You are on page 1of 213

‫األساس في مسائل‬

‫الفكر اإلسالمي‬
‫تأليف‬
‫د‪ .‬عدنان محمود الكحلوت‬
‫أستاذ الحديث الشريف وعلومه المساعد‬
‫بقسم الدراسات اإلسالمية ‪-‬‬
‫جامعة األقصى ‪ -‬غزة‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪3415‬هـ ‪1034 -‬م‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬


‫الطبعة األولى ‪3415‬هـ ـ ‪1034‬م‬

‫محاضرات في‬
‫الفكر اإلسالمي‬

‫‪-1-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫‪-1- 3‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫مقدمة‬

‫د‪ .‬عدنان محمود الكحموت‬


‫غزة ‪ -‬فمسطين‬

‫‪-4-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫‪‬‬

‫‪-5- 5‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫تمييد‪:‬‬
‫تعرضت أمتنا اإلسبلمية منذ نشكء الدعكة كقياـ األمة إلى أشد أنكاع المقاكمة‪ ،‬كأقكل‬
‫حركب شعكاء لـ يتكرع فييا‬ ‫ه‬ ‫ضركب التحدم كالكيد‪ ،‬فحيكت ليا المؤامرات كمكرست عمييا‬
‫أصحابيا عف استخداـ كافة أساليبيا النفسية كاالقتصادية كالعسكرية‪ ،‬كصدؽ هللا العظيـ إذ‬
‫كف‪‬‬ ‫اء ىكىي ٍب يسطيكا إًلىٍي يك ٍـ أ ٍىيًد ىييي ٍـ ىكأىٍل ًس ىنتىيي ٍـ بً ُّ‬
‫السكًء ىكىكُّدكا لى ٍك تى ٍكفيير ى‬ ‫ىع ىد ن‬
‫كنكا لى يك ٍـ أ ٍ‬ ‫يقكؿ‪ :‬إً ٍف ىيثٍقىفي ي‬
‫كك ٍـ ىي يك ي‬
‫الممتحنة‪ :‬اآلية ِ‪.‬‬
‫كلكف عناية هللا كانت ‪ -‬دائمان ‪ -‬تخرجيا مف كؿ ىذه الحركب كالمعارؾ أقكل عكدان كأشد‬
‫كجو المشرككف حرابيـ إلييا‪ ،‬كرفع الفرس كالركـ سيكفيـ في‬
‫إيمانان بدينيا كعقيدتيا‪ .‬فقد ٌ‬
‫أف يخضعيا كيفترسيا كيستعبدىا‪ ،‬غير‬
‫كؿ يريد ٍ‬‫كجييا‪ ،‬كتصدت ليا شياطيف اإلنس كالجف ه‬
‫أنيا كانت دائمان تقؼ في كجو المعتديف في قكة كشمكخ‪ ،‬مسمحة باإليماف كاإلرادة كالعزـ‪ ،‬تدؾ‬
‫المعاقؿ كتفرؽ الجمكع كتحطـ األكثاف‪ ،‬كتجكب أنحاء األرض ىادية ميدية‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫الدكلة األكلى كاألمة الكسط‪.‬‬
‫ثـ أتى زماف طاؿ فيو األمد‪ ،‬فقست القمكب ككادت أف تنضب ينابيع اإليماف في النفكس‪،‬‬
‫كخبت جذكة الحماس‪ .‬فأخذت ىجمات األعداء تفعؿ فعميا كتترؾ آثارىا في كياف األمة‪،‬‬
‫أف أعداء األمة ‪ -‬مع ذلؾ كمو ‪ -‬لـ يستطيعكا يكمان أف‬
‫فتنخر في بنائيا‪ ،‬كتكىف تماسكيا‪ ،‬إال ٌ‬
‫ينتصركا عمييا انتصا انر يقضي عمى كيانيا‪ ،‬كييدـ أركانيا‪ ،‬فقد بقيت األمة مع كؿ الذم‬
‫أصابيا قكية اإليماف‪ ،‬ثابتة الجناف‪ ،‬مما حمؿ أعداءىا عمى أف يديمكا النظر‪ ،‬كيعممكا الفكر‬
‫كالرأم‪ ،‬لعميـ يتكصمكف إلى ما يؤثر فييا‪ ،‬فيمحؽ مقاكمتيا كقدرتيا عمى الصمكد كيجردىا مف‬
‫سبلحيا الكاقي كدرعيا المتيف‪ ،‬فكاف أف تمخضت دراساتيـ كتكصمت أذىانيـ إلى أف أقكل‬
‫سبلح كاف بيد ىذه األمة لـ يخنيا في مكقؼ أك يخذليا في معركة‪ ،‬ىك دينيا كعقيدتيا كقكاـ‬
‫شخصيتيا كدعامة كيانيا كمصدر قكتيا‪ ،‬فقرركا االنطبلؽ مف ىذه النقطة كأجمعكا أمرىـ عمى‬
‫إضعاؼ صمة ىذه األمة بدينيا كتغيير فيميا لو لتتحكؿ عبلقتيا بو إلى عبلقة شكمية جامدة‬
‫ال ثمر ليا كال أثر في حياة كقمكب كأركاح كنفكس شبابيا …‪ .‬فبدأت عمميات مختمفة يمكف‬
‫أف نطمؽ عمييا اسـ ‪ -‬الغزك الفكرم ‪ -‬أخذ ىذا الغزك يصبح أكثر تنظيمان كأشد خط نار‪ ،‬كأكسع‬
‫مساحة‪ .‬إذ قرر مفكرك الغرب كسدنة سياستو كمصالحو أف يجعمكا منو غزكان شامبلن يتغمغؿ دكف‬
‫حكاجز في العقمية اإلسبلمية فيغيرىا‪ ،‬كالى الفكر اإلسبلمي فيمسخو‪ ،‬كالى الثقافة اإلسبلمية‬

‫‪-6-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫فيبدليا‪ ،‬كالى الديف اإلسبلمي فيعزلو كيحصره في زكايا كينكتية ضيقة لتحدث عممية المسخ‬
‫الثقافي الشامؿ‪ ،‬كالتبديؿ الفكرم الكامؿ‪.‬‬
‫كلما بمغت النيضة األكركبية أكجيا في العصر الحديث كتعاظمت قكتيا‪ ،‬ىبط المسممكف‬
‫إلى درؾ مف الضعؼ كبير‪ ،‬فقرر المعتدكف أف يحكمكا الخناؽ حكؿ األمة فاحتمكا أرضيا‬
‫كاستكلكا عمى مقدراتيا‪ ،‬كاشتدت قبضتيـ عمى الببلد فخططكا تخطيطان دقيقاي لتنفيذ عممية‬
‫التبديؿ الثقافي لمكصكؿ بمعركتيـ مع اإلسبلـ إلى الصفحة األخيرة كالغاية المنشكدة‪.....‬‬
‫ككاف ليـ ما أرادكا فقد تفرقت األمة أيدم سبأ كذىبت شذر مذر‪ ،‬فبعد أف كانت أمة كاحدة‬
‫أضحت خمسان كأربعيف دكلة‪ ،‬تتصارع فيما بينيا‪ ،‬كتكجو سبلحيا إلى صدكر أبنائيا‪ ،‬كتكاد‬
‫(ُ)‬
‫تغمر القبلقؿ كالفتف سائر أرجائيا‪ ،‬كتيدد ثركاتيا‪ ،‬كيفترس الجكع كالتخمؼ المبلييف منيـ"‪.‬‬
‫أف ىذا االنحطاط‪ ،‬كىذا التخمؼ استنيض ىمـ الكثير مف أبناء ىذه األمة مف عمماء‬
‫غير ٌ‬
‫كمفكريف كقادة يحاكلكف ليؿ نيار مقاكمة السيؿ الجارؼ كالتضميؿ المكجو إلى عقكؿ أبناء‬
‫األمة‪ ،‬كيكمان بعد يكـ ينجحكف كيزدادكف‪ ،‬كيمتؼ الناس حكليـ‪ ،‬كما يقكـ ليذا األمر جماعات‬
‫كمؤسسات كجمعيات تيدؼ إلى بياف سمات اإلسبلـ كأىـ خصائصو‪ ،‬كما تميز بو عمى سائر‬
‫األفكار كالمبادئ‪ ،‬كعكامؿ صبلحيتو لكؿ زماف كمكاف‪ ،‬كحاجة األمة اإلسبلمية ‪ -‬بؿ‬
‫كالعالمية ‪ -‬إليو‪.‬‬
‫كتبيف لممسمميف كجكه انحطاط الحضارة األكركبية‪ ،‬كعكامؿ فسادىا‪ ،‬كعدـ صبلحيتيا لؤلمة‬
‫اإلسبلمية‪ .‬مع بياف مستمزمات األمة لنيضة جديدة مبنية عمى أساس فيـ العصر الذم‬
‫نعيش‪ ،‬كتشرب عمكمو المختمفة بعد تنقيتيا مف الشكائب التي ال تتفؽ كديننا كخصائصنا كأمة‬
‫مسممة‪ .‬كعمى أساس فيـ اإلسبلـ قرآنان كسنة‪ ،‬الفيـ الصحيح القكيـ دكف تحريؼ أك تشكيو‪،‬‬
‫كدراسة تراثنا ألنو مخزكف فكر األمة كسجؿ ثقافتيا مع ضركرة اإلعراض عف الغث منو كاف‬
‫كاف قميبلن‪ ،‬كأخذ الدرس كالعبرة مف مكاطف الخطأ‪ ،‬كأسباب االنيزاـ أك الجمكد‪.‬‬

‫(ُ) انظر مقدمة كتاب إسبلمية المعرفة ‪ -‬المعيد العالي لمفكر اإلسبلمي ص ٗ ‪.َِ -‬‬

‫‪-7- 7‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫مكانة الفكر في اإلسالم وخصائصو ومصادره‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬مكانة الفكر والتفكير في اإلسالم‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬تعريف الفكر اإلسالمي‪،‬‬


‫والفرق بين الفكر والتفكير اإلسالمي‬

‫المطمب الثالث‪ :‬الفرق بين الفكر البشري والفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬خصائص الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬أسس الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫المطمب السادس‪ :‬مصادر الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫المطمب األول‪:‬‬
‫مكانة الفكر والتفكير في اإلسالم‪:‬‬

‫‪-8-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ُ‪ -‬الفكر كالتفكير مف طبائع اإلنساف‪ ،‬كقد ميز هللا سبحانو اإلنساف عمى سائر المخمكقات‬
‫بأف كىبو نعمة العقؿ‪.‬‬
‫قاؿ سبحانو‪ :‬كلىقىد ىك َّرمنا بنًي آدـ كحمٍمناىـ ًفي اٍلب ًر كاٍلبح ًر كرزٍقناىـ ًمف الطَّيًب ً‬
‫ات‬ ‫ٌى‬ ‫ىٌ ى ى ٍ ى ى ى ى ي ٍ ٍ‬ ‫ىى ى ى ى ى يٍ‬ ‫ى ٍ ٍى ى‬
‫ضيبلن‪ ‬اإلسراء اآلية َٕ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اى ٍـ ىعمىى ىكثً و‬
‫ير ًم َّمف ىخمى ٍق ىنا تى ٍف ً‬ ‫ىكفى َّ‬
‫ضٍم ىن ي‬
‫النيى‪ ،‬ضد الحمؽ‪،‬‬ ‫ِ‪ -‬العقؿ‪ :‬العقؿ لغة‪ :‬مف عقؿ يعقؿ عقبلن كمعقكالن‪ ،‬كالعقؿ‪ً :‬‬
‫الح ٍجر ك ي‬
‫البعير‬
‫ى‬ ‫ت‬‫كالجمع عقكؿ‪ .‬قاؿ ابف األنبارم‪ :‬رجؿ عاقؿ كىك الجامع ألمره كرأيو‪ ،‬مأخكذ مف ىع ىقمٌ ي‬
‫اعتيقؿ‬
‫يخ ىذ مف قكليـ قد ٍ‬ ‫إذا جمعت قكائمو‪ ،‬كقيؿ‪ :‬العاقؿ الذم يحبس نفسو كيردىا عف ىكاىا‪ ،‬أ ً‬
‫ىىٍ‬
‫(ُ)‬
‫كمنًع مف الكبلـ‪.‬‬ ‫ً‬
‫لسانو إذا يحب ىس ي‬
‫العقؿ اصطبلحان‪ :‬قاؿ الراغب األصفياني‪":‬العقؿ‪ :‬القكة المتييئة لقبكؿ العمـ" كىك العقؿ‬
‫(ِ)‬
‫الغريزم‪ ،‬ككجكده في الطفؿ ككجكد النخمة في النكاة كالسنبمة في الحبة‪.‬‬
‫كقد ذكر العمماء لمعقؿ تعريفات عدة مف أىميا نذكر مف أىميا‪:‬‬
‫(ّ)‬
‫ُ‪ -‬اإلماـ الشافعي قاؿ‪ :‬العقؿ‪" :‬آلة التمييز كاإلدراؾ"‬
‫(ْ)‬
‫ِ‪ -‬ىك العقؿ المستفاد الذم تتقكل بو تمؾ القكة‪.‬‬
‫(ٓ)‬
‫ّ‪" -‬ىك أداة االختيار بيف البدائؿ"‪.‬‬
‫فيك آلة التمييز التي بكاسطتيا خاطب الحؽ جؿ كعبل اإلنساف بالتكميؼ باألمر كالنيي‬
‫كالتشريع كالحدكد كاألخبلؽ مرتبان عمى ىذا الخطاب الثكاب كالعقاب‬
‫اب ىم ٍف‬‫ا*كقى ٍد ىخ ى‬
‫اى ى‬‫اىا* قى ٍد أى ٍفمى ىح ىم ٍف ىزَّك ى‬
‫كرىىا ىكتى ٍق ىك ى‬
‫اىا*فىأىٍليى ىميىا في يج ى‬
‫س ىك ىما ىس َّك ى‬‫قاؿ تعالى‪ :‬كىن ٍف و‬
‫ى‬
‫اىا‪ ‬الشمس اآلية ٕ‪َُ-‬‬ ‫ىد َّس ى‬
‫كبدكف العقؿ يسقط التكميؼ كما يترتب عميو مف الثكاب كالعقاب جاء في الحديث ىع ٍف ىعمً وي‬
‫ٌ‬
‫ً‬
‫رضي هللا عنو ىع ٍف النَّب ًٌي ‪ ‬قى ى‬
‫اؿ‪:‬‬

‫(ُ) لساف العرب البف منظكر جُُ‪.ْٖٓ/‬‬


‫(ِ) انظر المفردات في غريب القرآف صُُٓ ككتاب الذريعة إلى مكارـ الشريعة لمراغب األصفياني صُٗٔ‪.‬‬
‫(ّ) انظر شرح الكككب المنير جُ‪.َٖ/‬‬
‫(ْ) كتاب الذريعة إلى مكارـ الشريعة صُٗٔ‪.‬‬
‫(ٓ) انظر الحاكم في تفسير القرآف العظيـ‪ :‬عبد الرحمف بف محمد القماش تفسير سكرة الركـ آيوِٕ‪.‬‬

‫‪-9- 9‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ي"رًف ىع اٍل ىقمى يـ ىع ٍف ثى ىبلثى وة ىع ٍف النَّائًًـ ىحتَّى ىي ٍستىٍي ًقظى ىك ىع ٍف َّ‬


‫الصبً ًي ىحتَّى ىي ٍحتىمً ىـ ىك ىع ٍف اٍل ىم ٍجين ً‬
‫كف ىحتَّى‬
‫ٌ‬
‫(ُ)‬
‫ىي ٍع ًق ىؿ"‪.‬‬
‫ّ ‪" -‬كلقد أمر القرآف الكريـ اإلنساف بالتفكر كالفيـ كالكعي‪ ،‬ليفتح آفاقو الفكرية‪ ،‬كيحرؾ‬
‫ذىنو كعقمو‪ ،‬كيخرجو مف قكقعة الجمكد كالتحجر كالتقميد األعمى‪ ،‬ليفكر تفكي انر عمميان يغني‬
‫حياتو بمكتشفات العقؿ كالعمـ‪ ،‬كتزداد معرفتو بيذا الككف كبخالقو العظيـ فيؤمف بو‪ ،‬كيعبده‬
‫عمى أساس اإليماف الكاعي‪ ،‬كالتفكير الحي‪ .‬قاؿ تعالى‪:‬‬
‫ً َّ‬ ‫‪ ‬ىك ىذلً ىؾ يي ىبٌيً يف َّ‬
‫كف‪ ‬البقرة‪:‬اآلية ُِٗ‪.‬‬ ‫اَّللي لى يك يـ ٍاآليات لى ىعم يك ٍـ تىتىفى َّك ير ى‬
‫ض ًربيا لً َّمن ً َّ‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬الحشر‪:‬اآلية ُِ‪.‬‬ ‫اس لى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى‬ ‫اؿ ىن ٍ ي ى‬ ‫‪ ‬ىكتٍم ىؾ ٍاأل ٍىمثى ي‬
‫و ً‬ ‫ً ً‬
‫كف‪ ‬الزمر‪:‬اآلية ِْ‪.‬‬ ‫‪‬إً َّف في ىذل ىؾ ىآليات لقى ٍكوـ ىيتىفى َّك ير ى‬
‫اَّلل َّ ً‬
‫ىج وؿ يم ىس ٌمى‬
‫ن‬ ‫ض ىك ىما ىب ٍي ىنيي ىما إً َّال بًاٍل ىح ًٌ‬
‫ؽ ىكأ ى‬ ‫الس ىم ىاكات ىك ٍاأل ٍىر ى‬ ‫ؽ َّي‬ ‫‪‬أ ىىكلى ٍـ ىيتىفى َّك يركا ًفي أ ٍىنفي ًس ًي ٍـ ىما ىخمى ى‬
‫ً‬ ‫ًف ىكثًي انر ًمف النَّ ً ً ً‬
‫اس بًمقىاء ىرٌبً ًي ٍـ لى ىكاف ير ى‬
‫(ِ)‬
‫كف‪ ‬الركـ‪:‬اآلية ٖ"‬ ‫ى‬ ‫ىكا َّ‬
‫كفي السنة النصكص الكثيرة في الحث عمى التعمـ‪ ،‬كامعاف الفكر كالتفكير كالفيـ في القرآف‬
‫كالسنة مف ذلؾ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫عف ىزيد بف ثىابً وت قاؿ س ًمعت رسكؿ ًَّ‬
‫ام ىأنر ىسم ىع مَّنا ىحديثنا فى ىحفظىوي‬
‫اَّللي ٍ‬‫ض ىر َّ‬‫كؿ‪ :‬ى"ن َّ‬ ‫اَّلل ‪ ‬ىيقي ي‬ ‫ى ٍ ي ىي ى‬ ‫ٍ ٍي‬
‫ً و (ّ)‬
‫ام ًؿ ًف ٍق وو لى ٍي ىس بًفىقيو"‪.‬‬
‫بحً‬ ‫ً‬ ‫حتَّى يبمًٌ ىغو ىغيره فىر َّ ً ً ً و‬
‫ب ىحامؿ ف ٍقو إًلىى ىم ٍف يى ىك أى ٍفقىوي م ٍنوي ىكير َّ ى‬ ‫ى يى ي ٍ ى ي ي‬
‫ً‬ ‫كعف مع ًاكية‪ :‬قىاؿ رسكؿ ًَّ‬
‫الد ً‬‫اَّللي بً ًو ىخ ٍي نار ييفىًقٌ ٍيوي ًفي ٌ‬
‫اَّلل ‪ " :‬ىم ٍف يي ًرٍد َّ‬
‫(ْ)‬
‫يف"‪.‬‬ ‫ى ىي ي‬ ‫يى ى‬
‫كعف عكف بف عبد هللا قاؿ‪ :‬قيؿ ألـ الدرداء رضي هللا عنيا‪ :‬ما كاف أكثر عمؿ أبي‬
‫(ٓ)‬
‫الدرداء رضي هللا عنو؟ قالت‪ :‬التفكر‪.‬‬
‫كعف الحسف البصرم رحمو هللا قاؿ‪" :‬تفكر ساعة خير مف قياـ ليمة"‪،)ُ(.‬‬

‫(ُ) أخرجو أبك داكد في السنف ؾ الحدكد (َّْْ)‪ ،‬كالترمذم في ؾ الحدكد (ُِّْ)‪.‬‬
‫(ِ) انظر كتاب‪ :‬فصكؿ في التفكير المكضكعي‪ :‬د‪.‬عبد الكريـ بكار صُٔ‪ ،ُٖ-‬كالفكر اإلسبلمي تأليؼ لجنة مف‬
‫المفكريف صٔ‪ٕ-‬‬
‫(ّ) أخرجو الترمذم في جامعو ؾ العمـ عف رسكؿ هللا (ِٔٓٔ) كأبك داكد في السنف ؾ العمـ (َّٔٔ)‪ ،‬كابف ماجو في‬
‫السنف المقدمة (َِّ)‪.‬‬
‫(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ فرض الخمس (ُُّٔ)‪ ،‬كمسمـ في صحيحو ؾ الزكاة (َُّٕ)‪.‬‬
‫(ٓ) أخرجو أحمد في الزىد صُٖٗ(ُٕٗ)‪ ،‬كابف المبارؾ في الزىد صٕٗ(ِٖٔ)‪ ،‬كأبك الشيخ في العظمة صّْ‬
‫(ْ‪ )ْٕ-ْٔ/ٓ-‬كاسناده صحيح‪.‬‬

‫‪-30-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫(ِ)‬
‫كعنو رحمو هللا قاؿ‪" :‬التفكر مرآة تريؾ حسناتؾ كسيئاتؾ"‪.‬‬
‫و ً ًً‬ ‫ً ً‬
‫يف‪ ‬سكرة الحجر اآلية‪ ٕٓ:‬عف‬ ‫كجاء في تفسير قكلو تعالى‪ :‬إً َّف في ىذل ىؾ ى‬
‫آليات لٍم يمتىىك ٌسم ى‬
‫(ّ)‬
‫قتادة كابف زيد كغيرىما المتكسميف أم المعتبريف المتفكريف‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪:‬‬
‫تعريف الفكر اإلسالمي‪ ،‬والفرق بين الفكر والتفكير اإلسالمي‬
‫تعريف الفكر‪ :‬لغة‪:‬‬

‫(ُ) أخرجو ابف أبي شيبة في مصنفو جٕ‪ ،َُٗ/‬كأخرجو أحمد في الزىد صَِِ(ْٕٓ) كالبييقي في شعب اإليماف‬
‫عف أبي الدرداء جُ‪ ،ُّٔ/‬كابف أبي عاصـ في السنة جُ‪ ُِٗ/‬كقاؿ‪ :‬غريب اإلسناد صحيح‪ ،‬كأخرجو أبك الشيخ‬
‫في العظمة عف ابف عباس صّّ‪.‬‬
‫(ِ) أخرجو أبك الشيخ في العظمة صَِ(ُّ‪ )ُّ/‬كاسناده حسف‪.‬‬
‫(ّ) أخرجو تفسير الطبرم جٕ‪ ،ِٓٗ-ِٖٓ/‬كأبك الشيخ في العظمة صّْ(ٖ‪ )َٓ/‬كاسناده صحيح‪.‬‬

‫‪-33- 11‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فكر في األمر‪:‬‬ ‫ً‬


‫الف ٍكر ىك إعماؿ العقؿ في المعمكـ لمكصكؿ إلى المجيكؿ‪ ،‬يقاؿ‪َّ :‬‬
‫الف ٍك ير ك ي‬
‫أم أعمؿ عقمو فيو ليصؿ إلى ما خفي منو‪ ،‬كرجؿ فكير أم كثير الفكر‪ .‬كالتفكر‪ :‬التأمؿ‪.‬‬
‫كيقاؿ‪ :‬ليس لي في ىذا األمر فكر‪ :‬أم ليس فيو حاجة‪ ،‬كالجمع أفكار‪.‬‬
‫(ُ)‬
‫الفكر اصطبلحان‪ :‬صكرة الشيء الذىنية‪ ،‬أك داللتو في الذىف‪.‬‬
‫اإلسالم‪ :‬لغة‪ :‬اإلسبلـ كاالستسبلـ‪ :‬االنقياد كالخضكع كاإلذعاف‪ ،‬كالمستسمـ ألمر هللا‪:‬‬
‫المخمص لو في العبادة‪ ،‬مف قكليـ‪ :‬سمٌـ الشيء لفبلف أم خمصو‪ ،‬كسمـ لو الشيء أم خمص‬
‫(ِ)‬
‫لو‪.‬‬
‫اصطبلحان‪ :‬االنقياد كالخضكع التاـ ﵀ فيما أمر بو أك نيى عنو‪.‬‬
‫* ينقسـ اإلسبلـ مف حيث المكضكع إلى قسميف‪:‬‬
‫ُ‪ -‬التكحيد‪ :‬كىي مجمكعة العقائد التي أنزليا هللا سبحانو كبينيا رسكلو ‪ ‬عف اإليماف با﵀‬
‫كمبلئكتو ككتبو كرسمو كاليكـ اآلخر كالقضاء كالقدر خيره كشره‪.‬‬
‫ِ‪ -‬التشريع‪ :‬العبادات كالمعامبلت كالحدكد كالقصاص كاألخبلؽ كالجياد كاألمر بالمعركؼ‬
‫كالنيي عف المنكر‪.‬‬
‫التفكير اإلسالمي‪" :‬كؿ حركة عقمية تجرم عمى أسس مستيدفةن تحصيؿ فكر إسبلمي ممتزـ"‪.‬‬
‫إف لكؿ عمؿ عقمي كنشاط فكرم منيجو كمنطمقاتو كأىدافو‪ .‬ىذه الحركة العقمية‬ ‫كمعنى التعريؼ ٌ‬
‫ستمارس عمميا كفؽ المنطمقات اآلتية‪:‬‬
‫ُ‪ -‬تنطمؽ مف مبادئ كمقدمات محدكدة المعالـ حسب المجاؿ الفكرم الذم تتحرؾ بو‪.‬‬
‫ِ‪ -‬تسير كفؽ منيج كطريقة معينة تتناسب كنظرة المفكر كطريقة تفكيره‪.‬‬
‫ّ‪ -‬تنتيي إلى نتائج فكرية محددة الصفة كاليكية‪.‬‬
‫فإف كانت ىذه العممية الفكرية تنطمؽ مف منطمقات كمقدمات فكرية إسبلمية أك منسجمة مع‬
‫الخط اإلسبلمي‪ ،‬كسارت كفؽ منيج تفكير إسبلمي‪ ،‬كاستيدفت تحصيؿ نتائج فكرية ذات طابع‬
‫صفو‬‫كىكية إسبلمية‪ ،‬سيككف ىذه التفكير تفكي انر إسبلميان‪ .‬فإف اختمت أحد ىذه المنطمقات فمف ىن ً‬
‫ٍ‬
‫بأنو تفكير إسبلمي‪.‬‬

‫(ُ) مكسكعة البحث العممي‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح مراد صْٕٕ بيركت‪.‬‬
‫(ِ) انظر بتصرؼ لساف العرب ُِ‪.ِّٗ/‬‬

‫‪-31-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الفكر اإلسالمي‪ :‬مجمكعة العمكـ كالمعارؼ القائمة عمى أسس كمكازيف إسبلمية‪.‬‬
‫فالفكر اإلسبلمي ىك الذم أنتجو التفكير اإلسبلمي الممتزـ باألسس كالمكازيف اإلسبلمية‪.‬‬
‫الرسكؿ ‪ ‬إلى اليكـ في‬ ‫"كؿ ما أنتجو ًف ٍكر المسمميف منذ مبعث َّ‬
‫الفكر اإلسبلمي يعني‪ٌ :‬‬
‫يعبر عف اجتيادات الع ٍقؿ‬ ‫َّ‬
‫المعارؼ الككنيَّة المتصمة با﵀ سبحانو كتعالى كالعالـ كاإلنساف‪ ،‬كالذم ٌ‬
‫كسمككا"‪.‬‬
‫ن‬ ‫العامة في إطار المبادئ اإلسبلميَّة‪ ،‬عقيدة كشريعة‬
‫اإلنساني لتفسير تمؾ المعارؼ َّ‬
‫كرؤل حكؿ القضايا‬‫تصكرات كأحكاـ ن‬‫ُّ‬ ‫يراد بما أنتجو المسممكف‪ :‬ما نتج عف ذلؾ مف‬
‫ً‬
‫المحدد لمفيكـ الفكر‪ ،‬فإذا‬
‫ٌ‬ ‫ثـ تتَّسع دائرة مفيكـ الف ٍكر أك تضيؽ ن‬
‫تبعا لمنطمقات‬ ‫المطركحة‪َّ ،‬‬
‫المع ًرفة كالعمكـ‬
‫المكركث الف ٍكرم لئلنساف في ىجميع مياديف ٍ‬ ‫َّ‬
‫اتسع مفيكـ الف ٍكر اشتمؿ عمى ٍ‬
‫أف ىناؾ ىمف يدخؿ العمكـ التَّجريبيَّة كالتَّطبيقيَّة داخؿ مفيكـ الفكر‪،‬‬ ‫الصعيد َّ‬
‫النظرم‪ ،‬عمى َّ‬ ‫عمى َّ‬
‫ليشتمؿ عمى مفيكـ‬ ‫فيشتمؿ عمى النَّشاط اإلنساني َّ‬
‫بعامة بما يخرج مفيكـ الف ٍكر‪ ،‬عف الف ٍكر ٍ‬
‫الثَّقافة بؿ الحضارة ن‬
‫أيضا‪.‬‬
‫النظر العقمي في و‬
‫أمر ما‪ ،‬فيككف‬ ‫مجرد َّ‬
‫تنحصر في َّ‬ ‫ً‬ ‫كقد تضيؽ دائرة مفيكـ الفكر حتَّى‬
‫أمة‪ ،‬أك عصر‪ ،‬أكديف‪.‬‬‫منسكبا إلى مبدأ‪ ،‬أك مذىب‪ ،‬أك طائفة‪ ،‬أك َّ‬ ‫و‬
‫عندئذ‬ ‫الف ٍكر‬
‫ن‬
‫فإما أف يراد بو‬ ‫ِ‪ -‬عندما يضاؼ الفكر إلى اإلسبلـ أك يكصؼ الفكر َّ‬
‫بأنو إسبلمي‪َّ ،‬‬
‫المدركة لدل اإلنساف في ضكء اإلسبلـ؛ كلذلؾ‬ ‫كيفية عمؿ العقؿ كما يمحؽ بو مف القكل ٍ‬
‫بأنو‪" :‬المنيج الَّذم يف ًٌكر بو المسممكف أك الَّذم ينبغي أف يف ًٌكركا بو"‬
‫عرفو بعضيـ َّ‬
‫َّ‬
‫كبناء عمى ذلؾ نقكؿ‪ :‬ليس كؿ ما أنتجو المسممكف يكصؼ بالفكر اإلسبلمي‪.‬‬
‫فبل نسمي اإلنتاج األدبي بأنو إسبلمي إال إذا كاف أدبان ممتزمان بالقيـ كالمكازيف اإلسبلمية‪،‬‬
‫كحامبلن طابع اإلسبلـ كركحو‪.‬‬
‫ككذلؾ ال نسمي كؿ فف ينتجو الفنانكف المسممكف فنان إسبلميان إال إذا كاف فنان ممتزمان بالقيـ‬
‫اَّلل كمف أىحسف ًمف ًَّ ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اَّلل ص ٍب ىغةن ىكىن ٍح يف لىوي‬ ‫معب انر عنيا‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬ص ٍب ىغةى َّ ى ى ٍ ٍ ى ي ى‬
‫كالمكازيف اإلسبلمية ٌ‬
‫ىعابً يد ى‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية‪.ُّٖ:‬‬
‫المطمب الثالث‪:‬‬
‫الفروق بين الفكر البشري والفكر اإلسالمي‪:‬‬

‫‪-31- 13‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الفكر البشرم عمى اختبلؼ مصادره أك يم َّدعكه معرض لمخطأ كالصكاب‪ ،‬كقد يصيب‬
‫الحقيقة حينان‪ ،‬كيضؿ أحيانان كثيرة‪ ،‬ألف‪:‬‬
‫أ‪ -‬العقؿ ييعمؿ الفكر بدكف مصدر ثابت يرتكز إليو‪.‬‬
‫ب‪ -‬كألف طبيعة اإلنساف طبيعة متقمبة تتككف مف مجمكعة مف العكاطؼ كالنكازع‬
‫كالشيكات كىي متنازعة بشكؿ دائـ‪.‬‬
‫ج‪ -‬مع األخذ باالعتبار أف العقؿ البشرم عمى اتساعو اليائؿ يبقى محدكدان‪ ،‬ضمف قدرة‬
‫البشر كحجـ ما يستطيع الكصكؿ إليو مما تقع عميو عيناه‪.‬‬
‫بينما الفكر اإلسبلمي متميز عف الفكر البشرم البحت بعدة أمكر أىميا‪:‬‬
‫ُ‪ -‬أنو فكر أصيؿ مصدره الكحي الرباني الذم أخرج الناس مف ظممات الكفر كالجيؿ‬
‫كالجمكد إلى نكر اإليماف كالعمـ كالعقؿ كاالستنباط كاالبتكار كالتجديد‪ ،‬كمف ضيؽ الدنيا إلى‬
‫سعة الدنيا كاآلخرة‪،‬‬
‫الن ً ًَّ‬ ‫اَّلل كلً ُّي الًَّذيف آمنكا ي ٍخ ًرجيـ ًمف الظُّميم ً‬
‫يف ىكفىيركا أ ٍىكلً ىي ي‬
‫اؤ يى ٍـ‬ ‫كر ىكالذ ى‬ ‫ات إًلىى ُّ‬ ‫ى‬ ‫ى ى ي ي ي يٍ ٍ‬ ‫قاؿ سبحانو‪َّ :‬ي ى‬
‫ُّ ً ً‬
‫كف‪‬البقرة اآلية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الن ًار يى ٍـ فييىا ىخال يد ى‬
‫اب َّ‬‫ىص ىح ي‬‫كر إًلىى الظمي ىمات أ ٍيكلىئ ىؾ أ ٍ‬ ‫كنيي ٍـ ًم ٍف ُّ‬
‫الن ً‬ ‫كت يي ٍخ ًريج ى‬ ‫الطَّ ي‬
‫اغ ي‬
‫ِٕٓ‪.‬‬
‫ِ‪ -‬اإلسبلـ الذم استحيا اإلنسانية مف درجة المكات الكامؿ إلى درجة الحياة الكاممة قاؿ‬
‫اس ىكمف مثىميو ًفي الظُّميم ً‬ ‫سبحانو‪ :‬أىكمف ىكاف ميتنا فىأىحيي ىناه كجعٍم ىنا لىو ين ا ً ً ً‬
‫ات‬ ‫ى‬ ‫كر ىي ٍمشي بًو في النَّ ً ى ٍ ى ي‬ ‫ٍ ىٍ ي ى ى ى ي ن‬ ‫ى ى ٍ ى ىٍ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬األنعاـ اآلية ُِِ‬ ‫لى ٍي ىس بً ىخ ًاروج م ٍنيىا ىك ىذل ىؾ يزٌيً ىف لٍم ىكاف ًر ى‬
‫يف ىما ىك يانكا ىي ٍع ىممي ى‬
‫اك ٍـ لً ىما يي ٍحيً ي‬ ‫ًً‬
‫َّلل كلً َّمرس ً‬ ‫ًَّ‬
‫كؿ ىب ٍي ىف‬
‫اَّللى ىي يح ي‬
‫ىف َّ‬‫اعمى يمكا أ َّ‬
‫يك ٍـ ىك ٍ‬ ‫كؿ إً ىذا ىد ىع ي‬ ‫استى ًج ييبكا َّ ى ي‬ ‫آمينكا ٍ‬ ‫يف ى‬ ‫‪‬يا أييا الذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬األنفاؿ اآلية ِْ‬ ‫اٍل ىم ٍرًء ىكىقٍمبًو ىكأَّىنوي إًلىٍيو تي ٍح ىش ير ى‬
‫ّ‪ -‬اجتيادات المجتيديف مف عمماء األمة سمفان كخمفان أمثاؿ األئمة األربعة أبك حنيفة‬
‫كمالؾ كالشافعي كأحمد‪ ،‬كمف جاء بعدىـ أمثاؿ الغزالي كابف تيمية كالسيكطي كالشككاني‬
‫كمحمد بف عبد الكىاب كحسف البنا كسيد قطب كمالؾ بف نبي ك د‪ .‬محمد البيي كأبك األعمى‬
‫المكدكدم‪..‬الخ في شتى العمكـ كالمعارؼ يدخؿ ضمف إطار الفكر اإلسبلمي ألنو فكر ممتزـ‬
‫بإطار المصادر الشرعية‪ ،‬كاف كاف ثمة مآخذ عمى بعض المجتيديف‪ ،‬فبسبب أنيـ مجتيدكف‬
‫فمف أصاب فمو أجراف‪ ،‬كمف أخطأ فمو أجر كاحد‪.‬‬

‫‪-34-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ً‬ ‫اص أىنَّو س ًمع رسكؿ ًَّ‬


‫اب ىفمىوي‬
‫ىص ى‬ ‫كؿ‪" :‬إً ىذا ىح ىك ىـ اٍل ىحاك يـ فى ٍ‬
‫اجتىيى ىد ثيَّـ أ ى‬ ‫اَّلل ‪ ‬ىيقي ي‬ ‫ىع ٍف ىع ٍم ًرك ٍب ًف اٍل ىع ً ي ى ى ى ي ى‬
‫(ُ)‬
‫ىجهر‬
‫طأى ىفمىوي أ ٍ‬
‫ىخ ى‬
‫اجتىيى ىد ثيَّـ أ ٍ‬ ‫ىج ىر ً‬
‫اف ىكًا ىذا ىح ىك ىـ فى ٍ‬ ‫أٍ‬
‫فاإلسبلـ بقكاعده العامة يحفز المسمميف عمى التفكير كاإلبداع كاالستنتاج الفكرم كالعممي‪.‬‬

‫المطمب الرابع‪:‬‬
‫خصائص الفكر اإلسالمي‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ االعتصاـ باب أجر الحاكـ (ِّٕٓ)‪ ،‬كمسمـ في صحيحو ؾ اإلمارة باب بياف أجر‬
‫الحاكـ إذا اجتيد جّ‪.)ُُٕٔ(ُِّْ/‬‬

‫‪-35- 15‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫يمتاز الفكر اإلسبلمي بكثير مف الخصائص كالصفات النكعية الكاضحة التي تيميزه عف‬
‫كثير عف غيره مف األفكار كالنظريات‪ ،‬كتمنحو الحيكية كالقدرة عمى الحركة كالعطاء كالنمك‪،‬‬
‫كمف ىذه الخصائص‪:‬‬
‫أولً‪ :‬السعة والشمول‪:‬‬
‫يتميز الفكر اإلسبلمي بسعتو كشمكلو لجميع جكانب الحياة‪ ،‬كسبب ذلؾ سعة كشمكؿ آفاؽ‬
‫المصادر التي يعتمدىا الفكر‪ .‬لقد عبر اإلماـ الشييد حسف البنا رحمو هللا عف أبعاد ىذا‬
‫الشمكؿ في رسالة اإلسبلـ فقاؿ كأجاد‪:‬‬
‫"إنيا الرسالة التي امتدت طكالن حتى شممت آباد الزمف‪ ،‬كامتدت عرضان حتى انتظمت آفاؽ‬
‫األمـ‪ ،‬كامتدت عمقان حتى استكعبت شئكف الدنيا كاآلخرة"‪.‬‬
‫فالفكر اإلسبلمي ليس مكقكتان بعصر معيف أك زمف مخصكص ينتيي أثره بانتيائو‪ ،‬كما أنو‬
‫ليس محدكدان بمكاف كال بأمة كال بشعب كال بطبقة إنو يمتاز بالشمكؿ‪ ،‬يخاطب كؿ األمـ ككؿ‬
‫األجناس ككؿ الشعكب ككؿ الطبقات‪.‬‬
‫كذلؾ نجد ىذا الشمكؿ يتجمى في العقيدة كالتصكر‪ ،‬كيتجمى في العبادات كالتقرب‪ ،‬كيتجمى‬
‫في األخبلؽ كالفضائؿ‪ ،‬كيتجمى في التشريع كالتنظيـ‪.‬‬
‫كلعؿ السبب األساسي لسعة الفكر اإلسبلمي كشمكلو‪ ،‬ىك سعة كشمكؿ المصادر التي‬
‫يعتمدىا ىذا الفكر‪.‬‬
‫كاف نتاج العمماء كالمفكريف المسمميف في جميع شؤكف الحياة كنكاحييا ابتداء مف كبيرىا‬
‫إلى صغيرىا لدليؿ عمى ذلؾ‪ ،‬كما كاف ليـ ذلؾ لكال شمكؿ العقيدة اإلسبلمية‪ ،‬كنظاميا‬
‫األخبلقي‪ ،‬كالتشريعي‪ ...‬كما انطكل عميو مف قكاعد ككميات‪ ،‬كاف شاىدنا قصك انر في مساحات‬
‫مف الفكر كالمعرفة فسببو قصكر الباحثيف اإلسبلمييف‪ ،‬كتأخرىـ نتيجة لتعرضيـ النتكاسات‬
‫فكرية كسياسية كبيرة كليس بسبب عجز الفكر اإلسبلمي كالمعارؼ اإلسبلمية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الثبات والمرونة‪:‬‬


‫كمف الخصائص التي يتميز بيا الفكر اإلسبلمي كالتي ال تكجد في شريعة سماكية كال‬
‫كضعية‪" :‬التكازف بيف الثبات كالتطكر"‪ ،‬أك "الثبات كالمركنة" الثبات يدؿ عمى الخمكد كالمركنة‬

‫‪-36-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫تدؿ عمى التطكر كىذا مف ركائع اإلعجاز في ىذا الديف كآية مف آيات عمكمو كخمكده‬
‫كصبلحيتو لكؿ زماف كمكاف‪ .‬كيتجمى ىذا الثبات في المصادر األصمية القطعية لمتشريع‬
‫المتمثمة بالكتاب كالسنة كتتجمى المركنة في "المصادر االجتيادية" التي اختمؼ فقياء األمة‬
‫في مدل االحتجاج بيا ما بيف مكسع كمضيؽ مثؿ اإلجماع كالقياس كاالمتحاف كالمصالح‬
‫المرسمة كأقكاؿ الصحابة كشرع مف قبمنا‪.‬‬
‫كما نجد الثبات يتمثؿ في العقائد األساسية كاألركاف العممية الخمسة كالمحرمات اليقينية‬
‫كأميات الفضائؿ كفي شرائع اإلسبلـ القطعية‪ ،‬كما تتجمى المركنة في الكسائؿ كاألساليب كفي‬
‫الفركع كالجزئيات كالشئكف الدنيكية كالعممية‪.‬‬
‫كاذا كاف بالمثاؿ يتضح المقاؿ‪ ،‬فبل بأس أف نذكر ىنا مثاؿ لتكضيح ما قمناه‪:‬‬
‫كرل ىب ٍي ىنيي ٍـ﴾‬
‫﴿كأ ٍىم يريى ٍـ يش ى‬
‫يتمثؿ الثبات في مثؿ قكلو تعالى في كصؼ مجتمع المؤمنيف‪ :‬ى‬
‫الشكرل‪:‬اآليةّٖ فبل يجكز لحاكـ كال لمجتمع أف يمغي الشكرل ألنو مف الثكابت اإلسبلمية‪.‬‬
‫ترؾ لمناس كزمانيـ كمكانيـ‪.‬‬
‫كتتمثؿ المركنة في عدـ تحديد شكؿ معيف لمشكرل إنما يي ي‬
‫اربعاً‪ُ :‬يقدر الخبرة اإلنسانية والتجارب البشرية‪:‬‬
‫بحيث ال يضع الحكاجز كالسدكد بينو كبيف خبرات األمـ السابقة‪ ،‬بؿ إنو فكر منفتح يتعامؿ‬
‫مع الجميع كيستفيد مف خبرات اآلخريف‪ ،‬عمى اعتبار أف التراث اإلنساني ممؾ لمجميع‪ ،‬فالفكر‬
‫نكر فضؿ أىؿ الفضؿ‪.‬‬ ‫ً‬
‫اإلسبلمي ال ىيغمط الناس حقيـ كال يي ي‬
‫خامسا‪ :‬الفاعمية والحركية‪:‬‬
‫ً‬
‫تميز الفكر اإلسبلمي أنو فكر يمتاز بتفاعمو في حياة الفرد كاألمة فيمنحيما قكة كطاقة‬
‫تدفعيما نفسيان كفعميان نحك السمك كالتكامؿ‪ ،‬كتصنع منيما كاقعان متحركان نحك بناء الحياة‪.‬‬
‫كيشيد التاريخ عمى قدرة الفكر اإلسبلمي عمى تحريؾ األمة بعد طكؿ تحجر كجمكد‬
‫كتكقؼ إلى مياديف العمؿ الرحبة‪ ،‬كالحركة الدؤكب في عالـ الطبيعة‪ ،‬كىك ما فعمتو الرسالة‬
‫اإلسبلمية في حياة العرب التي كانت قبمو بسيطة ممؤىا الجمكد كالتكقؼ كالتحجر كالجيؿ‪،‬‬
‫فانتقمكا بيذا الفكر إلى صدارة األمـ‪ ،‬كامامة الككف في جميع شؤكف الحياة‪.‬‬
‫كىك اليكـ قادر‪ -‬لك لجأت األمة إليو ‪ -‬عمى تفجير كتحريؾ كتنظيـ طاقاتيا‪ ،‬كاغنائيا‬
‫بالعطاء كالعمؿ كاإلبداع‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬اللتزام بالضوابط والمقاييس الشرعية‪:‬‬
‫ً‬

‫‪-37- 17‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الفكر اإلسبلمي لو أصكؿ كمكازيف كضكابط تحفظ لو أصالتو كبناءه المتيف‪ ،‬كالباحث‬
‫كالمفكر اإلسبلمي ينطمؽ مف ضكابط كمقاييس تحدد مسار تفكيره كمنيج بحثو كما يتكصؿ‬
‫إليو مف النتائج‪ ،‬تتمخص ىذه المقاييس كالضكابط فبما يأتي‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬العقيدة كالمفاىيـ‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬القيـ كاألخبلؽ‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬األحكاـ الشرعية‪.‬‬
‫كعمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬عندما يقكـ مفكر إسبلمي ببحث قضية الحرية يمتزـ ببحثيا عمى‬
‫أساس االلتزاـ بالقيـ كاألحكاـ الشرعية‪ ،‬بخبلؼ ما قاـ بو المفكركف غير اإلسبلمييف مف بحثو‬
‫بدكف أم رابط أك قيكد أخبلقية أك شرعية فأدت إلى ما نراه مف الفكضى كاالنحبلؿ‪.‬‬
‫كعندما يبحث االقتصادم اإلسبلمي قضايا االقتصاد‪ ،‬يمتزـ بالخطكط العامة لئلسبلـ الذم‬
‫يحرـ الربا كالجشع كالغش كاألنانية كالظمـ كتكريس الثركة في أيدم القمة‪ ،‬كىك حاؿ االقتصاد‬
‫العالمي اليكـ مما أدل إلى انتشار الفقر كالجكع في مناطؽ كثيرة مف العالـ في كقت تركزت‬
‫فيو الثركات في أيدم النصؼ بالمائة الذيف يقكدكف الشركات العمبلقة أك كما يقكلكف‪:‬‬
‫الشركات العابرة لمقارات‪ ...‬ككذلؾ الباحث في عمـ األخبلؽ كالسمكؾ‪ ...‬كالباحث في أمكر‬
‫األدب كالفنكف‪....‬الخ كؿ ىذا كغيره يقكـ الباحث المسمـ بو عمى أساس العقيدة التي تعطينا‬
‫الفكرة اليقينية الكمية عف اإلسبلـ كالككف كالحياة كما قبؿ الحياة كما بعدىا‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬األصالة‪:‬‬
‫س ً‬
‫معنى أصالة الفكر أم فكر إسبلمي أصيؿ لو أصكؿ إسبلمية يقكـ عمييا كيستمد كجكده‬
‫منيا‪ .‬أما سمات كعناصر ىذه األصالة فيي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصالة المصدر كغناه‪.‬‬
‫ب‪ -‬كجكد الضكابط كاألطر التي تحفظ ىكيتو اإلسبلمية‪.‬‬
‫ج‪ -‬كجكد المنيج كطريقة البحث كالتفكير التي تؤدم إلى اإلنتاج األصيؿ الممتزـ‪.‬‬

‫تمكننا ىذه األصالة الفكرية من تحقيق ثالثة أمور‪:‬‬


‫ُ‪ .‬التمييز بيف ما ىك إسبلمي كما ىك غير إسبلمي‪.‬‬
‫ِ‪ .‬كما ىك صحيح كما ىك غير صحيح‪.‬‬

‫‪-38-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ّ‪ .‬نقد كمحاكمة األفكار كالمفاىيـ كالنظريات الغريبة عف ركح اإلسبلـ كأسسو‬
‫الفكرية‪.‬‬
‫كفؽ ىذه األصالة استطاع العمماء كالمفكركف انتياج النقد كالدفاع عف اإلسبلـ عمى‬
‫صعيديف‪:‬‬
‫الصعيد األكؿ‪ :‬الدائرة غير اإلسبلمية‪ :‬بالرد عمى األفكار كالنظريات كالشبيات المتسممة‬
‫إلى الكياف الفكرم اإلسبلمي‪.‬‬
‫الصعيد الثاني‪ :‬الدائرة اإلسبلمية؛ قاـ بو أىؿ التكحيد ببياف قكاعد أركاف اإلسبلمية‬
‫الصحيحة‪ ،‬مع بياف العقائد الضالة كالمنحرفة‪.‬‬
‫كاألصكليكف مف خبلؿ تقعيد قكاعد عمـ األصكؿ لمحفاظ عمى أصالة الشريعة اإلسبلمية‬
‫كحمايتيا مف األىكاء‪.‬‬
‫عممي القرآف الكريـ كالحديث الشريؼ‪.‬‬
‫الم ىح ٌدثكف بإرسائيـ لقكاعد ى‬
‫كقاـ بو المفسركف ك ي‬
‫في المراحؿ السابقة بعد تكسع الدكلة اإلسبلمية كتفكقيا كانتصارىا عمى القكل العظمى‬
‫الركمانية كالفارسية كاف الصراع الفكرم عمى أشده مع األفكار كالعقائد الغربية غير َّ‬
‫أف حصانة‬
‫األمة ضد ىذه األفكار كاف قكيان‪ ،‬بؿ استطاع الفكر اإلسبلمي أف يذيب كييضـ كيستكعب‬
‫األفكار الكاردة فأخذ منيا ما يتبلءـ معو‪ ،‬كرفض كنفى الغريب عنو‪.‬‬
‫أما في المرحمة الحالية ‪-‬الغزك الفكرم الغربي الحديث‪ -‬التي أراد مف خبلليا محك‬
‫الشخصية اإلسبلمية كتذكيب ىكيتيا قامت عمى ذلؾ مؤسسات استعمارية كثقافية كالجامعات‬
‫كالمدارس‪ ،‬إضافة إلى ما حرص عميو االستعمار مف السيطرة عميو حتى بعد خركجو مف ببلد‬
‫المسمميف كك ازرات المعارؼ‪.‬‬
‫ج‪ -‬مرحمة االستنباط كتأسيس النظريات‪ :‬كال تأتي ىذه المرحمة إال بعد اإلحاطة بمصادر‬
‫الفكر كالتشريع اإلسبلمي كما نتج عنو مف عمكـ‪ .‬كبعد االطبلع عمى البحكث كالدراسات‬
‫كالنظريات التي طرحيا المتخصصكف مف غير المسمميف‪ .‬ثـ امتبلؾ الفيـ كالقدرة‬
‫االستنباطية‪.‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬الخصوبة والنمو‪:‬‬
‫تميز الفكر اإلسبلمي بصفة الخصكبة كالقابمية لمنماء كالعطاء‪ ،‬ألف مصدره القرآف الكريـ‬
‫كالسنة النبكية‪ ،‬بشمكليتيما كاطبلقيما العناف لبلجتياد المنضبط‪ ،‬كالحث عمى التفكير كذـ‬

‫‪-39- 19‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الجمكد كالجيؿ‪ ،‬ليذا رأينا العمكـ المختمفة التي انبثقت عنو مثؿ عمـ التفسير كالفقو كأصكلو‬
‫كعمـ االجتماع كالنفس كعمـ األخبلؽ‪ ،‬كالتاريخ‪...‬‬
‫تاسعا‪ :‬الوحدة والترابط‪:‬‬
‫ً‬
‫تميز الفكر اإلسبلمي أنو منظكمة فكرية متكاممة‪ ،‬يؤثر بعضيا ببعض كيكمؿ بعضيا‬
‫بعضان‪ ،‬مثاؿ ذلؾ منظكمة األخبلؽ كالقيـ ترتبط ارتباطان كثيقان بعقيدة التكحيد كصفات هللا‬
‫تعالى‪ .‬كفريضة الزكاة مرتبطة باإليماف با﵀ تعالى أكالن‪،‬‬
‫كمفيكـ العبادة ثانيان‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫كباألخبلؽ ثالثان‬

‫المطمب الخامس‪:‬‬
‫أسس الفكر اإلسالمي‬
‫ُ‪ -‬التكحيد‪ :‬كحدانية هللا تعالى ىي المبدأ األكؿ لئلسبلـ‪ .‬كمقتضى ىذا اإليماف يعني‪:‬‬

‫(ُ) انظر خصائص الفكر بإسياب مفيد جدان في كتاب الفكر اإلسبلمي ص ْٖ‪،َٕ-‬‬

‫‪-10-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أف هللا كاحد ال إلو غيره فرد صمد‪ ،‬كأنو مطمؽ الكماؿ‪ :‬لىيس ىك ًم ٍثمً ًو ىشيء كىك َّ ً‬
‫السميعي‬ ‫ٍ ه ى يى‬ ‫ٍى‬
‫ص يير‪ ‬الشكرل‪ :‬اآلية ُُ كارادتو ىي الحؽ كالخير‪ ،‬كىي القانكف الذم يحكـ الككف‬ ‫الب ً‬
‫ى‬
‫كالمخمكقات‪ ،‬كيقنف لمسمكؾ كاألخبلؽ‪.‬‬
‫التكجو إلى هللا كالرغبة إليو أسمى الغايات كأعمى مراتب الكجكد ألف الخير كالعدؿ كالحؽ‬
‫عنده‪ ،‬كطاعتو سبحانو تحقيؽ ليذه األصكؿ‪.‬‬
‫ىك سبحانو خالؽ األسباب كالمصرؼ الفعمي ليا‪ .‬كعنيا تصدر الحكادث‪ ،‬كبيا نتكصؿ‬
‫مرد ذلؾ كمو إلى كميات أمر هللا تعالى‪ ،‬كمع األخذ باألسباب عمى المكحديف‬ ‫لنتائج‪ ،‬ألف ٌ‬
‫مسؤكلية اإليماف كاليقيف كااللتزاـ كالسعي‪.‬‬
‫ِ‪ -‬كحدة الخمؽ كنظاـ الككف‪:‬‬
‫الككف كمو متكامؿ متناسؽ كالسبب في ذلؾ أنو صنعة هللا الكاحد‪ ،‬سرل نظامو كتقديره إلى‬
‫كؿ جزء في ىذا الككف‪ ،‬فإف الناظر إليو يجده مككنان مف قكانيف طبيعية‪ ،‬ىذه القكانيف تؤدم‬
‫كظيفتيا في كؿ جكانب الككف سكاء كانت ماديةن أك فضائيةن أك جسمانيةن أك نفسيةن أك‬
‫التي يسمييا القرآف الكريـ السنف الربانية "اإلليية"‪.‬‬ ‫اجتماعيةن أك أخبلقيةن‪ .‬ىذه القكانيف‬
‫اَّلل تىٍبًديبلن‪‬‬
‫تىح ًكيبلن‪ ‬اإلسراء‪ :‬اآلية ٕٕ ‪‬كلىف تى ًجد لًسَّن ًة ًَّ‬
‫ى ٍ ى ي‬ ‫ٍ‬ ‫قاؿ سبحانو‪  :‬ىكالى تى ًج يد لً يسنَّتًىنا‬
‫األحزاب‪ :‬اآلية ِٔ‪.‬‬
‫عمى اإلنسا ف أف يسعى في مناكبيا كفؽ طاقتو كمسؤكلياتو نحك أدائيا كىك محاسب عمى‬
‫ما كسبت يداه ألف عميو مسؤكلية السعي نحك الخير كالحؽ كاإلعمار‪.‬‬
‫خمؽ هللا الخمؽ فقدره تقدي نار‪ ،‬فيك سبحانو الذم يعطي الكائنات كيانيا كيحدد غاياتيا‪،‬‬
‫كالمطمكب منيا‪ ،‬كالحسف كالقبيح ليا‪ ،‬كليذا مف القكاعد المسممة عند المسمميف أنو ال يكجد‬
‫شيء في ىذا الككف اسمو مصادفة أك "قدر أعمى"‬
‫فكؿ ما عمى األرض عممناه أـ لـ نعممو‪ ،‬فيمناه أـ لـ نفيمو‪ ،‬أحببناه أـ كرىناه‪ ،‬ىك مف‬
‫خمؽ هللا تعالى كقدره كنظامو الكاجب عمينا‪ ،‬كعمى المسمـ كاجب السعي الكتشاؼ السنف‬
‫اإلليية في الككف إلعماره كإلحقاؽ مبادئ العدؿ كالحؽ فيو‪.‬‬
‫د‪ .‬سخر هللا سبحانو لئلنساف العالـ كمو نعمة منو‪ ،‬كمجاالن لنشاطو في حياتو الدنيا‪،‬‬
‫كجعؿ كؿ شئ فيو مسخ انر لو تحت تصرفو يستخدمو لغذائو كحاجتو كمتعتو كراحتو‪ .‬كىناؾ‬

‫‪-13- 21‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫تناسؽ بيف مفردات الخميقة كاالنتفاع اإلنساني‪ ،‬فالحاجات اإلنسانية جزء مف بناء الخميقة‪،‬‬
‫كمفرداتيا طكع اإلنساف يستطيع أف يتصرؼ بيا كيفما يشاء‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬األمانة اإلليية‪ :‬عجزت السماكات كاألرض كالجباؿ عف حمؿ األمانة اإلليية لعدـ‬
‫كجكد اإلرادة لدييف‪ ،‬كحمميا اإلنساف ألنو دكف باقي المخمكقات كىبو هللا اإلرادة كيتمتع بيذه‬
‫الحرية األخبلقية‪ ،‬كىذه اإلمكانية لديو جعمتو في كضع أسمى مف المبلئكة الذيف ال يتمتعكف‬
‫بالحرية في أف يطيعكا أك ال يطيعكا‪ ،‬كىذا ىك السبب في أمر هللا تعالى ليـ أف يسجدكا آلدـ‪،‬‬
‫فكاف انعداـ حرية اإلرادة لدييـ سببان في إنزاليـ عف مرتبة اإلنساف ‪ -‬ىـ كاممكف يستطيعكف‬
‫فقط أف يطيعكا أكامر هللا ‪ -‬أما اإلنساف الذم منحو هللا تعالى بحكمتو كسابؽ مشيئتو القدرة‬
‫عمى الشر كالعصياف مثؿ قدرتو عمى الخير كالطاعة‪،‬‬
‫فمم ا أعرض عف الشر‪ ،‬كاتجو إلى طريؽ الخير بمحض إرادتو فعؿ ما طمب منو مف السير‬
‫َّ‬
‫كفؽ اليدم الرباني‪ ،‬فكاف ىذا سبب رفعتو كعمك شأنو‪.‬‬
‫ْ‪ -‬الخبلفة‪ :‬حمؿ اإلنساف األمانة اإلليية بجعمو في مقاـ الخبلفة أك النيابة عف هللا‪،‬‬
‫كتتمثؿ خبلفتو في القكانيف األخبلقية التي تعتبر ىي كالقكانيف الدينية اإلسبلمية شيئان كاحدان‪.‬‬
‫كمف الطبيعي أف يرغب الناس كأف يطمبكا المتع كالخيرات كأف تيكل نفكسيـ كأف يحبكا كأف‬
‫يتزكجكا كأف ينجبكا‪ ،‬كأف يسعكا في طمب الماؿ كالثركة كالقكة كالحكـ‪ ....‬الخ‪ ،‬ألف اإلسبلـ‬
‫يحب لكؿ ىذه األنشطة أف تزدىر كتستمر كاإلسبلـ ال يكبتيا كال يشجبيا كال يحاربيا كشأف‬
‫النصرانية كالبكذية‪ ،‬كؿ ما يطمبو اإلسبلـ مف الناس أف يقدمكا عمى األفعاؿ بدكافع سميمة كأف‬
‫يؤدكىا بطرؽ قكيمة‪.‬‬
‫الدافع السميـ‪ :‬ىك ابتغاء كجو هللا سبحانو كتعالى‪.‬‬
‫الطريؽ القكيـ‪ :‬ىك أف أداء األفعاؿ بالحؽ كالعدؿ كاإلحساف بحيث يؤدم إلى تحقيؽ‬
‫غاياتيا النفعية كاألخبلقية‪.‬‬
‫كاإلسبلـ ال ينظر إلى الحياة إال عمى أنيا حقيقة كاحدة ال تنقسـ إلى قسميف ديني كدنيكم‪،‬‬
‫كليس معنى التديف في اإلسبلـ أف ينسحب المسمـ مف ساحات األنشطة الحياتية كالعمرانية‬
‫أف الخميقة ال تعني‬
‫كما فعمت البكذية كالنصرانية التي ترل االنغماس في شؤكف الحياة إثـ‪ ،‬ك ٌ‬
‫سكل األلـ كالمعاناة‪.‬‬

‫‪-11-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ٓ ‪ -‬الشمكلية‪ :‬إف منيج اإلسبلـ في اإلعمار كاإلصبلح كبناء الثقافة كالحضارة منيج‬
‫شامؿ‪ ،‬كعمى المسمـ أف يعمؿ عمى تحقيؽ إسبلمية الحياة‪ ،‬كأف يحدد نظريان كتطبيقيان عبلقة‬
‫اإلسبلـ بكؿ جزئيات الحياة اإلنسانية‪.‬‬
‫ٔ ‪ -‬كحدة اإلنسانية‪ :‬ال يمثؿ االنتماء إلى نكع أك جنس أك سبللة عرقية قيمة كجكدية‪ ،‬إذ‬
‫البد لمبشر أف يرتبطكا جميعان كمخمكقيف بخالقيـ‪ ،‬كال فرؽ بينيـ إال بالتقكل كالعمؿ الصالح‬
‫كبا ىكقىىبائً ىؿ لًتى ىع ىارفيكا إً َّف‬ ‫اك ٍـ ًم ٍف ىذ ىك ور ىكأينثىى ىك ىج ىعٍم ىن ي‬
‫اك ٍـ يش يع ن‬ ‫اس إًَّنا ىخمى ٍق ىن ي‬ ‫قاؿ سبحانو‪ :‬يا أييا َّ‬
‫الن ي‬
‫يـ ىخبً هير‪ ‬الحجرات‪ :‬اآلية ُّ‬ ‫اكـ إً َّف َّ ً‬ ‫أى ٍكرم يكـ ًع ٍند ًَّ‬
‫اَّللى ىعم ه‬ ‫اَّلل أىتٍقى ي ٍ‬ ‫ىى ٍ ى‬
‫فما خمؽ هللا سبحانو الناس شعكبان كقبائؿ إال مف أجؿ أف يتقاربكا كيتعارفكا عمى مستكل‬
‫األفراد كالجماعات‪ ،‬ال أف يتعالى بعضيـ عمى بعض‪ ،‬كأف يقاتؿ بعضيـ بعضان‪.‬‬
‫الناس كميـ عند هللا سكاء كىذا ىك أساس عالمية اإلسبلـ‪ .‬أما العنصرية لمكف أك جنس أك‬
‫أمة فإنيا جريمة خارجة عمى أكامر هللا تعالى‪ ،‬كانتياؾ لئلنسانية‪ ،‬كال شئ كالعنصرية أدل‬
‫إلى العداكة كالحرب كاراقة الدماء كالكراىية‪.‬‬
‫مف جية ثانية ال يعني إدانة اإلسبلـ لمعنصرية القائمة عمى تفضيؿ جنس أك لكف أك عرؽ‬
‫إدانة لمكطنية‪ ،‬فإف مف الكاجب عمى المرء دينيان كأخبلقيان أف يحب أقربائو كقكمو كيخدميـ‬
‫كيدافع عنيـ بالحؽ ضد كؿ اعتداء كظمـ‪ ،‬كيحب أرضو كيقاتؿ دكنيا‪ ،‬دكف أف يعني ذلؾ‬
‫عداء لسكاىـ مف البشر أك األكطاف بؿ بالعكس فإف حب المسمـ كاع اززه ألقربائو كقكمو ككطنو‬
‫جزء‪ ،‬كحمقة مف مجمكعة مف المشاعر الفطرية السميمة التي تبدأ بالذات كتنتيي باإلنسانية‬
‫قاطبة‪.‬‬
‫(ِ)‬ ‫(ُ)‬
‫كنيتشة‬ ‫كليذا رفض اإلسبلـ ما غرستو الصييكنية في ركح الييكد‪ ،‬كما غرسو ىيجؿ‬
‫(ُ)‬
‫في الفرنسييف‪...‬الخ‬ ‫في األلماف‪ ،‬كما غرسو ركسك‬

‫(ُ) ىيجؿ‪ :‬جكرج كيميمـ فريدريش ىيغؿ َُٕٕ‪ُُّٖ-‬ـ فيمسكؼ ألماني كلد في شتكتغارت‪ ،‬بألمانيا‪ .‬يعتبر ىيغؿ أحد‬
‫أىـ الفبلسفة األلماف حيث يعتبر أىـ مؤسسي حركة الفمسفة المثالية األلمانية في أكائؿ القرف التاسع عشر‬
‫الميبلدم‪.‬‬
‫(ِ) نيتشة‪ :‬فريدريؾ فيمييمـ نيتشو ُْْٖ‪ََُٗ-‬ـ فيمسكؼ كشاعر ألماني‪ ،‬كاف مف أبرز المميٌديف لعمـ النفس ككاف‬
‫عالـ لغكيات متمي انز‪ ،‬كتب نصكصان ككتبان نقدية حكؿ المبادئ األخبلقية كالنفعية كالفمسفة المعاصرة المادية منيا‬
‫كالمثالية األلمانية‪ ،‬ككتب عف الركمانسية األلمانية كالحداثة أيضان‪.‬‬

‫‪-11- 23‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫(ِ)‬
‫إذا أريد منيا تكريس‬ ‫كما يرفض اإلسبلـ ما يسمى بعمـ اإلنساف (األنثربكلكجيا)‬
‫(ّ)‬
‫العنصرية كاطبلؽ سعارىا بيف الناس‪.‬‬

‫المطمب السادس‪:‬‬
‫مصادر الفكر اإلسالمي‬
‫أولً‪ :‬المصادر األصمية‪:‬‬
‫ُ – الكتاب‪.‬‬
‫ِ – السنة‪.‬‬
‫ّ – العقؿ‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬اإلجماع‪.‬‬

‫عد نيتشو إلياـ لممدارس الكجكدية كما بعد الحداثة في مجاؿ الفمسفة كاألدب في أغمب األحياف‪ ،‬ركج ألفكار تكىـ‬
‫يي ٌ‬
‫كثيركف أنيا مع التيار البلعقبلني كالعدمية‪ ،‬استخدمت بعض آرائو فيما بعد مف قبؿ أيديكلكجيي الفاشية‪َّ ،‬‬
‫كتبنت‬
‫النازية أفكاره‪ ،‬رفض نيتشو األفبلطكنية كالمسيحية الميتافيزيقيا بشكؿ عاـ كدعا إلى تبني قيـ جديدة بعيدان عف‬
‫الكانتية كالييغيمية كالفكر الديني كالنيمستية‪ ،‬حارب األخبلؽ السائدة‪ ،‬كالضمير‪ ،‬يعد نيتشو أكؿ مف درس األخبلؽ‬
‫دراسة تاريخية مفصمة‪ ،‬قدـ نيتشو تصك انر ميمان عف تشكؿ الكعي كالضمير‪.‬‬
‫(ُ) ركسك‪ :‬جاف جاؾ ركسك ُُِٕ‪ُٕٕٖ-‬ـ‪ :‬ىك كاتب كفيمسكؼ‪ ،‬أصمو فرنسي‪ ،‬كعاش في جنيؼ َٕ سنة‪ ،‬يعد‬
‫مف أىـ كتاب عصر العقؿ‪ ،‬كىي فترة مف التاريخ األكركبي‪ ،‬امتدت مف أكاخر القرف السابع عشر إلى أكاخر القرف‬
‫الثامف عشر الميبلدييف‪ .‬ساعدت فمسفة ركسك في تشكيؿ األحداث السياسية‪ ،‬التي أدت إلى قياـ الثكرة الفرنسية‪.‬‬
‫حيث أثرت أعمالو في التعميـ كاألدب كالسياسة‪.‬‬
‫نحتت الكممة مف كممتيف يكنانيتيف ىما ‪ anthropos‬كمعناىا "اإلنساف"‬
‫عمـ اإلنساف‪ .‬كقد ي‬
‫(ِ) األنثركبكلكجيا‪ :‬ىي ي‬
‫عمـ اإلنساف‪.‬‬
‫‪ logos‬كمعناىا "عمـ"‪ .‬كعميو فإف المعنى المفظي إلصطبلح األنثركبكلكجيا )‪(anthropology‬ىك ي‬
‫عمـ‬
‫عمـ اإلنساف كأعمالو كسمككو جػ‪ -‬ي‬
‫يفات عدة أشيرىا‪ :‬أ‪ -‬عم يـ اإلنساف ب‪ -‬ي‬ ‫كتعٌرؼ األنثركبكلكجيا تعر ه‬
‫ي‬
‫عمـ‬
‫ي‬ ‫ػ‬ ‫ى‬ ‫‪.‬‬‫م‬‫كحضار‬ ‫اجتماعي‬
‫ك‬ ‫طبيعي‬ ‫كائف‬
‫ه‬ ‫ىك‬ ‫حيث‬ ‫مف‬ ‫اإلنساف‬ ‫عمـ‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬ ‫د‬ ‫نتاجيا‬‫ا‬‫ك‬ ‫كسمككيا‬ ‫ية‬
‫ر‬ ‫البش‬ ‫الجماعات‬
‫العامة"‪.‬‬ ‫"لؤلنثركبكلكجيا‬ ‫ىي‬ ‫يفات‬ ‫الحضارات كالمجتمعات البشرية‪ً .‬‬
‫ىذه التعر‬
‫ٌ‬
‫أما أقساـ األنثركبكلكجيا فيي‪ -ُ :‬الطبيعية‪ -ِ ،‬االجتماعية‪ -ّ ،‬الثقافية‪ – ْ ،‬األنثركبكلكجيا التطبيقية‪.‬‬
‫(ّ) انظر أسس المعرفة في الفكر اإلسبلمي كالمنيجية اإلسبلمية بتكسع مفيد في كتاب إسبلمية المعرفة الصادر عف‬
‫المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي ص ٖٕ‪،ُُٕ-‬‬

‫‪-14-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ثانياً‪ :‬المصادر الثانوية‪:‬‬


‫ُ ‪ -‬اجتيادات الفقياء‬
‫ِ ‪ -‬إنتاج المفكريف اإلسبلمييف الممتزميف‪.‬‬
‫أولً‪ :‬المصادر األصمية‪:‬‬
‫المصدر األول‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫كمنبعا الفيـ كالمعرفة كالتشريع كالحضارة‬
‫ن‬ ‫مصدر الفكر‬
‫نا‬ ‫يعتبر القرآف الكريـ كالسنة النبكية‬
‫كمقياس الخطأ كالصكاب‪ ،‬كعمى أساسيما يبني المسممكف فكرىـ كحضارتيـ كثقافتيـ كعمكميـ‬
‫كمعارفيـ‪ ،‬في الفقو كالتشريع كالعقيدة كالفمسفة كاألخبلؽ كالفف كاألدب كشتى صنكؼ المعرفة‬
‫كالفكر كالثقافة‪.‬‬
‫لقد كاف نزكؿ الكحي بالقرآف الكريـ عمى رسكلو الكريـ محمد ‪ ‬بمثابة بداية التغيير‬
‫كاالنقبلب الفكرم كالحضارم كالعقائدم كاالجتماعي الشامؿ‪ ،‬عبر عنو القرآف بأنو إخراج مف‬
‫الظممات إلى النكر‪ ،‬كمف الجيؿ إلى العمـ‪ ،‬كمف المكت إلى الحياة‪.‬‬
‫كر بًًإ ٍذ ًف ىرٌبً ًي ٍـ إًلىى‬ ‫الناس ًمف الظُّميم ً‬
‫ات إًلىى ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الن ً‬ ‫ى‬ ‫اب أ ٍىن ىزٍل ىناهي إًلى ٍي ىؾ لتي ٍخ ًرىج َّ ى ى‬‫قاؿ تعالى‪ :‬الر كتى ه‬
‫يز اٍل ىح ًم ًيد‪ ‬إبراىيـ اآلية‪ُ:‬‬ ‫صر ً‬
‫اط اٍل ىع ًز ً‬ ‫ى‬
‫ً‬
‫اس ىكمف مثىميو ًفي الظُّميم ً‬ ‫ىح ىي ٍي ىناهي ىك ىج ىعٍم ىنا لىوي ينك انر ىي ٍم ًشي بً ًو ًفي َّ‬
‫ات لى ٍي ىس‬ ‫ى‬ ‫الن ً ى ٍ ى ي‬ ‫اف ىم ٍيتان فىأ ٍ‬
‫‪ ‬أ ىىك ىم ٍف ىك ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬األنعاـ اآلية‪ُِِ:‬‬ ‫يف ىما ىك يانكا ىي ٍع ىممي ى‬ ‫بً ىخ ًاروج م ٍنيىا ىك ىذل ىؾ يزٌيً ىف لٍم ىكاف ًر ى‬

‫كيف نستفيد من النص القرآني؟‬


‫كضع المفسركف أسسان كمناىج متعددة لفيـ القرآف كايضاح معانيو‪ ،‬كما كضع عمماء‬
‫األصكؿ األسس كالقكاعد األصكلية لفيـ القرآف كالتعامؿ مع محتكاه كتحميمو كاستنباطو‪.‬‬
‫كقد بمغ المنيج األصكلي ذركة الكماؿ كاإلتقاف عند عمماء أصكؿ الفقو في كيفية استفادة‬
‫األفكار كالمفاىيـ القرآنية‪ ،‬فقد تناكلكا في بحكثيـ دالالت األلفاظ في القرآف كالسنة ‪ -‬ظاىر‬
‫النص‪ ،‬كالعبلقة بيف العاـ‪" :‬كىك المفظ المكضكع لكثير غير محصكر في عدد معيف بحيث‬
‫اف لىًفي يخ ٍس ور‪ ‬سكرة العصر‬
‫نس ى‬ ‫يستغرؽ جميع أفراد ما يصمح لو المفظ"‪ .‬كقكلو تعالى‪ :‬إً َّف ًٍ‬
‫اإل ى‬
‫اآلية‪.ِ:‬‬

‫‪-15- 25‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ىؿ اٍلقى ٍرىيةى‪ ‬يكسؼ اآلية‪ ِٖ :‬أم أىؿ‬


‫اسأ ٍ‬
‫كالخاص‪ :‬كىك غير العاـ‪ ،‬مثؿ قكلو تعالى‪  :‬ىك ٍ‬
‫القرية‬
‫كالمطمؽ كالمقيد ‪ -‬كىما مف أنكاع الخاص ‪ -‬كالمطمؽ‪ :‬ىك ما دؿ عمى فرد أك أفراد بدكف‬
‫قيد مستقؿ لفظان‪ .‬كالمقيد‪ :‬ىك ما دؿ عمى فرد أك أفراد شائعة بقيد مستقؿ لفظػان‪،‬‬
‫ت ىعمى ٍي يك ٍـ اٍل ىم ٍيتىةي ىك َّ‬
‫الد يـ‪ ‬المائدة اآلية‪ّ:‬‬ ‫مثاؿ ذلؾ قكلو تعالى‪ :‬يح ًٌرىم ٍ‬
‫يكحي إًلى َّي مح َّرما عمىى طى ً‬
‫اعوـ ىي ٍ‬ ‫ىجد ًفي ما أ ً‬
‫كف ىم ٍيتىةن أ ٍىك‬ ‫ط ىع يموي إًالٌ أ ٍ‬
‫ىف ىي يك ى‬ ‫يى ن ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫كقكلو تعالى‪  :‬يق ٍؿ الى أ ً ي‬
‫كحا ‪ ‬األنعاـ اآلية‪ُْٓ :‬‬ ‫ىد نما ىم ٍسفي ن‬
‫فإف المراد بالدـ في اآلية األكلى ىك الدـ المسفكح كما في اآلية الثانية‪ ،‬كاآليتاف مشتركتاف‬
‫في مكضكع كاحد‪.‬‬
‫كالناسخ كالمنسكخ‪ :‬إذا جاء نص شرعي بحكـ‪ ،‬ثـ جاء بعده بزمف طكيؿ أك قصير نص‬
‫آخر يبطؿ العمؿ بحكـ النص األكؿ في كؿ ما يتناكلو أك في بعضو سمي النص الثاني‬
‫ناسخان‪ ،‬كالنص األكؿ منسكخان‪ ،‬كمف ذلؾ النصكص الكاردة في حكـ الخمر‪ ،‬كفي‬
‫القتاؿ‪....‬الخ‪.‬‬
‫كالمحكـ‪ :‬كىك المفظ الذم ظيرت داللتو عمى معناه بدكف أف يحتمؿ تأكيبلن كال تخصيصان‬
‫كال نسخان في حياة الرسكؿ كال بعد كفاتو‪.‬‬
‫كالمتشابو‪ :‬ىك ما خفي المراد منو بحيث ال ترجى معرفتو في الدنيا ألحد إال لمراسخيف في‬
‫العمـ‪ .‬مثالو أكائؿ السكر(ُ)‪...‬الخ ك ال يكجد مف المتشابو في آيات األحكاـ‪.‬‬
‫مناىج التفسير‪:‬‬
‫كح ىك ًمو"‬
‫منيج التفسير‪" :‬ىك الطريقة التي يتبعيا المفسر في فيـ القرآف الكريـ كاستخراج أحكامو ً‬
‫كيستخدـ المفسركف لفظ التفسير كالتأكيؿ في بياف معاني كتاب هللا تعالى‪ ،‬فما الفرؽ‬
‫بينيما؟‬
‫التفسير ىك‪" :‬عمـ يبحث فيو عف أحكاؿ القرآف المجيد‪ ،‬مف حيث داللتو عمى مراد هللا‬
‫تعالى بقدر الطاقة البشرية"‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬أحمد إبراىيـ بؾ في عمـ أصكؿ الفقو ص ٗٓ‪ ،ٕٕ ،َٕ - ٖٔ ،ّٔ ،ُٔ ،‬كمحمد زكريا البرديسي في‬
‫أصكؿ الفقو ص ِّٖ‪.ُْٔ-ُُْ ،ّٗٗ ،ّْٗ ،‬‬

‫‪-16-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫التأكيؿ‪ - ُ :‬في اصطبلح السمؼ مف عمماء األمة‪ :‬بمعنى التفسير‪.‬‬


‫ِ ‪ -‬عند المتأخريف مف العمماء‪ :‬حمؿ الظاىر عمى المحتمؿ المرجكح‪ ،‬فإف حمؿ‬
‫(ُ)‬
‫عميو بدليؿ فيك تأكيؿ صحيح‪ ،‬أك حمؿ عميو بغير دليؿ فيك تأكيؿ فاسد‪.‬‬
‫أنواع التفسير‪:‬‬
‫ُ‪ -‬تفسير بالمأثكر‪ :‬كيشمؿ تفسير القرآف بالقرآف‪ ،‬أك تفسير القرآف بالسنة‪ ،‬أك تفسير‬
‫القرآف بأقكاؿ الصحابة كالتابعيف‪ .‬كقد أشار القرآف الكريـ إلى ىذا المنيج فقاؿ تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫كف‪ ‬يكسؼ اآلية‪ِ :‬‬ ‫ىنزٍل ىناهي قي ٍرنآنا ىع ىربًيِّا لى ىعم يك ٍـ تى ٍعقمي ى‬
‫‪‬إًَّنا أ ى‬
‫اف قى ٍك ًم ًو لًيي ىبٌيً ىف لىيي ٍـ‪ ‬إبراىيـ اآلية‪ْ :‬‬
‫كؿ إًالٌ بًمً ىس ً‬
‫كقاؿ سبحانو‪ :‬كما أىرسٍم ىنا ًم ٍف رس و‬
‫ىي‬ ‫ىى ٍى‬
‫كما تحدث القرآف عف مكانة الرسكؿ كسنتو بالنسبة إلى القرآف الكريـ فقاؿ تعالى‪:‬‬
‫كؿ ‪ ‬النساء اآلية‪.ٓٗ :‬‬‫الرس ً‬ ‫‪‬فىًإف تىن ىازعتيـ ًفي ىشي وء فىرُّدكه إًلىى ًَّ‬
‫اَّلل ىك َّ ي‬ ‫ٍ ي ي‬ ‫ٍ ى ٍ ٍ‬
‫ِ‪ -‬تفسير القرآف بالرأم‪ ،‬كىك ما أشار إليو القرآف عف دكر العقؿ في فيـ الكتاب العزيز‬
‫كب أى ٍقفىالييىا‪ ‬محمد اآلية‪،ِْ :‬‬ ‫آف أىـ ىعمىى يقمي و‬
‫كف اٍلقي ٍر ى ٍ‬ ‫فقد قاؿ تعالى‪ :‬أىفىبلى ىيتى ىدب يَّر ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ض ًريبيىا لً َّمن ً‬ ‫ً‬
‫اس ىك ىما ىي ٍعقمييىا إًالٌ اٍل ىعال يم ى‬
‫كف‪ ‬العنكبكت اآلية‪،ّْ :‬‬ ‫اؿ ىن ٍ‬ ‫‪ ‬ىكتٍم ىؾ األ ٍىمثى ي‬
‫ً َّ‬ ‫‪ ‬ىك ىذلً ىؾ يي ىبٌيً يف َّ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية‪،ُِٗ :‬‬ ‫اآليات لى ىعم يك ٍـ تىتىفى َّك ير ى‬‫اَّللي لى يك ٍـ ى‬
‫ض ًربيا لً َّمن ً َّ‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬الحشر اآلية‪.ُِ :‬‬ ‫اس لى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى‬ ‫اؿ ىن ٍ ي ى‬ ‫‪ ‬ىكتٍم ىؾ األ ٍىمثى ي‬
‫كبناء عمى ما تقدـ فإف التفسير القرآني الصحيح ال يككف إال بإحدل أمكر ىي‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬تفسير القرآف بالقرآف‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬تفسير القرآف بالسنة الصحيحة‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬تفسير القرآف باالستنباط العقمي الممتزـ بالكتاب كالسنة‪ ،‬كقكاعد المغة كآدابيا كداللة ألفاظيا‪،‬‬
‫كمعرفة المتقدـ كالمتأخر‪ ،‬كالناسخ كالمنسكخ‪ ،‬كالعاـ كالخاص‪ ،‬كالمطمؽ كالمقيد‪ ،‬كالمحكـ كالمتشابو‪.‬‬
‫اغترؼ مف القرآف كؿ صاحب فكر كمعرفة ليسند رأيو بآياتو‪ ،‬أك ليغترؼ مف معينو‪ .‬كليذا‬
‫تعددت مناىج المفسريف بحسب تخصصاتيـ العممية أك مذاىبيـ الفكرية أك السياسية فتجد‬
‫التفسير الذم غمب عميو طابع المغة كآخر غمب عميو التفسير بالمأثكر أك الرأم‪ ،‬أك الفقو‪...‬‬
‫بعض‬
‫جنى ي‬
‫أك التفسير الصكفي‪ ...‬كنتيجة اختبلؼ المذاىب السياسية كاالجتماعية كالمذىبية تى ٌ‬

‫(ُ) انظر الفرؽ بينيما بالتفصيؿ في كتاب التفسير كالمفسركف لمدكتكر محمد حسيف الذىبي جُ‪.ِِ-ُّ/‬‬

‫‪-17- 27‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أصحاب ىذه المذاىب في تفسير القرآف الكريـ نتيجة غياب المكضكعية كالمنيجية القكيمة‬
‫عنيـ‪.‬‬
‫فإنو ال يصح في التفسير‪ :‬جمكد العقؿ كالفكر في سبر المعاني‪ ،‬كفيـ‬
‫بناء عمى ما تقدـ ٌ‬
‫ن‬
‫دالالت األلفاظ‪ .‬كما ال يصح فيو لىي أعناؽ النصكص كفؽ األىكاء كالميكؿ المذىبية‬
‫ٌ‬
‫كالعقائدية‪..‬‬
‫أسباب النزول‪:‬‬
‫نزؿ القرآف لييدم اإلنسانية إلى المحجة الكاضحة‪ ،‬كيرشدىا إلى الطريؽ المستقيـ‪ ،‬كيقيـ‬
‫ليا أسس الحياة الفاضمة التي تقكـ دعامتيا عمى اإليماف با﵀ كرساالتو‪ ...‬كأكثر القرآف نزؿ‬
‫ابتداء ليذه األىداؼ العامة‪ ،‬لكف الصحابة رضكاف هللا عمييـ قد كقعت بينيـ حكادث كمسائؿ‬
‫ن‬
‫احتاجكا فييا إلى بياف الشريعة‪ ،‬كمعرفة حكـ اإلسبلـ‪ ،‬كىذا ما يسمى أسباب النزكؿ‪.‬‬
‫فوائد معرفة أسباب النزول‪:‬‬
‫ُ‪ -‬بياف الحكمة التي دعت إلى تشريع حكـ مف األحكاـ‪ ،‬كادراؾ مراعاة الشرع لممصالح‬
‫العامة في عبلج الحكادث رحمة باألمة‪.‬‬
‫كف بً ىما‬ ‫ًَّ‬
‫ِ‪ -‬تخصيص حكـ ما نزؿ بصيغة العمكـ مثؿ قكلو تعالى‪ :‬الى تى ٍح ىس ىب َّف الذ ى‬
‫يف ىي ٍف ىريح ى‬
‫يـ‪ ‬آؿ‬ ‫ً‬ ‫ىف ي ٍحم يدكا بًما لىـ ي ٍف ىعميكا فىبلى تى ٍح ىسبَّنيـ بًمفى ىازوة ًم ٍف اٍل ىع ىذ ً‬ ‫ً‬
‫اب أىل ه‬ ‫اب ىكلىيي ٍـ ىع ىذ ه‬ ‫ى يٍ ى‬ ‫ى ٍ ى‬ ‫ُّكف أ ٍ ي ى‬
‫أىتىكا ىكييحب ى‬
‫عمراف اآلية‪ ،ُٖٖ :‬نزلت في أىؿ الكتاب خاصة‪.‬‬
‫ّ‪ -‬إذا كاف ما نزؿ عامان ككرد دليؿ عمى تخصيصو فمعرفة السبب تقصر التخصيص‬
‫عمى ما عدا صكرتو‪ ،‬كال يصح إخراجيا إلى غيره مثؿ قكلو تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫ات اٍلغ ًافبلى ًت اٍلمؤ ًمن ً‬
‫ات لي ًعينكا ًفي ُّ‬ ‫‪‬إً َّف الًَّذيف يرمكف اٍلمحصن ً‬
‫الد ٍن ىيا ىكاآلخ ى ًرة ىكلىيي ٍـ ىع ىذ ه‬
‫اب‬ ‫يٍ ى‬ ‫ى‬ ‫ى ىٍ ي ى ي ٍ ى ى‬
‫يـ‪ ‬النكر اآلية ِّ‪ .‬قاؿ ابف عباس رضي هللا عنيما‪:‬‬ ‫ً‬
‫ىعظ ه‬
‫"ىذه في عائشة كأزكاج النبي ‪ ،‬كلـ يجعؿ هللا لمف فعؿ ذلؾ تكبة‪ ،‬كجعؿ لمف رمى امرأة‬
‫مف المؤمنات مف غير أزكاج النبي ‪ ‬تكبة"‪.‬‬
‫ْ‪ -‬معرفة سبب النزكؿ خير سبيؿ لفيـ معاني القرآف‪ ،‬ككشؼ الغمكض الذم يكتنؼ‬
‫(ُ)‬
‫بعض اآليات في تفسيرىا ما لـ يعرؼ سبب نزكليا‪.‬‬

‫(ُ) انظر مناع القطاف في مباحث في عمكـ القرآف ص ٕٓ‪.ِٖ-ٕٗ ،‬‬

‫‪-18-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫مما يتقدـ يتبيف قيمة العمـ بأسباب النزكؿ لما لو مف دكر في الفيـ كاكتشاؼ األفكار‪،‬‬
‫كاغناء الفكر كالثقافة كالمعرفة اإلسبلمية‪ ،‬كالتي ال يمكف الكصكؿ إلييا بدكف معرفتو‪.‬‬
‫المصدر الثاني‪ :‬السنة المطيرة‪:‬‬
‫السنة ىي‪ :‬كؿ ما نقؿ عف رسكؿ هللا ‪ ‬مف قكؿ أك فعؿ أك تقرير أك صفة خمقية أك‬
‫خمقية‪.‬‬
‫السنة المصدر الثاني مف مصادر الفكر كالتشريع بعد القرآف الكريـ‪ ،‬كمنبع مف منابع‬
‫(ُ)‬
‫اليداية اإلصبلح كعبلقتيا بالقرآف مف حيث أنيا مؤكدة كمكضحة كشارحة أك مقيدة‬
‫عناية عمماء اإلسالم بالسنة النبوية‪:‬‬
‫بذؿ عمماء اإلسبلـ منذ عصر النبي ‪ ‬حتى عصرنا الحاضر جيكدان مضنية في حفظ‬
‫حديث رسكؿ هللا ‪ ‬مف التغيير أك التحريؼ أك الضياع‪ ،‬فسيركا ليميـ‪ ،‬كتعددت أسفارىـ‪،‬‬
‫كبذلكا أمكاليـ‪ ،‬كرخصت في سبيمو نفكسيـ‪.‬‬

‫أما أىـ الكسائؿ فيي‪:‬‬


‫األكلى‪ :‬حفظ حديث رسكؿ هللا ‪ ‬في الصدكر‪ ،‬مع الحرص عمى مدارستيا كتبميغيا كما‬
‫سمعكىا إلى ىمف بعدىـ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تدكيف الحديث بشكؿ عاـ بدأ مع نياية القرف األكؿ اليجرم عمى يد اإلماميف‬
‫الزىرم‪ ،‬كأبي بكر بف حزـ رحميما هللا تعالى‪ .‬كمنذ ذلؾ الكقت اشتدت حركة جمع السنة‬
‫المطيرة حتى كاف عصرىا الذىبي في القرف الثالث اليجرم الذم تميز بظيكر أميات كتب‬
‫الحديث كعمى رأسيا‪ :‬كتب الصحاح‪ ،‬مثؿ‪ :‬صحيح البخارم كصحيح مسمـ‪.‬‬
‫ككتب السنف‪ ،‬مثؿ‪ :‬سنف أبي داكد كالترمذم كالنسائي كابف ماجو‪.‬‬
‫ككتب المسانيد‪ ،‬كمف أىميا‪ :‬مسند اإلماـ أحمد‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬كضع العمماء قكاعد عمـ مصطمح الحديث كعمـ الجرح كالتعديؿ‪ ،‬التي يعرؼ‬
‫بمكجبيا أحكاؿ الركاة نقمة الحديث مف حيث ضبطيـ كعدالتيـ كثبكت سماعيـ عمف قبميـ‬
‫كصكالن إلى النبي ‪ .‬كما اىتمت ىذه القكاعد بالضكابط التي تحفظ السنة مف أف يدخؿ عمييا‬

‫(ُ) انظر عبلقة السنة بالقرآف في حديثنا عف المصدر األكؿ لمفكر اإلسبلمي‪.‬‬

‫‪-19- 29‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫التحريؼ أك التبديؿ‪ ،‬كؿ ذلؾ في منيج نقدم فريد لـ يألفو تاريخ العمكـ قاطبة في غير ًعمٌمي‬
‫القرآف كالسنة‪.‬‬
‫ضوابط التعامل مع السنة النبوية‪:‬‬
‫إذا كاف الحؽ تبارؾ كتعالى قد تكفؿ بحفظ القرآف الكريـ فإنو سبحانو سخر لمسنة النبكية‬
‫المشرفة عمماء كقفكا أنفسيـ في كؿ عصر مف أجؿ المحافظة عمييا كتمييز الصحيح منيا‬
‫مف المردكد‪ .‬كلكي يستطيع المفكر اإلسبلمي كلكج أبكاب السنة الستنباط الفكر عميو ما يمي‪:‬‬
‫أف يقؼ عمى ضكابط كقكاعد مصطمح الحديث لمعرفة المقبكؿ مف المردكد مف الحديث‪،‬‬
‫كأف يطمع عمى العمكـ المتعمقة بو مثؿ المتقدـ كالمتأخر‪ ،‬كالناسخ كالمنسكخ‪ ،‬كأسباب كركد‬
‫الحديث‪...‬الخ‪،‬‬
‫حتى ال يقع المفكر في قصكر الفيـ كادراؾ المعاني منقكصة فيؤدم بو ذلؾ إلى استنباط مفاىيـ‬
‫كأفكار خاطئة‪.‬‬

‫وقد بحث عمماء األصول في عالقة القرآن بالسنة من حيث أنيا(ُ)‪:‬‬


‫أكالن‪ :‬مؤكدة لما جاء في القرآف كأحاديث األمر بالصبلة كالزكاة كتحريـ الربا كالخمر‬

‫ثانيان‪ :‬مبينة لما جاء في القرآف الكريـ‪ ،‬فيي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تفصؿ مجممو مثؿ‪ :‬بياف عدد ركعات الصمكات ك كيفية أدائيا‪.‬‬


‫ب ‪ -‬تخصص عامو مثؿ‪ :‬حرماف القاتؿ مف الميراث كاف استحقو بالقرابة لمحديث‪.‬‬
‫ت ‪ -‬تقيد مطمقو مثؿ‪ :‬بياف أف قطع يد السارؽ مف مفصؿ الكؼ‪.‬‬
‫ثالثان‪ :‬مفرعة عمى أصؿ تقرر في القرآف مثؿ‪ :‬منع بيع الثمار قبؿ بدك صبلحيا مفرعة‬
‫ٍكميكا أىمكالى يكـ بي ىن يكـ بًاٍلب ً‬
‫اط ًؿ‪ ‬البقرة اآلية‪..ُٖٖ :‬‬ ‫عمى قكلو تعالى‪  :‬ىكالى تىأ ي ٍ ى ٍ ى ٍ ٍ ى‬
‫السنة مف أحكاـ مثؿ‪ :‬تحريـ أكؿ ذم ناب مف السباع‪ ،‬ك تحريـ زكاج‬ ‫رابعان‪ :‬ما استقمت بو ٌ‬
‫المرأة عمى عمتيا أك خالتيا‪.‬‬
‫العالقة بين القرآن والسنة والفكر اإلسالمي‪ :‬تتمخص في مجاليف أساسييف ىما‪:‬‬
‫القرآف كالسنة منبعا كمصد ار الفكر كالثقافة كالحضارة اإلسبلمية كالتفكير اإلسبلمي الممتزـ‪،‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬د‪ .‬رمضاف الزياف كد‪ .‬عدناف الكحمكت في دراسات في الحديث الشريؼ كعمكمو ص ُٔ‪.‬‬

‫‪-10-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫نظ انر لما تمي از بو مف السعة كالشمكؿ‪ ،‬كمف مادة فكرية كثقافية كعممية‪ ،‬فقد كضعت القرآف‬
‫كالسنة األسس كالقكاعد العامة كاإلطار الشامؿ لمفكر اإلسبلمي‪ ،‬كلخط الحياة كالمعرفة‬
‫اإلسبلمية‪.‬‬
‫دل ىكىر ٍح ىمةن‪ ‬النحؿ‪:‬اآلية ٖٗ‪  .‬ىكلىقى ٍد‬ ‫و‬ ‫ً ً‬ ‫قاؿ تعالى‪ :‬كن َّزٍلنا عمىيؾ اٍل ًكتى ً‬
‫اب ت ٍب ىيانان ل يك ٌؿ ىش ٍيء ىك يى ن‬
‫ى‬ ‫ىى ى ى ٍ ى‬
‫آف ًم ٍف يك ًٌؿ ىمثى وؿ‪ ‬اإلسراء اآلية‪.ٖٗ:‬‬ ‫اس ًفي ىى ىذا اٍلقي ٍر ً‬
‫ص َّرٍف ىنا لً َّمن ً‬
‫ى‬
‫(ُ)‬
‫كقد ركم عف النبي ‪ ‬أنو قاؿ‪" :‬كأنزؿ عمي القرآف فيو تبياف كؿ شيء"‬
‫سأؿ رجؿ أبا جعفر بف محمد‪ ،‬ما باؿ القرآف ال يزداد عمى النشر كالدرس إال غضاضة؟‬
‫فقاؿ‪َّ :‬‬
‫"ألف هللا لـ يجعمو لزماف دكف زماف‪ ،‬كال لناس دكف ناس‪ ،‬فيك في كؿ زماف جديد‪ ،‬كعند‬
‫(ِ)‬
‫كؿ قكـ غض إلى يكـ القيامة"‪.‬‬
‫أما السنة فقد اشتممت مكضكعات عقائدية فكرية تشريعية كتربكية كأخبلقية كاجتماعية‬
‫كسياسية كاقتصادية عامة‪ ،‬كترتبط ىذه المكضكعات بالقرآف الكريـ ارتباطان كثيقان‪ ،‬كليذا فإف‬
‫السنة تأخذ المرتبة التالية لمقرآف الكريـ مف حيث أىميتيا لمحياة الفكرية ككنيا مصد انر لمفكر‬
‫اؿ‪" :‬أ ىىال إًٌنًي‬ ‫كؿ ًَّ‬
‫اَّلل ‪ ‬أَّىنوي قى ى‬
‫كالتشريع كالمعرفة اإلسبلمية‪ .‬ىع ٍف اٍل ًم ٍق ىد ًاـ ب ًف م ٍعًدم ىك ًرب ىع ٍف رس ً‬
‫ىي‬ ‫ى‬ ‫ٍ ى‬
‫(ّ)‬
‫اب ىك ًم ٍثمىوي ىم ىعوي"‬ ‫أيكتً ي ً‬
‫يت اٍلكتى ى‬
‫السنة‪ ،‬كاستنباط الفكر كالمعرفة منيما يحتاج إلى عقمية إسبلمية‬
‫أف فيـ القرآف الكريـ ك ٌ‬
‫غير ٌ‬
‫السنة‪ ،‬كمدركة لمحتكاىما الفكرم‪ ،‬كقادرة عمى استبطاف العمؽ‪ ،‬كبمكغ‬
‫مستكعبة لركح القرآف ك ٌ‬
‫األغكار البعيدة لخزائنيما‪ ،‬كالربط بيف األفكار كالمفاىيـ الكاردة فييما كاستنتاج المطمكب‪.‬‬
‫ِ‪ -‬باإلضافة إلى ككف القرآف الكريـ كالسنة النبكية مصدراف لمفكر كالمعرفة كالثقافة‪،‬‬
‫فإنيما مقياس لمفكر اإلسبلمي كذلؾ‪ ،‬كميزاف لضبط الصكاب‪ ،‬كتسديد الفكر كتقكيمو‪ .‬فبيما‬ ‫ٌ‬
‫يعرؼ الصكاب مف الخطأ‪ ،‬كاألصيؿ مف الدخيؿ‪.‬‬
‫كؿ‪ ‬النساء اآلية‪.ٓٗ :‬‬ ‫الرس ً‬ ‫قاؿ تعالى‪:‬فىًإف تىن ىازعتيـ ًفي ىشي وء فىرُّدكه إًلىى ًَّ‬
‫اَّلل ىك َّ ي‬ ‫ٍ ي ي‬ ‫ٍ ى ٍ ٍ‬
‫اختىمىفيكا ًف ً‬
‫يو‪ ‬البقرة اآلية‪ُِّ :‬‬ ‫يما ٍ‬ ‫الن ً ً‬
‫ؽ لً ىي ٍح يك ىـ ىب ٍي ىف َّ‬
‫اب بًاٍل ىح ًٌ‬ ‫ً‬
‫اس ف ى‬ ‫ىنز ىؿ ىم ىعيي ٍـ اٍلكتى ى‬
‫‪ ‬ىكأ ى‬

‫(ُ) أخرجو البزار في مسنده في حديث اإلسراء‪ ،‬قاؿ الييثمي في مجمع الزكائد ُ‪" ِٕ/‬كرجالو مكثقكف إال أف الربيع بف‬
‫أنس قاؿ عف أبي العالية أك غيره فتابعيو مجيكؿ"‪.‬‬
‫(ِ) تاريخ بغداد ٔ‪.ُُٕ/‬‬
‫(ّ) أخرجو أبك داكد في كتابو السنف ؾ السنة باب في لزكـ السنة (َْْٔ)‪.‬‬

‫‪-13- 31‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كؿ ىكًالىى أ ٍيكلًي األ ٍىم ًر‬ ‫الرس ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعكا بًو ىكلى ٍك ىرُّدكهي إًلىى َّ ي‬ ‫اء يى ٍـ أ ٍىمهر م ىف األ ٍىم ًف أ ٍىك اٍل ىخ ٍكؼ أى ىذ ي‬ ‫‪ ‬ىكًا ىذا ىج ى‬
‫كنوي ًم ٍنيي ٍـ‪ ‬النساء اآلية‪.ّٖ :‬‬ ‫ً ًَّ‬ ‫ً‬
‫يف ىي ٍستىٍنبًطي ى‬‫م ٍنيي ٍـ لى ىعم ىموي الذ ى‬
‫اس ىما‬ ‫ىنزٍل ىنا إًلى ٍي ىؾ الًٌذ ٍك ىر لًتيىبٌيً ىف لًمنَّ ً‬ ‫ات ك ُّ‬
‫الزيب ًر ىكأ ى‬
‫ً ً ً‬ ‫ً‬
‫ىى ىؿ ال ٌذ ٍك ًر إً ٍف يك ٍنتي ٍـ الى تى ٍعمى يم ى‬
‫كف * باٍل ىبٌي ىن ى‬ ‫اسأىليكا أ ٍ‬ ‫‪‬فى ٍ‬
‫َّ‬
‫كف‪ ‬النحؿ اآلية‪.ْْ - ّْ :‬‬ ‫ين ًٌز ىؿ إًلى ٍي ًي ٍـ ىكلى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى‬
‫كخبلصة اآليات أف هللا تعالى يأمرنا في كؿ حاؿ بكجكب الرجكع إلى القرآف كالسنة‬
‫كمقياس كميزاف لمفكر كالمعرفة‪ ،‬كمفاىيـ الحياة كالتشريع كالقانكف‪ ،‬صيانة لمتفكير اإلسبلمي‪،‬‬
‫كمحافظة عمى ركح الشريعة كنقائيا‪ ،‬كما جاء في السنة يعضد ىذا المبدأ كيرسخو كيؤكده‪.‬‬
‫اجتىنًيبكهي‪ ،‬ىكًا ىذا أى ىم ٍرتي يك ٍـ بًأ ٍىم ور فىأٍتيكا‬ ‫و‬
‫اؿ‪" :‬فىًإ ىذا ىنيى ٍيتي يك ٍـ ىع ٍف ىش ٍيء فى ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىع ٍف أىبي يى ىرٍي ىرةى ىع ٍف النَّب ًٌي ‪ ‬قى ى‬
‫ص ٍمتي ٍـ بً ًو‬
‫اعتى ى‬
‫يكـ ما لىف تى ً‬
‫ضمُّكا ىب ٍع ىدهي إً ٍف ٍ‬ ‫ت ف يٍ ى ٍ‬
‫ًم ٍنو ما استىطىعتيـ"‪ )ُ(.‬كقاؿ‪" :‬كقى ٍد تىرٍك ي ً‬
‫ى ى‬ ‫ي ى ٍ ٍٍ‬
‫ضمُّكا ىما‬‫يكـ أىمري ًف لىف تى ً‬ ‫اَّلل ‪ ‬قىاؿ‪" :‬تىرٍك ي ً‬ ‫ىف رسكؿ ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً (‬ ‫ً‬
‫اَّلل"‪ .‬ىع ٍف ىمالؾ أَّىنوي ىبمى ىغوي أ َّ ى ي ى‬
‫)‬‫ِ‬
‫ت ف يٍ ٍىٍ ٍ‬ ‫ى ى‬ ‫اب َّ‬‫كتى ي‬
‫ً (ّ)‬ ‫تىم َّس ٍكتيـ بً ًيما ًكتىاب ًَّ‬
‫اَّلل ىك يسَّنةى ىنبًٌيًو"‪.‬‬ ‫ى‬ ‫ى ٍ ى‬
‫إف مبدأ االلتزاـ بالكتاب كالسنة كأساس كمقياس كأداة فحص كتقكيـ لمفكر كالمعرفة كالثقافة‬
‫كالحضارة ضمانة أكيدة لتحقيؽ األصالة الفكرية كحفظيا مف التشكيو كالذكباف‪.‬‬
‫كقد أغنى العمماء كالفبلسفة كالمفكركف كالباحثكف اإلسبلميكف آفاؽ الفكر اإلنساني بالفكر‬
‫كالمعرفة كالعطاء اإلسبلمي الممتزـ في كؿ مجاؿ كفف‪ .‬كاستطاعكا محاكمة األفكار كالنظريات‬
‫كالفمسفات كالمذاىب المخالفة لئلسبلـ عمى أساس الكتاب كالسنة كقكاعد العقؿ الممتزـ‪ ،‬فأنتجكا‬
‫ثركة فكرية إسبلمية فريدة‪ .‬كاستطاعكا لفظ الفكر الغريب كالنظريات كاآلراء الضالة كالمنحرفة‪.‬‬
‫كشخصكا الخطأ مف الصكاب في النتاج الفكرم‪ ،‬فاكتمؿ البناء كتحدد منياج البحث كالتفكير‬
‫كاالستنباط كالنقد كالتثبت القكيـ‪.‬‬
‫كال يستغني الباحث كالمفكر اإلسبلمي الذم يريد اكتشاؼ األفكار كالمفاىيـ كالنظريات في‬
‫مجاؿ االقتصاد كالسياسة كاالجتماع كالنفس كالفكر‪ ...‬عف فيـ مناىج التفسير المكضكعي‪،‬‬
‫كالقكاعد األصكلية المتعمقة بفيـ القرآف مع ربط كؿ ذلؾ بما يناسبو مف السنة المشرفة‪ ،‬حتى‬
‫نحصؿ عمى فكر متكامؿ في كؿ مكضكع مف تمؾ المكاضيع‪.‬‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ االعتصاـ بالسنة (ِٖٖٕ)‪ ،‬كمسمـ في صحيحو ؾ الفضائؿ باب تكقيره (ُّّٕ)‪.‬‬
‫(ِ) أخرجو مسمـ في صحيحو ؾ الحج (ُُِٖ)‪.‬‬
‫(ّ) أخرجو مالؾ في المكطأ كتاب الجامع (ُُٔٔ)‪ ،‬كالحديث مف ببلغاتو‪.‬‬

‫‪-11-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫إذا أردنا الحصكؿ عمى الفكر المراد الحصكؿ عميو مف القرآف عمينا اتباع الطرؽ اآلتية‪:‬‬
‫كمفيكـ؛ قد يي ىككف فكرةن ناقصة لقضية سياسية أك أخبلقية أك‬
‫ه‬ ‫ُ ‪ -‬لآلية أك الحديث معنى‬
‫اقتصادية أك اجتماعية أك نفسية‪ ..‬كقد يي ىك ٌكف ىذا المعنى في بعض الحاالت الفكرةى الكاممة‬
‫لممكضكع الذم نريد بحثو‪ ،‬أك يي ىككف في حاالت أخرل جانبان مف مكضكع‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬استنباط الفكر أك النظريات التي تعالج أحد المكضكعات مف خبلؿ االعتماد عمى طريقة‬
‫التفسير المكضكعي أك الحديث المكضكعي الذم نعتمد بمكجبو عمى استقراء جميع اآليات‬
‫كاألحاديث ذات المكضكع الكاحد‪ ،‬كالنظر فييا كتحميميا‪ ،‬كمبلحظة األفكار التي اشتممت عمييا حتى‬
‫نستطيع اكتشاؼ الفكرة الجديدة أك النظرية‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬قد ال نستطيع مف خبلؿ الخطكتيف السابقتيف اكتشاؼ الفكرة كالنظرية بصكرة كاممة‬
‫مف خبلؿ الكحدة الفكرية لمجمكع اآليات كاألحاديث التي عالجت مكضكعان معينان‪ ،‬كأف يككف‬
‫مكضكعان اقتصاديان أك سياسيان‪ ...‬لذا نحتاج إلى الربط كالتنسيؽ بينيا كبيف آيات كأحاديث‬
‫أخرل في مجاؿ التكحيد أك األخبلؽ أك العبادات‪...‬الخ لكي يتـ ربط المكاضيع ذات الصمة‬
‫بعضيا ببعض لنستنتج الفكر كالنظريات التي نبحث عنيا‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬معرفة المغة العربية كقكاعدىا كآدابيا‪ ،‬كمدلكالت ألفاظيا‪...‬الخ‪.‬‬
‫المصدر الثالث‪ :‬العقل‪:‬‬
‫سبؽ الحديث عف العقؿ كآلة لبلختيار بيف البدائؿ كأداة لمتمييز‪ ،‬كسببان لمتكميؼ باألمكر‬
‫الشرعية‪ ،‬فالعقؿ لو دكر أساسي في بناء صرح الفكر اإلسبلمي بما احتكل آفاقان كأبعادنا‬
‫اء‪ .‬كالعقؿ ىك األداة الفعالة التي استخدميا العمماء كالمفكركف في اكتشاؼ‬
‫كبن ن‬
‫كعطاء غزي انر ٌ‬
‫ن‬
‫العمكـ كالمعارؼ كاألفكار كالمفاىيـ الحضارية المختمفة كبناء صرح الحضارة‪ ..‬كما عممية‬
‫االجتياد كاستنباط األحكاـ كالمفاىيـ كاألفكار إال نتاج ممارسة العقؿ دكره في الفيـ كالربط‬
‫كالتحميؿ كاالستنتاج‪.‬‬
‫كلقد سبؽ التنكيو باىتماـ القرآف الكريـ بتحرير العقؿ مف قيكد الرككد كالجمكد كالتقميد‬
‫آف أ ٍىـ‬
‫كف اٍلقي ٍر ى‬
‫كدعكتو إياه إلى التفكر كالتأمؿ كالفيـ كاالستنباط كما في قكلو تعالى‪ :‬أىفىبلى ىيتى ىدب يَّر ى‬
‫ىعمىى يقمي و‬
‫كب أى ٍقفىالييىا‪ ‬محمد اآلية‪.ِْ :‬‬
‫كعندما نتحدث عف العقؿ كمصدر لمفكر اإلسبلمي‪ ...‬إنما نتحدث عف النشاط العقمي‬

‫‪-11- 33‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الممتزـ بالقرآف كالسنة‪ ...‬كذلؾ في مكضكعيف ىاميف‪ - :‬كسنتحدث بإذف هللا تعالى عف ىذا‬
‫المكضكع بالتفصيؿ في أصكؿ المعرفة عند المسمميف‪.‬‬
‫األكؿ‪ :‬العقيدة كالفكر‪ :‬كيشمؿ البحث مف االستدالؿ العقمي عمى كجكد هللا تعالى‪ ،‬كاثبات‬
‫الكحي كالنبكة‪ ،‬ككجكد اآلخرة‪ ،‬كجكب طاعة هللا‪ ،‬كما يتصؿ بيذه القضايا مف مكضكعات‬
‫ىامة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬األحكاـ الشرعية‪ :‬حيث يعتبر العقؿ‪ ،‬كاشفان كمدركان لمحكـ الشرعي‪ ،‬فيك الكسيمة‬
‫المكصمة لبياف األحكاـ الشرعية في القضايا الحادثة في كؿ عصر مف الكجكب أك الحرمة أك‬
‫اإلباحة أك الكراىة أك الندب ‪ -‬كىك ما نسميو "القياس" ك"االستدالؿ العقمي"‪.‬‬
‫تعريف القياس‪" :‬ىك إلحاؽ كاقعة ال نص عمى حكميا‪ ،‬بكاقعة كرد نص بحكميا‪ ،‬في‬
‫الحكـ الذم كرد بو النص‪ ،‬لتساكم الكاقعتيف في عمة ىذا الحكـ"‪ )ُ(،‬عمى سبيؿ المثاؿ تحريـ‬
‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫اب‬ ‫آمينكٍا إًَّن ىما اٍل ىخ ٍم ير ىكاٍل ىم ٍيس ير ىكاأل ى‬
‫ىنص ي‬ ‫يف ى‬ ‫هللا سبحانو لمخمر‪ ،‬في قكلو تعالى‪  :‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫اف فى ً‬ ‫كاأل ٍىزالىـ ًر ٍج هس ًم ٍف ىعم ًؿ َّ‬
‫كف‪ ‬المائدةَٗ‪ ،‬كذلؾ لعمة اإلسكار‬ ‫طً ٍ‬
‫اجتىنيبكهي لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى‬ ‫الش ٍي ى‬ ‫ى‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ى‬
‫المكجكدة في الخمر‪ ،‬فكذلؾ يحرـ تناكؿ كؿ شراب كجدت فيو ىذه العمة‪.‬‬
‫كما يحرـ صناعة كبيع كشراء كاىداء ىذه األشربة؛ حكميا في ذلؾ حكـ الخمر المحرـ في‬
‫القرآف الكريـ‪.‬‬
‫كيجرم القياس في كؿ المستجدات المعاصرة كالدخاف‪ ،‬كاجراء عمميات أطفاؿ األنابيب‪،‬‬
‫كعمميات االستنساخ‪...‬إلى غير ذلؾ مف مئات القضايا المستجدة التي يعتبر العقؿ لو الدكر‬
‫األىـ في استنباط األحكاـ الشرعية مف خبلؿ القكاعد األصكلية الشرعية المستنبطة مف‬
‫نصكص الكتاب العزيز كالسنة النبكية المشرفة‪.‬‬
‫كالقياس ال يككف سميمان صحيحان حتى يستكمؿ أركانو األربعة كىي‪:‬‬
‫ُ‪ .‬األصؿ‪ :‬كىك ما كرد بحكمو نص‪ ،‬كيسمى‪ :‬المقيس عميو‪ ،‬كالمحمكؿ عميو‪ ،‬كالمشبو‬
‫بو‪.‬‬
‫ِ‪ .‬الفرع‪ :‬ما لـ يرد بحكمو نص‪ ،‬كيراد تسكيتو باألصؿ في حكمو‪ ،‬كيسمى المقيس‪،‬‬
‫كالمحمكؿ عميو‪ ،‬كالمشبو‪.‬‬

‫(ُ) انظر عمـ أصكؿ الفقو‪ :‬عبد الكىاب خبلؼ صٗٓ‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ّ‪ .‬حكـ األصؿ‪ :‬ىك الحكـ الشرعي الذم كرد بو النص في األصؿ‪ ،‬كيراد أف يككف‬
‫حكمان لمفرع‪.‬‬
‫ْ‪ .‬العمة‪ :‬ىي الكصؼ الذم يبني عميو األصؿ‪ ،‬كبناء عمى كجكده في الفرع‪ ،‬يسكل‬
‫(ُ)‬
‫باألصؿ في حكمو‪.‬‬

‫‪ -4‬اإلجماع‪:‬‬
‫كىك‪" :‬اتفاؽ جميع المجتيديف مف المسمميف في عصر مف العصكر بعد كفاة الرسكؿ ‪‬‬
‫عمى حكـ شرعي في كاقعة"‪ .‬يعتبر اإلجماع في أصكؿ الفقو مصد انر مف مصادر التشريع‬
‫اإلسبلمي‪ ،‬ليذا نعتبر اإلجماع مصد انر شرعيان لمفكر اإلسبلمي‪.‬‬
‫كاإلجماع حجة شرعية يأتي في المنزلة بعد القرآف كالسنة‪َّ ،‬‬
‫ألف الحكـ الذم اتفقت عميو‬
‫آراء المجتيديف في األمة اإلسبلمية‪ ،‬ىك رأم األمة المعصكمة مف الخطأ لؤلحاديث النبكية‬
‫نذكر منيا‪:‬‬
‫يمةى يم ىح َّمود ‪‬‬
‫اؿ‪" :‬أ َّ‬ ‫اَّلل ىال يجمع أ َّ ً‬
‫يمتي" أ ٍىك قى ى‬
‫ً‬
‫اؿ‪" :‬إ َّف َّى ى ٍ ى ي‬
‫ىف رسكؿ ًَّ‬
‫اَّلل ‪ ‬قى ى‬ ‫ُ ‪ -‬ىع ٍف ٍاب ًف يع ىم ىر أ َّ ى ي ى‬
‫و (ِ)‬
‫ض ىبللىة"‪.‬‬
‫ىعمىى ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫م قىاؿ‪ :‬قىاؿ رسكؿ ًَّ‬ ‫ِ ‪ -‬ىع ٍف أىبًي ىمالً وؾ ٍاأل ٍ‬
‫ىج ىاريك ٍـ م ٍف ثى ىبلث خ ىبل وؿ‪ :‬أ ٍ‬
‫ىف‬ ‫اَّلل ‪" :‬إً َّف َّ‬
‫اَّللى أ ى‬ ‫ىش ىع ًر َّ ى ى ى ي ي‬
‫ىف ىال‬ ‫ىى ًؿ اٍل ىح ًٌ‬ ‫ىىؿ اٍلب ً‬
‫اط ًؿ ىعمىى أ ٍ‬ ‫ً‬ ‫ىال ىي ٍد يع ىك ىعمى ٍي يك ٍـ ىنبًي ي‬
‫ؽ‪ ،‬ىكأ ٍ‬ ‫ظيى ىر أ ٍ ي ى‬
‫ىف ىال ىي ٍ‬
‫يعا‪ ،‬ىكأ ٍ‬
‫ُّك ٍـ فىتى ٍيمى يككا ىجم ن‬
‫و (ّ)‬ ‫ً‬
‫ض ىبللىة"‬‫تى ٍجتىم يعكا ىعمىى ى‬
‫المصادر الثانوية لمفكر اإلسالمي‪:‬‬
‫تشكؿ المصادر األساسية لمفكر اإلسبلمي كالكتاب كالسنة القاعدة األساسية لبنية الفكر‬
‫اإلسبلمي‪ .‬كاذا ما حاكلنا اليكـ البحث في قضايا سياسية أك اقتصادية أك عقائدية أك‬
‫اجتماعية‪ ،‬كجدنا باإلضافة إلى المصادر األساسية‪ ،‬مصادر ثانكية تكمؿ ما بنتو المصادر‬
‫األساسية‪.‬‬
‫كىذه المصادر الثانكية ىي الفقو اإلسبلمي كانتاج المفكريف‪ ،‬ألنيما نتاج النظر العميؽ‬

‫(ُ) عمـ أصكؿ الفقو‪ :‬عبد الكىاب خبلؼ صٕٔ‪.‬‬


‫(ِ) سنف الترمذم جْ‪.)ُِٕٔ( ْٔٔ/‬‬
‫(ّ) سنف أبي داكد جْ‪.)ِّْٓ(ٖٗ/‬‬

‫‪-15- 35‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كالمتفاعؿ مع نصكص الكتاب كالسنة‪ ،‬نستطيع نحف أف نككف مف ىذه االجتيادات نظريات‬
‫عامة في مجاالت الحياة المختمفة‪ ،‬مثبلن جيكد الفقياء في إرساء قكاعد األحكاـ المتعمقة‬
‫بالعمؿ كاإلجارة كالممكية نستطيع مف خبلليا إرساء نظرية عامة لمعمؿ كالقيمة في اإلسبلـ‪،‬‬
‫كمف مجمكع االجتيادات في المسائؿ المتعمقة بالحكـ كاألمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر‬
‫كالجياد نستطيع أف نستنبط أفكا انر أك مفاىيـ ىامة في النظرية السياسية‪.‬‬
‫كمف خبلؿ جيكد العمماء في قضايا القيـ كاألخبلؽ كعمـ الكبلـ نستطيع الكصكؿ إلى‬
‫قكاعد عمـ النفس كالسمكؾ كعمـ االجتماع‪.‬‬
‫بيذا تشكؿ المصادر األساسية لمفكر اإلسبلمي مع جيكد الفقياء كالمفكريف األسس لقياـ‬
‫(ُ)‬
‫فكر إسبلمي أصيؿ منضبط كممتزـ بالقكاعد كاألصكؿ الشرعية‪.‬‬

‫(ُ) انظر الفكر اإلسبلمي ص ُٓ‪.ْٕ-‬‬

‫‪-16-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الفصل الثاني‬
‫النقمة النوعية التي أحدثيا‬
‫الفكر اإلسالمي في العالم‬

‫المطمب األول‪ :‬النقمة النوعية في التصور والعتقاد‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬النقمة النوعية في المعرفة‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬النقمة النوعية في األخالق‪.‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬النقمة النوعية في التشريع‪.‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬النقمة النوعية في المناىج‪.‬‬

‫‪-17- 37‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫سأؿ النجاشي ممؾ الحبشة المسمميف عف كنو الرسالة اإلسبلمية فرسـ الصحابي الجميؿ‬
‫كم ٍف حكليـ قبؿ البعثة النبكية‪ ،‬كما‬ ‫جعفر بف أبي طالب ببيانو الحالة التي كاف عمييا العرب ى‬
‫ؾ يكَّنا قى ٍك نما‬ ‫ً‬
‫بيف مقدار النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ في معتنقيو‪ ،‬قاؿ رضي هللا عنو‪( :‬أىيُّيىا اٍل ىمم ي‬
‫ٍك يؿ‬‫يء اٍل ًج ىك ىار ىيأ ي‬ ‫ً‬ ‫ٍكؿ اٍلميتىةى كىنأٍتًي اٍلفىك ً‬ ‫ًً و‬
‫اـ ىكينس ي‬ ‫ش ىكىن ٍقطىعي ٍاأل ٍىر ىح ى‬ ‫اح ى‬ ‫ى‬ ‫اـ ىكىنأ ي ي ى ٍ ى‬ ‫ىص ىن ى‬
‫ىى ىؿ ىجاىميَّة ىن ٍعيب يد ٍاأل ٍ‬ ‫أٍ‬
‫ً‬ ‫اَّللي إًلى ٍي ىنا ىريسكنال ًمَّنا ىن ٍع ًر ي‬ ‫يؼ فى يكَّنا ىعمىى ىذلً ىؾ ىحتَّى ىب ىع ى‬ ‫الض ًع ى‬ ‫م ًمَّنا َّ‬ ‫اٍلقى ًك ُّ‬
‫ىم ىانتىوي‬ ‫ؼ ىن ىس ىبوي ىكص ٍدقىوي ىكأ ى‬ ‫ث َّ‬
‫اؤىنا ًم ٍف يدكنً ًو ًم ىف اٍل ًح ىج ىارًة‬ ‫كعفىافىو فىدع ىانا إًلىى ًَّ ً ً‬
‫اَّلل لين ىك ٌح ىدهي ىكىن ٍعيب ىدهي ىكىن ٍخمى ىع ىما يكَّنا ىن ٍعيب يد ىن ٍح يف ىك ىآب ي‬ ‫ىى ي ىى‬
‫الرًحًـ ىك يح ٍس ًف اٍل ًج ىك ًار ىكاٍل ىك ًٌ‬ ‫صمى ًة َّ‬ ‫اء ٍاألىم ىان ًة ك ً‬ ‫ً‬
‫ؽ اٍلحديث كأىد ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ؼ ىع ًف اٍل ىم ىح ًارًـ‬ ‫ى ى‬ ‫ىى‬ ‫ىم ىرىنا بًص ٍد ً ى‬ ‫ىك ٍاأل ٍىكثى ً‬
‫اف ىكأ ى‬
‫ؼ اٍلمح ً‬ ‫كر كأى ٍك ًؿ ماؿ اٍليتً ًيـ كقى ٍذ ً‬ ‫ً ُّ‬ ‫ً ً‬ ‫ك ًٌ ً‬
‫اَّللى‬
‫ىف ىن ٍعيب ىد َّ‬ ‫ىم ىرىنا أ ٍ‬
‫ص ىنة ىكأ ى‬ ‫يٍ ى‬ ‫ى ى ى ى‬ ‫الد ىماء ىكىنيى ىانا ىع ًف اٍلفى ىكاحش ىكقى ٍكؿ الز ً ى‬ ‫ى‬
‫اإل ٍس ىبلًـ‪،‬‬
‫أيمكر ًٍ‬
‫ي ى‬ ‫اؿ‪ :‬فى ىع َّد ىد ىعمى ٍي ًو‬ ‫الزىك ًاة ك ً ً‬
‫الص ىياـ‪ .‬قى ى‬ ‫ى ٌ‬ ‫الص ىبل ًة ك َّ‬
‫ى‬ ‫ىم ىرىنا بً َّ‬
‫ىكأ ى‬ ‫ؾ بً ًو ىش ٍينئا‬ ‫ىك ٍح ىدهي ىال ين ٍش ًر ي‬
‫ىك ىح َّرٍم ىنا ىما ىح َّرىـ‬ ‫اَّللى ىك ٍح ىدهي ىفمى ٍـ ين ٍش ًر ٍؾ بً ًو ىش ٍينئا‬
‫اء بً ًو فى ىع ىب ٍد ىنا َّ‬
‫ىعمىى ىما ىج ى‬
‫ً‬
‫آمَّنا بًو ىكاتَّىب ٍع ىناهي‬
‫ص َّد ٍق ىناهي ىك ى‬
‫فى ى‬
‫(ُ)‬
‫ىح َّؿ لىىنا)‬ ‫ىحمىٍم ىنا ىما أ ى‬
‫ىعمى ٍي ىنا ىكأ ٍ‬
‫كاف العالـ ميتان‪ ،‬فأنزؿ هللا سبحانو اإلسبلـ ليبعث العالـ مف مكاتو‪ ،‬كانت الدنيا غارقة في‬
‫جاىمية عمياء‪ ،‬كقيـ فاسدة‪ ،‬كأفكار متعفنة‪ ،‬في تيو كضياع‪ ،‬لقد انتشؿ اإلسبلـ الناس مف كاد‬
‫سحيؽ مظمـ فارتقى بيـ إلى مدارج الكماؿ الرباني‪ ،‬كصدؽ هللا العظيـ القائؿ‪:‬‬
‫اس ىكمف مثىميو ًفي الظُّميم ً‬ ‫كر ىي ٍم ًشي بً ًو ًفي َّ‬
‫ات لى ٍي ىس‬ ‫ى‬ ‫الن ً ى ٍ ى ي‬ ‫ىح ىي ٍي ىناهي ىك ىج ىعٍم ىنا لىوي ين نا‬
‫اف ىم ٍيتنا فىأ ٍ‬‫‪‬أ ىىك ىم ٍف ىك ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬األنعاـ اآلية ُِِ‪.‬‬ ‫يف ىما ىك يانكا ىي ٍع ىممي ى‬ ‫بً ىخ ًاروج م ٍنيىا ىك ىذل ىؾ يزٌيً ىف لٍم ىكاف ًر ى‬
‫كيمكف أف نمخص جكانب النقمة النكعية التي أحدثيا الفكر اإلسبلمي في الناس في‬
‫المجاالت اآلتية‪:‬‬
‫أكالن‪ :‬النقمة في التصكر كاالعتقاد‪ :‬نقؿ الناس مف عبادة المخمكقات كاألصناـ كالنار‪ ..‬الخ‬
‫إلى عبادة هللا كحده ال شريؾ لو‪ ،‬مع بياف صكرة كاضحة عف اإللو الخالؽ كعف الككف كالحياة‬
‫كاإلنساف‪ ،‬كعف العبلقة القائمة بيف ىذه العناصر‪ ،‬كالحياة بعد المكت‪.‬‬
‫ثانيان‪ :‬النقمة في المعرفة‪ :‬حيث نقؿ اإلسبلـ الناس مف الرككف إلى الخرافات كاألكىاـ‬
‫كاألساطير كالكياف كالفبلسفة إلى منيج عقمي كسطي منضبط‪ ،‬دكف شطط أك ارتكاس‪.‬‬

‫(ُ) أخرجو أحمد في المسند بإسناد رجالو ثقات جٓ‪.ُِٗ/‬‬

‫‪-18-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ثالثان‪ :‬النقمة في األخبلؽ‪ :‬ربط اإلسبلـ األخبلؽ بالقرآف الكريـ كالسنة المطيرة‪ ،‬كىما‬
‫المصدراف الثابتاف‪ ،‬فما كاف فييما مف حبلؿ حممناه‪ ،‬كما كاف فييما مف حراـ حرمناه‪ ،‬دكف‬
‫النظر إلى مقاييس النفعية كالمصمحة كالمردكد المادم التي تيربط بيا األخبلؽ في تصكر‬
‫الكثير مف األمـ كالشعكب‪.‬‬
‫رابعان‪ :‬النقمة في التشريع‪ :‬نقؿ اإلسبلـ الناس مف تشريعات فاسدة تشبو إلى حد كبير شريعة‬
‫الغاب‪ - ،‬كمثميا إلى حد كبير تشريعات العصر المتمدف اليكـ السائد بيف األمـ ‪ -‬إلى تشريع‬
‫رباني قائـ عمى العدؿ‪ ،‬كعمى حفظ مصالح الناس الضركرية‪ ،‬أكليا‪ :‬الديف‪ ،‬كثانييا‪ :‬النفس‪،‬‬
‫كثالثيا‪ :‬النسؿ‪ ،‬كرابعيا‪ :‬العقؿ‪ ،‬كخامسيا‪ :‬الماؿ‪.‬‬
‫خامسان‪ :‬النقمة في المناىج‪ :‬نقؿ اإلسبلـ الناس مف منيج التقميد‪ ،‬كمنيج الظف كاليكل أك‬
‫الخرافة كاألسطكرة إلى منيج قائـ عمى الحس كالمشاىدة كالتجربة كالبرىاف لمكصكؿ إلى‬
‫الحقائؽ‪ .‬كالى منيج يعتمد عمى المقدمات كاألسباب لمكصكؿ إلى النتائج‪ ،‬كالربط بيف السنف‬
‫الككنية كالتاريخية…‪.‬الخ‬
‫كسنقكـ بمشيئة هللا تعالى بدراسة ىذه النقبلت التي أحدثيا الفكر اإلسبلمي في العالـ‬
‫بشيء مف التكسع‪.‬‬

‫‪-19- 39‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫المطمب األول‪:‬‬
‫النقمة في التصور والعتقاد‬
‫ما أف كطئت قدما آدـ عميو السبلـ األرض كرزقو هللا بالبنيف حتى دعاىـ إلى التكحيد‬
‫الخالص ﵀ عز كجؿ فكاف بيذا أبا البشر كأكؿ رسكؿ بعثو هللا ليـ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬إً َّف َّ‬
‫اَّللى‬
‫يف‪ ‬آؿ عمراف اآلية ّّ ثـ أخذ‬ ‫ً‬ ‫اىيـ ك ً‬‫طفىى آدـ كينكحا ك ً ً‬
‫اف ىعمىى اٍل ىعالىم ى‬
‫آؿ ع ٍم ىر ى‬
‫آؿ إ ٍب ىر ى ى ى‬
‫ىى ى ن ى ى‬ ‫اص ى‬
‫ٍ‬
‫االنحراؼ يعرؼ طريقو لمبشرية منذ أف قتؿ قابيؿ ىابيؿ‪ ،‬ازداد االنحراؼ يكمان بعد يكـ‪ ،‬كسرل‬
‫الشرؾ بيف الناس شيئان فشيئان‪ ،‬حتى انتشر فييـ فأرسؿ هللا سبحانو الرسؿ‪ ،‬كميـ يدعكف الناس‬
‫إلى تكحيد هللا سبحانو كاجتناب عبادة الطاغكت‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬كما أىرسٍم ىنا ًم ٍف قىبمً ىؾ ًم ٍف رس و‬
‫كؿ‬ ‫ىي‬ ‫ٍ‬ ‫ىى ٍى‬
‫يم وة‬
‫كف‪ ‬األنبياء اآليةِٓ‪ ،‬كقاؿ‪  :‬ىكلىقى ٍد ىب ىعثٍىنا ًفي يك ًٌؿ أ َّ‬ ‫كحي إًلى ٍي ًو أَّىنوي الى إًلىوى إًالٌ أ ىىنا فى ٍ‬
‫اعيب يد ً‬ ‫إًالٌ ين ً‬
‫اَّلل ك ً‬
‫كت‪ ‬النحؿ اآلية ّٔ‪.‬‬ ‫اغ ى‬ ‫اجتىنيبكا الطَّ ي‬ ‫ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ‬ ‫ىريسكالن أ ٍ‬
‫التكحيد الخالص‪ ،‬ثـ ال تمبث قميبلن بعد أنبيائيا حتى‬
‫ى‬ ‫بيد أف الناس كانت تعيش فترات النبكة‬
‫تنحرؼ مرة أخرل كتضؿ في متاىات الشرؾ كالعقائد الباطمة‪ ،‬حتى تصكر قسـ منيـ اإللو‬
‫حج انر أك كثنان أك عجبلن أك نا انر أك نك انر‪ ،‬أك قم انر‪ ،‬أك شمسان‪.‬‬
‫فأصاب الفكر اإلنساني الكىف‪ ،‬حتى الرساالت السماكية السابقة‪ :‬الييكدية كالنصرانية‪ ،‬لـ‬
‫تسمـ مف التحريؼ كالتبديؿ‪ ،‬كلقد أصاب أتباعيا االنحراؼ شأف غيرىـ فمزجكا في عقائدىـ‬
‫بيف صفات اإللو كصفات البشر‪ ،‬كظنكه يعمـ أحيانان‪ ،‬كيجيؿ أحيانان‪ ،‬كأنو يفعؿ كيندـ‪ ،‬كظنكه‬
‫ثبلثة… تعالى هللا عف ذلؾ عمكان كبي انر‪.‬‬
‫جاء اإلسبلـ فنقؿ اإلنسانية مف العقائد الضالة إلى عقيدة يقينية مف عند هللا تبارؾ كتعالى‬
‫لـ كلف تعترييا يد التغيير أك التحريؼ ألف هللا سبحانو تكفؿ بحفظيا‪ ،‬ىذه العقيدة المتفقة مع‬
‫فطرة اإلنساف‪ ،‬العقيدة التي تربطو بالككف كالحياة‪ ،‬العقيدة التي تزرع الطمأنينة في النفكس‪،‬‬
‫كتقنعو بالدليؿ كالبرىاف‪.‬‬
‫ننتقؿ اآلف إلى استعراض مختصر لحياة أىـ الشعكب قبؿ اإلسبلـ‪ ،‬لمتعرؼ عمى مقدار‬
‫االنحراؼ كالسقكط العقائدم‪ ،‬كاألخبلقي‪ ،‬كاالجتماعي كاالقتصادم كالسياسي‪ ،‬ككذلؾ‬
‫االنحراؼ التشريعي‪ ،‬لنقؼ عمى مقدار النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ‪.‬‬

‫‪-40-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫* عقائد األمم قبل اإلسالم‪:‬‬


‫أولً‪ :‬بالد فارس‪ :‬أىـ العقائد التي سادت إيراف عمى مر العصكر ىي‪:‬‬
‫ُ – الم جكسية‪ :‬عرؼ الفرس مف قديـ الزماف بعبادة العناصر الطبيعية أعظميا النار‪ ،‬كقد‬
‫عكفكا عمى عبادتيا أخي انر‪ ،‬يبنكف ليا ىياكؿ كمعابد‪ ،‬كانتشرت بيكت النار ىذه في طكؿ الببلد‬
‫كعرضيا‪ ،‬ككانت ليا آداب كشرائع دقيقة‪ ،‬كانقرضت كؿ عقيدة كديانة غير عبادة النار‬
‫كتقديس الشمس‪ ،‬كأصب حت الديانة عندىـ عبارة عف طقكس كتقاليد يؤدكنيا في أمكنة خاصة‪،‬‬
‫أما خارج المعابد فكانكا أح ار انر‪ ،‬يسيركف عمى ىكاىـ‪ ،‬كما تممي عمييـ نفكسيـ‪ ،‬كأصبح‬
‫المجكس ال فرؽ بينيـ كبيف ىمف ال ديف ليـ كال خبلؽ في األعماؿ كاألخبلؽ‪.‬‬
‫يقكؿ "آرتير كرستيف سي" في كصؼ طبقة رؤساء الديف ككظائفيـ‪" :‬كاف كاجبان عمى ىؤالء‬
‫المكظفيف أف يعبدكا الشمس أربع مرات في اليكـ‪ ،‬كيضاؼ إلى ذلؾ عبادة القمر كالنار كالماء‪،‬‬
‫الس يرج‪ ،‬ككانكا مأمكريف بأال‬
‫كلبس الزنار‪ ،‬كاألكؿ كالعطس كحمؽ الشعر‪ ،‬كقمـ األظفار‪ ،‬كايقاد ُّ‬
‫يدعكا النار تنطفئ‪ ،‬كأال تمس النار كالماء بعضيما بعضان‪ ،‬كأال يدعك المعدف يصدأ‪ ،‬ألف‬
‫المعادف عندىـ مقدسة"‪.‬‬
‫كيدعكف "الثانكية" أسسيا شخص يدعى "زردشت" كىي تقكـ عمى اإليماف‬
‫الزرادشتية‪ :‬ي‬
‫بإلييف‪:‬‬
‫األكؿ‪( :‬آىك ار مزد‪ ،‬أك يزداف) كىك إلو النكر كالخير‪ ،‬كيتصؼ عندىـ بسبع صفات ىي‪:‬‬
‫النكر كالعقؿ كالطيبة كالحؽ كالسمطاف كالخير كالخمكد‪.‬‬
‫الثاني‪( :‬أىرمف) إلو الشر كالظبلـ‪ ،‬كىك إلو العالـ السفمي الذم خمؽ األفاعي كالحشرات‬
‫الضارة كالجراد كالجريمة… كيؤمف الزرادشتيكف بأف الصراع أزلي بيف اإللييف‪ ،‬ك َّ‬
‫أف الشر‬
‫سييزـ في النياية‪ ،‬كيفنى‪ ،‬كحتى يتـ ذلؾ يمر العالـ بأربعة عيكد يتبادالف فييا إلو الخير‬
‫(ُ)‬
‫كالشر السيطرة عمى العالـ‪ ،‬حتى ييزـ الشر‪ ،‬مقدار كؿ عيد ثبلثة آالؼ عاـ‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬المانكية‪ :‬كىـ أتباع (ماني بف فاتؾ) ظير أمره في القرف الثالث الميبلدم في عصر‬
‫اإلمبراطكر سابكر بف أزدشير‪ ،‬ادعي النبكة‪ ،‬كمزج في دعكتو بيف المسيحية كالبكذية‬

‫(ُ) انظر عقيدتو بالتفصيؿ‪ :‬الممؿ كالنحؿ الشيرستاني ص ِّٓ‪ ،ِّٔ-‬كانظر السيرة النبكية ألبي الحسف الندكم‬
‫صِّ‪.ِْ -‬‬

‫‪-43- 41‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كالزرادشتية‪ ،‬كأعمف أنو يبعث ليتمـ عمؿ زرادشت كبكذا كالمسيح‪ ،‬ككاف يأمر أتباعو بأربع‬
‫صمكات في اليكـ كالميمة‪ ،‬كأمرىـ بترؾ الكذب كالسرقة كالزنا كالبخؿ كعبادة األكثاف‪ ،‬كدعا إلى‬
‫حياة العزكبة لحسـ مادة الفساد كالشر في العالـ فحرـ النكاح‪.‬‬
‫كأنكر نبكة مكسى عميو السبلـ‪ .‬قتمو أزدشير‪ ،‬كىرب أتباعو‪ ،‬ففشا أمرىـ في الصيف كما‬
‫(ُ)‬
‫زالكا حتى يكمنا ىذا‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬المزدكية‪ :‬كىك أتباع (مزدؾ بف نامداف) في أكائؿ القرف الخامس الميبلدم‪ ،‬ادعى‬
‫النبكة كدعا إلى اإلباحية فكاف أكؿ صاحب حركة شيكعية إذ دعا إلى إباحة الماؿ كالنساء‪،‬‬
‫كجعؿ الناس شركاء فييا‪ ،‬فانتشرت البطالة كعـ الفساد‪ ،‬كانتيكت األعراض‪ ،‬ككثر الخبث‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫كلقد حارب الزرادشتية أشد المحاربة فقتمو الحاكـ أنك شركاف‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬اليند‪ :‬عبد الينكد في أزمانيـ الغابرة النار‪ ،‬كقدسكا أشعة الشمس‪ ،‬ككانكا يعتقدكف‬
‫بكجكد عالـ األمكات‪ ،‬كليذا العالـ قدرة عمى التأثير في الككف‪ ،‬كفي معرفة الغيب‪.‬‬
‫حتى استكلت قبيمة آريو عمى اليند في القرف الخامس عشر قبؿ الميبلد‪ ،‬كقامت بفرض‬
‫ديانتيا البرىمية عمى الينكد‪ .‬كمف يكميا كالينكد يدينكف بيا‪ ،‬حتى أصبحت فييـ العقيدة‬
‫الظاىرة‪ .‬باإلضافة إلى البرىمية انتشرت البكذية فما ىي حقيقتيما؟‬
‫ُ ‪ -‬البراىمة‪ :‬نسبة إلى براىما كمعناه اإللو‪ .‬كممخص عقيدتو أف لمككف آلية ثبلث ىي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬براىما‪ :‬كىك اإللو الخالؽ مانح الحياة‪ ،‬صدرت عنو جميع المخمكقات‪ ،‬كىك الذم يرجك‬
‫رحمتو ككرمو جميع األحياء‪ ،‬كلو ينسبكف الشمس ألنيا مصدر الدؼء‪.‬‬
‫ب ‪ -‬سيفا أك سيكا‪ :‬كبسببو تصفٌر أكراؽ الشجر الخضراء‪ ،‬كييرـ اإلنساف‪ ،‬كاليو ينسبكف‬
‫النار ألنيا عنصر الخراب كالدمار‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ديشنكا‪ :‬كىك الذم يحؿ في المخمكقات كليذا ينظر البراىمة إلى كؿ ما عمى األرض‬
‫عمى أنو إلو ألف ديشنكا يحؿ فيو ليحميو مف الفناء التاـ‪.‬‬
‫يؤمف البراىمة بتناسخ األركاح‪ ،‬أنيا تنتقؿ مف جسد إلى آخر حتى تصؿ النفس الصالحة‬
‫إلى الكماؿ المطمؽ‪ ،‬كالنفس الخبيثة تعيش الحياة القاسية حتى تستكمؿ جزاء ما فعمت‪.‬‬

‫(ُ) انظر المصدر السابؽ ص ِْٔ‪.ِٗٔ-‬‬


‫(ِ) انظر الممؿ كالنحؿ ص ِٗٔ‪.ُِٕ-‬‬

‫‪-41-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ثالثاً‪ :‬الصين‪ :‬داف الصينيكف منذ عيكد طكيمة بعقيدة الكنفكشيكسية نسبة إلى حكيميـ‬
‫(ككنفكشيكس) الذم ظير في القرف السادس قبؿ الميبلد‪ ،‬كدعا الناس إلى إحياء العادات‬
‫كالتقاليد المكركثة‪ ،‬كأضاؼ عمييا مف فمسفتو كآرائو‪ ،‬ككاف أىـ معتقداتيـ‪:‬‬
‫أ‪ -‬في السماء إلييـ األعظـ يعبدكنو بكاسطة تقديـ القرابيف لمممكؾ كالرؤساء‪.‬‬
‫ب‪ -‬لؤلرض إلو كلمشمس إلو يتقرب ليما بالقرابيف كذلؾ‪.‬‬
‫ث‪ -‬تتككف عبادة الصينييف مف الغناء كالرقص كالمكسيقى‪.‬‬
‫ج‪ -‬ال يؤمنكف بالجنة كالنار‪ ،‬كال يعتقدكف بالبعث كالحساب‪ ،‬إنما يككف كؿ ىذا في الدنيا‪.‬‬
‫ح ‪ -‬الممؾ أك اإلمبراطكر مف سبللة مقدسة تقدـ ليا القرابيف‪ ،‬ألنيا الكاسطة إلى اآللية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬العرب‪:‬‬
‫كانت العرب عمى صمة قكية بديف إبراىيـ عميو السبلـ‪ ،‬إال أنيـ ابتمكا في عصكرىـ‬
‫الم تأخرة بكثنية سخيفة ال يكجد ليا نظير إال في اليند البرىمية الكثنية‪ ،‬كترقكا في الشرؾ‬
‫فاتخذكا مف دكف هللا آلية‪ ،‬كيمكف كصؼ حالة العرب العقائدية عمى النحك التالي‪:‬‬
‫نزع الناس في الجزيرة العربية إلى عبادة األكثاف حتى لـ يخمك منيا حي أك قبيمة أك بيت‬
‫مف أبيات العرب‪ ،‬أضؼ إلى ذلؾ أف الكعبة التي أرادىا هللا سبحانو منارة التكحيد‪ ،‬دنسيا‬
‫العرب بالكثير مف األصناـ التي كصؿ عددىا ثبلثمائة كستكف صنمان‪ ،‬ككاف مف أشيرىا عند‬
‫العرب مناة كالعزل كاساؼ كنائمة‪ ،‬كقد ذكر القرآف الكريـ بعضيا فقاؿ سبحانو‪:‬‬
‫الذ ىكر كلىو ٍاألينثىى*تًٍمؾ إً نذا ًقسمةه ً‬
‫ض ىيزل‪‬‬ ‫يخرل*أىلى يكـ َّ‬ ‫َّ ً‬ ‫َّ‬
‫ٍى‬ ‫ى‬ ‫ي ى ي‬ ‫ٍ‬ ‫ل*ك ىم ىناةى الثالثىةى ٍاأل ٍ ى‬
‫ت ىكاٍل يعز ى‬‫‪‬أىفى ىأرٍىيتي ٍـ البلٌ ى‬
‫النجـ ُٗ – ِِ‪.‬‬
‫عيـ لقريش يدعى عمرك بف لحي "كقد مرض مرضان شديدان‬ ‫ككانت دخكؿ األصناـ عمى يد ز و‬
‫فقيؿ لو‪ :‬إف بالبمقاء بالشاـ ًح ٌمة إف أتيتيا برئت‪ ،‬فأتاىا فاستحـ بيا فبرأ‪ ،‬ككجد أىميا يعبدكف‬
‫األصناـ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ما ىذه؟ فقالكا‪ :‬نستسقي بيا المطر‪ ،‬كنستنصر بيا عمى العدك‪ ،‬فسأليـ أف‬
‫(ُ)‬
‫كمف يكميا كاألصناـ تزداد في‬ ‫يعطكه منيا ففعمكا‪ ،‬فقدـ بيا مكة‪ ،‬كنصبيا حكؿ الكعبة"‪.‬‬
‫مكة كأركقتيا كنكادييا حتى غطت حياة العرب كميا‪ ،‬ككاف مف أىـ العقائد التي ارتبطت بعبادة‬
‫األصناـ‪:‬‬

‫(ُ) انظر كتاب األصناـ الكمبي ص ٔ‪.‬‬

‫‪-41- 43‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أ ‪ -‬كاف أماـ الصنـ ‪ -‬ىبؿ ‪ -‬المكجكد في جكؼ الكعبة سبعة أقداح‪ ،‬مكتكب عمى أكليا‬
‫صريح‪ ،‬كاآلخر ممصؽ‪ ،‬فإذا شككا في مكلكد ذىبكا بو إليو‪ ،‬كمعيـ ىدية لو ثـ ضربكا بالقدح‬
‫فإف خرج صريح ألحقكه بأبيو‪ ،‬كاف خرج ممصؽ‪ ،‬دفعكه عنيـ‪ ،‬ككانت تكجد أقداح لمنكاح‬
‫كذلؾ‪ ،‬كأخرل لمسفر كغير ذلؾ‪.‬‬
‫ككاف العرب يتمسحكف باألصناـ عند سفرىـ‪ ،‬كبعد رجكعيـ لنيؿ بركتيا‪ ،‬قاؿ الكمبي‪" :‬فإذا‬
‫أراد أحدىـ السفر كاف آخر ما يصنع في منزلو أف يتمسح بو‪ ،‬كاذا قدـ مف سفر كاف أكؿ ما‬
‫(‪)1‬‬
‫يصنع إذا دخؿ منزلو أف يتمسح بو أيضان"‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كانت لكؿ قبيمة صنمان خاصان بيا‪ ،‬فإذا حجكا أك اعتمركا لـ يحمقكا رؤكسيـ أك ينحركا‬
‫ذبائحيـ إال عنده‪.‬‬
‫ت ‪ -‬كاف الرجؿ إذا كاف في سفر‪ ،‬كنزؿ منزالن يستريح فيو أخذ أربعة أحجار‪ ،‬فنظر في‬
‫أحسنيا‪ ،‬فاتخذه ربان‪ ،‬كجعؿ ثبلثة أثافي لقدره‪ ،‬فإذا ارتحؿ تركو‪ ،‬كفي الحديث عف أىبًي رج و‬
‫اء‬ ‫ىى‬
‫ىخ ىي ير ًم ٍنوي أىٍلقىٍي ىناهي ىكأ ى‬
‫ىخ ٍذ ىنا‬ ‫(كَّنا ىن ٍعيب يد اٍل ىح ىج ىر فىًإ ىذا ىك ىج ٍد ىنا ىح ىج نار يى ىك أ ٍ‬
‫م رضي هللا ىع ٍنوي قىاؿ‪ :‬ي‬ ‫ط ًارًد َّ‬‫اٍل يع ى‬
‫ً (ِ)‬
‫الش ًاة فى ىحمى ٍب ىناهي ىعمى ٍي ًو ثيَّـ طي ٍف ىنا بًو)‪.‬‬ ‫ٍاآل ىخر فىًإ ىذا لىـ ىن ًج ٍد حج ار جم ٍع ىنا جثٍكةن ًم ٍف تير و‬
‫اب ثيَّـ ًج ٍئ ىنا بً َّ‬
‫ى‬ ‫ى ىن ى ى ي ى‬ ‫ٍ‬ ‫ى‬
‫رابعاً‪ :‬الييودية والنصرانية‪:‬‬
‫يقكؿ أبك الحسف الندكم رحمو هللا تعالى‪" :‬أصبحت الديانات العظمى‪ ،‬كصحفيا العتيقة‪،‬‬
‫كشرائعيا القديمة‪ ،‬فريسة العابثيف كالمتبلعبيف‪ ،‬كلعبة المحرفيف كالمنافقيف‪...‬‬
‫أصبحت الييكدية مجمكعة مف طقكس كتقاليد ال ركح فييا كال حياة‪ ،‬كىي ‪ -‬بصرؼ النظر‬
‫عف ذلؾ ‪ -‬ديانة سبللية مختصة بقكـ كبجنس معيف‪ ،‬ال تحمؿ لمعالـ رسالة‪ ،‬كال لؤلمـ دعكة‪،‬‬
‫كال لئلنسانية رحمة‪.‬‬
‫شعار مف بيف الديانات‬
‫نا‬ ‫كقد أصيبت ىذه الديانة في عقيدتيا األصمية التي كانت ليا‬
‫كاألمـ‪ ،‬ككاف فييا سر شرفيا كىي عقيدة التكحيد التي كصى بيا إبراىيـ بنيو كيعقكب ‪-‬‬
‫كثير مف عقائد األمـ الفاسدة التي جاكركىا‪ ،‬أك كقعكا تحت‬
‫عمييـ السبلـ‪ ،‬فقد اقتبس الييكد نا‬
‫ككثير مف عاداتيا كتقاليدىا الكثنية الجاىمية‪ ،‬كقد اعترؼ بذلؾ مؤرخك الييكد‬
‫نا‬ ‫سيطرتيا‪،‬‬

‫(ُ) انظر كتاب األصناـ ص ّّ‪.‬‬


‫(ِ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ المغازم (ّْٕٕ)‬

‫‪-44-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫المنصفكف‪ ،‬فقد جاء في دائرة المعارؼ الييكدية ما معناه‪" :‬إف سخط األنبياء كغضبيـ عمى‬
‫عبادة األكثاف تدؿ عمى أف عبادة األكثاف كاآللية كانت قد تسربت إلى نفكس اإلسرائيمييف‪ ،‬كقد‬
‫قبمكا معتقدات شركية كخرافية‪ ،‬إف التممكد أيضا يشيد بأف الكثنية كانت فييا جاذبية خاصة‬
‫لمييكد"‪ ،‬كيدؿ تممكد بابؿ ‪ -‬الذم يبالغ الييكد في تقديسو‪ ،‬كقد يفضمكنو عمى التكراة‪ ،‬ككاف‬
‫متداكالن بيف الييكد في القرف السادس النصراني‪ ،‬كما زخر بو مف نماذج غريبة مف خفة العقؿ‬
‫كسخؼ القكؿ‪ ،‬كاالجتراء عمى هللا‪ ،‬كالعبث بالحقائؽ‪ ،‬كالتبلعب بالديف كالعقؿ يدؿ عمى ما‬
‫كصؿ إليو المجتمع الييكدم في ىذا القرف مف االنحطاط العقمي كفساد الذكؽ الديني‪.‬‬
‫أما النصرانية فقد امتحنت بتحريؼ الغاليف‪ ،‬كتأكيؿ الجاىميف‪ ،‬ككثنية الركماف المتنصريف‬
‫ركاما‪ ،‬دفنت تحتو تعاليـ المسيح العظيمة‪ ،‬كاختفى نكر‬
‫منذ عصرىا األكؿ‪ ،‬كأصبح كؿ ذلؾ ن‬
‫التكحيد كاخبلص العبادة ﵀ كراء ىذه السحب الكثيفة‪.‬‬
‫يتحدث كاتب نصراني عف مدل تغمغؿ عقيدة التثميث في المجتمع المسيحي منذ أكاخر‬
‫القرف الرابع الميبلدم‪ ،‬فيقكؿ‪" :‬تغمغؿ االعتقاد بأف اإللو الكاحد مركب مف ثبلثة أقانيـ في‬
‫أحشاء حياة العالـ المسيحي كفكره منذ الربع األخير لمقرف الرابع‪ ،‬كدامت عقيدة رسمية معتمدة‬
‫في جميع أن حاء العالـ المسيحي‪ ،‬كلـ يرفع الستار عف تطكر عقيدة التثميث كسرىا إال في‬
‫النصؼ الثاني لمقرف التاسع عشر الميبلدم‪.‬‬
‫كيتحدث مؤرخ نصراني معاصر في كتاب‪" :‬تاريخ المسيحية في ضكء العمـ المعاصر"‪..‬‬
‫"لقد انتيت الكثنية‪ ،‬كلكنيا لـ تمؽ إبادة كاممة‪ ،‬بؿ إنيا تغمغمت في النفكس‪ ،‬كاستمر كؿ شيء‬
‫شييدا‬
‫ن‬ ‫فييا باسـ المسيحية كفي ستارىا‪ ،‬فالذيف تجردكا عف آليتيـ كأبطاليـ كتخمكا عنيـ أخذكا‬
‫مف شيدائيـ‪ ،‬كلقبكه بأكصاؼ اآللية‪ ،‬ثـ صنعكا لو تمثاالن‪ ،‬كىكذا انتقؿ ىذا الشرؾ كعبادة‬
‫األصناـ إلى ىؤالء الشيداء المحمييف‪ ،‬كلـ ينتو ىذا القرف حتى عمت فييـ عبادة الشيداء‬
‫أف األكلياء يحممكف صفات األلكىية‪ ،‬كصار ىؤالء‬ ‫كاألكلياء‪ ،‬كتككنت عقيدة جديدة‪ ،‬كىي ٌ‬
‫طا بيف هللا كاإلنساف‪ ،‬كغيرت أسماء األعياد الكثنية بأسماء جديدة‪،‬‬
‫األكلياء كالقديسكف خمقنا كس ن‬
‫حتى تحكؿ في عاـ ََْ ميبلدم عيد الشمس القديـ إلى عيد ميبلد المسيح"‬
‫كجاء القرف السادس المسيحي‪ ،‬كالحرب قائمة عمى قدـ كساؽ بيف نصارل الشاـ كالعراؽ‪،‬‬
‫كبيف نصارل مصر حكؿ حقيقة المسيح كطبيعتو‪ ،‬تحكلت المدارس كالكنائس كالبيكت‪،‬‬

‫‪-45- 45‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫معسكرات متنافسة يكفر بعضيا بعضان‪ ،‬كيقتؿ بعضيا بعضان كأنيا حرب بيف دينيف متنافسيف‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫أك أمتيف متحاربتيف"‪.‬‬
‫الحالة الجتماعية والسياسية لمعالم قبل اإلسالم‪:‬‬
‫أولً‪ :‬اإلمبراطورية الرومانية الشرقية "البيزنطية"‪:‬‬
‫ىذه اإلمبراطكرية كانت تحكـ معظـ حكر البحر األبيض المتكسط حيث خضع لسمطانيا‬
‫كؿ مف اليكناف كالبمقاف‪ ،‬كآسيا الصغرل‪ ،‬كسكريا كفمسطيف‪ ،‬كمصر‪ ،‬ككؿ شماؿ أفريقيا‪.‬‬
‫ازدادت فييا اإلتاكات كتضاعفت الضرائب‪ ،‬حتى أصبح أىؿ الببلد يفضمكف عمى حككمتيـ‬
‫كؿ حككمة أجنبية‪ ،‬كحدثت اضطرابات كثكرات في إثر ثكرات‪ ،‬كقد ىمؾ في اضطراب كاحد‬
‫عاـ ِّٓـ ثبلثكف ألؼ شخص في القسطنطينية عاصمة المممكة‪.‬‬
‫كاف ىناؾ تناقض ىائؿ في الحياة االجتماعية لمبيزنطييف‪ ،‬ففي الكقت الذم حرص كثي انر‬
‫فريؽ مف الناس نحك التعمؽ في األبحاث الدينية‪ ،‬كانتشرت بينيـ الرىبانية‪ ،‬حرص آخركف‬
‫عمى الميك كالترؼ كالطرب‪ ،‬كحتى الجنكف‪ ،‬كفي ذلؾ العيد كانت الرياضيات المميتة التي‬
‫يميك برؤيتيا عشرات اآلالؼ مف الناس‪.‬‬
‫أما الحكاـ فكانكا عناكيف لمفساد كاالستبداد السياسي‪ ،‬كانتشر االضطياد الديني عمى نطاؽ‬
‫كاسع‪ ،‬كأكبر مثاليف عمى ذلؾ كاف حكـ البيزنطييف لسكريا كمصر‪ ،‬اتخذتا شاةن حمكبان ليـ‪،‬‬
‫حتى كاف الكاحد ربما يبيع أكالده ليكفي ما عمى مف إتاكات‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإلمبراطورية اإليرانية‪:‬‬
‫سبؽ الحديث في عقائد ببلد الفرس أنيا تأرجحت بيف الثانكية كالمانكية كالمزدكية‪ ،‬كيؼ‬
‫انتشرت ىذه المعتقدات في إيراف كىي متناقضة كمتعارضة تمامان‪ ،‬فقد ظير أف إيراف لدييا‬
‫استعداد عجيب دائمان لقبكؿ الدعكات المتطرفة المغالية‪ ،‬تتأرجح بيف أبيقكرية جامحة‪ ،‬كتنسؾ‬
‫مغاؿ حينان‪ ،‬كبيف احتكار سبللي‪ ،‬أك طبقي‪ ،‬أك ديني‪ ،‬كشيكعية متطرفة كفكضكية مطمقان حينان‬
‫آخر‪.‬‬
‫لذا كانت أحكاؿ ىذه اإلمبراطكرية سيء لمغالية سياسيان تحكميا في القرف السادس الممكؾ‬
‫الساسانيكف‪ ،‬يركف أنفسيـ فكؽ البشر‪ ،‬ككذلؾ يجب أف يراىـ الناس‪.‬‬

‫(ُ) انظر السيرة النبكية ألبي الحسف الندكم – المقدمة صُٗ‪.ِٖ-‬‬

‫‪-46-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫مكارد الببلد كميا مسخرة لرفاىية ىؤالء الحكاـ المتألييف عمى الناس‪ ،‬كاف ذلؾ كاضح في‬
‫المتأمؿ في قصكرىـ كما اشتممت عميو مف ثركات‪ ،‬ككنكز كتحؼ كمتاع‪....‬‬
‫كالشعب في بؤس كشقاء‪ ،‬كضرائب كاتاكات كفكؽ كؿ ىذا استعباد‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اليند‪:‬‬
‫في مستيؿ القرف السادس الميبلدم بمغت اليند أحط أدكارىا ديانة كخمقان كاجتماعان‪ ،‬إذ‬
‫انتشرت الخبلعة حتى في المعابد‪ ،‬ألف دينيـ أضفى عمى المجكف قداسة‪ ،‬ككانت المرأة ال‬
‫قيمة ليا‪ ،‬كقد يخسر الرجؿ امرأتو في لعبة قمار‪ ،‬كانتشرت بيف الناس خاصة الطبقات الشريفة‬
‫عادة إحراؽ األرامؿ نفكسيف عمى كفاة أزكاجيف‪.‬‬
‫كامتازت اليند دكف األمـ بالتفاكت الفاحش بيف طبقات المجتمع‪ ،‬ككانت ىذه الطبقات عمى‬
‫النحك اآلتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البراىمة‪ :‬كىـ طبقة الكينة كرجاؿ الديف‪ ،‬كىؤالء يزعمكف أنيـ مخمكقيف مف رأس اإللو‬
‫براىما‪ ،‬كلذلؾ ىـ خبلصة البشر كعقمو المفكر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬شترا‪ :‬كتعنى القكة‪ ،‬كىـ طبقة المحاربيف كالجند كالقكاد‪ ،‬كيزعمكف أنيـ خمقكا مف‬
‫ذراعي اإللو براىما‪ ،‬كىـ يأتكف في الدرجة الثانية بعد البراىمة‪.‬‬
‫ت ‪ -‬كيش‪ :‬كتعنى الجاه كالغنى كالماؿ كىـ طبقة الزراع كالتجار‪ ،‬كيزعمكف أنيـ خمقكا مف‬
‫ركبتي اإللو براىما‪ ،‬كلذا ىـ في الدرجة الثالثة مف المجتمع‪.‬‬
‫ث ‪ -‬شكدر‪ :‬كىـ طبقة المنبكذيف الذيف خمقكا مف قدـ اإللو كىـ الخدـ‪ ،‬كفي اعتقادىـ أف‬
‫ىذه الطائفة خمقت لخدمة الطكائؼ الثبلثة الماضية‪ ،‬كليس ليا أف تنظر أك تكمـ أك تجمس أك‬
‫تأكؿ مع تمؾ الطبقات‪ .‬كليس ليـ أف يقتنكا الماؿ‪ ،‬أك يدخركا‪.‬‬
‫لقد كاف ىذا التقسيـ الطائفي كالعرقي متغمغان في نفكس الينكد إلى حد بعيد جدان‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬البكذية‪ :‬ظيرت ىذه الحركة في اليند في القرف الخامس قبؿ الميبلد‪ ،‬ككاف مف أىـ‬
‫مبادئيا التصكؼ كنبذ الترؼ‪ ،‬كما نادت بالتسامح كالمساكاة بيف الناس‪ ،‬غير أف ىذه المبادئ‬
‫حرفت بعد كفاة زعيميا (مدىارتا جكتاما) الممقب ب (بكذا)‪ ،‬أما أىـ عقائدىـ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أف بكذا ابف هللا ‪ -‬سبحانو ‪ -‬كىك المخمص لمبشرية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يعتقدكف أف بكذا سيدخميـ الجنة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يعتقدكف رجعتو ثانية لينشر في األرض السبلـ‪.‬‬

‫‪-47- 47‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫رابعاً العرب‪:‬‬
‫تقدست في العرب أصالة النسب‪ ،‬كنقاء المعدف‪ ،‬ككانكا يدرككف انتماءىـ الكثيؽ بإبراىيـ‬
‫كاسماعيؿ عمييما السبلـ‪ ،‬غير َّ‬
‫أف تباعد الزماف بينيـ كبيف إبراىيـ كاسماعيؿ ردىـ إلى ضبلؿ‬
‫الجاىمية‪ ،‬كأفقدىـ الكثير مف تعاليـ الديف الحنيؼ الذم بقيت منو أمكر سطحية كتعظيـ البيت‬
‫الحراـ‪ ،‬كالطكاؼ بو‪ ،‬كالحج كالعمرة‪ ،‬مع ما دخؿ ىذه الطقكس مف تحريفات كثيرة كالتصفيؽ‬
‫كالتصفير حاؿ الطكاؼ‪ ،‬أك الطكاؼ عرايا عند بعضيـ‪ ،‬كلـ يبؽ عمى ديف إبراىيـ أحنافان غير‬
‫قمة قميمة ال تتجاكز أصابع اليد أمثاؿ كرقة بف نكفؿ‪ ،‬كقس بف ساعدة‪.‬‬
‫أما أخبلؽ العرب فقد ساءت‪ ،‬أكلعكا بالخمر كالقمار‪ ،‬كبمغت بيـ القساكة إلى كأد البنات‪،‬‬
‫كشاعت فييـ الغارة كقطع الطريؽ‪ ،‬كسقطت فييـ مكانة المرأة‪ ،‬فبل رأم ليا يسمع‪ ،‬كال ترث‪،‬‬
‫بؿ تكرث كما يكرث المتاع‪.‬‬
‫كعبل فييـ عصبية الجاىمية لمقبيمة‪ ،‬كأريقت الدماء ألتفو األسباب‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬أوروبا‪:‬‬
‫عاشت األمـ األكربية في القرف الخامس الميبلدم ظبلمان دامسان مف الجيؿ كالتخمؼ‪،‬‬
‫كانتشرت فييـ اليمجية‪ ،‬كالدمار كالخراب‪ ،‬جمدت فييـ القرائح‪ ،‬فمـ ألصحاب الفكر مكاف‬
‫امتدت ىذه الحاؿ في القرف السادس الميبلدم‪ ،‬قبيؿ مبعث رسكؿ هللا ‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫فساد سياسي كاجتماعي كبير‪ ،‬ظبلـ مطبؽ كيأس قاتؿ‬
‫** بعد ىذا االستعراض لتصكرات الجاىمية عمى اختبلؼ أصنافيا كأجناسيا‪ ،‬استطاعت‬
‫رسالة التكحيد أف تخرج الناس مف عبادة أشخاص كأكثاف كمخمكقات كالشمس كالقمر كالنار‬
‫كالنكر… إلى عبادة هللا كحده‪ ،‬لقد ارتقى اإلسبلـ باإلنسانية إلى العبادة التي تحفظ عمى‬
‫اإلنساف كرامتو‪ ،‬كعقمو كتكجيو إلى الطريؽ الصحيح بدالن مف طريؽ الخرافة كاألسطكرة‪.‬‬
‫كصدؽ ربعي بف عامر رحمو هللا تعالى عندما قاؿ لرستـ قائد جيش الفرس‪:‬‬
‫(كهللاي جاء بنا لنخرج مف شاء مف عبادة العباد إلى عبادة هللا‪ ،‬كمف ضيؽ الدنيا إلى‬
‫سعتيا‪ ،‬كمف جكر األدياف إلى عدؿ اإلسبلـ‪ ،‬فأرسمنا بدينو إلى خمقو‪ .‬فمف قبؿ منا ذلؾ‪ ،‬قبمنا‬

‫(ُ) انظر حقبة ما قبؿ اإلسبلـ‪ :‬السيرة النبكية ألبي الحسف الندكم – المقدمة صُٗ‪ ْْ-‬بتصرؼ‪.‬‬

‫‪-48-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ذلؾ منو كرجعنا عنو كتركناه كأرضو يمييا دكننا‪ ،‬كمف أبى قاتمناه أبدان حتى ينفضي إلى مكعكد‬
‫هللا‪ .‬قاؿ‪ :‬كما مكعكد هللا؟ قاؿ‪ :‬الجنة لمف مات عمى قتاؿ مف أبى‪ ،‬كالظفر لمف بقي)(ُ)‪.‬‬
‫أف نستحضر في أذىاننا شيئان مف ممارسات العقؿ في‬ ‫قاؿ د‪ .‬عماد الديف خميؿ‪َّ :‬‬
‫"فإف لنا ٍ‬
‫الجاىمية‪ ،‬كطرائؽ إدراكو لمعالـ‪ ،‬كصيغ تعاممو مع ما تصكره القكل التي تييمف عميو كتسيره‪،‬‬
‫(ِ)‬
‫كنقارف ىذا بالمصاؼ الذم احتمو العقؿ المسمـ بعد إعادة تشكيمو باالعتقاد الجديد"‬
‫أىم القواعد العقائدية التي رسخيا اإلسالم في عقول الناس‪:‬‬
‫ند لو‪،‬كال‬ ‫ُ ‪ -‬تكحيد هللا سبحانو بأسمائو كصفاتو‪:‬هللا كاحد ال إلو إال ىك‪،‬ال شريؾ لو‪،‬كال ٌ‬
‫مثيؿ لو في قدرتو كفعمو‪ ،‬كال كالد لو كال كالد‪.‬‬
‫ىح هد‪‬‬ ‫ً‬
‫*كلى ٍـ ىي يك ٍف لىوي يكفي نكا أ ى‬
‫الص ىمد *لى ٍـ ىيم ٍد ىكلى ٍـ ييكلى ٍد ى‬
‫*اَّللي َّ‬ ‫ىح هد َّ‬ ‫اَّللي أ ى‬
‫قاؿ تعالى‪  :‬يق ٍؿ يى ىك َّ‬
‫ص يير‪ ‬الشكرل اآلية ُُ‪.‬‬ ‫الس ًميع الب ً‬ ‫ً ًً‬
‫اإلخبلص ُ‪ ْ-‬كقاؿ سبحانو‪ :‬لى ٍي ىس ىكم ٍثمو ىش ٍي هء ىك يى ىك َّ ي ى‬
‫كلقد أبطؿ اإلسبلـ بالدليؿ كالبرىاف العقمي قضية تعدد اآللية في الكثير مف آم القرآف‬
‫ش‬‫كف إً نذا الى ٍبتى ىغ ٍكا إًلىى ًذم اٍل ىع ٍر ً‬ ‫ً‬
‫اف ىم ىعوي آليىةه ىك ىما ىيقيكلي ى‬ ‫الكريـ كمف ذلؾ قكلو تعالى ‪ ‬يق ٍؿ لى ٍك ىك ى‬
‫اف‬
‫ير‪ ‬اإلسراء اآلية ِْ – ْْ‪ ،‬كقاؿ‪ :‬لى ٍك ىك ى‬ ‫كف يعمي ِّكا ىكبً نا‬ ‫ىسبًيبلن ي‬
‫*س ٍب ىح ىانوي ىكتى ىعالىى ىع َّما ىيقيكلي ى‬
‫ً‬ ‫اَّلل لىفىسدتىا فىسبحاف ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬األنبياء اآلية ِِ‪.‬‬ ‫ش ىع َّما ىيصفي ى‬ ‫ب اٍل ىع ٍر ً‬‫اَّلل ىر ًٌ‬ ‫في ًي ىما آليىةه ًإالٌ َّي ى ى ي ٍ ى ى‬
‫ألف ما‬ ‫كما بيف القرآف الكريـ أف هللا سبحانو ليس بحاجة إلى كاسطة بينو كبيف عباده‪َّ ،‬‬
‫يعتقدكنو أنو يقربيـ إلى هللا سبحانو‪ ،‬ىـ أضعؼ مف ذلؾ بكثير‪ ،‬كهللا سبحانو بحكلو كقكتو‬
‫غير محتاج إلى كاسطة مف أحد قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫كف ًَّ‬ ‫كف ًم ٍف يد ً‬ ‫ًَّ‬ ‫الناس ض ًرب مثىؿ فى ً‬
‫يذ ىب نابا ىكلى ٍك‬ ‫اَّلل لى ٍف ىي ٍخميقيكا‬ ‫استىم يعكا لىوي إً َّف الذ ى‬
‫يف تى ٍد يع ى‬ ‫‪‬يا أييا َّ ي ي ى ى ه ٍ‬
‫اَّلل‬ ‫الذباب ىشينئا الى يستى ًنق يذكه ًم ٍنو ضع ى َّ ً‬ ‫ُّ‬
‫قى ىد يركا َّى‬ ‫كب * ىما‬ ‫طمي ي‬ ‫ب ىكاٍل ىم ٍ‬
‫ؼ الطال ي‬ ‫ي ي ىي‬ ‫ىٍ‬ ‫ًف ىي ٍسميٍبيي ٍـ ى ي ٍ‬ ‫اجتى ىم يعكا لىوي ىكا ٍ‬
‫ٍ‬
‫م ىع ًز هيز‪ ‬الحج اآلية ّٕ– ْٕ‬ ‫ؽ قى ٍد ًرًه إً َّف َّ‬
‫اَّللى لىقى ًك ّّ‬ ‫ىح َّ‬
‫كما أف العباد غير محتاجيف إلى مخمكؽ يقربيـ مف ربيـ‪ ،‬فما عمييـ إال أف يدعكه‪،‬‬
‫اع إً ىذا‬ ‫يب ىد ٍع ىكةى َّ‬
‫الد ً‬ ‫كيتقربكا إليو بطاعتو قاؿ سبحانو‪ :‬كًا ىذا ىسأىلى ىؾ ًعب ًادم ىعٌنًي فىًإٌنًي قى ًر ه ً‬
‫يب أيج ي‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ُٖٔ‪.‬‬ ‫اف ىفٍم ىي ٍستى ًج ييبكا ل ىي كٍليي ٍؤ ًمينكا بًي لى ىعميي ٍـ ىي ٍريش يد ى‬
‫ىد ىع ً‬

‫(ُ) أخرجو الطبرم في تاريخو ِ‪.َُْ/‬‬


‫(ِ) انظر كتاب تشكيؿ العقؿ المسمـ ص ْٖ‪.‬‬

‫‪-49- 49‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فيك منيـ قريب سميع مجيب عميـ بذات الصدكر‪ ،‬كىك يعمـ السر كأخفى كفي ذلؾ يقكؿ‬
‫كف ًم ٍف ىن ٍج ىكل ثىبلىثى وة إًالٌ‬ ‫ات ك ىما ًفي األ ٍىر ً‬ ‫اَّلل يعمىـ ما ًفي َّ ً‬ ‫سبحانو‪ :‬أىلى ٍـ تىىر أ َّ‬
‫ض ىما ىي يك ي‬ ‫الس ىم ىاك ى‬ ‫ىف َّى ى ٍ ي ى‬
‫يى ىك ىاربً يعيي ٍـ ىكالى ىخ ٍم ىس وة إًالٌ يى ىك ىس ًاد يسيي ٍـ ىكالى أ ٍىد ىنى ًم ٍف ىذلً ىؾ ىكالى أى ٍكثىىر إًالٌ يى ىك ىم ىعيي ٍـ أ ٍىي ىف ىما ىك يانكا ثيَّـ‬
‫و ً‬ ‫ي ىنبًيئيـ بًما ىع ًمميكا يكـ اٍل ًقيام ًة إً َّف َّ ً‬
‫يـ‪ ‬المجادلة اآلية ٕ‬ ‫اَّللى بً يك ٌؿ ىش ٍيء ىعم ه‬ ‫ىٍ ى ى ى‬ ‫ي ٌ يٍ ى‬
‫ِ ‪ -‬تكحيد الربكبية كاأللكىية‪ :‬فكؿ ما في الككف مف مخمكؽ فا﵀ خالقو‪ ،‬ال خالؽ سكاه‪،‬‬
‫األرض كالبحار كالجباؿ كاألشجار كالنباتات كالحيكاف كاإلنساف … الخ هللا خالقو‪ ،‬فيك رب كؿ‬
‫رب سكاه‪ ،‬كهللا سبحانو ىك المحيي كىك المميت‪ ،‬كالنافع كالضار كالمجيب كالمعطي‬ ‫شيء‪ ،‬ال ٌ‬
‫كالمانع‪ ،‬لو األمر كالنيي‪ .‬قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫ً‬
‫اَّلل يريزقي يكـ ًمف َّ ً‬
‫اء كاأل ٍىر ً‬ ‫الناس ا ٍذ يكركا نًعمةى ًَّ‬
‫اَّلل ىعمى ٍي يك ٍـ ىى ٍؿ ًم ٍف ىخالً و‬
‫ض‬ ‫الس ىم ى‬ ‫ؽ ىغ ٍي ير َّ ى ٍ ٍ ٍ‬ ‫ي ٍى‬ ‫‪‬يا أييا َّ ي‬
‫كف‪ ‬فاطر اآلية ّ‪.‬‬ ‫الى إًلىوى إًالٌ يى ىك فىأىنَّى تي ٍؤفى يك ى‬
‫يف‪ ‬األعراؼ اآلية ْٓ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ب اٍل ىعالىم ى‬
‫اَّللي ىر ُّ‬
‫ؾ َّ‬ ‫ؽ ىكاأل ٍىم ير تىىب ىار ى‬
‫‪ ‬أىالى لىوي الخٍم ي‬
‫يؿ‪ ‬األنعاـ‬ ‫و ً‬ ‫ً‬ ‫ؽ يك ًٌؿ ىش ٍي وء فى ٍ‬‫ال ًإلى ىو إًالٌ يى ىك ىخالً ي‬ ‫‪ ‬ىذًل يك ٍـ َّ‬
‫اعيب يدكهي ىك يى ىك ىعمىى يك ٌؿ ىش ٍيء ىكك ه‬ ‫ُّك ٍـ ى‬
‫اَّللي ىرب ي‬
‫اآليةَُِ‬
‫كقد كانت العرب‪ ،‬ككذلؾ بعض األمـ ‪ -‬كما سبؽ الحديث عنيـ ‪ -‬يعترفكف َّ‬
‫بأف هللا‬
‫سبحانو ىك الخالؽ األعظـ غير َّأنيـ كانكا يشرككف مع هللا تعالى في العبادة غيره‪ ،‬ككانكا‬
‫بأف لو كلد‪ ،‬كقكليـ المبلئكة بنات هللا‪ .‬سبحانو كتعالى‬
‫ينسبكف إليو ما يتنزه عنو سبحانو كقكلو ٌ‬
‫عف ذلؾ عمكان كبي انر‪.‬‬
‫كيترتب عمى تكحيد الربكبية‪ ،‬تكحيد األلكىية‪ :‬كىك إفراده سبحانو بالعبادة‪ ،‬فيك كحده‬
‫ً‬
‫يف‪ ‬الفاتحة اآلية ْ‬ ‫َّاؾ ىن ٍستىع ي‬ ‫المستحؽ ليا‪ ،‬كال معبكد سكاه قاؿ سبحانو‪ :‬إًي ى‬
‫َّاؾ ىن ٍعيب يد ىكاًي ى‬
‫ت إً نذا ىك ىما أ ىىنا‬ ‫كف ًَّ‬ ‫كف ًم ٍف يد ً‬ ‫ًَّ‬ ‫ً‬
‫ضمىٍم ي‬
‫اء يك ٍـ قى ٍد ى‬ ‫اَّلل يق ٍؿ الى أىتَّبًعي أ ٍ‬
‫ىى ىك ى‬ ‫يف تى ٍد يع ى‬
‫ىعيب ىد الذ ى‬
‫ىف أ ٍ‬ ‫‪ ‬يق ٍؿ إًٌني ين ًي ي‬
‫يت أ ٍ‬
‫ىف‬ ‫الديف * كأ ً‬ ‫ً‬ ‫ىعبد َّ ً‬ ‫ًمف اٍلميتىًديف‪‬األنعاـ اآلية ٔٓ‪  ،‬يقؿ إًٌنًي أ ً‬
‫ت أل ٍ‬ ‫يم ٍر ي‬ ‫صا لىوي ٌ ى ى‬ ‫اَّللى يم ٍخم ن‬ ‫ىف أ ٍ ي ى‬ ‫ت أٍ‬ ‫يم ٍر ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ يٍ ى‬
‫يف‪ ‬الزمر اآلية ُُ ‪ُِ -‬‬ ‫ًً‬
‫كف أى َّك ىؿ اٍل يم ٍسمم ى‬
‫ىك ى‬
‫أي‬
‫الرسالت السماوية‪ :‬طالت يد التحريؼ كاالنحراؼ أكثر رسالتيف سابقتيف تابعان‪ ،‬كأصبحتا‬
‫ىدفان لمعابثيف‪ ،‬كدعاة الكثنية كالتجسيد كالحمكؿ‪ ،‬مما استمزـ رسالة سماكية خاتمة تصحح‬
‫االنحراؼ‪ ،‬كترجع البشرية إلى جادة الصكاب‪.‬‬

‫‪-50-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أولً الييودية‪ :‬أنزؿ هللا سبحانو عمى رسكلو مكسى عميو السبلـ كتاب التكراة كىي كممة‬
‫كر ىي ٍح يك يـ بًيىا‬ ‫ً‬ ‫عبرية تعني الشريعة أك التعميـ‪ ،‬قاؿ سبحانو‪ :‬إًَّنا أ ى‬
‫ىنزٍل ىنا التَّ ٍكىراةى فييىا يى ندل ىكين ه‬
‫اب ًَّ‬
‫اَّلل ىك ىك يانكا ىعمى ٍي ًو‬ ‫استي ٍح ًفظيكا ًم ٍف ًكتى ً‬ ‫النبًيُّكف الًَّذيف أىسمىمكا لًمًَّذيف ىادكا ك َّ ً‬
‫ىح ىب يار بً ىما ٍ‬ ‫ُّكف ىكاأل ٍ‬
‫الربَّاني ى‬ ‫ى ىي ى‬ ‫ى ٍ ي‬ ‫َّ ى‬
‫اء‪ ‬المائدة اآلية ْْ‪.‬‬ ‫يشيى ىد ى‬
‫بيد أف التكراة التي في أيدم الييكد اليكـ ليست تمؾ التي نزلت عمى مكسى عميو السبلـ‪،‬‬
‫ألنيـ ما فتئكا مف يكـ أف قيبض مكسى عميو السبلـ تغيي انر كتحريفان كزيادة كحذفان في التكراة قاؿ‬
‫كنوي ًم ٍف ىب ٍعًد‬ ‫يؽ ًم ٍنيـ يسمعكف ىكبلىـ ًَّ‬
‫اَّلل ثيَّـ يي ىح ًٌرفي ى‬ ‫ى‬ ‫ىف يي ٍؤ ًمينكا لى يك ٍـ ىكقى ٍد ىك ى‬
‫اف فى ًر ه ي ٍ ى ٍ ى ي ى‬ ‫كف أ ٍ‬
‫ط ىم يع ى‬
‫تعالى‪ :‬أىفىتى ٍ‬
‫اض ًع ًو‪ ‬النساء‬ ‫ما ع ىقميكه كىـ يعىممكف‪ ‬البقرة اآلية ٕٓ‪ً  ،‬مف الًَّذيف ىادكا يح ًرفيكف اٍل ىكمًـ عف مك ً‬
‫ى ى ٍ ىى‬ ‫ى ى ي ي ىٌ ى‬ ‫ٍ‬ ‫ى ى ي ى يٍ ى ٍ ي ى‬
‫اآلية ْٔ‬
‫كف ىى ىذا ًم ٍف ًع ٍنًد‬ ‫ً‬
‫اب بًأ ٍىيدي ًي ٍـ ثيَّـ ىيقيكلي ى‬
‫ً‬
‫كف اٍلكتى ى‬
‫يف ىي ٍكتييب ى‬
‫ًًَّ‬
‫كقد تكعدىـ هللا سبحانو فقاؿ‪ :‬فى ىكٍي هؿ لمذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآليةٕٗ‬ ‫اَّلل لً ىي ٍشتىيركا بً ًو ثى ىمننا ىقمًيبلن فى ىكٍي هؿ لىيي ٍـ ًم َّما ىكتىىب ٍ‬
‫ت أ ٍىيدي ًي ٍـ ىكىكٍي هؿ لىيي ٍـ م َّما ىي ٍكسيب ى‬
‫أما األدلة عمى التحريؼ كالتبديؿ التي طالت التكراة فكثيرة نذكر منيا‪:‬‬
‫الرب سبحانو وتعالى في عقيدة ييود‪:‬‬
‫أ ‪ " -‬كقاؿ هللا‪ :‬ليكف نكر‪ ،‬فكاف نكر‪ ،‬ك رأل هللا النكر أنو حسف"‪ .‬سفر التككيف صّ‪.‬‬
‫فيؿ هللا سبحانو لـ يعرؼ فضؿ النكر عمى الظممة ‪ -‬كىك خالقيما ‪ -‬حتى يراىما؟!!‬
‫ب ‪ -‬سفر التككيف صْ‪":‬كفرغ هللا في اليكـ السابع مف عممو الذم عمؿ‪،‬فاستراح في اليكـ‬
‫كم ٍف قيكـ‬
‫السابع مف جميع عممو الذم عمؿ"‪ .‬ىؿ الرب كخمقو يعمؿ فيتعب كيستريح‪ ،‬ى‬
‫السماكات كاألرض سكاه؟!!‬
‫ت ‪ -‬جاء في سفر التككيف صّٓ أف الرب سبحانو يصارعو يعقكب فيصرعو كال‬
‫يستطيع الفكاؾ منو مف الميؿ حتى طمكع الفجر!! حتى قاؿ الرب ليعقكب‪" :‬أطمقني ألنو قد‬
‫طمع الفجر‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ال أطمقؾ حتى تباركني‪ ،‬فسألو ما اسمؾ؟ فقاؿ‪ :‬يعقكب‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ال يدعى‬
‫بعد يعقكب‪ ،‬بؿ إسرائيؿ"‪.‬‬
‫اسمؾ في ما ي‬
‫ث ‪ -‬جاء في سفر التككيف صَُ أف الرب ً‬
‫أسؼ ألنو خمؽ آدـ كمف عمى األرض قاؿ‪" :‬‬
‫فحزف الرب أنو عمؿ اإلنساف في األرض‪ ،‬كتأسؼ في قمبو فقاؿ الرب‪" :‬أمحك عف كجو‬
‫األرض اإلنساف الذم خمقتو‪ ،‬اإلنساف مع بيائـ كدبابات كطيكر السماء‪ ،‬ألني حزنت أني‬
‫عممتيـ"‪.‬‬

‫‪-53- 51‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫* األنبياء في عقيدة ييود‪ :‬األنبياء في عقيدتيـ كذابكف مخادعكف زناة سكارل‪ ..‬كاليؾ‬
‫بعض افتراءاتيـ فيما حرفكا مف التكراة‪:‬‬
‫كتعرل‬
‫أ ‪ -‬قالكا في نكح‪" :‬كابتدأ نكح يككف فبلحان كغرس كرمان‪ ،‬كشرب مف الخمر فسكر ٌ‬
‫داخؿ خبائو"‪ .‬سفر التككيف صُْ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قالكا في لكط‪" :‬كصعد لكط مف صكعر كسكف الجبؿ‪ ،‬كابنتاه معو‪ ،‬ألنو خاؼ أف‬
‫يسكف في صكعر‪ ،‬فسكف المغارة ىك كابنتاه‪ ،‬كقالت البكر لمصغيرة‪ :‬أبكنا قد شاخ كليس في‬
‫األرض رجؿ ليدخؿ عمينا كعادة كؿ األرض‪ ،‬ىمـ نسقي أبانا خم انر كنضطجع معو‪ ،‬فنحيي مف‬
‫أبينا نسبلن‪ ،‬فسقتا أباىما خم انر في تمؾ الميمة‪ ،‬كدخمت البكر كاضطجعت مع أبييا‪ ،‬كلـ يعمـ‬
‫باضطجاعيا كال بقياميا‪ "..‬سفر التككيف صِٖ‪.‬‬
‫ث ‪ -‬قالكا في داكد‪":‬ككاف في كقت المساء أف داكد قاـ عف سريره كتمشى عمى سطح بيت‬
‫الممؾ‪ ،‬فرأل مف عمى السطح امرأة تستحـ‪ ،‬ككانت جميمة المنظر جدان‪ ،‬فأرسؿ داكد كسأؿ عف‬
‫المرأة‪ ،‬فقاؿ كاحد‪ :‬ىذه بثشبع بنت أليعاـ امرأة أكريا الحثًي‪ ،‬فأرسؿ داكد رسبلن كأخذىا‪ ،‬فدخمت‬
‫إليو كاضطجع معيا كىي مطيرة مف طمثيا‪ ،‬ثـ رجعت إلى بيتيا‪ ،‬كحممت المرأة فأرسمت‬
‫كأخبرت داكد كقالت إني حبمى‪ "..‬سفر صمكئيؿ الثاني صَْٖ‪ ،ِْٖ -‬كتماـ القصة أف‬
‫غرر بزكجيا فأمر قكاده بأف يجعمكه في كجو العدك ثـ يتأخركا عنو حتى يقتؿ‪ ،‬ففعمكا‪،‬‬
‫داكد َّ‬
‫كمف ثىَّـ ضـ زكجة قائده إليو‪ ،‬ككلدت لو كما يزعمكف سميماف عميو السبلـ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬النصرانية‪ :‬أرسؿ الحؽ سبحانو عيسى عميو السبلـ إلى بني إسرائيؿ مصدقان لشريعة‬
‫مكسى عميو السبلـ‪ ،‬كلتخفيؼ بعض قيكد شريعة التكراة‪ ،‬كأنزؿ عميو اإلنجيؿ‪ ،‬كىي لفظ‬
‫صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف‬
‫يسى ٍاب ًف ىم ٍرىي ىـ يم ى‬
‫ً‬
‫يكناني معناه‪( :‬البشرل) قاؿ سبحانو‪  :‬ىكقىفٍَّي ىنا ىعمىى آثى ًارًى ٍـ بًع ى‬
‫صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف ىي ىد ٍي ًو ًم ٍف التَّ ٍكىرًاة ىك يى ندل ىك ىم ٍك ًعظىةن‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ىي ىد ٍيو م ٍف التَّ ٍكىراة ىكآتىٍي ىناهي ٍاإلنجيؿ فيو يى ندل ىكين ه‬
‫كر ىك يم ى‬
‫ً ً‬
‫يف‪ ‬المائدة اآلية ْٔ‪.‬‬ ‫لٍم يمتَّق ى‬
‫أف التحريؼ طاؿ اإلنجيؿ بعد رفع عيسى عميو السبلـ‪ ،‬كاضطياد أتباعو‪ ،‬كضياع‬ ‫غير ٌ‬
‫اإلنجيؿ‪ ،‬كبعد اعتناؽ اإلمبراطكر الركماني قسطنطيف األكؿ سنة ُِّـ‪ ،‬ككاف قبؿ ذلؾ‬
‫فكتبت أناجيؿ كثيرة‪ ،‬حتى قالكا بمغت حكالي السبعيف‪،‬‬
‫كثنيان‪ ،‬كبدأت كتابة اإلنجيؿ مف الذاكرة‪ ،‬ي‬
‫كؿ كاتب يدعي أف ما كتب ىك الصحيح‪ ،‬إلى أف اجتمعكا في مجمع (نيفيو) سنةِّٓـ‪،‬‬

‫‪-51-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫فاعترفكا فيو بأربعة أناجيؿ كىي‪ :‬إنجيؿ متى‪ ،‬كانجيؿ مرقص‪ ،‬كانجيؿ لكقا‪ ،‬كانجيؿ يكحنا‪.‬‬
‫كأيحرقت باقي الكتب‪.‬‬
‫أف األناجيؿ المكجكدة ليست مف إمبلء المسيح‪ ،‬كفييا قصصان كثيرة بعد‬ ‫نخمص مما تقدـ ٌ‬
‫أف رفع هللا سبحانو عيسى إليو‪ ،‬كىي كذلؾ مميئة بالتناقضات كاالفتراءات قاؿ تعالى‪  :‬ىك ًم ٍف‬ ‫ٍ‬
‫ىخ ٍذ ىنا ًميثىاقىيي ٍـ فىىن يسكا ىحظِّا ًم َّما يذ ًٌك يركا بً ًو فىأ ٍ‬ ‫ًَّ‬
‫اء‬
‫ض ى‬ ‫ىغ ىرٍي ىنا ىب ٍي ىنيي ٍـ اٍل ىع ىد ىاكةى ىكاٍل ىب ٍغ ى‬ ‫ص ىارل أ ى‬ ‫يف قىاليكا إًَّنا ىن ى‬ ‫الذ ى‬
‫كف‪ ‬المائدة اآلية ُْ‪.‬‬ ‫ص ىن يع ى‬‫اَّللي بً ىما ىك يانكا ىي ٍ‬
‫ؼ يي ىنٌبًيئيي ٍـ َّ‬‫ام ًة ىك ىس ٍك ى‬ ‫ً ً‬
‫إلىى ىي ٍكـ اٍلق ىي ى‬
‫ً‬
‫كاليؾ بعض أىـ انحرافاتيـ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬جعؿ النصارل عيسى بف مريـ عميو السبلـ‪ ،‬كالممؾ جبريؿ شركاء ﵀ سبحانو في‬
‫ألكىيتو ككحدانيتو‪ ،‬كىك ما أطمقكا عميو األقانيـ الثبلثة‪ ،‬كسمكه كذلؾ كحدانية في تثميث‪،‬‬
‫كتثميث في كحدانية‪.‬‬
‫فداء عف الخميقة‪ ،‬كتكفي انر لمخطيئة التي ارتكبيا آدـ‬
‫ب ‪ -‬اعتقدكا أف المسيح صمب كمات ن‬
‫في معصيتو ربو‪ ،‬كالتي تحمميا أبناؤه مف بعده‪.‬‬
‫إف عيسى بعد صمبو كمكتو دفف‪ ،‬كبعد ثبلثة أياـ مف دفنو تغمب عمى مكتو كقاـ‬
‫ت ‪ -‬قالكا ٌ‬
‫حيث لحؽ بأبيو اآلب‪.‬‬
‫ث ‪ -‬قالكا بأف عيسى ىك الذم سيتكلى الحساب في اآلخرة‪ ،‬ألنو مف جنس البشر‪ ،‬كلذا‬
‫فيك أقدر عمى المحاسبة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬زعمكا أف المسيح ليمة صمبو كزع عمى الحكارييف خب انز كخم انر‪ ،‬فأكمكا منو‪ ،‬كالخبز‬
‫لحمو‪ ،‬كالخمر دمو‪ ،‬كعميو فمف يأكؿ الخبز كيشرب الخمر ليمة الفصح فقد استحاؿ فيو‬
‫المسيح‪.‬‬
‫ح ‪ -‬اإلنجيؿ "العيد الجديد" امتداد لمتكراة‪ ،‬كليذا ما يؤخذ عمى الييكد في نظرتيـ لؤلنبياء‪،‬‬
‫تؤخذ كذلؾ عمى النصارل ألف التكراة بالنسبة لممسيحييف تعتبر أسفار العيد القديـ‪.‬‬
‫كمما جاء في إنجيؿ يكحنا عف األنبياء اإلصحاح العاشر ٕ‪ ٖ-‬صُٔٔ‪:‬‬
‫"فقاؿ ليـ يسكع أيضان الحؽ الحؽ أقكؿ لكـ إني أنا باب الخراؼ‪ ،‬جميع الذيف أتكا قبمي ىـ‬
‫سراؽ كلصكص‪ ،‬كلكف الخراؼ لـ تسمع ليـ"‪.‬‬

‫‪-51- 53‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كجاء كذلؾ في إنجيؿ يكحنا‪" :‬كفي اليكـ الثالث كاف عرس في قانا الجميؿ‪ ،‬ككانت أـ يسكع‬
‫كدعي أيضان يسكع كتبلميذه إلى العرس‪ ،‬كلما فرغت الخمر‪ ،‬قالت أـ يسكع لو‪ :‬ليس‬ ‫ىناؾ‪ ،‬ي‬
‫ليـ خمر‪ ،‬قاؿ ليا يسكع‪ :‬مالي كلؾ يا امرأة لـ تأتي ساعتي بعد"‪.‬‬
‫األدلة العممية عمى تحريف التوراة واإلنجيل‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬التكراة كاإلنجيؿ فقدت نسختاىما األصميتاف نتيجة االضطياد الذم لحؽ بأتباع‬
‫الرسالتيف في أكؿ أمرىا‪ ،‬كلـ يبؽ في أيدييـ سكل التراجـ‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬ال يكجد لمتكراة كال لئلنجيؿ سند تاريخي تصح بمكجبو نسبتيما إلى الرسكلىيف‬
‫يميف‪.‬‬
‫الكر ى‬
‫ّ ‪ -‬اختمط في الكتابيف كبلـ البشر مع كبلـ هللا تعالى‪ ،‬مف كبلـ المفسريف‪ ،‬ككتٌاب السير‬
‫كالتاريخ‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬التكراة المتداكلة لدل النصارل تخالؼ التكراة المتداكلة عند الييكد في عدد أسفارىا‪،‬‬
‫كحتى التكراة عند السامرييف ‪ -‬طائفة مف الييكد ‪ -‬تخالؼ التكراة المكجكدة لدل غيرىـ مف‬
‫الييكد‬
‫ٓ ‪ -‬تعددت نسخ األناجيؿ كاختمفت مما ال يدع مكانان لمشؾ أنيا محرفة الستحالة أف يككف‬
‫الرسكؿ قد أنزؿ عميو مف ربو كبلمان مختمفان متدافعان‪ ،‬مما يربأ عف مثمو آحاد الناس‪ ،‬فكيؼ‬
‫بكبلـ رب العباد؟!‬

‫تفنيد القرآن الكريم ألباطيل الييود والنصارى‪:‬‬


‫في مكاطف عديدة مف القرآف الكريـ ناقش عقائد الييكد كالنصارل كبيف كجو الحؽ كأبطؿ‬
‫دعكاىـ فقاؿ سبحانو في نفي عقيدة النصارل في التثميث‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً و‬ ‫و‬ ‫اَّللى ثىالً ي‬ ‫ًَّ‬
‫كف‬ ‫ث ثىبلىثىة ىك ىما م ٍف إًلىو إًالٌ إًلىوه ىكاح هد ىكا ٍ‬
‫ًف لى ٍـ ىينتىييكا ىع َّما ىيقيكلي ى‬ ‫يف قىاليكا إً َّف َّ‬‫‪‬لىقى ٍد ىكفى ىر الذ ى‬
‫يـ‪ ‬المائدة اآلية ّٕ‪.‬‬ ‫لىيم َّس َّف الًَّذيف ىكفىركا ًم ٍنيـ ع ىذ ً‬
‫اب أىل ه‬‫يٍ ى ه‬ ‫ى ي‬ ‫ىى‬
‫يح ٍاب يف ىم ٍرىي ىـ‬ ‫ً‬ ‫يف قىاليكا إً َّف َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫اَّللى يى ىك اٍل ىمس ي‬ ‫كفند ادعاءىـ بأف المسيح ابف هللا فقاؿ‪ :‬لىقى ٍد ىكفى ىر الذ ى‬
‫يمو كمف ًفي األىر ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يقؿ فىمف يممًؾ ًمف ًَّ‬
‫يعا‬
‫ض ىجم ن‬ ‫ٍ‬ ‫يح ٍاب ىف ىم ٍرىي ىـ ىكأ َّ ي ى ى ٍ‬ ‫اَّلل ىش ٍينئا إً ٍف أ ىىر ىاد أ ٍ‬
‫ىف يي ٍيم ىؾ اٍل ىمس ى‬ ‫ٍ ى ٍ ىٍ ي ٍ‬

‫‪-54-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫اَّللي ىعمىى يك ًٌؿ ىشي وء قىًد هير‪ ‬المائدة اآلية‬


‫اء ىك َّ‬
‫ؽ ىما ىي ىش ي‬
‫ض ىك ىما ىب ٍي ىنيي ىما ي ٍخمي ي‬
‫َّلل مٍمؾ َّ ً‬
‫ات كاأل ٍىر ً‬
‫الس ىم ىاك ى‬
‫ًً‬
‫ىك َّ ي ي‬
‫ٍ‬
‫ُٕ‪.‬‬
‫كفي المقابؿ أكد عمى بشرية المسيح عميو السبلـ كأمو كأنيما عبديف مف عباده فقاؿ‪  :‬ىما‬
‫َّ‬ ‫صًٌديقىةه ىك ىانا ىيأ ي‬
‫ٍكبلى ًف الط ىع ى‬
‫اـ انظي ٍر‬ ‫يمو ً‬ ‫ت ًم ٍف قىٍبمً ًو ُّ‬
‫الريس يؿ ىكأ ُّ ي‬ ‫كؿ قى ٍد ىخمى ٍ‬‫يح ٍاب يف ىم ٍرىي ىـ إًالٌ ىريس ه‬
‫ً‬
‫اٍل ىمس ي‬
‫ً‬
‫كف‪ ‬المائدة اآلية ٕٓ‪.‬‬ ‫ؼ ين ىبٌيً يف لىيي ٍـ ى‬
‫اآليات ثيَّـ انظي ٍر أَّىنى يي ٍؤفى يك ى‬ ‫ىك ٍي ى‬
‫أما الييكد فقد أكذبيـ رب العزة بادعائيـ أف عزي انر ابف هللا فقاؿ سبحانو‪:‬‬
‫النصارل اٍلم ًسيح ابف ًَّ‬
‫اَّلل ىذًلؾ قىكلييـ بًأى ٍفك ً‬
‫اى ًي ٍـ‬ ‫ت اٍلييكد ع ىزير ابف ًَّ‬
‫ى ٍ يٍ ى‬ ‫ى ي ٍي‬ ‫ت َّ ى ى‬ ‫اَّلل ىكقىالى ٍ‬ ‫‪ ‬ىكقىالى ٍ ى ي ي ي ٍ ه ٍ ي‬
‫يف ىكفىيركا ًم ٍف قىٍب يؿ قىاتىمىيي ٍـ َّ‬ ‫ًَّ‬ ‫ي ً‬
‫كف‪ ‬التكبة اآلية َّ‪.‬‬‫اَّللي أَّىنى يي ٍؤفى يك ى‬ ‫كف قى ٍك ىؿ الذ ى‬
‫ضاىيئ ى‬
‫ي ى‬
‫أف األنبياء ىـ صفكة هللا مف عباده مبرؤكف مف العيكب التي‬ ‫كما أكد القرآف الكريـ عمى ٌ‬
‫ألحقيا بيـ الييكد كالنصارل‪ ،‬كأنيـ قد بمٌغكا ما كمفيـ بو رب العزة عمى أتـ ما يككف التبميغ‪،‬‬
‫اَّلل اصطىفىى آدـ كينكحا ك ً ً‬
‫آؿ‬
‫يـ ىك ى‬ ‫آؿ إ ٍب ىراى ى‬ ‫ىى ى ن ى ى‬ ‫كلـ يحرفكا أك ينحرفكا أك يبدلكا فقاؿ سبحانو‪ :‬إً َّف َّى ٍ‬
‫يف‪ ‬آؿ عمراف اآلية ّّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اف ىعمىى اٍل ىعالىم ى‬ ‫ع ٍم ىر ى‬
‫آد ىـ ىك ًم َّم ٍف ىح ىمٍم ىنا ىم ىع ينك وح‬ ‫ً‬ ‫النبًيً ً‬ ‫ً‬ ‫ً ًَّ‬
‫يف م ٍف يذ ًٌريَّة ى‬ ‫اَّللي ىعمىٍي ًي ٍـ م ٍف َّ ٌ ى‬ ‫يف أ ٍىن ىع ىـ َّ‬‫كقاؿ تعالى‪ :‬أ ٍيكلىئ ىؾ الذ ى‬
‫اىيـ كا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الر ٍح ىم ًف ىخ ُّركا يسج ن‬
‫َّدا‬ ‫ات َّ‬ ‫يؿ ىك ًم َّم ٍف ىى ىد ٍي ىنا ىك ٍ‬
‫اجتىىب ٍي ىنا إً ىذا تيٍتمىى ىعمىٍي ًي ٍـ ىآي ي‬ ‫ىك ًم ٍف يذ ًٌريَّة إً ٍب ىر ى ى ٍ‬
‫ًس ىرائ ى‬
‫ىكيب ًكيِّا‪ ‬مريـ اآلية ٖٓ‬
‫ؽ لً ىي ٍح يك ىـ‬
‫اب بًاٍل ىح ًٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يمةن ك ً‬
‫ىنز ىؿ ىم ىعيي ٍـ اٍلكتى ى‬ ‫يف ىك يمنذ ًر ى‬
‫يف ىكأ ى‬ ‫يف يم ىب ٌش ًر ى‬ ‫النبًٌيً ى‬
‫اَّللي َّ‬
‫ث َّ‬ ‫اح ىدةن فىىب ىع ى‬ ‫اس أ َّ ى‬ ‫اف َّ‬
‫الن ي‬ ‫‪ ‬ىك ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬ ‫اختىمى ى ً ً‬ ‫اختىمىفيكا ًف ً‬ ‫الن ً ً‬
‫ات ىب ٍغنيا‬ ‫اءتٍيي ٍـ اٍل ىبٌيًىن ي‬
‫يف أيكتيكهي م ٍف ىب ٍعد ىما ىج ى‬ ‫ؼ فيو إًالٌ الذ ى‬ ‫يو ىك ىما ٍ‬ ‫يما ٍ‬ ‫اس ف ى‬ ‫ىب ٍي ىف َّ‬
‫صر و‬
‫اط‬ ‫ً‬ ‫اَّلل ىي ٍيًدم م ٍف ىي ىش ً‬ ‫يو ًمف اٍلح ًٌ ًً ً ً‬ ‫اختىمىفيكا ًف ً‬‫آمينكا لً ىما ٍ‬ ‫بينيـ فىيدل َّ ًَّ‬
‫اء إلىى ى‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ؽ بإ ٍذنو ىك َّي‬ ‫ٍ ى‬ ‫يف ى‬ ‫اَّللي الذ ى‬ ‫ىٍى يٍ ىى‬
‫يم ٍستىًق ويـ‪ ‬البقرة اآلية ُِّ‪.‬‬
‫** ىذا ما كانت عميو حاؿ الرساالت السماكية كقفنا عمى شيء مف انحرافات أىؿ الباطؿ‬
‫ممف انتسبكا إلييا‪ ،‬كقبؿ ذلؾ كقفنا عمى انحرافات األمـ كالشعكب في عقائدىا كتصكراتيا‪،‬‬
‫يتبيف مف خبللو مقدار حاجة البشرية كميا لمرسالة اإلسبلمية الخالدة لتصحيح المسار‪ ،‬كلبياف‬
‫الزائؼ مف المعدف األصيؿ‪ ،‬كالسقيـ مف الصحيح‪ ،‬كالمعكج مف المستقيـ‪ ،‬كلبياف اليدم‬
‫الرباني مف نزكات البشر كأىكائيـ‪.‬‬
‫* أىم مزايا الرسالة اإلسالمية عمى سائر الرسالت‪:‬‬

‫‪-55- 55‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أكالن‪ :‬كانت الرساالت السابقة مخصكصة بأقكاـ معينيف‪ ،‬كأزماف مخصكصة‪ ،‬قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫اَّلل ك ً‬
‫كت‪ ‬النحؿ اآلية ّٔ‪ ،‬أما الرسالة‬ ‫اجتىنيبكا الطَّ ي‬
‫اغ ى‬ ‫ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ‬
‫يمة ىريسكالن أ ٍ‬
‫‪‬كلىقى ٍد بعثٍىنا ًفي يك ًؿ أ َّ و‬
‫ٌ‬ ‫ى ىى‬
‫اؾ إًالٌ ىكافَّةن‬
‫اإلسبلمية فيي لمناس كافة أحمرىـ كأسكدىـ كأبيضيـ قاؿ تعالى‪  :‬ىك ىما أ ٍىرىسٍم ىن ى‬
‫كف‪ ‬سبأ اآلية ِٖ‪.‬‬ ‫الن ً‬
‫اس الى ىي ٍعمى يم ى‬ ‫ير ىكىنًذ نا‬
‫ير ىكلى ًك َّف أى ٍكثىىر َّ‬ ‫اس ىب ًش نا‬
‫لً َّمن ً‬
‫ثانيان‪ :‬معالجات الرساالت السابقة كانت جزئية تيتـ بجكانب حياة الناس التي أرسمت إلييـ‪.‬‬
‫بينما رسالة اإلسبلـ عالجت جميع جكانب الحياة مف عقائد كعبادات كأحكاـ‪ ،‬كنظاـ اجتماعي‬
‫كسياسي كاقتصادم كثقافي‪ ،‬كما نظـ اإلسبلـ عبلقة الفرد بربو‪ ،‬كعبلقتو باآلخريف أفرادان‬
‫كجماعات‪ ،‬كعبلقتو بالككف‪ ،‬كرسمت أمامو رؤية كاممة عف الحياة كالمكت‪ ،‬كؿ ذلؾ في نسؽ‬
‫تاـ ك رؤية متكاممة‪ ،‬كمبادئ شاممة‪ ،‬كقكاعد عامة تفتح الباب لبلجتياد الممتزـ‪ ،‬كىي‬
‫خصائص تميؽ بمنيج أراده هللا سبحانو صالحان لكؿ زماف كمكاف إلى أف يرث هللا األرض‬
‫كم ٍف عمييا‪.‬‬
‫ى‬
‫ثالثان‪ :‬كانت معجزات الرسؿ السابقيف حسية مؤقتة بالمشاىديف ليا‪ ،‬فإذا قبض الرسكؿ‬
‫قبضت معو كانتيت‪ ،‬مثاؿ ذلؾ‪ :‬عصا مكسى كاحياء المكتى كابراء األكمو كاألبرص عمى يد‬
‫عيسى‪ ،‬كناقة صالح عمييـ السبلـ‪...‬الخ‪ ،‬بينما كانت معجزة الرسكؿ ‪ ‬خالدة إلى يكـ القيامة‬
‫كىي القرآف الكريـ المعجزة الخالدة التي تكفؿ هللا بحفظيا قاؿ تعالى‪ :‬إًَّنا ىن ٍح يف ىن َّزٍل ىنا الًٌذ ٍك ىر ىكاًَّنا‬
‫كف‪ ‬الحجر اآلية ٗ‪.‬‬ ‫ً‬
‫لىوي لى ىحافظي ى‬

‫المطمب الثاني‪:‬‬
‫النقمة في المعرفة‬
‫نستعرض في ىذا الباب تعريؼ المعرفة لغة كاصطبلحان‪ ،‬كبيانان لمنظرية المعرفية لمشعكب‬
‫قبؿ نزكؿ الرسالة اإلسبلمية‪ ،‬لندرؾ عظمة النقمة التي أحدثيا اإلسبلـ في المجاؿ المعرفي‪.‬‬

‫‪-56-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫المعرفة لغة‪ :‬ىع ىرفىوي‪ :‬بمعنى‪ :‬ىعمً ىمو‪ ،‬فيك عارؼ كعريؼ‪ :‬بمعنى عالـ كعميـ‪.‬‬
‫(ُ)‬

‫اصطالحاً‪" :‬ما يكضع ليدؿ عمى شيء بعينو‪ ،‬كىي المضمرات كاألعبلـ كالمبيمات‪.‬‬
‫أك ىي‪ :‬إدراؾ الشيء عمى ما ىك عميو‪.‬‬
‫الفرق بين العمم والمعرفة‪:‬‬
‫ُ‪ -‬المعرفة مسبكقة بجيؿ بخبلؼ العمـ‪ ،‬كلذلؾ فإف مف أسماء هللا تعالى‪ :‬العالـ‪ ،‬دكف‬
‫(ِ)‬
‫العارؼ‪.‬‬
‫ِ‪ -‬المعرفة تقاؿ فيما تدرؾ آثاره كاف لـ تدرؾ ذاتو‪ ،‬كالعمـ ال يكاد يقاؿ إال فيما يدرؾ‬
‫ذاتو‪ ،‬كليذا يقاؿ‪ :‬فبلف عارؼ با﵀‪ ،‬كال يقاؿ‪ :‬يعمـ هللا‪ ،‬لما كانت معرفتو تعالى ليست إال‬
‫(ّ)‬
‫بمعرفة آثاره دكف ذاتو‪.‬‬
‫مصادر المعرفة قبل اإلسالم‪:‬‬
‫مف األىمية بمكاف الحديث عف مصادر المعرفة عند الفمسفات كالعقائد المختمفة عمى مر‬
‫العصكر‪ ،‬كفي تاريخ األمـ المتعاقبة عمى ىذه البسيطة‪ ،‬ألف النظرية المعرفية إحدل أىـ المشكبلت‬
‫الكبرل التي كاجيت تمؾ النظريات الفمسفية‪ ،‬كالمبادئ كالتصكرات العقائدية‪ ،‬كىي كذلؾ المعيار التي‬
‫تميز فك انر عف غيره‪ ،‬ككؿ فكر يدعي أنو قد أتى في ىذا المضمار بما لـ يأت بو األكائؿ‪ ،‬كأنو جاء‬
‫بالحؽ الصراح‪ ،‬كما سكاه باطؿ‪ ،‬كقد سجمت صفحات التاريخ صراعان فكريان داميان بيف الفمسفات‬
‫السابقة كالبلحقة‪ ،‬فنرل ىذا يثبت كذاؾ ينفي‪ ،‬ىذا يبني كذاؾ ييدـ‪ ،‬ىذا يؤيد كذاؾ يعارض‪ ،‬كعمى‬
‫سبيؿ المثاؿ‪ :‬الفيمسكؼ سقراط كأفبلطكف‪ ،‬ييدماف نظرية المعرفة عند السكفسطائييف‪ .‬كىيراقميطس‪،‬‬
‫ككانت يفند مذىب‬
‫كأرسطكطاليس يفنداف مذىب أفبلطكف‪ .‬كديكارت يفند كييدـ مذىب أرسطك‪ٍ .‬‬
‫كانت‪ ،‬كىكذا دكاليؾ‪ ،‬كميـ يدعي الحقيقة المطمقة كيخطئ غيره‪...‬‬
‫ديكارت‪ .‬كىيجؿ يفند مذىب ٍ‬
‫فإف المستقرئ لمنظريات المعرفية قبؿ اإلسبلـ يجدىا ال تعدك ثبلثة اتجاىات رئيسة‬
‫كعمى كؿ حاؿ ٌ‬
‫ىي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المذىب العقمي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المذىب التجريبي الحسي‪.‬‬

‫(ُ) انظر لساف العرب البف منظكر ٗ‪ ،ِّٔ/‬كالقامكس المحيط ‪-‬الفيركز أبادم ص ََُٖ‪.‬‬
‫(ِ) انظر التعريفات لمجرجاني ص ِٗٗ‪.‬‬
‫(ّ) الذريعة إلى مكارـ الشريعة لمراغب األصفياني ص ُٕٗ‪.َُٖ-‬‬

‫‪-57- 57‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ج ‪ -‬المذىب الخرافي األسطكرم‪.‬‬


‫أولً‪ :‬المذىب العقمي‪:‬‬
‫يعتمد دعاة ىذا المذىب عمى العقؿ في إدراؾ ماىية األشياء‪ ،‬كالمعقكالت‪.‬‬
‫إف العقؿ يدرؾ بو أيضان الحقيقة المطمقة‪ ،‬كما دعا ىؤالء إلى تحكيـ العقؿ في كؿ‬
‫بؿ قالكا ٌ‬
‫القضايا مف حكلنا حتى في األمكر الغيبية التي ال يمكف لمعقؿ إدراؾ كنييا بكاسطة األمكر‬
‫المحسكسة ك المشاىدة كما صنعكا‪.‬‬
‫ابتداء‬
‫ن‬ ‫مر ىذا المذىب بمراحؿ طكيمة قبؿ أف تحدد معالمو‪ ،‬فمقد بدأ دكر العقؿ في التعاظـ‬
‫ٌ‬
‫مف أرسطك حيث أصبح العقؿ عندىـ أداة المعرفة‪ ،‬كقالكا إنو ممكة مستقمة عف عالـ الحس‪،‬‬
‫كابتدعكا نظرية العقكؿ السبعة القائؿ‪ :‬أف كؿ عقؿ يفيض عف اآلخر حتى يصؿ األمر إلى‬
‫العقؿ الخالص‪.‬‬
‫ثـ جاء ديكارت الذم جعؿ الفكرة ىي المبنة األكلى لمذىبو فقاؿ‪ :‬الفكرة ىي كؿ ما يستطيع‬
‫العقؿ إدراكو مباشرة‪ ،‬كاألفكار الكاضحة المتميزة ىي التي تؤلؼ الحقيقة‪ .‬فاألفكار مف نتاج‬
‫العقؿ غير أنو ال يدركيا اعتمادان عمى المشاىدة البسيطة لمعالـ الخارجي ألنيا فطرية ‪ -‬ككممة‬
‫فطرية ال تعني عند ديكارت‪ :‬أنيا كانت مكجكدة مكتممة في عقؿ اإلنساف عند مكلده‪ ،‬بؿ عمى‬
‫(‪)1‬‬
‫ثـ ينتقؿ العقؿ بكاسطة االستقراء المنطقي مف‬ ‫أف لدل اإلنساف االستعداد ليذه األفكار‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تمؾ األفكار الكاضحة المتميزة إلى نتائجيا‪.‬‬
‫كيعتبر أصحاب ىذا المذىب التجارب الحسية ضركرية في إمدادنا بجزء كبير مف تفاصيؿ‬
‫الحقائؽ التي نعمميا‪ ،‬كىي محفزة لمعقؿ‪ ،‬كمع ىذا فيـ ينكركف أف تحقؽ التجربة لكحدىا عممان‬
‫(ّ)‬
‫ضركريان صادقان صدقان مطمقان‪.‬‬
‫يقكؿ ليبتنز‪ :‬إف طريقنا إلى المعرفة ىك العقؿ بما يحتكيو مف أفكار كامنة فيو بالقكة‬
‫كالحس الذم يخرج ‪ -‬عف طريؽ اإلثارات الحسية ‪ -‬تمؾ األفكار الكامنة مف القكة إلى‬
‫(ُ)‬
‫الفعؿ‪.‬‬

‫(ُ) انظر نظرية المعرفة في ضكء المنيج العممي صِِٓ كما بعدىا‪ ،‬محمد محمد قاسـ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ُٓٗٗـ‬
‫(ِ) الفمسفة كاإلنساف جدلية العبلقة بيف اإلنساف كالحضارة‪ .‬د‪.‬فيصؿ عباس صُٓٓ‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيركت‬
‫ط‪.‬أكلى ُٔٗٗـ‪.‬‬
‫(ّ) الفمسفة اليكنانية مقدمات كمذاىب د‪ .‬محمد بيصار صْْ‪ ،‬دار الكتاب المبناني‪-‬بيركت ط‪ُّٕٗ .‬ـ‪.‬‬

‫‪-58-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ىذه أىـ سمات الفمسفة العقمية التي اعتمد عمييا أصحابيا في تناكؿ النظرية المعرفية حيث‬
‫اعتبركا العقؿ ىك المصدر األكؿ لممعرفة‪ ،‬كىك الذم يستطيع أف يدرؾ الحقائؽ المطمقة‬
‫كالماىيات‪.‬‬
‫ثانياً المذىب التجريبي أو الحسي‪:‬‬
‫اعتمد أصحاب ىذا المذىب في استنتاج النظرية المعرفية عمى التجربة كالحكاس‪ ،‬كلقد‬
‫تمثؿ مذىبيـ في أمريف‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إف العقؿ قبؿ التجربة صحيفة بيضاء‪ ،‬كخالية مف العمـ‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫ب ‪ -‬إف كؿ عمـ مرجعو التجربة‪ ،‬كمصدره العالـ المحسكس‪.‬‬
‫فالمعرفة تكتسب قيمتيا كمضمكنيا عندىـ بقدر اتصاليا بالكاقع التجريبي المحسكس فقط‪،‬‬
‫فعطمكا االستنتاج العقمي‪ ،‬كأنكركا حقائؽ الغيب التي جاءت بيا النبكات مف جنة كنار كبعث‬
‫كصراط كميزاف‪ ،‬كأنكركا الكحي كالركح‪ ،‬كاقتصركا في حدكد المعرفة عمى الظكاىر المادية‬
‫حتى كصؿ بيـ األمر إلى إنكار الخالؽ ليذا الكجكد‪.‬‬
‫أكؿ ظيكر المذىب التجريبي كاف عمى يد السكفسطائييف فأكدكا عمى أف المعرفة جميعان‬
‫آتية فقط عف طريؽ الحكاس‪ ،‬كقالكا إف المعرفة عند (س) مف الناس غيرىا عند (ص)‪ ،‬كمف‬
‫ثـ فالحقيقة عندىـ نسبية تختمؼ مف إنساف آلخر طبقان لمقاييس الحكاس عند س ك ص‪ ،‬كليذا‬‫ٌ‬
‫خرجكا لنا بنظرية تسمى (نسبية المعرفة)‪ .‬كأشير فبلسفة السكفسطائييف (بركتا جكراس) كىك‬
‫أكؿ مف كضع النظرية الحسية في المعرفة التي تنتيي إلى إنكار كجكد الحقيقة المكضكعية‪،‬‬
‫كذلؾ أف كؿ ما يبدكا لمفرد حقيقي بالنسبة لو‪ ،‬كال يكجد معيار ثابت يمكف الرجكع إليو‬
‫لتصحيح المعرفة‪ ،‬فأحاسيس اإلنساف تختمؼ دائمان بحسب حاالتو‪ ،‬كألف المحسكسات دائمان في‬
‫تغير مستمر‪ ،‬قاؿ بركتا جكراس‪" :‬اإلنساف ىك مقياس كؿ شيء‪ ،‬مقياس كجكد األشياء‬
‫(ّ)‬
‫المكجكدة‪ ،‬كما ال يكجد"‪.‬‬

‫(ُ) انظر نظرية المعرفة في ضكء المنيج العممي صِْٓ‪.‬‬


‫(ِ) الفمسفة اليكنانية مقدمات كمذاىب صّْ‪.‬‬
‫(ّ) انظر الفمسفة اليكنانية تاريخيا كمشكبلتيا د‪.‬أميرة حممي مطر صُُِ‪،‬دار قباء لمطباعة كالنشر ط‪ُٖٗٗ .‬ـ‬

‫‪-59- 59‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أدت ىذه الفمسفة إلى القكؿ بإنكار الخالؽ حيث يقكؿ (بركتا جكراس) في مقدمة كتابو عف‬
‫اآللية‪ :‬فيما يتعمؽ باآللية فمست أدرم إف كانت مكجكدة أـ ال عمى أم شكؿ تككف‪ ،‬ألف‬
‫(ُ)‬
‫أسباب الجيؿ بيذا األمر كثيرة‪ ،‬كأكليا غمكض المكضكع‪ ،‬كثانييا قصر الحياة"‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬المذىب الخرافي واألسطوري‪:‬‬
‫اعتبر العمماء األسطكرة لكنان مف العمـ البدائي الذم يفسر األصكؿ السببية ألحداث‬
‫كنظيـ البشر … كقالكا كذلؾ‪ :‬إف األساطير تعبر بطريقة رمزية عف حقائؽ خاصة‬‫الطبيعة‪ ،‬ي‬
‫(ِ)‬
‫بفكر اإلنساف كحياتو‪.‬‬
‫اعتمد أصحاب ىذا المذىب في النظرية المعرفية عمى الخرافة كاألسطكرة كالكيانة كالعرافة‬
‫كالنظر في النجكـ‪ ،‬كعمى ما تناقمكه عف الجف‪ ،‬كتكارثكىا فيما بينيـ‪ ،‬كتمسؾ األبناء بيا بحجة‬
‫أنيا ميراث اآلباء كتراثيـ‪ ،‬فقمدكىا كساركا عمى إثرىا‪ ،‬كفي المقابؿ جمدكا الحكاس كميا كالعقؿ‪،‬‬
‫فعاشكا في جيؿ مطبؽ في جميع جكانب حياتيـ‪ ،‬كلقد قامت عمى ىذا المذىب الشعكب‬
‫البدائية بشكؿ عاـ‪ ،‬كتكارثتيا األمـ منيـ الصينيكف كالينكد‪ ،‬كاإلفريقيكف‪ ،‬كالكثير مف العرب‬
‫في الجاىمية‪ ،‬كىؤالء كثي انر ما ناقشيـ القرآف الكريـ‬
‫كؿ قىاليكا ىح ٍسيب ىنا ىما ىك ىج ٍد ىنا ىعمىٍي ًو‬
‫الرس ً‬
‫اَّللي ىكًالىى َّ ي‬‫ىنز ىؿ َّ‬‫يؿ لىيي ٍـ تى ىعالى ٍكا ًإلىى ىما أ ى‬ ‫ً‬
‫فقاؿ سبحانو‪  :‬ىكًا ىذا ق ى‬
‫كف‪ ‬المائدة اآلية َُْ‪،‬‬ ‫كف ىش ٍينئا ىكالى ىي ٍيتى يد ى‬
‫اؤ يى ٍـ الى ىي ٍعمى يم ى‬
‫اف ىآب ي‬ ‫اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى‬
‫ىآب ى‬
‫اء ىنا ىعمىى‬ ‫ير إًالٌ قىاؿ متٍرفي ى ً‬
‫كىا إَّنا ىك ىج ٍد ىنا ىآب ى‬ ‫ى يى‬ ‫كقاؿ‪  :‬ىك ىك ىذلً ىؾ ىما أ ٍىرىسٍم ىنا ًم ٍف قىٍبمً ىؾ ًفي قى ٍرىي وة ًم ٍف ىنًذ و‬
‫أ َّ و‬
‫كف‪ ‬الزخرؼ اآلية ِّ‪،‬‬ ‫يمة ىكاًَّنا ىعمىى آثى ًارًى ٍـ يم ٍقتى يد ى‬
‫ً‬ ‫ًَّ‬ ‫يؿ لىيي ٍـ اتَّبً يعكا ىما أ ى‬ ‫ً‬
‫اؤ يى ٍـ الى‬
‫اف ىآب ي‬ ‫اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى‬
‫اَّللي قىاليكا ىب ٍؿ ىنتبعي ىما أىٍلفىٍي ىنا ىعمىٍيو ىآب ى‬ ‫ىنز ىؿ َّ‬ ‫‪ ‬ىكًا ىذا ق ى‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية َُٕ‪.‬‬ ‫ً‬
‫كف ىش ٍينئا ىكالى ىي ٍيتى يد ى‬‫ىي ٍعقمي ى‬
‫مصادر المعرفة في اإلسالم‬
‫جاء اإلسبلـ فقرر أف المعرفة ليا ثبلثة مصادر ىي‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬الكحي‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬العقؿ‪.‬‬

‫(ُ) المصدر السابؽ ص ُُِ‪.‬‬


‫(ِ) الفمسفة كاإلنساف ص ْٓ‪.‬‬

‫‪-60-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ّ ‪ -‬الحس‪.‬‬
‫تعتبر ىذه المصادر الثبلثة القكاعد األساسية التي ميزت اإلسبلـ عف غيره مف المعتقدات‬
‫كالفمسفات‪ ،‬كجعمت نقمتو المعرفية كاممة كمنضبطة‪ ،‬كالكحي أىـ األصكؿ الثبلثة كالمييمف‬
‫عمييا ألنو المصدر الصادؽ الذم ال يأتيو الباطؿ مف بيف يديو كال مف خمفو‪ ،‬تنزيؿ مف رب‬
‫العالميف تبارؾ كتعالى‪ ،‬كمف أحسف كأصدؽ مف هللا قيبل؟‬
‫كبيذه األصكؿ الثبلثة ىسمًـ الفكر اإلسبلمي مف االنحراؼ كالمغاالة‪.‬‬
‫كليذا سنتحدث إف شاء هللا تعالى عف ىذه المصادر بشيء مف التفصيؿ‪:‬‬
‫المصدر األول‪ :‬الوحي‪:‬‬
‫الكحي لغة‪ :‬اإلشارة كالكتابة كالرسالة كاإللياـ كالكبلـ الخفي‪ ،‬ككؿ ما ألقيتو إلى غيرؾ‪،‬‬
‫يقاؿ كحيت إليو الكبلـ كأكحيت‪.)ُ( ..‬‬
‫اصطبلحان‪ :‬ىك أف يي ٍعمً ىـ هللاي تعالى ىم ٍف اصطفاه مف عباده كؿ ما أراد اطبلعو عميو مف‬
‫ألكاف اليداية كالعمـ‪ ،‬كلكف بطريؽ سرية خفية غير معتادة لمبشر(ِ)‪.‬‬
‫أك ىك‪ :‬كبلـ هللا تعالى المنزؿ عمى نبي مف أنبيائو(ّ)‪.‬‬
‫كيفية وحي هللا تعالى إلى عباده‪:‬‬
‫اَّللي إًالٌ ىك ٍحنيا أ ٍىك ًم ٍف‬
‫ىف يي ىكمًٌ ىموي َّ‬
‫اف‬ ‫ً‬
‫ل ىب ىش ور أ ٍ‬
‫ذكر القرآف الكريـ أنكاع الكحي فقاؿ تعالى‪  :‬ىك ىما ىك ى‬
‫اء إًَّنوي ىعمً ّّي‬
‫يـ‪ ‬الشكرل اآلية ُٓ‬ ‫ً‬ ‫ً ًً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً و‬
‫ىحك ه‬
‫ىكىراء ح ىجاب أ ٍىك يي ٍرس ىؿ ىريسكالن فىييكح ىي بإ ٍذنو ىما ىي ىش ي‬
‫النكع األكؿ‪ :‬ما يككف مكالمة بيف العبد كبيف ربو كما كمـ هللا تعالى نبيو مكسى عميو السبلـ‬
‫تكميمنا‪.‬‬
‫النكع الثاني‪ :‬ما يككف إليامان يقذفو هللا في قمب مف اصطفاه عمى كجو مف العمـ الضركرم‬
‫ال يستطيع لو دفعان‪ ،‬كال يجد فيو شكان‪ .‬كقد عرفو أبك زيد الدبكسي‪:‬‬
‫(ْ)‬
‫كمنو قكلو تعالى‪:‬‬ ‫"اإللياـ ما حرؾ القمب لعمـ يدعك إلى العمؿ بو مف غير استدالؿ"‬

‫(ُ) انظر لساف العرب البف منظكر جُٓ‪ ،ّٕٗ/‬كالقامكس المحيط لمفيركزأبادم صُِٕٗ‪.‬‬
‫(ِ) مناىؿ العرفاف في عمكـ القرآف لمزرقاني جُ‪ ،ّٔ/‬دار الفكر‪-‬بيركت‪.‬‬
‫(ّ) مباحث في عمكـ القطاف‪-‬لمناع القطاف صّّ‪.‬‬
‫(ْ) فتح البارم ُِ‪ ّٖٖ/‬قاؿ ابف حجر‪ :‬كالذم عميو الجميكر ٌأنو ال يجكز العمؿ بو إال عند فقد الحجج كميا في باب‬
‫المباح‬

‫‪-63- 61‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫يو فىًإ ىذا ًخ ٍف ًت عمىي ًو فىأىٍل ًق ً‬


‫يو ًفي اٍل ىيًٌـ ىكىال تى ىخ ًافي ىكىال تى ٍح ىزنًي إًَّنا‬ ‫ض ًع ً‬
‫‪‬كأىكحي ىنا إًلىى أًيـ مكسى أىف أىر ً‬
‫ىٍ‬ ‫ٌ ي ى ٍ ٍ‬ ‫ى ٍ ىٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف‪ ‬القصص اآلية ٕ‬ ‫ىر ُّادكهي إًلى ٍيؾ ىك ىجاعميكهي م ىف اٍل يم ٍرىسم ى‬
‫النكع الثالث‪ :‬ما يكحي بو هللا تعالى إلى األنبياء كالرسؿ بكاسطة رسكلو جبريؿ عمييـ السبلـ‪.‬‬
‫النكع الرابع‪ :‬كمنو ما يككف منامان صادقان مثالو‪ :‬رؤيا إبراىيـ عميو السبلـ يذبح ابنو‪ ،‬قاؿ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ؾ‪ ‬الصافات اآلية َُِ‪،‬‬ ‫اؿ ىي ياب ىن َّي إًٌني أ ىىرل في اٍل ىم ىناـ أٌىني أى ٍذ ىب يح ى‬
‫تعالى‪ :‬قى ى‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫كبداية الكحي مع النبي ‪ ‬كما جاء في الحديث ىع ٍف ىعائ ىشةى أ ٌيـ اٍل يم ٍؤ ًمن ى‬
‫يف أَّىنيىا قىالى ٍ‬
‫ت‪( :‬أ َّىك يؿ‬
‫ً َّ‬ ‫الرؤيا َّ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ما بًدئ بً ًو رسكؿ ًَّ‬
‫ت‬‫اء ٍ‬ ‫اف ىال ىي ىرل يرٍؤىيا إال ىج ى‬ ‫الصال ىحةي في النَّ ٍكًـ فى ىك ى‬ ‫اَّلل ‪ ‬م ىف اٍل ىك ٍح ًي ُّ ٍ ى‬ ‫ى ي ى ىي ي‬
‫(ُ)‬
‫الص ٍب ًح)‪.‬‬ ‫ؽ ُّ‬ ‫ًم ٍث ىؿ ىفمى ً‬
‫األحوال التي كان يأتي فييا الوحي لمنبي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كاف الكحي يأتي النبي ‪ ‬مثؿ صمصمة الجرس كىك أشده عميو‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫جاء‬ ‫ب ‪ -‬كأحيانان كاف يتمثؿ لو عمى ىيئة رجؿ‪ ،‬فيكحي إليو ما شاء هللا ثـ ينصرؼ‪.‬‬
‫ؼ‬ ‫اَّلل ‪ ‬فىقىاؿ‪ :‬يا رسكؿ ًَّ‬
‫اَّلل ىك ٍي ى‬ ‫اَّلل ع ٍنو سأىؿ رسكؿ ًَّ‬ ‫ً و ً‬ ‫ىف اٍل ىح ًار ى‬‫في الحديث أ َّ‬
‫ى ى ىي ى‬ ‫ث ٍب ىف ى ىشاـ ىرضي َّ ى ى ى ى ي ى‬
‫اَّلل ‪:‬‬‫يأٍتًيؾ اٍلكحي؟ فىقىاؿ رسكؿ ًَّ‬
‫ى ىي ي‬ ‫ى ى ىٍ ي‬
‫ً‬ ‫صمى ًة اٍل ىج ىر ً‬ ‫ًً ً‬
‫اؿ‬
‫ت ىع ٍنوي ىما قى ى‬ ‫ص يـ ىعٌني ىكقى ٍد ىك ىع ٍي ي‬ ‫ىش ُّدهي ىعمى َّي فىيي ٍف ى‬‫س ىك يى ىك أ ى‬ ‫صٍم ى‬
‫ىح ىي نانا ىيأٍتيني م ٍث ىؿ ى‬ ‫(أ ٍ‬
‫ت عائً ىشةي ر ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫َّ ً‬
‫اَّلل ىع ٍنيىا ىكلىقى ٍد ىأرٍىيتيوي‬‫ضي َّ‬ ‫ى‬ ‫كؿ‪ .‬قىالى ٍ ى‬ ‫ؾ ىريج نبل فىيي ىكمٌ يمني فىأىعي ىما ىيقي ي‬ ‫ىح ىي نانا ىيتى ىمث يؿ ل ىي اٍل ىممى ي‬
‫ىكأ ٍ‬
‫(ّ)‬
‫ص يد ىع ىرقنا)‪.‬‬ ‫ًف ىجبً ىينوي لىىيتىفى َّ‬‫ص يـ ىع ٍنوي ىكا َّ‬‫الشًد ًيد اٍلبرًد فىي ٍف ً‬‫ي ٍن ًزؿ ىعمىٍي ًو اٍلك ٍحي ًفي اٍليكًـ َّ‬
‫ىٍ ى‬ ‫ىٍ‬ ‫ى ي‬ ‫ى ي‬
‫ظييًرىنا ًإ ٍذ‬‫ات ىي ٍكوـ ىبٍي ىف أى ٍ‬ ‫س قىاؿ بينا رسكؿ ًَّ‬
‫اَّلل ‪ ‬ىذ ى‬ ‫ج ‪ -‬كقد يأتيو منامنا كما في الحديث ىع ٍف أىىن و ى ى ٍ ى ى ي ي‬
‫كرةه فى ىقىأىر بً ٍسًـ‬ ‫ً‬ ‫ىغفىى إً ٍغفىاءةن ثيَّـ رفىع أرٍسو متىب ًسما فىيقٍمنا ما أىضح ىكؾ يا رسكؿ ًَّ‬
‫ت ىعمى َّي آنفنا يس ى‬ ‫اؿ أٍين ًزلى ٍ‬
‫اَّلل قى ى‬ ‫ى ى ى ى ى ي ي ىٌن ى ى ٍ ى ى ى ى ي ى‬ ‫أٍ‬
‫ص ًٌؿ ًلىرٌبً ىؾ ىك ٍان ىح ٍر إً َّف ىشانًىئ ىؾ يى ىك ٍاألٍىبتىير‪‬‬ ‫اؾ اٍل ىك ٍكثىىر فى ى‬ ‫الرًح ًيـ ‪‬إًَّنا أ ٍ‬
‫ىعطىٍيىن ى‬ ‫الرٍح ىم ًف َّ‬ ‫ًَّ‬
‫اَّلل َّ‬
‫يو ىرٌبًي ىعَّز ىك ىج َّؿ ىعمىٍي ًو ىخٍيهر‬ ‫اَّلل كرسكليو أ ٍىعمىـ قىاؿ فىًإَّنو ىنير كعدنً ً‬
‫كف ىما اٍل ىك ٍكثىير فىيقٍمىنا َّي ى ى ي ي ي ى ي ٍه ى ى ى‬ ‫اؿ‪ :‬أىتى ٍدير ى‬
‫ثيَّـ قى ى‬
‫(ْ)‬
‫ىكثً هير‪.‬‬
‫اؿ عميو‬ ‫فإف قمبو ال يعرؼ النكـ يعي ما يجرم حكلو قى ى‬ ‫كنكـ النبي ‪ ‬يختمؼ عف نكـ الناس ٌ‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ بدء الكحي رقـ (ْ)‬


‫(ِ) انظر مناىؿ العرفاف لمزرقاني ُ‪ ،ْٔ/‬كمباحث في عمكـ القرآف لمقطاف صّٗ‪.َْ-‬‬
‫(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ بدء الكحي رقـ (ِ)‬
‫(ْ) أخرجو مسمـ في صحيحو ؾ الصبلة باب حجة مف قاؿ البسممة (ََْ)‪.‬‬

‫‪-61-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫(ُ)‬
‫اـ ىقٍمبًي)‬ ‫ام ً‬ ‫الصبلة كالسبلـ‪ :‬ى ً ً‬
‫اف ىكىال ىي ىن ي‬ ‫(يا ىعائ ىشةي إ َّف ىع ٍي ىن َّي تىىن ى‬
‫عالمات نزول الوحي عمى النبي ‪‬‬
‫كاف الصحابة رضكاف هللا عمييـ يعرفكف نزكؿ الكحي عمى النبي ‪ ‬بإحدل أمكر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬احمرار الوجو والغطيط‪:‬‬
‫ؽ أ ٍىك‬‫النبً َّي ‪ - ‬ك يىك بًاٍل ًج ٍعىرىان ًة ‪ -‬ك ىعمىٍي ًو يجَّبةه ك ىعمىٍي ًو أىثىير الخميك ً‬ ‫ىف ىريج نبل أىتىى َّ‬ ‫عف ىي ٍعمىى ٍب ًف أ ى‬
‫يمَّيةى أ َّ‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى ى‬
‫ً‬ ‫ىصىن ىع ًفي يع ٍمىرتًي؟ فىأٍىنىزىؿ َّ‬
‫ت‬‫النبً ًٌي ‪‬؛ فى يستىر بًثىٍك وب‪ ،‬ىكىكًد ٍد ي‬ ‫اَّللي ىعمىى َّ‬ ‫ىف أ ٍ‬ ‫ؼ تىأ يٍميرنًي أ ٍ‬ ‫اؿ ىكٍي ى‬ ‫ص ٍفىرةه فىقى ى‬‫اؿ ي‬ ‫قى ى‬
‫النبً ًي ‪ ‬ىكقى ٍد‬
‫ىف تىٍنظيىر ًإلىى َّ‬ ‫ً‬ ‫ت َّ ً‬ ‫ً‬
‫ٌ‬ ‫اؿ أىىي يسُّر ىؾ أ ٍ‬
‫اؿ يع ىمير‪ :‬تى ىع ى‬ ‫النب َّي ‪ ‬ىكقى ٍد أٍين ًزىؿ ىعمىٍيو اٍل ىك ٍح يي‪ .‬فى ىق ى‬ ‫أٌىني ىق ٍد ىأرٍىي ي‬
‫ت إًلىي ًو ىلو ىغ ًطيطه ‪ -‬كأىح ًسبو ىقاؿ‪ :‬ىك ىغ ًط ً‬
‫يط‬ ‫ؼ الثٍَّك ًب فىىن ى‬ ‫اَّللي ىعمىٍي ًو اٍل ىك ٍح ىي؟ يقٍم ي‬
‫ى ٍ يي ى‬ ‫ظٍر ي ٍ ي‬ ‫طىر ى‬
‫ت‪ :‬ىن ىع ٍـ‪ .‬ىفىرفى ىع ى‬ ‫أٍىنىزىؿ َّ‬
‫اغ ًس ٍؿ أىثىىر الخميك ً‬ ‫اؿ‪ :‬أٍىي ىف السَّائً يؿ ىع ٍف اٍل يع ٍمىًرة؟ ٍ‬ ‫ً‬ ‫اٍلىب ٍك ًر‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫ؽ ىعٍن ىؾ‬ ‫اخمى ٍع ىعٍن ىؾ اٍل يجَّبةى ىك ٍ‬ ‫م ىعٍنوي قى ى‬ ‫ى‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫س‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫م‬
‫ى‬‫ف‬‫ى‬
‫(ّ)‬
‫صىن يع ًفي ىح ًٌج ىؾ‪.‬‬ ‫ً‬
‫صىن ٍع في يع ٍمىرتً ىؾ ىك ىما تى ٍ‬ ‫الص ٍفىرةى‪ ،‬ىكا ٍ‬‫ؽ ُّ‬ ‫كأٍىن ً‬
‫ى‬
‫ً ُّ‬ ‫ً‬ ‫كفي ركاية لمبخارم‪" :‬فىًإ ىذا رسكؿ ًَّ‬
‫م ىعٍنوي" كفي ركاية أحمد‪:‬‬ ‫اَّلل ‪ ‬يم ٍح ىمُّر اٍل ىك ٍجو ىك يى ىك ىيغط ثيَّـ يسًٌر ى‬ ‫ىي ي‬
‫اعةن ثيَّـ يسًٌر ى‬ ‫"م ٍح ىمّّر ىك ٍجىنتىاهي لىوي ىغ ًطي ه‬
‫(ْ)‬
‫م ىعٍنوي فى ىجمى ىس"‪.‬‬ ‫ط ىس ى‬ ‫ي‬

‫ثانياً‪ :‬ثقل الوحي‪:‬‬


‫ً‬ ‫اعد ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىف رسكؿ ًَّ‬ ‫ًو‬
‫كف م ٍف اٍل يم ٍؤًمن ى‬
‫يف‬ ‫اَّلل ‪ ‬أ ٍىممىى ىعمىٍيو ‪ ‬ىال ىي ٍستىًكم اٍلقى ي ى‬ ‫ُ ‪ -‬عف ىزٍي ىد ٍب ىف ثىابت أ َّ ى ي ى‬
‫كـ كىك ي ًممُّيا عمى َّي فى ىقاؿ‪ :‬يا رسكؿ ًَّ‬ ‫ً‬ ‫يؿ ًَّ‬‫كف ًفي سبً ً‬ ‫ً‬
‫اَّلل‪ ،‬لى ٍك‬ ‫ى ى ىي ى‬ ‫اءهي ٍاب يف أ ٌيـ ىم ٍكتي و ى ي ى ي ى ى‬ ‫اؿ‪ :‬فى ىج ى‬‫اَّلل‪ ‬قى ى‬ ‫ى‬ ‫ىكاٍل يم ىجاى يد ى‬
‫اَّللي تىىب ىار ىؾ ىكتى ىعالىى ىعمىى ىريسكًل ًو ‪ ‬ىكىف ًخ يذهي ىعمىى‬
‫ىع ىمى ‪ -‬ىفأٍىنىزىؿ َّ‬
‫اف ىريج نبل أ ٍ‬
‫ت ‪ -‬ىك ىك ى‬ ‫يع اٍل ًج ىي ىاد لى ىج ى‬
‫اى ٍد ي‬ ‫أ ً‬
‫ىستىط ي‬ ‫ٍ‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ صبلة التراكيح باب فضؿ مف قاـ رمضاف (َُِّ)‪.‬‬
‫(ِ) الغطيط‪ :‬صكت النفس المتردد مف النائـ أك المغمى‪ ،‬كسبب ذلؾ شدة ثقؿ الكحي‪ .‬انظر ابف األثير في النياية‬
‫ّ‪ ،ِّٕ/‬كابف حجر في فتح البارم ّ‪.ّْٗ/‬‬
‫(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ الحج باب ما يفعؿ في العمرة (ُٖٕٗ)‪ ،‬كمسمـ في صحيحو كتاب الحج باب ما‬
‫يباح لممحرـ (َُُٖ)‪.‬‬
‫(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو ؾ الحج باب غسؿ الخمكؽ جّ‪ ،)ُّٓٔ(ّّٗ/‬كأحمد في المسند جْ‪ِِْ/‬‬

‫‪-61- 63‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ًً‬ ‫ً‬
‫م ىعٍنوي فىأٍىنىزىؿ ا ََّّللي ىعَّز ىك ىج َّؿ ‪ ‬ىغٍيير أيكلًي‬
‫فىخذم ثيَّـ يسًٌر ى‬ ‫ت ىعمى َّي ىحتَّى ًخ ٍف ي‬‫فى ًخذم فىثىيقمى ٍ‬
‫(ُ)‬
‫ىف تىير َّ‬
‫ض‬ ‫ت أ َّ‬
‫(ِ)‬
‫الضىرًر‪‬‬
‫َّ‬
‫ِ ‪ -‬عف عائشة رضي هللا عنيا قالت في كصؼ الكحي‪ :‬أف النبي ‪ ‬كاف إذا أكحي إليو‬
‫كىك عمى ناقتو كضعت ًج ىرىانيا فمـ تستطع أف تتحرؾ كتمت قكؿ هللا عز كجؿ ‪ٌ ‬إنا ىسينٍم ًقي‬
‫(ّ)‬
‫ىعمى ٍي ىؾ قى ٍكالن ثىًق ٍيبلن‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العرق الغزير‪:‬‬
‫اَّلل ‪ ‬ىم ٍجًم ىسوي ىكىال ىخ ىرىج‬ ‫اَّلل ما راـ رسكؿ ًَّ‬ ‫ً‬
‫عف عائشة أـ المؤمنيف رضي هللا عنيا قالت‪" :‬فى ىك َّ ى ى ى ى ي ي‬
‫اء ىحتَّى إًَّنوي لىىيتى ىح َّد ير ًم ٍنوي ًم ٍف‬ ‫ٍخ يذه ًمف اٍلبرح ً‬ ‫ً‬
‫اف ىيأ ي ي ٍ ي ى ى‬ ‫ىخ ىذهي ىما ىك ى‬ ‫ىى ًؿ اٍل ىب ٍيت ىحتَّى أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍي ًو فىأ ى‬
‫ىح هد ًم ٍف أ ٍ‬ ‫أى‬
‫ات ًم ٍف ثً ىق ًؿ اٍلقى ٍك ًؿ الًَّذم أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍيو"‪.‬‬
‫ً (ْ)‬ ‫اف كىك ًفي يكوـ ىش و‬
‫ىٍ‬
‫ً ً‬
‫اٍل ىع ىرؽ م ٍث يؿ اٍل يج ىم ً ى ي ى‬
‫(ٓ)‬
‫َّد لىوي ىك ٍجييوي"‪.‬‬ ‫اَّلل ‪ ‬إً ىذا أ ٍين ًزؿ عمىي ًو يك ًر ً ً‬ ‫"كاف نبً ُّي ًَّ‬ ‫عف عبادة ب ًف َّ ً ً‬
‫ب ل ىذل ىؾ ىكتىىرب ى‬‫ى‬ ‫ى ىٍ‬ ‫اؿ‪ :‬ى ى ى‬ ‫الصامت قى ى‬ ‫ى ٍ يى ى ى ٍ‬
‫رابعاً‪ :‬دوي النحل‪:‬‬
‫النبً ُّي ‪ ‬إً ىذا أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍي ًو اٍل ىك ٍحي يس ًم ىع ًع ٍن ىد ىك ٍج ًي ًو‬
‫اف َّ‬ ‫"ك ى‬‫قاؿ‪ :‬ى‬ ‫اَّللي ىع ٍنوي ى‬ ‫ضي َّ‬ ‫اب ر ً‬ ‫يعمر ٍب يف الخطَّ ً‬
‫ي‬ ‫ى ى‬ ‫ىي‬
‫ً (ٔ)‬
‫م َّ‬
‫الن ٍحؿ"‬ ‫ىك ىد ًك ًٌ‬

‫خامساً‪ :‬شخوص البصر‪:‬‬


‫ً‬ ‫َّاس قىاؿ رسكؿ ًَّ‬ ‫عف عبًد ًَّ‬
‫اؿ‪:‬فى ىجمى ىس‬
‫اؿ‪ :‬ىبمىى‪ ،‬قى ى‬ ‫ظ يع و‬
‫كف‪:‬أ ىىال تى ٍجم يس؟ قى ى‬ ‫اف ٍب ًف ىم ٍ‬
‫لعثٍ ىم ً‬
‫اَّلل ‪ ‬ي‬ ‫اَّلل ٍب ًف ىعب و ى ى ي ي‬ ‫ىٍ‬
‫اعةن إًلىى‬ ‫اَّلل ‪ ‬بًبص ًًره إًلىى الس ً‬ ‫اَّلل ‪ ‬مستىٍقبًمىو فىبينما ىك يحًدثيو إً ٍذ ىش ىخص رسكؿ ًَّ‬ ‫رسكؿ ًَّ‬
‫َّماء فىىنظىىر ىس ى‬
‫ى‬ ‫ى ى‬ ‫ى ىي ي‬ ‫ي ٍ ي ىٍى ى ي ى ي ى ٌ ي‬ ‫ىي ي‬
‫ً‬
‫ض ىعوي ىعمىى ىي ًمين ًو ًفي ٍاألٍىر ً‬ ‫السَّم ً‬
‫صىرهي ىحتَّى ىك ى‬
‫(ٕ)‬
‫ض‪.‬‬ ‫ضعي ىب ى‬
‫ىخ ىذ ىي ى‬
‫اء فىأ ى‬ ‫ى‬

‫(ُ) بمعنى تكسر أك تدؽ دقان شديدان‪ ،‬قاؿ ابف منظكر‪" :‬رض الشيء يرضو رضان‪ :‬لـ يي ٍن ًعـ دقَّو‪ ،‬كقيؿ كسره‪ ،‬كارتض‬
‫الشيء‪ :‬تكسر‪ .‬انظر لساف العرب ٕ‪.ُْٓ/‬‬
‫(ِ) أخرجو البخارم في صحيحو‪-‬ؾ باب ال يستكم القاعدكف… (ِِّٖ)‪.‬‬
‫العنؽ‪ .‬انظر ابف‬
‫(ّ) أخرجو الحاكـ في المستدرؾ ِ‪ ،)ّٖٔٓ( ْٓٗ/‬كالبييقي في دالئؿ النبكة ٕ‪ .ّٓ/‬الجراف‪ :‬باطف ي‬
‫األثير في النياية ُ‪ ِّٔ/‬قاؿ الحاكـ‪ :‬ىذا حديث صحيح اإلسناد كلـ يخرجاه‪..‬‬
‫(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب الشيادات باب تعديؿ النساء (ِْٕٔ)‪.‬‬
‫(ٓ) أخرجو مسمـ في صحيحو كتاب الحدكد باب حد الزنى(َُٗٔ)‪ ،‬كفي كتاب الفضائؿ باب عرؽ النبي (ِّّْ)‪.‬‬
‫(ٔ) أخرجو الترمذم في جامعو كتاب التفسير باب كمف سكرة المؤمنكف (ُّّٕ)‪.‬‬
‫(ٕ) أخرجو أحمد في المسند ُ‪ ،ُّٖ/‬كلمحديث شاىد عف عثماف بف أبي العاص بنحكه أخرجو أحمد ْ‪.ُِٖ/‬‬

‫‪-64-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫من شبيات المستشرقين حول ظاىرة الوحي‪:‬‬


‫إف الحالة التي كانت تأتي النبي ‪ ‬نكع مف أنكاع‬
‫افترل المستشرقكف عمى النبي ‪ ‬فقالكا‪ٌ :‬‬
‫الصرع‪ ،‬كىك قكؿ يدؿ عمى الحقد الدفيف في قمكبيـ‪ ،‬كالبغضاء بدت مف أفكاىيـ‪ ،‬كجحكدان لمحؽ‬
‫الذم استيقنتو نفكسيـ‪ .‬فما قالكه محض افتراء كلذلؾ لعدة أسباب‪:‬‬
‫ُ‪ -‬المصركع يفقد الكعي‪ ،‬كربما كقع مف شاىؽ ككسرت أطرافو أك لقي حتفو دكف كعيو‪،‬‬
‫كربما تكشؼ بسبب اضطرابو الشديد أثناء صرعو‪ .‬كالنبي ‪ ‬كاف إذا غشيو الكحي ثـ سرم‬
‫عنو كعي ما جرل لو‪ ،‬كما كاف ليمقى شيئان مما يجده المصركع‪.‬‬
‫ِ – يصيب المصركع التشنج كيصرخ بصكت و‬
‫عاؿ جدان عند صرعو‪ ،‬حتى لك كقع لسانو‬
‫بيف فكيو لربما قطعو لشدة ما بو‪ ،‬كلـ يكف النبي ‪ ‬يحدث لو شيئان مف ذلؾ كمو‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬المصركع بعد إفاقتو مف غيبكبتو ال يعمـ ما الذم حدث لو‪ ،‬كالنبي ‪ ‬كاف إذا ذىب‬
‫عنو الكحي قاؿ كبلمان عجزت عف اإلتياف بمثمو العرب كالعجـ‪:‬القرآف الكريـ الذم تحدل هللا بو‬
‫العرب كالعجـ‪ ،‬فمـ يستطيعكا اإلتياف كلك بمثؿ سكرة مف مثمو‪ ،‬ىذا القرآف الذم احتكل عمى‬
‫أصكؿ العقيدة اإلسبلمية كالحديث عف الجنة كالنار كأىكاؿ يكـ القيامة‪ ،‬كأخبار األمـ السابقة‪،‬‬
‫كأخبار مستقبمية‪ .‬كفي كؿ آية منو داللة عمى أنو مف لدف حكيـ خبير مف إعجاز لغكم كفيو‬
‫مف اإلعجاز العممي في قضايا لـ يعرفيا الناس إال في عصكرنا الحالية‪ ،‬كمف القضايا‬
‫األخبلقية كاالجتماعية ما عجز عف اإلتياف بمثمو حكماء البشرية‪ ،‬ىذا إلى جانب القضايا‬
‫التشريعية االقتصادية كالسياسية التي تحكـ عبلقات الناس عمى مستكل الفرد كالمجتمع كالدكلة‬
‫كعبلقاتيا بغيرىا…الخ‬
‫سكء كضعفان حتى يقتؿ‬
‫ٓ ‪ -‬الصرع ال يزاؿ يزداد بصاحبو مع مركر الكقت‪ ،‬كيزداد ن‬
‫صاحبو‪ ،‬كالكحي لـ يكف كذلؾ‪.‬‬
‫ألف مصدره رب العزة تبارؾ‬
‫سبؽ أف تحدثنا عف الكحي أنو المصدر اليقيني لممعرفة ٌ‬
‫كتعالى‪ ،‬كنقصد بالكحي كمصدر أساسي لممعرفة ىك‪ :‬كؿ ما جاء بو الكحي في كتاب هللا‬
‫تعالى كسنة النبي ‪ ‬مف قضايا معرفية تتعمؽ باإلنساف سكاء منيا ما يتعمؽ بالخالؽ تبارؾ‬
‫كتعالى كبأسمائو كصفاتو‪ ،‬كما يتعمؽ بعمكـ الغيب مثؿ الجنة كالنار كالمبلئكة‪ ...‬كىك ما‬
‫يعرؼ في العقيدة اإلسبلمية بالسمعيات‪ ،‬ألنيا ال يتكصؿ لمعرفتيا إال بالكحي مف قرآف كسنة‪.‬‬

‫‪-65- 65‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ككذلؾ ما يتعمؽ باإلنساف كالككف مف حكلو‪ :‬نشأتو ككظيفتو كغاية الكجكد كالعبلقة بيف الككف‬
‫كاإلنساف‪...‬‬
‫يف ىريسكنال ًم ٍنيي ٍـ ىي ٍتميك ىعمىٍي ًي ٍـ ىء ىاياتً ًو ىكيي ىزًٌكي ًي ٍـ ىكيي ىعمًٌ يميي يـ‬ ‫ً‬
‫يمٌيً ى‬
‫قاؿ تعالى‪ :‬ىك الًَّذم بع ى ً‬
‫ث في ٍاأل ٌ‬ ‫ىى‬ ‫يى‬
‫يف ‪ ‬الجمعة اآلية ِ كقاؿ سبحانو‪:‬‬ ‫ض ىبل وؿ يمبً و‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ًف ىك يانكا م ٍف قىٍب يؿ لىفي ى‬‫اب ىكاٍلح ٍك ىمةى ىكا ٍ‬
‫اٍلكتى ى‬
‫كف‪ ‬األنفاؿ اآليةَِ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫اَّللى ىكىريسكلىوي ىكىال تىىكل ٍكا ىع ٍنوي ىكأ ٍىنتي ٍـ تى ٍس ىم يع ى‬
‫يعكا َّ‬
‫امينكا أىط ي‬ ‫يف ىء ى‬ ‫‪ ‬ىياأىيُّيىا الذ ى‬
‫الرؤيا والحمم‪:‬‬
‫يعتبر الدكتكر عبد هللا زركؽ الرؤيا مصد انر مف مصادر المعرفة‪ ،‬كاستدؿ عمى ذلؾ بما‬
‫ام ًم ٍف قىٍب يؿ قى ٍد ىج ىعمىيىا ىرٌبًي‬ ‫ً‬
‫يؿ يرٍؤىي ى‬ ‫اؿ‪ :‬ىياأ ىىبت ىى ىذا تىأ ًٍك ي‬ ‫جاء عمى لساف يكسؼ عميو السبلـ ىكقى ى‬
‫حقِّا‪ ‬يكسؼ اآلية ََُ‪ .‬كقىاؿ رسكؿ ًَّ‬
‫ات قىاليكا ىك ىما‬ ‫ؽ ًم ٍف النُّيب َّكًة إً َّال اٍل يم ىب ًٌش ىر ي‬ ‫اَّلل ‪":‬لى ٍـ ىي ٍب ى‬ ‫ى ىي ي‬ ‫ى‬
‫يف يج ٍزنءا ًم ٍف‬ ‫ً‬ ‫ً ً و‬
‫‪":‬رٍؤىيا اٍل يم ٍؤ ًم ًف يج ٍزهء م ٍف ستَّة ىكأ ٍىرىبع ى‬ ‫ي‪ ‬ي‬ ‫الصالً ىحةي" كقاؿ َّ‬
‫النبً ً‬ ‫)‬‫ُ‬ ‫(‬
‫الرٍؤىيا َّ‬
‫اؿ ُّ‬ ‫اٍل يم ىب ًٌش ىر ي‬
‫ات قى ى‬
‫ٌ‬
‫"الرؤيا ًمف ًَّ‬
‫اَّلل ىكاٍل يحٍم يـ ًم ٍف‬ ‫النيب َّكًة" كالرؤيا بخبلؼ الحمـ فيك مف الشيطاف‪ ،‬ففي الحديث‪ ٍ ُّ :‬ى ٍ‬ ‫ُّ‬
‫(ِ)‬

‫طً‬
‫اف"(ّ)‪.‬‬ ‫الش ٍي ى‬‫َّ‬
‫أما الشيطاف ككسكستو كايحاءاتو فيك مصدر معرفة ألكليائو مف األنس قاؿ تعالى‪:‬‬
‫ؼ اٍلقى ٍك ًؿ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪‬ككذلًؾ جعمنا لًك ًؿ نبً و‬
‫ض يز ٍخ ير ى‬ ‫س ىكاٍل ًج ًٌف ييكحي ىب ٍع ي‬
‫ضيي ٍـ إًلىى ىب ٍع و‬ ‫يف ًٍ‬
‫اإل ٍن ً‬ ‫ي ىع يد ِّكا ىش ىياط ى‬ ‫ى ى ى ى ى ى ٍى ي ٌ ى ٌ‬
‫كف‪ ‬األنعاـ ُُِ كقاؿ سبحانو‪:‬‬ ‫ُّؾ ىما فى ىعميكهي فى ىذ ٍريى ٍـ ىك ىما ىي ٍفتىير ى‬
‫اء ىرب ى‬ ‫كر ىكلى ٍك ىش ى‬ ‫يغ ير نا‬
‫يف الزخرؼ‪ ‬اآلية ّٔ كقاؿ‪:‬‬ ‫ض لىوي ىش ٍيطى نانا فىيي ىك لىوي قى ًر ه‬ ‫ش ىع ٍف ًذ ٍك ًر َّ‬
‫الر ٍح ىم ًف ينقىٌيً ٍ‬ ‫‪ ‬ىك ىم ٍف ىي ٍع ي‬
‫(ْ)‬
‫اء فى ىزييَّنكا لىيي ٍـ ىما ىب ٍي ىف أ ٍىيًدي ًي ٍـ ىك ىما ىخٍمفىيي ٍـ‪ ‬فصمت اآلية ِٓ‬ ‫َّض ىنا لىيي ٍـ قيىرىن ى‬
‫‪ ‬ىكقىي ٍ‬
‫أف الرؤيا ال تعتبر مصد انر معرفيان يقينيان في غير األنبياء‬ ‫غير أننا يجب أف ننبو إلى ٌ‬
‫كالرسؿ ‪ -‬فقد سبؽ لنا القكؿ أف رؤيا األنبياء كحي‪ ،‬أما رؤيا المؤمنيف فقد قاؿ ابف حجر‬
‫"م ٍف رأل النبي ‪ ‬فأمره بحكـ يخالؼ حكـ الشرع‪ ،‬المستقر الظاىر أنو ال يككف‬
‫رحمو هللا‪ :‬ى‬
‫مشركعان في حقو كال في حؽ غيره حتى يجب عميو تبميغو"‪" ،‬قاؿ ابف السمعاني‪ :‬الشرع ىك‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب التعبير باب المبشرات(َٗٗٔ) عف أبي يى ىرٍي ىرةى‪..‬‬
‫ام ًت ‪..‬‬
‫الص ً‬
‫ادةى ٍب ًف َّ‬
‫(ِ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب التعبير باب الرؤيا الصالحة (ٕٖٗٔ) ىع ٍف يعىب ى‬
‫(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو كتاب الطب باب النفث في الرقية (ْٕٕٓ)‪ .‬عف أبي قتادة‪..‬‬
‫(ْ) انظر كتاب اإلسبلـ كالعمـ التجريبي صْْ‪ ،‬كانظر فاطمة إسماعيؿ في القرآف كالنظر العقمي صٕٗػ ٖٗ‪.‬‬

‫‪-66-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الحجة‪ ..‬كقاؿ ابف حجر‪ :‬لك رأل النبي ‪ ‬يأمره بشيء‪ ،‬ىؿ يجب عميو امتثالو كالبد‪ ،‬أك البد‬
‫(ُ)‬
‫أف يعرضو عمى الشرع الظاىر‪ ،‬فالثاني ىك المعتمد"‪.‬‬

‫الخبر‪:‬‬
‫مف الخبر ما كاف كحيان مف عند هللا تعالى سكاء كاف قرآنان أك سنة‪ ،‬كقد تقدـ الحديث عنيما‬
‫في باب الكحي كمنيا ما كاف مف عند الناس‪ ،‬كاإلسبلـ ال يرفضو كمصدر ما لـ يخالؼ‬
‫الكحي‪.‬‬
‫تأتي أىمية الخبر كمصدر مف مصادر المعرفة ألنو يخبرنا بنبأ جديد كمعرفة لـ يسبؽ لنا‬
‫عمميا‪ .‬كقد أكد القرآف الكريـ عمى أىمية الخبر نصان قرآنيان كاف أك سنةن شريفة‪ ،‬أك خب انر عاديان‪.‬‬
‫كمف الخبر ما يككف صادقان كمنو الكاذب‪ ...‬كالخبر الصادؽ نكعاف‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬الخبر المتكاتر‪ :‬كىك ما ركاه جمع عف جمع مف أكؿ السند إلى منتياه‪ ،‬بحيث ال‬
‫يتصكر تكاطؤىـ عمى الكذب‪ ،‬كيككف مستند خبرىـ الحس‪ .‬كىذا الخبر يفيد العمـ الضركرم‪،‬‬
‫كالعمؿ بو كاجب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬خبر اآلحاد الذم لـ تتكافر فيو شركط التكاتر‪ ،‬كىذا النكع فيو الصحيح كالحسف كالعمـ‬
‫بو كاجب‪ ،‬كمف تركو كقع اإلثـ ككبائر الذنكب‪.‬‬
‫كشرط صحة الخبر ليا معايير فصؿ فييا أىؿ مصطمح الحديث أىميا عدالة الراكم كضبطو‬
‫كاتصاؿ اإلسناد كسبلمة الخبر مف الشذكذ كالعمة‪.‬‬
‫امينكا ًإ ٍف‬ ‫ًَّ‬
‫يف ىء ى‬
‫كقد أكد القرآف الكريـ عمى أىمية تكثيؽ األخبار في قكلو تعالى‪  :‬ىياأىيُّيىا الذ ى‬
‫ًً‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫اس ه و‬ ‫جاء يكـ فى ً‬
‫يف‪ ‬الحجرات اآلية‬ ‫صبً يحكا ىعمىى ىما فى ىعٍمتيٍـ ىنادم ى‬
‫ىف تيص ييبكا قى ٍك نما بً ىجيىالىة فىتي ٍ‬
‫ؽ بًىنىبأ فىتىىبييَّنكا أ ٍ‬ ‫ى ى ٍ‬
‫أف نقصر معرفة‬
‫ٔ كاالعتماد عمى الخبر أمر ضركرم في حياتنا اليكمية‪ ،‬ألنو مف غير المعقكؿ ٌ‬
‫كؿ األمكر عمى تمؾ التي نعرفيا بكاسطة الحس كالعقؿ المباشر فقط‪ ،‬فإذا قيؿ لشخص أختؾ‬
‫(ِ)‬
‫كضعت‪ ،‬أك فبلف تكفي فإنو ال يقكؿ ال أصدؽ إال أف أرل المكلكد‪ ،‬أك أرل الميت‪.‬‬

‫المصدر الثاني‪ :‬العقل‬

‫(ُ) ابف حجر في الفتح ُِ‪.ّٖٗ ،ّٕٓ-ّْٕ/‬‬


‫(ِ) انظر د‪ .‬عبد هللا زركؽ في كتابو اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص ْْ‪ ،ْٓ-‬كفاطمة إسماعيؿ في القرآف كالنظر العقمي‬
‫صٕٖ‪.ٖٗ-‬‬

‫‪-67- 67‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫العقؿ المصدر الثاني مف مصادر المعرفة‪ ،‬كىك أجؿ النعـ التي كىبيا هللا تعالى لئلنساف‬
‫ألنو أداة التمييز كاإلدراؾ‪ ،‬كألنو القكة المذخكرة في اإلنساف المتييئة لقبكؿ العمـ‪ ،‬كقد بيف‬
‫اإلسبلـ لمعقؿ المنيج الصحيح لمتفكير كالتدبر‪ ،‬كجعمو مناط التكميؼ بالخطاب الشرعي‪ ،‬ألف‬
‫غير العاقؿ غير مخاطب بو‪ .‬قاؿ د‪ .‬عبد هللا زركؽ‪" :‬كيعتبر العقؿ مصد انر لممعرفة لما‬
‫يسمى بالمعارؼ الغريزية أك الفطرية المرككزة في اإلنساف‪ ،‬كتعرؼ أيضان بالمعارؼ الحدسية‪.‬‬
‫كالمعارؼ البدييية‪ :‬يشترؾ فييا عامة الناس ممف لو قكة متكسطة في الذكاء‪ .‬كقكة البديية‬
‫كسرعتيا قد تختمؼ مف فرد إلى فرد‪.‬‬
‫أما المعارؼ الحدسية‪ :‬فعادة يمتاز بيا خاصة الناس مف المكتشفيف كالمخترعيف كالمبدعيف‬
‫كالنابييف" (ُ)‪ .‬كلـ تيتـ أم مف الشرائع أك القكانيف ‪ -‬سكاء كانت دينية أك دنيكية ‪ -‬بالعقؿ‬
‫كما اىتـ بيا اإلسبلـ‪ ،‬كاألدلة عمى ذلؾ كثيرة‪ ،‬نذكر منيا‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬أكؿ كممة نزلت مف القرآف الكريـ (اقرأ) كقد تكررت في القرآف ثبلث مرات‪ ،‬قاؿ الشيخ‬
‫محمد الغزالي رحمو هللا‪" :‬كىذه أكؿ صيحة تسمك بقدر القمـ كتنكه بقيمة العمـ‪ ،‬كتعمف الحرب‬
‫(ِ)‬
‫عمى األمية الغافمة‪ ،‬كتجعمو المبنة األكلى في بناء كؿ رجؿ عظيـ أف يق أر أك أف يتعمـ"‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬دعا القرآف إلى العمـ‪ ،‬كقد كردت كممة (عمٌـ) في القرآف في أربعة مكاطف في القرآف‬
‫الكريـ‪ ،‬كالمصدر نفسو‪ ،‬كتصريفات الفعؿ كردت في القرآف الكريـ في أكثر مف خمسة كثبلثيف‬
‫مكضعان مف القرآف الكريـ‪.‬‬
‫‪ -‬كما أقسـ رب العزة تبارؾ كتعالى بأدكات الكتابة‪ :‬الحرؼ كالقمـ كالكتابة قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫كف‪‬القمـ اآلية ُ‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪‬ف ىكاٍل ىقمىـ ىك ىما ىي ٍسطيير ى‬
‫اَّللي أَّىنوي الى إًلىوى إًالٌ يى ىك ىكاٍل ىمبلىئً ىكةي ىكأ ٍيكليكا‬
‫‪ -‬كرفع مكانة العمـ كالعمماء‪ ،‬قاؿ تعالى‪  :‬ىش ًي ىد َّ‬
‫ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ًً ً ً ً ً ً ً‬
‫يـ‪‬آؿ عمراف اآلية ُٖ‪  .‬يق ٍؿ ىى ٍؿ ىي ٍستىًكم الذ ى‬
‫يف‬ ‫اٍلعٍمـ قىائ نما باٍلق ٍسط الى إلىوى إالٌ يى ىك اٍل ىع ًز ييز اٍل ىحك ي‬
‫اب‪‬الزمر اآلية ٗ‬ ‫كف إًَّنما يتى ىذ َّكر أيكليكا األىٍلب ً‬ ‫ًَّ‬
‫ى‬ ‫يف الى ىي ٍعمى يم ى ى ى ي ٍ‬ ‫كف ىكالذ ى‬ ‫ىي ٍعمى يم ى‬
‫ّ ‪ -‬دعا القرآف الكريـ إلى النظر في مائة كتسع كعشريف آية منيا قكلو تعالى‪  :‬ىفٍم ىي ٍنظي ٍر‬
‫ؽ‪‬الطارؽ‪ :‬اآلية ٓ‬ ‫اف ًم َّـ يخمً ى‬‫نس ي‬
‫اإل ى‬‫ام ًو‪‬عبس‪ :‬اآلية ِْ‪  ،‬ىفٍم ىينظي ٍر ًٍ‬ ‫طع ً‬
‫اف إًلىى ى ى‬ ‫نس ي‬ ‫ًٍ‬
‫اإل ى‬

‫(ُ) انظر اإلسبلـ كالبحث التجريبي ص ّْ‪.‬‬


‫(ِ) خمؽ المسمـ‪-‬الشيخ محمد الغزالي صَِِ‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪-‬القاىرة ُّْٗىػ‪ُْٕٗ-‬ـ‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ْ ‪ -‬الدعكة لمتبصر كردت في مائة كثماف كأربعيف آية منيا قكلو تعالى‪  :‬ىكًفي أىنفي ًس يك ٍـ‬
‫كف‪‬الذاريات‪ :‬اآلية ‪ُِ.‬‬ ‫ً‬
‫أىفىبلى تيٍبص ير ى‬
‫كف‬
‫ٓ ‪ -‬الدعكة إلى التدبر في أربع آيات في القرآف الكريـ‪ .‬منيا قكلو تعالى‪  :‬أىفى ىبل ىيتى ىدب يَّر ى‬
‫كب أى ٍقفىالييىا ‪ ‬محمد اآلية ‪ِْ.‬‬ ‫اف أىـ ىعمىى يقمي و‬
‫اٍلقي ٍرىء ى ٍ‬
‫اَّلل لى يكـ اآلي ً‬ ‫ً‬
‫ات‬ ‫ٔ ‪ -‬الدعكة إلى التفكر في ست عشرة آية منيا قكلو تعالى‪  :‬ىك ىذل ىؾ يي ىبٌيً يف َّي ٍ ى‬
‫َّ‬
‫كف‪‬البقرة‪ :‬اآلية ‪ُِٗ.‬‬ ‫لى ىعم يك ٍـ تىتىفى َّك ير ى‬
‫ص ًي ٍـ ًع ٍب ىرةه‬‫ٕ ‪ -‬الدعكة إلى االعتبار في سبع آيات منيا قكلو تعالى‪ :‬لىقى ٍد ىكاف ًفي قىص ً‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫أليكلًي األىٍلب ً‬
‫ب‬‫ص ًار * يي ىقمٌ ي‬ ‫اد ىس ىنا ىب ٍرًقو ىي ٍذ ىى ي‬
‫ب بًاأل ٍىب ى‬ ‫اب‪ ‬يكسؼ‪ :‬اآلية ُُُ كقاؿ تعالى‪  :‬ىي ىك ي‬ ‫ى‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ص ًار‪‬النكر‪ :‬اآلية ّْ ‪ْْ -‬‬ ‫ؾ لىع ٍب ىرةن أل ٍيكًلي األ ٍىب ى‬
‫النيى ىار ًإ َّف في ىذل ى‬
‫اَّللي المٍي ىؿ ىك َّ‬ ‫َّ‬
‫ٖ ‪ -‬الدعكة إلى التفقو كىي‪" :‬خطكة عقمية أبعد مدل مف التفكير إذ ىي الحصيمة التي‬
‫تنتج عف عممية التفكير‪ ،‬كتجعؿ اإلنساف أكثر كعيان لما يحيط بو‪ ،‬كأعمؽ إدراكان ألبعاد كجكده‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫كعبلئقو في الككف‪ ،‬كما تجعمو منفتح البصيرة دكمان"‬
‫ؼ‬‫كقد كردت مادة (فقو) في عشريف آية في القرآف الكريـ مثؿ قكلو تعالى‪  :‬انظي ٍر ىك ٍي ى‬
‫كب الى‬ ‫ً َّ‬ ‫ص ًٌر ي‬
‫كف‪ ‬األنعاـ‪ :‬اآلية ٓٔ‪ ،‬كقد نعى عمى الكفار فقاؿ‪  :‬لىيي ٍـ يقمي ه‬
‫اآليات لى ىعميي ٍـ ىي ٍفقىيي ى‬
‫ؼ ى‬ ‫ين ى‬
‫كف بًيىا‪ ‬األعراؼ‪ :‬اآلية ‪ُٕٗ.‬‬ ‫ىي ٍفقىيي ى‬
‫ٗ‪ -‬الدعكة إلى التذكر‪ ،‬كقد كردت في القرآف مائتاف كتسع كستكف آية مثؿ قكلو تعالى‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ً ً‬
‫كف‪‬األنعاـ‪ :‬اآلية ُِٔ‪ ،‬كقد ارتبط التذكر بالقرآف بأكلي األلباب‬ ‫اآليات لقى ٍكوـ ىيذ َّك ير ى‬
‫صٍم ىنا ى‬
‫‪‬قى ٍد فى َّ‬
‫اب‪ ‬الزمر ٗ‪ .‬كىذه الدعكة تكجيو لمعقؿ نحك تأدية كظيفتو‬ ‫قاؿ تعالى‪  :‬إًَّنما يتى ىذ َّكر أيكليك ٍاألىٍلب ً‬
‫ى‬ ‫ى ى ي‬
‫التي خمؽ مف أجميا‪ ،‬كفتح لو مجاؿ البحث في الظكاىر المشاىدة المحسكسة التي يعترؼ بيا‬
‫الجميع‪.‬‬
‫َُ ‪ -‬ذكر القرآف الكريـ العقؿ كمشتقاتو في تسع كأربعيف آية‪.‬‬
‫ُُ ‪ -‬ذكر القرآف الكريـ أصحاب العقكؿ‪ ،‬فنعتيـ في ست عشرة آية ب"أكلي األلباب"‬
‫كىي مرتبة عالية في النظر كالتفكر كالتدبر‪ ،‬قاؿ النيسابكرم عف العقؿ‪" :‬أكؿ األمر يككف‬
‫(ُ)‬
‫عقبلن‪ ،‬كفي كماؿ الحاؿ يككف لبان"‬

‫(ُ) تيافت العممانية‪ :‬د‪ .‬عماد الديف خميؿ صّٓ‪.‬‬

‫‪-69- 69‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ُِ ‪ -‬ذـ القرآف الذيف ال يعقمكف أكال يتدبركف أكال يتذكركف أك ال يتفكركف أك ال يبصركف‪.‬‬
‫ًًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف ىيتَّقي ى‬
‫كف أىفىبلى‬ ‫الد ٍن ىيا إًالٌ لىع ه‬
‫ب ىكلى ٍي هك ىكلى َّمد يار اآلخ ىرةي ىخ ٍيهر لمذ ى‬ ‫مثؿ قكلو تعالى‪  :‬ىك ىما اٍل ىح ىياةي ُّ‬
‫كف‪ ‬األنعاـ‪ :‬اآلية ‪ِّ.‬‬ ‫ً‬
‫تى ٍعقمي ى‬
‫ُّ ‪ -‬كصؼ هللا تعالى الذيف عطمكا عقكليـ بأنيـ كاألنعاـ بؿ ىـ أضؿ كذلؾ ألف األنعاـ‬
‫ال قدرة ليا عمى تحصيؿ النظر‪ ،‬كاإلنساف قد أعطي القدرة عمى ذلؾ‪ ،‬كمع ىذا فقد أعرض‬
‫ًَّ‬ ‫اب ًع ٍند ًَّ‬
‫يف الى‬
‫الص ُّـ اٍليب ٍك يـ الذ ى‬
‫اَّلل ُّ‬ ‫الد ىك ًٌ ى‬
‫عف النظر العقمي كاكتساب المعرفة‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬إً َّف ىش َّر َّ‬
‫كف‪ ‬األنفاؿ‪ :‬اآلية ِِ‬ ‫ً‬
‫ىي ٍعقمي ى‬
‫ُْ ‪ -‬أشارت آيات كثيرة إلى مرادفات العقؿ في القرآف مثؿ‪:‬‬
‫(لب ‪ -‬نيى ‪ -‬حمـ ‪ -‬حجر ‪ -‬قمب) ألف قمب كعقؿ قد يستعمبلف بمعنى كاحد‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المب‪ :‬في ست عشرة آية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬األحبلـ‪ :‬آية كاحدة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬النيى‪ :‬آيتاف في كتاب هللا تعالى‪.‬‬
‫د ‪ -‬الحجر‪ :‬آية كاحدة‪.‬‬
‫ىػ ‪ -‬القمب‪ :‬مائة كاثنتاف كثبلثكف آية في القرآف الكريـ‪.‬‬
‫يف‬ ‫ًَّ‬
‫عف العمؿ‪ :‬قاؿ تعالى‪  :‬ىياأىيُّيىا الذ ى‬ ‫كألف اإلسبلـ قدر العقؿ حرـ ما يؤدم إلى تغييبو‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫اف فى ً‬ ‫ىعم ًؿ َّ‬ ‫اب ىكاأل ٍىزالى يـ ًر ٍج هس ًم ٍف‬ ‫ً‬
‫كف‪‬‬ ‫الش ٍيطى ً ٍ‬
‫اجتىنيبكهي لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى‬ ‫ى‬ ‫ىنص ي‬ ‫آمينكا إًَّن ىما ٍ‬
‫الخم ير ىكاٍل ىم ٍيس ير ىكاأل ى‬ ‫ى‬
‫المائدة اآلية َٗ‬
‫"يتضح مما تقدـ أف دعكة القرآف الكريـ الصريحة لمنظر العقمي لـ يعادليا دعكة أخرل في‬
‫أم كتاب فالقرآف الكريـ ال يذكر العقؿ عرضاى مقتضبان‪ ،‬بؿ يذكره مقصكدان مفصبلن عمى نحك‬
‫(ِ)‬
‫ال نظير لو في كتب مف كتب األدياف كال الفمسفات"‬
‫مجاالت العقؿ‪:‬‬

‫(ُ) غرائب القرآف كرغائب الفرقاف لمنيسابكرم‪-‬ىامش جامع البياف كتفسير القرآف لمطبرم ْ‪.ُْٔ/‬‬
‫(ِ) انظر مفيكـ العقؿ كالقمب‪ :‬د‪ .‬محمد عمى الجكزك ص ُٖٔ‪ .‬كانظر مكضكع اىتماـ القرآف بالعقؿ في كتاب القرآف‬
‫كالنظر العقمي‪ :‬د‪ .‬فاطمة إسماعيؿ ص ّٔ‪.ٕٗ-‬‬

‫‪-70-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫العقؿ الذم كرمو ربو تبارؾ كتعالى‪ ،‬كجعمو مناط التكميؼ في اإلنساف لو حدكد ال ينبغي‬
‫ضؿ‬
‫ٌ‬ ‫لو تجاكزىا‪ ،‬ألنيا مخمكؽ محدكد اآلفاؽ‪ ،‬فينبغي أف تككف حريتو كفؽ قدراتو‪ ،‬كاال‬
‫كغكل‪ ،‬كتكمؼ ما ال يستطيع‪ ،‬قاؿ اإلماـ الشاطبي‪:‬‬
‫"إف هللا جعؿ لمعقكؿ في إد اركيا حدان تنتيي إليو ال تتعداه‪ ،‬كلـ يجعؿ ليا سبيبلن إلى إدر و‬
‫اؾ‬
‫في كؿ مطمكب‪ ،‬كلك كانت كذلؾ الستكت مع البارئ تعالى في إدراؾ جميع ما كاف كما ال‬
‫يككف‪ ،‬إذ لك كاف كيؼ كاف يككف‪ ،‬فمعمكمات هللا ال تتناىى‪ ،‬كمعمكمات العبد تتناىى‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫كالمتناىي ال يساكم ما ال يتناىى"‪.‬‬
‫كالقضايا التي ال يجكز لمعقؿ أف يخكض فييا‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬الذات اإلليية‪ :‬اإلنساف قد يدرؾ بعقمو كحسو بعض صفاتو إذا ما نظر في بديع ما‬
‫خمؽ هللا تعالى‪ ،‬كما قاؿ الشاعر‪:‬‬
‫(ِ)‬
‫تدؿ عمى أنو الكاحد‪.‬‬ ‫ففي كؿ شيء لو آية‬
‫كلكف ال يستطيع اإلنساف بعقمو كحسو أف يتعرؼ عمى صفات الخالؽ فيما يجب لو مف‬
‫صفات‪ ،‬كما يستحيؿ‪ ،‬كال يجكز في حقو‪ ،‬فكاف الكحي المخبر الصادؽ عف كامؿ صفاتو‪ ،‬كما‬
‫يجب لو كما ال يجب‪ .‬كمثاؿ ذلؾ مكسى عميو الصبلة كالسبلـ لما طمب منو قكمو أف يركا هللا‬
‫ألف البارم تبارؾ كتعالى أجؿ كأعمى مف‬
‫جيرة‪ ،‬كىـ غير مدركيف إلى عدـ استطاعتيـ ذلؾ ٌ‬
‫أف تدركو أبصار البشر كاف استطاع عقميـ كحكاسيـ أف يدرككا بعض صفاتو العمى قاؿ تعالى‬
‫ىخ ىذتٍ يك يـ‬ ‫كسى لى ٍف ين ٍؤ ًم ىف لى ىؾ ىحتَّى ىن ىرل َّ‬
‫اَّللى ىج ٍي ىرةن فىأ ى‬ ‫محدثان عف مكسى كقكمو‪  :‬ىكًا ٍذ يقٍمتي ٍـ ىيا يم ى‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ٓٓ‪.‬‬ ‫َّ ً‬
‫الصاعقىةي ىكأ ٍىنتي ٍـ تىٍنظيير ى‬
‫كالعقؿ إف خاض غمار ىذه المعارؼ بدكف كحي تعثر كضؿ‪ ،‬ككقع في الحيرة‪ ،‬كظممات‬
‫الشؾ‪ .‬كليذا نيى النبي ‪ ‬عف التفكر في ذات هللا تعالى فقاؿ فيما ركاه عنو عبد هللا بف عمر‬
‫(ّ)‬
‫رضي هللا عنو‪( :‬تفكركا في آالء هللا كال تفكركا في هللا)‪.‬‬

‫(ُ) االعتصاـ لمشاطبي ِ‪ ،ُِٖ/‬المكتبة التجارية الكبرل‪ ،‬مصر مطبعة السعادة‪-‬بيركت‪.‬‬


‫(ِ) انظر كتاب إلى البرىاف يا أكلي األلباب ألحمد بف محمد طاحكف ص ُٔ‪ ،‬ط‪ .‬األكلى َُْٕىػ‪ُٖٗٔ-‬ـ‬
‫(ّ) أخرجو أبك الشيخ في العظمة صُٕ(ُ)‪ ،‬كالطبراني في األكسط (ْٔٓٔ)‪ ،‬كالبييقي في شعب اإليماف ُ‪ ،ٕٓ/‬كقد‬
‫كقد أكرده األلباني رحمو هللا في السمسمة الصحيحة برقـ (ُٖٖٕ) كحسنو بمجمكع الطرؽ‪.‬‬

‫‪-73- 71‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كلقد حذرنا رسكؿ هللا ‪ ‬مف الرككف إلى كساكس الشيطاف في مسائؿ التكحيد فقد أخرج‬
‫اؿ‬ ‫اس ىيتى ىساءلي ى َّ‬ ‫اؿ َّ‬ ‫مسمـ في صحيحو عف أىبًي ىريرةى قىاؿ‪ :‬قىاؿ رسكؿ ًَّ‬
‫كف ىحتى ييقى ى‬ ‫ى‬ ‫الن ي‬ ‫(ال ىي ىز ي‬
‫اَّلل ‪ :‬ى‬ ‫يى ٍ ى ى ى ى ي ي‬ ‫ىٍ‬
‫ً (ُ)‬ ‫ً ً‬
‫ت بً َّ‬
‫اَّلل)‪.‬‬ ‫آم ٍن ي‬
‫اَّللى فى ىم ٍف ىك ىج ىد م ٍف ىذل ىؾ ىش ٍي نئا ىفٍم ىي يق ٍؿ ى‬
‫ؽ َّ‬ ‫ؽ فى ىم ٍف ىخمى ى‬
‫اَّللي الخٍم ى‬
‫ؽ َّ‬ ‫ىى ىذا ىخمى ى‬
‫كفي ىذا يقكؿ األستاذ محمد قطب‪" :‬كليس معنى ىذا أف االعتقاد في كجكد هللا كمعرفة‬
‫صفاتو أمر ال نصيب فيو لمعقؿ‪ ،‬كبل إنما يدخؿ العقؿ إلى ىذا الميداف مف بابو الذم ىك‬
‫مؤىؿ بطبيعتو لمدخكؿ فيو‪ ،‬ال مف الباب الذم ال يقدر عمى فتحو‪ ،‬كالذم يضؿ فيو لك اقتحمو‬
‫بغير إرادتو‪ ،‬كيدخؿ مف باب إدراؾ آثار القدرة اإلليية كاالستدالؿ مف ىذه اآلثار عمى كجكد‬
‫(الكنو) الذم ال‬
‫هللا تعالى‪ ،‬كمعرفة صفاتو التي يتفرد بيا دكف الخمؽ‪ ،‬كلكف ال يدخؿ مف باب ي‬
‫(ِ)‬
‫يقدر عميو‪ ،‬كال يصؿ إلى نتيجة فيو"‪.‬‬
‫ِ ‪ -‬عمكـ الغيب‪ :‬ىؿ العقؿ أك الحس يستطيع أف يدرؾ شيئان كلك بسيطان عف كنو الحياة بعد‬
‫المكت‪ ،‬في القبر ثـ البعث كالنشكر كالميزاف كالجنة كالنار كالصراط…؟! بؿ ىؿ يستطيع أف يدرؾ‬
‫سر الحياة كالمكت؟ ركح اإلنساف تسكف جسده‪ ،‬فيك حي ما دامت فيو‪ ،‬فإف خرجت أصبح جثة‬
‫ىامدة‪ .‬فأيف مكقعيا؟ إنو أمر مف أمكر الغيب التي ليس لنا عمييا دليؿ غير المصدر الرباني‪:‬‬
‫الكحي‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬القطعيات‪ :‬األمكر القطعية المعمكمة مف الديف بالضركرة كالعبادات‪،‬كالحدكد كالديات‬
‫كالمحرمات مف النساء‪ ،‬كالمكاريث… ليس لمعقؿ أف يتفكر في الصبلة كعدد ركعاتيا‪ ،‬أك في الزكاة‬
‫كمقاديرىا كأنصبتيا‪ ،‬أك أف يتدخؿ في المحرمات مف النسب أك الرضاعة‪ ،‬أك أف ييغير مف أنصبة‬
‫الكرثة مف التركة‪ .‬غير أف لمعقؿ الحؽ في أف يبحث في ركح النصكص كاستخراج ًح ىكـ التشريع‬
‫كأحكامو‪ ،‬أما األسس فيي قضايا تكقيفية‪ ،‬ال مجاؿ فييا لمزيادة أك النقصاف‪ ،‬أك التغيير كالتبديؿ‪.‬‬
‫يقكؿ الشييد سيد قطب‪" :‬إف دكر العقؿ أف يتمقى عف الرسالة‪ ،‬ككظيفتو أف يفيـ ما يتمقاه عف‬
‫كينبو‬
‫الرسكؿ‪ ،‬كميمة الرسكؿ أف يبمغ كيبيف كيستنقذ الفطرة اإلنسانية مما ىيريف عمييا مف الركاـ ي‬
‫العقؿ اإلنساني إلى تدبر دالئؿ اليدل‪ ،‬كمكحيات اإليماف في النفس كاآلفاؽ‪ ،‬كأف يرسـ لو منيج‬
‫التمقي الصحيح‪ ،‬كمنيج النظر الصحيح‪ ،‬كأف يقيـ لو القاعدة التي ينيض عمييا منيج الحياة العممية‬

‫(ُ) أخرجو مسمـ في صحيحو‪-‬كتاب اإليماف ُ‪)ُّْ(ُُٗ/‬‬


‫(ِ) مذاىب فكرية معاصرة ص َِٓ‬

‫‪-71-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫المؤدم إلى خير الدنيا كاآلخرة‪ .‬كليس دكر العقؿ أف يككف حاكمان عمى الديف كمقرراتو مف حيث‬
‫الصحة كالبطبلف‪ ،‬كالقبكؿ أك الرفض‪ ،‬بعد أف يتأكد مف صحة صدكرىا عف هللا‪ ،‬كبعد أف يفيـ‬
‫المقصكد بيا ‪ -‬أم المدلكالت المغكية كاالصطبلحية لمنص ‪ … -‬كمتى ثبت النص كاف ىك‬
‫الحكـ‪ ،‬ككاف عمى العقؿ البشرم أف يقبمو كيطيعو كينفذه سكاء كاف مدلكلو مألكفان أك غريبان‬
‫(ُ)‬
‫عميو"‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬العبلقات البشرية‪ :‬ال يستطيع العقؿ أف يضع قكانيف كقكاعد عامة تصمح ألف تسير‬
‫عمييا البشرية‪ ،‬صالحة لكؿ زماف كمكاف‪ ،‬ألف التجربة اإلنسانية تظؿ قاصرة‪ ،‬محدكدة النظر‬
‫فما قد يصمح لبيئة بالضركرة لف يصمح لمبيئات األخرل‪ ،‬كما قد يصمح لزمف معيف لف يصمح‬
‫ألف معطيات كؿ عصر كمصر‪ ،‬كتنكع حاجاتو‪ ،‬ىذا مع ما ىك مرككز في‬ ‫لؤلزماف المتعاقبة ٌ‬
‫طبائع الناس مف اليكل‪ ،‬كحب الشيكات‪ ،‬كما يغمب عمييا مف طابع األنانية ‪ -‬حب الذات ‪.-‬‬
‫تجعؿ مف الصعب عمى اإلنساف بقدراتو المحدكدة أف يضع مف الشرائع كالقكانيف ما يبلئـ‬
‫جميع المتغيرات‪.‬‬
‫كىذا األمر جعؿ لئلسبلـ تمي انز عمى غيره مف قكانيف البشر ألنيا كحي مف عند هللا تعالى‬
‫الخالؽ العميـ الخبير الحكيـ‪ ...‬أنزؿ مف األحكاـ كالقكاعد العامة ما يصمح عميو الناس‪ ،‬كما‬
‫يصمح لحاليـ في كؿ زماف كمكاف‪ .‬قكاعد ربانية بعيدة عف الشيكات كاألىكاء كالنزكات‪ ،‬شريعة‬
‫ربانية كضعت تصك انر متكامبلن لحاجات الناس في كؿ عصر ال يمكف ليـ االستغناء عنيا‪،‬‬
‫ميما تباعدت عصكرىـ كأكطانيـ كاختمفت لغاتيـ‪ .‬شريعة ربانية تركت مساحة كبيرة‬
‫لممجتيديف لكي يجتيدكا‪ ،‬كيستنبطكا مف األحكاـ الجزئية التي مف الممكف أف تتغير في كؿ‬
‫زماف أك مكاف‪.‬‬
‫يقكؿ الدكتكر أمير عبد العزيز‪( :‬كبذلؾ فإف طريؽ الكحي اإلليي ليك سبيؿ قاطع في‬
‫اكتساب العقؿ البشرم ما يمزـ مف حقائؽ كمعمكمات في الحياة كالككف‪ ،‬كفي اإلنساف بالذات‪،‬‬
‫فأنى لمعقؿ أف يدركيا‪ ،‬كىي حقائؽ تؤلؼ‬
‫كتمؾ حقائؽ ككنية كبرل تتسـ بالجبلؿ كالخطكرة‪ٌ ،‬‬
‫المبدأ اليائؿ كالشامؿ الذم ينبني عميو اإلسبلـ في نظرتو لمككف كالحياة كاإلنساف‪ ،‬كىذه‬

‫(ُ) في ظبلؿ القرآف ِ‪ْٓٗ/‬‬

‫‪-71- 73‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫الح قائؽ الكبرل ينبغي أف يتدعـ العقؿ بالكحي في سبيؿ معرفتيا كالتبصر الثابت الكاعي‬
‫(ُ)‬
‫بيا)‪.‬‬
‫(كال ريب أف ىذا النكع مف المعرفة ليك أصدؽ األنكاع كأعبلىا جميعان‪ ،‬كذلؾ ألف الكحي كارد‬
‫و‬
‫تخميف عممان بأف ظاىرة الكحي‬ ‫ظف أك‬
‫مكرد الحقيقة كاليقيف فبل يعتريو شؾ‪ ،‬كال يخالطو شيء مف ٌ‬
‫(ِ)‬
‫منبعثة مف تصكر يقيني أساسو العقيدة فيك يقيف فكؽ كؿ يقيف‪ ،‬كىك حؽ ال يدانيو حؽ)‪.‬‬
‫ٓ ‪( -‬ال يكجد تعارض بيف الحقائؽ الكاقعية كما يأتي بو الكحي‪ ،‬فإف ظير أم تفاكت أك‬
‫تعارض بيف الكحي كالكاقع‪ ،‬فإف عمى المسمـ أف يراجع دقة فيمو لمكحي‪ ،‬كما عميو أف يستكثؽ‬
‫مف سبلمة كميات كجزئيات إدراكو الصحيح لحقائؽ الكاقع ما داـ يؤمف بمبدأ كحدة الحقيقة‬
‫المطمقة‪ .‬فكؿ ما يقرره الكحي البد أف يككف صادقان منسجمان مع الكاقع مكافقان لو‪ ،‬إذ ال‬
‫يتصكر أف يككف هللا ‪ -‬سبحانو كتعالى ‪ -‬جاىبلن أك غاشان أك مضمبلن لمخمكقاتو‪ ،‬كعميو فإف ما‬
‫يبين و ليـ ال يمكف أف يتعارض مع حقائؽ الكاقع‪ ،‬ألنو ما أنزلو إلييـ إال لئلرشاد كالتعميـ‬
‫(ّ)‬
‫كاليداية كالتكجيو)‪.‬‬
‫المصدر الثالث‪ :‬الحواس‬
‫الحكاس تدرؾ صفات األشياء كخصائصيا ككؿ ما يتعمؽ بيا‪ ،‬ثـ ترسمو لمعقؿ لكي يحمؿ‬
‫المشاىدات كيركب‪ ،‬كيستنبط كيستنتج… فالعقؿ كالحكاس مرتبطاف ارتباطان تكامميان‪ ،‬كال يمكف‬
‫استغناء أحدىما عف اآلخر‪ ،‬كعمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬مف كلد فاقدان لمبصر ال يستطيع بأم حاؿ أف‬
‫يتصكر في عقمو شيئان عف األلكاف ميما حاكلت لو التقريب أك التشبيو‪ ،‬ألنو لـ يسبؽ لو‬
‫مشاىدتو‪ .‬فمكال الحكاس كمعرفتيا لعاش اإلنساف في جيؿ مطبؽ‪.‬‬
‫كقد استخدـ القرآف الكريـ الحكاس في آيات كثيرة ليدعك المسمـ إلى تحصيؿ المعارؼ التي‬
‫يغفؿ عنيا لكثرة إلٌفيا دكف إمعاف النظر فييا كمف ذلؾ حاستا الشـ كالبصر في قكلو تعالى‪ :‬‬
‫ات م ٍختىمًفنا أىٍلك يانيا ك ًم ىف اٍل ًجب ً‬ ‫و‬ ‫ًً‬ ‫اَّلل أ ٍىن ىزؿ ًمف َّ ً‬
‫يض‬‫اؿ يج ىد هد بً ه‬ ‫ى‬ ‫ى ى ى‬ ‫ىخ ىر ٍج ىنا بو ثى ىم ىر ي‬
‫اء فىأ ٍ‬
‫الس ىماء ىم ن‬ ‫ىف َّى ى ى‬ ‫أىلى ٍـ تىىر أ َّ‬
‫ؼ أىٍل ىك يانوي ىك ىذلً ىؾ إًَّن ىما‬ ‫اب ىك ٍاأل ٍىن ىع ًاـ يم ٍختىمً ه‬
‫الد ىك ًٌ‬ ‫كد ىك ًم ىف َّ‬
‫الن ً‬
‫اس ىك َّ‬ ‫ىك يح ٍمهر يم ٍختىمً ه‬
‫ؼ أىٍل ىك يانيىا ىك ىغ ىاربً ي‬
‫يب يس ه‬
‫السمك ً‬
‫ات بً ىغ ٍي ًر‬ ‫ي ٍخ ىشى َّ ً ً ً ً‬
‫ؽ َّ ى ى‬ ‫اء ‪ ‬فاطر اآلية ِٕ ‪ ِٖ -‬كقاؿ سبحانو‪  :‬ىخمى ى‬ ‫اَّللى م ٍف ع ىباده اٍل يعمى ىم ي‬ ‫ى‬

‫(ُ) دراسات في الثقافة اإلسبلمية‪-‬د ‪ .‬أمير عبد العزيز ص ُِّ‬


‫(ِ) دراسات في الثقافة اإلسبلمية‪-‬د ‪ .‬أمير عبد العزيز ص ُّٓ‬
‫(ّ) إسبلمية المعرفة‪-‬المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي ص ُٗ‪ ،‬ط َُْٔىػ‪ُٖٗٔ-‬ـ‬

‫‪-74-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫السم ً‬
‫اء‬ ‫ً‬ ‫ً و‬ ‫َّ ً ً‬
‫يد ب يك ٍـ ىكىبث فييىا م ٍف يك ٌؿ ىدابَّة ىكأ ٍىن ىزٍل ىنا م ىف َّ ى‬
‫ىف تى ًم ى ً‬ ‫ً‬
‫ض ىرىكاس ىي أ ٍ‬ ‫ىع ىمود تىىرٍكىنيىا كأىٍلقىى ًفي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ى‬
‫اء فىأ ٍىن ىبتٍىنا ًفييىا ًم ٍف يك ًٌؿ ىزٍك وج ىك ًر ويـ ‪ ‬لقماف اآلية َُ كقاؿ سبحانو‪ :‬أىلى ٍـ ىن ٍج ىع ٍؿ لىوي ىع ٍي ىن ٍي ًف‬ ‫ىم ن‬
‫الن ٍج ىد ٍي ًف ‪ ‬البمد اآلية ٖ ‪.َُ -‬‬ ‫ىكلً ىس نانا ىك ىشفىتىٍي ًف ىك ىى ىد ٍي ىناهي َّ‬
‫يف ىعمىى أ ٍ ً‬ ‫ً‬
‫م ىب ىن ىانوي ‪ ‬القيامة اآلية ْ‬ ‫ىف ين ىس ٌك ى‬ ‫كمنيا حاسة الممس في قكلو تعالى‪  :‬ىبمىى قىاد ًر ى‬
‫ض‬ ‫كمنيا العالـ المحسكس كما فيو مف مخمكقات كأمثمتو كثيرة جدان منيا‪ :‬أىلى ٍـ ىن ٍج ىع ًؿ ٍاأل ٍىر ى‬
‫النيى ىار‬ ‫اسا ىك ىج ىعٍم ىنا َّ‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اجا ىك ىج ىعٍم ىنا ىن ٍك ىم يك ٍـ يس ىباتنا ىك ىج ىعٍم ىنا المٍي ىؿ ل ىب ن‬
‫اك ٍـ أ ٍىزىك ن‬
‫ادا ىك ىخمى ٍق ىن ي‬
‫اؿ أ ٍىكتى ن‬ ‫ادا ىكاٍلج ىب ى‬ ‫ميى ن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجا ‪ ‬النبأ اآليات ٔ ‪ ُّ -‬ليذا جعؿ‬ ‫اجا ىك َّى ن‬ ‫اشا ىكىب ىن ٍي ىنا فى ٍكقى يك ٍـ ىس ٍب نعا ش ىد نادا ىك ىج ىعٍم ىنا س ىر ن‬ ‫ىم ىع ن‬
‫اإلسبلـ عالـ الكجكد الدنيكم مصد انر ميمان مف مصادر المعرفة‪ ،‬كلقد نبو القرآف عمى أىميتيا‬
‫في قضية القضايا كأعظميا مطمقان‪ :‬اإليماف با﵀ تعالى‪ ،‬ككذلؾ اإليماف بسائر الغيبيات‬
‫"السمعيات"‪.‬‬
‫ُ ‪ -‬ربط القرآف بيف اإليماف كبيف الحكاس‪ ،‬فجعؿ أحد أىـ عبلمات الكافريف الجاحديف‬
‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫ؽ بً ىما الى ىي ٍس ىمعي إًالٌ‬ ‫يف ىكفىيركا ىك ىمثى ًؿ الَّذم ىي ٍن ًع ي‬
‫كعمي فقاؿ سبحانو‪  :‬ىك ىمثى يؿ الذ ى‬ ‫ه‬
‫كبكـ‬
‫صـ ه‬ ‫أنيـ ه‬
‫كف ‪ ‬البقرة اآلية ُُٕ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يد ىع ً‬
‫ص ّّـ يب ٍك هـ يع ٍم هي فىيي ٍـ الى ىي ٍعقمي ى‬
‫اء ي‬‫اء ىكن ىد ن‬
‫ن‬
‫أف ىؤالء المنكريف أعممكا ىذه الحكاس كربطكىا بعقكليـ ليداىـ عقميـ إلى اإليماف‬ ‫فمك َّ‬
‫كف بًيىا فىًإَّنيىا الى تى ٍع ىمى‬ ‫كف بًيىا أ ٍىك آ ىذ ه‬ ‫ً‬ ‫‪‬أى ىفمى ٍـ ىي ًس ييركا ًفي األ ٍىر ً‬
‫اف ىي ٍس ىم يع ى‬ ‫كب ىي ٍعقمي ى‬‫كف لىيي ٍـ يقمي ه‬
‫ض فىتى يك ى‬
‫كر‪ ‬الحج اآلية ْٔ‪ ،‬كىـ يعترفكف بيذه الحقيقة‬ ‫كب الَّتًي ًفي ُّ‬
‫الص يد ً‬ ‫ً‬
‫ص يار ىكلىك ٍف تى ٍع ىمى اٍل يقمي ي‬ ‫األ ٍىب ى‬
‫حينما يشاىدكف العذاب عيانان فيندمكف يكـ ال ينفع الندـ كيقكلكف‪  :‬ىكقىاليكا لى ٍك يكَّنا ىن ٍس ىمعي أ ٍىك‬
‫ير‪‬الممؾ اآلية ‪َُ.‬‬‫الس ًع ً‬ ‫ىصح ً‬
‫اب َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىن ٍعق يؿ ىما يكَّنا في أ ٍ ى‬
‫ِ ‪ -‬كلما كانت الحكاس ىامة كانت إحدل كسائؿ المشركيف في محاربة اإلسبلـ ىي أف‬
‫يف ىكفىيركا الى تى ٍس ىم يعكا لًيى ىذا‬ ‫يبعدكا الناس عف سماعو كفي ىذا قاؿ القرآف محدثان عنيـ‪ :‬كقى ًَّ‬
‫اؿ الذ ى‬
‫ى ى‬
‫كف‪ ‬فصمت اآلية ِٔ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً ً َّ‬ ‫اٍلقي ٍر ً‬
‫آف ىكاٍل ىغ ٍكا فيو لى ىعم يك ٍـ تى ٍغميب ى‬
‫قاؿ القرطبي في تفسيره‪" :‬قاؿ ابف عباس‪ :‬قاؿ أبك جيؿ إذا ق أر محمد فصيحكا في كجيو‬
‫حتى ال يدرم ما يقكؿ‪ .‬كقيؿ إنيـ فعمكا ذلؾ لما أعجزىـ القرآف‪.‬‬
‫كقاؿ مجاىد‪ :‬المعنى "كالغكا فيو" بالمكاء كالتصدية كالتخميط في المنطؽ حتى يصير لغكان‪.‬‬

‫‪-75- 75‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كقاؿ الضحاؾ أكثركا مف الكبلـ ليختمط عميو ما يقكؿ"‪،)ُ(.‬‬


‫ككثي انر ما أرسؿ هللا عزكجؿ اآليات لمناس لمداللة عمى قدرة هللا كعظمتو ك عبرة ألصحاب‬
‫اع ىيةه‪ ‬الحاقة اآلية ُِ‪،‬‬ ‫الحكاس السميمة قاؿ سبحانو‪ :‬لًنجعمىيا لى يكـ تى ٍذ ًكرة كتى ًعييا أي يذف ك ً‬
‫ىن ى ى ى ه ى‬ ‫ىٍى ى ٍ‬
‫ص ىر ىفمً ىن ٍف ًس ًو ىك ىم ٍف ىع ًمي فى ىعمى ٍييىا ىك ىما أ ىىنا ىعمىٍي يك ٍـ‬ ‫كقاؿ‪ :‬قى ٍد جاء يكـ ب ً ً‬
‫ى‬ ‫صائ ير م ٍف ىرٌبً يك ٍـ فى ىم ٍف أ ٍىب ى‬ ‫ى ى ٍ ى ى‬
‫ض اٍل يج يرًز فىين ٍخ ًريج بً ًو ىزٍرنعا‬ ‫كؽ اٍل ىماء إًلىى األ ٍىر ً‬
‫ى‬ ‫يظ‪ ‬األنعاـ اآلية َُْ‪ ،‬أ ىىكلى ٍـ ىي ىرٍكا أىنَّا ىن يس ي‬ ‫بًح ًف و‬
‫ى‬
‫كف‪ ‬السجدة اآلية ِٕ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تىأ ي ً‬
‫اميي ٍـ ىكأىنفي يسيي ٍـ أىفىبلى يي ٍبص ير ى‬
‫ٍك يؿ م ٍنوي أ ٍىن ىع ي‬
‫ّ ‪ -‬كالفرؽ بيف مف أعمؿ حكاسو في ما يفيده في دنياه كآخرتو‪ ،‬كبيف مف عطميا كلـ ينتفع‬
‫منيا كالفرؽ بيف النكر كالظممات‪ ،‬كبيف الحي كبيف الميت قاؿ سبحانو‪  :‬يق ٍؿ ىى ٍؿ ىي ٍستىًكم‬
‫ُّ‬ ‫ىعمى كاٍلب ً‬
‫اء ىكالى‬ ‫كر‪ ‬الرعد اآلية ُٔ ‪ ‬ىك ىما ىي ٍستىًكم األ ٍ‬
‫ىح ىي ي‬ ‫ات ىكالنُّ ي‬ ‫ص يير أ ٍىـ ىى ٍؿ تى ٍستىًكم الظمي ىم ي‬ ‫األ ٍ ى ى ى‬
‫كر‪ ‬فاطر اآلية ِِ‬ ‫ت بً يم ٍس ًم وع ىم ٍف ًفي اٍلقييب ً‬
‫اء ىك ىما أ ٍىن ى‬ ‫ات إً َّف َّ ً‬
‫اَّللى يي ٍسمعي ىم ٍف ىي ىش ي‬ ‫األ ٍىم ىك ي‬
‫ْ ‪ -‬عمى أننا يجب أف ننبو إلى أف الحس ال يستطيع أف يدرؾ جميع الحقائؽ ‪ -‬مثمو في‬
‫ذلؾ مثؿ العقؿ ‪ -‬ألف الحس محدكد‪ ،‬فميس معنى أنو لـ يستطع إدراؾ بعض األمكر أف‬
‫حد محدكد في النظر‪ ،‬فيؿ يستطيع اإلنساف أف ينكر ما ال يستطيع‬ ‫ينكرىا‪ ،‬فالعيف مثبلن ليا ٌ‬
‫رؤيتو مف النجكـ البعيدة في السماء‪ ،‬كالببلد التي لـ يستطع الكصكؿ إلييا؟!!‬
‫كحقائؽ الكجكد كثيرة‪ ،‬كقد الحظنا في اآليات السابقة أنيا دعت الحكاس إلعماؿ النظر في‬
‫الككف كما بث خالقيا فييا مف اآليات‪ ،‬لتدؿ عمى أف ليا خالقان مبدعان قاد انر عمى اإلحياء‬
‫كاإلماتة‪ ،‬كالبعث كالحساب‪.‬‬
‫فالحس ال يستطيع أف يدرؾ ذات اإللو لكنو يستطيع أف يدرؾ صفاتو الظاىرة لنا في بديع‬
‫صنعو تبارؾ كتعالى‪.‬‬
‫كىذا ىك المنزلؽ الذم كقع فيو دعاة المنيج الحسي التجريبي الذيف اعتبركا أف ما يدركو‬
‫اإلنساف بحكاسو ىك كحده المكجكد‪ ،‬كليذا لـ يؤمنكا بالغيبيات كميا‪ ،‬ألنيـ لـ يستطيعكا‬
‫إخضاعيا لممشاىدة كالحس كالسماع‪.‬‬
‫وسائل تحصيل المعرفة‪:‬‬
‫"الكسيمة‪ :‬ىي الشيء الذم بكاسطتو تحصؿ عمى المعمكمة مف المصدر كىي تشمؿ‪:‬‬

‫(ُ) الجامع إلحكاـ القرآف لمقرطبي ُٓ‪ ،ِِّ/‬دار الكتب العممية‪-‬بيركت ُُّْىػ‪ُّٗٗ-‬ـ‪.‬‬

‫‪-76-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ُ‪ -‬الحكاس‪ :‬تعتبر الحكاس مف كسائؿ المعرفة اليامة‪ ،‬ألنيا نافذة العقؿ عمى حقائؽ‬
‫الكجكد(ُ)‪ ،‬كتنقسـ الحكاس إلى حكاس ظاىرة كالسمع كالبصر‪ ،‬كالتي تعرؼ بيا األشياء‬
‫الخارجية فنعرؼ خضرة األشجار مثبلن‪:‬‬
‫كف‪ ‬النحؿ اآلية ٖٕ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ص ىار ىكا ٍألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى‬
‫الس ٍم ىع ىك ٍاأل ٍىب ى‬
‫يقكؿ هللا تعالى‪  :‬ىك ىج ىع ىؿ لى يك يـ َّ‬
‫كحكاس باطنة تمكننا مف معرفة أحكالنا الداخمية مف فرح كألـ‪.‬‬
‫ِ‪ -‬العقؿ‪ :‬كالعقؿ مصدر ككسيمة… قد يعتبر العقؿ مصد انر لما يدرؾ مباشرة‪ ،‬كيمكف اعتباره‬
‫كسيمة لما يستنبط مف معارؼ بالفكر كالنظر الطكيؿ‪ ،‬كبالدكر الذم يؤديو مع الحكاس في إدراؾ‬
‫األشياء‪.‬‬
‫كب‬
‫كف لىيي ٍـ يقمي ه‬
‫يقكؿ الشيخ الشعراكم رحمو هللا تعالى‪ :‬كلنا كقفة عند قكلو تعالى‪ :‬فىتى يك ى‬
‫اإلنساف بقمبو؟ معمكـ أف العقؿ في المخ‪ ،‬كالقمب في‬ ‫يع ًقميكف بًيآ‪ ..‬الحج‪ ْٔ:‬كىؿ ً‬
‫يعقؿ‬
‫ي‬ ‫ىٍ ى ى‬
‫الصدر‬
‫سمكنيا ُّ‬
‫تأدبان مع العمـ‪:‬‬ ‫المحسات يي ُّ‬
‫َّ‬ ‫نعـ‪ ،‬لئلنساف كسائؿ إدراؾ ىي الحكاس التي تمتقط‬
‫الحكاس الخمس الظاىرة؛ ألف العمـ أثبت لئلنساف في كظائؼ األعضاء حكاسان أخرل غير‬
‫فبأم حاسة مف‬ ‫مسؾ بشيئيف مختمفيف يمكنؾ أف تي ًٌ‬‫ظاىرة‪ ،‬فحيف تي ً‬
‫ميز أييما أثقؿ مف اآلخر‪ًٌ ،‬‬
‫ت إلى ىذه النتيجة؟‬
‫الحكاس الخمس المعركفة تكصٍم ى‬
‫أف‬
‫أف تممسيا دكف ٍ‬ ‫ت بالممس فمؾ ٍ‬
‫فدعيا عمى األرض كانظر إلييا‪ ،‬كا ٍف يقٍم ى‬‫ت بالعيف ٍ‬ ‫إف يقٍم ى‬
‫ٍ‬
‫ترفعيا مف مكانيا‪ ،‬إذف‪ :‬فأنت ال تدرؾ الثقؿ بيذه الحكاس‪ ،‬إنما بشيء آخر كبآلة إدراؾ أخرل‬
‫ميًز لؾ الخفيؼ مف الثقيؿ‪.‬‬ ‫ىي حاسة الع ى ً‬
‫ضؿ الذم يي ٌ‬ ‫ى‬
‫ميًز‬
‫أف تي ٌ‬
‫كحيف تذىب لشراء قطعة مف القماش تفرؾ القماش بمطؼ بيف أناممؾ‪ ،‬فتستطيع ٍ‬
‫الب ٍيف‪.‬‬
‫فبأم حاسة أدرٍكتىو؟ إنيا حاسة ى‬
‫الثخيف مف الرقيؽ‪ ،‬مع أف الفارؽ بينيما ال يكاد يي ٍذ ىكر‪ًٌ ،‬‬
‫اس التي يكتشفيا العمـ الحديث في اإلنساف‪.‬‬ ‫الب ٍعد كغيرىا مف الحك ٌ‬
‫كذلؾ ىناؾ حاسة ي‬
‫يتدخؿ العقؿ ليغربؿ ىذه المدركات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فمما يدرؾ اإلنساف ىذه األشياء بكسائؿ اإلدراؾ‬
‫أرؽ مف ىذا‪ ،‬كا ٍف كاف‬
‫فإف كاف سيختار ثكبان يقكؿ‪ :‬ىذا أنعـ ك ٌ‬
‫كيختار مف البدائؿ ما يناسبو‪ٍ ،‬‬

‫(ُ) انظر لمزيد مف االطبلع القرآف كالنظر العقمي‪ :‬فاطمة إسماعيؿ ص ّٖ‪.ٖٕ-‬‬

‫‪-77- 77‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫إف كاف في الصيؼ اختار الخفيؼ‪ ،‬كا ٍف كاف في‬ ‫سيختار رائحة يقكؿ‪ :‬ىذه ألطؼ مف ىذه‪ٍ ،‬‬
‫الشتاء اختار السميؾ‪.‬‬
‫كبعد أف يختار العقؿ كيكازف بيف البدائؿ يحكـ بقضية تستقر في الًٌذ ٍىف كتقتنع بيا‪ ،‬كال‬
‫ت‬‫تح ى‬
‫تحتاج إلدراؾ بعد ذلؾ‪ ،‬كال الختيار بيف البدائؿ‪ ،‬كعندىا تنفذ ما استقر في نفسؾ‪ ،‬كار ٍ‬
‫إليو بقمبؾ‪.‬‬
‫(ُ)‬
‫إذف‪ :‬إدراؾ بالحكاس كتمييز بالعقؿ‬
‫مراحل كسب المعرفة‪:‬‬
‫أم معرفة البد أف تمر بمراحؿ لكي تصؿ فييا النفس إلى درجة مف اليقيف‪ ،‬أك ال تصؿ‬
‫تبعان الختيار النفس اإلنسانية التي ليا مطمؽ حرية االختيار بيف درجة العمماء كاألكلياء‪ ،‬أك‬
‫تدنك مف مرتبة األنعاـ‪ ،‬بؿ أضؿ‪ ،‬كمراحؿ كسب المعرفة ىي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬مرحمة االستعداد‪ :‬كىي المرحمة التي يكلد عمييا الطفؿ كال يعمـ شيئان‪ ،‬كيككف العقؿ قكة‬
‫يميىاتً يك ٍـ الى‬ ‫ىخ ىر ىج يك ٍـ ًم ٍف يبطي ً‬
‫كف أ َّ‬ ‫اَّللي أ ٍ‬
‫خالية عف الفعؿ كعف المعرفة كالعمكـ‪ .‬قاؿ سبحانو‪  :‬ىك َّ‬
‫كف ىش ٍينئا‪ ‬النحؿ‪ :‬اآلية ٖٕ‪ .‬كما يفعمو الطفؿ في ىذه المرحمة ىي أفعاؿ غريزية بحتة‪.‬‬ ‫تى ٍعمى يم ى‬
‫ِ‪ -‬مرحمة بداية التمييز كادراكات الحكاس‪ :‬كىي بداية التعرؼ عمى العالـ الخارجي‬
‫كف ‪ ‬النحؿ‪ :‬اآلية‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ص ىار ىك ٍاألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى‬
‫الس ٍم ىع ىك ٍاأل ٍىب ى‬
‫بالحكاس قاؿ تعالى‪  :‬ىك ىج ىع ىؿ لى يك يـ َّ‬
‫ٖٕ كأكؿ ما يدركو بحكاسو الرائحة المقبكلة‪ ،‬كالرائحة الرديئة‪ ،‬ككعمميا أف األخضر منافر‬
‫لؤلحمر كالفرؽ بيف الخشف كاألممس‪ ،‬كالحار كالبارد‪ ،‬كالصكت الحاد كالغميظ‪.‬‬
‫أشياء كيغفؿ عنيا اإلدراؾ‪،‬‬ ‫ن‬ ‫*ليس كؿ ما تراه الحكاس يمكف ادراكو‪ ،‬إذ قد ترل الحكاس‬
‫ألف اإلنساف ال يريد أف يدركيا كيتغافميا‪ ،‬كذلؾ مثؿ قكلو تعالى‪:‬‬
‫كف‪ ‬األنفاؿ اآليةُِ كقاؿ سبحانو‪  :‬ىك ىكأٌىيً ٍف‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫يف قىاليكا ىسم ٍع ىنا ىك يى ٍـ ىال ىي ٍس ىم يع ى‬ ‫كنكا ىكالذ ى‬
‫‪ ‬ىكىال تى يك ي‬
‫ًمف ءاي وة ًفي َّ ً‬
‫ات ك ٍاأل ٍىر ً‬
‫كف‪ ‬يكسؼ اآلية َُٓ‪.‬‬‫ض ى‬‫كف ىعمىٍييىا ىك يى ٍـ ىع ٍنيىا يم ٍع ًر ي‬‫ض ىي يم ُّر ى‬ ‫الس ىم ىك ى‬ ‫ٍ ىى‬
‫ّ ‪ -‬مرحمة العمـ بالبدىيات العقمية‪ :‬مثؿ العمـ بأف الجزء أقؿ مف الكؿ‪ .‬مثالو‪ :‬الصبي‬
‫الصغير إذا أعطيتو تمرة بكي‪ ،‬فإف زدتو ثانية كثالثة يس َّر‪.‬‬

‫(ُ) انظر تفسير الشعراكم صَٔٓٔ‪.َٕٔٓ-‬‬

‫‪-78-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كمثؿ عممو بالمتضاداف مثالو‪ :‬بكاء الصبي الصغير إذا أرغمتو عمى الكقكؼ‪ ،‬فإف تركتو‬
‫يجمس سكت‪ ،‬كمثؿ بكائو إف أردت منعو مف االنتقاؿ إلى مكاف غير المكاف الذم ىك فيو‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬مرحمة تحصيؿ العمكـ الكسبية‪ :‬كىي مرحمة استنباط النظريات مف الضركريات أك‬
‫البدىيات التي تككنت في النفس بعد عدميا بكاسطة إعانة الحكاس‪.‬‬
‫كىي مرحمة تقكم عند اإلنساف قكة التفكير كاستخداـ العقؿ‪ ،‬كالناس متفاكتكف في ىذا‬
‫الجانب‪ ،‬كىي المرحمة التي يختار فييا اإلنساف أفعالو‪ ،‬ألنيا المرحمة التي تأتي بعد النظر‬
‫كالتأمؿ كالتدبر كالتفكر كاالستنتاج‪.‬‬
‫مراحل درجات اليقين‪:‬‬
‫ً‬
‫اليقيف عمى أىمية كبيرة في العمـ كالمعرفة‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىكبً ٍاآلخ ىرًة يى ٍـ ييكًقين ى‬
‫كف‪ ‬البقرة‬
‫ض ءاي ه ً ً‬
‫ات لٍم يمكًقن ى‬
‫يف‪ ‬الذاريات اآلية َِ‬ ‫اآليةْ‪ ،‬كقاؿ‪  :‬ىكًفي ٍاأل ٍىر ً ى ى‬
‫كمراتب اليقيف ىبٌي ىنيا العمماء عمى النحك التالي‪:‬‬
‫كف‬
‫ماء‪ .‬مثالو‪ :‬كقد قاؿ سبحانو‪  :‬ىكبلٌ لى ٍك تى ٍعمى يم ى‬ ‫أ ‪ -‬عمـ اليقيف‪ :‬كالعمـ بالعادة أف في البحر ن‬
‫يف‪ ‬التكاثر‪:‬اآلية ٓ‪ ،‬كىذه المرتبة األكلى تحصؿ بالنظر كاالستدالؿ‪.‬‬ ‫ًعٍم ىـ اٍل ىي ًق ً‬
‫ب ‪ -‬عيف اليقيف‪ :‬كالكقكؼ عمى ساحؿ البحر كعاينو بنفسو‪ .‬ثيَّـ لىتىىرٍكىنيىا ىع ٍي ىف اٍل ىي ًق ً‬
‫يف‪‬‬
‫التكاثر‪ :‬اآلية ٕ‪،‬‬
‫كىك ما حصؿ عف مشاىدة كمعاينة‪ ،‬كىي المرتبة التي طمبيا إبراىيـ عميو السبلـ‪.‬‬
‫ب أ ًىرنًي ىك ٍي ى‬
‫ؼ تي ٍح ًي اٍل ىم ٍكتىى ‪ ‬البقرة‪ :‬اآلية َِٔ‪ ،‬فيك عميو السبلـ أراد أف‬ ‫قاؿ تعالى‪  :‬ىر ًٌ‬
‫يصؿ إلى درجة عيف اليقيف ال أنو كاف شا ٌكان أك مرتاباي حاشا ككبل‪.‬‬
‫مر عمى قرية خاكية مات‬ ‫ج ‪ -‬حؽ اليقيف‪ :‬كمف خاض فيو كاغتسؿ‪ .‬مثاليو‪ :‬الرجؿ الذم ٌ‬
‫كؿ أىميا فتساءؿ عف قدرة هللا في إحيائو ىذه القرية؟ فأماتو هللا مائة عاـ ‪ -‬كىذا حؽ اليقيف‬
‫ألنو عانى المكت بنفسو‪ ،‬ثـ بعثو هللا كأراه آيات قدرتو عمى حفظ ما أراد حفظو مف التغيير مف‬
‫ىعمى يـ أ َّ‬
‫ىف‬ ‫الطعاـ كالشراب‪ ،‬كأراه بالمقابؿ ما عاينو بنفسو كيؼ أحيا هللا حماره حتى قاؿ الرجؿ‪ :‬أ ٍ‬
‫(ُ)‬
‫اَّللى ىعمىى يك ًٌؿ ىشي وء قىًد هير‪ ‬البقرة‪ :‬اآلية ِٗٓ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫موضوعات المعرفة‪:‬‬

‫(ُ) لمزيد االطبلع انظر القرآف كالنظر العقمي ‪ :‬فاطمة إسماعيؿ ص ٖٗ‪.ْٗ-‬‬

‫‪-79- 79‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ُ ‪ -‬التكحيد كتشمؿ معرفة هللا كصفاتو‪ ،‬كالرسؿ كالمبلئكة كاألمكر الغيبية‪...‬الخ‬


‫ِ ‪ -‬أصكؿ الشريعة‪ ،‬كأحكاميا الشرعية كالفقيية المستمدة منيا‪ ،‬كمعرفة الحبلؿ كالحراـ‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬معرفة اإلنساف لنفسو كلمطبيعة البشرية التي ينتمي إلييا‪.‬‬
‫ْ ‪ -‬معرفة ما يتعمؽ بطبيعة كحقائؽ الككف كالمجتمع كالحياة كمنيا‪....‬الخ‬
‫كىذه المكضكعات يرجع تعددىا كاختبلفيا لطرؽ تحصيميا‪ ،‬فمنيا‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما ال يعمـ إالٌ بالحكاس كالتجربة كالعقؿ‪ ،‬كيشمؿ عالـ الككنيات بما فيو‪ ،‬كمحاكلة معرفة‬
‫حقائقو كقكانينو كسننو‪ ،‬كىك ما حث عميو القرآف لمكصكؿ إلى الحكـ العقمي مف كراء كؿ‬
‫مستنبط مف المشاىدة كالتجارب الحسية‪ ..‬كىذا ىك الذم أدل بالمسمميف لمكصكؿ إلى المنيج‬
‫التجريبي القائـ عمى المبلحظة كالتحميؿ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما ال يعمـ إالٌ باألدلة السمعية كىك (الكحي)‪ :‬كالكحي يكمؿ درجات المعرفة لئلنساف‬
‫لكي تصبح معرفتو كاممة باألمكر التي ال يستطيع الحس كالعقؿ الكصكؿ إلييا‪ ،‬كىذا مثؿ‪:‬‬
‫أخبار يكـ اآلخر كالبعث كالحساب كالجنة كالنار‪ .‬أك يككف مف األخبار التي ال سبيؿ إلى‬
‫معرفتيا في الككف كأخبار األمـ السابقة‪ ،‬كأخبار المستقبؿ‪...‬‬
‫كىناؾ نكع مف التعميـ اإلليي يمف هللا تعالى بو عمى بعض عباده كىك اإللياـ‪ ،‬كما في‬
‫قصة العبد الصالح المذككر في سكرة الكيؼ‬
‫ىك ىعمَّ ٍم ىناهي ًم ٍف لى يدَّنا ًعٍم نما‪ ‬الكيؼ آية‬ ‫قاؿ تعالى‪  :‬ىع ٍب ندا ًم ٍف ًع ىب ًاد ىنا ىءاتىٍي ىناهي ىر ٍح ىمةن ًم ٍف ًع ٍنًد ىنا‬
‫ٓٔ‪.‬‬
‫يؿ ٍاألىح ًاد ً‬
‫ُّؾ كيعمًٌم ىؾ ًم ٍف تىأ ًٍك ً‬ ‫ً‬
‫يث‪‬‬ ‫ى‬ ‫ىرب ى ى ي ى ي‬ ‫كفي يكسؼ عميو السبلـ قاؿ تعالى‪  :‬ىك ىك ىذل ىؾ ىي ٍجتىبً ى‬
‫يؾ‬
‫يكسؼ اآلية ٔ‬
‫فإف فيو ما يحتاج إلى النظر‬
‫ج ‪ -‬كمنيا المشترؾ بيف العقؿ كالسمع مثؿ القرآف الكريـ‪ٌ ،‬‬
‫(ُ)‬
‫كاالستدالؿ كاالستنباط كاالستخراج مف العبارات كاأللفاظ‪.‬‬
‫بيذه األصكؿ الثبلثة لممعرفة استطاع اإلسبلـ أف يخمؽ التكجو المعرفي المنضبط‬
‫باألصكؿ كالقكاعد المنيجية‪ ،‬في أمة آمنت إيمانان مطمقان يقينيان‪ ،‬كانتيجت مختمؼ الطرؽ إلى‬
‫المعرفة‪ ،‬ضمف منيج الثابت كالمتغير‪ ،‬فأناركا لمبشرية بأكمميا الطريؽ يكـ أف كانت الدنيا عند‬

‫(ُ) انظر المصدر السابؽ ص ٔٗ‪.ٗٗ-‬‬

‫‪-80-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫غيرىـ ترزح تحت كطأة ليؿ الجيؿ كالخرافة كالظمـ‪ .‬أنشأ المسممكف أعظـ حضارة عرفيا‬
‫التاريخ البشرم اعترؼ بفضميا الكثير مف المنصفيف مف أعدائيا‪ ،‬كبما حققتو مف فضؿ انتفع‬
‫بو كؿ الناس‪ ،‬كما كاف ذلؾ ليككف لكال الشعمة التي مست العقؿ‪ ،‬كدفعتو إلى التألؽ‪ ،‬فاستنار‬
‫بيدم اإلسبلـ فأنار الدنيا كالديف‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪:‬‬
‫النقمة النوعية في األخالق‬

‫‪-83- 11‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫األخبلؽ لغة‪ :‬جمع مفرده يخميؽ بضـ البلـ كسككنيا‪ :‬كىك الديف كالطبع كالسجية‪ ،‬كحقيقتو‬
‫أنو لصكرة اإلنساف الباطنة‪ ،‬كىي نفسو كأكصافيا كمعانييا المختصة بيا‪ ،‬بمنزلة الخٍمؽ‬
‫(ُ)‬
‫لصكرتو الظاىرة كأكصافيا كمعانييا‪ ،‬كليما أكصاؼ حسنة كقبيحة‪.‬‬
‫الخمؽ اصطبلحان‪" :‬عبارة عف ىيئة راسخة في النفس تصدر عنيا األفعاؿ بسيكلة كيسر‬
‫مف غير حاجة إلى فكر كركية"‪ .‬فإف كاف الصادر عنيا األفعاؿ الجميمة عقبلن كشرعان سميت‬
‫(ِ)‬
‫خمقان حسنان‪ ،‬كاف كاف الصادر عنيا خمقان قبيحان سميت الييئة التي ىي المصدر خمقان شينان‪.‬‬
‫نظرة األمم والشعوب‪ -‬قبل اإلسالم‪ -‬إلى األخالق‪:‬‬
‫غمبت عمى األمـ كالشعكب القديمة التفكير الفمسفي في أحياف كثيرة‪ ،‬كقد كانت ىذه الفمسفات‬
‫تنظر إلى األخبلؽ نظرة متباينة‪ ،‬إضافة إلى األفكار ك المبادئ غير الفمسفية‪ ،‬كما تعرضت‬
‫الرساالت السماكية مف تغيير كانحراؼ‪ .‬كعمى كؿ حاؿ لـ تخرج النظرة إلى األخبلؽ عف منيجيف‪:‬‬
‫المنيج األكؿ‪ :‬ربط األخبلؽ بالقيـ المادية‪ ،‬كالمنافع الذاتية‪ :‬فالقيـ عند ىؤالء مرتبطة‬
‫ارتباطان كثيقان بالمنفعة كالمذات‪ ،‬كالشيكات‪ ،‬فيي عندىـ ليست قيمة ثابتة‪ ،‬بؿ األخبلؽ في‬
‫نظرىـ ما جمبت ليـ المنفعة‪ ،‬فالكذب قد يصبح خمقان محببان إف رجع عمى اإلنساف بالفائدة‪،‬‬
‫ككذلؾ الغش‪ ..‬كمف ىؤالء الصنؼ الذم يعيش في الدنيا لممذات نفسو قاؿ فييـ رب العزة‬
‫الد ٍى ير ىك ىما لىيي ٍـ بً ىذلً ىؾ‬
‫كت ىكىن ٍح ىيا ىك ىما يي ٍيمً يك ىنا إًالٌ َّ‬ ‫تبارؾ كتعالى‪  :‬ىكقىاليكا ىما ًىي إًالٌ ىح ىياتيىنا ُّ‬
‫الد ٍن ىيا ىن يم ي‬ ‫ى‬
‫ً ًو‬
‫كف‪ ‬الجاثية اآلية ِْ‪ ،‬كىذه القاعدة األخبلقية ىي التي تحكـ الحضارة‬ ‫م ٍف عٍمـ إً ٍف يى ٍـ إًالٌ ىيظينُّ ى‬
‫الغربية المادية بشقييا الغربي اليكـ‪ ،‬كالشرقية التي اندثرت‪ ،‬ألنيا قائمة عمى النفعية‪ ،‬كقاعدة‬
‫الغاية تبرر الكسيمة‪...‬الخ ذلؾ بأنيـ قكـ ال يؤمنكف قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ًَّ‬
‫كف بًاآلخ ى ًرة يقمي ي‬
‫كبيي ٍـ يمنك ىرةه ىك يى ٍـ يم ٍستى ٍكبًير ى‬
‫كف‪ ‬النحؿ اآلية ِِ‪.‬‬ ‫يف الى يي ٍؤ ًمين ى‬
‫‪‬إًلىيي يك ٍـ إًلىوه ىكاح هد فىالذ ى‬
‫كمثؿ ىؤالء في التاريخ‪ :‬المزدكية الذيف دعكا إلى اإلباحية في ببلد الفرس‪ ،‬قاؿ العبلمة أبك‬
‫الحسف الندكم رحمو هللا تعالى‪( :‬قد جاء في كثيقة إيرانية تاريخية تعرؼ ب"نامة تنسر" تصكير‬
‫لذلؾ العصر الذم انتشرت فيو الدعكة المزدكية‪ ،‬ككانت ليا السيطرة كالنفكذ‪" :‬كانتيكت األعراض‪،‬‬
‫كعـ خمع العذار‪ ،‬لقد نشأ جيؿ ال كرامة فيو كال عمؿ‪ ،‬كلـ يكف لو رصيد كال ماض مجيد‪ ،‬كليس‬

‫(ُ) لساف العرب البف منظكر َُ‪.ٖٔ/‬‬


‫(ِ) انظر إحياء عمكـ الديف‪-‬اإلماـ محمد الغزالي ّ‪ ،ٖٓ/‬دار الكتب العممية‪-‬بيركت‬

‫‪-81-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ىـ لمصير الشعب‪ ،‬كال إشفاؽ عميو‪ ،‬كال يتصؼ بكماؿ كميارة‪ ،‬ككانت تسيطر عمييـ البلمباالة‬
‫لو ّّ‬
‫كالبطالة‪ ،‬ككانكا بارعيف في النميمة‪ ،‬كالخبث‪ ،‬كاالفتراء‪ ،‬كالبيتاف‪ ،‬كقد اتخذكا ذلؾ كسيمة لكسب‬
‫(ُ)‬
‫القكت كالكصكؿ إلى الثركة كالجاه")‪.‬‬
‫المنيج الثاني‪ :‬ربط األخبلؽ باأللـ كالحرماف كالتقشؼ‪ :‬نظر قسـ مف الناس إلى الحياة نظرة‬
‫احتقار‪ ،‬ككذلؾ نظركا إلى كؿ ما يرتبط بيا مف مادة كمتعة كطعاـ كشراب‪ ،‬فحرمكا عمى أنفسيـ‬
‫متاع الدنيا كزينتيا مف أطايب الطعاـ كالشراب‪ ،‬كلبسكا الخشف‪ ،‬كىجركا النساء‪ ،‬كسكنكا الكيكؼ‬
‫تقاء بالنفس كعمكان بيا عف شيكاتيا‪ ،‬كىذا ىك الخمؽ الرفيع‪.‬‬
‫كالبرارم‪ ،‬معتبريف ذلؾ ار ن‬
‫كمثاؿ ىؤالء في األمـ السابقة اليندكسية‪ ،‬الذيف يعتقدكف أف اإلنساف بعد مكتو يعكد إلى أصمو‬
‫الذم خمؽ منو كىك إلييـ (براىما)‪ ،‬كال يعكدكف إليو حتى يجيدكا أنفسيـ في الصكـ‪ ،‬كحرمانيا مف‬
‫الممذات‪ ،‬كلذا عندىـ عمى طالب العمـ أف يتجنب الحمكل كالركائح الطيبة كالنساء‪ ،‬كعميو ٌأال يسعى‬
‫في طمب الرزؽ‪ ،‬كبنحكىـ قاؿ البكذيكف‪ :‬إف مف أراد أف يمحؽ بيـ عميو أف ينخمع مف مالو كعقاره‪،‬‬
‫كأف يضبط شيكات نفسو‪ ،‬كأف يتخمؽ بأخبلقيـ‪ ،‬ألف الثركة عادة ما تغكم صاحبيا كتفسده‪ ،‬كلقد‬
‫كاف مف أصكؿ دعكة بكذا الجنكح إلى الرىبنة كاالنقطاع عف ممذات الحياة‪ ،‬كنادل كذلؾ بإلغاء‬
‫(ِ)‬
‫الطبقات‪.‬‬
‫نظرة أىل الكتاب إلى األخالق‪:‬‬
‫أولً الييود‪:‬‬
‫رسـ الييكد صكرة كريية لؤلخبلؽ‪ ،‬فقد سجمكا في كتبيـ استحبلؿ االفتراء كالكذب في حؽ‬
‫هللا تبارؾ كتعالى‪ ،‬كالجدؿ العقيـ‪ ،‬كالتآمر كالقتؿ حتى عمى أنبيائيـ قاؿ تعالى‪ :‬لىقى ٍد ىس ًم ىع َّ‬
‫اَّللي‬
‫اء بً ىغ ٍي ًر ىح وٌ‬ ‫ً‬ ‫اَّلل فىًقير كنحف أ ٍ ً‬ ‫ًَّ‬
‫كؿ‬
‫ؽ ىكىنقي ي‬ ‫ب ىما قىاليكا ىكقى ٍتمىيي ٍـ األ ٍىنب ىي ى‬ ‫اء ىس ىن ٍكتي ي‬‫ىغن ىي ي‬ ‫يف قىاليكا إً َّف َّى ه ى ى ٍ ي‬ ‫قى ٍك ىؿ الذ ى‬
‫اَّللى لى ٍي ىس بًظىبلٌوـ لًٍم ىعبً ًيد‪ ‬آؿ عمراف‬ ‫ىف َّ‬ ‫يك ٍـ ىكأ َّ‬‫ت أ ٍىيًد ي‬ ‫ؽ* ىذلً ىؾ بً ىما قى َّد ىم ٍ‬
‫اب اٍل ىح ًري ً‬ ‫يذكقيكا ىع ىذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يسى‬ ‫اب ىكقىفٍَّي ىنا م ٍف ىب ٍعده بًال ُّريسؿ ىكآتىٍي ىنا ع ى‬ ‫كسى اٍلكتى ى‬ ‫اآليةُُٖ–ُِٖ‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىكلىقى ٍد آتىٍي ىنا يم ى‬
‫ً َّ‬ ‫ً ً‬
‫كؿ بً ىما الى تى ٍي ىكل أىنفي يس يك ٍـ ٍ‬
‫استى ٍك ىب ٍرتي ٍـ فىفى ًريقنا‬ ‫اء يك ٍـ ىريس ه‬ ‫ً‬
‫ٍاب ىف ىم ٍرىي ىـ اٍل ىبٌي ىنات ىكأىي ٍَّد ىناهي ب يرك ًح اٍلقي يدس أىفى يكم ىما ىج ى‬
‫َّ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ٕٖ‬ ‫ىكذ ٍبتي ٍـ ىكفى ًريقنا تى ٍقتيمي ى‬

‫(ُ) السيرة النبكية‪-‬العبلمة أبك الحسف الندكم‪،‬صّّ‪ ،‬منشكرات المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪-‬بيركت‪ُّٗٗ ،‬ىػ‪ُٕٗٗ-‬ـ‪.‬‬
‫(ِ) انظر بتكسع‪ :‬ديانات اليند الكبرل‪-‬شمبي ص ْٕ‪.ُٕٗ-‬‬

‫‪-81- 13‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كمما جاء في أخبلقيـ التي سجميا القرآف الكريـ‪ ،‬كسجمكىا عمى أنفسيـ في التكراة‪:‬‬
‫ُ‪ -‬حب الماؿ‪ ،‬مف أجمو يقترفكف الحرمات‪ ،‬كيرتكبكف الكبائر‪ ،‬جاء في سفر الخركج‪-‬‬
‫(ثـ قاؿ الرب لمكسى… تكمـ في مسامع الشعب أف يطمب‬
‫اإلصحاح الحادم عشر صَُِ‪ٌ :‬‬
‫الرب نعمة‬
‫كؿ رجؿ مف صاحبو‪ ،‬ككؿ امرأة مف صاحبتيا أمتعة فضة‪ ،‬كأمتعة ذىب‪ ،‬كأعطى ٌ‬
‫لمشعب في عيكف المصرييف‪ ،‬كأيضان مكسى كاف عظيمان جدان في أرض مصر في عيكف عبيد‬
‫فرعكف كعيكف الشعب)‪.‬‬
‫الشعب الذم يدعي اصطفاء هللا لو يسرؽ أىؿ مصر بأمر هللا‪ -‬تعالى‬
‫ى‬ ‫انظر أييا القارئ‬
‫عف ذلؾ عمكان كبي انر‪ -‬ككذلؾ النبي المصطفى مكسى عميو السبلـ‪ ،‬فإذا الناس كانكا يركنو‬
‫عظيمان‪ ،‬فيؿ يقبؿ أف يخكنيـ في أمكاليـ‪ ،‬كيتآمر عمى سرقتيا؟!‬
‫كمف أجؿ الماؿ استحؿ بنك إسرائيؿ الربا‪ ،‬كأكؿ أمكاؿ الناس بالباطؿ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬فىبًظيٍموـ‬
‫ىخًذ ًى ٍـ ًٌ‬
‫الرىبا‬ ‫اَّلل ىكثً نيرا* ىكأ ٍ‬
‫يؿ ًَّ‬ ‫ت لىيـ كبًصًٌد ًىـ ىع ٍف سبً ً‬
‫ى‬
‫ً ً و ً َّ‬
‫ادكا ىح َّرٍم ىنا ىعمى ٍيي ٍـ طىٌي ىبات أيحم ٍ ي ٍ ى ى ٍ‬ ‫يف ىى ي‬
‫ً ًَّ‬
‫م ٍف الذ ى‬
‫ً‬ ‫ىعتى ٍد ىنا لًٍم ىك ًاف ًر ً‬ ‫اس بًاٍلب ً‬
‫اط ًؿ ىكأ ٍ‬ ‫ًً‬
‫يما‪ ‬النساء اآلية‬ ‫يف م ٍنيي ٍـ ىع ىذ نابا أىل ن‬
‫ى‬ ‫الن ً ى‬ ‫اؿ َّ‬
‫ىكقى ٍد ينييكا ىع ٍنوي ىكأى ٍكمي ٍـ أ ٍىم ىك ى‬
‫َُٔ–ُُٔ‪.‬‬
‫اعتى ىد ٍكا‬ ‫ًَّ‬ ‫ً‬
‫يف ٍ‬
‫كمف أجؿ الماؿ تحايمكا عمى حرمة العمؿ يكـ السبت قاؿ تعالى‪  :‬ىكلىقى ٍد ىعم ٍمتي ٍـ الذ ى‬
‫يف‪ ‬البقرة اآلية ‪ٔٓ.‬‬‫ًً‬ ‫السب ًت فى يقٍم ىنا لىيـ يك ي ً‬ ‫ً ً‬
‫كنكا ق ىرىدةن ىخاسئ ى‬ ‫يٍ‬ ‫م ٍن يك ٍـ في َّ ٍ‬
‫ِ‪ -‬العنصرية‪ :‬كقد سبؽ الحديث عف عنصرية الييكد في باب النقمة التشريعية‪.‬‬
‫ّ‪ -‬الجبف كحرصيـ عمى الحياة كمثاؿ ذلؾ رفضيـ دخكؿ األرض المقدسة مع نبييـ‬
‫خكفان مف أىميا الجباريف‪ ،‬كمنو كذلؾ حرصيـ الشديد عمى الحياة أم حياة قاؿ تعالى‪:‬‬
‫ؼ ىس ىن وة ىك ىما يى ىك‬ ‫ًَّ‬ ‫و‬
‫ىش ىريككا ىي ىكُّد أ ى‬
‫ىح يد يى ٍـ لى ٍك يي ىع َّم ير أىٍل ى‬ ‫يف أ ٍ‬ ‫اس ىعمىى ىح ىياة ىك ًم ٍف الذ ى‬
‫ص النَّ ً‬ ‫ىح ىر ى‬ ‫‪ ‬ىكلىتى ًج ىدَّنيي ٍـ أ ٍ‬
‫اب أىف يع َّمر ك َّ ً‬ ‫بًم ىز ٍح ًزًح ًو ًم ٍف اٍل ىع ىذ ً‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ٔٗ‪.‬‬ ‫اَّللي ىبص هير بً ىما ىي ٍع ىممي ى‬ ‫ٍ يى ى ى‬ ‫ي‬
‫ْ‪ -‬التنطع في الديف ككثرة جداليـ ألنبيائيـ كمثاؿ ذلؾ مجادلتيـ لمكسى عميو السبلـ في‬
‫أمر البقرة التي أمرىـ بذبحيا‪.‬‬
‫يؽ ًم ٍنيي ٍـ ىب ٍؿ أى ٍكثىيريى ٍـ‬ ‫ٓ‪ -‬نقض العيكد كالمكاثيؽ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬أ ىىك يكمَّ ىما ىع ى‬
‫اى يدكا ىع ٍي ندا ىن ىب ىذهي فى ًر ه‬
‫اب‬ ‫ً‬ ‫ؽ لًما معيـ نب ىذ فى ًر ه ً ًَّ‬ ‫اَّلل م ً‬
‫الى يؤ ًمنكف* كلى َّما جاءىـ رس ً ً ً ً‬
‫يف أيكتيكا اٍلكتى ى‬ ‫يؽ م ٍف الذ ى‬ ‫ص ٌد ه ى ى ى ي ٍ ى ى‬ ‫كؿ م ٍف ع ٍند َّ ي ى‬ ‫يٍ ي ى ى ى ى يٍ ى ي ه‬
‫ًكتىاب ًَّ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ََُ‪.َُُ-‬‬ ‫كرًى ٍـ ىكأَّىنيي ٍـ الى ىي ٍعمى يم ى‬
‫اء ظييي ً‬
‫اَّلل ىكىر ى‬ ‫ى‬
‫ثانياً النصارى‪:‬‬

‫‪-84-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫تقكـ النظرية األخبلقية عند النصارل عمى ترؾ الممذات كالرىبانية‪ ،‬كتعذيب النفس‪،‬‬
‫كىا ىما‬ ‫ً‬
‫معتقديف أف ذلؾ ىك طريؽ المسيح عميو السبلـ‪ ،‬كقد قاؿ سبحانو‪  :‬ىكىرٍى ىبانَّيةن ٍابتى ىد يع ى‬
‫اىا ىعمى ٍي ًي ٍـ‪ ‬الحديد اآلية ِٕ‪.‬‬
‫ىكتىٍب ىن ى‬
‫كقد يظف مف يق أر اإلنجيؿ أنو يدعك إلى التسامح كما جاء في إنجيؿ متى اإلصحاح‬
‫الخامس‪ ّٖ -‬صٗ ‪" :‬قد سمعتـ أنو قيؿ عيف بعيف كسف بسف‪ ،‬كأما أنا فأقكؿ لكـ ال تقاكمكا‬
‫الشر بؿ مف لطمؾ عمى خدؾ األيمف فحكؿ لو اآلخر أيضان‪ ،‬كمف أراد أف يخاصمؾ‪ ،‬كيأخذ‬
‫سخرؾ ميبلن كاحدان فاذىب معو اثنيف"‪.‬‬
‫ثكبؾ فاترؾ لو الرداء أيضان‪ ،‬كمف ٌ‬
‫ىذه التعاليـ استكماالن لخمؽ الرىبانية المبتدع عند النصارل‪ ،‬كليس فيو مف التسامح شيء‪،‬‬
‫بؿ ىي دعكة إلى أف ييذؿ نفسو‪ ،‬كىك ما نيي اإلسبلـ عنو‪ ،‬فاإلسبلـ يدعك إلى كظـ الغيظ‬
‫كالصبر كالتسامح مف الذم يستطيع أف يرد السيئة بمثميا‪ ،‬فإف لـ يستطع رد السيئة فيك ببل‬
‫شؾ مظمكـ‪ ،‬كدعكة ىذا الصنؼ إلى أف يحكؿ خده الثاني لمطـ تكريس لحالة الظمـ ىذا‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬األخالق عند العرب‪:‬‬
‫اتصؼ العرب قبؿ اإلسبلـ بأخبلؽ إيجابية كسمبية‪ .‬أما األخبلؽ اإليجابية فيي‪:‬‬
‫كالصدؽ كالكفاء بالعيد‪ ،‬كنصرة الضعيؼ كالجار كاغاثة المميكؼ‪ ،‬كالكرـ كالشجاعة‪..‬‬
‫أما األخبلؽ السمبية مثؿ الظمـ ككأد البنات كالطكاؼ بالكعبة عرايا‪ ،‬كنصرة القريب ظالمان‬
‫أك مظمكمان‪ ،‬كشرب الخمر كلعب الميسر‪.‬‬
‫األخالق في اإلسالم‪:‬‬
‫عندما نتحدث عف األخبلؽ في اإلسبلـ البد أف نذكر النقاط التالية‪:‬‬
‫ُ‪ -‬زكد هللا سبحانو اإلنساف بممكات كلدت معو قادرة عمى أف تقدـ لو ما يتمنى مف‬
‫كف أ َّ ً‬
‫ىخ ىر ىج يك ٍـ ًم ٍف يبطي ً‬
‫الس ٍمعى‬
‫كف ىش ٍينئا ىك ىج ىع ىؿ لى يك ٍـ َّ‬
‫يميىات يك ٍـ الى تى ٍعمى يم ى‬ ‫اَّللي أ ٍ‬
‫المعارؼ قاؿ سبحانو‪  :‬ىك َّ‬
‫كف‪ ‬النحؿ اآلية ٖٕ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ص ىار ىكاألى ٍفئ ىدةى لى ىعم يك ٍـ تى ٍش يك ير ى‬
‫ىكاأل ٍىب ى‬
‫فسبحاف هللا الذم خمؽ اإلنساف في أحسف تقكيـ‪ ،‬فيو غرست ممكات التعمـ كالمعرفة‪ ،‬كفيو‬
‫اىا *‬ ‫كذلؾ نفسان استكدعيا هللا خصائص القبكؿ لمخير كالشر قاؿ سبحانو‪ :‬كىن ٍف و‬
‫س ىك ىما ىس َّك ى‬ ‫ى‬
‫اىا ‪ ‬الشمس اآلية ٕ – ٖ‪.‬‬
‫كرىىا ىكتى ٍق ىك ى‬
‫فىأىٍليى ىميىا في يج ى‬
‫ِ‪ -‬النفس اإلنسانية عمى الرغـ مف كجكد استعدادىا بكؿ ىذا الجياز تظؿ دائمان قابمة‬
‫لمترقي‪ ،‬كالتردم‪ ،‬لبلزدىار كالذبكؿ‪ ،‬بتأثير إرادتيا الخاصة قاؿ تعالى‪ :‬قى ٍد أى ٍفمى ىح ىم ٍف ىزَّك ى‬
‫اىا *‬

‫‪-85- 15‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫اىا‪ ‬الشمس اآليةٗ‪ َُ -‬كالقرآف الكريـ دعانا دائمان إلى الجياد الثابت‬
‫اب ىم ٍف ىد َّس ى‬
‫ىكقى ٍد ىخ ى‬
‫المستمر‪ ،‬سكاء مف أجؿ فعؿ الخير‪ ،‬كمقاكمة اليكل‪ ،‬أـ الحتماؿ الشركر‪ ،‬ككظـ الغيظ‪ ،‬أـ‬
‫ألداء كاجباتنا الدينية‪ ،‬كهللا سبحانو ال يفرض عمينا أم تكميؼ فكؽ كسائمنا‪ ،‬كلكف ذلؾ لـ يمنع‬
‫استىطى ٍعتي ٍـ ‪ ‬التغابف‬ ‫أنو يحثنا عمى طاعتو بكؿ ما نممؾ مف قكانا قاؿ تعالى‪  :‬فىاتَّقيكا َّ‬
‫اَّللى ىما ٍ‬
‫(ُ)‬
‫اآلية ُٔ‪.‬‬
‫ّ‪ -‬ربط اإلسبلـ بيف الديف كالحكاس كالقيـ األخبلقية برباط العقيدة‪ ،‬إذ ال مكاف لؤلخبلؽ‬
‫بدكف عقيدة‪ ،‬كىما يشكبلف الطاقة الخبلقة التي تجعؿ الفرد حتى لك سقط مرة‪ ،‬يعاكد الكقكؼ‬
‫ثانية ليتابع المسيرة معتمدان عمى القكة اليائمة التي يستمد منيا العكف‪ ،‬القكة الكامنة في ضمير‬
‫كقمب المؤمف‪.‬‬
‫ْ – األخبلؽ تنقسـ بحسب السنة النبكية إلى قسميف ىما‪:‬‬
‫أ‪ -‬أخبلؽ جبمية‪ :‬أم فيطر عمييا اإلنساف‪ ،‬كخمقيا هللا فيو‪ ،‬كما دؿ عمى ذلؾ حديث أشج‬
‫صمىتىٍي ًف يي ًحبُّيي ىما هللاي ىع َّز ىك ىج َّؿ ىكىريسكليوي اٍل ًحٍم يـ‬
‫يؾ ىخ ٍ‬
‫ً‬
‫عبد القيس‪ ،‬الذم قاؿ لو النبي ‪" :‬إً َّف ف ى‬
‫اؿ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هللا أىقىًد ً‬ ‫كاألىناةي فىقىاؿ‪ :‬يا رسكؿ ً‬
‫اؿ ىب ٍؿ ىجىبمى ىؾ هللاي ىعمى ٍيي ىما قى ى‬ ‫يما ف َّي أ ٍىك ىجىبمىني هللاي ىعمى ٍيي ىما قى ى‬ ‫ن‬ ‫ى ى ىي ى‬ ‫ى ى‬
‫(ِ)‬
‫﵀ الًَّذم ىجىبمىنًي ىعمىى يخميقى ٍي ًف يي ًحبُّيي ىما هللاي ىكىريسكليوي"‪.‬‬
‫اٍلحمدً ً‬
‫ى ٍي‬
‫ب‪ -‬أخبلؽ مكتسبة‪ :‬يمكف تحصيميا بالتعمـ كالتعكد عمييا‪ ،‬كما دؿ عمى ذلؾ قكؿ النبي‬
‫ًً‬ ‫‪" :‬كمف يستىع ًف ٍ ً‬
‫صٌبً ٍرهي هللا"‪.‬‬ ‫ؼ ييعفَّوي هللاي‪ ،‬ىك ىم ٍف ىي ٍستى ٍغ ًف يي ٍغنو هللاي‪ ،‬ىك ىم ٍف ىيتى ى‬
‫(ّ)‬
‫صب ٍَّر يي ى‬ ‫ىىٍ ىٍ ٍ‬
‫أما مجمؿ األخبلؽ فيمف أف نقسميا إلى أقساـ‪:‬‬
‫ُ ‪ -‬أخبلؽ فردية (شخصية)‪ :‬كىي األخبلؽ المتعمقة بالفرد‪ ،‬كنفعيا الزـ لو كيعكد عميو‬
‫خاصة‪ ،‬كاإلخبلص كاالستقامة كالعفة كالحمـ كالحياء كالصدؽ كالصبر كالتكاضع‪ ،‬كاآليات في‬
‫ىذه األخبلؽ كثيرة معمكمة‪.‬‬

‫(ُ) انظر لمزيد مف التكسع‪ :‬دستكر األخبلؽ في القرآف‪-‬دراسة مقارنة لؤلخبلؽ النظرية في القرآف‪-‬د‪ .‬محمد عبدهللا‬
‫دراز‪ ،‬صٖٓٓ‪ َٓٗ-‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.‬رابعة َُِْىػ‪ُِٖٗ-‬ـ‪.‬‬
‫(ِ) المكسكعة الحديثية لمسند أحمد جّٗ حديث رقـ (ََِْٗ‪ ْٓ/‬مف الزيادات)‪.‬‬
‫(ّ) أخرجو البخارم في صحيحو صُٖٓ(ُْٗٔ)‪.‬‬

‫‪-86-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كيتعدل نفعيا إلييـ‪ ،‬كالكفاء‬


‫ٌ‬ ‫ِ‪ -‬أخبلؽ جماعية‪( ،‬اجتماعية)‪ :‬كىي المتعمقة باآلخريف‪،‬‬
‫بالعيد‪ ،‬كاإلحساف إلى الكالديف‪ ،‬كالعطؼ عمى الفقراء‪ ،‬كالعفك عف المسيء‪ ،‬ككظـ الغيظ‪،‬‬
‫كاألخكة‪ ،‬كالجكد كالكرـ‪ ،‬كنحكىا‪.‬‬
‫فصؿ بعض العمماء األخبلؽ إلى أنكاع عديدة‪ ،‬ىي‪:‬‬ ‫* كقد ٌ‬
‫أولً‪ :‬األخالق الفردية‪ :‬شممت األخبلؽ في اإلسبلـ بأمكر األفراد في نكاحي كثيرة‪:‬‬
‫يف‪ ‬األعراؼ‬ ‫ب اٍل يم ٍس ًرًف ى‬ ‫اش ىريبكٍا ىكالى تي ٍس ًرفيكٍا إًَّنوي الى يي ًح ُّ‬
‫جسما‪ :‬لو حاجاتو كضركراتو‪  :‬يكميكٍا ىك ٍ‬ ‫أ‪ -‬ن‬
‫اآلية ُّ‪.‬‬
‫ؽ ىحقَّوي"‬‫ىع ًط يك َّؿ ًذم ىح وٌ‬ ‫ىىمً ىؾ ىعمى ٍي ىؾ ىحقِّا فىأ ٍ‬ ‫"إً َّف لً ىرٌبً ىؾ ىعمى ٍي ىؾ ىحقِّا ىكلً ىن ٍف ًس ىؾ ىعمى ٍي ىؾ ىحقِّا ىكًأل ٍ‬
‫(ُ)‬

‫احد وة أىف تىقيكمكا ً ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫َّلل ىمثٍىنى ىكفيىر ىادل ثيَّـ‬ ‫ي‬ ‫ب‪ -‬كعقبلن‪ :‬لو مكاىبو كآفاقو‪  :‬يق ٍؿ إً َّن ىما أىعظي يكـ بً ىك ى‬
‫تىتىفى َّك يركا‪ ‬سبأ اآلية ْٔ‪.‬‬
‫كنفسا‪ :‬ليا مشاعرىا كدكافعيا كأشكاقيا‪ :‬لذا دعى اإلسبلـ إلى طيارة النفس قاؿ تعالى‪:‬‬ ‫جػ‪ -‬ن‬
‫اىا‪‬‬
‫اب ىم ٍف ىد َّس ى‬ ‫اىا* قى ٍد أى ٍفمى ىح ىم ٍف ىزَّك ى‬
‫اىا * ىكقى ٍد ىخ ى‬ ‫كرىىا ىكتى ٍق ىك ى‬
‫اىا* فىأىٍليى ىميىا في يج ى‬ ‫‪‬كىن ٍف و‬
‫س ىك ىما ىس َّك ى‬ ‫ى‬
‫الشمس اآلية ٕ–َُ‪.‬‬
‫استى ٍغ ًف يركهي‪ ‬فصمت اآلية ٔ‬ ‫ً‬
‫يمكا ًإلى ٍيو ىك ٍ‬
‫* دعا إلى االستقامة‪ :‬فى ً‬
‫استىق ي‬ ‫ٍ‬
‫ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫يف يى ٍـ ىع ٍف‬ ‫كف * ىكالذ ى‬ ‫صبلىت ًي ٍـ ىخاش يع ى‬ ‫يف يى ٍـ في ى‬ ‫كف* الذ ى‬ ‫* دعا إلى العفة‪ :‬قى ٍد أى ٍفمى ىح اٍل يم ٍؤ ًمين ى‬
‫كج ًيـ ح ًافظيكف* إًالٌ ىعمىى أ ٍىزك ً‬
‫اج ًي ٍـ‬ ‫ً ً‬ ‫ًَّ‬ ‫ً ً ً‬ ‫ًَّ‬ ‫َّ‬
‫ى‬ ‫يف يى ٍـ لفيير ٍ ى‬ ‫كف* ىكالذ ى‬ ‫يف يى ٍـ ل َّمزىكاة فىاعمي ى‬ ‫كف* ىكالذ ى‬ ‫ض ى‬ ‫الم ٍغ ًك يم ٍع ًر ي‬
‫كف‪ ‬المؤمنكف‬ ‫ً‬ ‫ت أىيم يانيـ فىًإَّنيـ ىغير مميك ًميف* فىمف ابتى ىغى كر ً‬
‫اد ى‬‫اء ىذل ىؾ فىأ ٍيكلىئ ىؾ يى ٍـ اٍل ىع ي‬
‫ىى ى‬ ‫ٍأك ىما ىممى ىك ٍ ٍ ى ي ٍ ي ٍ ٍ ي ى ى ى ٍ ٍ‬
‫اآلية ُ‪ٕ -‬‬
‫الن ٍف ىس ىع ٍف اٍليى ىكل* فىًإ َّف اٍل ىجَّنةى ًىي‬ ‫اـ ىرٌبً ًو ىكىنيىى َّ‬ ‫اؼ ىمقى ى‬ ‫ىما ىم ٍف ىخ ى‬ ‫* التحكـ باألىكاء‪  :‬ىكأ َّ‬
‫ى‬
‫اٍل ىمأ ىٍكل‪ ‬النازعات اآلية َْ–ُْ‬
‫ً‬ ‫ًً‬ ‫اء ك َّ ً‬ ‫ت لًٍممتًَّقيف* الًَّذيف ي ٍن ًفقيكف ًفي َّ ً‬ ‫ً‬
‫يف‬
‫يف اٍل ىغ ٍيظى ىكاٍل ىعاف ى‬
‫الض َّراء ىكاٍل ىكاظم ى‬ ‫الس َّر ى‬ ‫ى ي ى‬ ‫*كظـ الغيظ‪ :‬أيع َّد ٍ ي ى‬
‫يف‪ ‬آؿ عمراف اآلية ُّّ – ُّْ‪.‬‬ ‫ًً‬ ‫اَّللي يي ًح ُّ‬ ‫ىع ٍف النَّ ً‬
‫ب اٍل يم ٍحسن ى‬ ‫اس ىك َّ‬
‫يف‪ ‬التكبة اآلية ُُٗ‪.‬‬ ‫كنكا مع َّ ً ً‬ ‫آمينكا اتَّقيكا َّ‬ ‫ًَّ‬
‫الصادق ى‬ ‫اَّللى ىك يك ي ى ى‬ ‫يف ى‬ ‫* الصدؽ‪  :‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو صِّْ(ُٖٔٗ)‪.‬‬

‫‪-87- 17‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كما دعا اإلسبلـ إلى كبح شيكات البطف كالفرج‪ ،‬كالتكاضع‪ ،‬كاجتناب الظف السيئ‬
‫باآلخريف‪ ،‬كالتثبت في إصدار األحكاـ عمى الناس‪ ،‬كالى الثبات كالصبر‪ ،‬كالقدكة الحسنة‪...‬‬
‫أما نكاىي القرآف الكريـ لمفرد في مجاؿ األخبلؽ فتمثؿ في النيي عف الكذب كالنفاؽ‬
‫كمناقضة األفعاؿ األقكاؿ‪ ،‬كالبخؿ كاإلسراؼ كالرياء كاإللقاء بالنفس إلى التيمكة كاالختياؿ‬
‫كالكبر كالحسد‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬األخالق األسرية‪:‬‬
‫مف أخبلؽ اإلسبلـ ما يتعمؽ بالمجتمع‪ :‬في آدابو كمجامبلتو كمف ذلؾ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اآلداب نحك األصكؿ كالفركع‪ :‬اإلحساف إلى الكالديف‪ ،‬كخفض الجناح ليما‪ ،‬احتراـ حياة‬
‫األكالد‪ ،‬كتربية األسرة التربية األخبلقية البلئقة‪.‬‬
‫ب‪ -‬نحك الحياة الزكجية‪ :‬حدد القرآف نكعية العبلقة بيف اإلنساف كمف حكلو‪ ،‬فمنيف‬
‫المحرمات عميو‪ ،‬كمنيف البلتي أجاز القرآف الزكاج منيف‪ ،‬كما دعا إلى التشاكر كالرضا بيف‬
‫الزكجيف‪ ،‬كالى المكدة كالرحمة كاختيار الرجؿ كالمرأة الصالحيف‪ ،‬كالمعاشرة بالمعركؼ كالصبر‬
‫في حاؿ كراىية بعض األفعاؿ‪.‬‬
‫ت‪ -‬نحك األقارب‪ :‬دعا إلى اإلحساف إلييـ‪ ،‬كدعا ذكم الكسع النفقة عمييـ بالمعركؼ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬األخالق الجتماعية‪:‬‬
‫حرـ اإلسبلـ قتؿ النفس التي حرـ هللا إال بالحؽ‪ ،‬كحرـ السرقة كالغش كالربا كالتممؾ غير‬
‫المشركع‪ ،‬كأكؿ ماؿ اليتيـ‪ ،‬كخيانة األمانة‪ ،‬كالظمـ‪ ،‬كالتكاطؤ عمى الشر‪ ،‬كالغدر كالخداع‪،‬‬
‫كغش القضاة كشيادة الزكر كقكؿ السكء‪...‬الخ‬
‫كأمر اإلسبلـ بأداء األمانة كرد الكديعة كأمر بتنظيـ العقكد في البيع كالشراء كالديف‪،‬‬
‫كمراعاة العيكد‪ ،‬كاإلحساف إلى الضعفاء كالعفك كالتراحـ‪ ،‬كنشر العمـ‪...‬الخ‬
‫كما دعا إلى قكاعد األدب مثؿ أدب دخكؿ البيكت‪ ،‬كأدب الحديث‪ ،‬كحسف االستماع‪  ...‬ىيا‬
‫ىىًميىا‪ ‬النكر اآلية ِٕ‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫آمينكا ىال تى ٍد يخميكا يبييكتان ىغ ٍي ىر يبييكتً يك ٍـ ىحتَّى تى ٍستىأٍن يسكا ىكتي ىسًمٌ يمكا ىعمىى أ ٍ‬
‫يف ى‬‫أىيُّيىا الذ ى‬
‫ش ًفي ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ً ً‬
‫اس كىال تى ٍم ً‬ ‫‪‬كىال تي ً‬
‫ض ىم ىرحان‪ ‬اإلسراء اآلية ُٖ‪.‬‬ ‫ص ٌع ٍر ىخ َّد ىؾ ل َّمن ى‬‫ى‬ ‫ى‬
‫رابعاً‪ :‬أخالق الدولة‪:‬‬
‫دعا اإلسبلـ الحكاـ إلى مشاكرة األمة ككجكب العدالة كارساء قكاعد النظاـ‪ ،‬كصيانة‬
‫األمكاؿ العامة‪ ،‬كعدـ المساس بيا‪ ،‬كاعطاء األقميات حقكقيا في المجتمع المسمـ‪.‬‬

‫‪-88-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كدعا اإلسبلـ الشعب إلى الطاعة المشركطة بعدـ المعصية ﵀ كلرسكلو‪ ،‬ك االتحاد‬
‫كالتشاكر كتجنب الفساد كتجنب مكاالة العدك أك التعامؿ معو‪ ،‬كدعا إلى حسف الجكار كالدفاع‬
‫عف النفس‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫الن ً‬ ‫ؤدكٍا األىمان ً‬
‫ىىمًيىا ىكًا ىذا ىح ىك ٍمتيـ ىب ٍي ىف َّ‬
‫ات إًلىى‬ ‫ٍم يريك ٍـ أىف تي ُّ‬ ‫ً‬
‫اس أىف تى ٍح يك يمكٍا‬ ‫ىى‬ ‫أٍ‬ ‫قاؿ تعالى‪ :‬إ َّف اَّللٌى ىيأ ي‬
‫ٍم ير بًاٍل ىع ٍد ًؿ‬
‫اف‪ ‬النحؿ اآلية َٗ‪.‬‬ ‫اإل ٍح ىس ً‬‫كً‬ ‫ً‬
‫باٍل ىع ٍدؿ‪ ‬النساء اآليةٖٓ‪ ،‬كقاؿ‪ :‬إ َّف اَّللٌى ىيأ ي‬
‫ى‬
‫ً ً‬
‫فبل انفصاؿ في شرعة اإلسبلـ بيف السياسة كاألخبلؽ‪ ،‬كال بيف االقتصاد كاألخبلؽ‪ ،‬كما‬
‫تنادم بذلؾ بعض االتجاىات الحديثة في العالـ الغربي‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬األخالق في القتصاد والتجارة‪:‬‬
‫كف تً ىج ىارةن ىعف تىىر و‬
‫اض‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ٍكميكٍا أ ٍىم ىكالى يك ٍـ ىب ٍي ىن يك ٍـ بًاٍل ىباط ًؿ إًال أىف تى يك ى‬
‫آمينكٍا الى تىأ ي‬
‫يف ى‬
‫ًَّ‬
‫مف ذلؾ‪  :‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬
‫نك ٍـ‪ ‬النساء اآلية ِٗ‬ ‫ًٌم ي‬
‫يف إً ىذا ا ٍكتىاليكٍا ىعمىى َّ‬
‫الن ً‬ ‫ًَّ‬ ‫ً ًً‬
‫كف{ِ} ىكًا ىذا ىكالي ي‬
‫كى ٍـ أىك‬ ‫اس ىي ٍستى ٍكفي ى‬ ‫يف{ُ} الذ ى‬ ‫كقاؿ سبحانو‪  :‬ىكٍي هؿ لٌٍم يمطىفٌف ى‬
‫ً‬ ‫كف‪ ،‬اتَّقيكٍا اَّللٌى ىكىذ يركٍا ىما ىب ًقي ًم ىف ًٌ‬ ‫ً‬
‫يف‪ ،‬البقرة اآليةِٖٕ‬ ‫الرىبا إًف يكنتيـ ُّم ٍؤ ًمن ى‬ ‫ى‬ ‫كى ٍـ يي ٍخس ير ى‬
‫َّكىزين ي‬
‫ً ً (ُ)‬
‫ش ىفمى ٍي ىس مٌني"‬ ‫كفي الحديث قاؿ ‪ " :‬ىم ٍف ىغ َّ‬
‫سادساً‪ :‬األخالق الدينية‪:‬‬
‫كىي كثيرة عمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬التدبر في آيات هللا تعالى كشكره عمى نعمائو‪ ،‬كالرضا‬
‫(ِ)‬
‫بقضائو كالتككؿ عميو كعدـ اليأس مف رحمتو‪ ،‬كالكفاء بعيده‪ ،‬كالصبلة كالصياـ لو‪...‬الخ‬
‫*كمف أخبلؽ اإلسبلـ ما يتعمؽ بغير العقبلء مف الحيكاف كالطير‪ً " :‬في يك ٌؿ ىكبًد ىر ٍ‬
‫ط ىبة‬
‫ٍك يؿ ًم ٍف ىخ ىش ً‬
‫اش‬ ‫ط ًع ٍميىا ىكلى ٍـ تى ىد ٍعيىا تىأ ي‬
‫الن ىار ًفي ًى َّ ورة ىرىبطىتٍيىا ىفمى ٍـ تي ٍ‬
‫ام ىأرىةه َّ‬
‫ت ٍ‬
‫(ّ)‬
‫ىجر" ‪ " ،‬ىد ىخمى ٍ‬ ‫أٍ‬
‫ض"(ْ)‪.‬‬‫ٍاأل ٍىر ً‬
‫* كالخبلصة‪ :‬أف اإلسبلـ‪ ،‬قد عني بتأصيؿ المنيج األخبلقي‪ ،‬مف خبلؿ تمؾ اآليات‬
‫الجامعة لمكارـ األخبلؽ‪ ،‬كاآليات المفردة الخاصة ببعضيا‪ ،‬ككذلؾ نصكص السنة النبكية‪،‬‬

‫(ُ) أخرجو مسمـ في صحيحو جُ‪.)َُِ(ٗٗ/‬‬


‫(ِ) انظر األبكاب التي ذكرناىا بتكسع في كتاب‪ :‬دستكر األخبلؽ في القرآف‪ ،‬صٖٗٔ‪ُٕٕ-‬‬
‫(ّ) أخرجو مسمـ في صحيحو جْ‪.)ِِْْ(ُُٕٔ/‬‬
‫(ْ) أخرجو البخارم في صحيحو صُْْ(ُّّٖ)‪.‬‬

‫‪-89- 19‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كارتباط األخبلؽ القرآنية بالجكانب العقدية كالعبادية كاالجتماعية كغيرىا‪ ،‬إضافة إلى كثرة‬
‫(ُ)‬
‫أقساميا كتعدد أنكاعيا‬
‫خصائص األخالق في اإلسالم‬
‫تتميز األخبلؽ في اإلسبلـ عف غيرىا مف الرساالت السابقة كالديانات كالمذاىب المختمفة‬
‫بعدة خصائص أىميا كما ذكرىا العبلمة الدكتكر يكسؼ القرضاكم(ِ)‪:‬‬
‫‪ – 1‬أخالق معممة مفيومة‪:‬‬
‫يعتمد اإلسبلـ في بياف األخبلؽ عمى ً‬
‫الح ىكـ المعقكلة‪ ،‬كالعمؿ المقبكلة‪ ،‬مخاطبا العقؿ‬
‫القكيـ‪ ،‬كالكجداف السميـ‪ ،‬مبينا المصالح مف كراء ما يأمر بو‪ ،‬كالمفاسد مف ج ارء ما ينيى عنو‪،‬‬
‫مفصبل تارة‪ ،‬كمجمبل تارة‪.‬‬
‫نك ًر‪ ‬العنكبكت‬ ‫الص ىبلةى تىٍنيىى ىع ًف اٍلفى ٍح ىشاء ىكاٍل يم ى‬ ‫اق أر في التعميؿ التفصيمي‪  :‬ىكأ ًىقًـ َّ‬
‫الص ىبلةى إً َّف َّ‬
‫َّ‬ ‫الصياـ ىكما يكتًب عمىى الًَّذ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬البقرة اآليةُّٖ‪،‬‬ ‫يف مف قىٍبم يك ٍـ لى ىعم يك ٍـ تىتَّقي ى‬‫ى‬ ‫ى ى‬ ‫ب ىعمى ٍي يك يـ ٌ ى ي ى‬ ‫اآليةْٓ‪ ،‬يكت ى‬
‫ىح ىس يف فىًإ ىذا الًَّذم ىب ٍي ىن ىؾ ىكىب ٍي ىنوي ىع ىد ىاكةه ىكأَّىنوي ىكلً ّّ‬
‫ي‬ ‫َّ ً ً‬
‫السٌيًىئةي ٍادفى ٍع بًالتي ى ىي أ ٍ‬ ‫‪ ‬ىكىال تى ٍستىًكم اٍل ىح ىس ىنةي ىكىال َّ‬
‫يـ‪ ‬فصمت اآليةّْ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىحم ه‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫كفي التعميؿ اإلجمالي‪ :‬فىاسعكا إًلىى ًذ ٍك ًر ًَّ‬
‫كف‪‬‬ ‫اَّلل ىكىذ يركا اٍل ىب ٍي ىع ىذل يك ٍـ ىخ ٍيهر ل يك ٍـ إًف يكنتي ٍـ تى ٍعمى يم ى‬ ‫ٍ ىٍ‬
‫ير فىًإَّنوي ًر ٍج هس‪ ‬األنعاـ‬ ‫كف ىم ٍيتىةن أ ٍىك ىدمان َّم ٍسفيكحان أ ٍىك لى ٍح ىـ ًخ ً‬ ‫َّ‬
‫نز و‬ ‫الجمعة اآليةٗ‪ ،‬إًال أىف ىي يك ى‬
‫اآلية‪ُْٓ.‬‬
‫‪ -2‬أخالق عالمية‪:‬‬
‫األخبلؽ في اإلسبلـ إنسانية عالمية‪ ،‬ال تبيح لجنس ما تحرمو عمى آخر‪ ،‬العرب كالعجـ‬
‫فييا سكاء‪ ،‬بؿ المسممكف كغيرىـ أماـ أخبلقيا سكاسية‪ ،‬الربا حراـ مع المسمـ كالكافر‪ ،‬كالسرقة‬
‫حراـ لماؿ المسمـ كالكافر‪ ،‬كالزنا حرـ بالمسممة كغير المسممة‪ ،‬كالعدؿ كاجب مع المسمـ كغير‬
‫المسمـ‪ ،‬كالعدكاف حراـ عمى المسمـ كغير المسمـ‪ .‬كفي ىذا يقكؿ القرآف‪:‬‬
‫آف قى ٍكوـ ىعمىى أىالَّ تى ٍعًدليكٍا‬ ‫ً ً‬ ‫ام ً ً‬
‫يف ٌَّلل يشيى ىداء بًاٍلق ٍسط ىكالى ىي ٍج ًرىمَّن يك ٍـ ىش ىن ي‬
‫ً‬
‫كنكٍا قى َّك ى‬
‫آمينكٍا يك ي‬
‫يف ى‬
‫ًَّ‬
‫‪ ‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬
‫ب لًمتَّ ٍق ىكل‪ ‬المائدة اآلية ٖ‪،‬‬ ‫ً‬
‫اعدليكٍا يى ىك أى ٍق ىر ي‬
‫ٍ‬

‫(ُ) بحث بعنكاف‪ :‬المنيج األخبلقي كحقكؽ اإلنساف في القرآف الكريـ د‪ .‬يحيى بف محمد زمزمي ص ُٕ‪.‬‬
‫(ِ) انظر عمى الشبكة العنكبكتية مكقع القرضاكم مف كتابو مدخؿ لمعرفة اإلسبلـ بتصرؼ قميؿ‪.‬‬

‫‪-90-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كبيذا تنزىت األخبلؽ اإلسبلمية عف النزعة العنصرية القكمية التي اتسمت بيا األخبلؽ‬
‫الييكدية‪ ،‬كاألخبلؽ القبمية كالبدائية عمى كجو العمكـ‪.‬‬
‫‪ - 3‬مالءمة الفطرة‪:‬‬
‫جاء اإلسبلـ في مجاؿ األخبلؽ بما يبلئـ الفطرة كالطبيعة البشرية كيكمميا‪ ،‬ال بما‬
‫يصادرىا كيصدميا فما كاف هللا ليخمؽ اإلنساف عمى طبيعة ثـ يكمفو أف يقيرىا كيقتميا‪ ،‬أك‬
‫يبطؿ أثرىا كيجمدىا‪.‬‬
‫كمف ىنا اعترؼ اإلسبلـ بالكائف اإلنساني‪ ،‬كما خمقو هللا‪ ،‬بدكافعو النفسية‪ ،‬كميكلو الفطرية‪،‬‬
‫ككؿ ما صنعو أنو ىذبيا كسما بيا‪ ،‬ككضع ليا الحدكد التي تصاف بيا مصمحة المجتمع‪،‬‬
‫كمصمحة الفرد ذاتو‪ .‬كليذا أباحت الشريعة التمتع بالطيبات كالزينة‪ ،‬كشرعت الممكية الخاصة‪،‬‬
‫كلـ تنظر لمغرائز عمى أنيا رجس مف الشيطاف‪.‬‬
‫آد ىـ‬ ‫ً‬
‫*رغب اإلسبلـ في النظافة كالزينة‪ ،‬كجعميما مف مقدمات الصبلة كشركطيا ‪ ‬ىيا ىبني ى‬
‫ند يك ًٌؿ ىم ٍس ًجود‪ ‬األعراؼ اآليةُّ‪.‬‬ ‫ً‬
‫يخ يذكٍا ًز ىينتى يك ٍـ ع ى‬
‫ىخ ىرىج لً ًع ىب ًاد ًه‬
‫اَّلل الَّتً ىي أ ٍ‬
‫*أنكر القرآف بشدة عمى الذيف يحرمكف بغير دليؿ ‪ ‬يقؿ مف ح َّرـ ًزينةى ً‬
‫ٍ ىٍ ى ى ى ٌ‬
‫ؽ‪ ‬األعراؼ اآليةِّ‪.‬‬ ‫ات ًم ىف ًٌ‬
‫الرٍز ً‬ ‫كاٍلطَّيًب ً‬
‫ى ٌى‬
‫اؿ‬ ‫ًً‬
‫فإذا كانت المسيحية ترل أف الغني ال يدخؿ ممككت السمكات‪ ،‬فاإلسبلـ يقكؿ‪" :‬نع َّما اٍل ىم ي‬
‫ً (ُ)‬
‫الصالً يح لًٍم ىم ٍرًء َّ‬
‫الصال ًح"‬ ‫َّ‬
‫كاذا كانت المسيحية قد أنشأت نظاـ الرىبانية العاتي بما فيو مف قسكة عمى الجسد‪،‬‬
‫كمصادرة لمنكازع الفطرية‪ ،‬فاإلسبلـ ينيى عف التبتؿ‪ ،‬كيحض عمى الزكاج‪ ،‬كيرل أف الدنيا‬
‫متاع‪ ،‬كخير متاعيا المرأة الصالحة‪ ،‬بؿ يعتبر السعي عمى العياؿ‪ ،‬كالقياـ عمى شؤكنيـ ضرنبا‬
‫مف الجياد في سبيؿ هللا‪.‬‬
‫كلكف اإلسبلـ في كؿ ما أباحو ‪ -‬مراعيا الطبيعة البشرية ‪ -‬قد كضح لو الضكابط كالحدكد‬
‫التي تقؼ عند حد االعتداؿ‪ ،‬كال يستحيؿ باإلفراط كالغمك إلى انطبلؽ حيكاني ذميـ‪.‬‬
‫‪ -4‬مراعاة الواقع‪:‬‬

‫(ُ) أخرجو أحمد في المسند جِٗ‪ )ُّٕٕٔ(ِٖٗ/‬قاؿ األرناكؤط‪ :‬إسناده صحيح عمى شرط مسمـ‪.‬‬

‫‪-93- 91‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية‪ :‬أنيا أخبلؽ كاقعية‪ ،‬ال تصدر أكامرىا كنكاىييا ألناس‬
‫بشر يمشكف‬
‫يعيشكف في أبراج عاجية‪ ،‬أك يحمقكف في أجكاء المثالية المجنحة‪ ،‬إنما تخاطب نا‬
‫عمى األرض‪ ،‬ليـ دكافع كشيكات‪ ،‬كليـ مطامع كأماؿ‪ ،‬كليـ مصالح كحاجات‪ ،‬كليـ مف دكافع‬
‫الجسد ما ينزع بيـ إلى األرض‪ ،‬كما ليـ مف أشكاؽ الركح ما يرتفع بيـ إلى السماء‪.‬‬
‫لـ يكمؼ القرآف اإلنساف أف يحب أعداءه‪ ،‬كأف يبارؾ العنيو ػ كما أمر اإلنجيؿ ػ فيذا شيء‬
‫ال تطيقو النفس البشرية ‪ -‬إال شذكنذا‪ -‬كانما أمر القرآف المؤمنيف أف يعدلكا مع أعدائيـ‪ ،‬كال‬
‫اعًدليكٍا‬ ‫َّ ً‬
‫آف قى ٍكوـ ىعمىى أىال تى ٍعدليكٍا ٍ‬
‫تحمميـ عداكتيـ كبغضيـ عمى االعتداء عمييـ ‪ ‬ىكالى ىي ٍج ًرىمَّن يك ٍـ ىش ىن ي‬
‫ب لًمتَّ ٍق ىكل‪ ،‬كىذا ىك المقدكر لمبشر‪ ،‬كأنو مع ذلؾ لىًقمةه ال يرتقي إلييا إال المؤمنكف‪.‬‬ ‫يى ىك أى ٍق ىر ي‬
‫كلـ يقؿ القرآف ما قاؿ اإلنجيؿ‪" :‬مف ضربؾ عمى خدؾ األيمف فأدر لو خدؾ األيسر‪ ،‬كمف‬
‫سرؽ قميصؾ‪ ،‬فأعطو إزارؾ" فيذا ال يستطيعو ‪ -‬كما يشيد الكاقع‪ -‬كؿ الناس‪ ،‬كال في كؿ‬
‫األحكاؿ‪ .‬بؿ قاؿ القرآف‪ :‬كج ىزاء سيًىئ وة سيًىئةه ًم ٍثمييا فىمف عفىا كأىصمىح فىأىجره عمىى ًَّ‬
‫اَّلل‪ ‬الشكرل‬ ‫ى ٌ ى ٌ ٌ ى ى ٍ ى ى ٍ ى ٍ يي ى‬ ‫ىى‬
‫ص ىب ٍرتي ٍـ لىيي ىك ىخ ٍيهر ًلٌ َّ‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫مصابًر ى‬
‫يف‪ ‬النحؿ‬ ‫ًف ىعاقىٍبتي ٍـ فى ىعاقيبكٍا بًم ٍثؿ ىما يعكًق ٍبتيـ بًو ىكلىئف ى‬
‫اآليةَْ‪  ،‬ىكا ٍ‬
‫اآليةُِٔ‪ ،‬فأقر مبدأ العدؿ‪ ،‬ثـ فتح الباب لممتطمعيف إلى السمك كالكماؿ‪ ،‬ليعفكا كيصفحكا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف البقرة‪‬‬ ‫الشيء الذم يحرمو اإلسبلـ ىك العدكاف‪  :‬ىكالى تى ٍعتى يدكٍا إً َّف اَّللٌى الى ييح ًٌ‬
‫ب اٍل يم ٍعتىد ى‬
‫اآليةَُٗ‪ ،‬كبذلؾ كفؽ اإلسبلـ بيف عدؿ التكراة كسماحة اإلنجيؿ‪ ،‬كىذه ىي الكاقعية المثالية‬
‫المتكازنة‪.‬‬
‫لـ يقؿ القرآف ما قاؿ اإلنجيؿ‪" :‬إذا أعثرتؾ عينؾ فاقمعيا‪ ،‬كألقيا عنؾ‪ ،‬فإنو خير لؾ أف‬
‫ييمؾ أحد أعضائؾ مف أف يمقى بدنؾ كمو مف جينـ"‪ ،‬بؿ أمر المؤمنيف كالمؤمنات أف يغضكا‬
‫مف أبصارىـ‪ ،‬كما أمرىـ بالتكبة مما قد يبدر منيـ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬كتيكبكا إًلىى ًَّ‬
‫اَّلل ىج ًميعان أىيُّيىا‬ ‫ى ي‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫كف‪ ‬النكر اآليةُّ‪ ،‬كعفا الرسكؿ عف نظرة الفجاءة‪ ،‬كقاؿ‪ " :‬ىال تيتٍبً ٍع‬ ‫كف لى ىعم يك ٍـ تيٍفم يح ى‬ ‫اٍل يم ٍؤ ًمين ى‬
‫ً (ُ)‬
‫ظ ىرةى فىًإ َّف لى ىؾ ٍاأليكلىى ىكلى ٍي ىس ٍ‬
‫ت لى ىؾ ٍاآلخ ىرةي"‬ ‫ظ ىرةى َّ‬
‫الن ٍ‬ ‫َّ‬
‫الن ٍ‬
‫كمف كاقعية األخبلؽ اإلسبلمية أنيا لـ تفترض في المؤمنيف المتقيف أف يككنكا مبلئكة أكلى‬
‫أبدا‪ ،‬كبل إف اإلنساف‬
‫يكما‪ ،‬كال يتكرطكف في أكحاؿ الرذيمة ن‬
‫سكءا ن‬
‫أجنحة‪ ،‬ال تسكؿ ليـ أنفسيـ ن‬
‫خمؽ عمى طبيعة مزدكجة‪ ،‬جمعت بيف طيف كحمإ مسنكف‪ ،‬كبيف نفخة مف ركح هللا‪.‬‬

‫(ُ) أخرجو الترمذم في سننو جٓ‪ )ِٕٕٕ(َُُ/‬كقاؿ حديث حسف غريب‬

‫‪-91-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫فميس بمستنكر أف يذنب‪ ،‬ثـ يتكب‪ .‬إنما المنكر أف يتمادل في الذنكب كيستمرئ الرذيمة‬
‫كالعصياف‪ .‬لقد أذنب آدـ ‪ -‬أبك البشر‪ -‬كتاب فتاب هللا عميو‪ ،‬فبل غرابة أف يككف بنكه مثمو‪،‬‬
‫ليذا جعؿ القرآف مف أصناؼ المتقيف‪:‬‬
‫ً ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫استى ٍغفىيركٍا ل يذينكبً ًي ٍـ ىك ىمف ىي ٍغف ير الذين ى‬
‫كب‬ ‫يف إً ىذا فى ىعميكٍا فىاح ىشةن أ ٍىك ظىمى يمكٍا أ ٍىنفي ىسيي ٍـ ىذ ىك يركٍا اَّللٌى فى ٍ‬‫‪ ‬ىكالذ ى‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫كف‪ ‬آؿ عمراف اآليةُّٓ‬ ‫إًال اَّللٌي ىكلى ٍـ ييص ُّركٍا ىعمىى ىما فى ىعميكٍا ىك يى ٍـ ىي ٍعمى يم ى‬
‫كما فرؽ القرآف بيف كبائر اإلثـ كفكاحشو‪ ،‬كبيف صغائر السيئات كلى ىمًـ الذنكب التي قمما‬
‫يسمـ منيا أحد‪ ،‬فيي في دائرة المسامحة كالغفراف ما اجتنبت المكبقات‪ :‬إًف تى ٍجتىنًيبكٍا ىك ىبآئً ىر ىما‬
‫نك ٍـ ىسٌيًىئاتً يك ٍـ ىكين ٍد ًخٍم يكـ ُّم ٍد ىخبلن ىك ًريمان‪ ‬النساء اآلية ُّ‪،‬‬ ‫تيٍنيى ٍك ىف ىع ٍنوي ين ىك ًفٌ ٍر ىع ي‬
‫كمف كاقعية األخبلؽ اإلسبلمية أنيا قدرت لمضركرات قدرىا‪ ،‬كراعت األعذار كالظركؼ‬
‫المخففة‪ ،‬كلـ تتزمت تزمت المثالييف المتطرفيف الذيف يقبمكف أم استثناء‪.‬‬
‫اغ ىكالى‬ ‫كليذا بعد أف ذكر القرآف محرمات األطعمة‪ ،‬عقب عمييا بقكلو‪ :‬فى ىم ًف ٍ‬
‫اضطيَّر ىغ ٍي ىر ىب و‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫و‬
‫يـ‪ ‬البقرة ُّٕ‬ ‫ىعاد فىبل إًثٍ ىـ ىعمى ٍيو إً َّف اَّللٌى ىغفي ه‬
‫كر َّرح ه‬
‫‪ - 6‬اإليجابية‪:‬‬
‫كمف خصائص األخبلؽ في اإلسبلـ‪ :‬أنيا أخبلؽ إيجابية‪ ،‬فيي ال ترضى مف المتحمي بيا‬
‫مسايرة الركب‪ ،‬أك المشي مع التيار‪ ،‬أك العجز كاالستسبلـ لؤلحداث تكجو قياده كالريشة في‬
‫ميب الريح‪ .‬إنما تحث عمى القكة كالكفاح‪ ،‬كمكاصمة السعي في ثقة كأمؿ‪ ،‬كتقاكـ العجز‬
‫اب بًقي َّكوة‪ ‬مريـ‬ ‫ً ً‬
‫كاليأس‪ ،‬كالتماكت كالكسؿ‪ ،‬ككؿ أسباب الضعؼ‪ .‬كفي القرآف الكريـ‪  :‬يخذ اٍلكتى ى‬
‫اآليةُِ‬
‫ىص ىاب ىؾ ىشي هء فى ىبل تىيق ٍؿ‪:‬‬ ‫كفى الحديث‪" :‬اح ًرص عمىى ما ي ٍنفىعؾ كاستى ًعف بً ًَّ‬
‫ٍ‬ ‫ًف أ ى‬
‫اَّلل ىكىال تى ٍع ىج ٍز‪ ،‬ىكا ٍ‬ ‫ٍ ٍ ى ى ى يى ى ٍ ٍ‬
‫(ُ)‬
‫اف"‬ ‫اَّلل كما ىشاء فى ىعؿ‪ .‬فىًإ َّف لىك تى ٍفتىح ىعمؿ َّ‬
‫الش ٍيطى ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ٍ ي ىى‬ ‫ى ى‬ ‫اف ىك ىذا ىك ىك ىذا؛ ىكلىك ٍف يق ٍؿ‪ :‬قى ىد ير َّ ى ى‬ ‫ت ىك ى‬ ‫لى ٍك أٌىني فى ىعٍم ي‬
‫كيكصي الرسكؿ بالعمؿ لعمارة الحياة حتى آخر لحظة في عمر الدنيا‪ ،‬كلك لـ ينتفع بثمرة‬
‫ىحًد يك ٍـ فى ًسيمىةه‪ ،‬فىًإ ًف‬ ‫ً‬
‫اعةي ىكًفي ىيد أ ى‬
‫الس ى‬‫ام ًت َّ‬ ‫ً‬
‫العمؿ أحد‪ ،‬كلكف احتراـ لقيمة العمؿ في ذاتو‪" ،‬إ ٍف قى ى‬
‫(ِ)‬
‫اعةي ىحتَّى ىي ٍغ ًر ىسيىا‪ ،‬ىفٍم ىي ٍف ىع ٍؿ"‬
‫الس ى‬
‫كـ َّ‬
‫ىف الى تىقي ى‬
‫اع أ ٍ‬ ‫ط ى‬
‫استى ى‬
‫ٍ‬

‫(ُ) أخرجو مسمـ في صحيحو جْ‪.)ِّٔٔ(َِِٓ/‬‬


‫(ِ) أخرجو البخارم في األدب المفرد صُٖٔ(ْٕٗ)‪ .‬صححو األلباني في سمسمتو‪.‬‬

‫‪-91- 93‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ىنت‬
‫ب أ ى‬
‫يرفض اإلسبلـ اإلتكالية المنيزمة التي نراىا في قكؿ أصحاب مكسى لو‪ :‬فىا ٍذ ىى ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كف‪ ‬المائدة اآلية ِْ‪ ،‬كلكف يريد اإليجابية الفعالة التي تتمثؿ في‬ ‫ُّؾ فىقىاتبل إًَّنا ىى ي‬
‫اى ىنا قىاع يد ى‬ ‫ىكىرب ى‬
‫(ُ)‬
‫قكؿ أصحاب محمد‪" :‬اذىب أنت كربؾ فقاتبل‪ ،‬إنا معكما مقاتمكف‪".‬‬
‫مستقيما في نفسو‪ ،‬حتى يعمؿ عمى استقامة غيره‪،‬‬
‫ن‬ ‫لـ يكتؼ اإلسبلـ مف المسمـ أف يككف‬
‫كلـ يقبؿ المرء في عداد الفضبلء الصالحيف إذا صمح ىك‪ ،‬كلـ يأبو لفساد المجتمع مف حكلو‪،‬‬
‫بؿ فرض عمى كؿ مسمـ ‪ -‬بقدر كفايتو كاستطاعتو‪ -‬الدعكة إلى الخير كاألمر بالمعركؼ‪،‬‬
‫كالنيي عف المنكر‪ ،‬كالتكاصي بالحؽ‪ ،‬كالتكاصي بالصبر كالمرحمة‪ ،‬كالنصيحة في الديف‪،‬‬
‫اس تىأٍمركف بًاٍلمعر ً‬ ‫يخ ًرج ٍ ً‬ ‫كاالىتماـ بأمر المسمميف‪  :‬يكنتيـ ىخير أ َّ و‬
‫كؼ ىكتىٍنيى ٍك ىف ىع ًف‬ ‫ت ل َّمن ً ي ي ى ى ٍ ي‬ ‫يمة أ ٍ ى‬ ‫ٍ ٍى‬
‫آمينكا ىك ىع ًمميكا‬ ‫َّ ًَّ‬ ‫اإلنس ً‬
‫يف ى‬ ‫اف لىفي يخ ٍس ور{ِ} إًال الذ ى‬
‫ص ًر{ُ} إً َّف ًٍ ى ى‬ ‫نك ًر‪ ‬آؿ عمراف اآليةَُُ‪  ،‬ىكاٍل ىع ٍ‬ ‫اٍل يم ى‬
‫ً‬
‫الديف َّ ً‬ ‫اص ٍكا بً َّ‬ ‫اص ٍكا بًاٍل ىح ًٌ‬ ‫َّ ً ً‬
‫يحةي"(ِ)‪،‬‬‫النص ى‬ ‫الص ٍب ًر‪ ،‬كفي الحديث‪ ٌ " :‬ي‬ ‫ؽ ىكتى ىك ى‬ ‫الصال ىحات ىكتى ىك ى‬
‫بيذا رفض اإلسبلـ السمبية أماـ الفساد االجتماعي كالسياسي‪ ،‬كالتحمؿ الخمقي كالديني‪،‬‬
‫كطمب إلى المسمـ أف يغير المنكر بيده‪ ،‬فإف لـ يستطع فبمسانو‪ ،‬فإف لـ يستطع فبقمبو‪ ،‬كذلؾ‬
‫أضعؼ اإليماف‪.‬‬
‫سمبيا كما يظف‪ ،‬كلكنو تعبئة نفسية كشعكرية ضد الفساد‪ ،‬ال بد أف‬
‫كالتغيير بالقمب ليس ن‬
‫تتجسد يكما في عمؿ مممكس‪.‬‬
‫‪ - 7‬الشمول‪:‬‬
‫كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية أنيا أخبلؽ شاممة مستكعبة‪ ،‬فإذا ظف بعض الناس أف‬
‫األخبلؽ في األدياف تنحصر في أداء الشعائر التعبدية كنحك ذلؾ‪ ،‬فيذا إف صح في أخبلؽ‬
‫ديف ما‪ ،‬ال يصح أف يكصؼ بو قانكف األخبلؽ في اإلسبلـ‪ .‬فإف ىذا القانكف لـ يدع لمنشاط‬
‫ركحيا‪ ،‬إال‬
‫ن‬ ‫أدبيا‪ ،‬أك‬
‫حيكيا‪ ،‬أك فكرنيا‪ ،‬أك ن‬
‫ن‬ ‫اإلنساني مف ناحيتيو‪ :‬الفردية كاالجتماعية مجاالن‬
‫منيجا لمسمكؾ كفؽ قاعدة معينة‪ ،‬بؿ تخطى عبلقة اإلنساف بنفسو عبلقتو ببني جنسو‪،‬‬‫ن‬ ‫رسـ لو‬
‫فشمؿ عبلقتو بالككف في جممتو كتفصيمو‪ ،‬ككضع لذلؾ كمو ما شاء هللا مف اآلداب الراقية‪،‬‬

‫قبيؿ معركة بدر‪.‬‬ ‫(ُ) أكردىا أصحاب السير مف قكؿ المقداد بف األسكد لرسكؿ هللا ‪‬‬
‫(ِ) أخرجو مسمـ في صحيحو جُ‪.)ٓٓ(ْٕ/‬‬

‫‪-94-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كالتعاليـ السامية‪ ،‬كىكذا جمع ما فرقو الناس باسـ الديف‪ ،‬كباسـ الفمسفة‪ ،‬ثـ كاف لو عمييما‬
‫المزيد‪.‬‬
‫‪ - 7‬التوازن‪:‬‬
‫كمف خصائص األخبلؽ اإلسبلمية‪ :‬التكازف الذم يجمح بيف الشيء كمقابمو في اتساؽ‬
‫كتناسؽ‪ ،‬ببل غمك كال تفريط‪.‬‬
‫مف ذلؾ‪ :‬التكازف بيف حؽ الجسـ كحؽ الركح‪ ،‬فبل حرماف لمجسـ يصؿ إلى حد التعذيب‪،‬‬
‫كما في البرىمية اليندية‪ ،‬كالمانكية الفارسية‪ ،‬كالركاقية اليكنانية‪ ،‬كالرىبانية المسيحية كنحكىا‪.‬‬
‫كال إغفاؿ ألمر الركح‪ ،‬كما في الييكدية إلى حد كبير‪ ،‬ثـ في المذاىب المادية التي لـ‬
‫تعترؼ لمركح بكجكد‪ ،‬فضبل عف أف يككف ليا حؽ‪ .‬كليذا قاؿ الرسكؿ لبعض أصحابو الذيف‬
‫أبدا‪ ،‬كعزـ‬ ‫أبدا‪ ،‬كعزـ الثاني أف يصكـ النيار فبل يفطر ن‬ ‫عزـ أحدىـ أف يقكـ الميؿ فبل يناـ ن‬
‫يف يقٍمتي ٍـ ىك ىذا ىك ىك ىذا؛‬ ‫ًَّ‬ ‫ً‬
‫اؿ‪ :‬أ ٍىنتييـ الذ ى‬
‫كؿ هللا ‪ ،‬فىقى ى‬
‫اء ىريس ي‬
‫أبدا‪" :‬فى ىج ى‬
‫الثالث أف يعتزؿ النساء فبل يتزكج ن‬
‫لكنًي أىصكـ كأي ٍف ًطر‪ ،‬كأيصًمٌي كأىرقيد‪ ،‬كأىتىزَّكج ً‬ ‫اكـ ً‬ ‫هللا إًٌنًي أل ٍ‬
‫أىما ك ً‬
‫اء؛ فى ىم ٍف‬
‫الن ىس ى‬
‫ي ي ى ي ى ى ىٍ ي ى ى ي ٌ‬ ‫اك ٍـ لىوي‪ٌ ً ،‬‬
‫﵀ ىكأىتٍقى ي‬ ‫ىخ ىش ي ٍ‬ ‫ى ى‬
‫ً ً (ُ)‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ب ىع ٍف يسَّنتي ىفمى ٍي ىس مٌني"‬ ‫ىرغ ى‬
‫كمف ذلؾ‪ :‬التكازف بيف الدنيا كاآلخرة‪ ،‬فإذا كانت الييكدية تجعؿ أكبر ىميا ىذا العالـ‬
‫األرضي الحاضر‪ ،‬كالمسيحية تحصر كؿ تكجيييا في ممككت السماء حيث العالـ اآلخر‪،‬‬
‫فاإلسبلـ يزاكج بيف النظرتيف‪ ،‬كيمزج بيف الحياتيف‪ ،‬فيذه مزرعة لتمؾ‪ ،‬كهللا قد استخمؼ الناس‬
‫في األرض‪ ،‬كاستعمرىـ فييا‪ ،‬فبل ينبغي أف يخربكىا أك يعطمكىا‪ ،‬كالسعيد مف فاز بحسنة‬
‫الدنيا كحسنة اآلخرة‪:‬‬
‫ص ىيب ىؾ ًم ىف ُّ‬
‫الد ٍن ىيا‪ ‬القصص اآليةٕٕ‪.‬‬ ‫ىن ً‬ ‫نس‬ ‫ً‬ ‫اَّللي َّ‬
‫الد ىار ٍاآلخ ىرةى ىكىال تى ى‬ ‫اؾ َّ‬ ‫يما آتى ى‬
‫ً‬
‫‪ ‬ىك ٍابتى ًغ ف ى‬
‫فبل تدليؿ لمفرد بكثرة الحقكؽ كاطبلؽ العناف لو‬ ‫كمف ذلؾ التكازف بيف الحقكؽ كالكاجبات‪،‬‬
‫باسـ الحرية‪ ،‬فيسترخي كيطغى كينحرؼ كيفسد‪ ..‬كال إرىاؽ لو بكثرة الكاجبات كاألعباء‪ ،‬كاف‬
‫ناء بيا ظيره‪ ،‬كخارت قكاه‪ ،‬ال باسـ المجتمع‪ ،‬كال باسـ غيره‪.‬‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو صْٕٔ(ْٕٔ)‪.‬‬

‫‪-95- 95‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كمف ذلؾ‪ :‬التكازف بيف الكاقعية كالمثالية‪ ،‬فمع االعتراؼ بالكاقع الذم يعيشو أكثر الناس‪،‬‬
‫مفتكحا ‪-‬مع الترغيب كالتشكيؽ‪ -‬ألصحاب السبؽ كاليمـ‪ ،‬لمسمك كاالرتفاع‬ ‫ن‬ ‫يدع المجاؿ‬
‫كالمسارعة في الخيرات‪ ،‬فإف درجات الناس تختمؼ‪:‬‬
‫اَّلل‪ ‬فاطر اآلية ِّ‬ ‫ؽ بًاٍلخير ً‬
‫ات بًًإ ٍذ ًف ًَّ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً ًً ً‬ ‫ً‬
‫‪‬فىم ٍنيي ٍـ ظىال هـ لٌىن ٍفسو ىكم ٍنييـ ُّم ٍقتىص هد ىكم ٍنيي ٍـ ىساب ه ى ٍ ى‬
‫إف الناظر إلى تكازف األخبلؽ اإلسبلمية‪ ،‬كتناسقيا المعجز‪ ،‬يأخذه العجب كيؼ اجتمعت‬
‫فييا الفضائؿ المتقابمة‪ ،‬التي يحسب الكثيركف أف التقاءىا ضرب مف المحاؿ‪.‬‬
‫كليذا يتعذر عمى الباحث أف ينسبيا إلى لكف أك مذىب مف األلكاف أك المذاىب األخبلقية‪،‬‬
‫التي عرفيا الناس قديما كحديثنا‪ :‬أىي أخبلؽ قكة أـ أخبلؽ محبة؟ ىؿ ىي أخبلؽ زىد أـ‬
‫أخبلؽ حياة؟ أىي أخبلؽ ركحية أـ أخبلؽ مادية؟ أىي أخبلؽ ربانية أـ أخبلؽ إنسانية؟‬
‫أىي أخبلؽ عقمية أـ أخبلؽ دينية؟‬
‫أىي أخبلؽ مثالية أـ كاقعية‪ ،‬أىي أخبلؽ فردية أـ اجتماعية؟‬
‫قدر مف كؿ نكع مف‬
‫جميعا‪ ،‬ألف فييا نا‬
‫ن‬ ‫كالحؽ أنيا ليست كاحدة مف ىؤالء‪ ،‬كلكنيا كؿ أكلئؾ‬
‫ىذه األنكاع‪ ،‬ىك خير ما فييا‪ ،‬مع تنزىيا عف مساكئو كتطرفاتو‪.‬‬
‫فالحؽ الذم ال ريب فيو أنيا‪ :‬أخبلؽ متكاممة متكازنة‪ :‬ألنيا أخبلؽ إسبلمية‪ ،‬ككفى‪.‬‬

‫المطمب الرابع‪:‬‬
‫النقمة النوعية في التشريع‬
‫الشريعة لغة‪:‬‬
‫اب في الماء‪ ،‬أم دخمت‪.‬‬‫ُ ‪ -‬ىش ىرعى الكارد ىش ٍرعان‪ ،‬كشركعان‪ :‬تناكؿ الماء بفيو‪ ،‬كشرعت الدك ُّ‬
‫الم ٍش ىرعة‪ :‬المكاضع التي يي ٍن ىحدر إلى الماء منيا‪ ،‬قاؿ الميث‪ :‬كبيا سمي ما شرع هللا‬
‫كالشريعة ك ى‬
‫لمعباد شريعة مف الصكـ كالصبلة كالحج كالنكاح كغيره‪.‬‬

‫‪-96-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ِ ‪ -‬كالشريعة‪ :‬مكرد الماء‪ ،‬كىي مكرد الشاربة التي يشرعيا الناس فيشربكف منيا‬
‫عدان ال انقطاع‬ ‫شرعكىا دكابيـ‪ ..‬كالعرب ال تسمييا شريعة حتى يككف الماء ٌ‬ ‫كيستقكف‪ ،‬كربما ٌ‬
‫(ُ)‬
‫لو‪ ،‬كيككف ظاى انر معينان ال يسقى بالرشاء‪ ..‬كفي المثؿ‪ :‬أىكف السقي التشريع‪.‬‬
‫اؾ ىعمىى ىش ًرٍي ىع وة ًم ىف ٍاأل ٍىم ًر‬
‫ّ ‪ -‬كالشريعة الطريؽ المستقيـ‪ :‬مف ذلؾ قكلو تعالى‪ :‬ثيَّـ ىج ىع ىمن ى‬
‫ات ٌّ ىّبً ٍعيىا‪ .‬أم عمى طريؽ مستقيـ‪.‬‬
‫فى ٌ‬
‫الشريعة اصطبلحان‪" :‬ما شرعو هللا لعباده مف الديف بكاسطة النبي لتحقيؽ سعادتيـ في الدنيا‬
‫كاآلخرة"‪.‬‬
‫كالديف يشمؿ‪ :‬العقيدة كالعبادات كالمعامبلت كاألحكاـ كالحدكد كالقصاص كاألخبلؽ‪ ..‬الخ‪،‬‬
‫اط يم ٍستىًق ويـ ًد نينا‬
‫صر و‬‫ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫ًً‬
‫كتسمى الشريعة بالديف‪ ،‬أك الممة قاؿ تعالى‪  :‬يق ٍؿ إَّنني ىى ىداني ىرٌبي إلىى ى‬
‫ً‬ ‫اىيـ حنًيفنا كما ىك ً‬
‫ً‬ ‫ً ً َّ‬
‫يف‪ ‬األنعاـ اآلية ُُٔ‪.‬‬ ‫ق ىي نما ممةى إً ٍب ىر ى ى ى ى ى‬
‫اف م ٍف اٍل يم ٍش ًرك ى‬
‫العالقة بين معنى الشريعة في المغة‪ ،‬ومعناىا الصطالحي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬الشريعة مكرد الماء يسقى منو بدكف عناء‪ ،‬ككذلؾ الديف فكما أف الماء أساس الحياة‬
‫لكؿ الكائنات الحية‪ ،‬فالشريعة الربانية أساس حياة البشرية كسعادتيا‪ ،‬كىك كما الماء مكرد‬
‫سيؿ المناؿ لمف أراده‪.‬‬
‫عد ال انقطاع لو‪ ،‬ككذلؾ الشريعة الربانية غزيرة ال انقطاع ليا‪ ،‬تصمح‬
‫ِ‪ -‬الشريعة مكرد ٌ‬
‫لكؿ زماف كمكاف حتى يرث هللا األرض كمف عمييا‪.‬‬
‫ّ‪ -‬مف معاني الشريعة الطريؽ المستقيـ كما في قكلو تعالى‪:‬‬
‫يع وة ًم ىف ٍاأل ٍىم ًر فىاتَّبً ٍعيىا‪ ‬الجاثية اآلية ُٖ‬ ‫اؾ ىعمىى ىش ًر ى‬
‫‪‬ثيَّـ ىج ىعٍم ىن ى‬
‫ؽ بً يك ٍـ ىع ٍف ىسبًيمً ًو‪ ‬األنعاـ‬ ‫يما فىاتَّبً يعكهي ىكالى تىتَّبً يعكا ُّ‬
‫السيب ىؿ فىتىفىَّر ى‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫كقاؿ‪  :‬ىكأ َّ‬
‫ىف ىى ىذا ص ىراطي يم ٍستىق ن‬
‫اآليةُّٓ‪.‬‬
‫عالقة الشريعة اإلسالمية بالشرائع السماوية السابقة‪:‬‬
‫ُ‪ -‬الشرائع السماكية متفقة في قضايا التكحيد‪ ،‬فيي كظيفة جميع الرسؿ إلى أقكاميـ كىي‬
‫اإلقرار ﵀ بالكحدانية‪ ،‬كأنو كحده المستحؽ لمعبادة‪ ،‬كنبذ جميع األنداد‪ ،‬كما يترتب عمى ذلؾ‬

‫(ُ) لساف العرب البف منظكر ٖ‪ُٕٓ/‬‬

‫‪-97- 97‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كحي إًلى ٍي ًو أىنَّوي الى إًلىوى إًالٌ‬‫مف قضايا التكحيد قاؿ تعالى‪ :‬كما أىرسٍم ىنا ًمف قىبمًؾ ًمف رسك وؿ إًالٌ ين ً‬
‫ٍ ٍ ى ٍ ىي‬ ‫ىى ٍى‬
‫اعيب يدكنًي ‪ ‬األنبياء اآلية ِٓ‪ ،‬كقاؿ‪:‬‬ ‫أ ىىنا فى ٍ‬
‫اَّلل ك ً‬
‫كت فى ًم ٍنيي ٍـ ىم ٍف ىى ىدل َّ‬
‫اَّللي ىك ًم ٍنيي ٍـ‬ ‫اجتىنيبكا الطَّ ي‬
‫اغ ى‬ ‫ىف اي ٍعيب يدكا َّى ى ٍ‬
‫‪‬كلىقى ٍد بعثٍىنا ًفي يك ًؿ أ َّ و‬
‫يمة ىريسكالن أ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ى ىى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الضبلىلىةي فى ًس ييركا ًفي األ ٍىر ً‬
‫ت ىعمى ٍي ًو َّ‬
‫يف‪ ‬النحؿ اآلية‬ ‫اف ىعاق ىبةي اٍل يم ىك ٌذبً ى‬
‫ؼ ىك ى‬‫ض فى ٍانظييركا ىك ٍي ى‬ ‫ىم ٍف ىحقَّ ٍ‬
‫‪ّٔ.‬‬
‫ِ‪ -‬الجانب التشريعي بيف الرساالت السماكية يتفؽ في األصكؿ كالصبلة كالصياـ‬
‫كالزكاة‪ ..‬كاف اختمفت كيفياتيا بيف الرساالت‪ ،‬ككذلؾ في األصكؿ العامة في المعامبلت كغيره‬
‫كتحريـ الربا كشرب الخمر كالسرقة كالزنا كالكذب كالغش‪ .‬أما الفركع فقد اختمفت مف رسالة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً و‬
‫إلى أخرل‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬ل يك ٌؿ ىج ىعٍم ىنا م ٍن يك ٍـ ش ٍرىعةن ىك ًم ٍنيى ن‬
‫اجا‪ ‬المائدة اآلية ْٖ‪،‬‬
‫ألف هللا سبحانو كاف يي ىنزؿ مف التشريعات ما يصمح لؤلقكاـ الذيف أنزلت ليـ الرسالة‪،‬‬ ‫كذلؾ ٌ‬
‫فما كاف يصمح لقكـ مكسى عميو السبلـ أصبح محتاجان إلى التغيير في العصر الذم يبعث فيو‬
‫صًٌدقنا لً ىما ىب ٍي ىف ىي ىد َّ‬
‫م ًم ٍف التَّ ٍكىرًاة‬ ‫عيسى عميو السبلـ‪ ،‬قاؿ تعالى محدثان عمى لساف عيسى‪  :‬ىك يم ى‬
‫ض الًَّذم يح ًٌرىـ ىعمى ٍي يك ٍـ‪ ‬آؿ عمراف اآلية َٓ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىكأليح َّؿ لى يك ٍـ ىب ٍع ى‬
‫أما الرسالة اإلسبلمية فقد أرادىا هللا تبارؾ كتعالى شريعة صالحة لكؿ زماف كمكاف‪ ،‬كىي‬
‫خاتمة الرساالت السماكية‪.‬‬
‫غير أف الرساالت السماكية السابقة أصابيا التحريؼ كالتبديؿ ‪ -‬كما سبؽ كأشرنا إلى ذلؾ‬
‫في مبحث النقمة في التصكر كاالعتقاد‪ -‬أصاب ىذا التحريؼ الشريعة كما أصاب العقيدة مف‬
‫قبؿ‪ ،‬نممح ىذا في ثنايا التكراة كاإلنجيؿ التي بيف أيدينا اليكـ‪،‬‬
‫كاألدلة عمى ذلؾ كثيرة‪ ،‬ىذا باإلضافة إلى بعض الخصائص التي اتصفت بيا الشريعة‬
‫المحرفة الييكدية‪ ،‬نسكؽ إليؾ أىميا‪:‬‬

‫‪ - 1‬العنصرية‪:‬‬
‫أخبرنا القرآف عف عنصرية الييكد كالنصارل في أكثر مف مكضع في القرآف الكريـ فقاؿ‬
‫ٍم ٍنوي بًًد ىين وار الى يي ىؤًٌد ًه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًً ً‬ ‫اب مف إًف تىأ ًً‬
‫ٍم ٍنوي بقنطى وار يي ىؤٌده إلى ٍي ىؾ ىكم ٍنيي ٍـ ىم ٍف إ ٍف تىأ ى‬
‫ىىؿ اٍلكتى ى ٍ ٍ ى‬
‫تعالى‪ :‬ك ًم ٍف أ ٍ ً ً ً‬
‫ى‬
‫اَّللً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف ىعمىى َّ‬ ‫يؿ ىكىيقيكلي ى‬ ‫يف ىسب ه‬ ‫يمٌي ى‬‫ت ىعمىٍيو قىائ نما ىذل ىؾ بأَّىنيي ٍـ قىاليكا لىٍي ىس ىعمى ٍي ىنا في ٍاأل ٌ‬‫إًلى ٍي ىؾ إًالٌ ىما يد ٍم ى‬
‫كف‪ ‬آؿ عمراف اآلية ٕٓ‪،‬‬ ‫ً‬
‫ب ىك يى ٍـ ىي ٍعمى يم ى‬
‫اٍل ىكذ ى‬
‫‪-98-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫َّاؤهي يق ٍؿ ىفمً ىـ يي ىعًٌذيب يك ٍـ بً يذينكبً يك ٍـ ىب ٍؿ أ ٍىنتي ٍـ ىب ىشهر ًم َّم ٍف‬ ‫النصارل ىنحف أىب ىناء ًَّ ً‬
‫اَّلل ىكأىحب ي‬ ‫كد ىك َّ ى ى ٍ ي ٍ ي‬
‫ت اٍل ىييي ي‬
‫‪ ‬ىكقىالى ٍ‬
‫ض كما بي ىنيما كًالىي ًو اٍلم ً‬ ‫َّلل مٍمؾ َّ ً‬ ‫ؽ ي ٍغ ًفر لًمف ي ىشاء كيعًٌذب مف ي ىش ً ً‬
‫ص يير‪‬‬ ‫الس ىم ىاكات ىكاأل ٍىر ً ى ى ى ٍ ي ى ى ٍ ى‬ ‫اء ىك َّ ي ي‬
‫ىخمى ى ى ي ى ٍ ى ي ى ي ى ي ى ٍ ى ي‬
‫المائدة اآلية ُٖ‪.‬‬
‫أما التكراة فقد طفحت نصكصيا بما يدؿ عمى تغمغؿ العنصرية في نفكس يم ىح ًٌرفييا‪ ،‬جاء‬
‫في سفر التثنية اإلصحاح الرابع عشر صِّٗ مخاطبان بني إسرائيؿ‪( :‬كقد اختارؾ الرب‬
‫لتككف لو شعبان خاصان فكؽ جميع الشعكب الذيف عمى كجو األرض)‪.‬‬
‫كفي اإلصحاح الخامس عشر صِٓٗ‪( :‬في آخر سبع سنيف يعمؿ إبراء‪ ،‬كىذا ىك حكـ‬
‫صاحبو‪ .‬ال يطالب صاحبو كال أخاه‪ ،‬ألنو قد ينكدم‬ ‫ى‬ ‫ض‬
‫أقر ى‬ ‫اإلبراء‪ :‬يبرئ كؿ صاحب ىدٍي وف ىي ىدهي ٌ‬
‫مما ى‬
‫األجنبي تطالب‪ ،‬كأما ما كاف لؾ عند أخيؾ فتبريئوي يدؾ ًمٍنو)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بإبراء لمرب‪.‬‬
‫كفي اإلصحاح العشريف صَِّ‪( :‬حيف تقرب مدينة لتحاربيا استدعيا لمصمح‪ ،‬فإف أجابتؾ‬
‫إلى الصمح كفتحت لؾ‪ ،‬فكؿ الشعب المكجكد فييا يككف لؾ لمتسخير‪ ،‬كيستعبد لؾ)‪.‬‬
‫كفي اإلصحاح الثالث كالعشريف صَّٕ‪( :‬ال تقرض أخاؾ بربا‪ ،‬ربا فضة أك ربا طعاـ‪ ،‬أك‬
‫ربا شيء ما مما يقرض بربا‪ ،‬لؤلجنبي تقرض بربا‪ ،‬كلكف ألخيؾ ال تقرض بربا)‪.‬‬
‫‪ - 2‬النزعة المادية‪:‬‬
‫يتجمى لمف ينظر في التكراة أنيا تكاد تخمك مف الحديث عف اليكـ اآلخر كالجزاء فيو‪ ،‬كذكر‬
‫الجنة كالنار‪ ..‬كغير ذلؾ مف الجانب الركحي‪ ،‬كيغمب عمى التشريع الييكدم نزكعو إلى‬
‫المادية البحتة دكف ربطيا بالجزاء األخركم مثاؿ ذلؾ‪ :‬تعظيـ حرمة يكـ السبت‪ ،‬كعدـ األكؿ‬
‫عمى النار‪ ،‬كعدـ التنقؿ بالسيارة فيو‪ ،‬كعدـ اختبلط األكاني التي تستعمؿ في أكؿ المحكـ مع‬
‫األكاني التي تستعمؿ في شرب المبف كمشتقاتو…الخ‬

‫‪ - 3‬الشدة والقسوة‪:‬‬
‫الييكدية بالشدة عمييـ‪ ،‬فقد حرـ هللا عمييـ طيبات أحمت ليـ جزاء أعماليـ‬ ‫اتصفت الشريعة‬
‫يؿ ًَّ‬
‫اَّلل‬ ‫ت لىيـ كبًصًٌد ًىـ ىع ٍف سبً ً‬ ‫ً ً و ً َّ‬ ‫ً ًَّ‬ ‫قاؿ تعالى‪ :‬فىبًظيٍموـ‬
‫ى‬ ‫ادكا ىح َّرٍم ىنا ىعمى ٍيي ٍـ طىٌي ىبات أيحم ٍ ي ٍ ى ى ٍ‬ ‫يف ىى ي‬
‫م ٍف الذ ى‬
‫ادكا ىح َّرٍم ىنا يك َّؿ ًذم ظيفي ور ىك ًم ٍف اٍل ىبقى ًر ىكاٍل ىغ ىنًـ ىح َّرٍم ىنا‬
‫يف ىى ي‬
‫ًَّ‬
‫َُٔ ‪ ‬ىك ىعمىى الذ ى‬ ‫ىكثً نا‬
‫ير‪ ‬النساء اآلية‬

‫‪-99- 99‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫اختىمىطى بًع ٍ ً‬
‫ظوـ ىذل ىؾ ىج ىزٍي ىن ي‬
‫اى ٍـ بًىب ٍغيً ًي ٍـ ىكاًنَّا‬ ‫ى‬ ‫كريى ىما أ ٍىك اٍل ىح ىك ىايا أ ٍىك ىما ٍ‬ ‫كميي ىما إًالٌ ىما ىح ىممى ٍ‬
‫ت ظييي ي‬
‫ً‬
‫ىعمى ٍيي ٍـ يش يح ى‬
‫كف‪ ‬األنعاـ اآلية ُْٔ‪.‬‬ ‫لى ً‬
‫صادقي ى‬ ‫ى‬
‫ظيرت ىذه القسكة في التكراة في سفر التثنية اإلصحاح الكاحد كالعشريف صَّّ ‪-‬‬
‫َّْ ‪( :‬إذا كاف لرجؿ ابف معاند كمارد ال يسمع لقكؿ أبيو كال لقكؿ أمو‪ ،‬كيؤدبانو فبل يسمع‬
‫ليما‪ ،‬يمسكو أبكه كأمو كيأتياف بو شيكخ مدينتو‪ ،‬كالى باب مكانو‪ ،‬كيقكلكف لشيكخ مدينتو ابننا‬
‫ىذا معاند كمارد ال يسمع لقكلنا‪ ،‬كىك مسرؼ كسكير‪ ،‬فيرجمو جميع رجاؿ مدينتو بحجارة‬
‫حتى يمكت‪ .‬فتنزع الشر بينكـ)‪.‬‬
‫ىذه النصكص التكراتية تبيف خصائص الشريعة الييكدية اليامة‪.‬‬
‫*أما بالنسبة لمشريعة النصرانية فيي تابعة بشكؿ شبو كامؿ لمتكراة ألنيا كما سبؽ الحديث‬
‫بالنسبة ليـ العيد القديـ كقد جاء عمى لساف عيسى عميو السبلـ في إنجيؿ متى اإلصحاح‬
‫الخامس ُٕ صٖ‪" :‬ال تظنكا أني جئت النقض النامكس أك األنبياء ما جئت النقض بؿ‬
‫ألكمؿ"‪.‬‬
‫*أىـ مخالفات الشريعة المسيحية لمييكدية الزكاج كالطبلؽ‪ ،‬فالزكاج لدل النصارل أبدم‬
‫غير قابؿ لبلنفكاؾ‪.‬‬
‫جاء في إنجيؿ متى اإلصحاحُّ‪ ِّ-‬صٗ‪" :‬كقيؿ مف طمؽ امرأتو فميعطيا كتاب‬
‫طبلؽ‪ ،‬كأما أنا فأقكؿ لكـ مف طمؽ امرأتو إال لعمٌة الزنى يجعميا تزني‪ ،‬كمف تزكج مطمقة فإنو‬
‫يزني"‬
‫كفي إنجيؿ مرقس اإلصحاح العاشرُُ‪ ُِ-‬صْٕ‪( :‬فقاؿ ليـ مف طمؽ امرأتو كتزكج‬
‫بأخرل يزني عمييا‪ ،‬كاف طمقت امرأة زكجيا كتزكجت بآخر تزني)‪.‬‬
‫كالمذاىب النصرانية مختمفة اختبلفان شديدان في ىذه المسألة فالكاثكليؾ ال يبيحكف الطبلؽ ألبتة‪،‬‬
‫إال في حاالت الزنا‪ ،‬أما األرثكذكس فقد أجازكا الطبلؽ في بعض الحاالت كالزنى كالعقـ كالمرض‬
‫(ُ)‬
‫المعدم‪ ،‬كالخصاـ الطكيؿ الذم ال يرجى صبلحو‪ ،‬كاختبلفيـ في ذلؾ أمر يطكؿ شرحو‪.‬‬
‫القوانين عند العرب قبل اإلسالم‪:‬‬

‫(ُ) انظر مدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية‪-‬د‪ .‬يكسؼ القرضاكم مكتبة كىبة‪ ،‬ط‪.‬ثالثة ُُْٖىػ‪ُٕٗٗ-‬ـ‪.‬‬

‫‪-300-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫لـ تكف لمعرب حككمة مركزية تسف ليـ القكانيف التشريعية‪ ،‬فقد كانكا قبائؿ متفرقة‪ ،‬يمثؿ‬
‫زعيـ القبيمة فييا السمطة السياسية كاالقتصادية كاالجتماعية‪.‬‬
‫كقد ارتكزت القكانيف عند العرب قبؿ اإلسبلـ عمى العادات كالتقاليد كاألعراؼ المكركثة‪،‬‬
‫فيتحاكمكف إلييا عند الخصاـ‪ ،‬كلـ تكف ىذه األعراؼ شيئان مكتكبان‪ ،‬بؿ تناقميا الناس بينيـ‬
‫بالسماع كالمشاىدة‪ .‬كمف ىذه القكانيف التي عرفت عنيـ‪:‬‬
‫أولً قوانين النكاح‪:‬‬
‫ُ‪ -‬في النكاح‪ :‬عرؼ العرب أنكاعان مختمفة مف األنكحة أقر منيا اإلسبلـ نكعان كاحدنا‬
‫كىي أف يخطب الرجؿ إلى الرجؿ ابنتو أك أختو أك مف يقكـ بالكالية عمييا‪ ،‬فينكحيا إليو بمير‬
‫عمى إيجاب كقبكؿ كشاىديف‪ .‬كرفض اإلسبلـ األنكاع األخرل لمنكاح ككاف أىميا‪:‬‬
‫أ‪ -‬نكاح الشغار‪ :‬كىك أف يزكج الرجؿ ابنتو أك كليتو آلخر عمى يزكجو الثاني ابنتو أك‬
‫كليتو بدكف ذكر مير لمزكجتيف‪ ،‬فيعتبر كؿ كاحدة مير لمثانية كفي الحديث الصحيح ىع ًف ٍاب ًف‬
‫اَّلل ‪ ‬ىنيىى ىع ًف ًٌ‬
‫الش ىغ ًار‪.‬‬ ‫ىف رسكؿ ًَّ‬ ‫عمر ر ً‬
‫يما أ َّ ى ي ى‬ ‫اَّلل ىع ٍن ى‬
‫ضي َّ‬ ‫ي ىى ى‬
‫ىف يي ىزًٌك ىجوي ٍاآل ىخ ير ٍاب ىنتىوي لىٍي ىس ىب ٍي ىنيي ىما ى‬ ‫ىف يي ىزًٌك ىج َّ‬ ‫ىك ًٌ‬
‫(ُ)‬
‫اؽ)‪.‬‬
‫ص ىد ه‬ ‫الريج يؿ ٍاب ىنتىوي ىعمىى أ ٍ‬ ‫الش ىغ يار‪( :‬أ ٍ‬
‫ب‪ -‬نكاح األختيف‪ :‬كاف العرب يجمعكا بيف األختيف‪ ،‬كبيف البنت كعمتيا أك خالتيا‪ ،‬فيدـ‬
‫يختىٍي ًف‪ ‬النساء اآليةِّ‬ ‫ىف تى ٍج ىم يعكا ىب ٍي ىف ٍاأل ٍ‬
‫اإلسبلـ ىذا النكاح فقاؿ تعالى‪  :‬ىكأ ٍ‬
‫ت‪ -‬تعدد الزكجات‪ :‬لـ يكف لتعدد الزكجات قبؿ اإلسبلـ ضابط‪ ،‬فالرجؿ يستطيع أف يتزكج‬
‫ث‬ ‫النًس ً‬
‫اء ىمثٍىنى ىكثيبلى ى‬ ‫ً‬ ‫ما شاء مف النساء‪ ،‬فأبطمو اإلسبلـ قاؿ تعالى‪ :‬فى ً‬
‫اب لى يك ٍـ م ىف ٌ ى‬
‫ط ى‬‫انك يحكا ىما ى‬
‫اح ىدةن‪ ‬النساء اآلية ّ‪،‬‬ ‫اع فىًإف ًخ ٍفتيـ أىالٌ تىعًدليكا فىك ً‬
‫ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ىكيرىب ى ٍ‬
‫َّة‬ ‫ي أىسمىـ‪ ،‬كلىو ع ٍشر نًسكوة ًفي اٍلج ً‬
‫اىمًي ً‬ ‫َّ ً‬ ‫كفي الحديث ىع ًف ٍاب ًف يع ىم ىر‪( :‬أ َّ‬
‫ى‬ ‫ىف ىغ ٍي ىبل ىف ٍب ىف ىسمى ىمةى الثقىف َّ ٍ ى ى ي ى ي ٍ ى‬
‫ىف ىيتى ىخي ىَّر أ ٍىرىب نعا ًم ٍنيي َّف)‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫النبً ُّي ‪ ‬أ ٍ‬ ‫ىم ىرهي َّ‬
‫ىسمى ٍم ىف ىم ىعوي فىأ ى‬
‫فىأ ٍ‬
‫ث ‪ -‬نكاح المقت‪ :‬كاف العرب قبؿ اإلسبلـ يتزكجكف زكجات آباءىـ إذا ما تكفكا عنيف‬
‫النًس ً‬
‫اء إًالٌ ىما ىق ٍد‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اؤ يك ٍـ م ٍف ٌ ى‬
‫غير أمياتيـ‪ ،‬فأبطمو اإلسبلـ‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىكالى تىنك يحكا ىما ىن ىك ىح ىآب ي‬
‫اء ىسبًيبلن‪ ‬النساء اآلية ِِ‪.‬‬ ‫ً‬
‫اف فىاح ىشةن ىك ىم ٍقتنا ىك ىس ى‬ ‫ؼ إًَّنوي ىك ى‬‫ىسمى ى‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو في كتاب النكاح (ُُِٓ)‪.‬‬


‫(ِ) أخرجو الترمذم في جامعو في كتاب النكاح (ُُِٖ)‪.‬‬

‫‪-303101‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ثانياً‪ :‬قوانين الميراث‪ :‬كاف الميراث يقكـ في الجاىمية عمى أساسيف‪:‬‬


‫األكؿ‪ :‬العصكبة‪ :‬كانت التركة تؤكؿ إلى أكبر األبناء سنان‪ ،‬فإف لـ يكف لو أكالد كاف أقرب‬
‫العصبات األخ فالعـ‪ ،‬كلقرابتو المقاتميف‪ .‬أما النساء كالصغار فيـ محركمكف مف التركة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬السبب‪ :‬مثؿ المتبنى‪ ،‬كلمحمفاء كالمكاالة كغير ذلؾ‪.‬‬
‫أما اإلسبلـ فقد نسخ األسباب التي قاـ عمييا اإلرث في الجاىمية كجعؿ الميراث عمى‬
‫أساس العصكبة كالنسب كالمصاىرة‪ ،‬كلـ يفرؽ بيف الرجؿ كالمرأة كالصغير كالكبير قاؿ تعالى‪:‬‬
‫كف ًم َّما‬ ‫يب ًم َّما تىىر ىؾ اٍل ىكالً ىد ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫يب ًم َّما تىىر ىؾ اٍل ىكالً ىد ً‬ ‫ً ً ً‬
‫اف ىكاألى ٍق ىريب ى‬ ‫كف ىكلً ٌمن ىساء ىنص ه‬
‫اف ىكاألى ٍق ىريب ى‬ ‫‪‬ل ًٌمر ىجاؿ ىنص ه‬
‫كضا‪ ‬النساء اآلية ٕ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىق َّؿ م ٍنوي أ ٍىك ىكثيىر ىنص نيبا ىم ٍف ير ن‬
‫ثالثاً‪ :‬المعامالت‪:‬‬
‫أ‪ -‬البيكع‪ :‬أبطؿ اإلسبلـ أنكاعان مف البيكع كبيع الغرر كبيع المنابذة كالمبلمسة كبيع النجش‬
‫أقر باقي البيكع الصحيحة‪.‬‬
‫كالحصاة‪ ،‬ك ٌ‬
‫ب‪ -‬الربا‪ :‬عرؼ العرب أنكاعان مف الربا‪ ،‬كاف أشيرىا ربا الفضؿ كىك‪ :‬بيع النقكد بالنقكد‪،‬‬
‫أك الطعاـ بالطعاـ مع الزيادة‪.‬‬
‫كربا النسيئة كىك‪ :‬الزيادة المشركطة التي يأخذىا الدائف مف المديف نظير التأجيؿ‪ )ُ(.‬فحرـ‬
‫اَّللى ىكىذ يركا‬‫آمينكا اتَّقيكا َّ‬ ‫ًَّ‬
‫يف ى‬ ‫اإلسبلـ الربا بجميع أنكاعو‪ ،‬كنيى عنو نييان تامان قاؿ تعالى‪  :‬ىياأىيُّيىا الذ ى‬
‫ً‬ ‫الربا إًف يكنتيـ مؤ ًمنًيف* فىًإف لىـ تى ٍفعميكا فى ٍأ ىذنكا بًحر وب ًمف ًَّ‬ ‫ً ً‬
‫اَّلل ىكىريسكلًو ىكا ٍ‬
‫ًف تيٍبتي ٍـ ىفمى يك ٍـ‬ ‫ٍ‬ ‫ي ىٍ‬ ‫ٍ ٍ ى‬ ‫ٍ يٍ ى‬ ‫ىما ىبق ىي م ٍف ًٌ ى ٍ‬
‫ً‬ ‫رءكس أىمكالً يكـ الى تى ًٍ‬
‫ص َّدقيكا ىخ ٍيهر‬ ‫ىف تى ى‬‫اف يذك يع ٍس ىروة فىىنظ ىرةه إًلىى ىم ٍي ىس ى ورة ىكأ ٍ‬
‫ًف ىك ى‬
‫كف * ىكا ٍ‬‫ظمى يم ى‬
‫كف ىكالى تي ٍ‬
‫ظم يم ى‬ ‫يي ي ٍى ٍ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية ِٖٕ – َِٖ‪.‬‬ ‫لى يك ٍـ إً ٍف يكنتي ٍـ تى ٍعمى يم ى‬
‫السمـ كالمضاربة‪...‬الخ غير أنو جعؿ لكؿ نكع‬
‫أقر اإلسبلـ الرىف كعقكد المشاركة ك َّ‬
‫كقد ٌ‬
‫ضكابط كشركط‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬في المطعومات‪:‬‬
‫حرـ العرب أنكاعان مف المطعكمات كأحمكا أنكاعان أخرل مف عند أنفسيـ كبحسب أىكائيـ مف‬
‫ذلؾ‪:‬‬
‫ُ‪ -‬البحيرة‪ :‬كىي الناقة المشقكقة األذف التي ترككىا آلليتيـ‪ .‬يحرـ أكميا كرككبيا‪.‬‬

‫(ُ) فقو السنة‪-‬سيد سابؽ ّ‪ ،ُٕٖ/‬دار الفكر بيركت‪ ،‬ط‪ .‬أكلى ُّٕٗىػ‪ُٕٕٗ-‬ـ‪.‬‬

‫‪-301-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫خبلىا الجاىميكف إف قدـ أحدىـ مف سفر أك يشفي مف‬


‫ِ‪ -‬السائبة‪ :‬كىي الناقة التي ٌ‬
‫مرض‪ ،‬فبل تركب كال تؤكؿ‪.‬‬
‫ّ‪ -‬الكصيمة‪ :‬كىي الشاة إذا كلدت ذك انر كأنثى‪ ،‬تقكؿ العرب‪ :‬كصمت أخاىا‪ ،‬كلـ يذبحكه‬
‫يرة كىال سائًب وة كىال ك ً‬
‫صيمى وة‬ ‫لؤللية كعادتيـ فييا‪ .‬كفي ذلؾ يقكؿ هللا تعالى‪ :‬ما ىج ىعؿ َّ ً ً و‬
‫اَّللي م ٍف ىبح ى ى ى ى ى ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫كف‪ ‬المائدة آية َُّ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كىال ح واـ كلى ًك َّف الًَّذيف ىكفىركا ي ٍفتىركف عمىى ًَّ ً‬
‫ب ىكأى ٍكثىيريى ٍـ ىال ىي ٍعقمي ى‬
‫اَّلل اٍل ىكذ ى‬ ‫ى ي ى ي ى ى‬ ‫ى ى ى‬
‫ْ‪ -‬تحريـ أكؿ ما في بطكف األنعاـ عمى اإلناث‪ ،‬فإف كاف ميتة حؿ أكميا لمذككر كلئلناث‬
‫كرىنا كمح َّرـ ىعمىى أ ٍىزك ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫يقكؿ تعالى‪ :‬كقىاليكا ما ًفي بطي ً ً ً‬
‫ًف ىي يك ٍف‬
‫اج ىنا ىكا ٍ‬ ‫ى‬ ‫صةه ل يذ يك ً ى ي ى ه‬
‫كف ىىذه ٍاأل ٍىن ىعاـ ىخال ى‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫يـ‪ ‬األنعاـ آية ُّٗ‪.‬‬ ‫صفىيي ٍـ إًَّنوي ىحك ه‬
‫يـ ىعم ه‬ ‫اء ىس ىي ٍج ًزي ًي ٍـ ىك ٍ‬
‫ىم ٍيتىةن فىيي ٍـ فيو يش ىرىك ي‬
‫خامساً‪ :‬القصاص والديات‪:‬‬
‫حممكا قبيمة بأكمميا‬
‫عرؼ العرب القصاص غير أنيـ كانكا يتجاكزكف فيو كيظممكف‪ ،‬فربما ٌ‬
‫جرـ ما اقترفت يدا رجؿ كاحد منيا‪ ،‬كما عرؼ العرب الدية كاف لـ يكف ليا عندىـ مقدار‬
‫معيف يرجع إليو‪ ،‬فجاء اإلسبلـ فبيف مشركعية القصاص مف القاتؿ كحده دكف غيره‪ ،‬كما أقر‬
‫(ُ)‬
‫مبدأ الدية‪ ،‬كبيف مقداره‪ ،‬كأقسامو‪ ،‬كعمى مف تجب‪.‬‬
‫القوانين عند الفرس والرومان‪:‬‬
‫ُ‪ -‬كانت دكلتا الفرس كالركماف أعظـ األمـ قبؿ اإلسبلـ مف حيث القكة‪ ،‬كالحككمات التي‬
‫يخضع ليا الناس‪ ،‬غير أنو لـ يكف لتمؾ األمـ قكانيف مكتكبة يرجع إلييا الناس‪ ،‬كيحتكمكف ليا‬
‫ير العادات كاألعراؼ التي بدأت ركيدان ركيدان تأخذ سمة القانكف‪ ،‬تحكـ بمكجبو المحاكـ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ما كاف يصدره الحكاـ مف مراسيـ إمبراطكرية تأخذ شكؿ قانكف ييرجع إليو‪ ،‬ثـ‬
‫ازدىرت ىذه القكانيف عف طريؽ الدعاكم كاإلجراءات‪ ،‬كليذا قاؿ الشييد عبد القادر عكدة‬
‫رحمو هللا‪" :‬كلف أقارف بيف القانكف في القرف السابع الميبلدم كبيف الشريعة التي أنزلت عمى‬
‫فإف القانكف في ىذه العيكد لـ يكف في مستكل يسمح لو أف‬
‫محمد ‪ ‬في أكؿ ىذا القرف‪ٌ ،‬‬
‫(ِ)‬
‫يقارف بالشريعة اإلسبلمية"‪.‬‬

‫(ُ) لمزيد االطبلع عف التشريع عند العرب‪ ،‬انظر كتاب المدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية‪-‬د‪ .‬عبد الكريـ زيداف ِْ‪-‬‬
‫ّّ‬
‫(ِ) التشريع الجنائي في اإلسبلـ‪-‬عبد القادر عكدة جُ‪.ٓ-ْ /‬‬

‫‪-301103‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ِ‪ -‬يعد قانكف جستنياف أرقى قانكف فيما نعرفو عف العصر الركماني القديـ‪ ،‬كىك مع ذلؾ‬
‫يعتريو الكثير مف النقص‪ .‬ككاف الركماف كغيرىـ يمارسكف أنكاعان مف الطقكس في إثبات‬
‫الجريمة‪ ،‬مثؿ إعطاء السـ لممتيـ‪ ،‬أك يمقكنو في النير‪ ،‬أك يصبكف عميو الزيت أك الماء‬
‫لعض‬
‫ٌ‬ ‫المغمي‪ ،‬أك يكمفكنو أف يضع لسانو عمى النار‪ ،‬أك يقبض عمييا بيده‪ ،‬أك يي ٍع ىرض‬
‫الثعابيف‪ ،‬فإف لـ تؤثر عميو ىذه المحاكالت ثبتت براءتو كاال ثبت عميو الجرـ‪ ،‬كيطمقكف عمى‬
‫ىذه الطرؽ "االمتحاف" كبقي معمكالن بو في انكمت ار حتى القرف الثالث عشر الميبلدم عاـ‬
‫(ُ)‬
‫ُُِٓ‪.‬‬
‫ّ ‪ -‬تثير بعض التشريعات الركمانية القديمة السخرية‪ ،‬فقد أيثر عنيـ أنيـ حاكمكا‬
‫الجمادات كالحيكانات‪ ،‬كأينزلت بيا العقكبة‪ ،‬فربما قيضي عمييا إما باإلبعاد كالطرد مف الببلد‪،‬‬
‫أك اإلعداـ‪.‬‬
‫ككاف منيا ما يثير االشمئزاز‪ ،‬كيدؿ إلى أم مستكل بمغت درجة االنحطاط األخبلقي‬
‫كالتشريعي فعمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬المديف إذا لـ يستطع الكفاء بما عميو كاف جزاؤه أف يصبح رقيقان‬
‫لمدائف‪ ،‬يضع في رقبتو حببلن حتى يؤدم الحؽ الذم عميو‪ ،‬كفي ىذا قاؿ األستاذ الدكتكر سيؼ‬
‫الديف البمعاكم‪:‬‬
‫"ككانت القاعدة في مجاؿ الكفاء بااللتزامات أيان كاف مصدرىا عقدان أك كاقعة مادية أك‬
‫قانكنية تقكـ عمى جبر المديف عمى الكفاء إذا لـ يكف بمالو فبجسده‪ ،‬ككاف جسمو ىك الضماف‬
‫لسداد دينو إذ إنو بعد تجريد المديف مف أمكالو التي ال تكفي لسداد دينو كاف المديف يخضع‬
‫خضكعان كامبلن لسيطرة الدائف فممدائف أف يسترؽ المديف كيجرم عميو جميع أنكاع األذل كاأللـ‬
‫فمو أف يبيعو في سكؽ العبيد كلو أيضان حبسو حتى أف لو الحؽ في قتمو‪ ،‬كلـ يقؼ األمر عند‬
‫ذلؾ فقد كانت الزكجة كاألكالد أيضان محبلن لضماف حقكؽ الدائف فمو أيضان حؽ البيع‬
‫كاالسترقاؽ عم ييـ‪ ،‬كقد كاف الكرثة عند الركماف مسئكليف عف جميع ديكف مكتاىـ كلك زادت‬
‫عف التركة"(ِ)‪.‬‬

‫(ُ) كسائؿ اإلثبات في الشريعة اإلسبلمية‪ -‬د‪.‬محمد مصطفى الزحيمي جُ‪ ،ّٔ/‬مكتبة دار البياف‪ -‬دمشؽ‪ .‬ط‪.‬أكلى‬
‫َُِْىػ‪ُِٖٗ-‬ـ‪.‬‬
‫(ِ) عف بحث مدل جكاز حبس المديف لعدـ الكفاء بدينو نقبلن عف كتاب القضاء في اإلسبلـ صُُِ لعطية مشرفي‪.‬‬
‫انظر مجمة كمية التربية الحككمية‪-‬جامعة األقصى حاليان‪-‬المجمد الثالث العدد األكؿ ُُْٗىػ ‪.ُٗٗٗ ،‬‬

‫‪-304-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫خصائص التشريع اإلسالمي‪:‬‬


‫تميز التشريع اإلسبلمي عمى القكانيف الكضعية القديمة كالحديثة بعدة أمكر‪:‬‬
‫ُ‪ -‬أف القكانيف المختمفة بدأت في التطكر شيئان فشيئان حتى كصمت إلى ما كصمت إليو‬
‫اليكـ‪ ،‬بينما التشريع اإلسبلمي بدأ بقكاعد أصكلية متكاممة تضمنيا كتاب هللا تبارؾ كتعالى‬
‫كسنة نبيو محمد ‪ ،‬األمر الذم ميد لمعمماء إقامة البنياف عمى ىذه القكاعد مف خبلؿ‬
‫االجتياد‪.‬‬
‫ِ‪ -‬يسرم مفيكـ القكانيف الكضعية عمى أحكاـ المعامبلت‪ ،‬كما ينظـ عبلقات األفراد‬
‫كالجماعات‪ ،‬كالعقكبات المتعمقة بيا‪ ،‬كؿ ذلؾ في اإلطار المادم البحت‪ ،‬بمعنى أف القكانيف‬
‫الكضعية ال تعنى باألخبلؽ أك القيـ أك الديف‪ ،‬بخبلؼ التشريع اإلسبلمي الذم ركز في‬
‫أحكامو عمى مبادئ الديف كاألخبلؽ في تربية الفرد‪ ،‬حتى تككف الرقابة عمى األعماؿ‬
‫كالتصرفات‪ ،‬كدافع المحافظة عمى حقكؽ اآلخريف مف داخؿ الفرد نفسو‪ .‬يقكؿ د‪ .‬محمد‬
‫مصطفى الزحيمي‪:‬‬
‫"يمتاز الفقو اإلسبلمي عمى الشرائع الكضعية بالجانب التعبدم فيو الذم يبلزـ التكاليؼ‬
‫الشرعية كميا‪ ،‬فاألحكاـ الشرعية ليا اعتبار ديني‪ ،‬كاعتبار قضائي دنيكم‪ ،‬كاذا كانت الشريعة‬
‫اإلسبلمية تشا رؾ القكانيف في االعتبار القضائي‪ ،‬فإنيا تمتاز عنيا كتنفرد باالعتبار الدياني‪،‬‬
‫كالمعنى الركحي‪ ،‬كأساس فكرة الحبلؿ كالحراـ كالثكاب كالعقاب التي تقكـ عمييا عقيدة المسمـ‪،‬‬
‫كىذا المعنى ىك الذم يتكفؿ بتربية الكازع الديني عند المسمـ‪ ،‬كيجعؿ مف كازعو الديني مراقبان‬
‫(ُ)‬
‫لو في حياتو‪".‬‬
‫ّ‪ -‬أضفت الشريعة اإلسبلمية عمى أحكاميا ركحان جديدة لـ تؤلؼ في كؿ القكانيف‬
‫األرضية الحديثة منيا كالقديمة‪ ،‬كىي ركح األخبلؽ كالقيـ‪ ،‬كمبادئ العفك كالتجاكز عف‬
‫المسيئيف‪ ،‬كعمى سبيؿ المثاؿ‪:‬‬
‫أ‪ -‬حض القرآف الكريـ عمى الصبر عمى المديف المعسر حتى يتيسر حالو‪ ،‬بؿ حض عمى‬
‫ً‬
‫ص َّدقيكا ىخ ٍيهر لى يك ٍـ إً ٍف يكنتي ٍـ‬ ‫اف يذك يع ٍس ىروة فىىنظ ىرةه إًلىى ىم ٍي ىس ىروة ىكأ ٍ‬
‫ىف تى ى‬ ‫ًف ىك ى‬
‫التجاكز عنو قاؿ تعالى‪  :‬ىكا ٍ‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية َِٖ‪،‬‬
‫تى ٍعمى يم ى‬

‫(ُ) كسائؿ اإلثبات في الشريعة اإلسبلمية ُ‪.ّٗ-ّٖ/‬‬

‫‪-305105‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ب‪ -‬في إطار أحكاـ الزكاج إذا فسخ الزكج النكاح قبؿ الدخكؿ‪ ،‬كقد سمي المير‪ ،‬كدفع‬
‫ضاء ليا نصؼ المير المسمى‪ ،‬كدينان حض اإلسبلـ عمى العفك‪ ،‬كدفع الماؿ‬ ‫إلييا‪ ،‬فق ن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ؼ ىما‬
‫ص ي‬ ‫ضتي ٍـ لىيي َّف فى ًر ى‬
‫يضةن فىن ٍ‬ ‫كى َّف ىكقى ٍد فى ىر ٍ‬
‫ىف تى ىم ُّس ي‬ ‫طمَّ ٍقتي يم ي‬
‫كى َّف م ٍف قىٍب ًؿ أ ٍ‬ ‫ًف ى‬‫لصاحبو‪ ،‬قاؿ تعالى‪  :‬ىكا ٍ‬
‫النً ىكا ًح كأىف تىعفيكا أى ٍقر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف أ ٍىك ىي ٍعفي ىك الَّذم بًىيد ًه يع ٍق ىدةي ٌ‬
‫ض ىؿ‬ ‫ب لمتَّ ٍق ىكل ىكالى تى ى‬
‫نس ٍكا اٍلفى ٍ‬ ‫ى ي‬ ‫ى ٍ ٍ‬ ‫ضتي ٍـ إًالٌ أ ٍ‬
‫ىف ىي ٍعفي ى‬ ‫فى ىر ٍ‬
‫اَّلل بًما تىعمميكف ب ً‬
‫ص هير‪ ‬البقرة اآلية ِّٕ‬ ‫ىب ٍي ىن يك ٍـ إً َّف َّى ى ٍ ى ى ى‬
‫ت‪ -‬ربط اإلسبلـ العبلقة الزكجية بتقكل هللا تعالى‪ ،‬فإف طمؽ الرجؿ زكجتو فعميو اإلحساف‬
‫إلييا‪ ،‬إما أف يمسكيا بمعركؼ كيحسف إلييا‪ ،‬كاما أف يطمقيا كيعطييا ما كتب هللا ليا مف‬
‫ىجمىيي َّف‬ ‫طمَّ ٍقتيـ ً‬
‫اء فىىبمى ٍغ ىف أ ى‬
‫الن ىس ى‬‫الحقكؽ بالمعركؼ كال يتركيا كالمعمقة‪ ،‬بقصد إضرارىا ‪ ‬ىكًا ىذا ى ٍ ٌ‬
‫ار لًتى ٍعتى يدكا ىك ىم ٍف ىي ٍف ىع ٍؿ ىذلً ىؾ فىقى ٍد ظىمى ىـ‬
‫ض ىرنا‬‫كؼ كالى تيم ًس يككى َّف ً‬
‫ي‬
‫و‬
‫كى َّف بً ىم ٍع ير ى ٍ‬
‫و‬
‫كى َّف بً ىم ٍع يركؼ أ ٍىك ىس ًٌريح ي‬
‫ً‬
‫فىأ ٍىمس يك ي‬
‫اب ىكاٍل ًح ٍك ىم ًة‬
‫ىنزؿ ىعمى ٍي يكـ ًم ٍف اٍل ًكتى ً‬ ‫اَّلل ى يزكا كا ٍذ يكركا نًعمةى ًَّ‬ ‫ً ً‬ ‫َّ ً‬
‫ٍ‬ ‫اَّلل ىعمىٍي يك ٍـ ىك ىما أ ى ى‬ ‫ىن ٍف ىسوي ىكالى تىتخ يذكا ىآيات َّ ي ن ى ي ٍ ى‬
‫و ً‬ ‫ىف َّ ً‬ ‫ىي ًعظي يك ٍـ بً ًو ىكاتَّقيكا َّ‬
‫يـ‪ ‬البقرة اآلية ُِّ‬ ‫اَّللى بً يك ٌؿ ىش ٍيء ىعم ه‬ ‫اعمى يمكا أ َّ‬
‫اَّللى ىك ٍ‬
‫ت‪ -‬مف قتؿ أخاه المسمـ فجزاؤه القتؿ إف كاف متعمدان‪ ،‬أك أف يدفع الدية إف قتمو بطريؽ‬
‫يف‬ ‫ًَّ‬
‫الخطأ‪ ،‬غير أف اإلسبلـ حض عمى العفك‪ ،‬كالتجاكز عف القاتؿ قاؿ تعالى‪  :‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اص في اٍلقى ٍتمىى اٍل يح ُّر بًاٍل يح ًٌر ىكاٍل ىع ٍب يد بًاٍل ىع ٍبد ىك ٍاألينثىى بً ٍاألينثىى فى ىم ٍف يعف ىي لىوي‬ ‫ص ي‬ ‫ب ىعمىٍي يك ٍـ اٍلق ى‬ ‫آمينكا يكت ى‬‫ى‬
‫اعتى ىدل‬ ‫يؼ ًم ٍف ىرٌبً يك ٍـ ىكىر ٍح ىمةه فى ىم ٍف ٍ‬ ‫اف ىذلً ىؾ تى ٍخ ًف ه‬ ‫اء إًلى ٍي ًو بًًإ ٍح ىس و‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً ً‬
‫م ٍف أىخيو ىش ٍي هء فىاتٌىباعه باٍل ىم ٍع يركؼ ىكأ ىىد ه‬
‫يـ‪ ‬البقرة اآلية ُٖٕ‪.‬‬ ‫بعد ىذلًؾ ىفمىو ع ىذ ً‬
‫اب أىل ه‬‫ى ٍى ى ي ى ه‬
‫أىداف التشريع اإلسالمي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬تحقيؽ العدالة بيف الناس‪ ،‬إذ ال فرؽ في أحكامو بيف الغني كالفقير‪ ،‬كالقكم كالضعيؼ‪،‬‬
‫ىم ىر ىرٌبًي بًاٍل ًق ٍس ًط ‪ ‬األعراؼ اآليةِٗ‪ ،‬كفي الحديث ىع ٍف‬ ‫كالحاكـ كالمحككـ قاؿ تعالى‪  :‬يق ٍؿ أ ى‬
‫ت فىقىاليكا‪ :‬ىك ىم ٍف يي ىكمًٌ يـ‬ ‫ىف قيري نشا أىى َّميـ ىشأٍف اٍلم أرًىة اٍلم ٍخزك ًمي ً ً‬ ‫عائً ىشةى ر ً‬
‫َّة الَّتي ىس ىرقى ٍ‬ ‫ى يٍ ي ى ٍ ى ي‬ ‫اَّلل ىع ٍنيىا‪ :‬أ َّ ى ٍ‬ ‫ضي َّ‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫َّ‬ ‫كؿ ًَّ‬ ‫ب رس ً‬ ‫و ً‬ ‫ً َّ‬ ‫ًفييا رسكؿ ًَّ‬
‫اَّلل ‪ ،‬فى ىكم ىموي‬ ‫امةي ٍب يف ىزٍيد‪ ،‬ح ُّ ى ي‬ ‫يس ى‬‫اَّلل ‪‬؟ فىقىاليكا‪ :‬ىك ىم ٍف ىي ٍجتىًرئي ىعمىٍيو إًال أ ى‬ ‫ى ىي ى‬
‫ىىمى ىؾ‬ ‫اؿ‪( :‬إًَّن ىما أ ٍ‬
‫كد ًَّ‬‫اَّلل ‪ :‬أىتى ٍشفىع ًفي حوٌد ًم ٍف ح يد ً‬ ‫أيسامةي‪ ،‬فىقىاؿ رسكؿ ًَّ‬
‫ب ثيَّـ قى ى‬ ‫طى‬ ‫اختى ى‬
‫اـ فى ٍ‬
‫اَّلل؟ ثيَّـ قى ى‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ي‬ ‫ى ىي ي‬ ‫ى ى‬
‫يؼ أىقىامكا عمىيوً‬ ‫ً‬ ‫ؽ في ًي يـ َّ‬‫ً‬ ‫ؽ في ًيـ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫الضع ي ي ى ٍ‬ ‫يؼ تىىريككهي‪ ،‬ىكًا ىذا ىس ىر ى‬ ‫الش ًر ي‬ ‫يف قىٍبمى يك ٍـ أَّىنيي ٍـ ىك يانكا إ ىذا ىس ىر ى ي‬ ‫الذ ى‬
‫و‬ ‫ىف فى ً‬ ‫اٍلح َّد‪ ،‬كايـ ًَّ‬
‫اط ىمةى بً ٍن ى‬
‫(ُ)‬
‫ت ىي ىد ىىا)‪.‬‬‫ت لىقىطى ٍع ي‬‫ت يم ىح َّمد ىس ىرقى ٍ‬ ‫اَّلل لى ٍك أ َّ‬ ‫ى ى ٍي‬

‫(ُ) أخرجو البخارم في صحيحو ‪ -‬كتاب أحاديث األنبياء (ّْٕٓ)‪.‬‬

‫‪-306-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ِ‪ -‬تحقيؽ مبدأ األخكة بيف الناس عمى أساس عقيدة التكحيد‪ ،‬كبكاسطة الخطاب الرباني‬
‫اعيب يدكنًي‪‬األنبياء اآلية ِٗ‪،‬‬
‫ُّك ٍـ فى ٍ‬ ‫يمةن ك ً‬
‫اح ىدةن ىكأ ىىنا ىرب ي‬ ‫لؤلمة الكاحدة‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬إً َّف ىىًذ ًه أ َّ‬
‫يمتي يك ٍـ أ َّ ى‬
‫ُّك ٍـ فىاتَّقيكنًي‪ ‬المؤمنكف اآلية ِٓ‪،‬‬ ‫يمةن ك ً‬
‫اح ىدةن ىكأ ىىنا ىرب ي‬ ‫ًف ىىًذ ًه أ َّ‬
‫يمتي يك ٍـ أ َّ ى‬ ‫‪ ‬ىكا َّ‬
‫كمف أجؿ ىذا يسعى التشريع اإلسبلمي إلى تآلؼ األمة كسيادة األخبلؽ فييا‪ ،‬كرفع شأف‬
‫اس إًَّنا‬ ‫القيـ الرفيعة‪ ،‬كاعتبار التقكل ىك كحده معيار التفاضؿ فييا‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىيا أىيُّيىا َّ‬
‫الن ي‬
‫اكـ إً َّف َّ ً‬ ‫اكـ يشعكبا كقىبائًؿ لًتىعارفيكا إً َّف أى ٍكرم يكـ ًع ٍند ًَّ‬ ‫ىخمى ٍق ىن ي ً‬
‫يـ‬
‫اَّللى ىعم ه‬ ‫اَّلل أىتٍقى ي ٍ‬ ‫ىى ٍ ى‬ ‫اك ٍـ م ٍف ىذ ىك ور ىكأينثىى ىك ىج ىعٍم ىن ي ٍ ي ن ى ى ى ى ى‬
‫ىخبً هير‪ ‬الحجرات اآلية ُّ‪.‬‬
‫ّ‪ -‬المحافظة عمى مصالح الناس‪ ،‬كىي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المصالح الضركرية‪ :‬كىي التي يترتب عمى فقدىا اختبلؿ نظاـ الحياة كشيكع الفكضى‬
‫(ُ)‬
‫بيف الناس كضياع مصالحيـ‪.‬‬
‫كليذا شرع اإلسبلـ أمريف لممحافظة عمى ىذه المصالح‪:‬‬
‫األمر األكؿ‪ :‬جعميا أحكامان قطعية‪ ،‬ال مجاؿ لبلجتياد فييا‪ ،‬أك الزيادة كالنقصاف منيا‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬شرع نظاـ العقكبات عمى كؿ مف يحاكؿ انتياؾ أحكاميا‪ ،‬أك يعمؿ عمى‬
‫ىدميا‪.‬‬
‫كمراعاة المصالح الضركريات ترجع إلى حفظ خمسة أشياء‪:‬‬
‫ُ‪ -‬الديف كىك‪ :‬مجمكع العقائد كالعبادات كاألحكاـ كالشرائع التي شرعيا هللا سبحانو لتنظيـ‬
‫عبلقات الناس بربيـ‪ ،‬كعبلقات بعضيـ ببعض‪.‬‬
‫ِ‪ -‬النفس‪ :‬فقد شرع هللا تعالى لممحافظة عمييا ما يقتضي حمايتيا مف كؿ اعتداء‪.‬‬
‫فشرعية القصاص‪ ،‬كشرعية حد القذؼ‪ ،‬كحرية العمؿ كالرأم كاإلقامة كتناكؿ المحظكر عند‬
‫الضركرة‪ ،‬محافظة عمى النفس كاعتبار ليا‪.‬‬
‫ّ‪ -‬العقؿ‪ :‬فقد شرع هللا تعالى لممحافظة عمى العقؿ ما يقتضي كقايتو مف الشركر‪،‬‬
‫كيحميو مف الخكر‪ ،‬كيجعمو دائمان في سبلمة كنشاط‪ .‬كليذا شرعت عقكبة الخمر كما يقاس‬
‫عميو مف المخدرات كنحكه‪.‬‬

‫(ُ) أصكؿ الفقو ‪ -‬محمد زكريا البرديسي صْْٔ‪ ،‬دار الثقافة لمنشر كالتكزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ُّٖٗ.‬ـ‪.‬‬

‫‪-307107‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ْ ‪ -‬النسؿ‪ :‬شرع هللا تعالى الزكاج محافظة عمى النسؿ‪ ،‬كليذا حرـ هللا الزنا ألنو يؤدم‬
‫حرـ القذؼ‪ ،‬كعاقب عميو‪.‬‬‫حرـ الزنا ٌ‬
‫إلى اختبلط األنساب‪ ،‬ككما ٌ‬
‫ٓ ‪ -‬الماؿ‪ :‬ىك كؿ ما خمؽ لمصمحة اآلدمي‪ ،‬كأذف الشارع بمنفعتو‪ .‬كقد شرع هللا تعالى ما‬
‫يحافظ عميو كيحميو‪ ،‬كليذا حرـ السرقة كعاقب عمييا‪ ،‬كحرـ الربا كعاقب عميو‪ ،‬كحرـ أكؿ‬
‫(ُ)‬
‫أمكاؿ الناس بالباطؿ‪ ،‬عف طريؽ االحتياؿ أك الغش كالغبف‪...‬الخ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مراعاة حاجيات الناس‪ :‬كىي األمكر التي يككف الناس في مسيس الحاجة إلييا‪،‬‬
‫كيقصد بتشريعيا رفع الحرج‪ ،‬كدفع المشقة عنيـ‪ .‬ألف فقدىا يكقع الناس في الحرج كالضيؽ‪.‬‬
‫كقد شرع اإلسبلـ مجمكعة مف األحكاـ في مختمؼ أبكاب العبادات كالمعامبلت كالعقكبات‬
‫المقصكد بيا رفع الحرج عف الناس‪ .‬مثاؿ ذلؾ‪:‬‬
‫إباحة الفطر في رمضاف لممريض كالمسافر‪ ،‬ككذلؾ قصر الصبلة لممسافر‪ ،‬كتنكع‬
‫العبادات كمراعاة التخفيؼ فييا‪.‬‬
‫كمنيا كذلؾ اإلجارة كىي‪" :‬عقد عمى منفعة معمكمة‪ ،‬مقصكدة قابمة لمبذؿ كاإلباحة بعكض‬
‫كضعا"‪.‬‬
‫ن‬ ‫معمكـ‬
‫كاباحتو لبيع السمـ كىك‪" :‬ىك عقد عمى مكصكؼ بذمة مؤجؿ بثمف مقبكض بمجمس عقد"‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫كالمزارعة‪" :‬دفع األرض إلى مف يزرعيا أك يعمؿ عمييا‪ ،‬كالزرع بينيما‪".‬‬
‫كمف أمثمة ذلؾ في العقكبات أف جعؿ الشرع الدية عمى العاقمة في القتؿ الخطأ‪ ،‬ككذلؾ‬
‫جعؿ الشرع الشبية تد أر الحدكد‪.‬‬
‫ألف فقدانيا يكقع الناس الحرج‪.‬‬
‫كمف الحاجيات المحافظة عمى الحرية الشخصية كالدينية‪ٌ ،‬‬
‫ت‪ -‬مراعاة الكماليات أك التحسينات لمناس‪ :‬كىي األمكر التي ترجع إلى مكارـ األخبلؽ‬
‫كمحاسف العادات‪ ،‬ككؿ ما يقصد بو سير الناس في حياتيـ عمى أحسف منياج‪ .‬فإف فقدت‬
‫الكماليات كانت حياة الناس مستنكرة لدل أصحاب العقكؿ كالفطرة السميمة‪ .‬كمف أمثمتيا‪:‬‬

‫(ُ) انظر بتكسع كتاب أصكؿ الفقو لمبرديسي صْْٔ ػْْٗ‪.‬‬


‫(ِ) انظر بتكسع فيما سبؽ مف التعريفات مجمة مجمع الفقو اإلسبلمي الصادر عف منظمة المؤتمر اإلسبلمي بجدة‪،‬‬
‫ككتاب الفقو اإلسبلمي كأدلتو لمزحيمي‪.‬‬

‫‪-308-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫طيارة الثكب كالبدف كشرط لمعبادة‪ ،‬كاجتناب أكؿ النجس كشرب المستقذر كالدـ كلحـ‬
‫الميتة كشرب الخمر‪ ،‬ككذلؾ بيع الرجؿ عمى بيع أخيو‪ ،‬أك خطبتو عمى خطبة أخيو‪ ،‬كالنيي‬
‫عف الغش كاالحتكار‪.‬‬
‫* كنحف إذا تتبعنا األحكاـ الشرعية كالعمؿ كالحكـ التشريعية في مختمؼ الكقائع‪ ،‬أدركنا‬
‫بكضكح أف اإلسبلـ في كؿ تشريعاتو لـ ييدؼ إالٌ إلى حفظ ضركريات الناس كحاجياتيـ‬
‫كال تحسينات‪ ،‬كيؤيد ذلؾ ما قالو الشاطبي‪" :‬إف الظكاىر كالعمكميات كالمطمقات كالمقيدات‪...‬‬
‫في كؿ باب مف أبكاب الفقو‪ ،‬ككؿ نكع مف أنكاعو يؤخذ منيا أف التشريع دائر حكؿ حفظ ىذه‬
‫(ُ)‬
‫الثبلث التي ىي أسس مصالح الناس‪".‬‬

‫المطمب الخامس‪:‬‬
‫النقمة في المنيج‬
‫المنيج‪:‬‬
‫ُ‪ -‬ىك الطريؽ المؤدم إلى الكشؼ عف الحقيقة في العمكـ بكاسطة طائفة مف القكاعد‬
‫(‪)2‬‬
‫العامة التي تييمف عمى العقؿ كتحدد عممياتو حتى يصؿ إلى نتيجة معمكمة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‪ -‬أك ىك الطريقة التي تكصمنا مف المعمكـ إلي المجيكؿ‪.‬‬

‫(ُ) انظر المصدر السابؽ صَْٓ‪.ْٓٓ-‬‬


‫(ِ) انظر مناىج البحث العممي ص ْ‪.ٓ-‬‬

‫‪-309109‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كاف منيج العمكـ السائد قبؿ مجيء الفكر اإلسبلمي ىك المنيج اليكناني الذم كضعو‬
‫(‪)2‬‬
‫أرسطكطاليس‪ ،‬كيتككف ىذا المنيج مف نظريتيف‪ :‬نظرية االستدالؿ‪ ،‬كنظرية التعريؼ‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫مناىج البحث في القرآف الكريـ‪:‬‬
‫شأف المنيج‬
‫ٌ‬ ‫أف عمماء المسمميف كفقياءىـ قد أعمكا‬
‫عرفنا مناىج اليكناف ككيؼ ٌ‬
‫االستقرائي‪.‬‬
‫كي ىككنكا جس انر مميدان لمف‬
‫كما كاف لممسمميف أف ييقى ٌع يدكا قكاعد مناىج البحث كيتعقبكا غيرىـ‪ ،‬ي‬
‫جاء بعدىـ‪ -‬ما كاف ليـ ذلؾ لكال ىذا الكتاب الكريـ‪ -‬القرآف الكريـ‪ -‬الذم احتكل في ثناياه‬
‫عمى مناىج متعددة‪ ،‬الكتاب الذم أنزؿ سعادةن لمف أخذ بو في الدنيا كاآلخرة‪.‬‬

‫(ُ) اإلسبلـ كالعمـ التجريبي صٔٗ‪.‬‬


‫(ِ) نظرية التعريؼ‪ :‬عرؼ أرسطكطاليس األشياء عف طريؽ ما يسمى بالحد كالتعريؼ‪.‬‬
‫الحد‪ :‬يعني تعريؼ الشيء بذكر جنسو كفصمو‪ .‬كعرؼ الجنس كالفصؿ بالصفات الذاتية‪.‬‬
‫كالجنس‪ :‬ىك مفيكـ كمي يشتمؿ عمى كؿ الماىية المشتركة بيف متعدد مختمؼ في الحقيقة مثالو‪ :‬حيكاف‪ ،‬فيك كمي‬
‫يتناكؿ اإلنساف كالفرس كالغزاؿ‪ ،‬كسائر الحيكانات‪ ،‬كىذه األفراد مختمفة في حقيقتيا‪ ،‬كاف اشتركت في جزء الماىية‬
‫كىي الحيكانية‪.‬‬
‫كالفصؿ‪ :‬ىك مفيكـ كمي يتناكؿ مف الماىية الجزء الذم يميز النكع عف سائر األنكاع المشتركة لو في الجنس‪ .‬مثالو‪:‬‬
‫ناطؽ فيك كمي يتناكؿ جزء ماىية اإلنساف‪ ،‬كىذا الجزء ىك الذم يميز النكع اإلنساني عف سائر األنكاع‪.‬‬
‫نظرية االستدالؿ‪ :‬االستدالؿ ىك‪ :‬استنتاج قضية مجيكلة مف قضية أك مف عدة قضايا معمكمة‪ .‬مثالو‪ :‬التكصؿ إلى‬
‫معرفة حدكث العالـ بمبلحظة القضيتيف التاليتيف‪ :‬العالـ متغير‪-‬ككؿ متغير حادث‪ :‬إذان العالـ حادث‪.‬‬
‫كقد اىتـ أرسطك طاليس كمف تبعو مف الفبلسفة كالمفكريف الذيف جاءكا مف بعده باالستدالؿ كجعمكا نتائجو يقينية‪ .‬بينما‬
‫اىتـ العمماء المسممكف مف الفقياء كالتجريبيف بطريقة االستقراء‪:‬‬
‫كىك‪ :‬تتبع الجزئيات كميا أك بعضيا لمكصكؿ إلى حكـ عاـ يشمميا جميعان‪.‬‬
‫أك ىك‪ :‬انتقاؿ الفكر مف الحكـ عمى الجزئي إلى الحكـ عمى الكمي الذم يدخؿ الجزئي تحتو‪ .‬كمف نتائج ىذا المنيج عند‬
‫المسمميف‪ :‬قكاعد المغة العربية كضكابطيا‪ ،‬كعمـ العركض‪ ،‬كطائفة كبيرة جدان مف أبكاب الفقو اإلسبلمي‪.‬‬
‫كعمى كؿ حاؿ ينبغي أف نستعمؿ المنيج المناسب لكؿ مجاؿ مف مجاالت العمكـ كال نجعؿ منيجان معينان يتغكؿ عمى‬
‫المناىج األخرل‪ .‬فإنو ليس ىنالؾ منيجان عمميان كاحدان يمكف تطبيقو عمى كؿ المجاالت بحيث لك قصر مجاؿ في‬
‫استيفاء شركطو لعدت أحكامو غير عممية‪( .‬انظر كتاب اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص ِّ‪ ،ِٓ-‬ككتاب ضكابط‬
‫المعرفة لمميداني صّٓ‪ ،ّٔ-‬صُْٗ‪).ِِّ-‬‬
‫(ّ) انظر ىذا المبحث بتكسع مفيد في كتاب القرآف كالنظر العقمي‪ :‬فاطمة إسماعيؿ ص َُّ‪.ُّٓ-‬‬

‫‪-330-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫تقدـ أف ذكرنا أف القرآف الكريـ دعا إلى النظر العقمي كالعمـ كالمعرفة‪ ،‬فكاف البد مف أجؿ‬
‫إف القرآف‬
‫ىذا أف يحتكم ىذا الكتاب عمى مناىج بحث متعددة لمكصكؿ إلى اإليماف‪ .‬كال نقكؿ ٌ‬
‫الكريـ كتاب منطؽ‪ ،‬كلكنو كتاب ىداية كرسالة خاتمة لمناس في كؿ زماف كمكاف‪.‬‬
‫مف خبلؿ دعكة القرآف الكريـ لمنظر العقمي نستطيع أف نتكصؿ إلى معالـ منيجو لمنظر‬
‫السميـ‪ ،‬كىك ينقسـ إلى قسميف‪:‬‬
‫القسـ األكؿ‪ :‬دعكة القرآف الكريـ إلى إزالة كافة العكائؽ التي تعكؽ العقؿ عف ممارسة‬
‫نشاطاتو‪.‬‬
‫القسـ الثاني‪ :‬يشمؿ دعكة القرآف الكريـ إلى االستدالؿ العقمي‪.‬‬
‫القسـ األكؿ‪ :‬دعكة القرآف الكريـ إلى إزالة كافة العكائؽ التي تعكؽ العقؿ عف ممارسة‬
‫نشاطاتو‪ .‬كمف ىذه العكائؽ‪:‬‬
‫ًَّ‬ ‫يؿ لىيي يـ اتَّبً يعكا ىما أ ٍىن ىز ىؿ َّ‬ ‫ً‬
‫اَّللي قىاليكا ىب ٍؿ ىنتبعي‬ ‫ُ‪ -‬التقميد األعمى‪ ،‬مثالو قكؿ هللا تعالى‪  :‬ىكًا ىذا ق ى‬
‫كف‪ ‬البقرة اآلية َُٕ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كف ىش ٍينئا ىكىال ىي ٍيتى يد ى‬
‫اؤ يى ٍـ ىال ىي ٍعقمي ى‬
‫اف ىء ىاب ي‬
‫اء ىنا أ ىىكلى ٍك ىك ى‬
‫ىما أىٍلفى ٍي ىنا ىعمى ٍيو ىء ىاب ى‬
‫فاإلسبلـ ال يرضى لعقؿ المسمـ أف يخضع ألية سمطة تمنعو مف استقبلؿ النظر حتى كلك‬

‫كاف سمطة رجاؿ الديف أنفسيـ‪ ،‬مثمما فعؿ الييكد كالنصارل ‪‬اتَّ ىخ يذكا أ ٍ‬
‫ىح ىب ىاريى ٍـ ىكيرٍى ىب ىانيي ٍـ أ ٍىرىب نابا‬
‫يح ٍاب ىف ىم ٍرىي ىـ‪ ‬التكبة اآلية ُّ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كف ًَّ‬‫ًم ٍف يد ً‬
‫اَّلل ىكاٍل ىمس ى‬
‫(‪)1‬‬
‫قاؿ ابف عطية‪" :‬قد أجمعت األمة عمى إبطاؿ التقميد في العقائد‪".‬‬
‫كذـ التقميد ىك تييئة لمذىف الذم يعتبر أىـ قاعدة مف قكاعد البحث‪.‬‬
‫كف اٍل ىم ىبلئً ىك ىة‬ ‫ً‬
‫كف بً ٍاآلخ ى ًرة لىيي ىس ُّم ى‬
‫يف ىال يي ٍؤ ًمين ى‬
‫ًَّ‬
‫الظف المذمكـ‪ ،‬مثالو قكؿ هللا تعالى‪ :‬إً َّف الذ ى‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‪-‬‬
‫ؽ ىش ٍينئا‪‬‬ ‫ًف الظَّ َّف ىال يي ٍغنًي ًم ىف اٍل ىح ًٌ‬ ‫كف إً َّال الظَّ َّف ىكا َّ‬ ‫ً ً ًو‬ ‫ً‬
‫تى ٍسم ىيةى ٍاأل ٍينثىى * ىك ىما لىيي ٍـ بًو م ٍف عٍمـ إً ٍف ىيتَّبً يع ى‬
‫النجـ اآلية ِٕ‪.ِٖ -‬‬
‫كقد كصؼ القرآف الكريـ المتبعيف لمظف بعدـ العمـ كبالكذب كالتخرص‪ ،‬كاالكتفاء بالظف‬
‫في أصكؿ الديف غير جائز‪.‬‬
‫الظف في العمكـ خطكة منيجية يمكف أف تؤدم إما إلى العمـ أك إلى الشؾ أك الكذب‪ ،‬فإف‬
‫ك ٌ‬
‫قامت براىيف العمـ عمى المظنكف بو انتقؿ الظف إلى العمـ الصادؽ‪ ،‬أما إف استكل براىيف‬

‫(ُ) القرطبي في الجامع إلحكاـ القرآف جِ‪.ُّْ/‬‬

‫‪-333111‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ظف مشككؾ في صدقو‪ ،‬كاف زادت براىيف الشؾ عمى براىيف اليقيف‬
‫اليقيف كبراىيف الشؾ‪ ،‬فيك ٌ‬
‫الظف قسماف‪:‬‬
‫فالظف كذب‪ .‬ك ٌ‬
‫كالمظنكف بو عند بمكغو‪،‬‬ ‫الظاف‬
‫ٌ‬ ‫أ‪ -‬محمكد كمذمكـ‪ :‬فالمحمكد منو ما سمـ معو ديف‬
‫ض الظَّ ًٌف‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫م ىف الظ ًٌف إً َّف ىب ٍع ى‬ ‫اجتىنًيبكا ىكثً نا‬
‫ير‬ ‫امينكا ٍ‬
‫يف ىء ى‬
‫ًَّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫كالمذمكـ ضده‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىيا أىيُّيىا الذ ى‬
‫إًثٍهـ‪ ‬الحجرات اآلية ُِ‬
‫ّ‪ -‬اليكل‪ :‬إذا تدخمت األىكاء في حكمنا عمى األشياء‪ ،‬فإنيا ستككف مفسدة في الحكـ ال‬
‫ض ىك ىم ٍف ًفي ًي َّف‪ ‬المؤمنكف‬ ‫ات ىك ٍاأل ٍىر ي‬
‫الس ىم ىك ي‬‫اء يى ٍـ لىفى ىس ىد ًت َّ‬
‫ىى ىك ى‬
‫ؽ أٍ‬‫محالة‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬كلى ًك اتَّىب ىع اٍل ىح ُّ‬
‫ى‬
‫ألف‪:‬‬
‫اآلية ُٕ كقد ذـ القرآف الكريـ اليكل ٌ‬
‫ىف تى ٍعًدليكا‪ ‬النساء اآلية‬ ‫أ‪ -‬اتباع اليكل ينافي العدؿ كالحؽ‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬فى ىبل تىتَّبً يعكا اٍليى ىكل أ ٍ‬
‫ؽ‪ ‬المائدة اآلية ْٖ‪.‬‬ ‫اء ىؾ ًم ىف اٍل ىح ًٌ‬
‫اء يى ٍـ ىع َّما ىج ى‬ ‫ُّٓ ‪ ‬ىكىال تىتَّبً ٍع أ ٍ‬
‫ىى ىك ى‬
‫اح يك ٍـ ىب ٍي ىف‬ ‫اؾ ىخمًيفىةن ًفي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض فى ٍ‬ ‫اد ياكيد إًَّنا ىج ىعٍم ىن ى‬
‫ب‪ -‬اليكل ينافي الشرع‪ .‬قاؿ تعالى‪  :‬ىي ى‬
‫اَّلل‪ ‬ص اآلية ِٔ‪.‬‬ ‫يؿ ًَّ‬ ‫ضمَّ ىؾ ىع ٍف سبً ً‬ ‫ؽ كىال تىتَّبً ًع اٍليكل فىي ً‬ ‫َّ ً ً ً‬
‫ى‬ ‫ىى ي‬ ‫الناس باٍل ىح ٌ ى‬
‫اء يى ٍـ بً ىغ ٍي ًر ًعٍموـ‪ ‬الركـ‬
‫ىى ىك ى‬
‫ظمى يمكا أ ٍ‬ ‫يف ى‬ ‫ًَّ‬
‫ت‪ -‬اليكل ينافي العمـ‪ .‬قاؿ تعالى ‪‬ىب ًؿ اتَّىب ىع الذ ى‬
‫اآليةِٗ‪.‬‬
‫القسـ الثاني‪ :‬طرؽ القرآف في االستدالؿ العقمي‪:‬‬
‫طرؽ االستدالؿ بالقرآف الكريـ كثيرة اقتصرنا عمى ذكر بعضيا مما يناسب منياجنا فقط‬
‫كمنيا‪:‬‬
‫ُ‪ -‬االستدالؿ بالتشبيو كاألمثاؿ‪:‬‬
‫لتقريب الحقائؽ كتكضيح المعاني‬ ‫االستدالؿ بالتشبيو ضرب مف ضركب القرآف كالسنة‬
‫كف‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫اء يمتى ىشاك يس ى‬
‫ىمثى نبل ىريج نبل فيو يش ىرىك ي‬ ‫اَّللي‬
‫ب َّ‬ ‫ض ىر ى‬ ‫كاألمثمة عمى ذلؾ كثيرة منيا‪ :‬قكلو تعالى‪  :‬ى‬
‫اف مثى نبل اٍلحمد ً ًَّ‬ ‫ً و‬
‫كف‪ ‬الزمر اآلية ِٗ‪.‬‬ ‫ىي ٍعمى يم ى‬ ‫َّلل ىب ٍؿ أى ٍكثىيريى ٍـ ىال‬ ‫ى ٍي‬ ‫ىكىريج نبل ىسمى نما ل ىريجؿ ىى ٍؿ ىي ٍستىًكىي ً ى‬
‫ضرب هللا سبحانو ىذا المثؿ لممشركيف كالمكحديف‪،‬‬

‫(ُ) القرطبي في الجامع إلحكاـ القرآف جُٔ‪.ُِٕ/‬‬

‫‪-331-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫"كالمعنى‪ :‬ىؿ يستكم ىذا الذم يخدـ شركاء أخبلقيـ مختمفة كنياتيـ متباينة‪ ،‬يستخدمو كؿ‬
‫كاحد منيـ فيتعب كينصب مع ككف كؿ كاحد منيـ غير راض بخدمتو‪ ،‬كىذا الذم يخدـ كاحدنا‬
‫ال ينازعو غيره إذا أطاعو رضي عنو‪ ،‬كاذا عصاه عفا عنو‪.‬‬
‫ألف‬
‫فإف بيف ىذيف مف االختبلؼ الظاىر الكاضح ما ال يقدر عاقؿ أف يتفكه باستكائيما‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫أحدىما في أعمى المنازؿ‪ ،‬كاآلخر في أدناىا‪".‬‬
‫كنبلحظ أف المثؿ في القرآف كالسنة مرتبط بالكاقع المحسكس‪ ،‬األمر الذم يجعؿ المحسكس‬
‫أساس يقيني في الحكـ كمف ىنا كاف االىتماـ بالمشاىدة كالمعرفة التجريبية في مكاقؼ كثيرة‪،‬‬
‫ككثي انر ما كذب القرآف المشركيف بالكاقع المحسكس كما في قكلو تعالى‪  :‬ىك ىج ىعميكا اٍل ىم ىبلئً ىكةى‬
‫ىش ًي يدكا ىخٍمقىيي ٍـ‪ ‬الزخرؼ اآلية ُٗ‬
‫الر ٍح ىم ًف إً ىناثنا أ ى‬
‫اد َّ‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬
‫يف يى ٍـ ع ىب ي‬
‫الذ ى‬
‫فقد أنكر عمييـ القرآف بعدـ شيكدىـ لما زعمكه‪ ،‬كليذا قاؿ‪ :‬أ ٍىـ ىخمى ٍق ىنا اٍل ىم ىبلئً ىكةى إً ىناثنا ىك يى ٍـ‬
‫كف‪ ‬الصافات اآلية َُٓ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىشاى يد ى‬
‫ِ‪ -‬االستدالؿ بالمقابمة‪:‬‬
‫المقابمة بيف شيئيف أك أمريف أك شخصيف يعرؼ أييما المؤثر‪ ،‬أك أييما لو التقدـ‬
‫كالفضؿ‪..‬الخ كقد جاء ذلؾ في القرآف الكريـ كثي انر في معرض بيانو بطبلف اعتقاد المشركيف‬
‫أف األكثاف تنفع أك تضر‪،‬‬‫ٌ‬
‫كقد عقد القرآف الكريـ المقابمة بيف ذات هللا العمية‪ ،‬كبيف ىذه األكثاف؛‬
‫*فيك ىي ٍخميؽ‪ ،‬كىي ال تى ٍخميؽ‪.‬‬
‫*كىك ينفع كيضر‪ ،‬كىي ال تنفع كال تضر‪.‬‬
‫*كىك يممؾ كؿ شيء‪ ،‬كىي ال تممؾ لنفسيا نفعان أك ض انر‪.‬‬
‫*كالفرؽ مف اىتدل كبيف مف ضؿ كغكل كالفرؽ بيف األعمى كالبصير‪ ،‬كبيف الظممات‬
‫(‪)2‬‬
‫كالنكر‪.‬‬
‫ّ‪ -‬االستدالؿ بالقصص القرآني‪:‬‬

‫(ُ) انظر المصدر السابؽ جُٓ‪ ،ُٔٓ/‬كالشككاني في فتح القدير جْ‪.ِْٔ/‬‬


‫(ِ) انظر اآليات ُٕ‪ ُٖ-‬مف سكرة النحؿ‪ ،‬كاآلية ُٔ مف سكرة الرعد‪.‬‬

‫‪-331113‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فإف ليا التأثير عمى النفكس‪ ،‬كمف خبلؿ سردىا يأتي الدليؿ‬
‫مف كسائؿ اإلقناع القصص‪ٌ ،‬‬
‫عمى القضية التي يقع فييا الجداؿ‪ ،‬كبياف بطبلف دعكل الخصـ‪ ،‬كذلؾ مثؿ قصة إبراىيـ عميو‬
‫السبلـ في مناقشتو قكمو حكؿ عبادة األكثاف كبيانو ليـ ضبلؿ ما ىـ عميو‪ ،‬كقصة اليدىد مع‬
‫(‪)1‬‬
‫سميماف عميو السبلـ الذم استنكر عبادة الشمس مف دكف هللا‬
‫ْ‪ -‬االستدالؿ االستقرائي‪ :‬كينقسـ إلى‪:‬‬
‫أ‪ -‬االستقراء في عالـ الككنيات‪:‬‬
‫لكؿ مكضكع منيجو الذم يبلئمو‪ ،‬كاف المنيج الذم يناسب عالـ الككنيات ىك المنيج‬
‫ألف الككف ىك عالـ المشاىدة كالحس يستطيع اإلنساف أف يخضعو لمتجربة‪،‬‬ ‫االستقرائي‪ٌ ،‬‬
‫كيتمثؿ أكلى خطكات المنيج االستقرائي في القرآف الكريـ‪:‬‬
‫النظر إلى جزئيات العالىـ جزئية جزئية بما في ذلؾ اإلنساف‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬كًفي ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ءاي ه ً ً‬
‫يف* ىكًفي أ ٍىنفيس يك ٍـ أىفى ىبل تيٍبص ير ى‬
‫ات لٍم يمكًقن ى‬
‫(‪)2‬‬
‫كف‪ ‬الذاريات اآلية َِ‪.ُِ -‬‬ ‫ىى‬
‫فالنظر كالمبلحظة مأمكر بيا في جميع مخمكقات هللا كآياتو‪ ،‬كمف ىنا كانت المبلحظة أكؿ‬
‫خطكات المنيج التجريبي‪ .‬كتنقسـ المبلحظة في منيج القرآف الكريـ إلى صنفيف‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬المبلحظة بالعيف "البصر"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المبلحظة بالبصيرة كتشمؿ‪" :‬الحس كالعقؿ"‪.‬‬
‫ألف المقصكد مف المبلحظة ليس مجرد النظر فقط‪ ،‬بؿ‬ ‫عنى القرآف بالنكع الثاني ٌ‬ ‫كانما يي ى‬
‫تتضمف مبلحظة‪ ،‬لمعقؿ فييا الجانب الكبير‪ ،‬كلقد ذـ القرآف المبلحظة العابرة قاؿ تعالى‪:‬‬
‫‪‬ك ىكأىيًف ًمف ءاي وة ًفي َّ ً‬
‫ات ك ٍاأل ٍىر ً‬
‫كف‪ ‬يكسؼ اآليةَُٓ‪.‬‬ ‫كف ىعمى ٍييىا ىك يى ٍـ ىع ٍنيىا يم ٍع ًر ي‬
‫ض ى‬ ‫ض ىي يم ُّر ى‬ ‫الس ىم ىك ى‬ ‫ى ٌٍ ٍ ى ى‬
‫كمف طرؽ االستقراء التي ذكرىا القرآف‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أ‪ -‬مرحمة استقراء األطكار كتحميؿ المراحؿ التي تمر بيا الظاىرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبلحظة الترابط االطرادم بيف الظاىرات‪ ،‬كتأثير كؿ ظاىرة عمى األخرل كمحاكلة‬
‫(‪)1‬‬
‫الخركج بمعرفة داللة االلتزاـ‪ ،‬بحيث إذا تأممت شيئان تصكرت المبلزـ لو‪.‬‬

‫(ُ) انظر اآليات ُْ‪ ّْ-‬مف سكرة مريـ‪ ،‬كاآليات َِ‪ ِٔ-‬مف سكرة النمؿ‪.‬‬
‫(ِ) كانظر عمى سبيؿ المثاؿ اآلية ُٖٓ مف سكرة األعراؼ‪ ،‬كاآلية َُُ مف سكرة يكنس‪ ،‬كاآليات ّ‪ ٓ-‬مف سكرة‬
‫الجاثية‪ ،‬كاآلية ٗٗ مف سكرة األنعاـ‪.‬‬
‫(ّ) انظر اآلية ُِ مف سكرة الزمر‪.‬‬

‫‪-334-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫*كعف طريؽ مبلحظة مراحؿ الظاىرة كالعكامؿ المؤثرة نأتي إلى الكظيفة الحقيقية لبلستقراء‬
‫كىي تقرير القكانيف أك العبلقات الثابتة التي تتيح لنا فيـ الظكاىر أك األشياء الخارجية فيمان‬
‫عمميان صحيحان‪.‬‬
‫*كليس االستقراء عممية آلية ال أثر لمتحميؿ أك االستنباط فييا بؿ عمى العكس نجد عممية‬
‫تحميؿ الظاىرة ميمة لمكقكؼ عمى نظاميا ككيفية تركيبيا‪ ،‬كىك ما دعا إليو القرآف كثي انر‪.‬‬
‫ت* كًالىى اٍل ًجب ً‬ ‫اء ىك ٍي ى ً‬‫السم ً‬ ‫ؼ يخمًقى ٍ‬ ‫اإلبً ًؿ ىك ٍي ى‬‫كف إًلىى ًٍ‬
‫اؿ‬ ‫ى‬ ‫ؼ يرف ىع ٍ ى‬ ‫ت* ىكًالىى َّ ى‬ ‫قاؿ تعالى‪ :‬أىفى ىبل ىي ٍنظيير ى‬
‫ؼ يس ًط ىح ٍ‬ ‫ت* كًالىى ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ىكي ى ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ت‪ ‬الغاشية اآلية ُٕ‪.َِ-‬‬ ‫ض ىك ٍي ى‬ ‫ؼ ينص ىب ٍ ى‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫كقاؿ‪ :‬أى ىفمى ٍـ ىي ٍنظييركا إًلىى َّ‬
‫ض‬‫اىا ىك ىما لىيىا م ٍف فييرك وج* ىك ٍاأل ٍىر ى‬ ‫اىا ىكىزيََّّن ى‬
‫ؼ ىب ىن ٍي ىن ى‬
‫الس ىماء فى ٍكقىيي ٍـ ىك ٍي ى‬
‫يب‪ ‬ؽ‬ ‫صرةن كًذ ٍكرل لً يك ًؿ ىع ٍبود منً و‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫اىا ىكأىٍلقى ٍي ىنا فييىا ىرىكاس ىي ىكأ ٍىن ىبتٍىنا فييىا م ٍف يك ٌؿ ىزٍك وج ىبيي وج* تىٍب ى ى ى‬ ‫ىم ىد ٍد ىن ى‬
‫اآلية ٔ‪.ٖ -‬‬
‫* كعف طريؽ مبلحظة الكيؼ دعا القرآف إلى االىتماـ بدراسة الككف في جممتو عمى أم‬
‫(‪)3‬‬
‫نحك تشكؿ‪ ،‬كالمراحؿ التي مر بيا‪.‬‬
‫* كما اىتـ اإلسبلـ بدراسة الكيؼ أكد عمى أىمية دراسة الكـ‪ ،‬مف خبلؿ النظر حتى‬
‫(‪)4‬‬
‫يتمكف المسمـ مف التكصؿ إلى عمـ العدد كالحساب‪.‬‬
‫القياس‪ :‬ال يكتفي القرآف الكريـ بالكقكؼ عند االستقراء بالمبلحظة كالتحميؿ‪ ،‬بؿ ال بد أف‬
‫اعتىبًيركا ىياأيكلًي ٍاأل ٍىب ى‬
‫ص ًار‪.‬‬ ‫يتعداه إلى مرحمة القياس‪ .‬كبو أمر سبحانو فقاؿ‪ :‬فى ٍ‬
‫كاالعتبار‪ :‬ىك استنباط المجيكؿ مف المعمكـ كاستخراجو منو‪ .‬كىك القياس‬
‫كالقياس في العمكـ التجريبية‪:‬‬
‫"االنتقاؿ مف عدد محدكد مف الحاالت الخاصة إلى قانكف أك قضية يمكف التحقؽ مف‬
‫صدقيا بتطبيقيا عمى عدد ال حصر لو مف الحاالت الخاصة األخرل"‪.‬‬
‫ب‪ -‬االستقراء التاريخي‪:‬‬

‫(ُ) انظر اآلية ٕٓ مف سكرة األعراؼ كاآلية ّْ مف سكرة النكر‪.‬‬


‫(ِ) انظر اآليات ُٓ‪-‬مف سكرة نكح‪ ،‬كاآلية ْٓ مف سكرة الفرقاف‪.‬‬
‫(ّ) انظر اآلية َّ مف سكرة األنبياء‪.‬‬
‫(ْ) انظر اآلية ٓ مف سكرة يكنس‪.‬‬

‫‪-335115‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫اىتـ القرآف الكريـ بالتاريخ بكصفو أحد أىـ مصادر المعرفة اإلنسانية‪ ،‬فنجد مساحات كبيرة‬
‫في سكره كآياتو ال تخمك مف الحديث عف نماذج كثيرة لممعطيات التاريخية مف خبلؿ قصص‬
‫األنبياء مع أقكاميـ‪ ،‬كسير األمـ السابقة بدأت مف آدـ عميو السبلـ مرك انر بقكـ نكح كابراىيـ‬
‫كمكسى كعيسى عمييـ الصبلة كالسبلـ كحتى األحداث التي شيدىا المجتمع اإلسبلمي في كؿ‬
‫مراحمو ابتداء مف الدعكة الفردية حتى إرساء معالـ الخبلفة الراشدة‪.‬‬
‫كلـ يكف القرآف يعرض فقط لؤلحداث بؿ كاف اليدؼ محاكلة استخبلص القكانيف التي تحكـ‬
‫الظكاىر االجتماعية التاريخية‪ .‬كىذا األمر ال يمكف الكصكؿ إليو إال إذا أصبح التاريخ ميدانان‬
‫اب‪ ‬يكسؼ‬ ‫ص ًيـ ًع ٍبرةه ًأليكلًي ٍاألىٍلب ً‬‫لمنظر كالدراسة كاالختبار قاؿ تعالى‪ :‬لىقى ٍد ىكاف ًفي قى ً‬
‫ى‬ ‫ص ٍ ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫اآليةُُُ‬
‫َّ‬
‫كف‪ ‬األعراؼ اآلية ُٕٔ‪.‬‬ ‫ص لى ىعميي ٍـ ىيتىفى َّك ير ى‬
‫ص ى‬ ‫ص ً‬
‫ص اٍلقى ى‬ ‫كقاؿ تعالى‪  :‬فىا ٍق ي‬
‫ت بً ًو في ىؤ ىاد ىؾ ك ىجاء ىؾ ًفي ىىًذ ًه اٍل ىح ُّ‬
‫ؽ‬ ‫الريس ًؿ ىما ينثىٌبً ي‬
‫اء ُّ‬ ‫ص عمىيؾ ًمف أ ٍىنب ً‬ ‫ِّ‬
‫كقاؿ تعالى‪  :‬ىك يكبل ىنقي ُّ ى ٍ ى ٍ ى‬
‫ى ى‬
‫ً ً‬
‫يف‪ ‬ىكد اآلية َُِ‪.‬‬ ‫ىك ىم ٍك ًعظىةه ىكًذ ٍك ىرل لٍم يم ٍؤ ًمن ى‬
‫كيمكف أف نستخمص بعض القكاعد التاريخية التي أشار القرآف الكريـ إلييا منيا‪:‬‬
‫أ‪ -‬أف التاريخ تحكمو سنف ثابتة قاؿ تعالى‪:‬‬
‫يبل‪ ‬األحزاب اآلية ِٔ‪.‬‬ ‫اَّلل تىٍبًد ن‬
‫اَّلل ًفي الًَّذيف ىخمىكا ًمف قىبؿ كلىف تى ًجد لًسَّن ًة ًَّ‬
‫ى ٍ ٍ ٍي ى ٍ ى ي‬
‫‪‬سَّنةى ًَّ‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ت ًم ٍف قىٍبمً يك ٍـ يس ىن هف فى ًس ييركا ًفي ٍاأل ٍىر ً‬
‫اف ىعاق ىبةي اٍل يم ىك ٌذبً ى‬
‫يف‪‬‬ ‫ؼ ىك ى‬
‫ض فى ٍانظيركا ىك ٍي ى‬ ‫كقاؿ‪ :‬قى ٍد ىخمى ٍ‬
‫آؿ عمراف اآلية ُّٕ‪.‬‬
‫اَّللى ىال يي ىغٌيًير ىما بًقى ٍكوـ ىحتَّى‬
‫ب‪ -‬أكد القرآف عمى أىمية الدكر اإلنساني في حركة التاريخ ‪‬إً َّف َّ‬
‫ً‬
‫أف عمى العقؿ اإلنساني أف يستخمص العبر كالقكانيف‬ ‫يي ىغٌيًيركا ىما بًأ ٍىنفيس ًي ٍـ‪ ‬الرعد اآلية ُُ إذ ٌ‬
‫مف تجارب السابقيف‪ ،‬كيختار الطريؽ التي تؤثر عمى حركة التاريخ‪.‬‬
‫أف الكقائع التاريخية ال تخضع لمتفسير المادم‪ ،‬كالعكامؿ‬
‫جػ‪ -‬أشار القرآف الكريـ إلى ٌ‬
‫االقتصادية‪ -‬كما ذىب إلى ذلؾ ماركس كغيره‪ -‬فقد أرجع أدعياء ىذا المذىب كؿ ظكاىر‬
‫الكجكد‪ ،‬كتطكر المجتمع البشرم إلى المادة‪ .‬كالقرآف عمى غير ذلؾ قاؿ تعالى‪:‬‬
‫ىش َّد ًم ٍنيي ٍـ‬
‫يف ىك يانكا ًم ٍف قىٍبمً ًي ٍـ ىك يانكا يى ٍـ أ ى‬ ‫ً ًَّ‬ ‫‪‬أىكلى ٍـ ىي ًس ييركا ًفي ٍاأل ٍىر ً‬
‫اف ىعاق ىبةي الذ ى‬‫ؼ ىك ى‬ ‫ض فىىي ٍنظييركا ىك ٍي ى‬ ‫ى‬
‫ؽ‪ ‬غافر اآليةُِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اَّلل م ٍف كا و‬ ‫ً‬
‫اف لىيي ٍـ م ىف َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ار في ٍاأل ٍىر ً‬
‫ى‬ ‫اَّللي ب يذينكبي ٍـ ىك ىما ىك ى‬
‫ىخ ىذ يى يـ َّ‬
‫ض فىأ ى‬ ‫قي َّكةن ىك ىءاثى نا‬

‫‪-336-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ؽ‬ ‫د‪ -‬كجكب مراعاة الدقة في ركاية الحقائؽ قاؿ تعالى‪ :‬ياأىيُّيا الًَّذيف ءامينكا إًف جاء يكـ فى ً‬
‫اس ه‬ ‫ٍ ى ى ٍ‬ ‫ى ىى‬ ‫ى ى‬
‫بًىن ىبوأ فىتىىبييَّنكا‪ ‬الحجرات اآلية ُّْ‪.‬‬
‫بيذا تجمى منيج دراسة استقراء التاريخ عند المسمميف الذم تجمى فيو دكر العقؿ في‬
‫االختيار بيف طريقيف ال ثالث ليما‪ :‬اليدل كالضبلؿ‪ .‬إما االىتداء بما أنزؿ هللا تعالى عمى‬
‫عباده مف منيج‪ ،‬أك االنحراؼ عف طريؽ هللا الكاضح المبيف‪.‬‬
‫كمف ىنا تقاس أطكارنا التاريخية بالنظر إلى اقترابيا أك بعدىا عف ركح اإلسبلـ كالعقيدة‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫كبمغة فمسفة التاريخ نفيـ تاريخ المسمميف بربطو بتنفيذ قكاعد الشرع‪ ،‬كفيـ اإلسبلـ‪ ،‬مف‬
‫خبلؿ كاقع المسمميف بيف النصر في عصكره األكلى‪ ،‬كبمكغيـ ذركة الحضارة‪ ،‬كتحقيقيـ‬
‫المجتمع اإلنساني المثالي‪ ،‬كبيف اليزيمة التي أصابت المجتمعات اإلسبلمية بسبب معاصييا‪،‬‬
‫كضعؼ عقيدتيا‪ ،‬كابتعادىا عف منيج ربيا‪.‬‬
‫كمما استفاد منو المسممكف مف القرآف الكريـ في دراسة التاريخ فكرتيف‪:‬‬
‫األكلى‪ :‬كحدة األصؿ اإلنساني‪ ،‬كقد سبؽ الحديث عنيا في خصائص الفكر اإلنساني‪.‬‬
‫ألف التاريخ حركة جمعية مستمرة‪ ،‬كتطكر‬
‫الثانية‪ :‬حركة الكجكد حركة مستمرة في الزماف‪ٌ ،‬‬
‫حقيقي ال مفر منو‪.‬‬
‫السنة النبكية المشرفة التي ٌبينا أىـ أنكاعيا األثر العظيـ في‬
‫كانت لمناىج القرآف الكريـ ك ٌ‬
‫حياة المسمميف‪ ،‬فقد أثرت ىذه المناىج في عقكؿ المسمميف‪ ،‬كأنارت ليـ الطريؽ‪ ،‬كنبيتيـ إلى‬
‫أىمية المنيج السميـ في الكصكؿ إلى الحقائؽ اليقينية‪ ،‬كالقضايا الصادقة‪ .‬انعكس ىذا جميان‬
‫في تناكليـ لكؿ العمكـ سكاء كانت العمكـ الشرعية أك الككنية‪.‬‬

‫مناىج العمماء التجريبيف‪:‬‬


‫نعرض في ىذا الباب لعالميف تجريبيف في مناىج البحث العممي التجريبي مف المسمميف‪:‬‬
‫ىما الحسف بف الييثـ كجابر بف حياف‪.‬‬
‫منيج الحسف بف الييثـ‪:‬‬
‫يقكـ منيج الحسف بف الييثـ العممي عمى التجربة كالمبلحظة كاالستقراء فقد سبؽ ىذا العالـ‬
‫الكبير ركجر بيككف كما سبقت اإلشارة في اكتشافو منيج البحث العممي التجريبي بؿ فاؽ‬

‫‪-337117‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فرانسيس بيككف أصالة كقدرة في فيـ المنيج التجريبي‪ .‬كلقد اعترؼ بذلؾ جميرة مف العمماء‬
‫(‪)1‬‬
‫الغربييف المنصفيف مثؿ مردرؾ‪ ،‬كجكزؼ ىؿ‪ ،‬كجكرج سارتكف‪ ،‬كدم بكر‪.‬‬
‫كيمكف أف نستخمص طريقة ابف الييثـ في البحث في النقاط التالية‪:‬‬
‫ُ‪ -‬نبذ ابف الييثـ تقميد العمماء‪ ،‬كعدـ االسترساؿ في حسف الظف بيـ ميما غزر عمميـ‬
‫كعمت مكانتيـ‪ ،‬ألنيـ كبشر معرضيف لمخطأ‪ ،‬كلكف ىؤالء العمماء عندىـ كثير مما ىك حؽ‬
‫كمما ىك مفيد كىك يجميـ كيحترميـ‪.‬‬
‫ِ‪ -‬ينبغي نبذ تقميدىـ ألنيـ اختمفكا فيما بينيـ‪ ،‬كسبب االختبلؼ اختبلؼ معاييرىـ‪،‬‬
‫كاختبلؼ المعايير سببو صعكبة القضايا المراد حميا‪ ،‬أك عدـ كفاءة الباحث كمقدرتو لمفيـ‬
‫كاالستنباط‪ ،‬أك لعدـ عدلو أك التباعو اليكل‪.‬‬
‫ّ‪ -‬يتبع مف ىذا أنو عمى الدارس فحص التراث العممي كاختباره كاعتماد ما يثبت كيصح‬
‫بالدليؿ‪ ،‬كرفض ما ىك خبلؼ ذلؾ‪.‬‬
‫ْ‪ -‬أف يككف شعاره في ذلؾ العدؿ‪ ،‬كأف ال يككف دافعو التكذيب كال اإلثبات بؿ األخذ‬
‫بمقتضى الدليؿ‪ .‬إف مف بيف أىـ المعالـ التي يحكييا منيج ابف الييثـ في تجاربو‪:‬‬
‫ُ‪ -‬المبلحظة‬
‫ِ‪ -‬تمييز الظكاىر بعضيا عف بعض‬
‫ّ‪ -‬االستقراء‬
‫ْ‪ -‬صياغة قانكف كىك ما ىك مطرد ك ال يتغير‬
‫ٓ‪ -‬العدؿ كالمكضكعية كتحرم الحقيقة‬
‫ٔ‪ -‬االحتياط‪.‬‬
‫التجربة‪ :‬استخدـ ابف الييثـ التجربة كجزء مف منيجو العممي‪ ،‬كقد سمى التجربة باالعتبار‪،‬‬
‫كسمى مف يقكـ بالتجربة المعتبر‪ ،‬كأطمؽ عمى إثبات التجربة اإلثبات باالعتبار‪ ،‬كيقابؿ‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلثبات باالعتبار اإلثبات بالقياس البرىاني‪.‬‬

‫(ُ) انظر المصدر السابؽ ص ِٔ‪ ،‬كمناىج البحث عند مفكرم اإلسبلـ د‪ .‬عمي النشار ص ّْٔ‬
‫(ِ) انظر اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص ِٔ‪.ِٗ-‬‬

‫‪-338-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كال يقؼ ابف الييثـ عند ىذا الحد في إثبات القكاعد أك القكانيف األساسية بكاسطة التجربة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بؿ يعتمد عمييا أيضان في إثبات النتائج التي تستنبط بالقياس‪.‬‬
‫مساىمات جابر بف حياف في مناىج البحث العممي‪:‬‬
‫عرؼ جابر بف حياف المنيج التجريبي كاىتـ بإجراء التجارب لمتكصؿ لمحقائؽ‪.‬‬
‫كقد استعمؿ ابف حياف طريقيف لبلستدالؿ االستقرائي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬طريقة االستدالؿ باألنمكذج "داللة المجانسة"‪.‬‬
‫ِ‪ -‬طريقة االستدالؿ بمجرل العادة‪ -‬االستقراء البسيط‪.‬‬
‫أكالن‪ :‬طريقة االستدالؿ باألنمكذج "داللة المجانسة"‪:‬‬
‫ىي إثبات خاصة أك حكـ ثبت ألفراد أنمكذج معيف محدكد العدد ألنمكذج أك عينة أخرل‬
‫محدكدة‪ ،‬أك إثباتيا لجميع السكاف‪.‬‬
‫ىذا اإلثبات يككف إذا كاف األنمكذج المستدؿ عميو مف جنس األنمكذج المستدؿ بو ألف‬
‫ليما خصائص مشتركة‪.‬‬
‫كقد ذىب ابف حياف أف االستدالؿ باألنمكذج استدالؿ ظني أك احتمالي ليس يقينيان‪ ،‬ألنو ال‬
‫يمكف التيقف مف خصائص السكاف إال بفحص جميع أفراد السكاف‪.‬‬
‫يقكؿ د‪.‬عبدهللا زركؽ‪ :‬ىنالؾ مباحث في مناىج البحث تتحدث عف كيفية اختيار‬
‫األنمكذج‪ ،‬فيناؾ األنمكذج أك العينة التي تختار بطريقة عشكائية كالتي تختار بطريقة غير‬
‫عش كائية‪ ،‬فقد تفتحت أفاؽ كبيرة في كيفية االستدالؿ باألنمكذج التي كضع أساسيا جابر بف‬
‫(‪)2‬‬
‫حياف‪.‬‬

‫ثانيان‪ :‬طريقة االستدالؿ بمجرل العادة "االستقراء البسيط"‪:‬‬


‫كىذه الطريقة تستدؿ بتبلزـ ظاىرتيف في حاالت معينة‪ ،‬كتكرار ذلؾ التبلزـ ثـ الحكـ عمى‬
‫تبلزميما في كؿ الحاالت‪ ،‬بما في ذلؾ التي لـ نشاىد التبلزـ فييا‪.‬‬

‫(ُ) انظر مناىج البحث عند مفكرم اإلسبلـ ص ّْٖ‪.‬‬


‫(ِ) انظر اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص َّ‬

‫‪-339119‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫مثالو‪ :‬تبلزـ أخذ اإلسبريف كزكاؿ الصداع في حاالت شكىدت أك جربت إلى حاالت لـ‬
‫تشاىد أك تجرب‪.‬‬
‫قاؿ جابر بف حياف‪ :‬كمما كثرت حاالت التبلزـ قكم االستدالؿ عمى احتماؿ تبلزميما في‬
‫الحاالت التي لـ تختبر كتجرب أك تشاىد‪ ،‬ككمما قمت الحاالت كمما ضعؼ االستدالؿ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قاؿ اإلماـ الغزالي‪ :‬كمما كثرت الجزئيات قكل الظف كاالحتماؿ‪.‬‬

‫(ُ) اإلسبلـ كالعمـ التجريبي ص َّ‪ ،ِّ-‬كانظر مناىج البحث عند مفكرم المسمميف ص ّّٕ‪.ّّٖ-‬‬

‫‪-310-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫حركات ومذاىب فكرية‬

‫المطمب األول‪ :‬التبشير‪:‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬الستشراق‬

‫المطمب الثالث‪ :‬العممانية‬

‫المطمب الرابع‪ :‬الديمقراطية‬

‫المطمب الخامس‪ :‬العولمة‬

‫‪-313121‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كانت أمتنا اإلسبلمية قد انتيت إلى حاؿ مف الفكضى كالتفسخ أغرل بيا العدك‪ ،‬كجعؿ‬
‫إف المستعمر لـ‬ ‫ككأنيا تستكلي عمى ميراث ليس لو صاحب‪ .‬ثيـ ٌ‬
‫أكركبا تقتسـ بينيا األسبلب ٌ‬
‫يضع كقتو يسدل! لقد رسـ سياسة دقيقة لغزك المسمميف فكريان بعد السيطرة عميو عسكريان‪،‬‬
‫تيدؼ إلى تفتيت الكياف اإلسبلمي الذم سقط في يده‪ ،‬كاماتة خصائص الحياة كاإلباء فيو‪.‬‬
‫فرمى بأك ازره كميا عمى الببلد يحاكؿ محؽ عركبتيا‪ ،‬كطمس تاريخيا‪ ،‬كتمكيث ينابيعيا‬
‫الفكرية كالعاطفية‪ ،‬كال ننسى الصييكنية العالمية التي تحالفت مع قكل الغرب لتحقيؽ ذات‬
‫األىداؼ‪ ،‬حتى تنشأ األجياؿ الحديثة عميمة المزاج سقيمة الفكر‪.‬‬
‫كأعاف عمى المضي في خطتو تمؾ ما أحرزه مف سبؽ ىائؿ في العمكـ كالكشكؼ كأفاؽ‬
‫(ُ)‬
‫الحياة األخرل‪.‬‬
‫أخطار الغزك الفكرم‪:‬‬
‫ُ‪ -‬يفقد المغرضيف لمغزك الفكرم االستعداد لممقاكمة‪ ،‬كيضعؼ كسائميا مما يكقعيـ في‬
‫أحابيمو بسيكلة‬
‫ِ‪ -‬يجد لو أتباعان كأنصا انر يتعاكنكف معو إما مف المخدكعيف أك ممف باع نفسو بثمف بخس‬
‫خدمة لؤلىداؼ االستعمارية‪.‬‬
‫ّ‪ -‬قميؿ التكمفة مع أف نتائجو كآثاره بعيدة األثر‪.‬‬
‫ْ‪ -‬كسائمو ناعمة كخادعة كمحفكفة بالشيكات‪ ،‬فاالستجابة إليو أسرع‪.‬‬
‫أىداؼ الغزك الفكرم‪:‬‬
‫ُ‪ -‬ضرب اإلسبلـ مف الداخؿ عف طريؽ إضعافو في نفكس أىمو‪ ،‬كابعاده عف مراكز‬
‫التأثير في حياة المسمميف‪ ،‬كعزلو في داخؿ المسجد‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫ِ‪ -‬منع اإلسبلـ مف االنتشار خارج ديار المسمميف‪ ،‬كفرض اإلقامة الجبرية عميو داخمو‪.‬‬
‫أما كسائؿ الغزك الفكرم فكثيرة منيا التبشير كاالستشراؽ كنشر األفكار كالمبادئ كالحركات‬
‫اليدامة‪ ،‬كاحياء النعرات كالدعكات الجاىمية‪.‬‬
‫المطمب األول‪:‬‬

‫(ُ) ظبلـ مف الغرب ص ٖ‪ ُُ-‬بتصرؼ لمشيخ محمد الغزالي رحمو هللا تعالى‬
‫(ِ) انظر دراسات في الثقافة الغربية تأليؼ د‪ .‬صالح ذياب ىندم صِٓ‪.ِٔ-‬‬

‫‪-311-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫التبشير‬
‫كب ًش ىر‪ :‬فرح‪ ،‬كمف ذلؾ قكؿ‬ ‫التبشير لغة‪ :‬مف البً ٍشر‪ ،‬طبلقة الكجو‪ ،‬يقاؿ‪ :‬استبشر ٌ‬
‫كتبشر ى‬
‫استىٍب ًش يركٍا﴾ التكبة‪ ،ُُُ:‬كالبشارة مطمقنا ال تككف إال في الخير‪ ،‬أما في الشر‬ ‫هللا تعالى‪ ﴿ :‬فى ٍ‬
‫اب أىلً ويـ﴾ آؿ عمراف‪.)1(ُِ:‬‬
‫فبل تأتي إال مقيدة مثؿ قكلو تعالى‪ ﴿ :‬فىب ًٌشريىـ بً ىع ىذ و‬
‫ى ٍ‬
‫كفي المغة اإلنجميزية يقاؿ عف التنصير مصطمح ‪.Missions‬‬
‫اصطبلحا‪ :‬كاف التبشير في بداية نشأتو يعني التنصير‪ ،‬بمعنى تنصير غير‬
‫ن‬ ‫التبشير‬
‫غير النصارل أساليبيـ بعد إدراكيـ صعكبة تحقيؽ‬
‫النصراني‪ .‬أما في العصكر الحديثة‪ ،‬فقد ٌ‬
‫التنصير بيف أبناء المسمميف‪ .‬كعميو يمكننا تعريؼ التبشير في الببلد اإلسبلمية بأنو‪" :‬النشاط‬
‫الذم يمارسو المسيحيكف الغربيكف أفر نادا كىيئات كمنظمات في البمداف اإلسبلمية‪ ،‬كاليادؼ إلى‬
‫تنصير المسمميف أك تشكيكيـ في عقيدتيـ‪ ،‬كصبغ حياتيـ بالصبغة الغربية"‪.‬‬
‫اختمؼ المفكركف اإلسبلميكف بيف مصطمحي‪ :‬التبشير أك التنصير‪ ،‬أييما األفضؿ في‬
‫تسمية جيكد النصارل في العالـ اإلسبلمي‪ ،‬أذىب مع الرأم القائؿ بأف مصطمح التبشير أكثر‬
‫شمكلية مف مصطمح النصرانية‪ ،‬في الداللة عمى أفعاليـ‪ ،‬كذلؾ لعدة أسباب‪ ،‬منيا‪:‬‬
‫ُ‪ -‬أف اليدؼ النيائي لنشاط المنصريف‪ ،‬ليس شرطنا إدخاؿ المسمميف في النصرانية بؿ‬
‫متشككا في صحتو‪ ...‬إلخ‬ ‫ن‬ ‫بعيدا عف دينو‪ ،‬أك‬
‫يرضى منو أف يككف المسمـ ن‬
‫عبر بو القرآف الكريـ عف البشر كالخبر السعيد‪ ،‬كعبَّر بو كذلؾ عف‬ ‫أف التبشير قد ٌ‬‫ِ‪َّ -‬‬
‫اب أًىل ويـ﴾ آؿ عمراف‪.ُِ:‬‬
‫السكء كالشر كما ال تيحمد عقباه‪ ،‬كما قاؿ تعالى‪﴿ :‬فىب ًٌشريىـ بً ىع ىذ و‬
‫ى ٍ‬
‫ّ‪ -‬أف المستيدؼ بيذه اإلرساليات كالبعثات الدينية ليس المسمميف كحدىـ‪ ،‬بؿ إف التبشير‬
‫يمارس ضد طكائؼ النصارل الشرقييف‪ ،‬مف أرمف‪ ،‬كقبط‪ ،‬كأرثكذكس‪.‬‬
‫أما أصحاب القكؿ الثاني بأف مفيكـ التنصير في البيئة اإلسبلمية‪ ،‬فقد تغير مفيكـ‬
‫التنصير‪ ،‬كتحددت كظيفتو ػ عند النصارل ػ فيما يؤدم إلى إخراج المسمميف مف دينيـ‪ ،‬كليس‬
‫بالضركرة إدخاليـ في النصرانية‪ ،‬كفي ىذا قاؿ القس صمكيؿ زكيمر في مؤتمر لممبشريف‬
‫بالقدس عاـُّٓٗـ‪« :‬إف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بو في الببلد‬
‫يما ليـ‪ ،‬كانما ميمتكـ أف‬
‫فإف ىذا ىدايةن كتكر ن‬
‫المحمدية ليست إدخاؿ المسمميف في المسيحية‪ٌ ،‬‬

‫(ُ) لساف العرب ْ‪.ُٔ/‬‬

‫‪-311123‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫تخرجكا المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀‪ ،‬كبالتالي فبل صمة لو باألخبلؽ‬
‫التي تعتمد عمييا األمـ في حياتيا‪.»..‬‬
‫أىداؼ التنصير‪:‬‬
‫أكنال‪ :‬تغريب المجتمع اإلسبلمي‪ ،‬كذلؾ بنشر الثقافة الغربية بيف المسمميف‪ .‬لينسحب إلى‬
‫جميع مجاالت الحياة السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية‪ ..‬كذلؾ عبر كسائؿ مختمفة مثؿ‬
‫الدعكة لمتحضر كالتمدف‪ ،‬كالدعكة إلى تقميد الغرب إذا أراد الشرؽ التقدـ‪...‬إلخ‬
‫ثانيا‪ :‬زعزعة كاضعاؼ العقيدة اإلسبلمية في نفكس معتنقييا‪ ،‬كاإليحاء بأف المبادئ كالمثؿ‬
‫ن‬
‫لتحؿ ىذه المثؿ كالمبادئ النصرانية‬
‫َّ‬ ‫كالتعاليـ النصرانية أفضؿ مف أم مثؿ كمبادئ أخرل‪،‬‬
‫محؿ المبادئ كالمثؿ اإلسبلمية‪ .‬كىك ما قالو القس صمكيؿ زكيمر في مؤتمر لممبشريف‬
‫َّ‬
‫بالقدس عاـ ُّٓٗـ‪« :‬إف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بو في الببلد‬
‫يـ ليـ‪ ،‬كانما ميمتكـ أف‬
‫فإف ىذا ىدايةن كتكر ه‬
‫المحمدية ليست إدخاؿ المسمميف في المسيحية‪ٌ ،‬‬
‫تخرجكا المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀‪ ،‬كبالتالي فبل صمة لو باألخبلؽ‬
‫التي تعتمد عمييا األمـ في حياتيا‪ ،‬كبذلؾ تككنكف أنتـ بعممكـ ىذا طميعة الفتح االستعمارم‬
‫في الممالؾ اإلسبلمية‪ ،‬كىذا ما قمتـ بو خبلؿ األعكاـ المائة السالفة خير قياـ‪»...‬‬
‫ثالثنا‪ :‬بث ركح الفرقة كالنزاع بيف أبناء األمة‪ ،‬عف طريؽ إثارة النعرات الجاىمية كاإلقميمية‬
‫كالعرقية كالطائفية‪....‬‬
‫ابعا‪ :‬إحكاـ سيطرة الدكؿ الغربية عمى العالـ اإلسبلمي‪.‬‬
‫رن‬
‫خامسا‪ :‬الحيمكلة بيف الغرب المسيحي‪ ،‬كبيف اإلسبلـ بجممة مف األكاذيب كالمفتريات‪.‬‬
‫ن‬
‫سادسا‪ :‬الحيمكلة دكف دخكؿ األمـ األخرل ػ غير النصرانية ػ في اإلسبلـ‪ ،‬كالكقكؼ أماـ‬
‫ن‬
‫انتشار اإلسبلـ بإحبلؿ النصرانية مكانو‪ ،‬أك باإلبقاء عمى الممؿ كالنحؿ كالعقائد المحمية‬
‫المتكارثة‪.‬‬

‫نشأة التبشير في العالـ اإلسبلمي‪:‬‬

‫‪-314-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫لعؿ أكؿ عبلقة بيف المسمميف كالنصارل‪ ،‬أك اإلسبلـ كالنصرانية‪ ،‬كانت عمى عيد الرسكؿ‬
‫(‪)1‬‬
‫ممؾ الحبشة كما حصؿ مف محاكلة‬ ‫كفدا مف المياجريف إلى النجاشي‬
‫محمد ‪ ‬حينما أرسؿ ن‬
‫قريش إثناء الممؾ عف إيكاء المسمميف؛ صاحب ىذه المحاكلة نقاش كحجاج حكؿ طبيعة‬
‫المسيح عيسى ابف مريـ عمييما السبلـ‪ ،‬كما نزؿ فيو مف قرآف (ِ)‪.‬‬
‫كفكدا إلى ىرقؿ الركـ‬
‫كلقد كاف المقاء الثاني حينما أرسؿ الرسكؿ عميو الصبلة كالسبلـ ن‬
‫أيضا حكار كنقاش حكؿ نظرة اإلسبلـ كالمسمميف‬
‫كمقكقس مصر كغيرىما‪ .‬ككاف ىناؾ ن‬
‫لمنصرانية‪ ،‬كنبييا عيسى بف مريـ عمييما السبلـ (ّ)‪.‬‬
‫كقد قدـ عمى الرسكؿ محمد ‪ ‬في المدينة النبكية كٍف هد مف «نجراف» بيف أربعة عشر‬
‫فردا حسب الركايات‪ ،‬كقد دار بيف النبي محمد ‪ ‬كبينيـ حكار‪ ،‬كحجاج حكؿ طبيعة‬ ‫كستيف ن‬
‫المسيح عيسى ابف مريـ عمييما السبلـ‪ .‬ثـ عاد الكفد إلى نجراف‪ ،‬كقد ذكرت سكرة آؿ عمراف‬
‫طرفنا مف ىذه المحاججة‪.‬‬
‫حافبل بالعبلقات مع النصارل‪ ،‬نتيجة المتداد الفتح‬
‫ن‬ ‫كعصر الخمفاء ال ارشديف‪ ‬كاف‬
‫اإلسبلمي في الشاـ كمصر كما كراءىما‪ .‬ككاف يتخمؿ ىذه الفتكح كقفات عممية تككف فييا‬
‫مناقشات كحكارات حكؿ مكقؼ اإلسبلـ مف النصرانية كالنصارل‪.‬‬
‫كأبرز مثاؿ عمى ىذه الكقفات كقفة الخميفة «عمر بف الخطَّاب ‪ ‬في «بيت المقدس»‪،‬‬
‫كمكقفو مف كنيسة القيامة كتجنبو الصبلة فييا(‪،)4‬‬
‫ككذلؾ لقاء عمرك بف العاص‪ ‬بالبطريرؾ بنياميف رئيس الكنيسة القبطية آنذاؾ(‪.)5‬‬

‫النجاشي اسمو أصحمة‪ ،‬كيعد مف الصحابة رضي هللا عنيـ أجمعيف‪ ،‬كقيؿ مف التابعيف‪ ،‬تكفي في حياة الرسكؿ محمد‬ ‫(ُ)‬
‫‪ ،‬كصمى عميو صبلة الغائب‪ .‬انظر ترجمتو في سير أعبلـ النببلء لمذىبي جُ‪.ّْْ-ِْٖ/‬‬
‫قصة إيكاء النجاشي لممسمميف‪ .‬أخرجيا اإلماـ أحمد بف حنبؿ في المسند جٓ‪ ،ُِٗ/‬مف ركاية أـ سممة زكج النبي ‪‬‬ ‫(ِ)‬
‫اؿ لىوي ىج ٍعفىير ٍب يف أىبًي‬ ‫ً ً‬
‫يسى ٍاب ًف ىم ٍرىي ىـ؟ فىقى ى‬ ‫اؿ لىيي ٍـ‪ :‬ىما تىقيكليك ىف في ع ى‬ ‫كرضي هللا عنيا‪ .‬كمنيا قكليا <‪« :‬فمما دخمكا عميو قى ى‬
‫ب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يو الًَّذم جاء بً ًو نبًيُّنا ىك عبد ًَّ‬ ‫طىالً وب‪ :‬ىنقيكؿ ًف ً‬
‫ضىر ى‬ ‫ت‪ :‬فى ى‬ ‫اىا إلىى ىم ٍرىي ىـ اٍل ىع ٍذىراء اٍلىبتيكؿ قىالى ٍ‬
‫كحوي ىك ىكم ىمتيوي أىٍلقى ى‬‫اَّلل ىكىر يسكليوي ىكير ي‬ ‫ى ى ى ى يى ى ٍ ي‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ىخ ىذ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫النج ً‬
‫ط ًارقىتيوي ىح ٍكلىوي‬
‫ت ىب ى‬ ‫اخىر ٍ‬
‫كد‪ .‬فىتىىن ى‬
‫ت ىى ىذا اٍل يع ى‬ ‫يسى ٍاب يف ىم ٍرىي ىـ ىما يقٍم ى‬ ‫اؿ‪ :‬ىما ىع ىدا ع ى‬ ‫ى‬ ‫ق‬
‫ى‬ ‫ـ‬‫َّ‬‫ي‬‫ث‬ ‫ا‬‫كد‬
‫ن‬ ‫ع‬
‫ي‬ ‫ا‬‫ي‬
‫ى‬ ‫ن‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫أ‬‫ف‬
‫ى‬ ‫ض‬ ‫ىر‬
‫ٍ‬ ‫األ‬
‫ٍ‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫ى‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ي‬ ‫اش ُّي ىي ىد‬ ‫َّ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًحيف قىاؿ ما قىاؿ فىقىاؿ‪ :‬كاًف ن ىخرتيـ ك ًَّ‬
‫َّك ٍـ يغًٌرىـ‪ ،‬فى ىما‬
‫َّك ٍـ يغًٌرىـ‪ ،‬ثيَّـ ىم ٍف ىسب ي‬
‫كف‪ -‬ىم ٍف ىسب ي‬ ‫كـ بًأ ٍىرضي‪ٍ -‬اآلمين ى‬ ‫اَّلل؛ ا ٍذ ىىيبكا فىأٍىنتي ٍـ يسيي ه‬ ‫ى ى ى ى ى ى ٍ ى ٍ ٍ ى‬
‫ت ىريج نبل ًمٍن يك ٍـ»‪َّ .‬‬ ‫ً‬
‫الدٍبير‪ :‬اٍل ىجىب يؿ‪.‬‬ ‫ىف لًي ىدٍبنار ىذ ىىنبا ىكأٌىني آ ىذٍي ي‬ ‫ب أ َّ‬ ‫أً‬
‫يح ُّ‬
‫تيذيب سيرة ابف ىشاـ‪ :‬عبد السبلـ ىاركف ص ّٕٓ‪.ّٕٖ-‬‬ ‫(ّ)‬
‫انظر‪ :‬البداية كالنياية لمحافظ ابف كثير‪ ،‬تحقيؽ‪ :‬أحمد أبك ممحـ كآخركف جْ‪ٕٓ/‬‬ ‫(ْ)‬
‫انظر كتاب المسيحية كاإلسبلـ في مصر‪ :‬كليـ سميماف قبلدة صِّٓ‪.ِّْ-‬‬ ‫(ٓ)‬

‫‪-315125‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ككذا الحاؿ في العصر األيمكم مع الزيادة المطَّردة في العبلقة مف خبلؿ االستعانة‬

‫بالنصارل في بعض ًٌ‬


‫مقكمات بناء المجتمع المسمـ الناىض‪ ،‬السيما فيما يتعمؽ بالعمكـ‬
‫التطبيقية كالبحتة‪ ،‬كاإلدارة‪.‬‬
‫كثقافيا‬
‫ن‬ ‫عمميا‬
‫ن‬ ‫ازدىار‬
‫نا‬ ‫كضكحا في العصر العبَّاسي الذم شيد‬
‫ن‬ ‫كتصبح العبلقة أكثر‬
‫كحضارنيا‪ ،‬استعاف المسممكف في أجزاء منو بالنصارل‪ ،‬كغيرىـ مف أصحاب الثقافات األيخرل‪،‬‬
‫كالسيما الفرس كاليكناف في مجالس العمـ‪ ،‬كبيكت الترجمة‪ ،‬كخزائف الكتب‪ ،‬كدكاكيف الكالة‪ ،‬كفي‬
‫المؤسسات العممية كالتعميمية األخرل (‪.)1‬‬
‫كلـ يسمـ المغكؿ أنفسيـ مف حركة التنصير ىذه‪ ،‬إذ أريد مف تنصيرىـ كسب أمة كثنية إلى‬
‫النصرانية مف ناحية‪ ،‬كمف ناحية أخرل التأثير عمى المسمميف بتفادم خطرىـ عمى الحمبلت‬
‫جنكدا ليذه األمة‪ ،‬بعد أف‬
‫ن‬ ‫التنصيرية‪ ،‬غير َّ‬
‫أف المغكؿ قد انضمكا إلى القكة المسممة‪ ،‬كأصبحكا‬
‫ىداىـ هللا إلى اإلسبلـ‪ ،‬كعاكنكا قادة المسمميف في تصدييـ لمحمبلت التنصيرية (‪.)2‬‬
‫الحركب الصميبية‪:‬‬
‫َّ‬
‫تشكؿ الصراع بيف المسمميف كالنصارل بكضكح أكثر‪ ،‬إبَّاف الحركب الصميبية‪ ،‬التي ال‬
‫شكبل مف أشكاؿ التنصير‪ ،‬اتُّبعت فيو القكة كالغزك العسكرم‪ .‬كقد ترافقت مع‬
‫تعدك ككنيا ن‬
‫المعارؾ العسكرية خبلؿ الحمبلت الصميبية الثماني‪ ،‬نقاش كحكار بيف المسمميف كالنصارل‬
‫مف عمماء الديف اإلسبلمي‪ ،‬كرجاؿ الديف النصراني‪ ،‬كانت مف نتائجو ظيكر مجمكعة مف‬
‫المؤلَّفات تناقش حقيقة النصرانية كترد عمى النصارل في زعميـ حكؿ طبيعة المسيح عيسى‬
‫(ُ)‪.‬‬
‫بف مريـ عمييما السبلـ‪ ،‬كأسباب عدـ إيمانيـ بمحمد‪ ،‬رغـ ذكر بعثتو في اإلنجيؿ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬فصؿ «أكركبا بيف العباسييف في بغداد كاألمكييف في األندلس» مف كتاب عبد العظيـ رمضاف‪ .‬الصراع بيف‬
‫العرب كأكركبا مف ظيكر اإلسبلـ إلى انتياء الحركب الصميبية‪ .‬ص ُْٓ‪.ُْٓ-‬‬
‫عماف‪ :‬صُِ ‪.َّ-‬‬ ‫(ِ) مدخؿ إلى تاريخ حركة التنصير‪ :‬ممدكح حسيف ٌ‬
‫(ُ) بدأت الحركب الصميبية في ربيع الثاني مف سنة ُْٗىػ‪ -‬مارس مف سنة َُٖٗـ‪ ،‬كانتيت في شعباف مف سنة‬
‫َٗٔىػ‪ -‬أغسطس مف سنة ُُِٗـ‪ .‬انظر‪ :‬الحركة الصميبية‪ :‬سعيد عبد الفتَّاح عاشكر‪ ،‬جّ‪ .ُُِٔ/‬نذكر ىنا‬
‫مجمكعة مف األمثمة عمى ما كتب عف النصرانية في التراث اإلسبلمي‪ ،‬كمنيا‪ :‬المنتخب الجميؿ مف تخجيؿ مف‬
‫حرَّؼ اإلنجيؿ‪ :‬أبك الفضؿ المالكي المسعكدم‪ ،‬كجكاب القاضي الباجي عمى رسالة راىب مف فرنسا إلى المقتدر‬
‫با﵀ صاحب سرقسطة‪ :‬ألبي الكليد سميماف بف خمؼ القاضي الباجي‪ ،‬تحقيؽ محمد عبد هللا الشرقاكم‪ .‬كدرء‬
‫أيضا‪ :‬الجكاب الصحيح لمف‬‫تعارض العقؿ كالنقؿ‪ :‬أحمد بف عبد الحميـ بف تيمية‪ ،‬تحقيؽ محمد رشاد سالـ‪ .‬كلػو ن‬
‫بدؿ ديف المسيح‪ .‬كشفاء الغميؿ في الرد عمى مف َّ‬
‫بدؿ التكراة كاإلنجيؿ‪ :‬ألبي المعالي الجكيني‪ .‬الممؿ كالنحؿ‪:‬‬
‫لمشيرستاني‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪-316-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫عقديا في‬
‫ن‬ ‫أف الحركب الصميبية لـ تفمح عسكرنيا في تحقيؽ النصر‪ ،‬فيي لـ تفمح‬ ‫ككما َّ‬
‫تمس نكا بدينيـ َّأدل في النياية‪ ،‬إلى خركج الصميبييف مف‬
‫تشكيؾ المسمميف برسالتيـ‪ ،‬بؿ زادتيـ ُّ‬
‫أراضي المسمميف دكف الفكز بما قدمكا مف أجمو‪ .‬كمع ىذا فبل يغفؿ تأثير الحمبلت الصميبية‬
‫عمى المجتمع المسمـ‪ ،‬فقد زاد عدد الكنائس‪ ،‬كبالتالي زاد عدد المنصريف‪.‬‬
‫كيذكر «محمد مؤنس عكض» مف خبلؿ عرضو لمرحالة المسمميف‪ ،‬السيما عند كقكفو مع‬
‫أف ىذا الرحالة قد أدرؾ البعد التنصيرم لمحمبلت الصميبية‪ ،‬إذ‬
‫الرحالة المسمـ «ابف جبير ٌ‬
‫أدرؾ الدكر الصميبي الخطر في تغيير ىكية المنطقة كتحكيميا عف اإلسبلـ‪ ،‬مف خبلؿ البعد‬
‫التنصيرم‪ ،‬فيذكر أنو بعد خضكع «عكا» لسيطرة الصميبييف‪ ،‬فقد تحكلت مساجدىا كصارت‬
‫كنائس‪ ،‬كصكامعيا صارت محؿ أحد النكاقيس‪ ،‬كفي مثؿ ذلؾ التعبير نجده يكشؼ بجبلء‪،‬‬
‫عف دكر الصميبييف في محاكلة تغيير ىكية المنطقة اإلسبلمية‪ ،‬كمحاكلة تنصيرىا مف خبلؿ‬
‫القضاء عمى الدكر الياـ ألماكف العبادة اإلسبلمية في صكرة المساجد‪ ،‬بؿ كصؿ األمر أف‬
‫صارت ىناؾ بقعة صغيرة في مسجد عكا الجامع‪ ،‬يجتمع فيو الغرباء مف أجؿ إقامة الصبلة‬
‫شيئا منيا‬
‫كلـ تكف ىذه الحادثة ىي الكحيدة التي سجميا المؤرخكف المسممكف‪ ،‬فقد أكرد ن‬
‫«أسامة بف منقذ» في كتابو االعتبار(‪.)1‬‬
‫كيشير إلى ىذه األعماؿ «جكرج ليكنارد كارم» رئيس أساقفة كانتربرم‪ ،‬رئيس الكنيسة‬
‫اإلنجيمية في بريطانيا فيقكؿ‪ ...« :‬كال يشعر أم مسيحي في الكقت الحاضر بالرضا عف‬
‫الطريقة التي اتبعيا أسبلفنا في حسـ الصراعات في الماضي‪ .‬فقد تسبب الصميبيكف في‬
‫إحداث آثار جسيمة في عبلقات المسيحييف ببعضيـ‪ ،‬كعبلقاتيـ بالمسمميف‪ ،‬فيناؾ الكثير‬
‫لنعتذر عنو» (‪.)2‬‬
‫ً‬
‫المنصر اإلسباني ميمة العكدة إلى التنصير‪ ،‬بعد أف‬ ‫ثـ تزعَّـ «ريمكند لكؿ»(‪ )3‬المستشرؽ‬
‫ٌ‬
‫فشمت الحركب الصميبية في ميمتيا‪ ،‬كتعمَّـ المغة العربية‪ ،‬كجاؿ في الببلد اإلسبلمية كناقش‬
‫العمماء المسمميف في ببلد كثيرة (‪.)1‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الجغرافيكف كالرحالة المسممكف في ببلد الشاـ زمف الحركب الصميبية‪ :‬محمد مؤنس عكض‪ ،‬ص ِّٓ‪.ِٖٗ-‬‬
‫(ِ) انظر » تحديات العبلقات بيف الديانات الكبرل»‪ :‬جكرج ليكنارد كارم ص َِٓ‪.ُِٓ-‬‬
‫يعد » أخطر المنصريف‬‫(ّ) ريمكند لكؿ (ُِّٓ‪ُُّٓ-‬ـ) راىب فرنسيسكاني‪ .‬مارس التنصير في شماؿ أفريقيا‪ُّ ،‬‬
‫المنصر زكيمر اعتبره أستاذه كقدكتو»‪ .‬كخططو التي كضعيا‬
‫ٌ‬ ‫مر التاريخ‪ ،.‬حتى إف‬
‫كأشيرىـ عمى اإلطبلؽ عمى ٌ‬
‫تعد ىي النماذج كالدستكر الذم سار عميو المنصركف بعد كالتعميـ كالتدريس كالتدريب كالتطبيب كأعماؿ‬
‫لمتنصير ٌ‬

‫‪-317127‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫حقبة االحتبلؿ‪:‬‬
‫ثـ تأتي مرحمة االحتبلؿ (االستعمار) في القرنيف الثالث عشر كالرابع عشر اليجرييف‬
‫(التاسع عشر كالعشريف الميبلدييف)‪ ،‬كما سبقيما مف إرىاصات لبلحتبلؿ‪ُّ .‬‬
‫كتعد ىذه المرحمة‬
‫امتدادا لمحركب الصميبية‪ ،‬مع نقص في الكفاءة كانعداـ في التكازف بيف الطرفيف المسمـ‬ ‫ن‬
‫مميدا‬
‫ن‬ ‫شكبل مف أشكاؿ التنصير‪ ،‬بؿ ُّ‬
‫يعد التنصير‬ ‫ن‬ ‫ً‬
‫كيشكؿ االحتبلؿ كذلؾ‬ ‫كالنصراني‪.‬‬
‫ٌ‬
‫و‬
‫بعدئذ (‪ ،)2‬فاالستعمار األكركبي ىك‬ ‫يعد االحتبلؿ ً‬
‫مسيٌ نبل لحمبلت التنصير‬ ‫لبلحتبلؿ أكنال‪ ،‬ثـ ُّ‬
‫مثبل‪.‬‬
‫الذم ميد لمتنصير في أفريقيا ن‬
‫كفي ىذه األثناء بدأ التنصير يأخذ طابع التنظيـ مف خبلؿ كجكد مجمكعة مف المؤسسات‬
‫كالجمعيات كاإلرساليات التنصيرية‪ ،‬تنظميا كتدعميا الييئات الدينية عمى اختبلؼ طكائفيا‪،‬‬
‫كالحككمات الغربية بخاصة‪ .‬كظيرت لمتنصير مؤسسات كثيرة كمتنكعة‪ ،‬كالمعاىد كالجامعات‬
‫كالمنظمات كالمراكز الطبية كاالجتماعية كالرياضية‪ ،‬كالمراكز المنتشرة في كثير مف األماكف‬
‫(‪.)3‬‬
‫أحيانا أيخرل‪ ،‬مف‬
‫ن‬ ‫أحيانا‪ ،‬ك َّ‬
‫أدؽ‬ ‫ن‬ ‫بتصكر عف التنصير أشمؿ‬
‫ّّ‬ ‫كقد أدل ىذا كمُّو إلى الخركج‬
‫مجرد دعكة غير النصارل إلى الدخكؿ في النصرانية‪.‬‬
‫َّ‬
‫التنصير بيف المسمميف‪:‬‬
‫ينظر اآلف إلى مفيكـ التنصير الحديث بحسب البيئة المستيدفة مف الحمبلت التنصيرية‪.‬‬
‫ففي البيئة اإلسبلمية أثبتت الجيكد عدـ جدكل إخراج المسمميف مف إسبلميـ‪ ،‬كادخاليـ في‬
‫النصرانية‪ .‬كينقؿ عف صمكئيؿ زكيمر» في ىذا الصدد قكلو‪:‬‬
‫«لقد أديتـ الرسالة التي أنيطت بكـ أحسف األداء‪ ،‬ككفقتـ ليا أسمى التكفيؽ‪ ،‬كاف كاف يخيؿ‬
‫إلى أنو مع إتمامكـ العمؿ عمى أكمؿ كجو‪ ،‬لـ يفطف بعضكـ إلى الغاية األساسية منو‪ .‬إني‬

‫اإلغاثة‪ .‬انظر‪ » :‬الراىب الفرنسيسكاني ريمكند لكؿ كمحاكالتو نشر النصرانية في شماؿ إفريقية‪ :‬لعمي بف محمد‬
‫الغامدم»‪.‬‬
‫(ُ) الغارة عمى العالـ اإلسبلمي‪ :‬أ‪ .‬ؿ‪ .‬شاتميو‪ .‬تعريب محب الديف الخطيب كمساعد اليافي ص ُِ‪.ُّ-‬‬
‫(ِ) الحركب الصميبية‪ :‬بدؤىا مع مطمع اإلسبلـ كاستمرارىا حتى اآلف؛ عرض لميجمات الصميبية الغربية عمى العالـ‬
‫اإلسبلمي عبر العصكر‪ :‬أحمد شمبي‪ .‬ص ُّْ‪.ُّٓ-‬‬
‫الميسرة في األدياف كالمذاىب المعاصرة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫(ّ) انظر » أشير المراكز كالمعاىد التنصيرية» في‪ :‬التنصير مف‪ :‬المكسكعة‬
‫الندكة العالمية لمشباب اإلسبلمي ص ُْٔ‪.‬‬

‫‪-318-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أقركـ عمى أف الذيف أدخمكا مف المسمميف في حظيرة المسيحية لـ يككنكا مسمميف حقيقييف‪ ،‬لقد‬
‫كانكا‪ ،‬كما قمتـ‪ ،‬أحد ثبلثة‪:‬‬
‫يعرفو ما ىك اإلسبلـ‪.‬‬
‫‪ ‬إما صغير لـ يكف لو مف أىمو مف ٌ‬
‫مستخؼ باألدياف ال يبغي غير الحصكؿ عمى قكتو‪ ،‬كقد اشتد بو الفقر‪،‬‬
‫ه‬ ‫‪ ‬كاما رجؿ‬
‫كعزت عميو لقمة العيش‪.‬‬
‫‪ ‬كاما آخر يبغي الكصكؿ إلى غاية مف الغايات الشخصية‪.‬‬
‫كلكف ميمة التبشير التي ندبتكـ دكؿ المسيحية لمقياـ بيا في الببلد المحمدية ليست ىي‬
‫يما‪ .‬كانما ميمتكـ أف تخرجكا‬ ‫إدخاؿ المسمميف في المسيحية‪َّ ،‬‬
‫فإف في ىذا ىدايةن ليـ كتكر ن‬
‫المسمـ مف اإلسبلـ ليصبح مخمكقنا ال صمة لو با﵀‪ ،‬كبالتالي ال صمة تربطو باألخبلؽ التي‬
‫تعتمد عمييا األمـ في حياتيا‪ .‬كلذلؾ تككنكف أنتـ بعممكـ ىذا طميعة الفتح االستعمارم في‬
‫الممالؾ اإلسبلمية‪ .‬كىذا ما قمتـ بو خبلؿ األعكاـ المئة السالفة خير قياـ‪ .‬كىذا ما أىنئكـ‪،‬‬
‫جميعا‪ .»...‬كقد تقدـ في أىداؼ التنصير‪.‬‬
‫ن‬ ‫كتينئكـ دكؿ المسيحية كالمسيحيكف‬
‫كينقؿ عف البابا شنكدة في الخطاب السرم الذم ألقاه في الكنيسة المرقصية في اإلسكندرية‬
‫في شير صفر مف سنة ُّّٗىػ ػ مارس مف سنة ُّٕٗـ‪ ،‬قكلو‪« :‬إنو يجب مضاعفة‬
‫الجيكد التبشيرية الحالية‪ ،‬عمى أف الخطة التبشيرية التي كضعت بنيت عمى أساس أف اليدؼ‬
‫الذم اتفؽ عميو مف التبشير في المرحمة القادمة ىك التركيز عمى التبشير بيف الفئات‬
‫كالجماعات‪ ،‬أكثر مف التبشير بيف األفراد‪ ،‬كذلؾ لزحزحة أكبر عدد مف المسمميف عف دينيـ‪،‬‬
‫أك التمسؾ بو‪ ،‬عمى أف ال يككف مف الضركرم دخكليـ في المسيحية‪ .‬كيككف التركيز في‬
‫بعض الحاالت عمى زعزعة الديف في نفكس المسمميف‪ ،‬كتشكيؾ الجمكع الغفيرة في كتابيـ‪،‬‬
‫كفي صدؽ محمد‪ .‬كاذا نجحنا في تنفيذ ىذا المخطط التبشيرم في المرحمة القادمة‪ ،‬فإننا نككف‬
‫قد نجحنا في إزاحة ىذه الفئات عف طريقنا‪ .‬كحتى ىذه الحالة إف لـ تكف لنا فمف تككف‬
‫(‪)1‬‬
‫عمينا»‬
‫صرح بو أقطاب التنصير‪ ،‬بحيث‬
‫خاصا بالمسمميف ٌ‬
‫ن‬ ‫كلذا َّ‬
‫فإف مفيكـ التنصير اكتسب معنى‬
‫أصبح أداة مف أدكات محاربة اإلسبلـ بإخراج المسمميف منو‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ما يجب أف يعرفو المسمـ مف حقائؽ عف النصرانية كالتبشير‪ :‬إبراىيـ الجبياف‪ ،‬صِٕ‪.‬‬

‫‪-319129‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كعندما تبيف صعكبة إخراج المسمميف مف دينيـ عمد المنصركف إلى اتًٌباع أساليب‬
‫المستشرقيف في بذر الشككؾ في اإلسبلـ لدل المسمميف‪ ،‬كنزع سمطاف الديف مف النفكس‪.‬‬
‫كىذا ما أعمنو المنصركف في أكثر مف مناسبة‪ .‬كمنيا المؤتمر التنصيرم الذم عقد بجبؿ‬
‫الزيتكف في القدس في فمسطيف المحتمَّة سنة ُّْٔىػ ػ ُِٕٗـ (‪.)1‬‬
‫كمع ما تقدـ فبل يصح االستيانة بنتائج الحمبلت التنصيرية في تحكيؿ المسمميف إلى‬
‫النصرانية‪ ،‬كمدل تأثيرىا عمى عقكؿ المسمميف كأذىانيـ‪ ،‬رغـ صعكبة تكافر بيانات عف‬
‫المسمميف الذيف يتنصركف‪ ،‬كيتـ تعميدىـ بالكنائس التي تشترط‪ ،‬التكتـ في ىذا المجاؿ‪ .‬تقكؿ‪:‬‬
‫«آماؿ قرامي»‪« :‬إف المطمع عمى المصادر الحديثة ال يمكنو أف يغض النظر عف ظاىرة‬
‫ساىمت في تحكيؿ عدد مف المسمميف عف دينيـ‪ ،‬كنعني بيا ظاىرة التبشير التي‪ ،‬إف عممت‬
‫جاىدة في البداية عمى عدـ مصادمة الشعكر الديني لممسمميف‪ ،‬إال أنيا سرعاف ما أسفرت عف‬
‫مخططاتيا بداية مف عاـُٖٖٔـ فبل غرك إذف‪ ،‬أف يكثر عدد المقبميف عمى اعتناؽ المسيحية‪،‬‬
‫خاصة بعد أف ضعفت الحالة السياسية في مختمؼ األمصار اإلسبلمية‪ ،‬كتدىكرت الحالة‬
‫االقتصادية‪ ،‬كانتشرت األكبئة في مختمؼ المجتمعات اإلسبلمية»‪.‬‬
‫كالصعكبة في تنصير المسمـ ال تعني‪ ،‬بالضركرة‪ ،‬االستحالة‪ ،‬كالشكاىد عمى ذلؾ قائمة‪،‬‬
‫جميعا في حرص أصحابيا‪ ،‬عف‬ ‫ن‬ ‫«كليس مف الضركرم متابعة كؿ الشكاىد‪ ،‬إذ إنيا تمتقي‬
‫قصد أك عف غير قصد‪ ،‬عمى التقميؿ مف شأف نجاح اإلرساليات التبشيرية»(‪.)2‬‬
‫كىناؾ مف حاكؿ إجراء إحصائية‪ ،‬أك إحصائيات‪ ،‬لعدد المتنصريف‪ ،‬كلكنيا تظؿ دكف‬
‫الكاقع‪ ،‬كممف حاكؿ ذلؾ الدارس «جكدكؿ» كمجمة العالـ اإلسبلمي التي يحررىا «صمكيؿ‬
‫زكيمر»(‪.)3‬‬
‫كبقيت الدعكة إلى إدخاؿ غير النصارل في النصرانية جزنءا مف المفيكـ العاـ لمتنصير‪ ،‬كلـ‬
‫تعد ىي المفيكـ الطاغي عمى ىذه الحركة‪ ،‬لما فييا مف الضيؽ في االستجابة‪ ،‬رغـ كجكد‬
‫اإلمكانات المادية كالبشرية العاممة في مجاؿ التنصير في مفيكمو العاـ‪.‬‬

‫(ُ) لـ تكف فمسطيف في ذلؾ التاريخ محتمة مف الييكد كما ىي عميو اآلف‪ ،‬بؿ كانت محتمة مف نصارل اإلنجميز‪ ،‬إذ‬
‫كانت تحت االنتداب البريطاني‪.‬‬
‫(ِ) انظر قضية الردة في الفكر اإلسبلمي الحديث‪ :‬آماؿ ق ارمي صِِص ِِ‪.ِّ-‬‬
‫(ّ) المنظمة الصييكنية العالمية‪ :‬أسعد عبد الرحمف‪ ،‬ص َِِ‪.‬‬

‫‪-310-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫حماية النصارل‪:‬‬
‫كما أف مف أىداؼ التنصير داخؿ المجتمع النصراني اإلبقاء عمى النصارل داخؿ دينيـ‪،‬‬
‫كظيكر دعكات طائفية مف كاثكليكية كبركتستانتية كأرثكدككسية‪ ،‬تتنافس فيما بينيا لكسب أكبر‬
‫أتباعا ليا‪ .‬كيركز ىذا المفيكـ عمى حماية النصارل مف التيارات‬
‫ن‬ ‫عدد ممكف مف النصارل‬
‫األخرل الجديدة مف أف تككف ذات تأثير عمى النصرانية‪ ،‬كما أنو يركز عمى حماية النصارل‬
‫طائفيا‪ ،‬بحيث ال يخرج النصراني مف طائفة نصرانية إلى أخرل(‪.)1‬‬
‫ن‬
‫كسائؿ التبشير‪:‬‬
‫ُ‪ -‬التعميـ في رياض األطفاؿ كالمدارس كالجامعات‪:‬‬
‫أنفقت المؤسسات التبشيرية األمكاؿ الكثيرة‪ ،‬كأرسمت آالؼ المبشريف إلى مؤسسات تعميمية‬
‫انتياء بالجامعات‪ ،‬بيدؼ ترسيخ سمكـ‬
‫ابتداء مف رياض األطفاؿ‪ ،‬ك ن‬
‫ن‬ ‫لجميع المراحؿ العمرية‬
‫مصاؼ الرجاؿ أك النساء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫التبشير في نفكس األجياؿ منذ نعكمة أظفارىـ حتى يصبحكا في‬
‫كىي خطكة ميمة عمى طريؽ تغريب األجياؿ المسممة‪ ،‬كاضعاؼ عقيدتيا‪ .‬قاؿ الدكتكر‬
‫نبركز رئيس الجامعة األمريكية في بيركت ُْٓٗـ‪« :‬لقد برىف التعميـ عمى أنو أثمف الكسائؿ‬
‫التي استطاع المبشركف أف يمجؤكا إلييا في سعييـ لتنصير سكرية كلبناف»‪.‬‬
‫أما المبشرة آنا ميميغاف فقالت في القاىرة‪« :‬في صفكؼ كمية البنات في القاىرة بنات آباؤىـ‬
‫باشكات كبككات‪ ،‬كليس ثمة مكاف آخر يمكف أف يجتمع فيو ىذا العدد مف البنات المسممات‬
‫تحت النفكذ المسيحي‪ ،‬كليست ثمة طريؽ إلى حصف اإلسبلـ أقصر مسافة مف ىذه‬
‫المدرسة»‪.‬‬
‫كيمتحؽ بمؤسسات التعميـ المراكز الثقافية كالمكتبات األجنبية التي تبدكا بأنيا مؤسسات‬
‫أف باطنيا نشر األفكار كالثقافة الغربية مع الدعاية لممسيحية‪ ،‬كمنيا كذلؾ‬
‫عممية‪ ،‬غير ٌ‬
‫البعثات التعميمية المجانية عمى حساب بعض المؤسسات األجنبية‪.‬‬
‫ِ‪ -‬التطبيب كالتمريض‪:‬‬

‫(ُ) راجع أجنحة المكر الثبلث صِٕ‪ ،ِّ-‬االتجاىات الفكرية المعاصرة‪ :‬صِّ‪ ،َّ-‬عقائد كتيارات فكرية معاصرة‬
‫صُٓٗ‪ َِْ-‬قكل الشر المتحالفة صٕٗ‪ ،َُّ-‬حاضر العالـ اإلسبلمي صّٗ‪ّْ-‬‬

‫‪-313131‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫استغؿ المبشركف مينة الطب كالتمريض مف أجؿ نفذ سمكميـ‪ ،‬كبث دعايتيـ بيف‬
‫المسمميف‪ ،‬فحرصكا عمى إقامة المستشفيات كالمستكصفات كالعيادات الطبية التي أشرؼ عمييا‬
‫منصركف مف أطباء كممرضيف يداككف الناس باسـ المسيح‪.‬‬
‫ّ‪ -‬كسائؿ اإلعبلـ المختمفة مف طباعة كصحافة كاذاعة‪...‬إلخ‪:‬‬
‫كاف المنصركف أكؿ مف أدخؿ الطباعة إلى العالـ اإلسبلمي مف أجؿ تيسير ميمتيـ في‬
‫مجانا تحاكؿ زعزعة العقيدة مستغميف‬
‫ن‬ ‫بث دعايتيـ‪ ،‬كنشر أفكارىـ بنشر كتيبات كنشرات تكزع‬
‫جيؿ المسمميف بدينيـ‪ ،‬كقمة اطبلعيـ‪.‬‬
‫ككانت أىـ ىذه المطابع‪ :‬المطبعة األمريكية ببيركت‪ ،‬كالمطبعة الكاثكليكية‪.‬‬
‫كما حرص المبشركف عمى استخداـ كؿ كسائؿ اإلعبلـ كاإلذاعة كشرائط الكاسيت‪ ،‬كشرائط‬
‫الفيديك‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ْ‪ -‬الجمعيات االجتماعية ػ اإلغاثية‪ ،‬كالرياضية كالمينية‪:‬‬
‫لعبت المؤسسات التنصيرية عمى استغبلؿ حاجات الناس بشكؿ ذكي إذ استغمت حاجتيـ‬
‫لمخدمات االجتماعية مثؿ مساعدة المحتاجيف مف الفقراء كالعجزة كذكم العاىات‪ ،‬كتدريب‬
‫الطمبة المينييف عمى مختمؼ الحرؼ‪ ،‬كحاجة المجتمع إلى المؤسسات الرياضية‪ ،‬فأقامت‬
‫مثاال عمى ذلؾ في‬
‫بإنشاء المئات مف ىذه المؤسسات في مختمؼ ببلد اإلسبلـ‪ .‬كلك ضربنا ن‬
‫أف عدد‬ ‫و‬
‫خمس كعشريف سنة لكجدنا ٌ‬ ‫أرض األفغاف اليكـ التي عانت مف الحركب ألكثر مف‬
‫الجمعيات اإلسبلمية العاممة في اإلغاثة ال يزيد عف سبع جمعيات‪ ،‬في مقابؿ مائتيف كخمسيف‬
‫جمعية إغاثة تنصيرية مف مجمكع ستمائة جمعية إغاثية‪.‬‬
‫بيذه الكسائؿ ترل أف الحركة التنصيرية تحاكؿ الكصكؿ إلى جميع شرائح المجتمع الرجاؿ‬
‫(‪)1‬‬
‫كالنساء‪ ،‬الشباب كالفتيات كالشيكخ‪ ،‬كاألغنياء كالفقراء‬
‫حقائؽ عف التنصير‪:‬‬
‫جاء في نشرة َّ‬
‫كزعتيا الندكة العالمية لمشباب اإلسبلمي قبؿ عاـ َََِـ أف عدد النصارل‬
‫احدا كعشريف مميكف نسمة‪ ،‬كبمغ عدد المنظمات التنصيرية‬
‫مميار كسبعمئة كك ن‬
‫نا‬ ‫في العالـ يبمغ‬

‫(ُ) راجع أجنحة المكر الثبلث صَٔ‪ ،ٕٗ-‬عقائد كتيارات فكرية معاصرة صََِ‪ ،ُُِ-‬أساليب الغزك الفكرم صَّ‪،ّْ-‬‬
‫دراسات في الثقافة اإلسبلمية صِٔ‪ ،ِٗ-‬حاضر العالـ اإلسبلمي صّْ‪ ،ْٖ-‬التنصػير‪ :‬مفيكمو كأىدافو ككسائمو كسبؿ‬
‫مكاجيتو‪ :‬عمي بف إبراىيـ الحمد النممة‪ ،‬الطبعة الثالثة ُِْْىػ‪ََِّ-‬ـ‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪-311-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫في العالـ‪ :‬أربعة كعشريف ألفنا‪ ،‬كخمسمئة كثمانيف منظمة‪ ،‬كعدد المنظمات العاممة في‬
‫مجاالت الخدمة يزيد عف عشريف ألفنا كسبع مئة منظمة‪ ،‬كيبمغ عدد المنظمات التي تبعث‬
‫منصريف متخصصيف في مجاالت التنصير كاإلغاثة ثبلثة آالؼ كثمانمئة كثمانيف منظمة‪،‬‬
‫معيدا تنصيرنيا‪،‬‬
‫ن‬ ‫كيزيد عدد المعاىد التنصيرية عمى ثمانية كتسعيف ألفنا كسبعمئة كعشريف‬
‫كيبمغ عدد المنصريف المتفرغيف لمعمؿ خارج إطار المجتمع النصراني أكثر مف مئتيف كثبلثة‬
‫منصرا‪.‬‬
‫ن‬ ‫كسبعيف ألفنا كسبعمئة كسبعيف (َٕٕ‪)ِّٕ.‬‬
‫كيزيد عدد الكتب المؤلفة ألغراض التنصير عف اثنيف كعشريف ألفنا كمئة كتاب في لغات‬
‫كليجات متعددة‪ ،‬كبمغ عدد النشرات كالمجبلت الدكرية المنتظمة ألفيف كمئتيف كسبعيف‬
‫(َِٕ‪ )ِ.‬نشرة كمجمة‪َّ ،‬‬
‫تكزع منيا مبلييف النسخ بمغات مختمفة‪ ،‬كيزيد عدد محطات اإلذاعات‬
‫التنصيرية عمى ألؼ كتسع مئة إذاعة‪ ،‬تبث إلى أكثر مف مئة دكلة كبمغاتيا‪.‬‬
‫كذكرت النشرة أف مجمكع التبرعات التي حصؿ عمييا المنصركف لعاـ كاحد حكالي مئة‬
‫ككاحد كخمسيف مميار دكالر أمريكي‪ ،‬مع العمـ أف ىناؾ إحصائيات لمتبرعات تفكؽ الرقـ‬
‫المذككر بكثير‪.‬‬
‫كال غرابة في ىذا التبايف في األرقاـ‪ ،‬فذلؾ راجعه إلى نكعية المصادر التي يستأنس بيا‬
‫مكردك ىذه اإلحصائيات‪ .‬كعمى أم حاؿ فاألرقاـ كاإلحصاءات عالية‪ ،‬كمتغيرة بسرعة عجيبة‪،‬‬
‫لتطكر ظاىرة التنصير كأساليبو في نشر التنصير بيف الناس بعامة‪.‬‬
‫نظر ُّ‬
‫نا‬

‫‪-311133‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫المطمب الثاني‪:‬‬
‫الستشراق‬
‫الستشراق لغة‪ :‬لك أرجعنا ىذه الكممة إلى أصميا لكجدناىا مأخكذة مف كممة شرؽ ثـ أضيؼ‬
‫إلييا ثبلثة حركؼ ىي األلؼ كالسيف كالتاء‪ ،‬كمعناىا طمب الشرؽ‪ ،‬أم طمب عمكـ الشرؽ كآدابو‬
‫كلغاتو كأديانو‪ .‬كلعؿ ىذا التعريؼ المغكم بالنسبة لمغة العربية‪ ،‬أما في المغات األكركبية فميا‬
‫تعريؼ آخر يدؿ عمى أف المقصكد بالشرؽ ليس الشرؽ الجغرافي‪ ،‬كانما الشرؽ المقترف بمعنى‬
‫الشركؽ كالضياء كالنكر كاليداية‪ .‬كىذا ما أكده األستاذ سيد محمد الشاىد بعد رجكعو إلى المعاجـ‬
‫المغكية األكركبية (األلمانية كالفرنسية كاإلنجميزية) ليبحث في كممة شرؽ ‪ ORIENT‬فكجد أنو يشار‬
‫إلى منطقة الشرؽ المقصكدة بالدراسات الشرقية بكممة تتميز بطابع معنكم كىك ‪Morgenland‬‬
‫كتعني ببلد الصباح‪ ،‬كمعركؼ أف الصباح تشرؽ فيو الشمس‪ ،‬كتدؿ ىذه الكممة عمى تحكؿ مف‬
‫المدلكؿ الجغرافي الفمكي‪ ،‬إلى التركيز عمى معنى الصباح‪ ،‬الذم يتضمف معنى النكر كاليقظة‪،‬‬
‫كفي مقابؿ ذلؾ نستخدـ في المغة كممة ‪ Abendland‬كتعني ببلد المساء لتدؿ عمى الظبلـ‬
‫(ُ)‬
‫كالراحة‪».‬‬
‫في البلتينية تعني كممة ‪ :Orient‬يتعمـ أك يبحث عف شيء ما‪ ،‬كبالفرنسية تعنى كممة‬
‫كجو أك ىدل أك أرشد‪ ،‬كباإلنجميزية ‪ Orientation‬ك‪ orientate‬تعني «تكجيو الحكاس‬
‫‪ٌ Orienter‬‬
‫نحك اتجاه أك عبلقة ما في مجاؿ األخبلؽ أك االجتماع أك الفكر أك األدب نحك اىتمامات‬
‫شخصية في المجاؿ الفكرم أك الركحي»‪ .‬كمف ذلؾ أف السنة األكلى في بعض الجامعات‬
‫تسمى السنة اإلعدادية ‪ Orientation‬كفي األلمانية تعني كممة ‪ Sich Orientiern‬يجمع‬
‫ٌ‬
‫(ِ)‬
‫معمكمات (معرفة) عف شيء ما‪.‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫الستشراق‬

‫الدراسات التي يقكـ بيا غير المسمميف لعمكـ الشرقييف ‪ -‬خاصة المسمميف‪ -‬كلغاتيـ‬
‫كأديانيـ كتاريخيـ كأكضاعيـ االجتماعية كالثقافية كالسياسية كاالقتصادية‬

‫(ُ) االستشراؽ كمنيجية النقد عند المسمميف المعاصريف‪ :‬السيد محمد الشاىد ‪ -‬االجتياد عدد ِِ‪ ،‬السنة السادسة‪ ،‬عاـ‬
‫ُُْْىػ‪ُْٗٗ -‬ـ‪ .‬صُُٗ‪.ُُِ-‬‬
‫(ِ) المرجع نفسو‪ ،‬ص ُٕٗ‪.‬‬

‫‪-314-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫والمستشرق ىو‪ :‬مف يشتغؿ بدراسة عمكـ الشرؽ كتاريخو كحضارتو كأكضاعو االجتماعية‬
‫كالسياسية كاالقتصادية(ُ)‪.‬‬

‫تميز متعمؽ بكجكد‬


‫كيعرؼ إداكرد سعيد االستشراؽ فيقكؿ‪« :‬أسمكب في التفكير مبني عمى ٌ‬
‫(ِ)‬
‫أيضا‪:‬‬
‫المعرفة بيف «الشرؽ» (معظـ الكقت) كبيف الغرب» كقاؿ ن‬
‫«نكع مف اإلسقاط الغربي عمى الشرؽ كارادة حكـ الغرب لمشرؽ» (ّ)‪.‬‬

‫إف االستشراؽ ىك كؿ ما يصدر عف الغربييف مف أكركبييف (شرقييف‬ ‫كيمكننا القكؿ‪ٌ :‬‬


‫كغربييف بما في ذلؾ ركسيا كالسكفييت سابقنا) كأمريكييف مف دراسات أكاديمية (جامعية)‬
‫تتناكؿ قضايا اإلسبلـ كالمسمميف في العقيدة‪ ،‬كفي الشريعة‪ ،‬كفي االجتماع‪ ،‬كفي السياسة أك‬
‫الفكر أك الفف‪ ،‬كما يمحؽ باالستشراؽ كؿ ما تبثو كسائؿ اإلعبلـ الغربية سكاء بمغاتيـ أك‬
‫بالمغة العربية مف إذاعات أك تمفاز أك أفبلـ سينمائية أك رسكـ متحركة أك قنكات فضائية‪ ،‬أك‬
‫ما تنشره صحفيـ مف كتابات تتناكؿ المسمميف كقضاياىـ‪ .‬كما أف مف االستشراؽ ما يخفى‬
‫عمينا‪ ،‬مما يقرره الباحثكف كالسياسيكف الغربيكف في ندكاتيـ كمؤتمراتيـ العمنية أك السرية‪.‬‬
‫كيمكننا أف نمحؽ باالستشراؽ ما يكتبو النصارل العرب مف أقباط كماركنييف كغيرىـ ممف‬
‫ينظر إلى اإلسبلـ مف خبلؿ المنظار الغربي‪ .‬كالبد أف نمحؽ باالستشراؽ ما ينشره الباحثكف‬
‫كثير مف أفكار المستشرقيف‪ ،‬حتى إف‬
‫المسممكف الذيف تتممذكا عمى أيدم المستشرقيف كتبنكا نا‬
‫بعض ىؤالء التبلميذ تفكؽ عمى أساتذتو في األساليب كالمناىج االستشراقية‪ .‬كيدؿ عمى ذلؾ‬
‫احتفاؿ دكر النشر االستشراقية بإنتاج ىؤالء كنشره بالمغات األكركبية عمى أنيا بحكث عممية‬
‫رصينة أك ما يترجمكنو مف كتابات بعض العرب كالمسمميف إلى المغات األكركبية (ْ)‪.‬‬

‫(ُ) المستشرقكف البريطانيكف‪ :‬آربرم‪ ،‬تعريب محمد الدسكقي النكييي‪ .‬صٖ‪.‬‬


‫ثـ قسمكا الشرؽ‬
‫ألنيـ قسمكا العالـ إلى شرؽ كغرب‪ٌ ،‬‬‫تنبيو‪ :‬مصطمح الشرؽ يرجع في أصؿ كضعو إلى مفكرم الغرب‪ٌ ،‬‬
‫إلى أدنى كأكسط كأقصى‪ ،‬كيطمؽ لفظ الشرؽ عادة عمى المنطقة العربية كشعكب آسيا كأفريقيا‪ ،‬أما مصطمح‬
‫الشرؽ األكسط فيطمقو الغربيكف عادة عمى المنطقة العربية فقط‪ ،‬حتى يدخمكا فيو إسرائيؿ‪ ،‬كىي دكلة غير عربية‪.‬‬
‫كفي العصر الحاضر أطمؽ الغرب عمى ببلد الشرؽ مصطمح دكؿ العالـ الثالث‪.‬‬
‫(ِ) إدكارد سعيد ‪.Orientalism (New York: Vintage Books, 1979) p. 2‬‬
‫(ّ) المرجع نفسو ص ِٗ‪.‬‬
‫(ْ) مف أمثاؿ ذلؾ ما نشر لمحمد عبد الحي شعباف‪ ،‬كنكاؿ السعداكم‪ ،‬كفاطمة مرنيسي‪ ،‬كفضؿ الرحمف‪ ،‬كعزيز‬
‫العظمة‪ ،‬كغيرىـ كثير؛ حيث قامت دكر النشر الجامعية لكبريات الجامعات الغربية؛ كبخاصة األمريكية‪ ،‬بنشر‬
‫إنتاج ىؤالء كتركيجو‪.‬‬

‫‪-315135‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫عمكما التي تضـ اليند كجنكب شرؽ آسيا‬


‫ن‬ ‫ككاف االستشراؽ كمازاؿ ييتـ بالشعكب الشرقية‬
‫كالصيف كالياباف كككريا‪ .‬كعند مراجعة النشاطات االستشراقية نجد أف ىذه المناطؽ نالت‬
‫كبير في الدراسات االستش ارقية‪ .‬كلكنيا عندما بدأت دراسة المناطؽ‪ ،‬أك الدراسات‬
‫اىتماما نا‬
‫ن‬
‫اإلقميمية‪ ،‬أصبحت تخصص بدراسات خاصة بيا مثؿ الدراسات الصينية‪ ،‬أك الدراسات‬
‫اليندية‪ ،‬أك الدراسات اليابانية‪ .‬أما األصؿ فكانت كميا تضـ تحت مصطمح كاحد ىك‬
‫االستشراؽ‪.‬‬

‫أىداف الستشراق‪:‬‬

‫البد مف التنكيو أكنال كنحف نتحدث عف أىداؼ المستشرقيف أنو ليس كؿ المستشرقيف رىباف‬
‫كقساكسة‪ ،‬بؿ منيـ المنطمؽ مف عقائده الدينية‪ ،‬كىـ مف النصارل أك الييكد‪ ،‬كمنيـ عممانيكف‬
‫أك مبلحدة‪ ،‬كمع اختبلؼ مدارس االستشراؽ‪ ،‬غير أننا نعتقد جازميف أف ىذه المدارس‬
‫المختمفة تخدـ أىدافنا كاحدة‪ ،‬استعمارية‪ ،‬كتنصيرية كصييكنية‪ ،‬لماذا؟‬
‫أول‪ :‬ألف العممانييف مف المستشرقيف لـ يستطيعكا بحاؿ أف يتخمكا عف ميكليـ الكنسية‪،‬‬
‫ً‬
‫رسميا‪ ،‬كفي أكثر‬
‫ن‬ ‫خاصة فيما يتعمؽ بإنتاجيـ العممي حكؿ العالـ اإلسبلمي‪ ،‬كاف كانكا يعمنكف‬
‫مف مجاؿ أنيـ عممانيكف‪ ،‬يرفضكف التقيد بديف معيف‪ .‬فيذا ينطبؽ عمى ممارساتيـ في حياتيـ‬
‫عمميا تطبيؽ عممانيتيـ عمى إنتاجيـ الفكرم‪.‬‬
‫الخاصة‪ ،‬كيصعب عمييـ ن‬
‫ثانيا‪ :‬أف التنصير استفاد مف المستشرقيف الييكد فائدة جميمة كاف تكف فائدة غير مباشرة‬
‫ً‬
‫كترجع ىذه الفائدة إلى االرتباط الكثيؽ بيف الصييكنية كالييكدية‪ ،‬كاالرتباط الكثيؽ بيف‬
‫الصييكنية ككثير مف رجاؿ الديف المسيحي‪ .‬كعميو نشأت العبلقة الكثيقة بيف المسيحية‬
‫معمنا عنيا‪ .‬كيكفي أف نعمـ أف زعيـ المنصريف كىك‬
‫كالييكدية‪ ،‬كاف لـ تبد ىذه العبلقة بارزة ن‬
‫ييكديا‪ ،‬كأنو قد استدعى أحد الحاخامات‬
‫ن‬ ‫أيضا ػ صمكئيؿ زكيمر ػ كاف في األصؿ‬
‫مستشرؽ ن‬
‫عند احتضاره‪ .‬لعمو أراد أف يمقنو صمكات الييكدية عند المكت (ُ)‪.‬‬

‫واليكم أىم أىداف المستشرقين‪:‬‬

‫(ُ) انظر بحث االستشراؽ في خدمة التنصير كالييكدية‪ :‬د‪ .‬عمي إبراىيـ نخمة‪.‬‬

‫‪-316-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أول‪ :‬التشكيك بالدين اإلسالمي وذلك عن طريق‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ -1‬التشكيؾ في ظاىرة الكحي‪ ،‬كمحاكلة تأكيميا‪ ،‬كاالدعاء بأف القرآف ليس مف عند هللا‪ ،‬كانما‬
‫أخذه محمد ‪ ‬عف الييكد كالنصارل‪ ،‬أك إنو مف قاـ بتأليفو‪ ،‬كاف ما فيو مف األمكر الغيبية‬
‫كالمستقبمية ترجع إلى عبقريتو ‪‬‬

‫‪ -2‬التشكيؾ بنبكة النبي ‪ ،‬كالطعف في ركاة الحديث النبكم مف الصحابة كالتابعيف ليصمكا‬
‫إلى التشكيؾ في حديث النبي محمد ‪.‬‬

‫‪ -3‬الزعـ بأف الفقو اإلسبلمي مستمد مف التشريعات الركمانية‪.‬‬

‫‪ -4‬إثارة الشبيات حكؿ بعض القضايا اإلسبلمية كالميراث كالطبلؽ كتعدد الزكجات كحرية‬
‫المرأة‪.‬‬

‫‪ -5‬زعميـ أف اإلسبلـ ديف ال ركح فيو‪ ،‬كليس فيو محبة أك صفاء‪ ،‬كزعميـ أف اإلسبلـ‬
‫يدعك إلى الحيكانية‪ ،‬كاالستغراؽ في الممذات‪.‬‬

‫‪ -6‬اإلشادة في بحكثيـ ككتاباتيـ بالمرتديف كالمارقيف مف أصحاب المبادئ المنحرفة كالفرؽ‬


‫الضالة كمف أجؿ ذلؾ قامكا‪:‬‬
‫(ِ)‬ ‫(ُ)‬
‫كسائر الفرؽ‬ ‫كالقرامطة‬ ‫أ‪ -‬اىتمكا بالمخطكطات التي عثركا عمييا حكؿ اإلسماعيمية‬
‫الباطنية حيث قامكا بتحقيؽ ىذه المخطكطات كنشرىا‪.‬‬
‫(ْ)‬ ‫(ّ)‬
‫كغيرىـ عمى أنيـ شيداء رأم‪،‬‬ ‫كابف عربي‬ ‫ب ػ صكركا المرتديف أمثاؿ الحبلج‬

‫اإلسماعيمية فرقة باطنية‪ ،‬انتسبت إلى اإلماـ إسماعيؿ بف جعفر الصادؽ‪ ،‬ظاىرىا التشيع آلؿ البيت‪ ،‬كحقيقتيا ىدـ‬ ‫(ُ)‬
‫عقائد اإلسبلـ‪ ،‬تشعبت فرقيا كامتدت عبر الزماف حتى كقتنا الحاضر‪ ،‬كعقيدتيا تخالؼ العقائد اإلسبلمية الصحيحة‪،‬‬
‫أعضاء ىىا‪.‬‬
‫ى‬ ‫أف الشيعة االثني عشرية يك ًفٌركف‬ ‫الغمك‪ ،‬الشديد لدرجة َّ‬ ‫كقد مالت إلى ًٌ‬
‫ىي فرقة منشقة عف اإلسماعيمية‪ ،‬تنتسب إلى حمداف بف األشعث‪ ،‬كيمقب بقرمط لقصر قامتو كساقيو‪ ،‬كىك مف‬ ‫(ِ)‬
‫خكزستاف في األىكاز‪ ،‬ثـ رحؿ إلى الككفة‪ .‬كقد اعتمدت ىذه الحركة التنظيـ السرم العسكرم‪ ،‬ككاف ظاىرىا التشيع‬
‫آلؿ البيت‪ ،‬كاالنتساب إلى محمد بف إسماعيؿ بف جعفر الصادؽ‪ ،‬كحقيقتيا اإللحاد‪ ،‬كاإلباحية كىدـ األخبلؽ‪،‬‬
‫كالقضاء عمى الدكلة اإلسبلمية‪.‬‬
‫ىك الحسيف بف منصكر‪ ،‬ككنيتو ابك مغيث‪ِْْ .‬ىػ ‪َّٗ-‬ىػ قتؿ مرتدان؛ قاؿ ابف تيمية‪َّ " :‬إنما قىتىميكه ىعمىى ا ٍلحمي ً‬
‫كؿ‬ ‫(ّ)‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ى‬
‫ض‪.‬‬‫اء كًالىوه ًفي األ ٍىر ً‬‫السم ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫اَّللي‪ .‬ىكقى ٍكلو‪ :‬إلىوه في َّ ى ى‬ ‫اإللٍ ىح ًاد ىكقى ٍكلً ًو‪ :‬أىىنا َّ‬
‫الزٍن ىدقى ًة ك ً‬
‫ى‬
‫ً‬
‫ؾ ًم ٍف ىمقىاالت أ ٍ‬
‫ىى ًؿ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىكاالتّْ ىحاد ىكىن ٍح ًك ىذل ى‬
‫كبةه إلىٍي ًو ًفي ّْ‬
‫الس ٍح ًر"‪.‬‬ ‫ب ىم ٍن يس ى‬ ‫ت لىوي مخاريؽ ىكأ ٍىن ىكاعه ًم ٍف ّْ‬
‫الس ٍح ًر ىكلىوي يكتي ه‬ ‫بلج ىك ىان ٍ‬
‫ىكا ٍل ىح ي‬
‫محمد بف عمي بف محمد بف عربي الطائي األندلسي‪ ،‬كلد عاـ ٖٓٓىػ‪ ،‬قاؿ ابف تيمية‪" :‬ابف عربي صاحب فصكص‬ ‫(ْ)‬

‫‪-317137‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كأصحاب فكر حر مستنير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬محاربة المغة العربية وآدابيا‪ ،‬وذلك‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ -1‬اتياميا بعدـ المركنة‪ ،‬كعدـ قدرتيا عمى مسايرة التطكر‪.‬‬

‫‪ -2‬محاكلة استبداليا بالميجات العامية‪.‬‬

‫‪ -3‬زعميـ أف المغة الفارسية أفضؿ مف المغة العربية‪...‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التشكيك بقيمة الحضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ -1‬بادعاء أنيا مستمدة مف الحضارات السابقة‪.‬‬

‫‪ -2‬زرع ركح الشؾ في تراث األمة كتاريخ المسمميف كتصكيره عمى أنو مجمكعة مف األحداث‬
‫الدمكية كالصراعات مف أجؿ السيطرة كالنفكذ كالماؿ‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬إضعاف وحدة األمة اإلسالمية‪:‬‬
‫رً‬
‫عف طريؽ‪ :‬إحياء القكميات‪ ،‬كالنعرات الجاىمية كالفرعكنية‪ ،‬كالفنيقية‪ ،‬كالبربرية(ُ)‪.‬‬

‫وسائل المستشرقين‪:‬‬

‫اتخذ المستشرقكف عدة كسائؿ لتحقيؽ مآربيـ في النيؿ مف عقيدة األمة كاضعافيا كالسيطرة‬
‫عمييا ككاف أىميا‪:‬‬

‫ُ‪ -‬تأليؼ الكتب في مكاضيع إسبلمية مختمفة‪ ،‬كاصدار المكسكعات اإلسبلمية بيدؼ دس‬
‫السـ في الدسـ أك العسؿ ‪ -‬كما يقكلكف ‪ -‬كمف أىميا‪:‬‬

‫أ‪ -‬تاريخ األدب العربي لػ كارؿ برككمماف ت ُٔٓٗـ‪.‬‬

‫كثيرا‪ ،‬كألنو ال يثبت عمى االتحاد‬


‫كفرا‪ ،‬فيك أقربيـ إلى اإلسبلـ لما يكجد في كبلمو مف الكبلـ الجيد ن‬
‫الحكـ كىى مع ككنيا ن‬
‫ثبات غيره‪ ،‬بؿ ىك كثير االضطراب فيو‪ ،‬كانما ىك قائـ مع خيالو الكاسع الذم يتخيؿ فيو الحؽ تارة‪ ،‬كالباطؿ أخرل‪ ،‬كهللا‬
‫أعمـ بما مات عميو"‪ .‬كقاؿ أبك زرعة العراقي‪" :‬ال شؾ في اشتماؿ "الفصكص" المشيكرة عمى الكفر الصريح الذم ال شؾ‬
‫صح صدكر ذلؾ عنو‪ ،‬كاستمر عميو إلى كفاتو‪ :‬فيك كافر مخمد في النار ببل‬ ‫فيو‪ ،‬ككذلؾ « فتكحاتو المكية» ‪ ،‬فإف ٌ‬
‫شؾ»‪.‬‬
‫(ُ) راجع الفكر اإلسبلمي الحديث كصمتو باالستعمار الغربي صّْ‪ ،ُْٖ-ُْٕ ،‬أجنحة المكر الثبلث صْٗ‪،ٕٗ-‬‬
‫أساليب الغزك الفكرم ص ُِ‪.ِٔ-‬‬

‫‪-318-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ب‪ -‬دائرة المعارؼ اإلسبلمية حيث صدرت الطبعة األكلى منيا عاـُُّٗـ كلغاية‬
‫ُّٖٗـ‪.‬‬

‫جػ‪ -‬المعجـ المفيرس أللفاظ الحديث الشريؼ‪ :‬قاـ بتأليفو جماعة مف المستشرقيف ليسيؿ‬
‫عمييـ الكصكؿ إلى األحاديث بسيكلة‪.‬‬

‫ِ‪ -‬إصدار المجبلت الخاصة ببحكث حكؿ اإلسبلـ كالمسمميف‪ ،‬كنشر المقاالت كالكتابة‬
‫في الصحؼ‪ ،‬كمف ىذه المجبلت‪:‬‬

‫أ‪ -‬مجمة العالـ اإلسبلمي كمؤسسيا صمكيؿ زكيمر ُِٓٗـ‪.‬‬

‫ب‪ -‬مجمة عالـ اإلسبلـ ُُِٗـ بطرسبرج ‪ -‬ركسيا كقد تكقفت عف الصدكر‪.‬‬

‫ّ‪ -‬إلقاء المحاضرات في الجامعات كالجمعيات العممية حيث تخرج عمى أيدييـ معظـ قادة‬
‫تيار التغريب كالعممنة في العالـ اإلسبلمي‪.‬‬

‫ْ‪ -‬إمداد إرساليات المبشريف بأصحاب الخبرة مف المستشرقيف‪.‬‬

‫ٓ‪ -‬إمداد الدكؿ االستعمارية باألفكار كالخطط البلزمة كالخبرات لمسيطرة عمى العالـ‬
‫اإلسبلمي‪.‬‬

‫ٔ‪ -‬عقد المؤتمرات التي يتبادؿ فييا المستشرقكف الخبرات فيما بينيـ‪ .‬ككاف منيا‪ :‬الجمعية‬
‫اآلسيكية في باريس ُِِٖـ‪ .‬كالجمعية الممكية اآلسيكية في بريطانيا كايرلندا ُِّٖـ‪.‬‬
‫الجمعية الشرقية األمريكية ُِْٖـ‪.‬‬

‫دكافع االستشراؽ(ُ)‪:‬‬

‫أول‪ :‬الدوافع الدينية‪:‬‬


‫ً‬
‫يمكن أن نقسم الدافع الديني لالستشراق إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أول‪ :‬دافع الكنيسة نحك عمكـ الشرؽ‪ ،‬بسبب ما رأكه مف قكة اإلسبلـ في االنتشار كالتأثير‪،‬‬
‫ً‬
‫كما يقكؿ آصؼ حسيف‪:‬‬

‫إف رجاؿ الديف النصارل أركا قكة اإلسبلـ كاندفاع كثير مف النصارل لمدخكؿ فيو‪ ،‬كاستيبلء‬

‫(ُ) انظر كتاب االستشراؽ‪ :‬د‪ .‬مازف بف صبلح مطبقاني‪.‬‬

‫‪-319139‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫اإلسبلـ عمى أراض كانت النصرانية ىي الديف الكحيد فييا حتى أصبح النصارل قمة‪ ،‬فخاؼ‬
‫ىؤالء عمى مكانتيـ‪ ،‬كمكاسبيـ الدنيكية كالدينية‪ ،‬مما أجج أحقادىـ‪ ،‬فكاف البد أف يقفكا في‬
‫(ُ)‬
‫كجو اإلسبلـ‪ ،‬حيث إنو ليس في اإلسبلـ طبقة رجاؿ ديف أك أكميركس كما في النصرانية‪.‬‬
‫أف أكؿ مستشر و‬
‫ؽ كاف الراىب األعظـ لركما في كقتو‪ ،‬كلقد خرج معظـ المستشرقيف‬ ‫كرأينا ٌ‬
‫مف الكنيسة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خركج رجاؿ الديف الييكدم الذيف انضمكا لبلستشراؽ لتحقيؽ ذات األىداؼ التي‬‫ً‬
‫انطمؽ مف أجميا االستشراؽ الكنسي‪ ،‬كإلنشاء دكلة ييكدية ليـ في فمسطيف‪.‬‬

‫دافعا كىدفنا مف جممة الدكافع‬


‫ثالثاُ‪ :‬مف أىـ دكافع االستشراؽ كأىدافو التنصير‪ ،‬الذم كاف ن‬
‫أف ًمف ىبيف عشريف مف تسعة‬ ‫كاألىداؼ الدينية لبلستشراؽ‪ .‬فمف خبلؿ اإلحصائيات يتبيف َّ‬
‫ىبانا أك عامميف في األديرة(ِ)‪ .‬كيفرد‬
‫كعشريف مف طبلئع المستشرقيف كانكا منصريف أك ر ن‬
‫كامبل عف المستشرقيف الرىباف كىـ مكزعكف عمى النحك التالي‪:‬‬
‫ن‬ ‫فصبل‬
‫ن‬ ‫نجيب العقيقى(ّ)‪،‬‬
‫الرىباف البندكتيكف‪ -‬الرىباف الكرمميكف‪ -‬الرىباف اليسكعيكف‪ -‬الرىباف الفرنسيسكاف ‪ -‬الرىباف‬
‫الدكمنيكيكف ‪ -‬الرىباف الكيكشيكف ‪ -‬الرىباف البيض‪.‬‬

‫اىبا‪%ٕٓ ،‬‬
‫كقد كصؿ عدد المستشرقيف الرىباف إلى مئة كاثنيف كثبلثيف (ُِّ) مستشرقنا ر ن‬
‫منيـ عاشكا في القرف العشريف‪.‬‬

‫لقد كاف غاية اليدؼ الديني لبلستشراؽ‪:‬‬

‫أ‪ -‬ىي معرفة اإلسبلـ لمحاربتو كتشكييو‪.‬‬

‫ب‪ -‬إبعاد النصارل عنو‪.‬‬

‫جػ‪ -‬المعرفة باإلسبلـ ككسيمة لحمبلت التنصير التي انطمقت إلى الببلد اإلسبلمية‪.‬‬

‫جدا‪ ،‬حتى إف‬


‫لذلؾ فإف الكتابات النصرانية المبكرة كانت مف النكع المتعصب كالحاقد ن‬

‫(ُ) المسار الفكرم لبلستشراؽ‪ :‬آصؼ حسيف ‪ -‬ترجمة مازف مطبقاني‪ ،‬مجمة جامعة اإلماـ محمد بف سعكد اإلسبلمية‪.‬‬
‫العدد السابع ربيع الثاني ُُّْ‪ ،‬ص ٔٔٓ ‪.ِٓٗ -‬‬
‫(ِ) المستشرقكف‪ :‬نجيب العقيقى‪ ،‬القاىرة ‪ -‬دار المعارؼ ط َُٖٗـ‪ ،‬جُ‪.ُِٓ-َُُ/‬‬
‫(ّ) المصدر السابؽ‪ :‬جّ‪.ُّٔ-ِْٗ/‬‬

‫‪-340-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫نقدا عنيفنا الستشراؽ العصكر األكركبية‬


‫بعض الباحثيف الغربييف في العصر الحاضر كتب ن‬
‫الكسطى مف أمثاؿ نكرماف دانياؿ ‪ Norman Daniel‬في كتابو اإلسبلـ كالغرب‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدوافع الستعمارية والسياسية‪:‬‬


‫ً‬
‫خدـ االستشراؽ األىداؼ السياسية التكسعية لمدكؿ الغربية‪ ،‬فقد سار المستشرقكف في ركاب‬
‫االحتبلؿ‪ ،‬كىـ كما أطمؽ عمييـ األستاذ محمكد شاكر ػ رحمو هللا ػ حممة ىمكـ الشماؿ‬
‫المسيحي ػ فقدمكا معمكمات مكسعة كمفصمة‪ ،‬عف الدكؿ التي رغبت الدكؿ الغربية في‬
‫استعمارىا‪ ،‬كاالستيبلء عمى ثركاتيا كخيراتيا‪.‬‬

‫كقد اختمط األمر في كقت مف األكقات بيف المحتؿ كالمستشرؽ‪ ،‬فقد كاف كثير مف مكظفي‬
‫اقتصادا‪ .‬كقد أصدر ػ عمى سبيؿ المثاؿ ػ‬
‫ن‬ ‫يخا كسياسة ك‬‫االحتبلؿ عمى دراية بالشرؽ لغة كتار ن‬
‫مجمدا بعنكاف‪ :‬دليؿ الخميج الجغرافي كالتاريخي‪ .‬ككاف‬
‫ن‬ ‫كتابا مف أربعة عشر‬
‫مستشرؽ بريطاني ن‬
‫مكظؼ الحككمات المحتمة‪ ،‬ال يحصؿ عمى الكظيفة في إدارة االحتبلؿ‪ ،‬ما لـ يكف عمى دراية‬
‫بالمنطقة التي سيعمؿ بيا (ُ)‪.‬‬

‫كاستمر االرتباط بيف الدراسات العربية اإلسبلمية‪ ،‬كبيف الحككمات الغربية‪ ،‬حتى يكمنا‪،‬‬
‫كمف األدلة عمى ىذا االرتباط‪ ،‬أف تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية كاألفريقية بجامعة لندف‪،‬‬
‫يس ىست بناء عمى اقتراح مف أحد النكاب في البرلماف البريطاني‪.‬‬
‫قد أ ٌ‬
‫كبعد انتياء الحرب العالمية الثانية رأت الحككمة البريطانية أف نفكذىا في العالـ اإلسبلمي‬
‫بدأ ينحسر فكاف ال بد مف االىتماـ بالدراسات العربية اإلسبلمية فكمفت الحككمة البريطانية‬
‫لجنة حككمية برئاسة اإليرؿ سكاربكرك ‪ Scarbrough‬لدراسة أكضاع الدراسات العربية‬
‫اإلسبلمية في الجامعات البريطانية‪ .‬ككضعت المجنة تقريرىا حكؿ ىذه الدراسات كقدمت فيو‬
‫مقترحاتيا لتطكير ىذه الدراسات كاستمرارىا‪.‬‬

‫كفي عاـ ُُٔٗ ـ ككنت الحككمة البريطانية لجنة أخرل برئاسة السير كلياـ ىايتر ‪Sir‬‬
‫‪ William Hayter‬لدراسة ىذا المجاؿ المعرفي‪ ،‬كقامت المجنة باستجكاب عدد كبير مف‬
‫المتخصصيف في ىذا المجاؿ‪ ،‬كما زارت أقساـ الدراسات العربية كاإلسبلمية في الجامعات‬

‫(ُ) دليؿ الخميج‪ :‬القسـ التاريخي‪ :‬ج‪ .‬ج‪ .‬لكيمر‪ ،‬جُ‪.َٔٗ/‬‬

‫‪-343141‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫البريطانية‪ ،‬كفي عشر جامعات أمريكية‪ ،‬كجامعتيف كنديتيف‪.‬‬

‫ككانت زيارتيا لمكاليات المتحدة بقصد التعرؼ عمى التطكرات التي أحدثيا األمريكيكف في‬
‫ىذا المجاؿ‪ ،‬ككاف ذلؾ بتمكيف مف مؤسستي رككفممر كفكرد‪.‬‬

‫كمما يؤكد ارتباط الدراسات العربية اإلسبلمية باألىداؼ السياسية االحتبللية ‪ -‬رغـ‬
‫عددا مف المراكز لمدراسات العربية‬
‫مكلت ن‬
‫انحسار االحتبلؿ العسكرم‪ -‬أف الحككمة األمريكية ٌ‬
‫كامبل أك‬
‫ن‬ ‫تمكيبل‬
‫ن‬ ‫اإلسبلمية في العديد مف الجامعات األمريكية‪ ،‬كما زالت تمكؿ بعضيا إما‬
‫تمكيبل جز نئيا كفقا لمدل ارتباط الدراسة بأىداؼ الحككمة األمريكية كسياستيا(ُ)‪.‬‬
‫ن‬
‫كما يستضيؼ الككنجرس كبخاصة لجنة الشؤكف الخارجية أساتذة الجامعات كالباحثيف‬
‫المتخصصيف في الدراسات العربية اإلسبلمية لتقديـ نتائج بحكثيـ كالقاء محاضرات عمى‬
‫محدكدا لفائدة رجاؿ‬
‫ن‬ ‫نشر‬
‫أعضاء المجنة‪ ،‬كما ينشر الككنجرس ىذه المحاضرات كاالستجكابات نا‬
‫السياسة األمريكييف (ِ)‪.‬‬

‫كمف ناحية أخرل كاف لرجاؿ االستشراؽ دكر كبير في النفاذ إلى عقكؿ األمة كقمكبيا‪،‬‬
‫ليفسدكا عمييـ دينيـ‪ ،‬كيضعفكا مقاكمتيـ لممحتؿ‪ ،‬بتسميـ األفكار‪ ،‬كترسيخ مفاىيـ جاىمية ال‬
‫تمت إلى اإلسبلـ بصمة‪ ،‬كاضعاؼ ركابط األخكة كالكحدة بيف أبناء األمة الكاحدة‪ ،‬فاستبدؿ‬
‫المسممكف رابطة اإلسبلـ برابطة القكمية‪ ،‬كمف بعد القكمية طمبكا العزة بالفرعكنية كالفينيقية‬
‫كالكنعانية كاألشكرية كالبابمية كالبربرية‪...‬الخ مف دعكات الجاىمية التي فرقت األمة‪ ،‬كأضعفت‬
‫ركح الجياد‪.‬‬

‫صاحب ىذا التخطيط نجاح الييكد كالنصارل في إسقاط الخبلفة اإلسبلمية العثمانية‪ ،‬التي‬
‫رمز لكحدة المسمميف‪ ،‬فانفرط العقد ككانت النتيجة سقكط ببلد‬
‫كانت ‪ -‬رغـ ضعفيا ‪ -‬نا‬
‫المسمميف الكاحدة تمك األخرل بيد المستعمر‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الدراسات العربية اإلسبلمية في جامعات أمريكيا الشمالية‪ ،‬إعداد المجنة المنبثقة عف مؤتمر الشباب المسمـ‬
‫المنعقد في طرابمس عاـ ُّٕٗـ‪ ،‬كتـ تحديثيا عاـ ُٕٓٗـ‪ ،‬كنشرت في مدينة سيدر رابدز‪ ،‬بكالية أيكا األمريكية‪،‬‬
‫كقاـ بترجمتيا مازف مطبقاني‪ ،‬كراجع الترجمة الدكتكر عمي النممة‪.‬‬
‫(ِ) مف األمثمة عمى ذلؾ محاضر جمسات الككنجرس في صيؼ عاـ ُٖٓٗ الذم بمغت صفحاتيا اثنتيف كأربعيف‬
‫كأربعمائة صفحة‪ .‬كقد قاـ الدكتكر أحمد خضر إبراىيـ بترجمة أجزاء منيا‪ ،‬كنشرىا في مجمة المجتمع الككيتية قبيؿ‬
‫احتبلؿ العراؽ الككيت‪.‬‬

‫‪-341-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫جيبل مف‬
‫بعد زكاؿ االحتبلؿ العسكرم‪ ،‬كاف االستعمار بفضؿ المستشرقيف قد أعدكا ن‬
‫تبلمذتو الذيف تسممكا مقاليد الببلد‪ ،‬فساركا بيا عمى طريؽ التغريب‪ ،‬متأثريف بالثقافة التي تربكا‬
‫عمييا في جامعات السربكف كاكسفكرد كاألمريكية‪ ...‬كما حرص المستعمر عمى أف يزكد‬
‫سفاراتو في ىذه الدكؿ بالخبراء مف المستشرقيف‪ ،‬ككذلؾ في ك ازرات الخارجية‪ ،‬بيدؼ اإلشراؼ‬
‫عمى مصالحو‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الدوافع القتصادية‪:‬‬

‫مع نيضة أكركبا العممية كالصناعية التي جعمتيا بحاجة إلى المكاد الخاـ لتغذية مصانعيا‪،‬‬
‫كبحاجة كذلؾ إلى أسكاؽ تجارية لتصريؼ بضائعيـ‪.‬‬

‫األمر الذم جعميـ يتعرفكا إلى الببلد التي تمتمؾ الثركات الطبيعية‪ ،‬كيمكف أف تككف أسكاقنا‬
‫مفتكحة لمنتجاتيـ‪ .‬فكاف الشرؽ اإلسبلمي‪ ،‬كالدكؿ األفريقية‪ ،‬كاآلسيكية‪ ،‬ىي ىذه الببلد‪،‬‬
‫فنشطكا في استكشافاتيـ الجغرافية كدراساتيـ االجتماعية كالمغكية كالثقافية كغيرىا‪ ،‬إلى أف‬
‫ذىب البعض لمقكؿ‪ :‬أف اليدؼ االقتصادم كاف أساس االستشراؽ(ُ)‪.‬‬

‫كمف ىنا جاء حرص المستعمر عمى االنتفاع بجيكد المستشرقيف في إحكاـ قبضتو عمى‬
‫الببلد اإلسبلمية‪ ،‬كقد كانكا ساعده األيمف‪ ،‬كالعقؿ المدبر في استغبلؿ ثركات الببلد‬
‫المستعمرة‪ ،‬كنيب خيراتيا بأبخس األثماف‪.‬‬

‫لقد عمؿ المستشرقكف في قيادة مؤسسات الغرب المالية العاممة في الببلد اإلسبلمية‪ .‬كما‬
‫كثير منيـ تياكف المسمميف بمكتباتيـ العامة التي امتؤلت بالمخطكطات فسرقكا عشرات‬
‫استغؿ ه‬
‫اآلالؼ منيا‪ ،‬كأرسمكىا إلى ببلدىـ‪ ،‬فزخرت مكتبات‪ ،‬كمتاحؼ بريطانيا‪ ،‬كفرنسا كألمانيا‪،‬‬
‫كايطاليا بيا‪ .‬كما تزاؿ مصانعيـ تنتج أكثر مف حاجة أسكاقيـ المحمية‪ ،‬كما زالكا بحاجة إلى‬
‫(ِ)‬
‫كلذلؾ فإف بعض أشير البنكؾ الغربية (لكيد كبنؾ‬ ‫المكاد الخاـ المتكفرة في العالـ اإلسبلمي‬
‫كلكنيا في حقيقتيا دراسات‬
‫سكيسرا) تصدر تقارير شيرية ىي في ظاىرىا تقارير اقتصادية‪ٌ ،‬‬
‫استشراقية متكاممة‪ ،‬حيث يقدـ التقرير دراسة عف األحكاؿ الدينية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬كالسياسية‪،‬‬

‫(ُ) التبشير كاالستعمار في الببلد العربية‪ :‬مصطفى خالدم كعمر فركخ‪ ،‬بيركت ‪ -‬منشكرات المكتبة العصرية‪ُِٖٗ ،‬‬
‫ص ُٖٔ‪.ٔٗ-‬‬
‫(ِ) فمسفة االستشراؽ كأثرىا في األدب العربي‪ :‬أحمد سمايمكفيتش‪ .‬القاىرة ص ْٔ‪.‬‬

‫‪-341143‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كالثقافية‪ ،‬لمببلد العربية اإلسبلمية‪ ،‬ليتعرؼ أرباب االقتصاد كالسياسة عمى الكيفية التي‬
‫يتعاممكف بيا مع العالـ اإلسبلمي‪ .‬كمف الطريؼ أف شركة الخطكط اليكلندية تقدـ لكبار‬
‫مكظفييا الذيف يتفاكضكف مع الشركات العربية اإلسبلمية‪ ،‬دراسات مف ىذا النكع حتى يتعرفكا‬
‫إلى العقميات التي يتفاكضكف معيا‪ ،‬كالى خمفياتيـ االجتماعية كالدينية كالثقافية‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬الدوافع العممية‪:‬‬


‫رً‬
‫ما كاف ألكركبا أف تنيض نيضتيا العممية كالصناعية‪ ،‬دكف أف ترجع إلى دراسة منجزات‬
‫الحضارة اإلسبلمية في جميع المجاالت العممية‪ .‬كاعتقد زعماء أكركبا «أنو إذا كانت أكركبا‬
‫تريد النيكض العممي كالصناعي‪ ،‬فعمييا بالتكجو إلى بكاطف العمـ تدرس لغاتو كآدابو‬
‫كحضارتو» كبالرجكع إلى قكائـ الكتب التي ترجمت إلى المغات األكركبية لعرفنا حقيقة أىمية‬
‫مجاال كتب فيو العمماء المسممكف حتى‬
‫ن‬ ‫ىذا اليدؼ مف أىداؼ االستشراؽ‪ ،‬فالغربيكف لـ يترككا‬
‫درسكا ىذه الكتابات كترجمكا عنيا‪ ،‬كأخذكا منيا‪.‬‬

‫خاليا‬
‫محضا ن‬
‫ن‬ ‫عمميا‬
‫طمبا ن‬‫كمف ناحية أخرل‪ ،‬فقد كجدنا مف المستشرقيف طمب عمكـ الشرؽ‪ ،‬ن‬
‫الديف اإلسبلمي كالمغةى العربية كالحضارةى‬
‫ى‬ ‫عف أم اعتبار آخر‪ ،‬كمف ىؤالء ىم ٍف ٍأنصؼ‬
‫اإلسبلمية بشكؿ عاـ‪.‬‬

‫بؿ كاف منيـ ىم ٍف لـ يممؾ أماـ عظمة ىذا الديف كحضارتو اإلسبلمية‪ ،‬إال أف يعمف‬
‫إسبلمو‪ ،‬كالكثير منيـ فضح أغراض المستشرقيف‪ ،‬كبيف كسائميـ كالنقائص التي تعترم‬
‫مناىجيـ في أبحاثيـ العممية‪ .‬مف ىؤالء‪ :‬ىاردياف ريبلند‪ ،‬يكىاف رايسكة‪ ،‬تكماس أرنكلد‪ ،‬إتييف‬
‫دينيو‪ .‬ىذا في كقت كانت السمة الغالبة لممستشرقيف التعصب كالحقد‪ ،‬األمر الذم دعاىـ إلى‬
‫تشكييو‪ ،‬كالتعامي عف حقائقو(ُ)‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الدوافع الثقافية‪:‬‬


‫ً‬
‫نشر الثقافة الغربية انطبلقنا‪ ،‬مف النظرة االستعبلئية‪ ،‬التي ينظر بيا إلى الشعكب األخرل‪.‬‬
‫كمف أبرز المجاالت الثقافية نشر المغات األكركبية كمحاربة المغة العربية‪ .‬كصبغ الببلد‬

‫(ُ) راجع اإلسبلـ كالحضارة الغربية صَُٕ‪ َُٗ-‬الفكر اإلسبلمي الحديث صّْ‪ ،ِْٓ-ِّْ ،‬أجنحة المكر الثبلث‬
‫صُٗ‪ ،ْٗ-‬عقائد كتيارات فكرية ص ُٖٓ‪ ،ُِٔ-‬المكسكعة الميسرة صّٕ‪ ،ّٔ-‬دراسة في السيرة ص َُ‪-‬‬
‫ُُ‪.‬‬

‫‪-344-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫العربية كاإلسبلمية بالطابع الثقافي الغربي‪.‬‬

‫كقد نشط االستشراؽ في ىذا المجاؿ أيما نشاط‪ .‬فأسس المعاىد العممية كالتنصيرية في‬
‫أنحاء العالـ اإلسبلمي كسعى إلى نشر ثقافتو كفكره مف خبلؿ ىؤالء التبلميذ‪ .‬كقد ف ٌكر نابميكف‬
‫في ذلؾ حينما طمب مف خميفتو عمى مصر أف يبعث إليو بخمسمائة مف المشايخ‪ ،‬كرؤساء‬
‫القبائؿ‪ ،‬ليعيشكا فترة مف الزمف في فرنسا‪« ،‬يشاىدكف في أثنائيا عظمة األمة (الفرنسية)‬
‫كلما يعكدكف إلى مصر‪ ،‬يككف لنا منيـ حزب يضـ إليو غيرىـ‬
‫كيعتادكف عمى تقاليدنا كلغتنا‪ٌ ،‬‬
‫لما جاء «محمد عمي» أرسؿ بعثة مف أبناء مصر النابييف‬
‫»‪ .‬كلـ يتـ لنابميكف ذلؾ‪ ،‬كلكف ٌ‬
‫يقكدىـ رفاعة رافع الطيطاكم‪ ،‬كقد قاؿ محمكد شاكر‪َّ « :‬‬
‫إف ىؤالء يككنكف أشد استجابة لمغة‬
‫فرنسا كتقاليدىا‪ ،‬فإذا عادكا إلى مصر كانكا حزنبا لفرنسا‪ ،‬كعمى مر األياـ يكبركف‪ ،‬كيتكلكف‬
‫تأثير في بناء جماىير كثيرة تبث األفكار التي‬
‫المناصب صغيرىا‪ ،‬ككبيرىا‪ ،‬كيككف أثرىـ أشد نا‬
‫يتمقكنيا في صميـ شعب دار اإلسبلـ في مصر‪.)ُ(»..‬‬

‫كقد حرص الغرب عمى الغزك الثقافي مف خبلؿ التغريب الفكرم بعدة طرؽ ذكرىا السيد‬
‫محمد الشاىد فيما يأتي‪:‬‬

‫"التعميـ مف حيث المنيج كمف حيث المادة العممية…‬

‫كفي مجاؿ اإلعبلـ‪ :‬تي ٍستىغؿ كؿ كسائؿ اإلعبلـ المتاحة كخاصة أفبلـ السينما كالتمفاز‪،‬‬
‫كتأثير غير مباشر"(ِ)‪.‬‬

‫كظير اليدؼ الثقافي مف خبلؿ الدعكة إلى العامية كالى محاربة الفصحى كالحداثة في‬
‫األدب كالفكر حيث نادل البعض بتحطيـ المكركثات‪ ،‬كمحاربة المغة‪ ،‬كغير ذلؾ مف الدعكات‪.‬‬
‫كقد بمغ مف ثقتيـ بأنفسيـ في ىذا المجاؿ أف كتب أحدىـ يتكقع أف ال يمر كقت طكيؿ حتى‬
‫تستبدؿ مصر بالمغة العربية‪ ،‬المغة الفرنسية‪ ،‬كما فعمت دكؿ شماؿ أفريقيا‪.‬‬
‫أثر المستشرقين في األمة‪:‬‬

‫آثار كبيرة عمى األمة اإلسبلمية في جميع مجاالت الحياة العقائدية‪،‬‬


‫ترؾ المستشرقيف نا‬

‫(ُ) رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا‪ :‬محمكد شاكر‪ .‬جدة‪ :‬دار المدني َُْٕىػ‪ُٖٕٗ ،‬ـ صَُٖ‪ُُْ ،‬‬
‫(ِ) رحمة الفكر اإلسبلمي‪ :‬مف التأثر إلى التأزـ‪ .‬بيركت‪ُُْْ ،‬ىػ ُْٗٗـ‪ ،‬ص ُُٖ‪.‬‬

‫‪-345145‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كالثقافية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬كالسياسية‪ ...‬يمكف أف نجمؿ أىـ ىذه اآلثار في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬في مجاؿ العقيدة ظير تيار مف المفكريف كالعمماء كالسياسييف‪ ،‬كمف عكاـ الناس الذيف‬
‫نادكا بفصؿ الديف عف الحياة‪ ،‬أك ما يطمؽ عميو العممانية‪.‬‬

‫‪ -2‬في مجاؿ الحياة االجتماعية‪ ،‬خمؽ تغيرات اجتماعية كبيرة في الببلد‪ ،‬التي كقعت تحت‬
‫االحتبلؿ الغربي‬

‫‪ -3‬تعميؽ النزاعات بيف أبناء الببلد اإلسبلمية بتشجيع النزعات االنفصالية‪ ،‬كما حدث في‬
‫أيضا بتقسيـ الشعب المغربي إلى عرب كبربر‪ ،‬كالتركيز عمى فرنسة‬
‫ن‬ ‫المغرب العربي‬
‫البربر‪...‬الخ‬

‫‪ -4‬تشكيو مكانة المرأة في اإلسبلـ‪ ،‬كنشر المزاعـ عف اضطياد اإلسبلـ لممرأة‪ ،‬كشجع‬
‫الدعكات إلى التحرير المزعكـ لممرأة‪ ،‬التي ظيرت في كتابات قاسـ أميف‪ ،‬كالطاىر الحداد‪،‬‬
‫كنكاؿ السعداكم‪ ،‬كىدل الشعراكم كغيرىـ‪.‬‬

‫‪ -5‬في المجاؿ السياسي‪ :‬انتقص الغرب النظاـ السياسي اإلسبلمي‪ .‬كبإيحاء منو ظيرت‬
‫كتب كثيرة عف نظاـ الخبلفة اإلسبلمي‪ ،‬افتركا مف خبلليا عمى الخمفاء الراشديف فزعمكا أف‬
‫كصكؿ الصديؽ‪ ،‬كعمر بف الخطاب رضي هللا عنيما إلى الخبلفة كاف نتيجة لمؤامرة بيف‬
‫االثنيف‪ .‬ككتب مستشرقكف آخركف زاعميف أف النظاـ السياسي اإلسبلمي نظاـ قائـ عمى‬
‫االستبداد‪ ،‬كفرض الخضكع كالمذلة‪ ،‬عمى الشعكب اإلسبلمية‪ .‬بؿ بالغ بعضيـ فشبو النظاـ‬
‫السياسي اإلسبلمي‪ ،‬بالنظاـ الشيكعي في استبداده كطغيانو‪ .‬بؿ منيـ مف أنكر النظاـ السياسي‬
‫في اإلسبلـ برمتو‪.‬‬

‫‪ -6‬ظير الدعاة إلى تطبيؽ النظـ الغربية بحذافيرىا فنادكا بالديمقراطية‪ ،‬أك االشتراكية‪.‬‬

‫فإف الغرب سعى إلى نشر الفكر االقتصادم الغربي االشتراكي‬


‫‪ -7‬في المجاؿ االقتصادم ٌ‬
‫كالرأسمالي‪ ،‬كأدكاتو المختمفة مف بنكؾ ربكية‪ ،...‬كفي نفس الكقت العمؿ عمى محاربة النظاـ‬
‫االقتصادم اإلسبلمي‪.‬‬

‫‪ -1‬في المجاؿ الثقافي‪ :‬أصبحت المصادر الغربية تدخؿ في التككيف الفكرم كالثقافي ليذه‬
‫األمة سكاء أكاف في نظرتيا لكتاب ربيا سبحانو كتعالى‪ ،‬كلسنة نبييا ‪ ،‬كلمعمكـ الشرعية‬

‫‪-346-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫بشكؿ عاـ‪.‬‬

‫أك‬ ‫‪ -9‬أثر الفكر الغربي في المجاالت الفكرية األخرل كالتاريخ أك عمـ االجتماع‬
‫عمـ النفس أك عمـ اإلنساف أك غيره مف العمكـ‪ .‬كقد كاف ليـ ذلؾ بكاسطة تغريب فكر مف‬
‫استقبمكه مف أبناء المسمميف في ديارىـ ثـ صنعكا منيـ قيادات فيذا عميد األدب كذاؾ أستاذ‬
‫الجيؿ‪ ،..‬كبالمدارس كالصحؼ كالمجبلت‪ ،‬التي أنشؤكىا في ببلد المسمميف‪.‬‬

‫‪ -10‬أدخمكا إلى حياة الشعكب العربية اإلسبلمية فنكف الميك غير المباح مف مراقص كغناء‪،‬‬
‫كغير ذلؾ عبر المسارح كالسينما كالفضائيات‪...‬‬

‫كنثر كقصة‪ .‬فقد استغمت ىذه الكسائؿ في‬


‫شعر نا‬
‫‪ -11‬كاف لبلستشراؽ دكره في مجاؿ األدب نا‬
‫نشر الفكر الغربي العمماني كبخاصة عف طريؽ ما سمي (الحداثة) التي تدعك إلى تحطيـ‬
‫السائد كالمكركث‪ ،‬كتفجير المغة كتجاكز المقدس كنقد النصكص المقدسة‪ .‬كقد استكلى ىؤالء‬
‫عمى العديد مف المنابر العامة كلـ يتيحكا ألحد سكاىـ أف يقدـ كجية نظر تخالفيـ كاالٌ نعتكه‬
‫بالتخمؼ كالرجعية كالتقميدية كغير ذلؾ مف النعكت الجاىزة (ُ)‪.‬‬

‫منيج المستشرقين في أبحاثيم‪:‬‬

‫تنكعت مناىج المستشرقيف بتنكع مدارسيـ‪ ،‬كالعصر الذم كتبكا فيو‪ ،‬ففي بدايات االستشراؽ‬
‫الذم كاف منطمقنا مف البكاعث الدينية التعصبية‪ ،‬كاف المنيج السائد ىك المنيج القائـ عمى‬
‫الجدؿ كالتعصب كالحقد يقكؿ المستشرؽ النمساكم «محمد أسد» المسمـ‪« :‬إف كره األكربييف‬
‫نحك اإلسبلـ كره عميؽ الجذكر‪ ،‬يقكـ في األكثر عمى التعصب الشديد»‪..‬‬

‫كقد انتقد الغربيكف أنفسيـ ىذا المنيج كمف ىؤالء نكرماف دانياؿ كريتشارد سكذرف‪ .‬كلعؿ‬
‫ىذه الركح العصبية الحاقدة استمرت مع عدد مف المستشرقيف حتى الكقت الحاضر فكاف مف‬
‫ىؤالء عمى سبيؿ المثاؿ مرجميكت كالمانس كبرنارد لكيس‪.‬‬

‫كىناؾ مف المستشرقيف مف تظاىر بالمكضكعية كلكنو كاف يخفي تحت ستار المكضكعية‬
‫الزائفة مناىج بعيدة كؿ البعد عف المكضكعية‪ .‬فمف أىـ شركط المكضكعية احتراـ مسممات‬
‫الديف اإلسبلمي كثكابتو‪ ،‬كعدـ استخداـ منيج اإلسقاط في دراسة الديف اإلسبلمي‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬محمد خميفة حسف‪ .‬آثار الفكر االستشراقي في المجتمعات اإلسبلمية‪ .‬ص ٕٖ ‪.ََُ -‬‬

‫‪-347147‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كما ظير في الغرب النزعة المادية كبخاصة في الدكؿ الشيكعية ػ كقد تأثر بعض الباحثيف‬
‫يخا كعقيدة كشريعة كفؽ المنيج المادم‬
‫في العالـ الرأسمالي بيا ػ فحاكلكا تفسير اإلسبلـ تار ن‬
‫عددا مف‬
‫الماركسي‪ .‬كعند الحديث عف مناىج المستشرقيف فإننا ال بد أف ندرؾ كذلؾ أف ن‬
‫جدا بينيـ‪.‬‬
‫المستشرقيف كانكا قريبيف مف المكضكعية‪ ،‬كاف كاف ىؤالء قمة قميمة ن‬
‫أىم سمات المنيج الستشراقي المتعصب‪:‬‬

‫‪ -1‬اتباع اليكل‪ ،‬كالرغبة الدائمة في االنتقاص مف اإلسبلـ كأىمو‪.‬‬

‫‪ -2‬كضع األفكار المسبقة في الذىف‪ ،‬ثـ تصيد األدلة ليا‪ ،‬كاف كانت كاىية أك مكذكبة‬
‫إلثبات صحة ما ذىبكا إليو‪ ،‬مع إغفاؿ األدلة الصحيحة التي تعارض أفكارىـ‪ .‬كعمى سبيؿ‬
‫المثاؿ‪ :‬ىؿ يصح اعتماد أدلة يكردىا األصفياني في كتابو األغاني‪ ،‬أك الدميرم في كتابو‬
‫عمميا ػ الرككف إلى مثؿ‬
‫ن‬ ‫الحيكاف بشكؿ أساسي في البحث العممي؟!! مع العمـ أنو ال يصح ػ‬
‫ىذه الكتب كمصدر أساسي أك فرعي في قضايا تتعمؽ بالقرآف الكريـ أك الحديث الشريؼ!!‬

‫‪ -3‬تفسير كتحميؿ الكقائع بناء عمى الخياؿ‪ ،‬كليس عمى حقائؽ الكاقع‪.‬‬

‫‪ -4‬البحث عف نقاط الضعؼ كاألخطاء في تاريخ المسمميف‪ ،‬كمحاكلة تضخيميا‪ ،‬مع تعمد‬
‫طمس الكثير مف الصفحات المشرقة(ُ)‪.‬‬

‫عالقة الستشراق بالتبشير‪:‬‬

‫التبشير كاالستشراؽ كبلىما مف أىـ دعامات الغزك الفكرم‪ ،‬ككبلىما يحمؿ نفس األىداؼ‬
‫مع االختبلؼ في الطريقة‪:‬‬

‫فقد لبس االستشراؽ مسكح العمـ‪ ،‬كادعى أنو يسمؾ طريقة البحث العممي‪ ،‬فكاف كسيمتو‬
‫الكتاب كالمحاضرة كالمقاؿ كالبحث ككراسي التدريس في الجامعة‪.‬‬

‫الحديث الشريؼ قاـ المسممكف األكائؿ خبلؿ القركف‬


‫ى‬ ‫أف‬
‫(ُ) مثاؿ ىذه المنيجية المنحرفة محاكلة جكلد تسيير إثبات ٌ‬
‫أف كبار أئمة اإلسبلـ كانكا‬
‫أف الشريعة لـ تكف معركفة لجميكر المسمميف في الصدر األكؿ‪ ،‬ك ٌ‬
‫الثبلثة األكلى بتأليفو‪ ،‬ك ٌ‬
‫جدا جمعيا مف‬ ‫يجيمكف السيرة !! كحشد جكلد تسيير لكؿ فرية مف ىذه االفتراءات مجمكعة مف األدلة الساقطة ن‬
‫مثؿ ىذه الكتب المذككرة‪ .‬كلممزيد انظر أجنحة المكر الثبلث صََُ‪ ،َُٔ-‬دراسة في السيرة ص ُُ‪ ،‬حاضر‬
‫العالـ اإلسبلمي صٓٓ‪.ٓٔ-‬‬

‫‪-348-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أما التبشير فقد سمؾ طريؽ بث السمكـ عبر الركضة كالمدرسة كحتى الجامعة‪ ،‬كلبس‬
‫مسكح الخير كمساعدة الناس في المستشفيات كدكر األيتاـ‪ ،‬كالنكادم كتدريب الميف‪ ،‬كمف‬
‫خبلؿ المقالة كالنشرة كالكتاب في زرع بذكر الشؾ‪ ،‬كقمب الحقائؽ كتزيينيا(ُ)‪.‬‬

‫مدارس المستشرقين‪:‬‬

‫بالنظر إلى جيكد المستشرقيف مف حيث طبيعة االنتاج العممي‪ ،‬يمكننا أف نقسميـ إلى‬
‫فئتيف‪:‬‬

‫‪ -1‬فئة تستحؽ التقدير كاالحتراـ لما ليا مف المآثر في نشر العمـ كالثقافة كتسييؿ الكصكؿ‬
‫إلى مؤلفات كأعماؿ كدراسات بادركا إلى تحقيقيا كدرسيا كفيرستيا كنشرىا‪ .‬كىذه الفئة ىي التي‬
‫كانت ذات أىداؼ عممية نزيية ػ كما سبؽ الحديث عنيـ‪.‬‬

‫قصدا‬
‫ن‬ ‫‪ -2‬كفئة أخرل ػ كمعظميـ مف الييكد‪ ،‬أك ممف يتعاطؼ معيـ ػ درسكا اإلسبلـ كعمكمو‬
‫إلى محاربتو‪ ،‬كانكار أصالتو‪ ،‬كأىميتو‪ ،‬كأثره في تفكير المؤلفيف األكربييف‪ ،‬كفي المنجزات‬
‫الفكرية الحضارية‪.‬‬

‫كيمكف أف ينقسـ المستشرقكف مف حيث معتقداتيـ كأىكائيـ كميكليـ إلى أقساـ‪:‬‬


‫كجنسيا‪ .‬كمف ىؤالء‬
‫ن‬ ‫كطنيا‬
‫ن‬ ‫األولى‪ :‬فئة ذات المآرب السياسية‪ :‬كىي الفئة المتعصبة لمغرب‬
‫خدمة االستعمار‪ ،‬بكؿ اشكالو‪ ،‬القديمة كالحديثة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬فئة المستشرقيف المادييف الممحديف الذيف يدعكف إلى ىدـ المجتمعات القائمة‬
‫كيؤكدكف عمى أف األدياف تقؼ في عقبة في طريؽ اإلصبلح االجتماعي‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬فئة المؤمنيف المتعصبيف لعقيدتيـ عمى حساب اإلسبلـ كأىمة‪ ،‬كمنيـ دعاة‬
‫كتركيجا لبضاعتيـ‬
‫ن‬ ‫التنصير‪ ،‬الذيف يتخذكف مف تشكيو اإلسبلـ‪ ،‬صناعة ليـ‪،‬‬

‫الرابعة‪ :‬فئة الصياينة كىي أخطر الفئات عمى اإلطبلؽ لما يتكافر ليا مف اإلمكانات‬
‫المادية‪ ،‬كالكسائؿ الدعائية كاإلعبلمية‪ ،‬كدكر النشر كغيرىا‪.‬‬

‫أقسام المستشرقين من حيث الىتمامات العممية‪:‬‬

‫(ُ) راجع الفكر اإلسبلمي الحديث صُْٕ‪ ،ِِْ-‬عقائد كتيارات صُٖٔ‪ ،ُِٗ-‬قكل الشر المتحالفة صْٖ‪،ْٗ-‬‬
‫أساليب الغزك الفكرم صِِ‪.ِْ-‬‬

‫‪-349149‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أيضا‪.‬‬
‫كالمستشرقكف مف حيث اىتماماتيـ العممية فئات ن‬
‫فئة عنيت بالقرآف الكريـ كعمكمو‪ ،‬كفئة اىتمت بسيرة الرسكؿ ‪ ،‬كبالسنة‪ ،‬كالحديث‬
‫الشريؼ‪ ،‬كفئة ركزت عمى الفرؽ اإلسبلمية‪ ،‬كفئة اىتمت بالفتكح اإلسبلمية‪ ،‬كعمى الكالة‬
‫كاألمراء كحكاـ األمصار كالخمفاء في الدكلة اإلسبلمية كالتاريخ اإلسبلمي بشكؿ عاـ‪ ،‬كفئة‬
‫درست الحضارة اإلسبلمية كماليا مف تأثير كما عمييا مف تأثر‪ ،‬كفئة تخصصت في اآلداب‬
‫العربية‪ ،‬كاىتمت بالفف اإلسبلمي‪ ،‬كأخرل اتجيت إلى سائر العمكـ عند المسمميف‪ ،‬كيدخؿ‬
‫الييكد المستشرقكف في ىذه الفئات جميعيا محاكليف عدـ التميز عف غيرىـ مف المستشرقيف‪،‬‬
‫بؿ ربما تعمدكا إخفاء الخمفية العرقية التي يعكدكف إلييا كاكتفكا بأنيـ مستشرقكف إنجميز أك‬
‫فرنسيكف أك ألماف أك ىكلنديكف أك أمريكيكف‪ ..‬إلخ كىكذا لـ يرد الييكد أف يعممكا داخؿ الحركة‬
‫ييكدا حتى ال يعزلكا أنفسيـ‪ ،‬كبالتالي يقؿ تأثيرىـ‪ ...‬كبذلؾ‬
‫االستشراقية بكصفيـ مستشرقيف ن‬
‫كسبكا مرتيف‪:‬‬
‫أول‪ :‬فرض أنفسيـ عمى الحركة االستشراقية كميا‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬تحقيؽ أىدافيـ في النيؿ مف اإلسبلـ‪ ،‬كىي أىداؼ تمتقي مع أىداؼ غالبية‬
‫ً‬
‫المستشرقيف النصارل‪.‬‬

‫الستشراق الييودي واإلسرائيمي‪:‬‬

‫ميما في بذؿ الجيد‬ ‫سبؽ الحديث عف االستشراؽ‪ ،‬كأف الييكد كانكا كما زالكا جزنءا ن‬
‫االستشراقي لغايات كثيرة‪ ،‬نستطيع أف نقكؿ إف الباحثيف الييكد منذ بدايات االستشراؽ لـ يقفكا‬
‫متفرجيف بؿ كاف ليـ دكر بارز في تكجيو الدراسات‪ً ،‬ك ٍجيىة تخدـ أغراضيـ‪.‬‬

‫لذا رأينا أف نفرد الحديث عف االستشراؽ الييكدم كاإلسرائيمي‪ ،‬أىـ مؤسساتو‪ ،‬كأشير ركاده‬
‫منيـ‪.‬‬

‫أىداف نشأة الستشراق الييودي‪:‬‬

‫أكنال‪ :‬أىداؼ دينية‪ :‬إضعاؼ اإلسبلـ‪ ،‬كتشكيو صكرتو‪ ،‬كالتشكيؾ في قيمو كسماحتو‬
‫كانسانيتو‪ ،‬عف طريؽ إثبات فضؿ الييكدية عميو‪ ،‬كالزعـ باف الييكدية ىي مصدر اإلسبلـ‬
‫األكؿ‪ ،‬كلشدة خطكرة الدكر الييكدم في تشكيو اإلسبلـ كالحضارة اإلسبلمية‪ ،‬كالتراث‬

‫‪-350-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كبير‬
‫اإلسبلمي‪ ،‬كتقديمو لمغرب عمى ىذا النحك‪ ،‬مع شدة تكرارىـ ليذه األكاذيب أصبح جزنءا نا‬
‫منو حقائؽ مسمـ بيا في المجتمع الغربي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أىداؼ تاريخية‪ :‬يتطمع الييكد إلى العكدة إلى خيبر‪ ،‬كالمدينة المنكرة عف طريؽ‬
‫ن‬
‫القدس كالجميؿ‪ .‬فعندما سقطت القدس في أيدم الييكد سنة ُّٕٖى ػُٕٔٗـ دخميا كزير‬
‫أف أدل صبلة الشكر‬ ‫الدفاع ػآنذاؾ «مكشي داياف» مع الحاخاـ األكبر (شمكمك غكريف)‪ ،‬كبعد ٍ‬
‫عند حائط البراؽ الشريؼ‪ ،‬قاؿ‪« :‬اليكـ فتحت الطريؽ إلى بابؿ كيثرب» كتقكؿ رئيسة الكزراء‬
‫السابقة «غكلدا ماثير» كفي «إيبلت»‪( :‬إني أشـ رائحة أجدادم في خيبر)‪ .‬كيقكؿ (ىرتزكغ)‬
‫المرأة مسممة ضيؽ عمييا الييكد الخناؽ‪ ،‬حتى دىمكا دارىا بالجرافات‪ ،‬فآثرت الرحيؿ إلى‬
‫المممكة العربية السعكدية حيث أبناؤىا‪( :‬إذا ر ً‬
‫أيت الممؾ فيصؿ ػ رحمو هللا‪ ،‬فقكلي لو إننا‬
‫أمبلكا عنده‪ ،‬إف جدنا إبراىيـ ىك الذم بنى الكعبة‪ ،‬إنيا ممكنا‬
‫ن‬ ‫قادمكف إليو‪ ،‬فإف لنا‬
‫كسنسترجعيا بالتأكيد)(ُ)‪.‬‬

‫ثالثنا‪ :‬أىداؼ سياسية كاقتصادية‪ :‬المعركؼ عند الباحثيف كالمحققيف أف الييكد يدسكف‬
‫دائما في جميع الحركات الدينية كالسياسية‪:‬‬
‫أنكفيـ ن‬
‫لتحقيؽ المصالح االقتصادية مف ناحية‪ .‬كظيكر الحركة الصييكنية‪ ،‬كالتبشير بيا في القرف‬
‫التاسع عشر مف ناحية أخرل‪.‬‬

‫جدا بشأف المسألة الفمسطينية‪،‬‬ ‫ابعا‪ :‬فمسطيف‪ :‬دخؿ االستشراؽ الييكدم مرحمة خطيرة ن‬ ‫رن‬
‫التي كانت مكضع اىتماـ المستشرقيف األكربييف‪ ،‬بسبب ارتباطيـ بكتاب العيد القديـ التك ارة‪.‬‬
‫كبير لمحركة الصييكنية‪ ،‬حيث كفرت ليا كؿ‬
‫نا‬ ‫عكنا‬
‫ن‬ ‫كقد كانت ىذه الدراسات األكربية‬
‫المعمكمات البلزمة لتسييؿ ميمة االستيطاف الييكدم في فمسطيف‪.‬‬

‫جدا صندكؽ استكشاؼ فمسطيف عاـ ُٖٓٔـ‪ ،‬التي تعد مف أبرز‬ ‫كمما استفادكا منو ن‬
‫الدراسات االستشراقية‪ ،‬التي ميدت الطريؽ لتحقيؽ ىدؼ الصييكنية األكؿ في فمسطيف‪.‬‬

‫كقد كاف مكضكع استكشاؼ فمسطيف‪ ،‬يرتبط بمكضكع الحفريات األثرية‪ ،‬كدراسة عادات‬

‫(ُ) إسماعيؿ الكيبلني‪ .‬لماذا يزيفكف التاريخ كيعبثكف بالحقائؽ؟! بيركت‪ :‬المكتب اإلسبلمي‪َُْٕ ،‬ىػ‪ُٖٕٗ -‬ـ‪،‬‬
‫صُّ‪.‬‬

‫‪-353151‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كتقاليد سكانيا‪ ،‬باإلضافة إلي الدراسات الجيكلكجية‪ ،‬كالطبكغرافية لفمسطيف‪ .‬كفي ىذا يقكؿ‬
‫الكاتب الصييكني نكرماف بنتكتيش‪« :‬كانت المشاريع الرئيسة الصييكنية تحت الحكـ‬
‫البريطاني تتأسس عمى شكؿ شركات بريطانية‪ ،‬فتش ٌكمت سكة حديد كادم الفرات‪ ،‬لتصؿ بيف‬
‫حيفا كبغداد‪ ،‬كلكنيا فشمت‪ ،‬ثـ تشكمت شركة حديد حيفا ػ دمشؽ‪ ،‬كفشمت ىي األخرل‪ ،‬كفي‬
‫تأسس صندكؽ االستكشافات الفمسطينية‪ ،‬كقاـ ضابط سبلح اليندسة في الجيش‬
‫عاـ ُٖٓٔـ ٌ‬
‫مثاال لتكامؿ‬
‫البريطاني بحفريات استشكافية كرسـ خارطة لمببلد‪ ،‬كىذا النشاط المزدكج كاف ن‬
‫المصالح التكارتية كالسياسية»(ُ)‪.‬‬

‫أبرز المستشرقين الييود‪:‬‬

‫‪ -1‬جكلد زيير(ِ)‪ :‬تميز ىذا المستشرؽ باإلنتاج الغزير إذ تشير المصادر إلى أنو كتب‬
‫كحقؽ ِٗٓ بحثنا مختمفنا‪ ،‬كالكثير منيا يتعمؽ بالفرؽ اإلسبلمية‪ ،‬كجزء آخر حكؿ الحديث‬
‫النبكم‪ .‬كيعتبر الباحثكف جكلد زيير أكؿ مف قاـ بعممية تشكيؾ في الحديث النبكم كقد أثنت‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫عميو األكساط االستشراقية ن‬
‫جاء في دائرة المعارؼ اإلسبلمية ما يمي‪ :‬كقد كاف تأثير جكلد زيير عمي مسار الدراسات‬
‫تحديدا‬
‫ن‬ ‫اإلسبلمية االستشراقية‪ ،‬أعظـ مما كاف ألم مف معاصريو مف المستشرقيف‪ ،‬فقد حدد‬
‫اتجاه‪ ،‬كتطكر البحث في ىذه الدراسات‪.‬‬

‫‪ -2‬برنارد لكيس(ّ)‪ :‬لو دراسات مشتركة مع مستشرقيف مف إسرائيؿ‪ ،‬ركز في دراساتو عمى‬
‫عمكما كعمى تاريخ اإلسماعيمية بخاصة‪ ،‬كيتابع النشاط اإلسبلمي في أكركبا كأمريكا‪.‬‬ ‫ن‬ ‫التاريخ‬
‫ال يتكرع عف التأكيد عمى صييكنيتو كاعبلنيا‪ ،‬إذ ٌإنو بعد انتقالو مف بريطانيا إلي أمريكا كشؼ‬
‫تماما عف أعماقو‪ ،‬فقد أعمف أف اإلسبلـ كحضارتو لـ يعكدا حاضرتيف عنده‪ ،‬غير مكاقؼ‬ ‫ن‬
‫اليميف كاليسار اإلسبلمية مف الكياف الصييكني في فمسطيف‪ ،‬كالمصالح األمريكية في العالـ‬
‫اإلسبلمي‪.‬‬

‫(ُ) مجمة الفكر السياسي العدد ِٕ خريؼ عاـ ََِٔـ‪.‬‬


‫ئيسا‬
‫عضكا ثـ ر ن‬
‫ن‬ ‫(ِ) كلد في المجر (َُٖٓ‪ُُِٗ-‬ـ) ‪ ،‬زار مصر كسكريا كفمسطيف‪ .‬عمؿ أستا نذا بجامعة بكدابست‪ ،‬ثـ‬
‫ألحد أقساـ األكاديمية المجرية‪.‬‬
‫(ّ) كلد في لندف ُُٔٗ ـ‪ ،‬كدرس في جامعاتيا كتكلي أستاذية تاريخ الشرؽ األكسط كاألدنى في جامعة لندف‪ ،‬ثـ عمؿ‬
‫ائر في جامعة كاليفكرنيا كفي جامعة ككلكمبيا كفي جامعة أنديانا‪.‬‬
‫أستاذا ز نا‬

‫‪-351-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫(ُ)‬
‫اشتير بمغتو العربية كالتاريخ اإلسبلمي كاألدب العربي كدرسيا في‬ ‫‪ -3‬كارؿ برككمماف‬
‫جامعات شتى‪ .‬كاشتياره باألدب العربي لـ يقتصر عمى المفيكـ الشائع لؤلدب العربي‪ ،‬بؿ إف‬
‫مؤلفاتو تشير إلى اضطبلعو بإسيامات المسمميف في شتى مجاالت المعرفة‪ ،‬التي برزت في‬
‫كتابو‪ :‬تاريخ األدب العربي‪ .‬ككتابو‪ :‬تاريخ الشعكب اإلسبلمية‪ .‬كآثاره غير يسيرة كترجـ‬
‫لمجمكعة كبيرة مف أعبلـ المسمميف في دائرة المعارؼ اإلسبلمية‬
‫(ِ)‬
‫اىتـ بالتصكؼ ككتب عنو بدائرة المعارؼ اإلسبلمية‪ .‬لو مف اآلثار ما‬ ‫‪ -4‬لكل ماسينيكف‬
‫يربك عمى ستمائة كخمسيف بيف مصنؼ كمحقؽ كمترجـ كمقالة كمحاضرة كتقرير كنقد‪ .‬لو أياد‬
‫بيضاء عمى الحركة االستعمارية في العالـ العربي‪.‬‬

‫درس المغة السامية بدار‬


‫‪ -5‬إسرائيؿ كلفنسكف‪ :‬مستشرؽ ألماني معاصر‪ ،‬كيكنى بأبي ذؤيب‪َّ .‬‬
‫العمكـ‪ ،‬ثـ بالجامعة المصرية‪ .‬لو تاريخ الييكد في ببلد العرب في الجاىمية كصدر اإلسبلـ‬
‫بالعربية‪ .‬كقدـ لو طو حسيف‪ .‬كتاريخ المغات السامية بالعربية‪ ،‬ككتاب مكسى بف ميمكف‪،‬‬
‫حياتو كمصنفاتو بالعربية‪ ،‬كقدـ لو مصطفى عبدالرازؽ‪ ،‬كلو كتاب كعب األحبار باأللمانية‪.‬‬

‫الستشراق اإلسرائيمي‪:‬‬

‫مظاىر االىتماـ اإلسرائيمي بالشرؽ العربي كاإلسبلمي متعددة‪ ،‬تنعكس جكانب ىذا‬
‫االىتماـ في الدعـ المادم كالمعنكم الكبير لممستشرقيف‪.‬‬

‫كيتمثؿ ذلؾ بتسييؿ ميمة ىؤالء المستشرقيف كالباحثيف في الحصكؿ عمي كثائؽ‪ ،‬كتكفير‬
‫فرص العمؿ لمباحثيف في ىذا المجاؿ‪.‬‬

‫ىاما منيـ مف أجؿ استكماؿ‬


‫إسياما ن‬
‫ن‬ ‫كمف جانب آخر ترم إسرائيؿ في عمؿ مستشرقييا‬
‫المشركع الصييكني‪ ،‬كلقد لجأت المؤسسات الحاكمة إلي تكميؼ بعض المستشرقيف‪ ،‬بتأدية‬

‫(ُ) ُٖٖٔ‪ُٗٓٔ-‬ـ مستشرؽ ألماني تخرج بالمغات السامية‪.‬‬


‫(ِ) ُّٖٖ‪ ُِٗٔ-‬ـ مستشرؽ فرنسي تتممذ عمى مشاىير المستشرقيف ككانت لو صكالت كجكالت عممية كعسكرية في‬
‫الشرؽ‪.‬‬

‫‪-351153‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫مياـ مباشرة في مجاؿ التعامؿ مع القضايا العربية كالفمسطينية‪.‬‬

‫كاختير بعضيـ لشغؿ مناصب استشارية ىامة‪.‬‬

‫المؤسسات الستشراقية في إسرائيل‪:‬‬

‫‪1‬ـ الجامعة العبرية‪ :‬أنشئت ىذه الجامعة بمبادرة مف عالـ الرياضيات الييكدم «تسغي‬
‫ىرماف شابي ار» عاـ ُِٖٖـ‪ ،‬حيث أعاد طرح فكرتيا‪ ،‬أماـ المؤتمر الصييكني األكؿ عاـ‬
‫فعميا في ذلؾ المؤتمر‪ ،‬كىك المؤتمر الصييكني الحادم عشر الذم‬
‫ُٕٖٗـ‪ ،‬كتقرر إنشاؤىا ن‬
‫عقد في فينا عاـ ُُّٗـ‪ .‬كتضـ الجامعة مكتبة ضخمة‪ ،‬تضـ أكثر مف مميكف مجمد‪.‬‬
‫كتضـ ىذه الجامعة العديد مف المراكز البحثية االستشراقية مف أىميا‪:‬‬

‫أ ػ مؤسسة األبحاث الشرقية‪ :‬أنشئت في الجامعة العبرية عاـ ُِٔٗـ‪ ،‬حيث كانت‬
‫الدراسات العربية أىـ مكاد الدراسة فييا ثـ أضيفت الي ىذه الدراسات الحضارة اإلسبلمية‪،‬‬
‫كالديف‪ ،‬كالفمسفة‪ ،‬كالفف‪ ،‬كاآلثار‪ ،‬كالتاريخ اإلسبلمي‪ ،‬كالعربي‪.‬‬

‫ب ػ معيد بف تسفي لمدراسات الييكدية‪ :‬ييتـ ىذا المعيد بالشؤكف الثقافية الييكدية كمف‬
‫ضمنيا الييكد الذيف عاشكا في الببلد العربية‪ ،‬كمدل إسياماتيـ خبلؿ القركف الماضية‪ .‬كقد‬
‫صدرت عف ىذا المعيد مؤلفات كثيرة تيتـ بالشرؽ‪.‬‬

‫جػ ػ معيد تركماف لدراسات الكفاؽ كالسبلـ‪ :‬تأسس ىذا المعيد في الجامعة العبرية سنة‬
‫ُٕٔٗـ‪ ،‬كيحمؿ اسـ الرئيس األمريكي األسبؽ ىارم تركماف تقدي ار لجيكده في خدمة‬
‫الصييكنية كاسرائيؿ‪ .‬كيضـ ىذا المعيد عدة كحدات متخصصة‪ ،‬أبرزىا كحدة الشرؽ األكسط‪،‬‬
‫كتركز ىذه الكحدة عمي دراسة ما يخدـ إسرائيؿ‪ ،‬في صراعيا مع العرب‪.‬‬

‫د ػ مؤسسة أبحاث الشرؽ األكسط‪ :‬كتعني ىذه المؤسسة بنشر دراسات كأبحاث المستشرقيف‬
‫اإلسرائيمييف في الشؤكف اإلسبلمية كالعربية المختمفة‪.‬‬

‫‪2‬ـ جامعة تل أبيب‪ :‬تأسست ىذا الجامعة عاـ ُٔٓٗـ كتضـ العديد مف الكميات التي‬
‫تشمؿ تخصصات مختمفة‪ ،‬أبرزىا كمية اإلنسانيات كفييا ِِ دائرة دراسية‪ .‬كتضـ جامعة تؿ‬
‫أبيب مؤسسات عديدة تعني بالشؤكف العربية اإلسبلمية كمف أىميا‪:‬‬

‫أػ معيد شيمكاح لمدراسات الشرؽ أكسطية كاألفريقية‪:‬‬

‫‪-354-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أسس ىذا المعيد أحد المستشرقيف مف رجاؿ المخابرات اإلسرائيمية كىك «رئكبيف شيمكاح»‬
‫كأسيـ في تأسيسو كذلؾ إسحاؽ أكركف أحد كبار ضباط الجيش اإلسرائيمي‪ .‬كييتـ ىذا المعيد‬
‫بإجراء الدراسات حكؿ الشرؽ األكسط بعامة‪ ،‬كالدكؿ العربية بشكؿ خاص‪ ،‬كيضـ دكائر‬
‫خاصة في كؿ مف مصر كسكرية كالعراؽ كالسكداف كايراف‪.‬‬

‫ب ػ مركز يافيو لمدراسات اإلستراتيجية‪:‬‬

‫تأسس ىذا المعيد عاـ ُٕٕٗـ كيخدـ بالدرجة األكلى المؤسسة الحاكمة‪ ،‬حيث يقكـ‬
‫بإعداد الدراسات المتعمقة بالمشاكؿ األمنية لمدكؿ األخرل‪ ،‬كيسيـ في إدارتو رجاؿ األمف‬
‫اإلسرائيمي‪ ،‬كاالستخبارات العسكرية‪ ،‬كمف أبرز نشاطات تمؾ األبحاث الخاصة بجيكش الشرؽ‬
‫األكسط كاتجاىات الرأم العاـ في دكؿ المنطقة‪.‬‬

‫كقسما كتتبعيا‬
‫ن‬ ‫رسميا عاـ ُْٔٗـ كتضـ أكثر مف عشريف كمية‬
‫ن‬ ‫‪3‬ـ جامعة حيفا‪ :‬افتتحت‬
‫عدة معاىد ذات طابع استشراقي كمف أبرزىا‪:‬‬

‫أ‪ -‬معيد الدراسات الشرؽ أكسطية‪:‬‬

‫كي ضـ ىذا المعيد عدة أقساـ تعني بالشرؽ األكسط مف الجكانب االقتصادية كالسياسية‬
‫كالتاريخية‪ ،‬كمف أىـ أقسامو المركز الييكدم‪ -‬العربي‪ .‬كلو منشكرات عديدة حكؿ المعتقدات‬
‫كالعادات العربية كاإلسبلمية كيقكـ ىذا المركز بإصدار مجمة «الكرمؿ‪ ،‬كىي مجمة ثقافية‬
‫باإلضافة إلى الدكريات كالنشرات‪.‬‬

‫ب ػ معيد أبحاث الجكالف ػ كتسريف‪:‬‬

‫أقيـ ىذا المعيد في مستكطنة كتسريف بالجكالف المحتمة‪ ،‬كيقكـ ىذا المعيد بأبحاث متعددة‬
‫في مجاالت العمكـ الزراعية كاالجتماعية كغيرىا‪ .‬تيدؼ تقديـ كؿ سبؿ الدعـ الستيطاف‬
‫الجكالف‪ .‬كتفيد التقارير المنشكرة حكؿ ىذا المعيد أف نطاؽ عممو يتعدم األبحاث االستشراقية‬
‫كاالقتصادية‪ ،‬حيث يسيـ إلى حد كبير في المكضكعات المتعمقة بتقكية االتجاه اإلسرائيمي في‬
‫الصراع مع العرب‪ ،‬بيدؼ االحتفاظ بالجكالف المحتمة‪.‬‬

‫‪4‬ـ جامعة بار إيالن‪ ،‬كما تضمو مف مراكز كمعاىد ذات طابع استشراقي‪.‬‬

‫‪5‬ـ جامعة بن جوريون‪.‬‬

‫‪-355155‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كغير ذلؾ مف المؤسسات كالييئات الحككمية كالخاصة‪ ،‬كمف أبرزىا‬

‫المركز األكاديمي اإلسرائيمي بالقاىرة كالذم أنشئ عاـُِٖٗـ‪ .‬كأشرؼ عميو مشاىير‬
‫المستشرقيف اإلسرائيمييف مثؿ‪ :‬شمعكف شامير كجبرائيؿ كأربكرج كأشر عكفديا كيكسؼ جينات‪.‬‬

‫كىذا المعيد يمارس نشاطاتو االستشراقية عف طريؽ إعداد األبحاث كتنظيـ الندكات‬
‫كالمحاضرات كاصدار النشرات كالمجبلت‪.‬‬

‫كبنظرة سريعة فاحصة إلى المناىج التي كانت تدرس في كميات كمعاىد الجامعة العبرية‬
‫عمى سبيؿ المثاؿ‪ ،‬كمف أىميا‪:‬‬

‫ػ كمية الدراسات اإلنسانية بالجامعة العبرية‬

‫ػ معيد الدراسات األسيكية كاألفريقية بالكمية‬

‫ػ معيد الدراسات اإلسبلمية كالشرؽ أكسطية يمكننا استخبلص منيا ما يمي‪:‬‬

‫‪ -1‬شمكلية ىذه الدراسات فيي تتناكؿ جكانب المغة كاألدب كالديف كالتاريخ كاالجتماع‪.‬‬

‫‪ -2‬التركيز عمي الدراسات اإلسبلمية بحيث شممت عقائد اإلسبلـ‪ ،‬كتاريخ الدكؿ اإلسبلمية‬
‫في شتي مراحميا‪ ،‬كدراسة القرآف كالسنة‪....‬‬

‫‪ -3‬االىتماـ باألدب العربي أكثر مف الدراسات المغكية المتخصصة‪ ،‬إذ إف ىذه الدراسات‬
‫المغكية‪ ،‬ال تقدـ المعمكمات المطمكبة مف كراء الدراسة‪ ،‬كالتي تفيد المؤسسة اإلسرائيمية‬
‫الحاكمة‪.‬‬

‫‪ -4‬التركيز اإلسرائيمي عمي دراسة ما يتعمؽ بالدكؿ‪ ،‬خاصة تمؾ التي تعدىا إسرائيؿ دكؿ‬
‫مكاجية ليا‪ ،‬كمصر كالعراؽ كاألردف‪ ،‬كما يتعمؽ بالدكؿ التي ترفع الشعارات اإلسبلمية كإيراف‬
‫مستقببل عمى إسرائيؿ‪ .‬كما تيتـ إسرائيؿ بالدراسات المتعمقة‬
‫ن‬ ‫خطر‬
‫نا‬ ‫كالسكداف باعتبارىا تمثؿ‬
‫بدكؿ الخميج العربي أك دكؿ المغرب العربي‪.‬‬

‫تالمذة المستشرقين‪:‬‬

‫كجد المستشرقكف مف أبناء المسمميف مف جند نفسو لخدمة أىداؼ الغرب في ببلدىـ‪ ،‬فدسكا‬
‫السمكـ‪ ،‬كركجكا أكاذيب المستشرقيف كافتراءاتيـ‪.‬‬

‫‪-356-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫فكانكا رعاة التغريب كأساتذة العممانية كدعاة القكمية‪ ....‬بكقنا لكؿ ناعؽ‪ ،‬ليذا عمؿ الغرب‬
‫عمى تكسيدىـ أعمى المناصب‪ ،‬كصنع حكليـ ىالة مف القداسة‪ ،‬كخمعكا عمييـ األلقاب‬
‫كاألكسمة‪ .‬ككاف مف أىـ ىذه الشخصيات‪:‬‬

‫الدكتكر طو حسيف الذم يك ًٌسد ػ بفضؿ الغرب ػ لقب عميد األدب العربي‪ ،‬مع كجكد أساتذة‬
‫األدب كالفكر العظاـ أمثاؿ‪ :‬عباس محمكد العقاد‪ ،‬كمصطفى صادؽ الرافعي‪.‬‬

‫كمف أىـ كتبو التي عبر فييا طو حسيف عف فكره كتاب «األدب الجاىمي» الذم سار فيو‬
‫عمى خطا أسياده زكيمر كمرجميكث‪ ،‬فك ٌذب فيو القرآف في إخباره عف إبراىيـ كاسماعيؿ‪ ،‬كأنكر‬
‫فيو القراءات السبع‪.‬‬

‫كمف سمكمو كتاب «مستقبؿ الثقافة في مصر» الذم قاؿ فيو‪« :‬إف مصر لـ تكف قط جزنءا‬
‫دائما جزنءا مف حكض البحر األبيض المتكسط‪ ،‬أم الذم يقع فيو‬ ‫مف الشرؽ‪ ،‬كانما كانت ن‬
‫دائما مع أمـ البحر المتكسط‪ ،‬كليست مع‬
‫فرنسا ػ كاف ركابطيا الفكرية كالركحية كالثقافية كانت ن‬
‫الشرؽ»‪.‬‬

‫كمف ىؤالء الشيخ عمي عبد الرزاؽ(ُ) الذم ألؼ كتاب «اإلسبلـ كأصكؿ الحكـ» كقرر فيو‬
‫أف كالية النبي ‪ ‬في الدكلة المسممة كانت كاليةن ركحية‪ ،‬كىي‬
‫أف اإلسبلـ ديف ال دكلة‪ ،‬ك ٌ‬
‫ٌ‬
‫تختمؼ عف كالية الحاكـ المدني صاحب الكالية المادية «الزمنية»‪ .‬كمف تبلمذة المستشرقيف‬
‫كذلؾ‪ :‬سبلمة مكسى‪ ،‬كلطفي السيد‪ ،‬كمحمكد عزمي‪ ،‬كقاسـ أميف‪ ،‬كىدل شعراكم‪...‬إلخ(ِ)‪.‬‬

‫(ُ) كاف ىذا الشيخ أزىريا فباع نفسو بثمف بخس دراىـ معدكدة‪ ،‬كقد طرده األزىر مف صفكفو كمنعو مف التدريس‪ ،‬فخمع‬
‫العمامة األزىرية‪ ،‬كلبس البدلة كفتح مكتب محاماة‪ .‬ككافأه الغرب فترجمكا كتابو إلى عدة لغات‪ ،‬كما زاؿ حتى اليكـ‬
‫مرجعيـ في تسكيغ افتراءاتيـ عمى الديف اإلسبلمي‪.‬‬
‫(ِ) راجع الفكر اإلسبلمي الحديث كصمتو باالستعمار ص ُٕٓ‪ ،َِٖ-َِٔ ،ُٗٓ-ُْٖ ،ُْٔ-‬أساليب الغزك‬
‫الفكرم ص ِِ‪ ،ِْ-‬قكل الشر المتحالفة ص ٕٓ‪.ُٕ-‬‬

‫‪-357157‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫المطمب الثالث‪:‬‬
‫الع ْم َم ِان ّية‪:‬‬
‫َ‬
‫العممانية لغة‪ :‬لـ ترد كممة عمماني في معاجـ المغة العربية القديمة‪ ،‬ألنيا مف األلفاظ التي‬
‫دخمت عمى المغة العربية حديثنا كىي ترجمة غير دقيقة عف الكممة اإلنجميزية‬
‫«‪ »SECULARIS‬كالكممة الفرنسية «‪ »LAIQUE‬كقد جاء معنى العممانية في المعجـ‬
‫الكسيط‪« :‬نسبة إلى العمـ بمعنى العالـ‪ ،‬كىك خبلؼ الديني أك الكينكتي»‪.‬‬

‫كقد أكردت بعض المعاجـ الثنائية المغة كممتا عمماني‪ ،‬كعممانية‪ :‬نسبة إلى العالـ‪ .‬كترجميا‬
‫البعض فقاؿ العممانية مف العمـ‪ ،‬كىذه مف أخطاء الترجمة‪ ،‬فيي كممة ال صمة ليا بمفظ العمـ‬
‫أك مشتقاتو بتاتنا‪ ،‬كأكلى الترجمات أف نقكؿ‪ :‬إف العممانية مرادؼ «البلدينية»‪.‬‬

‫كضبط كممة العممانية عمى األصح بفتح العيف نسبة إلى العالـ‪ ،‬كىك ما نص عميو المعجـ‬
‫الكسيط في طبعتو األكلى‪ ،‬كرجحو الدكتكر عدناف الخطيب كالدكتكر عبدالصبكر شاىيف‬
‫عضكا مجمع المغة العربية بالقاىرة‪.‬‬

‫اصطالحا‪« :‬حركة سياسية تيدؼ إلى تعطيؿ العمؿ بالشريعة‪ ،‬كاجتماعية تيدؼ‬ ‫ً‬ ‫العممانية‬
‫إلى صرؼ الناس عف االىتماـ باآلخرة إلى االىتماـ بالحياة الدنيا كحدىا» (ُ)‪.‬‬

‫مراحؿ نشأة العممانية‪ :‬لمعممانية نشأتاف‪ ،‬قديمة كحديثة‪:‬‬


‫قديما‪:‬‬
‫‪ -1‬نشأة العممانية ً‬
‫جدا في الحياة‬
‫مبكر ن‬
‫«مف كجية النظر اإلسبلمية كاف الفصؿ بيف الديف كالحياة قد كقع نا‬
‫ألف أكركبا قد تمقت المسيحية عقيدة منفصمة عف‬ ‫األكركبية ‪ ..‬منذ اعتناؽ أكركبا لممسيحية‪َّ ،‬‬
‫و‬
‫شيء مف‬ ‫الشريعة ‪ -‬مع ما أصاب العقيدة مف تحريؼ ‪ -‬كلـ تي ىح َّكـ الشريعةي المسيحية في‬

‫(ُ) راجع العممانية‪ ،‬نشأتيا كتطكرىا في الحياة اإلسبلمية ص ُِ‪ ،ِّ-‬اإلسبلـ كالعممانية كجينا لكجو صِْْٔ‪،ْٖ ،‬‬
‫جذكر العممانية صُِّ‪ ،ُِٔ ،ُّّ-‬حاضر العالـ اإلسبلمي ص ٗٔ‪ ،‬مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٓ‪ ،‬كقد‬
‫نقؿ عف دائرة المعارؼ األمريكية‪ :‬العممانية‪ :‬الدنيكية‪ ،‬كفي معجـ العالـ الجديد ىي‪« :‬الركح الدنيكية أك االتجاىات‬
‫الدنيكية‪ ،‬كنحك ذلؾ‪ ،‬كىي عمى كجو الخصكص نظاـ مف المبادئ كالتطبيقات ترفض أم شكؿ مف أشكاؿ اإليماف‬
‫كالعقيدة»‪.‬‬

‫‪-358-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫حياة الناس في أكركبا في غير األحكاؿ الشخصية فحسب‪ ،‬أم إنيا لـ تحكـ األحكاؿ‬
‫السياسية‪ ،‬كال األحكاؿ االقتصادية‪ ،‬كال األحكاؿ االجتماعية في جممتيا»‪.‬‬

‫‪ - 2‬نشأة العممانية الحديثة‪:‬‬

‫كىك إبعاد ما فيمتو أكركبا مف معنى الديف في عصر النيضة عف كاقع الحياة‪ ،‬ىذا الديف‬
‫المتمثؿ في بعض المفاىيـ الدينية‪ ،‬كفي تدخؿ رجاؿ الديف باسـ الديف في السياسة كاالقتصاد‬
‫ثانيا‪.‬‬
‫بعيدا عف الكنيسة أكنال‪ ،‬ثـ عف الديف كمو ن‬
‫كاالجتماع كالعمـ كاألدب كالفف‪ ،‬ثـ إقامة كؿ ىذا ن‬
‫أف يككف لذلؾ أم‬
‫أف يعتقد بكجكد إلو‪ ،‬أك ال يعتقد دكف ٍ‬
‫بمعنى آخر‪ :‬تركت العممانية لمفرد ٍ‬
‫تأثير عمى مجاالت الحياة المختمفة(ُ)‪.‬‬

‫أسباب نشأة العممانية في أكركبا‪:‬‬

‫أكنال‪ :‬االنحراؼ الديني لمكنيسة كالذم تمثؿ‪:‬‬

‫تحريؼ رجاؿ الكنيسة لمديف المسيحي كالذم تمثؿ بأمكر كثيرة أىميا‪:‬‬

‫‪ -1‬عقيدة التثميث‪ :‬كىي ادعاء النصارل بأف اإللو إنما ىك إلو كاحد مف ثبلثة أقانيـ‪.‬‬

‫أكؿ ىذه األقانيـ ىك‪ :‬اآلب ‪ -‬كىي كممة يكنانية بمعنى األصؿ‪ ،‬كثانييا‪ :‬ىك االبف‪،‬‬
‫كثالثيا‪ :‬ىك ركح القدس‪ .‬كالثبلثة إلو كاحد‪.‬‬

‫كبيرا‪.‬‬
‫عمكا ن‬
‫أف المسيح ابف هللا تعالى ‪ -‬تعالى هللا عف ذلؾ ن‬
‫‪ -2‬االدعاء ٌ‬
‫‪ -3‬جعؿ رجاؿ الكنيسة اإلنجيؿ أربعة أناجيؿ‪ ،‬زعمكا أنيا كميا مف كبلـ المسيح عميو‬
‫أف ىذه األناجيؿ مختمطة بكبلـ القساكسة كالرىباف‪.‬‬
‫أف العقؿ كالنقؿ يثبتاف ٌ‬
‫السبلـ‪ ،‬مع ٌ‬
‫‪ -4‬نصب رجاؿ الكنيسة أنفسيـ مشرعيف باسـ هللا‪ ،‬فابتدعكا صمكات‪ ،‬كحممكا كحرمكا‪ ،‬كادعكا‬
‫أف كبلميـ ينزؿ منزلة الكحي‪ ،‬األمر الذم كاف مف نتائجو إصدار صككؾ‬
‫عصمة األحبار‪ ،‬ك ٌ‬
‫الغفراف‪ ،‬كصككؾ الحرماف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬استبداد رجاؿ الكنيسة بالرأم‪ ،‬كمبلحقتيا لممفكريف كالعمماء‪:‬‬


‫ن‬

‫(ُ) راجع مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٕ ‪ ْْٖ -‬بتصرؼ‪ ،‬ص ْْٗ‪ ،َْٓ-‬كانظر اإلسبلـ في مكاجية اإليديكلكجيات‬
‫المعاصرة ص ٗٔ‪ ،ُِّ-ُُِ ،َٕ-‬كاإلسبلـ كالعممانية ص ْٕ‪.ْٗ-‬‬

‫‪-359159‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫منعت الكنيسة حرية الفكر السميـ‪ ،‬كحرقت العمماء كعذبتيـ‪ ،‬فقد كاف مف أكبر أخطاء الكنيسة‬
‫أنيا أضفت القداسة عمى بعض كتب العمكـ التي كرثتيا أكركبا مف بقايا الحضارة الركمانية‬
‫كاإلغريقية‪ ،‬كجعمتيا جزنءا مف الديف‪ ،‬فمف كذبيا أك شؾ في محتكياتيا نسبتو الكنيسة إلى الكفر‬
‫كرمتو باليرطقة‪ ،‬يستحؽ العقاب الشديد الذم قد يصؿ إلى الحرؽ عمى يد رىباف محاكـ‬
‫التفتيش‪...‬‬

‫اختارت الكنيسة أف تككف في الجية المعادية لمعمـ كالحقائؽ العممية‪ ،‬كلمعمماء‪ ،‬فأحرقت‬
‫الككف‪ .‬كاضطر‬ ‫أف األرض ليست مركز‬
‫ألنو اكتشؼ ٌ‬
‫بالنار العالـ «جكرداف بركنك«‪ٌ ،‬‬
‫«جاليمك«أف يتراجع عف القكؿ بدكراف األرض لخكفو مف مصير سمفو‪« ،‬كككبر نيككس»‬
‫أف المنية عاجمتو قبؿ إعدامو‬
‫صاحب كتاب‪ :‬األجراـ السماكية‪ ،‬اعتقمتو محاكـ التفتيش‪ ،‬كلكال ٌ‬
‫لكاف مصيره مثؿ مصير بركنك‪ ،‬فحرمت الكنيسة كتبو كالحقت كؿ مف يقتنييا‪ ،‬كجرمت مثميا‬
‫كتب ديكارت كسبينك از كلكؾ‪ .‬األمر الذم جعؿ كؿ عالـ كصاحب فكر سميـ يجد نفسو بشكؿ‬
‫مباشر في الصؼ المعادم لمكنيسة ككؿ ما تعمؽ بيا‪.‬‬

‫ثالثنا‪ :‬طغياف الكنيسة السياسي‪:‬‬

‫تقاسـ ممكؾ كأمراء أكركبا مع رجاؿ الكنيسة السيادة الكاممة عمى كؿ ما في أكركبا‪ :‬اإلنساف‬
‫كاألرض كالحيكاف كحتى الماء كاليكاء‪ .‬فقد كانت لمكنيسة السمطة الركحية‪ ،‬كلمممكؾ السمطة الزمنية‬
‫تفكيضا‬
‫ن‬ ‫التي تستمد شرعية حكميا مف خبلؿ رضا الكنيسة كمباركتيا ليذا الحكـ أك ذاؾ‪ ،‬بمنحيا‬
‫لمحكـ باسـ الرب «التفكيض اإلليي»‪.‬‬

‫فمف يحرـ منيـ المباركة‪ ،‬فى ىق ىد كرسي الحكـ!!‬

‫لذلؾ كانت سطكة األحبار عمى الحكاـ عظيمة‪ ،‬إذ تدخمكا في شئكف الحكـ ‪ -‬ليس مف أجؿ‬
‫تقكيـ انحرافات الممكؾ أك تطبيؽ الشريعة ‪ -‬بؿ مف أجؿ االستبداد‪ ،‬كبسط السيطرة كالنفكذ‪.‬‬

‫أف يحج مف بمده‬ ‫ًو‬


‫ككـ مف ىممؾ حاكؿ التمرد عمى سمطة الكنيسة‪ ،‬اضطر في نياية المطاؼ ٍ‬
‫اقفا بأبكاب الحبر األعظـ في العراء حتى‬
‫البسا أخشف الثياب‪ ،‬ك ن‬
‫حافيا في شدة البرد ن‬
‫إلى ركما‪ ،‬ن‬
‫يرضى عنو!!‬

‫‪-360-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ابعا‪ :‬طغياف الكنيسة المادم‪:‬‬


‫رن‬
‫المفترض أف يككف رجاؿ الكنيسة أمثمة رائعة لمزىد كالتقشؼ كالبعد عف متاع الحياة الدنيا‬
‫اقتداء بالمسيح عميو السبلـ‪ ،‬كتطبيقنا لما جاء في اإلنجيؿ مف ازدراء الدنيا كما فييا مف متاع‪،‬‬
‫أف رجاؿ الكنيسة كانكا عمى عكس ذلؾ‪.‬‬ ‫غير ٌ‬
‫جدا‪ ،‬استعممكا‬
‫لقد كانكا أشد ث ار نء مف الممكؾ كاألمراء‪ ،‬فقد امتمكت الكنيسة أراضي شاسعة ن‬
‫الناس فييا سخرة‪ ،‬كما فرضكا اإلتاكات عمى كؿ صاحب حرفة‪...‬إلخ(ُ)‪.‬‬

‫تراكمت ىذه األسباب مجتمعة‪ ،‬ككاف ليا األثر الكبير في قياـ الثكرة الفرنسية التي أعمنت‬
‫الحرب عمى الكنيسة كالممكؾ كاألمراء اإلقطاعييف فكاف شعارىا‪ :‬اقتمكا آخر ممؾ بأمعاء آخر‬
‫قسيس‪.‬‬

‫كدعت ىذه الثكرة إلى فصؿ الديف عف الحياة‪ ،‬ثـ تتابعت الثكرات في أكركبا بنفس الطريقة‪،‬‬
‫بعيدا عف سمطة الكنيسة‪ ،‬كاستمدت السمطات الزمنية‬
‫بسف القكانيف الكضعية ن‬
‫فقاـ الساسة الجدد ٌ‬
‫بدال مف شرعية الكنيسة‪ .‬كطغت المادية عمى حساب القيـ كالمبادئ‪.‬‬
‫شرعيتيا مف الشعب ن‬
‫أقساـ العممانية‪ :‬العممانية تنقسـ إلى قسميف‪:‬‬

‫األكؿ‪ :‬العممانية الممحدة‪ :‬كىي التي تنكر الديف بالكمية‪ ،‬كتنكر كجكد هللا الخالؽ القادر جؿ‬
‫في عبله‪ .‬كال تعترؼ بشيء مف ذلؾ‪ ،‬بؿ تحارب كتعادم مف يدعك إلى مجرد اإليماف بكجكد‬
‫هللا‪ ،‬كىذه العممانية عمى فجكرىا ككقاحتيا في التبجح بكفرىا‪ ،‬إال َّ‬
‫أف الحكـ بكفرىا أمر ظاىر‬
‫ميسكر لكافة المسمميف‪ ،‬فبل ينطمي ‪ -‬بحمد هللا ‪ -‬أمرىا عمى المسمميف‪ ،‬كاف كاف ليا خطر‬
‫عظيـ في محاربة الديف‪ ،‬كمعاداة المؤمنيف كحربيـ كايذائيـ بالتعذيب‪ ،‬أك السجف أك القتؿ‪.‬‬
‫( )‬
‫إيمانا نظرنيا‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬العممانية غير الممحدة ِ ‪ :‬كىي عممانية ال تنكر كجكد هللا‪ ،‬كتؤمف بو ن‬

‫(ُ) راجع العممانية ص ُِٕ‪ ،َُِ-‬مذاىب فكرية معاصرة ص ْْٔ‪ ،ِْٔ-‬االتجاىات الفكرية المعاصرة ص ُٓ‪-‬‬
‫ٔٔ‪ ،‬اإلسبلـ في مكاجية اإليديكلكجيات المعاصرة ص ٖٔ‪ ،ّٖ-‬نقد العممانية ص ِٓ‪ ،ِّ-‬المكسكعة الميسرة‬
‫ص ّٕٔ‪.ّٔٗ-‬‬
‫(ِ) العممانية بجميع صكرىا كأشكاليا ىي في الحقيقة ممحدة‪ ،‬ما ينكر منيا كجكد هللا‪ ،‬كما ال ينكر؛ ألف أصؿ اإللحاد‬
‫في لغة العرب ىك‪ :‬العدكؿ عف القصد‪ ،‬كالميؿ إلى الجكر كاالنحراؼ‪ .‬كانما التقسيـ عممانية ممحدة‪ ،‬كغير ممحدة‪،‬‬
‫عمى ما اشتير عند الناس اليكـ‪ :‬أف اإللحاد يطمؽ عمى إنكار كجكد هللا فقط‪.‬‬

‫‪-363161‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫لكنيا تنكر تدخؿ الديف في شؤكف الحكـ‪ ،‬كتنادم بعزؿ الديف عف تنظيـ المجتمع ‪ -‬كىذه‬
‫خطر مف الصكرة السابقة ‪ -‬مف حيث اإلضبلؿ كالتمبيس عمى عكاـ المسمميف‪،‬‬
‫نا‬ ‫الصكرة أشد‬
‫فعدـ إنكارىا لكجكد هللا‪ ،‬كعدـ ظيكر محاربتيا لمتديف(ُ) يغطي عمى أكثر عكاـ المسمميف‬
‫حقيقة ىذه الدعكة الكفرية‪ ،‬فبل يتبينكف ما فييا مف الكفر‪ ،‬لقمة عمميـ‪ ،‬كمعرفتيـ الصحيحة‬
‫بالديف‪ ،‬كىذا القسـ ىك الظاىر المنتشر في الببلد اإلسبلمية‪ ،‬كىك الذم يتكلى محاربة الديف‪،‬‬
‫كمحاربة الدعاة إلى هللا‪ ،‬في نفس الكقت التي يظير فيو رجاليا بمظير المؤمنيف الذيف‬
‫يشيدكف المساجد‪ ،‬أك يأذنكف ببنائيا‪ ،‬كيحرصكف عمى الظيكر في صبلة الجماعة‪ .‬ليخدعكا‬
‫العامة‪.‬‬

‫دخكؿ العممانية إلى العالـ اإلسبلمي‪:‬‬

‫أف‬
‫إذا كانت أكركبا قد انتيجت العممانية بسبب تصرفات الكنيسة‪ ،‬ككاف حرنيا بأكركبا ٍ‬
‫بدال مف البحث عف استعباد‬
‫تبحث عف الديف الذم يصمحيا في دنياىا كينفعيا في آخرتيا ن‬
‫البشر بعضيـ لبعض‪.‬‬

‫فمماذا دخمت العممانية العالـ اإلسبلمي؟ كما ىي أسباب ىذا التمكث؟!!‬

‫يكما‪ ،‬بؿ حث عميو كجعمو مف أفضؿ العبادات‪ ،‬كقد نكه‬


‫فاإلسبلـ لـ يتصادـ مع العمـ ن‬
‫بفضمو كتاب هللا كسنة نبيو ‪.‬‬

‫كاإلسبلـ لـ يحارب العمماء بؿ كرميـ‪ ،‬كرفع مف شأنيـ‪.‬‬

‫كالخمفاء حرصكا عمى االحتفاء بالعمماء‪ ،‬فكانكا أىؿ خاصتيـ‪.‬‬

‫كاإلسبلـ لـ يحارب حقائؽ العمـ‪ ،‬كلـ يصادر كتب العمماء كلـ يحرميا‪ ،‬بؿ كزنيا ليـ‬
‫الخمفاء المسممكف بالذىب‪ ،‬لحثيـ عمى المزيد مف البحث‪.‬‬

‫كاإلسبلـ لـ يجعؿ بيف هللا عز كجؿ‪ ،‬كبيف عباده كسيطنا كال متحدثنا باسمو‪.‬‬

‫ألف الديف انحصر عندىـ في نطاؽ بعض‬ ‫(ُ) كثير مف الناس ال يظير ليـ محاربة العممانية (غير الممحدة) لمديف؛ َّ‬
‫ظنكا أف العممانية‬
‫مثبل الصبلة في المساجد‪ ،‬أك لـ تمنع الحج إلى بيت هللا الحراـ‪ٌ ،‬‬
‫العبادات‪ ،‬فإذا لـ تمنع العممانية ن‬
‫فإنو يعمـ عمـ اليقيف محاربة العممانية لمديف‪ ،‬فيؿ ىناؾ محاربة‬
‫صحيحا‪ٌ ،‬‬
‫ن‬ ‫فيما‬
‫ال تحارب الديف‪ ،‬أما ىمف فيـ الديف ن‬
‫أشد كأكضح مف إقصاء شريعة هللا عف الحكـ في شتى المجاالت؟!‬

‫‪-361-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫دائما أئمة الناس في الجياد كاالستشياد‪ ،‬كفي مقارعة الظالميف مف‬‫عمماء اإلسبلـ كانكا ن‬
‫الحكاـ‪ ،‬كاحتماؿ األذل دكف التنازؿ عف الحؽ‪ ،‬كأكثر أئمة اإلسبلـ ماتكا كليس في بيكتيـ إال‬
‫القميؿ مف متاع الحياة‪.‬‬

‫كمع ىذا دخمت العممانية إلى العالـ اإلسبلمي!!! فمماذا؟‬

‫أسباب دخكؿ العممانية إلي العالـ اإلسبلمي‪:‬‬

‫أكنال‪ :‬انحراؼ األمة عف المنيج القكيـ كالعقيدة الصحيحة‪:‬‬

‫عز‬
‫بأف الحاكمية ﵀ ٌ‬
‫األمر الذم أدل إلى انتقاص معاني التكحيد‪ ،‬كمنيا اإلقرار المطمؽ ٌ‬
‫كجؿ‪ ،‬كااللتزاـ بشريعتو‪ ،‬كانحرفت األمة عف قيميا اإلسبلمية األصيمة‪ ،‬فانتشرت العادات‬
‫كالتقاليد كالقيـ التي ليست مف اإلسبلـ في شيئ‪ ،‬ككذلؾ انتشار األفكار البعيدة عف ركح‬
‫اإلسبلـ كالصكفية‪ ،‬كالمرجئة‪ ،‬كمثمو القكؿ باقفاؿ باب االجتياد في الديف‪...‬الخ‬

‫ثانيا‪ :‬تخمؼ العالـ اإلسبلمي‪ ،‬كنيضة أكركبا المادية العممانية‪:‬‬


‫ن‬
‫كثير مع كصكؿ الدكلة العثمانية إلى‬
‫انحدر العالـ اإلسبلمي إلى دركات مف الجيؿ اتسعت نا‬
‫كقت بدأت فيو أكركبا تنفض عنيا غبار الجيؿ كتؤسس لحضارتيا الجديدة‬ ‫نيايتيا‪ ،‬في و‬
‫مستعينة بما كرثتو مف عمكـ حضارة األمة اإلسبلمية‪ .‬فمما أفاؽ العالـ اإلسبلمي كجد أكركبا‬
‫قد سبقتو بخطكات كاسعة في مياديف الطب كاليندسة كالكيمياء كاألحياء كالفيزياء‪ ...‬كغيرىا‬
‫نكعا‬
‫مف العمكـ التطبيقية‪ .‬باإلضافة إلى تطكر الحياة المادية في أكركبا بشكؿ كبير‪ ،‬مما خمؽ ن‬
‫دائما شأف األمـ الضعيفة‬
‫مف االنبيار في العالـ اإلسبلمي لكؿ ما ىك قادـ مف الغرب ‪ -‬كىذا ن‬
‫اعا بذراع‪ ،‬إذ‬
‫شبر بشبر كذر ن‬
‫‪ -‬فنشأت ناشئة مف أبناء المسمميف تدعك إلى اتباع سنف الغرب نا‬
‫دعانا ىؤالء إلى استيراد الفكر كالثٌياب‪ ،‬كالثقافة كالقيـ‪ ،‬كالعادات كالسمكؾ مف أكركبا حتى‬
‫نستطيع الكصكؿ إلى ما كصمكا إليو‪.‬‬

‫ثالثنا‪ :‬المخططات الصميبية الييكدية‪:‬‬

‫خططت أكركبا مف أجؿ السيطرة عمى العالـ اإلسبلمي كاقتساـ تركة الرجؿ المريض‬
‫«الخبلفة العثمانية»‪ ،‬ككانت ىذه الخطط تمر بمرحمتيف‪:‬‬

‫المرحمة األكلى‪ :‬االحتبلؿ العسكرم‪ ،‬كاسقاط الخبلفة العثمانية‪ ،‬كمف خبلؿ ىذا االحتبلؿ‬

‫‪-361163‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫يجرم زرع بذكر‪:‬‬

‫أ ‪ -‬محاربة التعميـ اإلسبلمي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ىدـ العمؿ بالشريعة اإلسبلمية‪.‬‬

‫المرحمة الثانية‪ :‬الغزك الفكرم لمعالـ اإلسبلمي عف طريؽ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬بعثات المبشريف كالمستشرقيف‪ :‬كقد تقدـ الحديث عف البعثات التبشيرية‪ ،‬كدكر‬


‫المستشرقيف في زعزعة ثقة المسمميف في دينيـ‪ ،‬كاخراجيـ منو‪ ،‬كتشكيكيـ فيو‪ ،‬حتى كاف لـ‬
‫يعتنقكا النصرانية‪ ،‬كليس أجدل مف العممانية كسيمة ليذا الغرض‪ ،‬كاف شئت فارجع إلى كتاب‬
‫يف لؾ ذلؾ‪ .‬كىؤالء المبشركف كالمستشرقكف‪ :‬إما مف‬
‫مثبل يلي ىب ى‬
‫«الغارة عمى العالـ اإلسبلمي» ن‬
‫الغربييف مثؿ «زكيمر» ك«دنمكب» ‪ ،‬كاما مف نصارل العرب مثؿ «أديب إسحاؽ» ك«شبمي‬
‫شميؿ» ك«سبلمة مكسى» ك«جرجي زيداف» كأضرابيـ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬العمبلء كالمأجكريف العامميف عمى نشر الفكر األكركبي كثقافتو‪ ،‬كقد كاف ذلؾ في أكؿ‬
‫األمر عبر البعثات التي ذىبت مف الشرؽ إلى الغرب لطمب العمـ كالتقدـ‪ ،‬فعاد الكثير منيا‬
‫بالعممانية ال بالعمـ‪ ،‬ذىبكا لدراسة الفيزياء كاألحياء كالكيمياء كالجيكلكجيا كالفمؾ كالرياضيات‬
‫فعادكا باألدب كالمغات كاالقتصاد كالسياسة كالعمكـ االجتماعية كالنفسية‪ ،‬بؿ كبدراسة األدياف‬
‫أف تتصكر حاؿ شاب مراىؽ ذىب يحمؿ‬ ‫كبالذات الديف اإلسبلمي في الجامعات الغربية‪ ،‬كلؾ ٍ‬
‫الشيادة الثانكية‪ ،‬كيمقى بو بيف أساطيف الفكر العمماني الغربي عمى اختبلؼ مدارسو‪ ،‬بعد أف‬
‫يككف قد سقط إلى شحمة أذنيو في حمئة اإلباحية كالتحمؿ األخبلقي؛ كما أكجد كؿ ذلؾ لديو مف‬
‫صدمة نفسية كاضطراب فكرم‪ ،‬ليعكد بعد عقد مف السنيف بأعمى األلقاب األكاديمية‪ ....‬إنو لف‬
‫كمدنكه‪ ،‬كىك ال يممؾ غير ذلؾ‪ ،‬كلئف كاف‬
‫ككيبل تجارنيا لمف عمٌمكه كثقٌفكه ٌ‬
‫يككف بالضركرة إال ن‬
‫فإنو األغمب كبالذات في أكائؿ عصر البعثات‪ ،‬كما‬
‫عاما‪ٌ ،‬‬
‫ىذا التكصيؼ لمبعثات الدراسية ليس ن‬
‫«طو حسيف» ك«رفاعة الطيطاكم» ك«زكي نجيب محمكد» ك«محمكد أميف العالـ» ك«فؤاد‬
‫زكريا» ك«عبدالرحمف بدكم» كغيرىـ إال أمثمة عمى ذلؾ‪ ،‬كلئف كاف ىذا الدكر لمبعثات العممية‬
‫تـ ابتداء مف خبلؿ االبتعاث لعكاصـ الغرب فإف الحكاضر العربية الكبرل مثؿ «القاىرة ‪ -‬بغداد‬
‫‪ -‬دمشؽ» أصبحت بعد ذلؾ مف مراكز التصدير العمماني لمببلد العربية األخرل‪ ،‬مف خبلؿ‬
‫كقؿ مف يسمـ مف تمؾ المكثات الفكرية العممانية‪ ،‬حتى أصبح في‬
‫جامعاتيا كتنظيماتيا كأحزابيا‪ٌ ،‬‬
‫‪-364-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫داخؿ األمة طابكر خامس‪ ،‬كجيتو غير كجيتيا كقبمتو غير قبمتيا‪ ،‬كانيـ ألكبر مشكمة تكاجو‬
‫األمة لفترة مف الزمف ليست بالقميمة‪.‬‬

‫ج‪ - -‬المدارس كالجامعات األجنبية‪ :‬في أكاخر الدكلة العثمانية حيف سيطر الماسكنيكف‬
‫العممانيكف عمى مقاليد الحكـ‪ ،‬يسمح لمبعثات التبشيرية كالسفارات الغربية بإنشاء المدارس‬
‫كالكميات‪ ،‬كانتشرت في ببلد الشاـ كاألناضكؿ انتشار النار في اليشيـ‪ ،‬كخرجت أجياؿ مف‬
‫أبناء كبنات المسمميف‪ ،‬أصبحكا بعد ذلؾ قادة الفكر كالثقافة كدعاة التحرير كاالنحبلؿ‪ .‬كمف‬
‫األمثمة عمى ذلؾ الجامعة األمريكية في بيركت‪ ،‬كالتي في أحضانيا نشأت العديد مف‬
‫الحركات كالجمعيات العممانية‪ ،‬كقد سرت العدكل بعد ذلؾ إلى الكثير مف الجامعات‪،‬‬
‫كالمؤسسات التعميمية الرسمية في العديد مف الببلد العربية كاإلسبلمية‪ ،‬كقد قاـ خريجك ىذه‬
‫المدارس كالجامعات بممارسة الدكر نفسو حيف عادكا لبمدانيـ‪ ،‬إذ قاـ العممانيكف العرب مف‬
‫الذيف استقدمكا لمتدريس في تربية طبلبيـ كاقناعيـ بالعممانية‪ ،‬سكاء مف خبلؿ التنظيمات‬
‫الحزبية أك مف خبلؿ البناء الفكرم الثقافي ألكلئؾ الطبلب‪.‬‬

‫د ‪ -‬الجمعيات كالمنظمات كاألحزاب العممانية‪ :‬التي انتشرت في األقطار العربية كاإلسبلمية‪،‬‬


‫ما بيف يسارية كليبرالية كقكمية كأممية كسياسية كاجتماعية كثقافية كأدبية‪ ،‬بجميع األلكاف كاألطياؼ‬
‫كفي جميع البمداف‪ ،‬حيث أف النخب الثقافية في غالب األحياف كانكا إما مف خريجي الجامعات‬
‫الغربية أك الجامعات السائرة عمى النيج ذاتو في الشرؽ‪ ،‬كبعد أف تكاثركا في المجتمع عمدكا إلى‬
‫إنشاء األحزاب القكمية أك الشيكعية أك الميبرالية‪ ،‬كجميعيا تتفؽ في الطرح العمماني‪ ،‬ككذلؾ أقامكا‬
‫الجمعيات األدبية كالمنظمات اإلقميمية أك المينية‪ ،‬كقد تختمؼ ىذه التجمعات في أم شيء إال في‬
‫تبني العممانية‪ ،‬كالسعي لعممنة األمة كؿ مف زاكية اىتمامو‪ ،‬كالجانب الذم يعمؿ مف خبللو‪.‬‬

‫كمف األمكر البلفتة لمنظر أف أشير األحزاب العممانية القكمية العربية إنما أسسيا نصارل‬
‫بعضيـ ليسكا مف أصكؿ عربية‪ ،‬أمثاؿ «ميشيؿ عفمؽ» ك«جكرج حبش»‪ ،‬كالكثرة الساحقة مف‬
‫األحزاب الشيكعية العممانية‪ ،‬إنما أسسيا ييكد مميكنيرات أمثاؿ «ككريؿ»‪.‬‬

‫ىػ‪ -‬البعثات الدبمكماسية‪ :‬سكاء كانت بعثات لمدكؿ الغربية في الشرؽ‪ ،‬أك لمدكؿ الشرقية‬
‫جسكر تمر خبلليا عممانية الغرب األقكل‪ ،‬إلى‬
‫نا‬ ‫في الغرب‪ ،‬فقد أصبحت في األعـ األغمب‬
‫الشرؽ األضعؼ مف خبلؿ اإليفاد‪ ،‬كمف خبلؿ المنح الدراسية كحمقات البحث العممي‪،‬‬

‫‪-365165‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كالتكاصؿ االجتماعي‪ ،‬كالمناسبات كالحفبلت‪ ،‬كمف خبلؿ الضغكط الدبمكماسية كاالبتزاز‬


‫االقتصادم‪ ،‬كليس بً ًس ٌور أف بعض الدكؿ الكبرل أكثر أىمية كسمطة مف القصر الرئاسي‪ ،‬أك‬
‫مجمس الكزراء في تمؾ الدكؿ الضعيفة التابعة‪.‬‬

‫وسائل نشر العممانية في العالم اإلسالمي‪:‬‬

‫سبيبل إال سمككه مف أجؿ بسط ركح العممانية في األمة اإلسبلمية‬


‫لـ يترؾ أكلياء العممانية ن‬
‫كنشر رياحيا الخبيثة فكاف مف ىذه السبؿ‪:‬‬

‫ُ‪ -‬عممنة المناىج التعميمية عف طريؽ‪:‬‬

‫أ‪ -‬بث األفكار العممانية في ثنايا المكاد الدراسية بالنسبة لمتبلميذ‪ ،‬كالطبلب في مختمؼ‬
‫م ارحؿ التعميـ‪.‬‬

‫ب‪ -‬جعؿ مادة الديف مادة ىامشية‪ ،‬حيث يككف مكضعيا في آخر اليكـ الدراسي‪ ،‬كىي في‬
‫الكقت نفسو ال تؤثر في تقديرات الطبلب‪ ،‬مع تقميص الفترة الزمنية المتاحة لممادة الدينية إلى‬
‫أقصى حد ممكف‪.‬‬

‫ألنيا كاضحة صريحة في كشؼ باطميـ‪ .‬مع‬ ‫ج‪ -‬منع تدريس بعض النصكص القرآف كالسنة‪ٌ ،‬‬
‫العمؿ عمى تحريؼ النصكص الشرعية عف طريؽ تقديـ شركح مقتضبة كمبتكرة ليا‪ ،‬بحيث‬
‫تبدك ككأنيا تؤيد الفكر العمماني‪ ،‬أك عمى األقؿ أنيا ال تعارضو‪.‬‬

‫د‪ -‬محاربة األساتذة المتمسكيف بدينيـ‪ ،‬الداعيف لو‪ ،‬كالمعتزيف بانتمائيـ إليو‪ ،‬كذلؾ عف‬
‫طريؽ كثرة نقميـ مف مدرسة إلى أخرل‪ ،‬أك بتحكيميـ إلى كظائؼ إدارية‪ ،‬أك تدبير المكائد‬
‫ليـ‪...‬إلخ‬

‫ِ‪ -‬عممنة اإلعبلـ كاألدب‪ :‬كذلؾ عف طريؽ‪:‬‬

‫دينيا‪ ،‬باعتبارىا النكاة‬


‫أ‪ -‬نشر اإلباحية كالفكضى األخبلقية‪ ،‬كمحاكلة ىدـ بنياف األسرة ن‬
‫األكلى في البنية االجتماعية‪ ،‬كتشجيع ذلؾ كالحض عميو‪ ،‬كذلؾ عبر القصص كالركايات‬
‫كاألفبلـ كالمسرحيات كالمسمسبلت التي تيدـ القيـ‪ ،‬كتشيع الفساد‪.‬‬

‫‪-366-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ب‪ -‬كسائؿ اإلعبلـ المختمفة مف صحؼ كمجبلت كاذاعة كتمفاز التي ال تكؿ كال تمؿ مف‬
‫كنيارا‪.‬‬
‫ن‬ ‫ليبل‬
‫محاربة الفضيمة‪ ،‬كنشر الرذيمة بالتمميح مرة‪ ،‬كبالتصريح مرة أخرل ن‬
‫ج‪ -‬اىتماـ اإلعبلـ المرئي كالمسمكع بالمكضكعات اليابطة‪ ،‬كاغفاؿ قضايا األمة الخطيرة‪،‬‬
‫مثالو االىتماـ بأخبار المطربيف كالفنانيف كالراقصات‪...‬إلخ كأخبار المبلعب كالبلعبيف‪...‬إلخ‬
‫بدال عف استنياض اليمـ لعزائـ األمكر‪ ،‬كترؾ الحديث عما نزؿ باألمة مف نكبات‪ ،‬كما‬
‫ن‬
‫يكاجييا مف تحديات‪.‬‬

‫ّ‪ -‬عممنة القكانيف‪ :‬عف طريؽ‪:‬‬

‫أ‪ -‬رفض الحكـ بما أنزؿ هللا سبحانو كتعالى‪.‬‬

‫ب‪ -‬إقصاء الشريعة اإلسبلمية عف كافة مجاالت الحياة‪،‬‬

‫ج‪ -‬ترسيخ العمؿ بالقكانيف الكضعية المستكردة عف القكانيف الغربية‪ ،‬كاإلنجميزية‬


‫كالفرنسية‪...‬إلخ‪.‬‬

‫د‪ -‬اعتبار الدعكة إلى العكدة إلى الحكـ بما أنزؿ هللا كىجر القكانيف الكضعية‪ ،‬تخمفنا كرجعية‬
‫كسببا في السخرية مف أصحاب ىذه الدعكة كاحتقارىـ‪ ،‬كابعادىـ‬ ‫ن‬ ‫كردة عف التقدـ كالحضارة‪،‬‬
‫عف تكلي الكظائؼ اليامة في األمة‪ ،‬سكاء التي تتعمؽ بالجانب التشريعي أك ذات التأثير‬
‫الكبير عمى ق ارراتيا‪.‬‬

‫ىػ‪ -‬سف القكانيف التي تبيح الرذيمة‪ ،‬كال تعاقب عمييا‪ ،‬كتعتبر ممارسة الزنا كالشذكذ مف‬
‫باب الحرية الشخصية‪ ،‬التي يجب أف تككف مكفكلة كمصكنة‪.‬‬

‫ْ‪ -‬محاربة الصحكة اإلسبلمية عف طريؽ‪:‬‬

‫أ‪ -‬تضييؽ الخناؽ عمى نشر كتب المفكريف اإلسبلمييف‪ ،‬مع إفساح المجاؿ لمكتب الضالة‬
‫المنحرفة التي تشكؾ في العقيدة اإلسبلمية‪ ،‬كالشريعة اإلسبلمية‪.‬‬

‫ب‪ -‬إفساح المجاؿ في كسائؿ اإلعبلـ المختمفة لمعممانييف المنحرفيف لمخاطبة أكبر عدد مف‬
‫الناس لنشر الفكر الضاؿ المنحرؼ‪ ،‬كلتحريؼ معاني النصكص الشرعية‪ ،‬مع إغبلؽ كسائؿ‬
‫ً‬
‫بصركف الناس بحقيقة الديف‪.‬‬
‫اإلعبلـ في كجو عمماء المسمميف الذيف يي ٌ‬

‫‪-367167‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ج‪ -‬مطاردة الدعاة إلى هللا‪ ،‬كمحاربتيـ‪ ،‬كالصاؽ التيـ الباطمة بيـ‪ ،‬كنعتيـ باألكصاؼ‬
‫عقميا‪ ،‬كرجعيكف‪ ،‬كمتطرفكف متعصبكف‬
‫الذميمة‪ ،‬كتصكيرىـ عمى أنيـ متخمفكف فكرنيا كمتحجرة ن‬
‫كيدعكف األصكؿ‪.‬‬
‫ال معرفة ليـ بالكاقع‪ ،‬يتمسككف بالقشكر ى‬
‫د‪ -‬التخمص مف المسمميف الذيف ال ييادنكف العممانية‪ ،‬كذلؾ عف طريؽ النفي أك السجف أك‬
‫القتؿ‪.‬‬

‫نكعا مف أنكاع اليمجية‬


‫ىػ ‪ -‬إنكار فريضة الجياد في سبيؿ هللا‪ ،‬كمياجمتيا كاعتبارىا ن‬
‫كقطع الطريؽ‪ .‬كذلؾ أف الجياد في سبيؿ هللا معناه القتاؿ لتككف كممة هللا ىي العميا‪ ،‬كحتى ال‬
‫يككف في األرض سمطاف لو القكة كالغمبة كالحكـ إال سمطاف اإلسبلـ‪ ،‬كالقكـ ‪ -‬أم العممانييف‬
‫‪ -‬قد عزلكا الديف عف التدخؿ في شؤكف الدنيا‪ ،‬كجعمكا الديف‪ -‬في أحسف أقكاليـ ‪ -‬عبلقة‬
‫خاصة بيف اإلنساف كما يعبد‪ ،‬بحيث ال يككف ليذه العبادة تأثير في أقكالو كأفعالو كسمككو‬
‫خارج مكاف العبادة‪.‬‬

‫آثار عممنة العالـ اإلسبلمي‪:‬‬

‫جركا عمييا الكيبلت‪ ،‬أثركا في‬


‫ُ‪ -‬ابتمي العالـ اإلسبلمي بعدد ممف انتسب ليذه األمة ٌ‬
‫أثر بالغ الضرر مف أمثاؿ كماؿ أتاتكرؾ‪ ،‬كرفاعة رافع الطيطاكم‪ ،‬كالدكتكر طو‬ ‫مستقبميا نا‬
‫حسيف‪ ،‬كقاسـ أميف‪ ...‬فيؤالء كأمثاليـ كاف ليـ الدكر البارز في‪:‬‬

‫أ ‪ -‬القضاء عمى الخبلفة العثمانية التي جمعت أشتات المسمميف‪.‬‬

‫ب ‪ -‬فصؿ الديف عف الدكلة كمحاربة اإلسبلـ في كؿ المجاالت‪.‬‬

‫ج‪ - -‬محاربة المغة العربية كآدابيا‪.‬‬

‫د ‪ -‬الدعكة إلى السير في ركاب أكركبا‪.‬‬

‫ىػ ‪ -‬محاربة الفكر اإلسبلمي‪ ،‬كاثارة قضايا التحرر كالحجاب‪ ،‬كالميراث‪.‬‬

‫ِ‪ -‬تركت العممانية أثرىا البالغ عمى المجتمع اإلسبلمي فأفسدت المرأة عمي دينيا كدكرىا‬
‫األصمي‪ ،‬كتميعت األخبلؽ‪ ،‬كشاع االختبلط‪ ،‬ككثر المقطاء‪ ،‬كراجت المخدرات‪ ،‬كضعفت‬
‫القيـ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪-368-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫بميغا‪ ،‬فقد يغيب القرآف الكريـ‬


‫ّ‪ -‬أثىير العممانية عمى الحياة السياسية كأساليب الحكـ كاف ن‬
‫كالسنة المطيرة عف دكاكيف الحكـ بالكمية‪ ،‬كما عاد لمشريعة إال ما سمي بقكانيف األحكاؿ‬
‫الشخصية‪ - ،‬كالتي تحارب اآلف‪ ،‬كتكجو إلييا السياـ النتزاعيا مف الديف كذلؾ‪ .‬كسادت‬
‫نظريات السياسة كالحكـ البلدينية‪.‬‬

‫ْ‪ -‬كاف لمعممانية أثرىا الكبير عمى النظاـ االقتصادم في ببلد المسمميف إلبعاده عف‬
‫المنيج اإلسبلمي‪ ،‬فقد انتشر الربا‪ ،‬كتعددت طرقو‪ ،‬كقامت المعامبلت التجارية عمى أسس‬
‫االستغبلؿ كالجشع كالغش‪ ،‬كتعددت أنكاع الكسب الحراـ‪ ،‬كسادت نظريات السكؽ االستيبلكية‬
‫الرأسمالية(ُ)‪.‬‬

‫العممانية في ميزان اإلسالم‪:‬‬

‫ال يمتقي اإلسبلـ كالعممانية في أم مجاؿ ‪ -‬سكاء كانت الممحدة؛ المنكرة لكجكد هللا تعالى‪،‬‬
‫ألف منطمقات كؿ منيما مختمفة‬
‫أبدا‪ٌ ،‬‬
‫أف يمتقيا اإلسبلـ كالعممانية ن‬
‫أك غير الممحدة‪ ،‬كال يتصكر ٍ‬
‫تماما‪ ،‬حتى كاف ادعت العممانية أنيا تحافظ عمى دكر العبادة‪ ،‬أك ادعكا أنيـ يصمكف أك‬ ‫ن‬
‫يحجكف أك يؤدكف الزكاة‪ ...‬لماذا؟‬

‫ألف الجاىمية التي حاربت اإلسبلـ بشراسة كانت تقر بكجكد هللا تعالى‪ ،‬ككانكا يقركف بأنو‬ ‫ٌ‬
‫ض ك ىس َّخر َّ‬
‫الش ٍم ىس ىكاٍلقى ىم ىر‬ ‫مالؾ السمكات كاألرض‪﴿ ،‬كلىئًف سأىٍلتىيـ َّمف خمىؽ َّ ً‬
‫الس ىم ىاكات ىك ٍاأل ٍىر ى ى ى‬ ‫ى ي ٍ ى ى‬ ‫ى‬
‫كف﴾ العنكبكت‪ ،ُٔ:‬كمع ذلؾ عبدت األلية!!‬ ‫اَّللي فىأىنَّى يي ٍؤفى يك ى‬
‫لىىيقيكلي َّف َّ‬
‫كبيرا‪،‬‬
‫عمكا ن‬
‫ككانكا يؤمنكف بكجكد المبلئكة‪ ،‬كقالكا عنيا‪ :‬بنات هللا ‪ -‬تعالى هللا عف ذلؾ ن‬
‫أف هللا قد أرسؿ الرسؿ مف قبؿ مثؿ إبراىيـ كمكسى كعيسى كصالح كىكد كشعيب‬ ‫كيعرفكف ٌ‬
‫أف هللا تعالى قد أنزؿ التكراة كاإلنجيؿ‪ ،‬باإلضافة إلى بعض‬
‫عمييـ السبلـ‪ ،‬ككانكا يعممكف ٌ‬
‫العبادات كالطكاؼ كالحج كالعمرة‪.‬‬

‫أىؿ الجاىمية رفضكا اإلقرار بمقتضى اإليماف‬


‫ألف ى‬
‫كمع ذلؾ سماىـ القرآف بالجاىمية ٌ‬
‫بكحدانية هللا تعالى كىي‪:‬‬

‫(ُ) راجع العممانية ص َٕٓ ‪ ،ْْٔ -‬االتجاىات الفكرية المعاصرة ص ٕٔ‪ ،ُُٖ -ْٖ ،ُٕ-‬نقد العممانية ص ٗ‪،ُٗ-‬‬
‫الحمكؿ المستكردة ككيؼ جنت عمى أمتنا؟ ص ْٕ‪ ،ِٓ-‬المكسكعة الميسرة ص ّٗٔ‪ ،ِّٕ-‬أساليب الغزك الفكرم ص‬
‫ِٔ‪ ،ْٕ-‬حاضر العالـ اإلسبلمي صِٗ‪.ََُ-‬‬

‫‪-369169‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أول‪ :‬الحكم بما أنزل هللا تعالى‪:‬‬

‫أصبل تقكـ عمى مبدأ فصؿ الديف عف الحياة‪،‬‬


‫ن‬ ‫فالعممانية ترفض الحكـ بما أنزؿ هللا‪ ،‬ألنيا‬
‫ألف الديف عندىـ ال شأف لو بالحياة‪ .‬كىذا يعني رفض‬
‫كترفض قكاعده العامة‪ ،‬كالقيـ الصادرة عنو‪ٌ ،‬‬
‫الشريعة الربانية‪ ،‬كاالحتكاـ إلى شرائع كضعية‪ ،‬األمر الذم يخالؼ بالكامؿ قضية تكحيد هللا‬
‫ً‬
‫تعالى‪ .‬قاؿ تعالى‪﴿ :‬الى إً ٍكىراهى ًفي ٌ‬
‫الد ً‬
‫يف﴾ البقرة‪ِٓٔ:‬‬

‫كالطاغكت ىك حكـ البشر كتشريع البشر‪.‬‬

‫العممانية تقر بمبدأ الحريات‪ ،‬فيجكز في ظميا الدعكة إلى كؿ األفكار كالمبادئ شيكعية‬
‫كانت أك بعثية أك كثنية‪ ،‬لكنيا ال تقبؿ الدعكة إلى ديف هللا‪ ،‬كالدعكة إلى تطبيؽ أحكامو كقيمو‪،‬‬
‫ألنيا دكلة العممانية التي تفصؿ الديف عف الحياة!! كتحت ىذا الشعار طردت نائبة انتخبيا‬
‫الشعب في المجمس النيابي في تركيا‪ ،‬ألٌنيا ترتدم الحجاب!!‬

‫كباسـ العممانية أقصي حزب السبلمة التركي المنتخب مف الشعب بسبب تكجيو اإلسبلمي‪،‬‬
‫خطر‬
‫نا‬ ‫أخير مف ممارسة العمؿ السياسي‪ ،‬ألنو يشكؿ‬
‫كسجف رئيس ىذا الحزب مرنارا‪ ،‬كمنع نا‬
‫عمى العممانية‪.‬‬

‫كبسببيا تمنع المحجبات في تركيا كفي فرنسا كتكنس مف دخكؿ المدارس كالجامعات‪.‬‬

‫لقد أصبحت العممانية دينيـ كفكرىـ مف دكف هللا تعالى‪ ،‬فقاؿ عنيـ‪:‬‬
‫الديف اٍل ىخالًص كالًَّذيف اتَّ ىخ يذكا ًمف دكنً ًو أىكلًياء ما نعبدىـ إً َّال لًيقى ًربكنا إًلىى ًَّ‬
‫اَّلل يزٍلفىى‬ ‫ًً ً‬
‫ي ٌي ى‬ ‫ٍ ى ى ى ٍيي يٍ‬ ‫ي‬ ‫ي ى ى‬ ‫﴿أ ىىال ََّّلل ٌ ي‬
‫ب ىكفَّ هار﴾ الزمر‪.ّ:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كف إً َّف َّ‬ ‫ًً ً‬ ‫ً‬ ‫إً َّف َّ‬
‫اَّللى ىال ىي ٍيدم ىم ٍف يى ىك ىكاذ ه‬ ‫اَّللى ىي ٍح يك يـ ىب ٍي ىنيي ٍـ في ىما يى ٍـ فيو ىي ٍختىمفي ى‬
‫ثانيا‪ :‬العبادة الخالصة هلل تعالى‪:‬‬
‫ً‬
‫فإف العممانية غير الممحدة‪ ،‬كاف كانت تقر بحرية العبادة لمناس عمى أنيا عبلقة بيف العبد‬
‫كبير مف مفيكـ العبادة‪.‬‬
‫جانبا نا‬
‫كربو‪ ،‬فمعنى ذلؾ أنيا ىدمت ن‬
‫ألف العبادة ىي‪« :‬اسـ جامع لكؿ ما يحبو هللا كيرضاه مف األقكاؿ كاألعماؿ الباطنة كالظاىرة»‪.‬‬

‫العبادة سر الكجكد اإلنساني‪ ،‬كلذا فكؿ حركة قمبية‪ ،‬ككؿ حركة بالجكارح عبادة ﵀ تعالى‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ام‬ ‫كقد أمر هللا تعالى رسكلو أف يعمنيا في الناس بكؿ قكة‪ ﴿ :‬يق ٍؿ إً َّف ى‬
‫صبلىتي ىكين يسكي ىك ىم ٍح ىي ى‬

‫‪-370-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ً‬ ‫ً ًً‬
‫يف﴾ األنعاـ‪.ُِٔ:‬‬ ‫ىك ىم ىماتي ٌَّلل ىر ًٌ‬
‫ب اٍل ىعالىم ى‬
‫إف عبلقة المسمـ بربو‪ ،‬كعبلقتو بكالديو كاخكانو كزكجتو كأكالده ك ٌأرحامو كجيرانو كمجتمعو‬
‫كدكلتو عبادة‪.‬‬

‫كصبره عمى العمـ‪ ،‬كاجادتو لمصناعة كالزراعة كسائر أنكاع الحرؼ‬


‫ى‬ ‫كا ٌف لى ٍي ىك المؤ ًم ًف ى‬
‫كمتعتىو‪،‬‬
‫كالميف‪ ...‬عبادة ﵀ رب العالميف‪.‬‬

‫فإف اإلسبلـ يدخؿ في التشريع‪ ،‬كفي األخبلؽ كاآلداب العامة الفردية‬


‫بيذا المفيكـ الشامؿ ٌ‬
‫كاألسرية‪ ،‬كفي االقتصاد كفي االجتماع كفي الفنكف كفي السياسة‪.‬‬

‫أف يختار العبكدية ﵀ تعالى‪ ،‬كاما أف‬


‫كاإلنساف عمى مفترؽ طريقيف ال ثالث ليما‪ :‬إما ٍ‬
‫يرفض ىذه العبكدية فيقع ال محالة في العبادة لغير هللا تعالى‪.‬‬

‫ككؿ عبادة لغير هللا ميما صغرت إنما ىي عبادة لمشيطاف قاؿ تعالى‪ ﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾ [البقرة‪.]ِٓٔ:‬‬

‫فيؿ تقبؿ العممانية ىذه المفاىيـ؟‬

‫تماما(ُ)‪.‬‬
‫أبدا ‪ -‬لـ تعد عممانية؟ ألنيا غير ذلؾ ن‬
‫إف قبمتيا ‪ -‬كلف تقبميا ن‬

‫ثالثًا‪ :‬عداء العممانية لإلسالم ولمدعاة أمر ثابت‪:‬‬

‫أصبل مف خبلؿ‬
‫ن‬ ‫ليس غر نيبا القكؿ بأف تحارب العممانية اإلسبلـ ‪ -‬كىي الفكرة التي نمت‬
‫العداء لمكنيسة ككؿ ما انبثؽ عنيا مف تعاليـ‪ ،‬ىذا األمر انسحب عندىـ عمى كؿ الرساالت‬
‫السماكية‪ ،‬كديف اإلسبلـ‪ ،‬أكبر ىذه الرساالت التي تتعرض ليذا العدكاف ألنو ديف كدكلة‪،‬‬
‫يمينا‪...‬الخ‬
‫يسارا‪ ،‬أك ن‬
‫ن‬ ‫عقيدة كشريعة‪ ،‬عبادة كمعاممة‪ ،‬كقد تقدـ أف العممانييف سكاء كانكا‬
‫اجتماعيا‬
‫ن‬ ‫يرفضكف الحكـ بما أنزؿ هللا‪ ،‬كيرفضكف أف يككف اإلسبلـ نسيج الدكلة كالمجتمع‬
‫يعيا‪ ،‬األمر الذم جعؿ العبلمة ابف باز رحمو هللا أف يككف فييـ‪« :‬ىـ أكفر‬
‫اقتصاديا كتشر ن‬
‫ن‬ ‫ك‬
‫مف الييكد كالنصارل»‪.‬‬

‫(ُ) راجع العممانية صٗٔٔ‪ ،ُِٕ-‬اإلسبلـ كالعممانية صّٗ‪ ،َُّ-‬كالمذاىب كاألفكار المعاصرة صَِٔ‪.ِٖٔ-‬‬

‫‪-373171‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫لـ يكتؼ العممانيكف بذلؾ بؿ خطكا خطكة أخرل بمحاكلة تشكيو العمماء العامميف‪ ،‬كالدعاة‬
‫المخمصيف ليذا الديف‪ ،‬راكبيف في ذلؾ مراكب الغرب باتياـ الحركات اإلسبلمية باإلرىاب‪،‬‬
‫كعمماء اإلسبلـ بالجمكد كالتخمؼ تارة‪ ،‬كبالسعي كراء مكاسب سياسية أك مادية‪ ..‬إلخ كىؤالء‬
‫العممانيكف‪ ،‬يتستركف كراء أسماء مختمفة‪ ،‬فيـ تارة ديمقراطيكف‪ ،‬كتارة تقدميكف أك اشتراكيكف‪،‬‬
‫يتحالفكف مع كؿ أنظمة الطغياف كالظمـ في مكاجية اإلسبلـ كأىمو‪ ،‬بؿ اصطؼ ىؤالء مع‬
‫الغرب في صؼ كاحد في الحرب الدائرة ضد العالـ اإلسبلمي‪.‬‬

‫‪-371-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫المطمب الرابع‪:‬‬
‫الديمقراطية‪:‬‬
‫الديمقراطية كممة مشتقة مف مصطمح يكناني قديـ‪ ،‬مككف مف كممتيف ‪ DEMOS‬كتعني‬
‫الشعب‪ ،‬ك‪ KRATAS‬معناىا سمطة‪ ،‬فالديمقراطية ىي حكـ الشعب لمشعب‪.‬‬

‫نشأة الديمقراطية‪:‬‬

‫‪ -1‬نشأت الديمقراطية قدي نما في مدينتي أثينا كأسبرطة‪ ،‬حيث كاف أىؿ كؿ مدينة يجتمعكف‬
‫كسف القكانيف‪ ،‬كايقاع العقكبات عمى المخالفيف‪.‬‬
‫ليتشاكركا في أمكر الحكـ كالنتخاب الحاكـ‪ٌ ،‬‬
‫كىي الصكرة انتيت إلى غير رجعة الستحالة تطبيقيا في العصر الحديث‬

‫‪ -2‬نشأت الديمقراطية في العصر الحديث مع بداية عصر النيضة األكركبية‪ ،‬كانطبلؽ‬


‫الثكرة الفرنسية التي قامت عمى أنقاض سمطاف الكنيسة كحمفائيا مف الممكؾ الذيف حكمكا‬
‫أف مف خالفيـ خالؼ الرب‪.‬‬
‫أكركبا بالتفكيض اإلليي‪ ،‬بمعنى ٌ‬
‫بحثت الثكرة الفرنسية عف ىيكؿ سياسي جديد يتبلءـ مع مبادئيا التي رفعتيا‪ :‬الحرية‬
‫كاإلخاء كالمساكاة ‪ -‬كىي شعار الماسكنية‪ ،‬كال يخفى صبلت الماسكنية القكية برجاؿ الثكرة ‪-‬‬
‫فكجدت ضالتيا في التاريخ القديـ ألثينا كأسبرطة‪ ،‬فنادت بشعار الديمقراطية‪ ،‬كحكـ الشعب‬
‫امنا مع شعار فصؿ الديف عف الدكلة‪ ،‬كمبادئ القكمية الكطنية كالعرقية‪.‬‬
‫لمشعب متز ن‬
‫أف الديمقراطية لـ تطبؽ نفسيا بنفسيا‪ ،‬كلـ تطبؽ جممة كاحدة‪ ،‬بؿ‬
‫‪ -3‬يجب التنبيو عمى ٌ‬
‫احتاجت إلى أكثر مف مائة عاـ مف المعاناة الشعبية مف ثكرات كاضرابات كعصياف كسجف‬
‫كتعذيب كتشريد‪ ،‬حتى تحقؽ لمناس ما أرادكه مف نيؿ حقكؽ أىميا‪:‬‬

‫أول‪ :‬إشراؼ الشعب عمى أعماؿ الحككمة‪.‬‬


‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬إخضاع تصرفات الحككمة لرقابة الشعب عف طريؽ انتخاب ممثميو لممجالس‬
‫ً‬
‫النيابية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬فصؿ السمطات‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬منح الشعب حقكقو األساسية كىي‪ :‬حرية االعتقاد‪ ،‬حرية التممؾ‪ ،‬حرية الرأم‪ ،‬حرية‬
‫رً‬

‫‪-371173‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫التصرؼ كالسمكؾ الشخصي‪ ،‬الحرية النقابية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬تحقيؽ العدالة في فرض الضرائب كالتعميـ كالصحة كالعمؿ كالتنقؿ‪.‬‬


‫ً‬
‫صكر الديمقراطية‪:‬‬

‫‪ -1‬الديمقراطية المباشرة‪ :‬كىي اشتراؾ الشعب كمو في الحكـ‪ .‬كىي صكرة ال كجكد ليا اليكـ‬
‫الستحالة تطبيقيا‪.‬‬

‫‪ -2‬الديمقراطية غير المباشرة (النيابية)‪ :‬كىي اختيار الشعب لممثميو في المجمس النيابي‪،‬‬
‫حيث يمارس ىذا المجمس ميامو المككمة إليو‪ ،‬كليذه الطريقة صكرتاف‪ :‬الديمقراطية البرلمانية‬
‫حيث يختار فيو الشعب ممثميو عف طريؽ األحزاب‪ ،‬كالديمقراطية الرئاسية التي يختار فييا‬
‫الشعب الرئيس مباشرة‪.‬‬

‫‪ -3‬الديمقراطية شبو المباشرة‪ :‬كفييا ييبقي الشعب لنفسو حؽ استشارتو مف قبؿ الحككمة عند‬
‫سف قانكف جديد أك إلغائو‪ ،‬أك عزؿ حاكـ أك حؿ البرلماف‪...‬‬
‫اتخاذ ق اررات ىامة مثؿ‪ٌ :‬‬
‫خصائص الديمقراطية‪:‬‬

‫أول‪ :‬السيادة المطمقة لمشعب‪:‬‬


‫ً‬
‫معنى سيادة الشعب‪ :‬تركيز العمؿ السياسي كالقانكني بيد الشعب كىذا يعني‪:‬‬

‫حؽ الشعب في‪:‬‬

‫أ ‪ -‬استئجار الحاكـ ليحكمو‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حؽ التشريع‪.‬‬

‫ج‪ -‬حؽ الرقابة عمى أعماؿ الحككمة‪.‬‬

‫كتتـ ىذه الحقكؽ عبر المجالس النيابية المنتخبة بمكافقة غالبية النكاب‪.‬‬

‫نقد مبدأ السيادة‪:‬‬

‫‪-374-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫‪ -1‬الشعب في الحقيقة ال يمارس الحكـ ‪ -‬بحسب الشعار الذم رفعتو‪ ،‬فالشعب فقط يختار‬
‫الذم يحكمو يكـ االقتراع‪ :‬الرئيس‪ ،‬أك رئيس الحككمة‪.‬‬

‫‪ -2‬في ظؿ ىذا النظاـ الديمقراطي‪ ،‬يمسؾ الفائز في االنتخابات بيده مقاليد الحكـ كالتشريع‪،‬‬
‫ألنو الفائز!! كيقير الناس الذيف انتخبكه‪ ،‬دكف االلتفات إلى آرائيـ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -3‬الديمقراطية ال تعني في الحقيقة حكـ الشعب‪ ،‬بؿ ىي اختيار األكثرية التي قامت‬
‫أف‬
‫بممارسة حقيا االنتخابي‪ ،‬التي قد تككف فازت بفارؽ عدة مئات مف األصكات!! كالمعمكـ ٌ‬
‫لكؿ حكـ معارضة‪ ،‬قد تككف كبيرة‪ ،‬كذات شعبية تكازم أك تقارب‪ ،‬الحككمة المتنفذة‪.‬‬

‫‪ -4‬الذم يستطيع الكصكؿ إلى سدة الحكـ‪ ،‬أك البرلماف في ظؿ النظاـ الرأسمالي‬
‫الديمقراطي‪ ،‬كاحد مف اثنيف ال ثالث ليما‪ ،‬إما أصحاب رؤكس األمكاؿ‪ ،‬أك ىم ٍف يدعمو‬
‫ألنيـ يستطيعكف إنفاؽ المبلييف عمى الدعاية االنتخابية‪ ،‬كاإلعبلـ‬
‫أصحاب رؤكس األمكاؿ؛ ٌ‬
‫أف تحافظ‬
‫بأيدييـ يسخر لخدمة أىدافيـ‪ .‬كما إف ليذه الفئة مصالح‪ ،‬عمى الطبقة الحاكمة ٍ‬
‫عمييا‪ ،‬فالسياسة كالماؿ السياسي صنكاف ال يفترقاف‪ ،‬فمف خرج عف مسارىـ‪ ،‬كعرض‬
‫مصالحيـ لمخطر‪ ،‬ربما قيتؿ أك يخمع‪ .‬مثمما حدث لمرئيس األمريكي كنيدم‪ ،‬لما دعا إلى‬
‫ً‬
‫كيبلت الحركب‪ ،‬كلكي يتفرغ إلى التنمية‬ ‫العالـ‬ ‫مصالحة تاريخية مع االتحاد السكفيتي‪ ،‬ليجنب‬
‫ى‬
‫ألف مثؿ ىذه المصالحة‬‫الداخمية‪ .‬كافؤكه بالقتؿ في رابعة النيار‪ ،‬كلـ يي ٍع ىرؼ قاتمو حتى اليكـ‪ٌ ،‬‬
‫حتما بتجارة السبلح‪.‬‬
‫كانت ستضر ن‬
‫‪ -5‬الحكم اإلسالمي في مسألة سيادة الشعب ىي‪:‬‬

‫الم ىش ًٌرع‪ ،‬كليس الناس‪ .‬كال يجكز لمف يقر ﵀ بالكحدانية‪،‬‬ ‫أف هللا تبارؾ كتعالى ىك كحده ي‬ ‫أ‪ٌ -‬‬
‫ؽ ىكاألى ٍم ير﴾ األعراؼ‪ ،ْٓ:‬كقاؿ‬
‫أف يرفض تشريع اإللو الحكيـ الخبير قاؿ تعالى‪ ﴿ :‬أىالى لىوي اٍل ىخٍم ي‬
‫ً‬ ‫َّة يب يغكف كمف أىحسف ًمف ً‬
‫ًً ً‬
‫اَّلل يح ٍكمان لٌقى ٍكوـ ييكًقين ى‬
‫كف﴾ المائدة‪.َٓ:‬‬ ‫سبحانو‪﴿ :‬أىفى يح ٍك ىـ اٍل ىجاىمي ى ٍ ى ى ى ٍ ٍ ى ي ى ٌ‬
‫ب ‪ -‬في ظؿ شريعة هللا يصبح الناس كميـ عبيد ﵀ الحاكـ كالمحككـ‪ ،‬فيو امرأة مف عامة‬
‫المسمميف‪ ،‬تحاكـ عمر بف الخطاب ‪ ‬أمير المؤمنيف إلى كتاب هللا تعالى‪ ،‬فبل يممؾ عمر‬
‫إال أف يعمف عف أماـ المؤل أنو المخطئ كأف المرأة قد أصابت‪ .‬فقد أخرج عبدالرزاؽ بسنده قاؿ‬
‫عمر بف الخطاب‪« :‬ال تغالكا في ميكر النساء»‬

‫‪-375175‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ت ىم ٍك يرىمةن ًفي ُّ‬


‫الد ٍن ىيا أ ٍىك تى ٍق ىكل‬ ‫النًس ً‬
‫اء فىًإَّنيىا لى ٍك ىك ىان ٍ‬ ‫ص يدقىةى ٌ ى‬
‫كفي ركاية الترمذم‪« :‬أ ىىال ىال تي ىغاليكا ى‬
‫اَّلل ‪ ‬ىن ىك ىح ىش ٍينئا ًم ٍف نً ىسائً ًو ىكىال أ ٍىن ىك ىح ىش ٍينئا‬‫اَّلل ‪ ‬ما عمًمت رسكؿ ًَّ‬
‫ى ى ٍ ي ىي ى‬
‫ي ًَّ‬ ‫اف أ ٍىكىال يك ٍـ بًيىا ىنبً ُّ‬ ‫ًع ٍند ًَّ‬
‫اَّلل لى ىك ى‬ ‫ى‬
‫ًم ٍف ىب ىناتً ًو ىعمىى أى ٍكثىىر ًم ٍف ثًٍنتىي ىع ٍش ىرةى أيكًقَّيةن»‪ ،‬فقالت امرأة‪ :‬ليس ذلؾ لؾ يا عمر‪ ،‬إف هللا يقكؿ‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫اى َّف ًقنطىا انر فىبلى تىأ ي‬
‫ٍخ يذكٍا م ٍنوي ىش ٍيئان﴾ النساء‪َِ:‬‬ ‫﴿ ىكآتىٍيتي ٍـ إً ٍح ىد ي‬
‫فقاؿ عمر‪ :‬إف امرأة خاصمت عمر فخصمتو‪ .‬كفي ركاية‪" :‬فأطرؽ عمر ثـ قاؿ‪ :‬كؿ الناس‬
‫(ُ)‬
‫كترؾ اإلنكار‪.‬‬ ‫أفقو منؾ يا عمر"‬

‫ثانيا‪ :‬رأي األغمبية مقدس وىو المعيار الصادق لمخير والعدل‪:‬‬


‫ً‬
‫ألنيا تعبر عف إرادة الشعب‪.‬‬
‫إف رأم األغمبية ىك معيار الصدؽ كالعدؿ‪ٌ ،‬‬
‫تقكؿ الديمقراطية ٌ‬
‫فيؿ ىذا صحيح؟‬

‫أف يمارس السيادة‬


‫نيابيا انتخبتو أكثرية الشعب في بمد ما‪ ،‬أراد ٌ‬
‫مجمسا ن‬
‫ن‬ ‫أف‬
‫ُ‪ -‬لك افترضنا ٌ‬
‫في أمر يتعمؽ بالصناعات العسكرية مف أسمحة ثقيمة كطائرات‪ ...‬كىذا المجمس فيو قمة مف‬
‫الخبراء في ىذا المجاؿ‪ ،‬كأغمبية ليا رصيد كبير مف األمانة كالحرص عمى مستقبؿ األمة‪،‬‬
‫شيئا‪ ،‬ككاف رأم القمة مف الخبراء في جانب‪ ،‬كعارضو رأم‬
‫غير ٌأنيا ال تفقو في ىذا المجاؿ ن‬
‫دمار عمى‬
‫كعدال‪ ،‬أـ ٌأنو سيككف نا‬
‫ن‬ ‫األكثرية التي ليس ليا خبرة‪ ،‬فيؿ سيككف رأم األكثرية حقنا‬
‫األمة؟!‬

‫مجمس نيابي باإلجماع عمى تحميؿ الخمر‪ ،‬كاباحة التداكؿ بالربا‪ ،‬كالزنا‬‫ه‬ ‫ِ‪ -‬لك كافؽ‬
‫ه‬
‫كعدال؟!!‬
‫ن‬ ‫بمكافقة الطرفيف؟ ىؿ سيككف رأم ىذا المجمس حقنا‬

‫كيجب التنبو أنو في ظؿ النظاـ الديمقراطي يجب طرح كؿ القكانيف عمى المجمس النيابي‬
‫فإف‬
‫لممكافقة عمييا‪ ،‬بغض النظر عف مصدر القانكف‪ ،‬مف عند هللا أك مف عند البشر!!‪ٌ .‬‬
‫السيادة لمشعب‪ ،‬كىك الذم يقكؿ نعـ أك ال!!‬

‫ّ‪ -‬الذم يشكؿ رأم األغمبية ‪ -‬التي يعتبر رأييا الحؽ كالعدؿ ‪ -‬أصحاب رؤكس األمكاؿ‬
‫عبر اإلعبلـ المممكؾ بطريقة مباشرة أك غير مباشرة‪.‬‬

‫(ُ) الحديث أخرجو عبد الرزاؽ في المصنؼ جٔ‪ ،)ََُِْ(َُٖ/‬كالترمذم في السنف كتاب النكاح حديث رقـ‪:‬‬
‫(ُُُْ)‪ ،‬كليس في ركاية الترمذم ذكر المرأة‪ ،‬كقد ركاه البييقي كأبك يعمى‪...‬‬

‫‪-376-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أم مف المؤسسات اإلعبلمية ال تستطيع الصمكد‬ ‫فإف ٌ‬


‫أما الممكية غير المباشرة‪ٌ :‬‬
‫كاالستمرار بغير دعـ أصحاب رؤكس األمكاؿ‪ -‬سكاء كاف ىذا الدعـ بطريؽ مباشر كالتبرع‬
‫مثبل‪ ،‬أك بطريؽ غير مباشر كاإلعبلنات‪.‬‬
‫ن‬
‫والممكية المباشرة‪ :‬بامتبلؾ أصحاب رؤكس األمكاؿ ليذه المؤسسات اإلعبلمية مثاؿ ذلؾ‪:‬‬
‫رئيس كزراء إيطاليا السابؽ «برلسككني» الذم يمتمؾ في إيطاليا إمبراطكرية إعبلمية ‪ -‬كما‬
‫يقكلكف‪ .‬مقابؿ ىذا الدعـ ال تستطيع أم مف المؤسسات اإلعبلمية الخركج عف سياستيـ‪ ،‬كاال‬
‫كاف مصيرىا إعبلف اإلفبلس‪.‬‬

‫فإف تشكيؿ الرأم العاـ يتـ إعداده في مطابخ القمة مف أسياد الماؿ في الببلد‪ .‬ثـ‬
‫كبالتالي ٌ‬
‫يأتي دكر اإلعبلـ الرأسمالي لينفذ الخطط المرسكمة فقط‪ ،‬عبر المقالة كالتحميؿ‪ ،‬كقمب‬
‫الحقائؽ‪ ،‬كتسميط الضكء عمى مسألة بعينيا‪ ،‬كاىماؿ غيرىا‪ ،‬التركيز عمى فبلف الطاغية‪،‬‬
‫كالنظاـ الدكتاتكرم في الببلد الفبلنية‪ ،‬كالفئة الفبلنية الضالة‪ ،‬كالعرؽ الفبلني المغمكب عمى‬
‫أمره‪...‬الخ‪ .‬كال ينسى أكلئؾ أف يترككا بعض المساحات الضيقة في اإلعبلـ لرأم المخالفيف‪،‬‬
‫اطيا‪.‬‬
‫حتى يبدك البمد ديمقر ن‬
‫ثالثنا‪ :‬كفالة الحقكؽ كالحريات العامة‪:‬‬

‫ييدؼ النظاـ الديمقراطي إلى تحقيؽ أكبر قدر مف الحريات لجميع أفراد المجتمع‪ ،‬كالى‬
‫مساكاتيـ في نيؿ الحقكؽ كالتي تتمثؿ بشكؿ رئيسي في أمريف ىما‪ :‬المساكاة كالحرية‪.‬‬
‫المساواة ويندرج تحتيا‪:‬‬

‫أ ‪ -‬المساكاة في القكانيف كالقضاء‪ :‬فبل فرؽ بيف الناس‪ ،‬فالكؿ متساككف أماـ القانكف‪ ،‬كليـ‬
‫الحؽ في قضاء عادؿ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المساكاة في الكظائؼ‪ :‬فبل يجكز أف يحابى أحد في ظؿ النظاـ الديمقراطي في نيؿ‬


‫ألف المعيار في الكظيفة ىك‪ :‬مكافاة المستحؽ ليا لمشركط المطمكبة‪.‬‬
‫الكظائؼ‪ٌ ،‬‬
‫جػ ‪ -‬المساكاة في الضرائب‪ :‬كالمعركؼ أف الضرائب تصاعدية‪.‬‬
‫والحرية يندرج تحتيا‪:‬‬

‫‪-377177‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫أ ‪ -‬الحرية الشخصية مثؿ‪ :‬حؽ الحياة كالتنقؿ كاألمف كحؽ المسكف‪ ،‬كحؽ التفكير كالتعبير‬
‫عف الرأم‪ ،‬كحرية العقيدة كالتعميـ‪ ،‬كحرية عقد االجتماعات كانشاء الجمعيات‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحرية السياسية‪ :‬كتشمؿ‪ :‬حؽ االنتخاب كالترشيح‪ ،‬كالتشريع كمراقبة الحكـ‪ ،‬كتكلي‬
‫الكظائؼ‪ ،‬كتككيف األحزاب‪.‬‬

‫جػ ‪ -‬الحرية االقتصادية‪ :‬كتشمؿ حؽ التممؾ كالعمؿ كنيؿ األجر كاإلجازة‪.‬‬

‫قدر ال بأس بو مف الحريات الفردية‪ ،‬كىك‬


‫كالحؽ أف النظاـ الديمقراطي قد ناؿ فيو اإلنساف نا‬
‫طمبا لؤلمف‬
‫األمر الذم جعؿ الكثير مف المضطيديف في ببلدىـ يمجؤكف إلى الببلد الغربية‪ ،‬ن‬
‫عمى أنفسيـ‪ ،‬كلمحرية فيما يعتقدكف كيقكلكف‪.‬‬
‫مقارنة بين الديمقراطية واإلسالم في الحقوق والحريات‪:‬‬

‫ُ‪ -‬إف الحقكؽ المذككرة كميا اشتمؿ عمييا ديننا اإلسبلمي‪ ،‬شرعيا هللا تعالى حقنا لمناس‬
‫كافة بدكف حاجتيـ إلى اإلضرابات كاالعتصاـ كالسجف كالتشريد‪ ...‬كما حدث في مراحؿ‬
‫(ُ)‬
‫بأف الحككمات الرأسمالية قد منحت الكثير مف الحقكؽ‬
‫تطبيؽ الديمقراطية ‪ .‬كيجدر التنكيو ٌ‬
‫لمكاطنييا لتدافع عف ديمقراطيتيا في كجو الفكر الشيكعي زمف انقساـ العالـ إلى شرؽ شيكعي‬
‫بقيادة االتحاد السكفيتي سابقنا‪ ،‬كغرب رأسمالي‪ .‬فمما انيار المعسكر الشيكعي بدأت الدكؿ‬
‫الرأسمالية بالتخمى عف كثير مف الحقكؽ التي منحتيا لممجتمع‪ ،‬عمى صعيد الضماف‬
‫االجتماعي كالبطالة كاألجكر كالضرائب‪ ،‬كحتى في مجاؿ القضاء كحرية الرأم كاالعتقاد‪ ،‬كما‬
‫ىيمف أصحاب رؤكس األمكاؿ عمى حكاـ الديمقراطيات في مجالي السياسة كاالقتصاد‪.‬‬

‫ِ‪ -‬إف الحقكؽ كالحريات في ظؿ الشريعة اإلسبلمية منضبطة بالضكابط الشرعية بخبلؼ‬
‫النظاـ الديمقراطي الذم فتح باب الحريات عمى مصراعيو‪ ،‬األمر الذم جعؿ اإلنساف أشبو‬
‫كن ىزكاتو كعاطفتو‪ ،‬حتى اشتعؿ في ظؿ ىذا النظاـ جنكف الجنس‬‫بالثكر اليائج خمؼ شيكاتو ى‬
‫كالمكاط كالخمر كالفساد‪ ،‬كجنكف األفبلـ الساقطة‪ ،‬كجنكف الجريمة المنظمة‪ ،‬إلى جنكف الكرة‬
‫كجنكف المكضة كالتقاليع‪ ،‬كمنيا جنكف جمع الماؿ‪ ،‬كالدعاية التي ال ضابط ليا‪ ،‬كما ترتب عمييا‬

‫(ُ) انظر لمزيد الفائدة‪ :‬كتاب المعارضة السياسية كضكابطيا في الشريعة اإلسبلمية لؤلخ الدكتكر حسيف أحمد أبك‬
‫عجكة رحمو هللا تعالى رسالة دكتكراة» فقد تعرض فييا لبياف حقكؽ الفرد كالجماعة بالتفصيؿ‪.‬‬

‫‪-378-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫مف جنكف المجتمع االستيبلكي األمر الذم أكجد التشرد كالقمؽ النفسي كاالنتحار‪ ،‬كبيع‬
‫البنيف‪....‬الخ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬أف يفعؿ اإلنساف ما بدا لو‪ ،‬ىؿ يبقى بعدىا إنساف يحافظ عمى إنسانيتو؟!‬

‫عرؼ اإلنساف غاية كجكده في الحياة‪ ،‬كاألمانة التي حمميا‪ ،‬كما الذم يجب‬ ‫ْ‪ -‬اإلسبلـ ٌ‬
‫كعرفو طبيعة نفسو التي بيف جنبيو‪ ،‬كبيف لو أىـ القيـ المبادئ كاألخبلؽ التي‬
‫عميو أف يفعمو‪ٌ ،‬‬
‫إنسانا‪.‬‬
‫ن‬ ‫البد أف يتحمى بيا‪ .‬بيذا يككف اإلنساف‬

‫عبد لآللية‪ :‬إلو‬


‫عبد ﵀‪ ،‬كاإلنساف في ظؿ النظاـ الديمقراطي ه‬ ‫فالمسمـ في ظؿ اإلسبلـ ه‬
‫الدكالر‪ ،‬كالو اإلنتاج‪ ،‬كالو العمـ كالو القكة‪ ،‬كالو العقؿ‪ ،‬كالو الشيكات‪ ،‬كالو الماؿ‪ ،‬كاإلنساف إلو‪.‬‬

‫ناقصا في جانب التقدـ العممي كالمادم‬


‫ن‬ ‫إنسانا‪ ،‬كلك كاف‬
‫ن‬ ‫إف القيـ كالمبادئ يمكف أف تشكؿ‬
‫كالتكنكلكجي‪ ،‬أما التقدـ العممي كالمادم كالتكنكلكجي بغير قيـ كمبادئ‪ ،‬فبل يمكف أف تشكؿ‬
‫إنسانا عمى اإلطبلؽ‪.‬‬
‫ن‬
‫غاية الغرب من طرح فكرة الديمقراطية عمى العالم اإلسالمي‪:‬‬

‫الغاية كاضحة مف طرح األفكار المختمفة عمى العالـ اإلسبلمي بعد تزيينيا كتغميفيا بأغمفة‬
‫جميمة كالشكرل كحكـ الشعب بالشعب‪ ،‬كالحرية كالتحرر كالعزة كالكرامة كالسيادة‪ ...‬الغاية أف‬
‫يج ٌمؿ بضاعتو عمى المسمميف بعد إخفاء عيكبيا‪ ،‬فيغتر بيا مف ال فقو لو‪ ،‬أك يقتنع بيا مف‬
‫ى‬
‫تربى في أحضانيـ‪.‬‬

‫كقد بمغت خطط المستعمر غايتيا لما قامت في األمة أحزاب كتنظيمات كمثقفيف‪ ،‬قامت‬
‫و‬
‫كتفاف في الدعاية ليذه الشعارات‪ ،‬كتسكيقيا عمى أبناء األمة‪ ...‬فأبناء األمة ىـ‬ ‫بكؿ إخبلص‬
‫الذم سعكا إلى دكلة القكمية لتحؿ محؿ الخبلفة‪ ،‬كىـ الذيف ينادكف بالعممانية لتحؿ محؿ‬
‫اإلسبلـ‪ ،‬كينادكف بالحرية كالعدالة كالمساكاة تحت نظاـ الديمقراطية عمى نمط الغرب‬
‫كطريقتيـ‪ ،‬كبنفس مفاىيميـ كمنطمقاتيـ‪ ،‬فمما فشمت الكثير مف خططيـ في ىذا اإلطار‪،‬‬
‫أنمكذجا‬
‫ن‬ ‫جاؤكا بعسكرىـ لبلحتبلؿ العراؽ تحت ذريعة نشر الديمقراطية بؿ جعؿ العراؽ‬
‫اطيا يحتذل بو!! ثـ كاف مف آخر صيحات الغرب في محاربة العالـ اإلسبلمي طرح فكرة‬ ‫ديمقر ن‬
‫الشرؽ األكسط الجديد‪ ،‬ىذا الشرؽ الديمقراطي الذم يستكعب قيادة دكلة االحتبلؿ اإلسرائيمي‪،‬‬

‫‪-379179‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫لسكريا كالعراؽ كاألردف كتركيا كمصر‪...‬إلخ(ُ)‪.‬‬

‫مكاقؼ المفكريف كالعمماء المسمميف مف الديمقراطية‪:‬‬

‫ذىب الكثير مف العمماء إلى رفض الديمقراطية لعدة أسباب نذكر أىميا‪:‬‬

‫األول‪ :‬إف الديمقراطية جزء مف النظاـ الغربي العقائدم كاالجتماعي كالسياسي المؤسس‬
‫عمى غير ديف رباني؛ فالديمقراطية مرتبطة بالعممانية‪ ،‬كبالقيـ كالمبادئ الغربية التي تخالؼ‬
‫اإلسبلـ عقيدة كشريعة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬السيادة المطمقة لمشعب‪ ،‬يتناقض مع عقيدة المسمميف َّ‬
‫بأف الحاكمية ﵀ رب‬
‫أف‬
‫العالميف‪ ،‬فيك سبحانو الذم لو حؽ التشريع‪ ،‬كليست ألحد مف عباده ذلؾ‪ ،‬نعـ لؤلمة ٍ‬
‫تجتيد فيما ال نص فيو مف كتاب كسنة‪ ،‬كبما ال يخرج عف تحقيؽ مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الحريات في النظاـ الديمقراطي غير مقيدة‪ ،‬بينما اإلسبلـ مع تأكيده عمى حرية‬
‫اإلنساف كاحتراـ الكرامة اإلنسانية‪َّ ،‬‬
‫لكف الحرية منضبطة فيو بضكابط الشريعة‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬الشكرل عند المسمميف أمر رباني‪ ،‬كسنة نبكية‪ ،‬كفييا غنى عف الديمقراطية‪.‬‬
‫ن‬
‫بينما ذىب جماعة مف العمماء إلى قبكؿ مصطمح الديمقراطية‪ ،‬كمف أدلتيـ عمى ذلؾ‪:‬‬

‫قكما‪ ،‬كىـ لو كارىكف‪ ،‬فمف باب‬


‫أول‪ :‬أف هللا تبارؾ كتعالى ال يقبؿ صبلة اإلماـ الذم يؤـ ن‬
‫ً‬
‫أكلى اإلمامة الكبرل‪ ،‬التي ال يجكز فييا فرض حاكـ عمى األمة‪ ،‬ىي لو كارىة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلسبلـ ال يقبؿ أف تزكج المرأة بمف ال ترضاه لنفسيا‪ ،‬فكيؼ نرضى لؤلمة أف يقكدىا‬
‫ً‬
‫كقائدا؟!‬
‫حاكما ن‬
‫ن‬ ‫مف ال ترضاه‬

‫ثالثًا‪ :‬مبدأ محاسبة األمة لمحاكـ قرره اإلسبلـ‪ ،‬لما جاء في الحديث‪:‬‬

‫َّلل ىكلً ًكتىابً ًو ىكلً ىريسكلً ًو ىكًألىئً َّم ًة‬


‫صيحةي»‪ ،‬يقٍمنا‪ :‬لًمف؟ قىاؿ‪ًَّ ً« :‬‬
‫ى‬ ‫ى ىٍ‬ ‫الن ى‬
‫ً‬
‫الديف َّ ً‬
‫اؿ‪ ٌ « :‬ي‬‫النب َّي ‪ ‬قى ى‬
‫ىف َّ ً‬‫أ َّ‬
‫امتً ًي ٍـ» (ِ)‪.‬‬
‫يف ىك ىع َّ‬ ‫ًً‬
‫اٍل يم ٍسمم ى‬

‫(ُ) راجع في الديمقراطية الكتب اآلتية‪ :‬مذاىب فكرية معاصرة ص ُٕٗ ‪ ،ِٕٓ -‬االتجاىات الفكرية المعاصرة ص‬
‫ُُٗ ‪ ،ُّٓ -‬الديمقراطية كحكـ اإلسبلـ فييا‪ ،‬نقض النظاـ الديمقراطي‪ ،‬حقيقة الديمقراطية‪ ،‬حاضر العالـ اإلسبلمي‬
‫ُٖٖ ‪ ،َِٔ -‬الشكرل كأثرىا في الديمقراطية‪.‬‬
‫(ِ) صحيح مسمـ ؾ اإليماف حديث رقـ (ٓٓ)‪.‬‬

‫‪-380-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كما أعمف الخمفاء الراشدكف أماـ الناس‪« :‬أطيعكني ما أطعت هللا كرسكلو‪ ،‬فإذا عصيت هللا‬
‫ً‬
‫ٍت‬
‫طأ ي‬
‫ىخ ى‬
‫ًف أ ٍ‬
‫اَّللى‪ ،‬ىكا ٍ‬
‫اح ىم يدكا َّ‬
‫ت فى ٍ‬ ‫كرسكلو فبل طاعة لي عميكـ»‪« ،‬إًَّن ىما أ ىىنا ىب ىشهر م ٍثمي يك ٍـ‪ ،‬فىًإ ٍف أ ى‬
‫ىص ٍب ي‬
‫ىى ىدل إًلى َّى يعييكبًى» (ُ)‪.‬‬ ‫فىقى ًٌك يمكنًي»‪ « ،‬ىرًح ىـ َّ‬
‫اَّللي ىم ٍف أ ٍ‬
‫أف الشكرل مف قكاعد الشريعة‪ ،‬كمف ال يستشير‬
‫ابعا‪ :‬مف األحكاـ التي تقررت في الشريعة ٌ‬
‫رً‬
‫أىؿ العمـ كالديف مف األمراء فعزلو كاجب‪ ،‬كىذا ما ال خبلؼ فيو»‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬األمر بالمعركؼ‪ ،‬كالنيي عف المنكر‪ ،‬ككجكب إقامة العدؿ‪ ،‬ككجكب المساكاة بيف‬
‫ً‬
‫الناس‪ ،‬ككجكب احتراـ إنسانية اإلنساف‪ ،‬كحؽ المعتقد‪ ،‬كحرية الفرد‪ ..‬الخ كؿ ىذه مبادئ دعا‬
‫عمميا في ظؿ الحكـ اإلسبلمي‪.‬‬
‫اقعا ن‬
‫إلييا اإلسبلـ‪ ،‬بؿ كطبقيا ك ن‬
‫ىذه المبادئ كالقيـ ىي التي قامت عمييا الديمقراطية مف الحرية كالكرامة كرعاية حقكؽ‬
‫اإلنساف‪ ،‬ىذه كميا مبادئ إسبلمية‪ ،‬في الغرب تسمى حقكقنا‪ ،‬كفي شريعتنا تسمى فرائض‪.‬‬

‫الخالصة‪ :‬نخمص مما تقدم من مذاىب العمماء‪:‬‬


‫ُ‪َّ -‬‬
‫أف الفريقيف ال يختمفكف عمى شركط الحكـ الراشد‪ ،‬إنما نظر الذم حرـ الديمقراطية‪،‬‬
‫إلى أصؿ نشأتيا‪ ،‬كالفمسفة التي قامت عمييا مف نبذ الديف‪ ،‬كمنح الشعب حرية التشريع دكف‬
‫أصؿ ثابت تعتمد عميو‪ ،‬كمف إطبلقيا لمحريات دكف أم ضكابط‪.‬‬

‫ِ‪ -‬أف العمماء الذيف حرمكا الديمقراطية‪ ،‬ال يجيزكا بأم حاؿ مف األحكاؿ حكـ األنظمة‬
‫الظالمة‪ ،‬كال حكـ الطغاة المستبديف‪ ،‬إنما أرادكا الرجكع إلى األحكاـ اإلسبلمية‪ ،‬بما تحمؿ مف‬
‫معاني الحرية الشكرل المساكاة كالعدؿ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬أف الذم نظر لمديمقراطية بإيجاب‪ ،‬نظر إلى ما يمنحو ىذا النظاـ لمناس مف حؽ‬
‫األمة في محاسبة الحاكـ‪ ،‬كتقكيمو‪ ،‬كالى ما تمنحو مف الحريات‪ ،‬كالحقكؽ‪.‬‬

‫رأي الباحث‪ :‬مع تقدير الباحث الجتياد الفريقيف‪ ،‬فإنني أميؿ لمرأم األكؿ‪ ،‬ألنني أعتقد أننا‬
‫‪ -‬كنحف أصحاب ديف صالح لكؿ زماف كمكاف ‪ -‬لسنا بحاجة إلى أفكار كعقائد الغرب‪،‬‬
‫أف في ديننا مف القكاعد السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية ما يصمح لقياـ نظاـ رباني‪،‬‬
‫خاصةن ٌ‬
‫كيجدر بي أف أنبو أننا ال نرفض كؿ ما جاء مف الغرب‪ ،‬بؿ عمينا أف نستفيد مف تجاربيـ‪،‬‬

‫(ُ) انظر مسند عبد الرزاؽ جُُ‪ ،)ََِِٕ(ّّٔ/‬البحر الزخار جُ‪ ،)ََُ(ٓٗ/‬سنف الدارمي جِ‪.َِّ/‬‬

‫‪-383111‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كننقؿ عنيـ ما ينفعنا‪ ،‬ثـ ننقؿ الذم نريد كفؽ إطارنا اإلسبلمي‪ ،‬كنضعيا ضمف ضكابط‬
‫الشريعة‪ ،‬كىك ما أراده المنادكف مف عممائنا بالديمقراطية ىك أف نأخذ منيا ما يصمحنا‪،‬‬
‫أف نأخذىا كميا كما ىي في الغرب‪.‬‬
‫كنرفض ٍ‬
‫متغيرا‪ ،‬ىـ فيو مختمفكف‪ ،‬كآراؤىـ فيو متناقضة‪،‬‬
‫ن‬ ‫نظاما بشرنيا‬
‫ن‬ ‫ْ‪ -‬فالنظاـ الديمقراطي يبقى‬
‫ألف ىذه المبادئ ال تعتمد‬
‫غدا كجكب تركو‪ ،‬بؿ كمحاربتو‪ٌ ،‬‬ ‫فما يركنو اليكـ ال بد منو‪ ،‬يركف ن‬
‫عمى أساس ثابت‪ ،‬إنما مرجعيا إلى أىكاء البشر؛ فؤلف نربط نظامنا السياسي بمنيج رباني‬
‫ثابت‪ ،‬خير لنا مف أف نرتبط بمنيج دائـ التغير ناقص كمتناقض‪ ،‬فبل نقكؿ كما نادل بعض‬
‫كغدا بأم فكرة جديدة‬
‫عممائنا بأف اإلسبلـ اشتراكي‪ ،‬كيقاؿ لنا اليكـ‪ :‬أف اإلسبلـ ديمقراطي‪ ،‬ن‬
‫نربط ديننا؟!!‬

‫ٓ‪ -‬النظاـ الديمقراطي الذم يبشر بو الغرب ىك الذم يساند احتبلؿ الييكد لفمسطيف‪ ،‬بؿ‬
‫كيمده بالماؿ كالرجاؿ كالسبلح‪ ،‬كىك يستبيح الديار كالمقدسات‪ ،‬كيستحؿ المحرمات‪ .‬كىك الذم‬
‫صنع الكثير مف األنظمة المستبدة‪ ،‬كالحكاـ الطغاة الذيف يمتصكف دماء الشعكب كينيبكف‬
‫خيراتيا كيفرطكف في مقدساتيا‪ .‬كىك الذم يقكـ بحماية ىذه األنظمة‪ ،‬كيدافع عنيا‪.‬‬

‫ٔ‪ -‬الكاليات المتحدة األمريكية بعد أحداث الحادم عشر مف نكفمبر ىدمت الكثير مف‬
‫مبادئ الديمقراطية‪ ،‬كاعتدت عمييا‪ ،‬فأحمت التصنت عمى المكالمات الياتفية‪ ،‬كاجتاحت الكثير‬
‫مف المؤسسات الثقافية كالخيرية في داخؿ أمريكا‪ ،‬كأغمقت الكثير منيا‪ ،‬كفتحت السجكف‬
‫لبلعتقاؿ السياسي‪ ،‬كاإلدارم‪ ،‬كما زالت سجف غكانتانمك كمعو الكثير مف السجكف السرية‬
‫األمريكية في أنحاء العالـ يصفد فييا الكثير مف األطيار باألصفاد‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬النظـ الديمقراطي أكغؿ في دماء المسمميف في أفغانستاف كالعراؽ كالشيشاف‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬النظاـ الديمقراطي الذم لـ يحتمؿ الحجاب‪ ،‬فمنع المحجبات مف دخكؿ المدارس‬
‫كالجامعات في فرنسا‪ ،‬كىذا النظاـ الذم ينادم أحد أركانو في ىكلندا بضركرة منع القرآف‪،‬‬
‫كبمصادرتو مف البيكت‪ ،‬كالمساجد‪ ،‬كيشبيو بكتاب كفاحي ليتمر!!!‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬كفي ظؿ ىذا النظاـ انتيكت حرمات األنبياء‪ ،‬سخركا مف النبي ‪ ،‬كرسمكا لو‬
‫رسكمات تحط مف قدره‪ ،‬كرفضكا مع ذلؾ االعتذار لؤلمة المسممة‪ ،‬بدعكل أف ىذا األمر يأتي‬

‫‪-381-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ضمف إطار الحرية الديمقراطية‪ ،‬ىذا النظاـ الذم ال يتردد في محاكمة مفكريو كعممائو‪ ،‬إذا‬
‫قاـ أحدىـ بالتشكيؾ في أعداد األمكات مف الييكد في المحرقة النازية‪ ،‬عندىا تقكـ الدنيا كال‬
‫تقعد‪ ،‬يسجف منيـ مف يسجف‪ ،‬أك يغرـ‪.‬‬

‫َُ‪ -‬النظاـ الديمقراطي الذم تستغكؿ فيو السمطة عمى كؿ شيء حتى عمى البرلماف‪،‬‬
‫فتكذب عميو‪ ،‬مثمما فعمت بريطانيا كأمريكا عندما قدـ فيو الزعماء تقارير لممجالس النيابية كميا‬
‫كذب‪ ،‬حكؿ العراؽ لتبرير ضربيا‪ ،‬بؿ كيضرب «تكني بمير» ك«برلسككني» ك«أثنار» بآراء‬
‫شعكبيـ عرض الحائط‪ ،‬كقد خرجت بأعداد ىائمة لـ تشيد أكركبا مثميا بمغت المبلييف‪ ،‬رافضةن‬
‫الحرب عمى العراؽ‪ ،‬فمـ تتغير ق اررات الحرب الجاىزة سمفنا‪.‬‬

‫ُُ‪ -‬يحصؿ التزكير في نتائج االنتخابات حتى في الدكلة الديمقراطية األكلى‪ ،‬إذ تذكر‬
‫مؤلفة أمريكية عف االنتخابات األخيرة‪ ،‬التي فاز فييا جكرج بكش‪ ،‬أف قرية مجمكع سكانيا‬
‫تسع كعشركف ألؼ نسمة‪ ،‬عدد المقترعيف بمغ تسعيف ألؼ ناخب!!!‬

‫ُِ‪ -‬إف النظاـ الديمقراطي ىك نظاـ لمف يدعي اإللكىية في األرض‪ ،‬ليشرعكا ما يريدكف‪،‬‬
‫كفؽ المنفعة التي تعكد عميو‪ ،‬إنو نظاـ فيو الضعفاء كالفقراء فيو أتباع أكفياء لؤلقكياء األغنياء‬

‫‪-381113‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫المطمب الخامس‪:‬‬
‫العولمة‬
‫مصطمح العكلمة مصطمح جديد ظير في العالـ الغربي في بداية عقد التسعينيات‪ ،‬كقد‬
‫سبقو حدثاف ضخماف أث ار في حركة العبلقات الدكلية كاتجاىاتيا كعمى مكازيف القكل في‬
‫العالـ‪:‬‬

‫رمز لو في عاـ‬ ‫األول‪ :‬سقكط المعسكر الشرقي الذم اتخذ مف سقكط جدار برليف نا‬
‫ُٖٗٗـ‪ ،‬كالذم أنيى فترة مف الحرب الباردة بيف المعسكريف حمؼ كارسك‪ ،‬ككاف يقكده االتحاد‬
‫السكفيتي السابؽ‪ ،‬كحمؼ األطمسي بقيادة الكاليات المتحدة األمريكية‪ ،‬بدأت منذ نياية الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬كصاحبيا حاالت مف االستقطاب كالمد‪ ،‬كالجزر في عبلقات ىذيف‬
‫المعسكريف؛ بحيث كصمت في ىج ٍزر ككبا‪ ،‬جنكب الكاليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إلى التيديد‬
‫بحرب عالمية ثالثة مباشرة‪ ،‬أثناء أزمة الصكاريخ الككبية‪ ،‬كفي المد كصمت إلى االتفاؽ عمى‬
‫تقسيـ مناطؽ نفكذ في بعض بقاع العالـ‪ ،‬كبيف ذلؾ حصمت حركب بالككالة؛ كما حصؿ في‬
‫فيتناـ كأفغانستاف‪.‬‬

‫كقد أتاحت حالة الحرب الباردة كالصراع كالتنافس العالمي عمى مناطؽ النفكذ‪ ،‬كجكد ىامش‬
‫كثير مف الدكؿ مف االستقبلؿ عف الدكلتيف‬
‫مف الحرية لما سمي بدكؿ عدـ االنحياز‪ ،‬م ٌكف نا‬
‫الكبيرتيف أك إحداىما‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الحدث اآلخر الكبير كىك حرب الخميج الثانية في عاـ ُُٗٗـ‪ ،‬كىي حرب شبو‬
‫عالمية ضد العراؽ‪ ،‬لكف مف طرؼ كاحد‪ ،‬كدكف تكافؤ في القكل‪ .‬كانتيت ىذه الحرب بانتصار‬
‫أمريكي غربي‪ ،‬أضيؼ إلى ذلؾ النصر التاريخي عمى المعسكر الشرقي‪ .‬كىذاف االنتصاراف‬
‫نكعا مف السيادة العالمية‪ ،‬مستغمة تقدميا التقني كاالقتصادم كقكتيا العسكرية‬
‫أتاحا ألمريكا ن‬
‫في تكريس ىذه السيادة‪.‬‬

‫فبدأ في ىذا الظرؼ التاريخي ظيكر مصطمحات جديدة مثؿ «العالـ الجديد» كمثؿ‬
‫«العكلمة»‪ .‬كىذا المصطمح األخير أخذ حظو مف االنتشار‪ ،‬باعتبار أنو يمثؿ حركة الييمنة‬
‫كالسيادة الغربية بأسمكبيا الحضارم الجديد‪ ،‬كظيرت كتابات كثيرة لدل الغربييف‪ ،‬تؤصؿ ليذا‬

‫‪-384-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫الفكر الجديد‪ ،‬مثاؿ ذلؾ كتاب «نياية التاريخ» ؿ‪ -‬فكككياما (ُ)‪ ،‬ككذلؾ فكرة «صراع‬
‫الحضارات» لمييكدم األمريكي «ىنتنجتكف» (ِ)‪.‬‬

‫مكقؼ المفكريف مف مصطمح العكلمة‪:‬‬

‫األول‪ :‬نظر البعض ‪ -‬خاصة كتاب الغرب ‪ -‬إلى العكلمة مف الزاكية االقتصادية فقط‪،‬‬
‫كذلؾ لقكة تأثيره عمى الدكؿ كالمجتمعات كارتباط كثير مف المجاالت بو‪ .‬ككمثاؿ لذلؾ كتاب‪:‬‬
‫«فخ العكلمة»؛ فإنو يركز عمى البعد االقتصادم كأثره عمى المجتمعات الغربية‪ .‬كما أف‬
‫العكلمة االقتصادية ىي المجاؿ الكحيد الذم اتفؽ عمى تعريؼ لو؛ حيث تبنى مؤتمر األمـ‬
‫المتحدة لئلدارة كالتنمية ‪ UNCTAD‬تعريفنا ليا يقكـ عمى فكرة فتح األسكاؽ كالتبادؿ الحر‬
‫كتقميؿ سمطة الدكلة عمى حركة االقتصاد‪ .‬لكف ىذا التعريؼ الجزئي يغفؿ دالالت العكلمة‬
‫الثقافية كالفكرية كاالجتماعية كالسياسية كاألخبلقية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬نظر الكثير مف المفكريف المسمميف إلى العكلمة عمى أنو‪ :‬نظاـ عالمي يشمؿ‬
‫المجاالت السياسية كالفكرية كالثقافية كاالجتماعية‪ ،‬كيشمؿ مجاؿ التسكيؽ كالمبادالت‬
‫كاالتصاؿ‪.‬‬

‫فالعكلمة تركز عمى قكانيف السكؽ‪ ،‬كالحرية المطمقة في انتقاؿ البضائع‪ ،‬كاألمكاؿ‪،‬‬

‫(ُ) فرانسيس فكككياما كاتب كمفكر أمريكي الجنسية مف أصكؿ يابانية كلد في مدينة شيكاغك األمريكية عاـ ُِٓٗـ‬
‫مستشار في ك ازرة الخارجية‬
‫نا‬ ‫مف كتبو كتاب (نياية التاريخ كاإلنساف األخير) ك(االنييار أك التصدع العظيـ) عمؿ‬
‫األمريكية‪ .‬أفكاره قريبة مف أفكار تيار المحافظيف الجدد‪ ،‬كفكرة ىيمنة أمريكا عمى العالـ في القرف الجديد‪ ،‬في نفس‬
‫الكقت يحذر‪ ،‬كيؤشر إلى أمكر نيايتيا خطيرة كتشاؤمية‪ .‬كاف أحد مطالبي حككمة بيؿ كمنتكف إلى قمب نظاـ‬
‫صداـ حسيف‪ ،‬إال َّأنو لـ تعجبو طريقة تنفيذ جكرج بكش االبف في غزك العراؽ‪ ،‬فقد دعا إلى كجكب استقالة كزير‬
‫الدفاع دكنالد رامسفيمد‬
‫(ِ) صامكيؿ فمبس ىنتنجتكف‪ :‬ييكدم كلد ُِٕٗ ـ أستاذ عمكـ سياسية اشتير‪ ،‬بتحميمو لمعبلقة بيف العسكر‪ ،‬كالحككمة‬
‫المدنية‪ ،‬كبحكثو في انقبلبات الدكؿ‪ ،‬ثـ أطركحتو َّ‬
‫بأف البلعبيف السياسييف المركزييف في القرف الحادم كالعشريف‬
‫مستعر حكؿ‬
‫نا‬ ‫نقاشا‬
‫سيككنكا الحضارات‪ ،‬كليس الدكؿ القكمية‪ .‬كىك أستاذ بجامعة ىارفارد‪ .‬كقد أشعؿ ىنتنجتكف ن‬
‫مقاال شديد األىمية كالتأثير بعنكاف »‬
‫العالـ في العبلقات الدكلية بنشره في مجمة فكريف أفيرز (العبلقات الخارجية) ن‬
‫صراع الحضارات؟» التي صدرت فيما بعد في كتاب عاـ ُٔٗٗـ‪ ،‬المقالة تناقضت مع النظرية السياسية التي‬
‫طرحيا فرانسيس فكككياما في كتابة » نياية التاريخ»‪ .‬المقالة كالكتاب عرضا كجية نظره أف صراعات ما بعد‬
‫(غالبا حضارية‪ ،‬مثؿ الحضارات الغربية‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الحرب الباردة ستحدث أكثر كأعنؼ ما يككف عمى أسس ثقافية‬
‫بدال مف األسس العقائدية‪ ،‬كما كاف الحاؿ خبلؿ الحرب الباردة كمعظـ القرف‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬الصينية‪ ،‬اليندككية‪ ،‬إلخ‪ ).‬ن‬
‫العشريف‪.‬‬

‫‪-385115‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كاألشخاص‪ ،‬كالمعمكمات في االقتصاد‪ ،‬كعمى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي‪ ،‬كعمى مفيكـ‬
‫الحرية كالمساكاة المطمقة في البعد االجتماعي‪ ،‬كاألخبلقي‪.‬‬

‫وبمعنى آخر‪ :‬العولمة‪ :‬فكر يعبر بصكرة غير مباشرة عف إرادة الييمنة عمى العالـ كتغريبو‬
‫أك أمركتو‪ ،‬مستغمة مظاىر كآليات التطكر الحضارم الذم يشيده العصر‪ ،‬كىي‪:‬‬

‫‪ -1‬الييمنة العسكرية بواسطة األحالف العسكرية‪ :‬كمنيا حمؼ األطمسي‪.‬‬

‫‪ -2‬الييمنة السياسية‪ :‬بكاسطة الييمنة عمى مجمس األمف‪.‬‬

‫‪ -3‬الييمنة القتصادية‪ :‬مف خبلؿ المنظمات الدكلية االقتصادية مثؿ‪ :‬منظمة التجارة‬
‫العالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬الييمنة الجتماعية‪ :‬مف خبلؿ مؤتمرات دكلية كاقميمية‪.‬‬

‫‪ -5‬الييمنة الفكرية واإلعالمية‪ :‬مف خبلؿ القكانيف كاالتفاقيات كالصككؾ الدكلية في ىذا‬
‫المجاؿ؛ مدعكمة بقكة دفع ضخمة بكاسطة إمبراطكريات إعبلمية‪ ،‬كشبكة المعمكمات الدكلية ‪-‬‬
‫(ُ)‬
‫إنترنت ‪ -‬يسيطر الغربيكف عمى معظميا؛ حيث اعتبر المفكر الفرنسي ركجيو جاركدم‬
‫العكلمة ىي االسـ الجديد لبلستعمار‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يرل البعض أف العكلمة ىي اتجاه فطرم لئلنساف؛ يتسارع أثره مع تطكر آليات‬
‫االتصاؿ بيف المجتمعات‪ ،‬كتركيز الصناعات‪ ،‬كتجاكز المجتمع التقميدم‪ ،‬كأنيا مظير مف‬
‫مظاىر التطكر الطبيعي الحضارم المعاصر‪ ،‬كأف المجتمعات األكثر حضارة‪ ،‬تفيض عمى‬
‫المجتمعات األقؿ حضارة‪ ،‬بشكؿ تمقائي عبر قنكات تصؿ بيف المنبع كالمصب‪ .‬فيك نظاـ‬
‫تكامبل‪ ،‬كليس ىيمنة عمى العالـ بالمفيكـ الغربي أك األمريكي‪ .‬كقد يعبر عف‬
‫ن‬ ‫رأسمالي أكثر‬

‫(ُ) كلد ُُّٗـ فيمسكؼ ككاتب فرنسي خبلؿ الحرب العالمية الثانية أيخذ كأسير حرب في الجزائر‪ .‬كاف جاركدم‬
‫شيكعيان‪ ،‬لكنو طرد مف الحزب الشيكعي سنة َُٕٗـ كذلؾ النتقاداتو المستمرة لبلتحاد السكفياتي‪ ،‬كبما أنو كاف‬
‫منجذبا لمديف كحاكؿ أف يجمع الكاثكليكية مع‬
‫ن‬ ‫عضكا في الحكار المسيحي الشيكعي في الستينيات‪ ،‬فقد كجد نفسو‬‫ن‬
‫ظؿ عمى عدائو‬‫الشيكعية خبلؿ عقد السبعينيات‪ ،‬ثـ ما لبث أف اعتنؽ اإلسبلـ عاـ ُِٖٗـ متخ نذا االسـ رجاء‪ٌ .‬‬
‫لئلمبريالية كالرأسمالية‪ ،‬ك بالذات ألمريكا‪ .‬كقد شنت المنظمات الصييكنية‪ :‬حممة ضده في فرنسا كالعالـ‪ .‬في عاـ‬
‫ُٖٗٗـ بسبب مكاقفو المعادية مف إسرائيؿ‪ ،‬كمف أساطير الييكد حكؿ المحرقة النازية‪ ،‬نتيجة لذلؾ حكمت محكمة‬
‫فرنسية عمى جاركدم بتيمة التشكيؾ في محرقة الييكد في كتابو‪" :‬األساطير المؤسسة لدكلة إسرائيؿ"‪ ،‬حيث شكؾ‬
‫في األرقاـ الشائعة حكؿ إبادة ييكد أكركبا في غرؼ الغاز عمى أيدم النازييف‪.‬‬

‫‪-386-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ذلؾ بطريقة أخرل فيقاؿ‪ :‬إف ما يحدث ىك إفراز مف اف ارزات الدكلة الحضارية‪ ،‬في لحظة‬
‫تضخـ قكتيا في المجاالت المختمفة عمى العالـ مف حكليا‪.‬‬

‫كيتفؽ عدد مف المفكريف بأنيا آلية يمكف أف تؤدم بشكؿ متسارع إلى نشكء نظاـ عالمي‬
‫جديد بكاسطة ثبلثية التكنكلكجيا‪ ،‬كرأس الماؿ‪ ،‬كاإلدارة‪ ،‬كتشمؿ السياسة كاالقتصاد‪ ،‬كالثقافة‬
‫كاالجتماع كاألعراؼ‪ ،‬ليؤسس القرية الككنية الجديدة التي تقكـ عمى ثكرة الكمبيكتر‪،‬‬
‫كاالتصاالت‪ ،‬كالثكرة المعمكماتية‪ ،‬كاألسكاؽ المفتكحة‪ ،‬كالشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬لتكحيد‬
‫مصير اإلنسانية‪.‬‬

‫السؤال اآلن‪ :‬ىؿ العكلمة مظير مف مظاىر التطكر الحضارم الطبيعي الذم يشيده‬
‫العصر‪ ،‬كلكنو يتـ بمقاييس األقكياء؟ أـ أنيا عقيدة تعبر بصكرة مباشرة عف إرادة الييمنة عمى‬
‫العالـ مف ًقىبؿ األقكياء؟‬

‫ماديا كحضارنيا عمى‬


‫يجا مف األمريف كالنتيجة كاحدة كىي‪ :‬سيطرة األقكياء ن‬
‫ليكف الحاؿ مز ن‬
‫الضعفاء‪ ،‬مستخدميف قدراتيـ كسبقيـ في تكظيؼ آليات العكلمة‪ ،‬كثمار التقنية لصالحيـ؛‬
‫حتى تتـ عممية «تغريب العالـ» كما كصفيا أحد الكتاب الغربييف أك «أمركة العالـ» حسب‬
‫كصؼ أحد الكتاب المسمميف‪ ،‬كىك ما دعا الرئيس األمريكي السابؽ كمينتكف إلى أف يقكؿ‪:‬‬
‫مقدسا‬
‫ن‬ ‫اما‬
‫«إف أمريكا تؤمف بأف قيميا صالحة لكؿ الجنس البشرم‪ ،‬كاننا نستشعر أف عمينا التز ن‬
‫لتحكيؿ العالـ إلى صكرتنا»‪.‬‬

‫مجاالت العكلمة‪:‬‬

‫تظير العكل مة في مجاالت عديدة مف مجاالت الحياة؛ التي تشكؿ شبكة العبلقات الدكلية‬
‫المعاصرة‪ ،‬كأىـ ىذه المجاالت‪:‬‬
‫أول‪ :‬المجال القتصادي‪ :‬كترتكز العكلمة فيو عمى فكرة كحدة السكؽ‪ ،‬كازالة العكائؽ أماـ‬
‫ً‬
‫معيار لمنقد‪ ،‬كتحكيؿ العالـ إلى مجتمع‬
‫نا‬ ‫حركة رأس الماؿ‪ ،‬كحرية االقتصاد‪ ،‬كاتخاذ الدكالر‬
‫الدكؿ صناعية منتجة‪ ،‬كمجتمعات الدكؿ المستيمكة ىي مجتمعات الدكؿ األخرل؛ حتى‬
‫أصبح مظير التأثر االستيبلكي لمعكلمة‪ ،‬ىك لبس الجينز‪ ،‬كشرب الكككاككال‪ ،‬كأكؿ اليمبرجر‪،‬‬
‫كمشاىدة المحطة األخبارية ‪ ،CNN‬ككميا نتاج أمريكي‪ ،‬لدرجة أف الرئيس الفرنسي السابؽ‬

‫‪-387117‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫محذر مف تفشي ظاىرة لبس بنطمكف‬


‫نا‬ ‫فرانسكا متيراف كقؼ يخطب في الجمكع المحتشدة‪،‬‬
‫الجينز بيف الشباب الفرنسي؛ ألنو مظير مف مظاىر الغزك األمريكي‪.‬‬

‫عددا مف الكسائؿ كاآلليات‪:‬‬


‫كتستخدـ العكلمة االقتصادية ن‬
‫‪ -1‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬والبنك الدولي‪ :‬كىما منظمتاف أمميتاف‪ .‬فاألكؿ يقكـ عمى‬
‫ضبط النقد الدكلي كاستق ارره‪ ،‬كاآلخر يمارس عمميات اإلقراض كدراسات الجدكل في مجاؿ‬
‫اإلنشاء كالتعمير لمدكؿ المتضررة مف الحركب‪ ،‬كالدكؿ الفقيرة ضمف شركط قاسية‪.‬‬

‫‪ -2‬منظمة التجارة العالمية‪ :‬مف خبلؿ قكانينيا في السمع كالخدمات كحقكؽ الممكية‬
‫تحكؿ مفيكـ التجارة لدل المنظمة‬
‫الفكرية‪ ،‬كمف خبلؿ ىيئة فض المنازعات كالتحكيـ؛ حيث َّ‬
‫مف مفيكـ تقميدم إلى مفيكـ يشمؿ البيئة كالعمؿ كحقكؽ اإلنساف كالعماؿ‪ .‬كىذه المؤسسات‬
‫خطير يمكف أف يمسؾ بخناؽ الدكؿ الفقيرة حتى يجعميا في تبعية شبو‬
‫نا‬ ‫الثبلث تشكؿ ثالكثنا‬
‫كاممة لمغرب كشركاتو‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلعالم والدعاية اإلعالمية‪ :‬كىي مف أكضح الكسائؿ لتركيج المنتجات االستيبلكية‪،‬‬
‫كتركج معيا بشكؿ غير مباشر البيئات المطمكبة‪ ،‬التي ىي إفراز لمثقافة‪ ،‬كالمصالح الغربية‪،‬‬
‫كتقكـ إمبراطكريات إعبلمية عمى خدمة الدعاية كاإلعبلف‪ ،‬كتنفؽ الشركات الكبرل مئات‬
‫سنكيا عمى ىذه الخدمة‪.‬‬
‫المبلييف مف الدكالرات ن‬
‫‪ -4‬الشركات المتعددة الجنسيات‪ :‬التي نجح الكثير منيا في الييمنة عمى السكؽ بنكعية‬
‫منتجاتيا‪ ،‬كخدماتيا‪ ،‬كبضخامة رأس ماليا‪ ،‬كباندماجاتيا‪.‬‬

‫فمثبل‪:‬‬
‫كلقد شيد العالـ اندماجات ضخمة بيف شركات عمبلقة ن‬
‫أ ‪ -‬في مجال السيارات‪ :‬اندمجت مرسيدس مع كرايزلر‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وفي مجال النفط‪ :‬اندمجت شركة أكسكف مع شركة مكبيؿ‪.‬‬

‫ج‪ - -‬وفي مجال التصالت‪ :‬اندمجت شركة ‪ T &AT‬مع برتش تمككـ‪.‬‬

‫د ‪ -‬وفي المجال المصرفي‪ :‬اندمج ‪ Citi corp‬مع ‪.Travelers group‬‬

‫كيكفي أف نعمـ أف رأسماؿ الشركات المندمجة في مجاؿ الحاسبات فقط عمى مستكل العالـ‬

‫‪-388-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫قد قفز إلى ِْٔ مميار دكالر عاـ ُٗٗٗـ‪ ،‬بينما كاف ُِ مميار دكالر فقط في العاـ‬
‫ُٖٖٗـ‪ .‬كغيرىا لمكثير مف الصناعات كالتأميف‪ ،‬كصناعات الطائرات المدنية كالحربية‪.‬‬

‫كقد يككف مف المناسب التذكير بالتغير الذم ط أر عمى مكقؼ الحككمات الغربية مف مثؿ‬
‫تمؾ الممارسات؛ فقد كانت تمؾ الممارسات تعد صيغة احتكارية يمنع منيا القانكف‪ .‬كلكف‬
‫محميا‪ ،‬بؿ كال غر نبيا‪ ،‬بؿ عمى مستكل‬
‫ن‬ ‫المعبة تغيرت‪ ،‬كالسكؽ كبرت‪ ،‬كأصبح التحدم ليس‬
‫العالـ كمو‪ ،‬مما حدا بالدكؿ الغربية إلى تجاكز الفيـ التقميدم لبلحتكار في أسكاقيا‪ ،‬لمساعدة‬
‫شركاتيا لمحصكؿ عمى نصيب أكبر مف السكؽ العالمية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المجاؿ االجتماعي‪ :‬كذلؾ بتنميط العالـ عمى نحك مف نمط المجتمعات الغربية ‪-‬‬ ‫ن‬
‫تغريب العالـ ‪ -‬كبالذات أمريكا (األمركة)؛ كذلؾ بنقؿ قيـ المجتمع الغربي؛ كاألمريكي بالذات‬
‫ليككف المثاؿ كالقدكة‪ ،‬سكاء ما نقؿ منيا بإرادة مقصكدة‪ ،‬أك ما انتقؿ منيا نتيجة طبيعية لرغبة‬
‫تقميد الغالب؛ َّ‬
‫ألف األمة المغمكبة مكلعة بتقميد الغالب؛ كما قاؿ ابف خمدكف‪ .‬كتسمؾ العكلمة‬
‫االجتماعية كسائؿ لذلؾ منيا‪:‬‬

‫أ ‪ -‬المؤتمرات الدكلية في مجاؿ المرأة‪ ،‬كالشباب كاألطفاؿ‪ ،‬كالسكاف كالتنمية االجتماعية‪،‬‬


‫كالمستكطنات البشرية‪ ،‬التي شيدتيا حقبة التسعينيات بشكؿ كبير كما زالت متكاصمة؛ حيث‬
‫كمثاال عمى ذلؾ ما طرح في‬
‫ن‬ ‫تطرح كثائقيا‪ ،‬كتكصياتيا نمكذج الحياة االجتماعية الغربية‪.‬‬
‫كثيقتي مؤتمر السكاف في القاىرة‪ ،‬كمؤتمر بكيف عف المرأة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نقؿ السمككيات كالعادات الغربية مف خبلؿ المكاد اإلعبلمية في القنكات الفضائية‪،‬‬


‫كشبكة اإلنترنت‪ .‬كالمثاؿ عمى ذلؾ عيد الحب ‪ ،Valentine‬كىي عادة غربية ذات أصكؿ‬
‫دينية‪ ،‬كثنية‪ ،‬كأخبلقية غربية‪ ،‬كقد انتشرت حتى في المجتمعات اإلسبلمية المحافظة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬المجال الفكري والثقافي‪ :‬كذلؾ بتركيج األيديكلكجيات الفكرية الغربية‪ ،‬كفرضيا في‬
‫أيضا؛ كذلؾ في‬
‫الكاقع مف خبلؿ الضغكط السياسية‪ ،‬كاإلعبلمية‪ ،‬كاالقتصادية‪ ،‬كالعسكرية ن‬
‫مجاالت عدة كحقكؽ اإلنساف‪ ،‬كالديمقراطية‪ ،‬كحقكؽ األقميات‪ ،‬كحرية الرأم‪ .‬كتستخدـ في ذلؾ‬
‫آليات ككسائؿ منيا‪:‬‬

‫أ‪ -‬إصدار الصككؾ كاالتفاقيات الدكلية المصاغة بكجية نظر غربية‪ ،‬كالضغط مف أجؿ‬

‫‪-389119‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫التكقيع عمييا‪ ،‬مثؿ اإلعبلف العالمي لحقكؽ اإلنساف‪ .‬مكافحة التمييز ضد المرأة‪ ...‬إلخ‪ .‬كىذه‬
‫االتفاقيات كاف كاف فييا بعض الحؽ‪ ،‬إال أف فييا الباطؿ‪ ،‬كيكفي أنيا مصاغة بكجية نظر‬
‫غربية صرفة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إصدار القكانيف مف أجؿ استخداميا ضد دكؿ العالـ الثالث‪ ،‬باسـ حماية األقميات‪،‬‬
‫مثؿ قانكف التحرر مف االضطياد الديني الصادر عف الككنجرس األمريكي‪.‬‬

‫ج‪ - -‬إصدار التقارير الدكرية لمضغط اإلعبلمي‪ ،‬كالسياسي‪ ،‬كاالقتصادم عمى‬


‫المجتمعات األخرل‪ ،‬مثؿ إصدارات الككنجرس األمريكي‪ ،‬كك ازرة الخارجية األمريكية الدكرية‪،‬‬
‫كاصدارات المنظمات العالمية الكبرل الدكرية‪ ،‬حيث تستغؿ ىذه اإلصدارات لصالح الدكؿ‬
‫كالبنكؾ كالمؤسسات المالية الغربية‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬المجال السياسي‪ :‬كذلؾ مف خبلؿ استخداـ األمـ المتحدة بعد الييمنة عمييا‪ ،‬كعمى‬
‫رً‬
‫عالميا‪ ،‬كاستخداـ‬
‫ن‬ ‫مؤسساتيا السياسية المؤثرة خاصة مجمس األمف الذم تعتبر ق ارراتو ممزمة‬
‫حؽ النقض (الفيتك) المجحؼ عند الضركرة أك التمكيح باستخدامو‪ ،‬لمنع أم قرار ال يريده‬
‫الغرب؛ خاصة أمريكا‪ .‬كلعؿ ما يجرم اآلف مف تعسؼ أمريكي‪ ،‬بدعـ بريطاني‪ ،‬كمجاممة مف‬
‫بقية األعضاء الدائميف في استعماؿ ىذه المنظمة العالمية لتكريس ىيمنة أمريكا دليؿ عمى‬
‫ذلؾ‪ .‬كقد تحدث بطرس غالي األميف العاـ السابؽ لؤلمـ المتحدة في كتابو‪« :‬بيت مف زجاج»‬
‫عف الكثير مف ىذه الممارسات‪ ،‬بعد خبلفو مع أمريكا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬المجال العسكري‪ :‬كذلؾ مف خبلؿ األحبلؼ كالمعاىدات العسكرية التي تعقدىا‬
‫ً‬
‫الدكؿ الكبرل‪ ،‬كبالذات أمريكا مع الدكؿ الصغيرة‪ ،‬كمف خبلؿ األحبلؼ اإلقميمية التي تككف‬
‫ىذه الدكؿ طرفنا فييا‪ ،‬ككذلؾ مف خبلؿ حمؼ األطمسي الذم حددت أىدافو تجاه الدكؿ‬
‫اإلسبلمية خاصة كغيرىا مف دكؿ أفريقيا كآسيا‪ ،‬بعد أف كاف تجاه الشرؽ بعد انتياء الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬كسقكط االتحاد السكفييتي‪ ،‬كانحبلؿ حمؼ كارسك‪.‬‬

‫آليات العولمة التقنية‪:‬‬

‫كنتاجا لمثكرة التقنية الضخمة التي‬


‫ن‬ ‫كىي الكسائؿ التقنية التي تعتبر ثمرة المعرفة العممية‪،‬‬
‫يشيدىا الغرب؛ حيث تضاعفت االختراعات التقنية بشكؿ كبير‪ ،‬ربما يصؿ إلى معدؿ اختراع‪،‬‬

‫‪-390-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أك اكتشاؼ جديد كؿ دقيقتيف‪ .‬كأبرز مجاؿ يشيد ثكرة تقنية ضخمة ىك مجاؿ االتصاالت‪.‬‬
‫كمف مظاىر ذلؾ ما يمي‪:‬‬

‫يدكر حكؿ األرض حكالي َََِ قمر صناعي لبلتصاالت المدنية‪ ،‬سكل أقمار التجسس‪،‬‬
‫كاألقمار ذات األغراض العسكرية‪ .‬كيكفي أف نعرؼ أف (بؿ جيتس) صاحب شركة‬
‫مايكركسكفت كعد بمفرده بإطبلؽ ََٓ قمر صناعي لخدمة االتصاالت كنقؿ المعمكمات‪.‬‬

‫عالميا حتى جاكز الكقت الذم استيمؾ في االتصاالت َٔ‬


‫ن‬ ‫تضاعؼ استخداـ ىذه التقنية‬
‫مميار دقيقة في عاـ ُٓٗٗـ‪ ،‬كتضاعؼ سكقيا‪ ،‬حتى قارب اآلف مف نصؼ مميار دكالر‬
‫سنكيا‪.‬‬
‫سنكيا‪ ،‬كيزداد بنسبة َُ‪ %‬ن‬
‫ن‬
‫ستقؿ تكمفة االتصاالت إلى أف تصبح شبو مجانية في غضكف السنكات العشر القادمة‪.‬‬
‫فعف طريؽ اإلنترنت اآلف‪ ،‬بإمكاف أم شخص في منطقة الخميج االتصاؿ بأكركبا كأمريكا‬
‫بتكمفة ال تزيد عف ْ سنتات لمدقيقة‪.‬‬

‫صرحت شركة كيك كيست‪ ،‬لبلتصاالت األمريكية أف نظاميا التقني الحديث يستطيع نقؿ‬
‫كـ ىائؿ مف المعمكمات يكازم ما تحكيو مكتبة الككنجرس مف كاشنطف‪ ،‬إلى أم مكاف في‬
‫العالـ خبلؿ مدة ال تتجاكز عشريف ثانية‪.‬‬

‫التطكر التقني القادـ سيشمؿ أجيزة التمفاز خاصة بعد تطكير الشاشة عالية الكضكح‪.‬‬
‫كسيككف الدخكؿ إلى اإلنترنت عف طريؽ التمفاز‪ ،‬كالتحكـ بالبرامج أسيؿ‪ .‬كقد بدأت الكثير‬
‫مف القنكات التمفزيكنية بث برامجيا عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬مثؿ قناة ‪ ،CNN‬كقناة الجزيرة‪،‬‬
‫كغيرىما‪.‬‬

‫كمع تطكر كاميرات الفيديك الرقمية‪ ،‬سيككف بإمكاف األشخاص العادييف بث برامج‬
‫كمعمكمات‪ ،‬عبر قنكات كمحطات شخصية خاصة بيـ كما ىك الحاؿ في مكاقع شبكة‬
‫اإلنترنت‪.‬‬

‫كفي مجاؿ اإلنترنت ‪ -‬كىي الشبكة التي حطمت القيكد كالحكاجز كحققت كحدة معمكماتية‬
‫‪ -‬نرل أىمية ىذه الشبكة كخطكرتيا مف خبلؿ سعتيا كمحتكياتيا‪ ،‬كحرية استخداميا كسيكلتو‪،‬‬
‫كمف ذلؾ‪:‬‬

‫‪-393191‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫مستخدمك اإلنترنت حكالي ََٓ مميكف مستخدـ؛ كما أف مكاقع اإلنترنت التجارية‬
‫يكميا بشكؿ‬
‫كالحككمية كالخاصة‪ ،‬قد زادت عمى ََِ مميكف مكقع عاـ ُٗٗٗـ‪ ،‬كىي تزداد ن‬
‫سريع‪.‬‬

‫طرحت بدائؿ جديدة لمتجارة تسمى اآلف التجارة اإللكتركنية‪ ،‬كنشأت األسكاؽ اإللكتركنية‪،‬‬
‫كضخت مميارات الدكالرات في ىذا السكؽ‪ .‬كلمثؿ ىذا الغرض‬ ‫كتحققت كحدة لمسكؽ العالمي‪ ،‬ي‬
‫أنشأت إمارة دبي مدينة اإلنترنت‪ .‬كقد يككف ىذا بعض معنى ما ركم في الحديث الصحيح‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫اعةي ىحتَّى تى ٍ‬ ‫ىف رسكؿ ًَّ‬ ‫ً‬
‫ب‬
‫ب‪ ،‬ىكىيتىقى ىار ى‬
‫ظ ىيىر اٍلفتى يف‪ ،‬ىكىي ٍكثيىر اٍل ىكذ ي‬ ‫الس ى‬
‫كـ َّ‬
‫اؿ‪ « :‬ىال تىقي ي‬
‫اَّلل ‪ ‬قى ى‬ ‫ىع ٍف أىبي يى ىرٍي ىرةى أ َّ ى ي ى‬
‫اؿ‪« :‬اٍلقى ٍت يؿ»‪ .‬زادت صفحات‬ ‫ً‬ ‫ب َّ‬
‫يؿ‪ :‬ىك ىما اٍليى ٍريج؟ قى ى‬
‫اف‪ ،‬ىكىي ٍكثيىر اٍليى ٍريج»‪ ،‬ق ى‬‫الزىم ي‬ ‫اؽ‪ ،‬ىكىيتىقى ىار ى‬
‫ىس ىك ي‬
‫ٍاأل ٍ‬
‫اإلنترنت في نياية عاـ َََِـ عمى ٓ‪ ُ.‬مميار صفحة‪ ،‬بينما كصؿ عدد العرب‬
‫المستخدميف لمشبكة اإللكتركنية عاـ ََِْـ أكثر مف َٕ مميكف مستخدـ‪ ،‬كعدد المكاقع‬
‫العربية تقر نيبا كصؿ إلى أكثر مف ستة مبلييف مكقع‪ .‬كمع أف ىذه اإلحصائيات ليست دقيقة؛‬
‫كذلؾ لصعكبة تحقيؽ ذلؾ في مثؿ نظاـ الشبكة‪ ،‬لكف المقصكد ىك تقريب الصكرة‪.‬‬

‫مخاطر العكلمة‪:‬‬

‫تحكؿ العالـ إلى غابة إلكتركنية يستعمي‬


‫لمعكلمة مخاطر ضخمة كمفاسد جمة مف خبلؿ ُّ‬
‫فييا الكبار عمى الصغار؛ كتظير ىذه المخاطر داخؿ المجتمع لمدكلة الكاحدة‪ ،‬ككذلؾ داخؿ‬
‫المجتمع العالمي‪ .‬كمف أىـ المخاطر‪:‬‬
‫أول‪ :‬الخطر المجتمعي‪:‬‬
‫ً‬
‫يحذر عمماء اإلصبلح االجتماعي مف َّ‬
‫أف أسكأ ما يقع عمى األمـ‪ ،‬ىك انقساـ مجتمعيا إلى‬
‫طبقات األغنياء كالفقراء‪ ،‬كأف اآلثار السيئة لتكدس األمكاؿ في أيدم قمة مف الناس تسبب‬
‫تسمطيـ كتحكميـ في مصير الكثرة‪ ،‬كتسخرىـ لخدمتيـ بغير حؽ‪ .‬ككمثاؿ لذلؾ أمريكا ذات‬
‫النظاـ الديمقراطي‪ ،‬ككيؼ يؤثر الماؿ عمى امتبلؾ كسائؿ اإلعبلـ‪ ،‬كمف ثـ التأثير عمى‬
‫العممية االنتخابية؛ بحيث ال تعبر في النياية عف رأم األغمبية‪.‬‬

‫كليذا كاف منيج اإلسبلـ ىك كجكد تشريعات تمنع أف يبقى الماؿ يدكلة بيف األغنياء؛ كقد‬
‫ظيرت الطبقية كاالحتكار مف خبلؿ إيجاد آليات كىياكؿ كمؤسسات اجتماعية‪ ،‬سكاء كانت‬

‫‪-391-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫اقتصادية أك قانكنية أك تشريعية‪ ،‬يتـ مف خبلليا تكجيو الماؿ كالسمطة كالتأثير لؤلغنياء دكف‬
‫الفقراء‪ ،‬كتكرس انعداـ الفرص أماـ الفقراء في مزاحمة األغنياء‪.‬‬

‫معيار لكثير مف المناصب كالمياـ‪ .‬كمف ذلؾ التشريعات الخاصة‬ ‫نا‬ ‫بؿ كيككف الماؿ كالغنى‬
‫ببعض األسكاؽ التجارية كالبكرصات كالتشريعات القانكنية (غير المكتكبة) في أمريكا كالمنحازة‬
‫إلى فئة دكف أخرل‪ ،‬كمف ذلؾ ما يظير في طبيعة ىيكمة األحزاب السياسية‪ .‬كقد حذرت مجمة‬
‫‪ Foreign Affairs‬األمريكية في عدد سابؽ مف نشكب ثكرة اجتماعية عالمية‪ ،‬بعد نقدىا لفكرة‬
‫العكلمة؛ ألنيا تترؾ كراءىا المبلييف مف العماؿ الساخطيف‪ ،‬كحاالت البلمساكاة‪ ،‬كالبطالة‪،‬‬
‫كالفقر المستكطف‪ ،‬كاختبلؿ التكازف االجتماعي‪ ،‬باإلضافة إلى تخمي الدكلة عف مكاطنييا‪،‬‬
‫كنشكء الطبقية الفاحشة داخؿ مجتمع الدكلة الكاحدة‪ .‬كذلؾ تسبب تكريس اليكة بيف الدكؿ‬
‫النامية كالدكؿ المتقدمة كبيف أغنياء العالـ كفقرائو‪.‬‬

‫ومن مظاىر الخطر الجتماعي‪:‬‬

‫ثبلثة أغنى أغنياء أمريكا‪ ،‬ثركتيـ أكثر مف ثركة قارة إفريقيا كميا‪ ،‬التي فييأََ مميكف‬
‫نسمة‪ %َّ .‬مف سكاف العالـ دخميـ اليكمي يقؿ عف دكالريف‪ ،‬كَِ‪ %‬مف سكاف العالـ يقؿ‬
‫دخميـ اليكمي عف دكالر كاحد‪ ،‬ككميـ مف الدكؿ النامية‪.‬‬

‫َِ‪ %‬مف سكاف العالـ يممككف َٖ‪ %‬مف ثركتو‪ ،‬كالباقي مف السكاف يممككف الباقي مف‬
‫الثركة‪.‬‬

‫حركة الماؿ العالمي اليكمي تزيد عمى َُ تريميكنات دكالر يممؾ معظمو عدد محدكد مف‬
‫الشركات‪ ،‬كاألشخاص في ىذا العالـ‪ ،‬معظميـ في العالـ الغربي‪.‬‬

‫التجارة اإللكتركنية (السكؽ اإللكتركني) شبو محتكرة لمغربييف؛ خاصة أمريكا‪ ،‬التي تحصؿ‬
‫عمى نصيب األسد مف ىذه التجارة‪ ،‬حيث بمغت حصتيا مف ىذه السكؽ نسبة قريبة مف‬
‫النصؼ‪ ،‬كالباقي لبقية العالـ‪ ،‬كخاصة الدكؿ الغربية األخرل‪ ،‬بينما الدكؿ النامية ال تحصؿ إال‬
‫عمى كاحد باأللؼ‪.‬‬

‫خمس دكؿ غربية فييا ُِٕ شركة مف أصؿ ََِ شركة كبرل في العالـ‪ ،‬كىي أمريكا‪،‬‬
‫كالياباف‪ ،‬كفرنسا‪ ،‬كألمانيا‪ ،‬كبريطانيا‪.‬‬

‫‪-391193‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫شخصا‪.‬‬
‫ن‬ ‫شخصا يممككف ما يممؾ ْٓ‪ %‬مف سكاف العالـ أم ٔرِ مميار‬
‫ن‬ ‫في العالـ ّٖٓ‬

‫مستقببل؛ فحكالي َّ‪ %‬مف طاقات العمؿ تكفي عندما‬


‫ن‬ ‫ىناؾ تكقعات بازدياد البطالة كالفقر‬
‫تدخؿ التقنية اإللكتركنية في اإلدارة كفي سكؽ العمؿ‪.‬‬

‫األرباح المتكقعة مف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد تصؿ إلى ََِ مميار دكالر‪،‬‬
‫معظميا يذىب إلى الشركات الغربية‪ ،‬بينما لف يحصؿ العالـ العربي إال عمى ُ‪ %‬منيا‪.‬‬

‫احدا فقط لبقية‬


‫الر ك ن‬
‫كؿ خمس دكالرات في العالـ يممؾ الغرب أربعة منيا‪ ،‬كيترؾ دك نا‬
‫المناطؽ‪.‬‬

‫كفي مجاؿ التكنكلكجيا نجد أف َْ‪ %‬مف كمبيكترات العالـ تكجد في أمريكا؛ بينما نجد‬
‫احدا‪ ،‬كنجد أف َٖ‪ %‬مف مالكي اليكاتؼ‬‫ىاتفيا ك ن‬
‫ن‬ ‫احدا مف كؿ ثبلثمائة أفريقي يممؾ خطنا‬
‫ك ن‬
‫الخمكية ىـ مف العالـ الغني‪ ،‬بينما تكصؼ بنغبلدش بأنيا صحراء ىاتفية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخطر الثقافي‪:‬‬


‫ً‬
‫محاكلة صير الثقافات المكجكدة في ثقافة كاحدة ىي الثقافة الغربية‪ ،‬كبالذات األمريكية‪،‬‬
‫كجعميا النمكذج العالمي‪ ،‬مستغمة التقدـ التكنكلكجي في مجاؿ االتصاالت‪ ،‬كما ترسمو عبر‬
‫الفضائيات مف سيؿ جارؼ مف المكاد اإلعبلمية‪ ،‬كتفريغ العالـ مف اليكية الكطنية‪ ،‬كالقكمية‪،‬‬
‫كالدينية‪.‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ومن مظاىر ذلك ً‬
‫يكجد في العالـ َََٔ لغة‪ ،‬لكف َٗ‪ %‬مف برامج اإلنترنت تبث بالمغة اإلنجميزية‪ ،‬مما‬
‫تيميشا لمغات األخرل حتى الحية منيا؛ مما دعا الرئيس الفرنسي شيراؾ إلى الدعكة‬
‫ن‬ ‫يسبب‬
‫إ لى إقامة تحالؼ بيف الدكؿ التي تعتمد لغات مف أصؿ التيني‪ ،‬لمتصدم بشكؿ أفضؿ لييمنة‬
‫المغة اإلنجميزية‪ ،‬لدل افتتاحو منتدل حكؿ تحديات العكلمة في َِ‪ََُِ/ّ/‬ـ‪ .‬كمف المعمكـ‬
‫أف الككالة الفرنكفكنية‪ ،‬كالمنظمة الدكلية لمفرنكفكنية أينشئتا ليذا السبب‪.‬‬

‫الفرنكفونية‪ :‬ىي حركة فكرية‪ ،‬ذات بعد أيديكلكجي‪ ،‬تيدؼ إلى تخميد قيـ (فرنسا األـ) في‬
‫كؿ مستعمراتيا التي انسحبت منيا عسكرنيا‪ ،‬كمدافعة التيارات القكمية كالمغكية األخرل؛ كذلؾ‬
‫كميا‪ ،‬أك‬
‫مف خبلؿ اعتماد المغة الفرنسية‪ ،‬باعتبارىا ثقافة مشتركة بيف الدكؿ الناطقة بيا ن‬
‫‪-394-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫جز نئيا‪.‬‬

‫كما أفادت د ارسة لبرنامج األمـ المتحدة لمبيئة نشرت في ٖ‪ََُِ/ِ/‬ـ أف نصؼ المغات‬
‫المحمية في العالـ في طريقيا لمزكاؿ‪ ،‬كحذرت الدراسة مف أف َٗ‪ %‬مف المغات المحمية سكؼ‬
‫تختفي في القرف الحادم كالعشريف‪.‬‬

‫استخداـ بعض الصككؾ الدكلية كالقكانيف عند بعض الدكؿ لمضغط مف أجؿ تغيير‬
‫اليكيات‪ ،‬كصير الثقافات‪ ،‬ككمثاؿ عمى ذلؾ قانكف التحرر مف االضطياد الديني األمريكي‪،‬‬
‫الذم تستخدمو في التدخؿ بشؤكف العالـ اإلسبلمي بدعكل حماية األقميات‪ ،‬كاتاحة حرية‬
‫ممارسة العبادة كاقامة دكر ليا‪.‬‬

‫اآلثار الثقافية السمبية التي يمكف أف تنشأ مف السير في فمؾ منظمة التجارة العالمية؛ حيث‬
‫تتيح تفسيرات قكانينيا االعتداء عمى الخصكصيات الثقافية‪ ،‬بدعكل تسييؿ انسياب حركة‬
‫التجارة العالمية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الخطر األخالقي‪:‬‬

‫كذلؾ بما يبث عبر شبكات التمفزة كاإلنترنت مف أفبلـ جنسية‪ ،‬كمكاد إعبلمية تركج الفاحشة‬
‫كالرذيمة‪ .‬كقد بمغ ىذا النكع مف المكاد كاألفبلـ مف الكثرة‪ ،‬لدرجة َّ‬
‫أف ألمانيا التي يسمح قانكنيا‬
‫بعرض العممية الجنسية عمى المسرح مباشرة أماـ المشاىديف قامت بإغبلؽ ََِ مكقع إباحي‬
‫عاـ ُٔٗٗـ‪.‬‬

‫استفتاء في بريطانيا أظير أف نسبة ُ‪ ّ :‬مف‬


‫ن‬ ‫كبير لدرجة أف‬
‫اجا نا‬‫كبمغت تمؾ البرامج رك ن‬
‫أفبلما إباحية‪.‬‬
‫ن‬ ‫طبلب المدارس الثانكية يشاىدكف‬
‫تشير التقارير في عاـ ََِٓـ َّ‬
‫أف مستخدمي الشبكة المعمكماتية حكؿ العالـ‪ ،‬يتبادلكف‬
‫يكميا‪ ،‬بمعدؿ ٓ‪ ْ.‬لكؿ مستخدـ‪ ،‬كما أنيـ يقكمكف بتنزيؿ ٓ‪ُ.‬‬
‫ٓ‪ ِ.‬مميار رسالة جنسية ن‬
‫مميار مادة جنسية شيرنيا‪ ،‬كأشار تقرير آخر إلى أف عدد المكاقع الجنسية عمى الشبكة كصؿ‬
‫في الربع األخير مف العاـ ََِْ ـ‪ ،‬إلى ِ‪ ّ.‬مميكف مكقع‪ ،‬بنسبة ُْ‪ %‬مف عدد مكاقع‬

‫اإلنترنت‪ ،‬كا َّف تجارة الجنس عمى اإلنترنت تدر أر ن‬


‫باحا قدرىا ْ‪ ّ.‬مميارات دكالر مف إجمالي‬
‫ٕٓ مميار دكالر يتـ تداكليا عبر الشبكة في مختمؼ المجاالت‪.‬‬

‫‪-395195‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫النصيب العربي في ىذا األمر كبير‪ ،‬فأكثر مف ِٖ‪ %‬مف المستخدميف العرب أدمنكا‬
‫زيارات ىذه المكاقع‪.‬‬

‫استخداـ جسد المرأة أداة نفعية مادية؛ كذلؾ بتضخيـ الجانب الشيكاني؛ حيث تعتبر المرأة‬
‫سمعة يمكف تسكيقيا مف خبلؿ العركض التمفزيكنية كاإلعبلنات‪ .‬ككذلؾ تعتبر المرأة آلة لتسكيؽ‬
‫السمع االستيبلكية لمستحضرات التجميؿ كاألزياء‪ ،‬كيظير ذلؾ مف خبلؿ عركض األزياء‪،‬‬
‫كمسابقات ممكات الجماؿ‪ ،‬كقد تكسعت مسابقات ممكات الجماؿ لتشمؿ ممكات جماؿ‬
‫اإلنترنت‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬الخطر الجتماعي‪:‬‬


‫رً‬
‫كيتمثؿ ذلؾ بمحاكالت الدكؿ الغربية تحت مظمة األمـ المتحدة أف تفرض أنمكذجيا‬
‫االجتماعي‪ ،‬كأ ف تفرض عمى العالـ قيـ المجتمع الغربي المختمة في مجاؿ األسرة كالمرأة؛ مف‬
‫خبلؿ المؤتمرات الدكلية في المجاالت االجتماعية المختمفة‪ ،‬كمف خبلؿ المؤتمرات اإلقميمية‬
‫كلجاف المتابعة لتكصيات ىذه المؤتمرات المتعددة كالمنتشرة‪ ،‬كالتي تدعك إلى اعتماد النمكذج‬
‫الغربي في الحياة االجتماعية كالسكاف‪ ،‬كما أف تكصيات ىذه المؤتمرات قد تصؿ إلى ما يشبو‬
‫الق اررات الممزمة‪.‬‬

‫ومن أبرز توصيات ىذه المؤتمرات‪:‬‬

‫الحرية الجنسية‪ ،‬كاباحة العبلقات الجنسية خارج إطار األسرة‪ ،‬كتقميؿ قيمة الزكاج‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تكريس المفيكـ الغربي لؤلسرة‪ ،‬كىك أنيا تتككف مف شخصيف فأكثر كلك كانا مف نكع‬ ‫‪‬‬
‫كاحد‪.‬‬
‫إباحة الشذكذ الجنسي بكؿ أنكاعو‪ ،‬كمف المعمكـ أنو يمقىّّر في بعض القكانيف الغربية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فرض مفيكـ المساكاة الشكمي بيف المرأة كالرجؿ في الحقكؽ كالكاجبات كالحياة العامة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كمف مظاىر االستجابة ليذه العكلمة االجتماعية في العالـ العربي نبلحظ‪:‬‬

‫تزايد النشاط النسكم الكافد بما يحممو مف فكر تغريبي‪ ،‬كمثالو‪ :‬الخطة الكطنية إلدماج‬ ‫‪‬‬
‫المرأة في التنمية في المغرب (َََِـ)‪.‬‬
‫االتجاه إلعادة النظر في قكانيف األسرة في العالـ اإلسبلمي‪ ،‬كما حصؿ في مصر‬ ‫‪‬‬

‫‪-396-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫أخيرا‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ ‬تزايد التمكيؿ األجنبي المشبكه لمنظمات كىيئات نسكية أك معنية بشؤكف األسرة‬
‫كالمرأة‪.‬‬
‫طرح مناقشات كبرامج حكؿ المرأة في المجتمعات المحافظة‪ ،‬كما حصؿ في بعض‬ ‫‪‬‬
‫أخيرا‪.‬‬
‫دكؿ الخميج ن‬
‫خطر الفكضى العالمية كعدـ السيطرة‪:‬‬

‫تتيح التقنية كسائؿ جديدة لممجرميف كالمصكص‪ ،‬كتجار المخدرات؛ حيث إف تكحد السكؽ‬
‫كضخامة ما يضخ فيو مف ماؿ‪ ،‬يغطي عمميات السرقة كغسيؿ األمكاؿ‪ ،‬فتكثر عصابات‬
‫المافيا كأساليب االحتياؿ‪ ،‬كقد تغرم بدخكؿ أجيزة استخبارات لبعض الدكؿ‪ ،‬كسط معمعة‬
‫الفكضى‪ ،‬لتحقيؽ أغراض مالية أك سياسية‪ .‬كمف مظاىر ذلؾ‪:‬‬

‫مكاقع عمى اإلنترنت فييا إرشادات لئلرىابييف؛ حتى كصؿ األمر إلى أف يناقش ىذا‬
‫المكضكع في الككنجرس األمريكي تحت عنكاف‪« :‬اإلنترنت كعبلقتو باإلرىاب»‪.‬‬

‫عشرات األلكؼ مف المكاقع عمى اإلنترنت تشرح طرؽ استعماؿ المخدرات ككسائؿ استخداـ‬
‫العنؼ‪.‬‬

‫سرقة البرامج؛ حيث قدرت قيمة البرامج المسركقة في عاـ ُّٗٗـ ببميكني دكالر‪.‬‬

‫سرقة أرقاـ بطاقات االئتماف؛ حيث قامت عصابة كاحدة بسرقة َََ‪ َُْ.‬بطاقة عاـ‬
‫ُْٗٗـ‪ ،‬كتـ نشرىا عمى لكائح‪.‬‬

‫إفساد البرامج داخؿ أنظمة الكمبيكتر‪ .‬كبحكـ ترابط شبكات الكمبيكتر كالمعمكمات يعظـ‬
‫اإلفساد‪ .‬ككمثاؿ عمى ذلؾ فيركس «الحب»‪ .‬كما زالت محاكالت نشر الفيركسيات عبر‬
‫اإلنترنت‪ ،‬كالبريد اإللكتركني مستمرة‪.‬‬

‫ىذه جكانب مف المخاطر‪ ،‬كىناؾ جكانب أخرل لـ نتطرؽ إلييا لكضكحيا لممراقب كالمتابع‪،‬‬
‫كمنيا خطر العكلمة االقتصادية‪ ،‬ذلؾ الغكؿ الخطير الذم ييدد دكؿ الجنكب عامة‪ ،‬كيمكف‬
‫أف يحكليا إلى شبو ممكية خاصة لمشركات الغربية العمبلقة‪ ،‬المتعددة الجنسيات‪.‬‬

‫مستقبؿ العكلمة‪:‬‬

‫‪-397197‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫يظير ‪ -‬كهللا أعمـ ‪ -‬أف ىيمنة الغرب كبالذات أمريكا الدكلة المركزية عمى عممية العكلمة‬
‫طكيبل؛ كذلؾ بحسب استشراؼ األمريكاف أنفسيـ لمستقبؿ دكلتيـ‪ ،‬كاف كانت ستبقى‬
‫ن‬ ‫لف تستمر‬
‫مييمنا‪ ،‬لؤلسباب اآلتية‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذات مركز عالمي ميـ لكف ليس‬

‫ار بيف الحضارات‪ ،‬كالتي مف‬


‫ُ‪ -‬إف فكرة العكلمة ليست مثاقفة بيف المجتمعات‪ ،‬كحك نا‬
‫شأنيا أف تتبلقح فييا الحضارات‪ ،‬مع االحتفاظ بالخصكصيات‪ ،‬كانما ىي ىيمنة نمط حضارة‬
‫كاحدة‪ ،‬بكؿ ما تحممو مف ازدكاجية في المعايير‪ ،‬كتناقض في القيـ‪ ،‬كفكضى في الحياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬كىذا يؤدم إلى ركح المقاكمة كالمغالبة مف اآلخريف‪ ،‬عندما تبدأ عممية االختراؽ‬
‫كالتحدم الثقافي‪ ،‬كالفكرم‪ ،‬كاالقتصادم‪ ،‬كالسياسي‪.‬‬

‫إف طبيعة اإلنساف عندما يممؾ القكة كال يضبطو منيج رباني‪ ،‬كال يجد مقاكمة مكافئة‪ ،‬فيك‬
‫اف يخًم ى‬
‫ؽ‬ ‫نس ى‬ ‫ظميكمان ىجيكالن﴾ األحزاب‪ ،ِٕ:‬كقاؿ‪﴿ :‬إً َّف ًٍ‬
‫اإل ى‬ ‫ي‬ ‫كما قاؿ هللا تعالى عنو‪﴿ :‬إًَّنوي ىك ى‬
‫اف ى‬
‫ىىميكعان{ُٗ} إً ىذا م َّسوي َّ‬
‫الش ُّر ىج يزكعان{َِ} ىكًا ىذا ىم َّسوي اٍل ىخ ٍي ير ىمينكعان﴾ المعارج‪ .‬كلذلؾ سيكثر الظمـ‬ ‫ى‬
‫كالبغي كاالبتزاز‪ ،‬كمحاكلة السيطرة عمى مكارد اآلخريف مف ًقىبؿ األقكياء‪ .‬كأما دعاكل الحرية‬
‫كالمساكاة كحقكؽ اإلنساف فتمؾ داخؿ مجتمعاتيـ‪ ،‬كتستخدـ خارجيا مف أجؿ مزيد مف الييمنة‬
‫في الغالب‪ ،‬كىذا سيزيد مف حجـ العداء كاثارة ركح المقاكمة‪.‬‬
‫(ُ)‬
‫الغربية؛ كما في فكرة نياية‬ ‫ِ‪ -‬إف فكر العكلمة الذم يقكـ عمى الترغيب بمجتمع الميبرالية‬
‫التاريخ عند فكككياما‪ ،‬كعمى الترىيب مف الصداـ الحضارم؛ كما في أطركحة صداـ الحضارات‬
‫عند ىنتنجتكف‪ ،‬كىما مفكراف أمريكياف يستشرفاف عبلقة الغرب بالعالـ اآلخر‪ ،‬ىما فكرتاف‬
‫تكحياف بأف ىذا الفكر العكلمي يسعى إلى محاكلة إلغاء الخصكصيات الحضارية؛ بالترغيب‬
‫كالترىيب‪ ،‬يخالؼ طبيعة األشياء‪ ،‬مما يسبب قياـ تيار معاكس في كؿ حضارة‪ ،‬كبالذات‬
‫الحضارات التي تممؾ عناصر القكة كالمنعة‪ ،‬ثـ يحصؿ الصراع الذم يعتقده ىنتنجتكف‪.‬‬

‫كاإلسبلـ في طميعة تمؾ الحضارات‪ ،‬كخاصة في ظؿ استيداؼ اإلسبلـ بخصكمة ضخمة؛‬

‫(ُ) ىي مذىب رأسمالي ينادم بالحرية المطمقة في السياسة كاالقتصاد‪ ،‬كينادم بالقبكؿ بأفكار الغير كأفعالو‪ ،‬حتى كلك‬
‫كانت متعارضة مع أفكار المذىب كأفعالو‪ ،‬شرط المعاممة بالمثؿ‪ .‬كالميبرالية السياسية تقكـ عمى التعددية األيدلكجية‬
‫كالتنظيمية الحزبية‪ .‬كالميبرالية الفكرية تقكـ عمى حرية االعتقاد؛ أم حرية اإللحاد‪ ،‬كحرية السمكؾ؛ أم حرية الدعارة‬
‫كالفجكر‪.‬‬

‫‪-398-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫بالرغـ مف حالة ضعؼ المسمميف‪.‬‬

‫ّ‪ -‬إف تكقع أف العالـ سيتحكؿ إلى كاليات أمريكية كما يعتقد أحد مؤلفي «فخ العكلمة»‬
‫في ندكة لو بالرياض ىك مخالؼ لمسنف اإلليية التي تحكـ ىذا الككف‪ ،‬كلسنة التدافع كالصراع‬
‫التي تحكـ العبلقة بيف الحؽ كالباطؿ‪ ،‬منذ كجكد اإلنساف عمى ىذه األرض‪ .‬فاالختبلؼ‬
‫كالتدافع كالصراع كانت مف سمات الحياة البشرية عبر التاريخ بسبب االختبلؼ بيف الحؽ الذم‬
‫جاء بو األنبياء‪ ،‬كالباطؿ الذم تدعك إليو الشياطيف‪ ،‬أك بسبب نكازع النفس البشرية كأنانيتيا‬
‫ضيي ٍـ‬ ‫كعنصريتيا‪ ،‬كظمميا كبغييا عمى اآلخريف‪ .‬قاؿ هللا تعالى‪﴿ :‬كلىكالى د ٍفع ً‬
‫اَّلل َّ‬
‫اس ىب ٍع ى‬
‫الن ى‬ ‫ىٍ ى ي ٌ‬
‫ضييـ بًىب ٍع و‬ ‫ً‬ ‫بًبع و َّ ً‬
‫ض‬ ‫اس ىب ٍع ى‬‫ض﴾ البقرة‪ ،ُِٓ:‬كقاؿ تعالى‪ ﴿ :‬ىكلى ٍكىال ىد ٍفعي ا ََّّلل النَّ ى‬ ‫ض لفى ىس ىدت األ ٍىر ي‬ ‫ىٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اَّلل ىكثي انر﴾ الحج‪.َْ:‬‬ ‫اس يـ َّ‬ ‫ات كم ىس ً‬
‫اج يد يي ٍذ ىك ير فييىا ٍ‬ ‫ص ىكامعي ىكبًىيعه ىك ى‬
‫صمى ىك ه ى ى‬ ‫ت ى‬‫لَّيي ٌد ىم ٍ‬
‫ْ‪ -‬إف كجكد الطائفة المنصكرة التي أخبر عنيا النبي ‪ ‬إلى نياية الزماف كالتي ىي‬
‫بعض قدر هللا في ىذه األرض يتناقض مع الدعكل العريضة ليذه العكلمة كالمبشريف بيا‪ .‬بؿ‬
‫فيو إشارة إلى أف ظيكر ىذه الطائفة سيككف في بعض المراحؿ عمى ظممات كظمـ ىذه‬
‫العكلمة‪ ،‬كأف عدـ تضررىـ بمف خالفيـ كخذليـ إشارة إلى بعض الفئاـ مف المسمميف الذيف‬
‫سيركبكف قطارىا‪.‬‬

‫كعمى أرض الكاقع نشاىد ما يمي‪:‬‬

‫ُ‪ -‬المشكبلت الداخمية الغربية‪ :‬مثؿ التفكؾ األسرم‪ ،‬كالمخدرات‪ ،‬كالطبقية‪ َٔ :‬مميكف في‬
‫أمريكا تحت خط الفقر‪ .‬كفي االتحاد األكركبي َٓ مميكف تحت خط الفقر‪ ،‬كفي أمريكا ُ‪%‬‬
‫مف الناس يممككف َْ‪ %‬مف الثركة‪.‬‬

‫ِ‪ -‬األمراض الناتجة مف التحمؿ األخبلقي (اإليدز)‪ :‬تشير تقديرات منظمة الصحة‬
‫العالمية (الغرب لو نصيبو مف ىذه األرقاـ)‪ :‬فحتى عاـ ََِٔـ ما يزيد عف ْٓ مميكف‬
‫شخص‪ ،‬مصاب بالفيركس الذم يتسبب بالمرض‪ ،‬كما أف أسكأ آثار المرض تظير في الدكؿ‬
‫الفقيرة‪ ،‬كالنساء ىف األكثر عرضة لو‪.‬‬

‫عدد المتكفيف بسبب اإليدز منذ بداية المرض في أكاخر السبعينيات حتى عاـ َََِـ‬
‫حكالي ِِ مميكف‪ ،‬أكثر مف ْ مبلييف منيـ مف األطفاؿ‪.‬‬

‫‪-399199‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫َِٓ مميكف حالة جديدة مف حاالت اإلصابة بأمراض انتقمت عف طريؽ االتصاؿ‬
‫الجنسي‪.‬‬

‫المنطقة العربية‪ :‬نصؼ مميكف عربي يحممكف (اإليدز) كٖٔ ألؼ حالة في ََِٔـ‪ .‬فيما‬
‫أظيرت اإلحصائيات التي نشرتيا األمـ المتحدة أف المنطقة العربية‪ ،‬تسجؿ حالة إصابة‬
‫جديدة باإليدز كؿ َِ دقيقة‪.‬‬

‫قاـ جكرج بكش بتاريح ُِ‪ََِٕ/ٓ/‬ـ بطمب تقدـ بو لمككنغرس بمنحو َّ مميار دكالر‪،‬‬
‫عمى مدل خمسة أعكاـ لمكافحة مرض فقداف المناعة المكتسب (األيدز)‪ .‬كبرر ذلؾ بسبب‬
‫مكافحة المرض‪ ،‬كتكفير العبلج لحكالي ٓ‪ ِ.‬مميكف شخص‪ .‬كأف ذلؾ سيسيـ في منع انتشار‬
‫المرض إلى أكثر مف ُِ مميكف شخص إضافي‪.‬‬

‫‪ -3‬الفوضى األخالقية‪ :‬كىي إحدل مظاىر القصكر في مجتمعات الحضارة المعاصرة‪،‬‬


‫كىذا المظير مع غيره مف جكانب قصكر أخرل تخفؼ مف بريؽ ىذه المجتمعات كتزىد فييا‪،‬‬
‫كمف أمثمة ذلؾ‪:‬‬

‫في بعض الدكؿ األكركبية ٓٔ‪ %‬مف النساء العامبلت يتعرضف لمتحرش الجنسي في‬
‫أماكف عمميف‪ ،‬كعمى مستكل كؿ دكؿ االتحاد األكركبي تبمغ النسبة ّٓ‪ ،%‬كىذا بحسب‬
‫مسئكلة التكظيؼ كالسياسة االجتماعية في المجمس األكركبي في برككسؿ‪.‬‬

‫حكالي ُٖ‪ %‬مف النساء في أمريكا اغتصبف‪ ،‬أك تعرضف لمحاكلة اغتصاب؛ في مرحمة‬
‫مف مراحؿ عمرىف‪ ،‬كأكثر مف نصؼ الضحايا كف تحت سف ُٕ سنة‪ ،‬عندما تعرضف‬
‫لبلغتصاب لممرة األكلى‪ ،‬كىذا بحسب دراسة أعدت بتكميؼ مف ك ازرات العدؿ كالصحة‪،‬‬
‫كالشؤكف االجتماعية في أمريكا‪.‬‬

‫كثر التحرش الجنسي في السنكات األخيرة في الياباف‪ ،‬حتى بات مف الضركرم‪ ،‬كضع‬
‫قانكف كطني لمكافحتو‪ ،‬كذلؾ بحسب رأم خبيرة القضايا القانكنية في الحزب الديمقراطي‪.‬‬
‫جديا بتخصيص عربات خاصة‬‫كجاء في ىذا الصدد أف شركة القطارات في الياباف‪ ،‬تفكر ن‬
‫عمما أف عربات النساء الميمية مكجكدة منذ سنيف‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬ن‬
‫بالنساء‪ ،‬كقد بدأ تطبيؽ ذلؾ ن‬
‫ْ‪ -‬ظيكر مبلمح ص ارع بيف أمريكا كبعض الدكؿ الغربية‪ ،‬بسبب االختراؽ الثقافي‬

‫‪-100-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كاالقتصادم‪ ،‬كما حصؿ مع فرنسا كمع كندا‪ ،‬عندما احتجتا عمى الييمنة األمريكية عمى‬
‫حساب الثقافة المحمية‪ ،‬كاالمتيازات االقتصادية‪.‬‬

‫كسبؽ ذكر مكقؼ الرئيس الفرنسي ميتراف مف ظاىرة لبس الجينز‪ ،‬كمكقؼ الرئيس شيراؾ‬
‫مف الغزك المغكم‪.‬‬

‫ٓ‪ -‬تكقع ظيكر مراكز قكل جديدة عسكرية كاقتصادية كالصيف‪ ،‬كاالتحاد األكركبي‪،‬‬
‫كالياباف‪ ،‬يمكف أف تنافس أمريكا كتنيي بذلؾ حقبة القطبية األحادية؛ كخاصة مع ما يتكقع مف‬
‫أف أمريكا ستبدأ مرحمة انكفاء عمى الذات عمى حساب الييمنة العالمية في غضكف السنكات‬
‫العشريف القادمة حسب دراسات أمريكية‪.‬‬

‫ٔ‪ -‬مقاكمة العديد مف دكؿ العالـ خاصة النامية لمعكلمة‪ ،‬أك عمى األقؿ عدـ االستسبلـ‬
‫لشركطيا القاسية؛ كذلؾ لما ترل ليا مف أثر عمى تقميص السيادة الكطنية في مجاؿ صنع‬
‫السياسات االقتصادية كغيرىا؛ كخاصة أف ىذه الدكؿ ترل أف األزمات المالية كاالقتصادية‬
‫الطاحنة التي ألمت بالمكسيؾ عاـ ُْٗٗـ‪ ،‬كالب ارزيؿ عاـ ُٗٗٗـ كفي غيرىما كانت نتيجة‬
‫حتمية لمعكلمة‪ ،‬كاالندفاع إلى االندماج فييا دكف قيد كشرط‪ ،‬كأف الطبقية التي تحصؿ في‬
‫بعض الدكؿ كمصر‪ ،‬كالمتكقعة في أخرل كدكؿ الخميج التي سارت في قطار العكلمة‪ ،‬أك‬
‫التي تستعد لرككبو مؤشر آخر عمى ذلؾ‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬األزمات العسكرية كالثقافية كاالجتماعية كالشعكر بالتفكؾ الداخمي لدل الغرب تزداد‬
‫عجز عف فرض سياستو‪ ،‬كاف تـ لو ذلؾ فبتكاليؼ باىظة‪.‬‬
‫عمقنا‪ ،‬كما أنو يزداد نا‬

‫ٖ‪ -‬إخفاؽ بعض األطركحات الغربية مثؿ مكضكع تحرير المرأة في تمؾ المجتمعات‬
‫كاإلحصائيات تدعـ ذلؾ إذ تشير أدلة متزايدة مف البمداف الصناعية كالنامية عمى السكاء إلى‬
‫أف النساء الناشطات في األجيزة التشريعية‪ .‬رغـ ذلؾ‪ ،‬كحتى شير تمكز ‪ -‬يكليو ََِٔ‪ ،‬لـ‬
‫تتجاكز نسبة النساء البرلمانيات في كافة أرجاء العالـ ُٕ‪ %‬بالرغـ مف الدعاكل كالجيكد‬
‫المبذكلة منذ مطمع القرف مف أجؿ تحقيؽ مساكاة بيف الرجؿ كالمرأة‪ ،‬كالغاء التخصص بيف‬
‫الجنسيف عمى أساس كظيفي‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬مصيدة الديمقراطية كحقكؽ اإلنساف؛ جعمت الغرب يظير بعدـ صدقو فيما يدعك لو‪،‬‬

‫‪-103201‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫حاصبل مع الصيف‪ ،‬كاالتحاد السكفييتي أياـ الحرب‬


‫ن‬ ‫كبأنو صاحب معايير مزدكجة‪ ،‬كما كاف‬
‫الباردة‪ ،‬كيحصؿ اآلف عندما تأتي الديمقراطية بخصكـ الغرب إلى الحكـ‪ ،‬أك تأتي حقكؽ‬
‫اإلنساف عمى حساب بعض أصدقائيـ في دكؿ العالـ الثالث‪ .‬كلذا سكت الغرب عف انقبلب‬
‫العسكر عمى الديمقراطية في بمداف عديدة‪ ،‬األمر الذم يظير الغرب بكذبو‪ ،‬في ادعائو حماية‬
‫القيـ‪.‬‬

‫َُ‪ -‬ظيكر بكادر إخفاؽ كعكد العكلمة كمبشرييا‪ ،‬في تقميؿ الفجكة بيف الشماؿ كالجنكب‪،‬‬
‫عمى مستكل العالـ‪ ،‬بؿ عمى مستكل الدكلة الكاحدة؛ فالعكلمة تمنح الفرص لمشريحة الغنية‬
‫الضيقة‪ ،‬كتظؿ الشرائح الكبيرة عمى مستكل الدكؿ‪ ،‬كاألفراد تعاني كيبلت العكلمة‪ ،‬مما يعني‬
‫تكريس الظمـ كالبلمساكاة االجتماعية‪ .‬فالعكلمة التي حكلت العالـ إلى قرية معكلمة صغيرة؛ قد‬
‫أيضا إلى عممية نيب معكلمة صغيرة‪.‬‬
‫حكلتو ن‬
‫ُُ‪ -‬ظيكر تيار عالمي مناكئ لمعكلمة لو جمعياتو كمنظماتو كمنتدياتو داخؿ الدكؿ الصناعية‬
‫مثؿ المنتدل االجتماعي العالمي المناىض لمنتدل (دافكس)‪ ،‬كالتنسيؽ العالمي المناىض لمنظمة‬
‫التجارة العالمية‪ .‬كيقكـ ىذا التيار بدكر التكعية بمخاطرىا كآثارىا السيئة عمى المجتمعات‪ ،‬كيحاكؿ‬
‫االحتجاج عمييا كابطاؿ أم فعاليتو؛ لدفع كدعـ تيارىا مثمما حدث في (سياتؿ‪ ،‬كدافكس‪ ،‬كمكنتلاير‪،‬‬
‫كجنكا)‪ .‬كتظير عدائية بعض منظمات المجتمع المدني الغربي لمعكلمة في الكاليات المتحدة‬
‫األمريكية بشكؿ أقكل؛ كالمنظمات العمالية‪ ،‬كاتحادات الشغؿ؛ التي تراقب أثر عكلمة االقتصاد‬
‫عمى معدالت أجكر العماؿ كعمى نسبة البطالة‪.‬‬
‫كيف نستثمر آليات العولمة؟‬

‫كثير مف المكاسب كالفرص‪ ،‬التي ىي جزء‬ ‫كما أف لمعكلمة أخطارىا الضخمة‪َّ ،‬‬
‫فإف ىناؾ نا‬
‫مف الحركة الفاعمة‪ ،‬كاإليقاع السريع لمعطيات العصر؛ فالمكقؼ العقبلني الرشيد ليس فقط‬
‫المقاكمة‪ ،‬كانما نضيؼ إلى ذلؾ ما ينبغي أف يككف عميو مكقفنا مف استثمار الفرص السانحة‪،‬‬
‫باستخداـ آليات العكلمة بما يخدـ المسمميف‪ ،‬كيحافظ عمى ىكيتيـ كيبرز مكقفيـ كيحمي‬
‫كيانيـ‪ .‬كمف أمثمة ىذا االستثمار‪:‬‬
‫في مجال اإلعالم والتصالت‪:‬‬

‫‪-101-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫ُ‪ -‬إف سيكلة االتصاالت كنقؿ المعمكمات ستي ً‬


‫حدث نقمة نكعية في أساليب اإلدارة كالعمؿ‪،‬‬
‫فيستطيع األفراد العمؿ مف منازليـ في بعض الكظائؼ‪ .‬كقد بدأت عدد مف الشركات األمريكية‬
‫كاألكركبية‪ ،‬كنعتقد أف ىذا األسمكب يمنح الفرصة لممجتمعات المسممة‪ ،‬إنجاز أعماؿ كثيرة عف‬
‫طريؽ اإلنترنت‪ ،‬دكف الحاجة لخركج المرأة مف منزليا‪ ،‬كترؾ بيتيا كأطفاليا‪ ،‬خاصة إذا عممنا أف‬
‫نسبة استخداـ النساء لئلنترنت في المجتمعات اإلسبلمية نسبة عالية‪.‬‬

‫ِ‪ -‬تحرير كسائؿ اإلعبلـ كتطكرىا كسيكلة امتبلكيا كانشاء القرل اإللكتركنية الحرة؛‬
‫مجاال لمحركات اإلسبلمية أف تقيـ محطات فضائية‪ ،‬أك كسائؿ إعبلـ أخرل لنشر‬
‫ن‬ ‫سيتيح‬
‫اإلسبلـ‪ ،‬كالدعكة إلى هللا‪ ،‬كنشر العمـ‪ ،‬كالدفاع عف المسمميف‪ ،‬كالرد عمى الشبيات بحرية دكف‬
‫كصاية‪ ،‬أك رقابة رسمية‪ ،‬أك الخضكع ألنظمة مقيدة‪ ،‬كما نرل مثؿ محطة اقرأ‪ ،‬كمحطة‬
‫المجد‪ ،‬كالعفاسي‪ ،‬كالناس‪...‬إلخ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬التغطية اإلعبلمية الكاسعة لؤلحداث مف خبلؿ الفضائيات‪ ،‬أتاحت تغطية كاسعة‬
‫إعبلميا عمى قضايا المسمميف‪ ،‬أك‬
‫ن‬ ‫لقضايا المسمميف‪ ،‬كقمؿ مف فرصة اإلعبلـ الغربي‪ ،‬أف يعتـ‬
‫يعرضيا مف كجية نظره المنحازة في أغمب األحياف‪ ،‬ككمثاؿ عمى ذلؾ التغطية الكاسعة لما‬
‫يجرم في ببلدنا فمسطيف المحتمة‪ ،‬مف صكرة محمد الدرة كىك يقتؿ‪ ،‬كىدل غالية‪ ،‬كعائمتيا‬
‫تقتؿ‪ ،‬كايماف حجك‪...‬إلخ األمر الذم يكشؼ بعض ممارسات الصييكنية‪ ،‬كال شؾ أف اإلعبلـ‬
‫لو تأثير مباشر عمى صنع الرأم العاـ‪.‬‬

‫في المجال القتصادي‪:‬‬

‫مع التسميـ بخطكرة العكلمة االقتصادية عمى اقتصاديات الدكؿ الضعيفة‪ ،‬كخطكرة فتح‬
‫األسكاؽ‪ ،‬كتحرير التجارة في ىذه الدكؿ‪ ،‬كالذم سيككف لصالح الشركات الكبرل الغربية إال أف‬
‫كثير مف ىذه الدكؿ إذا أحسنت استخداـ إمكاناتيا‪ ،‬كما تتميز فيو مف مكارد عمى غيرىا مف‬‫نا‬
‫الدكؿ الغربية‪ ،‬كرشدت سياساتيا االقتصادية‪ ،‬كحاربت الفساد المالي كاإلدارم المستشرم‪ ،‬فإنو‬
‫فمثبل‪:‬‬
‫جانبا مف ىذه العكلمة االقتصادية لصالحيا ن‬
‫يمكنيا أف تكظؼ ن‬
‫ُ‪ -‬االنضماـ لمنظمة التجارة العالمية‪ ،‬يمنع أكركبا مف كضع رسـ ُِ‪ %‬عمى‬

‫‪-101203‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فمثبل اإلنتاج السعكدم مف‬


‫المستكردات البترككيمائية مف بعض الدكؿ اإلسبلمية البتركلية؛ ن‬
‫البترككيمائيات يزيد عمى ٓ‪ %‬مف اإلنتاج العالمي؛ فإذا أزيمت الحكاجز الجمركية‪ ،‬أماـ ىذه‬
‫السمعة المتكفرة لدل الدكؿ المنتجة لمنفط‪ ،‬كمعظميا دكؿ إسبلمية‪ ،‬فكـ سيككف المردكد المادم‬
‫ليذه الدكؿ؟‬

‫ِ‪ -‬يتيح انضماـ الدكؿ المنتجة لمنفط إلى المنظمة الفرصة لمضغط بمعاممتو باعتباره‬
‫سمعة صناعية مف سمع المنظمة‪ ،‬فتزكؿ الضرائب المفركضة عميو في الدكؿ المستكردة‪ .‬ففي‬
‫مؤخر أظير أف أكثر مف َٕ‪ %‬مف سعر النفط المصدر إلى دكؿ‬‫نا‬ ‫تقرير لمنظمة األكبؾ‬
‫االتحاد األكركبي يذىب إلى الخزائف الحككمية‪ ،‬بينما يحصؿ منتجك النفط عمى أقؿ مف‬
‫َّ ‪ .%‬كما أكضحت تقارير أخرل‪ ،‬أف عائدات أربع دكؿ أكركبية مف ضرائب النفط في عاـ‬
‫ُٖٗٗ ـ‪ ،‬يفكؽ عائدات كؿ دكؿ أكبؾ مف تصدير النفط في ذلؾ العاـ‪ .‬فإذا عممنا أف معظـ‬
‫الدكؿ المنتجة أكثرىا دكؿ إسبلمية‪ ،‬كمنيا السعكدية التي يعادؿ إنتاجيا ُّ‪ %‬مف اإلنتاج‬
‫العالمي يتبيف مدل الفائدة المرجكة‪.‬‬

‫ّ‪ -‬كذلؾ فاالنضماـ إلى المنظمة سيدفع إلى إزالة معكقات كثيرة تقؼ في كجو التنمية‪،‬‬
‫كالى تحديث األنظمة‪ ،‬كالى كجكد الشفافية لتصحيح مسارات التنمية‪ ،‬كالى تحديث اإلجراءات‬
‫القضائية‪ ،‬كتخميص األنظمة الحمائية التي ال تتمشى مع ركح النظاـ االقتصادم اإلسبلمي‪،‬‬
‫كتضعؼ ىياكؿ اإلنتاج‪.‬‬

‫ْ‪ -‬انفتاح السكؽ مع ما يجمبو مف سمبيات‪ ،‬إال أنو سيدفع إلى التنافس‪ ،‬الذم سيحكـ‬
‫طبيعة السكؽ الحر المفتكح‪ .‬كيؤدم كذلؾ إلى إزالة العكائؽ النظامية‪ ،‬مما يتيح طرح البدائؿ‬
‫اإلسبلمية في الخدمات‪ ،‬كالبنكؾ اإلسبلمية التي قيد انتشارىا في عدد مف البمداف مع نجاح‬
‫التجربة‪ ،‬بحيث ستجد فرصتيا في سكؽ الخدمات الحر‪ ،‬كذلؾ بدائؿ التأميف التعاكني‬
‫الشرعي‪ ،‬في مكاجية التأميف التجارم بصكرتو الرأسمالية‪.‬‬

‫ٓ‪ -‬تتيح التقنية الحديثة لبلستثمار (التجارة اإللكتركنية) لمشاركة عدد مف مستثمرم دكؿ‬
‫العالـ الثالث عبر القنكات المفتكحة‪ ،‬خاصة إذا استحدثت قنكات آمنة لبلستثمار مف الناحية‬
‫الشرعية‪ ،‬في أسكاؽ البكرصات العالمية‪ ،‬مثؿ محاكلة عدد مف المتخصصيف في االقتصاد‬
‫اإلسبلمي‪ ،‬إيجاد مؤشر إسبلمي عمى «مؤشر داكجكنز»‪.‬‬

‫‪-104-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫كفي مجاؿ اإلنترنت‪:‬‬

‫ُ‪ -‬اإلنترنت ثمرة مف ثمار التقنية كسرت احتكار الغرب لممعمكمات‪ ،‬كأتاحت فرصة‬
‫الكصكؿ إلى المعمكمات في المجاالت المختمفة بنفس السرعة المتاحة لمغربييف سكاء كانت‬
‫معمكمات عممية أك إخبارية‪ .‬كاذا كانت مقكلة أف العصر ىك عصر المعمكمات‪ ،‬كأف ىيمنة‬
‫الغرب ىي بالمعمكمات كذلؾ باستخدامو الفاعؿ ليا؛ فإف ىذه الفرصة أصبحت متاحة لغيرىـ‪،‬‬
‫فإذا أحسنا استخداـ المعمكمة‪ ،‬نستطيع أف نقمؿ اليكة بيننا‪ ،‬كبيف الغربييف في مجاالت عدة‪.‬‬

‫ِ‪ -‬اإلنترنت منبر حر دكف رقيب‪ ،‬كميداف فسيح دكف قيكد لكؿ مف يحسف استثماره‬
‫كاستغبللو‪ ،‬كيستطيع أم مفكر مسمـ أك داعية مسمـ أف يطرح ما يريد مف خبلؿ صفحات ال‬
‫حصر ليا‪ ،‬كيمكف نشر اإلسبلـ كالعمـ الشرعي كاتاحتو لكؿ مف يطمبو دكف عناء‪ .‬كيمكف أف‬
‫تصدر صحؼ كمجبلت دكرية دكف قيد أك شرط‪ .‬ككمثاؿ عمى ذلؾ مكقع القكقاز الذم يغطي‬
‫أخبار المجاىديف الشيشاف عمى شبكة اإلنترنت؛ األمر الذم حطـ حاجز التعتيـ اإلعبلمي عمييـ‪،‬‬
‫ميما ألخبار المجاىديف الشيشاف‪ ،‬لككاالت األنباء العالمية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مصدر ن‬
‫نا‬ ‫كشكؿ‬

‫ّ‪ -‬كذلؾ نستطيع استخداـ ىذه الشبكة في بياف الكثير مف الفعؿ اإلسبلمي عمى المستكل‬
‫العالمي كمف أمثمتو‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إصدار كثيقة تستنكر أفعاؿ الصياينة في فمسطيف في بداية االنتفاضة الثانية‪ ،‬كالتي‬
‫كقعيا مئات العمماء كالدعاة كالمفكريف كالمثقفيف في أنحاء العالـ عف طريؽ اإلنترنت‪ .‬كذلؾ‬
‫ما تجريو بعض القنكات الفضائية مف التصكيت عمى قضية مف القضايا‪ ،‬كمكقؼ مف المكاقؼ‬
‫اليامة‪ ،‬تجاه مستقبؿ األمة كمصيرىا‪ ،‬كما تطرحو بعض المكاقع عمى ىذه الشبكة مف حشد‬
‫التكاقيع ضد قضية ظمـ تجاه المسمميف كارساليا إلى الظالميف‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ما تقكـ بو المنظمات اإلسبلمية في أمريكا كالمدافعة عف حقكؽ المسمميف مثؿ‬


‫منظمة «كير» في كاشنطف كاستخداميا الفعاؿ لئلنترنت في بياف انتياكات حقكؽ اإلسبلـ‬
‫كالمسمميف‪ .‬كمف أبرز األمثمة في ىذا الجانب كيفية تكظيؼ معارضي العكلمة لقمة سياتؿ‬
‫عاـ ُٗٗٗـ أدكات العكلمة لمكاجيتيا‪ ،‬حيث نظـ المعارضكف جيكدىـ عبر شبكة اإلنترنت‬
‫مما أربؾ المؤتمر كساعد عمى ىزيمتو‪.‬‬

‫‪-105205‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كيستمع إليؾ مف كؿ أنحاء‬


‫ج‪ - -‬استثمار تقنيات نقؿ المحاضرات‪ ،‬كالندكات‪ ،‬كالحكارات‪ ،‬ي‬
‫العالـ‪ .‬كاذا عممت أف المشتركيف في ىذا النظاـ بمغ حتى أكثر مف خمسة مبلييف مشترؾ‪،‬‬
‫كيزيدكف باطراد؛ فمؾ أف تتصكر مقدار المصالح التي يمكف أف تتحقؽ في باب الدعكة كنشر‬
‫العمـ كازالة الشبيات كترسيخ المنيج‪.‬‬

‫في المجاؿ الثقافي كالفكرم كاالجتماعي‪:‬‬

‫ُ‪ -‬نستطيع أف نكظؼ المشاركة في ىذا النكع مف المؤتمرات كالمجاف في طرح الرؤل‬
‫اإلسبلمية في المجاالت الفكرية‪ ،‬كالثقافية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬كنبيف مخاطر قيادة الغرب لمعالـ في‬
‫لح ٍيدة البشرية عف مصدر اليدل‬ ‫ىذه المجاالت‪ ،‬ببياف اآلثار في الكاقع‪ ،‬ك َّ‬
‫أف ذلؾ ثمرة ى‬
‫كالرشاد؛ كىك الكحي‪.‬‬

‫فسيحا لمغزك الفكرم المضاد‪ ،‬كسنجد أننا‬


‫ن‬ ‫ميدانا‬
‫ن‬ ‫كما َّ‬
‫أف منتديات حكار الحضارات ستككف‬
‫استطعنا القياـ بكاجب الدعكة إلى هللا‪ ،‬كالشيادة عمى الناس‪ ،‬مف خبلؿ ىذه المنتديات‬
‫كالفعاليات‪.‬‬

‫كسنجد أننا نممؾ ما ال يممكو اآلخر‪ ،‬كابراز جكانب القكة التي نممكيا‪ ،‬أماـ قكة الغرب‬
‫المادية كالتقنية‪.‬‬

‫كالمبلحظ أنو رغـ تأثيرات اإلعبلـ الغربي كاألمريكي بالذات‪ ،‬في نشر نمط الثقافة كالحياة‬
‫األمريكية في العالـ عبر الفضائيات‪ ،‬كاألفبلـ‪ ،‬كالمجبلت‪ ،‬كاإلنترنت‪َّ ،‬‬
‫فإف الدعكات الدينية‬
‫جددا في غير مكاف مف العالـ‪ ،‬كخاصة في‬ ‫أنصار ن‬
‫نا‬ ‫كاألخبلقية المضادة‪ ،‬ما تزاؿ تكسب‬
‫الكاليات المتحدة األمريكية؛ كىذا يجعمنا نتفؽ مع تأكيد أ‪.‬د‪ .‬جيمس ميتمماف‪ ،‬في كتابو‪:‬‬

‫"تكالد العكلمة‪ :‬التحكالت كالممانعة" بتبلزـ التحكالت العكلمية‪ ،‬مع ازدياد تحكالت الممانعة‪،‬‬
‫كالمقاكمة ليا‪ ،‬كأف المنظكمات الدينية‪ ،‬تعتبر مف أكبر المنتفعيف مف العكلمة؛ السيما مف جية‬
‫استثمار كسائؿ االتصاؿ الحديثة‪ ،‬كتكظيفيا لنشر رسالتيا‪.‬‬

‫ِ‪ -‬كذلؾ يستطيع العرب المسممكف أف يحدثكا عكلمة لمغة العربية؛ خاصة في أكساط‬
‫المسمميف‪ ،‬كذلؾ بما يضخكنو مف مكاد عممية‪ ،‬كفكرية‪ ،‬كشرعية‪ ،‬كقرآنية؛ مكتكبة أك مسمكعة‬
‫بحيث يعتاد المسممكف مف غير العرب قراءة ىذه المكاد كسماعيا مما ينعش حيكية المغة‬

‫‪-106-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫العربية؛ خاصة إذا استحضرنا العبلقة الكثيقة بيف المغة العربية كالديف اإلسبلمي‪.‬‬

‫كمف جية أخرل يمكف أف يؤدم ذلؾ إلى تقميؿ شأف الميجات المحمية كالقطرية لصالح‬
‫الفصحى‪.‬‬

‫كخبلصة القكؿ‪:‬‬

‫ىناؾ فرص أخرل كثيرة يمكف لممتأمؿ أف يجدىا‪ ،‬فيما تتجو المعطيات الجديدة المش ًٌكمة‬
‫لبيئة العكلمة‪ ،‬كلكف ال نعقميا‪ ،‬كندرؾ كيفية استثمارىا‪ ،‬إال بفيـ عميؽ‪ ،‬كادراؾ ذكي لقكانيف‬
‫ىذا العالـ‪ ،‬كطبيعة ىذه العكلمة‪ ،‬كمعرفة جكانب القكة‪ ،‬كجكانب الضعؼ في مراكز القكل‪،‬‬
‫ككيؼ ينشأ القرار العالمي‪ ،‬كاستيعاب استخداـ التقنية كتعميميا بحيث ال تبقى في محيط‬
‫النخبة فقط‪.‬‬

‫‪‬‬

‫فهرس المصادر والمراجع‬


‫ُ‪ .‬اإلتقاف في عمكـ القرآف‪ :‬عبد الرحمف السيكطي ت ُُٗىػ ‪ -‬عالـ الكتب ‪ -‬بيركت‬

‫ِ‪ .‬إحياء عمكـ الديف‪:‬محمد الغزالي ‪ -‬أبك حامد ت َٓٓ ىػ ‪ -‬دار الكتب العممية ‪ -‬بيركت‬

‫ّ‪ .‬اإلسبلـ كالعمـ التجريبي‪ :‬د‪ .‬عبدهللا حسف زركؽ ‪ -‬مطبعة جامعة الخرطكـ‪ ،‬الناشر‪ :‬المركز العالمي‬
‫ألبحاث اإليماف ‪ -‬السكداف‪.‬‬

‫ْ‪ .‬إسبلمية المعرفة‪ :‬المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي ‪ -‬طبعة َُْٔ ىػ ‪ ُٖٗٔ -‬ـ‪.‬‬

‫ٓ‪ .‬أصكؿ التشريع اإلسبلمي‪ :‬د‪ .‬عمي حسب هللا‪ .‬دار المعارؼ ‪ -‬القاىرة‪.‬‬

‫ٔ‪ .‬أصكؿ الفقو‪ :‬محمد زكريا البرديسي ‪ -‬دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ‪ -‬القاىرة طبعة ُّٖٗـ‪.‬‬

‫ٕ‪ .‬االعتصاـ‪ :‬إبراىيـ بف مكسى بف محمد الشاطبي ت َٕٗ ىػ ‪ -‬المكتبة التجارية الكبرل ‪ -‬مصر ‪-‬‬
‫مطبعة السعادة ‪ -‬بيركت‪.‬‬

‫‪-107207‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫ٖ‪ .‬إلى البرىاف يا أكلي األلباب‪ :‬أحمد بف محمد طاحكف ‪ -‬طبعة أكلى َُْٕىػ ‪ُٖٗٔ -‬ـ‬

‫ٗ‪ .‬اإلنجيؿ ‪ -‬كتاب العيد الجديد‪ :‬جمعيات الكتاب المقدس المتحدة ‪ -‬طبعة ُٔٔٗـ‪.‬‬

‫التشريع الجنائي في اإلسبلـ مقارنان بالقانكف الكضعي‪ :‬عبد القادر عكدة ت ُّْٕ ىػ‪ ،‬مؤسسة‬ ‫َُ‪.‬‬
‫الرسالة ‪ -‬بيركت‪ ،‬الطبعة الثاثة عشر ُُْٓىػ ‪ُْٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫تشكيؿ العقؿ المسمـ‪ :‬د‪ .‬عماد الديف خميؿ الطبعة الرابعة ُُِْ ىػ ‪ُُٗٗ -‬ـ ‪ -‬االتحاد‬ ‫ُُ‪.‬‬
‫اإلسبلمي العالمي لممنظمات الطبلبية ‪ -‬الككيت‪.‬‬

‫التفسير كالمفسركف‪ :‬د‪ .‬محمد حسيف الذىبي‪ ،‬الطبعة الثانية ُّٔٗىػ ‪ُٕٗٔ -‬ـ‪.‬‬ ‫ُِ‪.‬‬

‫تيافت العممانية‪ :‬د‪ .‬عماد الديف خميؿ ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيركت ُّٖٗـ‪.‬‬ ‫ُّ‪.‬‬

‫التكراة‪ :‬أسفار العيد القديـ ‪ -‬نداء الرجاء ‪ -‬شتكتغارت ‪ -‬ألمانيا‪.‬‬ ‫ُْ‪.‬‬

‫الجامع الصحيح ‪ -‬سنف الترمذم‪ :‬محمد بف عيسى الترمذم ‪ -‬أبك عيسى ت ِٕٗق‪ - -‬تحقيؽ‪:‬‬ ‫ُٓ‪.‬‬
‫أحمد محمد شاكر ‪ -‬مطبعة مصطفى البابي الحمبي ‪ -‬مصر ‪ -‬طبعة أكلى ُّٔٓىػ ‪ُّٕٗ -‬ـ‬

‫الجامع ألحكاـ القرآف‪ :‬محمد بف أحمد القرطبي ‪ -‬أبك عبد هللا ‪ -‬دار الكتب العممية ‪ -‬بيركت‬ ‫ُٔ‪.‬‬
‫ُُّْىػ ‪ُّٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫خمؽ المسمـ‪ :‬محمد الغزالي ‪ -‬دار الكتب الحديثة ‪ -‬القاىرة ُّْٗىػ ‪ُْٕٗ -‬ـ‪.‬‬ ‫ُٕ‪.‬‬

‫دراسات في الحديث الشريؼ كعمكمو‪ :‬د‪ .‬رمضاف الزياف ‪ -‬د‪ .‬عدناف الكحمكت‪ ،‬غزة ‪ -‬فمسطيف‪،‬‬ ‫ُٖ‪.‬‬
‫الطبعة األكلى ُِِْىػ ‪ََُِ -‬ـ‪.‬‬

‫دراسات في الثقافة اإلسبلمية‪ :‬د‪ .‬أمير عبد العزيز‬ ‫ُٗ‪.‬‬

‫دستكر األخبلؽ في القرآف‪ :‬دراسة مقارنة لؤلخبلؽ النظرية في القرآف‪ :‬محمد عبد هللا دراز ‪-‬‬ ‫َِ‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬طبعة رابعة َُِْىػ ‪ُِٖٗ -‬ـ‪.‬‬

‫سمسمة األحاديث الصحيحة‪ :‬محمد بف ناصر الديف األلباني ‪ -‬المكتب اإلسبلمي ‪ -‬طبعة ثانية‬ ‫ُِ‪.‬‬
‫ُّٗٗ ىػ ‪ُٕٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫السيرة النبكية‪ :‬أبك الحسف الندكم ‪ -‬منشكرات المكتبة العصرية ‪ -‬بيركت ُّٗٗىػ ‪ُٕٗٗ -‬ـ‪.‬‬ ‫ِِ‪.‬‬

‫شعب اإليماف‪ :‬أحمد بف الحسيف البييقي ‪ -‬أبك بكر ت ْٖٓ ق‪ - -‬تحقيؽ‪ :‬محمد السعيد بف‬ ‫ِّ‪.‬‬
‫بسيكني زغمكؿ ‪ -‬دار الكتب العممية ‪ -‬بيركت ‪ -‬طبعة أكلى َُُْىػ ‪َُٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫صحيح البخارم ‪ -‬فتح البارم‪ :‬محمد بف إسماعيؿ البخارم ت ِٔٓ ىػ ‪ -‬تحقيؽ‪ :‬عبد العزيز‬ ‫ِْ‪.‬‬
‫بف باز ‪ -‬ترقيـ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيركت‪.‬‬

‫‪-108-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫صحيح مسمـ‪ :‬مسمـ بف الحجاج القشيرم النيسابكرم ‪ -‬أبك الحسف ت ُِٔ ىػ ‪ -‬ترقيـ كتحقيؽ‪:‬‬ ‫ِٓ‪.‬‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي ‪ -‬دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫ضكابط المعرفة كأصكؿ االستدالؿ كالمناظرة ‪ -‬صياغة لممنطؽ كأصكؿ البحث متمشية مع الفكر‬ ‫ِٔ‪.‬‬
‫اإلسبلمي‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمف حسف حبنكة الميداني‪ ،‬الطبعة الثانية َُُْ ىػ ُُٖٗـ‪ ،‬دار القمـ ‪ -‬دمشؽ ‪-‬‬
‫بيركت‪.‬‬

‫عمـ أصكؿ الفقو‪ :‬أحمد إبراىيـ بؾ‪ ،‬دار األنصار ‪ -‬المطبعة الفنية ‪ -‬القاىرة‪.‬‬ ‫ِٕ‪.‬‬

‫عمـ أصكؿ الفقو‪ :‬عبد الكىاب خبلؼ‪ ،‬طبعة ُِّْىػ ‪ََِّ -‬ـ‪ ،‬دار الحديث ‪ -‬القاىرة‬ ‫ِٖ‪.‬‬

‫غرائب القرآف ك رغائب الفرقاف‪ :‬محمكد بف أبي الحسف النيسابكرم ت َٓٓ ىػ ‪ -‬بيامش تفسير‬ ‫ِٗ‪.‬‬
‫الطبرم ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيركت ‪ -‬الطبعة الثالثة ُٖٕٗـ‪.‬‬

‫فتح القدير الجامع بيف فني الركاية كالدراية مف عمـ التفسير‪ :‬محمد عمي الشككاني ت َُِٓ ىػ‬ ‫َّ‪.‬‬
‫‪ -‬دار الفكر لمطباعة كالنشر‪.‬‬

‫فصكؿ في التفكير المكضكعي‪ :‬د‪ .‬عبد الكريـ بكار‪ ،‬دار القمـ ‪ -‬دمشؽ‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬بيركت‪،‬‬ ‫ُّ‪.‬‬
‫الطبعة األكلى ُُّْىػ ‪ُّٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫فقو السنة‪ :‬سيد سابؽ ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيركت ‪ -‬طبعة أكلى ُّٕٗىػ ‪ُٕٕٗ -‬ـ‪.‬‬ ‫ِّ‪.‬‬

‫الفمسفة كاإلنساف جدلية العبلقة بيف اإلنساف كالحضارة‪ :‬د‪ .‬فيصؿ عباس ‪ -‬دار الفكر العربي ‪-‬‬ ‫ّّ‪.‬‬
‫بيركت ‪ -‬طبعة أكلى ُٔٗٗـ‪.‬‬

‫الفمسفة اليكنانية‪ ،‬تاريخيا كمشكبلتيا‪ :‬د‪ .‬أميرة حممي مطر ‪ -‬دار قباء لمطباعة كالنشر ‪ -‬طبعة‬ ‫ّْ‪.‬‬
‫ُٖٗٗـ‪.‬‬

‫الفمسفة اليكنانية‪ ،‬مقدمات كمذاىب‪ :‬د‪ .‬محمد بيصار ‪ -‬دار الكتاب المبناني ‪ -‬بيركت ‪ -‬طبعة‬ ‫ّٓ‪.‬‬
‫ُّٕٗـ‪.‬‬

‫القرآف الكريـ كالتكراة كاإلنجيؿ كالعمـ ‪ -‬دراسة الكتب المقدسة في ضكء المعارؼ الحديثة‪ :‬مكريس‬ ‫ّٔ‪.‬‬
‫بككام‪ ،‬نشر كترجمة‪ :‬مكتبة مدبكلي ‪ -‬القاىرة ‪ -‬الطبعة األكلى ُٔٗٗـ‪.‬‬

‫القرآف كالنظر العقمي‪ :‬فاطمة إسماعيؿ محمد إسماعيؿ ‪ -‬إصدار المعيد العالمي لمفكر اإلسبلمي‬ ‫ّٕ‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة أكلى ُُّْىػ ‪ُّٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫القامكس المحيط‪ :‬محمد بف يعقكب الفيركزأبادم ت ُٕٖـ ‪ -‬تحقيؽ مكتب تحقيؽ التراث ‪-‬‬ ‫ّٖ‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيركت ‪ -‬طبعة ثانية َُْٕ ىػ ‪ُٖٕٗ -‬ـ‪.‬‬

‫‪-109209‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫كتاب التعريفات‪ :‬معجـ فمسفي منطقي صكفي فقيي لغكم نحكم‪ :‬عمي بف محمد السيد الشريؼ‬ ‫ّٗ‪.‬‬
‫الجرجاني ت ُٖٔ ىػ تحقيؽ د‪ .‬عبد المنعـ الحفني‪ ،‬دار الرشاد ‪ -‬القاىرة‪.‬‬

‫كتاب الذريعة إلى مكارـ الشريعة‪ :‬الراغب األصفياني ‪ -‬أبك القاسـ‪ :‬الحسيف بف محمد بف‬ ‫َْ‪.‬‬
‫المفضؿ ت َِٓ ىػ ‪ -‬تحقيؽ‪:‬أبك اليزيد العجمي ‪ -‬دار الكفاء لمطباعة ‪ -‬المنصكرة ُٕٖٗـ‪.‬‬

‫كتاب العظمة‪ :‬عبد هللا بف محمد بف جعفر بف حياف ‪ -‬أبك الشيخ األصبياني ت ّٔٗىػ ‪-‬‬ ‫ُْ‪.‬‬
‫تحقيؽ محمد فارس ‪ -‬دار الكتب العممية ‪ -‬بيركت ‪ -‬طبعة أكلى ُُْْق‪ُْٗٗ - -‬ـ‪.‬‬

‫لساف العرب‪ :‬محمد بف مكرـ بف منظكر اإلفريقي المصرم ‪ -‬دار الفكر‪.‬‬ ‫ِْ‪.‬‬

‫مباحث في عمكـ القرآف‪ :‬مناع القطاف ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬سكريا ‪ -‬الطبعة الرابعة عشر‬ ‫ّْ‪.‬‬
‫َُّْىػ ‪ُّٖٗ -‬ـ‪.‬‬

‫المدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية‪ :‬د‪ .‬عبد الكريـ زيداف‬ ‫ْْ‪.‬‬

‫مدخؿ لدراسة الشريعة اإلسبلمية‪ :‬د‪ .‬يكسؼ القرضاكم ‪ -‬مكتبة كىبة ‪ -‬الطبعة الثالثة ُُْٖىػ‬ ‫ْٓ‪.‬‬
‫‪ُٕٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫مذاىب فكرية معاصرة‪ :‬محمد قطب ‪ -‬دار الشركؽ ‪ -‬بيركت ‪ -‬الطبعة األكلى َُّْ ىػ ‪-‬‬ ‫ْٔ‪.‬‬
‫ُّٖٗـ‪.‬‬

‫مسند اإلماـ أحمد‪ :‬أحمد بف محمد بف حنبؿ الشيباني ت ُِْ ىػ ‪ -‬ترقيـ‪ :‬محمد عبد السبلـ‬ ‫ْٕ‪.‬‬
‫عبد الشافي ‪ -‬دار الكتب العممية ‪ -‬الطبعة األكلى ُُّْ ىػ ‪ُّٗٗ -‬ـ‪.‬‬

‫المعجـ األكسط‪ :‬محمد بف أحمد الطبراني تَّٔ ىػ ‪ -‬تحقيؽ طارؽ بف عكض هللا بف محمد‪،‬‬ ‫ْٖ‪.‬‬
‫كعبد المحسف بف إبراىيـ الحسيني ‪ -‬دار الحرميف ‪ -‬القاىرة الطبعة األكلى ُُْٓىػ‪ُٗٗٓ -‬ـ‬

‫المفردات في غريب القرآف‪ :‬الراغب األصفياني ‪ -‬تحقيؽ‪ :‬محمد سيد كيبلني‪ .‬مطبعة البابي‬ ‫ْٗ‪.‬‬
‫الحمبي ‪ -‬القاىرة ُُٔٗـ‪.‬‬

‫مفيكـ العقؿ كالقمب في القرآف كالسنة‪ :‬د‪ .‬محمد عمي الجكزك ‪ -‬دار العمـ لممبلييف ‪ -‬بيركت ‪-‬‬ ‫َٓ‪.‬‬
‫طبعة ثانية ُّٖٗـ‪.‬‬

‫الممؿ كالنحؿ‪ :‬محمد بف عبد الكريـ بف أحمد الشيرستاني ت ْٖٓ ىػ ‪ -‬تحقيؽ‪ :‬عبد المطيؼ‬ ‫ُٓ‪.‬‬
‫محمد العبد مكتبة األنجمك المصرية ‪ -‬الطبعة األكلى ُٕٕٗـ‪.‬‬

‫مناىج البحث عند مفكرم اإلسبلـ‪ ،‬كاكتشاؼ المنيج العممي في العالـ اإلسبلمي‪ :‬د‪ .‬عمي سامي‬ ‫ِٓ‪.‬‬
‫النشار‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ -‬بيركت َُْْ ىػ ‪ُْٖٗ -‬ـ‪.‬‬

‫‪-130-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫مناىؿ العرفاف في عمكـ القرآف‪ :‬محمد عبد العظيـ الزرقاني ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيركت‪.‬‬ ‫ّٓ‪.‬‬

‫مكسكعة البحث العممي‪ :‬د‪ .‬عبد الفتاح مراد‬ ‫ْٓ‪.‬‬

‫نظرية المعرفة في ضكء المنيج العممي‪ :‬محمد محمد قاسـ‪-‬دار المعرفة الجامعية طبعة ُُٗٗـ‬ ‫ٓٓ‪.‬‬

‫كسائؿ اإلثبات في الشريعة اإلسبلمية‪ :‬د‪.‬محمد مصطفى الزحيمي ‪ -‬مكتبة دار البياف ‪ -‬دمشؽ ‪-‬‬ ‫ٔٓ‪.‬‬
‫طبعة أكلى َُِْىػ ‪ُِٖٗ -‬ـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪-133211‬‬
‫‪-‬‬
‫األساس في مسائل الفكر اإلسالمي‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المقدمة‬
‫مكانة الفكر كالتفكير في اإلسبلـ‬
‫تعريؼ الفكر اإلسبلمي‬
‫الفرؽ بيف الفكر البشرم كالفكر اإلسبلمي‬
‫خصائص الفكر اإلسبلمي‬
‫أسس الفكر اإلسبلمي‬
‫مصادر الفكر اإلسبلمي‬
‫النقمة النكعية في التصكر كاالعتقاد‬
‫النقمة النكعية في المعرفة‬
‫النقمة النكعية في األخبلؽ‬
‫النقمة النكعية في التشريع‬
‫النقمة النكعية في المنيج‬
‫التبشير‬
‫االستشراؽ‬
‫العممانية‬
‫الديمقراطية‬
‫العكلمة‬
‫المصادر والمراجع‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪-131-‬‬
‫محاضرات في الفكر اإلسالمي‬

‫‪-131213‬‬
‫‪-‬‬

You might also like