف ًم ٍف يك ًٌؿ ىمثى وؿ اإلسراء اآلية.ٖٗ: اس ًفي ىى ىذا اٍلقي ٍر ً
ص َّرٍف ىنا لً َّمن ً
ى
(ُ)
كقد ركم عف النبي أنو قاؿ" :كأنزؿ عمي القرآف فيو تبياف كؿ شيء"
سأؿ رجؿ أبا جعفر بف محمد ،ما باؿ القرآف ال يزداد عمى النشر كالدرس إال غضاضة؟
فقاؿَّ :
"ألف هللا لـ يجعمو لزماف دكف زماف ،كال لناس دكف ناس ،فيك في كؿ زماف جديد ،كعند
(ِ)
كؿ قكـ غض إلى يكـ القيامة".
أما السنة فقد اشتممت مكضكعات عقائدية فكرية تشريعية كتربكية كأخبلقية كاجتماعية
كسياسية كاقتصادية عامة ،كترتبط ىذه المكضكعات بالقرآف الكريـ ارتباطان كثيقان ،كليذا فإف
السنة تأخذ المرتبة التالية لمقرآف الكريـ مف حيث أىميتيا لمحياة الفكرية ككنيا مصد انر لمفكر
اؿ" :أ ىىال إًٌنًي كؿ ًَّ
اَّلل أَّىنوي قى ى
كالتشريع كالمعرفة اإلسبلمية .ىع ٍف اٍل ًم ٍق ىد ًاـ ب ًف م ٍعًدم ىك ًرب ىع ٍف رس ً
ىي ى ٍ ى
(ّ)
اب ىك ًم ٍثمىوي ىم ىعوي" أيكتً ي ً
يت اٍلكتى ى
السنة ،كاستنباط الفكر كالمعرفة منيما يحتاج إلى عقمية إسبلمية
أف فيـ القرآف الكريـ ك ٌ
غير ٌ
السنة ،كمدركة لمحتكاىما الفكرم ،كقادرة عمى استبطاف العمؽ ،كبمكغ
مستكعبة لركح القرآف ك ٌ
األغكار البعيدة لخزائنيما ،كالربط بيف األفكار كالمفاىيـ الكاردة فييما كاستنتاج المطمكب.
ِ -باإلضافة إلى ككف القرآف الكريـ كالسنة النبكية مصدراف لمفكر كالمعرفة كالثقافة،
فإنيما مقياس لمفكر اإلسبلمي كذلؾ ،كميزاف لضبط الصكاب ،كتسديد الفكر كتقكيمو .فبيما ٌ
يعرؼ الصكاب مف الخطأ ،كاألصيؿ مف الدخيؿ.
كؿ النساء اآلية.ٓٗ : الرس ً قاؿ تعالى:فىًإف تىن ىازعتيـ ًفي ىشي وء فىرُّدكه إًلىى ًَّ
اَّلل ىك َّ ي ٍ ي ي ٍ ى ٍ ٍ
اختىمىفيكا ًف ً
يو البقرة اآليةُِّ : يما ٍ الن ً ً
ؽ لً ىي ٍح يك ىـ ىب ٍي ىف َّ
اب بًاٍل ىح ًٌ ً
اس ف ى ىنز ىؿ ىم ىعيي ٍـ اٍلكتى ى
ىكأ ى
(ُ) أخرجو البزار في مسنده في حديث اإلسراء ،قاؿ الييثمي في مجمع الزكائد ُ" ِٕ/كرجالو مكثقكف إال أف الربيع بف
أنس قاؿ عف أبي العالية أك غيره فتابعيو مجيكؿ".
(ِ) تاريخ بغداد ٔ.ُُٕ/
(ّ) أخرجو أبك داكد في كتابو السنف ؾ السنة باب في لزكـ السنة (َْْٔ).
-13- 31
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كؿ ىكًالىى أ ٍيكلًي األ ٍىم ًر الرس ً ً ً ً
اعكا بًو ىكلى ٍك ىرُّدكهي إًلىى َّ ي اء يى ٍـ أ ٍىمهر م ىف األ ٍىم ًف أ ٍىك اٍل ىخ ٍكؼ أى ىذ ي ىكًا ىذا ىج ى
كنوي ًم ٍنيي ٍـ النساء اآلية.ّٖ : ً ًَّ ً
يف ىي ٍستىٍنبًطي ىم ٍنيي ٍـ لى ىعم ىموي الذ ى
اس ىما ىنزٍل ىنا إًلى ٍي ىؾ الًٌذ ٍك ىر لًتيىبٌيً ىف لًمنَّ ً ات ك ُّ
الزيب ًر ىكأ ى
ً ً ً ً
ىى ىؿ ال ٌذ ٍك ًر إً ٍف يك ٍنتي ٍـ الى تى ٍعمى يم ى
كف * باٍل ىبٌي ىن ى اسأىليكا أ ٍ فى ٍ
َّ
كف النحؿ اآلية.ْْ - ّْ : ين ًٌز ىؿ إًلى ٍي ًي ٍـ ىكلى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى
كخبلصة اآليات أف هللا تعالى يأمرنا في كؿ حاؿ بكجكب الرجكع إلى القرآف كالسنة
كمقياس كميزاف لمفكر كالمعرفة ،كمفاىيـ الحياة كالتشريع كالقانكف ،صيانة لمتفكير اإلسبلمي،
كمحافظة عمى ركح الشريعة كنقائيا ،كما جاء في السنة يعضد ىذا المبدأ كيرسخو كيؤكده.
اجتىنًيبكهي ،ىكًا ىذا أى ىم ٍرتي يك ٍـ بًأ ٍىم ور فىأٍتيكا و
اؿ" :فىًإ ىذا ىنيى ٍيتي يك ٍـ ىع ٍف ىش ٍيء فى ٍ ً ً
ىع ٍف أىبي يى ىرٍي ىرةى ىع ٍف النَّب ًٌي قى ى
ص ٍمتي ٍـ بً ًو
اعتى ى
يكـ ما لىف تى ً
ضمُّكا ىب ٍع ىدهي إً ٍف ٍ ت ف يٍ ى ٍ
ًم ٍنو ما استىطىعتيـ" )ُ(.كقاؿ" :كقى ٍد تىرٍك ي ً
ى ى ي ى ٍ ٍٍ
ضمُّكا ىمايكـ أىمري ًف لىف تى ً اَّلل قىاؿ" :تىرٍك ي ً ىف رسكؿ ًَّ ً ً ( ً
اَّلل" .ىع ٍف ىمالؾ أَّىنوي ىبمى ىغوي أ َّ ى ي ى
)ِ
ت ف يٍ ٍىٍ ٍ ى ى اب َّكتى ي
ً (ّ) تىم َّس ٍكتيـ بً ًيما ًكتىاب ًَّ
اَّلل ىك يسَّنةى ىنبًٌيًو". ى ى ٍ ى
إف مبدأ االلتزاـ بالكتاب كالسنة كأساس كمقياس كأداة فحص كتقكيـ لمفكر كالمعرفة كالثقافة
كالحضارة ضمانة أكيدة لتحقيؽ األصالة الفكرية كحفظيا مف التشكيو كالذكباف.
كقد أغنى العمماء كالفبلسفة كالمفكركف كالباحثكف اإلسبلميكف آفاؽ الفكر اإلنساني بالفكر
كالمعرفة كالعطاء اإلسبلمي الممتزـ في كؿ مجاؿ كفف .كاستطاعكا محاكمة األفكار كالنظريات
كالفمسفات كالمذاىب المخالفة لئلسبلـ عمى أساس الكتاب كالسنة كقكاعد العقؿ الممتزـ ،فأنتجكا
ثركة فكرية إسبلمية فريدة .كاستطاعكا لفظ الفكر الغريب كالنظريات كاآلراء الضالة كالمنحرفة.
كشخصكا الخطأ مف الصكاب في النتاج الفكرم ،فاكتمؿ البناء كتحدد منياج البحث كالتفكير
كاالستنباط كالنقد كالتثبت القكيـ.
كال يستغني الباحث كالمفكر اإلسبلمي الذم يريد اكتشاؼ األفكار كالمفاىيـ كالنظريات في
مجاؿ االقتصاد كالسياسة كاالجتماع كالنفس كالفكر ...عف فيـ مناىج التفسير المكضكعي،
كالقكاعد األصكلية المتعمقة بفيـ القرآف مع ربط كؿ ذلؾ بما يناسبو مف السنة المشرفة ،حتى
نحصؿ عمى فكر متكامؿ في كؿ مكضكع مف تمؾ المكاضيع.
(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ االعتصاـ بالسنة (ِٖٖٕ) ،كمسمـ في صحيحو ؾ الفضائؿ باب تكقيره (ُّّٕ).
(ِ) أخرجو مسمـ في صحيحو ؾ الحج (ُُِٖ).
(ّ) أخرجو مالؾ في المكطأ كتاب الجامع (ُُٔٔ) ،كالحديث مف ببلغاتو.
-11-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الخالصة:
إذا أردنا الحصكؿ عمى الفكر المراد الحصكؿ عميو مف القرآف عمينا اتباع الطرؽ اآلتية:
كمفيكـ؛ قد يي ىككف فكرةن ناقصة لقضية سياسية أك أخبلقية أك
ه ُ -لآلية أك الحديث معنى
اقتصادية أك اجتماعية أك نفسية ..كقد يي ىك ٌكف ىذا المعنى في بعض الحاالت الفكرةى الكاممة
لممكضكع الذم نريد بحثو ،أك يي ىككف في حاالت أخرل جانبان مف مكضكع.
ِ -استنباط الفكر أك النظريات التي تعالج أحد المكضكعات مف خبلؿ االعتماد عمى طريقة
التفسير المكضكعي أك الحديث المكضكعي الذم نعتمد بمكجبو عمى استقراء جميع اآليات
كاألحاديث ذات المكضكع الكاحد ،كالنظر فييا كتحميميا ،كمبلحظة األفكار التي اشتممت عمييا حتى
نستطيع اكتشاؼ الفكرة الجديدة أك النظرية.
ّ -قد ال نستطيع مف خبلؿ الخطكتيف السابقتيف اكتشاؼ الفكرة كالنظرية بصكرة كاممة
مف خبلؿ الكحدة الفكرية لمجمكع اآليات كاألحاديث التي عالجت مكضكعان معينان ،كأف يككف
مكضكعان اقتصاديان أك سياسيان ...لذا نحتاج إلى الربط كالتنسيؽ بينيا كبيف آيات كأحاديث
أخرل في مجاؿ التكحيد أك األخبلؽ أك العبادات...الخ لكي يتـ ربط المكاضيع ذات الصمة
بعضيا ببعض لنستنتج الفكر كالنظريات التي نبحث عنيا.
ْ -معرفة المغة العربية كقكاعدىا كآدابيا ،كمدلكالت ألفاظيا...الخ.
المصدر الثالث :العقل:
سبؽ الحديث عف العقؿ كآلة لبلختيار بيف البدائؿ كأداة لمتمييز ،كسببان لمتكميؼ باألمكر
الشرعية ،فالعقؿ لو دكر أساسي في بناء صرح الفكر اإلسبلمي بما احتكل آفاقان كأبعادنا
اء .كالعقؿ ىك األداة الفعالة التي استخدميا العمماء كالمفكركف في اكتشاؼ
كبن ن
كعطاء غزي انر ٌ
ن
العمكـ كالمعارؼ كاألفكار كالمفاىيـ الحضارية المختمفة كبناء صرح الحضارة ..كما عممية
االجتياد كاستنباط األحكاـ كالمفاىيـ كاألفكار إال نتاج ممارسة العقؿ دكره في الفيـ كالربط
كالتحميؿ كاالستنتاج.
كلقد سبؽ التنكيو باىتماـ القرآف الكريـ بتحرير العقؿ مف قيكد الرككد كالجمكد كالتقميد
آف أ ٍىـ
كف اٍلقي ٍر ى
كدعكتو إياه إلى التفكر كالتأمؿ كالفيـ كاالستنباط كما في قكلو تعالى :أىفىبلى ىيتى ىدب يَّر ى
ىعمىى يقمي و
كب أى ٍقفىالييىا محمد اآلية.ِْ :
كعندما نتحدث عف العقؿ كمصدر لمفكر اإلسبلمي ...إنما نتحدث عف النشاط العقمي
-11- 33
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الممتزـ بالقرآف كالسنة ...كذلؾ في مكضكعيف ىاميف - :كسنتحدث بإذف هللا تعالى عف ىذا
المكضكع بالتفصيؿ في أصكؿ المعرفة عند المسمميف.
األكؿ :العقيدة كالفكر :كيشمؿ البحث مف االستدالؿ العقمي عمى كجكد هللا تعالى ،كاثبات
الكحي كالنبكة ،ككجكد اآلخرة ،كجكب طاعة هللا ،كما يتصؿ بيذه القضايا مف مكضكعات
ىامة.
الثاني :األحكاـ الشرعية :حيث يعتبر العقؿ ،كاشفان كمدركان لمحكـ الشرعي ،فيك الكسيمة
المكصمة لبياف األحكاـ الشرعية في القضايا الحادثة في كؿ عصر مف الكجكب أك الحرمة أك
اإلباحة أك الكراىة أك الندب -كىك ما نسميو "القياس" ك"االستدالؿ العقمي".
تعريف القياس" :ىك إلحاؽ كاقعة ال نص عمى حكميا ،بكاقعة كرد نص بحكميا ،في
الحكـ الذم كرد بو النص ،لتساكم الكاقعتيف في عمة ىذا الحكـ" )ُ(،عمى سبيؿ المثاؿ تحريـ
ً ًَّ
اب آمينكٍا إًَّن ىما اٍل ىخ ٍم ير ىكاٍل ىم ٍيس ير ىكاأل ى
ىنص ي يف ى هللا سبحانو لمخمر ،في قكلو تعالى :ىيا أىيُّيىا الذ ى
ً َّ اف فى ً كاأل ٍىزالىـ ًر ٍج هس ًم ٍف ىعم ًؿ َّ
كف المائدةَٗ ،كذلؾ لعمة اإلسكار طً ٍ
اجتىنيبكهي لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى الش ٍي ى ى ٌ ي ى
المكجكدة في الخمر ،فكذلؾ يحرـ تناكؿ كؿ شراب كجدت فيو ىذه العمة.
كما يحرـ صناعة كبيع كشراء كاىداء ىذه األشربة؛ حكميا في ذلؾ حكـ الخمر المحرـ في
القرآف الكريـ.
كيجرم القياس في كؿ المستجدات المعاصرة كالدخاف ،كاجراء عمميات أطفاؿ األنابيب،
كعمميات االستنساخ...إلى غير ذلؾ مف مئات القضايا المستجدة التي يعتبر العقؿ لو الدكر
األىـ في استنباط األحكاـ الشرعية مف خبلؿ القكاعد األصكلية الشرعية المستنبطة مف
نصكص الكتاب العزيز كالسنة النبكية المشرفة.
كالقياس ال يككف سميمان صحيحان حتى يستكمؿ أركانو األربعة كىي:
ُ .األصؿ :كىك ما كرد بحكمو نص ،كيسمى :المقيس عميو ،كالمحمكؿ عميو ،كالمشبو
بو.
ِ .الفرع :ما لـ يرد بحكمو نص ،كيراد تسكيتو باألصؿ في حكمو ،كيسمى المقيس،
كالمحمكؿ عميو ،كالمشبو.
-14-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ّ .حكـ األصؿ :ىك الحكـ الشرعي الذم كرد بو النص في األصؿ ،كيراد أف يككف
حكمان لمفرع.
ْ .العمة :ىي الكصؼ الذم يبني عميو األصؿ ،كبناء عمى كجكده في الفرع ،يسكل
(ُ)
باألصؿ في حكمو.
-4اإلجماع:
كىك" :اتفاؽ جميع المجتيديف مف المسمميف في عصر مف العصكر بعد كفاة الرسكؿ
عمى حكـ شرعي في كاقعة" .يعتبر اإلجماع في أصكؿ الفقو مصد انر مف مصادر التشريع
اإلسبلمي ،ليذا نعتبر اإلجماع مصد انر شرعيان لمفكر اإلسبلمي.
كاإلجماع حجة شرعية يأتي في المنزلة بعد القرآف كالسنةَّ ،
ألف الحكـ الذم اتفقت عميو
آراء المجتيديف في األمة اإلسبلمية ،ىك رأم األمة المعصكمة مف الخطأ لؤلحاديث النبكية
نذكر منيا:
يمةى يم ىح َّمود
اؿ" :أ َّ اَّلل ىال يجمع أ َّ ً
يمتي" أ ٍىك قى ى
ً
اؿ" :إ َّف َّى ى ٍ ى ي
ىف رسكؿ ًَّ
اَّلل قى ى ُ -ىع ٍف ٍاب ًف يع ىم ىر أ َّ ى ي ى
و (ِ)
ض ىبللىة".
ىعمىى ى
ً ً ً م قىاؿ :قىاؿ رسكؿ ًَّ ِ -ىع ٍف أىبًي ىمالً وؾ ٍاأل ٍ
ىج ىاريك ٍـ م ٍف ثى ىبلث خ ىبل وؿ :أ ٍ
ىف اَّلل " :إً َّف َّ
اَّللى أ ى ىش ىع ًر َّ ى ى ى ي ي
ىف ىال ىى ًؿ اٍل ىح ًٌ ىىؿ اٍلب ً
اط ًؿ ىعمىى أ ٍ ً ىال ىي ٍد يع ىك ىعمى ٍي يك ٍـ ىنبًي ي
ؽ ،ىكأ ٍ ظيى ىر أ ٍ ي ى
ىف ىال ىي ٍ
يعا ،ىكأ ٍ
ُّك ٍـ فىتى ٍيمى يككا ىجم ن
و (ّ) ً
ض ىبللىة"تى ٍجتىم يعكا ىعمىى ى
المصادر الثانوية لمفكر اإلسالمي:
تشكؿ المصادر األساسية لمفكر اإلسبلمي كالكتاب كالسنة القاعدة األساسية لبنية الفكر
اإلسبلمي .كاذا ما حاكلنا اليكـ البحث في قضايا سياسية أك اقتصادية أك عقائدية أك
اجتماعية ،كجدنا باإلضافة إلى المصادر األساسية ،مصادر ثانكية تكمؿ ما بنتو المصادر
األساسية.
كىذه المصادر الثانكية ىي الفقو اإلسبلمي كانتاج المفكريف ،ألنيما نتاج النظر العميؽ
-15- 35
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كالمتفاعؿ مع نصكص الكتاب كالسنة ،نستطيع نحف أف نككف مف ىذه االجتيادات نظريات
عامة في مجاالت الحياة المختمفة ،مثبلن جيكد الفقياء في إرساء قكاعد األحكاـ المتعمقة
بالعمؿ كاإلجارة كالممكية نستطيع مف خبلليا إرساء نظرية عامة لمعمؿ كالقيمة في اإلسبلـ،
كمف مجمكع االجتيادات في المسائؿ المتعمقة بالحكـ كاألمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر
كالجياد نستطيع أف نستنبط أفكا انر أك مفاىيـ ىامة في النظرية السياسية.
كمف خبلؿ جيكد العمماء في قضايا القيـ كاألخبلؽ كعمـ الكبلـ نستطيع الكصكؿ إلى
قكاعد عمـ النفس كالسمكؾ كعمـ االجتماع.
بيذا تشكؿ المصادر األساسية لمفكر اإلسبلمي مع جيكد الفقياء كالمفكريف األسس لقياـ
(ُ)
فكر إسبلمي أصيؿ منضبط كممتزـ بالقكاعد كاألصكؿ الشرعية.
-16-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الفصل الثاني
النقمة النوعية التي أحدثيا
الفكر اإلسالمي في العالم
-17- 37
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
سأؿ النجاشي ممؾ الحبشة المسمميف عف كنو الرسالة اإلسبلمية فرسـ الصحابي الجميؿ
كم ٍف حكليـ قبؿ البعثة النبكية ،كما جعفر بف أبي طالب ببيانو الحالة التي كاف عمييا العرب ى
ؾ يكَّنا قى ٍك نما ً
بيف مقدار النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ في معتنقيو ،قاؿ رضي هللا عنو( :أىيُّيىا اٍل ىمم ي
ٍك يؿيء اٍل ًج ىك ىار ىيأ ي ً ٍكؿ اٍلميتىةى كىنأٍتًي اٍلفىك ً ًً و
اـ ىكينس ي ش ىكىن ٍقطىعي ٍاأل ٍىر ىح ى اح ى ى اـ ىكىنأ ي ي ى ٍ ى ىص ىن ى
ىى ىؿ ىجاىميَّة ىن ٍعيب يد ٍاأل ٍ أٍ
ً اَّللي إًلى ٍي ىنا ىريسكنال ًمَّنا ىن ٍع ًر ي يؼ فى يكَّنا ىعمىى ىذلً ىؾ ىحتَّى ىب ىع ى الض ًع ى م ًمَّنا َّ اٍلقى ًك ُّ
ىم ىانتىوي ؼ ىن ىس ىبوي ىكص ٍدقىوي ىكأ ى ث َّ
اؤىنا ًم ٍف يدكنً ًو ًم ىف اٍل ًح ىج ىارًة كعفىافىو فىدع ىانا إًلىى ًَّ ً ً
اَّلل لين ىك ٌح ىدهي ىكىن ٍعيب ىدهي ىكىن ٍخمى ىع ىما يكَّنا ىن ٍعيب يد ىن ٍح يف ىك ىآب ي ىى ي ىى
الرًحًـ ىك يح ٍس ًف اٍل ًج ىك ًار ىكاٍل ىك ًٌ صمى ًة َّ اء ٍاألىم ىان ًة ك ً ً
ؽ اٍلحديث كأىد ً ً ً
ؼ ىع ًف اٍل ىم ىح ًارًـ ى ى ىى ىم ىرىنا بًص ٍد ً ى ىك ٍاأل ٍىكثى ً
اف ىكأ ى
ؼ اٍلمح ً كر كأى ٍك ًؿ ماؿ اٍليتً ًيـ كقى ٍذ ً ً ُّ ً ً ك ًٌ ً
اَّللى
ىف ىن ٍعيب ىد َّ ىم ىرىنا أ ٍ
ص ىنة ىكأ ى يٍ ى ى ى ى ى الد ىماء ىكىنيى ىانا ىع ًف اٍلفى ىكاحش ىكقى ٍكؿ الز ً ى ى
اإل ٍس ىبلًـ،
أيمكر ًٍ
ي ى اؿ :فى ىع َّد ىد ىعمى ٍي ًو الزىك ًاة ك ً ً
الص ىياـ .قى ى ى ٌ الص ىبل ًة ك َّ
ى ىم ىرىنا بً َّ
ىكأ ى ؾ بً ًو ىش ٍينئا ىك ٍح ىدهي ىال ين ٍش ًر ي
ىك ىح َّرٍم ىنا ىما ىح َّرىـ اَّللى ىك ٍح ىدهي ىفمى ٍـ ين ٍش ًر ٍؾ بً ًو ىش ٍينئا
اء بً ًو فى ىع ىب ٍد ىنا َّ
ىعمىى ىما ىج ى
ً
آمَّنا بًو ىكاتَّىب ٍع ىناهي
ص َّد ٍق ىناهي ىك ى
فى ى
(ُ)
ىح َّؿ لىىنا) ىحمىٍم ىنا ىما أ ى
ىعمى ٍي ىنا ىكأ ٍ
كاف العالـ ميتان ،فأنزؿ هللا سبحانو اإلسبلـ ليبعث العالـ مف مكاتو ،كانت الدنيا غارقة في
جاىمية عمياء ،كقيـ فاسدة ،كأفكار متعفنة ،في تيو كضياع ،لقد انتشؿ اإلسبلـ الناس مف كاد
سحيؽ مظمـ فارتقى بيـ إلى مدارج الكماؿ الرباني ،كصدؽ هللا العظيـ القائؿ:
اس ىكمف مثىميو ًفي الظُّميم ً كر ىي ٍم ًشي بً ًو ًفي َّ
ات لى ٍي ىس ى الن ً ى ٍ ى ي ىح ىي ٍي ىناهي ىك ىج ىعٍم ىنا لىوي ين نا
اف ىم ٍيتنا فىأ ٍأ ىىك ىم ٍف ىك ى
ً ً ً ً
كف األنعاـ اآلية ُِِ. يف ىما ىك يانكا ىي ٍع ىممي ى بً ىخ ًاروج م ٍنيىا ىك ىذل ىؾ يزٌيً ىف لٍم ىكاف ًر ى
كيمكف أف نمخص جكانب النقمة النكعية التي أحدثيا الفكر اإلسبلمي في الناس في
المجاالت اآلتية:
أكالن :النقمة في التصكر كاالعتقاد :نقؿ الناس مف عبادة المخمكقات كاألصناـ كالنار ..الخ
إلى عبادة هللا كحده ال شريؾ لو ،مع بياف صكرة كاضحة عف اإللو الخالؽ كعف الككف كالحياة
كاإلنساف ،كعف العبلقة القائمة بيف ىذه العناصر ،كالحياة بعد المكت.
ثانيان :النقمة في المعرفة :حيث نقؿ اإلسبلـ الناس مف الرككف إلى الخرافات كاألكىاـ
كاألساطير كالكياف كالفبلسفة إلى منيج عقمي كسطي منضبط ،دكف شطط أك ارتكاس.
-18-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ثالثان :النقمة في األخبلؽ :ربط اإلسبلـ األخبلؽ بالقرآف الكريـ كالسنة المطيرة ،كىما
المصدراف الثابتاف ،فما كاف فييما مف حبلؿ حممناه ،كما كاف فييما مف حراـ حرمناه ،دكف
النظر إلى مقاييس النفعية كالمصمحة كالمردكد المادم التي تيربط بيا األخبلؽ في تصكر
الكثير مف األمـ كالشعكب.
رابعان :النقمة في التشريع :نقؿ اإلسبلـ الناس مف تشريعات فاسدة تشبو إلى حد كبير شريعة
الغاب - ،كمثميا إلى حد كبير تشريعات العصر المتمدف اليكـ السائد بيف األمـ -إلى تشريع
رباني قائـ عمى العدؿ ،كعمى حفظ مصالح الناس الضركرية ،أكليا :الديف ،كثانييا :النفس،
كثالثيا :النسؿ ،كرابعيا :العقؿ ،كخامسيا :الماؿ.
خامسان :النقمة في المناىج :نقؿ اإلسبلـ الناس مف منيج التقميد ،كمنيج الظف كاليكل أك
الخرافة كاألسطكرة إلى منيج قائـ عمى الحس كالمشاىدة كالتجربة كالبرىاف لمكصكؿ إلى
الحقائؽ .كالى منيج يعتمد عمى المقدمات كاألسباب لمكصكؿ إلى النتائج ،كالربط بيف السنف
الككنية كالتاريخية….الخ
كسنقكـ بمشيئة هللا تعالى بدراسة ىذه النقبلت التي أحدثيا الفكر اإلسبلمي في العالـ
بشيء مف التكسع.
-19- 39
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
المطمب األول:
النقمة في التصور والعتقاد
ما أف كطئت قدما آدـ عميو السبلـ األرض كرزقو هللا بالبنيف حتى دعاىـ إلى التكحيد
الخالص ﵀ عز كجؿ فكاف بيذا أبا البشر كأكؿ رسكؿ بعثو هللا ليـ ،قاؿ تعالى :إً َّف َّ
اَّللى
يف آؿ عمراف اآلية ّّ ثـ أخذ ً اىيـ ك ًطفىى آدـ كينكحا ك ً ً
اف ىعمىى اٍل ىعالىم ى
آؿ ع ٍم ىر ى
آؿ إ ٍب ىر ى ى ى
ىى ى ن ى ى اص ى
ٍ
االنحراؼ يعرؼ طريقو لمبشرية منذ أف قتؿ قابيؿ ىابيؿ ،ازداد االنحراؼ يكمان بعد يكـ ،كسرل
الشرؾ بيف الناس شيئان فشيئان ،حتى انتشر فييـ فأرسؿ هللا سبحانو الرسؿ ،كميـ يدعكف الناس
إلى تكحيد هللا سبحانو كاجتناب عبادة الطاغكت .قاؿ تعالى :كما أىرسٍم ىنا ًم ٍف قىبمً ىؾ ًم ٍف رس و
كؿ ىي ٍ ىى ٍى
يم وة
كف األنبياء اآليةِٓ ،كقاؿ :ىكلىقى ٍد ىب ىعثٍىنا ًفي يك ًٌؿ أ َّ كحي إًلى ٍي ًو أَّىنوي الى إًلىوى إًالٌ أ ىىنا فى ٍ
اعيب يد ً إًالٌ ين ً
اَّلل ك ً
كت النحؿ اآلية ّٔ. اغ ى اجتىنيبكا الطَّ ي ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ ىريسكالن أ ٍ
التكحيد الخالص ،ثـ ال تمبث قميبلن بعد أنبيائيا حتى
ى بيد أف الناس كانت تعيش فترات النبكة
تنحرؼ مرة أخرل كتضؿ في متاىات الشرؾ كالعقائد الباطمة ،حتى تصكر قسـ منيـ اإللو
حج انر أك كثنان أك عجبلن أك نا انر أك نك انر ،أك قم انر ،أك شمسان.
فأصاب الفكر اإلنساني الكىف ،حتى الرساالت السماكية السابقة :الييكدية كالنصرانية ،لـ
تسمـ مف التحريؼ كالتبديؿ ،كلقد أصاب أتباعيا االنحراؼ شأف غيرىـ فمزجكا في عقائدىـ
بيف صفات اإللو كصفات البشر ،كظنكه يعمـ أحيانان ،كيجيؿ أحيانان ،كأنو يفعؿ كيندـ ،كظنكه
ثبلثة… تعالى هللا عف ذلؾ عمكان كبي انر.
جاء اإلسبلـ فنقؿ اإلنسانية مف العقائد الضالة إلى عقيدة يقينية مف عند هللا تبارؾ كتعالى
لـ كلف تعترييا يد التغيير أك التحريؼ ألف هللا سبحانو تكفؿ بحفظيا ،ىذه العقيدة المتفقة مع
فطرة اإلنساف ،العقيدة التي تربطو بالككف كالحياة ،العقيدة التي تزرع الطمأنينة في النفكس،
كتقنعو بالدليؿ كالبرىاف.
ننتقؿ اآلف إلى استعراض مختصر لحياة أىـ الشعكب قبؿ اإلسبلـ ،لمتعرؼ عمى مقدار
االنحراؼ كالسقكط العقائدم ،كاألخبلقي ،كاالجتماعي كاالقتصادم كالسياسي ،ككذلؾ
االنحراؼ التشريعي ،لنقؼ عمى مقدار النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ.
-40-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ُ) انظر عقيدتو بالتفصيؿ :الممؿ كالنحؿ الشيرستاني ص ِّٓ ،ِّٔ-كانظر السيرة النبكية ألبي الحسف الندكم
صِّ.ِْ -
-43- 41
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كالزرادشتية ،كأعمف أنو يبعث ليتمـ عمؿ زرادشت كبكذا كالمسيح ،ككاف يأمر أتباعو بأربع
صمكات في اليكـ كالميمة ،كأمرىـ بترؾ الكذب كالسرقة كالزنا كالبخؿ كعبادة األكثاف ،كدعا إلى
حياة العزكبة لحسـ مادة الفساد كالشر في العالـ فحرـ النكاح.
كأنكر نبكة مكسى عميو السبلـ .قتمو أزدشير ،كىرب أتباعو ،ففشا أمرىـ في الصيف كما
(ُ)
زالكا حتى يكمنا ىذا.
ّ -المزدكية :كىك أتباع (مزدؾ بف نامداف) في أكائؿ القرف الخامس الميبلدم ،ادعى
النبكة كدعا إلى اإلباحية فكاف أكؿ صاحب حركة شيكعية إذ دعا إلى إباحة الماؿ كالنساء،
كجعؿ الناس شركاء فييا ،فانتشرت البطالة كعـ الفساد ،كانتيكت األعراض ،ككثر الخبث.
(ِ)
كلقد حارب الزرادشتية أشد المحاربة فقتمو الحاكـ أنك شركاف.
ثانياً :اليند :عبد الينكد في أزمانيـ الغابرة النار ،كقدسكا أشعة الشمس ،ككانكا يعتقدكف
بكجكد عالـ األمكات ،كليذا العالـ قدرة عمى التأثير في الككف ،كفي معرفة الغيب.
حتى استكلت قبيمة آريو عمى اليند في القرف الخامس عشر قبؿ الميبلد ،كقامت بفرض
ديانتيا البرىمية عمى الينكد .كمف يكميا كالينكد يدينكف بيا ،حتى أصبحت فييـ العقيدة
الظاىرة .باإلضافة إلى البرىمية انتشرت البكذية فما ىي حقيقتيما؟
ُ -البراىمة :نسبة إلى براىما كمعناه اإللو .كممخص عقيدتو أف لمككف آلية ثبلث ىي:
أ -براىما :كىك اإللو الخالؽ مانح الحياة ،صدرت عنو جميع المخمكقات ،كىك الذم يرجك
رحمتو ككرمو جميع األحياء ،كلو ينسبكف الشمس ألنيا مصدر الدؼء.
ب -سيفا أك سيكا :كبسببو تصفٌر أكراؽ الشجر الخضراء ،كييرـ اإلنساف ،كاليو ينسبكف
النار ألنيا عنصر الخراب كالدمار.
ج -ديشنكا :كىك الذم يحؿ في المخمكقات كليذا ينظر البراىمة إلى كؿ ما عمى األرض
عمى أنو إلو ألف ديشنكا يحؿ فيو ليحميو مف الفناء التاـ.
يؤمف البراىمة بتناسخ األركاح ،أنيا تنتقؿ مف جسد إلى آخر حتى تصؿ النفس الصالحة
إلى الكماؿ المطمؽ ،كالنفس الخبيثة تعيش الحياة القاسية حتى تستكمؿ جزاء ما فعمت.
-41-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ثالثاً :الصين :داف الصينيكف منذ عيكد طكيمة بعقيدة الكنفكشيكسية نسبة إلى حكيميـ
(ككنفكشيكس) الذم ظير في القرف السادس قبؿ الميبلد ،كدعا الناس إلى إحياء العادات
كالتقاليد المكركثة ،كأضاؼ عمييا مف فمسفتو كآرائو ،ككاف أىـ معتقداتيـ:
أ -في السماء إلييـ األعظـ يعبدكنو بكاسطة تقديـ القرابيف لمممكؾ كالرؤساء.
ب -لؤلرض إلو كلمشمس إلو يتقرب ليما بالقرابيف كذلؾ.
ث -تتككف عبادة الصينييف مف الغناء كالرقص كالمكسيقى.
ج -ال يؤمنكف بالجنة كالنار ،كال يعتقدكف بالبعث كالحساب ،إنما يككف كؿ ىذا في الدنيا.
ح -الممؾ أك اإلمبراطكر مف سبللة مقدسة تقدـ ليا القرابيف ،ألنيا الكاسطة إلى اآللية.
رابعاً :العرب:
كانت العرب عمى صمة قكية بديف إبراىيـ عميو السبلـ ،إال أنيـ ابتمكا في عصكرىـ
الم تأخرة بكثنية سخيفة ال يكجد ليا نظير إال في اليند البرىمية الكثنية ،كترقكا في الشرؾ
فاتخذكا مف دكف هللا آلية ،كيمكف كصؼ حالة العرب العقائدية عمى النحك التالي:
نزع الناس في الجزيرة العربية إلى عبادة األكثاف حتى لـ يخمك منيا حي أك قبيمة أك بيت
مف أبيات العرب ،أضؼ إلى ذلؾ أف الكعبة التي أرادىا هللا سبحانو منارة التكحيد ،دنسيا
العرب بالكثير مف األصناـ التي كصؿ عددىا ثبلثمائة كستكف صنمان ،ككاف مف أشيرىا عند
العرب مناة كالعزل كاساؼ كنائمة ،كقد ذكر القرآف الكريـ بعضيا فقاؿ سبحانو:
الذ ىكر كلىو ٍاألينثىى*تًٍمؾ إً نذا ًقسمةه ً
ض ىيزل يخرل*أىلى يكـ َّ َّ ً َّ
ٍى ى ي ى ي ٍ ل*ك ىم ىناةى الثالثىةى ٍاأل ٍ ى
ت ىكاٍل يعز ىأىفى ىأرٍىيتي ٍـ البلٌ ى
النجـ ُٗ – ِِ.
عيـ لقريش يدعى عمرك بف لحي "كقد مرض مرضان شديدان ككانت دخكؿ األصناـ عمى يد ز و
فقيؿ لو :إف بالبمقاء بالشاـ ًح ٌمة إف أتيتيا برئت ،فأتاىا فاستحـ بيا فبرأ ،ككجد أىميا يعبدكف
األصناـ ،فقاؿ :ما ىذه؟ فقالكا :نستسقي بيا المطر ،كنستنصر بيا عمى العدك ،فسأليـ أف
(ُ)
كمف يكميا كاألصناـ تزداد في يعطكه منيا ففعمكا ،فقدـ بيا مكة ،كنصبيا حكؿ الكعبة".
مكة كأركقتيا كنكادييا حتى غطت حياة العرب كميا ،ككاف مف أىـ العقائد التي ارتبطت بعبادة
األصناـ:
-41- 43
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أ -كاف أماـ الصنـ -ىبؿ -المكجكد في جكؼ الكعبة سبعة أقداح ،مكتكب عمى أكليا
صريح ،كاآلخر ممصؽ ،فإذا شككا في مكلكد ذىبكا بو إليو ،كمعيـ ىدية لو ثـ ضربكا بالقدح
فإف خرج صريح ألحقكه بأبيو ،كاف خرج ممصؽ ،دفعكه عنيـ ،ككانت تكجد أقداح لمنكاح
كذلؾ ،كأخرل لمسفر كغير ذلؾ.
ككاف العرب يتمسحكف باألصناـ عند سفرىـ ،كبعد رجكعيـ لنيؿ بركتيا ،قاؿ الكمبي" :فإذا
أراد أحدىـ السفر كاف آخر ما يصنع في منزلو أف يتمسح بو ،كاذا قدـ مف سفر كاف أكؿ ما
()1
يصنع إذا دخؿ منزلو أف يتمسح بو أيضان".
ب -كانت لكؿ قبيمة صنمان خاصان بيا ،فإذا حجكا أك اعتمركا لـ يحمقكا رؤكسيـ أك ينحركا
ذبائحيـ إال عنده.
ت -كاف الرجؿ إذا كاف في سفر ،كنزؿ منزالن يستريح فيو أخذ أربعة أحجار ،فنظر في
أحسنيا ،فاتخذه ربان ،كجعؿ ثبلثة أثافي لقدره ،فإذا ارتحؿ تركو ،كفي الحديث عف أىبًي رج و
اء ىى
ىخ ىي ير ًم ٍنوي أىٍلقىٍي ىناهي ىكأ ى
ىخ ٍذ ىنا (كَّنا ىن ٍعيب يد اٍل ىح ىج ىر فىًإ ىذا ىك ىج ٍد ىنا ىح ىج نار يى ىك أ ٍ
م رضي هللا ىع ٍنوي قىاؿ :ي ط ًارًد َّاٍل يع ى
ً (ِ)
الش ًاة فى ىحمى ٍب ىناهي ىعمى ٍي ًو ثيَّـ طي ٍف ىنا بًو). ٍاآل ىخر فىًإ ىذا لىـ ىن ًج ٍد حج ار جم ٍع ىنا جثٍكةن ًم ٍف تير و
اب ثيَّـ ًج ٍئ ىنا بً َّ
ى ى ىن ى ى ي ى ٍ ى
رابعاً :الييودية والنصرانية:
يقكؿ أبك الحسف الندكم رحمو هللا تعالى" :أصبحت الديانات العظمى ،كصحفيا العتيقة،
كشرائعيا القديمة ،فريسة العابثيف كالمتبلعبيف ،كلعبة المحرفيف كالمنافقيف...
أصبحت الييكدية مجمكعة مف طقكس كتقاليد ال ركح فييا كال حياة ،كىي -بصرؼ النظر
عف ذلؾ -ديانة سبللية مختصة بقكـ كبجنس معيف ،ال تحمؿ لمعالـ رسالة ،كال لؤلمـ دعكة،
كال لئلنسانية رحمة.
شعار مف بيف الديانات
نا كقد أصيبت ىذه الديانة في عقيدتيا األصمية التي كانت ليا
كاألمـ ،ككاف فييا سر شرفيا كىي عقيدة التكحيد التي كصى بيا إبراىيـ بنيو كيعقكب -
كثير مف عقائد األمـ الفاسدة التي جاكركىا ،أك كقعكا تحت
عمييـ السبلـ ،فقد اقتبس الييكد نا
ككثير مف عاداتيا كتقاليدىا الكثنية الجاىمية ،كقد اعترؼ بذلؾ مؤرخك الييكد
نا سيطرتيا،
-44-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
المنصفكف ،فقد جاء في دائرة المعارؼ الييكدية ما معناه" :إف سخط األنبياء كغضبيـ عمى
عبادة األكثاف تدؿ عمى أف عبادة األكثاف كاآللية كانت قد تسربت إلى نفكس اإلسرائيمييف ،كقد
قبمكا معتقدات شركية كخرافية ،إف التممكد أيضا يشيد بأف الكثنية كانت فييا جاذبية خاصة
لمييكد" ،كيدؿ تممكد بابؿ -الذم يبالغ الييكد في تقديسو ،كقد يفضمكنو عمى التكراة ،ككاف
متداكالن بيف الييكد في القرف السادس النصراني ،كما زخر بو مف نماذج غريبة مف خفة العقؿ
كسخؼ القكؿ ،كاالجتراء عمى هللا ،كالعبث بالحقائؽ ،كالتبلعب بالديف كالعقؿ يدؿ عمى ما
كصؿ إليو المجتمع الييكدم في ىذا القرف مف االنحطاط العقمي كفساد الذكؽ الديني.
أما النصرانية فقد امتحنت بتحريؼ الغاليف ،كتأكيؿ الجاىميف ،ككثنية الركماف المتنصريف
ركاما ،دفنت تحتو تعاليـ المسيح العظيمة ،كاختفى نكر
منذ عصرىا األكؿ ،كأصبح كؿ ذلؾ ن
التكحيد كاخبلص العبادة ﵀ كراء ىذه السحب الكثيفة.
يتحدث كاتب نصراني عف مدل تغمغؿ عقيدة التثميث في المجتمع المسيحي منذ أكاخر
القرف الرابع الميبلدم ،فيقكؿ" :تغمغؿ االعتقاد بأف اإللو الكاحد مركب مف ثبلثة أقانيـ في
أحشاء حياة العالـ المسيحي كفكره منذ الربع األخير لمقرف الرابع ،كدامت عقيدة رسمية معتمدة
في جميع أن حاء العالـ المسيحي ،كلـ يرفع الستار عف تطكر عقيدة التثميث كسرىا إال في
النصؼ الثاني لمقرف التاسع عشر الميبلدم.
كيتحدث مؤرخ نصراني معاصر في كتاب" :تاريخ المسيحية في ضكء العمـ المعاصر"..
"لقد انتيت الكثنية ،كلكنيا لـ تمؽ إبادة كاممة ،بؿ إنيا تغمغمت في النفكس ،كاستمر كؿ شيء
شييدا
ن فييا باسـ المسيحية كفي ستارىا ،فالذيف تجردكا عف آليتيـ كأبطاليـ كتخمكا عنيـ أخذكا
مف شيدائيـ ،كلقبكه بأكصاؼ اآللية ،ثـ صنعكا لو تمثاالن ،كىكذا انتقؿ ىذا الشرؾ كعبادة
األصناـ إلى ىؤالء الشيداء المحمييف ،كلـ ينتو ىذا القرف حتى عمت فييـ عبادة الشيداء
أف األكلياء يحممكف صفات األلكىية ،كصار ىؤالء كاألكلياء ،كتككنت عقيدة جديدة ،كىي ٌ
طا بيف هللا كاإلنساف ،كغيرت أسماء األعياد الكثنية بأسماء جديدة،
األكلياء كالقديسكف خمقنا كس ن
حتى تحكؿ في عاـ ََْ ميبلدم عيد الشمس القديـ إلى عيد ميبلد المسيح"
كجاء القرف السادس المسيحي ،كالحرب قائمة عمى قدـ كساؽ بيف نصارل الشاـ كالعراؽ،
كبيف نصارل مصر حكؿ حقيقة المسيح كطبيعتو ،تحكلت المدارس كالكنائس كالبيكت،
-45- 45
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
معسكرات متنافسة يكفر بعضيا بعضان ،كيقتؿ بعضيا بعضان كأنيا حرب بيف دينيف متنافسيف،
(ُ)
أك أمتيف متحاربتيف".
الحالة الجتماعية والسياسية لمعالم قبل اإلسالم:
أولً :اإلمبراطورية الرومانية الشرقية "البيزنطية":
ىذه اإلمبراطكرية كانت تحكـ معظـ حكر البحر األبيض المتكسط حيث خضع لسمطانيا
كؿ مف اليكناف كالبمقاف ،كآسيا الصغرل ،كسكريا كفمسطيف ،كمصر ،ككؿ شماؿ أفريقيا.
ازدادت فييا اإلتاكات كتضاعفت الضرائب ،حتى أصبح أىؿ الببلد يفضمكف عمى حككمتيـ
كؿ حككمة أجنبية ،كحدثت اضطرابات كثكرات في إثر ثكرات ،كقد ىمؾ في اضطراب كاحد
عاـ ِّٓـ ثبلثكف ألؼ شخص في القسطنطينية عاصمة المممكة.
كاف ىناؾ تناقض ىائؿ في الحياة االجتماعية لمبيزنطييف ،ففي الكقت الذم حرص كثي انر
فريؽ مف الناس نحك التعمؽ في األبحاث الدينية ،كانتشرت بينيـ الرىبانية ،حرص آخركف
عمى الميك كالترؼ كالطرب ،كحتى الجنكف ،كفي ذلؾ العيد كانت الرياضيات المميتة التي
يميك برؤيتيا عشرات اآلالؼ مف الناس.
أما الحكاـ فكانكا عناكيف لمفساد كاالستبداد السياسي ،كانتشر االضطياد الديني عمى نطاؽ
كاسع ،كأكبر مثاليف عمى ذلؾ كاف حكـ البيزنطييف لسكريا كمصر ،اتخذتا شاةن حمكبان ليـ،
حتى كاف الكاحد ربما يبيع أكالده ليكفي ما عمى مف إتاكات.
ثانياً :اإلمبراطورية اإليرانية:
سبؽ الحديث في عقائد ببلد الفرس أنيا تأرجحت بيف الثانكية كالمانكية كالمزدكية ،كيؼ
انتشرت ىذه المعتقدات في إيراف كىي متناقضة كمتعارضة تمامان ،فقد ظير أف إيراف لدييا
استعداد عجيب دائمان لقبكؿ الدعكات المتطرفة المغالية ،تتأرجح بيف أبيقكرية جامحة ،كتنسؾ
مغاؿ حينان ،كبيف احتكار سبللي ،أك طبقي ،أك ديني ،كشيكعية متطرفة كفكضكية مطمقان حينان
آخر.
لذا كانت أحكاؿ ىذه اإلمبراطكرية سيء لمغالية سياسيان تحكميا في القرف السادس الممكؾ
الساسانيكف ،يركف أنفسيـ فكؽ البشر ،ككذلؾ يجب أف يراىـ الناس.
-46-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
مكارد الببلد كميا مسخرة لرفاىية ىؤالء الحكاـ المتألييف عمى الناس ،كاف ذلؾ كاضح في
المتأمؿ في قصكرىـ كما اشتممت عميو مف ثركات ،ككنكز كتحؼ كمتاع....
كالشعب في بؤس كشقاء ،كضرائب كاتاكات كفكؽ كؿ ىذا استعباد.
ثالثاً :اليند:
في مستيؿ القرف السادس الميبلدم بمغت اليند أحط أدكارىا ديانة كخمقان كاجتماعان ،إذ
انتشرت الخبلعة حتى في المعابد ،ألف دينيـ أضفى عمى المجكف قداسة ،ككانت المرأة ال
قيمة ليا ،كقد يخسر الرجؿ امرأتو في لعبة قمار ،كانتشرت بيف الناس خاصة الطبقات الشريفة
عادة إحراؽ األرامؿ نفكسيف عمى كفاة أزكاجيف.
كامتازت اليند دكف األمـ بالتفاكت الفاحش بيف طبقات المجتمع ،ككانت ىذه الطبقات عمى
النحك اآلتي:
أ -البراىمة :كىـ طبقة الكينة كرجاؿ الديف ،كىؤالء يزعمكف أنيـ مخمكقيف مف رأس اإللو
براىما ،كلذلؾ ىـ خبلصة البشر كعقمو المفكر.
ب -شترا :كتعنى القكة ،كىـ طبقة المحاربيف كالجند كالقكاد ،كيزعمكف أنيـ خمقكا مف
ذراعي اإللو براىما ،كىـ يأتكف في الدرجة الثانية بعد البراىمة.
ت -كيش :كتعنى الجاه كالغنى كالماؿ كىـ طبقة الزراع كالتجار ،كيزعمكف أنيـ خمقكا مف
ركبتي اإللو براىما ،كلذا ىـ في الدرجة الثالثة مف المجتمع.
ث -شكدر :كىـ طبقة المنبكذيف الذيف خمقكا مف قدـ اإللو كىـ الخدـ ،كفي اعتقادىـ أف
ىذه الطائفة خمقت لخدمة الطكائؼ الثبلثة الماضية ،كليس ليا أف تنظر أك تكمـ أك تجمس أك
تأكؿ مع تمؾ الطبقات .كليس ليـ أف يقتنكا الماؿ ،أك يدخركا.
لقد كاف ىذا التقسيـ الطائفي كالعرقي متغمغان في نفكس الينكد إلى حد بعيد جدان.
ِ -البكذية :ظيرت ىذه الحركة في اليند في القرف الخامس قبؿ الميبلد ،ككاف مف أىـ
مبادئيا التصكؼ كنبذ الترؼ ،كما نادت بالتسامح كالمساكاة بيف الناس ،غير أف ىذه المبادئ
حرفت بعد كفاة زعيميا (مدىارتا جكتاما) الممقب ب (بكذا) ،أما أىـ عقائدىـ:
أ -أف بكذا ابف هللا -سبحانو -كىك المخمص لمبشرية.
ب -يعتقدكف أف بكذا سيدخميـ الجنة.
ج -يعتقدكف رجعتو ثانية لينشر في األرض السبلـ.
-47- 47
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
رابعاً العرب:
تقدست في العرب أصالة النسب ،كنقاء المعدف ،ككانكا يدرككف انتماءىـ الكثيؽ بإبراىيـ
كاسماعيؿ عمييما السبلـ ،غير َّ
أف تباعد الزماف بينيـ كبيف إبراىيـ كاسماعيؿ ردىـ إلى ضبلؿ
الجاىمية ،كأفقدىـ الكثير مف تعاليـ الديف الحنيؼ الذم بقيت منو أمكر سطحية كتعظيـ البيت
الحراـ ،كالطكاؼ بو ،كالحج كالعمرة ،مع ما دخؿ ىذه الطقكس مف تحريفات كثيرة كالتصفيؽ
كالتصفير حاؿ الطكاؼ ،أك الطكاؼ عرايا عند بعضيـ ،كلـ يبؽ عمى ديف إبراىيـ أحنافان غير
قمة قميمة ال تتجاكز أصابع اليد أمثاؿ كرقة بف نكفؿ ،كقس بف ساعدة.
أما أخبلؽ العرب فقد ساءت ،أكلعكا بالخمر كالقمار ،كبمغت بيـ القساكة إلى كأد البنات،
كشاعت فييـ الغارة كقطع الطريؽ ،كسقطت فييـ مكانة المرأة ،فبل رأم ليا يسمع ،كال ترث،
بؿ تكرث كما يكرث المتاع.
كعبل فييـ عصبية الجاىمية لمقبيمة ،كأريقت الدماء ألتفو األسباب.
خامساً :أوروبا:
عاشت األمـ األكربية في القرف الخامس الميبلدم ظبلمان دامسان مف الجيؿ كالتخمؼ،
كانتشرت فييـ اليمجية ،كالدمار كالخراب ،جمدت فييـ القرائح ،فمـ ألصحاب الفكر مكاف
امتدت ىذه الحاؿ في القرف السادس الميبلدم ،قبيؿ مبعث رسكؿ هللا ،
(ُ)
فساد سياسي كاجتماعي كبير ،ظبلـ مطبؽ كيأس قاتؿ
** بعد ىذا االستعراض لتصكرات الجاىمية عمى اختبلؼ أصنافيا كأجناسيا ،استطاعت
رسالة التكحيد أف تخرج الناس مف عبادة أشخاص كأكثاف كمخمكقات كالشمس كالقمر كالنار
كالنكر… إلى عبادة هللا كحده ،لقد ارتقى اإلسبلـ باإلنسانية إلى العبادة التي تحفظ عمى
اإلنساف كرامتو ،كعقمو كتكجيو إلى الطريؽ الصحيح بدالن مف طريؽ الخرافة كاألسطكرة.
كصدؽ ربعي بف عامر رحمو هللا تعالى عندما قاؿ لرستـ قائد جيش الفرس:
(كهللاي جاء بنا لنخرج مف شاء مف عبادة العباد إلى عبادة هللا ،كمف ضيؽ الدنيا إلى
سعتيا ،كمف جكر األدياف إلى عدؿ اإلسبلـ ،فأرسمنا بدينو إلى خمقو .فمف قبؿ منا ذلؾ ،قبمنا
(ُ) انظر حقبة ما قبؿ اإلسبلـ :السيرة النبكية ألبي الحسف الندكم – المقدمة صُٗ ْْ-بتصرؼ.
-48-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ذلؾ منو كرجعنا عنو كتركناه كأرضو يمييا دكننا ،كمف أبى قاتمناه أبدان حتى ينفضي إلى مكعكد
هللا .قاؿ :كما مكعكد هللا؟ قاؿ :الجنة لمف مات عمى قتاؿ مف أبى ،كالظفر لمف بقي)(ُ).
أف نستحضر في أذىاننا شيئان مف ممارسات العقؿ في قاؿ د .عماد الديف خميؿَّ :
"فإف لنا ٍ
الجاىمية ،كطرائؽ إدراكو لمعالـ ،كصيغ تعاممو مع ما تصكره القكل التي تييمف عميو كتسيره،
(ِ)
كنقارف ىذا بالمصاؼ الذم احتمو العقؿ المسمـ بعد إعادة تشكيمو باالعتقاد الجديد"
أىم القواعد العقائدية التي رسخيا اإلسالم في عقول الناس:
ند لو،كال ُ -تكحيد هللا سبحانو بأسمائو كصفاتو:هللا كاحد ال إلو إال ىك،ال شريؾ لو،كال ٌ
مثيؿ لو في قدرتو كفعمو ،كال كالد لو كال كالد.
ىح هد ً
*كلى ٍـ ىي يك ٍف لىوي يكفي نكا أ ى
الص ىمد *لى ٍـ ىيم ٍد ىكلى ٍـ ييكلى ٍد ى
*اَّللي َّ ىح هد َّ اَّللي أ ى
قاؿ تعالى :يق ٍؿ يى ىك َّ
ص يير الشكرل اآلية ُُ. الس ًميع الب ً ً ًً
اإلخبلص ُ ْ-كقاؿ سبحانو :لى ٍي ىس ىكم ٍثمو ىش ٍي هء ىك يى ىك َّ ي ى
كلقد أبطؿ اإلسبلـ بالدليؿ كالبرىاف العقمي قضية تعدد اآللية في الكثير مف آم القرآف
شكف إً نذا الى ٍبتى ىغ ٍكا إًلىى ًذم اٍل ىع ٍر ً ً
اف ىم ىعوي آليىةه ىك ىما ىيقيكلي ى الكريـ كمف ذلؾ قكلو تعالى يق ٍؿ لى ٍك ىك ى
اف
ير اإلسراء اآلية ِْ – ْْ ،كقاؿ :لى ٍك ىك ى كف يعمي ِّكا ىكبً نا ىسبًيبلن ي
*س ٍب ىح ىانوي ىكتى ىعالىى ىع َّما ىيقيكلي ى
ً اَّلل لىفىسدتىا فىسبحاف ًَّ ً ً
كف األنبياء اآلية ِِ. ش ىع َّما ىيصفي ى ب اٍل ىع ٍر ًاَّلل ىر ًٌ في ًي ىما آليىةه ًإالٌ َّي ى ى ي ٍ ى ى
ألف ما كما بيف القرآف الكريـ أف هللا سبحانو ليس بحاجة إلى كاسطة بينو كبيف عبادهَّ ،
يعتقدكنو أنو يقربيـ إلى هللا سبحانو ،ىـ أضعؼ مف ذلؾ بكثير ،كهللا سبحانو بحكلو كقكتو
غير محتاج إلى كاسطة مف أحد قاؿ سبحانو:
كف ًَّ كف ًم ٍف يد ً ًَّ الناس ض ًرب مثىؿ فى ً
يذ ىب نابا ىكلى ٍك اَّلل لى ٍف ىي ٍخميقيكا استىم يعكا لىوي إً َّف الذ ى
يف تى ٍد يع ى يا أييا َّ ي ي ى ى ه ٍ
اَّلل الذباب ىشينئا الى يستى ًنق يذكه ًم ٍنو ضع ى َّ ً ُّ
قى ىد يركا َّى كب * ىما طمي ي ب ىكاٍل ىم ٍ
ؼ الطال ي ي ي ىي ىٍ ًف ىي ٍسميٍبيي ٍـ ى ي ٍ اجتى ىم يعكا لىوي ىكا ٍ
ٍ
م ىع ًز هيز الحج اآلية ّٕ– ْٕ ؽ قى ٍد ًرًه إً َّف َّ
اَّللى لىقى ًك ّّ ىح َّ
كما أف العباد غير محتاجيف إلى مخمكؽ يقربيـ مف ربيـ ،فما عمييـ إال أف يدعكه،
اع إً ىذا يب ىد ٍع ىكةى َّ
الد ً كيتقربكا إليو بطاعتو قاؿ سبحانو :كًا ىذا ىسأىلى ىؾ ًعب ًادم ىعٌنًي فىًإٌنًي قى ًر ه ً
يب أيج ي ى ى
َّ ً
كف البقرة اآلية ُٖٔ. اف ىفٍم ىي ٍستى ًج ييبكا ل ىي كٍليي ٍؤ ًمينكا بًي لى ىعميي ٍـ ىي ٍريش يد ى
ىد ىع ً
-49- 49
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
فيك منيـ قريب سميع مجيب عميـ بذات الصدكر ،كىك يعمـ السر كأخفى كفي ذلؾ يقكؿ
كف ًم ٍف ىن ٍج ىكل ثىبلىثى وة إًالٌ ات ك ىما ًفي األ ٍىر ً اَّلل يعمىـ ما ًفي َّ ً سبحانو :أىلى ٍـ تىىر أ َّ
ض ىما ىي يك ي الس ىم ىاك ى ىف َّى ى ٍ ي ى
يى ىك ىاربً يعيي ٍـ ىكالى ىخ ٍم ىس وة إًالٌ يى ىك ىس ًاد يسيي ٍـ ىكالى أ ٍىد ىنى ًم ٍف ىذلً ىؾ ىكالى أى ٍكثىىر إًالٌ يى ىك ىم ىعيي ٍـ أ ٍىي ىف ىما ىك يانكا ثيَّـ
و ً ي ىنبًيئيـ بًما ىع ًمميكا يكـ اٍل ًقيام ًة إً َّف َّ ً
يـ المجادلة اآلية ٕ اَّللى بً يك ٌؿ ىش ٍيء ىعم ه ىٍ ى ى ى ي ٌ يٍ ى
ِ -تكحيد الربكبية كاأللكىية :فكؿ ما في الككف مف مخمكؽ فا﵀ خالقو ،ال خالؽ سكاه،
األرض كالبحار كالجباؿ كاألشجار كالنباتات كالحيكاف كاإلنساف … الخ هللا خالقو ،فيك رب كؿ
رب سكاه ،كهللا سبحانو ىك المحيي كىك المميت ،كالنافع كالضار كالمجيب كالمعطي شيء ،ال ٌ
كالمانع ،لو األمر كالنيي .قاؿ سبحانو:
ً
اَّلل يريزقي يكـ ًمف َّ ً
اء كاأل ٍىر ً الناس ا ٍذ يكركا نًعمةى ًَّ
اَّلل ىعمى ٍي يك ٍـ ىى ٍؿ ًم ٍف ىخالً و
ض الس ىم ى ؽ ىغ ٍي ير َّ ى ٍ ٍ ٍ ي ٍى يا أييا َّ ي
كف فاطر اآلية ّ. الى إًلىوى إًالٌ يى ىك فىأىنَّى تي ٍؤفى يك ى
يف األعراؼ اآلية ْٓ. ً
ب اٍل ىعالىم ى
اَّللي ىر ُّ
ؾ َّ ؽ ىكاأل ٍىم ير تىىب ىار ى
أىالى لىوي الخٍم ي
يؿ األنعاـ و ً ً ؽ يك ًٌؿ ىش ٍي وء فى ٍال ًإلى ىو إًالٌ يى ىك ىخالً ي ىذًل يك ٍـ َّ
اعيب يدكهي ىك يى ىك ىعمىى يك ٌؿ ىش ٍيء ىكك ه ُّك ٍـ ى
اَّللي ىرب ي
اآليةَُِ
كقد كانت العرب ،ككذلؾ بعض األمـ -كما سبؽ الحديث عنيـ -يعترفكف َّ
بأف هللا
سبحانو ىك الخالؽ األعظـ غير َّأنيـ كانكا يشرككف مع هللا تعالى في العبادة غيره ،ككانكا
بأف لو كلد ،كقكليـ المبلئكة بنات هللا .سبحانو كتعالى
ينسبكف إليو ما يتنزه عنو سبحانو كقكلو ٌ
عف ذلؾ عمكان كبي انر.
كيترتب عمى تكحيد الربكبية ،تكحيد األلكىية :كىك إفراده سبحانو بالعبادة ،فيك كحده
ً
يف الفاتحة اآلية ْ َّاؾ ىن ٍستىع ي المستحؽ ليا ،كال معبكد سكاه قاؿ سبحانو :إًي ى
َّاؾ ىن ٍعيب يد ىكاًي ى
ت إً نذا ىك ىما أ ىىنا كف ًَّ كف ًم ٍف يد ً ًَّ ً
ضمىٍم ي
اء يك ٍـ قى ٍد ى اَّلل يق ٍؿ الى أىتَّبًعي أ ٍ
ىى ىك ى يف تى ٍد يع ى
ىعيب ىد الذ ى
ىف أ ٍ يق ٍؿ إًٌني ين ًي ي
يت أ ٍ
ىف الديف * كأ ً ً ىعبد َّ ً ًمف اٍلميتىًديفاألنعاـ اآلية ٔٓ ،يقؿ إًٌنًي أ ً
ت أل ٍ يم ٍر ي صا لىوي ٌ ى ى اَّللى يم ٍخم ن ىف أ ٍ ي ى ت أٍ يم ٍر ي ٍ ٍ يٍ ى
يف الزمر اآلية ُُ ُِ - ًً
كف أى َّك ىؿ اٍل يم ٍسمم ى
ىك ى
أي
الرسالت السماوية :طالت يد التحريؼ كاالنحراؼ أكثر رسالتيف سابقتيف تابعان ،كأصبحتا
ىدفان لمعابثيف ،كدعاة الكثنية كالتجسيد كالحمكؿ ،مما استمزـ رسالة سماكية خاتمة تصحح
االنحراؼ ،كترجع البشرية إلى جادة الصكاب.
-50-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أولً الييودية :أنزؿ هللا سبحانو عمى رسكلو مكسى عميو السبلـ كتاب التكراة كىي كممة
كر ىي ٍح يك يـ بًيىا ً عبرية تعني الشريعة أك التعميـ ،قاؿ سبحانو :إًَّنا أ ى
ىنزٍل ىنا التَّ ٍكىراةى فييىا يى ندل ىكين ه
اب ًَّ
اَّلل ىك ىك يانكا ىعمى ٍي ًو استي ٍح ًفظيكا ًم ٍف ًكتى ً النبًيُّكف الًَّذيف أىسمىمكا لًمًَّذيف ىادكا ك َّ ً
ىح ىب يار بً ىما ٍ ُّكف ىكاأل ٍ
الربَّاني ى ى ىي ى ى ٍ ي َّ ى
اء المائدة اآلية ْْ. يشيى ىد ى
بيد أف التكراة التي في أيدم الييكد اليكـ ليست تمؾ التي نزلت عمى مكسى عميو السبلـ،
ألنيـ ما فتئكا مف يكـ أف قيبض مكسى عميو السبلـ تغيي انر كتحريفان كزيادة كحذفان في التكراة قاؿ
كنوي ًم ٍف ىب ٍعًد يؽ ًم ٍنيـ يسمعكف ىكبلىـ ًَّ
اَّلل ثيَّـ يي ىح ًٌرفي ى ى ىف يي ٍؤ ًمينكا لى يك ٍـ ىكقى ٍد ىك ى
اف فى ًر ه ي ٍ ى ٍ ى ي ى كف أ ٍ
ط ىم يع ى
تعالى :أىفىتى ٍ
اض ًع ًو النساء ما ع ىقميكه كىـ يعىممكف البقرة اآلية ًٕٓ ،مف الًَّذيف ىادكا يح ًرفيكف اٍل ىكمًـ عف مك ً
ى ى ٍ ىى ى ى ي ي ىٌ ى ٍ ى ى ي ى يٍ ى ٍ ي ى
اآلية ْٔ
كف ىى ىذا ًم ٍف ًع ٍنًد ً
اب بًأ ٍىيدي ًي ٍـ ثيَّـ ىيقيكلي ى
ً
كف اٍلكتى ى
يف ىي ٍكتييب ى
ًًَّ
كقد تكعدىـ هللا سبحانو فقاؿ :فى ىكٍي هؿ لمذ ى
ً ً ً ًَّ
كف البقرة اآليةٕٗ اَّلل لً ىي ٍشتىيركا بً ًو ثى ىمننا ىقمًيبلن فى ىكٍي هؿ لىيي ٍـ ًم َّما ىكتىىب ٍ
ت أ ٍىيدي ًي ٍـ ىكىكٍي هؿ لىيي ٍـ م َّما ىي ٍكسيب ى
أما األدلة عمى التحريؼ كالتبديؿ التي طالت التكراة فكثيرة نذكر منيا:
الرب سبحانو وتعالى في عقيدة ييود:
أ " -كقاؿ هللا :ليكف نكر ،فكاف نكر ،ك رأل هللا النكر أنو حسف" .سفر التككيف صّ.
فيؿ هللا سبحانو لـ يعرؼ فضؿ النكر عمى الظممة -كىك خالقيما -حتى يراىما؟!!
ب -سفر التككيف صْ":كفرغ هللا في اليكـ السابع مف عممو الذم عمؿ،فاستراح في اليكـ
كم ٍف قيكـ
السابع مف جميع عممو الذم عمؿ" .ىؿ الرب كخمقو يعمؿ فيتعب كيستريح ،ى
السماكات كاألرض سكاه؟!!
ت -جاء في سفر التككيف صّٓ أف الرب سبحانو يصارعو يعقكب فيصرعو كال
يستطيع الفكاؾ منو مف الميؿ حتى طمكع الفجر!! حتى قاؿ الرب ليعقكب" :أطمقني ألنو قد
طمع الفجر ،فقاؿ :ال أطمقؾ حتى تباركني ،فسألو ما اسمؾ؟ فقاؿ :يعقكب ،فقاؿ :ال يدعى
بعد يعقكب ،بؿ إسرائيؿ".
اسمؾ في ما ي
ث -جاء في سفر التككيف صَُ أف الرب ً
أسؼ ألنو خمؽ آدـ كمف عمى األرض قاؿ" :
فحزف الرب أنو عمؿ اإلنساف في األرض ،كتأسؼ في قمبو فقاؿ الرب" :أمحك عف كجو
األرض اإلنساف الذم خمقتو ،اإلنساف مع بيائـ كدبابات كطيكر السماء ،ألني حزنت أني
عممتيـ".
-53- 51
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
* األنبياء في عقيدة ييود :األنبياء في عقيدتيـ كذابكف مخادعكف زناة سكارل ..كاليؾ
بعض افتراءاتيـ فيما حرفكا مف التكراة:
كتعرل
أ -قالكا في نكح" :كابتدأ نكح يككف فبلحان كغرس كرمان ،كشرب مف الخمر فسكر ٌ
داخؿ خبائو" .سفر التككيف صُْ.
ب -قالكا في لكط" :كصعد لكط مف صكعر كسكف الجبؿ ،كابنتاه معو ،ألنو خاؼ أف
يسكف في صكعر ،فسكف المغارة ىك كابنتاه ،كقالت البكر لمصغيرة :أبكنا قد شاخ كليس في
األرض رجؿ ليدخؿ عمينا كعادة كؿ األرض ،ىمـ نسقي أبانا خم انر كنضطجع معو ،فنحيي مف
أبينا نسبلن ،فسقتا أباىما خم انر في تمؾ الميمة ،كدخمت البكر كاضطجعت مع أبييا ،كلـ يعمـ
باضطجاعيا كال بقياميا "..سفر التككيف صِٖ.
ث -قالكا في داكد":ككاف في كقت المساء أف داكد قاـ عف سريره كتمشى عمى سطح بيت
الممؾ ،فرأل مف عمى السطح امرأة تستحـ ،ككانت جميمة المنظر جدان ،فأرسؿ داكد كسأؿ عف
المرأة ،فقاؿ كاحد :ىذه بثشبع بنت أليعاـ امرأة أكريا الحثًي ،فأرسؿ داكد رسبلن كأخذىا ،فدخمت
إليو كاضطجع معيا كىي مطيرة مف طمثيا ،ثـ رجعت إلى بيتيا ،كحممت المرأة فأرسمت
كأخبرت داكد كقالت إني حبمى "..سفر صمكئيؿ الثاني صَْٖ ،ِْٖ -كتماـ القصة أف
غرر بزكجيا فأمر قكاده بأف يجعمكه في كجو العدك ثـ يتأخركا عنو حتى يقتؿ ،ففعمكا،
داكد َّ
كمف ثىَّـ ضـ زكجة قائده إليو ،ككلدت لو كما يزعمكف سميماف عميو السبلـ.
ثانياً :النصرانية :أرسؿ الحؽ سبحانو عيسى عميو السبلـ إلى بني إسرائيؿ مصدقان لشريعة
مكسى عميو السبلـ ،كلتخفيؼ بعض قيكد شريعة التكراة ،كأنزؿ عميو اإلنجيؿ ،كىي لفظ
صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف
يسى ٍاب ًف ىم ٍرىي ىـ يم ى
ً
يكناني معناه( :البشرل) قاؿ سبحانو :ىكقىفٍَّي ىنا ىعمىى آثى ًارًى ٍـ بًع ى
صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف ىي ىد ٍي ًو ًم ٍف التَّ ٍكىرًاة ىك يى ندل ىك ىم ٍك ًعظىةن ًً ً ً ً
ىي ىد ٍيو م ٍف التَّ ٍكىراة ىكآتىٍي ىناهي ٍاإلنجيؿ فيو يى ندل ىكين ه
كر ىك يم ى
ً ً
يف المائدة اآلية ْٔ. لٍم يمتَّق ى
أف التحريؼ طاؿ اإلنجيؿ بعد رفع عيسى عميو السبلـ ،كاضطياد أتباعو ،كضياع غير ٌ
اإلنجيؿ ،كبعد اعتناؽ اإلمبراطكر الركماني قسطنطيف األكؿ سنة ُِّـ ،ككاف قبؿ ذلؾ
فكتبت أناجيؿ كثيرة ،حتى قالكا بمغت حكالي السبعيف،
كثنيان ،كبدأت كتابة اإلنجيؿ مف الذاكرة ،ي
كؿ كاتب يدعي أف ما كتب ىك الصحيح ،إلى أف اجتمعكا في مجمع (نيفيو) سنةِّٓـ،
-51-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
فاعترفكا فيو بأربعة أناجيؿ كىي :إنجيؿ متى ،كانجيؿ مرقص ،كانجيؿ لكقا ،كانجيؿ يكحنا.
كأيحرقت باقي الكتب.
أف األناجيؿ المكجكدة ليست مف إمبلء المسيح ،كفييا قصصان كثيرة بعد نخمص مما تقدـ ٌ
أف رفع هللا سبحانو عيسى إليو ،كىي كذلؾ مميئة بالتناقضات كاالفتراءات قاؿ تعالى :ىك ًم ٍف ٍ
ىخ ٍذ ىنا ًميثىاقىيي ٍـ فىىن يسكا ىحظِّا ًم َّما يذ ًٌك يركا بً ًو فىأ ٍ ًَّ
اء
ض ى ىغ ىرٍي ىنا ىب ٍي ىنيي ٍـ اٍل ىع ىد ىاكةى ىكاٍل ىب ٍغ ى ص ىارل أ ى يف قىاليكا إًَّنا ىن ى الذ ى
كف المائدة اآلية ُْ. ص ىن يع ىاَّللي بً ىما ىك يانكا ىي ٍ
ؼ يي ىنٌبًيئيي ٍـ َّام ًة ىك ىس ٍك ى ً ً
إلىى ىي ٍكـ اٍلق ىي ى
ً
كاليؾ بعض أىـ انحرافاتيـ:
أ -جعؿ النصارل عيسى بف مريـ عميو السبلـ ،كالممؾ جبريؿ شركاء ﵀ سبحانو في
ألكىيتو ككحدانيتو ،كىك ما أطمقكا عميو األقانيـ الثبلثة ،كسمكه كذلؾ كحدانية في تثميث،
كتثميث في كحدانية.
فداء عف الخميقة ،كتكفي انر لمخطيئة التي ارتكبيا آدـ
ب -اعتقدكا أف المسيح صمب كمات ن
في معصيتو ربو ،كالتي تحمميا أبناؤه مف بعده.
إف عيسى بعد صمبو كمكتو دفف ،كبعد ثبلثة أياـ مف دفنو تغمب عمى مكتو كقاـ
ت -قالكا ٌ
حيث لحؽ بأبيو اآلب.
ث -قالكا بأف عيسى ىك الذم سيتكلى الحساب في اآلخرة ،ألنو مف جنس البشر ،كلذا
فيك أقدر عمى المحاسبة.
ج -زعمكا أف المسيح ليمة صمبو كزع عمى الحكارييف خب انز كخم انر ،فأكمكا منو ،كالخبز
لحمو ،كالخمر دمو ،كعميو فمف يأكؿ الخبز كيشرب الخمر ليمة الفصح فقد استحاؿ فيو
المسيح.
ح -اإلنجيؿ "العيد الجديد" امتداد لمتكراة ،كليذا ما يؤخذ عمى الييكد في نظرتيـ لؤلنبياء،
تؤخذ كذلؾ عمى النصارل ألف التكراة بالنسبة لممسيحييف تعتبر أسفار العيد القديـ.
كمما جاء في إنجيؿ يكحنا عف األنبياء اإلصحاح العاشر ٕ ٖ-صُٔٔ:
"فقاؿ ليـ يسكع أيضان الحؽ الحؽ أقكؿ لكـ إني أنا باب الخراؼ ،جميع الذيف أتكا قبمي ىـ
سراؽ كلصكص ،كلكف الخراؼ لـ تسمع ليـ".
-51- 53
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كجاء كذلؾ في إنجيؿ يكحنا" :كفي اليكـ الثالث كاف عرس في قانا الجميؿ ،ككانت أـ يسكع
كدعي أيضان يسكع كتبلميذه إلى العرس ،كلما فرغت الخمر ،قالت أـ يسكع لو :ليس ىناؾ ،ي
ليـ خمر ،قاؿ ليا يسكع :مالي كلؾ يا امرأة لـ تأتي ساعتي بعد".
األدلة العممية عمى تحريف التوراة واإلنجيل:
ُ -التكراة كاإلنجيؿ فقدت نسختاىما األصميتاف نتيجة االضطياد الذم لحؽ بأتباع
الرسالتيف في أكؿ أمرىا ،كلـ يبؽ في أيدييـ سكل التراجـ.
ِ -ال يكجد لمتكراة كال لئلنجيؿ سند تاريخي تصح بمكجبو نسبتيما إلى الرسكلىيف
يميف.
الكر ى
ّ -اختمط في الكتابيف كبلـ البشر مع كبلـ هللا تعالى ،مف كبلـ المفسريف ،ككتٌاب السير
كالتاريخ.
ْ -التكراة المتداكلة لدل النصارل تخالؼ التكراة المتداكلة عند الييكد في عدد أسفارىا،
كحتى التكراة عند السامرييف -طائفة مف الييكد -تخالؼ التكراة المكجكدة لدل غيرىـ مف
الييكد
ٓ -تعددت نسخ األناجيؿ كاختمفت مما ال يدع مكانان لمشؾ أنيا محرفة الستحالة أف يككف
الرسكؿ قد أنزؿ عميو مف ربو كبلمان مختمفان متدافعان ،مما يربأ عف مثمو آحاد الناس ،فكيؼ
بكبلـ رب العباد؟!
-54-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-55- 55
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أكالن :كانت الرساالت السابقة مخصكصة بأقكاـ معينيف ،كأزماف مخصكصة ،قاؿ سبحانو:
اَّلل ك ً
كت النحؿ اآلية ّٔ ،أما الرسالة اجتىنيبكا الطَّ ي
اغ ى ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ
يمة ىريسكالن أ ٍ
كلىقى ٍد بعثٍىنا ًفي يك ًؿ أ َّ و
ٌ ى ىى
اؾ إًالٌ ىكافَّةن
اإلسبلمية فيي لمناس كافة أحمرىـ كأسكدىـ كأبيضيـ قاؿ تعالى :ىك ىما أ ٍىرىسٍم ىن ى
كف سبأ اآلية ِٖ. الن ً
اس الى ىي ٍعمى يم ى ير ىكىنًذ نا
ير ىكلى ًك َّف أى ٍكثىىر َّ اس ىب ًش نا
لً َّمن ً
ثانيان :معالجات الرساالت السابقة كانت جزئية تيتـ بجكانب حياة الناس التي أرسمت إلييـ.
بينما رسالة اإلسبلـ عالجت جميع جكانب الحياة مف عقائد كعبادات كأحكاـ ،كنظاـ اجتماعي
كسياسي كاقتصادم كثقافي ،كما نظـ اإلسبلـ عبلقة الفرد بربو ،كعبلقتو باآلخريف أفرادان
كجماعات ،كعبلقتو بالككف ،كرسمت أمامو رؤية كاممة عف الحياة كالمكت ،كؿ ذلؾ في نسؽ
تاـ ك رؤية متكاممة ،كمبادئ شاممة ،كقكاعد عامة تفتح الباب لبلجتياد الممتزـ ،كىي
خصائص تميؽ بمنيج أراده هللا سبحانو صالحان لكؿ زماف كمكاف إلى أف يرث هللا األرض
كم ٍف عمييا.
ى
ثالثان :كانت معجزات الرسؿ السابقيف حسية مؤقتة بالمشاىديف ليا ،فإذا قبض الرسكؿ
قبضت معو كانتيت ،مثاؿ ذلؾ :عصا مكسى كاحياء المكتى كابراء األكمو كاألبرص عمى يد
عيسى ،كناقة صالح عمييـ السبلـ...الخ ،بينما كانت معجزة الرسكؿ خالدة إلى يكـ القيامة
كىي القرآف الكريـ المعجزة الخالدة التي تكفؿ هللا بحفظيا قاؿ تعالى :إًَّنا ىن ٍح يف ىن َّزٍل ىنا الًٌذ ٍك ىر ىكاًَّنا
كف الحجر اآلية ٗ. ً
لىوي لى ىحافظي ى
المطمب الثاني:
النقمة في المعرفة
نستعرض في ىذا الباب تعريؼ المعرفة لغة كاصطبلحان ،كبيانان لمنظرية المعرفية لمشعكب
قبؿ نزكؿ الرسالة اإلسبلمية ،لندرؾ عظمة النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ في المجاؿ المعرفي.
-56-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
المعرفة لغة :ىع ىرفىوي :بمعنى :ىعمً ىمو ،فيك عارؼ كعريؼ :بمعنى عالـ كعميـ.
(ُ)
اصطالحاً" :ما يكضع ليدؿ عمى شيء بعينو ،كىي المضمرات كاألعبلـ كالمبيمات.
أك ىي :إدراؾ الشيء عمى ما ىك عميو.
الفرق بين العمم والمعرفة:
ُ -المعرفة مسبكقة بجيؿ بخبلؼ العمـ ،كلذلؾ فإف مف أسماء هللا تعالى :العالـ ،دكف
(ِ)
العارؼ.
ِ -المعرفة تقاؿ فيما تدرؾ آثاره كاف لـ تدرؾ ذاتو ،كالعمـ ال يكاد يقاؿ إال فيما يدرؾ
ذاتو ،كليذا يقاؿ :فبلف عارؼ با﵀ ،كال يقاؿ :يعمـ هللا ،لما كانت معرفتو تعالى ليست إال
(ّ)
بمعرفة آثاره دكف ذاتو.
مصادر المعرفة قبل اإلسالم:
مف األىمية بمكاف الحديث عف مصادر المعرفة عند الفمسفات كالعقائد المختمفة عمى مر
العصكر ،كفي تاريخ األمـ المتعاقبة عمى ىذه البسيطة ،ألف النظرية المعرفية إحدل أىـ المشكبلت
الكبرل التي كاجيت تمؾ النظريات الفمسفية ،كالمبادئ كالتصكرات العقائدية ،كىي كذلؾ المعيار التي
تميز فك انر عف غيره ،ككؿ فكر يدعي أنو قد أتى في ىذا المضمار بما لـ يأت بو األكائؿ ،كأنو جاء
بالحؽ الصراح ،كما سكاه باطؿ ،كقد سجمت صفحات التاريخ صراعان فكريان داميان بيف الفمسفات
السابقة كالبلحقة ،فنرل ىذا يثبت كذاؾ ينفي ،ىذا يبني كذاؾ ييدـ ،ىذا يؤيد كذاؾ يعارض ،كعمى
سبيؿ المثاؿ :الفيمسكؼ سقراط كأفبلطكف ،ييدماف نظرية المعرفة عند السكفسطائييف .كىيراقميطس،
ككانت يفند مذىب
كأرسطكطاليس يفنداف مذىب أفبلطكف .كديكارت يفند كييدـ مذىب أرسطكٍ .
كانت ،كىكذا دكاليؾ ،كميـ يدعي الحقيقة المطمقة كيخطئ غيره...
ديكارت .كىيجؿ يفند مذىب ٍ
فإف المستقرئ لمنظريات المعرفية قبؿ اإلسبلـ يجدىا ال تعدك ثبلثة اتجاىات رئيسة
كعمى كؿ حاؿ ٌ
ىي:
أ -المذىب العقمي.
ب -المذىب التجريبي الحسي.
(ُ) انظر لساف العرب البف منظكر ٗ ،ِّٔ/كالقامكس المحيط -الفيركز أبادم ص ََُٖ.
(ِ) انظر التعريفات لمجرجاني ص ِٗٗ.
(ّ) الذريعة إلى مكارـ الشريعة لمراغب األصفياني ص ُٕٗ.َُٖ-
-57- 57
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) انظر نظرية المعرفة في ضكء المنيج العممي صِِٓ كما بعدىا ،محمد محمد قاسـ ،دار المعرفة الجامعية ُٓٗٗـ
(ِ) الفمسفة كاإلنساف جدلية العبلقة بيف اإلنساف كالحضارة .د.فيصؿ عباس صُٓٓ ،دار الفكر العربي ،بيركت
ط.أكلى ُٔٗٗـ.
(ّ) الفمسفة اليكنانية مقدمات كمذاىب د .محمد بيصار صْْ ،دار الكتاب المبناني-بيركت طُّٕٗ .ـ.
-58-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ىذه أىـ سمات الفمسفة العقمية التي اعتمد عمييا أصحابيا في تناكؿ النظرية المعرفية حيث
اعتبركا العقؿ ىك المصدر األكؿ لممعرفة ،كىك الذم يستطيع أف يدرؾ الحقائؽ المطمقة
كالماىيات.
ثانياً المذىب التجريبي أو الحسي:
اعتمد أصحاب ىذا المذىب في استنتاج النظرية المعرفية عمى التجربة كالحكاس ،كلقد
تمثؿ مذىبيـ في أمريف:
أ -إف العقؿ قبؿ التجربة صحيفة بيضاء ،كخالية مف العمـ.
(ِ)
ب -إف كؿ عمـ مرجعو التجربة ،كمصدره العالـ المحسكس.
فالمعرفة تكتسب قيمتيا كمضمكنيا عندىـ بقدر اتصاليا بالكاقع التجريبي المحسكس فقط،
فعطمكا االستنتاج العقمي ،كأنكركا حقائؽ الغيب التي جاءت بيا النبكات مف جنة كنار كبعث
كصراط كميزاف ،كأنكركا الكحي كالركح ،كاقتصركا في حدكد المعرفة عمى الظكاىر المادية
حتى كصؿ بيـ األمر إلى إنكار الخالؽ ليذا الكجكد.
أكؿ ظيكر المذىب التجريبي كاف عمى يد السكفسطائييف فأكدكا عمى أف المعرفة جميعان
آتية فقط عف طريؽ الحكاس ،كقالكا إف المعرفة عند (س) مف الناس غيرىا عند (ص) ،كمف
ثـ فالحقيقة عندىـ نسبية تختمؼ مف إنساف آلخر طبقان لمقاييس الحكاس عند س ك ص ،كليذاٌ
خرجكا لنا بنظرية تسمى (نسبية المعرفة) .كأشير فبلسفة السكفسطائييف (بركتا جكراس) كىك
أكؿ مف كضع النظرية الحسية في المعرفة التي تنتيي إلى إنكار كجكد الحقيقة المكضكعية،
كذلؾ أف كؿ ما يبدكا لمفرد حقيقي بالنسبة لو ،كال يكجد معيار ثابت يمكف الرجكع إليو
لتصحيح المعرفة ،فأحاسيس اإلنساف تختمؼ دائمان بحسب حاالتو ،كألف المحسكسات دائمان في
تغير مستمر ،قاؿ بركتا جكراس" :اإلنساف ىك مقياس كؿ شيء ،مقياس كجكد األشياء
(ّ)
المكجكدة ،كما ال يكجد".
-59- 59
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أدت ىذه الفمسفة إلى القكؿ بإنكار الخالؽ حيث يقكؿ (بركتا جكراس) في مقدمة كتابو عف
اآللية :فيما يتعمؽ باآللية فمست أدرم إف كانت مكجكدة أـ ال عمى أم شكؿ تككف ،ألف
(ُ)
أسباب الجيؿ بيذا األمر كثيرة ،كأكليا غمكض المكضكع ،كثانييا قصر الحياة".
ثالثاً :المذىب الخرافي واألسطوري:
اعتبر العمماء األسطكرة لكنان مف العمـ البدائي الذم يفسر األصكؿ السببية ألحداث
كنظيـ البشر … كقالكا كذلؾ :إف األساطير تعبر بطريقة رمزية عف حقائؽ خاصةالطبيعة ،ي
(ِ)
بفكر اإلنساف كحياتو.
اعتمد أصحاب ىذا المذىب في النظرية المعرفية عمى الخرافة كاألسطكرة كالكيانة كالعرافة
كالنظر في النجكـ ،كعمى ما تناقمكه عف الجف ،كتكارثكىا فيما بينيـ ،كتمسؾ األبناء بيا بحجة
أنيا ميراث اآلباء كتراثيـ ،فقمدكىا كساركا عمى إثرىا ،كفي المقابؿ جمدكا الحكاس كميا كالعقؿ،
فعاشكا في جيؿ مطبؽ في جميع جكانب حياتيـ ،كلقد قامت عمى ىذا المذىب الشعكب
البدائية بشكؿ عاـ ،كتكارثتيا األمـ منيـ الصينيكف كالينكد ،كاإلفريقيكف ،كالكثير مف العرب
في الجاىمية ،كىؤالء كثي انر ما ناقشيـ القرآف الكريـ
كؿ قىاليكا ىح ٍسيب ىنا ىما ىك ىج ٍد ىنا ىعمىٍي ًو
الرس ً
اَّللي ىكًالىى َّ يىنز ىؿ َّيؿ لىيي ٍـ تى ىعالى ٍكا ًإلىى ىما أ ى ً
فقاؿ سبحانو :ىكًا ىذا ق ى
كف المائدة اآلية َُْ، كف ىش ٍينئا ىكالى ىي ٍيتى يد ى
اؤ يى ٍـ الى ىي ٍعمى يم ى
اف ىآب ي اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى
ىآب ى
اء ىنا ىعمىى ير إًالٌ قىاؿ متٍرفي ى ً
كىا إَّنا ىك ىج ٍد ىنا ىآب ى ى يى كقاؿ :ىك ىك ىذلً ىؾ ىما أ ٍىرىسٍم ىنا ًم ٍف قىٍبمً ىؾ ًفي قى ٍرىي وة ًم ٍف ىنًذ و
أ َّ و
كف الزخرؼ اآلية ِّ، يمة ىكاًَّنا ىعمىى آثى ًارًى ٍـ يم ٍقتى يد ى
ً ًَّ يؿ لىيي ٍـ اتَّبً يعكا ىما أ ى ً
اؤ يى ٍـ الى
اف ىآب ي اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى
اَّللي قىاليكا ىب ٍؿ ىنتبعي ىما أىٍلفىٍي ىنا ىعمىٍيو ىآب ى ىنز ىؿ َّ ىكًا ىذا ق ى
كف البقرة اآلية َُٕ. ً
كف ىش ٍينئا ىكالى ىي ٍيتى يد ىىي ٍعقمي ى
مصادر المعرفة في اإلسالم
جاء اإلسبلـ فقرر أف المعرفة ليا ثبلثة مصادر ىي:
ُ -الكحي.
ِ -العقؿ.
-60-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ّ -الحس.
تعتبر ىذه المصادر الثبلثة القكاعد األساسية التي ميزت اإلسبلـ عف غيره مف المعتقدات
كالفمسفات ،كجعمت نقمتو المعرفية كاممة كمنضبطة ،كالكحي أىـ األصكؿ الثبلثة كالمييمف
عمييا ألنو المصدر الصادؽ الذم ال يأتيو الباطؿ مف بيف يديو كال مف خمفو ،تنزيؿ مف رب
العالميف تبارؾ كتعالى ،كمف أحسف كأصدؽ مف هللا قيبل؟
كبيذه األصكؿ الثبلثة ىسمًـ الفكر اإلسبلمي مف االنحراؼ كالمغاالة.
كليذا سنتحدث إف شاء هللا تعالى عف ىذه المصادر بشيء مف التفصيؿ:
المصدر األول :الوحي:
الكحي لغة :اإلشارة كالكتابة كالرسالة كاإللياـ كالكبلـ الخفي ،ككؿ ما ألقيتو إلى غيرؾ،
يقاؿ كحيت إليو الكبلـ كأكحيت.)ُ( ..
اصطبلحان :ىك أف يي ٍعمً ىـ هللاي تعالى ىم ٍف اصطفاه مف عباده كؿ ما أراد اطبلعو عميو مف
ألكاف اليداية كالعمـ ،كلكف بطريؽ سرية خفية غير معتادة لمبشر(ِ).
أك ىك :كبلـ هللا تعالى المنزؿ عمى نبي مف أنبيائو(ّ).
كيفية وحي هللا تعالى إلى عباده:
اَّللي إًالٌ ىك ٍحنيا أ ٍىك ًم ٍف
ىف يي ىكمًٌ ىموي َّ
اف ً
ل ىب ىش ور أ ٍ
ذكر القرآف الكريـ أنكاع الكحي فقاؿ تعالى :ىك ىما ىك ى
اء إًَّنوي ىعمً ّّي
يـ الشكرل اآلية ُٓ ً ً ًً ً ً ً ً ً و
ىحك ه
ىكىراء ح ىجاب أ ٍىك يي ٍرس ىؿ ىريسكالن فىييكح ىي بإ ٍذنو ىما ىي ىش ي
النكع األكؿ :ما يككف مكالمة بيف العبد كبيف ربو كما كمـ هللا تعالى نبيو مكسى عميو السبلـ
تكميمنا.
النكع الثاني :ما يككف إليامان يقذفو هللا في قمب مف اصطفاه عمى كجو مف العمـ الضركرم
ال يستطيع لو دفعان ،كال يجد فيو شكان .كقد عرفو أبك زيد الدبكسي:
(ْ)
كمنو قكلو تعالى: "اإللياـ ما حرؾ القمب لعمـ يدعك إلى العمؿ بو مف غير استدالؿ"
(ُ) انظر لساف العرب البف منظكر جُٓ ،ّٕٗ/كالقامكس المحيط لمفيركزأبادم صُِٕٗ.
(ِ) مناىؿ العرفاف في عمكـ القرآف لمزرقاني جُ ،ّٔ/دار الفكر-بيركت.
(ّ) مباحث في عمكـ القطاف-لمناع القطاف صّّ.
(ْ) فتح البارم ُِ ّٖٖ/قاؿ ابف حجر :كالذم عميو الجميكر ٌأنو ال يجكز العمؿ بو إال عند فقد الحجج كميا في باب
المباح
-63- 61
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
-61-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ُ)
اـ ىقٍمبًي) ام ً الصبلة كالسبلـ :ى ً ً
اف ىكىال ىي ىن ي (يا ىعائ ىشةي إ َّف ىع ٍي ىن َّي تىىن ى
عالمات نزول الوحي عمى النبي
كاف الصحابة رضكاف هللا عمييـ يعرفكف نزكؿ الكحي عمى النبي بإحدل أمكر:
أولً :احمرار الوجو والغطيط:
ؽ أ ٍىكالنبً َّي - ك يىك بًاٍل ًج ٍعىرىان ًة -ك ىعمىٍي ًو يجَّبةه ك ىعمىٍي ًو أىثىير الخميك ً ىف ىريج نبل أىتىى َّ عف ىي ٍعمىى ٍب ًف أ ى
يمَّيةى أ َّ
ى ى ى ى
ً ىصىن ىع ًفي يع ٍمىرتًي؟ فىأٍىنىزىؿ َّ
تالنبً ًٌي ؛ فى يستىر بًثىٍك وب ،ىكىكًد ٍد ي اَّللي ىعمىى َّ ىف أ ٍ ؼ تىأ يٍميرنًي أ ٍ اؿ ىكٍي ى ص ٍفىرةه فىقى ىاؿ ي قى ى
النبً ًي ىكقى ٍد
ىف تىٍنظيىر ًإلىى َّ ً ت َّ ً ً
ٌ اؿ أىىي يسُّر ىؾ أ ٍ
اؿ يع ىمير :تى ىع ى النب َّي ىكقى ٍد أٍين ًزىؿ ىعمىٍيو اٍل ىك ٍح يي .فى ىق ى أٌىني ىق ٍد ىأرٍىي ي
ت إًلىي ًو ىلو ىغ ًطيطه -كأىح ًسبو ىقاؿ :ىك ىغ ًط ً
يط ؼ الثٍَّك ًب فىىن ى اَّللي ىعمىٍي ًو اٍل ىك ٍح ىي؟ يقٍم ي
ى ٍ يي ى ظٍر ي ٍ ي طىر ى
ت :ىن ىع ٍـ .ىفىرفى ىع ى أٍىنىزىؿ َّ
اغ ًس ٍؿ أىثىىر الخميك ً اؿ :أٍىي ىف السَّائً يؿ ىع ٍف اٍل يع ٍمىًرة؟ ٍ ً اٍلىب ٍك ًر.
(ِ)
ؽ ىعٍن ىؾ اخمى ٍع ىعٍن ىؾ اٍل يجَّبةى ىك ٍ م ىعٍنوي قى ى ى رٌ سي ا م
َّ م
ىفى
(ّ)
صىن يع ًفي ىح ًٌج ىؾ. ً
صىن ٍع في يع ٍمىرتً ىؾ ىك ىما تى ٍ الص ٍفىرةى ،ىكا ٍؽ ُّ كأٍىن ً
ى
ً ُّ ً كفي ركاية لمبخارم" :فىًإ ىذا رسكؿ ًَّ
م ىعٍنوي" كفي ركاية أحمد: اَّلل يم ٍح ىمُّر اٍل ىك ٍجو ىك يى ىك ىيغط ثيَّـ يسًٌر ى ىي ي
اعةن ثيَّـ يسًٌر ى "م ٍح ىمّّر ىك ٍجىنتىاهي لىوي ىغ ًطي ه
(ْ)
م ىعٍنوي فى ىجمى ىس". ط ىس ى ي
(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ صبلة التراكيح باب فضؿ مف قاـ رمضاف (َُِّ).
(ِ) الغطيط :صكت النفس المتردد مف النائـ أك المغمى ،كسبب ذلؾ شدة ثقؿ الكحي .انظر ابف األثير في النياية
ّ ،ِّٕ/كابف حجر في فتح البارم ّ.ّْٗ/
(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ الحج باب ما يفعؿ في العمرة (ُٖٕٗ) ،كمسمـ في صحيحو كتاب الحج باب ما
يباح لممحرـ (َُُٖ).
(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ الحج باب غسؿ الخمكؽ جّ ،)ُّٓٔ(ّّٗ/كأحمد في المسند جِِْْ/
-61- 63
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ًً ً
م ىعٍنوي فىأٍىنىزىؿ ا ََّّللي ىعَّز ىك ىج َّؿ ىغٍيير أيكلًي
فىخذم ثيَّـ يسًٌر ى ت ىعمى َّي ىحتَّى ًخ ٍف يفى ًخذم فىثىيقمى ٍ
(ُ)
ىف تىير َّ
ض ت أ َّ
(ِ)
الضىرًر
َّ
ِ -عف عائشة رضي هللا عنيا قالت في كصؼ الكحي :أف النبي كاف إذا أكحي إليو
كىك عمى ناقتو كضعت ًج ىرىانيا فمـ تستطع أف تتحرؾ كتمت قكؿ هللا عز كجؿ ٌ إنا ىسينٍم ًقي
(ّ)
ىعمى ٍي ىؾ قى ٍكالن ثىًق ٍيبلن.
ثالثاً :العرق الغزير:
اَّلل ىم ٍجًم ىسوي ىكىال ىخ ىرىج اَّلل ما راـ رسكؿ ًَّ ً
عف عائشة أـ المؤمنيف رضي هللا عنيا قالت" :فى ىك َّ ى ى ى ى ي ي
اء ىحتَّى إًَّنوي لىىيتى ىح َّد ير ًم ٍنوي ًم ٍف ٍخ يذه ًمف اٍلبرح ً ً
اف ىيأ ي ي ٍ ي ى ى ىخ ىذهي ىما ىك ى ىى ًؿ اٍل ىب ٍيت ىحتَّى أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍي ًو فىأ ى
ىح هد ًم ٍف أ ٍ أى
ات ًم ٍف ثً ىق ًؿ اٍلقى ٍك ًؿ الًَّذم أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍيو".
ً (ْ) اف كىك ًفي يكوـ ىش و
ىٍ
ً ً
اٍل ىع ىرؽ م ٍث يؿ اٍل يج ىم ً ى ي ى
(ٓ)
َّد لىوي ىك ٍجييوي". اَّلل إً ىذا أ ٍين ًزؿ عمىي ًو يك ًر ً ً "كاف نبً ُّي ًَّ عف عبادة ب ًف َّ ً ً
ب ل ىذل ىؾ ىكتىىرب ىى ى ىٍ اؿ :ى ى ى الصامت قى ى ى ٍ يى ى ى ٍ
رابعاً :دوي النحل:
النبً ُّي إً ىذا أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍي ًو اٍل ىك ٍحي يس ًم ىع ًع ٍن ىد ىك ٍج ًي ًو
اف َّ "ك ىقاؿ :ى اَّللي ىع ٍنوي ى ضي َّ اب ر ً يعمر ٍب يف الخطَّ ً
ي ى ى ىي
ً (ٔ)
م َّ
الن ٍحؿ" ىك ىد ًك ًٌ
(ُ) بمعنى تكسر أك تدؽ دقان شديدان ،قاؿ ابف منظكر" :رض الشيء يرضو رضان :لـ يي ٍن ًعـ دقَّو ،كقيؿ كسره ،كارتض
الشيء :تكسر .انظر لساف العرب ٕ.ُْٓ/
(ِ) أخرجو البخارم في صحيحو-ؾ باب ال يستكم القاعدكف… (ِِّٖ).
العنؽ .انظر ابف
(ّ) أخرجو الحاكـ في المستدرؾ ِ ،)ّٖٔٓ( ْٓٗ/كالبييقي في دالئؿ النبكة ٕ .ّٓ/الجراف :باطف ي
األثير في النياية ُ ِّٔ/قاؿ الحاكـ :ىذا حديث صحيح اإلسناد كلـ يخرجاه..
(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب الشيادات باب تعديؿ النساء (ِْٕٔ).
(ٓ) أخرجو مسمـ في صحيحو كتاب الحدكد باب حد الزنى(َُٗٔ) ،كفي كتاب الفضائؿ باب عرؽ النبي (ِّّْ).
(ٔ) أخرجو الترمذم في جامعو كتاب التفسير باب كمف سكرة المؤمنكف (ُّّٕ).
(ٕ) أخرجو أحمد في المسند ُ ،ُّٖ/كلمحديث شاىد عف عثماف بف أبي العاص بنحكه أخرجو أحمد ْ.ُِٖ/
-64-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-65- 65
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ككذلؾ ما يتعمؽ باإلنساف كالككف مف حكلو :نشأتو ككظيفتو كغاية الكجكد كالعبلقة بيف الككف
كاإلنساف...
يف ىريسكنال ًم ٍنيي ٍـ ىي ٍتميك ىعمىٍي ًي ٍـ ىء ىاياتً ًو ىكيي ىزًٌكي ًي ٍـ ىكيي ىعمًٌ يميي يـ ً
يمٌيً ى
قاؿ تعالى :ىك الًَّذم بع ى ً
ث في ٍاأل ٌ ىى يى
يف الجمعة اآلية ِ كقاؿ سبحانو: ض ىبل وؿ يمبً و ً ً ً ً
ًف ىك يانكا م ٍف قىٍب يؿ لىفي ىاب ىكاٍلح ٍك ىمةى ىكا ٍ
اٍلكتى ى
كف األنفاؿ اآليةَِ. َّ ً ًَّ
اَّللى ىكىريسكلىوي ىكىال تىىكل ٍكا ىع ٍنوي ىكأ ٍىنتي ٍـ تى ٍس ىم يع ى
يعكا َّ
امينكا أىط ي يف ىء ى ىياأىيُّيىا الذ ى
الرؤيا والحمم:
يعتبر الدكتكر عبد هللا زركؽ الرؤيا مصد انر مف مصادر المعرفة ،كاستدؿ عمى ذلؾ بما
ام ًم ٍف قىٍب يؿ قى ٍد ىج ىعمىيىا ىرٌبًي ً
يؿ يرٍؤىي ى اؿ :ىياأ ىىبت ىى ىذا تىأ ًٍك ي جاء عمى لساف يكسؼ عميو السبلـ ىكقى ى
حقِّا يكسؼ اآلية ََُ .كقىاؿ رسكؿ ًَّ
ات قىاليكا ىك ىما ؽ ًم ٍف النُّيب َّكًة إً َّال اٍل يم ىب ًٌش ىر ي اَّلل ":لى ٍـ ىي ٍب ى ى ىي ي ى
يف يج ٍزنءا ًم ٍف ً ً ً و
":رٍؤىيا اٍل يم ٍؤ ًم ًف يج ٍزهء م ٍف ستَّة ىكأ ٍىرىبع ى ي ي الصالً ىحةي" كقاؿ َّ
النبً ً )ُ (
الرٍؤىيا َّ
اؿ ُّ اٍل يم ىب ًٌش ىر ي
ات قى ى
ٌ
"الرؤيا ًمف ًَّ
اَّلل ىكاٍل يحٍم يـ ًم ٍف النيب َّكًة" كالرؤيا بخبلؼ الحمـ فيك مف الشيطاف ،ففي الحديث ٍ ُّ :ى ٍ ُّ
(ِ)
طً
اف"(ّ). الش ٍي ىَّ
أما الشيطاف ككسكستو كايحاءاتو فيك مصدر معرفة ألكليائو مف األنس قاؿ تعالى:
ؼ اٍلقى ٍك ًؿ ً ً ككذلًؾ جعمنا لًك ًؿ نبً و
ض يز ٍخ ير ى س ىكاٍل ًج ًٌف ييكحي ىب ٍع ي
ضيي ٍـ إًلىى ىب ٍع و يف ًٍ
اإل ٍن ً ي ىع يد ِّكا ىش ىياط ى ى ى ى ى ى ى ٍى ي ٌ ى ٌ
كف األنعاـ ُُِ كقاؿ سبحانو: ُّؾ ىما فى ىعميكهي فى ىذ ٍريى ٍـ ىك ىما ىي ٍفتىير ى
اء ىرب ى كر ىكلى ٍك ىش ى يغ ير نا
يف الزخرؼ اآلية ّٔ كقاؿ: ض لىوي ىش ٍيطى نانا فىيي ىك لىوي قى ًر ه ش ىع ٍف ًذ ٍك ًر َّ
الر ٍح ىم ًف ينقىٌيً ٍ ىك ىم ٍف ىي ٍع ي
(ْ)
اء فى ىزييَّنكا لىيي ٍـ ىما ىب ٍي ىف أ ٍىيًدي ًي ٍـ ىك ىما ىخٍمفىيي ٍـ فصمت اآلية ِٓ َّض ىنا لىيي ٍـ قيىرىن ى
ىكقىي ٍ
أف الرؤيا ال تعتبر مصد انر معرفيان يقينيان في غير األنبياء غير أننا يجب أف ننبو إلى ٌ
كالرسؿ -فقد سبؽ لنا القكؿ أف رؤيا األنبياء كحي ،أما رؤيا المؤمنيف فقد قاؿ ابف حجر
"م ٍف رأل النبي فأمره بحكـ يخالؼ حكـ الشرع ،المستقر الظاىر أنو ال يككف
رحمو هللا :ى
مشركعان في حقو كال في حؽ غيره حتى يجب عميو تبميغو"" ،قاؿ ابف السمعاني :الشرع ىك
(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب التعبير باب المبشرات(َٗٗٔ) عف أبي يى ىرٍي ىرةى..
ام ًت ..
الص ً
ادةى ٍب ًف َّ
(ِ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب التعبير باب الرؤيا الصالحة (ٕٖٗٔ) ىع ٍف يعىب ى
(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب الطب باب النفث في الرقية (ْٕٕٓ) .عف أبي قتادة..
(ْ) انظر كتاب اإلسبلـ كالعمـ التجريبي صْْ ،كانظر فاطمة إسماعيؿ في القرآف كالنظر العقمي صٕٗػ ٖٗ.
-66-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الحجة ..كقاؿ ابف حجر :لك رأل النبي يأمره بشيء ،ىؿ يجب عميو امتثالو كالبد ،أك البد
(ُ)
أف يعرضو عمى الشرع الظاىر ،فالثاني ىك المعتمد".
الخبر:
مف الخبر ما كاف كحيان مف عند هللا تعالى سكاء كاف قرآنان أك سنة ،كقد تقدـ الحديث عنيما
في باب الكحي كمنيا ما كاف مف عند الناس ،كاإلسبلـ ال يرفضو كمصدر ما لـ يخالؼ
الكحي.
تأتي أىمية الخبر كمصدر مف مصادر المعرفة ألنو يخبرنا بنبأ جديد كمعرفة لـ يسبؽ لنا
عمميا .كقد أكد القرآف الكريـ عمى أىمية الخبر نصان قرآنيان كاف أك سنةن شريفة ،أك خب انر عاديان.
كمف الخبر ما يككف صادقان كمنو الكاذب ...كالخبر الصادؽ نكعاف:
األكؿ :الخبر المتكاتر :كىك ما ركاه جمع عف جمع مف أكؿ السند إلى منتياه ،بحيث ال
يتصكر تكاطؤىـ عمى الكذب ،كيككف مستند خبرىـ الحس .كىذا الخبر يفيد العمـ الضركرم،
كالعمؿ بو كاجب.
الثاني :خبر اآلحاد الذم لـ تتكافر فيو شركط التكاتر ،كىذا النكع فيو الصحيح كالحسف كالعمـ
بو كاجب ،كمف تركو كقع اإلثـ ككبائر الذنكب.
كشرط صحة الخبر ليا معايير فصؿ فييا أىؿ مصطمح الحديث أىميا عدالة الراكم كضبطو
كاتصاؿ اإلسناد كسبلمة الخبر مف الشذكذ كالعمة.
امينكا ًإ ٍف ًَّ
يف ىء ى
كقد أكد القرآف الكريـ عمى أىمية تكثيؽ األخبار في قكلو تعالى :ىياأىيُّيىا الذ ى
ًً و ً اس ه و جاء يكـ فى ً
يف الحجرات اآلية صبً يحكا ىعمىى ىما فى ىعٍمتيٍـ ىنادم ى
ىف تيص ييبكا قى ٍك نما بً ىجيىالىة فىتي ٍ
ؽ بًىنىبأ فىتىىبييَّنكا أ ٍ ى ى ٍ
أف نقصر معرفة
ٔ كاالعتماد عمى الخبر أمر ضركرم في حياتنا اليكمية ،ألنو مف غير المعقكؿ ٌ
كؿ األمكر عمى تمؾ التي نعرفيا بكاسطة الحس كالعقؿ المباشر فقط ،فإذا قيؿ لشخص أختؾ
(ِ)
كضعت ،أك فبلف تكفي فإنو ال يقكؿ ال أصدؽ إال أف أرل المكلكد ،أك أرل الميت.
-67- 67
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
العقؿ المصدر الثاني مف مصادر المعرفة ،كىك أجؿ النعـ التي كىبيا هللا تعالى لئلنساف
ألنو أداة التمييز كاإلدراؾ ،كألنو القكة المذخكرة في اإلنساف المتييئة لقبكؿ العمـ ،كقد بيف
اإلسبلـ لمعقؿ المنيج الصحيح لمتفكير كالتدبر ،كجعمو مناط التكميؼ بالخطاب الشرعي ،ألف
غير العاقؿ غير مخاطب بو .قاؿ د .عبد هللا زركؽ" :كيعتبر العقؿ مصد انر لممعرفة لما
يسمى بالمعارؼ الغريزية أك الفطرية المرككزة في اإلنساف ،كتعرؼ أيضان بالمعارؼ الحدسية.
كالمعارؼ البدييية :يشترؾ فييا عامة الناس ممف لو قكة متكسطة في الذكاء .كقكة البديية
كسرعتيا قد تختمؼ مف فرد إلى فرد.
أما المعارؼ الحدسية :فعادة يمتاز بيا خاصة الناس مف المكتشفيف كالمخترعيف كالمبدعيف
كالنابييف" (ُ) .كلـ تيتـ أم مف الشرائع أك القكانيف -سكاء كانت دينية أك دنيكية -بالعقؿ
كما اىتـ بيا اإلسبلـ ،كاألدلة عمى ذلؾ كثيرة ،نذكر منيا:
ُ -أكؿ كممة نزلت مف القرآف الكريـ (اقرأ) كقد تكررت في القرآف ثبلث مرات ،قاؿ الشيخ
محمد الغزالي رحمو هللا" :كىذه أكؿ صيحة تسمك بقدر القمـ كتنكه بقيمة العمـ ،كتعمف الحرب
(ِ)
عمى األمية الغافمة ،كتجعمو المبنة األكلى في بناء كؿ رجؿ عظيـ أف يق أر أك أف يتعمـ".
ِ -دعا القرآف إلى العمـ ،كقد كردت كممة (عمٌـ) في القرآف في أربعة مكاطف في القرآف
الكريـ ،كالمصدر نفسو ،كتصريفات الفعؿ كردت في القرآف الكريـ في أكثر مف خمسة كثبلثيف
مكضعان مف القرآف الكريـ.
-كما أقسـ رب العزة تبارؾ كتعالى بأدكات الكتابة :الحرؼ كالقمـ كالكتابة قاؿ سبحانو:
كفالقمـ اآلية ُ. ً
ف ىكاٍل ىقمىـ ىك ىما ىي ٍسطيير ى
اَّللي أَّىنوي الى إًلىوى إًالٌ يى ىك ىكاٍل ىمبلىئً ىكةي ىكأ ٍيكليكا
-كرفع مكانة العمـ كالعمماء ،قاؿ تعالى :ىش ًي ىد َّ
ًَّ ً ًً ً ً ً ً ً ً
يـآؿ عمراف اآلية ُٖ .يق ٍؿ ىى ٍؿ ىي ٍستىًكم الذ ى
يف اٍلعٍمـ قىائ نما باٍلق ٍسط الى إلىوى إالٌ يى ىك اٍل ىع ًز ييز اٍل ىحك ي
ابالزمر اآلية ٗ كف إًَّنما يتى ىذ َّكر أيكليكا األىٍلب ً ًَّ
ى يف الى ىي ٍعمى يم ى ى ى ي ٍ كف ىكالذ ى ىي ٍعمى يم ى
ّ -دعا القرآف الكريـ إلى النظر في مائة كتسع كعشريف آية منيا قكلو تعالى :ىفٍم ىي ٍنظي ٍر
ؽالطارؽ :اآلية ٓ اف ًم َّـ يخمً ىنس ي
اإل ىام ًوعبس :اآلية ِْ ،ىفٍم ىينظي ٍر ًٍ طع ً
اف إًلىى ى ى نس ي ًٍ
اإل ى
-68-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ْ -الدعكة لمتبصر كردت في مائة كثماف كأربعيف آية منيا قكلو تعالى :ىكًفي أىنفي ًس يك ٍـ
كفالذاريات :اآلية ُِ. ً
أىفىبلى تيٍبص ير ى
كف
ٓ -الدعكة إلى التدبر في أربع آيات في القرآف الكريـ .منيا قكلو تعالى :أىفى ىبل ىيتى ىدب يَّر ى
كب أى ٍقفىالييىا محمد اآلية ِْ. اف أىـ ىعمىى يقمي و
اٍلقي ٍرىء ى ٍ
اَّلل لى يكـ اآلي ً ً
ات ٔ -الدعكة إلى التفكر في ست عشرة آية منيا قكلو تعالى :ىك ىذل ىؾ يي ىبٌيً يف َّي ٍ ى
َّ
كفالبقرة :اآلية ُِٗ. لى ىعم يك ٍـ تىتىفى َّك ير ى
ص ًي ٍـ ًع ٍب ىرةهٕ -الدعكة إلى االعتبار في سبع آيات منيا قكلو تعالى :لىقى ٍد ىكاف ًفي قىص ً
ى ى
ً ً أليكلًي األىٍلب ً
بص ًار * يي ىقمٌ ي اد ىس ىنا ىب ٍرًقو ىي ٍذ ىى ي
ب بًاأل ٍىب ى اب يكسؼ :اآلية ُُُ كقاؿ تعالى :ىي ىك ي ى ٍ
ً ً ً َّ
ص ًارالنكر :اآلية ّْ ْْ - ؾ لىع ٍب ىرةن أل ٍيكًلي األ ٍىب ى
النيى ىار ًإ َّف في ىذل ى
اَّللي المٍي ىؿ ىك َّ َّ
ٖ -الدعكة إلى التفقو كىي" :خطكة عقمية أبعد مدل مف التفكير إذ ىي الحصيمة التي
تنتج عف عممية التفكير ،كتجعؿ اإلنساف أكثر كعيان لما يحيط بو ،كأعمؽ إدراكان ألبعاد كجكده،
(ُ)
كعبلئقو في الككف ،كما تجعمو منفتح البصيرة دكمان"
ؼكقد كردت مادة (فقو) في عشريف آية في القرآف الكريـ مثؿ قكلو تعالى :انظي ٍر ىك ٍي ى
كب الى ً َّ ص ًٌر ي
كف األنعاـ :اآلية ٓٔ ،كقد نعى عمى الكفار فقاؿ :لىيي ٍـ يقمي ه
اآليات لى ىعميي ٍـ ىي ٍفقىيي ى
ؼ ى ين ى
كف بًيىا األعراؼ :اآلية ُٕٗ. ىي ٍفقىيي ى
ٗ -الدعكة إلى التذكر ،كقد كردت في القرآف مائتاف كتسع كستكف آية مثؿ قكلو تعالى:
َّ ً ً
كفاألنعاـ :اآلية ُِٔ ،كقد ارتبط التذكر بالقرآف بأكلي األلباب اآليات لقى ٍكوـ ىيذ َّك ير ى
صٍم ىنا ى
قى ٍد فى َّ
اب الزمر ٗ .كىذه الدعكة تكجيو لمعقؿ نحك تأدية كظيفتو قاؿ تعالى :إًَّنما يتى ىذ َّكر أيكليك ٍاألىٍلب ً
ى ى ى ي
التي خمؽ مف أجميا ،كفتح لو مجاؿ البحث في الظكاىر المشاىدة المحسكسة التي يعترؼ بيا
الجميع.
َُ -ذكر القرآف الكريـ العقؿ كمشتقاتو في تسع كأربعيف آية.
ُُ -ذكر القرآف الكريـ أصحاب العقكؿ ،فنعتيـ في ست عشرة آية ب"أكلي األلباب"
كىي مرتبة عالية في النظر كالتفكر كالتدبر ،قاؿ النيسابكرم عف العقؿ" :أكؿ األمر يككف
(ُ)
عقبلن ،كفي كماؿ الحاؿ يككف لبان"
-69- 69
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ُِ -ذـ القرآف الذيف ال يعقمكف أكال يتدبركف أكال يتذكركف أك ال يتفكركف أك ال يبصركف.
ًًَّ ً ً
يف ىيتَّقي ى
كف أىفىبلى الد ٍن ىيا إًالٌ لىع ه
ب ىكلى ٍي هك ىكلى َّمد يار اآلخ ىرةي ىخ ٍيهر لمذ ى مثؿ قكلو تعالى :ىك ىما اٍل ىح ىياةي ُّ
كف األنعاـ :اآلية ِّ. ً
تى ٍعقمي ى
ُّ -كصؼ هللا تعالى الذيف عطمكا عقكليـ بأنيـ كاألنعاـ بؿ ىـ أضؿ كذلؾ ألف األنعاـ
ال قدرة ليا عمى تحصيؿ النظر ،كاإلنساف قد أعطي القدرة عمى ذلؾ ،كمع ىذا فقد أعرض
ًَّ اب ًع ٍند ًَّ
يف الى
الص ُّـ اٍليب ٍك يـ الذ ى
اَّلل ُّ الد ىك ًٌ ى
عف النظر العقمي كاكتساب المعرفة .قاؿ تعالى :إً َّف ىش َّر َّ
كف األنفاؿ :اآلية ِِ ً
ىي ٍعقمي ى
ُْ -أشارت آيات كثيرة إلى مرادفات العقؿ في القرآف مثؿ:
(لب -نيى -حمـ -حجر -قمب) ألف قمب كعقؿ قد يستعمبلف بمعنى كاحد:
أ -المب :في ست عشرة آية.
ب -األحبلـ :آية كاحدة.
ج -النيى :آيتاف في كتاب هللا تعالى.
د -الحجر :آية كاحدة.
ىػ -القمب :مائة كاثنتاف كثبلثكف آية في القرآف الكريـ.
يف ًَّ
عف العمؿ :قاؿ تعالى :ىياأىيُّيىا الذ ى كألف اإلسبلـ قدر العقؿ حرـ ما يؤدم إلى تغييبو
ً َّ اف فى ً ىعم ًؿ َّ اب ىكاأل ٍىزالى يـ ًر ٍج هس ًم ٍف ً
كف الش ٍيطى ً ٍ
اجتىنيبكهي لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى ى ىنص ي آمينكا إًَّن ىما ٍ
الخم ير ىكاٍل ىم ٍيس ير ىكاأل ى ى
المائدة اآلية َٗ
"يتضح مما تقدـ أف دعكة القرآف الكريـ الصريحة لمنظر العقمي لـ يعادليا دعكة أخرل في
أم كتاب فالقرآف الكريـ ال يذكر العقؿ عرضاى مقتضبان ،بؿ يذكره مقصكدان مفصبلن عمى نحك
(ِ)
ال نظير لو في كتب مف كتب األدياف كال الفمسفات"
مجاالت العقؿ:
(ُ) غرائب القرآف كرغائب الفرقاف لمنيسابكرم-ىامش جامع البياف كتفسير القرآف لمطبرم ْ.ُْٔ/
(ِ) انظر مفيكـ العقؿ كالقمب :د .محمد عمى الجكزك ص ُٖٔ .كانظر مكضكع اىتماـ القرآف بالعقؿ في كتاب القرآف
كالنظر العقمي :د .فاطمة إسماعيؿ ص ّٔ.ٕٗ-
-70-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
العقؿ الذم كرمو ربو تبارؾ كتعالى ،كجعمو مناط التكميؼ في اإلنساف لو حدكد ال ينبغي
ضؿ
ٌ لو تجاكزىا ،ألنيا مخمكؽ محدكد اآلفاؽ ،فينبغي أف تككف حريتو كفؽ قدراتو ،كاال
كغكل ،كتكمؼ ما ال يستطيع ،قاؿ اإلماـ الشاطبي:
"إف هللا جعؿ لمعقكؿ في إد اركيا حدان تنتيي إليو ال تتعداه ،كلـ يجعؿ ليا سبيبلن إلى إدر و
اؾ
في كؿ مطمكب ،كلك كانت كذلؾ الستكت مع البارئ تعالى في إدراؾ جميع ما كاف كما ال
يككف ،إذ لك كاف كيؼ كاف يككف ،فمعمكمات هللا ال تتناىى ،كمعمكمات العبد تتناىى،
(ُ)
كالمتناىي ال يساكم ما ال يتناىى".
كالقضايا التي ال يجكز لمعقؿ أف يخكض فييا:
ُ -الذات اإلليية :اإلنساف قد يدرؾ بعقمو كحسو بعض صفاتو إذا ما نظر في بديع ما
خمؽ هللا تعالى ،كما قاؿ الشاعر:
(ِ)
تدؿ عمى أنو الكاحد. ففي كؿ شيء لو آية
كلكف ال يستطيع اإلنساف بعقمو كحسو أف يتعرؼ عمى صفات الخالؽ فيما يجب لو مف
صفات ،كما يستحيؿ ،كال يجكز في حقو ،فكاف الكحي المخبر الصادؽ عف كامؿ صفاتو ،كما
يجب لو كما ال يجب .كمثاؿ ذلؾ مكسى عميو الصبلة كالسبلـ لما طمب منو قكمو أف يركا هللا
ألف البارم تبارؾ كتعالى أجؿ كأعمى مف
جيرة ،كىـ غير مدركيف إلى عدـ استطاعتيـ ذلؾ ٌ
أف تدركو أبصار البشر كاف استطاع عقميـ كحكاسيـ أف يدرككا بعض صفاتو العمى قاؿ تعالى
ىخ ىذتٍ يك يـ كسى لى ٍف ين ٍؤ ًم ىف لى ىؾ ىحتَّى ىن ىرل َّ
اَّللى ىج ٍي ىرةن فىأ ى محدثان عف مكسى كقكمو :ىكًا ٍذ يقٍمتي ٍـ ىيا يم ى
كف البقرة اآلية ٓٓ. َّ ً
الصاعقىةي ىكأ ٍىنتي ٍـ تىٍنظيير ى
كالعقؿ إف خاض غمار ىذه المعارؼ بدكف كحي تعثر كضؿ ،ككقع في الحيرة ،كظممات
الشؾ .كليذا نيى النبي عف التفكر في ذات هللا تعالى فقاؿ فيما ركاه عنو عبد هللا بف عمر
(ّ)
رضي هللا عنو( :تفكركا في آالء هللا كال تفكركا في هللا).
-73- 71
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كلقد حذرنا رسكؿ هللا مف الرككف إلى كساكس الشيطاف في مسائؿ التكحيد فقد أخرج
اؿ اس ىيتى ىساءلي ى َّ اؿ َّ مسمـ في صحيحو عف أىبًي ىريرةى قىاؿ :قىاؿ رسكؿ ًَّ
كف ىحتى ييقى ى ى الن ي (ال ىي ىز ي
اَّلل :ى يى ٍ ى ى ى ى ي ي ىٍ
ً (ُ) ً ً
ت بً َّ
اَّلل). آم ٍن ي
اَّللى فى ىم ٍف ىك ىج ىد م ٍف ىذل ىؾ ىش ٍي نئا ىفٍم ىي يق ٍؿ ى
ؽ َّ ؽ فى ىم ٍف ىخمى ى
اَّللي الخٍم ى
ؽ َّ ىى ىذا ىخمى ى
كفي ىذا يقكؿ األستاذ محمد قطب" :كليس معنى ىذا أف االعتقاد في كجكد هللا كمعرفة
صفاتو أمر ال نصيب فيو لمعقؿ ،كبل إنما يدخؿ العقؿ إلى ىذا الميداف مف بابو الذم ىك
مؤىؿ بطبيعتو لمدخكؿ فيو ،ال مف الباب الذم ال يقدر عمى فتحو ،كالذم يضؿ فيو لك اقتحمو
بغير إرادتو ،كيدخؿ مف باب إدراؾ آثار القدرة اإلليية كاالستدالؿ مف ىذه اآلثار عمى كجكد
(الكنو) الذم ال
هللا تعالى ،كمعرفة صفاتو التي يتفرد بيا دكف الخمؽ ،كلكف ال يدخؿ مف باب ي
(ِ)
يقدر عميو ،كال يصؿ إلى نتيجة فيو".
ِ -عمكـ الغيب :ىؿ العقؿ أك الحس يستطيع أف يدرؾ شيئان كلك بسيطان عف كنو الحياة بعد
المكت ،في القبر ثـ البعث كالنشكر كالميزاف كالجنة كالنار كالصراط…؟! بؿ ىؿ يستطيع أف يدرؾ
سر الحياة كالمكت؟ ركح اإلنساف تسكف جسده ،فيك حي ما دامت فيو ،فإف خرجت أصبح جثة
ىامدة .فأيف مكقعيا؟ إنو أمر مف أمكر الغيب التي ليس لنا عمييا دليؿ غير المصدر الرباني:
الكحي.
ّ -القطعيات :األمكر القطعية المعمكمة مف الديف بالضركرة كالعبادات،كالحدكد كالديات
كالمحرمات مف النساء ،كالمكاريث… ليس لمعقؿ أف يتفكر في الصبلة كعدد ركعاتيا ،أك في الزكاة
كمقاديرىا كأنصبتيا ،أك أف يتدخؿ في المحرمات مف النسب أك الرضاعة ،أك أف ييغير مف أنصبة
الكرثة مف التركة .غير أف لمعقؿ الحؽ في أف يبحث في ركح النصكص كاستخراج ًح ىكـ التشريع
كأحكامو ،أما األسس فيي قضايا تكقيفية ،ال مجاؿ فييا لمزيادة أك النقصاف ،أك التغيير كالتبديؿ.
يقكؿ الشييد سيد قطب" :إف دكر العقؿ أف يتمقى عف الرسالة ،ككظيفتو أف يفيـ ما يتمقاه عف
كينبو
الرسكؿ ،كميمة الرسكؿ أف يبمغ كيبيف كيستنقذ الفطرة اإلنسانية مما ىيريف عمييا مف الركاـ ي
العقؿ اإلنساني إلى تدبر دالئؿ اليدل ،كمكحيات اإليماف في النفس كاآلفاؽ ،كأف يرسـ لو منيج
التمقي الصحيح ،كمنيج النظر الصحيح ،كأف يقيـ لو القاعدة التي ينيض عمييا منيج الحياة العممية
-71-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
المؤدم إلى خير الدنيا كاآلخرة .كليس دكر العقؿ أف يككف حاكمان عمى الديف كمقرراتو مف حيث
الصحة كالبطبلف ،كالقبكؿ أك الرفض ،بعد أف يتأكد مف صحة صدكرىا عف هللا ،كبعد أف يفيـ
المقصكد بيا -أم المدلكالت المغكية كاالصطبلحية لمنص … -كمتى ثبت النص كاف ىك
الحكـ ،ككاف عمى العقؿ البشرم أف يقبمو كيطيعو كينفذه سكاء كاف مدلكلو مألكفان أك غريبان
(ُ)
عميو".
ْ -العبلقات البشرية :ال يستطيع العقؿ أف يضع قكانيف كقكاعد عامة تصمح ألف تسير
عمييا البشرية ،صالحة لكؿ زماف كمكاف ،ألف التجربة اإلنسانية تظؿ قاصرة ،محدكدة النظر
فما قد يصمح لبيئة بالضركرة لف يصمح لمبيئات األخرل ،كما قد يصمح لزمف معيف لف يصمح
ألف معطيات كؿ عصر كمصر ،كتنكع حاجاتو ،ىذا مع ما ىك مرككز في لؤلزماف المتعاقبة ٌ
طبائع الناس مف اليكل ،كحب الشيكات ،كما يغمب عمييا مف طابع األنانية -حب الذات .-
تجعؿ مف الصعب عمى اإلنساف بقدراتو المحدكدة أف يضع مف الشرائع كالقكانيف ما يبلئـ
جميع المتغيرات.
كىذا األمر جعؿ لئلسبلـ تمي انز عمى غيره مف قكانيف البشر ألنيا كحي مف عند هللا تعالى
الخالؽ العميـ الخبير الحكيـ ...أنزؿ مف األحكاـ كالقكاعد العامة ما يصمح عميو الناس ،كما
يصمح لحاليـ في كؿ زماف كمكاف .قكاعد ربانية بعيدة عف الشيكات كاألىكاء كالنزكات ،شريعة
ربانية كضعت تصك انر متكامبلن لحاجات الناس في كؿ عصر ال يمكف ليـ االستغناء عنيا،
ميما تباعدت عصكرىـ كأكطانيـ كاختمفت لغاتيـ .شريعة ربانية تركت مساحة كبيرة
لممجتيديف لكي يجتيدكا ،كيستنبطكا مف األحكاـ الجزئية التي مف الممكف أف تتغير في كؿ
زماف أك مكاف.
يقكؿ الدكتكر أمير عبد العزيز( :كبذلؾ فإف طريؽ الكحي اإلليي ليك سبيؿ قاطع في
اكتساب العقؿ البشرم ما يمزـ مف حقائؽ كمعمكمات في الحياة كالككف ،كفي اإلنساف بالذات،
فأنى لمعقؿ أف يدركيا ،كىي حقائؽ تؤلؼ
كتمؾ حقائؽ ككنية كبرل تتسـ بالجبلؿ كالخطكرةٌ ،
المبدأ اليائؿ كالشامؿ الذم ينبني عميو اإلسبلـ في نظرتو لمككف كالحياة كاإلنساف ،كىذه
-71- 73
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
الح قائؽ الكبرل ينبغي أف يتدعـ العقؿ بالكحي في سبيؿ معرفتيا كالتبصر الثابت الكاعي
(ُ)
بيا).
(كال ريب أف ىذا النكع مف المعرفة ليك أصدؽ األنكاع كأعبلىا جميعان ،كذلؾ ألف الكحي كارد
و
تخميف عممان بأف ظاىرة الكحي ظف أك
مكرد الحقيقة كاليقيف فبل يعتريو شؾ ،كال يخالطو شيء مف ٌ
(ِ)
منبعثة مف تصكر يقيني أساسو العقيدة فيك يقيف فكؽ كؿ يقيف ،كىك حؽ ال يدانيو حؽ).
ٓ ( -ال يكجد تعارض بيف الحقائؽ الكاقعية كما يأتي بو الكحي ،فإف ظير أم تفاكت أك
تعارض بيف الكحي كالكاقع ،فإف عمى المسمـ أف يراجع دقة فيمو لمكحي ،كما عميو أف يستكثؽ
مف سبلمة كميات كجزئيات إدراكو الصحيح لحقائؽ الكاقع ما داـ يؤمف بمبدأ كحدة الحقيقة
المطمقة .فكؿ ما يقرره الكحي البد أف يككف صادقان منسجمان مع الكاقع مكافقان لو ،إذ ال
يتصكر أف يككف هللا -سبحانو كتعالى -جاىبلن أك غاشان أك مضمبلن لمخمكقاتو ،كعميو فإف ما
يبين و ليـ ال يمكف أف يتعارض مع حقائؽ الكاقع ،ألنو ما أنزلو إلييـ إال لئلرشاد كالتعميـ
(ّ)
كاليداية كالتكجيو).
المصدر الثالث :الحواس
الحكاس تدرؾ صفات األشياء كخصائصيا ككؿ ما يتعمؽ بيا ،ثـ ترسمو لمعقؿ لكي يحمؿ
المشاىدات كيركب ،كيستنبط كيستنتج… فالعقؿ كالحكاس مرتبطاف ارتباطان تكامميان ،كال يمكف
استغناء أحدىما عف اآلخر ،كعمى سبيؿ المثاؿ :مف كلد فاقدان لمبصر ال يستطيع بأم حاؿ أف
يتصكر في عقمو شيئان عف األلكاف ميما حاكلت لو التقريب أك التشبيو ،ألنو لـ يسبؽ لو
مشاىدتو .فمكال الحكاس كمعرفتيا لعاش اإلنساف في جيؿ مطبؽ.
كقد استخدـ القرآف الكريـ الحكاس في آيات كثيرة ليدعك المسمـ إلى تحصيؿ المعارؼ التي
يغفؿ عنيا لكثرة إلٌفيا دكف إمعاف النظر فييا كمف ذلؾ حاستا الشـ كالبصر في قكلو تعالى :
ات م ٍختىمًفنا أىٍلك يانيا ك ًم ىف اٍل ًجب ً و ًً اَّلل أ ٍىن ىزؿ ًمف َّ ً
يضاؿ يج ىد هد بً ه ى ى ى ى ىخ ىر ٍج ىنا بو ثى ىم ىر ي
اء فىأ ٍ
الس ىماء ىم ن ىف َّى ى ى أىلى ٍـ تىىر أ َّ
ؼ أىٍل ىك يانوي ىك ىذلً ىؾ إًَّن ىما اب ىك ٍاأل ٍىن ىع ًاـ يم ٍختىمً ه
الد ىك ًٌ كد ىك ًم ىف َّ
الن ً
اس ىك َّ ىك يح ٍمهر يم ٍختىمً ه
ؼ أىٍل ىك يانيىا ىك ىغ ىاربً ي
يب يس ه
السمك ً
ات بً ىغ ٍي ًر ي ٍخ ىشى َّ ً ً ً ً
ؽ َّ ى ى اء فاطر اآلية ِٕ ِٖ -كقاؿ سبحانو :ىخمى ى اَّللى م ٍف ع ىباده اٍل يعمى ىم ي ى
-74-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
السم ً
اء ً ً و َّ ً ً
يد ب يك ٍـ ىكىبث فييىا م ٍف يك ٌؿ ىدابَّة ىكأ ٍىن ىزٍل ىنا م ىف َّ ى
ىف تى ًم ى ً ً
ض ىرىكاس ىي أ ٍ ىع ىمود تىىرٍكىنيىا كأىٍلقىى ًفي ٍاأل ٍىر ً
ى
اء فىأ ٍىن ىبتٍىنا ًفييىا ًم ٍف يك ًٌؿ ىزٍك وج ىك ًر ويـ لقماف اآلية َُ كقاؿ سبحانو :أىلى ٍـ ىن ٍج ىع ٍؿ لىوي ىع ٍي ىن ٍي ًف ىم ن
الن ٍج ىد ٍي ًف البمد اآلية ٖ .َُ - ىكلً ىس نانا ىك ىشفىتىٍي ًف ىك ىى ىد ٍي ىناهي َّ
يف ىعمىى أ ٍ ً ً
م ىب ىن ىانوي القيامة اآلية ْ ىف ين ىس ٌك ى كمنيا حاسة الممس في قكلو تعالى :ىبمىى قىاد ًر ى
ض كمنيا العالـ المحسكس كما فيو مف مخمكقات كأمثمتو كثيرة جدان منيا :أىلى ٍـ ىن ٍج ىع ًؿ ٍاأل ٍىر ى
النيى ىار اسا ىك ىج ىعٍم ىنا َّ َّ ً ً ً
اجا ىك ىج ىعٍم ىنا ىن ٍك ىم يك ٍـ يس ىباتنا ىك ىج ىعٍم ىنا المٍي ىؿ ل ىب ن
اك ٍـ أ ٍىزىك ن
ادا ىك ىخمى ٍق ىن ي
اؿ أ ٍىكتى ن ادا ىكاٍلج ىب ى ميى ن
ً ً
اجا النبأ اآليات ٔ ُّ -ليذا جعؿ اجا ىك َّى ن اشا ىكىب ىن ٍي ىنا فى ٍكقى يك ٍـ ىس ٍب نعا ش ىد نادا ىك ىج ىعٍم ىنا س ىر ن ىم ىع ن
اإلسبلـ عالـ الكجكد الدنيكم مصد انر ميمان مف مصادر المعرفة ،كلقد نبو القرآف عمى أىميتيا
في قضية القضايا كأعظميا مطمقان :اإليماف با﵀ تعالى ،ككذلؾ اإليماف بسائر الغيبيات
"السمعيات".
ُ -ربط القرآف بيف اإليماف كبيف الحكاس ،فجعؿ أحد أىـ عبلمات الكافريف الجاحديف
ً ًَّ
ؽ بً ىما الى ىي ٍس ىمعي إًالٌ يف ىكفىيركا ىك ىمثى ًؿ الَّذم ىي ٍن ًع ي
كعمي فقاؿ سبحانو :ىك ىمثى يؿ الذ ى ه
كبكـ
صـ ه أنيـ ه
كف البقرة اآلية ُُٕ. ً يد ىع ً
ص ّّـ يب ٍك هـ يع ٍم هي فىيي ٍـ الى ىي ٍعقمي ى
اء ياء ىكن ىد ن
ن
أف ىؤالء المنكريف أعممكا ىذه الحكاس كربطكىا بعقكليـ ليداىـ عقميـ إلى اإليماف فمك َّ
كف بًيىا فىًإَّنيىا الى تى ٍع ىمى كف بًيىا أ ٍىك آ ىذ ه ً أى ىفمى ٍـ ىي ًس ييركا ًفي األ ٍىر ً
اف ىي ٍس ىم يع ى كب ىي ٍعقمي ىكف لىيي ٍـ يقمي ه
ض فىتى يك ى
كر الحج اآلية ْٔ ،كىـ يعترفكف بيذه الحقيقة كب الَّتًي ًفي ُّ
الص يد ً ً
ص يار ىكلىك ٍف تى ٍع ىمى اٍل يقمي ي األ ٍىب ى
حينما يشاىدكف العذاب عيانان فيندمكف يكـ ال ينفع الندـ كيقكلكف :ىكقىاليكا لى ٍك يكَّنا ىن ٍس ىمعي أ ٍىك
يرالممؾ اآلية َُ.الس ًع ً ىصح ً
اب َّ ً ً
ىن ٍعق يؿ ىما يكَّنا في أ ٍ ى
ِ -كلما كانت الحكاس ىامة كانت إحدل كسائؿ المشركيف في محاربة اإلسبلـ ىي أف
يف ىكفىيركا الى تى ٍس ىم يعكا لًيى ىذا يبعدكا الناس عف سماعو كفي ىذا قاؿ القرآف محدثان عنيـ :كقى ًَّ
اؿ الذ ى
ى ى
كف فصمت اآلية ِٔ، ً ً ً َّ اٍلقي ٍر ً
آف ىكاٍل ىغ ٍكا فيو لى ىعم يك ٍـ تى ٍغميب ى
قاؿ القرطبي في تفسيره" :قاؿ ابف عباس :قاؿ أبك جيؿ إذا ق أر محمد فصيحكا في كجيو
حتى ال يدرم ما يقكؿ .كقيؿ إنيـ فعمكا ذلؾ لما أعجزىـ القرآف.
كقاؿ مجاىد :المعنى "كالغكا فيو" بالمكاء كالتصدية كالتخميط في المنطؽ حتى يصير لغكان.
-75- 75
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) الجامع إلحكاـ القرآف لمقرطبي ُٓ ،ِِّ/دار الكتب العممية-بيركت ُُّْىػُّٗٗ-ـ.
-76-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ُ -الحكاس :تعتبر الحكاس مف كسائؿ المعرفة اليامة ،ألنيا نافذة العقؿ عمى حقائؽ
الكجكد(ُ) ،كتنقسـ الحكاس إلى حكاس ظاىرة كالسمع كالبصر ،كالتي تعرؼ بيا األشياء
الخارجية فنعرؼ خضرة األشجار مثبلن:
كف النحؿ اآلية ٖٕ َّ ً
ص ىار ىكا ٍألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى
الس ٍم ىع ىك ٍاأل ٍىب ى
يقكؿ هللا تعالى :ىك ىج ىع ىؿ لى يك يـ َّ
كحكاس باطنة تمكننا مف معرفة أحكالنا الداخمية مف فرح كألـ.
ِ -العقؿ :كالعقؿ مصدر ككسيمة… قد يعتبر العقؿ مصد انر لما يدرؾ مباشرة ،كيمكف اعتباره
كسيمة لما يستنبط مف معارؼ بالفكر كالنظر الطكيؿ ،كبالدكر الذم يؤديو مع الحكاس في إدراؾ
األشياء.
كب
كف لىيي ٍـ يقمي ه
يقكؿ الشيخ الشعراكم رحمو هللا تعالى :كلنا كقفة عند قكلو تعالى :فىتى يك ى
اإلنساف بقمبو؟ معمكـ أف العقؿ في المخ ،كالقمب في يع ًقميكف بًيآ ..الحج ْٔ:كىؿ ً
يعقؿ
ي ىٍ ى ى
الصدر
سمكنيا ُّ
تأدبان مع العمـ: المحسات يي ُّ
َّ نعـ ،لئلنساف كسائؿ إدراؾ ىي الحكاس التي تمتقط
الحكاس الخمس الظاىرة؛ ألف العمـ أثبت لئلنساف في كظائؼ األعضاء حكاسان أخرل غير
فبأم حاسة مف مسؾ بشيئيف مختمفيف يمكنؾ أف تي ًٌظاىرة ،فحيف تي ً
ميز أييما أثقؿ مف اآلخرًٌ ،
ت إلى ىذه النتيجة؟
الحكاس الخمس المعركفة تكصٍم ى
أف
أف تممسيا دكف ٍ ت بالممس فمؾ ٍ
فدعيا عمى األرض كانظر إلييا ،كا ٍف يقٍم ىت بالعيف ٍ إف يقٍم ى
ٍ
ترفعيا مف مكانيا ،إذف :فأنت ال تدرؾ الثقؿ بيذه الحكاس ،إنما بشيء آخر كبآلة إدراؾ أخرل
ميًز لؾ الخفيؼ مف الثقيؿ. ىي حاسة الع ى ً
ضؿ الذم يي ٌ ى
ميًز
أف تي ٌ
كحيف تذىب لشراء قطعة مف القماش تفرؾ القماش بمطؼ بيف أناممؾ ،فتستطيع ٍ
الب ٍيف.
فبأم حاسة أدرٍكتىو؟ إنيا حاسة ى
الثخيف مف الرقيؽ ،مع أف الفارؽ بينيما ال يكاد يي ٍذ ىكرًٌ ،
اس التي يكتشفيا العمـ الحديث في اإلنساف. الب ٍعد كغيرىا مف الحك ٌ
كذلؾ ىناؾ حاسة ي
يتدخؿ العقؿ ليغربؿ ىذه المدركات، َّ فمما يدرؾ اإلنساف ىذه األشياء بكسائؿ اإلدراؾ
أرؽ مف ىذا ،كا ٍف كاف
فإف كاف سيختار ثكبان يقكؿ :ىذا أنعـ ك ٌ
كيختار مف البدائؿ ما يناسبوٍ ،
(ُ) انظر لمزيد مف االطبلع القرآف كالنظر العقمي :فاطمة إسماعيؿ ص ّٖ.ٖٕ-
-77- 77
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
إف كاف في الصيؼ اختار الخفيؼ ،كا ٍف كاف في سيختار رائحة يقكؿ :ىذه ألطؼ مف ىذهٍ ،
الشتاء اختار السميؾ.
كبعد أف يختار العقؿ كيكازف بيف البدائؿ يحكـ بقضية تستقر في الًٌذ ٍىف كتقتنع بيا ،كال
تتح ى
تحتاج إلدراؾ بعد ذلؾ ،كال الختيار بيف البدائؿ ،كعندىا تنفذ ما استقر في نفسؾ ،كار ٍ
إليو بقمبؾ.
(ُ)
إذف :إدراؾ بالحكاس كتمييز بالعقؿ
مراحل كسب المعرفة:
أم معرفة البد أف تمر بمراحؿ لكي تصؿ فييا النفس إلى درجة مف اليقيف ،أك ال تصؿ
تبعان الختيار النفس اإلنسانية التي ليا مطمؽ حرية االختيار بيف درجة العمماء كاألكلياء ،أك
تدنك مف مرتبة األنعاـ ،بؿ أضؿ ،كمراحؿ كسب المعرفة ىي:
ُ -مرحمة االستعداد :كىي المرحمة التي يكلد عمييا الطفؿ كال يعمـ شيئان ،كيككف العقؿ قكة
يميىاتً يك ٍـ الى ىخ ىر ىج يك ٍـ ًم ٍف يبطي ً
كف أ َّ اَّللي أ ٍ
خالية عف الفعؿ كعف المعرفة كالعمكـ .قاؿ سبحانو :ىك َّ
كف ىش ٍينئا النحؿ :اآلية ٖٕ .كما يفعمو الطفؿ في ىذه المرحمة ىي أفعاؿ غريزية بحتة. تى ٍعمى يم ى
ِ -مرحمة بداية التمييز كادراكات الحكاس :كىي بداية التعرؼ عمى العالـ الخارجي
كف النحؿ :اآلية َّ ً
ص ىار ىك ٍاألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى
الس ٍم ىع ىك ٍاأل ٍىب ى
بالحكاس قاؿ تعالى :ىك ىج ىع ىؿ لى يك يـ َّ
ٖٕ كأكؿ ما يدركو بحكاسو الرائحة المقبكلة ،كالرائحة الرديئة ،ككعمميا أف األخضر منافر
لؤلحمر كالفرؽ بيف الخشف كاألممس ،كالحار كالبارد ،كالصكت الحاد كالغميظ.
أشياء كيغفؿ عنيا اإلدراؾ، ن *ليس كؿ ما تراه الحكاس يمكف ادراكو ،إذ قد ترل الحكاس
ألف اإلنساف ال يريد أف يدركيا كيتغافميا ،كذلؾ مثؿ قكلو تعالى:
كف األنفاؿ اآليةُِ كقاؿ سبحانو :ىك ىكأٌىيً ٍف ً ًَّ
يف قىاليكا ىسم ٍع ىنا ىك يى ٍـ ىال ىي ٍس ىم يع ى كنكا ىكالذ ى
ىكىال تى يك ي
ًمف ءاي وة ًفي َّ ً
ات ك ٍاأل ٍىر ً
كف يكسؼ اآلية َُٓ.ض ىكف ىعمىٍييىا ىك يى ٍـ ىع ٍنيىا يم ٍع ًر يض ىي يم ُّر ى الس ىم ىك ى ٍ ىى
ّ -مرحمة العمـ بالبدىيات العقمية :مثؿ العمـ بأف الجزء أقؿ مف الكؿ .مثالو :الصبي
الصغير إذا أعطيتو تمرة بكي ،فإف زدتو ثانية كثالثة يس َّر.
-78-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كمثؿ عممو بالمتضاداف مثالو :بكاء الصبي الصغير إذا أرغمتو عمى الكقكؼ ،فإف تركتو
يجمس سكت ،كمثؿ بكائو إف أردت منعو مف االنتقاؿ إلى مكاف غير المكاف الذم ىك فيو.
ْ -مرحمة تحصيؿ العمكـ الكسبية :كىي مرحمة استنباط النظريات مف الضركريات أك
البدىيات التي تككنت في النفس بعد عدميا بكاسطة إعانة الحكاس.
كىي مرحمة تقكم عند اإلنساف قكة التفكير كاستخداـ العقؿ ،كالناس متفاكتكف في ىذا
الجانب ،كىي المرحمة التي يختار فييا اإلنساف أفعالو ،ألنيا المرحمة التي تأتي بعد النظر
كالتأمؿ كالتدبر كالتفكر كاالستنتاج.
مراحل درجات اليقين:
ً
اليقيف عمى أىمية كبيرة في العمـ كالمعرفة .قاؿ تعالى :ىكبً ٍاآلخ ىرًة يى ٍـ ييكًقين ى
كف البقرة
ض ءاي ه ً ً
ات لٍم يمكًقن ى
يف الذاريات اآلية َِ اآليةْ ،كقاؿ :ىكًفي ٍاأل ٍىر ً ى ى
كمراتب اليقيف ىبٌي ىنيا العمماء عمى النحك التالي:
كف
ماء .مثالو :كقد قاؿ سبحانو :ىكبلٌ لى ٍك تى ٍعمى يم ى أ -عمـ اليقيف :كالعمـ بالعادة أف في البحر ن
يف التكاثر:اآلية ٓ ،كىذه المرتبة األكلى تحصؿ بالنظر كاالستدالؿ. ًعٍم ىـ اٍل ىي ًق ً
ب -عيف اليقيف :كالكقكؼ عمى ساحؿ البحر كعاينو بنفسو .ثيَّـ لىتىىرٍكىنيىا ىع ٍي ىف اٍل ىي ًق ً
يف
التكاثر :اآلية ٕ،
كىك ما حصؿ عف مشاىدة كمعاينة ،كىي المرتبة التي طمبيا إبراىيـ عميو السبلـ.
ب أ ًىرنًي ىك ٍي ى
ؼ تي ٍح ًي اٍل ىم ٍكتىى البقرة :اآلية َِٔ ،فيك عميو السبلـ أراد أف قاؿ تعالى :ىر ًٌ
يصؿ إلى درجة عيف اليقيف ال أنو كاف شا ٌكان أك مرتاباي حاشا ككبل.
مر عمى قرية خاكية مات ج -حؽ اليقيف :كمف خاض فيو كاغتسؿ .مثاليو :الرجؿ الذم ٌ
كؿ أىميا فتساءؿ عف قدرة هللا في إحيائو ىذه القرية؟ فأماتو هللا مائة عاـ -كىذا حؽ اليقيف
ألنو عانى المكت بنفسو ،ثـ بعثو هللا كأراه آيات قدرتو عمى حفظ ما أراد حفظو مف التغيير مف
ىعمى يـ أ َّ
ىف الطعاـ كالشراب ،كأراه بالمقابؿ ما عاينو بنفسو كيؼ أحيا هللا حماره حتى قاؿ الرجؿ :أ ٍ
(ُ)
اَّللى ىعمىى يك ًٌؿ ىشي وء قىًد هير البقرة :اآلية ِٗٓ.
َّ
ٍ
موضوعات المعرفة:
(ُ) لمزيد االطبلع انظر القرآف كالنظر العقمي :فاطمة إسماعيؿ ص ٖٗ.ْٗ-
-79- 79
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
-80-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
غيرىـ ترزح تحت كطأة ليؿ الجيؿ كالخرافة كالظمـ .أنشأ المسممكف أعظـ حضارة عرفيا
التاريخ البشرم اعترؼ بفضميا الكثير مف المنصفيف مف أعدائيا ،كبما حققتو مف فضؿ انتفع
بو كؿ الناس ،كما كاف ذلؾ ليككف لكال الشعمة التي مست العقؿ ،كدفعتو إلى التألؽ ،فاستنار
بيدم اإلسبلـ فأنار الدنيا كالديف.
المطمب الثالث:
النقمة النوعية في األخالق
-83- 11
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
األخبلؽ لغة :جمع مفرده يخميؽ بضـ البلـ كسككنيا :كىك الديف كالطبع كالسجية ،كحقيقتو
أنو لصكرة اإلنساف الباطنة ،كىي نفسو كأكصافيا كمعانييا المختصة بيا ،بمنزلة الخٍمؽ
(ُ)
لصكرتو الظاىرة كأكصافيا كمعانييا ،كليما أكصاؼ حسنة كقبيحة.
الخمؽ اصطبلحان" :عبارة عف ىيئة راسخة في النفس تصدر عنيا األفعاؿ بسيكلة كيسر
مف غير حاجة إلى فكر كركية" .فإف كاف الصادر عنيا األفعاؿ الجميمة عقبلن كشرعان سميت
(ِ)
خمقان حسنان ،كاف كاف الصادر عنيا خمقان قبيحان سميت الييئة التي ىي المصدر خمقان شينان.
نظرة األمم والشعوب -قبل اإلسالم -إلى األخالق:
غمبت عمى األمـ كالشعكب القديمة التفكير الفمسفي في أحياف كثيرة ،كقد كانت ىذه الفمسفات
تنظر إلى األخبلؽ نظرة متباينة ،إضافة إلى األفكار ك المبادئ غير الفمسفية ،كما تعرضت
الرساالت السماكية مف تغيير كانحراؼ .كعمى كؿ حاؿ لـ تخرج النظرة إلى األخبلؽ عف منيجيف:
المنيج األكؿ :ربط األخبلؽ بالقيـ المادية ،كالمنافع الذاتية :فالقيـ عند ىؤالء مرتبطة
ارتباطان كثيقان بالمنفعة كالمذات ،كالشيكات ،فيي عندىـ ليست قيمة ثابتة ،بؿ األخبلؽ في
نظرىـ ما جمبت ليـ المنفعة ،فالكذب قد يصبح خمقان محببان إف رجع عمى اإلنساف بالفائدة،
ككذلؾ الغش ..كمف ىؤالء الصنؼ الذم يعيش في الدنيا لممذات نفسو قاؿ فييـ رب العزة
الد ٍى ير ىك ىما لىيي ٍـ بً ىذلً ىؾ
كت ىكىن ٍح ىيا ىك ىما يي ٍيمً يك ىنا إًالٌ َّ تبارؾ كتعالى :ىكقىاليكا ىما ًىي إًالٌ ىح ىياتيىنا ُّ
الد ٍن ىيا ىن يم ي ى
ً ًو
كف الجاثية اآلية ِْ ،كىذه القاعدة األخبلقية ىي التي تحكـ الحضارة م ٍف عٍمـ إً ٍف يى ٍـ إًالٌ ىيظينُّ ى
الغربية المادية بشقييا الغربي اليكـ ،كالشرقية التي اندثرت ،ألنيا قائمة عمى النفعية ،كقاعدة
الغاية تبرر الكسيمة...الخ ذلؾ بأنيـ قكـ ال يؤمنكف قاؿ سبحانو:
ً ً ً ًَّ
كف بًاآلخ ى ًرة يقمي ي
كبيي ٍـ يمنك ىرةه ىك يى ٍـ يم ٍستى ٍكبًير ى
كف النحؿ اآلية ِِ. يف الى يي ٍؤ ًمين ى
إًلىيي يك ٍـ إًلىوه ىكاح هد فىالذ ى
كمثؿ ىؤالء في التاريخ :المزدكية الذيف دعكا إلى اإلباحية في ببلد الفرس ،قاؿ العبلمة أبك
الحسف الندكم رحمو هللا تعالى( :قد جاء في كثيقة إيرانية تاريخية تعرؼ ب"نامة تنسر" تصكير
لذلؾ العصر الذم انتشرت فيو الدعكة المزدكية ،ككانت ليا السيطرة كالنفكذ" :كانتيكت األعراض،
كعـ خمع العذار ،لقد نشأ جيؿ ال كرامة فيو كال عمؿ ،كلـ يكف لو رصيد كال ماض مجيد ،كليس
-81-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ىـ لمصير الشعب ،كال إشفاؽ عميو ،كال يتصؼ بكماؿ كميارة ،ككانت تسيطر عمييـ البلمباالة
لو ّّ
كالبطالة ،ككانكا بارعيف في النميمة ،كالخبث ،كاالفتراء ،كالبيتاف ،كقد اتخذكا ذلؾ كسيمة لكسب
(ُ)
القكت كالكصكؿ إلى الثركة كالجاه").
المنيج الثاني :ربط األخبلؽ باأللـ كالحرماف كالتقشؼ :نظر قسـ مف الناس إلى الحياة نظرة
احتقار ،ككذلؾ نظركا إلى كؿ ما يرتبط بيا مف مادة كمتعة كطعاـ كشراب ،فحرمكا عمى أنفسيـ
متاع الدنيا كزينتيا مف أطايب الطعاـ كالشراب ،كلبسكا الخشف ،كىجركا النساء ،كسكنكا الكيكؼ
تقاء بالنفس كعمكان بيا عف شيكاتيا ،كىذا ىك الخمؽ الرفيع.
كالبرارم ،معتبريف ذلؾ ار ن
كمثاؿ ىؤالء في األمـ السابقة اليندكسية ،الذيف يعتقدكف أف اإلنساف بعد مكتو يعكد إلى أصمو
الذم خمؽ منو كىك إلييـ (براىما) ،كال يعكدكف إليو حتى يجيدكا أنفسيـ في الصكـ ،كحرمانيا مف
الممذات ،كلذا عندىـ عمى طالب العمـ أف يتجنب الحمكل كالركائح الطيبة كالنساء ،كعميو ٌأال يسعى
في طمب الرزؽ ،كبنحكىـ قاؿ البكذيكف :إف مف أراد أف يمحؽ بيـ عميو أف ينخمع مف مالو كعقاره،
كأف يضبط شيكات نفسو ،كأف يتخمؽ بأخبلقيـ ،ألف الثركة عادة ما تغكم صاحبيا كتفسده ،كلقد
كاف مف أصكؿ دعكة بكذا الجنكح إلى الرىبنة كاالنقطاع عف ممذات الحياة ،كنادل كذلؾ بإلغاء
(ِ)
الطبقات.
نظرة أىل الكتاب إلى األخالق:
أولً الييود:
رسـ الييكد صكرة كريية لؤلخبلؽ ،فقد سجمكا في كتبيـ استحبلؿ االفتراء كالكذب في حؽ
هللا تبارؾ كتعالى ،كالجدؿ العقيـ ،كالتآمر كالقتؿ حتى عمى أنبيائيـ قاؿ تعالى :لىقى ٍد ىس ًم ىع َّ
اَّللي
اء بً ىغ ٍي ًر ىح وٌ ً اَّلل فىًقير كنحف أ ٍ ً ًَّ
كؿ
ؽ ىكىنقي ي ب ىما قىاليكا ىكقى ٍتمىيي ٍـ األ ٍىنب ىي ى اء ىس ىن ٍكتي يىغن ىي ي يف قىاليكا إً َّف َّى ه ى ى ٍ ي قى ٍك ىؿ الذ ى
اَّللى لى ٍي ىس بًظىبلٌوـ لًٍم ىعبً ًيد آؿ عمراف ىف َّ يك ٍـ ىكأ َّت أ ٍىيًد ي ؽ* ىذلً ىؾ بً ىما قى َّد ىم ٍ
اب اٍل ىح ًري ً يذكقيكا ىع ىذ ى
ً ً ًً ً ً
يسى اب ىكقىفٍَّي ىنا م ٍف ىب ٍعده بًال ُّريسؿ ىكآتىٍي ىنا ع ى كسى اٍلكتى ى اآليةُُٖ–ُِٖ .قاؿ تعالى :ىكلىقى ٍد آتىٍي ىنا يم ى
ً َّ ً ً
كؿ بً ىما الى تى ٍي ىكل أىنفي يس يك ٍـ ٍ
استى ٍك ىب ٍرتي ٍـ فىفى ًريقنا اء يك ٍـ ىريس ه ً
ٍاب ىف ىم ٍرىي ىـ اٍل ىبٌي ىنات ىكأىي ٍَّد ىناهي ب يرك ًح اٍلقي يدس أىفى يكم ىما ىج ى
َّ
كف البقرة اآلية ٕٖ ىكذ ٍبتي ٍـ ىكفى ًريقنا تى ٍقتيمي ى
(ُ) السيرة النبكية-العبلمة أبك الحسف الندكم،صّّ ،منشكرات المكتبة العصرية ،صيدا-بيركتُّٗٗ ،ىػُٕٗٗ-ـ.
(ِ) انظر بتكسع :ديانات اليند الكبرل-شمبي ص ْٕ.ُٕٗ-
-81- 13
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كمما جاء في أخبلقيـ التي سجميا القرآف الكريـ ،كسجمكىا عمى أنفسيـ في التكراة:
ُ -حب الماؿ ،مف أجمو يقترفكف الحرمات ،كيرتكبكف الكبائر ،جاء في سفر الخركج-
(ثـ قاؿ الرب لمكسى… تكمـ في مسامع الشعب أف يطمب
اإلصحاح الحادم عشر صٌَُِ :
الرب نعمة
كؿ رجؿ مف صاحبو ،ككؿ امرأة مف صاحبتيا أمتعة فضة ،كأمتعة ذىب ،كأعطى ٌ
لمشعب في عيكف المصرييف ،كأيضان مكسى كاف عظيمان جدان في أرض مصر في عيكف عبيد
فرعكف كعيكف الشعب).
الشعب الذم يدعي اصطفاء هللا لو يسرؽ أىؿ مصر بأمر هللا -تعالى
ى انظر أييا القارئ
عف ذلؾ عمكان كبي انر -ككذلؾ النبي المصطفى مكسى عميو السبلـ ،فإذا الناس كانكا يركنو
عظيمان ،فيؿ يقبؿ أف يخكنيـ في أمكاليـ ،كيتآمر عمى سرقتيا؟!
كمف أجؿ الماؿ استحؿ بنك إسرائيؿ الربا ،كأكؿ أمكاؿ الناس بالباطؿ ،قاؿ تعالى :فىبًظيٍموـ
ىخًذ ًى ٍـ ًٌ
الرىبا اَّلل ىكثً نيرا* ىكأ ٍ
يؿ ًَّ ت لىيـ كبًصًٌد ًىـ ىع ٍف سبً ً
ى
ً ً و ً َّ
ادكا ىح َّرٍم ىنا ىعمى ٍيي ٍـ طىٌي ىبات أيحم ٍ ي ٍ ى ى ٍ يف ىى ي
ً ًَّ
م ٍف الذ ى
ً ىعتى ٍد ىنا لًٍم ىك ًاف ًر ً اس بًاٍلب ً
اط ًؿ ىكأ ٍ ًً
يما النساء اآلية يف م ٍنيي ٍـ ىع ىذ نابا أىل ن
ى الن ً ى اؿ َّ
ىكقى ٍد ينييكا ىع ٍنوي ىكأى ٍكمي ٍـ أ ٍىم ىك ى
َُٔ–ُُٔ.
اعتى ىد ٍكا ًَّ ً
يف ٍ
كمف أجؿ الماؿ تحايمكا عمى حرمة العمؿ يكـ السبت قاؿ تعالى :ىكلىقى ٍد ىعم ٍمتي ٍـ الذ ى
يف البقرة اآلية ٔٓ.ًً السب ًت فى يقٍم ىنا لىيـ يك ي ً ً ً
كنكا ق ىرىدةن ىخاسئ ى يٍ م ٍن يك ٍـ في َّ ٍ
ِ -العنصرية :كقد سبؽ الحديث عف عنصرية الييكد في باب النقمة التشريعية.
ّ -الجبف كحرصيـ عمى الحياة كمثاؿ ذلؾ رفضيـ دخكؿ األرض المقدسة مع نبييـ
خكفان مف أىميا الجباريف ،كمنو كذلؾ حرصيـ الشديد عمى الحياة أم حياة قاؿ تعالى:
ؼ ىس ىن وة ىك ىما يى ىك ًَّ و
ىش ىريككا ىي ىكُّد أ ى
ىح يد يى ٍـ لى ٍك يي ىع َّم ير أىٍل ى يف أ ٍ اس ىعمىى ىح ىياة ىك ًم ٍف الذ ى
ص النَّ ً ىح ىر ى ىكلىتى ًج ىدَّنيي ٍـ أ ٍ
اب أىف يع َّمر ك َّ ً بًم ىز ٍح ًزًح ًو ًم ٍف اٍل ىع ىذ ً
كف البقرة اآلية ٔٗ. اَّللي ىبص هير بً ىما ىي ٍع ىممي ى ٍ يى ى ى ي
ْ -التنطع في الديف ككثرة جداليـ ألنبيائيـ كمثاؿ ذلؾ مجادلتيـ لمكسى عميو السبلـ في
أمر البقرة التي أمرىـ بذبحيا.
يؽ ًم ٍنيي ٍـ ىب ٍؿ أى ٍكثىيريى ٍـ ٓ -نقض العيكد كالمكاثيؽ ،قاؿ تعالى :أ ىىك يكمَّ ىما ىع ى
اى يدكا ىع ٍي ندا ىن ىب ىذهي فى ًر ه
اب ً ؽ لًما معيـ نب ىذ فى ًر ه ً ًَّ اَّلل م ً
الى يؤ ًمنكف* كلى َّما جاءىـ رس ً ً ً ً
يف أيكتيكا اٍلكتى ى يؽ م ٍف الذ ى ص ٌد ه ى ى ى ي ٍ ى ى كؿ م ٍف ع ٍند َّ ي ى يٍ ي ى ى ى ى يٍ ى ي ه
ًكتىاب ًَّ
كف البقرة اآلية ََُ.َُُ- كرًى ٍـ ىكأَّىنيي ٍـ الى ىي ٍعمى يم ى
اء ظييي ً
اَّلل ىكىر ى ى
ثانياً النصارى:
-84-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
تقكـ النظرية األخبلقية عند النصارل عمى ترؾ الممذات كالرىبانية ،كتعذيب النفس،
كىا ىما ً
معتقديف أف ذلؾ ىك طريؽ المسيح عميو السبلـ ،كقد قاؿ سبحانو :ىكىرٍى ىبانَّيةن ٍابتى ىد يع ى
اىا ىعمى ٍي ًي ٍـ الحديد اآلية ِٕ.
ىكتىٍب ىن ى
كقد يظف مف يق أر اإلنجيؿ أنو يدعك إلى التسامح كما جاء في إنجيؿ متى اإلصحاح
الخامس ّٖ -صٗ " :قد سمعتـ أنو قيؿ عيف بعيف كسف بسف ،كأما أنا فأقكؿ لكـ ال تقاكمكا
الشر بؿ مف لطمؾ عمى خدؾ األيمف فحكؿ لو اآلخر أيضان ،كمف أراد أف يخاصمؾ ،كيأخذ
سخرؾ ميبلن كاحدان فاذىب معو اثنيف".
ثكبؾ فاترؾ لو الرداء أيضان ،كمف ٌ
ىذه التعاليـ استكماالن لخمؽ الرىبانية المبتدع عند النصارل ،كليس فيو مف التسامح شيء،
بؿ ىي دعكة إلى أف ييذؿ نفسو ،كىك ما نيي اإلسبلـ عنو ،فاإلسبلـ يدعك إلى كظـ الغيظ
كالصبر كالتسامح مف الذم يستطيع أف يرد السيئة بمثميا ،فإف لـ يستطع رد السيئة فيك ببل
شؾ مظمكـ ،كدعكة ىذا الصنؼ إلى أف يحكؿ خده الثاني لمطـ تكريس لحالة الظمـ ىذا.
ثالثاً :األخالق عند العرب:
اتصؼ العرب قبؿ اإلسبلـ بأخبلؽ إيجابية كسمبية .أما األخبلؽ اإليجابية فيي:
كالصدؽ كالكفاء بالعيد ،كنصرة الضعيؼ كالجار كاغاثة المميكؼ ،كالكرـ كالشجاعة..
أما األخبلؽ السمبية مثؿ الظمـ ككأد البنات كالطكاؼ بالكعبة عرايا ،كنصرة القريب ظالمان
أك مظمكمان ،كشرب الخمر كلعب الميسر.
األخالق في اإلسالم:
عندما نتحدث عف األخبلؽ في اإلسبلـ البد أف نذكر النقاط التالية:
ُ -زكد هللا سبحانو اإلنساف بممكات كلدت معو قادرة عمى أف تقدـ لو ما يتمنى مف
كف أ َّ ً
ىخ ىر ىج يك ٍـ ًم ٍف يبطي ً
الس ٍمعى
كف ىش ٍينئا ىك ىج ىع ىؿ لى يك ٍـ َّ
يميىات يك ٍـ الى تى ٍعمى يم ى اَّللي أ ٍ
المعارؼ قاؿ سبحانو :ىك َّ
كف النحؿ اآلية ٖٕ، َّ ً
ص ىار ىكاألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى
ىكاأل ٍىب ى
فسبحاف هللا الذم خمؽ اإلنساف في أحسف تقكيـ ،فيو غرست ممكات التعمـ كالمعرفة ،كفيو
اىا * كذلؾ نفسان استكدعيا هللا خصائص القبكؿ لمخير كالشر قاؿ سبحانو :كىن ٍف و
س ىك ىما ىس َّك ى ى
اىا الشمس اآلية ٕ – ٖ.
كرىىا ىكتى ٍق ىك ى
فىأىٍليى ىميىا في يج ى
ِ -النفس اإلنسانية عمى الرغـ مف كجكد استعدادىا بكؿ ىذا الجياز تظؿ دائمان قابمة
لمترقي ،كالتردم ،لبلزدىار كالذبكؿ ،بتأثير إرادتيا الخاصة قاؿ تعالى :قى ٍد أى ٍفمى ىح ىم ٍف ىزَّك ى
اىا *
-85- 15
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
اىا الشمس اآليةٗ َُ -كالقرآف الكريـ دعانا دائمان إلى الجياد الثابت
اب ىم ٍف ىد َّس ى
ىكقى ٍد ىخ ى
المستمر ،سكاء مف أجؿ فعؿ الخير ،كمقاكمة اليكل ،أـ الحتماؿ الشركر ،ككظـ الغيظ ،أـ
ألداء كاجباتنا الدينية ،كهللا سبحانو ال يفرض عمينا أم تكميؼ فكؽ كسائمنا ،كلكف ذلؾ لـ يمنع
استىطى ٍعتي ٍـ التغابف أنو يحثنا عمى طاعتو بكؿ ما نممؾ مف قكانا قاؿ تعالى :فىاتَّقيكا َّ
اَّللى ىما ٍ
(ُ)
اآلية ُٔ.
ّ -ربط اإلسبلـ بيف الديف كالحكاس كالقيـ األخبلقية برباط العقيدة ،إذ ال مكاف لؤلخبلؽ
بدكف عقيدة ،كىما يشكبلف الطاقة الخبلقة التي تجعؿ الفرد حتى لك سقط مرة ،يعاكد الكقكؼ
ثانية ليتابع المسيرة معتمدان عمى القكة اليائمة التي يستمد منيا العكف ،القكة الكامنة في ضمير
كقمب المؤمف.
ْ – األخبلؽ تنقسـ بحسب السنة النبكية إلى قسميف ىما:
أ -أخبلؽ جبمية :أم فيطر عمييا اإلنساف ،كخمقيا هللا فيو ،كما دؿ عمى ذلؾ حديث أشج
صمىتىٍي ًف يي ًحبُّيي ىما هللاي ىع َّز ىك ىج َّؿ ىكىريسكليوي اٍل ًحٍم يـ
يؾ ىخ ٍ
ً
عبد القيس ،الذم قاؿ لو النبي " :إً َّف ف ى
اؿ ً ً ً هللا أىقىًد ً كاألىناةي فىقىاؿ :يا رسكؿ ً
اؿ ىب ٍؿ ىجىبمى ىؾ هللاي ىعمى ٍيي ىما قى ى يما ف َّي أ ٍىك ىجىبمىني هللاي ىعمى ٍيي ىما قى ى ن ى ى ىي ى ى ى
(ِ)
﵀ الًَّذم ىجىبمىنًي ىعمىى يخميقى ٍي ًف يي ًحبُّيي ىما هللاي ىكىريسكليوي".
اٍلحمدً ً
ى ٍي
ب -أخبلؽ مكتسبة :يمكف تحصيميا بالتعمـ كالتعكد عمييا ،كما دؿ عمى ذلؾ قكؿ النبي
ًً " :كمف يستىع ًف ٍ ً
صٌبً ٍرهي هللا". ؼ ييعفَّوي هللاي ،ىك ىم ٍف ىي ٍستى ٍغ ًف يي ٍغنو هللاي ،ىك ىم ٍف ىيتى ى
(ّ)
صب ٍَّر يي ى ىىٍ ىٍ ٍ
أما مجمؿ األخبلؽ فيمف أف نقسميا إلى أقساـ:
ُ -أخبلؽ فردية (شخصية) :كىي األخبلؽ المتعمقة بالفرد ،كنفعيا الزـ لو كيعكد عميو
خاصة ،كاإلخبلص كاالستقامة كالعفة كالحمـ كالحياء كالصدؽ كالصبر كالتكاضع ،كاآليات في
ىذه األخبلؽ كثيرة معمكمة.
(ُ) انظر لمزيد مف التكسع :دستكر األخبلؽ في القرآف-دراسة مقارنة لؤلخبلؽ النظرية في القرآف-د .محمد عبدهللا
دراز ،صٖٓٓ َٓٗ-مؤسسة الرسالة ،ط.رابعة َُِْىػُِٖٗ-ـ.
(ِ) المكسكعة الحديثية لمسند أحمد جّٗ حديث رقـ (ََِْٗ ْٓ/مف الزيادات).
(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو صُٖٓ(ُْٗٔ).
-86-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-87- 17
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كما دعا اإلسبلـ إلى كبح شيكات البطف كالفرج ،كالتكاضع ،كاجتناب الظف السيئ
باآلخريف ،كالتثبت في إصدار األحكاـ عمى الناس ،كالى الثبات كالصبر ،كالقدكة الحسنة...
أما نكاىي القرآف الكريـ لمفرد في مجاؿ األخبلؽ فتمثؿ في النيي عف الكذب كالنفاؽ
كمناقضة األفعاؿ األقكاؿ ،كالبخؿ كاإلسراؼ كالرياء كاإللقاء بالنفس إلى التيمكة كاالختياؿ
كالكبر كالحسد ..الخ.
ثانياً :األخالق األسرية:
مف أخبلؽ اإلسبلـ ما يتعمؽ بالمجتمع :في آدابو كمجامبلتو كمف ذلؾ:
أ -اآلداب نحك األصكؿ كالفركع :اإلحساف إلى الكالديف ،كخفض الجناح ليما ،احتراـ حياة
األكالد ،كتربية األسرة التربية األخبلقية البلئقة.
ب -نحك الحياة الزكجية :حدد القرآف نكعية العبلقة بيف اإلنساف كمف حكلو ،فمنيف
المحرمات عميو ،كمنيف البلتي أجاز القرآف الزكاج منيف ،كما دعا إلى التشاكر كالرضا بيف
الزكجيف ،كالى المكدة كالرحمة كاختيار الرجؿ كالمرأة الصالحيف ،كالمعاشرة بالمعركؼ كالصبر
في حاؿ كراىية بعض األفعاؿ.
ت -نحك األقارب :دعا إلى اإلحساف إلييـ ،كدعا ذكم الكسع النفقة عمييـ بالمعركؼ.
ثالثاً :األخالق الجتماعية:
حرـ اإلسبلـ قتؿ النفس التي حرـ هللا إال بالحؽ ،كحرـ السرقة كالغش كالربا كالتممؾ غير
المشركع ،كأكؿ ماؿ اليتيـ ،كخيانة األمانة ،كالظمـ ،كالتكاطؤ عمى الشر ،كالغدر كالخداع،
كغش القضاة كشيادة الزكر كقكؿ السكء...الخ
كأمر اإلسبلـ بأداء األمانة كرد الكديعة كأمر بتنظيـ العقكد في البيع كالشراء كالديف،
كمراعاة العيكد ،كاإلحساف إلى الضعفاء كالعفك كالتراحـ ،كنشر العمـ...الخ
كما دعا إلى قكاعد األدب مثؿ أدب دخكؿ البيكت ،كأدب الحديث ،كحسف االستماع ...ىيا
ىىًميىا النكر اآلية ِٕ ً ًَّ
آمينكا ىال تى ٍد يخميكا يبييكتان ىغ ٍي ىر يبييكتً يك ٍـ ىحتَّى تى ٍستىأٍن يسكا ىكتي ىسًمٌ يمكا ىعمىى أ ٍ
يف ىأىيُّيىا الذ ى
ش ًفي ٍاأل ٍىر ً ً ً
اس كىال تى ٍم ً كىال تي ً
ض ىم ىرحان اإلسراء اآلية ُٖ. ص ٌع ٍر ىخ َّد ىؾ ل َّمن ىى ى
رابعاً :أخالق الدولة:
دعا اإلسبلـ الحكاـ إلى مشاكرة األمة ككجكب العدالة كارساء قكاعد النظاـ ،كصيانة
األمكاؿ العامة ،كعدـ المساس بيا ،كاعطاء األقميات حقكقيا في المجتمع المسمـ.
-88-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كدعا اإلسبلـ الشعب إلى الطاعة المشركطة بعدـ المعصية ﵀ كلرسكلو ،ك االتحاد
كالتشاكر كتجنب الفساد كتجنب مكاالة العدك أك التعامؿ معو ،كدعا إلى حسف الجكار كالدفاع
عف النفس ...الخ.
الن ً ؤدكٍا األىمان ً
ىىمًيىا ىكًا ىذا ىح ىك ٍمتيـ ىب ٍي ىف َّ
ات إًلىى ٍم يريك ٍـ أىف تي ُّ ً
اس أىف تى ٍح يك يمكٍا ىى أٍ قاؿ تعالى :إ َّف اَّللٌى ىيأ ي
ٍم ير بًاٍل ىع ٍد ًؿ
اف النحؿ اآلية َٗ. اإل ٍح ىس ًكً ً
باٍل ىع ٍدؿ النساء اآليةٖٓ ،كقاؿ :إ َّف اَّللٌى ىيأ ي
ى
ً ً
فبل انفصاؿ في شرعة اإلسبلـ بيف السياسة كاألخبلؽ ،كال بيف االقتصاد كاألخبلؽ ،كما
تنادم بذلؾ بعض االتجاىات الحديثة في العالـ الغربي.
خامساً :األخالق في القتصاد والتجارة:
كف تً ىج ىارةن ىعف تىىر و
اض َّ ً
ٍكميكٍا أ ٍىم ىكالى يك ٍـ ىب ٍي ىن يك ٍـ بًاٍل ىباط ًؿ إًال أىف تى يك ى
آمينكٍا الى تىأ ي
يف ى
ًَّ
مف ذلؾ :ىيا أىيُّيىا الذ ى
نك ٍـ النساء اآلية ِٗ ًٌم ي
يف إً ىذا ا ٍكتىاليكٍا ىعمىى َّ
الن ً ًَّ ً ًً
كف{ِ} ىكًا ىذا ىكالي ي
كى ٍـ أىك اس ىي ٍستى ٍكفي ى يف{ُ} الذ ى كقاؿ سبحانو :ىكٍي هؿ لٌٍم يمطىفٌف ى
ً كف ،اتَّقيكٍا اَّللٌى ىكىذ يركٍا ىما ىب ًقي ًم ىف ًٌ ً
يف ،البقرة اآليةِٖٕ الرىبا إًف يكنتيـ ُّم ٍؤ ًمن ى ى كى ٍـ يي ٍخس ير ى
َّكىزين ي
ً ً (ُ)
ش ىفمى ٍي ىس مٌني" كفي الحديث قاؿ " :ىم ٍف ىغ َّ
سادساً :األخالق الدينية:
كىي كثيرة عمى سبيؿ المثاؿ :التدبر في آيات هللا تعالى كشكره عمى نعمائو ،كالرضا
(ِ)
بقضائو كالتككؿ عميو كعدـ اليأس مف رحمتو ،كالكفاء بعيده ،كالصبلة كالصياـ لو...الخ
*كمف أخبلؽ اإلسبلـ ما يتعمؽ بغير العقبلء مف الحيكاف كالطيرً " :في يك ٌؿ ىكبًد ىر ٍ
ط ىبة
ٍك يؿ ًم ٍف ىخ ىش ً
اش ط ًع ٍميىا ىكلى ٍـ تى ىد ٍعيىا تىأ ي
الن ىار ًفي ًى َّ ورة ىرىبطىتٍيىا ىفمى ٍـ تي ٍ
ام ىأرىةه َّ
ت ٍ
(ّ)
ىجر" " ،ىد ىخمى ٍ أٍ
ض"(ْ).ٍاأل ٍىر ً
* كالخبلصة :أف اإلسبلـ ،قد عني بتأصيؿ المنيج األخبلقي ،مف خبلؿ تمؾ اآليات
الجامعة لمكارـ األخبلؽ ،كاآليات المفردة الخاصة ببعضيا ،ككذلؾ نصكص السنة النبكية،
-89- 19
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كارتباط األخبلؽ القرآنية بالجكانب العقدية كالعبادية كاالجتماعية كغيرىا ،إضافة إلى كثرة
(ُ)
أقساميا كتعدد أنكاعيا
خصائص األخالق في اإلسالم
تتميز األخبلؽ في اإلسبلـ عف غيرىا مف الرساالت السابقة كالديانات كالمذاىب المختمفة
بعدة خصائص أىميا كما ذكرىا العبلمة الدكتكر يكسؼ القرضاكم(ِ):
– 1أخالق معممة مفيومة:
يعتمد اإلسبلـ في بياف األخبلؽ عمى ً
الح ىكـ المعقكلة ،كالعمؿ المقبكلة ،مخاطبا العقؿ
القكيـ ،كالكجداف السميـ ،مبينا المصالح مف كراء ما يأمر بو ،كالمفاسد مف ج ارء ما ينيى عنو،
مفصبل تارة ،كمجمبل تارة.
نك ًر العنكبكت الص ىبلةى تىٍنيىى ىع ًف اٍلفى ٍح ىشاء ىكاٍل يم ى اق أر في التعميؿ التفصيمي :ىكأ ًىقًـ َّ
الص ىبلةى إً َّف َّ
َّ الصياـ ىكما يكتًب عمىى الًَّذ ً ً ً ً
كف البقرة اآليةُّٖ، يف مف قىٍبم يك ٍـ لى ىعم يك ٍـ تىتَّقي ىى ى ى ب ىعمى ٍي يك يـ ٌ ى ي ى اآليةْٓ ،يكت ى
ىح ىس يف فىًإ ىذا الًَّذم ىب ٍي ىن ىؾ ىكىب ٍي ىنوي ىع ىد ىاكةه ىكأَّىنوي ىكلً ّّ
ي َّ ً ً
السٌيًىئةي ٍادفى ٍع بًالتي ى ىي أ ٍ ىكىال تى ٍستىًكم اٍل ىح ىس ىنةي ىكىال َّ
يـ فصمت اآليةّْ. ً
ىحم ه
َّ ً كفي التعميؿ اإلجمالي :فىاسعكا إًلىى ًذ ٍك ًر ًَّ
كف اَّلل ىكىذ يركا اٍل ىب ٍي ىع ىذل يك ٍـ ىخ ٍيهر ل يك ٍـ إًف يكنتي ٍـ تى ٍعمى يم ى ٍ ىٍ
ير فىًإَّنوي ًر ٍج هس األنعاـ كف ىم ٍيتىةن أ ٍىك ىدمان َّم ٍسفيكحان أ ٍىك لى ٍح ىـ ًخ ً َّ
نز و الجمعة اآليةٗ ،إًال أىف ىي يك ى
اآليةُْٓ.
-2أخالق عالمية:
األخبلؽ في اإلسبلـ إنسانية عالمية ،ال تبيح لجنس ما تحرمو عمى آخر ،العرب كالعجـ
فييا سكاء ،بؿ المسممكف كغيرىـ أماـ أخبلقيا سكاسية ،الربا حراـ مع المسمـ كالكافر ،كالسرقة
حراـ لماؿ المسمـ كالكافر ،كالزنا حرـ بالمسممة كغير المسممة ،كالعدؿ كاجب مع المسمـ كغير
المسمـ ،كالعدكاف حراـ عمى المسمـ كغير المسمـ .كفي ىذا يقكؿ القرآف:
آف قى ٍكوـ ىعمىى أىالَّ تى ٍعًدليكٍا ً ً ام ً ً
يف ٌَّلل يشيى ىداء بًاٍلق ٍسط ىكالى ىي ٍج ًرىمَّن يك ٍـ ىش ىن ي
ً
كنكٍا قى َّك ى
آمينكٍا يك ي
يف ى
ًَّ
ىيا أىيُّيىا الذ ى
ب لًمتَّ ٍق ىكل المائدة اآلية ٖ، ً
اعدليكٍا يى ىك أى ٍق ىر ي
ٍ
(ُ) بحث بعنكاف :المنيج األخبلقي كحقكؽ اإلنساف في القرآف الكريـ د .يحيى بف محمد زمزمي ص ُٕ.
(ِ) انظر عمى الشبكة العنكبكتية مكقع القرضاكم مف كتابو مدخؿ لمعرفة اإلسبلـ بتصرؼ قميؿ.
-90-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كبيذا تنزىت األخبلؽ اإلسبلمية عف النزعة العنصرية القكمية التي اتسمت بيا األخبلؽ
الييكدية ،كاألخبلؽ القبمية كالبدائية عمى كجو العمكـ.
- 3مالءمة الفطرة:
جاء اإلسبلـ في مجاؿ األخبلؽ بما يبلئـ الفطرة كالطبيعة البشرية كيكمميا ،ال بما
يصادرىا كيصدميا فما كاف هللا ليخمؽ اإلنساف عمى طبيعة ثـ يكمفو أف يقيرىا كيقتميا ،أك
يبطؿ أثرىا كيجمدىا.
كمف ىنا اعترؼ اإلسبلـ بالكائف اإلنساني ،كما خمقو هللا ،بدكافعو النفسية ،كميكلو الفطرية،
ككؿ ما صنعو أنو ىذبيا كسما بيا ،ككضع ليا الحدكد التي تصاف بيا مصمحة المجتمع،
كمصمحة الفرد ذاتو .كليذا أباحت الشريعة التمتع بالطيبات كالزينة ،كشرعت الممكية الخاصة،
كلـ تنظر لمغرائز عمى أنيا رجس مف الشيطاف.
آد ىـ ً
*رغب اإلسبلـ في النظافة كالزينة ،كجعميما مف مقدمات الصبلة كشركطيا ىيا ىبني ى
ند يك ًٌؿ ىم ٍس ًجود األعراؼ اآليةُّ. ً
يخ يذكٍا ًز ىينتى يك ٍـ ع ى
ىخ ىرىج لً ًع ىب ًاد ًه
اَّلل الَّتً ىي أ ٍ
*أنكر القرآف بشدة عمى الذيف يحرمكف بغير دليؿ يقؿ مف ح َّرـ ًزينةى ً
ٍ ىٍ ى ى ى ٌ
ؽ األعراؼ اآليةِّ. ات ًم ىف ًٌ
الرٍز ً كاٍلطَّيًب ً
ى ٌى
اؿ ًً
فإذا كانت المسيحية ترل أف الغني ال يدخؿ ممككت السمكات ،فاإلسبلـ يقكؿ" :نع َّما اٍل ىم ي
ً (ُ)
الصالً يح لًٍم ىم ٍرًء َّ
الصال ًح" َّ
كاذا كانت المسيحية قد أنشأت نظاـ الرىبانية العاتي بما فيو مف قسكة عمى الجسد،
كمصادرة لمنكازع الفطرية ،فاإلسبلـ ينيى عف التبتؿ ،كيحض عمى الزكاج ،كيرل أف الدنيا
متاع ،كخير متاعيا المرأة الصالحة ،بؿ يعتبر السعي عمى العياؿ ،كالقياـ عمى شؤكنيـ ضرنبا
مف الجياد في سبيؿ هللا.
كلكف اإلسبلـ في كؿ ما أباحو -مراعيا الطبيعة البشرية -قد كضح لو الضكابط كالحدكد
التي تقؼ عند حد االعتداؿ ،كال يستحيؿ باإلفراط كالغمك إلى انطبلؽ حيكاني ذميـ.
-4مراعاة الواقع:
(ُ) أخرجو أحمد في المسند جِٗ )ُّٕٕٔ(ِٖٗ/قاؿ األرناكؤط :إسناده صحيح عمى شرط مسمـ.
-93- 91
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية :أنيا أخبلؽ كاقعية ،ال تصدر أكامرىا كنكاىييا ألناس
بشر يمشكف
يعيشكف في أبراج عاجية ،أك يحمقكف في أجكاء المثالية المجنحة ،إنما تخاطب نا
عمى األرض ،ليـ دكافع كشيكات ،كليـ مطامع كأماؿ ،كليـ مصالح كحاجات ،كليـ مف دكافع
الجسد ما ينزع بيـ إلى األرض ،كما ليـ مف أشكاؽ الركح ما يرتفع بيـ إلى السماء.
لـ يكمؼ القرآف اإلنساف أف يحب أعداءه ،كأف يبارؾ العنيو ػ كما أمر اإلنجيؿ ػ فيذا شيء
ال تطيقو النفس البشرية -إال شذكنذا -كانما أمر القرآف المؤمنيف أف يعدلكا مع أعدائيـ ،كال
اعًدليكٍا َّ ً
آف قى ٍكوـ ىعمىى أىال تى ٍعدليكٍا ٍ
تحمميـ عداكتيـ كبغضيـ عمى االعتداء عمييـ ىكالى ىي ٍج ًرىمَّن يك ٍـ ىش ىن ي
ب لًمتَّ ٍق ىكل ،كىذا ىك المقدكر لمبشر ،كأنو مع ذلؾ لىًقمةه ال يرتقي إلييا إال المؤمنكف. يى ىك أى ٍق ىر ي
كلـ يقؿ القرآف ما قاؿ اإلنجيؿ" :مف ضربؾ عمى خدؾ األيمف فأدر لو خدؾ األيسر ،كمف
سرؽ قميصؾ ،فأعطو إزارؾ" فيذا ال يستطيعو -كما يشيد الكاقع -كؿ الناس ،كال في كؿ
األحكاؿ .بؿ قاؿ القرآف :كج ىزاء سيًىئ وة سيًىئةه ًم ٍثمييا فىمف عفىا كأىصمىح فىأىجره عمىى ًَّ
اَّلل الشكرل ى ٌ ى ٌ ٌ ى ى ٍ ى ى ٍ ى ٍ يي ى ىى
ص ىب ٍرتي ٍـ لىيي ىك ىخ ٍيهر ًلٌ َّ ً ً ً ً ً
مصابًر ى
يف النحؿ ًف ىعاقىٍبتي ٍـ فى ىعاقيبكٍا بًم ٍثؿ ىما يعكًق ٍبتيـ بًو ىكلىئف ى
اآليةَْ ،ىكا ٍ
اآليةُِٔ ،فأقر مبدأ العدؿ ،ثـ فتح الباب لممتطمعيف إلى السمك كالكماؿ ،ليعفكا كيصفحكا.
ً ً
يف البقرة الشيء الذم يحرمو اإلسبلـ ىك العدكاف :ىكالى تى ٍعتى يدكٍا إً َّف اَّللٌى الى ييح ًٌ
ب اٍل يم ٍعتىد ى
اآليةَُٗ ،كبذلؾ كفؽ اإلسبلـ بيف عدؿ التكراة كسماحة اإلنجيؿ ،كىذه ىي الكاقعية المثالية
المتكازنة.
لـ يقؿ القرآف ما قاؿ اإلنجيؿ" :إذا أعثرتؾ عينؾ فاقمعيا ،كألقيا عنؾ ،فإنو خير لؾ أف
ييمؾ أحد أعضائؾ مف أف يمقى بدنؾ كمو مف جينـ" ،بؿ أمر المؤمنيف كالمؤمنات أف يغضكا
مف أبصارىـ ،كما أمرىـ بالتكبة مما قد يبدر منيـ ،فقاؿ :كتيكبكا إًلىى ًَّ
اَّلل ىج ًميعان أىيُّيىا ى ي
ً َّ
كف النكر اآليةُّ ،كعفا الرسكؿ عف نظرة الفجاءة ،كقاؿ " :ىال تيتٍبً ٍع كف لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى اٍل يم ٍؤ ًمين ى
ً (ُ)
ظ ىرةى فىًإ َّف لى ىؾ ٍاأليكلىى ىكلى ٍي ىس ٍ
ت لى ىؾ ٍاآلخ ىرةي" ظ ىرةى َّ
الن ٍ َّ
الن ٍ
كمف كاقعية األخبلؽ اإلسبلمية أنيا لـ تفترض في المؤمنيف المتقيف أف يككنكا مبلئكة أكلى
أبدا ،كبل إف اإلنساف
يكما ،كال يتكرطكف في أكحاؿ الرذيمة ن
سكءا ن
أجنحة ،ال تسكؿ ليـ أنفسيـ ن
خمؽ عمى طبيعة مزدكجة ،جمعت بيف طيف كحمإ مسنكف ،كبيف نفخة مف ركح هللا.
-91-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
فميس بمستنكر أف يذنب ،ثـ يتكب .إنما المنكر أف يتمادل في الذنكب كيستمرئ الرذيمة
كالعصياف .لقد أذنب آدـ -أبك البشر -كتاب فتاب هللا عميو ،فبل غرابة أف يككف بنكه مثمو،
ليذا جعؿ القرآف مف أصناؼ المتقيف:
ً ُّ ً ً ًَّ
استى ٍغفىيركٍا ل يذينكبً ًي ٍـ ىك ىمف ىي ٍغف ير الذين ى
كب يف إً ىذا فى ىعميكٍا فىاح ىشةن أ ٍىك ظىمى يمكٍا أ ٍىنفي ىسيي ٍـ ىذ ىك يركٍا اَّللٌى فى ٍ ىكالذ ى
ً َّ
كف آؿ عمراف اآليةُّٓ إًال اَّللٌي ىكلى ٍـ ييص ُّركٍا ىعمىى ىما فى ىعميكٍا ىك يى ٍـ ىي ٍعمى يم ى
كما فرؽ القرآف بيف كبائر اإلثـ كفكاحشو ،كبيف صغائر السيئات كلى ىمًـ الذنكب التي قمما
يسمـ منيا أحد ،فيي في دائرة المسامحة كالغفراف ما اجتنبت المكبقات :إًف تى ٍجتىنًيبكٍا ىك ىبآئً ىر ىما
نك ٍـ ىسٌيًىئاتً يك ٍـ ىكين ٍد ًخٍم يكـ ُّم ٍد ىخبلن ىك ًريمان النساء اآلية ُّ، تيٍنيى ٍك ىف ىع ٍنوي ين ىك ًفٌ ٍر ىع ي
كمف كاقعية األخبلؽ اإلسبلمية أنيا قدرت لمضركرات قدرىا ،كراعت األعذار كالظركؼ
المخففة ،كلـ تتزمت تزمت المثالييف المتطرفيف الذيف يقبمكف أم استثناء.
اغ ىكالى كليذا بعد أف ذكر القرآف محرمات األطعمة ،عقب عمييا بقكلو :فى ىم ًف ٍ
اضطيَّر ىغ ٍي ىر ىب و
ً ً و
يـ البقرة ُّٕ ىعاد فىبل إًثٍ ىـ ىعمى ٍيو إً َّف اَّللٌى ىغفي ه
كر َّرح ه
- 6اإليجابية:
كمف خصائص األخبلؽ في اإلسبلـ :أنيا أخبلؽ إيجابية ،فيي ال ترضى مف المتحمي بيا
مسايرة الركب ،أك المشي مع التيار ،أك العجز كاالستسبلـ لؤلحداث تكجو قياده كالريشة في
ميب الريح .إنما تحث عمى القكة كالكفاح ،كمكاصمة السعي في ثقة كأمؿ ،كتقاكـ العجز
اب بًقي َّكوة مريـ ً ً
كاليأس ،كالتماكت كالكسؿ ،ككؿ أسباب الضعؼ .كفي القرآف الكريـ :يخذ اٍلكتى ى
اآليةُِ
ىص ىاب ىؾ ىشي هء فى ىبل تىيق ٍؿ: كفى الحديث" :اح ًرص عمىى ما ي ٍنفىعؾ كاستى ًعف بً ًَّ
ٍ ًف أ ى
اَّلل ىكىال تى ٍع ىج ٍز ،ىكا ٍ ٍ ٍ ى ى ى يى ى ٍ ٍ
(ُ)
اف" اَّلل كما ىشاء فى ىعؿ .فىًإ َّف لىك تى ٍفتىح ىعمؿ َّ
الش ٍيطى ً ً ً ً
ٍ ي ىى ى ى اف ىك ىذا ىك ىك ىذا؛ ىكلىك ٍف يق ٍؿ :قى ىد ير َّ ى ى ت ىك ى لى ٍك أٌىني فى ىعٍم ي
كيكصي الرسكؿ بالعمؿ لعمارة الحياة حتى آخر لحظة في عمر الدنيا ،كلك لـ ينتفع بثمرة
ىحًد يك ٍـ فى ًسيمىةه ،فىًإ ًف ً
اعةي ىكًفي ىيد أ ى
الس ىام ًت َّ ً
العمؿ أحد ،كلكف احتراـ لقيمة العمؿ في ذاتو" ،إ ٍف قى ى
(ِ)
اعةي ىحتَّى ىي ٍغ ًر ىسيىا ،ىفٍم ىي ٍف ىع ٍؿ"
الس ى
كـ َّ
ىف الى تىقي ى
اع أ ٍ ط ى
استى ى
ٍ
-91- 93
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ىنت
ب أ ى
يرفض اإلسبلـ اإلتكالية المنيزمة التي نراىا في قكؿ أصحاب مكسى لو :فىا ٍذ ىى ٍ
ً ً
كف المائدة اآلية ِْ ،كلكف يريد اإليجابية الفعالة التي تتمثؿ في ُّؾ فىقىاتبل إًَّنا ىى ي
اى ىنا قىاع يد ى ىكىرب ى
(ُ)
قكؿ أصحاب محمد" :اذىب أنت كربؾ فقاتبل ،إنا معكما مقاتمكف".
مستقيما في نفسو ،حتى يعمؿ عمى استقامة غيره،
ن لـ يكتؼ اإلسبلـ مف المسمـ أف يككف
كلـ يقبؿ المرء في عداد الفضبلء الصالحيف إذا صمح ىك ،كلـ يأبو لفساد المجتمع مف حكلو،
بؿ فرض عمى كؿ مسمـ -بقدر كفايتو كاستطاعتو -الدعكة إلى الخير كاألمر بالمعركؼ،
كالنيي عف المنكر ،كالتكاصي بالحؽ ،كالتكاصي بالصبر كالمرحمة ،كالنصيحة في الديف،
اس تىأٍمركف بًاٍلمعر ً يخ ًرج ٍ ً كاالىتماـ بأمر المسمميف :يكنتيـ ىخير أ َّ و
كؼ ىكتىٍنيى ٍك ىف ىع ًف ت ل َّمن ً ي ي ى ى ٍ ي يمة أ ٍ ى ٍ ٍى
آمينكا ىك ىع ًمميكا َّ ًَّ اإلنس ً
يف ى اف لىفي يخ ٍس ور{ِ} إًال الذ ى
ص ًر{ُ} إً َّف ًٍ ى ى نك ًر آؿ عمراف اآليةَُُ ،ىكاٍل ىع ٍ اٍل يم ى
ً
الديف َّ ً اص ٍكا بً َّ اص ٍكا بًاٍل ىح ًٌ َّ ً ً
يحةي"(ِ)،النص ى الص ٍب ًر ،كفي الحديث ٌ " :ي ؽ ىكتى ىك ى الصال ىحات ىكتى ىك ى
بيذا رفض اإلسبلـ السمبية أماـ الفساد االجتماعي كالسياسي ،كالتحمؿ الخمقي كالديني،
كطمب إلى المسمـ أف يغير المنكر بيده ،فإف لـ يستطع فبمسانو ،فإف لـ يستطع فبقمبو ،كذلؾ
أضعؼ اإليماف.
سمبيا كما يظف ،كلكنو تعبئة نفسية كشعكرية ضد الفساد ،ال بد أف
كالتغيير بالقمب ليس ن
تتجسد يكما في عمؿ مممكس.
- 7الشمول:
كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية أنيا أخبلؽ شاممة مستكعبة ،فإذا ظف بعض الناس أف
األخبلؽ في األدياف تنحصر في أداء الشعائر التعبدية كنحك ذلؾ ،فيذا إف صح في أخبلؽ
ديف ما ،ال يصح أف يكصؼ بو قانكف األخبلؽ في اإلسبلـ .فإف ىذا القانكف لـ يدع لمنشاط
ركحيا ،إال
ن أدبيا ،أك
حيكيا ،أك فكرنيا ،أك ن
ن اإلنساني مف ناحيتيو :الفردية كاالجتماعية مجاالن
منيجا لمسمكؾ كفؽ قاعدة معينة ،بؿ تخطى عبلقة اإلنساف بنفسو عبلقتو ببني جنسو،ن رسـ لو
فشمؿ عبلقتو بالككف في جممتو كتفصيمو ،ككضع لذلؾ كمو ما شاء هللا مف اآلداب الراقية،
قبيؿ معركة بدر. (ُ) أكردىا أصحاب السير مف قكؿ المقداد بف األسكد لرسكؿ هللا
(ِ) أخرجو مسمـ في صحيحو جُ.)ٓٓ(ْٕ/
-94-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كالتعاليـ السامية ،كىكذا جمع ما فرقو الناس باسـ الديف ،كباسـ الفمسفة ،ثـ كاف لو عمييما
المزيد.
- 7التوازن:
كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية :التكازف الذم يجمح بيف الشيء كمقابمو في اتساؽ
كتناسؽ ،ببل غمك كال تفريط.
مف ذلؾ :التكازف بيف حؽ الجسـ كحؽ الركح ،فبل حرماف لمجسـ يصؿ إلى حد التعذيب،
كما في البرىمية اليندية ،كالمانكية الفارسية ،كالركاقية اليكنانية ،كالرىبانية المسيحية كنحكىا.
كال إغفاؿ ألمر الركح ،كما في الييكدية إلى حد كبير ،ثـ في المذاىب المادية التي لـ
تعترؼ لمركح بكجكد ،فضبل عف أف يككف ليا حؽ .كليذا قاؿ الرسكؿ لبعض أصحابو الذيف
أبدا ،كعزـ أبدا ،كعزـ الثاني أف يصكـ النيار فبل يفطر ن عزـ أحدىـ أف يقكـ الميؿ فبل يناـ ن
يف يقٍمتي ٍـ ىك ىذا ىك ىك ىذا؛ ًَّ ً
اؿ :أ ٍىنتييـ الذ ى
كؿ هللا ،فىقى ى
اء ىريس ي
أبدا" :فى ىج ى
الثالث أف يعتزؿ النساء فبل يتزكج ن
لكنًي أىصكـ كأي ٍف ًطر ،كأيصًمٌي كأىرقيد ،كأىتىزَّكج ً اكـ ً هللا إًٌنًي أل ٍ
أىما ك ً
اء؛ فى ىم ٍف
الن ىس ى
ي ي ى ي ى ى ىٍ ي ى ى ي ٌ اك ٍـ لىويٌ ً ،
﵀ ىكأىتٍقى ي ىخ ىش ي ٍ ى ى
ً ً (ُ) ً ً
ب ىع ٍف يسَّنتي ىفمى ٍي ىس مٌني" ىرغ ى
كمف ذلؾ :التكازف بيف الدنيا كاآلخرة ،فإذا كانت الييكدية تجعؿ أكبر ىميا ىذا العالـ
األرضي الحاضر ،كالمسيحية تحصر كؿ تكجيييا في ممككت السماء حيث العالـ اآلخر،
فاإلسبلـ يزاكج بيف النظرتيف ،كيمزج بيف الحياتيف ،فيذه مزرعة لتمؾ ،كهللا قد استخمؼ الناس
في األرض ،كاستعمرىـ فييا ،فبل ينبغي أف يخربكىا أك يعطمكىا ،كالسعيد مف فاز بحسنة
الدنيا كحسنة اآلخرة:
ص ىيب ىؾ ًم ىف ُّ
الد ٍن ىيا القصص اآليةٕٕ. ىن ً نس ً اَّللي َّ
الد ىار ٍاآلخ ىرةى ىكىال تى ى اؾ َّ يما آتى ى
ً
ىك ٍابتى ًغ ف ى
فبل تدليؿ لمفرد بكثرة الحقكؽ كاطبلؽ العناف لو كمف ذلؾ التكازف بيف الحقكؽ كالكاجبات،
باسـ الحرية ،فيسترخي كيطغى كينحرؼ كيفسد ..كال إرىاؽ لو بكثرة الكاجبات كاألعباء ،كاف
ناء بيا ظيره ،كخارت قكاه ،ال باسـ المجتمع ،كال باسـ غيره.
-95- 95
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كمف ذلؾ :التكازف بيف الكاقعية كالمثالية ،فمع االعتراؼ بالكاقع الذم يعيشو أكثر الناس،
مفتكحا -مع الترغيب كالتشكيؽ -ألصحاب السبؽ كاليمـ ،لمسمك كاالرتفاع ن يدع المجاؿ
كالمسارعة في الخيرات ،فإف درجات الناس تختمؼ:
اَّلل فاطر اآلية ِّ ؽ بًاٍلخير ً
ات بًًإ ٍذ ًف ًَّ ً ً ً ً ً ًً ً ً
فىم ٍنيي ٍـ ظىال هـ لٌىن ٍفسو ىكم ٍنييـ ُّم ٍقتىص هد ىكم ٍنيي ٍـ ىساب ه ى ٍ ى
إف الناظر إلى تكازف األخبلؽ اإلسبلمية ،كتناسقيا المعجز ،يأخذه العجب كيؼ اجتمعت
فييا الفضائؿ المتقابمة ،التي يحسب الكثيركف أف التقاءىا ضرب مف المحاؿ.
كليذا يتعذر عمى الباحث أف ينسبيا إلى لكف أك مذىب مف األلكاف أك المذاىب األخبلقية،
التي عرفيا الناس قديما كحديثنا :أىي أخبلؽ قكة أـ أخبلؽ محبة؟ ىؿ ىي أخبلؽ زىد أـ
أخبلؽ حياة؟ أىي أخبلؽ ركحية أـ أخبلؽ مادية؟ أىي أخبلؽ ربانية أـ أخبلؽ إنسانية؟
أىي أخبلؽ عقمية أـ أخبلؽ دينية؟
أىي أخبلؽ مثالية أـ كاقعية ،أىي أخبلؽ فردية أـ اجتماعية؟
قدر مف كؿ نكع مف
جميعا ،ألف فييا نا
ن كالحؽ أنيا ليست كاحدة مف ىؤالء ،كلكنيا كؿ أكلئؾ
ىذه األنكاع ،ىك خير ما فييا ،مع تنزىيا عف مساكئو كتطرفاتو.
فالحؽ الذم ال ريب فيو أنيا :أخبلؽ متكاممة متكازنة :ألنيا أخبلؽ إسبلمية ،ككفى.
المطمب الرابع:
النقمة النوعية في التشريع
الشريعة لغة:
اب في الماء ،أم دخمت.ُ -ىش ىرعى الكارد ىش ٍرعان ،كشركعان :تناكؿ الماء بفيو ،كشرعت الدك ُّ
الم ٍش ىرعة :المكاضع التي يي ٍن ىحدر إلى الماء منيا ،قاؿ الميث :كبيا سمي ما شرع هللا
كالشريعة ك ى
لمعباد شريعة مف الصكـ كالصبلة كالحج كالنكاح كغيره.
-96-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ِ -كالشريعة :مكرد الماء ،كىي مكرد الشاربة التي يشرعيا الناس فيشربكف منيا
عدان ال انقطاع شرعكىا دكابيـ ..كالعرب ال تسمييا شريعة حتى يككف الماء ٌ كيستقكف ،كربما ٌ
(ُ)
لو ،كيككف ظاى انر معينان ال يسقى بالرشاء ..كفي المثؿ :أىكف السقي التشريع.
اؾ ىعمىى ىش ًرٍي ىع وة ًم ىف ٍاأل ٍىم ًر
ّ -كالشريعة الطريؽ المستقيـ :مف ذلؾ قكلو تعالى :ثيَّـ ىج ىع ىمن ى
ات ٌّ ىّبً ٍعيىا .أم عمى طريؽ مستقيـ.
فى ٌ
الشريعة اصطبلحان" :ما شرعو هللا لعباده مف الديف بكاسطة النبي لتحقيؽ سعادتيـ في الدنيا
كاآلخرة".
كالديف يشمؿ :العقيدة كالعبادات كالمعامبلت كاألحكاـ كالحدكد كالقصاص كاألخبلؽ ..الخ،
اط يم ٍستىًق ويـ ًد نينا
صر وً ً ً ً ًً
كتسمى الشريعة بالديف ،أك الممة قاؿ تعالى :يق ٍؿ إَّنني ىى ىداني ىرٌبي إلىى ى
ً اىيـ حنًيفنا كما ىك ً
ً ً ً َّ
يف األنعاـ اآلية ُُٔ. ق ىي نما ممةى إً ٍب ىر ى ى ى ى ى
اف م ٍف اٍل يم ٍش ًرك ى
العالقة بين معنى الشريعة في المغة ،ومعناىا الصطالحي:
ُ -الشريعة مكرد الماء يسقى منو بدكف عناء ،ككذلؾ الديف فكما أف الماء أساس الحياة
لكؿ الكائنات الحية ،فالشريعة الربانية أساس حياة البشرية كسعادتيا ،كىك كما الماء مكرد
سيؿ المناؿ لمف أراده.
عد ال انقطاع لو ،ككذلؾ الشريعة الربانية غزيرة ال انقطاع ليا ،تصمح
ِ -الشريعة مكرد ٌ
لكؿ زماف كمكاف حتى يرث هللا األرض كمف عمييا.
ّ -مف معاني الشريعة الطريؽ المستقيـ كما في قكلو تعالى:
يع وة ًم ىف ٍاأل ٍىم ًر فىاتَّبً ٍعيىا الجاثية اآلية ُٖ اؾ ىعمىى ىش ًر ى
ثيَّـ ىج ىعٍم ىن ى
ؽ بً يك ٍـ ىع ٍف ىسبًيمً ًو األنعاـ يما فىاتَّبً يعكهي ىكالى تىتَّبً يعكا ُّ
السيب ىؿ فىتىفىَّر ى ً ً ً كقاؿ :ىكأ َّ
ىف ىى ىذا ص ىراطي يم ٍستىق ن
اآليةُّٓ.
عالقة الشريعة اإلسالمية بالشرائع السماوية السابقة:
ُ -الشرائع السماكية متفقة في قضايا التكحيد ،فيي كظيفة جميع الرسؿ إلى أقكاميـ كىي
اإلقرار ﵀ بالكحدانية ،كأنو كحده المستحؽ لمعبادة ،كنبذ جميع األنداد ،كما يترتب عمى ذلؾ
-97- 97
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كحي إًلى ٍي ًو أىنَّوي الى إًلىوى إًالٌمف قضايا التكحيد قاؿ تعالى :كما أىرسٍم ىنا ًمف قىبمًؾ ًمف رسك وؿ إًالٌ ين ً
ٍ ٍ ى ٍ ىي ىى ٍى
اعيب يدكنًي األنبياء اآلية ِٓ ،كقاؿ: أ ىىنا فى ٍ
اَّلل ك ً
كت فى ًم ٍنيي ٍـ ىم ٍف ىى ىدل َّ
اَّللي ىك ًم ٍنيي ٍـ اجتىنيبكا الطَّ ي
اغ ى ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ
كلىقى ٍد بعثٍىنا ًفي يك ًؿ أ َّ و
يمة ىريسكالن أ ٍ ٌ ى ىى
ً ً الضبلىلىةي فى ًس ييركا ًفي األ ٍىر ً
ت ىعمى ٍي ًو َّ
يف النحؿ اآلية اف ىعاق ىبةي اٍل يم ىك ٌذبً ى
ؼ ىك ىض فى ٍانظييركا ىك ٍي ى ىم ٍف ىحقَّ ٍ
ّٔ.
ِ -الجانب التشريعي بيف الرساالت السماكية يتفؽ في األصكؿ كالصبلة كالصياـ
كالزكاة ..كاف اختمفت كيفياتيا بيف الرساالت ،ككذلؾ في األصكؿ العامة في المعامبلت كغيره
كتحريـ الربا كشرب الخمر كالسرقة كالزنا كالكذب كالغش .أما الفركع فقد اختمفت مف رسالة
ً ً ً و
إلى أخرل ،قاؿ تعالى :ل يك ٌؿ ىج ىعٍم ىنا م ٍن يك ٍـ ش ٍرىعةن ىك ًم ٍنيى ن
اجا المائدة اآلية ْٖ،
ألف هللا سبحانو كاف يي ىنزؿ مف التشريعات ما يصمح لؤلقكاـ الذيف أنزلت ليـ الرسالة، كذلؾ ٌ
فما كاف يصمح لقكـ مكسى عميو السبلـ أصبح محتاجان إلى التغيير في العصر الذم يبعث فيو
صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف ىي ىد َّ
م ًم ٍف التَّ ٍكىرًاة عيسى عميو السبلـ ،قاؿ تعالى محدثان عمى لساف عيسى :ىك يم ى
ض الًَّذم يح ًٌرىـ ىعمى ٍي يك ٍـ آؿ عمراف اآلية َٓ. ً
ىكأليح َّؿ لى يك ٍـ ىب ٍع ى
أما الرسالة اإلسبلمية فقد أرادىا هللا تبارؾ كتعالى شريعة صالحة لكؿ زماف كمكاف ،كىي
خاتمة الرساالت السماكية.
غير أف الرساالت السماكية السابقة أصابيا التحريؼ كالتبديؿ -كما سبؽ كأشرنا إلى ذلؾ
في مبحث النقمة في التصكر كاالعتقاد -أصاب ىذا التحريؼ الشريعة كما أصاب العقيدة مف
قبؿ ،نممح ىذا في ثنايا التكراة كاإلنجيؿ التي بيف أيدينا اليكـ،
كاألدلة عمى ذلؾ كثيرة ،ىذا باإلضافة إلى بعض الخصائص التي اتصفت بيا الشريعة
المحرفة الييكدية ،نسكؽ إليؾ أىميا:
- 1العنصرية:
أخبرنا القرآف عف عنصرية الييكد كالنصارل في أكثر مف مكضع في القرآف الكريـ فقاؿ
ٍم ٍنوي بًًد ىين وار الى يي ىؤًٌد ًه ً ً ًً ً اب مف إًف تىأ ًً
ٍم ٍنوي بقنطى وار يي ىؤٌده إلى ٍي ىؾ ىكم ٍنيي ٍـ ىم ٍف إ ٍف تىأ ى
ىىؿ اٍلكتى ى ٍ ٍ ى
تعالى :ك ًم ٍف أ ٍ ً ً ً
ى
اَّللً ً ً ً ً ً ً ً ً
كف ىعمىى َّ يؿ ىكىيقيكلي ى يف ىسب ه يمٌي ىت ىعمىٍيو قىائ نما ىذل ىؾ بأَّىنيي ٍـ قىاليكا لىٍي ىس ىعمى ٍي ىنا في ٍاأل ٌإًلى ٍي ىؾ إًالٌ ىما يد ٍم ى
كف آؿ عمراف اآلية ٕٓ، ً
ب ىك يى ٍـ ىي ٍعمى يم ى
اٍل ىكذ ى
-98-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
َّاؤهي يق ٍؿ ىفمً ىـ يي ىعًٌذيب يك ٍـ بً يذينكبً يك ٍـ ىب ٍؿ أ ٍىنتي ٍـ ىب ىشهر ًم َّم ٍف النصارل ىنحف أىب ىناء ًَّ ً
اَّلل ىكأىحب ي كد ىك َّ ى ى ٍ ي ٍ ي
ت اٍل ىييي ي
ىكقىالى ٍ
ض كما بي ىنيما كًالىي ًو اٍلم ً َّلل مٍمؾ َّ ً ؽ ي ٍغ ًفر لًمف ي ىشاء كيعًٌذب مف ي ىش ً ً
ص يير الس ىم ىاكات ىكاأل ٍىر ً ى ى ى ٍ ي ى ى ٍ ى اء ىك َّ ي ي
ىخمى ى ى ي ى ٍ ى ي ى ي ى ي ى ٍ ى ي
المائدة اآلية ُٖ.
أما التكراة فقد طفحت نصكصيا بما يدؿ عمى تغمغؿ العنصرية في نفكس يم ىح ًٌرفييا ،جاء
في سفر التثنية اإلصحاح الرابع عشر صِّٗ مخاطبان بني إسرائيؿ( :كقد اختارؾ الرب
لتككف لو شعبان خاصان فكؽ جميع الشعكب الذيف عمى كجو األرض).
كفي اإلصحاح الخامس عشر صِٓٗ( :في آخر سبع سنيف يعمؿ إبراء ،كىذا ىك حكـ
صاحبو .ال يطالب صاحبو كال أخاه ،ألنو قد ينكدم ى ض
أقر ى اإلبراء :يبرئ كؿ صاحب ىدٍي وف ىي ىدهي ٌ
مما ى
األجنبي تطالب ،كأما ما كاف لؾ عند أخيؾ فتبريئوي يدؾ ًمٍنو).
َّ بإبراء لمرب.
كفي اإلصحاح العشريف صَِّ( :حيف تقرب مدينة لتحاربيا استدعيا لمصمح ،فإف أجابتؾ
إلى الصمح كفتحت لؾ ،فكؿ الشعب المكجكد فييا يككف لؾ لمتسخير ،كيستعبد لؾ).
كفي اإلصحاح الثالث كالعشريف صَّٕ( :ال تقرض أخاؾ بربا ،ربا فضة أك ربا طعاـ ،أك
ربا شيء ما مما يقرض بربا ،لؤلجنبي تقرض بربا ،كلكف ألخيؾ ال تقرض بربا).
- 2النزعة المادية:
يتجمى لمف ينظر في التكراة أنيا تكاد تخمك مف الحديث عف اليكـ اآلخر كالجزاء فيو ،كذكر
الجنة كالنار ..كغير ذلؾ مف الجانب الركحي ،كيغمب عمى التشريع الييكدم نزكعو إلى
المادية البحتة دكف ربطيا بالجزاء األخركم مثاؿ ذلؾ :تعظيـ حرمة يكـ السبت ،كعدـ األكؿ
عمى النار ،كعدـ التنقؿ بالسيارة فيو ،كعدـ اختبلط األكاني التي تستعمؿ في أكؿ المحكـ مع
األكاني التي تستعمؿ في شرب المبف كمشتقاتو…الخ
- 3الشدة والقسوة:
الييكدية بالشدة عمييـ ،فقد حرـ هللا عمييـ طيبات أحمت ليـ جزاء أعماليـ اتصفت الشريعة
يؿ ًَّ
اَّلل ت لىيـ كبًصًٌد ًىـ ىع ٍف سبً ً ً ً و ً َّ ً ًَّ قاؿ تعالى :فىبًظيٍموـ
ى ادكا ىح َّرٍم ىنا ىعمى ٍيي ٍـ طىٌي ىبات أيحم ٍ ي ٍ ى ى ٍ يف ىى ي
م ٍف الذ ى
ادكا ىح َّرٍم ىنا يك َّؿ ًذم ظيفي ور ىك ًم ٍف اٍل ىبقى ًر ىكاٍل ىغ ىنًـ ىح َّرٍم ىنا
يف ىى ي
ًَّ
َُٔ ىك ىعمىى الذ ى ىكثً نا
ير النساء اآلية
-99- 99
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
اختىمىطى بًع ٍ ً
ظوـ ىذل ىؾ ىج ىزٍي ىن ي
اى ٍـ بًىب ٍغيً ًي ٍـ ىكاًنَّا ى كريى ىما أ ٍىك اٍل ىح ىك ىايا أ ٍىك ىما ٍ كميي ىما إًالٌ ىما ىح ىممى ٍ
ت ظييي ي
ً
ىعمى ٍيي ٍـ يش يح ى
كف األنعاـ اآلية ُْٔ. لى ً
صادقي ى ى
ظيرت ىذه القسكة في التكراة في سفر التثنية اإلصحاح الكاحد كالعشريف صَّّ -
َّْ ( :إذا كاف لرجؿ ابف معاند كمارد ال يسمع لقكؿ أبيو كال لقكؿ أمو ،كيؤدبانو فبل يسمع
ليما ،يمسكو أبكه كأمو كيأتياف بو شيكخ مدينتو ،كالى باب مكانو ،كيقكلكف لشيكخ مدينتو ابننا
ىذا معاند كمارد ال يسمع لقكلنا ،كىك مسرؼ كسكير ،فيرجمو جميع رجاؿ مدينتو بحجارة
حتى يمكت .فتنزع الشر بينكـ).
ىذه النصكص التكراتية تبيف خصائص الشريعة الييكدية اليامة.
*أما بالنسبة لمشريعة النصرانية فيي تابعة بشكؿ شبو كامؿ لمتكراة ألنيا كما سبؽ الحديث
بالنسبة ليـ العيد القديـ كقد جاء عمى لساف عيسى عميو السبلـ في إنجيؿ متى اإلصحاح
الخامس ُٕ صٖ" :ال تظنكا أني جئت النقض النامكس أك األنبياء ما جئت النقض بؿ
ألكمؿ".
*أىـ مخالفات الشريعة المسيحية لمييكدية الزكاج كالطبلؽ ،فالزكاج لدل النصارل أبدم
غير قابؿ لبلنفكاؾ.
جاء في إنجيؿ متى اإلصحاحُّ ِّ-صٗ" :كقيؿ مف طمؽ امرأتو فميعطيا كتاب
طبلؽ ،كأما أنا فأقكؿ لكـ مف طمؽ امرأتو إال لعمٌة الزنى يجعميا تزني ،كمف تزكج مطمقة فإنو
يزني"
كفي إنجيؿ مرقس اإلصحاح العاشرُُ ُِ-صْٕ( :فقاؿ ليـ مف طمؽ امرأتو كتزكج
بأخرل يزني عمييا ،كاف طمقت امرأة زكجيا كتزكجت بآخر تزني).
كالمذاىب النصرانية مختمفة اختبلفان شديدان في ىذه المسألة فالكاثكليؾ ال يبيحكف الطبلؽ ألبتة،
إال في حاالت الزنا ،أما األرثكذكس فقد أجازكا الطبلؽ في بعض الحاالت كالزنى كالعقـ كالمرض
(ُ)
المعدم ،كالخصاـ الطكيؿ الذم ال يرجى صبلحو ،كاختبلفيـ في ذلؾ أمر يطكؿ شرحو.
القوانين عند العرب قبل اإلسالم:
(ُ) انظر مدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية-د .يكسؼ القرضاكم مكتبة كىبة ،ط.ثالثة ُُْٖىػُٕٗٗ-ـ.
-300-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
لـ تكف لمعرب حككمة مركزية تسف ليـ القكانيف التشريعية ،فقد كانكا قبائؿ متفرقة ،يمثؿ
زعيـ القبيمة فييا السمطة السياسية كاالقتصادية كاالجتماعية.
كقد ارتكزت القكانيف عند العرب قبؿ اإلسبلـ عمى العادات كالتقاليد كاألعراؼ المكركثة،
فيتحاكمكف إلييا عند الخصاـ ،كلـ تكف ىذه األعراؼ شيئان مكتكبان ،بؿ تناقميا الناس بينيـ
بالسماع كالمشاىدة .كمف ىذه القكانيف التي عرفت عنيـ:
أولً قوانين النكاح:
ُ -في النكاح :عرؼ العرب أنكاعان مختمفة مف األنكحة أقر منيا اإلسبلـ نكعان كاحدنا
كىي أف يخطب الرجؿ إلى الرجؿ ابنتو أك أختو أك مف يقكـ بالكالية عمييا ،فينكحيا إليو بمير
عمى إيجاب كقبكؿ كشاىديف .كرفض اإلسبلـ األنكاع األخرل لمنكاح ككاف أىميا:
أ -نكاح الشغار :كىك أف يزكج الرجؿ ابنتو أك كليتو آلخر عمى يزكجو الثاني ابنتو أك
كليتو بدكف ذكر مير لمزكجتيف ،فيعتبر كؿ كاحدة مير لمثانية كفي الحديث الصحيح ىع ًف ٍاب ًف
اَّلل ىنيىى ىع ًف ًٌ
الش ىغ ًار. ىف رسكؿ ًَّ عمر ر ً
يما أ َّ ى ي ى اَّلل ىع ٍن ى
ضي َّ ي ىى ى
ىف يي ىزًٌك ىجوي ٍاآل ىخ ير ٍاب ىنتىوي لىٍي ىس ىب ٍي ىنيي ىما ى ىف يي ىزًٌك ىج َّ ىك ًٌ
(ُ)
اؽ).
ص ىد ه الريج يؿ ٍاب ىنتىوي ىعمىى أ ٍ الش ىغ يار( :أ ٍ
ب -نكاح األختيف :كاف العرب يجمعكا بيف األختيف ،كبيف البنت كعمتيا أك خالتيا ،فيدـ
يختىٍي ًف النساء اآليةِّ ىف تى ٍج ىم يعكا ىب ٍي ىف ٍاأل ٍ
اإلسبلـ ىذا النكاح فقاؿ تعالى :ىكأ ٍ
ت -تعدد الزكجات :لـ يكف لتعدد الزكجات قبؿ اإلسبلـ ضابط ،فالرجؿ يستطيع أف يتزكج
ث النًس ً
اء ىمثٍىنى ىكثيبلى ى ً ما شاء مف النساء ،فأبطمو اإلسبلـ قاؿ تعالى :فى ً
اب لى يك ٍـ م ىف ٌ ى
ط ىانك يحكا ىما ى
اح ىدةن النساء اآلية ّ، اع فىًإف ًخ ٍفتيـ أىالٌ تىعًدليكا فىك ً
ى ٍ ٍ ىكيرىب ى ٍ
َّة ي أىسمىـ ،كلىو ع ٍشر نًسكوة ًفي اٍلج ً
اىمًي ً َّ ً كفي الحديث ىع ًف ٍاب ًف يع ىم ىر( :أ َّ
ى ىف ىغ ٍي ىبل ىف ٍب ىف ىسمى ىمةى الثقىف َّ ٍ ى ى ي ى ي ٍ ى
ىف ىيتى ىخي ىَّر أ ٍىرىب نعا ًم ٍنيي َّف).
(ِ)
النبً ُّي أ ٍ ىم ىرهي َّ
ىسمى ٍم ىف ىم ىعوي فىأ ى
فىأ ٍ
ث -نكاح المقت :كاف العرب قبؿ اإلسبلـ يتزكجكف زكجات آباءىـ إذا ما تكفكا عنيف
النًس ً
اء إًالٌ ىما ىق ٍد ً ً
اؤ يك ٍـ م ٍف ٌ ى
غير أمياتيـ ،فأبطمو اإلسبلـ .قاؿ تعالى :ىكالى تىنك يحكا ىما ىن ىك ىح ىآب ي
اء ىسبًيبلن النساء اآلية ِِ. ً
اف فىاح ىشةن ىك ىم ٍقتنا ىك ىس ى ؼ إًَّنوي ىك ىىسمى ى
-303101
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) فقو السنة-سيد سابؽ ّ ،ُٕٖ/دار الفكر بيركت ،ط .أكلى ُّٕٗىػُٕٕٗ-ـ.
-301-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ُ) لمزيد االطبلع عف التشريع عند العرب ،انظر كتاب المدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية-د .عبد الكريـ زيداف ِْ-
ّّ
(ِ) التشريع الجنائي في اإلسبلـ-عبد القادر عكدة جُ.ٓ-ْ /
-301103
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ِ -يعد قانكف جستنياف أرقى قانكف فيما نعرفو عف العصر الركماني القديـ ،كىك مع ذلؾ
يعتريو الكثير مف النقص .ككاف الركماف كغيرىـ يمارسكف أنكاعان مف الطقكس في إثبات
الجريمة ،مثؿ إعطاء السـ لممتيـ ،أك يمقكنو في النير ،أك يصبكف عميو الزيت أك الماء
لعض
ٌ المغمي ،أك يكمفكنو أف يضع لسانو عمى النار ،أك يقبض عمييا بيده ،أك يي ٍع ىرض
الثعابيف ،فإف لـ تؤثر عميو ىذه المحاكالت ثبتت براءتو كاال ثبت عميو الجرـ ،كيطمقكف عمى
ىذه الطرؽ "االمتحاف" كبقي معمكالن بو في انكمت ار حتى القرف الثالث عشر الميبلدم عاـ
(ُ)
ُُِٓ.
ّ -تثير بعض التشريعات الركمانية القديمة السخرية ،فقد أيثر عنيـ أنيـ حاكمكا
الجمادات كالحيكانات ،كأينزلت بيا العقكبة ،فربما قيضي عمييا إما باإلبعاد كالطرد مف الببلد،
أك اإلعداـ.
ككاف منيا ما يثير االشمئزاز ،كيدؿ إلى أم مستكل بمغت درجة االنحطاط األخبلقي
كالتشريعي فعمى سبيؿ المثاؿ :المديف إذا لـ يستطع الكفاء بما عميو كاف جزاؤه أف يصبح رقيقان
لمدائف ،يضع في رقبتو حببلن حتى يؤدم الحؽ الذم عميو ،كفي ىذا قاؿ األستاذ الدكتكر سيؼ
الديف البمعاكم:
"ككانت القاعدة في مجاؿ الكفاء بااللتزامات أيان كاف مصدرىا عقدان أك كاقعة مادية أك
قانكنية تقكـ عمى جبر المديف عمى الكفاء إذا لـ يكف بمالو فبجسده ،ككاف جسمو ىك الضماف
لسداد دينو إذ إنو بعد تجريد المديف مف أمكالو التي ال تكفي لسداد دينو كاف المديف يخضع
خضكعان كامبلن لسيطرة الدائف فممدائف أف يسترؽ المديف كيجرم عميو جميع أنكاع األذل كاأللـ
فمو أف يبيعو في سكؽ العبيد كلو أيضان حبسو حتى أف لو الحؽ في قتمو ،كلـ يقؼ األمر عند
ذلؾ فقد كانت الزكجة كاألكالد أيضان محبلن لضماف حقكؽ الدائف فمو أيضان حؽ البيع
كاالسترقاؽ عم ييـ ،كقد كاف الكرثة عند الركماف مسئكليف عف جميع ديكف مكتاىـ كلك زادت
عف التركة"(ِ).
(ُ) كسائؿ اإلثبات في الشريعة اإلسبلمية -د.محمد مصطفى الزحيمي جُ ،ّٔ/مكتبة دار البياف -دمشؽ .ط.أكلى
َُِْىػُِٖٗ-ـ.
(ِ) عف بحث مدل جكاز حبس المديف لعدـ الكفاء بدينو نقبلن عف كتاب القضاء في اإلسبلـ صُُِ لعطية مشرفي.
انظر مجمة كمية التربية الحككمية-جامعة األقصى حاليان-المجمد الثالث العدد األكؿ ُُْٗىػ .ُٗٗٗ ،
-304-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-305105
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ب -في إطار أحكاـ الزكاج إذا فسخ الزكج النكاح قبؿ الدخكؿ ،كقد سمي المير ،كدفع
ضاء ليا نصؼ المير المسمى ،كدينان حض اإلسبلـ عمى العفك ،كدفع الماؿ إلييا ،فق ن
ً ً
ؼ ىما
ص ي ضتي ٍـ لىيي َّف فى ًر ى
يضةن فىن ٍ كى َّف ىكقى ٍد فى ىر ٍ
ىف تى ىم ُّس ي طمَّ ٍقتي يم ي
كى َّف م ٍف قىٍب ًؿ أ ٍ ًف ىلصاحبو ،قاؿ تعالى :ىكا ٍ
النً ىكا ًح كأىف تىعفيكا أى ٍقر ً ً ً
كف أ ٍىك ىي ٍعفي ىك الَّذم بًىيد ًه يع ٍق ىدةي ٌ
ض ىؿ ب لمتَّ ٍق ىكل ىكالى تى ى
نس ٍكا اٍلفى ٍ ى ي ى ٍ ٍ ضتي ٍـ إًالٌ أ ٍ
ىف ىي ٍعفي ى فى ىر ٍ
اَّلل بًما تىعمميكف ب ً
ص هير البقرة اآلية ِّٕ ىب ٍي ىن يك ٍـ إً َّف َّى ى ٍ ى ى ى
ت -ربط اإلسبلـ العبلقة الزكجية بتقكل هللا تعالى ،فإف طمؽ الرجؿ زكجتو فعميو اإلحساف
إلييا ،إما أف يمسكيا بمعركؼ كيحسف إلييا ،كاما أف يطمقيا كيعطييا ما كتب هللا ليا مف
ىجمىيي َّف طمَّ ٍقتيـ ً
اء فىىبمى ٍغ ىف أ ى
الن ىس ىالحقكؽ بالمعركؼ كال يتركيا كالمعمقة ،بقصد إضرارىا ىكًا ىذا ى ٍ ٌ
ار لًتى ٍعتى يدكا ىك ىم ٍف ىي ٍف ىع ٍؿ ىذلً ىؾ فىقى ٍد ظىمى ىـ
ض ىرناكؼ كالى تيم ًس يككى َّف ً
ي
و
كى َّف بً ىم ٍع ير ى ٍ
و
كى َّف بً ىم ٍع يركؼ أ ٍىك ىس ًٌريح ي
ً
فىأ ٍىمس يك ي
اب ىكاٍل ًح ٍك ىم ًة
ىنزؿ ىعمى ٍي يكـ ًم ٍف اٍل ًكتى ً اَّلل ى يزكا كا ٍذ يكركا نًعمةى ًَّ ً ً َّ ً
ٍ اَّلل ىعمىٍي يك ٍـ ىك ىما أ ى ى ىن ٍف ىسوي ىكالى تىتخ يذكا ىآيات َّ ي ن ى ي ٍ ى
و ً ىف َّ ً ىي ًعظي يك ٍـ بً ًو ىكاتَّقيكا َّ
يـ البقرة اآلية ُِّ اَّللى بً يك ٌؿ ىش ٍيء ىعم ه اعمى يمكا أ َّ
اَّللى ىك ٍ
ت -مف قتؿ أخاه المسمـ فجزاؤه القتؿ إف كاف متعمدان ،أك أف يدفع الدية إف قتمو بطريؽ
يف ًَّ
الخطأ ،غير أف اإلسبلـ حض عمى العفك ،كالتجاكز عف القاتؿ قاؿ تعالى :ىيا أىيُّيىا الذ ى
ً ً ً ً ً
اص في اٍلقى ٍتمىى اٍل يح ُّر بًاٍل يح ًٌر ىكاٍل ىع ٍب يد بًاٍل ىع ٍبد ىك ٍاألينثىى بً ٍاألينثىى فى ىم ٍف يعف ىي لىوي ص ي ب ىعمىٍي يك ٍـ اٍلق ى آمينكا يكت ىى
اعتى ىدل يؼ ًم ٍف ىرٌبً يك ٍـ ىكىر ٍح ىمةه فى ىم ٍف ٍ اف ىذلً ىؾ تى ٍخ ًف ه اء إًلى ٍي ًو بًًإ ٍح ىس و ً ً ً ً ً ً
م ٍف أىخيو ىش ٍي هء فىاتٌىباعه باٍل ىم ٍع يركؼ ىكأ ىىد ه
يـ البقرة اآلية ُٖٕ. بعد ىذلًؾ ىفمىو ع ىذ ً
اب أىل هى ٍى ى ي ى ه
أىداف التشريع اإلسالمي:
ُ -تحقيؽ العدالة بيف الناس ،إذ ال فرؽ في أحكامو بيف الغني كالفقير ،كالقكم كالضعيؼ،
ىم ىر ىرٌبًي بًاٍل ًق ٍس ًط األعراؼ اآليةِٗ ،كفي الحديث ىع ٍف كالحاكـ كالمحككـ قاؿ تعالى :يق ٍؿ أ ى
ت فىقىاليكا :ىك ىم ٍف يي ىكمًٌ يـ ىف قيري نشا أىى َّميـ ىشأٍف اٍلم أرًىة اٍلم ٍخزك ًمي ً ً عائً ىشةى ر ً
َّة الَّتي ىس ىرقى ٍ ى يٍ ي ى ٍ ى ي اَّلل ىع ٍنيىا :أ َّ ى ٍ ضي َّ ى ى
َّ كؿ ًَّ ب رس ً و ً ً َّ ًفييا رسكؿ ًَّ
اَّلل ،فى ىكم ىموي امةي ٍب يف ىزٍيد ،ح ُّ ى ي يس ىاَّلل ؟ فىقىاليكا :ىك ىم ٍف ىي ٍجتىًرئي ىعمىٍيو إًال أ ى ى ىي ى
ىىمى ىؾ اؿ( :إًَّن ىما أ ٍ
كد ًَّاَّلل :أىتى ٍشفىع ًفي حوٌد ًم ٍف ح يد ً أيسامةي ،فىقىاؿ رسكؿ ًَّ
ب ثيَّـ قى ى طى اختى ى
اـ فى ٍ
اَّلل؟ ثيَّـ قى ى ي ى ي ى ىي ي ى ى
يؼ أىقىامكا عمىيوً ً ؽ في ًي يـ ًَّ ؽ في ًيـ َّ ً ً ًَّ
الضع ي ي ى ٍ يؼ تىىريككهي ،ىكًا ىذا ىس ىر ى الش ًر ي يف قىٍبمى يك ٍـ أَّىنيي ٍـ ىك يانكا إ ىذا ىس ىر ى ي الذ ى
و ىف فى ً اٍلح َّد ،كايـ ًَّ
اط ىمةى بً ٍن ى
(ُ)
ت ىي ىد ىىا).ت لىقىطى ٍع يت يم ىح َّمد ىس ىرقى ٍ اَّلل لى ٍك أ َّ ى ى ٍي
-306-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ِ -تحقيؽ مبدأ األخكة بيف الناس عمى أساس عقيدة التكحيد ،كبكاسطة الخطاب الرباني
اعيب يدكنًياألنبياء اآلية ِٗ،
ُّك ٍـ فى ٍ يمةن ك ً
اح ىدةن ىكأ ىىنا ىرب ي لؤلمة الكاحدة .قاؿ تعالى :إً َّف ىىًذ ًه أ َّ
يمتي يك ٍـ أ َّ ى
ُّك ٍـ فىاتَّقيكنًي المؤمنكف اآلية ِٓ، يمةن ك ً
اح ىدةن ىكأ ىىنا ىرب ي ًف ىىًذ ًه أ َّ
يمتي يك ٍـ أ َّ ى ىكا َّ
كمف أجؿ ىذا يسعى التشريع اإلسبلمي إلى تآلؼ األمة كسيادة األخبلؽ فييا ،كرفع شأف
اس إًَّنا القيـ الرفيعة ،كاعتبار التقكل ىك كحده معيار التفاضؿ فييا .قاؿ تعالى :ىيا أىيُّيىا َّ
الن ي
اكـ إً َّف َّ ً اكـ يشعكبا كقىبائًؿ لًتىعارفيكا إً َّف أى ٍكرم يكـ ًع ٍند ًَّ ىخمى ٍق ىن ي ً
يـ
اَّللى ىعم ه اَّلل أىتٍقى ي ٍ ىى ٍ ى اك ٍـ م ٍف ىذ ىك ور ىكأينثىى ىك ىج ىعٍم ىن ي ٍ ي ن ى ى ى ى ى
ىخبً هير الحجرات اآلية ُّ.
ّ -المحافظة عمى مصالح الناس ،كىي:
أ -المصالح الضركرية :كىي التي يترتب عمى فقدىا اختبلؿ نظاـ الحياة كشيكع الفكضى
(ُ)
بيف الناس كضياع مصالحيـ.
كليذا شرع اإلسبلـ أمريف لممحافظة عمى ىذه المصالح:
األمر األكؿ :جعميا أحكامان قطعية ،ال مجاؿ لبلجتياد فييا ،أك الزيادة كالنقصاف منيا.
األمر الثاني :شرع نظاـ العقكبات عمى كؿ مف يحاكؿ انتياؾ أحكاميا ،أك يعمؿ عمى
ىدميا.
كمراعاة المصالح الضركريات ترجع إلى حفظ خمسة أشياء:
ُ -الديف كىك :مجمكع العقائد كالعبادات كاألحكاـ كالشرائع التي شرعيا هللا سبحانو لتنظيـ
عبلقات الناس بربيـ ،كعبلقات بعضيـ ببعض.
ِ -النفس :فقد شرع هللا تعالى لممحافظة عمييا ما يقتضي حمايتيا مف كؿ اعتداء.
فشرعية القصاص ،كشرعية حد القذؼ ،كحرية العمؿ كالرأم كاإلقامة كتناكؿ المحظكر عند
الضركرة ،محافظة عمى النفس كاعتبار ليا.
ّ -العقؿ :فقد شرع هللا تعالى لممحافظة عمى العقؿ ما يقتضي كقايتو مف الشركر،
كيحميو مف الخكر ،كيجعمو دائمان في سبلمة كنشاط .كليذا شرعت عقكبة الخمر كما يقاس
عميو مف المخدرات كنحكه.
(ُ) أصكؿ الفقو -محمد زكريا البرديسي صْْٔ ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،القاىرة ،طُّٖٗ.ـ.
-307107
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ْ -النسؿ :شرع هللا تعالى الزكاج محافظة عمى النسؿ ،كليذا حرـ هللا الزنا ألنو يؤدم
حرـ القذؼ ،كعاقب عميو.حرـ الزنا ٌ
إلى اختبلط األنساب ،ككما ٌ
ٓ -الماؿ :ىك كؿ ما خمؽ لمصمحة اآلدمي ،كأذف الشارع بمنفعتو .كقد شرع هللا تعالى ما
يحافظ عميو كيحميو ،كليذا حرـ السرقة كعاقب عمييا ،كحرـ الربا كعاقب عميو ،كحرـ أكؿ
(ُ)
أمكاؿ الناس بالباطؿ ،عف طريؽ االحتياؿ أك الغش كالغبف...الخ.
ب -مراعاة حاجيات الناس :كىي األمكر التي يككف الناس في مسيس الحاجة إلييا،
كيقصد بتشريعيا رفع الحرج ،كدفع المشقة عنيـ .ألف فقدىا يكقع الناس في الحرج كالضيؽ.
كقد شرع اإلسبلـ مجمكعة مف األحكاـ في مختمؼ أبكاب العبادات كالمعامبلت كالعقكبات
المقصكد بيا رفع الحرج عف الناس .مثاؿ ذلؾ:
إباحة الفطر في رمضاف لممريض كالمسافر ،ككذلؾ قصر الصبلة لممسافر ،كتنكع
العبادات كمراعاة التخفيؼ فييا.
كمنيا كذلؾ اإلجارة كىي" :عقد عمى منفعة معمكمة ،مقصكدة قابمة لمبذؿ كاإلباحة بعكض
كضعا".
ن معمكـ
كاباحتو لبيع السمـ كىك" :ىك عقد عمى مكصكؼ بذمة مؤجؿ بثمف مقبكض بمجمس عقد".
(ِ)
كالمزارعة" :دفع األرض إلى مف يزرعيا أك يعمؿ عمييا ،كالزرع بينيما".
كمف أمثمة ذلؾ في العقكبات أف جعؿ الشرع الدية عمى العاقمة في القتؿ الخطأ ،ككذلؾ
جعؿ الشرع الشبية تد أر الحدكد.
ألف فقدانيا يكقع الناس الحرج.
كمف الحاجيات المحافظة عمى الحرية الشخصية كالدينيةٌ ،
ت -مراعاة الكماليات أك التحسينات لمناس :كىي األمكر التي ترجع إلى مكارـ األخبلؽ
كمحاسف العادات ،ككؿ ما يقصد بو سير الناس في حياتيـ عمى أحسف منياج .فإف فقدت
الكماليات كانت حياة الناس مستنكرة لدل أصحاب العقكؿ كالفطرة السميمة .كمف أمثمتيا:
-308-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
طيارة الثكب كالبدف كشرط لمعبادة ،كاجتناب أكؿ النجس كشرب المستقذر كالدـ كلحـ
الميتة كشرب الخمر ،ككذلؾ بيع الرجؿ عمى بيع أخيو ،أك خطبتو عمى خطبة أخيو ،كالنيي
عف الغش كاالحتكار.
* كنحف إذا تتبعنا األحكاـ الشرعية كالعمؿ كالحكـ التشريعية في مختمؼ الكقائع ،أدركنا
بكضكح أف اإلسبلـ في كؿ تشريعاتو لـ ييدؼ إالٌ إلى حفظ ضركريات الناس كحاجياتيـ
كال تحسينات ،كيؤيد ذلؾ ما قالو الشاطبي" :إف الظكاىر كالعمكميات كالمطمقات كالمقيدات...
في كؿ باب مف أبكاب الفقو ،ككؿ نكع مف أنكاعو يؤخذ منيا أف التشريع دائر حكؿ حفظ ىذه
(ُ)
الثبلث التي ىي أسس مصالح الناس".
المطمب الخامس:
النقمة في المنيج
المنيج:
ُ -ىك الطريؽ المؤدم إلى الكشؼ عف الحقيقة في العمكـ بكاسطة طائفة مف القكاعد
()2
العامة التي تييمف عمى العقؿ كتحدد عممياتو حتى يصؿ إلى نتيجة معمكمة.
()1
ِ -أك ىك الطريقة التي تكصمنا مف المعمكـ إلي المجيكؿ.
-309109
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كاف منيج العمكـ السائد قبؿ مجيء الفكر اإلسبلمي ىك المنيج اليكناني الذم كضعو
()2
أرسطكطاليس ،كيتككف ىذا المنيج مف نظريتيف :نظرية االستدالؿ ،كنظرية التعريؼ.
()3
مناىج البحث في القرآف الكريـ:
شأف المنيج
ٌ أف عمماء المسمميف كفقياءىـ قد أعمكا
عرفنا مناىج اليكناف ككيؼ ٌ
االستقرائي.
كي ىككنكا جس انر مميدان لمف
كما كاف لممسمميف أف ييقى ٌع يدكا قكاعد مناىج البحث كيتعقبكا غيرىـ ،ي
جاء بعدىـ -ما كاف ليـ ذلؾ لكال ىذا الكتاب الكريـ -القرآف الكريـ -الذم احتكل في ثناياه
عمى مناىج متعددة ،الكتاب الذم أنزؿ سعادةن لمف أخذ بو في الدنيا كاآلخرة.
-330-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
تقدـ أف ذكرنا أف القرآف الكريـ دعا إلى النظر العقمي كالعمـ كالمعرفة ،فكاف البد مف أجؿ
إف القرآف
ىذا أف يحتكم ىذا الكتاب عمى مناىج بحث متعددة لمكصكؿ إلى اإليماف .كال نقكؿ ٌ
الكريـ كتاب منطؽ ،كلكنو كتاب ىداية كرسالة خاتمة لمناس في كؿ زماف كمكاف.
مف خبلؿ دعكة القرآف الكريـ لمنظر العقمي نستطيع أف نتكصؿ إلى معالـ منيجو لمنظر
السميـ ،كىك ينقسـ إلى قسميف:
القسـ األكؿ :دعكة القرآف الكريـ إلى إزالة كافة العكائؽ التي تعكؽ العقؿ عف ممارسة
نشاطاتو.
القسـ الثاني :يشمؿ دعكة القرآف الكريـ إلى االستدالؿ العقمي.
القسـ األكؿ :دعكة القرآف الكريـ إلى إزالة كافة العكائؽ التي تعكؽ العقؿ عف ممارسة
نشاطاتو .كمف ىذه العكائؽ:
ًَّ يؿ لىيي يـ اتَّبً يعكا ىما أ ٍىن ىز ىؿ َّ ً
اَّللي قىاليكا ىب ٍؿ ىنتبعي ُ -التقميد األعمى ،مثالو قكؿ هللا تعالى :ىكًا ىذا ق ى
كف البقرة اآلية َُٕ. ً ً
كف ىش ٍينئا ىكىال ىي ٍيتى يد ى
اؤ يى ٍـ ىال ىي ٍعقمي ى
اف ىء ىاب ي
اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى
ىما أىٍلفى ٍي ىنا ىعمى ٍيو ىء ىاب ى
فاإلسبلـ ال يرضى لعقؿ المسمـ أف يخضع ألية سمطة تمنعو مف استقبلؿ النظر حتى كلك
كاف سمطة رجاؿ الديف أنفسيـ ،مثمما فعؿ الييكد كالنصارل اتَّ ىخ يذكا أ ٍ
ىح ىب ىاريى ٍـ ىكيرٍى ىب ىانيي ٍـ أ ٍىرىب نابا
يح ٍاب ىف ىم ٍرىي ىـ التكبة اآلية ُّ. ً كف ًًَّم ٍف يد ً
اَّلل ىكاٍل ىمس ى
()1
قاؿ ابف عطية" :قد أجمعت األمة عمى إبطاؿ التقميد في العقائد".
كذـ التقميد ىك تييئة لمذىف الذم يعتبر أىـ قاعدة مف قكاعد البحث.
كف اٍل ىم ىبلئً ىك ىة ً
كف بً ٍاآلخ ى ًرة لىيي ىس ُّم ى
يف ىال يي ٍؤ ًمين ى
ًَّ
الظف المذمكـ ،مثالو قكؿ هللا تعالى :إً َّف الذ ى ٌ ِ-
ؽ ىش ٍينئا ًف الظَّ َّف ىال يي ٍغنًي ًم ىف اٍل ىح ًٌ كف إً َّال الظَّ َّف ىكا َّ ً ً ًو ً
تى ٍسم ىيةى ٍاأل ٍينثىى * ىك ىما لىيي ٍـ بًو م ٍف عٍمـ إً ٍف ىيتَّبً يع ى
النجـ اآلية ِٕ.ِٖ -
كقد كصؼ القرآف الكريـ المتبعيف لمظف بعدـ العمـ كبالكذب كالتخرص ،كاالكتفاء بالظف
في أصكؿ الديف غير جائز.
الظف في العمكـ خطكة منيجية يمكف أف تؤدم إما إلى العمـ أك إلى الشؾ أك الكذب ،فإف
ك ٌ
قامت براىيف العمـ عمى المظنكف بو انتقؿ الظف إلى العمـ الصادؽ ،أما إف استكل براىيف
-333111
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ظف مشككؾ في صدقو ،كاف زادت براىيف الشؾ عمى براىيف اليقيف
اليقيف كبراىيف الشؾ ،فيك ٌ
الظف قسماف:
فالظف كذب .ك ٌ
كالمظنكف بو عند بمكغو، الظاف
ٌ أ -محمكد كمذمكـ :فالمحمكد منو ما سمـ معو ديف
ض الظَّ ًٌف َّ ً
م ىف الظ ًٌف إً َّف ىب ٍع ى اجتىنًيبكا ىكثً نا
ير امينكا ٍ
يف ىء ى
ًَّ ()1
كالمذمكـ ضده .قاؿ تعالى :ىيا أىيُّيىا الذ ى
إًثٍهـ الحجرات اآلية ُِ
ّ -اليكل :إذا تدخمت األىكاء في حكمنا عمى األشياء ،فإنيا ستككف مفسدة في الحكـ ال
ض ىك ىم ٍف ًفي ًي َّف المؤمنكف ات ىك ٍاأل ٍىر ي
الس ىم ىك ياء يى ٍـ لىفى ىس ىد ًت َّ
ىى ىك ى
ؽ أٍمحالة ،قاؿ تعالى :كلى ًك اتَّىب ىع اٍل ىح ُّ
ى
ألف:
اآلية ُٕ كقد ذـ القرآف الكريـ اليكل ٌ
ىف تى ٍعًدليكا النساء اآلية أ -اتباع اليكل ينافي العدؿ كالحؽ .قاؿ تعالى :فى ىبل تىتَّبً يعكا اٍليى ىكل أ ٍ
ؽ المائدة اآلية ْٖ. اء ىؾ ًم ىف اٍل ىح ًٌ
اء يى ٍـ ىع َّما ىج ى ُّٓ ىكىال تىتَّبً ٍع أ ٍ
ىى ىك ى
اح يك ٍـ ىب ٍي ىف اؾ ىخمًيفىةن ًفي ٍاأل ٍىر ً
ض فى ٍ اد ياكيد إًَّنا ىج ىعٍم ىن ى
ب -اليكل ينافي الشرع .قاؿ تعالى :ىي ى
اَّلل ص اآلية ِٔ. يؿ ًَّ ضمَّ ىؾ ىع ٍف سبً ً ؽ كىال تىتَّبً ًع اٍليكل فىي ً َّ ً ً ً
ى ىى ي الناس باٍل ىح ٌ ى
اء يى ٍـ بً ىغ ٍي ًر ًعٍموـ الركـ
ىى ىك ى
ظمى يمكا أ ٍ يف ى ًَّ
ت -اليكل ينافي العمـ .قاؿ تعالى ىب ًؿ اتَّىب ىع الذ ى
اآليةِٗ.
القسـ الثاني :طرؽ القرآف في االستدالؿ العقمي:
طرؽ االستدالؿ بالقرآف الكريـ كثيرة اقتصرنا عمى ذكر بعضيا مما يناسب منياجنا فقط
كمنيا:
ُ -االستدالؿ بالتشبيو كاألمثاؿ:
لتقريب الحقائؽ كتكضيح المعاني االستدالؿ بالتشبيو ضرب مف ضركب القرآف كالسنة
كف ً ًً
اء يمتى ىشاك يس ى
ىمثى نبل ىريج نبل فيو يش ىرىك ي اَّللي
ب َّ ض ىر ى كاألمثمة عمى ذلؾ كثيرة منيا :قكلو تعالى :ى
اف مثى نبل اٍلحمد ً ًَّ ً و
كف الزمر اآلية ِٗ. ىي ٍعمى يم ى َّلل ىب ٍؿ أى ٍكثىيريى ٍـ ىال ى ٍي ىكىريج نبل ىسمى نما ل ىريجؿ ىى ٍؿ ىي ٍستىًكىي ً ى
ضرب هللا سبحانو ىذا المثؿ لممشركيف كالمكحديف،
-331-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
"كالمعنى :ىؿ يستكم ىذا الذم يخدـ شركاء أخبلقيـ مختمفة كنياتيـ متباينة ،يستخدمو كؿ
كاحد منيـ فيتعب كينصب مع ككف كؿ كاحد منيـ غير راض بخدمتو ،كىذا الذم يخدـ كاحدنا
ال ينازعو غيره إذا أطاعو رضي عنو ،كاذا عصاه عفا عنو.
ألف
فإف بيف ىذيف مف االختبلؼ الظاىر الكاضح ما ال يقدر عاقؿ أف يتفكه باستكائيماٌ ، ٌ
()1
أحدىما في أعمى المنازؿ ،كاآلخر في أدناىا".
كنبلحظ أف المثؿ في القرآف كالسنة مرتبط بالكاقع المحسكس ،األمر الذم يجعؿ المحسكس
أساس يقيني في الحكـ كمف ىنا كاف االىتماـ بالمشاىدة كالمعرفة التجريبية في مكاقؼ كثيرة،
ككثي انر ما كذب القرآف المشركيف بالكاقع المحسكس كما في قكلو تعالى :ىك ىج ىعميكا اٍل ىم ىبلئً ىكةى
ىش ًي يدكا ىخٍمقىيي ٍـ الزخرؼ اآلية ُٗ
الر ٍح ىم ًف إً ىناثنا أ ى
اد َّ ً ًَّ
يف يى ٍـ ع ىب ي
الذ ى
فقد أنكر عمييـ القرآف بعدـ شيكدىـ لما زعمكه ،كليذا قاؿ :أ ٍىـ ىخمى ٍق ىنا اٍل ىم ىبلئً ىكةى إً ىناثنا ىك يى ٍـ
كف الصافات اآلية َُٓ. ً
ىشاى يد ى
ِ -االستدالؿ بالمقابمة:
المقابمة بيف شيئيف أك أمريف أك شخصيف يعرؼ أييما المؤثر ،أك أييما لو التقدـ
كالفضؿ..الخ كقد جاء ذلؾ في القرآف الكريـ كثي انر في معرض بيانو بطبلف اعتقاد المشركيف
أف األكثاف تنفع أك تضر،ٌ
كقد عقد القرآف الكريـ المقابمة بيف ذات هللا العمية ،كبيف ىذه األكثاف؛
*فيك ىي ٍخميؽ ،كىي ال تى ٍخميؽ.
*كىك ينفع كيضر ،كىي ال تنفع كال تضر.
*كىك يممؾ كؿ شيء ،كىي ال تممؾ لنفسيا نفعان أك ض انر.
*كالفرؽ مف اىتدل كبيف مف ضؿ كغكل كالفرؽ بيف األعمى كالبصير ،كبيف الظممات
()2
كالنكر.
ّ -االستدالؿ بالقصص القرآني:
-331113
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
فإف ليا التأثير عمى النفكس ،كمف خبلؿ سردىا يأتي الدليؿ
مف كسائؿ اإلقناع القصصٌ ،
عمى القضية التي يقع فييا الجداؿ ،كبياف بطبلف دعكل الخصـ ،كذلؾ مثؿ قصة إبراىيـ عميو
السبلـ في مناقشتو قكمو حكؿ عبادة األكثاف كبيانو ليـ ضبلؿ ما ىـ عميو ،كقصة اليدىد مع
()1
سميماف عميو السبلـ الذم استنكر عبادة الشمس مف دكف هللا
ْ -االستدالؿ االستقرائي :كينقسـ إلى:
أ -االستقراء في عالـ الككنيات:
لكؿ مكضكع منيجو الذم يبلئمو ،كاف المنيج الذم يناسب عالـ الككنيات ىك المنيج
ألف الككف ىك عالـ المشاىدة كالحس يستطيع اإلنساف أف يخضعو لمتجربة، االستقرائيٌ ،
كيتمثؿ أكلى خطكات المنيج االستقرائي في القرآف الكريـ:
النظر إلى جزئيات العالىـ جزئية جزئية بما في ذلؾ اإلنساف ،قاؿ تعالى :كًفي ٍاأل ٍىر ً
ض ى
ً ً ءاي ه ً ً
يف* ىكًفي أ ٍىنفيس يك ٍـ أىفى ىبل تيٍبص ير ى
ات لٍم يمكًقن ى
()2
كف الذاريات اآلية َِ.ُِ - ىى
فالنظر كالمبلحظة مأمكر بيا في جميع مخمكقات هللا كآياتو ،كمف ىنا كانت المبلحظة أكؿ
خطكات المنيج التجريبي .كتنقسـ المبلحظة في منيج القرآف الكريـ إلى صنفيف:
األكؿ :المبلحظة بالعيف "البصر".
الثاني :المبلحظة بالبصيرة كتشمؿ" :الحس كالعقؿ".
ألف المقصكد مف المبلحظة ليس مجرد النظر فقط ،بؿ عنى القرآف بالنكع الثاني ٌ كانما يي ى
تتضمف مبلحظة ،لمعقؿ فييا الجانب الكبير ،كلقد ذـ القرآف المبلحظة العابرة قاؿ تعالى:
ك ىكأىيًف ًمف ءاي وة ًفي َّ ً
ات ك ٍاأل ٍىر ً
كف يكسؼ اآليةَُٓ. كف ىعمى ٍييىا ىك يى ٍـ ىع ٍنيىا يم ٍع ًر ي
ض ى ض ىي يم ُّر ى الس ىم ىك ى ى ٌٍ ٍ ى ى
كمف طرؽ االستقراء التي ذكرىا القرآف:
()3
أ -مرحمة استقراء األطكار كتحميؿ المراحؿ التي تمر بيا الظاىرة.
ب -مبلحظة الترابط االطرادم بيف الظاىرات ،كتأثير كؿ ظاىرة عمى األخرل كمحاكلة
()1
الخركج بمعرفة داللة االلتزاـ ،بحيث إذا تأممت شيئان تصكرت المبلزـ لو.
(ُ) انظر اآليات ُْ ّْ-مف سكرة مريـ ،كاآليات َِ ِٔ-مف سكرة النمؿ.
(ِ) كانظر عمى سبيؿ المثاؿ اآلية ُٖٓ مف سكرة األعراؼ ،كاآلية َُُ مف سكرة يكنس ،كاآليات ّ ٓ-مف سكرة
الجاثية ،كاآلية ٗٗ مف سكرة األنعاـ.
(ّ) انظر اآلية ُِ مف سكرة الزمر.
-334-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
*كعف طريؽ مبلحظة مراحؿ الظاىرة كالعكامؿ المؤثرة نأتي إلى الكظيفة الحقيقية لبلستقراء
كىي تقرير القكانيف أك العبلقات الثابتة التي تتيح لنا فيـ الظكاىر أك األشياء الخارجية فيمان
عمميان صحيحان.
*كليس االستقراء عممية آلية ال أثر لمتحميؿ أك االستنباط فييا بؿ عمى العكس نجد عممية
تحميؿ الظاىرة ميمة لمكقكؼ عمى نظاميا ككيفية تركيبيا ،كىك ما دعا إليو القرآف كثي انر.
ت* كًالىى اٍل ًجب ً اء ىك ٍي ى ًالسم ً ؼ يخمًقى ٍ اإلبً ًؿ ىك ٍي ىكف إًلىى ًٍ
اؿ ى ؼ يرف ىع ٍ ى ت* ىكًالىى َّ ى قاؿ تعالى :أىفى ىبل ىي ٍنظيير ى
ؼ يس ًط ىح ٍ ت* كًالىى ٍاأل ٍىر ً ىكي ى ً
()2
ت الغاشية اآلية ُٕ.َِ- ض ىك ٍي ى ؼ ينص ىب ٍ ى ٍ
ً ً كقاؿ :أى ىفمى ٍـ ىي ٍنظييركا إًلىى َّ
ضاىا ىك ىما لىيىا م ٍف فييرك وج* ىك ٍاأل ٍىر ى اىا ىكىزيََّّن ى
ؼ ىب ىن ٍي ىن ى
الس ىماء فى ٍكقىيي ٍـ ىك ٍي ى
يب ؽ صرةن كًذ ٍكرل لً يك ًؿ ىع ٍبود منً و ً ً ً ً ً ً ً
ي ٌ اىا ىكأىٍلقى ٍي ىنا فييىا ىرىكاس ىي ىكأ ٍىن ىبتٍىنا فييىا م ٍف يك ٌؿ ىزٍك وج ىبيي وج* تىٍب ى ى ى ىم ىد ٍد ىن ى
اآلية ٔ.ٖ -
* كعف طريؽ مبلحظة الكيؼ دعا القرآف إلى االىتماـ بدراسة الككف في جممتو عمى أم
()3
نحك تشكؿ ،كالمراحؿ التي مر بيا.
* كما اىتـ اإلسبلـ بدراسة الكيؼ أكد عمى أىمية دراسة الكـ ،مف خبلؿ النظر حتى
()4
يتمكف المسمـ مف التكصؿ إلى عمـ العدد كالحساب.
القياس :ال يكتفي القرآف الكريـ بالكقكؼ عند االستقراء بالمبلحظة كالتحميؿ ،بؿ ال بد أف
اعتىبًيركا ىياأيكلًي ٍاأل ٍىب ى
ص ًار. يتعداه إلى مرحمة القياس .كبو أمر سبحانو فقاؿ :فى ٍ
كاالعتبار :ىك استنباط المجيكؿ مف المعمكـ كاستخراجو منو .كىك القياس
كالقياس في العمكـ التجريبية:
"االنتقاؿ مف عدد محدكد مف الحاالت الخاصة إلى قانكف أك قضية يمكف التحقؽ مف
صدقيا بتطبيقيا عمى عدد ال حصر لو مف الحاالت الخاصة األخرل".
ب -االستقراء التاريخي:
-335115
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
اىتـ القرآف الكريـ بالتاريخ بكصفو أحد أىـ مصادر المعرفة اإلنسانية ،فنجد مساحات كبيرة
في سكره كآياتو ال تخمك مف الحديث عف نماذج كثيرة لممعطيات التاريخية مف خبلؿ قصص
األنبياء مع أقكاميـ ،كسير األمـ السابقة بدأت مف آدـ عميو السبلـ مرك انر بقكـ نكح كابراىيـ
كمكسى كعيسى عمييـ الصبلة كالسبلـ كحتى األحداث التي شيدىا المجتمع اإلسبلمي في كؿ
مراحمو ابتداء مف الدعكة الفردية حتى إرساء معالـ الخبلفة الراشدة.
كلـ يكف القرآف يعرض فقط لؤلحداث بؿ كاف اليدؼ محاكلة استخبلص القكانيف التي تحكـ
الظكاىر االجتماعية التاريخية .كىذا األمر ال يمكف الكصكؿ إليو إال إذا أصبح التاريخ ميدانان
اب يكسؼ ص ًيـ ًع ٍبرةه ًأليكلًي ٍاألىٍلب ًلمنظر كالدراسة كاالختبار قاؿ تعالى :لىقى ٍد ىكاف ًفي قى ً
ى ص ٍ ى ى ى
اآليةُُُ
َّ
كف األعراؼ اآلية ُٕٔ. ص لى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى
ص ى ص ً
ص اٍلقى ى كقاؿ تعالى :فىا ٍق ي
ت بً ًو في ىؤ ىاد ىؾ ك ىجاء ىؾ ًفي ىىًذ ًه اٍل ىح ُّ
ؽ الريس ًؿ ىما ينثىٌبً ي
اء ُّ ص عمىيؾ ًمف أ ٍىنب ً ِّ
كقاؿ تعالى :ىك يكبل ىنقي ُّ ى ٍ ى ٍ ى
ى ى
ً ً
يف ىكد اآلية َُِ. ىك ىم ٍك ًعظىةه ىكًذ ٍك ىرل لٍم يم ٍؤ ًمن ى
كيمكف أف نستخمص بعض القكاعد التاريخية التي أشار القرآف الكريـ إلييا منيا:
أ -أف التاريخ تحكمو سنف ثابتة قاؿ تعالى:
يبل األحزاب اآلية ِٔ. اَّلل تىٍبًد ن
اَّلل ًفي الًَّذيف ىخمىكا ًمف قىبؿ كلىف تى ًجد لًسَّن ًة ًَّ
ى ٍ ٍ ٍي ى ٍ ى ي
سَّنةى ًَّ
ي
ً ً ت ًم ٍف قىٍبمً يك ٍـ يس ىن هف فى ًس ييركا ًفي ٍاأل ٍىر ً
اف ىعاق ىبةي اٍل يم ىك ٌذبً ى
يف ؼ ىك ى
ض فى ٍانظيركا ىك ٍي ى كقاؿ :قى ٍد ىخمى ٍ
آؿ عمراف اآلية ُّٕ.
اَّللى ىال يي ىغٌيًير ىما بًقى ٍكوـ ىحتَّى
ب -أكد القرآف عمى أىمية الدكر اإلنساني في حركة التاريخ إً َّف َّ
ً
أف عمى العقؿ اإلنساني أف يستخمص العبر كالقكانيف يي ىغٌيًيركا ىما بًأ ٍىنفيس ًي ٍـ الرعد اآلية ُُ إذ ٌ
مف تجارب السابقيف ،كيختار الطريؽ التي تؤثر عمى حركة التاريخ.
أف الكقائع التاريخية ال تخضع لمتفسير المادم ،كالعكامؿ
جػ -أشار القرآف الكريـ إلى ٌ
االقتصادية -كما ذىب إلى ذلؾ ماركس كغيره -فقد أرجع أدعياء ىذا المذىب كؿ ظكاىر
الكجكد ،كتطكر المجتمع البشرم إلى المادة .كالقرآف عمى غير ذلؾ قاؿ تعالى:
ىش َّد ًم ٍنيي ٍـ
يف ىك يانكا ًم ٍف قىٍبمً ًي ٍـ ىك يانكا يى ٍـ أ ى ً ًَّ أىكلى ٍـ ىي ًس ييركا ًفي ٍاأل ٍىر ً
اف ىعاق ىبةي الذ ىؼ ىك ى ض فىىي ٍنظييركا ىك ٍي ى ى
ؽ غافر اآليةُِ ً ً
اَّلل م ٍف كا و ً
اف لىيي ٍـ م ىف َّ ً ً ً ً
ار في ٍاأل ٍىر ً
ى اَّللي ب يذينكبي ٍـ ىك ىما ىك ى
ىخ ىذ يى يـ َّ
ض فىأ ى قي َّكةن ىك ىءاثى نا
-336-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ؽ د -كجكب مراعاة الدقة في ركاية الحقائؽ قاؿ تعالى :ياأىيُّيا الًَّذيف ءامينكا إًف جاء يكـ فى ً
اس ه ٍ ى ى ٍ ى ىى ى ى
بًىن ىبوأ فىتىىبييَّنكا الحجرات اآلية ُّْ.
بيذا تجمى منيج دراسة استقراء التاريخ عند المسمميف الذم تجمى فيو دكر العقؿ في
االختيار بيف طريقيف ال ثالث ليما :اليدل كالضبلؿ .إما االىتداء بما أنزؿ هللا تعالى عمى
عباده مف منيج ،أك االنحراؼ عف طريؽ هللا الكاضح المبيف.
كمف ىنا تقاس أطكارنا التاريخية بالنظر إلى اقترابيا أك بعدىا عف ركح اإلسبلـ كالعقيدة
الصحيحة.
كبمغة فمسفة التاريخ نفيـ تاريخ المسمميف بربطو بتنفيذ قكاعد الشرع ،كفيـ اإلسبلـ ،مف
خبلؿ كاقع المسمميف بيف النصر في عصكره األكلى ،كبمكغيـ ذركة الحضارة ،كتحقيقيـ
المجتمع اإلنساني المثالي ،كبيف اليزيمة التي أصابت المجتمعات اإلسبلمية بسبب معاصييا،
كضعؼ عقيدتيا ،كابتعادىا عف منيج ربيا.
كمما استفاد منو المسممكف مف القرآف الكريـ في دراسة التاريخ فكرتيف:
األكلى :كحدة األصؿ اإلنساني ،كقد سبؽ الحديث عنيا في خصائص الفكر اإلنساني.
ألف التاريخ حركة جمعية مستمرة ،كتطكر
الثانية :حركة الكجكد حركة مستمرة في الزمافٌ ،
حقيقي ال مفر منو.
السنة النبكية المشرفة التي ٌبينا أىـ أنكاعيا األثر العظيـ في
كانت لمناىج القرآف الكريـ ك ٌ
حياة المسمميف ،فقد أثرت ىذه المناىج في عقكؿ المسمميف ،كأنارت ليـ الطريؽ ،كنبيتيـ إلى
أىمية المنيج السميـ في الكصكؿ إلى الحقائؽ اليقينية ،كالقضايا الصادقة .انعكس ىذا جميان
في تناكليـ لكؿ العمكـ سكاء كانت العمكـ الشرعية أك الككنية.
-337117
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
فرانسيس بيككف أصالة كقدرة في فيـ المنيج التجريبي .كلقد اعترؼ بذلؾ جميرة مف العمماء
()1
الغربييف المنصفيف مثؿ مردرؾ ،كجكزؼ ىؿ ،كجكرج سارتكف ،كدم بكر.
كيمكف أف نستخمص طريقة ابف الييثـ في البحث في النقاط التالية:
ُ -نبذ ابف الييثـ تقميد العمماء ،كعدـ االسترساؿ في حسف الظف بيـ ميما غزر عمميـ
كعمت مكانتيـ ،ألنيـ كبشر معرضيف لمخطأ ،كلكف ىؤالء العمماء عندىـ كثير مما ىك حؽ
كمما ىك مفيد كىك يجميـ كيحترميـ.
ِ -ينبغي نبذ تقميدىـ ألنيـ اختمفكا فيما بينيـ ،كسبب االختبلؼ اختبلؼ معاييرىـ،
كاختبلؼ المعايير سببو صعكبة القضايا المراد حميا ،أك عدـ كفاءة الباحث كمقدرتو لمفيـ
كاالستنباط ،أك لعدـ عدلو أك التباعو اليكل.
ّ -يتبع مف ىذا أنو عمى الدارس فحص التراث العممي كاختباره كاعتماد ما يثبت كيصح
بالدليؿ ،كرفض ما ىك خبلؼ ذلؾ.
ْ -أف يككف شعاره في ذلؾ العدؿ ،كأف ال يككف دافعو التكذيب كال اإلثبات بؿ األخذ
بمقتضى الدليؿ .إف مف بيف أىـ المعالـ التي يحكييا منيج ابف الييثـ في تجاربو:
ُ -المبلحظة
ِ -تمييز الظكاىر بعضيا عف بعض
ّ -االستقراء
ْ -صياغة قانكف كىك ما ىك مطرد ك ال يتغير
ٓ -العدؿ كالمكضكعية كتحرم الحقيقة
ٔ -االحتياط.
التجربة :استخدـ ابف الييثـ التجربة كجزء مف منيجو العممي ،كقد سمى التجربة باالعتبار،
كسمى مف يقكـ بالتجربة المعتبر ،كأطمؽ عمى إثبات التجربة اإلثبات باالعتبار ،كيقابؿ
()2
اإلثبات باالعتبار اإلثبات بالقياس البرىاني.
(ُ) انظر المصدر السابؽ ص ِٔ ،كمناىج البحث عند مفكرم اإلسبلـ د .عمي النشار ص ّْٔ
(ِ) انظر اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص ِٔ.ِٗ-
-338-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كال يقؼ ابف الييثـ عند ىذا الحد في إثبات القكاعد أك القكانيف األساسية بكاسطة التجربة،
()1
بؿ يعتمد عمييا أيضان في إثبات النتائج التي تستنبط بالقياس.
مساىمات جابر بف حياف في مناىج البحث العممي:
عرؼ جابر بف حياف المنيج التجريبي كاىتـ بإجراء التجارب لمتكصؿ لمحقائؽ.
كقد استعمؿ ابف حياف طريقيف لبلستدالؿ االستقرائي:
ُ -طريقة االستدالؿ باألنمكذج "داللة المجانسة".
ِ -طريقة االستدالؿ بمجرل العادة -االستقراء البسيط.
أكالن :طريقة االستدالؿ باألنمكذج "داللة المجانسة":
ىي إثبات خاصة أك حكـ ثبت ألفراد أنمكذج معيف محدكد العدد ألنمكذج أك عينة أخرل
محدكدة ،أك إثباتيا لجميع السكاف.
ىذا اإلثبات يككف إذا كاف األنمكذج المستدؿ عميو مف جنس األنمكذج المستدؿ بو ألف
ليما خصائص مشتركة.
كقد ذىب ابف حياف أف االستدالؿ باألنمكذج استدالؿ ظني أك احتمالي ليس يقينيان ،ألنو ال
يمكف التيقف مف خصائص السكاف إال بفحص جميع أفراد السكاف.
يقكؿ د.عبدهللا زركؽ :ىنالؾ مباحث في مناىج البحث تتحدث عف كيفية اختيار
األنمكذج ،فيناؾ األنمكذج أك العينة التي تختار بطريقة عشكائية كالتي تختار بطريقة غير
عش كائية ،فقد تفتحت أفاؽ كبيرة في كيفية االستدالؿ باألنمكذج التي كضع أساسيا جابر بف
()2
حياف.
-339119
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
مثالو :تبلزـ أخذ اإلسبريف كزكاؿ الصداع في حاالت شكىدت أك جربت إلى حاالت لـ
تشاىد أك تجرب.
قاؿ جابر بف حياف :كمما كثرت حاالت التبلزـ قكم االستدالؿ عمى احتماؿ تبلزميما في
الحاالت التي لـ تختبر كتجرب أك تشاىد ،ككمما قمت الحاالت كمما ضعؼ االستدالؿ.
()1
قاؿ اإلماـ الغزالي :كمما كثرت الجزئيات قكل الظف كاالحتماؿ.
(ُ) اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص َّ ،ِّ-كانظر مناىج البحث عند مفكرم المسمميف ص ّّٕ.ّّٖ-
-310-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الفصل الثالث:
حركات ومذاىب فكرية
-313121
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كانت أمتنا اإلسبلمية قد انتيت إلى حاؿ مف الفكضى كالتفسخ أغرل بيا العدك ،كجعؿ
إف المستعمر لـ ككأنيا تستكلي عمى ميراث ليس لو صاحب .ثيـ ٌ
أكركبا تقتسـ بينيا األسبلب ٌ
يضع كقتو يسدل! لقد رسـ سياسة دقيقة لغزك المسمميف فكريان بعد السيطرة عميو عسكريان،
تيدؼ إلى تفتيت الكياف اإلسبلمي الذم سقط في يده ،كاماتة خصائص الحياة كاإلباء فيو.
فرمى بأك ازره كميا عمى الببلد يحاكؿ محؽ عركبتيا ،كطمس تاريخيا ،كتمكيث ينابيعيا
الفكرية كالعاطفية ،كال ننسى الصييكنية العالمية التي تحالفت مع قكل الغرب لتحقيؽ ذات
األىداؼ ،حتى تنشأ األجياؿ الحديثة عميمة المزاج سقيمة الفكر.
كأعاف عمى المضي في خطتو تمؾ ما أحرزه مف سبؽ ىائؿ في العمكـ كالكشكؼ كأفاؽ
(ُ)
الحياة األخرل.
أخطار الغزك الفكرم:
ُ -يفقد المغرضيف لمغزك الفكرم االستعداد لممقاكمة ،كيضعؼ كسائميا مما يكقعيـ في
أحابيمو بسيكلة
ِ -يجد لو أتباعان كأنصا انر يتعاكنكف معو إما مف المخدكعيف أك ممف باع نفسو بثمف بخس
خدمة لؤلىداؼ االستعمارية.
ّ -قميؿ التكمفة مع أف نتائجو كآثاره بعيدة األثر.
ْ -كسائمو ناعمة كخادعة كمحفكفة بالشيكات ،فاالستجابة إليو أسرع.
أىداؼ الغزك الفكرم:
ُ -ضرب اإلسبلـ مف الداخؿ عف طريؽ إضعافو في نفكس أىمو ،كابعاده عف مراكز
التأثير في حياة المسمميف ،كعزلو في داخؿ المسجد.
(ِ)
ِ -منع اإلسبلـ مف االنتشار خارج ديار المسمميف ،كفرض اإلقامة الجبرية عميو داخمو.
أما كسائؿ الغزك الفكرم فكثيرة منيا التبشير كاالستشراؽ كنشر األفكار كالمبادئ كالحركات
اليدامة ،كاحياء النعرات كالدعكات الجاىمية.
المطمب األول:
(ُ) ظبلـ مف الغرب ص ٖ ُُ-بتصرؼ لمشيخ محمد الغزالي رحمو هللا تعالى
(ِ) انظر دراسات في الثقافة الغربية تأليؼ د .صالح ذياب ىندم صِٓ.ِٔ-
-311-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
التبشير
كب ًش ىر :فرح ،كمف ذلؾ قكؿ التبشير لغة :مف البً ٍشر ،طبلقة الكجو ،يقاؿ :استبشر ٌ
كتبشر ى
استىٍب ًش يركٍا﴾ التكبة ،ُُُ:كالبشارة مطمقنا ال تككف إال في الخير ،أما في الشر هللا تعالى ﴿ :فى ٍ
اب أىلً ويـ﴾ آؿ عمراف.)1(ُِ:
فبل تأتي إال مقيدة مثؿ قكلو تعالى ﴿ :فىب ًٌشريىـ بً ىع ىذ و
ى ٍ
كفي المغة اإلنجميزية يقاؿ عف التنصير مصطمح .Missions
اصطبلحا :كاف التبشير في بداية نشأتو يعني التنصير ،بمعنى تنصير غير
ن التبشير
غير النصارل أساليبيـ بعد إدراكيـ صعكبة تحقيؽ
النصراني .أما في العصكر الحديثة ،فقد ٌ
التنصير بيف أبناء المسمميف .كعميو يمكننا تعريؼ التبشير في الببلد اإلسبلمية بأنو" :النشاط
الذم يمارسو المسيحيكف الغربيكف أفر نادا كىيئات كمنظمات في البمداف اإلسبلمية ،كاليادؼ إلى
تنصير المسمميف أك تشكيكيـ في عقيدتيـ ،كصبغ حياتيـ بالصبغة الغربية".
اختمؼ المفكركف اإلسبلميكف بيف مصطمحي :التبشير أك التنصير ،أييما األفضؿ في
تسمية جيكد النصارل في العالـ اإلسبلمي ،أذىب مع الرأم القائؿ بأف مصطمح التبشير أكثر
شمكلية مف مصطمح النصرانية ،في الداللة عمى أفعاليـ ،كذلؾ لعدة أسباب ،منيا:
ُ -أف اليدؼ النيائي لنشاط المنصريف ،ليس شرطنا إدخاؿ المسمميف في النصرانية بؿ
متشككا في صحتو ...إلخ ن بعيدا عف دينو ،أك
يرضى منو أف يككف المسمـ ن
عبر بو القرآف الكريـ عف البشر كالخبر السعيد ،كعبَّر بو كذلؾ عف أف التبشير قد ٌَِّ -
اب أًىل ويـ﴾ آؿ عمراف.ُِ:
السكء كالشر كما ال تيحمد عقباه ،كما قاؿ تعالى﴿ :فىب ًٌشريىـ بً ىع ىذ و
ى ٍ
ّ -أف المستيدؼ بيذه اإلرساليات كالبعثات الدينية ليس المسمميف كحدىـ ،بؿ إف التبشير
يمارس ضد طكائؼ النصارل الشرقييف ،مف أرمف ،كقبط ،كأرثكذكس.
أما أصحاب القكؿ الثاني بأف مفيكـ التنصير في البيئة اإلسبلمية ،فقد تغير مفيكـ
التنصير ،كتحددت كظيفتو ػ عند النصارل ػ فيما يؤدم إلى إخراج المسمميف مف دينيـ ،كليس
بالضركرة إدخاليـ في النصرانية ،كفي ىذا قاؿ القس صمكيؿ زكيمر في مؤتمر لممبشريف
بالقدس عاـُّٓٗـ« :إف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بو في الببلد
يما ليـ ،كانما ميمتكـ أف
فإف ىذا ىدايةن كتكر ن
المحمدية ليست إدخاؿ المسمميف في المسيحيةٌ ،
-311123
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
تخرجكا المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀ ،كبالتالي فبل صمة لو باألخبلؽ
التي تعتمد عمييا األمـ في حياتيا.»..
أىداؼ التنصير:
أكنال :تغريب المجتمع اإلسبلمي ،كذلؾ بنشر الثقافة الغربية بيف المسمميف .لينسحب إلى
جميع مجاالت الحياة السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية ..كذلؾ عبر كسائؿ مختمفة مثؿ
الدعكة لمتحضر كالتمدف ،كالدعكة إلى تقميد الغرب إذا أراد الشرؽ التقدـ...إلخ
ثانيا :زعزعة كاضعاؼ العقيدة اإلسبلمية في نفكس معتنقييا ،كاإليحاء بأف المبادئ كالمثؿ
ن
لتحؿ ىذه المثؿ كالمبادئ النصرانية
َّ كالتعاليـ النصرانية أفضؿ مف أم مثؿ كمبادئ أخرل،
محؿ المبادئ كالمثؿ اإلسبلمية .كىك ما قالو القس صمكيؿ زكيمر في مؤتمر لممبشريف
َّ
بالقدس عاـ ُّٓٗـ« :إف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بو في الببلد
يـ ليـ ،كانما ميمتكـ أف
فإف ىذا ىدايةن كتكر ه
المحمدية ليست إدخاؿ المسمميف في المسيحيةٌ ،
تخرجكا المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀ ،كبالتالي فبل صمة لو باألخبلؽ
التي تعتمد عمييا األمـ في حياتيا ،كبذلؾ تككنكف أنتـ بعممكـ ىذا طميعة الفتح االستعمارم
في الممالؾ اإلسبلمية ،كىذا ما قمتـ بو خبلؿ األعكاـ المائة السالفة خير قياـ»...
ثالثنا :بث ركح الفرقة كالنزاع بيف أبناء األمة ،عف طريؽ إثارة النعرات الجاىمية كاإلقميمية
كالعرقية كالطائفية....
ابعا :إحكاـ سيطرة الدكؿ الغربية عمى العالـ اإلسبلمي.
رن
خامسا :الحيمكلة بيف الغرب المسيحي ،كبيف اإلسبلـ بجممة مف األكاذيب كالمفتريات.
ن
سادسا :الحيمكلة دكف دخكؿ األمـ األخرل ػ غير النصرانية ػ في اإلسبلـ ،كالكقكؼ أماـ
ن
انتشار اإلسبلـ بإحبلؿ النصرانية مكانو ،أك باإلبقاء عمى الممؿ كالنحؿ كالعقائد المحمية
المتكارثة.
-314-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
لعؿ أكؿ عبلقة بيف المسمميف كالنصارل ،أك اإلسبلـ كالنصرانية ،كانت عمى عيد الرسكؿ
()1
ممؾ الحبشة كما حصؿ مف محاكلة كفدا مف المياجريف إلى النجاشي
محمد حينما أرسؿ ن
قريش إثناء الممؾ عف إيكاء المسمميف؛ صاحب ىذه المحاكلة نقاش كحجاج حكؿ طبيعة
المسيح عيسى ابف مريـ عمييما السبلـ ،كما نزؿ فيو مف قرآف (ِ).
كفكدا إلى ىرقؿ الركـ
كلقد كاف المقاء الثاني حينما أرسؿ الرسكؿ عميو الصبلة كالسبلـ ن
أيضا حكار كنقاش حكؿ نظرة اإلسبلـ كالمسمميف
كمقكقس مصر كغيرىما .ككاف ىناؾ ن
لمنصرانية ،كنبييا عيسى بف مريـ عمييما السبلـ (ّ).
كقد قدـ عمى الرسكؿ محمد في المدينة النبكية كٍف هد مف «نجراف» بيف أربعة عشر
فردا حسب الركايات ،كقد دار بيف النبي محمد كبينيـ حكار ،كحجاج حكؿ طبيعة كستيف ن
المسيح عيسى ابف مريـ عمييما السبلـ .ثـ عاد الكفد إلى نجراف ،كقد ذكرت سكرة آؿ عمراف
طرفنا مف ىذه المحاججة.
حافبل بالعبلقات مع النصارل ،نتيجة المتداد الفتح
ن كعصر الخمفاء ال ارشديف كاف
اإلسبلمي في الشاـ كمصر كما كراءىما .ككاف يتخمؿ ىذه الفتكح كقفات عممية تككف فييا
مناقشات كحكارات حكؿ مكقؼ اإلسبلـ مف النصرانية كالنصارل.
كأبرز مثاؿ عمى ىذه الكقفات كقفة الخميفة «عمر بف الخطَّاب في «بيت المقدس»،
كمكقفو مف كنيسة القيامة كتجنبو الصبلة فييا(،)4
ككذلؾ لقاء عمرك بف العاص بالبطريرؾ بنياميف رئيس الكنيسة القبطية آنذاؾ(.)5
النجاشي اسمو أصحمة ،كيعد مف الصحابة رضي هللا عنيـ أجمعيف ،كقيؿ مف التابعيف ،تكفي في حياة الرسكؿ محمد (ُ)
،كصمى عميو صبلة الغائب .انظر ترجمتو في سير أعبلـ النببلء لمذىبي جُ.ّْْ-ِْٖ/
قصة إيكاء النجاشي لممسمميف .أخرجيا اإلماـ أحمد بف حنبؿ في المسند جٓ ،ُِٗ/مف ركاية أـ سممة زكج النبي (ِ)
اؿ لىوي ىج ٍعفىير ٍب يف أىبًي ً ً
يسى ٍاب ًف ىم ٍرىي ىـ؟ فىقى ى اؿ لىيي ٍـ :ىما تىقيكليك ىف في ع ى كرضي هللا عنيا .كمنيا قكليا <« :فمما دخمكا عميو قى ى
ب ً ً ً ً يو الًَّذم جاء بً ًو نبًيُّنا ىك عبد ًَّ طىالً وب :ىنقيكؿ ًف ً
ضىر ى ت :فى ى اىا إلىى ىم ٍرىي ىـ اٍل ىع ٍذىراء اٍلىبتيكؿ قىالى ٍ
كحوي ىك ىكم ىمتيوي أىٍلقى ىاَّلل ىكىر يسكليوي ىكير ي ى ى ى ى يى ى ٍ ي ي
ً ىخ ىذ ً ً ً النج ً
ط ًارقىتيوي ىح ٍكلىوي
ت ىب ى اخىر ٍ
كد .فىتىىن ى
ت ىى ىذا اٍل يع ى يسى ٍاب يف ىم ٍرىي ىـ ىما يقٍم ى اؿ :ىما ىع ىدا ع ى ى ق
ى ـَّيث اكد
ن ع
ي اي
ى ن
ٍ م ى أف
ى ض ىر
ٍ األ
ٍ ى ل
ى إ ه
ي اش ُّي ىي ىد َّ ى
ً ً ًحيف قىاؿ ما قىاؿ فىقىاؿ :كاًف ن ىخرتيـ ك ًَّ
َّك ٍـ يغًٌرىـ ،فى ىما
َّك ٍـ يغًٌرىـ ،ثيَّـ ىم ٍف ىسب ي
كف -ىم ٍف ىسب ي كـ بًأ ٍىرضيٍ -اآلمين ى اَّلل؛ ا ٍذ ىىيبكا فىأٍىنتي ٍـ يسيي ه ى ى ى ى ى ى ٍ ى ٍ ٍ ى
ت ىريج نبل ًمٍن يك ٍـ»َّ . ً
الدٍبير :اٍل ىجىب يؿ. ىف لًي ىدٍبنار ىذ ىىنبا ىكأٌىني آ ىذٍي ي ب أ َّ أً
يح ُّ
تيذيب سيرة ابف ىشاـ :عبد السبلـ ىاركف ص ّٕٓ.ّٕٖ- (ّ)
انظر :البداية كالنياية لمحافظ ابف كثير ،تحقيؽ :أحمد أبك ممحـ كآخركف جْٕٓ/ (ْ)
انظر كتاب المسيحية كاإلسبلـ في مصر :كليـ سميماف قبلدة صِّٓ.ِّْ- (ٓ)
-315125
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
(ُ) انظر :فصؿ «أكركبا بيف العباسييف في بغداد كاألمكييف في األندلس» مف كتاب عبد العظيـ رمضاف .الصراع بيف
العرب كأكركبا مف ظيكر اإلسبلـ إلى انتياء الحركب الصميبية .ص ُْٓ.ُْٓ-
عماف :صُِ .َّ- (ِ) مدخؿ إلى تاريخ حركة التنصير :ممدكح حسيف ٌ
(ُ) بدأت الحركب الصميبية في ربيع الثاني مف سنة ُْٗىػ -مارس مف سنة َُٖٗـ ،كانتيت في شعباف مف سنة
َٗٔىػ -أغسطس مف سنة ُُِٗـ .انظر :الحركة الصميبية :سعيد عبد الفتَّاح عاشكر ،جّ .ُُِٔ/نذكر ىنا
مجمكعة مف األمثمة عمى ما كتب عف النصرانية في التراث اإلسبلمي ،كمنيا :المنتخب الجميؿ مف تخجيؿ مف
حرَّؼ اإلنجيؿ :أبك الفضؿ المالكي المسعكدم ،كجكاب القاضي الباجي عمى رسالة راىب مف فرنسا إلى المقتدر
با﵀ صاحب سرقسطة :ألبي الكليد سميماف بف خمؼ القاضي الباجي ،تحقيؽ محمد عبد هللا الشرقاكم .كدرء
أيضا :الجكاب الصحيح لمفتعارض العقؿ كالنقؿ :أحمد بف عبد الحميـ بف تيمية ،تحقيؽ محمد رشاد سالـ .كلػو ن
بدؿ ديف المسيح .كشفاء الغميؿ في الرد عمى مف َّ
بدؿ التكراة كاإلنجيؿ :ألبي المعالي الجكيني .الممؿ كالنحؿ:
لمشيرستاني ...إلخ.
-316-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
عقديا في
ن أف الحركب الصميبية لـ تفمح عسكرنيا في تحقيؽ النصر ،فيي لـ تفمح ككما َّ
تمس نكا بدينيـ َّأدل في النياية ،إلى خركج الصميبييف مف
تشكيؾ المسمميف برسالتيـ ،بؿ زادتيـ ُّ
أراضي المسمميف دكف الفكز بما قدمكا مف أجمو .كمع ىذا فبل يغفؿ تأثير الحمبلت الصميبية
عمى المجتمع المسمـ ،فقد زاد عدد الكنائس ،كبالتالي زاد عدد المنصريف.
كيذكر «محمد مؤنس عكض» مف خبلؿ عرضو لمرحالة المسمميف ،السيما عند كقكفو مع
أف ىذا الرحالة قد أدرؾ البعد التنصيرم لمحمبلت الصميبية ،إذ
الرحالة المسمـ «ابف جبير ٌ
أدرؾ الدكر الصميبي الخطر في تغيير ىكية المنطقة كتحكيميا عف اإلسبلـ ،مف خبلؿ البعد
التنصيرم ،فيذكر أنو بعد خضكع «عكا» لسيطرة الصميبييف ،فقد تحكلت مساجدىا كصارت
كنائس ،كصكامعيا صارت محؿ أحد النكاقيس ،كفي مثؿ ذلؾ التعبير نجده يكشؼ بجبلء،
عف دكر الصميبييف في محاكلة تغيير ىكية المنطقة اإلسبلمية ،كمحاكلة تنصيرىا مف خبلؿ
القضاء عمى الدكر الياـ ألماكف العبادة اإلسبلمية في صكرة المساجد ،بؿ كصؿ األمر أف
صارت ىناؾ بقعة صغيرة في مسجد عكا الجامع ،يجتمع فيو الغرباء مف أجؿ إقامة الصبلة
شيئا منيا
كلـ تكف ىذه الحادثة ىي الكحيدة التي سجميا المؤرخكف المسممكف ،فقد أكرد ن
«أسامة بف منقذ» في كتابو االعتبار(.)1
كيشير إلى ىذه األعماؿ «جكرج ليكنارد كارم» رئيس أساقفة كانتربرم ،رئيس الكنيسة
اإلنجيمية في بريطانيا فيقكؿ ...« :كال يشعر أم مسيحي في الكقت الحاضر بالرضا عف
الطريقة التي اتبعيا أسبلفنا في حسـ الصراعات في الماضي .فقد تسبب الصميبيكف في
إحداث آثار جسيمة في عبلقات المسيحييف ببعضيـ ،كعبلقاتيـ بالمسمميف ،فيناؾ الكثير
لنعتذر عنو» (.)2
ً
المنصر اإلسباني ميمة العكدة إلى التنصير ،بعد أف ثـ تزعَّـ «ريمكند لكؿ»( )3المستشرؽ
ٌ
فشمت الحركب الصميبية في ميمتيا ،كتعمَّـ المغة العربية ،كجاؿ في الببلد اإلسبلمية كناقش
العمماء المسمميف في ببلد كثيرة (.)1
(ُ) انظر :الجغرافيكف كالرحالة المسممكف في ببلد الشاـ زمف الحركب الصميبية :محمد مؤنس عكض ،ص ِّٓ.ِٖٗ-
(ِ) انظر » تحديات العبلقات بيف الديانات الكبرل» :جكرج ليكنارد كارم ص َِٓ.ُِٓ-
يعد » أخطر المنصريف(ّ) ريمكند لكؿ (ُُُِّّٓٓ-ـ) راىب فرنسيسكاني .مارس التنصير في شماؿ أفريقياُّ ،
المنصر زكيمر اعتبره أستاذه كقدكتو» .كخططو التي كضعيا
ٌ مر التاريخ ،.حتى إف
كأشيرىـ عمى اإلطبلؽ عمى ٌ
تعد ىي النماذج كالدستكر الذم سار عميو المنصركف بعد كالتعميـ كالتدريس كالتدريب كالتطبيب كأعماؿ
لمتنصير ٌ
-317127
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
حقبة االحتبلؿ:
ثـ تأتي مرحمة االحتبلؿ (االستعمار) في القرنيف الثالث عشر كالرابع عشر اليجرييف
(التاسع عشر كالعشريف الميبلدييف) ،كما سبقيما مف إرىاصات لبلحتبلؿُّ .
كتعد ىذه المرحمة
امتدادا لمحركب الصميبية ،مع نقص في الكفاءة كانعداـ في التكازف بيف الطرفيف المسمـ ن
مميدا
ن شكبل مف أشكاؿ التنصير ،بؿ ُّ
يعد التنصير ن ً
كيشكؿ االحتبلؿ كذلؾ كالنصراني.
ٌ
و
بعدئذ ( ،)2فاالستعمار األكركبي ىك يعد االحتبلؿ ً
مسيٌ نبل لحمبلت التنصير لبلحتبلؿ أكنال ،ثـ ُّ
مثبل.
الذم ميد لمتنصير في أفريقيا ن
كفي ىذه األثناء بدأ التنصير يأخذ طابع التنظيـ مف خبلؿ كجكد مجمكعة مف المؤسسات
كالجمعيات كاإلرساليات التنصيرية ،تنظميا كتدعميا الييئات الدينية عمى اختبلؼ طكائفيا،
كالحككمات الغربية بخاصة .كظيرت لمتنصير مؤسسات كثيرة كمتنكعة ،كالمعاىد كالجامعات
كالمنظمات كالمراكز الطبية كاالجتماعية كالرياضية ،كالمراكز المنتشرة في كثير مف األماكف
(.)3
أحيانا أيخرل ،مف
ن أحيانا ،ك َّ
أدؽ ن بتصكر عف التنصير أشمؿ
ّّ كقد أدل ىذا كمُّو إلى الخركج
مجرد دعكة غير النصارل إلى الدخكؿ في النصرانية.
َّ
التنصير بيف المسمميف:
ينظر اآلف إلى مفيكـ التنصير الحديث بحسب البيئة المستيدفة مف الحمبلت التنصيرية.
ففي البيئة اإلسبلمية أثبتت الجيكد عدـ جدكل إخراج المسمميف مف إسبلميـ ،كادخاليـ في
النصرانية .كينقؿ عف صمكئيؿ زكيمر» في ىذا الصدد قكلو:
«لقد أديتـ الرسالة التي أنيطت بكـ أحسف األداء ،ككفقتـ ليا أسمى التكفيؽ ،كاف كاف يخيؿ
إلى أنو مع إتمامكـ العمؿ عمى أكمؿ كجو ،لـ يفطف بعضكـ إلى الغاية األساسية منو .إني
اإلغاثة .انظر » :الراىب الفرنسيسكاني ريمكند لكؿ كمحاكالتو نشر النصرانية في شماؿ إفريقية :لعمي بف محمد
الغامدم».
(ُ) الغارة عمى العالـ اإلسبلمي :أ .ؿ .شاتميو .تعريب محب الديف الخطيب كمساعد اليافي ص ُِ.ُّ-
(ِ) الحركب الصميبية :بدؤىا مع مطمع اإلسبلـ كاستمرارىا حتى اآلف؛ عرض لميجمات الصميبية الغربية عمى العالـ
اإلسبلمي عبر العصكر :أحمد شمبي .ص ُّْ.ُّٓ-
الميسرة في األدياف كالمذاىب المعاصرة،
َّ (ّ) انظر » أشير المراكز كالمعاىد التنصيرية» في :التنصير مف :المكسكعة
الندكة العالمية لمشباب اإلسبلمي ص ُْٔ.
-318-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أقركـ عمى أف الذيف أدخمكا مف المسمميف في حظيرة المسيحية لـ يككنكا مسمميف حقيقييف ،لقد
كانكا ،كما قمتـ ،أحد ثبلثة:
يعرفو ما ىك اإلسبلـ.
إما صغير لـ يكف لو مف أىمو مف ٌ
مستخؼ باألدياف ال يبغي غير الحصكؿ عمى قكتو ،كقد اشتد بو الفقر،
ه كاما رجؿ
كعزت عميو لقمة العيش.
كاما آخر يبغي الكصكؿ إلى غاية مف الغايات الشخصية.
كلكف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بيا في الببلد المحمدية ليست ىي
يما .كانما ميمتكـ أف تخرجكا إدخاؿ المسمميف في المسيحيةَّ ،
فإف في ىذا ىدايةن ليـ كتكر ن
المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀ ،كبالتالي ال صمة تربطو باألخبلؽ التي
تعتمد عمييا األمـ في حياتيا .كلذلؾ تككنكف أنتـ بعممكـ ىذا طميعة الفتح االستعمارم في
الممالؾ اإلسبلمية .كىذا ما قمتـ بو خبلؿ األعكاـ المئة السالفة خير قياـ .كىذا ما أىنئكـ،
جميعا .»...كقد تقدـ في أىداؼ التنصير.
ن كتينئكـ دكؿ المسيحية كالمسيحيكف
كينقؿ عف البابا شنكدة في الخطاب السرم الذم ألقاه في الكنيسة المرقصية في اإلسكندرية
في شير صفر مف سنة ُّّٗىػ ػ مارس مف سنة ُّٕٗـ ،قكلو« :إنو يجب مضاعفة
الجيكد التبشيرية الحالية ،عمى أف الخطة التبشيرية التي كضعت بنيت عمى أساس أف اليدؼ
الذم اتفؽ عميو مف التبشير في المرحمة القادمة ىك التركيز عمى التبشير بيف الفئات
كالجماعات ،أكثر مف التبشير بيف األفراد ،كذلؾ لزحزحة أكبر عدد مف المسمميف عف دينيـ،
أك التمسؾ بو ،عمى أف ال يككف مف الضركرم دخكليـ في المسيحية .كيككف التركيز في
بعض الحاالت عمى زعزعة الديف في نفكس المسمميف ،كتشكيؾ الجمكع الغفيرة في كتابيـ،
كفي صدؽ محمد .كاذا نجحنا في تنفيذ ىذا المخطط التبشيرم في المرحمة القادمة ،فإننا نككف
قد نجحنا في إزاحة ىذه الفئات عف طريقنا .كحتى ىذه الحالة إف لـ تكف لنا فمف تككف
()1
عمينا»
صرح بو أقطاب التنصير ،بحيث
خاصا بالمسمميف ٌ
ن كلذا َّ
فإف مفيكـ التنصير اكتسب معنى
أصبح أداة مف أدكات محاربة اإلسبلـ بإخراج المسمميف منو.
(ُ) انظر :ما يجب أف يعرفو المسمـ مف حقائؽ عف النصرانية كالتبشير :إبراىيـ الجبياف ،صِٕ.
-319129
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كعندما تبيف صعكبة إخراج المسمميف مف دينيـ عمد المنصركف إلى اتًٌباع أساليب
المستشرقيف في بذر الشككؾ في اإلسبلـ لدل المسمميف ،كنزع سمطاف الديف مف النفكس.
كىذا ما أعمنو المنصركف في أكثر مف مناسبة .كمنيا المؤتمر التنصيرم الذم عقد بجبؿ
الزيتكف في القدس في فمسطيف المحتمَّة سنة ُّْٔىػ ػ ُِٕٗـ (.)1
كمع ما تقدـ فبل يصح االستيانة بنتائج الحمبلت التنصيرية في تحكيؿ المسمميف إلى
النصرانية ،كمدل تأثيرىا عمى عقكؿ المسمميف كأذىانيـ ،رغـ صعكبة تكافر بيانات عف
المسمميف الذيف يتنصركف ،كيتـ تعميدىـ بالكنائس التي تشترط ،التكتـ في ىذا المجاؿ .تقكؿ:
«آماؿ قرامي»« :إف المطمع عمى المصادر الحديثة ال يمكنو أف يغض النظر عف ظاىرة
ساىمت في تحكيؿ عدد مف المسمميف عف دينيـ ،كنعني بيا ظاىرة التبشير التي ،إف عممت
جاىدة في البداية عمى عدـ مصادمة الشعكر الديني لممسمميف ،إال أنيا سرعاف ما أسفرت عف
مخططاتيا بداية مف عاـُٖٖٔـ فبل غرك إذف ،أف يكثر عدد المقبميف عمى اعتناؽ المسيحية،
خاصة بعد أف ضعفت الحالة السياسية في مختمؼ األمصار اإلسبلمية ،كتدىكرت الحالة
االقتصادية ،كانتشرت األكبئة في مختمؼ المجتمعات اإلسبلمية».
كالصعكبة في تنصير المسمـ ال تعني ،بالضركرة ،االستحالة ،كالشكاىد عمى ذلؾ قائمة،
جميعا في حرص أصحابيا ،عف ن «كليس مف الضركرم متابعة كؿ الشكاىد ،إذ إنيا تمتقي
قصد أك عف غير قصد ،عمى التقميؿ مف شأف نجاح اإلرساليات التبشيرية»(.)2
كىناؾ مف حاكؿ إجراء إحصائية ،أك إحصائيات ،لعدد المتنصريف ،كلكنيا تظؿ دكف
الكاقع ،كممف حاكؿ ذلؾ الدارس «جكدكؿ» كمجمة العالـ اإلسبلمي التي يحررىا «صمكيؿ
زكيمر»(.)3
كبقيت الدعكة إلى إدخاؿ غير النصارل في النصرانية جزنءا مف المفيكـ العاـ لمتنصير ،كلـ
تعد ىي المفيكـ الطاغي عمى ىذه الحركة ،لما فييا مف الضيؽ في االستجابة ،رغـ كجكد
اإلمكانات المادية كالبشرية العاممة في مجاؿ التنصير في مفيكمو العاـ.
(ُ) لـ تكف فمسطيف في ذلؾ التاريخ محتمة مف الييكد كما ىي عميو اآلف ،بؿ كانت محتمة مف نصارل اإلنجميز ،إذ
كانت تحت االنتداب البريطاني.
(ِ) انظر قضية الردة في الفكر اإلسبلمي الحديث :آماؿ ق ارمي صِِص ِِ.ِّ-
(ّ) المنظمة الصييكنية العالمية :أسعد عبد الرحمف ،ص َِِ.
-310-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
حماية النصارل:
كما أف مف أىداؼ التنصير داخؿ المجتمع النصراني اإلبقاء عمى النصارل داخؿ دينيـ،
كظيكر دعكات طائفية مف كاثكليكية كبركتستانتية كأرثكدككسية ،تتنافس فيما بينيا لكسب أكبر
أتباعا ليا .كيركز ىذا المفيكـ عمى حماية النصارل مف التيارات
ن عدد ممكف مف النصارل
األخرل الجديدة مف أف تككف ذات تأثير عمى النصرانية ،كما أنو يركز عمى حماية النصارل
طائفيا ،بحيث ال يخرج النصراني مف طائفة نصرانية إلى أخرل(.)1
ن
كسائؿ التبشير:
ُ -التعميـ في رياض األطفاؿ كالمدارس كالجامعات:
أنفقت المؤسسات التبشيرية األمكاؿ الكثيرة ،كأرسمت آالؼ المبشريف إلى مؤسسات تعميمية
انتياء بالجامعات ،بيدؼ ترسيخ سمكـ
ابتداء مف رياض األطفاؿ ،ك ن
ن لجميع المراحؿ العمرية
مصاؼ الرجاؿ أك النساء.
ٌ التبشير في نفكس األجياؿ منذ نعكمة أظفارىـ حتى يصبحكا في
كىي خطكة ميمة عمى طريؽ تغريب األجياؿ المسممة ،كاضعاؼ عقيدتيا .قاؿ الدكتكر
نبركز رئيس الجامعة األمريكية في بيركت ُْٓٗـ« :لقد برىف التعميـ عمى أنو أثمف الكسائؿ
التي استطاع المبشركف أف يمجؤكا إلييا في سعييـ لتنصير سكرية كلبناف».
أما المبشرة آنا ميميغاف فقالت في القاىرة« :في صفكؼ كمية البنات في القاىرة بنات آباؤىـ
باشكات كبككات ،كليس ثمة مكاف آخر يمكف أف يجتمع فيو ىذا العدد مف البنات المسممات
تحت النفكذ المسيحي ،كليست ثمة طريؽ إلى حصف اإلسبلـ أقصر مسافة مف ىذه
المدرسة».
كيمتحؽ بمؤسسات التعميـ المراكز الثقافية كالمكتبات األجنبية التي تبدكا بأنيا مؤسسات
أف باطنيا نشر األفكار كالثقافة الغربية مع الدعاية لممسيحية ،كمنيا كذلؾ
عممية ،غير ٌ
البعثات التعميمية المجانية عمى حساب بعض المؤسسات األجنبية.
ِ -التطبيب كالتمريض:
(ُ) راجع أجنحة المكر الثبلث صِٕ ،ِّ-االتجاىات الفكرية المعاصرة :صِّ ،َّ-عقائد كتيارات فكرية معاصرة
صُٓٗ َِْ-قكل الشر المتحالفة صٕٗ ،َُّ-حاضر العالـ اإلسبلمي صّّْٗ-
-313131
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
استغؿ المبشركف مينة الطب كالتمريض مف أجؿ نفذ سمكميـ ،كبث دعايتيـ بيف
المسمميف ،فحرصكا عمى إقامة المستشفيات كالمستكصفات كالعيادات الطبية التي أشرؼ عمييا
منصركف مف أطباء كممرضيف يداككف الناس باسـ المسيح.
ّ -كسائؿ اإلعبلـ المختمفة مف طباعة كصحافة كاذاعة...إلخ:
كاف المنصركف أكؿ مف أدخؿ الطباعة إلى العالـ اإلسبلمي مف أجؿ تيسير ميمتيـ في
مجانا تحاكؿ زعزعة العقيدة مستغميف
ن بث دعايتيـ ،كنشر أفكارىـ بنشر كتيبات كنشرات تكزع
جيؿ المسمميف بدينيـ ،كقمة اطبلعيـ.
ككانت أىـ ىذه المطابع :المطبعة األمريكية ببيركت ،كالمطبعة الكاثكليكية.
كما حرص المبشركف عمى استخداـ كؿ كسائؿ اإلعبلـ كاإلذاعة كشرائط الكاسيت ،كشرائط
الفيديك ...إلخ.
ْ -الجمعيات االجتماعية ػ اإلغاثية ،كالرياضية كالمينية:
لعبت المؤسسات التنصيرية عمى استغبلؿ حاجات الناس بشكؿ ذكي إذ استغمت حاجتيـ
لمخدمات االجتماعية مثؿ مساعدة المحتاجيف مف الفقراء كالعجزة كذكم العاىات ،كتدريب
الطمبة المينييف عمى مختمؼ الحرؼ ،كحاجة المجتمع إلى المؤسسات الرياضية ،فأقامت
مثاال عمى ذلؾ في
بإنشاء المئات مف ىذه المؤسسات في مختمؼ ببلد اإلسبلـ .كلك ضربنا ن
أف عدد و
خمس كعشريف سنة لكجدنا ٌ أرض األفغاف اليكـ التي عانت مف الحركب ألكثر مف
الجمعيات اإلسبلمية العاممة في اإلغاثة ال يزيد عف سبع جمعيات ،في مقابؿ مائتيف كخمسيف
جمعية إغاثة تنصيرية مف مجمكع ستمائة جمعية إغاثية.
بيذه الكسائؿ ترل أف الحركة التنصيرية تحاكؿ الكصكؿ إلى جميع شرائح المجتمع الرجاؿ
()1
كالنساء ،الشباب كالفتيات كالشيكخ ،كاألغنياء كالفقراء
حقائؽ عف التنصير:
جاء في نشرة َّ
كزعتيا الندكة العالمية لمشباب اإلسبلمي قبؿ عاـ َََِـ أف عدد النصارل
احدا كعشريف مميكف نسمة ،كبمغ عدد المنظمات التنصيرية
مميار كسبعمئة كك ن
نا في العالـ يبمغ
(ُ) راجع أجنحة المكر الثبلث صَٔ ،ٕٗ-عقائد كتيارات فكرية معاصرة صََِ ،ُُِ-أساليب الغزك الفكرم صَّ،ّْ-
دراسات في الثقافة اإلسبلمية صِٔ ،ِٗ-حاضر العالـ اإلسبلمي صّْ ،ْٖ-التنصػير :مفيكمو كأىدافو ككسائمو كسبؿ
مكاجيتو :عمي بف إبراىيـ الحمد النممة ،الطبعة الثالثة ُِْْىػََِّ-ـ ،الرياض.
-311-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
في العالـ :أربعة كعشريف ألفنا ،كخمسمئة كثمانيف منظمة ،كعدد المنظمات العاممة في
مجاالت الخدمة يزيد عف عشريف ألفنا كسبع مئة منظمة ،كيبمغ عدد المنظمات التي تبعث
منصريف متخصصيف في مجاالت التنصير كاإلغاثة ثبلثة آالؼ كثمانمئة كثمانيف منظمة،
معيدا تنصيرنيا،
ن كيزيد عدد المعاىد التنصيرية عمى ثمانية كتسعيف ألفنا كسبعمئة كعشريف
كيبمغ عدد المنصريف المتفرغيف لمعمؿ خارج إطار المجتمع النصراني أكثر مف مئتيف كثبلثة
منصرا.
ن كسبعيف ألفنا كسبعمئة كسبعيف (َٕٕ)ِّٕ.
كيزيد عدد الكتب المؤلفة ألغراض التنصير عف اثنيف كعشريف ألفنا كمئة كتاب في لغات
كليجات متعددة ،كبمغ عدد النشرات كالمجبلت الدكرية المنتظمة ألفيف كمئتيف كسبعيف
(َِٕ )ِ.نشرة كمجمةَّ ،
تكزع منيا مبلييف النسخ بمغات مختمفة ،كيزيد عدد محطات اإلذاعات
التنصيرية عمى ألؼ كتسع مئة إذاعة ،تبث إلى أكثر مف مئة دكلة كبمغاتيا.
كذكرت النشرة أف مجمكع التبرعات التي حصؿ عمييا المنصركف لعاـ كاحد حكالي مئة
ككاحد كخمسيف مميار دكالر أمريكي ،مع العمـ أف ىناؾ إحصائيات لمتبرعات تفكؽ الرقـ
المذككر بكثير.
كال غرابة في ىذا التبايف في األرقاـ ،فذلؾ راجعه إلى نكعية المصادر التي يستأنس بيا
مكردك ىذه اإلحصائيات .كعمى أم حاؿ فاألرقاـ كاإلحصاءات عالية ،كمتغيرة بسرعة عجيبة،
لتطكر ظاىرة التنصير كأساليبو في نشر التنصير بيف الناس بعامة.
نظر ُّ
نا
-311133
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
المطمب الثاني:
الستشراق
الستشراق لغة :لك أرجعنا ىذه الكممة إلى أصميا لكجدناىا مأخكذة مف كممة شرؽ ثـ أضيؼ
إلييا ثبلثة حركؼ ىي األلؼ كالسيف كالتاء ،كمعناىا طمب الشرؽ ،أم طمب عمكـ الشرؽ كآدابو
كلغاتو كأديانو .كلعؿ ىذا التعريؼ المغكم بالنسبة لمغة العربية ،أما في المغات األكركبية فميا
تعريؼ آخر يدؿ عمى أف المقصكد بالشرؽ ليس الشرؽ الجغرافي ،كانما الشرؽ المقترف بمعنى
الشركؽ كالضياء كالنكر كاليداية .كىذا ما أكده األستاذ سيد محمد الشاىد بعد رجكعو إلى المعاجـ
المغكية األكركبية (األلمانية كالفرنسية كاإلنجميزية) ليبحث في كممة شرؽ ORIENTفكجد أنو يشار
إلى منطقة الشرؽ المقصكدة بالدراسات الشرقية بكممة تتميز بطابع معنكم كىك Morgenland
كتعني ببلد الصباح ،كمعركؼ أف الصباح تشرؽ فيو الشمس ،كتدؿ ىذه الكممة عمى تحكؿ مف
المدلكؿ الجغرافي الفمكي ،إلى التركيز عمى معنى الصباح ،الذم يتضمف معنى النكر كاليقظة،
كفي مقابؿ ذلؾ نستخدـ في المغة كممة Abendlandكتعني ببلد المساء لتدؿ عمى الظبلـ
(ُ)
كالراحة».
في البلتينية تعني كممة :Orientيتعمـ أك يبحث عف شيء ما ،كبالفرنسية تعنى كممة
كجو أك ىدل أك أرشد ،كباإلنجميزية Orientationك orientateتعني «تكجيو الحكاس
ٌ Orienter
نحك اتجاه أك عبلقة ما في مجاؿ األخبلؽ أك االجتماع أك الفكر أك األدب نحك اىتمامات
شخصية في المجاؿ الفكرم أك الركحي» .كمف ذلؾ أف السنة األكلى في بعض الجامعات
تسمى السنة اإلعدادية Orientationكفي األلمانية تعني كممة Sich Orientiernيجمع
ٌ
(ِ)
معمكمات (معرفة) عف شيء ما.
اصطالحا:
ً الستشراق
الدراسات التي يقكـ بيا غير المسمميف لعمكـ الشرقييف -خاصة المسمميف -كلغاتيـ
كأديانيـ كتاريخيـ كأكضاعيـ االجتماعية كالثقافية كالسياسية كاالقتصادية
(ُ) االستشراؽ كمنيجية النقد عند المسمميف المعاصريف :السيد محمد الشاىد -االجتياد عدد ِِ ،السنة السادسة ،عاـ
ُُْْىػُْٗٗ -ـ .صُُٗ.ُُِ-
(ِ) المرجع نفسو ،ص ُٕٗ.
-314-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
والمستشرق ىو :مف يشتغؿ بدراسة عمكـ الشرؽ كتاريخو كحضارتو كأكضاعو االجتماعية
كالسياسية كاالقتصادية(ُ).
-315135
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أىداف الستشراق:
البد مف التنكيو أكنال كنحف نتحدث عف أىداؼ المستشرقيف أنو ليس كؿ المستشرقيف رىباف
كقساكسة ،بؿ منيـ المنطمؽ مف عقائده الدينية ،كىـ مف النصارل أك الييكد ،كمنيـ عممانيكف
أك مبلحدة ،كمع اختبلؼ مدارس االستشراؽ ،غير أننا نعتقد جازميف أف ىذه المدارس
المختمفة تخدـ أىدافنا كاحدة ،استعمارية ،كتنصيرية كصييكنية ،لماذا؟
أول :ألف العممانييف مف المستشرقيف لـ يستطيعكا بحاؿ أف يتخمكا عف ميكليـ الكنسية،
ً
رسميا ،كفي أكثر
ن خاصة فيما يتعمؽ بإنتاجيـ العممي حكؿ العالـ اإلسبلمي ،كاف كانكا يعمنكف
مف مجاؿ أنيـ عممانيكف ،يرفضكف التقيد بديف معيف .فيذا ينطبؽ عمى ممارساتيـ في حياتيـ
عمميا تطبيؽ عممانيتيـ عمى إنتاجيـ الفكرم.
الخاصة ،كيصعب عمييـ ن
ثانيا :أف التنصير استفاد مف المستشرقيف الييكد فائدة جميمة كاف تكف فائدة غير مباشرة
ً
كترجع ىذه الفائدة إلى االرتباط الكثيؽ بيف الصييكنية كالييكدية ،كاالرتباط الكثيؽ بيف
الصييكنية ككثير مف رجاؿ الديف المسيحي .كعميو نشأت العبلقة الكثيقة بيف المسيحية
معمنا عنيا .كيكفي أف نعمـ أف زعيـ المنصريف كىك
كالييكدية ،كاف لـ تبد ىذه العبلقة بارزة ن
ييكديا ،كأنو قد استدعى أحد الحاخامات
ن أيضا ػ صمكئيؿ زكيمر ػ كاف في األصؿ
مستشرؽ ن
عند احتضاره .لعمو أراد أف يمقنو صمكات الييكدية عند المكت (ُ).
(ُ) انظر بحث االستشراؽ في خدمة التنصير كالييكدية :د .عمي إبراىيـ نخمة.
-316-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-2التشكيؾ بنبكة النبي ،كالطعف في ركاة الحديث النبكم مف الصحابة كالتابعيف ليصمكا
إلى التشكيؾ في حديث النبي محمد .
-4إثارة الشبيات حكؿ بعض القضايا اإلسبلمية كالميراث كالطبلؽ كتعدد الزكجات كحرية
المرأة.
-5زعميـ أف اإلسبلـ ديف ال ركح فيو ،كليس فيو محبة أك صفاء ،كزعميـ أف اإلسبلـ
يدعك إلى الحيكانية ،كاالستغراؽ في الممذات.
اإلسماعيمية فرقة باطنية ،انتسبت إلى اإلماـ إسماعيؿ بف جعفر الصادؽ ،ظاىرىا التشيع آلؿ البيت ،كحقيقتيا ىدـ (ُ)
عقائد اإلسبلـ ،تشعبت فرقيا كامتدت عبر الزماف حتى كقتنا الحاضر ،كعقيدتيا تخالؼ العقائد اإلسبلمية الصحيحة،
أعضاء ىىا.
ى أف الشيعة االثني عشرية يك ًفٌركف الغمك ،الشديد لدرجة َّ كقد مالت إلى ًٌ
ىي فرقة منشقة عف اإلسماعيمية ،تنتسب إلى حمداف بف األشعث ،كيمقب بقرمط لقصر قامتو كساقيو ،كىك مف (ِ)
خكزستاف في األىكاز ،ثـ رحؿ إلى الككفة .كقد اعتمدت ىذه الحركة التنظيـ السرم العسكرم ،ككاف ظاىرىا التشيع
آلؿ البيت ،كاالنتساب إلى محمد بف إسماعيؿ بف جعفر الصادؽ ،كحقيقتيا اإللحاد ،كاإلباحية كىدـ األخبلؽ،
كالقضاء عمى الدكلة اإلسبلمية.
ىك الحسيف بف منصكر ،ككنيتو ابك مغيثِْْ .ىػ َّٗ-ىػ قتؿ مرتدان؛ قاؿ ابف تيميةَّ " :إنما قىتىميكه ىعمىى ا ٍلحمي ً
كؿ (ّ)
ي ي ى
ض.اء كًالىوه ًفي األ ٍىر ًالسم ً ً ًً
اَّللي .ىكقى ٍكلو :إلىوه في َّ ى ى اإللٍ ىح ًاد ىكقى ٍكلً ًو :أىىنا َّ
الزٍن ىدقى ًة ك ً
ى
ً
ؾ ًم ٍف ىمقىاالت أ ٍ
ىى ًؿ َّ ً ً
ىكاالتّْ ىحاد ىكىن ٍح ًك ىذل ى
كبةه إلىٍي ًو ًفي ّْ
الس ٍح ًر". ب ىم ٍن يس ى ت لىوي مخاريؽ ىكأ ٍىن ىكاعه ًم ٍف ّْ
الس ٍح ًر ىكلىوي يكتي ه بلج ىك ىان ٍ
ىكا ٍل ىح ي
محمد بف عمي بف محمد بف عربي الطائي األندلسي ،كلد عاـ ٖٓٓىػ ،قاؿ ابف تيمية" :ابف عربي صاحب فصكص (ْ)
-317137
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
-2زرع ركح الشؾ في تراث األمة كتاريخ المسمميف كتصكيره عمى أنو مجمكعة مف األحداث
الدمكية كالصراعات مف أجؿ السيطرة كالنفكذ كالماؿ.
ابعا :إضعاف وحدة األمة اإلسالمية:
رً
عف طريؽ :إحياء القكميات ،كالنعرات الجاىمية كالفرعكنية ،كالفنيقية ،كالبربرية(ُ).
وسائل المستشرقين:
اتخذ المستشرقكف عدة كسائؿ لتحقيؽ مآربيـ في النيؿ مف عقيدة األمة كاضعافيا كالسيطرة
عمييا ككاف أىميا:
ُ -تأليؼ الكتب في مكاضيع إسبلمية مختمفة ،كاصدار المكسكعات اإلسبلمية بيدؼ دس
السـ في الدسـ أك العسؿ -كما يقكلكف -كمف أىميا:
-318-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ب -دائرة المعارؼ اإلسبلمية حيث صدرت الطبعة األكلى منيا عاـُُّٗـ كلغاية
ُّٖٗـ.
جػ -المعجـ المفيرس أللفاظ الحديث الشريؼ :قاـ بتأليفو جماعة مف المستشرقيف ليسيؿ
عمييـ الكصكؿ إلى األحاديث بسيكلة.
ِ -إصدار المجبلت الخاصة ببحكث حكؿ اإلسبلـ كالمسمميف ،كنشر المقاالت كالكتابة
في الصحؼ ،كمف ىذه المجبلت:
ب -مجمة عالـ اإلسبلـ ُُِٗـ بطرسبرج -ركسيا كقد تكقفت عف الصدكر.
ّ -إلقاء المحاضرات في الجامعات كالجمعيات العممية حيث تخرج عمى أيدييـ معظـ قادة
تيار التغريب كالعممنة في العالـ اإلسبلمي.
ٓ -إمداد الدكؿ االستعمارية باألفكار كالخطط البلزمة كالخبرات لمسيطرة عمى العالـ
اإلسبلمي.
ٔ -عقد المؤتمرات التي يتبادؿ فييا المستشرقكف الخبرات فيما بينيـ .ككاف منيا :الجمعية
اآلسيكية في باريس ُِِٖـ .كالجمعية الممكية اآلسيكية في بريطانيا كايرلندا ُِّٖـ.
الجمعية الشرقية األمريكية ُِْٖـ.
دكافع االستشراؽ(ُ):
أول :دافع الكنيسة نحك عمكـ الشرؽ ،بسبب ما رأكه مف قكة اإلسبلـ في االنتشار كالتأثير،
ً
كما يقكؿ آصؼ حسيف:
إف رجاؿ الديف النصارل أركا قكة اإلسبلـ كاندفاع كثير مف النصارل لمدخكؿ فيو ،كاستيبلء
-319139
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
اإلسبلـ عمى أراض كانت النصرانية ىي الديف الكحيد فييا حتى أصبح النصارل قمة ،فخاؼ
ىؤالء عمى مكانتيـ ،كمكاسبيـ الدنيكية كالدينية ،مما أجج أحقادىـ ،فكاف البد أف يقفكا في
(ُ)
كجو اإلسبلـ ،حيث إنو ليس في اإلسبلـ طبقة رجاؿ ديف أك أكميركس كما في النصرانية.
أف أكؿ مستشر و
ؽ كاف الراىب األعظـ لركما في كقتو ،كلقد خرج معظـ المستشرقيف كرأينا ٌ
مف الكنيسة.
ثانيا :خركج رجاؿ الديف الييكدم الذيف انضمكا لبلستشراؽ لتحقيؽ ذات األىداؼ التيً
انطمؽ مف أجميا االستشراؽ الكنسي ،كإلنشاء دكلة ييكدية ليـ في فمسطيف.
اىبا%ٕٓ ،
كقد كصؿ عدد المستشرقيف الرىباف إلى مئة كاثنيف كثبلثيف (ُِّ) مستشرقنا ر ن
منيـ عاشكا في القرف العشريف.
جػ -المعرفة باإلسبلـ ككسيمة لحمبلت التنصير التي انطمقت إلى الببلد اإلسبلمية.
(ُ) المسار الفكرم لبلستشراؽ :آصؼ حسيف -ترجمة مازف مطبقاني ،مجمة جامعة اإلماـ محمد بف سعكد اإلسبلمية.
العدد السابع ربيع الثاني ُُّْ ،ص ٔٔٓ .ِٓٗ -
(ِ) المستشرقكف :نجيب العقيقى ،القاىرة -دار المعارؼ ط َُٖٗـ ،جُ.ُِٓ-َُُ/
(ّ) المصدر السابؽ :جّ.ُّٔ-ِْٗ/
-340-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كقد اختمط األمر في كقت مف األكقات بيف المحتؿ كالمستشرؽ ،فقد كاف كثير مف مكظفي
اقتصادا .كقد أصدر ػ عمى سبيؿ المثاؿ ػ
ن يخا كسياسة كاالحتبلؿ عمى دراية بالشرؽ لغة كتار ن
مجمدا بعنكاف :دليؿ الخميج الجغرافي كالتاريخي .ككاف
ن كتابا مف أربعة عشر
مستشرؽ بريطاني ن
مكظؼ الحككمات المحتمة ،ال يحصؿ عمى الكظيفة في إدارة االحتبلؿ ،ما لـ يكف عمى دراية
بالمنطقة التي سيعمؿ بيا (ُ).
كاستمر االرتباط بيف الدراسات العربية اإلسبلمية ،كبيف الحككمات الغربية ،حتى يكمنا،
كمف األدلة عمى ىذا االرتباط ،أف تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية كاألفريقية بجامعة لندف،
يس ىست بناء عمى اقتراح مف أحد النكاب في البرلماف البريطاني.
قد أ ٌ
كبعد انتياء الحرب العالمية الثانية رأت الحككمة البريطانية أف نفكذىا في العالـ اإلسبلمي
بدأ ينحسر فكاف ال بد مف االىتماـ بالدراسات العربية اإلسبلمية فكمفت الحككمة البريطانية
لجنة حككمية برئاسة اإليرؿ سكاربكرك Scarbroughلدراسة أكضاع الدراسات العربية
اإلسبلمية في الجامعات البريطانية .ككضعت المجنة تقريرىا حكؿ ىذه الدراسات كقدمت فيو
مقترحاتيا لتطكير ىذه الدراسات كاستمرارىا.
كفي عاـ ُُٔٗ ـ ككنت الحككمة البريطانية لجنة أخرل برئاسة السير كلياـ ىايتر Sir
William Hayterلدراسة ىذا المجاؿ المعرفي ،كقامت المجنة باستجكاب عدد كبير مف
المتخصصيف في ىذا المجاؿ ،كما زارت أقساـ الدراسات العربية كاإلسبلمية في الجامعات
-343141
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ككانت زيارتيا لمكاليات المتحدة بقصد التعرؼ عمى التطكرات التي أحدثيا األمريكيكف في
ىذا المجاؿ ،ككاف ذلؾ بتمكيف مف مؤسستي رككفممر كفكرد.
كمما يؤكد ارتباط الدراسات العربية اإلسبلمية باألىداؼ السياسية االحتبللية -رغـ
عددا مف المراكز لمدراسات العربية
مكلت ن
انحسار االحتبلؿ العسكرم -أف الحككمة األمريكية ٌ
كامبل أك
ن تمكيبل
ن اإلسبلمية في العديد مف الجامعات األمريكية ،كما زالت تمكؿ بعضيا إما
تمكيبل جز نئيا كفقا لمدل ارتباط الدراسة بأىداؼ الحككمة األمريكية كسياستيا(ُ).
ن
كما يستضيؼ الككنجرس كبخاصة لجنة الشؤكف الخارجية أساتذة الجامعات كالباحثيف
المتخصصيف في الدراسات العربية اإلسبلمية لتقديـ نتائج بحكثيـ كالقاء محاضرات عمى
محدكدا لفائدة رجاؿ
ن نشر
أعضاء المجنة ،كما ينشر الككنجرس ىذه المحاضرات كاالستجكابات نا
السياسة األمريكييف (ِ).
كمف ناحية أخرل كاف لرجاؿ االستشراؽ دكر كبير في النفاذ إلى عقكؿ األمة كقمكبيا،
ليفسدكا عمييـ دينيـ ،كيضعفكا مقاكمتيـ لممحتؿ ،بتسميـ األفكار ،كترسيخ مفاىيـ جاىمية ال
تمت إلى اإلسبلـ بصمة ،كاضعاؼ ركابط األخكة كالكحدة بيف أبناء األمة الكاحدة ،فاستبدؿ
المسممكف رابطة اإلسبلـ برابطة القكمية ،كمف بعد القكمية طمبكا العزة بالفرعكنية كالفينيقية
كالكنعانية كاألشكرية كالبابمية كالبربرية...الخ مف دعكات الجاىمية التي فرقت األمة ،كأضعفت
ركح الجياد.
صاحب ىذا التخطيط نجاح الييكد كالنصارل في إسقاط الخبلفة اإلسبلمية العثمانية ،التي
رمز لكحدة المسمميف ،فانفرط العقد ككانت النتيجة سقكط ببلد
كانت -رغـ ضعفيا -نا
المسمميف الكاحدة تمك األخرل بيد المستعمر.
(ُ) انظر :الدراسات العربية اإلسبلمية في جامعات أمريكيا الشمالية ،إعداد المجنة المنبثقة عف مؤتمر الشباب المسمـ
المنعقد في طرابمس عاـ ُّٕٗـ ،كتـ تحديثيا عاـ ُٕٓٗـ ،كنشرت في مدينة سيدر رابدز ،بكالية أيكا األمريكية،
كقاـ بترجمتيا مازف مطبقاني ،كراجع الترجمة الدكتكر عمي النممة.
(ِ) مف األمثمة عمى ذلؾ محاضر جمسات الككنجرس في صيؼ عاـ ُٖٓٗ الذم بمغت صفحاتيا اثنتيف كأربعيف
كأربعمائة صفحة .كقد قاـ الدكتكر أحمد خضر إبراىيـ بترجمة أجزاء منيا ،كنشرىا في مجمة المجتمع الككيتية قبيؿ
احتبلؿ العراؽ الككيت.
-341-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
جيبل مف
بعد زكاؿ االحتبلؿ العسكرم ،كاف االستعمار بفضؿ المستشرقيف قد أعدكا ن
تبلمذتو الذيف تسممكا مقاليد الببلد ،فساركا بيا عمى طريؽ التغريب ،متأثريف بالثقافة التي تربكا
عمييا في جامعات السربكف كاكسفكرد كاألمريكية ...كما حرص المستعمر عمى أف يزكد
سفاراتو في ىذه الدكؿ بالخبراء مف المستشرقيف ،ككذلؾ في ك ازرات الخارجية ،بيدؼ اإلشراؼ
عمى مصالحو.
مع نيضة أكركبا العممية كالصناعية التي جعمتيا بحاجة إلى المكاد الخاـ لتغذية مصانعيا،
كبحاجة كذلؾ إلى أسكاؽ تجارية لتصريؼ بضائعيـ.
األمر الذم جعميـ يتعرفكا إلى الببلد التي تمتمؾ الثركات الطبيعية ،كيمكف أف تككف أسكاقنا
مفتكحة لمنتجاتيـ .فكاف الشرؽ اإلسبلمي ،كالدكؿ األفريقية ،كاآلسيكية ،ىي ىذه الببلد،
فنشطكا في استكشافاتيـ الجغرافية كدراساتيـ االجتماعية كالمغكية كالثقافية كغيرىا ،إلى أف
ذىب البعض لمقكؿ :أف اليدؼ االقتصادم كاف أساس االستشراؽ(ُ).
كمف ىنا جاء حرص المستعمر عمى االنتفاع بجيكد المستشرقيف في إحكاـ قبضتو عمى
الببلد اإلسبلمية ،كقد كانكا ساعده األيمف ،كالعقؿ المدبر في استغبلؿ ثركات الببلد
المستعمرة ،كنيب خيراتيا بأبخس األثماف.
لقد عمؿ المستشرقكف في قيادة مؤسسات الغرب المالية العاممة في الببلد اإلسبلمية .كما
كثير منيـ تياكف المسمميف بمكتباتيـ العامة التي امتؤلت بالمخطكطات فسرقكا عشرات
استغؿ ه
اآلالؼ منيا ،كأرسمكىا إلى ببلدىـ ،فزخرت مكتبات ،كمتاحؼ بريطانيا ،كفرنسا كألمانيا،
كايطاليا بيا .كما تزاؿ مصانعيـ تنتج أكثر مف حاجة أسكاقيـ المحمية ،كما زالكا بحاجة إلى
(ِ)
كلذلؾ فإف بعض أشير البنكؾ الغربية (لكيد كبنؾ المكاد الخاـ المتكفرة في العالـ اإلسبلمي
كلكنيا في حقيقتيا دراسات
سكيسرا) تصدر تقارير شيرية ىي في ظاىرىا تقارير اقتصاديةٌ ،
استشراقية متكاممة ،حيث يقدـ التقرير دراسة عف األحكاؿ الدينية ،كاالجتماعية ،كالسياسية،
(ُ) التبشير كاالستعمار في الببلد العربية :مصطفى خالدم كعمر فركخ ،بيركت -منشكرات المكتبة العصريةُِٖٗ ،
ص ُٖٔ.ٔٗ-
(ِ) فمسفة االستشراؽ كأثرىا في األدب العربي :أحمد سمايمكفيتش .القاىرة ص ْٔ.
-341143
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كالثقافية ،لمببلد العربية اإلسبلمية ،ليتعرؼ أرباب االقتصاد كالسياسة عمى الكيفية التي
يتعاممكف بيا مع العالـ اإلسبلمي .كمف الطريؼ أف شركة الخطكط اليكلندية تقدـ لكبار
مكظفييا الذيف يتفاكضكف مع الشركات العربية اإلسبلمية ،دراسات مف ىذا النكع حتى يتعرفكا
إلى العقميات التي يتفاكضكف معيا ،كالى خمفياتيـ االجتماعية كالدينية كالثقافية.
خاليا
محضا ن
ن عمميا
طمبا نكمف ناحية أخرل ،فقد كجدنا مف المستشرقيف طمب عمكـ الشرؽ ،ن
الديف اإلسبلمي كالمغةى العربية كالحضارةى
ى عف أم اعتبار آخر ،كمف ىؤالء ىم ٍف ٍأنصؼ
اإلسبلمية بشكؿ عاـ.
بؿ كاف منيـ ىم ٍف لـ يممؾ أماـ عظمة ىذا الديف كحضارتو اإلسبلمية ،إال أف يعمف
إسبلمو ،كالكثير منيـ فضح أغراض المستشرقيف ،كبيف كسائميـ كالنقائص التي تعترم
مناىجيـ في أبحاثيـ العممية .مف ىؤالء :ىاردياف ريبلند ،يكىاف رايسكة ،تكماس أرنكلد ،إتييف
دينيو .ىذا في كقت كانت السمة الغالبة لممستشرقيف التعصب كالحقد ،األمر الذم دعاىـ إلى
تشكييو ،كالتعامي عف حقائقو(ُ).
(ُ) راجع اإلسبلـ كالحضارة الغربية صَُٕ َُٗ-الفكر اإلسبلمي الحديث صّْ ،ِْٓ-ِّْ ،أجنحة المكر الثبلث
صُٗ ،ْٗ-عقائد كتيارات فكرية ص ُٖٓ ،ُِٔ-المكسكعة الميسرة صّٕ ،ّٔ-دراسة في السيرة ص َُ-
ُُ.
-344-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كقد نشط االستشراؽ في ىذا المجاؿ أيما نشاط .فأسس المعاىد العممية كالتنصيرية في
أنحاء العالـ اإلسبلمي كسعى إلى نشر ثقافتو كفكره مف خبلؿ ىؤالء التبلميذ .كقد ف ٌكر نابميكف
في ذلؾ حينما طمب مف خميفتو عمى مصر أف يبعث إليو بخمسمائة مف المشايخ ،كرؤساء
القبائؿ ،ليعيشكا فترة مف الزمف في فرنسا« ،يشاىدكف في أثنائيا عظمة األمة (الفرنسية)
كلما يعكدكف إلى مصر ،يككف لنا منيـ حزب يضـ إليو غيرىـ
كيعتادكف عمى تقاليدنا كلغتناٌ ،
لما جاء «محمد عمي» أرسؿ بعثة مف أبناء مصر النابييف
» .كلـ يتـ لنابميكف ذلؾ ،كلكف ٌ
يقكدىـ رفاعة رافع الطيطاكم ،كقد قاؿ محمكد شاكرَّ « :
إف ىؤالء يككنكف أشد استجابة لمغة
فرنسا كتقاليدىا ،فإذا عادكا إلى مصر كانكا حزنبا لفرنسا ،كعمى مر األياـ يكبركف ،كيتكلكف
تأثير في بناء جماىير كثيرة تبث األفكار التي
المناصب صغيرىا ،ككبيرىا ،كيككف أثرىـ أشد نا
يتمقكنيا في صميـ شعب دار اإلسبلـ في مصر.)ُ(»..
كقد حرص الغرب عمى الغزك الثقافي مف خبلؿ التغريب الفكرم بعدة طرؽ ذكرىا السيد
محمد الشاىد فيما يأتي:
كفي مجاؿ اإلعبلـ :تي ٍستىغؿ كؿ كسائؿ اإلعبلـ المتاحة كخاصة أفبلـ السينما كالتمفاز،
كتأثير غير مباشر"(ِ).
كظير اليدؼ الثقافي مف خبلؿ الدعكة إلى العامية كالى محاربة الفصحى كالحداثة في
األدب كالفكر حيث نادل البعض بتحطيـ المكركثات ،كمحاربة المغة ،كغير ذلؾ مف الدعكات.
كقد بمغ مف ثقتيـ بأنفسيـ في ىذا المجاؿ أف كتب أحدىـ يتكقع أف ال يمر كقت طكيؿ حتى
تستبدؿ مصر بالمغة العربية ،المغة الفرنسية ،كما فعمت دكؿ شماؿ أفريقيا.
أثر المستشرقين في األمة:
(ُ) رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا :محمكد شاكر .جدة :دار المدني َُْٕىػُٖٕٗ ،ـ صَُُُْٖ ،
(ِ) رحمة الفكر اإلسبلمي :مف التأثر إلى التأزـ .بيركتُُْْ ،ىػ ُْٗٗـ ،ص ُُٖ.
-345145
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كالثقافية ،كاالجتماعية ،كالسياسية ...يمكف أف نجمؿ أىـ ىذه اآلثار في النقاط التالية:
-1في مجاؿ العقيدة ظير تيار مف المفكريف كالعمماء كالسياسييف ،كمف عكاـ الناس الذيف
نادكا بفصؿ الديف عف الحياة ،أك ما يطمؽ عميو العممانية.
-2في مجاؿ الحياة االجتماعية ،خمؽ تغيرات اجتماعية كبيرة في الببلد ،التي كقعت تحت
االحتبلؿ الغربي
-3تعميؽ النزاعات بيف أبناء الببلد اإلسبلمية بتشجيع النزعات االنفصالية ،كما حدث في
أيضا بتقسيـ الشعب المغربي إلى عرب كبربر ،كالتركيز عمى فرنسة
ن المغرب العربي
البربر...الخ
-4تشكيو مكانة المرأة في اإلسبلـ ،كنشر المزاعـ عف اضطياد اإلسبلـ لممرأة ،كشجع
الدعكات إلى التحرير المزعكـ لممرأة ،التي ظيرت في كتابات قاسـ أميف ،كالطاىر الحداد،
كنكاؿ السعداكم ،كىدل الشعراكم كغيرىـ.
-5في المجاؿ السياسي :انتقص الغرب النظاـ السياسي اإلسبلمي .كبإيحاء منو ظيرت
كتب كثيرة عف نظاـ الخبلفة اإلسبلمي ،افتركا مف خبلليا عمى الخمفاء الراشديف فزعمكا أف
كصكؿ الصديؽ ،كعمر بف الخطاب رضي هللا عنيما إلى الخبلفة كاف نتيجة لمؤامرة بيف
االثنيف .ككتب مستشرقكف آخركف زاعميف أف النظاـ السياسي اإلسبلمي نظاـ قائـ عمى
االستبداد ،كفرض الخضكع كالمذلة ،عمى الشعكب اإلسبلمية .بؿ بالغ بعضيـ فشبو النظاـ
السياسي اإلسبلمي ،بالنظاـ الشيكعي في استبداده كطغيانو .بؿ منيـ مف أنكر النظاـ السياسي
في اإلسبلـ برمتو.
-6ظير الدعاة إلى تطبيؽ النظـ الغربية بحذافيرىا فنادكا بالديمقراطية ،أك االشتراكية.
-1في المجاؿ الثقافي :أصبحت المصادر الغربية تدخؿ في التككيف الفكرم كالثقافي ليذه
األمة سكاء أكاف في نظرتيا لكتاب ربيا سبحانو كتعالى ،كلسنة نبييا ،كلمعمكـ الشرعية
-346-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
بشكؿ عاـ.
أك -9أثر الفكر الغربي في المجاالت الفكرية األخرل كالتاريخ أك عمـ االجتماع
عمـ النفس أك عمـ اإلنساف أك غيره مف العمكـ .كقد كاف ليـ ذلؾ بكاسطة تغريب فكر مف
استقبمكه مف أبناء المسمميف في ديارىـ ثـ صنعكا منيـ قيادات فيذا عميد األدب كذاؾ أستاذ
الجيؿ ،..كبالمدارس كالصحؼ كالمجبلت ،التي أنشؤكىا في ببلد المسمميف.
-10أدخمكا إلى حياة الشعكب العربية اإلسبلمية فنكف الميك غير المباح مف مراقص كغناء،
كغير ذلؾ عبر المسارح كالسينما كالفضائيات...
تنكعت مناىج المستشرقيف بتنكع مدارسيـ ،كالعصر الذم كتبكا فيو ،ففي بدايات االستشراؽ
الذم كاف منطمقنا مف البكاعث الدينية التعصبية ،كاف المنيج السائد ىك المنيج القائـ عمى
الجدؿ كالتعصب كالحقد يقكؿ المستشرؽ النمساكم «محمد أسد» المسمـ« :إف كره األكربييف
نحك اإلسبلـ كره عميؽ الجذكر ،يقكـ في األكثر عمى التعصب الشديد»..
كقد انتقد الغربيكف أنفسيـ ىذا المنيج كمف ىؤالء نكرماف دانياؿ كريتشارد سكذرف .كلعؿ
ىذه الركح العصبية الحاقدة استمرت مع عدد مف المستشرقيف حتى الكقت الحاضر فكاف مف
ىؤالء عمى سبيؿ المثاؿ مرجميكت كالمانس كبرنارد لكيس.
كىناؾ مف المستشرقيف مف تظاىر بالمكضكعية كلكنو كاف يخفي تحت ستار المكضكعية
الزائفة مناىج بعيدة كؿ البعد عف المكضكعية .فمف أىـ شركط المكضكعية احتراـ مسممات
الديف اإلسبلمي كثكابتو ،كعدـ استخداـ منيج اإلسقاط في دراسة الديف اإلسبلمي.
(ُ) انظر :محمد خميفة حسف .آثار الفكر االستشراقي في المجتمعات اإلسبلمية .ص ٕٖ .ََُ -
-347147
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كما ظير في الغرب النزعة المادية كبخاصة في الدكؿ الشيكعية ػ كقد تأثر بعض الباحثيف
يخا كعقيدة كشريعة كفؽ المنيج المادم
في العالـ الرأسمالي بيا ػ فحاكلكا تفسير اإلسبلـ تار ن
عددا مف
الماركسي .كعند الحديث عف مناىج المستشرقيف فإننا ال بد أف ندرؾ كذلؾ أف ن
جدا بينيـ.
المستشرقيف كانكا قريبيف مف المكضكعية ،كاف كاف ىؤالء قمة قميمة ن
أىم سمات المنيج الستشراقي المتعصب:
-2كضع األفكار المسبقة في الذىف ،ثـ تصيد األدلة ليا ،كاف كانت كاىية أك مكذكبة
إلثبات صحة ما ذىبكا إليو ،مع إغفاؿ األدلة الصحيحة التي تعارض أفكارىـ .كعمى سبيؿ
المثاؿ :ىؿ يصح اعتماد أدلة يكردىا األصفياني في كتابو األغاني ،أك الدميرم في كتابو
عمميا ػ الرككف إلى مثؿ
ن الحيكاف بشكؿ أساسي في البحث العممي؟!! مع العمـ أنو ال يصح ػ
ىذه الكتب كمصدر أساسي أك فرعي في قضايا تتعمؽ بالقرآف الكريـ أك الحديث الشريؼ!!
-3تفسير كتحميؿ الكقائع بناء عمى الخياؿ ،كليس عمى حقائؽ الكاقع.
-4البحث عف نقاط الضعؼ كاألخطاء في تاريخ المسمميف ،كمحاكلة تضخيميا ،مع تعمد
طمس الكثير مف الصفحات المشرقة(ُ).
التبشير كاالستشراؽ كبلىما مف أىـ دعامات الغزك الفكرم ،ككبلىما يحمؿ نفس األىداؼ
مع االختبلؼ في الطريقة:
فقد لبس االستشراؽ مسكح العمـ ،كادعى أنو يسمؾ طريقة البحث العممي ،فكاف كسيمتو
الكتاب كالمحاضرة كالمقاؿ كالبحث ككراسي التدريس في الجامعة.
-348-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أما التبشير فقد سمؾ طريؽ بث السمكـ عبر الركضة كالمدرسة كحتى الجامعة ،كلبس
مسكح الخير كمساعدة الناس في المستشفيات كدكر األيتاـ ،كالنكادم كتدريب الميف ،كمف
خبلؿ المقالة كالنشرة كالكتاب في زرع بذكر الشؾ ،كقمب الحقائؽ كتزيينيا(ُ).
مدارس المستشرقين:
بالنظر إلى جيكد المستشرقيف مف حيث طبيعة االنتاج العممي ،يمكننا أف نقسميـ إلى
فئتيف:
-1فئة تستحؽ التقدير كاالحتراـ لما ليا مف المآثر في نشر العمـ كالثقافة كتسييؿ الكصكؿ
إلى مؤلفات كأعماؿ كدراسات بادركا إلى تحقيقيا كدرسيا كفيرستيا كنشرىا .كىذه الفئة ىي التي
كانت ذات أىداؼ عممية نزيية ػ كما سبؽ الحديث عنيـ.
قصدا
ن -2كفئة أخرل ػ كمعظميـ مف الييكد ،أك ممف يتعاطؼ معيـ ػ درسكا اإلسبلـ كعمكمو
إلى محاربتو ،كانكار أصالتو ،كأىميتو ،كأثره في تفكير المؤلفيف األكربييف ،كفي المنجزات
الفكرية الحضارية.
الثالثة :فئة المؤمنيف المتعصبيف لعقيدتيـ عمى حساب اإلسبلـ كأىمة ،كمنيـ دعاة
كتركيجا لبضاعتيـ
ن التنصير ،الذيف يتخذكف مف تشكيو اإلسبلـ ،صناعة ليـ،
الرابعة :فئة الصياينة كىي أخطر الفئات عمى اإلطبلؽ لما يتكافر ليا مف اإلمكانات
المادية ،كالكسائؿ الدعائية كاإلعبلمية ،كدكر النشر كغيرىا.
(ُ) راجع الفكر اإلسبلمي الحديث صُْٕ ،ِِْ-عقائد كتيارات صُٖٔ ،ُِٗ-قكل الشر المتحالفة صْٖ،ْٗ-
أساليب الغزك الفكرم صِِ.ِْ-
-349149
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أيضا.
كالمستشرقكف مف حيث اىتماماتيـ العممية فئات ن
فئة عنيت بالقرآف الكريـ كعمكمو ،كفئة اىتمت بسيرة الرسكؿ ،كبالسنة ،كالحديث
الشريؼ ،كفئة ركزت عمى الفرؽ اإلسبلمية ،كفئة اىتمت بالفتكح اإلسبلمية ،كعمى الكالة
كاألمراء كحكاـ األمصار كالخمفاء في الدكلة اإلسبلمية كالتاريخ اإلسبلمي بشكؿ عاـ ،كفئة
درست الحضارة اإلسبلمية كماليا مف تأثير كما عمييا مف تأثر ،كفئة تخصصت في اآلداب
العربية ،كاىتمت بالفف اإلسبلمي ،كأخرل اتجيت إلى سائر العمكـ عند المسمميف ،كيدخؿ
الييكد المستشرقكف في ىذه الفئات جميعيا محاكليف عدـ التميز عف غيرىـ مف المستشرقيف،
بؿ ربما تعمدكا إخفاء الخمفية العرقية التي يعكدكف إلييا كاكتفكا بأنيـ مستشرقكف إنجميز أك
فرنسيكف أك ألماف أك ىكلنديكف أك أمريكيكف ..إلخ كىكذا لـ يرد الييكد أف يعممكا داخؿ الحركة
ييكدا حتى ال يعزلكا أنفسيـ ،كبالتالي يقؿ تأثيرىـ ...كبذلؾ
االستشراقية بكصفيـ مستشرقيف ن
كسبكا مرتيف:
أول :فرض أنفسيـ عمى الحركة االستشراقية كميا.
ً
ثانيا :تحقيؽ أىدافيـ في النيؿ مف اإلسبلـ ،كىي أىداؼ تمتقي مع أىداؼ غالبية
ً
المستشرقيف النصارل.
ميما في بذؿ الجيد سبؽ الحديث عف االستشراؽ ،كأف الييكد كانكا كما زالكا جزنءا ن
االستشراقي لغايات كثيرة ،نستطيع أف نقكؿ إف الباحثيف الييكد منذ بدايات االستشراؽ لـ يقفكا
متفرجيف بؿ كاف ليـ دكر بارز في تكجيو الدراساتً ،ك ٍجيىة تخدـ أغراضيـ.
لذا رأينا أف نفرد الحديث عف االستشراؽ الييكدم كاإلسرائيمي ،أىـ مؤسساتو ،كأشير ركاده
منيـ.
أكنال :أىداؼ دينية :إضعاؼ اإلسبلـ ،كتشكيو صكرتو ،كالتشكيؾ في قيمو كسماحتو
كانسانيتو ،عف طريؽ إثبات فضؿ الييكدية عميو ،كالزعـ باف الييكدية ىي مصدر اإلسبلـ
األكؿ ،كلشدة خطكرة الدكر الييكدم في تشكيو اإلسبلـ كالحضارة اإلسبلمية ،كالتراث
-350-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كبير
اإلسبلمي ،كتقديمو لمغرب عمى ىذا النحك ،مع شدة تكرارىـ ليذه األكاذيب أصبح جزنءا نا
منو حقائؽ مسمـ بيا في المجتمع الغربي.
ثانيا :أىداؼ تاريخية :يتطمع الييكد إلى العكدة إلى خيبر ،كالمدينة المنكرة عف طريؽ
ن
القدس كالجميؿ .فعندما سقطت القدس في أيدم الييكد سنة ُّٕٖى ػُٕٔٗـ دخميا كزير
أف أدل صبلة الشكر الدفاع ػآنذاؾ «مكشي داياف» مع الحاخاـ األكبر (شمكمك غكريف) ،كبعد ٍ
عند حائط البراؽ الشريؼ ،قاؿ« :اليكـ فتحت الطريؽ إلى بابؿ كيثرب» كتقكؿ رئيسة الكزراء
السابقة «غكلدا ماثير» كفي «إيبلت»( :إني أشـ رائحة أجدادم في خيبر) .كيقكؿ (ىرتزكغ)
المرأة مسممة ضيؽ عمييا الييكد الخناؽ ،حتى دىمكا دارىا بالجرافات ،فآثرت الرحيؿ إلى
المممكة العربية السعكدية حيث أبناؤىا( :إذا ر ً
أيت الممؾ فيصؿ ػ رحمو هللا ،فقكلي لو إننا
أمبلكا عنده ،إف جدنا إبراىيـ ىك الذم بنى الكعبة ،إنيا ممكنا
ن قادمكف إليو ،فإف لنا
كسنسترجعيا بالتأكيد)(ُ).
ثالثنا :أىداؼ سياسية كاقتصادية :المعركؼ عند الباحثيف كالمحققيف أف الييكد يدسكف
دائما في جميع الحركات الدينية كالسياسية:
أنكفيـ ن
لتحقيؽ المصالح االقتصادية مف ناحية .كظيكر الحركة الصييكنية ،كالتبشير بيا في القرف
التاسع عشر مف ناحية أخرل.
جدا بشأف المسألة الفمسطينية، ابعا :فمسطيف :دخؿ االستشراؽ الييكدم مرحمة خطيرة ن رن
التي كانت مكضع اىتماـ المستشرقيف األكربييف ،بسبب ارتباطيـ بكتاب العيد القديـ التك ارة.
كبير لمحركة الصييكنية ،حيث كفرت ليا كؿ
نا عكنا
ن كقد كانت ىذه الدراسات األكربية
المعمكمات البلزمة لتسييؿ ميمة االستيطاف الييكدم في فمسطيف.
جدا صندكؽ استكشاؼ فمسطيف عاـ ُٖٓٔـ ،التي تعد مف أبرز كمما استفادكا منو ن
الدراسات االستشراقية ،التي ميدت الطريؽ لتحقيؽ ىدؼ الصييكنية األكؿ في فمسطيف.
كقد كاف مكضكع استكشاؼ فمسطيف ،يرتبط بمكضكع الحفريات األثرية ،كدراسة عادات
(ُ) إسماعيؿ الكيبلني .لماذا يزيفكف التاريخ كيعبثكف بالحقائؽ؟! بيركت :المكتب اإلسبلميَُْٕ ،ىػُٖٕٗ -ـ،
صُّ.
-353151
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كتقاليد سكانيا ،باإلضافة إلي الدراسات الجيكلكجية ،كالطبكغرافية لفمسطيف .كفي ىذا يقكؿ
الكاتب الصييكني نكرماف بنتكتيش« :كانت المشاريع الرئيسة الصييكنية تحت الحكـ
البريطاني تتأسس عمى شكؿ شركات بريطانية ،فتش ٌكمت سكة حديد كادم الفرات ،لتصؿ بيف
حيفا كبغداد ،كلكنيا فشمت ،ثـ تشكمت شركة حديد حيفا ػ دمشؽ ،كفشمت ىي األخرل ،كفي
تأسس صندكؽ االستكشافات الفمسطينية ،كقاـ ضابط سبلح اليندسة في الجيش
عاـ ُٖٓٔـ ٌ
مثاال لتكامؿ
البريطاني بحفريات استشكافية كرسـ خارطة لمببلد ،كىذا النشاط المزدكج كاف ن
المصالح التكارتية كالسياسية»(ُ).
-1جكلد زيير(ِ) :تميز ىذا المستشرؽ باإلنتاج الغزير إذ تشير المصادر إلى أنو كتب
كحقؽ ِٗٓ بحثنا مختمفنا ،كالكثير منيا يتعمؽ بالفرؽ اإلسبلمية ،كجزء آخر حكؿ الحديث
النبكم .كيعتبر الباحثكف جكلد زيير أكؿ مف قاـ بعممية تشكيؾ في الحديث النبكم كقد أثنت
كثيرا.
عميو األكساط االستشراقية ن
جاء في دائرة المعارؼ اإلسبلمية ما يمي :كقد كاف تأثير جكلد زيير عمي مسار الدراسات
تحديدا
ن اإلسبلمية االستشراقية ،أعظـ مما كاف ألم مف معاصريو مف المستشرقيف ،فقد حدد
اتجاه ،كتطكر البحث في ىذه الدراسات.
-2برنارد لكيس(ّ) :لو دراسات مشتركة مع مستشرقيف مف إسرائيؿ ،ركز في دراساتو عمى
عمكما كعمى تاريخ اإلسماعيمية بخاصة ،كيتابع النشاط اإلسبلمي في أكركبا كأمريكا. ن التاريخ
ال يتكرع عف التأكيد عمى صييكنيتو كاعبلنيا ،إذ ٌإنو بعد انتقالو مف بريطانيا إلي أمريكا كشؼ
تماما عف أعماقو ،فقد أعمف أف اإلسبلـ كحضارتو لـ يعكدا حاضرتيف عنده ،غير مكاقؼ ن
اليميف كاليسار اإلسبلمية مف الكياف الصييكني في فمسطيف ،كالمصالح األمريكية في العالـ
اإلسبلمي.
-351-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
(ُ)
اشتير بمغتو العربية كالتاريخ اإلسبلمي كاألدب العربي كدرسيا في -3كارؿ برككمماف
جامعات شتى .كاشتياره باألدب العربي لـ يقتصر عمى المفيكـ الشائع لؤلدب العربي ،بؿ إف
مؤلفاتو تشير إلى اضطبلعو بإسيامات المسمميف في شتى مجاالت المعرفة ،التي برزت في
كتابو :تاريخ األدب العربي .ككتابو :تاريخ الشعكب اإلسبلمية .كآثاره غير يسيرة كترجـ
لمجمكعة كبيرة مف أعبلـ المسمميف في دائرة المعارؼ اإلسبلمية
(ِ)
اىتـ بالتصكؼ ككتب عنو بدائرة المعارؼ اإلسبلمية .لو مف اآلثار ما -4لكل ماسينيكف
يربك عمى ستمائة كخمسيف بيف مصنؼ كمحقؽ كمترجـ كمقالة كمحاضرة كتقرير كنقد .لو أياد
بيضاء عمى الحركة االستعمارية في العالـ العربي.
الستشراق اإلسرائيمي:
مظاىر االىتماـ اإلسرائيمي بالشرؽ العربي كاإلسبلمي متعددة ،تنعكس جكانب ىذا
االىتماـ في الدعـ المادم كالمعنكم الكبير لممستشرقيف.
كيتمثؿ ذلؾ بتسييؿ ميمة ىؤالء المستشرقيف كالباحثيف في الحصكؿ عمي كثائؽ ،كتكفير
فرص العمؿ لمباحثيف في ىذا المجاؿ.
-351153
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
1ـ الجامعة العبرية :أنشئت ىذه الجامعة بمبادرة مف عالـ الرياضيات الييكدم «تسغي
ىرماف شابي ار» عاـ ُِٖٖـ ،حيث أعاد طرح فكرتيا ،أماـ المؤتمر الصييكني األكؿ عاـ
فعميا في ذلؾ المؤتمر ،كىك المؤتمر الصييكني الحادم عشر الذم
ُٕٖٗـ ،كتقرر إنشاؤىا ن
عقد في فينا عاـ ُُّٗـ .كتضـ الجامعة مكتبة ضخمة ،تضـ أكثر مف مميكف مجمد.
كتضـ ىذه الجامعة العديد مف المراكز البحثية االستشراقية مف أىميا:
أ ػ مؤسسة األبحاث الشرقية :أنشئت في الجامعة العبرية عاـ ُِٔٗـ ،حيث كانت
الدراسات العربية أىـ مكاد الدراسة فييا ثـ أضيفت الي ىذه الدراسات الحضارة اإلسبلمية،
كالديف ،كالفمسفة ،كالفف ،كاآلثار ،كالتاريخ اإلسبلمي ،كالعربي.
ب ػ معيد بف تسفي لمدراسات الييكدية :ييتـ ىذا المعيد بالشؤكف الثقافية الييكدية كمف
ضمنيا الييكد الذيف عاشكا في الببلد العربية ،كمدل إسياماتيـ خبلؿ القركف الماضية .كقد
صدرت عف ىذا المعيد مؤلفات كثيرة تيتـ بالشرؽ.
جػ ػ معيد تركماف لدراسات الكفاؽ كالسبلـ :تأسس ىذا المعيد في الجامعة العبرية سنة
ُٕٔٗـ ،كيحمؿ اسـ الرئيس األمريكي األسبؽ ىارم تركماف تقدي ار لجيكده في خدمة
الصييكنية كاسرائيؿ .كيضـ ىذا المعيد عدة كحدات متخصصة ،أبرزىا كحدة الشرؽ األكسط،
كتركز ىذه الكحدة عمي دراسة ما يخدـ إسرائيؿ ،في صراعيا مع العرب.
د ػ مؤسسة أبحاث الشرؽ األكسط :كتعني ىذه المؤسسة بنشر دراسات كأبحاث المستشرقيف
اإلسرائيمييف في الشؤكف اإلسبلمية كالعربية المختمفة.
2ـ جامعة تل أبيب :تأسست ىذا الجامعة عاـ ُٔٓٗـ كتضـ العديد مف الكميات التي
تشمؿ تخصصات مختمفة ،أبرزىا كمية اإلنسانيات كفييا ِِ دائرة دراسية .كتضـ جامعة تؿ
أبيب مؤسسات عديدة تعني بالشؤكف العربية اإلسبلمية كمف أىميا:
-354-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أسس ىذا المعيد أحد المستشرقيف مف رجاؿ المخابرات اإلسرائيمية كىك «رئكبيف شيمكاح»
كأسيـ في تأسيسو كذلؾ إسحاؽ أكركف أحد كبار ضباط الجيش اإلسرائيمي .كييتـ ىذا المعيد
بإجراء الدراسات حكؿ الشرؽ األكسط بعامة ،كالدكؿ العربية بشكؿ خاص ،كيضـ دكائر
خاصة في كؿ مف مصر كسكرية كالعراؽ كالسكداف كايراف.
تأسس ىذا المعيد عاـ ُٕٕٗـ كيخدـ بالدرجة األكلى المؤسسة الحاكمة ،حيث يقكـ
بإعداد الدراسات المتعمقة بالمشاكؿ األمنية لمدكؿ األخرل ،كيسيـ في إدارتو رجاؿ األمف
اإلسرائيمي ،كاالستخبارات العسكرية ،كمف أبرز نشاطات تمؾ األبحاث الخاصة بجيكش الشرؽ
األكسط كاتجاىات الرأم العاـ في دكؿ المنطقة.
كقسما كتتبعيا
ن رسميا عاـ ُْٔٗـ كتضـ أكثر مف عشريف كمية
ن 3ـ جامعة حيفا :افتتحت
عدة معاىد ذات طابع استشراقي كمف أبرزىا:
كي ضـ ىذا المعيد عدة أقساـ تعني بالشرؽ األكسط مف الجكانب االقتصادية كالسياسية
كالتاريخية ،كمف أىـ أقسامو المركز الييكدم -العربي .كلو منشكرات عديدة حكؿ المعتقدات
كالعادات العربية كاإلسبلمية كيقكـ ىذا المركز بإصدار مجمة «الكرمؿ ،كىي مجمة ثقافية
باإلضافة إلى الدكريات كالنشرات.
أقيـ ىذا المعيد في مستكطنة كتسريف بالجكالف المحتمة ،كيقكـ ىذا المعيد بأبحاث متعددة
في مجاالت العمكـ الزراعية كاالجتماعية كغيرىا .تيدؼ تقديـ كؿ سبؿ الدعـ الستيطاف
الجكالف .كتفيد التقارير المنشكرة حكؿ ىذا المعيد أف نطاؽ عممو يتعدم األبحاث االستشراقية
كاالقتصادية ،حيث يسيـ إلى حد كبير في المكضكعات المتعمقة بتقكية االتجاه اإلسرائيمي في
الصراع مع العرب ،بيدؼ االحتفاظ بالجكالف المحتمة.
4ـ جامعة بار إيالن ،كما تضمو مف مراكز كمعاىد ذات طابع استشراقي.
-355155
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
المركز األكاديمي اإلسرائيمي بالقاىرة كالذم أنشئ عاـُِٖٗـ .كأشرؼ عميو مشاىير
المستشرقيف اإلسرائيمييف مثؿ :شمعكف شامير كجبرائيؿ كأربكرج كأشر عكفديا كيكسؼ جينات.
كىذا المعيد يمارس نشاطاتو االستشراقية عف طريؽ إعداد األبحاث كتنظيـ الندكات
كالمحاضرات كاصدار النشرات كالمجبلت.
كبنظرة سريعة فاحصة إلى المناىج التي كانت تدرس في كميات كمعاىد الجامعة العبرية
عمى سبيؿ المثاؿ ،كمف أىميا:
-1شمكلية ىذه الدراسات فيي تتناكؿ جكانب المغة كاألدب كالديف كالتاريخ كاالجتماع.
-2التركيز عمي الدراسات اإلسبلمية بحيث شممت عقائد اإلسبلـ ،كتاريخ الدكؿ اإلسبلمية
في شتي مراحميا ،كدراسة القرآف كالسنة....
-3االىتماـ باألدب العربي أكثر مف الدراسات المغكية المتخصصة ،إذ إف ىذه الدراسات
المغكية ،ال تقدـ المعمكمات المطمكبة مف كراء الدراسة ،كالتي تفيد المؤسسة اإلسرائيمية
الحاكمة.
-4التركيز اإلسرائيمي عمي دراسة ما يتعمؽ بالدكؿ ،خاصة تمؾ التي تعدىا إسرائيؿ دكؿ
مكاجية ليا ،كمصر كالعراؽ كاألردف ،كما يتعمؽ بالدكؿ التي ترفع الشعارات اإلسبلمية كإيراف
مستقببل عمى إسرائيؿ .كما تيتـ إسرائيؿ بالدراسات المتعمقة
ن خطر
نا كالسكداف باعتبارىا تمثؿ
بدكؿ الخميج العربي أك دكؿ المغرب العربي.
تالمذة المستشرقين:
كجد المستشرقكف مف أبناء المسمميف مف جند نفسو لخدمة أىداؼ الغرب في ببلدىـ ،فدسكا
السمكـ ،كركجكا أكاذيب المستشرقيف كافتراءاتيـ.
-356-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
فكانكا رعاة التغريب كأساتذة العممانية كدعاة القكمية ....بكقنا لكؿ ناعؽ ،ليذا عمؿ الغرب
عمى تكسيدىـ أعمى المناصب ،كصنع حكليـ ىالة مف القداسة ،كخمعكا عمييـ األلقاب
كاألكسمة .ككاف مف أىـ ىذه الشخصيات:
الدكتكر طو حسيف الذم يك ًٌسد ػ بفضؿ الغرب ػ لقب عميد األدب العربي ،مع كجكد أساتذة
األدب كالفكر العظاـ أمثاؿ :عباس محمكد العقاد ،كمصطفى صادؽ الرافعي.
كمف أىـ كتبو التي عبر فييا طو حسيف عف فكره كتاب «األدب الجاىمي» الذم سار فيو
عمى خطا أسياده زكيمر كمرجميكث ،فك ٌذب فيو القرآف في إخباره عف إبراىيـ كاسماعيؿ ،كأنكر
فيو القراءات السبع.
كمف سمكمو كتاب «مستقبؿ الثقافة في مصر» الذم قاؿ فيو« :إف مصر لـ تكف قط جزنءا
دائما جزنءا مف حكض البحر األبيض المتكسط ،أم الذم يقع فيو مف الشرؽ ،كانما كانت ن
دائما مع أمـ البحر المتكسط ،كليست مع
فرنسا ػ كاف ركابطيا الفكرية كالركحية كالثقافية كانت ن
الشرؽ».
كمف ىؤالء الشيخ عمي عبد الرزاؽ(ُ) الذم ألؼ كتاب «اإلسبلـ كأصكؿ الحكـ» كقرر فيو
أف كالية النبي في الدكلة المسممة كانت كاليةن ركحية ،كىي
أف اإلسبلـ ديف ال دكلة ،ك ٌ
ٌ
تختمؼ عف كالية الحاكـ المدني صاحب الكالية المادية «الزمنية» .كمف تبلمذة المستشرقيف
كذلؾ :سبلمة مكسى ،كلطفي السيد ،كمحمكد عزمي ،كقاسـ أميف ،كىدل شعراكم...إلخ(ِ).
(ُ) كاف ىذا الشيخ أزىريا فباع نفسو بثمف بخس دراىـ معدكدة ،كقد طرده األزىر مف صفكفو كمنعو مف التدريس ،فخمع
العمامة األزىرية ،كلبس البدلة كفتح مكتب محاماة .ككافأه الغرب فترجمكا كتابو إلى عدة لغات ،كما زاؿ حتى اليكـ
مرجعيـ في تسكيغ افتراءاتيـ عمى الديف اإلسبلمي.
(ِ) راجع الفكر اإلسبلمي الحديث كصمتو باالستعمار ص ُٕٓ ،َِٖ-َِٔ ،ُٗٓ-ُْٖ ،ُْٔ-أساليب الغزك
الفكرم ص ِِ ،ِْ-قكل الشر المتحالفة ص ٕٓ.ُٕ-
-357157
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
المطمب الثالث:
الع ْم َم ِان ّية:
َ
العممانية لغة :لـ ترد كممة عمماني في معاجـ المغة العربية القديمة ،ألنيا مف األلفاظ التي
دخمت عمى المغة العربية حديثنا كىي ترجمة غير دقيقة عف الكممة اإلنجميزية
« »SECULARISكالكممة الفرنسية « »LAIQUEكقد جاء معنى العممانية في المعجـ
الكسيط« :نسبة إلى العمـ بمعنى العالـ ،كىك خبلؼ الديني أك الكينكتي».
كقد أكردت بعض المعاجـ الثنائية المغة كممتا عمماني ،كعممانية :نسبة إلى العالـ .كترجميا
البعض فقاؿ العممانية مف العمـ ،كىذه مف أخطاء الترجمة ،فيي كممة ال صمة ليا بمفظ العمـ
أك مشتقاتو بتاتنا ،كأكلى الترجمات أف نقكؿ :إف العممانية مرادؼ «البلدينية».
كضبط كممة العممانية عمى األصح بفتح العيف نسبة إلى العالـ ،كىك ما نص عميو المعجـ
الكسيط في طبعتو األكلى ،كرجحو الدكتكر عدناف الخطيب كالدكتكر عبدالصبكر شاىيف
عضكا مجمع المغة العربية بالقاىرة.
اصطالحا« :حركة سياسية تيدؼ إلى تعطيؿ العمؿ بالشريعة ،كاجتماعية تيدؼ ً العممانية
إلى صرؼ الناس عف االىتماـ باآلخرة إلى االىتماـ بالحياة الدنيا كحدىا» (ُ).
(ُ) راجع العممانية ،نشأتيا كتطكرىا في الحياة اإلسبلمية ص ُِ ،ِّ-اإلسبلـ كالعممانية كجينا لكجو صِْْٔ،ْٖ ،
جذكر العممانية صُِّ ،ُِٔ ،ُّّ-حاضر العالـ اإلسبلمي ص ٗٔ ،مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٓ ،كقد
نقؿ عف دائرة المعارؼ األمريكية :العممانية :الدنيكية ،كفي معجـ العالـ الجديد ىي« :الركح الدنيكية أك االتجاىات
الدنيكية ،كنحك ذلؾ ،كىي عمى كجو الخصكص نظاـ مف المبادئ كالتطبيقات ترفض أم شكؿ مف أشكاؿ اإليماف
كالعقيدة».
-358-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
حياة الناس في أكركبا في غير األحكاؿ الشخصية فحسب ،أم إنيا لـ تحكـ األحكاؿ
السياسية ،كال األحكاؿ االقتصادية ،كال األحكاؿ االجتماعية في جممتيا».
كىك إبعاد ما فيمتو أكركبا مف معنى الديف في عصر النيضة عف كاقع الحياة ،ىذا الديف
المتمثؿ في بعض المفاىيـ الدينية ،كفي تدخؿ رجاؿ الديف باسـ الديف في السياسة كاالقتصاد
ثانيا.
بعيدا عف الكنيسة أكنال ،ثـ عف الديف كمو ن
كاالجتماع كالعمـ كاألدب كالفف ،ثـ إقامة كؿ ىذا ن
أف يككف لذلؾ أم
أف يعتقد بكجكد إلو ،أك ال يعتقد دكف ٍ
بمعنى آخر :تركت العممانية لمفرد ٍ
تأثير عمى مجاالت الحياة المختمفة(ُ).
تحريؼ رجاؿ الكنيسة لمديف المسيحي كالذم تمثؿ بأمكر كثيرة أىميا:
-1عقيدة التثميث :كىي ادعاء النصارل بأف اإللو إنما ىك إلو كاحد مف ثبلثة أقانيـ.
أكؿ ىذه األقانيـ ىك :اآلب -كىي كممة يكنانية بمعنى األصؿ ،كثانييا :ىك االبف،
كثالثيا :ىك ركح القدس .كالثبلثة إلو كاحد.
كبيرا.
عمكا ن
أف المسيح ابف هللا تعالى -تعالى هللا عف ذلؾ ن
-2االدعاء ٌ
-3جعؿ رجاؿ الكنيسة اإلنجيؿ أربعة أناجيؿ ،زعمكا أنيا كميا مف كبلـ المسيح عميو
أف ىذه األناجيؿ مختمطة بكبلـ القساكسة كالرىباف.
أف العقؿ كالنقؿ يثبتاف ٌ
السبلـ ،مع ٌ
-4نصب رجاؿ الكنيسة أنفسيـ مشرعيف باسـ هللا ،فابتدعكا صمكات ،كحممكا كحرمكا ،كادعكا
أف كبلميـ ينزؿ منزلة الكحي ،األمر الذم كاف مف نتائجو إصدار صككؾ
عصمة األحبار ،ك ٌ
الغفراف ،كصككؾ الحرماف.
(ُ) راجع مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٕ ْْٖ -بتصرؼ ،ص ْْٗ ،َْٓ-كانظر اإلسبلـ في مكاجية اإليديكلكجيات
المعاصرة ص ٗٔ ،ُِّ-ُُِ ،َٕ-كاإلسبلـ كالعممانية ص ْٕ.ْٗ-
-359159
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
منعت الكنيسة حرية الفكر السميـ ،كحرقت العمماء كعذبتيـ ،فقد كاف مف أكبر أخطاء الكنيسة
أنيا أضفت القداسة عمى بعض كتب العمكـ التي كرثتيا أكركبا مف بقايا الحضارة الركمانية
كاإلغريقية ،كجعمتيا جزنءا مف الديف ،فمف كذبيا أك شؾ في محتكياتيا نسبتو الكنيسة إلى الكفر
كرمتو باليرطقة ،يستحؽ العقاب الشديد الذم قد يصؿ إلى الحرؽ عمى يد رىباف محاكـ
التفتيش...
اختارت الكنيسة أف تككف في الجية المعادية لمعمـ كالحقائؽ العممية ،كلمعمماء ،فأحرقت
الككف .كاضطر أف األرض ليست مركز
ألنو اكتشؼ ٌ
بالنار العالـ «جكرداف بركنك«ٌ ،
«جاليمك«أف يتراجع عف القكؿ بدكراف األرض لخكفو مف مصير سمفو« ،كككبر نيككس»
أف المنية عاجمتو قبؿ إعدامو
صاحب كتاب :األجراـ السماكية ،اعتقمتو محاكـ التفتيش ،كلكال ٌ
لكاف مصيره مثؿ مصير بركنك ،فحرمت الكنيسة كتبو كالحقت كؿ مف يقتنييا ،كجرمت مثميا
كتب ديكارت كسبينك از كلكؾ .األمر الذم جعؿ كؿ عالـ كصاحب فكر سميـ يجد نفسو بشكؿ
مباشر في الصؼ المعادم لمكنيسة ككؿ ما تعمؽ بيا.
تقاسـ ممكؾ كأمراء أكركبا مع رجاؿ الكنيسة السيادة الكاممة عمى كؿ ما في أكركبا :اإلنساف
كاألرض كالحيكاف كحتى الماء كاليكاء .فقد كانت لمكنيسة السمطة الركحية ،كلمممكؾ السمطة الزمنية
تفكيضا
ن التي تستمد شرعية حكميا مف خبلؿ رضا الكنيسة كمباركتيا ليذا الحكـ أك ذاؾ ،بمنحيا
لمحكـ باسـ الرب «التفكيض اإلليي».
لذلؾ كانت سطكة األحبار عمى الحكاـ عظيمة ،إذ تدخمكا في شئكف الحكـ -ليس مف أجؿ
تقكيـ انحرافات الممكؾ أك تطبيؽ الشريعة -بؿ مف أجؿ االستبداد ،كبسط السيطرة كالنفكذ.
-360-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
تراكمت ىذه األسباب مجتمعة ،ككاف ليا األثر الكبير في قياـ الثكرة الفرنسية التي أعمنت
الحرب عمى الكنيسة كالممكؾ كاألمراء اإلقطاعييف فكاف شعارىا :اقتمكا آخر ممؾ بأمعاء آخر
قسيس.
كدعت ىذه الثكرة إلى فصؿ الديف عف الحياة ،ثـ تتابعت الثكرات في أكركبا بنفس الطريقة،
بعيدا عف سمطة الكنيسة ،كاستمدت السمطات الزمنية
بسف القكانيف الكضعية ن
فقاـ الساسة الجدد ٌ
بدال مف شرعية الكنيسة .كطغت المادية عمى حساب القيـ كالمبادئ.
شرعيتيا مف الشعب ن
أقساـ العممانية :العممانية تنقسـ إلى قسميف:
األكؿ :العممانية الممحدة :كىي التي تنكر الديف بالكمية ،كتنكر كجكد هللا الخالؽ القادر جؿ
في عبله .كال تعترؼ بشيء مف ذلؾ ،بؿ تحارب كتعادم مف يدعك إلى مجرد اإليماف بكجكد
هللا ،كىذه العممانية عمى فجكرىا ككقاحتيا في التبجح بكفرىا ،إال َّ
أف الحكـ بكفرىا أمر ظاىر
ميسكر لكافة المسمميف ،فبل ينطمي -بحمد هللا -أمرىا عمى المسمميف ،كاف كاف ليا خطر
عظيـ في محاربة الديف ،كمعاداة المؤمنيف كحربيـ كايذائيـ بالتعذيب ،أك السجف أك القتؿ.
( )
إيمانا نظرنيا،
الثاني :العممانية غير الممحدة ِ :كىي عممانية ال تنكر كجكد هللا ،كتؤمف بو ن
(ُ) راجع العممانية ص ُِٕ ،َُِ-مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٔ ،ِْٔ-االتجاىات الفكرية المعاصرة ص ُٓ-
ٔٔ ،اإلسبلـ في مكاجية اإليديكلكجيات المعاصرة ص ٖٔ ،ّٖ-نقد العممانية ص ِٓ ،ِّ-المكسكعة الميسرة
ص ّٕٔ.ّٔٗ-
(ِ) العممانية بجميع صكرىا كأشكاليا ىي في الحقيقة ممحدة ،ما ينكر منيا كجكد هللا ،كما ال ينكر؛ ألف أصؿ اإللحاد
في لغة العرب ىك :العدكؿ عف القصد ،كالميؿ إلى الجكر كاالنحراؼ .كانما التقسيـ عممانية ممحدة ،كغير ممحدة،
عمى ما اشتير عند الناس اليكـ :أف اإللحاد يطمؽ عمى إنكار كجكد هللا فقط.
-363161
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
لكنيا تنكر تدخؿ الديف في شؤكف الحكـ ،كتنادم بعزؿ الديف عف تنظيـ المجتمع -كىذه
خطر مف الصكرة السابقة -مف حيث اإلضبلؿ كالتمبيس عمى عكاـ المسمميف،
نا الصكرة أشد
فعدـ إنكارىا لكجكد هللا ،كعدـ ظيكر محاربتيا لمتديف(ُ) يغطي عمى أكثر عكاـ المسمميف
حقيقة ىذه الدعكة الكفرية ،فبل يتبينكف ما فييا مف الكفر ،لقمة عمميـ ،كمعرفتيـ الصحيحة
بالديف ،كىذا القسـ ىك الظاىر المنتشر في الببلد اإلسبلمية ،كىك الذم يتكلى محاربة الديف،
كمحاربة الدعاة إلى هللا ،في نفس الكقت التي يظير فيو رجاليا بمظير المؤمنيف الذيف
يشيدكف المساجد ،أك يأذنكف ببنائيا ،كيحرصكف عمى الظيكر في صبلة الجماعة .ليخدعكا
العامة.
أف
إذا كانت أكركبا قد انتيجت العممانية بسبب تصرفات الكنيسة ،ككاف حرنيا بأكركبا ٍ
بدال مف البحث عف استعباد
تبحث عف الديف الذم يصمحيا في دنياىا كينفعيا في آخرتيا ن
البشر بعضيـ لبعض.
كاإلسبلـ لـ يحارب حقائؽ العمـ ،كلـ يصادر كتب العمماء كلـ يحرميا ،بؿ كزنيا ليـ
الخمفاء المسممكف بالذىب ،لحثيـ عمى المزيد مف البحث.
كاإلسبلـ لـ يجعؿ بيف هللا عز كجؿ ،كبيف عباده كسيطنا كال متحدثنا باسمو.
ألف الديف انحصر عندىـ في نطاؽ بعض (ُ) كثير مف الناس ال يظير ليـ محاربة العممانية (غير الممحدة) لمديف؛ َّ
ظنكا أف العممانية
مثبل الصبلة في المساجد ،أك لـ تمنع الحج إلى بيت هللا الحراـٌ ،
العبادات ،فإذا لـ تمنع العممانية ن
فإنو يعمـ عمـ اليقيف محاربة العممانية لمديف ،فيؿ ىناؾ محاربة
صحيحاٌ ،
ن فيما
ال تحارب الديف ،أما ىمف فيـ الديف ن
أشد كأكضح مف إقصاء شريعة هللا عف الحكـ في شتى المجاالت؟!
-361-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
دائما أئمة الناس في الجياد كاالستشياد ،كفي مقارعة الظالميف مفعمماء اإلسبلـ كانكا ن
الحكاـ ،كاحتماؿ األذل دكف التنازؿ عف الحؽ ،كأكثر أئمة اإلسبلـ ماتكا كليس في بيكتيـ إال
القميؿ مف متاع الحياة.
عز
بأف الحاكمية ﵀ ٌ
األمر الذم أدل إلى انتقاص معاني التكحيد ،كمنيا اإلقرار المطمؽ ٌ
كجؿ ،كااللتزاـ بشريعتو ،كانحرفت األمة عف قيميا اإلسبلمية األصيمة ،فانتشرت العادات
كالتقاليد كالقيـ التي ليست مف اإلسبلـ في شيئ ،ككذلؾ انتشار األفكار البعيدة عف ركح
اإلسبلـ كالصكفية ،كالمرجئة ،كمثمو القكؿ باقفاؿ باب االجتياد في الديف...الخ
خططت أكركبا مف أجؿ السيطرة عمى العالـ اإلسبلمي كاقتساـ تركة الرجؿ المريض
«الخبلفة العثمانية» ،ككانت ىذه الخطط تمر بمرحمتيف:
المرحمة األكلى :االحتبلؿ العسكرم ،كاسقاط الخبلفة العثمانية ،كمف خبلؿ ىذا االحتبلؿ
-361163
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ب -العمبلء كالمأجكريف العامميف عمى نشر الفكر األكركبي كثقافتو ،كقد كاف ذلؾ في أكؿ
األمر عبر البعثات التي ذىبت مف الشرؽ إلى الغرب لطمب العمـ كالتقدـ ،فعاد الكثير منيا
بالعممانية ال بالعمـ ،ذىبكا لدراسة الفيزياء كاألحياء كالكيمياء كالجيكلكجيا كالفمؾ كالرياضيات
فعادكا باألدب كالمغات كاالقتصاد كالسياسة كالعمكـ االجتماعية كالنفسية ،بؿ كبدراسة األدياف
أف تتصكر حاؿ شاب مراىؽ ذىب يحمؿ كبالذات الديف اإلسبلمي في الجامعات الغربية ،كلؾ ٍ
الشيادة الثانكية ،كيمقى بو بيف أساطيف الفكر العمماني الغربي عمى اختبلؼ مدارسو ،بعد أف
يككف قد سقط إلى شحمة أذنيو في حمئة اإلباحية كالتحمؿ األخبلقي؛ كما أكجد كؿ ذلؾ لديو مف
صدمة نفسية كاضطراب فكرم ،ليعكد بعد عقد مف السنيف بأعمى األلقاب األكاديمية ....إنو لف
كمدنكه ،كىك ال يممؾ غير ذلؾ ،كلئف كاف
ككيبل تجارنيا لمف عمٌمكه كثقٌفكه ٌ
يككف بالضركرة إال ن
فإنو األغمب كبالذات في أكائؿ عصر البعثات ،كما
عاماٌ ،
ىذا التكصيؼ لمبعثات الدراسية ليس ن
«طو حسيف» ك«رفاعة الطيطاكم» ك«زكي نجيب محمكد» ك«محمكد أميف العالـ» ك«فؤاد
زكريا» ك«عبدالرحمف بدكم» كغيرىـ إال أمثمة عمى ذلؾ ،كلئف كاف ىذا الدكر لمبعثات العممية
تـ ابتداء مف خبلؿ االبتعاث لعكاصـ الغرب فإف الحكاضر العربية الكبرل مثؿ «القاىرة -بغداد
-دمشؽ» أصبحت بعد ذلؾ مف مراكز التصدير العمماني لمببلد العربية األخرل ،مف خبلؿ
كقؿ مف يسمـ مف تمؾ المكثات الفكرية العممانية ،حتى أصبح في
جامعاتيا كتنظيماتيا كأحزابياٌ ،
-364-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
داخؿ األمة طابكر خامس ،كجيتو غير كجيتيا كقبمتو غير قبمتيا ،كانيـ ألكبر مشكمة تكاجو
األمة لفترة مف الزمف ليست بالقميمة.
ج - -المدارس كالجامعات األجنبية :في أكاخر الدكلة العثمانية حيف سيطر الماسكنيكف
العممانيكف عمى مقاليد الحكـ ،يسمح لمبعثات التبشيرية كالسفارات الغربية بإنشاء المدارس
كالكميات ،كانتشرت في ببلد الشاـ كاألناضكؿ انتشار النار في اليشيـ ،كخرجت أجياؿ مف
أبناء كبنات المسمميف ،أصبحكا بعد ذلؾ قادة الفكر كالثقافة كدعاة التحرير كاالنحبلؿ .كمف
األمثمة عمى ذلؾ الجامعة األمريكية في بيركت ،كالتي في أحضانيا نشأت العديد مف
الحركات كالجمعيات العممانية ،كقد سرت العدكل بعد ذلؾ إلى الكثير مف الجامعات،
كالمؤسسات التعميمية الرسمية في العديد مف الببلد العربية كاإلسبلمية ،كقد قاـ خريجك ىذه
المدارس كالجامعات بممارسة الدكر نفسو حيف عادكا لبمدانيـ ،إذ قاـ العممانيكف العرب مف
الذيف استقدمكا لمتدريس في تربية طبلبيـ كاقناعيـ بالعممانية ،سكاء مف خبلؿ التنظيمات
الحزبية أك مف خبلؿ البناء الفكرم الثقافي ألكلئؾ الطبلب.
كمف األمكر البلفتة لمنظر أف أشير األحزاب العممانية القكمية العربية إنما أسسيا نصارل
بعضيـ ليسكا مف أصكؿ عربية ،أمثاؿ «ميشيؿ عفمؽ» ك«جكرج حبش» ،كالكثرة الساحقة مف
األحزاب الشيكعية العممانية ،إنما أسسيا ييكد مميكنيرات أمثاؿ «ككريؿ».
ىػ -البعثات الدبمكماسية :سكاء كانت بعثات لمدكؿ الغربية في الشرؽ ،أك لمدكؿ الشرقية
جسكر تمر خبلليا عممانية الغرب األقكل ،إلى
نا في الغرب ،فقد أصبحت في األعـ األغمب
الشرؽ األضعؼ مف خبلؿ اإليفاد ،كمف خبلؿ المنح الدراسية كحمقات البحث العممي،
-365165
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أ -بث األفكار العممانية في ثنايا المكاد الدراسية بالنسبة لمتبلميذ ،كالطبلب في مختمؼ
م ارحؿ التعميـ.
ب -جعؿ مادة الديف مادة ىامشية ،حيث يككف مكضعيا في آخر اليكـ الدراسي ،كىي في
الكقت نفسو ال تؤثر في تقديرات الطبلب ،مع تقميص الفترة الزمنية المتاحة لممادة الدينية إلى
أقصى حد ممكف.
ألنيا كاضحة صريحة في كشؼ باطميـ .مع ج -منع تدريس بعض النصكص القرآف كالسنةٌ ،
العمؿ عمى تحريؼ النصكص الشرعية عف طريؽ تقديـ شركح مقتضبة كمبتكرة ليا ،بحيث
تبدك ككأنيا تؤيد الفكر العمماني ،أك عمى األقؿ أنيا ال تعارضو.
د -محاربة األساتذة المتمسكيف بدينيـ ،الداعيف لو ،كالمعتزيف بانتمائيـ إليو ،كذلؾ عف
طريؽ كثرة نقميـ مف مدرسة إلى أخرل ،أك بتحكيميـ إلى كظائؼ إدارية ،أك تدبير المكائد
ليـ...إلخ
-366-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ب -كسائؿ اإلعبلـ المختمفة مف صحؼ كمجبلت كاذاعة كتمفاز التي ال تكؿ كال تمؿ مف
كنيارا.
ن ليبل
محاربة الفضيمة ،كنشر الرذيمة بالتمميح مرة ،كبالتصريح مرة أخرل ن
ج -اىتماـ اإلعبلـ المرئي كالمسمكع بالمكضكعات اليابطة ،كاغفاؿ قضايا األمة الخطيرة،
مثالو االىتماـ بأخبار المطربيف كالفنانيف كالراقصات...إلخ كأخبار المبلعب كالبلعبيف...إلخ
بدال عف استنياض اليمـ لعزائـ األمكر ،كترؾ الحديث عما نزؿ باألمة مف نكبات ،كما
ن
يكاجييا مف تحديات.
د -اعتبار الدعكة إلى العكدة إلى الحكـ بما أنزؿ هللا كىجر القكانيف الكضعية ،تخمفنا كرجعية
كسببا في السخرية مف أصحاب ىذه الدعكة كاحتقارىـ ،كابعادىـ ن كردة عف التقدـ كالحضارة،
عف تكلي الكظائؼ اليامة في األمة ،سكاء التي تتعمؽ بالجانب التشريعي أك ذات التأثير
الكبير عمى ق ارراتيا.
ىػ -سف القكانيف التي تبيح الرذيمة ،كال تعاقب عمييا ،كتعتبر ممارسة الزنا كالشذكذ مف
باب الحرية الشخصية ،التي يجب أف تككف مكفكلة كمصكنة.
أ -تضييؽ الخناؽ عمى نشر كتب المفكريف اإلسبلمييف ،مع إفساح المجاؿ لمكتب الضالة
المنحرفة التي تشكؾ في العقيدة اإلسبلمية ،كالشريعة اإلسبلمية.
ب -إفساح المجاؿ في كسائؿ اإلعبلـ المختمفة لمعممانييف المنحرفيف لمخاطبة أكبر عدد مف
الناس لنشر الفكر الضاؿ المنحرؼ ،كلتحريؼ معاني النصكص الشرعية ،مع إغبلؽ كسائؿ
ً
بصركف الناس بحقيقة الديف.
اإلعبلـ في كجو عمماء المسمميف الذيف يي ٌ
-367167
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ج -مطاردة الدعاة إلى هللا ،كمحاربتيـ ،كالصاؽ التيـ الباطمة بيـ ،كنعتيـ باألكصاؼ
عقميا ،كرجعيكف ،كمتطرفكف متعصبكف
الذميمة ،كتصكيرىـ عمى أنيـ متخمفكف فكرنيا كمتحجرة ن
كيدعكف األصكؿ.
ال معرفة ليـ بالكاقع ،يتمسككف بالقشكر ى
د -التخمص مف المسمميف الذيف ال ييادنكف العممانية ،كذلؾ عف طريؽ النفي أك السجف أك
القتؿ.
ِ -تركت العممانية أثرىا البالغ عمى المجتمع اإلسبلمي فأفسدت المرأة عمي دينيا كدكرىا
األصمي ،كتميعت األخبلؽ ،كشاع االختبلط ،ككثر المقطاء ،كراجت المخدرات ،كضعفت
القيـ...إلخ.
-368-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ْ -كاف لمعممانية أثرىا الكبير عمى النظاـ االقتصادم في ببلد المسمميف إلبعاده عف
المنيج اإلسبلمي ،فقد انتشر الربا ،كتعددت طرقو ،كقامت المعامبلت التجارية عمى أسس
االستغبلؿ كالجشع كالغش ،كتعددت أنكاع الكسب الحراـ ،كسادت نظريات السكؽ االستيبلكية
الرأسمالية(ُ).
ال يمتقي اإلسبلـ كالعممانية في أم مجاؿ -سكاء كانت الممحدة؛ المنكرة لكجكد هللا تعالى،
ألف منطمقات كؿ منيما مختمفة
أبداٌ ،
أف يمتقيا اإلسبلـ كالعممانية ن
أك غير الممحدة ،كال يتصكر ٍ
تماما ،حتى كاف ادعت العممانية أنيا تحافظ عمى دكر العبادة ،أك ادعكا أنيـ يصمكف أك ن
يحجكف أك يؤدكف الزكاة ...لماذا؟
ألف الجاىمية التي حاربت اإلسبلـ بشراسة كانت تقر بكجكد هللا تعالى ،ككانكا يقركف بأنو ٌ
ض ك ىس َّخر َّ
الش ٍم ىس ىكاٍلقى ىم ىر مالؾ السمكات كاألرض﴿ ،كلىئًف سأىٍلتىيـ َّمف خمىؽ َّ ً
الس ىم ىاكات ىك ٍاأل ٍىر ى ى ى ى ي ٍ ى ى ى
كف﴾ العنكبكت ،ُٔ:كمع ذلؾ عبدت األلية!! اَّللي فىأىنَّى يي ٍؤفى يك ى
لىىيقيكلي َّف َّ
كبيرا،
عمكا ن
ككانكا يؤمنكف بكجكد المبلئكة ،كقالكا عنيا :بنات هللا -تعالى هللا عف ذلؾ ن
أف هللا قد أرسؿ الرسؿ مف قبؿ مثؿ إبراىيـ كمكسى كعيسى كصالح كىكد كشعيب كيعرفكف ٌ
أف هللا تعالى قد أنزؿ التكراة كاإلنجيؿ ،باإلضافة إلى بعض
عمييـ السبلـ ،ككانكا يعممكف ٌ
العبادات كالطكاؼ كالحج كالعمرة.
(ُ) راجع العممانية ص َٕٓ ،ْْٔ -االتجاىات الفكرية المعاصرة ص ٕٔ ،ُُٖ -ْٖ ،ُٕ-نقد العممانية ص ٗ،ُٗ-
الحمكؿ المستكردة ككيؼ جنت عمى أمتنا؟ ص ْٕ ،ِٓ-المكسكعة الميسرة ص ّٗٔ ،ِّٕ-أساليب الغزك الفكرم ص
ِٔ ،ْٕ-حاضر العالـ اإلسبلمي صِٗ.ََُ-
-369169
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
العممانية تقر بمبدأ الحريات ،فيجكز في ظميا الدعكة إلى كؿ األفكار كالمبادئ شيكعية
كانت أك بعثية أك كثنية ،لكنيا ال تقبؿ الدعكة إلى ديف هللا ،كالدعكة إلى تطبيؽ أحكامو كقيمو،
ألنيا دكلة العممانية التي تفصؿ الديف عف الحياة!! كتحت ىذا الشعار طردت نائبة انتخبيا
الشعب في المجمس النيابي في تركيا ،ألٌنيا ترتدم الحجاب!!
كباسـ العممانية أقصي حزب السبلمة التركي المنتخب مف الشعب بسبب تكجيو اإلسبلمي،
خطر
نا أخير مف ممارسة العمؿ السياسي ،ألنو يشكؿ
كسجف رئيس ىذا الحزب مرنارا ،كمنع نا
عمى العممانية.
كبسببيا تمنع المحجبات في تركيا كفي فرنسا كتكنس مف دخكؿ المدارس كالجامعات.
لقد أصبحت العممانية دينيـ كفكرىـ مف دكف هللا تعالى ،فقاؿ عنيـ:
الديف اٍل ىخالًص كالًَّذيف اتَّ ىخ يذكا ًمف دكنً ًو أىكلًياء ما نعبدىـ إً َّال لًيقى ًربكنا إًلىى ًَّ
اَّلل يزٍلفىى ًً ً
ي ٌي ى ٍ ى ى ى ٍيي يٍ ي ي ى ى ﴿أ ىىال ََّّلل ٌ ي
ب ىكفَّ هار﴾ الزمر.ّ: ً ً كف إً َّف َّ ًً ً ً إً َّف َّ
اَّللى ىال ىي ٍيدم ىم ٍف يى ىك ىكاذ ه اَّللى ىي ٍح يك يـ ىب ٍي ىنيي ٍـ في ىما يى ٍـ فيو ىي ٍختىمفي ى
ثانيا :العبادة الخالصة هلل تعالى:
ً
فإف العممانية غير الممحدة ،كاف كانت تقر بحرية العبادة لمناس عمى أنيا عبلقة بيف العبد
كبير مف مفيكـ العبادة.
جانبا نا
كربو ،فمعنى ذلؾ أنيا ىدمت ن
ألف العبادة ىي« :اسـ جامع لكؿ ما يحبو هللا كيرضاه مف األقكاؿ كاألعماؿ الباطنة كالظاىرة».
العبادة سر الكجكد اإلنساني ،كلذا فكؿ حركة قمبية ،ككؿ حركة بالجكارح عبادة ﵀ تعالى،
ً ً
ام كقد أمر هللا تعالى رسكلو أف يعمنيا في الناس بكؿ قكة ﴿ :يق ٍؿ إً َّف ى
صبلىتي ىكين يسكي ىك ىم ٍح ىي ى
-370-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ً ً ًً
يف﴾ األنعاـ.ُِٔ: ىك ىم ىماتي ٌَّلل ىر ًٌ
ب اٍل ىعالىم ى
إف عبلقة المسمـ بربو ،كعبلقتو بكالديو كاخكانو كزكجتو كأكالده ك ٌأرحامو كجيرانو كمجتمعو
كدكلتو عبادة.
ككؿ عبادة لغير هللا ميما صغرت إنما ىي عبادة لمشيطاف قاؿ تعالى ﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾ [البقرة.]ِٓٔ:
تماما(ُ).
أبدا -لـ تعد عممانية؟ ألنيا غير ذلؾ ن
إف قبمتيا -كلف تقبميا ن
أصبل مف خبلؿ
ن ليس غر نيبا القكؿ بأف تحارب العممانية اإلسبلـ -كىي الفكرة التي نمت
العداء لمكنيسة ككؿ ما انبثؽ عنيا مف تعاليـ ،ىذا األمر انسحب عندىـ عمى كؿ الرساالت
السماكية ،كديف اإلسبلـ ،أكبر ىذه الرساالت التي تتعرض ليذا العدكاف ألنو ديف كدكلة،
يمينا...الخ
يسارا ،أك ن
ن عقيدة كشريعة ،عبادة كمعاممة ،كقد تقدـ أف العممانييف سكاء كانكا
اجتماعيا
ن يرفضكف الحكـ بما أنزؿ هللا ،كيرفضكف أف يككف اإلسبلـ نسيج الدكلة كالمجتمع
يعيا ،األمر الذم جعؿ العبلمة ابف باز رحمو هللا أف يككف فييـ« :ىـ أكفر
اقتصاديا كتشر ن
ن ك
مف الييكد كالنصارل».
(ُ) راجع العممانية صٗٔٔ ،ُِٕ-اإلسبلـ كالعممانية صّٗ ،َُّ-كالمذاىب كاألفكار المعاصرة صَِٔ.ِٖٔ-
-373171
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
لـ يكتؼ العممانيكف بذلؾ بؿ خطكا خطكة أخرل بمحاكلة تشكيو العمماء العامميف ،كالدعاة
المخمصيف ليذا الديف ،راكبيف في ذلؾ مراكب الغرب باتياـ الحركات اإلسبلمية باإلرىاب،
كعمماء اإلسبلـ بالجمكد كالتخمؼ تارة ،كبالسعي كراء مكاسب سياسية أك مادية ..إلخ كىؤالء
العممانيكف ،يتستركف كراء أسماء مختمفة ،فيـ تارة ديمقراطيكف ،كتارة تقدميكف أك اشتراكيكف،
يتحالفكف مع كؿ أنظمة الطغياف كالظمـ في مكاجية اإلسبلـ كأىمو ،بؿ اصطؼ ىؤالء مع
الغرب في صؼ كاحد في الحرب الدائرة ضد العالـ اإلسبلمي.
-371-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
المطمب الرابع:
الديمقراطية:
الديمقراطية كممة مشتقة مف مصطمح يكناني قديـ ،مككف مف كممتيف DEMOSكتعني
الشعب ،ك KRATASمعناىا سمطة ،فالديمقراطية ىي حكـ الشعب لمشعب.
نشأة الديمقراطية:
-1نشأت الديمقراطية قدي نما في مدينتي أثينا كأسبرطة ،حيث كاف أىؿ كؿ مدينة يجتمعكف
كسف القكانيف ،كايقاع العقكبات عمى المخالفيف.
ليتشاكركا في أمكر الحكـ كالنتخاب الحاكـٌ ،
كىي الصكرة انتيت إلى غير رجعة الستحالة تطبيقيا في العصر الحديث
ابعا :منح الشعب حقكقو األساسية كىي :حرية االعتقاد ،حرية التممؾ ،حرية الرأم ،حرية
رً
-371173
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
-1الديمقراطية المباشرة :كىي اشتراؾ الشعب كمو في الحكـ .كىي صكرة ال كجكد ليا اليكـ
الستحالة تطبيقيا.
-2الديمقراطية غير المباشرة (النيابية) :كىي اختيار الشعب لممثميو في المجمس النيابي،
حيث يمارس ىذا المجمس ميامو المككمة إليو ،كليذه الطريقة صكرتاف :الديمقراطية البرلمانية
حيث يختار فيو الشعب ممثميو عف طريؽ األحزاب ،كالديمقراطية الرئاسية التي يختار فييا
الشعب الرئيس مباشرة.
-3الديمقراطية شبو المباشرة :كفييا ييبقي الشعب لنفسو حؽ استشارتو مف قبؿ الحككمة عند
سف قانكف جديد أك إلغائو ،أك عزؿ حاكـ أك حؿ البرلماف...
اتخاذ ق اررات ىامة مثؿٌ :
خصائص الديمقراطية:
ب -حؽ التشريع.
كتتـ ىذه الحقكؽ عبر المجالس النيابية المنتخبة بمكافقة غالبية النكاب.
-374-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-1الشعب في الحقيقة ال يمارس الحكـ -بحسب الشعار الذم رفعتو ،فالشعب فقط يختار
الذم يحكمو يكـ االقتراع :الرئيس ،أك رئيس الحككمة.
-2في ظؿ ىذا النظاـ الديمقراطي ،يمسؾ الفائز في االنتخابات بيده مقاليد الحكـ كالتشريع،
ألنو الفائز!! كيقير الناس الذيف انتخبكه ،دكف االلتفات إلى آرائيـ.
ٌ
-3الديمقراطية ال تعني في الحقيقة حكـ الشعب ،بؿ ىي اختيار األكثرية التي قامت
أف
بممارسة حقيا االنتخابي ،التي قد تككف فازت بفارؽ عدة مئات مف األصكات!! كالمعمكـ ٌ
لكؿ حكـ معارضة ،قد تككف كبيرة ،كذات شعبية تكازم أك تقارب ،الحككمة المتنفذة.
-4الذم يستطيع الكصكؿ إلى سدة الحكـ ،أك البرلماف في ظؿ النظاـ الرأسمالي
الديمقراطي ،كاحد مف اثنيف ال ثالث ليما ،إما أصحاب رؤكس األمكاؿ ،أك ىم ٍف يدعمو
ألنيـ يستطيعكف إنفاؽ المبلييف عمى الدعاية االنتخابية ،كاإلعبلـ
أصحاب رؤكس األمكاؿ؛ ٌ
أف تحافظ
بأيدييـ يسخر لخدمة أىدافيـ .كما إف ليذه الفئة مصالح ،عمى الطبقة الحاكمة ٍ
عمييا ،فالسياسة كالماؿ السياسي صنكاف ال يفترقاف ،فمف خرج عف مسارىـ ،كعرض
مصالحيـ لمخطر ،ربما قيتؿ أك يخمع .مثمما حدث لمرئيس األمريكي كنيدم ،لما دعا إلى
ً
كيبلت الحركب ،كلكي يتفرغ إلى التنمية العالـ مصالحة تاريخية مع االتحاد السكفيتي ،ليجنب
ى
ألف مثؿ ىذه المصالحةالداخمية .كافؤكه بالقتؿ في رابعة النيار ،كلـ يي ٍع ىرؼ قاتمو حتى اليكـٌ ،
حتما بتجارة السبلح.
كانت ستضر ن
-5الحكم اإلسالمي في مسألة سيادة الشعب ىي:
الم ىش ًٌرع ،كليس الناس .كال يجكز لمف يقر ﵀ بالكحدانية، أف هللا تبارؾ كتعالى ىك كحده ي أٌ -
ؽ ىكاألى ٍم ير﴾ األعراؼ ،ْٓ:كقاؿ
أف يرفض تشريع اإللو الحكيـ الخبير قاؿ تعالى ﴿ :أىالى لىوي اٍل ىخٍم ي
ً َّة يب يغكف كمف أىحسف ًمف ً
ًً ً
اَّلل يح ٍكمان لٌقى ٍكوـ ييكًقين ى
كف﴾ المائدة.َٓ: سبحانو﴿ :أىفى يح ٍك ىـ اٍل ىجاىمي ى ٍ ى ى ى ٍ ٍ ى ي ى ٌ
ب -في ظؿ شريعة هللا يصبح الناس كميـ عبيد ﵀ الحاكـ كالمحككـ ،فيو امرأة مف عامة
المسمميف ،تحاكـ عمر بف الخطاب أمير المؤمنيف إلى كتاب هللا تعالى ،فبل يممؾ عمر
إال أف يعمف عف أماـ المؤل أنو المخطئ كأف المرأة قد أصابت .فقد أخرج عبدالرزاؽ بسنده قاؿ
عمر بف الخطاب« :ال تغالكا في ميكر النساء»
-375175
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
مجمس نيابي باإلجماع عمى تحميؿ الخمر ،كاباحة التداكؿ بالربا ،كالزناه ِ -لك كافؽ
ه
كعدال؟!!
ن بمكافقة الطرفيف؟ ىؿ سيككف رأم ىذا المجمس حقنا
كيجب التنبو أنو في ظؿ النظاـ الديمقراطي يجب طرح كؿ القكانيف عمى المجمس النيابي
فإف
لممكافقة عمييا ،بغض النظر عف مصدر القانكف ،مف عند هللا أك مف عند البشر!!ٌ .
السيادة لمشعب ،كىك الذم يقكؿ نعـ أك ال!!
ّ -الذم يشكؿ رأم األغمبية -التي يعتبر رأييا الحؽ كالعدؿ -أصحاب رؤكس األمكاؿ
عبر اإلعبلـ المممكؾ بطريقة مباشرة أك غير مباشرة.
(ُ) الحديث أخرجو عبد الرزاؽ في المصنؼ جٔ ،)ََُِْ(َُٖ/كالترمذم في السنف كتاب النكاح حديث رقـ:
(ُُُْ) ،كليس في ركاية الترمذم ذكر المرأة ،كقد ركاه البييقي كأبك يعمى...
-376-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
فإف تشكيؿ الرأم العاـ يتـ إعداده في مطابخ القمة مف أسياد الماؿ في الببلد .ثـ
كبالتالي ٌ
يأتي دكر اإلعبلـ الرأسمالي لينفذ الخطط المرسكمة فقط ،عبر المقالة كالتحميؿ ،كقمب
الحقائؽ ،كتسميط الضكء عمى مسألة بعينيا ،كاىماؿ غيرىا ،التركيز عمى فبلف الطاغية،
كالنظاـ الدكتاتكرم في الببلد الفبلنية ،كالفئة الفبلنية الضالة ،كالعرؽ الفبلني المغمكب عمى
أمره...الخ .كال ينسى أكلئؾ أف يترككا بعض المساحات الضيقة في اإلعبلـ لرأم المخالفيف،
اطيا.
حتى يبدك البمد ديمقر ن
ثالثنا :كفالة الحقكؽ كالحريات العامة:
ييدؼ النظاـ الديمقراطي إلى تحقيؽ أكبر قدر مف الحريات لجميع أفراد المجتمع ،كالى
مساكاتيـ في نيؿ الحقكؽ كالتي تتمثؿ بشكؿ رئيسي في أمريف ىما :المساكاة كالحرية.
المساواة ويندرج تحتيا:
أ -المساكاة في القكانيف كالقضاء :فبل فرؽ بيف الناس ،فالكؿ متساككف أماـ القانكف ،كليـ
الحؽ في قضاء عادؿ.
-377177
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
أ -الحرية الشخصية مثؿ :حؽ الحياة كالتنقؿ كاألمف كحؽ المسكف ،كحؽ التفكير كالتعبير
عف الرأم ،كحرية العقيدة كالتعميـ ،كحرية عقد االجتماعات كانشاء الجمعيات.
ب -الحرية السياسية :كتشمؿ :حؽ االنتخاب كالترشيح ،كالتشريع كمراقبة الحكـ ،كتكلي
الكظائؼ ،كتككيف األحزاب.
ُ -إف الحقكؽ المذككرة كميا اشتمؿ عمييا ديننا اإلسبلمي ،شرعيا هللا تعالى حقنا لمناس
كافة بدكف حاجتيـ إلى اإلضرابات كاالعتصاـ كالسجف كالتشريد ...كما حدث في مراحؿ
(ُ)
بأف الحككمات الرأسمالية قد منحت الكثير مف الحقكؽ
تطبيؽ الديمقراطية .كيجدر التنكيو ٌ
لمكاطنييا لتدافع عف ديمقراطيتيا في كجو الفكر الشيكعي زمف انقساـ العالـ إلى شرؽ شيكعي
بقيادة االتحاد السكفيتي سابقنا ،كغرب رأسمالي .فمما انيار المعسكر الشيكعي بدأت الدكؿ
الرأسمالية بالتخمى عف كثير مف الحقكؽ التي منحتيا لممجتمع ،عمى صعيد الضماف
االجتماعي كالبطالة كاألجكر كالضرائب ،كحتى في مجاؿ القضاء كحرية الرأم كاالعتقاد ،كما
ىيمف أصحاب رؤكس األمكاؿ عمى حكاـ الديمقراطيات في مجالي السياسة كاالقتصاد.
ِ -إف الحقكؽ كالحريات في ظؿ الشريعة اإلسبلمية منضبطة بالضكابط الشرعية بخبلؼ
النظاـ الديمقراطي الذم فتح باب الحريات عمى مصراعيو ،األمر الذم جعؿ اإلنساف أشبو
كن ىزكاتو كعاطفتو ،حتى اشتعؿ في ظؿ ىذا النظاـ جنكف الجنسبالثكر اليائج خمؼ شيكاتو ى
كالمكاط كالخمر كالفساد ،كجنكف األفبلـ الساقطة ،كجنكف الجريمة المنظمة ،إلى جنكف الكرة
كجنكف المكضة كالتقاليع ،كمنيا جنكف جمع الماؿ ،كالدعاية التي ال ضابط ليا ،كما ترتب عمييا
(ُ) انظر لمزيد الفائدة :كتاب المعارضة السياسية كضكابطيا في الشريعة اإلسبلمية لؤلخ الدكتكر حسيف أحمد أبك
عجكة رحمو هللا تعالى رسالة دكتكراة» فقد تعرض فييا لبياف حقكؽ الفرد كالجماعة بالتفصيؿ.
-378-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
مف جنكف المجتمع االستيبلكي األمر الذم أكجد التشرد كالقمؽ النفسي كاالنتحار ،كبيع
البنيف....الخ.
ّ -أف يفعؿ اإلنساف ما بدا لو ،ىؿ يبقى بعدىا إنساف يحافظ عمى إنسانيتو؟!
عرؼ اإلنساف غاية كجكده في الحياة ،كاألمانة التي حمميا ،كما الذم يجب ْ -اإلسبلـ ٌ
كعرفو طبيعة نفسو التي بيف جنبيو ،كبيف لو أىـ القيـ المبادئ كاألخبلؽ التي
عميو أف يفعموٌ ،
إنسانا.
ن البد أف يتحمى بيا .بيذا يككف اإلنساف
الغاية كاضحة مف طرح األفكار المختمفة عمى العالـ اإلسبلمي بعد تزيينيا كتغميفيا بأغمفة
جميمة كالشكرل كحكـ الشعب بالشعب ،كالحرية كالتحرر كالعزة كالكرامة كالسيادة ...الغاية أف
يج ٌمؿ بضاعتو عمى المسمميف بعد إخفاء عيكبيا ،فيغتر بيا مف ال فقو لو ،أك يقتنع بيا مف
ى
تربى في أحضانيـ.
كقد بمغت خطط المستعمر غايتيا لما قامت في األمة أحزاب كتنظيمات كمثقفيف ،قامت
و
كتفاف في الدعاية ليذه الشعارات ،كتسكيقيا عمى أبناء األمة ...فأبناء األمة ىـ بكؿ إخبلص
الذم سعكا إلى دكلة القكمية لتحؿ محؿ الخبلفة ،كىـ الذيف ينادكف بالعممانية لتحؿ محؿ
اإلسبلـ ،كينادكف بالحرية كالعدالة كالمساكاة تحت نظاـ الديمقراطية عمى نمط الغرب
كطريقتيـ ،كبنفس مفاىيميـ كمنطمقاتيـ ،فمما فشمت الكثير مف خططيـ في ىذا اإلطار،
أنمكذجا
ن جاؤكا بعسكرىـ لبلحتبلؿ العراؽ تحت ذريعة نشر الديمقراطية بؿ جعؿ العراؽ
اطيا يحتذل بو!! ثـ كاف مف آخر صيحات الغرب في محاربة العالـ اإلسبلمي طرح فكرة ديمقر ن
الشرؽ األكسط الجديد ،ىذا الشرؽ الديمقراطي الذم يستكعب قيادة دكلة االحتبلؿ اإلسرائيمي،
-379179
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ذىب الكثير مف العمماء إلى رفض الديمقراطية لعدة أسباب نذكر أىميا:
األول :إف الديمقراطية جزء مف النظاـ الغربي العقائدم كاالجتماعي كالسياسي المؤسس
عمى غير ديف رباني؛ فالديمقراطية مرتبطة بالعممانية ،كبالقيـ كالمبادئ الغربية التي تخالؼ
اإلسبلـ عقيدة كشريعة.
الثاني :السيادة المطمقة لمشعب ،يتناقض مع عقيدة المسمميف َّ
بأف الحاكمية ﵀ رب
أف
العالميف ،فيك سبحانو الذم لو حؽ التشريع ،كليست ألحد مف عباده ذلؾ ،نعـ لؤلمة ٍ
تجتيد فيما ال نص فيو مف كتاب كسنة ،كبما ال يخرج عف تحقيؽ مقاصد الشريعة.
الثالث :الحريات في النظاـ الديمقراطي غير مقيدة ،بينما اإلسبلـ مع تأكيده عمى حرية
اإلنساف كاحتراـ الكرامة اإلنسانيةَّ ،
لكف الحرية منضبطة فيو بضكابط الشريعة.
الرابع :الشكرل عند المسمميف أمر رباني ،كسنة نبكية ،كفييا غنى عف الديمقراطية.
ن
بينما ذىب جماعة مف العمماء إلى قبكؿ مصطمح الديمقراطية ،كمف أدلتيـ عمى ذلؾ:
ثالثًا :مبدأ محاسبة األمة لمحاكـ قرره اإلسبلـ ،لما جاء في الحديث:
(ُ) راجع في الديمقراطية الكتب اآلتية :مذاىب فكرية معاصرة ص ُٕٗ ،ِٕٓ -االتجاىات الفكرية المعاصرة ص
ُُٗ ،ُّٓ -الديمقراطية كحكـ اإلسبلـ فييا ،نقض النظاـ الديمقراطي ،حقيقة الديمقراطية ،حاضر العالـ اإلسبلمي
ُٖٖ ،َِٔ -الشكرل كأثرىا في الديمقراطية.
(ِ) صحيح مسمـ ؾ اإليماف حديث رقـ (ٓٓ).
-380-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كما أعمف الخمفاء الراشدكف أماـ الناس« :أطيعكني ما أطعت هللا كرسكلو ،فإذا عصيت هللا
ً
ٍت
طأ ي
ىخ ى
ًف أ ٍ
اَّللى ،ىكا ٍ
اح ىم يدكا َّ
ت فى ٍ كرسكلو فبل طاعة لي عميكـ»« ،إًَّن ىما أ ىىنا ىب ىشهر م ٍثمي يك ٍـ ،فىًإ ٍف أ ى
ىص ٍب ي
ىى ىدل إًلى َّى يعييكبًى» (ُ). فىقى ًٌك يمكنًي» « ،ىرًح ىـ َّ
اَّللي ىم ٍف أ ٍ
أف الشكرل مف قكاعد الشريعة ،كمف ال يستشير
ابعا :مف األحكاـ التي تقررت في الشريعة ٌ
رً
أىؿ العمـ كالديف مف األمراء فعزلو كاجب ،كىذا ما ال خبلؼ فيو».
خامسا :األمر بالمعركؼ ،كالنيي عف المنكر ،ككجكب إقامة العدؿ ،ككجكب المساكاة بيف
ً
الناس ،ككجكب احتراـ إنسانية اإلنساف ،كحؽ المعتقد ،كحرية الفرد ..الخ كؿ ىذه مبادئ دعا
عمميا في ظؿ الحكـ اإلسبلمي.
اقعا ن
إلييا اإلسبلـ ،بؿ كطبقيا ك ن
ىذه المبادئ كالقيـ ىي التي قامت عمييا الديمقراطية مف الحرية كالكرامة كرعاية حقكؽ
اإلنساف ،ىذه كميا مبادئ إسبلمية ،في الغرب تسمى حقكقنا ،كفي شريعتنا تسمى فرائض.
ِ -أف العمماء الذيف حرمكا الديمقراطية ،ال يجيزكا بأم حاؿ مف األحكاؿ حكـ األنظمة
الظالمة ،كال حكـ الطغاة المستبديف ،إنما أرادكا الرجكع إلى األحكاـ اإلسبلمية ،بما تحمؿ مف
معاني الحرية الشكرل المساكاة كالعدؿ.
ّ -أف الذم نظر لمديمقراطية بإيجاب ،نظر إلى ما يمنحو ىذا النظاـ لمناس مف حؽ
األمة في محاسبة الحاكـ ،كتقكيمو ،كالى ما تمنحو مف الحريات ،كالحقكؽ.
رأي الباحث :مع تقدير الباحث الجتياد الفريقيف ،فإنني أميؿ لمرأم األكؿ ،ألنني أعتقد أننا
-كنحف أصحاب ديف صالح لكؿ زماف كمكاف -لسنا بحاجة إلى أفكار كعقائد الغرب،
أف في ديننا مف القكاعد السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية ما يصمح لقياـ نظاـ رباني،
خاصةن ٌ
كيجدر بي أف أنبو أننا ال نرفض كؿ ما جاء مف الغرب ،بؿ عمينا أف نستفيد مف تجاربيـ،
(ُ) انظر مسند عبد الرزاؽ جُُ ،)ََِِٕ(ّّٔ/البحر الزخار جُ ،)ََُ(ٓٗ/سنف الدارمي جِ.َِّ/
-383111
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كننقؿ عنيـ ما ينفعنا ،ثـ ننقؿ الذم نريد كفؽ إطارنا اإلسبلمي ،كنضعيا ضمف ضكابط
الشريعة ،كىك ما أراده المنادكف مف عممائنا بالديمقراطية ىك أف نأخذ منيا ما يصمحنا،
أف نأخذىا كميا كما ىي في الغرب.
كنرفض ٍ
متغيرا ،ىـ فيو مختمفكف ،كآراؤىـ فيو متناقضة،
ن نظاما بشرنيا
ن ْ -فالنظاـ الديمقراطي يبقى
ألف ىذه المبادئ ال تعتمد
غدا كجكب تركو ،بؿ كمحاربتوٌ ، فما يركنو اليكـ ال بد منو ،يركف ن
عمى أساس ثابت ،إنما مرجعيا إلى أىكاء البشر؛ فؤلف نربط نظامنا السياسي بمنيج رباني
ثابت ،خير لنا مف أف نرتبط بمنيج دائـ التغير ناقص كمتناقض ،فبل نقكؿ كما نادل بعض
كغدا بأم فكرة جديدة
عممائنا بأف اإلسبلـ اشتراكي ،كيقاؿ لنا اليكـ :أف اإلسبلـ ديمقراطي ،ن
نربط ديننا؟!!
ٓ -النظاـ الديمقراطي الذم يبشر بو الغرب ىك الذم يساند احتبلؿ الييكد لفمسطيف ،بؿ
كيمده بالماؿ كالرجاؿ كالسبلح ،كىك يستبيح الديار كالمقدسات ،كيستحؿ المحرمات .كىك الذم
صنع الكثير مف األنظمة المستبدة ،كالحكاـ الطغاة الذيف يمتصكف دماء الشعكب كينيبكف
خيراتيا كيفرطكف في مقدساتيا .كىك الذم يقكـ بحماية ىذه األنظمة ،كيدافع عنيا.
ٔ -الكاليات المتحدة األمريكية بعد أحداث الحادم عشر مف نكفمبر ىدمت الكثير مف
مبادئ الديمقراطية ،كاعتدت عمييا ،فأحمت التصنت عمى المكالمات الياتفية ،كاجتاحت الكثير
مف المؤسسات الثقافية كالخيرية في داخؿ أمريكا ،كأغمقت الكثير منيا ،كفتحت السجكف
لبلعتقاؿ السياسي ،كاإلدارم ،كما زالت سجف غكانتانمك كمعو الكثير مف السجكف السرية
األمريكية في أنحاء العالـ يصفد فييا الكثير مف األطيار باألصفاد.
ٖ -النظاـ الديمقراطي الذم لـ يحتمؿ الحجاب ،فمنع المحجبات مف دخكؿ المدارس
كالجامعات في فرنسا ،كىذا النظاـ الذم ينادم أحد أركانو في ىكلندا بضركرة منع القرآف،
كبمصادرتو مف البيكت ،كالمساجد ،كيشبيو بكتاب كفاحي ليتمر!!!.
ٗ -كفي ظؿ ىذا النظاـ انتيكت حرمات األنبياء ،سخركا مف النبي ،كرسمكا لو
رسكمات تحط مف قدره ،كرفضكا مع ذلؾ االعتذار لؤلمة المسممة ،بدعكل أف ىذا األمر يأتي
-381-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ضمف إطار الحرية الديمقراطية ،ىذا النظاـ الذم ال يتردد في محاكمة مفكريو كعممائو ،إذا
قاـ أحدىـ بالتشكيؾ في أعداد األمكات مف الييكد في المحرقة النازية ،عندىا تقكـ الدنيا كال
تقعد ،يسجف منيـ مف يسجف ،أك يغرـ.
َُ -النظاـ الديمقراطي الذم تستغكؿ فيو السمطة عمى كؿ شيء حتى عمى البرلماف،
فتكذب عميو ،مثمما فعمت بريطانيا كأمريكا عندما قدـ فيو الزعماء تقارير لممجالس النيابية كميا
كذب ،حكؿ العراؽ لتبرير ضربيا ،بؿ كيضرب «تكني بمير» ك«برلسككني» ك«أثنار» بآراء
شعكبيـ عرض الحائط ،كقد خرجت بأعداد ىائمة لـ تشيد أكركبا مثميا بمغت المبلييف ،رافضةن
الحرب عمى العراؽ ،فمـ تتغير ق اررات الحرب الجاىزة سمفنا.
ُُ -يحصؿ التزكير في نتائج االنتخابات حتى في الدكلة الديمقراطية األكلى ،إذ تذكر
مؤلفة أمريكية عف االنتخابات األخيرة ،التي فاز فييا جكرج بكش ،أف قرية مجمكع سكانيا
تسع كعشركف ألؼ نسمة ،عدد المقترعيف بمغ تسعيف ألؼ ناخب!!!
ُِ -إف النظاـ الديمقراطي ىك نظاـ لمف يدعي اإللكىية في األرض ،ليشرعكا ما يريدكف،
كفؽ المنفعة التي تعكد عميو ،إنو نظاـ فيو الضعفاء كالفقراء فيو أتباع أكفياء لؤلقكياء األغنياء
-381113
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
المطمب الخامس:
العولمة
مصطمح العكلمة مصطمح جديد ظير في العالـ الغربي في بداية عقد التسعينيات ،كقد
سبقو حدثاف ضخماف أث ار في حركة العبلقات الدكلية كاتجاىاتيا كعمى مكازيف القكل في
العالـ:
رمز لو في عاـ األول :سقكط المعسكر الشرقي الذم اتخذ مف سقكط جدار برليف نا
ُٖٗٗـ ،كالذم أنيى فترة مف الحرب الباردة بيف المعسكريف حمؼ كارسك ،ككاف يقكده االتحاد
السكفيتي السابؽ ،كحمؼ األطمسي بقيادة الكاليات المتحدة األمريكية ،بدأت منذ نياية الحرب
العالمية الثانية ،كصاحبيا حاالت مف االستقطاب كالمد ،كالجزر في عبلقات ىذيف
المعسكريف؛ بحيث كصمت في ىج ٍزر ككبا ،جنكب الكاليات المتحدة األمريكية ،إلى التيديد
بحرب عالمية ثالثة مباشرة ،أثناء أزمة الصكاريخ الككبية ،كفي المد كصمت إلى االتفاؽ عمى
تقسيـ مناطؽ نفكذ في بعض بقاع العالـ ،كبيف ذلؾ حصمت حركب بالككالة؛ كما حصؿ في
فيتناـ كأفغانستاف.
كقد أتاحت حالة الحرب الباردة كالصراع كالتنافس العالمي عمى مناطؽ النفكذ ،كجكد ىامش
كثير مف الدكؿ مف االستقبلؿ عف الدكلتيف
مف الحرية لما سمي بدكؿ عدـ االنحياز ،م ٌكف نا
الكبيرتيف أك إحداىما.
الثاني :الحدث اآلخر الكبير كىك حرب الخميج الثانية في عاـ ُُٗٗـ ،كىي حرب شبو
عالمية ضد العراؽ ،لكف مف طرؼ كاحد ،كدكف تكافؤ في القكل .كانتيت ىذه الحرب بانتصار
أمريكي غربي ،أضيؼ إلى ذلؾ النصر التاريخي عمى المعسكر الشرقي .كىذاف االنتصاراف
نكعا مف السيادة العالمية ،مستغمة تقدميا التقني كاالقتصادم كقكتيا العسكرية
أتاحا ألمريكا ن
في تكريس ىذه السيادة.
فبدأ في ىذا الظرؼ التاريخي ظيكر مصطمحات جديدة مثؿ «العالـ الجديد» كمثؿ
«العكلمة» .كىذا المصطمح األخير أخذ حظو مف االنتشار ،باعتبار أنو يمثؿ حركة الييمنة
كالسيادة الغربية بأسمكبيا الحضارم الجديد ،كظيرت كتابات كثيرة لدل الغربييف ،تؤصؿ ليذا
-384-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
الفكر الجديد ،مثاؿ ذلؾ كتاب «نياية التاريخ» ؿ -فكككياما (ُ) ،ككذلؾ فكرة «صراع
الحضارات» لمييكدم األمريكي «ىنتنجتكف» (ِ).
األول :نظر البعض -خاصة كتاب الغرب -إلى العكلمة مف الزاكية االقتصادية فقط،
كذلؾ لقكة تأثيره عمى الدكؿ كالمجتمعات كارتباط كثير مف المجاالت بو .ككمثاؿ لذلؾ كتاب:
«فخ العكلمة»؛ فإنو يركز عمى البعد االقتصادم كأثره عمى المجتمعات الغربية .كما أف
العكلمة االقتصادية ىي المجاؿ الكحيد الذم اتفؽ عمى تعريؼ لو؛ حيث تبنى مؤتمر األمـ
المتحدة لئلدارة كالتنمية UNCTADتعريفنا ليا يقكـ عمى فكرة فتح األسكاؽ كالتبادؿ الحر
كتقميؿ سمطة الدكلة عمى حركة االقتصاد .لكف ىذا التعريؼ الجزئي يغفؿ دالالت العكلمة
الثقافية كالفكرية كاالجتماعية كالسياسية كاألخبلقية.
الثاني :نظر الكثير مف المفكريف المسمميف إلى العكلمة عمى أنو :نظاـ عالمي يشمؿ
المجاالت السياسية كالفكرية كالثقافية كاالجتماعية ،كيشمؿ مجاؿ التسكيؽ كالمبادالت
كاالتصاؿ.
فالعكلمة تركز عمى قكانيف السكؽ ،كالحرية المطمقة في انتقاؿ البضائع ،كاألمكاؿ،
(ُ) فرانسيس فكككياما كاتب كمفكر أمريكي الجنسية مف أصكؿ يابانية كلد في مدينة شيكاغك األمريكية عاـ ُِٓٗـ
مستشار في ك ازرة الخارجية
نا مف كتبو كتاب (نياية التاريخ كاإلنساف األخير) ك(االنييار أك التصدع العظيـ) عمؿ
األمريكية .أفكاره قريبة مف أفكار تيار المحافظيف الجدد ،كفكرة ىيمنة أمريكا عمى العالـ في القرف الجديد ،في نفس
الكقت يحذر ،كيؤشر إلى أمكر نيايتيا خطيرة كتشاؤمية .كاف أحد مطالبي حككمة بيؿ كمنتكف إلى قمب نظاـ
صداـ حسيف ،إال َّأنو لـ تعجبو طريقة تنفيذ جكرج بكش االبف في غزك العراؽ ،فقد دعا إلى كجكب استقالة كزير
الدفاع دكنالد رامسفيمد
(ِ) صامكيؿ فمبس ىنتنجتكف :ييكدم كلد ُِٕٗ ـ أستاذ عمكـ سياسية اشتير ،بتحميمو لمعبلقة بيف العسكر ،كالحككمة
المدنية ،كبحكثو في انقبلبات الدكؿ ،ثـ أطركحتو َّ
بأف البلعبيف السياسييف المركزييف في القرف الحادم كالعشريف
مستعر حكؿ
نا نقاشا
سيككنكا الحضارات ،كليس الدكؿ القكمية .كىك أستاذ بجامعة ىارفارد .كقد أشعؿ ىنتنجتكف ن
مقاال شديد األىمية كالتأثير بعنكاف »
العالـ في العبلقات الدكلية بنشره في مجمة فكريف أفيرز (العبلقات الخارجية) ن
صراع الحضارات؟» التي صدرت فيما بعد في كتاب عاـ ُٔٗٗـ ،المقالة تناقضت مع النظرية السياسية التي
طرحيا فرانسيس فكككياما في كتابة » نياية التاريخ» .المقالة كالكتاب عرضا كجية نظره أف صراعات ما بعد
(غالبا حضارية ،مثؿ الحضارات الغربية، ن الحرب الباردة ستحدث أكثر كأعنؼ ما يككف عمى أسس ثقافية
بدال مف األسس العقائدية ،كما كاف الحاؿ خبلؿ الحرب الباردة كمعظـ القرف
اإلسبلمية ،الصينية ،اليندككية ،إلخ ).ن
العشريف.
-385115
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كاألشخاص ،كالمعمكمات في االقتصاد ،كعمى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي ،كعمى مفيكـ
الحرية كالمساكاة المطمقة في البعد االجتماعي ،كاألخبلقي.
وبمعنى آخر :العولمة :فكر يعبر بصكرة غير مباشرة عف إرادة الييمنة عمى العالـ كتغريبو
أك أمركتو ،مستغمة مظاىر كآليات التطكر الحضارم الذم يشيده العصر ،كىي:
-3الييمنة القتصادية :مف خبلؿ المنظمات الدكلية االقتصادية مثؿ :منظمة التجارة
العالمية.
-4الييمنة الجتماعية :مف خبلؿ مؤتمرات دكلية كاقميمية.
-5الييمنة الفكرية واإلعالمية :مف خبلؿ القكانيف كاالتفاقيات كالصككؾ الدكلية في ىذا
المجاؿ؛ مدعكمة بقكة دفع ضخمة بكاسطة إمبراطكريات إعبلمية ،كشبكة المعمكمات الدكلية -
(ُ)
إنترنت -يسيطر الغربيكف عمى معظميا؛ حيث اعتبر المفكر الفرنسي ركجيو جاركدم
العكلمة ىي االسـ الجديد لبلستعمار.
الثالث :يرل البعض أف العكلمة ىي اتجاه فطرم لئلنساف؛ يتسارع أثره مع تطكر آليات
االتصاؿ بيف المجتمعات ،كتركيز الصناعات ،كتجاكز المجتمع التقميدم ،كأنيا مظير مف
مظاىر التطكر الطبيعي الحضارم المعاصر ،كأف المجتمعات األكثر حضارة ،تفيض عمى
المجتمعات األقؿ حضارة ،بشكؿ تمقائي عبر قنكات تصؿ بيف المنبع كالمصب .فيك نظاـ
تكامبل ،كليس ىيمنة عمى العالـ بالمفيكـ الغربي أك األمريكي .كقد يعبر عف
ن رأسمالي أكثر
(ُ) كلد ُُّٗـ فيمسكؼ ككاتب فرنسي خبلؿ الحرب العالمية الثانية أيخذ كأسير حرب في الجزائر .كاف جاركدم
شيكعيان ،لكنو طرد مف الحزب الشيكعي سنة َُٕٗـ كذلؾ النتقاداتو المستمرة لبلتحاد السكفياتي ،كبما أنو كاف
منجذبا لمديف كحاكؿ أف يجمع الكاثكليكية مع
ن عضكا في الحكار المسيحي الشيكعي في الستينيات ،فقد كجد نفسون
ظؿ عمى عدائوالشيكعية خبلؿ عقد السبعينيات ،ثـ ما لبث أف اعتنؽ اإلسبلـ عاـ ُِٖٗـ متخ نذا االسـ رجاءٌ .
لئلمبريالية كالرأسمالية ،ك بالذات ألمريكا .كقد شنت المنظمات الصييكنية :حممة ضده في فرنسا كالعالـ .في عاـ
ُٖٗٗـ بسبب مكاقفو المعادية مف إسرائيؿ ،كمف أساطير الييكد حكؿ المحرقة النازية ،نتيجة لذلؾ حكمت محكمة
فرنسية عمى جاركدم بتيمة التشكيؾ في محرقة الييكد في كتابو" :األساطير المؤسسة لدكلة إسرائيؿ" ،حيث شكؾ
في األرقاـ الشائعة حكؿ إبادة ييكد أكركبا في غرؼ الغاز عمى أيدم النازييف.
-386-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ذلؾ بطريقة أخرل فيقاؿ :إف ما يحدث ىك إفراز مف اف ارزات الدكلة الحضارية ،في لحظة
تضخـ قكتيا في المجاالت المختمفة عمى العالـ مف حكليا.
كيتفؽ عدد مف المفكريف بأنيا آلية يمكف أف تؤدم بشكؿ متسارع إلى نشكء نظاـ عالمي
جديد بكاسطة ثبلثية التكنكلكجيا ،كرأس الماؿ ،كاإلدارة ،كتشمؿ السياسة كاالقتصاد ،كالثقافة
كاالجتماع كاألعراؼ ،ليؤسس القرية الككنية الجديدة التي تقكـ عمى ثكرة الكمبيكتر،
كاالتصاالت ،كالثكرة المعمكماتية ،كاألسكاؽ المفتكحة ،كالشركات متعددة الجنسيات ،لتكحيد
مصير اإلنسانية.
السؤال اآلن :ىؿ العكلمة مظير مف مظاىر التطكر الحضارم الطبيعي الذم يشيده
العصر ،كلكنو يتـ بمقاييس األقكياء؟ أـ أنيا عقيدة تعبر بصكرة مباشرة عف إرادة الييمنة عمى
العالـ مف ًقىبؿ األقكياء؟
مجاالت العكلمة:
تظير العكل مة في مجاالت عديدة مف مجاالت الحياة؛ التي تشكؿ شبكة العبلقات الدكلية
المعاصرة ،كأىـ ىذه المجاالت:
أول :المجال القتصادي :كترتكز العكلمة فيو عمى فكرة كحدة السكؽ ،كازالة العكائؽ أماـ
ً
معيار لمنقد ،كتحكيؿ العالـ إلى مجتمع
نا حركة رأس الماؿ ،كحرية االقتصاد ،كاتخاذ الدكالر
الدكؿ صناعية منتجة ،كمجتمعات الدكؿ المستيمكة ىي مجتمعات الدكؿ األخرل؛ حتى
أصبح مظير التأثر االستيبلكي لمعكلمة ،ىك لبس الجينز ،كشرب الكككاككال ،كأكؿ اليمبرجر،
كمشاىدة المحطة األخبارية ،CNNككميا نتاج أمريكي ،لدرجة أف الرئيس الفرنسي السابؽ
-387117
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
-2منظمة التجارة العالمية :مف خبلؿ قكانينيا في السمع كالخدمات كحقكؽ الممكية
تحكؿ مفيكـ التجارة لدل المنظمة
الفكرية ،كمف خبلؿ ىيئة فض المنازعات كالتحكيـ؛ حيث َّ
مف مفيكـ تقميدم إلى مفيكـ يشمؿ البيئة كالعمؿ كحقكؽ اإلنساف كالعماؿ .كىذه المؤسسات
خطير يمكف أف يمسؾ بخناؽ الدكؿ الفقيرة حتى يجعميا في تبعية شبو
نا الثبلث تشكؿ ثالكثنا
كاممة لمغرب كشركاتو.
-3اإلعالم والدعاية اإلعالمية :كىي مف أكضح الكسائؿ لتركيج المنتجات االستيبلكية،
كتركج معيا بشكؿ غير مباشر البيئات المطمكبة ،التي ىي إفراز لمثقافة ،كالمصالح الغربية،
كتقكـ إمبراطكريات إعبلمية عمى خدمة الدعاية كاإلعبلف ،كتنفؽ الشركات الكبرل مئات
سنكيا عمى ىذه الخدمة.
المبلييف مف الدكالرات ن
-4الشركات المتعددة الجنسيات :التي نجح الكثير منيا في الييمنة عمى السكؽ بنكعية
منتجاتيا ،كخدماتيا ،كبضخامة رأس ماليا ،كباندماجاتيا.
فمثبل:
كلقد شيد العالـ اندماجات ضخمة بيف شركات عمبلقة ن
أ -في مجال السيارات :اندمجت مرسيدس مع كرايزلر.
كيكفي أف نعمـ أف رأسماؿ الشركات المندمجة في مجاؿ الحاسبات فقط عمى مستكل العالـ
-388-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
قد قفز إلى ِْٔ مميار دكالر عاـ ُٗٗٗـ ،بينما كاف ُِ مميار دكالر فقط في العاـ
ُٖٖٗـ .كغيرىا لمكثير مف الصناعات كالتأميف ،كصناعات الطائرات المدنية كالحربية.
كقد يككف مف المناسب التذكير بالتغير الذم ط أر عمى مكقؼ الحككمات الغربية مف مثؿ
تمؾ الممارسات؛ فقد كانت تمؾ الممارسات تعد صيغة احتكارية يمنع منيا القانكف .كلكف
محميا ،بؿ كال غر نبيا ،بؿ عمى مستكل
ن المعبة تغيرت ،كالسكؽ كبرت ،كأصبح التحدم ليس
العالـ كمو ،مما حدا بالدكؿ الغربية إلى تجاكز الفيـ التقميدم لبلحتكار في أسكاقيا ،لمساعدة
شركاتيا لمحصكؿ عمى نصيب أكبر مف السكؽ العالمية.
ثانيا :المجاؿ االجتماعي :كذلؾ بتنميط العالـ عمى نحك مف نمط المجتمعات الغربية - ن
تغريب العالـ -كبالذات أمريكا (األمركة)؛ كذلؾ بنقؿ قيـ المجتمع الغربي؛ كاألمريكي بالذات
ليككف المثاؿ كالقدكة ،سكاء ما نقؿ منيا بإرادة مقصكدة ،أك ما انتقؿ منيا نتيجة طبيعية لرغبة
تقميد الغالب؛ َّ
ألف األمة المغمكبة مكلعة بتقميد الغالب؛ كما قاؿ ابف خمدكف .كتسمؾ العكلمة
االجتماعية كسائؿ لذلؾ منيا:
ثالثًا :المجال الفكري والثقافي :كذلؾ بتركيج األيديكلكجيات الفكرية الغربية ،كفرضيا في
أيضا؛ كذلؾ في
الكاقع مف خبلؿ الضغكط السياسية ،كاإلعبلمية ،كاالقتصادية ،كالعسكرية ن
مجاالت عدة كحقكؽ اإلنساف ،كالديمقراطية ،كحقكؽ األقميات ،كحرية الرأم .كتستخدـ في ذلؾ
آليات ككسائؿ منيا:
أ -إصدار الصككؾ كاالتفاقيات الدكلية المصاغة بكجية نظر غربية ،كالضغط مف أجؿ
-389119
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
التكقيع عمييا ،مثؿ اإلعبلف العالمي لحقكؽ اإلنساف .مكافحة التمييز ضد المرأة ...إلخ .كىذه
االتفاقيات كاف كاف فييا بعض الحؽ ،إال أف فييا الباطؿ ،كيكفي أنيا مصاغة بكجية نظر
غربية صرفة.
ب -إصدار القكانيف مف أجؿ استخداميا ضد دكؿ العالـ الثالث ،باسـ حماية األقميات،
مثؿ قانكف التحرر مف االضطياد الديني الصادر عف الككنجرس األمريكي.
ابعا :المجال السياسي :كذلؾ مف خبلؿ استخداـ األمـ المتحدة بعد الييمنة عمييا ،كعمى
رً
عالميا ،كاستخداـ
ن مؤسساتيا السياسية المؤثرة خاصة مجمس األمف الذم تعتبر ق ارراتو ممزمة
حؽ النقض (الفيتك) المجحؼ عند الضركرة أك التمكيح باستخدامو ،لمنع أم قرار ال يريده
الغرب؛ خاصة أمريكا .كلعؿ ما يجرم اآلف مف تعسؼ أمريكي ،بدعـ بريطاني ،كمجاممة مف
بقية األعضاء الدائميف في استعماؿ ىذه المنظمة العالمية لتكريس ىيمنة أمريكا دليؿ عمى
ذلؾ .كقد تحدث بطرس غالي األميف العاـ السابؽ لؤلمـ المتحدة في كتابو« :بيت مف زجاج»
عف الكثير مف ىذه الممارسات ،بعد خبلفو مع أمريكا.
خامسا :المجال العسكري :كذلؾ مف خبلؿ األحبلؼ كالمعاىدات العسكرية التي تعقدىا
ً
الدكؿ الكبرل ،كبالذات أمريكا مع الدكؿ الصغيرة ،كمف خبلؿ األحبلؼ اإلقميمية التي تككف
ىذه الدكؿ طرفنا فييا ،ككذلؾ مف خبلؿ حمؼ األطمسي الذم حددت أىدافو تجاه الدكؿ
اإلسبلمية خاصة كغيرىا مف دكؿ أفريقيا كآسيا ،بعد أف كاف تجاه الشرؽ بعد انتياء الحرب
الباردة ،كسقكط االتحاد السكفييتي ،كانحبلؿ حمؼ كارسك.
-390-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أك اكتشاؼ جديد كؿ دقيقتيف .كأبرز مجاؿ يشيد ثكرة تقنية ضخمة ىك مجاؿ االتصاالت.
كمف مظاىر ذلؾ ما يمي:
يدكر حكؿ األرض حكالي َََِ قمر صناعي لبلتصاالت المدنية ،سكل أقمار التجسس،
كاألقمار ذات األغراض العسكرية .كيكفي أف نعرؼ أف (بؿ جيتس) صاحب شركة
مايكركسكفت كعد بمفرده بإطبلؽ ََٓ قمر صناعي لخدمة االتصاالت كنقؿ المعمكمات.
صرحت شركة كيك كيست ،لبلتصاالت األمريكية أف نظاميا التقني الحديث يستطيع نقؿ
كـ ىائؿ مف المعمكمات يكازم ما تحكيو مكتبة الككنجرس مف كاشنطف ،إلى أم مكاف في
العالـ خبلؿ مدة ال تتجاكز عشريف ثانية.
التطكر التقني القادـ سيشمؿ أجيزة التمفاز خاصة بعد تطكير الشاشة عالية الكضكح.
كسيككف الدخكؿ إلى اإلنترنت عف طريؽ التمفاز ،كالتحكـ بالبرامج أسيؿ .كقد بدأت الكثير
مف القنكات التمفزيكنية بث برامجيا عبر شبكة اإلنترنت ،مثؿ قناة ،CNNكقناة الجزيرة،
كغيرىما.
كمع تطكر كاميرات الفيديك الرقمية ،سيككف بإمكاف األشخاص العادييف بث برامج
كمعمكمات ،عبر قنكات كمحطات شخصية خاصة بيـ كما ىك الحاؿ في مكاقع شبكة
اإلنترنت.
كفي مجاؿ اإلنترنت -كىي الشبكة التي حطمت القيكد كالحكاجز كحققت كحدة معمكماتية
-نرل أىمية ىذه الشبكة كخطكرتيا مف خبلؿ سعتيا كمحتكياتيا ،كحرية استخداميا كسيكلتو،
كمف ذلؾ:
-393191
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
مستخدمك اإلنترنت حكالي ََٓ مميكف مستخدـ؛ كما أف مكاقع اإلنترنت التجارية
يكميا بشكؿ
كالحككمية كالخاصة ،قد زادت عمى ََِ مميكف مكقع عاـ ُٗٗٗـ ،كىي تزداد ن
سريع.
طرحت بدائؿ جديدة لمتجارة تسمى اآلف التجارة اإللكتركنية ،كنشأت األسكاؽ اإللكتركنية،
كضخت مميارات الدكالرات في ىذا السكؽ .كلمثؿ ىذا الغرض كتحققت كحدة لمسكؽ العالمي ،ي
أنشأت إمارة دبي مدينة اإلنترنت .كقد يككف ىذا بعض معنى ما ركم في الحديث الصحيح
ً ً اعةي ىحتَّى تى ٍ ىف رسكؿ ًَّ ً
ب
ب ،ىكىيتىقى ىار ى
ظ ىيىر اٍلفتى يف ،ىكىي ٍكثيىر اٍل ىكذ ي الس ى
كـ َّ
اؿ « :ىال تىقي ي
اَّلل قى ى ىع ٍف أىبي يى ىرٍي ىرةى أ َّ ى ي ى
اؿ« :اٍلقى ٍت يؿ» .زادت صفحات ً ب َّ
يؿ :ىك ىما اٍليى ٍريج؟ قى ى
اف ،ىكىي ٍكثيىر اٍليى ٍريج» ،ق ىالزىم ي اؽ ،ىكىيتىقى ىار ى
ىس ىك ي
ٍاأل ٍ
اإلنترنت في نياية عاـ َََِـ عمى ٓ ُ.مميار صفحة ،بينما كصؿ عدد العرب
المستخدميف لمشبكة اإللكتركنية عاـ ََِْـ أكثر مف َٕ مميكف مستخدـ ،كعدد المكاقع
العربية تقر نيبا كصؿ إلى أكثر مف ستة مبلييف مكقع .كمع أف ىذه اإلحصائيات ليست دقيقة؛
كذلؾ لصعكبة تحقيؽ ذلؾ في مثؿ نظاـ الشبكة ،لكف المقصكد ىك تقريب الصكرة.
مخاطر العكلمة:
كليذا كاف منيج اإلسبلـ ىك كجكد تشريعات تمنع أف يبقى الماؿ يدكلة بيف األغنياء؛ كقد
ظيرت الطبقية كاالحتكار مف خبلؿ إيجاد آليات كىياكؿ كمؤسسات اجتماعية ،سكاء كانت
-391-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
اقتصادية أك قانكنية أك تشريعية ،يتـ مف خبلليا تكجيو الماؿ كالسمطة كالتأثير لؤلغنياء دكف
الفقراء ،كتكرس انعداـ الفرص أماـ الفقراء في مزاحمة األغنياء.
معيار لكثير مف المناصب كالمياـ .كمف ذلؾ التشريعات الخاصة نا بؿ كيككف الماؿ كالغنى
ببعض األسكاؽ التجارية كالبكرصات كالتشريعات القانكنية (غير المكتكبة) في أمريكا كالمنحازة
إلى فئة دكف أخرل ،كمف ذلؾ ما يظير في طبيعة ىيكمة األحزاب السياسية .كقد حذرت مجمة
Foreign Affairsاألمريكية في عدد سابؽ مف نشكب ثكرة اجتماعية عالمية ،بعد نقدىا لفكرة
العكلمة؛ ألنيا تترؾ كراءىا المبلييف مف العماؿ الساخطيف ،كحاالت البلمساكاة ،كالبطالة،
كالفقر المستكطف ،كاختبلؿ التكازف االجتماعي ،باإلضافة إلى تخمي الدكلة عف مكاطنييا،
كنشكء الطبقية الفاحشة داخؿ مجتمع الدكلة الكاحدة .كذلؾ تسبب تكريس اليكة بيف الدكؿ
النامية كالدكؿ المتقدمة كبيف أغنياء العالـ كفقرائو.
ثبلثة أغنى أغنياء أمريكا ،ثركتيـ أكثر مف ثركة قارة إفريقيا كميا ،التي فييأََ مميكف
نسمة %َّ .مف سكاف العالـ دخميـ اليكمي يقؿ عف دكالريف ،كَِ %مف سكاف العالـ يقؿ
دخميـ اليكمي عف دكالر كاحد ،ككميـ مف الدكؿ النامية.
َِ %مف سكاف العالـ يممككف َٖ %مف ثركتو ،كالباقي مف السكاف يممككف الباقي مف
الثركة.
حركة الماؿ العالمي اليكمي تزيد عمى َُ تريميكنات دكالر يممؾ معظمو عدد محدكد مف
الشركات ،كاألشخاص في ىذا العالـ ،معظميـ في العالـ الغربي.
التجارة اإللكتركنية (السكؽ اإللكتركني) شبو محتكرة لمغربييف؛ خاصة أمريكا ،التي تحصؿ
عمى نصيب األسد مف ىذه التجارة ،حيث بمغت حصتيا مف ىذه السكؽ نسبة قريبة مف
النصؼ ،كالباقي لبقية العالـ ،كخاصة الدكؿ الغربية األخرل ،بينما الدكؿ النامية ال تحصؿ إال
عمى كاحد باأللؼ.
خمس دكؿ غربية فييا ُِٕ شركة مف أصؿ ََِ شركة كبرل في العالـ ،كىي أمريكا،
كالياباف ،كفرنسا ،كألمانيا ،كبريطانيا.
-391193
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
شخصا.
ن شخصا يممككف ما يممؾ ْٓ %مف سكاف العالـ أم ٔرِ مميار
ن في العالـ ّٖٓ
األرباح المتكقعة مف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد تصؿ إلى ََِ مميار دكالر،
معظميا يذىب إلى الشركات الغربية ،بينما لف يحصؿ العالـ العربي إال عمى ُ %منيا.
كفي مجاؿ التكنكلكجيا نجد أف َْ %مف كمبيكترات العالـ تكجد في أمريكا؛ بينما نجد
احدا ،كنجد أف َٖ %مف مالكي اليكاتؼىاتفيا ك ن
ن احدا مف كؿ ثبلثمائة أفريقي يممؾ خطنا
ك ن
الخمكية ىـ مف العالـ الغني ،بينما تكصؼ بنغبلدش بأنيا صحراء ىاتفية.
الفرنكفونية :ىي حركة فكرية ،ذات بعد أيديكلكجي ،تيدؼ إلى تخميد قيـ (فرنسا األـ) في
كؿ مستعمراتيا التي انسحبت منيا عسكرنيا ،كمدافعة التيارات القكمية كالمغكية األخرل؛ كذلؾ
كميا ،أك
مف خبلؿ اعتماد المغة الفرنسية ،باعتبارىا ثقافة مشتركة بيف الدكؿ الناطقة بيا ن
-394-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
جز نئيا.
كما أفادت د ارسة لبرنامج األمـ المتحدة لمبيئة نشرت في ََُِٖ/ِ/ـ أف نصؼ المغات
المحمية في العالـ في طريقيا لمزكاؿ ،كحذرت الدراسة مف أف َٗ %مف المغات المحمية سكؼ
تختفي في القرف الحادم كالعشريف.
استخداـ بعض الصككؾ الدكلية كالقكانيف عند بعض الدكؿ لمضغط مف أجؿ تغيير
اليكيات ،كصير الثقافات ،ككمثاؿ عمى ذلؾ قانكف التحرر مف االضطياد الديني األمريكي،
الذم تستخدمو في التدخؿ بشؤكف العالـ اإلسبلمي بدعكل حماية األقميات ،كاتاحة حرية
ممارسة العبادة كاقامة دكر ليا.
اآلثار الثقافية السمبية التي يمكف أف تنشأ مف السير في فمؾ منظمة التجارة العالمية؛ حيث
تتيح تفسيرات قكانينيا االعتداء عمى الخصكصيات الثقافية ،بدعكل تسييؿ انسياب حركة
التجارة العالمية.
كذلؾ بما يبث عبر شبكات التمفزة كاإلنترنت مف أفبلـ جنسية ،كمكاد إعبلمية تركج الفاحشة
كالرذيمة .كقد بمغ ىذا النكع مف المكاد كاألفبلـ مف الكثرة ،لدرجة َّ
أف ألمانيا التي يسمح قانكنيا
بعرض العممية الجنسية عمى المسرح مباشرة أماـ المشاىديف قامت بإغبلؽ ََِ مكقع إباحي
عاـ ُٔٗٗـ.
-395195
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
النصيب العربي في ىذا األمر كبير ،فأكثر مف ِٖ %مف المستخدميف العرب أدمنكا
زيارات ىذه المكاقع.
استخداـ جسد المرأة أداة نفعية مادية؛ كذلؾ بتضخيـ الجانب الشيكاني؛ حيث تعتبر المرأة
سمعة يمكف تسكيقيا مف خبلؿ العركض التمفزيكنية كاإلعبلنات .ككذلؾ تعتبر المرأة آلة لتسكيؽ
السمع االستيبلكية لمستحضرات التجميؿ كاألزياء ،كيظير ذلؾ مف خبلؿ عركض األزياء،
كمسابقات ممكات الجماؿ ،كقد تكسعت مسابقات ممكات الجماؿ لتشمؿ ممكات جماؿ
اإلنترنت.
الحرية الجنسية ،كاباحة العبلقات الجنسية خارج إطار األسرة ،كتقميؿ قيمة الزكاج.
تكريس المفيكـ الغربي لؤلسرة ،كىك أنيا تتككف مف شخصيف فأكثر كلك كانا مف نكع
كاحد.
إباحة الشذكذ الجنسي بكؿ أنكاعو ،كمف المعمكـ أنو يمقىّّر في بعض القكانيف الغربية.
فرض مفيكـ المساكاة الشكمي بيف المرأة كالرجؿ في الحقكؽ كالكاجبات كالحياة العامة.
تزايد النشاط النسكم الكافد بما يحممو مف فكر تغريبي ،كمثالو :الخطة الكطنية إلدماج
المرأة في التنمية في المغرب (َََِـ).
االتجاه إلعادة النظر في قكانيف األسرة في العالـ اإلسبلمي ،كما حصؿ في مصر
-396-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
أخيرا.
ن
تزايد التمكيؿ األجنبي المشبكه لمنظمات كىيئات نسكية أك معنية بشؤكف األسرة
كالمرأة.
طرح مناقشات كبرامج حكؿ المرأة في المجتمعات المحافظة ،كما حصؿ في بعض
أخيرا.
دكؿ الخميج ن
خطر الفكضى العالمية كعدـ السيطرة:
تتيح التقنية كسائؿ جديدة لممجرميف كالمصكص ،كتجار المخدرات؛ حيث إف تكحد السكؽ
كضخامة ما يضخ فيو مف ماؿ ،يغطي عمميات السرقة كغسيؿ األمكاؿ ،فتكثر عصابات
المافيا كأساليب االحتياؿ ،كقد تغرم بدخكؿ أجيزة استخبارات لبعض الدكؿ ،كسط معمعة
الفكضى ،لتحقيؽ أغراض مالية أك سياسية .كمف مظاىر ذلؾ:
مكاقع عمى اإلنترنت فييا إرشادات لئلرىابييف؛ حتى كصؿ األمر إلى أف يناقش ىذا
المكضكع في الككنجرس األمريكي تحت عنكاف« :اإلنترنت كعبلقتو باإلرىاب».
عشرات األلكؼ مف المكاقع عمى اإلنترنت تشرح طرؽ استعماؿ المخدرات ككسائؿ استخداـ
العنؼ.
سرقة البرامج؛ حيث قدرت قيمة البرامج المسركقة في عاـ ُّٗٗـ ببميكني دكالر.
سرقة أرقاـ بطاقات االئتماف؛ حيث قامت عصابة كاحدة بسرقة َََ َُْ.بطاقة عاـ
ُْٗٗـ ،كتـ نشرىا عمى لكائح.
إفساد البرامج داخؿ أنظمة الكمبيكتر .كبحكـ ترابط شبكات الكمبيكتر كالمعمكمات يعظـ
اإلفساد .ككمثاؿ عمى ذلؾ فيركس «الحب» .كما زالت محاكالت نشر الفيركسيات عبر
اإلنترنت ،كالبريد اإللكتركني مستمرة.
ىذه جكانب مف المخاطر ،كىناؾ جكانب أخرل لـ نتطرؽ إلييا لكضكحيا لممراقب كالمتابع،
كمنيا خطر العكلمة االقتصادية ،ذلؾ الغكؿ الخطير الذم ييدد دكؿ الجنكب عامة ،كيمكف
أف يحكليا إلى شبو ممكية خاصة لمشركات الغربية العمبلقة ،المتعددة الجنسيات.
مستقبؿ العكلمة:
-397197
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
يظير -كهللا أعمـ -أف ىيمنة الغرب كبالذات أمريكا الدكلة المركزية عمى عممية العكلمة
طكيبل؛ كذلؾ بحسب استشراؼ األمريكاف أنفسيـ لمستقبؿ دكلتيـ ،كاف كانت ستبقى
ن لف تستمر
مييمنا ،لؤلسباب اآلتية:
ن ذات مركز عالمي ميـ لكف ليس
إف طبيعة اإلنساف عندما يممؾ القكة كال يضبطو منيج رباني ،كال يجد مقاكمة مكافئة ،فيك
اف يخًم ى
ؽ نس ى ظميكمان ىجيكالن﴾ األحزاب ،ِٕ:كقاؿ﴿ :إً َّف ًٍ
اإل ى ي كما قاؿ هللا تعالى عنو﴿ :إًَّنوي ىك ى
اف ى
ىىميكعان{ُٗ} إً ىذا م َّسوي َّ
الش ُّر ىج يزكعان{َِ} ىكًا ىذا ىم َّسوي اٍل ىخ ٍي ير ىمينكعان﴾ المعارج .كلذلؾ سيكثر الظمـ ى
كالبغي كاالبتزاز ،كمحاكلة السيطرة عمى مكارد اآلخريف مف ًقىبؿ األقكياء .كأما دعاكل الحرية
كالمساكاة كحقكؽ اإلنساف فتمؾ داخؿ مجتمعاتيـ ،كتستخدـ خارجيا مف أجؿ مزيد مف الييمنة
في الغالب ،كىذا سيزيد مف حجـ العداء كاثارة ركح المقاكمة.
(ُ)
الغربية؛ كما في فكرة نياية ِ -إف فكر العكلمة الذم يقكـ عمى الترغيب بمجتمع الميبرالية
التاريخ عند فكككياما ،كعمى الترىيب مف الصداـ الحضارم؛ كما في أطركحة صداـ الحضارات
عند ىنتنجتكف ،كىما مفكراف أمريكياف يستشرفاف عبلقة الغرب بالعالـ اآلخر ،ىما فكرتاف
تكحياف بأف ىذا الفكر العكلمي يسعى إلى محاكلة إلغاء الخصكصيات الحضارية؛ بالترغيب
كالترىيب ،يخالؼ طبيعة األشياء ،مما يسبب قياـ تيار معاكس في كؿ حضارة ،كبالذات
الحضارات التي تممؾ عناصر القكة كالمنعة ،ثـ يحصؿ الصراع الذم يعتقده ىنتنجتكف.
(ُ) ىي مذىب رأسمالي ينادم بالحرية المطمقة في السياسة كاالقتصاد ،كينادم بالقبكؿ بأفكار الغير كأفعالو ،حتى كلك
كانت متعارضة مع أفكار المذىب كأفعالو ،شرط المعاممة بالمثؿ .كالميبرالية السياسية تقكـ عمى التعددية األيدلكجية
كالتنظيمية الحزبية .كالميبرالية الفكرية تقكـ عمى حرية االعتقاد؛ أم حرية اإللحاد ،كحرية السمكؾ؛ أم حرية الدعارة
كالفجكر.
-398-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ّ -إف تكقع أف العالـ سيتحكؿ إلى كاليات أمريكية كما يعتقد أحد مؤلفي «فخ العكلمة»
في ندكة لو بالرياض ىك مخالؼ لمسنف اإلليية التي تحكـ ىذا الككف ،كلسنة التدافع كالصراع
التي تحكـ العبلقة بيف الحؽ كالباطؿ ،منذ كجكد اإلنساف عمى ىذه األرض .فاالختبلؼ
كالتدافع كالصراع كانت مف سمات الحياة البشرية عبر التاريخ بسبب االختبلؼ بيف الحؽ الذم
جاء بو األنبياء ،كالباطؿ الذم تدعك إليو الشياطيف ،أك بسبب نكازع النفس البشرية كأنانيتيا
ضيي ٍـ كعنصريتيا ،كظمميا كبغييا عمى اآلخريف .قاؿ هللا تعالى﴿ :كلىكالى د ٍفع ً
اَّلل َّ
اس ىب ٍع ى
الن ى ىٍ ى ي ٌ
ضييـ بًىب ٍع و ً بًبع و َّ ً
ض اس ىب ٍع ىض﴾ البقرة ،ُِٓ:كقاؿ تعالى ﴿ :ىكلى ٍكىال ىد ٍفعي ا ََّّلل النَّ ى ض لفى ىس ىدت األ ٍىر ي ىٍ
ً ً ً ً ً
اَّلل ىكثي انر﴾ الحج.َْ: اس يـ َّ ات كم ىس ً
اج يد يي ٍذ ىك ير فييىا ٍ ص ىكامعي ىكبًىيعه ىك ى
صمى ىك ه ى ى ت ىلَّيي ٌد ىم ٍ
ْ -إف كجكد الطائفة المنصكرة التي أخبر عنيا النبي إلى نياية الزماف كالتي ىي
بعض قدر هللا في ىذه األرض يتناقض مع الدعكل العريضة ليذه العكلمة كالمبشريف بيا .بؿ
فيو إشارة إلى أف ظيكر ىذه الطائفة سيككف في بعض المراحؿ عمى ظممات كظمـ ىذه
العكلمة ،كأف عدـ تضررىـ بمف خالفيـ كخذليـ إشارة إلى بعض الفئاـ مف المسمميف الذيف
سيركبكف قطارىا.
ُ -المشكبلت الداخمية الغربية :مثؿ التفكؾ األسرم ،كالمخدرات ،كالطبقية َٔ :مميكف في
أمريكا تحت خط الفقر .كفي االتحاد األكركبي َٓ مميكف تحت خط الفقر ،كفي أمريكا ُ%
مف الناس يممككف َْ %مف الثركة.
ِ -األمراض الناتجة مف التحمؿ األخبلقي (اإليدز) :تشير تقديرات منظمة الصحة
العالمية (الغرب لو نصيبو مف ىذه األرقاـ) :فحتى عاـ ََِٔـ ما يزيد عف ْٓ مميكف
شخص ،مصاب بالفيركس الذم يتسبب بالمرض ،كما أف أسكأ آثار المرض تظير في الدكؿ
الفقيرة ،كالنساء ىف األكثر عرضة لو.
عدد المتكفيف بسبب اإليدز منذ بداية المرض في أكاخر السبعينيات حتى عاـ َََِـ
حكالي ِِ مميكف ،أكثر مف ْ مبلييف منيـ مف األطفاؿ.
-399199
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
َِٓ مميكف حالة جديدة مف حاالت اإلصابة بأمراض انتقمت عف طريؽ االتصاؿ
الجنسي.
المنطقة العربية :نصؼ مميكف عربي يحممكف (اإليدز) كٖٔ ألؼ حالة في ََِٔـ .فيما
أظيرت اإلحصائيات التي نشرتيا األمـ المتحدة أف المنطقة العربية ،تسجؿ حالة إصابة
جديدة باإليدز كؿ َِ دقيقة.
قاـ جكرج بكش بتاريح ََُِِٕ/ٓ/ـ بطمب تقدـ بو لمككنغرس بمنحو َّ مميار دكالر،
عمى مدل خمسة أعكاـ لمكافحة مرض فقداف المناعة المكتسب (األيدز) .كبرر ذلؾ بسبب
مكافحة المرض ،كتكفير العبلج لحكالي ٓ ِ.مميكف شخص .كأف ذلؾ سيسيـ في منع انتشار
المرض إلى أكثر مف ُِ مميكف شخص إضافي.
في بعض الدكؿ األكركبية ٓٔ %مف النساء العامبلت يتعرضف لمتحرش الجنسي في
أماكف عمميف ،كعمى مستكل كؿ دكؿ االتحاد األكركبي تبمغ النسبة ّٓ ،%كىذا بحسب
مسئكلة التكظيؼ كالسياسة االجتماعية في المجمس األكركبي في برككسؿ.
حكالي ُٖ %مف النساء في أمريكا اغتصبف ،أك تعرضف لمحاكلة اغتصاب؛ في مرحمة
مف مراحؿ عمرىف ،كأكثر مف نصؼ الضحايا كف تحت سف ُٕ سنة ،عندما تعرضف
لبلغتصاب لممرة األكلى ،كىذا بحسب دراسة أعدت بتكميؼ مف ك ازرات العدؿ كالصحة،
كالشؤكف االجتماعية في أمريكا.
كثر التحرش الجنسي في السنكات األخيرة في الياباف ،حتى بات مف الضركرم ،كضع
قانكف كطني لمكافحتو ،كذلؾ بحسب رأم خبيرة القضايا القانكنية في الحزب الديمقراطي.
جديا بتخصيص عربات خاصةكجاء في ىذا الصدد أف شركة القطارات في الياباف ،تفكر ن
عمما أف عربات النساء الميمية مكجكدة منذ سنيف.
أخيرا ،ن
بالنساء ،كقد بدأ تطبيؽ ذلؾ ن
ْ -ظيكر مبلمح ص ارع بيف أمريكا كبعض الدكؿ الغربية ،بسبب االختراؽ الثقافي
-100-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
كاالقتصادم ،كما حصؿ مع فرنسا كمع كندا ،عندما احتجتا عمى الييمنة األمريكية عمى
حساب الثقافة المحمية ،كاالمتيازات االقتصادية.
كسبؽ ذكر مكقؼ الرئيس الفرنسي ميتراف مف ظاىرة لبس الجينز ،كمكقؼ الرئيس شيراؾ
مف الغزك المغكم.
ٓ -تكقع ظيكر مراكز قكل جديدة عسكرية كاقتصادية كالصيف ،كاالتحاد األكركبي،
كالياباف ،يمكف أف تنافس أمريكا كتنيي بذلؾ حقبة القطبية األحادية؛ كخاصة مع ما يتكقع مف
أف أمريكا ستبدأ مرحمة انكفاء عمى الذات عمى حساب الييمنة العالمية في غضكف السنكات
العشريف القادمة حسب دراسات أمريكية.
ٔ -مقاكمة العديد مف دكؿ العالـ خاصة النامية لمعكلمة ،أك عمى األقؿ عدـ االستسبلـ
لشركطيا القاسية؛ كذلؾ لما ترل ليا مف أثر عمى تقميص السيادة الكطنية في مجاؿ صنع
السياسات االقتصادية كغيرىا؛ كخاصة أف ىذه الدكؿ ترل أف األزمات المالية كاالقتصادية
الطاحنة التي ألمت بالمكسيؾ عاـ ُْٗٗـ ،كالب ارزيؿ عاـ ُٗٗٗـ كفي غيرىما كانت نتيجة
حتمية لمعكلمة ،كاالندفاع إلى االندماج فييا دكف قيد كشرط ،كأف الطبقية التي تحصؿ في
بعض الدكؿ كمصر ،كالمتكقعة في أخرل كدكؿ الخميج التي سارت في قطار العكلمة ،أك
التي تستعد لرككبو مؤشر آخر عمى ذلؾ.
ٕ -األزمات العسكرية كالثقافية كاالجتماعية كالشعكر بالتفكؾ الداخمي لدل الغرب تزداد
عجز عف فرض سياستو ،كاف تـ لو ذلؾ فبتكاليؼ باىظة.
عمقنا ،كما أنو يزداد نا
ٖ -إخفاؽ بعض األطركحات الغربية مثؿ مكضكع تحرير المرأة في تمؾ المجتمعات
كاإلحصائيات تدعـ ذلؾ إذ تشير أدلة متزايدة مف البمداف الصناعية كالنامية عمى السكاء إلى
أف النساء الناشطات في األجيزة التشريعية .رغـ ذلؾ ،كحتى شير تمكز -يكليو ََِٔ ،لـ
تتجاكز نسبة النساء البرلمانيات في كافة أرجاء العالـ ُٕ %بالرغـ مف الدعاكل كالجيكد
المبذكلة منذ مطمع القرف مف أجؿ تحقيؽ مساكاة بيف الرجؿ كالمرأة ،كالغاء التخصص بيف
الجنسيف عمى أساس كظيفي.
ٗ -مصيدة الديمقراطية كحقكؽ اإلنساف؛ جعمت الغرب يظير بعدـ صدقو فيما يدعك لو،
-103201
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
َُ -ظيكر بكادر إخفاؽ كعكد العكلمة كمبشرييا ،في تقميؿ الفجكة بيف الشماؿ كالجنكب،
عمى مستكل العالـ ،بؿ عمى مستكل الدكلة الكاحدة؛ فالعكلمة تمنح الفرص لمشريحة الغنية
الضيقة ،كتظؿ الشرائح الكبيرة عمى مستكل الدكؿ ،كاألفراد تعاني كيبلت العكلمة ،مما يعني
تكريس الظمـ كالبلمساكاة االجتماعية .فالعكلمة التي حكلت العالـ إلى قرية معكلمة صغيرة؛ قد
أيضا إلى عممية نيب معكلمة صغيرة.
حكلتو ن
ُُ -ظيكر تيار عالمي مناكئ لمعكلمة لو جمعياتو كمنظماتو كمنتدياتو داخؿ الدكؿ الصناعية
مثؿ المنتدل االجتماعي العالمي المناىض لمنتدل (دافكس) ،كالتنسيؽ العالمي المناىض لمنظمة
التجارة العالمية .كيقكـ ىذا التيار بدكر التكعية بمخاطرىا كآثارىا السيئة عمى المجتمعات ،كيحاكؿ
االحتجاج عمييا كابطاؿ أم فعاليتو؛ لدفع كدعـ تيارىا مثمما حدث في (سياتؿ ،كدافكس ،كمكنتلاير،
كجنكا) .كتظير عدائية بعض منظمات المجتمع المدني الغربي لمعكلمة في الكاليات المتحدة
األمريكية بشكؿ أقكل؛ كالمنظمات العمالية ،كاتحادات الشغؿ؛ التي تراقب أثر عكلمة االقتصاد
عمى معدالت أجكر العماؿ كعمى نسبة البطالة.
كيف نستثمر آليات العولمة؟
كثير مف المكاسب كالفرص ،التي ىي جزء كما أف لمعكلمة أخطارىا الضخمةَّ ،
فإف ىناؾ نا
مف الحركة الفاعمة ،كاإليقاع السريع لمعطيات العصر؛ فالمكقؼ العقبلني الرشيد ليس فقط
المقاكمة ،كانما نضيؼ إلى ذلؾ ما ينبغي أف يككف عميو مكقفنا مف استثمار الفرص السانحة،
باستخداـ آليات العكلمة بما يخدـ المسمميف ،كيحافظ عمى ىكيتيـ كيبرز مكقفيـ كيحمي
كيانيـ .كمف أمثمة ىذا االستثمار:
في مجال اإلعالم والتصالت:
-101-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ِ -تحرير كسائؿ اإلعبلـ كتطكرىا كسيكلة امتبلكيا كانشاء القرل اإللكتركنية الحرة؛
مجاال لمحركات اإلسبلمية أف تقيـ محطات فضائية ،أك كسائؿ إعبلـ أخرل لنشر
ن سيتيح
اإلسبلـ ،كالدعكة إلى هللا ،كنشر العمـ ،كالدفاع عف المسمميف ،كالرد عمى الشبيات بحرية دكف
كصاية ،أك رقابة رسمية ،أك الخضكع ألنظمة مقيدة ،كما نرل مثؿ محطة اقرأ ،كمحطة
المجد ،كالعفاسي ،كالناس...إلخ.
ّ -التغطية اإلعبلمية الكاسعة لؤلحداث مف خبلؿ الفضائيات ،أتاحت تغطية كاسعة
إعبلميا عمى قضايا المسمميف ،أك
ن لقضايا المسمميف ،كقمؿ مف فرصة اإلعبلـ الغربي ،أف يعتـ
يعرضيا مف كجية نظره المنحازة في أغمب األحياف ،ككمثاؿ عمى ذلؾ التغطية الكاسعة لما
يجرم في ببلدنا فمسطيف المحتمة ،مف صكرة محمد الدرة كىك يقتؿ ،كىدل غالية ،كعائمتيا
تقتؿ ،كايماف حجك...إلخ األمر الذم يكشؼ بعض ممارسات الصييكنية ،كال شؾ أف اإلعبلـ
لو تأثير مباشر عمى صنع الرأم العاـ.
مع التسميـ بخطكرة العكلمة االقتصادية عمى اقتصاديات الدكؿ الضعيفة ،كخطكرة فتح
األسكاؽ ،كتحرير التجارة في ىذه الدكؿ ،كالذم سيككف لصالح الشركات الكبرل الغربية إال أف
كثير مف ىذه الدكؿ إذا أحسنت استخداـ إمكاناتيا ،كما تتميز فيو مف مكارد عمى غيرىا مفنا
الدكؿ الغربية ،كرشدت سياساتيا االقتصادية ،كحاربت الفساد المالي كاإلدارم المستشرم ،فإنو
فمثبل:
جانبا مف ىذه العكلمة االقتصادية لصالحيا ن
يمكنيا أف تكظؼ ن
ُ -االنضماـ لمنظمة التجارة العالمية ،يمنع أكركبا مف كضع رسـ ُِ %عمى
-101203
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ِ -يتيح انضماـ الدكؿ المنتجة لمنفط إلى المنظمة الفرصة لمضغط بمعاممتو باعتباره
سمعة صناعية مف سمع المنظمة ،فتزكؿ الضرائب المفركضة عميو في الدكؿ المستكردة .ففي
مؤخر أظير أف أكثر مف َٕ %مف سعر النفط المصدر إلى دكؿنا تقرير لمنظمة األكبؾ
االتحاد األكركبي يذىب إلى الخزائف الحككمية ،بينما يحصؿ منتجك النفط عمى أقؿ مف
َّ .%كما أكضحت تقارير أخرل ،أف عائدات أربع دكؿ أكركبية مف ضرائب النفط في عاـ
ُٖٗٗ ـ ،يفكؽ عائدات كؿ دكؿ أكبؾ مف تصدير النفط في ذلؾ العاـ .فإذا عممنا أف معظـ
الدكؿ المنتجة أكثرىا دكؿ إسبلمية ،كمنيا السعكدية التي يعادؿ إنتاجيا ُّ %مف اإلنتاج
العالمي يتبيف مدل الفائدة المرجكة.
ّ -كذلؾ فاالنضماـ إلى المنظمة سيدفع إلى إزالة معكقات كثيرة تقؼ في كجو التنمية،
كالى تحديث األنظمة ،كالى كجكد الشفافية لتصحيح مسارات التنمية ،كالى تحديث اإلجراءات
القضائية ،كتخميص األنظمة الحمائية التي ال تتمشى مع ركح النظاـ االقتصادم اإلسبلمي،
كتضعؼ ىياكؿ اإلنتاج.
ْ -انفتاح السكؽ مع ما يجمبو مف سمبيات ،إال أنو سيدفع إلى التنافس ،الذم سيحكـ
طبيعة السكؽ الحر المفتكح .كيؤدم كذلؾ إلى إزالة العكائؽ النظامية ،مما يتيح طرح البدائؿ
اإلسبلمية في الخدمات ،كالبنكؾ اإلسبلمية التي قيد انتشارىا في عدد مف البمداف مع نجاح
التجربة ،بحيث ستجد فرصتيا في سكؽ الخدمات الحر ،كذلؾ بدائؿ التأميف التعاكني
الشرعي ،في مكاجية التأميف التجارم بصكرتو الرأسمالية.
ٓ -تتيح التقنية الحديثة لبلستثمار (التجارة اإللكتركنية) لمشاركة عدد مف مستثمرم دكؿ
العالـ الثالث عبر القنكات المفتكحة ،خاصة إذا استحدثت قنكات آمنة لبلستثمار مف الناحية
الشرعية ،في أسكاؽ البكرصات العالمية ،مثؿ محاكلة عدد مف المتخصصيف في االقتصاد
اإلسبلمي ،إيجاد مؤشر إسبلمي عمى «مؤشر داكجكنز».
-104-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
ُ -اإلنترنت ثمرة مف ثمار التقنية كسرت احتكار الغرب لممعمكمات ،كأتاحت فرصة
الكصكؿ إلى المعمكمات في المجاالت المختمفة بنفس السرعة المتاحة لمغربييف سكاء كانت
معمكمات عممية أك إخبارية .كاذا كانت مقكلة أف العصر ىك عصر المعمكمات ،كأف ىيمنة
الغرب ىي بالمعمكمات كذلؾ باستخدامو الفاعؿ ليا؛ فإف ىذه الفرصة أصبحت متاحة لغيرىـ،
فإذا أحسنا استخداـ المعمكمة ،نستطيع أف نقمؿ اليكة بيننا ،كبيف الغربييف في مجاالت عدة.
ِ -اإلنترنت منبر حر دكف رقيب ،كميداف فسيح دكف قيكد لكؿ مف يحسف استثماره
كاستغبللو ،كيستطيع أم مفكر مسمـ أك داعية مسمـ أف يطرح ما يريد مف خبلؿ صفحات ال
حصر ليا ،كيمكف نشر اإلسبلـ كالعمـ الشرعي كاتاحتو لكؿ مف يطمبو دكف عناء .كيمكف أف
تصدر صحؼ كمجبلت دكرية دكف قيد أك شرط .ككمثاؿ عمى ذلؾ مكقع القكقاز الذم يغطي
أخبار المجاىديف الشيشاف عمى شبكة اإلنترنت؛ األمر الذم حطـ حاجز التعتيـ اإلعبلمي عمييـ،
ميما ألخبار المجاىديف الشيشاف ،لككاالت األنباء العالمية. َّ
مصدر ن
نا كشكؿ
ّ -كذلؾ نستطيع استخداـ ىذه الشبكة في بياف الكثير مف الفعؿ اإلسبلمي عمى المستكل
العالمي كمف أمثمتو:
أ -إصدار كثيقة تستنكر أفعاؿ الصياينة في فمسطيف في بداية االنتفاضة الثانية ،كالتي
كقعيا مئات العمماء كالدعاة كالمفكريف كالمثقفيف في أنحاء العالـ عف طريؽ اإلنترنت .كذلؾ
ما تجريو بعض القنكات الفضائية مف التصكيت عمى قضية مف القضايا ،كمكقؼ مف المكاقؼ
اليامة ،تجاه مستقبؿ األمة كمصيرىا ،كما تطرحو بعض المكاقع عمى ىذه الشبكة مف حشد
التكاقيع ضد قضية ظمـ تجاه المسمميف كارساليا إلى الظالميف.
-105205
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ُ -نستطيع أف نكظؼ المشاركة في ىذا النكع مف المؤتمرات كالمجاف في طرح الرؤل
اإلسبلمية في المجاالت الفكرية ،كالثقافية ،االجتماعية ،كنبيف مخاطر قيادة الغرب لمعالـ في
لح ٍيدة البشرية عف مصدر اليدل ىذه المجاالت ،ببياف اآلثار في الكاقع ،ك َّ
أف ذلؾ ثمرة ى
كالرشاد؛ كىك الكحي.
كسنجد أننا نممؾ ما ال يممكو اآلخر ،كابراز جكانب القكة التي نممكيا ،أماـ قكة الغرب
المادية كالتقنية.
كالمبلحظ أنو رغـ تأثيرات اإلعبلـ الغربي كاألمريكي بالذات ،في نشر نمط الثقافة كالحياة
األمريكية في العالـ عبر الفضائيات ،كاألفبلـ ،كالمجبلت ،كاإلنترنتَّ ،
فإف الدعكات الدينية
جددا في غير مكاف مف العالـ ،كخاصة في أنصار ن
نا كاألخبلقية المضادة ،ما تزاؿ تكسب
الكاليات المتحدة األمريكية؛ كىذا يجعمنا نتفؽ مع تأكيد أ.د .جيمس ميتمماف ،في كتابو:
"تكالد العكلمة :التحكالت كالممانعة" بتبلزـ التحكالت العكلمية ،مع ازدياد تحكالت الممانعة،
كالمقاكمة ليا ،كأف المنظكمات الدينية ،تعتبر مف أكبر المنتفعيف مف العكلمة؛ السيما مف جية
استثمار كسائؿ االتصاؿ الحديثة ،كتكظيفيا لنشر رسالتيا.
ِ -كذلؾ يستطيع العرب المسممكف أف يحدثكا عكلمة لمغة العربية؛ خاصة في أكساط
المسمميف ،كذلؾ بما يضخكنو مف مكاد عممية ،كفكرية ،كشرعية ،كقرآنية؛ مكتكبة أك مسمكعة
بحيث يعتاد المسممكف مف غير العرب قراءة ىذه المكاد كسماعيا مما ينعش حيكية المغة
-106-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
العربية؛ خاصة إذا استحضرنا العبلقة الكثيقة بيف المغة العربية كالديف اإلسبلمي.
كمف جية أخرل يمكف أف يؤدم ذلؾ إلى تقميؿ شأف الميجات المحمية كالقطرية لصالح
الفصحى.
كخبلصة القكؿ:
ىناؾ فرص أخرل كثيرة يمكف لممتأمؿ أف يجدىا ،فيما تتجو المعطيات الجديدة المش ًٌكمة
لبيئة العكلمة ،كلكف ال نعقميا ،كندرؾ كيفية استثمارىا ،إال بفيـ عميؽ ،كادراؾ ذكي لقكانيف
ىذا العالـ ،كطبيعة ىذه العكلمة ،كمعرفة جكانب القكة ،كجكانب الضعؼ في مراكز القكل،
ككيؼ ينشأ القرار العالمي ،كاستيعاب استخداـ التقنية كتعميميا بحيث ال تبقى في محيط
النخبة فقط.
ِ .إحياء عمكـ الديف:محمد الغزالي -أبك حامد ت َٓٓ ىػ -دار الكتب العممية -بيركت
ّ .اإلسبلـ كالعمـ التجريبي :د .عبدهللا حسف زركؽ -مطبعة جامعة الخرطكـ ،الناشر :المركز العالمي
ألبحاث اإليماف -السكداف.
ْ .إسبلمية المعرفة :المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي -طبعة َُْٔ ىػ ُٖٗٔ -ـ.
ٓ .أصكؿ التشريع اإلسبلمي :د .عمي حسب هللا .دار المعارؼ -القاىرة.
ٔ .أصكؿ الفقو :محمد زكريا البرديسي -دار الثقافة لمنشر كالتكزيع -القاىرة طبعة ُّٖٗـ.
ٕ .االعتصاـ :إبراىيـ بف مكسى بف محمد الشاطبي ت َٕٗ ىػ -المكتبة التجارية الكبرل -مصر -
مطبعة السعادة -بيركت.
-107207
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
ٖ .إلى البرىاف يا أكلي األلباب :أحمد بف محمد طاحكف -طبعة أكلى َُْٕىػ ُٖٗٔ -ـ
ٗ .اإلنجيؿ -كتاب العيد الجديد :جمعيات الكتاب المقدس المتحدة -طبعة ُٔٔٗـ.
التشريع الجنائي في اإلسبلـ مقارنان بالقانكف الكضعي :عبد القادر عكدة ت ُّْٕ ىػ ،مؤسسة َُ.
الرسالة -بيركت ،الطبعة الثاثة عشر ُُْٓىػ ُْٗٗ -ـ.
تشكيؿ العقؿ المسمـ :د .عماد الديف خميؿ الطبعة الرابعة ُُِْ ىػ ُُٗٗ -ـ -االتحاد ُُ.
اإلسبلمي العالمي لممنظمات الطبلبية -الككيت.
التفسير كالمفسركف :د .محمد حسيف الذىبي ،الطبعة الثانية ُّٔٗىػ ُٕٗٔ -ـ. ُِ.
تيافت العممانية :د .عماد الديف خميؿ -مؤسسة الرسالة -بيركت ُّٖٗـ. ُّ.
الجامع الصحيح -سنف الترمذم :محمد بف عيسى الترمذم -أبك عيسى ت ِٕٗق - -تحقيؽ: ُٓ.
أحمد محمد شاكر -مطبعة مصطفى البابي الحمبي -مصر -طبعة أكلى ُّٔٓىػ ُّٕٗ -ـ
الجامع ألحكاـ القرآف :محمد بف أحمد القرطبي -أبك عبد هللا -دار الكتب العممية -بيركت ُٔ.
ُُّْىػ ُّٗٗ -ـ.
خمؽ المسمـ :محمد الغزالي -دار الكتب الحديثة -القاىرة ُّْٗىػ ُْٕٗ -ـ. ُٕ.
دراسات في الحديث الشريؼ كعمكمو :د .رمضاف الزياف -د .عدناف الكحمكت ،غزة -فمسطيف، ُٖ.
الطبعة األكلى ُِِْىػ ََُِ -ـ.
دستكر األخبلؽ في القرآف :دراسة مقارنة لؤلخبلؽ النظرية في القرآف :محمد عبد هللا دراز - َِ.
مؤسسة الرسالة -طبعة رابعة َُِْىػ ُِٖٗ -ـ.
سمسمة األحاديث الصحيحة :محمد بف ناصر الديف األلباني -المكتب اإلسبلمي -طبعة ثانية ُِ.
ُّٗٗ ىػ ُٕٗٗ -ـ.
السيرة النبكية :أبك الحسف الندكم -منشكرات المكتبة العصرية -بيركت ُّٗٗىػ ُٕٗٗ -ـ. ِِ.
شعب اإليماف :أحمد بف الحسيف البييقي -أبك بكر ت ْٖٓ ق - -تحقيؽ :محمد السعيد بف ِّ.
بسيكني زغمكؿ -دار الكتب العممية -بيركت -طبعة أكلى َُُْىػ َُٗٗ -ـ.
صحيح البخارم -فتح البارم :محمد بف إسماعيؿ البخارم ت ِٔٓ ىػ -تحقيؽ :عبد العزيز ِْ.
بف باز -ترقيـ :محمد فؤاد عبد الباقي -دار المعرفة -بيركت.
-108-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
صحيح مسمـ :مسمـ بف الحجاج القشيرم النيسابكرم -أبك الحسف ت ُِٔ ىػ -ترقيـ كتحقيؽ: ِٓ.
محمد فؤاد عبد الباقي -دار إحياء الكتب العربية -مصر.
ضكابط المعرفة كأصكؿ االستدالؿ كالمناظرة -صياغة لممنطؽ كأصكؿ البحث متمشية مع الفكر ِٔ.
اإلسبلمي :د .عبد الرحمف حسف حبنكة الميداني ،الطبعة الثانية َُُْ ىػ ُُٖٗـ ،دار القمـ -دمشؽ -
بيركت.
عمـ أصكؿ الفقو :أحمد إبراىيـ بؾ ،دار األنصار -المطبعة الفنية -القاىرة. ِٕ.
عمـ أصكؿ الفقو :عبد الكىاب خبلؼ ،طبعة ُِّْىػ ََِّ -ـ ،دار الحديث -القاىرة ِٖ.
غرائب القرآف ك رغائب الفرقاف :محمكد بف أبي الحسف النيسابكرم ت َٓٓ ىػ -بيامش تفسير ِٗ.
الطبرم -دار المعرفة -بيركت -الطبعة الثالثة ُٖٕٗـ.
فتح القدير الجامع بيف فني الركاية كالدراية مف عمـ التفسير :محمد عمي الشككاني ت َُِٓ ىػ َّ.
-دار الفكر لمطباعة كالنشر.
فصكؿ في التفكير المكضكعي :د .عبد الكريـ بكار ،دار القمـ -دمشؽ ،الدار الشامية -بيركت، ُّ.
الطبعة األكلى ُُّْىػ ُّٗٗ -ـ.
فقو السنة :سيد سابؽ -دار الفكر -بيركت -طبعة أكلى ُّٕٗىػ ُٕٕٗ -ـ. ِّ.
الفمسفة كاإلنساف جدلية العبلقة بيف اإلنساف كالحضارة :د .فيصؿ عباس -دار الفكر العربي - ّّ.
بيركت -طبعة أكلى ُٔٗٗـ.
الفمسفة اليكنانية ،تاريخيا كمشكبلتيا :د .أميرة حممي مطر -دار قباء لمطباعة كالنشر -طبعة ّْ.
ُٖٗٗـ.
الفمسفة اليكنانية ،مقدمات كمذاىب :د .محمد بيصار -دار الكتاب المبناني -بيركت -طبعة ّٓ.
ُّٕٗـ.
القرآف الكريـ كالتكراة كاإلنجيؿ كالعمـ -دراسة الكتب المقدسة في ضكء المعارؼ الحديثة :مكريس ّٔ.
بككام ،نشر كترجمة :مكتبة مدبكلي -القاىرة -الطبعة األكلى ُٔٗٗـ.
القرآف كالنظر العقمي :فاطمة إسماعيؿ محمد إسماعيؿ -إصدار المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي ّٕ.
-طبعة أكلى ُُّْىػ ُّٗٗ -ـ.
القامكس المحيط :محمد بف يعقكب الفيركزأبادم ت ُٕٖـ -تحقيؽ مكتب تحقيؽ التراث - ّٖ.
مؤسسة الرسالة -بيركت -طبعة ثانية َُْٕ ىػ ُٖٕٗ -ـ.
-109209
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
كتاب التعريفات :معجـ فمسفي منطقي صكفي فقيي لغكم نحكم :عمي بف محمد السيد الشريؼ ّٗ.
الجرجاني ت ُٖٔ ىػ تحقيؽ د .عبد المنعـ الحفني ،دار الرشاد -القاىرة.
كتاب الذريعة إلى مكارـ الشريعة :الراغب األصفياني -أبك القاسـ :الحسيف بف محمد بف َْ.
المفضؿ ت َِٓ ىػ -تحقيؽ:أبك اليزيد العجمي -دار الكفاء لمطباعة -المنصكرة ُٕٖٗـ.
كتاب العظمة :عبد هللا بف محمد بف جعفر بف حياف -أبك الشيخ األصبياني ت ّٔٗىػ - ُْ.
تحقيؽ محمد فارس -دار الكتب العممية -بيركت -طبعة أكلى ُُْْقُْٗٗ - -ـ.
لساف العرب :محمد بف مكرـ بف منظكر اإلفريقي المصرم -دار الفكر. ِْ.
مباحث في عمكـ القرآف :مناع القطاف -مؤسسة الرسالة -سكريا -الطبعة الرابعة عشر ّْ.
َُّْىػ ُّٖٗ -ـ.
مدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية :د .يكسؼ القرضاكم -مكتبة كىبة -الطبعة الثالثة ُُْٖىػ ْٓ.
ُٕٗٗ -ـ.
مذاىب فكرية معاصرة :محمد قطب -دار الشركؽ -بيركت -الطبعة األكلى َُّْ ىػ - ْٔ.
ُّٖٗـ.
مسند اإلماـ أحمد :أحمد بف محمد بف حنبؿ الشيباني ت ُِْ ىػ -ترقيـ :محمد عبد السبلـ ْٕ.
عبد الشافي -دار الكتب العممية -الطبعة األكلى ُُّْ ىػ ُّٗٗ -ـ.
المعجـ األكسط :محمد بف أحمد الطبراني تَّٔ ىػ -تحقيؽ طارؽ بف عكض هللا بف محمد، ْٖ.
كعبد المحسف بف إبراىيـ الحسيني -دار الحرميف -القاىرة الطبعة األكلى ُُْٓىػُٗٗٓ -ـ
المفردات في غريب القرآف :الراغب األصفياني -تحقيؽ :محمد سيد كيبلني .مطبعة البابي ْٗ.
الحمبي -القاىرة ُُٔٗـ.
مفيكـ العقؿ كالقمب في القرآف كالسنة :د .محمد عمي الجكزك -دار العمـ لممبلييف -بيركت - َٓ.
طبعة ثانية ُّٖٗـ.
الممؿ كالنحؿ :محمد بف عبد الكريـ بف أحمد الشيرستاني ت ْٖٓ ىػ -تحقيؽ :عبد المطيؼ ُٓ.
محمد العبد مكتبة األنجمك المصرية -الطبعة األكلى ُٕٕٗـ.
مناىج البحث عند مفكرم اإلسبلـ ،كاكتشاؼ المنيج العممي في العالـ اإلسبلمي :د .عمي سامي ِٓ.
النشار ،دار النيضة العربية -بيركت َُْْ ىػ ُْٖٗ -ـ.
-130-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
مناىؿ العرفاف في عمكـ القرآف :محمد عبد العظيـ الزرقاني -دار الفكر -بيركت. ّٓ.
نظرية المعرفة في ضكء المنيج العممي :محمد محمد قاسـ-دار المعرفة الجامعية طبعة ُُٗٗـ ٓٓ.
كسائؿ اإلثبات في الشريعة اإلسبلمية :د.محمد مصطفى الزحيمي -مكتبة دار البياف -دمشؽ - ٔٓ.
طبعة أكلى َُِْىػ ُِٖٗ -ـ.
-133211
-
األساس في مسائل الفكر اإلسالمي
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
المقدمة
مكانة الفكر كالتفكير في اإلسبلـ
تعريؼ الفكر اإلسبلمي
الفرؽ بيف الفكر البشرم كالفكر اإلسبلمي
خصائص الفكر اإلسبلمي
أسس الفكر اإلسبلمي
مصادر الفكر اإلسبلمي
النقمة النكعية في التصكر كاالعتقاد
النقمة النكعية في المعرفة
النقمة النكعية في األخبلؽ
النقمة النكعية في التشريع
النقمة النكعية في المنيج
التبشير
االستشراؽ
العممانية
الديمقراطية
العكلمة
المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
-131-
محاضرات في الفكر اإلسالمي
-131213
-