Professional Documents
Culture Documents
الحل الفمسفي
الشيطاف
تأليػػػػػػػػػف
عالـ سبيط النيمي
المحتكيػات
المقدمة :مف فمسفة (األنا) إلى حكمة (الذي ىك) ػ فكرة التأسيس .
مكجز في تعريف الفمسفة كاشكالياتيا .
الجمسة األكلى :
ػ لمحة عف المصادرة في إثبات كاجب الكجكد الفارابي .
ػ لمحة عف االناكية عند أر سطك.
ػ لمحة عف ظيكر األنا عند لكؾ كبركمي .
ػ (الخدعة الممككية) ألفالطكف .
ػ لمحة عف األنا عند سبينك از .
ػ الشياطيف يتفاءلكف بأعماؿ اإلنساف .
الجمسة الثانية:
ػ الشيطاف يتحدث عف كيفية قيامو بالتضميل .
ػ طبيعة اإلنساف :الشيطاف كالفناء .
ػ المككف األكؿ المزدكج الطبيعة ( :بديل نظرية صدكر الكاحد مف الكاحد ).
ػ ابتكار المككف األكؿ لمزماف كالمكاف .
ػ التخريج الفمسفي لظيكر الزكج مف عدـ عف طريق حقيقة ( الذي ىك كحدة
ػ الذاتية كمشاكميا ) .
ػ العمـ كالفمسفة :بيككف .
ػ ظيكر األنا عند ىكسرؿ كسبينك از .
ػ المغالطة األناكية لديكارت :فناء األنا كحدية .
ػ الصفة الالكجكدية لألنا .
الجمسة الثالثة :
ػ استضافة الشياطيف لكبير شياطيف األنس .
ػ الحديث عف الكجكد يستمزـ الحديث عف العدـ :تأسيس جديد .
ػ العقل كاإلرادة :النفس .
ػ حشرة ِّ
تفند تعاريف الفالسفة ( لإلنساف ) يرصد المارد أقكاليا .
ػ النفس بعد المكت :نقد افمكطيف كأرسطك كسقراط .
ػ المعاد النفسي كالجسماني :تناقضات ابف سينا .
ػ الجمسة الرابعة :
ػ اآللية المتعددة كالحرية .
ػ خداع اإلنساف لنفسو يعيف الشيطاف عمى عممو .
ػ مذكرات الشيطاف عف الغزالي .
ػ مارد يختطف محاكرة حكيميف في جباؿ الصيف .
ػ الشياطيف يناقشكف المحاكرة العجيبة .
ػ تأسيس األخالؽ عمى مبدأ التناقض الجكىري كتفنيد األخالؽ المعمبة لمفالسفة القائمة عمى العقػل كمبػدأ
عدـ التناقض .
ػ المعنى المغكي لمكجكد .
ػ مصادرات الشيرازي حكؿ تحقق الكجكد .
ػ مصادرات نصير الديف الطكسي كالكاتبي .
ػ رئيس الشياطيف يحرج الشيطاف بإبطاؿ البرىاف عمى كاجب الكجكد .
ػ مصادرات الفارابي .
ػ محاكرة أخرى يرصدىا الشيطاف لمحكيميف مكضكعيا ( التحامق ) .
ػ العقل كالحركة .تفنيد آخر لمديكارتية .
الجمسة الخامسة :
ػ إشكالية الزماف :مغالطات لمفالسفة في الزماف كالمكاف .
ػ مغالطة انعػداـ الدكاعي عند هللا لخمق الخمق :تأسيس فكرة ال تناىي ( دكاعي الكماؿ ) .
ػ لمحة إلى تناكب الكجكد كالفناء .
ػ مصادرات أخرى لممتكمميف كالفالسفة في القدرة كاإلرادة كالفعل .
ػ تأسيس فكرة ( الفعل يستمزـ عدـ فعل عدمو ) .
ػ الشيطاف يفند الفارابي لتحديده الككف.
ػ الشيطاف يضرب مثالً لعممو مع اإلنساف مقابل الرسل .
ػ تأسيس لغكي لمحدكث ( مغالطات الفالسفة .
ػ إبطاؿ اصطالح ( العمة األكلى ).
ػ اآللية المتعددة عند الصكفية ( .لمحة إلى سكريتاف كباسكاؿ ككمي ).
ػ عداء المادية لممادية ،مكيدة كارؿ ماركس كأنجمز .
ػ المعرفة كاالختيار ( المعقكؿ ال يعقل غيره )~ تأسيس جديد .
ػ استحالة حصكؿ االثنيف مف الكاحد ،كاستحالة حصكؿ االثنيف بغير الكاحػد (التنػاقض الجػكىري النيػائي
) ػ تفنيد الفيض كالصدكر .
ػ حصكؿ العمـ اليقيني بمجيكلية الكاحد المعمكـ ( الذي ىك) .
المقدمة
جمي ًة في محاكراتيـ ،إذ يتكجب عمييـ لتضميل اإلنساف عف الحقيقة أف يككف ليـ ٌ
عمـ بيا .
كىذا كحده جزٌء مف الحل الجديد فيك يفصل فصالً تامػاً بػيف المعرفػة كاألخػالؽ ،فيجعػل المعرفػة فػي خدمػة
األخالؽ سيئ ًة كانت أـ حسن ًة .لكف عممية تحديد ما ىك حسف كمػا ىػك قبػير ترجػع إلػى العقػل بإنابػة مػف
(األنا ) أك الذات ،فق اررات العقل غير متحررة مف سمطة الذات .
لذا يتكجب تحرير العقل مف سمطة األنا أكالً ليتمكف العقل مف القياـ بػالحكـ مسػتقالً كتمػؾ أكؿ مرحمػة مػف
مراحل التمييد لمحل الفمسفي معرفياً .
تػـ تطػكير األنػا ليقػكـ بػأكبر
ُتظير الحكارات أف ما حصل في الفمسػفة بجميػع أقسػاميا ىػك العكػس ،فقػد َّ
قدر مف االستالب لمعقل كلحريتو في الحكـ .
ٍ
إذف فالشؾ ال يخرج مف األنا متكجياً إلى األشياء كما فعل ديكارت ػ ىيكـ ػ ىكسرؿ ػ ىيجل أك كانػت ،فػي
تطػكير المثػل األفالطكنيػة عمػى المنطػق االرسػطي ػ كال كمػا فعػل جميػع فالسػفة المشػرؽ ،إذ يكجػب الحػل
نطقة العقل نفسو قبل التسميـ ِّ
بمنط ِّقو كاجراء التشكيؾ بأكلياتو نفسيا حػذ اًر بناءاً عمى تمؾ المقدمة إعادة ِّم ِّ
مف أف يككف األنا قد تدخل في تحديدىا .
يعرض الحل صك اًر ممكنة متعددة لتعظيـ ( األنا ) مف خػالؿ المحػاكرات إلثبػات كحػدة المنطمػق فػي التفكيػر
الفمسػػفي برمتػػو ،فيػػك تفكيػٌػر متكحػٌػد باألنػػا كلػػذلؾ فػػإف العػػرض يمغػػي التقسػػيـ السػػابق لمفمسػػفة إلػػى ماديػػة
كمثالية كفركعيمػا .فكميػا عنػده فمسػفات ال تختمػف إال فػي طريقػة تعظػيـ األنػا ،فيػي جميعػاً تنطمػق مػف
الذات لفيـ الكجكد كمف ثـ المكجد أك مف الذات لمبرىنة عمى المكجد ثـ الكجكد .
كيكمف الحل الفمسفي الجديد في ضركرة انعكاس العالقة بيف اإلنساف كاآلخر ،حيث يضع مبدأً جديػداً ىػك
( نسػػبية التنػػاقض ) ،فتعمػػل ىػػذه النسػػبية عمػػى تعزيػػز ( مبػػدأ عػػدـ التنػػاقض ) ػ ككنػػو المبػػدأ المػػرتبط
بالعالقات الخارجية كالحاكـ عمى حركتيا في الزمكاف .بيد أف ىػذا المبػدأ ىػك لخدمػة (التنػاقض) األساسػي
في التككيف الكجكدي كىك بػالطبع ال عالقػة لػو بالتنػاقض الػذي تدعيػو الماديػة ،كالتػي ىػي فػي ىػذا الحػل
لكف مف ألكاف المثالية ال غير .
المػػادة ىػػي كػػل شػػيء فػػي ىػػذا العػػالـ كلػػك كػػاف ثمػػة فكػػر مػػادي فعػالً لكػػاف ىػػك تمػػؾ الحكمػػة التػػي ال يمكػػف
تخطئتيا بأية حاؿ ،إذف فمممادة في ىذا الحل معنى آخر .
عدـ التناقض إذف ىك مبدأ عاـ لخدمة المبدأ األساسي الذي ىك التناقض الجكىري .كبيف ىػذيف المبػدأيف
تناقض .فالتناقض األخير ىك سر ىذا الكجكد .
ٌ
كلما كاف التفكير الفمسفي بحثاً عف الحقيقة التي كراء الحركة .فإنو يتكجب إلدراؾ ىذه الغاية أف يسػتخدـ
التنػاقض فػي فكػرة الحػل كعػدـ التنػاقض فػي خطػكات الحػل ػ فعميػو أف يسػتخدـ التنػاقض الجػكىري لمػا ىػك
جكىري ،فالحػل يكمػف فػي فكػرة التنػاقض بيػد إف خطكاتػو تػتـ بمبػدأ عػدـ التنػاقض ،كلػذلؾ فػإف عميػو أف
يحدث تناقضاً جديداً كمما تكقف عف البحث أك كجد تكقفاً في عمل مبدأ عدـ التنػاقض .كحينمػا يصػل إلػى
مرحمػػة تسػػاكي األط ػراؼ كال يقػػدر عمػػى تجاكزىػػا بتنػ ٍ
ػاقض جديػػد فإنػػو يػػتمكف مػػف الحصػػكؿ عمػػى ( عمػػـ )
بالمجيكلية كىذا ىك المطمكب أخي ار .
كسكؼ أكضر اآلف باختصار ما تنطكي عميو ىذه العممية :
إف البحث عف األنا ػ حقيقتو ككجكده ػ يستمزـ في البدء إلغائو ،كىذه العممية تجاري األساليب العممية فػي
عمػػكـ الطبيعػػة كىػػي بخػػالؼ مػػا جػػرت عميػػو عػػادة الفالسػػفة جميعػاً .ففػػي العمػػـ التجريبػػي يػػتـ تثبيػػت أحػػد
المتغيػػريف لرصػػد المتغيػػر اآلخػػر كىػػذا ىػػك السػػر الكحيػػد فػػي تطػػكر العمػػكـ جميعػػا كىػػك فػػي األصػػل ركح
الرياضػػيات .فالتثبيػػت لػػيس لػػو أي معنػػى فيزيػػائي سػػكى اإللغػػاء ألنػػو يكقػػف الحركػػة بػػالفرض كالػػذي ىػػك
نقيض ليا في الخارج فالحركة ال تتكقف بالفعل كانما بالفرض .
إذف العمـ التجريبي يستخدـ فكػرة التنػاقض كيتكصػل إلػى الحػل بخطػكات عمػى مبػدأ عػدـ التنػاقض كلكنػو ال
يحصػػل عمػػى عمػػـ جػػكىري الف التنػػاقض بػػيف الفكػػرة كالحػػل لػػيس جكىريػاً ،فػػإف افتػراض تكقػػف حركػػة أحػػد
المتغيريف ىك افتراض يجري عمى الحركة كلذلؾ فإف النتائج ال تتجاكز الحركة .
إذف يتكجب لمعرفة األنا إجراء تناقض جكىري أكال .كلمػا كػاف الطػرؼ اآلخػر ال يمكػف السػيطرة عميػو ،كال
فرض أي شيء يخصو فيبقى الحل في تثبيت الطرؼ األكؿ أي إلغاء األنا .
كمعنى ذلؾ إف األنا كلكي يتعرؼ نفسو ينبغي لػو أف يمغػي نفسػو فػي فكػرة الحػل كينظػر لخخػر .فالحػل ال
يبدأ باالنا بل يبدأ باؿ(ىك) .عند إلغاء األنا تظير حقيقة اآلخر كعند الرجكع لمالحظة األنا الممغػي يجػده
قػػد أصػػبر حقيقػػة كجكديػػة أبديػػة ،لػػذلؾ يػػتمكف األنػػا مػػف السػػيطرة عمػػى أالن ػكات األخػػرى أك الػػتخمص مػػف
أالنػكات المضػادة أك االسػتفادة مػف أالنػكات التػي تخػدـ صػفتو األبديػة بحسػػب قدرتػو فػي اإللغػاء أك عدمػػو
فكمما تـ إلغاء أكبر لالنا تمت السيطرة ِّ
بقدره عمى جمم ٍة مف المكجكدات إلغاء أك استحكاذا عمييا .
لكف يتكجب معرفة الطرؼ اآلخر في ىذه العممية أي ( الذي ىػك ) .فػاف المكجػكدات تشػترؾ مػع األنػا فػي
جميع خصائص الحركة كج ِّعل أحدىا مرك اًز مقابالً لالنا ىك إلغاء لمجميع ميما كاف ذلؾ المكجكد بعيداً .
كىنا يقدـ الحل األسمكب التجريبي ،فالذي ىك في عالقتو باالنا مكضكع خاضع لمتجربة كاف كاف الذي ىك
ال يخضػػع ليػػا ،فالعالقػػة خاضػػعة لمتجربػػة بيػػد أف أحػػد طرفييػػا غيػػر خاضػػع ليػػا ،ألنػػو لػػيس كاحػػداً مػػف
المكجكدات المعمكمة .كفػي العمػـ التجريبػي أمثمػة ال تحصػى عػدداً لمثػل ىػذا النػكع مػف العالقػة التػي يكػكف
فييػػا أحػػد األطػراؼ مجي ػكالً بػػالمرة كال يخضػػع ألي قيػػاس فيكفػػي تسػػميتو فقػػط .كىنػػا تظيػػر الحريػػة بػػأجمى
صػكرىا مػػف حيػث أنيػػا حقيقػة أكليػػة فيػي برىػػاف لنفسػػيا كال تحتػاج إلػػى برىػاف خػػارجي ،كذلػؾ مػػف خػػالؿ
ارتباطيا بمعمكـ ال يعرؼ كالذي اسمو ( ىك ) .إف إلغاء اآلخر ال ينتج منػو سػكى إلغػاء األنػا الف ( الػذي
ىك ) ىك الطرؼ األكؿ الممسؾ باالنا .
كمف ىنا فإف الفمسفة البد أف تككف تناقضاتيا فاضحة كأكىاميا مخزية كىي تتحرؾ مف الخارج إلى الداخل
كال تفعل مثل ما يفعل جميػع العقػالء حينمػا يريػدكف معرفػة مكضػع مػا إذ البػد ليػـ مػف إلغػاء كجػكدىـ فػي
المكضع األكؿ كالتحرؾ إلى المكضع اآلخر .بينما يقكـ الفالسفة بعمل معككس حينما يقكؿ أحدىـ ( أنا )
فػي البػػدء كيػزعـ بعػػد ذلػؾ أنػػو كشػف عػػف حقيقػػة اآلخػر .إذف تظيػػر تمػؾ التناقضػػات خػالؿ المحػػاكرات فػػي
المؤتمر الخيالي ىذا .
إف إلغػاء األنػا ىػك اسػتمرار لكجػكده ككشػف لألشػياء المحيطػة بػو ،كىػك تحقيػق لحريتػو الذاتيػة .كمػػا أف
مبادئ ( األنا كحدية) أك ( األنا الػديكارتي ) أك ( األنػا المتعػالي ) ىػي مبػادئ تدميريػة شػيطانية نتيجتيػا
الكحيدة ىي فناء األنا .ذلؾ الف (الذي ىك ) ال تسمر طبيعتو الذاتية بكجكد أنػا غيػره إال فػي حالػة كاحػدة
ىي أف يككف ىذا الغير متناقضاً كثنائياً في عالقتو بالذي ىك أي يفنى مف أجل أف يبقى الف ( الذي ىك )
مستحكذ عمى الكجكد ،لذلؾ فإف تمؾ المبادئ الفمسفية ىػي مبػادئ فنائيػة ليسػت ليػا أي صػفة كجكديػة ،
ألنيػػا تريػػد أف تتصػػف بػػالكجكد مػػف حيػػث تريػػد إلغائػػو بإلغػػاء التنػػاقض الجػػكىري كاإلبقػػاء عمػػى مبػػدأ عػػدـ
التناقض كحده .
فأنا حر بحدكد معينػة كتمػؾ حقيقػة يؤكػدىا المػكت كلػذلؾ يسػتحيل معرفػة األنػا كتمكينػو مػف تكسػيع نطػاؽ
حريتػػو إال باعتبػػار الطػػرؼ اآلخػػر الػػذي يػػتحكـ بيػػذه العالقػة ،كال سػػبيل إلػػى ىػػذا االعتبػػار إال بالتجربػػة كال
طريق لمتجربة إال بإيقاؼ أحد الطرفيف كال يمكف ذلؾ إال بإيقاؼ طرفي ( أنا ) ،كىك الطرؼ الكحيد الممكف
إلغاءه .
إذف يقدـ الحل الجديد مقترحو الضمني كىك أف العالقة مع هللا خاضعة لمتجربة كاف كاف هللا ال يخضع ليا ػ
فإف الطرؼ اآلخر يخضع ليا كىك األنا .كمف جية أخرى فإف ىيكل ىذه القصة إف َّ
صر تسػميتيا قصػة أك
ركايػػة فمسػػفية يشػػير إلػػى الحػػل مػػف جيػػات أخػػرى مػػف خػػالؿ حركػػة الشػػخكص كعالقػػاتيـ ببعضػػيـ الػػبعض
كعالقػػاتيـ كمجمػػكع مػػع رئػػيس المػػؤتمر الػػذي ىػػك كػػائف مختمػػف عػػنيـ تمام ػاً فالييكػػل العػػاـ ينطػػكي عمػػى
عالقات التناقض كعدـ التناقض .
إف إلغاء األنا يعني إلغاء األشياء بينو كبيف ( الذي ىك ) ػ فالمسافة تككف معدكمػة عنػد إلغػاءه تمامػاً بيػد
إف ىذا اإللغػاء كدرجتػو مرتبطػة باالختيػار كالتجربػة ،كعنػد الرجػكع إلػى األنػا لبعثػو مػف جديػد يمػر بجميػع
المكجكدات التي تـ إلغاءىا فيك إذف يمغػي مركػزه ال يمغػي كجػكده كانمػا يرحػل كخػالؿ رحمتػو يكشػف جميػع
المكاضع بما في ذلؾ مكضعو ىك .
إذف فالعالقة ىنا متناقضة بنفسػيا كىػي بخػالؼ الحػل المثػالي الػذي يمغػي الكجػكد برمتػو ( كينطػكي عمػى
األنا ) حسب تعبير أحدىـ ،فيك يتدرج مف األنا إلى العالـ ثـ هللا أكالى هللا ثـ العالـ ،بينما الحل الجديػد
يبدأ بالذي ىك بعد إلغاء األنا .فالرجكع يمكف االنا مف إدراؾ العالـ ألنو يمر بػو مفترضػاً تكقفػات متالحقػة
مع ( الذي ىك ) .
يتـ أيضاً مف خالؿ ىذه المحػاكرات اإلجابػة عمػى المسػائل األساسػية التػي أثارىػا الفالسػفة بيػد إف الحػل ال
يدخل في التفاصيل ألنو يقكـ بإبطاؿ رؤكس ىذه المباحث أك تحكيل كجيتيا لذلؾ فػال يحتػاج إلػى مناقشػة
تمؾ التفرعات .نعـ يمكف لمباحثيف االستفادة مف الحل لممضػي قػدماً فػي تحقيػق كتنقيػة الفػركع األخػرى أك
التكسع في الحمكؿ المطركحة .
إف نتائج الحل الجديد ىي مطمكب الفمسفة ،ذلؾ الف األنا يتمكف مف إدراؾ العالـ بإلغاء نفسو مقابل الذي
ىك فيحصل عمى التعظيـ كالتعالي الفعمي الف مسافة اإللغاء غير متناىية .
ىذا يعني أف الحل يرفض التعبير عف هللا بعبارة غير المتناىي إذ أف ( الذي ىك ) يجب أف يككف ( أكبػر )
دكماً مف أي تحديد كاف كاف ال متناىياً كىذا ىك غاية العمـ عمى حدكد الككف أي مجيكليػة ( الػذي ىػك ) ػ
فإف ذلؾ مف شأنو تفسير المجيكلية خالفاً إلجماع الفالسػفة كالصػكفية ،كمػا يػرفض الحػل تسػميتو بالعمػة
األكلى .فالعالقة بو كالعالـ بأكممو مكاضيع لمبحث إال ى َك .
كيمكف القكؿ إف ىذا الكتاب ىك شرح فمسفي مكجز ألكؿ مفردتيف مف سكرة اإلخالص ( التكحيػد ) أي (
قل ىك ) .إذ يكمف الحػل فػي ىػذه العبػارة فيػي تقتضػي بصػيغة األمػر ىػذه ..النقػيض ( :ال تقػل أنػا ) ،
كلذلؾ فإف فعل األمر ( قل ) إنما ىك تأكيد عمى المجيكليػة كاسػتمرار إللغػاء األنػا ،إذ بإلغائػو فقػط يحقػق
كجكده ،كمعنى ذلؾ إف الذي ىك ليس مكضكعاً لمبحث كانما عالقتو باالنا ىي مكضكع البحث خالفاً أيضاً
إلجماع الفالسفة ،ففي البدء يتكجب أف تقكؿ ( ىك ) ثـ تجري البحث ،فكل المكجكدات باستثناء ( الػذي
ىك ) تصمر لمبحث ككذلؾ عالقاتيا معو .
بيد إف ىذا ( الجيل ) يحتاج إلى تأسيس فمسفي .أي أنو يحتاج إلى عمـ بالمجيكليػة فيػذا الكتػاب يظيػر
العمـ بالمجيكلية في أكاخر صفحاتو .إذف ( قل ىك ) تستمزـ كجكد النقيض ( :ال تقل أنا ) كيعتبرىا ىػذا
المبحث مفتاحاً لمحل الميتػافيزيقي بكاممػو .لكػف التكصػل إلػى التأسػيس الفمسػفي لػػ ( :قػل ىػك ) يػتـ مػف
خػال ؿ بقيػػة العبػارات فػػي السػكرة المككنػػة مػف سػػطر كاحػػد .ىػذا السػػطر تعػادؿ قيمتػػو الفكريػة ثمػػث الكتػػب
المنزلة حسب الركايات كىذا ليس بالغريب ما داـ يبدأ بػ ( :قل ىك ) .
كمف ىنا يفكز شيطاف خامل الذكر عمى جميع الشخكص الذيف تمكنكا مػف شػرح العبػارات بصػكرة صػحيحة
كلكنيـ تكقفكا عند ( قل ىك ) ،ألنيـ لـ يقكمكا بتأسيس تناقض جديد بعد ىػذا التكقػف .إف ظيػكر الحػل
عمى ألسنة الشياطيف يحاكؿ إبراز مفيكـ التجربة الذاتية كالحرية ،فالعقل يعمل بحسب أكامر الذات كلػذلؾ
يمكػػف أف يكػػكف الػػكلي كالشػػيطاف عمػػى مسػػتكى كاحػػد مػػف معرفػػة الحقيقػػة ،لكػػف المكجػػكدات ال تخضػػع
لمشػيطاف كتخضػػع لمػػكلي بمػػا فػػي ذلػػؾ الشػػيطاف نفسػػو ،الف االختيػػار الػػذاتي المختمػػف يجعػػل المعرفػػة فػػي
خدمة متطمبات الذات عند الكلي خالفاً لمشيطاف .إف القصة قد تذكر أشػياء مختمفػة كمتناقضػة ،فيتكجػب
فرزىا فيي بسيطة جداً مف جية كمعقدة مف جية أخرى .فمثالً إنيا تذكر تجػاكر الفمسػفات كعػدـ تراكميػا
في البدء ،كلكف الييكل العاـ ينبػ مػف طػرؼ آخػر إلػى عكػس ذلػؾ فاالناكيػة تطػكرت كتراكمػت مفاىيميػا
كلذلؾ تتصاعد المعرفة الشيطانية معيا بالتكازي .مكجز في تعريف الفمسفة كاشػكاالتيا يؤسػفنا أف نقػكؿ
أف ( ديكارت ) حينما بدأ بالشؾ بجميع األشياء ػ حتى أنو شؾ بكجػكد نفسػو ػ فقػد نسػي أف يشػؾ فػي أىػـ
األشياء التي بيف يديػو ،إذ نسػي أف يشػؾ فػي ( الفمسػفة ) نفسػيا .كال أعنػي بيػا مجمكعػة األشػياء التػي
تمخض عنيا التفمسف بل أعني التفمسػف نفسػو كمػنيج أك طريقػة ذات جػدكى .كىػذه مشػكمة حقيقيػة لػـ
اضػر ،ألف ىػذا
يذكرىا الذيف أعجبيـ كثي اًر شػؾ ديكػارت .كالسػبب الػذي أدى إلػى ىػذا التغافػل أك الغفمػة ك ٌ
الشػػؾ كػػاف القصػػد منػػو تأسػػيس فمسػػفة أك نقػػد الفمسػػفة التػػي بػػيف يديػػو .كلكػػف إلػػى اآلف لػػـ يحػػدد لنػػا
الفالسفة مكضػكع الفمسػفة ،كأىػـ مػف ذلػؾ لػـ يحػددكا لنػا ( :مػا ىػي الفمسػفة ) .فمػف حػق الػبعض أف
يطالب بتحديد تعريف لػ ( الفمسفة ) ،ألنو قد يدعي أم اًر أسكأ إذا لـ يجب أحد رغبتو ىػذه ،فقػد يػزعـ أنػو
في طريقو إلى االعتقاد أك الجزـ مف أنو ( ال يحتاج ) إلى ش لـ يحدد لو أحد بعد ما ىك ! بعد إف عجز
ىك عف تحديده ػ كصاحب الشيء ( الفيمسكؼ ) أكلى بو فعميو تقع ميمة تحديد معنى الفمسفة .
ذلؾ أف ىذا البعض قد كجد قسماً مف الفالسفة يبحث في ماىية المكجكدات كعالقاتيا كعالقة اإلنساف بيا
فيك يسأؿ (:ىل الفمسفة نكع مف المعرفة ) .
ككجد بعضيـ يبحث في قدرات كتصكرات العقل كأنكاع المػدركات ،فيػل ىػي عمػـ يبحػث فػي طرائػق اإلدراؾ
كالطػرؽ المكصػمة إلػى المعرفػة فتكػكف الفمسػفة بػذلؾ طريقػاً لتقيػيـ المعرفػة كليسػت ىػي المعرفػة .ككجػػد
بعضاً آخر يبحث في النفس كالركح كما كراء الطبيعة كالذكات كالجكاىر التي في األشػياء فس ِّػميت الفمسػفة
عنػػد ىػؤالء بػػػ ( الميتافيزيقػػا ) فيػػل ىػػي عمػػـ يبحػػث عػػف مػػا ىػػك كػػامف كراء المحسكسػػات كبالتػػالي ىػػي
معرفة مف نكع خاص .
ككجد البعض اآلخر يقكؿ إنيا كل ذلػؾ كغيػره كانيػا جػاءت مػف مفػردتيف تعنيػاف سػكي ًة ( حػب الحكمػة ) ،
فيل الفمسفة حكمة أـ حب الحكمة أـ معرفة أـ ىي طريق لمعرفة المعرفة ذلؾ ألف الحكمة تعني ( كضع
األشػػياء فػػي مكضػػعيا الصػػحير ) .فالحكمػػة عمػػل إيجػػابي بينمػػا الفمسػػفة إذا كانػػت عبػػارة عػػف ( دراسػػة
لممعرفة ) فيي عمـ كالعمـ ال عالقة لو بالحكمة ،فيي أخػذ ال عطػاء كالحكمػة .إننػا نػرى أنػو ال تػالزـ بػيف
العمـ كالحكمة ألننا نرى بأعيننا أناساً ليـ عمـ عظيـ بأشياء نجيميا كمع ذلؾ فيـ أشرار جػداً كيسػتعممكف
ىذا العمـ لمشر كال يضعكف األشػياء فػي مكاضػعيا الصػحيحة كمػا يفعػل مػف نسػمييـ (الحكمػاء ) ،أك كمػا
يفتػػرض أف يفعمػػو مػػف نسػػمييـ كػػذلؾ .فػػال تػػالزـ إذف بػػيف الحكمػػة كالمعرفػػة إال مػػف طػػرؼ كاحػ ٍػد كىػػك أف
عارؼ دكماً لكف ليس كل عارؼ حكيـ . ٌ الحكيـ
لكف الفالسفة فرقكا كثي اًر بيف الفمسفة كالعمـ بل ( حسدكا ) العمـ عمى نتائجو اليقينية ذات الطابع الرياضػي
ككضػػعكا أمػػاـ أنفسػػيـ ميمػػة تأسػػيس فمسػػفة ذات نتػػائج حاسػػمة كػػالعمـ كلكػػنيـ فػػي عػػيف الكقػػت أقػػركا
كل مكحد كىك إقرار آخر
تاـ أف نتائج الفمسفة ليست ( تراكمية ) كال يمكف لجامع أف يجمعيا في ٍ
كبكضكح ٍ
بأنيا ليست عمماً مف العمكـ .
كبعضيـ بحث القيـ كألخالؽ فيل الفمسفة عمـ في األخالؽ كىػل يمكػنيـ التحػدث عػف ( عمػـ األخػالؽ )
كاذا كانت لفظػة الفمسػفة قػد ترجمػت إلػى ( حػب الحكمػة ) فيػل ىػذه مع اإلقرار بأف الفمسفة ليست عمماً
فإف كانت صفة لو فالفيمسػكؼ إذف ( حكػيـ ) فممػاذا يختمػف الحكمػاء صفة لمفيمسكؼ أـ عمل كتعميـ لو
كاف كانت عمالً كتعميماً لو فيػل يمكػف تصػكر أف بمقػدكر المػرء في كضع األشياء في مكضعيا الصحير
تعميـ ( الح َّب ) كتعممو
إف الفمسػفة تقػكـ عمػى المنطػق ػ كىػذا ىػك المتعػارؼ عميػو ػكالمنطق شػيء محػدد بصػرام ٍة بحيػث أف العمػـ
التجريبي يتخذه كسيمة لمكصكؿ إلى النتائج اليقينية فمماذا اختمفػت الفمسػفة فػي نتائجيػا المبعثػرة عػف تمػؾ
.كاذا كانت ىي التي أنتجت المنطق فاألمر أسكأ احد
منطق ك ٍ
ٍ الصرامة في نتائج العمـ كىما يقكماف عمى
،إذ كيف يتكلد المحدد مف غير المحدد كاليقيني مف غير اليقيني كالمكحد مف المبعثر !
صحير إف الفمسفة تقكؿ كتدعي أشياء كثيرة ،فيي مثالً تدعي أنيا تتربع عمى عرش العمـ كمػو كاف العمػـ
كليدىا كانيا الحاكـ الفعمي .لكف أحداً ما لـ يرىا قط كال مػرة كاحػدة كالتػاج عمػى رأسػيا كمػا لػـ يرىػا تػدخل
بشغف مف كليدىا أف يرسل ليػا قصاصػة كرؽ فييػا بعػض
ٍ قصر العمـ بال استئذاف ..كيف ! كىي تنتظر
المعمكمات عما يجري في المممكة المترامية األطراؼ !…كحتى إنؾ لتراىا بعد كصكؿ القصاصػة قػد لمممػت
نفسػػيا كراحػػت تػػتكمـ أكثػػر ممػػا تفعػػل ،كتػػدعي مزيػػداً مػػف األشػػياء التػػي إف طالػػب المتمقػػكف بتحقيقيػػا أك
ِّ
كلتردد مسركرًة عبارتيا المأفكنة ( كىل يستطيع ىػذا الكلػد العػاؽ فعػل شػيء بػدكف تجربتيا قامت لتصدىـ
إذني كتكقيعي عميو ) .
الكاقع إف شيئاً ما لـ يبق لمفمسػفة حتػى تقكلػو ،كقػد أقػر جميػع شػراح الفمسػفة أف مكضػكع الفمسػفة ( بػل
الصحير مكاضيعيا ) قد أشبع بحثاً كلـ يبق سكى تغيير كتطكير األساليب التي تبحث في نفػس المكاضػيع
.
إذف فاألشياء التي تتحدث عنيا الفمسفة ىي نفس األشياء التػي ال يجمعيػا جػامع كلكنيػا تسػتمر بالتحػدث
عنيا كاإلجابة عمييا بعبارات اكثر ( كضكحاً ) حسب تعبيرىا كما في ىػذا الػنص ( :لكػف قػد يػتيكـ سػاخر
بقكلو إف الفمسفة ما ىي إال ترجيع كترديد لصدى أصكات الفالسفة السابقيف كاف ىي إال بقايػا أفكػارىـ مػع
قميل مف التحكير كالتغيير كربما زاد عمى ذلؾ قائالً إف التفكير الفمسفي راكد ال يتحرؾ كال يتقدـ )(. )1
كتركز دفاع ككلف عف الفمسفة بعبػارات أىميػا ( :إف أقػل مػا يفعمػو أىػل عصػر مػف العصػكر أف يصػكغكا
المسائل القديمة كحمكؿ ىذه المسائل في قالب جديد يتفق مع الركح الفكرية كالركح المغكية ليػذا العصػر )
كىكذا فالفمسفة منذ مئات السنيف لـ تقدـ مكضكعاً جديداً كلـ تجب إجاب ًة جديد ًة عمى مكاضيعيا القديمػة ،
ككل ما تفعمو منذ حكالي ألفي عاـ ىك أف تصكغ اإلجابات كالمسائل بطريقة ( تالئـ الركح الفكرية كالمغكية
لكل عصر ) كىذا االعتراؼ يدؿ داللتيف ىامتيف :األكلى إف المكضكع الكمػي لمفمسػفة ال يتضػمف ( ِّعممػاً )
ألف العمـ ال يتكقف عند حدكد معينة فالفمسفة ليست عمماً .كالثانية إنيا ليسػت طريقػة لمتكصػل إلػى العمػـ
عمػـ أيضػاً كنقػد العمػـ يسػتمزـ كجػكد عمػـ أعمػى يمسػؾ بخيػكط
أك نقد العمـ كالمعرفة ألف طريػق العمػـ ىػك ٌ
العمـ كميا كيمتمؾ مفاتير العمـ كمو ،ككذلؾ المعرفة حيػث يسػتمزـ تقيػيـ المعرفػة امػتالؾ ( نقطػة ) جامعػة
أكلػػى النطػػالؽ المعػػارؼ كميػػا بحيػػث يمكػػف نقػػد المعرفػػة كطرائقيػػا .كلمػػا كانػػت الفمسػػفة جامػػدة ( مسػػائل
كاجابات ) فميست ىي إذف عمماً كال معرف ًة كال طريقة لتقييـ أك نقد العمـ كالمعرفة .أما كػكف الفمسػفة تريػد
أف تفعل كل ذلؾ فيك شيء كككنيا قد فعمتو فيك شيء آخر .
انظر النص اآلتي :
(ىناؾ دراسات تناقش مدى أىمية اإلنجازات التي حققتيا الفينكمينكلكجيا في مجاؿ تقػدـ العمػكـ اإلنسػانية
عمى الخصكص .مػف أمثمتيػا الجػادة ىػل قػدمت الفينكمينكلكجيػا جديػداً لمعمػكـ اإلنسػانية كالمنشػكرة فػي
دراسات فمسفية ميداة إلى ركح عثماف أميف كانتيى في إجابتو عمى ىذا السؤاؿ بالنفي التاـ )(. )2
كأضاؼ المؤلف قائالً ( :لػـ نتعػرض ليػذه المشػكمة بصػكرة منفػردة كانمػا عالجناىػا ضػمنياً عنػدما ناقشػنا
الجذكر األساسية لمدى عممية الفينكمينكلكجيا ،كانتيينا إلى أنيا ليست عمماً كانما ىي نسق فمسفي كمف
ثـ فإنيا لـ تقدـ أي جديد يساعد عمى تطكر العمكـ عامة سكاء كانت طبيعية أك إنسانية كطالما أنيا نسق
فمسفي فإف تقييـ إنجازاتيا يقتصر عمى الدراسات المذىبية الفمسفية )(.)3
إف العبارة األخيرة لمكاتب ىي لجبر خاطر نفسو إذ ال يمكنو تصكر أف ما اجتيد مف أجمػو لػيس بػذي قيمػة
مطمقاً ػ فقيمتو تقتصر عمى الدراسات المذىبية الفمسفية ،لكف ما ىي منافع ىذه الدراسات إذا لـ تكف عمماً
. كال شيئاً يقدـ لمعمـ جديداً كبمختمف فركعو الطبيعية كاإلنسانية
كالسؤاؿ اآلف ىك ( ما ىي الفمسػفة إذف إذا لػـ تكػف ىػي كػل مػا سػبق كنفينػاه عنيػا ) .إننػا ننظػر إلييػا
عمػى أنيػػا رؤيػا ذاتيػػة منفػػردة كمنعزلػة عػػف العػػالـ ،كلكػف ىػػذه الرؤيػا فػػي منظػػكر الحػل الجديػػد ( متطػػكرة
)خالفاً لما ذكره اكثر النقاد .فاألنػا قػد اتخػذ أكضػاعاً مختمفػة عبػر التػاريذ ،كالذاتيػة حمػت بالتػدريج محػل
المكضكع الخارجي كىك تطكر (تقيقري) ،فيك ضػركري بالنسػبة لالنػا المنفصػل عػف اآلخػر ،ألف التطػكر
المعرفي بالمكضكع عممياً ال ينتج منو إال تحفز عدكاني لالنػا المنفصػل عػف العػالـ .فالمعرفػة تزيػد الذاتيػة
رسػكخاً خالفػاً لمػا تفعمػو زيػادة المعرفػة مػع المكضػكعية أي أف تطػكر العمػكـ الطبيعيػة يزيػد الػذاتييف جيػالً
عمػػى جيميػػـ األكؿ .إف ىػػذا التحميػػل يفسػػر لنػػا كألكؿ مػػرة سػػبب تخمػػف العمػػكـ اإلنسػػانية كمنيػػا الفمسػػفة
بنفس النسبة التػي يتقػدـ بيػا العمػـ الطبيعػي .فػنحف ال ننكػر تجػاكر الفمسػفات كعػدـ تراكميػا كػالعمـ ،بػل
نعتقد بتراكميا كتطكرىا ،لكنو تطكر تراجعي فيو المزيد مف الذاتية .كلذلؾ سنعرؼ الفمسفة تعريفاً آخػر :
الفمسفة ىي ( :طريقة لمتفكير تحاكؿ معرفة األشياء بصكرة أعمق بكثير مما يفعمو العمـ كال تسػتعمل مػف
أجل ذلؾ أية أدكات لمعمـ سكى التفكير ،فيي تمغي المكضكع خالؿ التفكير فيو ) .
كمثاؿ ما يفعمو الفيمسكؼ ػ كقد اتفقنا مبدئياً عمى أف الفيمسكؼ ىك غير الحكػيـ ػ ىػك مثػل مػا يفعمػو رجػل
بكثيػر جػداً ممػا ىػك مسػتعمل فػي أسػرع كسػائط النقػل كلكنػو ال ٍ يريد الكصكؿ إلػى مدينػة مػا بطريقػة أسػرع
يسػػتخدـ سػػكى قدميػػو كرغبتػػو فػػي الكصػػكؿ كيختػػار مػػدناً لػػـ يرىػػا أحػػد مػػف قبػػل .صػ ٌ
ػحير أف ىنػػاؾ طريقػػة
لمكصكؿ بغير كاسطة يفرضيا اإلمكاف العقمي كالحدس الكجداني لكف الرغبة كحػدىا فػي الكصػكؿ ال تحققػو
إذ يجب أف تتكجو الرغبة أكالً إلى مصػدر اإلمكػاف العقمػي كالحػدس الكجػداني السػتخالص الطريقػة الممكنػة
منيمػا ػ ألف النػاس كميػـ متسػاككف فػي ىػذا األمػر ،فكميػـ يرغػب فػي الكصػكؿ بيػذه السػرعة كىػـ جميعػاً
تقريباً يمتمككف أقداماً صالحة لممشي .
التعريف يحقق لؾ تفسي اًر معقكالً لجميع الظكاىر في الفمسفة ككما يمي :
أ ػ انفصاؿ المكاضيع الفمسفية كعدـ إمكانية جمعيا أك تكصػيل بعضػيا بػبعض .كىػذا أمػر يحتمػو المػنيج
الفمسفي لممعرفة ألنو يستعمل التفكير المجرد لسبر أغػكار أعمػق فػي مكجػكدات ػ يقػكـ العقػل مسػتقالً عػف
أي منيج بفيـ ظكاىرىا الخارجية فيماً جزئياً بمساعدة أشياء كثيرة :الحكاس ،تراكمات الخبرة ،اختبػارات
عديدة عمى نفس الظاىرة ،معكنات بالمنطق الحسػابي كالرياضػي ،سػجالت لتػاريذ الشػيء أك الظػاىرة ،
اسػتغناء تػاـ عػف
ٍ فكيف يمكف فيـ ىذا المكجكد داخمياً بنفس العقل كبػنفس القػدرات الفكريػة فػي العقػل مػع
ىػػذه األشػػياء المسػػاعدة كػػأف المػػنيج الفمسػػفي لػػـ يكفػػو التعم ػق فػػي المكضػػكع فجمػػع معػػو الػػنقص فػػي
األدكات !! أال تػػرى إنػػو يشػػبو عمػػل الرجػػل المسػػافر :لػػـ يكفػػو طمػػب السػػرعة فاسػػتغنى معيػػا عػػف الطػػائرة
كالسيارة ! كمف المؤكد بعد ذلؾ إف المعرفة المزعكمة ستككف كىماً كخيػاالً كال تتكاصػل ألنيػا فػي حقيقتيػا
ليسػػت معػػارؼ بػػل أكىامػاً ال غيػػر .كػػذلؾ لػػك كػػاف مثػػل ىػػذا الرجػػل كثيػػريف يريػػدكف السػػفر بيػػذه الطريقػػة ػ
الغريػب أف مػا
َ كيزعمكف أنيـ قد كصمكا فعالً فيـ يشعركف أنيـ صادقكف حينما قػالكا :كصػمنا فعػالً ..لكػف
ؽ عمػى أحد منيـ قد رأى اآلخر كال مرة ،كىـ بالنسبة لنا كاىمكف حينما قػالكا :كصػمنا ،كالػكاىـ م َّ
صػد ٌ مف ٍ
أية حاؿ ألنؾ ال تستطيع تكذيب مف يتكىـ مع نفسو فيك لف ِّ
يصدقؾ .
استغمت استغالالً بشعاً عند أكلئؾ الذيف ادعكا أف الحقائق تنكشف ليـ كحدىـ بطر ٍؽ ال يمكػفىذه الظاىرة ِّ
لخخريف فيميا …ذلؾ ألف الذيف امتمككا فعالً مثل ىذه القدرات كانكا مف الحكمة كمػف قمػة العػدد أنيػـ لػـ
يخبركا بقدراتيـ كانما اآلخركف فيمكا ىذا األمر مف خالؿ أفعاليـ كمف قدرتيـ الفائقة في اإلجابة السػريعة
عمى المعضالت .
ب ػ االختالؼ في كصف الطريق المكصل إلى اليدؼ ،بل كتعديل ىذا الكصف رغـ تكحػد اليػدؼ كالتراجػع
أحياناً عف ىذا الكصػف رغػـ اسػتمرار دعػكى الكصػكؿ ..ىػك أمػر آخػر محتػكـ يحتمػو البعػد السػحيق بػيف
اليدؼ كاألداة المكصمة ،كىذه ىي فعػالً خصػائص الػكاىـ حيػث يتغيػر كصػف الطريػق لديػو دكمػاً كيتراجػع
عف أشياء أثبت المسافركف ببطء شديد أك بآلة سريعة أنيا بخالؼ ما زعمو (. )1
ج ػ االختالؼ في كصف المنطقة ( مكضكع المعرفة ) مف قبل الذيف ادعػكا الكصػكؿ إلييػا ..ىػك أمػر آخػر
محتكـ يحتمو ككنيـ لـ يصمكا إلى المنطقة بالفعل كانيـ متكىمكف أك كاىمكف ،كلذلؾ يككف اختالفيـ فػي
العمكميػػات كػػاختالفيـ فػػي ِّ
أدؽ التفاصػػيل ،فػػإذا حػػدث إف اتفقػكا عمػػى أحػػدىما فقػػد اختمفػكا فػػي اآلخػػر أك
العكػس ،كتػرى انحيػازىـ إلػػى بعضػيـ الػبعض يتخػػذ شػكل االرتيػاح النفسػػي لمكصػف الخػاص بالمكضػػكع ال
عالفػػة لػػو بالػػدليل المنطقػػي أك العممػػي ،كلػػذلؾ يحػػدث التراجػػع أيض ػاً عنػػد التأييػػد أك االخػػتالؼ .فالح ػ
تراجعات الفالسفة عف تأييد بعضيـ البعض أك تراجعيـ عف اختالؼ بعضيـ مع البعض .
د ػ التشابو كالتحدد في المكضكع أك اليدؼ المقصكد .ىك اآلخر أمر يحتمو الكىـ أك التكىـ .فإذا ظيػر
عصػر يعجبػو السػفر بيػذه الطريقػة ( الفنطازيػة ) فمػف يجػرؤ بطبيعػة الحػاؿ عمػى
ٍ جديد كل مرة أك كل
رجل ٌٌ
اختيار مدينة جديدة أك منطقة يذىب إلييا أسالفو في ( أحالميـ ) ألنو سيككف عرضػة آلالؼ التسػاؤالت
الجديدة كيحتاج إلى أف يبرىف عمى كػل ذلػؾ .األيسػر لػو بػالطبع أف يسػافر إلػى نفػس المكػاف حيػث ذىػب
أسالفو كيعتمد األمر في تصديقو عمى لباقتو كحسف تصرفو فيجب عميو كصػف الطريػق المكصػكؼ سػابقاً
بدقػ ٍة أكبػػر كاظيػػار تفاصػػيل أخػػرى تتفػػق مػػع العالمػػات المعمكمػػة سػػابقاً فػػي األذىػػاف ،كالضػػرب عمػػى كتػػر
المرتكزات الذىنية القديمة عف خصائص المدينة كطرقيا بحيث أنو يجيد الكصف كيجعمو متناسقاً أكثر مما
فعل سمفو كبيذا يصبر فيمسكفاً يشار لو بالبناف .
ِّ
يصػدؽ النػاس أنػو بمػد اليػدؼ كعمػـ أمر نفسي ىػك أفق ػ افتعاؿ النصائر لممسافريف بآلة .كىذا يكجبو ٌ
خصائص الطريق ،كغالباً ما تظير ىذه النصائر عند الفالسفة العرفػانييف .كلكػف إذا سػمع عالمػة ذكرىػا
أحد المسافريف ( ببطء شديد ) مف عالمات الطريق رأيتو مسرك اًر بيػا اكثػر مػف سػركره المزعػكـ بالكصػكؿ
أمر يثير الدىشة إذا لـ يكف يثير السخرية .فما باؿ الفالسفة ينتظركف مػفكبمعرفة الطريق كامالً ! كىذا ٌ
العمػػـ التجريبػػي أف يمػػنحيـ مكضػػكعاً لمبحػػث كمػػا ىػػي أىميػػة البحػػث الفمسػػفي بعػػد إف انكشػػف بػػالعمـ
التجريبي لقد حاكؿ ( فالسفة ) يمكف كصفيـ بػ ( المكضكعية ) أف يتممقكا العمـ التجريبي ليمنحيـ شارة
احتراـ كذلؾ بتأسيس فمسفة تقكـ عمى مغازلة العمـ التجريبي .كىذا مثل أف يقػكؿ الرجػل لصػاحبو :أعطنػي
سر بيني كبينؾ ٌقرض ًة حسن ًة ،فإذا عطف عميو كأعطػاه نػادى بػأعمى صػكتو :خػذ ىػذه الػدنانير
كذا دينا اًر اً
ىدي ًة مني لؾ كألسمع بعد اليكـ مف يقكؿ أف ىناؾ مف يعيمؾ غيري ! كذلػؾ ىػك مكقػف الفمسػفة مػف العمػـ
تؤكده جميع تقارير الفمسفة كجميع شػارحييا كنقادىػا ،كىػك مكقػف يتسػـ باألنانيػة كاالسػتبداد كاالسػتعالء
عمى ما ىي محتاجة إليو .
ك ػ االستعالء كاالستكبار .بػدءاً مػف مقتػرح أف يحكػـ الفالسػفة العػالـ كمػر اًر بمقكلػة ابػف عربػي ( :فػالرب
انتياء بسار تر ( تعالي األنا ) ػ صكرة
فيؾ كأنت صكرتو ) كمرك اًر بػ ( العقل المجرد ) ك ( األنا األكحد ) ك ً
كاحدة كنفسية كاحدة كتكجو كاحد ىك تكجو الكاىـ ،الكاىـ عف قصد كبغكاية منقطعة النظير تقضـ كػل مػا
يأتي بيف يدييا كىي تمتيـ بشراىة ( مقكالت دينية ) كمباديء ( مكحاة مػف السػماء ) لتحيميػا بعػد اجتػ ارر
طكيل إلى تماثيل منحكتة بديالً لألصناـ كتؤسس ( إلحاداً دينياً ) ك ( كف اًر آتياً مف السماء ) ػ كلػـ تتعػرض
في كل ذلؾ كال مرة كاحدة إلى نقد أك إعادة النظر باألداة المستخدمة لذلؾ كىي ( المغػة ) ألنيػا ال تريػد أف
تثيػػر مشػػكمة عمػػى نفسػػيا كال تحػػاكؿ كشػػف حقيقتيػػا .كلػػذلؾ فالفمسػػفة ال زالػػت تبحػػث عػػف نفسػػيا كىػػذا (
قدرىا ) المحتكـ ألف الكاىـ بشأف األشياء ىك كاىـ كمتكىـ في البدء مع نفسو .
ػ كثرة الضحايا .كىك أمر يحتمو الكىـ الجماعي ،مجمكعػة تػدفع إلػى ىػذا الػكىـ بقػكة كمجمكعػة تنخػدع
كتقع ضحية ليذا الكىـ ..كأكبر الضحايا ىػي أسػماء المعػة فػي الفمسػفة ،فمػثالً إف شػؾ ديكػارت كػاف فػي
محمِّو ..لقد افترض في البدء أف عميو أف يتصكر كجػكد خطػأ مػا فػي كػل شػيء كفػي كػل معمكمػة كصػمتو
كيبدأ مف جديد ،يبدأ ممػا الشػؾ فيػو ،فاعتقػد أف احتمػاؿ الخطػأ سػببو أمػراف :األكؿ القصػكر فػي فيمنػا
لمحقائق كالثاني كجكد قكة محتممة كائدة مثل ( الشيطاف ) تكىمنا كتغكينا(. )1
إف ديكارت محق جداً في الناحيتيف كاف كانتا في األصل سبباً كاحداً ،فالشيطاف ليس قكة غير منظكرة إنػو
تعبير عف ( الغكاة ) مػف بنػي اإلنسػاف كىػـ ال يغككنػا إال بمػا نقدمػو ليػـ مػف نقػاط الضػعف :قصػكرنا بػل
شػديد لمتعػالي كأشػياء كثيػرة
ٌ تقصيرنا في الفيـ ،كعجمة في الكصكؿ إلى الحقائق كرغبة في التبجر كحػب
أكىػاـ يجعمنػا نقكليػا بأنفسػنا
ٍ يكىمنا أف نفعميا لنككف أضعف منطقاً كاقل فيماً كأكثػر إسػراعاً فػي تصػديق
كنصدقيا كنرددىا كراءه شارحيف كمكضحيف لغكامضيا .
كحتى يحيف الكقت الذي يأتي فيو مثػل ديكػارت ليشػؾ فػي كػل شػيء يكػكف عػدد الضػحايا الػذيف كقعػكا فػي
ىػػذه المكيػػدة كبيػ اًر .كديكػػارت نفسػػو ىػػك أكؿ الضػػحايا ،شػػأنو فػػي ذلػػؾ شػػأف السػػابقيف عميػػو ،كالشػػيطاف
الذي حاربػو ديكػارت مػا قػاؿ كلػف يقػكؿ ( ديكػارت كػاف مخطئػاً ) ..بػل سػيككف ( الشػيطاف ) أكؿ ديكػارتي
يتتممػػذ عمػػى يػػده كأكؿ مػػف يقػػكـ بشػػرح غكامضػػو ،كاذا لػػـ تكػػف ىنػػاؾ غػكامض عنػػد ديكػػارت الكاضػػر جػػداً
فسينظر الشيطاف :ألي شيء أحب الناس ديكارت ! كحينما يكتشف أنيـ أحبكه ألنو يشؾ فػي كػل شػيء
ليبػػدأ مػػف شػػيء ثابػػت يقينػػي كأنػػو بيػػذا العمػػل قػػد ( قضػػى عمػػى الشػػيطاف ) بالضػػربة القاضػػية ،فسيبتسػػـ
كيقكؿ :حسناً يا صديقي ديكارت ! سأشرح فمسفتؾ لمعالـ بأسره كسأككف أكؿ ديكارتي فيػو كلكنػي أبشػرؾ
بشيء ..سأككف أنا أيضاً ذلؾ الشيء اليقيني الثابت الكحيد الذي تبدأ منو !!
إف الشيطاف لـ يجمس بانتظار أف ينتيي ديكارت مػف كضػع فمسػفتو ..بػل ىػك ىنػاؾ يػدكر حكلػو كيجادلػو
كيساكمو حتى تحمر عيناه كال يكتب ديكارت شيئاً إال بعد أف يحدث اتفاؽ مبدئي عمى الصيغة ،كالشيطاف
ػاـ جػػداً جػػداً :إف
الػػذي ىػػك فػػي داخػػل الفيمسػػكؼ أك ىػػك خارجػػو شػػخص بػػارع ،كأكد أف أخبػػرؾ بسػ ٍػر ىػ ٍ
الشيطاف أعمـ مف الفالسفة في مكضكع ( المغة ) كىك دكماً يعثر عمػى المفػردات كالجمػل التػي تضػع الحػل
النيائي لمصراع بينو كبيف الفيمسكؼ .كبالطبع ال يكافق الشيطاف عمى الصيغة النيائيػة حتػى تكػكف قابمػة
ألف يشرحيا فيما بعد بطريقة مضادة لرغبة الفيمسكؼ كتكجياتو األصمية كيمكف أف يتأمل فيما بعد بأكراؽ
ديكػارت ليضػػع ( تػأمالت ديكارتيػػة ) كيضػػع مجمكعػة ديكارتيػػة كبيػرة .كىكػػذا سػػيبعث ديكػارت يػػكـ القيامػػة
كأحسبو سينكر كيحمف باألَيماف الغميظة لجميع المالئكة بأنو لـ يكف ديكارتياً قط !
عمـ بقصة ( طرد الشيطاف ) مف الجنة ،لقد كاف السبب فػي طػرده أنػو شػؾ فػي اآلخػر ػ كاف ديكارت عمى ٍ
كقت كاف فيو مستيقناً مف نفسو ،كاآلف في نفػس ديكػارت ػ حفيػد آدـ ػ رغبػة شػديدة فػي الثػأر !
آدـ ػ في ٍ
كحينمػػا قػػاؿ ديكػػارت :بػػدأت أشػػؾ فػػي كػػل شػػيء ،ارتعػػب الشػػيطاف فعػالً ألنػػو اعتقػػد أف الرجػػل يشػػؾ فػػي
المقكالت كفي األفكار كتأمل قمػيالً ثػـ سػأؿ ديكػارت :بػأي شػيء تشػؾ يػا ديكػارت فأجابػو منزعجػاً :بكػل
كلػـ يقػل الشػيطاف ( بػي ) كمػا تقتضػيو المغػة ، شيء بكل شيء كبؾ أيضاً أشؾ .فقػاؿ الشػيطاف :بػؾ
كىكذا انتقل ديكارت مف المقكالت إلى المكجكدات بال شعكر منو كسأؿ نفسو في حيف ابتعد الشػيطاف قمػيالً
،سأؿ :أ أشؾ في نفسي كال ..كال كيػف أفكػر بالشػؾ إذف ألػيس تفكيػري دليػل عمػى أنػي ىنػا بالفعػل
كلما تأكد مف ذلؾ كتػب ( :ال نسػتطيع أف نفتػرض أننػا غيػر مكجػكديف حػيف نشػؾ فػي مكجكد حقاً
ٌ كأني
حقيقة ىذه األشياء جميعاً ألف مما تأبػاه عقكلنػا أف نتصػكر أف مػا يفكػر ال يكػكف مكجػكداً حقػاً حػيف نفكػر
…).
كاذف فما داـ ديكارت يفكر بالشؾ فإنو ال يشؾ في ككنو مكجكداً .ثـ كانت مف بعد العبػارة الشػييرة ( :أنػا
أفكػػر إذف أنػػا مكجػػكد ) .كقيقػػو الشػػيطاف عمػػى بػػاب ديكػػارت بضػػحكات ىسػػتيرية مدكيػػة كصػػاح ػ كمػػف
المؤسف أف الفيمسكؼ لـ يسمعو ػ صاح قائالً ( :يا صديقي المسكيف لقد كقعت في الفذ مف أكؿ سطر .
ال أريد شيئاً سكى أف تفعل فعمي ،ػ تنكر اآلخر كتثبت نفسؾ ػ ..يا رجل لقد أرعبتني ظننت أنؾ تشػؾ فػي
األفكار كأنؾ مصر عمى ذلؾ فما أسرع ما تحكلت إلى الشؾ في المخمكقات ..أنت اآلف بػدأت فػي طريقػي ػ
طريق الشيطنة كسأحممؾ مرغماً عمى أف تقكؿ ما أريده .أ تريد الرجكع إلى جنة ط ِّردت أنا منيا بسببؾ
ىييات ..ىييات أف يحدث ذلؾ كبػي مػا بػي مػف حيػاة !! اسػمع يػا ىػذا فػإني سػأنفذ فػي ىػذا ( األنػا ) ،
سأنفذ فيو دكماً ،سأنفذ فيو بكل مػا أكتيػت مػف قػكة ،كسػأجعمو أكبػر مػف السػماء ،بػل سػأجعمو يحتػكي
عمى ( الرب ) نفسو ،سأجعمو ( األعمى ) كسأجعمو ( األكحد ) في العالـ(. !! .. )1
لقد أكحى لنا صراع ديكارت مع الشيطاف بفكػرة غريبػة ىػي أف نسػتعرض الفمسػفة بمجمميػا كنحػاكؿ تكحيػد
خطكطيػػا كنبحػػث عػػف منشػػأىا كىػػدفيا فػػي داخػػل ( الالكعػػي ) ،كنعتبرىػػا ( شخصػػية ) مجسػػدة مريضػػة
بمػػرض نفسػػي نكشػػفو لمقػػارئ مػػف خػػالؿ محػػاكرات تجػػري فػػي اجتماعػػات متخيمػػة لمشػػياطيف المختصػػيف
بالفمسػػفة كالػػذيف يحػػاكلكف تضػػميل بنػػي اإلنسػػاف كمػػا تصػػكر ديكػػارت ،كذلػػؾ فػػي مػػؤتمر لمشػػياطيف اسػػمو
مؤتمر إلغاء أك إزالة آثار الحكمة .
'لجمسة
الجمسة األكلى لمؤتمر الشياطيف
المسمى
( فريق إلغاء الحكمة )
طكيمػػة تػػـ انعقػػاد ىػػذا المػػؤتمر ( الخيػػالي ) لمشػػياطيف ( غيػػر المنظػػكريف ) بعػػد مػػكت ديكػػارت بمػػدة ،حيػػث
يناقشكف فيو مشاكميـ كيستعرضكف إنجازاتيـ كخططيـ لمتعاكف مع أرباب الفكر الفمسفي مف بني اإلنساف
كقد حضر ىذا المػؤتمر مسػئكلك القػارات المسػككنة ،كبعضػيـ كبػار فػي السػف ػ حيػث يبمغػكف مػف العمػر
ثالثيف ألف سنة أك أكثر ػ كما حضره عدد مف الزائريف باختصاصات مختمفة كثيرة قػدمكا مػف ككاكػب أخػرى
.
كجػػرت العػػادة قػػي مثػػل ىػػذا المػػؤتمر أف يػػذكر ( إبمػػيس ) أكالً فػػي ( كميشػػة ) قديمػػة مكػػررة ىػػي ( :نتقػػدـ
بالشكر الجزيل كاالمتناف العظيـ لسيدنا ككبيرنا كرئيسنا إبميس األكؿ ػ رئيس األبالسة ػ عمى مػا ىػدانا إليػو
جسػيـ فػي إصػابتنا بالعػذاب األلػيـ دىػك اًر كأحقابػاً ِّ ..كِّفقػتـ
ٍ مف تعظيـ ( األنا ) ،كما أدى إليو مف تػأخير
احد ( :باقيف ..باقيف أبد اآلبديف ..بعيد ..بعيد بصكت ك ٍ
ٍ ليذا أبد اآلبديف … ) .كيردد الحاضركف بعدىا
ما تكعدكف ) .ثـ يدكر ٌ
ىمس بيف الحضكر ،فبعضيـ يقكؿ إف ( ما ) في الكممة األخيرة نافية كبعضيـ
يقكؿ مكصكلة كآخركف يقكلكف إنيا مكصكلة يؤمل أف تعمل عمل النافية بعد دىكر ! كبعضيـ يكاد يحتج
( البػاقيف ) المنصػػكبة !! .كفػػي مثػل ىػػذه الشػؤكف ال يسػػأؿ أحػػد ( الخبيػر بشػػؤكف تػػدمير عمػى تمػػؾ
أي شيء يقكلو الخبيػر
المغات ) الذي يحضر عادة جميع المؤتمرات الشيطانية ألف مف عادتيـ أال يصدقكا َّ
المذككر بشأف القكاعد كاإلعراب ،لكنيـ بالطبع ينفذكف تعاليمػو بدقػة متناىيػة ألف لػو مػف الصػالحيات مػا
سر ! كفي البػدء طمػب رئػيس المػؤتمر مػف الحضػكر بعػض األشػياء عنػدما
ألحد منيـ ..لكأنو أميف ٍ
ليس ٍ
قاؿ :
رئيس المؤتمر :أكؿ شيء أؤكد عميو ىنا ىك أننا لـ نجتمع لمضػحؾ كاالسػتيزاء مػف بنػي اإلنسػاف ميمػا
بمغنا مف القدرة عمى تضميميـ عف ( الحقيقة ) ،لذلؾ ال تكثركا مف السخرية كالتندر .كالشيء اآلخر ىػك
أف نستذكر في كل مؤتمر لنا أفعالنا العظيمة ألنيا ترفع مف شعكرنا بالتفكؽ ،كعمى كل مسػؤكؿ أف يػذكر
أيضاً المشاكل التي تكاجيو إف كجدت .
(كبعدىا تحدث المعاكف ) ..
المعاكف :إف قضيتنا المركزية كاضحة كمعمكمة لمجميع ،فالحقيقػة كاحػدة ال تتجػ أز .كأىػـ شػيء قمنػا بػو
يجز ما يتكىـ انو الحقيقة ،كاذف فأمامو دىر طكيػل حتػى يجمػع مػا تكىمػو ثػـ يتأكػد أف
ىك جعل اإلنساف أ
ىذا المجمكع كىـ ،كاذا أراد أف يبدأ مف جديد بدأنا معو مف جديد كعندىا سيحتاج إلى دىر آخر حتى يبدأ
مػرة أخػػرى ..كىكػذا دكاليػػؾ .كاف الحقيقػػة الكحيػدة ىػػي ( اإللػو ) .كاإلنسػػاف ال يبحػػث فػي الكاقػػع إال عػػف
الحقيقة ،فيك يريد إلياً كنحف نعطي لكل شخص إليػاً كعمػى مػا يبغيػو ،كقػد ذىػب عيػد نػكح األكؿ كنػكح
الثػػاني ،فػػإنكـ تعممػػكف أف شػػعبييما تعمػػق بػػػ ( يغػػكث كيعػػكؽ كنسػ ار ) ألف ىػؤالء كػػانكا رجػػاالً صػػالحيف .
كحينما رغبكا بالحصكؿ عمى إلو أعطينا لكل جماعة اإللو الذي يعجػبيـ ،فيػذا األمػر قػد ضػمف لنػا التعػدد
كمف ثـ المفاضمة كمػف ثػـ الشػقاؽ كالتقاتػل بيػنيـ ،كلػـ يػدمر تمػؾ الخطػة العظيمػة إال تمػؾ المأسػاة التػي
كقعت في الطكفاف ،فقد حدث نقص شديد في أتباعنا مف بني اإلنساف استمزـ القياـ بعمػل إضػافي .كمػع
ذلؾ فأنا ال أعتقد أف مثػل ىػذه البمػكى سػتقع مػرة أخػرى بعػد تمػؾ السمسػمة مػف الرسػل كاألنبيػاء .فالكضػع
أصبر مختمفاً ،فمنذ إف أدخل ( المسير ) الييكل كارتقى ( دمحم ) أسباب السػماء شػعرت شػعك اًر قكيػاً بػأف
اإلنسػػاف قػػد بػػدأ يعجبػػو أف يجػػد اإللػػو فػػي داخػػل نفسػػو .فػػي حػػيف أف ىػػذا الشػػعكر كػػاف ضػػعيفاً جػػداً عنػػد
أفالطكف الذي تـ االتفاؽ معو بعػد جيػكد مضػنية عمػى الصػيغة التػي اسػتمرت فػي أثينػا ألػف سػنة م َ
طبَقػ ًة
كأحسف ما يككف التطبيق كىي مف األشياء التي ال زالكا يفخركف بيا(. )1
إف الذيف اتبعكا المسير كانكا بالنسبة لنا مشكمة كبيرة .كمع ذلؾ فقد تمكنا مف أف نضػع عمػى لسػانيـ مػا
كنا نريػده بعػد إف انتظرنػا ىال كيػـ .كمػا يعجػب اإلنسػاف ىػك أف يكػكف إليػاً ،ككانػت تمػؾ فرصػة عظيمػة
خمطنػػا فييػػا خمطتنػػا بػػيف ( الػػرب ) ك ( اإللػػو ) فجعمنػػاىـ يقكلػػكف ( المسػػير ربنػػا ) ،ألنيػػـ كػػانكا ال زال ػكا
احػد ربػاك ،فػذلؾ يدغػدغ مشػاعرىـ كيجعميػـ
يتحرجكف مف القكؿ بأنيـ ( أربػاب ) فمػيكف فػي البػدء إنسػاف ك ٌ
يشعركف أنيـ في الطريق ألف يككف كل ك ٍ
احػد مػنيـ ( ربػاً ) لنفسػو أك لغيػره خاصػ ًة كاف المسػير يؤكػد أنػو
ابف اإلنساف كاف مف يمتمؾ يقيناً مثمو فإنو يفعل فعمو .ثـ جعمناىـ يقكلكف إف المسير الرب ىك ابف اإللو
..كتمؾ خطكة عظيمة لػـ تكػف ممكنػة مطمقػاً حتػى فػي عيػد نػكح ،ألف النػاس فػي ذلػؾ الزمػاف يػركف فػي
الرب كاإللو أنو ( آخر ) كال يمكف أف يككف ىك ( األنا ) ،أما اآلف فإف بني اإلنساف جميعاً مستعدكف ألف
يدعي كل منيـ أنو رب أك حتى ألو بأية صكرة ،سكاء أكاف ىذا االستعداد شعكرياً عندىـ أـ ال .
رئيس المؤتمر :ىذه مبالغة .أراؾ لـ تستثف أحداً
المعاكف :آ .عفكاً .بالطبع ما عدا أقمية يمكف إىماؿ عددىـ .
(ثػػـ استرسػػل المعػػاكف فػػي ذكػػر اإلنجػػازات التػػي تحققػػت قبػػل المسػػير كبعػػده .كأككػػل ميمػػة استقصػػاء
التفاصػػيل إلػػى أعضػػاء المػػؤتمر مشػػي اًر إلػػى أف مسػػؤكؿ الفمسػػفة الشػػرقية لديػػو تفاصػػيل كثيػػرة فيمػػا يخػػص
منطقتو .كبعدئذ انبرى ىذا المسؤكؿ قائالً )
فمسػفي .كاذا كػاف الفالسػفة كالمفكػركف فػي
ٍ المشرقي :نحف اآلف في راحػة تامػة ألف المشػرؽ فػي سػبات
مركز اإلشعاع األكركبي يجتركف نفػس األفكػار التػي أكحينػا ليػـ بيػا ،فػإف المشػرؽ يجتػر اآلف مػا يمفظػو
الغرب عميو بال إعماؿ ركية كال تدقيق .أمػا مػا كػاف سػابقاً فػي المشػرؽ فقػد اتخػذ قالبػاً ثابتػاً ،كاألسػاتذة
الجدد كالفالسفة المعاصركف في قبضتنا .
( كأراد ىذا المسؤكؿ أف يضحؾ إال أنو تمالؾ نفسو ثـ أردؼ قائالً )
اندفاع شديديف كبدالً مف أف يتعرؼ عمى ( الحقيقػة ) جعمتػو
المشرقي :حينما جاء ابف طرخاف جاء بقكة ك ٍ
كبمساعدة أصحابي يحاكؿ إثبات( كجكدىا ) !
(تسمع ىميمة ضاحكة في أحد جكانب القاعة إال أنو يتـ تجاىميا كيستمر المسؤكؿ الشرقي في حديثو )
المشرقي :ابف طرخاف البػارع فػي المكسػيقى كالفػف كػاف متػدينا جػداً كمتكقػد الػذىف كىػك يعمػـ أنػو لػـ يكػف
شيئاً ثـ كجد كيعمـ كذلؾ أنو سيمكت .كبدالً مػف أف يسػتمد كجػكده مػف المكجػد األكؿ كيثبػت كجػكد نفسػو
قدـ نفسو دليالً عميو ،كالنتيجة ىي أننا جعمناه يكتب ثالثمائة رسالة ككتاب في إثبات كجكد هللا ،فأصػبر
رجالً محبكباً لمغاية ،كالناس يقكلكف انظركا إلى إيمانو كتقكاه :الفارابي أثبت كجكد هللا !!
(تصفيق شديد في القاعة يمتزج بضحؾ عارـ ،يسكف مف ثـ بإشارة مف رئيس المؤتمر الذي يقػكؿ معقبػاً
كىك يبتسـ )
! الرئيػس :الفقياء كالعمماء إذف يجمكف الفارابي كيقدركف أعمالو
المعاكف :طبعاً سيدي ألنيـ كانكا يصمكف كثي اًر كقد اطمأنكا اآلف إلى أنيػـ يصػمكف لكػائف مكجػكد ! لكػنيـ
ربما انتقدكه عمى أشياء أخرى .
(ترتج قاعة الشياطيف بالضحؾ مرة أخرى ،كيتغاضى الرئيػس كيشاركيـ فرحتيـ ،ثـ يمتفت إلى المسؤكؿ
المغكي قائالً )
الرئيػػػس :هللا مكجػػكد ! ىػػو ! بصػػيغة اسػػـ المفعػػكؿ ىػػو ! لقػػد كجػػدت المف ػ مكػػر اًر ف ػي كتػػب الفالسػػفة
كالعرفانييف آالؼ المرات .كـ أنت رائع كمبدع أييا المغكي األريب !
(بسرعة يضع شػيطاف المغػة إصػبعو عمػى فمػو مؤشػ اًر كأنػو يقػكؿ لمػرئيس ِّ :
أف اسػكت كال تكضػر األشػياء
ىكذا لألعضاء .كبعدىا أشار الرئيػس لممسؤكؿ المشرقي كي يكاصل حديثو )
المشرقي :كىكذا فالجميع يحسدكف مف ىك مثل الفارابي كابف رشد كابف سينا كالغزالي .كحتى الفقياء في
ِّ
الديف يركف أف ىؤالء أعمى مقامػاً مػنيـ كأكبػر قػدرة عمػى التفكػر فػي مػا كراء المحسكسػات .كيمكننػي أف
أقكؿ أنو إذا كاف األساتذة كالدارسكف يغبطكف ىؤالء الفقياء كالفالسفة فالمجمكع كمو إنما يشػتيي أف ي َػدؿ
ِّ
المشكككف عمى إثبات الخالق مف خالؿ إثبات الذات ،فالذات اإلنسانية قبل اإللو كىذا ىك المطمكب .كأما
في كجػكد الخػالق فيػـ أصػحاب الفضػل األكبػر فػي تحكيػل اتجػاه المكضػكع إلػى ىػذا االتجػاه فقػد قػدمكا لنػا
خدمة جميمة في ىذا الشأف .
(يسكت لمحظات ثـ يكاصل الحديث )
المشرقي :يمكنني أف أقكؿ أف صديقي المسؤكؿ الغربي األكركبي قد أخذ ىذه األفكار جػاىزة بعػد جيػكدي
المتكاصمة .إف ديكارت كاف يقكؿ ( :أنا أفكػر ،إذف أنػا مكجػكد ،إذف هللا مكجػكد ) .كذلػؾ ىػك عػيف مػا
قالو الفارابي ( :أنا أتفمسف مع أفالطكف كطاليس ػ أنا أثبت كجكد هللا ) .كلػيس لصػديقي اآلف مػف عمػل
سكى أف ينفذ في ( األنا ) بصكرة متكاصمة .
(يثب المسؤكؿ الغربي عمى قدميو مذعك اًر ،ثـ صرخ كىك يقكؿ )
المغربي :ىذا السخيف يستييف بجالئل أعمالي ! سيدي الرئيػس أطمب معاقبتو !
(يحدث ىيجاف شديد في قاعة المؤتمر ،فيسكنو الرئيػس بقكلو )
الرئيػس :بل أتركؾ ترد عميو .
(يستعيد المغربي ىدكئو ثـ يأخذ بالكالـ قائالً )
المغربي :إف ابف اإلنساف يفكر بنفس الطريقة كيكشؾ أف يتكصل إلى نفس النتائج كعمينا أف نعيػد كنجػدد
المكائد ..لقد شعر ديكارت بقكة عممي فأثبتو بخط يده ،كىذا يزعـ أف األشياء جاىزة فيػا لػو مػف جاىػل ،
يبدك أنو ال زاؿ مف عيد الفارابي عاطالً بال عمل !
المشرقي :ىذا تزكير إذ أف عشػرات قػد جػاءكا مػف بعػد الفػارابي كابػف رشػد ،متصػكفة كعرفػانيكف كأعمػاؿ
مضنية جسيمة ،فقد نقحت تسعة مجمدات لمشيرازي فػي اتحػاد ( الكجػكد بالمكجػد ) ،كأربعػة مجمػدات فػي
( الخمق بالحق ) كعشرات أخرى فػي الماىيػات كالمثػل كالصػكر كالتمػثالت كالعقػل .ككانػت ( اتحاد
األنا ) فييا منفكخة كبيرة ككبيرة بقدر رأسؾ ! كأال فقػل لػي ِّل َػـ كنػت تتكسػل إلػى القاصػي كالػداني مػف أجػل
ترجمتيا إلى المغات األكربية إذا كاف تفكير بني اإلنساف كاحداً كالجميع يبدءكف مف نفس النقطة
(يرد مسؤكؿ الشياطيف في أكربا بيدكء )
المغربي :ىذه التي تقكليا أليست تكسعاً في مفاىيـ مترجمة أصالً عف اليكنانية فإذا أقررت بػذلؾ فمنقػل
أنيا كانت متعبة لؾ كما ىي متعبة لي .
(يعمق رئيس الشياطيف قائالً )
الرئيػػػس :ىػػذا ىػػك الحػػل .فمكػػل شػػيطاف مػػنكـ فضػػمو كعممػػو كلتنتيػػي ىػػذه المجادلػػة إذ لػػيس الميػػـ ىػػك
استعراض األعماؿ فقط ،األىـ مف ذلؾ أف تفسركا فكر بني اإلنساف ،كأف تعممكا لماذا اتبعػككـ فػي بعػض
ما تكحكف إلييـ ،ألف عمينا أف نسبقيـ دكما ً ،عمينا أف نعمػـ كجيػيف ( الحقيقػة كعػدميا ) ،كنعمػـ لمػاذا
أعجبيـ األخذ بخالؼ الحقيقة في كقت أننا نقكـ بعرض كجو الحقيقة حينما نؤكد ليـ عمى خالفيا
المشرقي :أعتقد سيدي ػ كبحكـ عممي مع أنكاع اكثر مف الفمسفة أك ىكذا بعض بني اإلنساف يعتقػد ،إذ
ي ِّعػػد السػػحر كالكيانػػة كالشػػعر مػػف الفمسػػفة ( )1ػ إف مسػألة األلكىيػػة ىػػي المسػػألة المركزيػػة بالنسػػبة لنػػا
كلإلنسػاف عمػى حػ ٍػد سػكاء .فاإلنسػػاف أمػاـ طػػريقيف ال ثالػث ليمػػا مػف أجػػل الكصػكؿ إلػػى الممػؾ كالسػػمطاف
كالتحكـ في األشياء .كىذا اليدؼ ىك الرغبة التي ش ِّح َف بيا حينما خمق ألكؿ مرة ،شحنو هللا بيذه الرغبة
الجامحة ثـ كايػده بيػا كيػداً كقػاؿ لػو :ىػذا الممػؾ كىػذا السػمطاف كىػذه السػماكات كىػذه األرض كميػا بػيف
يديؾ ألني أستطيع أف أخمق أككاناً ال حصر ليا بال ركية كال تعب كال مركر زماف ،لكف عميؾ أف تمر إلػى
ىذا السمطاف مف باب الذؿ كالعبكدية كالخضكع لي كحدي ككحدي فقط ،كألجػل أف أشػبع رغبتػؾ فػي رؤيػة
نفسػػؾ عظيمػاً سػػأجعل مػػف جنسػػؾ أفػراداً مػػركا مػػف ىػػذا البػػاب فػػي زمػػف ال تدركػػو ،كأريػػؾ كيػػف يتحكمػػكف
باألشياء ككيف يسيطركف عمى الطبيعة .فكف حػذ اًر كمنتبيػاً إذ سػكؼ أكايػدؾ كأفتنػؾ ألنػي سػأجعل ىػؤالء
مثمؾ ال يختمفكف عنؾ ،يأكمكف مما تأكل كيمبسكف مما تمبس كيمرضكف كما تمرض كيمكتكف كمػا تمػكت
.كىذا التضاد في الفكرة نفسيا قد سبب لإلنساف مشكمة عكيصة ،كىك ال يستطيع التكصػل إلػى حميػا إال
حينما يتميز بصفاء تاـ .كيبدك أف ىذا ىك المطمػكب مػف الفكػرة كميػا .لػذلؾ فػإف اإلنسػاف يجػد ( مػرارة )
فػػي الكصػػكؿ إلػػى السػػمطاف مػػف بػػاب الػػذؿ كالي ػكاف ،كلكػػف حماقتػػو تبمػػد أحيان ػاً درج ػ ًة يتعػػرض فييػػا لمػػذؿ
كاليكاف كالخزي مع أبناء جنسػو مػف أجػل سػمطاف مزيػف حقيػر مشػكب بػالخكؼ كالترقػب .كلػنفس السػبب
سػػيدي الرئيػػػس يرغػػب اإلنسػػاف فػػي الكصػػكؿ إلػػى سػػمطاف الػػتحكـ كالربكبيػػة بشػػتى الطػػرؽ ككػػل عمػػى قػػدر
طمكحو كقدراتػو الذاتيػة .فالػذي ال يقػدر عمػى التأمػل العميػق كاسػتعماؿ األلفػا ربمػا يمػارس السػحر ألنػو
يشػػعره بػػتحكـ مباشػػر بالطبيعػػة كاألشػػياء بػػل كبعػػض أقرانػػو مػػف غيػػر مػػركر مػػف بػػاب العبكديػػة .كبعضػػيـ
يستيجف ىذا العمل أك يخشى االتصاؿ بنا ػ معاشر الشياطيف كالجف ػ فيرتقي في تأمالتو كتخدعو الطبيعػة
ذات األعماؽ ،إذ يتصكر أنو اكتشف فييا أسرار كخفايا ثـ ال يمبػث أف يػدعي دعػكات أكبػر ػ كىكػذا جعمنػا
كثيػػريف يػػدعكف اإلمامػػة كالقيػػادة ثػػـ إذا جمبنػػا ليػػـ اتباع ػاً اكثػػر ادع ػكا النبػػكة كبقفػػزة كاحػػدة ت ػراىـ يػػدعكف
الربكبيػػة ..ألف تمػػؾ سػػيدي رغبػػة الجمػػع الكثيػػر مػػف كلػػد آدـ .كيعمػػـ صػػديقي المس ػؤكؿ الغربػػي أف شػػيذ
الفالسفة أفالطكف ال يشذ عف ىذه القاعدة في شيء سكى أف المسألة خفيت قميالً داخل فضائل ( اإللو )
الػذي ىػك اإلنسػاف ػ الفيمسػكؼ ،لكنيػا ظيػرت بجػالء كبسػرعة فائقػة فيمػا بعػد .فعنػد أرسػطك أف الفمسػفة
تتصف بصفات ىي ( ركح التأليف كالجمع كالتكحيد ثـ التجريد كالسمك النظػري بمعنػى أف الفيمسػكؼ يرقػى
إلى أعقد المشكالت كأكثرىا عس اًر كأبعدىا عف الكاقع ثـ يتصف بامتناع الغرض بمعنى أنيا ال تنشػد منفعػة
بل تطمػب لػذاتيا ثػـ االسػتقالؿ كالتفػكؽ بمعنػى أف الفيمسػكؼ ال يخضػع ألحػد كال يحكمػو أحػد كأخيػ اًر صػفة
األلكىية فبيا أي بالفمسػفة نشػارؾ اآلليػة ألنػا نرقػى إلػى درجػة التأمػل الخػالص كالنظػر المحػض بػال غايػة
)( . )1كالصػػفات اإللييػػة كاضػػحة فػػي أعمػػاؿ أر سػػطك كأفالطػػكف ،فمػػـ يشػػأ أرسػػطك أف ينػػزؿ اإللػػو مػػف
عمياءه إلى األرض ليككف في كل جسـ إنساني كما فعل فالسفة اإلسالـ كالمسيحية فيما بعد ،كاف أرسطك
أكثػػر احترامػاً لمػػرب مػػف ىػؤالء إذ ال يجػػكز أف يكػػكف كػػل ىػؤالء الػػذيف يػراىـ تػػافييف أمامػػو آليػػة كأربابػاً ..
بصػفات
ٍ كعمى رأيو فػأف مػف يريػد أف يكػكف إليػاً فميصػعد ىػك إلػى هللا ك( يجمػس بجػكاره ) عمػى أف يتصػف
حسن ٍة قبل ذلؾ كمنيا امتناع الغرض مف التفكر فكما أف هللا يخمق كىػك غيػر محتػاج لمخمػق كيػأمر كينيػى
كىك غير محتاج لمطاعػة كغيػر متضػرر بالمعصػية فػإف الفيمسػكؼ يجػب أف يفكػر بيػذه الطريقػة فالفمسػفة
تطمب لذاتيا بال منفعة .
الرئيػس :لكنيـ ألفكا كتباً في تنظيـ المجتمع كالدكلة كالقانكف كعمػكـ الطبيعػة ككيفيػة االنتفػاع مػف أشػياء
كثيرة كتمؾ ىي فمسفتيـ فمماذا ربطكا الفمسفة بتمؾ األغراض .
اضػا ..فمػيس لػؾ أف تعتػرض عمػى أرسػطك
المشرقي :أىذا سؤاؿ أـ اعتراض عمى أرسطك فإف كػاف اعتر ً
ألف ىذا ىك المطمكب في النياية ،ماذا يعمل المرء إذا صػعد إلػى السػماء كجمػس مػع اآلليػة أال يتكجػب
عميػػو أف يػػرحـ الخمػػق حينيػػا كيشػػرع لي ػـ قانكن ػاً يحمػػييـ مػػف( العػػدكاف ) بعضػػيـ عمػػى بعػػض كيحقػػق (
العدؿ)( ،)1فمف ذا يحكـ العالـ إذا لـ يعطف عميو الرئيػس الفيمسكؼ كيحكمو .
(أك ليس الرئيػس ػ الرئيػس األكؿ في جنس ال يمكف أف يرأسو شيء مف ذلؾ الجنس مثل رئيس األعضػاء
عضك آخر رئيساً عميو ككذلؾ في كل في الجممة ،كذلؾ الرئيػس األكؿ لممدينة الفاضػمة
ٌ ال يمكف أف يككف
ينبغي أف تككف صناعتو ال أف يخدـ بيا أصالً كال يمكف فييا أف ترأسيا صناعة أخرى أصالً )(. )2
الرئيػس :أستطيع القكؿ أننا يجب أف ال نفتر رغـ ىذا النجاح الكبير في تككيف كخمػق جبػابرة كاسػتبدادييف
مف نكعيف :نكع مف االستبداد يحكـ بالسيطرة عمى األبداف بالسيف كنكع بالسػيطرة عمػى العقػكؿ بالفمسػفة
ككالىما يريد أف يككف بديالً هلل .
المشرقي :بالطبع سيدي فنحف ال نأمف مطمقػاً مػف اكتشػاؼ المعبػة .إف كشػفيا أيسػر مػف تػدخيف سػيجارة
بالنسبة لخدمييف لكف أممنا الكحيد ىك في أف األكثرية الكبرى مف بني اإلنساف ال تريد بمكغ السػمطاف مػف
باب العبكدية لإللو .
المغربي :أطرؼ شيء في المكضكع سيدي الرئيػس أف فالسفة الشيعة فػي ديػف اإلسػالـ ليػـ آراء مختمفػة
كانػػت يكم ػاً مػػا تحمػػل بعػػض الخطػػكرة كلكننػػا فيمػػا بعػػد جعمنػػاىـ يعتقػػدكف أف أرسػػطك كأفالطػػكف كسػػقراط (
حكماء )ال فالسفة ،كأثبت أىل األخبار فيما بعد أنيـ سمعكا ( البعض ) يقكؿ أنيـ كانكا ( أنبياء ) كلكف
لـ تذكرىـ الكتب المنزلة مف السماء !
(تضج القاعة بالضحؾ )
رجاء !
ً الرئيػس :كفكا عف الضحؾ
المغربػي :كلقػد نجحنػا كمػا تػرى فػي جعػل الفمسػفة تتحػدث باسػـ الحكمػة ألف األصػل فػي الحكمػة ػ حكمػة
الرسل أنيا نكع مف المعرفة تجعل الدخكؿ إلى السمطاف مف باب العبكديػة عػزة ككرامػة .كلػـ يقتصػر األمػر
عمى المشرؽ فػي انبيػاره بالفالسػفة كاطػالؽ أسػـ الحكمػاء عمػييـ بػل الغػرب يفتخػر عمػى الشػرؽ فػي أنػو
الكحيد الذي انفرد بيذه الحكمة(. ! )3
المعػػاكف :حينمػػا تكػػكف الحكمػػة الحقيقيػػة ىػػي الحصػػكؿ عمػػى الممػػؾ كالسػػمطاف مػػف بػػاب العبكديػػة تكػػكف
الفمسفة ىي الحصكؿ عمى ىذا الممؾ مف باب ( الممؾ ) ،كىي لعبتنا األكلػى مػع آدـ فػي ( ممػؾ ال يبمػى
)( )1ظيرت باسـ ( الخدعة الممككية ) عند أفالطكف كالتي يسمييا ( ديكرانت ) الكذبة الممككية .
أحػػد الشػػياطيف :الجميػػع يعممػػكف ذلػػؾ سػػيدي ،بيػػد أف ذلػػؾ يغػػرييـ بمزيػ ٍػد مػػف اإلغػراء كاذا ذكػػركه ذكػػركه
فخكريف ( :فقد استمدت السياسة الكاثكليكيػة الكثيػر مػف ( كذبػة أفالطػكف الممككيػة ) أك تػأثرت بيػا .إف
فكرة جينـ كاألعراؼ كالمطير كالجنة في أشكاليا التي عرفت بيا في القركف الكسطى مسػتمدة مػف الكتػاب
األخير مف جميكرية أفالطكف .كبيذا المبدأ تمكف رجاؿ الديف مف حكـ أكربػا بسػيكلة كبػدكف المجػكء إلػى
القكة كقبمت الشعكب طكعاً تقديـ المساعدات المالية لحكاميا ،لمدة ألف سنة تقريباً )(.)2
المشرقي :إف الفكرة تكرر نفسيا سيادة الرئيػس كخمط الحكمة بالفمسفة أدى إلى ثمار عظيمة ففػي الكقػت
الذي بدأنا فيو بصنع نمػكذج آخػر لمممككيػة ظػاىره القضػاء عمػى االسػتبداد كباطنػو ىػك اسػتبدالو باسػتبداد
اكبػر ،أعمػف الػبعض أف ىػػذا النمػكذج ( اسػتبدادي ) مائػػة بالمائػة ،بينمػا ىػك فػػي نظػر آخػريف أفالطػػكني
ديمقراطي مائة بالمائػة ،ألنيػـ أركا ( أف الحػزب الشػيكعي الػذي حكػـ ركسػيا بعػد عػاـ 1917اتخػذ شػكالً
شبيياً بما جاء في جميكرية أفالطكف لدرجة تدعكا إلى الدىشة )()3
(يطمب مارد الشماؿ األذف بالحديث فيكافق الرئيػس )
مارد الشماؿ :بالنسبة لػي فػال أعػاني مػف أي مشػقة كأشػعر دكمػاً أف بنػي اإلنسػاف ىػـ الػذيف يخػدمكنني
كيقدمكف لي عركضيـ لممكافقة عمييا ،كفي جميع األكقات ( َيصدؽ ) حدسي كظني فييـ .
الرئيػس :أنت دائماً تبػالد كال أشػتيي سػماع أحاديثػؾ ،كلػك تسػمعت إلػى فقػرة مػف كتػاب مػف كتػب الرسػل
لكليت ىارباً كلك كاف القارئ في الجنكب كأنت في الشماؿ .
مارد الشماؿ :ىذه مسألة نفسية سيدي ،كمنا فييا سكاء فكـ مف مرة غضبت كطػردت مػف يػذكر فقػرة مػف
القرآف أك اإلنجيل أك الزبكر في االجتماعات .
الرئيػس :تباً لؾ يا خبير النفكس ! أنػا شخصػياً ال أخػاؼ مػف تمػؾ القػراءات إنمػا أخشػى عمػيكـ مػف ىبػكط
الشعكر بالتفكؽ عمى بني اإلنساف .يا شيطاف الشرؽ اذكر لي شيئا يسرني فقد أزعجني ىذا المارد .
المشرقي :نعـ سيدي األخبار في ىذا الصدد ال تسعيا المجمدات الكثيػرة ،كيكفػي أننػي قػد جئػت قبػل فتػرة
مف جكلػة فػي أنحػاء الشػاـ كالعػراؽ كالمشػرؽ اإلسػالمي كرأيػت النػاس ىنػاؾ مبتيجػيف كمسػركريف بقػراءة
كتػػاب جديػػد أثبػػت فيػػو مؤلفػػو أف الفالسػػفة الغػػربييف يؤمنػػكف بكجػػكد ( هللا ) كأف بعضػػيـ قػػد أثبػػت كجػػكده
فعالً(!! )1
الرئيػس ( مقيقياً ) :ىذه ىي األخبار المفرحة حقاً !
المشرقي ( متابعاً ) :كىذا األمر أي ( اإلنساف ػ اإللػو ) أغرينػاىـ باعتمػاده فػي جميػع التفاصػيل المتعمقػة
بمنطق الكالـ ،فالمسيحي اكتفى بأف يككف اإلنساف ىك الرب كأف الرب ىك ابف اإللو كاختمط الثالثة بػركح
القػػدس بحيػػث أننػػا تركنػػاىـ يتخبطػػكف ال يعممػػكف مػػف ىػػك اإللػػو كمػػف ىػػك اإلنسػػاف كمػػف ىػػك الػػركح .كأمػػا
المسممكف فقد قمبنا األمر ،فبدالً مف أف يككف النبي عندىـ قد أثبت نبكتو بالقرآف جعمناىـ يستدلكف عمى
أف ىذا القرآف مف هللا انطالقا مف أف النبي قد ذكر ذلؾ .
الرئيػس :ككيف يعممكف أف النبي كاف نبياً
المشرقي :ألف تمؾ سيدي ىي بغيتنا مػف األمػر فيػك اآلف عنػدىـ رسػكؿ بمعجػزة ،كدليػل المعجػزة ىػك أف
قائميا كاف رسكالً ،كدليػل رسػالتو ىػك نفػس المعجػزة ،فأمكننػا ذلػؾ مػف فصػل اإلنسػاف عػف اإللػو تمامػاً ،
فاسػػتقل بنفسػػو كمعجزتػػو .كأنػػت تعمػػـ مػػا يفعػػل ذلػػؾ مػػف تشػػكيؾ كتراجػػع فػػي إيمػػانيـ ،فميمػػا ذعػػرت مػػف
كمزيف كمياً ،فقد أعدنا المعادلة كميا إلى ما كنا
ً منخكر
ٌ مظاىر ىذا اإليماف الشكمي فأعمـ انو في داخميـ
نشتيي :ػ اإلنساف ىك كل شيء كاإلنساف مقابل اإللو ىك الو آخر ػ اإلنساف ىك الذي يحكـ اآلف بشريعة
النبي ،كىك الذي يحدد معاني كالمو كما كرد في معجزتو ،كاإلنساف ىك الذي يحكـ عمى صحة كالمو أك
صحة نسبتو إليو ،كاألىـ مف كل ذلؾ ..اإلنساف ىك الذي يحكـ بشرع النبي ! ىػذا إف كجػد إنسػاف يحػب
النبي كيقدس شرعو بحماس كبير .
المغربي :كمف اجل ذلؾ فانيـ يتقبمكف فمسفة الغرب ألنيا في الكقع فمسفة الجميع .
الرئيػس :مف عادتي أف ال أطمئف تماماً رغـ كل ما قالو المشرقي .ألف ىنػاؾ اتجػاه أك أكثػر ال زاؿ يحمػل
المشرع ،كال يمكف
َّ المشرع يعيف الحاكـ بنفس القانكف
ِّ خطكرًة كامنة كىك االتجاه الذي يصر عمى مبدأ أف
أف يأتي الناس بالحاكـ الذي يحكػـ بالقػانكف ليعينػكه خالفػا لمقػانكف .كربمػا ينتبػو الػبعض إلػى البحػث فػي
الكتب المنزلة عف القانكف الذي يتـ بمكجبو تعييف الحاكـ .
المعاكف :إذا تسمر لي سيدي فأنا أجيب عمى ذلؾ ألطمئف سيادتو .أكالً إف ىذا االتجاه ال يفيػـ المسػألة
بالطريقة الحكيمة التي ذكرتمكىا ،إنما يفيميا عمػى أنيػا كصػايا كركايػات مػف أصػحاب الرسػاالت .كثانيػاً
أف ىذه الكصايا عرضة ليجمات متكررة مف األكثرية .كثالثاً إف أصحاب ىذا االتجاه ىـ أقمية ضمف أقميػة
ضمف أقمية ثالث مرات كىـ مف الذعر بحيػث ينكػركف أحيانػا إف تكػكف ليػـ مبػادئ مثػل تمػؾ .كرابعػاً كىػك
األىـ أف األشياء عندىـ مختمطة مع بعضيا ! فبشأف الجنػة كالنػار كمسػتقبل العػالـ فيػـ يػركف كغيػرىـ أف
ِّ
المحقق لمخالص ىك بعد نياية العالـ ال قبميا ! الكعد
(تسمع ضجة مف أحد جكانب القاعة )
الرئيػس :ما ىذا الضحؾ .إننػا ىنػا لنعمػل ال لنضػحؾ ! ..ثػـ أف قكلػؾ ىػذا فيػو مبالغػة ،فالتقػارير التػي
لدي تقكؿ أف بعضيـ ينتظر خالصاً قبل نياية العالـ .
المعاكف :ىذا صحير ،لكف لك دققت في أمد الخالص كمدتو لكجدتيما شيئاً غير ذي قيمة بالنسبة لعمر
الككف .احسف الركايات تقكؿ سبع سػنيف ،أك تسػعة عشػر .فػالميـ ىػك مػا يرتكػز فػي األذىػاف مػف فيػـ
عف الغاية مف خمق الككف .المرتكز عندىـ كالمرتكز عند جميع الناس :إف الخمق عبارة عػف ( عبػث ) ،
كنحف بالطبع ال شأف لنا بالمظاىر ،فإف مظاىر التقكى كالصالح ىي عنػد كثيػريف لػك قػدر ليػـ أف يػدخمكا
الجنة جميعاً لما امتألت جينـ .
المغربي :إف ما يقكلو صاحبي صحير سيادة الرئيػس ،فإف الرجل الطيب ( سبينك از ) لـ يشأ إنكار ( هللا
) فجعمو القانكف المكجكد في الطبيعة ،كحينما انتقد عمػى ذلػؾ قػاؿ ( :أخطػأ فيمػي أكلئػؾ الػذيف يقكلػكف
أف غرضػػي ىػػك أف أبػػيف أف هللا كالطبيعػػة شػػيء كاحػػد ،ألف القػػائميف ذلػػؾ يفيمػػكف مػػف لفػ الطبيعػػة كتمػػة
معينة مف المادة المجسدة ،إنني ال أقصد ذلؾ )1( . ) .
الرئيػس :كىل أكضر مف ىك هللا كما الفرؽ بينو كبيف الطبيعة
المغربي :نعـ بالتأكيد أكضحو ىكذا ػ ككنت يكميا كاقفاً عند رأسو ككاف قممو يرتعش حيث كتب ػ ( كىػذاف
العقػػل كالجسػػـ ىمػػا الكجيػػاف أك الصػػفتاف المتػػاف بيمػػا نػػدرؾ عمػػل الجػػكىر الػػذي ىػػك هللا ( أك هللا ) (، )2
كبيذا المعنػى يمكػف أف يقػاؿ أف هللا كىػك الحقيقػة األبديػة كراء تػدفق األشػياء لػو عقػل كجسػـ .فػال العقػل
كحده كال المادة كحدىا ىي هللا ،كلكنو العمميات العقمية كالعمميات الذرية التي تشكل تاريذ العػالـ المػزدكج
،ىذه كأسبابيا كقكانينيا ىي هللا )(.)1
الرئيػس :نعـ ! لقد أكضر ليـ المسألة بطريقة لف يسيء بيا أيما أحد فيمو مستقبالً !! ..
المشػػرقي :برأيػػي إف أكثػػر الفالسػػفة تكاضػػعاً مػػع هللا ىػػك ( سػػبينك از ) ،كىػػك مثػػاؿ صػػالر لمطيبػػيف جػػداً
كالمتكاضعيف جداً مف أصحاب االتجاه الذي يخيفؾ ،فالبعض مف غير ىؤالء يريد الصعكد ليككف مع اإللو
الكاحد أك في مصاؼ اآللية ،كالبعض اآلخر أنزؿ هللا ليككف في اإلنساف .كأمػا المتكاضػعكف فقػد قػالكا (
هللا كالكجكد كاحد ) أك ( هللا كالخمق كاحد ) أك ( هللا كالقانكف كالمادة كاحد ) أك ( هللا كالعقل كاحد ) .كفي
جميع ذلػؾ يظيػر ( أنػا اإلنسػاف اإللػو ) ،فيػك أمػا أف يكػكف إليػاً أك يشػارؾ اإللػو ،أك إذا كػاف فػي غايػة
التكاضع فإنو يدرس هللا كمكضكع ،كال بد أف يحدد في النيايػة مػف ىػك هللا ألف غايتػو ليسػت معرفػة اإللػو
بقػػدر مػػا ىػػي رغبتػػو فػػي مشػػاركتو أك مماثمتػػو بخػػالؼ العػػالـ الطبيعػػي الػػذي تعجػػزه الظػػاىرة فيعتػػرؼ أنػػو ال
يعمميا ،ألف العالـ الطبيعػي يػدرس الظػاىرة بصػفاء كخمػكص نيػة كغرضػو المعرفػة فػال يخػدع نفسػو ،أمػا
الفيمسػػكؼ فغرضػػو المشػػاركة ال المعرفػػة .كأكثػػر المػػؤمنيف بػػاهلل ىػػـ عمػػى ىػػذه الصػػفة فيػػـ يػػدعكف أنيػػـ
شركاء هلل أك ىـ مشرككف بو فعالً أك يرغبكف في مشاركتو عمى نحك ما تكحيو ليـ أكىاميـ(. )2
مارد الشماؿ :كما ىي حقيقة األمر في ىذا المكضكع
المشرقي :الذي أعرفو ىك إف هللا قاليا :ػ أنا اإللو ليس ىناؾ مف الو غيري اخمق ما أشػاء كالػذي اخمقػو
عرؼ .كبيػذا تميػزت عػف كػل مػا اخمقػو ألنػي إذا ع ِّرفػت صػرت مكضػكعاً ككنػتاعرفو كال يعرفني ،أنا ال ا َ
مخمكقا ً ،فأنا الكحيد الذي ال يمكػف معرفتػو .كىػذه ىػي تمػاـ معرفتػي ال يتميػا إال استشػعار حيػاتي كفنػاء
غيري .فمف عرؼ فناءه كحياتي كعرؼ أنو ال يعرفني فقد سمحت لػو بػأف يقػكؿ أنػو عرفنػي ،كمػف أصػر
عمى ادعاء معرفتي كذات أك مكضكع فقد تجبر كاستكبر كعتا عتكاً عظيماً فأكبو عمى النػار ػ قاليػا فػي كػل
شيء .
الرئيػس :كفى كفى خطباً مف ىذا النكع ..نحف نناقش ما يقكلو الفالسفة ال ما يقكلو هللا فميفيـ مف يفيـ
كمف ال يفيـ فإلى حيث …في كل مرة ِّ
يسبب لي أحد المػردة إزعاجػاً ،فميػت المغربػي يحػدثني عػف ( دافيػد
( جكرج بركمي ) كي ترتاح نفسي . ىيكـ ) أك
المغربي :إنيـ في دكامة جارفة سيدي الرئيػس ! إنيا دكامة اعنف قكة كأعمػى زفيػ اًر مػف الدكامػة التػي فػي
كسط الشمس .فحينما قاؿ ( لكؾ ) :إف المادة ال تكجد سكى كصكرة في العقل ( تمقفيا ) بركمػي ،مثممػا
تمقف مف ىك قبمو كرات ضربيا السابقكف فدفعكىا كاندفعكا خمفيػا ،كلػـ يالحظكىػا حينمػا ارتطمػت بالسػكر
العظيـ ،فاصطدمت رؤكسػيـ بػو ثػـ سػقطكا كظمػكا ىنػاؾ سػاقطيف تحػت الجػدار كرافضػيف العػكدة كنػاكريف
لكجكد الجدار حتى كافتيـ المنية .تمقفيا ( بركمي ) كركض خمفيا ،ألنو أضاؼ شيئاً آخػر مفػاده أف اليػد
المشمكلة لك ضربت بمطرقػة فػال تحػس بػاأللـ ،فاإلحسػاس إذف نسػبي ،كاذف فشػعكرنا بالمػادة ىػك شػيء
عقمي محض كبالتالي فال شيء سكى ( العقل ) .
الرئيػس :إذف عاد بركمي مثل الحالج كابف عربي ليقػكؿ أف هللا ىػك العػالـ كلمػا كػاف لػيس لمعػالـ كجػكد إال
بإحساسي العقمي فيذا العقل ىك ( أنا ) كالنتيجة أنني إذا قمت ( أنا ) أك قمت ( هللا ) فال فرؽ .
المشػػرقي :لقػػد قػػاؿ سػػبينك از عبػػارة يمكػػف أف تجمػػػع الػػذيف أرادكا أف يككنػػكا آليػػة مػػف غيػػر أف يصػػػعدكا
كالمجمكعة األفالطكنية أك ينزلكا اإللو كالمجمكعة النكحية كالمسيحية كالييكديػة ،بػل يبقػكف جامػديف فػي
مكانيـ .
الرئيػس :ما ىي تمؾ العبارة
المشرقي :العبارة ىي ( إف الطبيعة فاعمة كمنفعمة في كقت كاحد ) .
الرئيػس :ىذه عبارة عظيمة ! أىي مف إمالءنا أـ مف ابتكاراتو لشػد مػا تعجبنػي تمػؾ العبػارات التػي ىػي
نحك محدد ككاذبة في األنحاء األخرى فتختمط بيا األشياء .
صادقة عمى ٍ
المشرقي :سيدي الرئيػس إنؾ تعبر عف األشياء بدقة ،الحقيقة أنيا مف ابتكاراتو .كحينما تجتمع عبارتػو
مع أزلية المادة فالناتج إف اإلنساف فاعل أكؿ كامف فييا ،كمنفعل متأخر عنيا .كمعنى ذلػؾ إف اإلنسػاف
ىك ( اإللو الفعمي ) .
المعاكف :ىل لممغربي أف يكضر لنا ما الذي أضافو بركمي
المغربي :سيدي الرئيػس .أنػت تعمػـ أف هللا كػاف كمػازاؿ كلػـ يكػف معػو شػيء أك كػكف .كاإلنسػاف ػ اإللػو
الػػذي صػػنعو سػػبينك از أزعػػج تػػأخر ظيػػكره فػػي العػػالـ مشػػاعر بركمػػي ،كلمػػا كػػاف ال يمكػػف لبركمػػي أف يفنػػي
المكجػػػكدات ك( يزيػػػل الجبػػػاؿ ) ليبػػػرىف أف ( اإلنسػػػاف ػ اإللػػػو ) بػػػاؽ كدائػػػـ تمامػػػاً مثػػػل هللا ،فقػػػد ألغػػػى
المكجكدات نظرياً كأبقى عقل اإلنساف .
الرئيػس :الحقيقة أف نفسي ترتاح ليذا الرجل كثي اًر ،كيؤسفني جداً مكتو ،لقد جمب لنفسي السػركر أكثػر
مما كنت اشعر بو دكماً عند دخكلي قصر فرعكف ،كرؤيتي لمناس كىـ بيف راكع كساجد .
المغربي :كأما طريقتػو فقػد تميػزت بالبسػاطة كالكضػكح :مثػاؿ المطرقػة كاليػد المشػمكلة يبػرىف عمػى نحػك
كاضر ال يستطيع الكثيػر مػف بنػي اإلنسػاف تمييػزه أف المػادة عبػارة عػف إحساسػي العقمػي باألشػياء ،كاذف
فميست ثمة أشياء سكى ما ىك في عقمي .
الرئيػس :ككيف عممت أنيـ ال يميزكف إنؾ لك كصمت إلى عمانكئيل كانط فستجد األمر مختمفاً .
المغربػػي :لػػف يختمػػف كثي ػ اًر سػػيادة الرئيػػػس .فمػػثالً إف أحػػد الش ػراح كصػػف إبقػػاء ( بركمػػي ) عمػػى عقػػل
اإلنسػاف كالغػػاءه المػادة بأنػػو نػكع مػػف الشػفقة عمػػى العقػل غيػػر مػدرؾ لممخطػػط بكاممػو( . )1إف سػػبينك از (
المتديف ) الذي أعمف أنو يحب المسير كثي اًر كيقدره كثي اًر لـ يقدر عمى الصعكد إلى السماء ،كال عمى إنزاؿ
إلػو السػػماء إلػى األرض ،فتكجػػو تمقػػاء المسػير لينفػػي عنػػو صػفة الربكبيػػة كالبنػػكة هلل ،لػيس ألنػػو أصػػبر
فجأة قديساً مثل بكلص كما زعـ ،بل ألنو كجد أف بنكة المسير هلل ال تجدي نفعاً فػي جعػل سػبينك از إليػاً .
فقد مر ألفا عاـ كلـ يكف ىناؾ رب ىك ابف هللا سكى رجل كاحػد ىػك المسػير ،فػإذا كػاف المسػير بمػد ىػذه
الرتبة ( بعقمو ) فعقكلنا ليست قاصرة كأما القمب فيك مضخة دـ ال غير .كاذا كاف فػي القمػب شػيء فقمػب
( العقػل ) ػ عقػل اإلنسػاف سبينك از ( الحنكف ) ال يقل ما فيو عما في قمب المسير فمػيكف إذف
ىك اإللو ،بيد أف اإللو الحقيقي ىك عقل جمػاعي ػ كمنػو بػالطبع عقػل ( سػبينك از ) ،فيػك كالجسػـ الػذي
يحكي القمب يتفػاعالف كيتكلػد أحػدىما مػف اآلخػر كىمػا فػي النيايػة صػكرة هللا .كػاف البػد إذف مػف تفسػير
النصػكص فػي التػػكراة كاإلنجيػل عمػى أنيػػا ( مجػازات كاسػتعارات كاشػػارات )( )2يتكجػب فيميػا فػػي كػل مػػرة
بطريقة تالئـ ما نتكصل إليو مف كشف لتمؾ العالقات المتفاعمة .
الرئيػس :شيء جميل أف يككف سبينك از حاقداً في داخمو عمى المسير كل ىذا الحقد .
المغربي :إذف فبركمي محق .قسـ سبينك از اإللو عمى كل العقكؿ كاألجساـ كليذا فيك يمعنو قائالً :تباً لػؾ
يا سبينك از كـ ستككف حصتي مف األلكىية سأعيد القسمة كسأحظى بقسػمة أكبػر .سػألغي أكال األجسػاـ
ثـ أختصر كجكد العالـ الذي ىك صكرة هللا في العقكؿ الجبارة ،كستككف حصتي مف األلكىية أكبر .تباً لؾ
فقد أخذت منا كل ما منحو أفالطكف لمفالسفة مف ألكىية كما أبقيت إال الضئيل جداً منيا .
الرئيػس :أنتـ تعممكف أني أحضر جميع المؤتمرات العامة لمشياطيف بحكـ مػكقعي الرئاسػي كمسػؤكؿ دائػـ
لػ ( فريق إلغاء الحكمة ) في األرض الثالثة ،كمنيا مثالً مؤتمر ( تأجيج الحركب كسػفؾ الػدماء ) ،لكنػي
في الكاقع أجد متعتي كاطمئناني في المؤتمرات الثالثة ( المػؤتمر المغػكي السػري ) ك( مػؤتمر تػدمير الفكػر
الديني ) ك ( مؤتمر التاريذ ) .كلكف أكثرىا متعة بالنسبة لػي مؤتمرنػا الحػالي ألف خطكطػو تػكحي بجميػع
ذلؾ .
المشرقي :عمى الرحب كالسعة سيدي الرئيػس كستجد دكماً ما يسرؾ ،فػإف لػدينا تقريبػاً جميػع المعمكمػات
الخاصة بتمؾ المؤتمرات بحكـ عممنا الفمسفي المتنػكع باسػتثناء الفريػق المغػكي فػإف معمكماتنػا عنػو ضػئيمة
لمغاية .
الرئيػس :إني أفيـ تمميحؾ كأتذكرؾ جيداً .أنت تريد حضكر المؤتمر المغكي كقد أشرت عمى ما أتذكر إلى
الشيء نفسو عند تأسيس المؤتمر العاجل بعد مكت ( إبراىيـ بف اليعازر ) ،كأذكر أيضػاً أنػؾ ألححػت فػي
الطمب في مػؤتمر الصػحراء السػفمى كمػؤتمر ( بكرسػيبا ) الػذي انعقػد مكازيػاً لػػ ( كامػب السػنيدريف ) .آه
ذكرتني بأشياء لطيفة ،فقد كانت جكلتي طكيمة كرأيت ( دانياؿ ) مكبالً بالحديد .
المشرقي :بمد عمري سيادة الرئيػس خمسيف ألف سنة .
الرئيػس :أنا اقدر أعمالؾ كمكاىبؾ العظيمة ،لكنؾ تعمـ أف جالئل أعمالنا كمكاىبنا ىي فػي النيايػة عالػة
عمى ( الفريق المغكي ) ،كتحديداً عمػى سػريتو كلػذلؾ اقتضػى النظػاـ أال يحضػره أحػد إال بمكافقػة شخصػية
مف القائد كالرئيس األعظـ المنظكر باهلل إبميس األبالسة .
(يردد الحاضركف جميعاً :باقيف باقيف أبد اآلبديف ػ بعيد بعيد ػ ما يكعدكف .ثـ يضػحؾ المشػرقي كيقػكؿ
)
المشػػرقي :أنػػا مػػثالً أعمػػـ أف المبتػػدأ مرفػػكع ،كالخبػػر كػػذلؾ ،فممػػاذا أقػػره المػػؤتمر المغػػكي ىكػػذا بخػػالؼ
القكاعد العربية تحديداً باقيف كليس باقكف !
الرئيػس :يا جاف …إف بعض الصيد كالمقررات حتػى جنػابي ال يخبركنػي بيػا …لكنػي سػأحاكؿ ترشػيحؾ
لحضكر المؤتمر المغكي تحت االختبار مرة كل خمسمائة عاـ !!
المشرقي :شك اًر سيدي ..إني أريد فقػط أف أعػرؼ سػبب السػرية كالكتمػاف حػكؿ عمػل الفريػق المغػكي ىػذا
ألجل أف أككف في داخل نفسي مؤيداً لأل كامر ر ٍ
اض بيا كل الرضا كالقبكؿ .
(يمتفت الرئيػس إلى شيطاف المغػة لمقػارات السػبعة كأنػو يطمػب منػو رأيػو بالمكضػكع ،فيػكم لػو بالمكافقػة
عمى االستجابة لطمب المشرقي فيقكؿ )
الرئيػػس :حسػناً …ال ضػير فػي ذلػؾ كليسػمع الجميػع أيضػاً .إف العػيف ال تػرى هللا كلكػف األذف تسػمعو ،
فأسم َع مف أراد أف يكممػو .ككالمػو كصػل إلػى األرض .أكصػمو رغػـ أنػف الجميػع ،كالنػاس
َ ألنو قد تكمـ
يتكممكف كنحف نتكمـ ،كانما تحصل المعرفة بالكالـ ألنو ىك األداة .فمف ىنا جاءت سرية العمل المغكي .
شػبر عمػالؽ بمػا
ٌ (انفتحت البػاب السػكداء فجػأة كدخمػت شػبو عاصػفة فػي حػيف ظيػر فػي كسػط المػؤتمر
يكفي ألف يضرب برأسو السقف ،فارتعب الرئيػس كصاح )
الرئيػس :ما ىذا ! أيف الحرس !.
المعاكف :مارد الجنكب سيدي ! ىذا مارد الجنكب كىك دائـ التأخير سيدي .
(يصرخ الرئيػس بحدة )
الرئيػس :أيف كنت
(يشير المعاكف إلى المارد بأف ال يتكمـ ثـ يخاطب الرئيػس )
المعاكف :سيدي الرئيػس إنو مارد مزعج كدائـ النكـ .أحسبو كاف نائماً ،ككمما نبيتو يكرر نفس العذر :
ال يكجد في جنكب أفريقيا فالسفة ال يكجد في أستراليا فالسفة …ال يكجد في جزيرة سيالف فالسفة …
(تظير عالمات البيجة عمى كجو الرئيػس كيقكؿ مخاطباً مارد الجنكب )
الرئيػس :اجمس اجمس تعجبني حركتؾ النشيطة .كـ ىك عمرؾ يا جاف
الجنكبي :أنا كنت في الكسط كال أتذكر كـ ىك عمري ،لكف آصف بف برخيا ىػك الػذي َّ
دمػر مػا كنػت آممػو
مف زعامة الشياطيف .
(تبدك الدىشة كالسركر عمى الرئيػس )
ما الذي فعمو آصف ىذا أىك آصف سميماف أـ ىك غيره الرئيػس :كيف
الجنكبي :بمى سيدي إنو ىك بعينو الرجػل الػذي يجمػس فػي جػكار سػميماف فػي باحػة الييكػل .أال تعرفػو
حػرؼ
ٍ سبحاف هللا كل الجاف يعرفكنػو ،إنػو الرجػل الػذي يعمػـ معنػى أحػد الحػركؼ …ال أدري يػا آصػف أي
ىذا الذي حطمتني بو
الرئيػس :ما ىي القصة
(خالؿ ما يسأؿ الرئيػس فإنو يرمق المشرقي مف طرؼ خفي كيراه منقبضاً )
الجنػػكبي :لقػػد طمػػب سػػميماف ذات مػػرة أف يػػؤتى بعػػرش ممكػػة سػػبأ ،فقػػاؿ عفريػػت مػػف الجػػاف مػػف أتبػػاع
سميماف أنػو سػيأتيو بػالعرش قبػل أف يقػكـ مػف مكضػعو لقكتػو كسػرعتو ،ككػاف رئيسػي ( كنباثػا ) يتنصػت
عمى المحاكرة مف خالؿ الجكاسيس ،فنظر مػف حكلػو فممػا رآنػي تفاىمنػا بسػرعة مػف خػالؿ النظػرات عمػى
أننػػي إذا حطمػػت ىػػذا العفريػػت فػػي الطريػػق كأخػػذت العػػرش منػػو ،فإنػػو سػػيمنحني لقػػب رئػػيس المػػردة فػػي
األرض الثالثة كميا ،فما أتممت التفػاىـ حتػى نػادت الجػاف ممػف ىػـ معػي :يػا نػائـ يػا غافػل العػرش عنػد
سميماف ! كحتى المارد ( كنباثا ) ذعػر ذعػ اًر عظيمػاً كلػـ نصػدؽ حتػى ألقينػا عميػو نظػرة ،كذلػؾ فػي الجػزء
الخامس كالسبعيف مف المئة مف الثانية التي تمت انتياء كالـ العفريت .ثـ سألت مػف فعػل ذلػؾ فقػالكا :
قالكا :بالحرؼ الذي عنػده .رئػيس الشػياطيف نفسػو ال يػدرؾ معنػى ذلػؾ كمػو كال يػدري مػا آصف .كيف
معنى أف يككف عند المرء حرؼ .
الرئيػس :ىكف عميؾ يا جاف ! المستقبل كمو أمامؾ .
الجنكبي :مف أجل ذلؾ أصبحت كثير النكـ ألنيـ نادكني يا نائـ كأصبحت متغافالً لقكليـ يا غافل !
الرئيػس :إف الحضارة كالثقافة تزحف إلى الجنكب كسػتزحف معيػا الفمسػفة كسػتركف ىػذا النػائـ المتغافػل
كحينئذ فإني أنا الذي سيعينو رئيساً لممػردة .أمػا الػذيف ىػـ مثػل آصػف فسػكؼ يمضػي كقػت
ٍ ما سيفعمو .
طكيل حتى يأتي أحدىـ كربما لف يأتي ،ألف بني اإلنسػاف اليػكـ كحسػب مػا رأينػاه مػف تطػكرات ال يريػدكف
العمـ الذي يأتي مف هللا .إنيـ يريدكف العمـ الذي تكشفو عقكليـ .ألف العمـ الذي يأتي مف هللا لو بػاب ال
يفتر إال بمفتاح الذؿ كالعبكدية هلل ،لذلؾ فالمتدينكف أنفسيـ كعمماء الديف ذاتيـ ىـ مف أكثر الخمػق بعػداً
عف كلكج ىػذا البػاب ،ألننػا نػراىـ بػأـ أعيننػا يتكممػكف نيابػة عػف هللا كيشػرعكف باسػمو كيفسػركف كالمػو
بكالميـ كيقترحكف بالنيابة عنو مقترحػات كثيػرة ،كيدرسػكنو كمكضػكع أك ذات ممكنػة التفسػير ،كيقمبػكف
أشياءه كميا بالمقمكب كيضعكف عمييا ركاما مف عقائدىـ كرغباتيـ كىكاجسػيـ .فينػاؾ إلػو معػيف ككتػاب
معيف كرسكؿ معيف لكل كاحد منيـ كاف تشابيت األسػماء كتكحػدت قبمػة الصػالة كاتفػق صػكت األذاف كدؽ
الناقكس ،ألنؾ تستطيع أف تختبرىـ في الحرب كفي الفتنة كفي سفؾ الدماء ،كتختبرىـ أيضاً عنػد الجػدؿ
ػاؿ
ػاء كالكتػػاب زبػػر كالسػػنف رجػ ٌ
كالنقػػاش لتحصػػي مقػػدار االفت ػراء كالكػػذب .فػػالحجيج ضػػجيج كالصػػالة مكػ ٌ
فرع كالفرع
كلي ،كاألصل ٌ قدر ،كالماؿ حظك ٌ ،كالحاكـ ٌّ جبر كالخير ٌاختيار ،كالشر ٌٌ كالقضاء قياس كالحكـ
ظػػف ،
أصػػل كالمسػػتحبات ضػػركرات ،كالكاجبػػات مترككػػات ،كالعمػػـ طاقػػة ،كالمعرفػػة تقميػػد ،كاالجتيػػاد ٌ
ٌ
غمػك ،
أكاذيػب ،كالصػدؽ ٌ
ٌ كاآليات تفسير ،كالبينات مجػاز ،كاألمثػاؿ اسػتعارات كالمغػة مرادفػات ،كاألرزاؽ
إلى أشياء كثيرة جداً فابشر يا جاف ثـ أبشر إذا حفظت خطبتي كما يقػاؿ فػي ىػذا المػؤتمر فإنػؾ بفضػل مػا
تفعمو مف تعاليـ مع ىؤالء القكـ الذيف ىـ بيذه الصفة فتزيد مف غييـ كتزييف أعماليـ فسػيككف لػؾ شػأف
كبير في مجمع الشياطيف .
ٌ
بحػرؼ فعمػت .
ٍ شػئت أف أعيػد خطابػؾ حرفػاً
َ شرت بكل شر كطاؿ عمرؾ يػا سػيادة الرئيػػس كاذا
الجنكبي :ب َ
كسأدرب نفسي مع شيطاف المشرؽ لمسيطرة عمى ىؤالء القكـ حتى يظير فيمسػكؼ فػي جيبػكتي أك سػدني
أك جكىانسبيرغ ! .
الرئيػس :كفقت لكل شر يا جاف ،كاني إنمػا أناديػؾ بيػذا االسػـ ألنػؾ صػكرة مركػزة لكػل جنػي كاف كنػت ال
أعمـ اسمؾ الحقيقي .
الجنكبي :اسمي الحقيقي يا سيدي ىك ( مكنادك ) !
(رفع الرئيػس عينيو كحاجبيو كأدار رأسو ببطء ناحية ( الشيطاف المغكي ) كحينما رمقو األخيػر تبسػـ كىػز
اف قيقػو الرئيػػس بصػكت
رأسو ببطء أيضاً رافعاً كخافضاً مف غير أف يمتفت إلى ناحية الرئيػس …كبعػد ثػك ٍ
عاؿ مسرك اًر ثـ عقب )
الرئيػس :في المجمس اآلتي سنتحدث عف حبيبي مكنادك !
(بعد أف أكعز الرئيػس لمشياطيف بأف يأخذكا راحتيـ إلى اليكـ التالي ،ردد كىك يقكـ )
الرئيػس :يا لمفأؿ الحسف ! حبيبي مكنادك ! يا لمفأؿ الحسف مكنادك حبيبي .
'لجمسة
الجمسة الثانية
لفريق إلغاء الحكمة
عمى األرض
†
†
†
'لجمسة
الجمسة الثالثة
لمؤتمر إلغاء آثار الحكمة
(عندما أراد الرئيػس أف يتكمـ الح الفتة كبيرة عمى أحد الجدراف تقكؿ( إلغاء آثػار الحكمػة ) فػأمر بجعميػا
( إزالة آثار الحكمة ) .ثـ قاؿ بعدما رددكا المقدمة كاألغنية )
الرئيػس :يجمس معكـ اليكـ ( كائف ) مف بني اإلنساف ،ىػك أعظػـ شػياطينيـ عمػى اإلطػالؽ مػف أجػل أف
ينفعكـ بعممو كخبرتو .كلتعممكا أف ( الشياطيف ) ىك في األصل تعبير ديني أطمِّق عمى أشخاص ليػـ ىػذه
حػد سػك ٍاء ،كلكننػا كبفضػل جيػكدكـ جعمنػا بنػي اإلنسػاف ال يفيمػكف
الصفة مف بني اإلنساف كالجاف عمػى ٍ
مف لف ( الشيطاف ) إال كائناً ال يحػس كال يػرى ،فػي حػيف إف الكتػب المنزلػة إلػييـ تػذكر شػياطيف اإلنػس
في عشرات المكاضع .كطبعاً فقد أدى ىذا إلى تشكيكيـ بكجكدكـ فضػالً عػف كجػكد شػياطيف مػف اإلنػس ،
بحيػث أف الفيمسػػكؼ ( شػػيممر ) يمنػػي لككػػاش برؤيػة الشػػيطاف بػػالرغـ مػػف كجػػكد مػا يقػػرب مػػف ثمػػث العػػدد
الكمي منيـ داخل بنايات الجامعة التي يحاضراف فييا .لػذلؾ يتكجػب بقػاء الظػالـ كيفػاً تسػتتركف بػو فإنػو
مف أىـ مستمزمات عممنا .كقد أعطيت ىذا األنسي فترة راحة مف عذابي ليحدثكـ عف أفعالو العظيمػة ،إذ
لكال طبيعتو اإلنسية ألجمت عذابو مالييف السنيف .كىذا الرجل ىك الػذي يسػمى ( الشػيطاف ) حينمػا تػذكره
الكتب المنزلة بيذه الصفة .كىي حينما تقكؿ ذلؾ فإنما تعني أحد رجمػيف ،أكليمػا صػاحبكـ كىػك معػركؼ
لديكـ كلـ يستطع حضكر االجتماعػات ألنػي كمفتػو بميمػات أخػرى كاآلخػر ىػك ىػذا األنسػي كبعػض قػادتكـ
يعرفكنو جيداً .
(يكجو الرئيػس كالمو إلى األنسي )
الرئيػس :ما ىي جالئل أعمالؾ أييا الشيطاف المريد
رسكؿ بعث بكتاب فاشتييت أف أقتمو فمـ أستطع ،ككمما عجػزت عػف قتمػو
ٍ األنسي :كنت أعيش في جكار
اشتييت ما ىك اكثر ،حتى بمغت بي الرغبة درج َة أف اكتـ غيظي كأظير إيماني كتصديقي بو أمػالً فػي أف
افعل ما ىك اعظـ مف ذلؾ كأبعد أث ار .كقد كاف ليذا الرسكؿ أم ٌة عظيمة العدد مػف النػاس .كقػد قػاؿ فيمػا
قالو ليذه األمػة قبػل مكتػو :إف هللا خمقكػـ لتككنػكا عبػاداً طػائعيف فػإف لػـ ترغبػكا بػذلؾ فإنػو يجعمكػـ عبيػداً
كارىيف .كألف هللا يعمـ أنكـ تؤثركف طاعة بعضكـ البعض عمى طاعتػو ،فقػد جعػل لكػـ مػف أنفسػكـ رجػاال
رجػاؿ
ٌ منحيـ عمماً باألشياء كميا لتركف فييـ أنفسكـ كتشبعكا نزكتكـ في رؤية أنفسكـ مػف خالليػـ .كىػـ
شػيء أك تػرؾ
ٍ طائعكف لو طاعة مطمق ًة منذ البداية كأنا أحد ىؤالء ،كاعممكا أف هللا ال يكره أحػداً عمػى فعػل
ػيء .كلػػك كػػاف يعمػػل بػػاإلكراه لمػػا أرسػػمني ،بػػل لفعػػل مػػا يريػػد فعمػػو بكػػـ كرى ػاً .فػػإذا شػػئتـ أف تطيعػػكه
شػ ٍ
فأطيعكني ،فإذا ىمكت فأطيعكا ىذا اآلخر ،كاف لـ تشاءكا ذلؾ فأنتـ كما تشاءكف .مف أطاعني أطػاع هللا
كمف عصاني عصاه .فمما مات ىذا الرسكؿ عمدت إلى ذلػؾ اآلخػر فقتمتػو كحممػت النػاس عمػى ذلػؾ .ثػـ
استكليت عمى األمر مف بعده كلـ أفعل مف بعد ما فعمت إال أربعة أشياء .
الرئيػس :اذكر ىذه األشياء إلخكانؾ الشياطيف .
األنسي :أكالً :جعمت الناس يؤمنػكف بػأف الشػرع بيػد هللا كالحكػـ لػو كلكػف الحػاكـ بأيػدييـ .فأنػا أكؿ مػف
كضع ( الديمقراطية ) في ممة ذاؾ الرسكؿ ،كأكؿ مف انتخب كي ينتخب .
اضع لقكاعد الكالـ كالمغة ،حيث جعمتيا كفق مبدأ ( القكاعد ىي ما نقكؿ ) كليس ( ما
ثانياً :إني أكؿ ك ٍ
ينبغي أف نقكؿ ) .كجعمت الفصاحة ىي ( ما نتكمـ ) كليس ( ما ينبغي أف نتكمـ ) .
ثالثاً :إني أكؿ مف قسػـ المػاؿ كالسػمطاف كمػا يقسػمو هللا ،إذ أمػر ىػذا الرسػكؿ أف يقسػـ المػاؿ بالسػكية
كالسػػمطاف باألىميػػة ،كلمػػا كػػاف هللا يقسػػـ فػػي الحسػػاب حسػػب األسػػبقية كاألفضػػمية ،فقػػد قسػػمت المػػاؿ
كالسمطاف كما يقسـ هللا .
رابعاً :أني أكؿ مف ردد في األحكاـ الشرعية كحمل الناس عمى التردد فييا ( خشػية عقػاب هللا ) .كمنػذ
ذلؾ اليكـ كىـ يشككف كيترددكف فػي أحكػاـ ىػذا الرسػكؿ كشػرائعو عمػى كفػق مػا كضػعتو ليػـ مػف األشػياء
السابقة .
غمػق )
فإف الشركر كالفتف ظيرت بعد مكتؾ متدافع ًة كما لك كانت خمػف ( ٍ الرئيػس :ألـ تفعل شيئاً آخر
تستتر .
األنسػي :ال .لػـ أفعػل شػيئاً آخػر ،كػاف ذلػػؾ الرسػكؿ يسػميني ( َغَمػق الشػركر كالفػتف ) كلكنيػا جميعػاً (
تالقحت كتناتجت ) مف ىذه األربعة .
الرئيػػػس :أييػػا العفاريػػت خػػذكا رئػػيس الشػػياطيف اإلنسػػية إلػػى مكضػػعو كليغسػػمكه مػػف ىػػذا العنػػاء كالسػػفر
الطكيػػل بمػػاء الحمػػيـ ،كيسػػقكه شػػيئاً مػػف الغسػػاؽ كيطعمػػكه شػػيئاً مػػف الزقػػكـ كيػػدثركه بقطػػع سػػميك ٍة مػػف
السرابيل القطرانية حتى أنيي أعمالي في ىذا المؤتمر .ثـ البد لي مف أقكؿ لكـ إف اإلنساف لػـ يفيػـ إلػى
ىػػذا اليػػكـ العالقػػة بػػيف المػػكت كالحيػػاة ،ألنػػو ال يفيػػـ العالقػػة األبسػػط بػػيف الجمػػاد كالحػػي ،كىػػك ال زاؿ
يتساءؿ عػف معنػى العػدـ .ككثيػر مػنكـ قػد ال يفيػـ معنػى كالمػو ،فعمػى الػذيف فيمػكا أف ِّ
يعممػكا الػذيف لػـ ٌ
يفيمػكا ،إف أخػػاكـ رئػػيس الشػػياطيف اإلنسػػية كضػػع أعمالػػو كفػػق ( خطػكات ) منظمػػة كمترابطػػة .فعمػػيكـ
حمل بني اإلنساف عمى إتبػاع ىػذه الخطػكات نفسػيا حينمػا تظيػر ليػـ أيػة ( حقيقػة) جزئيػة تمثػل الحقيقػة
الكمية .إف قادتكـ ىنا عمى اطالع كاسع بيذه األشياء .
المغربي :سػيدي الرئيػػس .إف منطقنػا الشػيطاني يعتمػد عمػى طريقػة الػربط بػيف ( جممػة ) صػادقة كأخػرى
كاذبة .فإف الشيطاف األنسي قد أعمف في الخطكة األكلى أف ( الحكـ بيد هللا ) كىي جممػ ٌة صػادقة كربطيػا
ػر كفػػق تعػػاليـ ذلػػؾ الرسػػكؿ ،كلمػػا كػػاف
بالجممػػة الكاذبػػة ( الحػػاكـ بيػػد اإلنسػػاف ) .كلمػػا كػػاف اإلنسػػاف حػ اً
شيء إزاء تمؾ الحرية ،فينبغي إذف أف يزيد عدد الذيف يتبعكنػو ( بسػرقة
ٍ فعل
الشيطاف األنسي ال يستطيع َ
) عدد مف الذيف اتبعكا الرسكؿ ،كذلؾ عف طريق جعميػـ يتسػاءلكف عػف حػريتيـ كمقػدارىا .فقػد جعميػـ ػ
بكضػعيـ حػريتيـ مكضػع التسػاؤؿ ػ يتبعكنػو مػف حيػث ال يشػعركف .كمػف يكميػا أصػبحت الحريػة مكضػع
التسػػاؤؿ ،كصػػار اإلنسػػاف يحػػاكؿ أف يػػدرس ( ذاتػػو )كبػػديل عػػف دراسػػة ( الكجػػكد ) بأسػػره .كىػػذه مأسػػاة
أليم ٌة بالنسبة لبني اإلنساف ،كاف ديكارت كغيػره قػد شػككا فػي كػل شػيء إال فييػا (الحريػة ) .كاألصػل فػي
المسألة أف الجممتيف يمكف أف تتبادال ( :الحكـ بيد اإل نساف ) ك ( الحاكـ بيد هللا ) ،ألف الرسكؿ إذا كػاف
مجبػر عمػى ىػذا أك ذاؾ .كمعنػى
ٍ حاكماً مف هللا فالحكـ باتباعو أك عدمو منػكط باإلنسػاف كحػده كىػك غيػر
ذلؾ أف الجممتيف تصحاف سكي ًة بالتالزـ في شرع ذلؾ الرسكؿ باعتبارىمػا ( كصػية أك شػيئا فيػو طاعػة هلل
) ،كما تصحاف سكي ًة في كاقع اإلنساف باعتباره مكضكع ىذه الكصية فيك قادر عمػى تنفيػذىا أك رفضػيا .
كحينما فعل ىذا األنسي ذلؾ االلتباس فقد جعل اإلنساف ػ الػذي يممػؾ اختيػاره ػ جعمػو يفػتش عنػو بػدالً مػف
اسػتعمالو فػي أي طريػق .إف ىػذا العمػل الجبػار لػرئيس الشػػياطيف اإلنسػية ىػك أفضػل بكثيػر ممػا لػك كػػاف
يسمبيـ حق االختيار بطريقة كاضػحة قسػرية كمػا فعػل فرعػكف حينمػا قػاؿ أنػا إليكػـ .ألف ىػذه الطريقػة ال
تجعميـ يسممكف اختيارىـ كيصبحكا عبيداً لو فقط ،بل ال يعممكف أيػف ىػك اختيػارىـ أصػالً ،فيػـ يفتشػكف
بحػر ليجعمػكه رئيسػاً
كقػت أعطػاىـ جػزءاً منػو مثػل قطػرٍة مػف ٍ
عف اختيارىـ الذي كضعو ىك في جيبو ،فػي ٍ
عمييـ كىـ فرحكف جداً ألنيـ اختاركه بمحض إرادتيـ .بينما كاف القتيل مختا اًر مػف قبػل رسػكليـ .يمكننػي
أف أقكؿ إذف أف جميع فالسفة ( الحرية ) في الغرب كجميع فالسػفة ( الجبػر كاالختيػار ) فػي الشػرؽ إنمػا
يعكد الفضل في ظيكرىـ إلى الفقرة أك ( الخطكة ) األكلى كما سماىا سيادتكـ .ككذلؾ فجميع الذيف حكمكا
بعد جناب رئيس الشياطيف اإلنسية يعكد الفضل في تكليتيـ إلى ىذه الخطكة بالذات .
الرئيػػػس :يسػػعدني جػػداً أنػػؾ تفيػػـ أىميػػة ىػػذه األعمػػاؿ .كبالنسػػبة لػػي فػػإف المػػكتى مػػف ىػػذا الصػػنف
أذى كبي اًر لسيدكـ األعمى نفسو بحيث أنو يعد ىذا اليػكـ ف
سيرجعك إلي في آخر المطاؼ ،لكف مكتو سبب ً
أسكأ يكـ فػي حياتػو ،كبخاصػة أنػو ال يكجػد فػي فالسػفة الشػياطيف مػنكـ كمػف بنػي اإلنسػاف مػف يضػاىي
مرتبتػػو فػػي الفمسػػفة العمميػػة كالنظريػػة عمػػى حػ ٍػد سػك ٍاء .أال تػػركف أف ىػػذا الشػػيطاف المريػػد قػػد أخػػذ أحػدى
الجممتيف مف ( شرع الرسكؿ ) كترؾ األخرى ،كأخذ إحدى الجممتيف مػف ( حقيقػة اإلنسػاف ) كتػرؾ األخػرى
كربط بيف كاحدة صادقة في الشرع كاذبة مع اإلنساف كبيف كاحدة كاذبة في الشرع صادقة مع اإلنساف .
كبمثل ىذه الطريقة يجب أف تشرحكا الخطكات األخرى ،كتعممكا كفق ما تعممػتـ فػإف اإلنسػاف كػائف جيػكؿ
جداً كشديد الغباكة ،كيستمر أحياناً بمناقشة مسأل ٍة مػا آالؼ السػنيف كالمسػألة نفسػيا لػيس ليػا كجػكد أك
أصل أك إف جكابيا عنده .فيك ( اإلنساف ) اسمو مأخكذ مف النسياف ،أال تركنو ينسى أحيانا الشػيء أك
ىذه الحالة تستمر في الفػرد الكاحػد دقيقػة أك دقيقتػيف كلكنيػا تسػتمر الحاجة في يده كيدكر يفتش عنيا
عنده ( كنكٍع ) إنساني ألف سػنة أك ألفػيف بحسػب النسػبة كالتناسػب بػيف عمػر الفػرد كعمػر النػكع .ككممػا
تمكنتـ مف إضاعة شيء منو كانساءه إياه في الفكر الفمسفي كمما أخرتـ عذابكـ كخالصو ألفاً أك آالفاً مف
السنيف .كيجب أف تعممكا الفركؽ في ىػذا المثػاؿ كالتفريػق بػيف األشػياء كميػا .فالناسػي لمحاجػة فػي يػده
ألنو يسػتعمل جكارحػو كاليػد منيػا فػإذا نظػر إلػى يػده تػذكر ذلػؾ الشػيء .أمػا ينتبو ليا بعد حيف ،لماذا
الذي ينسى الحاجػة فػي مكضػع مػا ،فإنػو لػف يتػذكر بيػذه السػرعة كقػد تمػر أيػاـ أك شػيكر كال يػدري أيػف
كضع الحاجة فعميكـ باالنتفاع مف ىذا التمييز .
المشػػرقي :إف الرئيػػػس يقصػػد بكالمػػو أنػػو إذا كػػاف ثمػػة حػػل لمعضػػمة مػػا لقػػكـ عنػػد قػػكـ آخػػريف فيجػػب أف
تعممػكا عمػػى فصػػميـ عػف بعضػػيـ الػػبعض ،كػي ال ينبػػو أحػػدىـ اآلخػر كلػػك قػػدرتـ عمػى قطػػع اليػػد الماسػػكة
بالشيء عف رأس صاحبيا ليبقى يفتش عنيا دكماً فافعمكا .
المغربي :نحف منتبيكف جداً ليذا األمر سيدي .فإف الفالسفة في الغرب ال ينظػركف فػي شػيء مػف أقػكاؿ
أىل الديف في الشرؽ .كأىل الديف في الشرؽ ال ينظركف في شيء مف نتػاج ( المفكػريف ) اآلخػريف فػي
الغرب كالشرؽ .كاألساتذة في الشرؽ ال ينظركف في شيء مف أقكاؿ أىل الديف في الغرب .كأىػل الفنػكف
كاآلداب في الشرؽ ال ينظركف في شيء مف الديف في الشرؽ .كأما بقية العمكـ في الشػرؽ كالغػرب فيػي
فػي خصػػاـ كنػزاع كتعػػزز كامتنػػاع ،كقػد ينقسػػـ الشػػيء ( الضػػائع ) أحيانػاً بػيف أنػكاع كأنػكاع مثممػػا انقسػػـ
اإلنساف نفسو بيف الديف كالفمسفة ،كعمـ النفس كاالجتماع .
الرئيػس :لقد نسي اإلنساف حريتو كىك ال يزاؿ يفتش عنيا مف حيث ىػي عنػده كانبثػق مػف ضػياعيا ألػف
مشكمة كمشكمة ،كالتيى بحل تمػؾ المشػاكل .فمػف ذا يحػل تمػؾ المشػاكل أـ يكػكف اإلنسػاف أصػالً راغبػاً
بالمشاكل .
المشػػػرقي :بمػػػى .فحينمػػػا جػػػاء ( ىيجػػػل ) حػػػاكؿ كضػػػع حمػػػكؿ لجميػػػع المشػػػاكل .كىػػػي حمػػػكؿ ناقصػػػة
كمتناقضة إذ نظر آخركف في الكجكد فقػالكا ( :ليسػت الفمسػفة الحقيقيػة ىػي التػي تضػع أك تػدعي كضػع
حمكؿ لجميع المشاكل ،إنما الفمسفة الحقيقية ىي التػي تفػتر البػاب لمعرفػة العػالـ بطريقػة تجعػل اإل نسػاف
يفيـ مكضعو منيا كيعيش قمقو الفمسفي ،فالحياة بال ىاجس مف القمق تصػبر مكتػاً .)1() .كىػذا الكػالـ
سيدي الرئيػس فيو خطكرة عظيمة عمى جميع الشػياطيف ألنػو يكافػق تمامػاً الغايػة كالمبػادئ التػي خمػق هللا
ليا كبيا اإلنساف .كلكف لحسف حظنا إف ىذا الكالـ صػدر مػف قػكـ ينكػركف ىػذه المبػادئ كتمػؾ الغايػة بػل
كينكػػركف ( هللا ) نفسػػو تخمص ػاً مػػف اكتشػ ٍ
ػاؼ مباشػ ٍػر لعبػػكديتيـ .ككمػػا قػػاؿ الرئيػػػس فإننػػا نأمػػل أف يبقػػى
الكضع كما ىك .إف الذيف يكتشفكف بحدسيـ أف ليـ غاية يتناقشكف في ( الحرية ) ،فػي حػيف أنيػا ىػي
الغاية المكتشفة فيذىبكف مذاىب شتى في إثبات كجكدىا مع أنيا ىي نقطة انطالقيـ فػي البحػث .كالػذيف
لـ يكتشفكا غاية بل جعمكا أنفسيـ ىـ الغاية حاكلكا تفسير العالـ بكاممو دفعػ ًة كاحػد ًة ككضػع حمػكؿ لجميػع
التساؤالت مرًة كاحدة غير مؤمنيف بضركرة استمرار القمق المعرفي ثـ تكقفكا فجأة في مكضعيـ ال يتقدمكف
كال يرجعكف ثـ طمركا رؤكسيـ في الرماؿ كي ال يسمعكا أحداً ينادييـ قائالً :أريد سعادتي ،أريد أف أخمػق
كأبػدع ،أريػد أف أكػػكف كأ ِّ
كػكف .فكيػف يرفعػػكف رؤكسػيـ لمػف ينػػادي :قػد عممػتـ كػػل شػيء فػاخمقكا كائنػػا
ييمؾ الذباب أك اخمقكا كائنا غير الػذباب فقػد ضػجرت مػف الػذباب ،أك عمػى األقػل اجعمػكا الػذباب ال يقتػرب
مف كجكىكـ !!…
الرئيػػػس :كلػػف يرفع ػكا رؤكسػػيـ لمػػف ينػػادييـ أف يخمص ػكا أنفسػػيـ مػػف مخػػالبي قػػائالً :اد أركا عػػف أنفسػػكـ
المػػػكت .
المشرقي :لذلؾ فإني ما زلت أطمئنؾ دائباً .فكل فكرة فمسفية تناقش إنما تحمل في نفػس النقػاش نقيضػيا
،كيتضػػمف نفػػس البحػػث إجابػػة عنيػػا .ألػػـ تػػرىـ يتحػػدثكف عػػف العػػدـ الػػذي ىػػك ضػػد الكجػػكد كنقيضػػو ثػػـ
يتحدثكف كيتجػادلكف فػي ( كجػكد العػدـ ) أك ( عػدـ كجػكده ) .فالنسػياف قػد بمػد بيػـ مبمغػاً عظيمػاً ألف
الذي يتحدث عف الكجكد إنما يتحدث عف العدـ ،كالذي يتحدث عف العدـ إنما يتحدث عف الكجكد ،فمـ أر
أحمق مف اإلنساف الذي يتحدث عف ( كجكد العدـ ) .فيك مثل ذلػؾ التمميػذ الػذي سػأؿ أسػتاذه كىػك يقػكـ
بتجربة عمى درجات الحرارة :كـ بمغت الحرارة في ىذا السائل يا أستاذ فقاؿ األستاذ :أربع درجات مئكيػة
.فقػػاؿ التمميػػذ :فكػػـ أصػػبحت بػػركدة ىػػذا السػػائل ! .لكػػف الفالسػػفة فػػاقكا ىػػذا التمميػػذ فػػي التػػدقيق فػػي
المسألة إذ لك كانكا مكانػو لسػألكا األسػتاذ :فكػـ أصػبحت بػركدة الحػرارة ! كىػـ تمامػا مثػل ىػذا التمميػذ ،
رجػل سػأؿ
فماذا سيقاؿ عف ىذا المسكيف لك سأؿ عف بػركدة الحػرارة أك حػرارة البػركدة .كمثػل ذلػؾ مثػل ٍ
حكيماً عف معنى ( ِّ
العالـ ) فأجابو الحكيـ فقاؿ الرجل :فاخبرني عف الجاىل .فقاؿ الحكيـ :قد أخبرتؾ يػا
جاىل ! .كالفالسفة قد فاقكا ىػذا الرجػل فػي تػدقيق المسػألة كلػك كػانكا مكانػو لقػالكا لمحكػيـ :فاخبرنػا عػف
العالـ ،كىك عيف سؤاليـ عف كجكد العدـ . جيالة ِّ
(يطمب المغربي مف العفاريت أف يجمبكا كتباً كسجالت ثـ يضعكنيا أماـ الرئيػس فتحجب ما بينو كبينيـ )
المغربي :ىذه سػيدي الرئيػػس المقػاالت الفمسػفية حػكؿ مسػألة ( ىػل يسػمى المعػدكـ شػيئاً ) ،كىػي مػا
أثاره أخي المشرقي .
(تظير آثار الدىشة الشديدة عمى الرئيػس ثـ يستفيـ قائالً )
الرئيػس :ىل ىذا ىك كل شيء في ىذه المسألة
المشرقي :نعـ سيدي .كىناؾ شركح كفقرات متفرقة في الكتب كفي لغات أقػكاـ ليسػت لػدييـ فمسػفة بيػذا
المعنى لكنيـ ينقمكف األبحاث إلى لغاتيـ .
الرئيػس :ال…ال ىنا تقصير كاضر .ينبغي أف تككف الكميات أكبر ،فمثػل ىػذه المسػألة كاف كانػت كاحػدة
مف عشرات الفركع فػي مكضػكع الكجػكد كالعػدـ ،لكنػي تكقعػت المزيػد مػف الكتابػات حكليػا فاإلنسػاف مكلػع
بمثل ىذه األشياء التي يخدع بيا نفسػو .يبػدك لػي أف عممكػـ اإليحػائي فػي ىػذا األمػر كػاف ضػعيفاً جػداً ،
ألف اإلنساف ىك كجكد العدـ .
(يرفع أحد المردة رأسو كيده طالباً الكالـ )
الرئيػس :تكمـ مف أنت
المػػارد :أنػػا مسػػاعد مػػارد النػػار كعممػػي ىػػك اإلعػػادة كاإلتػػالؼ .كحسػػب أمػػركـ سػػيدي نقػػكـ بنقػػل كتسػػكية
المخطكطات كالكتب ،كنحاكؿ بالعمل اإليحائي إتالؼ كاحراؽ األجزاء التػي تفصػـ عػرى التكاصػل بينيػا مػف
أجل أف يبدأ اإلنساف ببحثيا مف جديد .صحير أننا نتبع إدارياً مؤتمر الحركب كسفؾ الدماء ،كلكف قسػـ
المكتبات يستمـ أكامره مػف الجميػع كينفػذ كصػايا مػؤتمر إلغػاء الحكمػة .سػيدي إف الكميػات المحركقػة فػي
مسألة ( كجكد العدـ ) في مكتبات الشرؽ كالغرب تفكؽ ما جمبػكه اآلف أمػاـ سػيادتكـ ،كقػد تػـ حرقيػا فػي
أماكف مختمفة خالؿ استغاللنا بعض الفتف .كىذا تقرير مفصل عنيا سيادة الرئيػس .
أزماف ك َ
ٍ
الرئيػس :إف الحرؽ العشػكائي ىػك عمػل تخريبػي ضػد أمػف الشػياطيف كسػالمتيـ ،فاإليضػاح الػذي قدمػو
المشرقي مثالً حكؿ ىذه المسألة إذا كرد فػي كتػاب أك كػراس فينبغػي أف يحػرؽ ،أمػا النقاشػات الفمسػفية
حكؿ المكضكع كالتي تعتبر ( كجػكد العػدـ ) مسػألة فعميػة كمشػكمة قائمػة ،فيجػب أف تبقػى ،بػل كيتكجػب
الحفا عمييا .أعتقد بأني سأحرؽ اآلالؼ منكـ عمى ىذا اإلىماؿ الجسيـ .أييا الشياطيف …تشكل لجنػة
فكرية لجرد المحركقات كميا كايضاح ما فييا كممة كممة منذ عيد سقراط بل كقبػل سػقراط بػألف سػنة كالػى
ىذه الساعة .
القادة :السمع كالطاعة سيادة الرئيػس .
المشػػرقي :أكد أف أطمػػئف سػػيادتكـ إلػػى تمػػؾ األشػػياء التػػي تخشػػكنيا .إذ أننػػا ال نسػػتطيع أبػػداً ( إلغػػاء )
إجابات حقيقية عف المسائل الفمسفية .فمف تمؾ اإلجابات مقاطع أك مقػكالت مشػيكرة مكتكبػة فػي ماليػيف
النسذ .كعزائنا الكحيد ىك في أف اإلنسػاف ال يبحػث عػف حقيقػة األشػياء كال عػف إجابػات لمشػاكل افتعميػا
ىك .لقػد أمرتنػا سػيدي أف نكػكف حكمػاء بكجػو اإلنسػاف الفيمسػكؼ ليكػكف عممنػا متقنػاً فػال نتفمسػف مثػل
أيػت إف اإلنسػاف يبحػث فػي فمسػفتو كاف لػـ يكػف فيمسػكفاً عنػداإلنساف بػل نفسػر فمسػفة اإلنسػاف .كقػد ر َ
النػاس عػف ألكىيػة نفسػو فيػػك يفتعػل مشػكمتو افتعػاالً .كحينمػا يػػكحى لػو بإجابػات عػف مشػاكمو ،يطالػػب
بالقمق كال يريد إجابات تفسر كل شيء .في حيف أنو يزعـ أف الفمسػفة تبػدأ مػف الدىشػة كالقمػق باألشػياء
كمنيا ،كفي نفس الكقت يجد راحػة فػي التفمسػف ،فيػك ال يريػد التخمػي عػف مشػاكمو .كيمكننػا أف نحمػل
اإلنساف في ىذه النقاط كنعمـ كجو خداعو لنفسو .فػالقمق الػذي اسػتبد بػو جػراء ككنػو عبػداً كمخمكقػا كلػو
غاية كىدفاً عظيماً جعمو يبحث عف ىدؼ كغاية يضعيا ىك كيريدىا ىك ،ككمما دار كبحػث لػـ يجػد نفسػو
يريد شيئاً سكى مػا كضػع لػو .إنػو يريػد السػيادة المطمقػة كالسػمطاف الػدائـ كالبقػاء المسػتمر فػي الحيػاة
الحياة التي يمارس فييا السػمطاف كالػتحكـ فػي األشػياء كلكػف بشػرط أف يفعػل ىػك كػل ذلػؾ بمفػرده تمامػاً .
كنحف معاشر الشياطيف كضعنا اإلسفيف ىنا كضربنا أكؿ ضربتنا ىنا .فقد أكحينا لػو أف مػا يشػعر بػو ىػك
مككنػاً بػو كفيػو كمنػو .كفػي
حق ،ذلؾ ألننا ال نقدر عمى تغيير شيء خمقػو هللا فػي ذات اإلنسػاف كجعمػو َّ
ٌّ
ىذه صدقنا معو .ثـ أكحينا لو أف ىذا اليػدؼ ال يتحقػق مطمقػاً بالكعػد اإلليػي ،فإنػو مجػرد غيػب ،فيػذا
العالـ ىك عبارة عف أشياء مت اربطة كقكانيف صارمة ال يمكف خرقيا كال تغييرىا .ثـ جعمناه منذ ذلػؾ الحػيف
يفكر كيؤمف بأبدية األشياء كثباتيا أك حركتيػا الثابتػة ،كجعمنػا أتباعنػا فػي الممػل الدينيػة يفسػركف كػل مػا
يتعمق بيذا الكعد كالممككت عمى أنو إف كقع فإنو يقع في عالـ آخر بنظاـ آخر مف أجل أف يؤمف اإلنساف
بأف ىذا النظاـ الطبيعي ىك نظاـ ثابت ال يمكف أف يتحكؿ .كلـ يكف أمػاـ اإلنسػاف إذف إال ثالثػة أك أربعػة
خيػػارات :أف يككف قانعاً بعبكديتو هلل منتظ اًر دخكؿ ذلؾ العالـ األبدي الذي ال يرى إال بعد دىػكر أك أحقػاب
ال يعمـ كـ ىي .كفي ىذا األمر جمعنا بيف أشياء مختمفػة انطمػت عميػو .فعػالـ الكسػط بػيف المػكت كالحيػاة
جعمناه مثاالً لعالـ الكاقع المكعكد .كعالـ ما بعد انتياء الككف كالخميقة جعمناه ىك العالـ المكعكد .كىكػذا
فقد آمف أىل األدياف بعد ذلػؾ بػأف العػالـ الحػالي ىػك عػالـ ثابػت ال يتغيػر .كىػذا ىػك المطمػكب إذ لػـ يبػق
شيء حقيقي في األدياف .ذلؾ ألف ( النعيـ كالعذاب ) المشار إليو في مرحمػة مػا بعػد المػكت كقبػل الحيػاة
كفي مرحمة ما بعد انتياء ىػذا العػالـ ال يترتػب إال بمقػدار اإليمػاف كالكفػر بحقيقػة إمكانيػة تغيػر ىػذا العػالـ
الكاقعي .كأما حقيقة ما جػاء بػو الػكحي يػا سػيدي فيػك إمكانيػة تغيػر ىػذا النظػاـ إلػى مػا ىػك أفضػل تغيػ اًر
كاقعياً مادياً ليككف في اآلخرة أي في آخرِّه بحسب ما كصف الكحي .كىذا ىك المعنػى الحقيقػي لمغيػب
.فاآلخرة ىي آخرة في الزماف كليس في المكاف آخرة كمػا ىػك كاضػر .فاألديػاف اإللييػة إنمػا تتحػدث عػف
ىذه المسألة ال غيرىا ،كىي حينما تتحدث عػف المراحػل األخػرى فإنمػا تنػكه عػف أىميػة القضػية المحكريػة
التي تدكر عمييػا غايػات كأىػداؼ الرسػاالت .كىكػذا أصػبر ىػذا القسػـ مػف النػاس يعيشػكف فػي أديػاف ىػـ
خارجيا ،كيعممكف فػي كاقػع ىػـ بػو كػافركف ،كيحممػكف بتحقيػق اليػدؼ األبعػد الخمػكد األبػدي فػي جنػة
الخمد مف غير أف يعممكا أك يعممكا شيئاً عف اليدؼ األقرب .كاذف فما أبعػد كقػكع ىػذا اليػدؼ األقػرب ! .
كمعمكـ أف اليدؼ األبعد في نصكص الكتب المنزلة ال يمكف نكالو إال بتحقيق اليدؼ األقرب ،كلكننا عممنا
جيدنا لصرؼ النظر عف تمؾ النصكص كتفسيرىا بطريقػة تجمػع بػيف اليػدفيف كتجعميمػا كاحػداً ىػك الخمػكد
فػػي عػػالـ الغيػػب ،حيػػث أكحينػػا أف الغيػػب ىػػك مػرادؼ لمػػا كراء الطبيعػػة .كلػػـ يكػػف أمػػاـ القسػػـ اآلخػػر إال
البحث عف ما كراء الطبيعة كدخػكؿ الميتافيزيقػا .فمػف المؤكػد أف إليػاً ال يعتنػي بمخمكقاتػو إلػى ىػذا الحػد
كيتركيـ عمى ىذا النحك ىك إلو ال يستحق العبادة ،كمف ىنا عاند اإلنساف ربو فتػارًة أنكػره ،كتػارًة أراد أف
يحل محمو ،كثالث ًة جمع بيف األمريف ،كأخرى حاكؿ فييا تجاكز الطبيعة لمعرفة مػا يكمػف كراءىػا .كبعػد
ذلؾ كجد اإلنساف أنو ال يستطيع القفز إلى ما كراء الطبيعػة فيػي ٌّ
سػد منيػع أمامػو فبػدأ يغيػر فمسػفتو كبػدأ
ينظر في األشياء بنفسو لػيعمـ كنييػا كمػا انطػكت عميػو .كرأى أخيػ اًر أنػو مػف األفضػل لػو أف يبػدأ بمعرفػة
األشياء كقكانينيا ،كأف ينتفع بيذا النظاـ نفسو عمى عال تو بابتكار اآلالت التي تكصػمو إلػى غاياتػو كالتػي
صمميا مف خالؿ محاكاة القكانيف العاممة في الطبيعة أك استغالؿ خصائصػيا فكػاف العػالـ الطبيعػي .كػاف
عمػػى اإلنسػػاف إذف أف يػػتفيـ المنطػػق .كحينمػػا كضػػع المنطػػق كػػاف فيػػو مخالفػاً لممنطػػق .فػػالمنطق الػػذي
ابتكػػره اإلنسػػاف كػػاف ( منطقػػو ىػػك ) ال منطػػق العػػالـ كاألشػػياء ،كاذا كػػاف فيػػو شػػيء مػػف ظ ػكاىر األشػػياء
كخصائصيا فيك ال يعمل حينمػا يقابمػو منطػق العػالـ .كحػدثت كػل تمػؾ األمػكر سػكية فػي الزمػاف كأنتجػت
ثمارىا متفرقة في األمكنة ككاف كما زاؿ الفيمسكؼ ينظر في الطبيعة أحياناً كمازاؿ الطبيعي يتفمسف أحيانػاً
أخرى .كلـ يكف اإلنساف في كل ذلؾ مخدكعاً مف غيره ،بل ىك مخدكع بنفسو كمػف نفسػو ،فيػك يشػتيي
أف نكحي لو بما نكحي ،ذلؾ ألنو ىك الذي يغير غايتػو كىدفػو عػف قصػد كسػابق عمػد .كىػك إذ يتسػاءؿ
فإنمػا يتسػاءؿ عػف أشػياء يمسػكيا بيػده كجكده كسمطانو كبقاءه كغايتو كحريتو عف أشياءه الضائعة
كيتظاىر بأنيا ليست ىي ،ثـ يبحث عنيا ،فإف فعمو باألشياء عمكماً ىك نفس فعمو بكل كاحد منيا عمػى
انفراد .أنت تعمـ سيدي الرئيػس إف األنظمة سػيئ ًة كانػت أـ حسػن ًة تسػكد عػالـ المكجػكدات ،كيكفػي لفيػـ
احد ،فإذا لـ ي ِّ
مكف النظاـ مف نفسػو فػال يعػد نظامػاً .كقػد ِّ
خب َػر اإلنسػاف ذلػؾ فػي عمػـ باب ك ٍ
نظاـ فتر ٍ
ٍ أي
حػل لمشػكالت أخػرى ،كىػك بػػابعصػي عمػى فيمػو ىػػك ٌّ ٍ ألمػر
الطبيعػة ،فالحػل الػذي ينتزعػو مػف الطبيعػػة ٍ
تنفتر منو أبكاب كثيرة كبال حدكد لمعرفة ذلؾ الشيء كمػا يػرتبط بػو .كاذا كػاف الفالسػفة قػد انتبيػكا أخيػ اًر
إلػى ضػركرة محاكػػاة العمػـ فقػد كػػذبكا فػي النكايػػا ألنيػـ لػـ يشػػككا قػط فػػي جميػع األشػياء التػػي يرغبػكف فػػي
كيفػي .كيػا سػيادة الرئيػػس
ٍ كبشػكل
ٍ بقاءىا عمى حاليا األكؿ ،كاقتصر شكيـ عمى مػا يريػدكف الشػؾ فيػو
إنني إذ أقصد إلى إطالة ىذا الكالـ فألني أكشؾ أف أصل إلى النتيجة التي ترضي سيادتكـ كل الرضا .
بقيت دى اًر تتحدث فمف نعجل .فأنا لست إنساناً ألعجل .اإلنساف ىك الذي يعجل ،كمع ذلػؾ
الرئيػس :لك َ
فإنو يقطع زمانو بال نتيجة .
فعػزت كػل خيػر
المشرقي :خالصة كل ذلؾ :إف فمسفة اإلنساف ،ناقشت عقل اإلنساف كقدراتو المعرفية َ ،
كشر إلى عقل اإلنساف كربطػت المعرفػة بيػذا العقػل .كحينمػا أقػكؿ أنيػـ ( كػذبكا )فػإني أقصػد ذلػؾ ،فػإف
ؽ اإلنسػاف إلػى السػماء ،كلينػزؿ إلػىمشكمة اإلنساف ليست في عقمو لنخشى عاقبػة عممػو العقمػي .فميػر َ
عقل مػع عقػل .إف عقػل أعماؽ البحار ،كليكشف بعممو اآلالؼ مف األسرار فإف صراعنا معو ليس صراع ٍ
اإلنساف ىك عقل جبار ،كىك مصمـ لمعرفة ىذه األككاف المحيطة بو .أرأيت لك أف عقالً آليػاً ِّ
أدخمػت فيػو ٌ
كل المعارؼ كاألسرار أيصبر ىذا العقل خط اًر خطكرًة نخشاىا
الرئيػس :كال لف يككف خط ار عمينا إال إذا ش ِّحف بشيء مف ( الحرية ) .
كنحف إذ سػمبنا منػو حريتػو كجعمنػاه ال يقػدر عمػى كما يقكؿ اإلنساف المشرقي :ذلؾ ىك بيت القصيد
أف يأمر عقمو ليحسب لو األشياء بطريقة أخػرى فقػد أصػبر آلػ ًة فػي أيػدينا .إف القػكة المػدمرة الكامنػة فػي
األسرار بالغ ًة ما بمغت فمف يقدر عمى تكجيييا إال إلى تػدمير نفسػو .إف عقػل اإلنسػاف يحسػب الكثيػر مػف
األشػػياء كيحصػػل عمػػى كثيػ ٍػر مػػف المعمكمػػات .كيػػرى الجميػػع أف العقػػكؿ المختمفػػة تحسػػب األشػػياء بطػػر ٍؽ
عاقل ناجر في عممو حسب األشياء بطريقػ ٍة مختمفػة عػف أقرانػو كىػك يؤكػد أنػو لػـ يفتػو ٍ مختمفة ،فكـ مف
شيء مف العناصر التي يذكركنو بيا .كربما دفعو إلى ىذا الحساب الحب أك البغض أك بكاعػث أخػرى .
إف عقػػل اإلنسػػاف لػػيس سػػكى آلػػة ال تممػػؾ قطميػ اًر مػػف الحريػػة ،إنػػو آلػػة حاسػػبة كمركػٌػز لتنظػػيـ السػػجالت
كالمعمكمات كاستخالص النتائج كالتقارير .كىناؾ شيء آخر في اإلنساف جعمناه ينساه تماماً ػ ىك صػاحب
فرد ال تسػتطيع جميػع القػكى المكجػكدة
الشأف الذي يتخذ الق اررات كىك الذي يأمر كينيى ػ كالذي ىك جكىر ٌ
مف النفاذ إليو أك التأثير عمى ق ارراتو الحقيقيػة .كىػذا الشػيء يػأمر أحيانػاَ بخػالؼ مػا يعتقػد كيصػرح حػاؿ
الخكؼ كالضغط بعكس ما يؤمف كلكف ق ارراتو الداخمية الفعمية كممفو السري شيء آخر يختمف أحياناً كثيػرة
عف ممفاتو المتداكلة عمى أيدي الجكارح ،كىك يعمل أيضػاً كمحػارب مػف طػراز رفيػع .فيػك قػد يػأمر العقػل
بأف يحسب لو األشياء بطريقة معينة مخالف ٍة لمػا يعتقػد كمخالفػة لممنطػق كمػا لػك كػاف مضػط اًر أك راغبػاً
بعدك لو أك خكفاً مف أحػد أك رغبػة
في قراءة تقرير عف نجاح أك فشل شيء مف األفكار أك المشاريع نكاية ٍ
في التظػاىر أك ألسػباب أخػرى ال حصػر ليػا .كىػك يسػتعمل ىػذا األسػمكب يكميػا حينمػا يقػكـ ( بتشػجيع )
طفل يتعمـ أك يغازؿ امرأة يرغبيا أك ييدد أك يشجع أناساً يعممػكف لديػو .فالعقػل إذف آلػة مػأمكرة تنفػذ مػا
ٍ
يطمب منيا .كىك مثل مركز المعمكمات ،أك ىك مثل ( دائرة ) تقكـ بحساب جميع األشػياء مػف المعطيػات
المتكفرة لتقدميا إلػى الرئاسػة .إف فمسػفة اإلنسػاف ال تػدخل مقػر الرئاسػة كال تحػاكؿ اإلطػالع عمػى ممفاتػو
كػأي نشػاط فكػري آخػر
السرية كتكتفي فقط بالحديث عف مركػز المعمكمػات كالحاسػبة . .ذلػؾ ألف الفمسػفة ِّ
إنمػػا ىػػك صػػادر فػػي األصػػل عػػف ( الػػذات اآلمػػرة ) .كليسػػت الفمسػػفة الخارجػػة فػػي النيايػػة إال حسػػابات
كمعمكمات المركز ،فػأف الػذات ال تتحػدث عػف نفسػيا كال تكشػف سػرىا ألحػد .كىػذا األمػر يمارسػو النػاس
دكماً كيفعمكنو أفراداً كجماعات كدكالً بػال اخػتالؼ .كحينمػا نرجػع مشػكالت الفمسػفة إلػى عمميػا كمػا يفعػل
اإلنساف فإنيا سكؼ تتجمع سكي ًة كتعكد في النياية إلى مشكمة كاحدة فقػط كالػى سػبب كاحػد كحسػب كىػك
العالقة بيف ىذا اآلمر الداخمي كبيف العقل .كىذه المسألة ىي التي أىممت تماماً مف قبػل جميػع الفالسػفة
.ىل بمقدكر أحد أف يسأؿ دكلة مف الدكؿ عف نكاياىػا الحقيقيػة الكامنػة كراء قػرار سياسػي تتخػذه كىػل
يأمػػل أف تخبػػره الدكلػػة بشػػيء أكثػػر ممػػا ىػػك معمػػف ( رسػػمياً ) .كىػػي إذا افترضػػنا تريػػد االسػػتجابة ليػػذا
الطمب الغريب فمف يككف الشيء اآلخر المعمف إال ( حساباً آخر ) جديداً لمراكز الحسػابات ككسػائل اإلعػالـ
.كحينما نحدس أف المعمف مطابق تماماً إلرادة الحككمة كنكاياىا كال يزيد أك ينقص عنيػا شػيئاً فيػل تعمِّػف
أف حدسنا حق كلك كاف األمر فضيمة مف الفضػائل .كػال ألنيػا ال تػكد أف تعمِّمنػا أف تفريقنػا بػيف المعمػف
كغير المعمػف ىػك شػيء صػحير فعمنػاه حتػى لػك كػاف فػي صػالحيا .سػيادة الرئيػػس …إف نفػس اإلنسػاف
مركبة مثل تركيب الدكلة الكبيرة ،كاف في بدنو كركحو كنفسو أجزاء تشبو أجزاء الدكلػة .كالفمسػفة حينمػا
تتحدث عف العقػل كقدراتػو فإنيػا فػي الكاقػع ال تريػد التحػدث عػف نفسػيا .كلػف تػنجر الفمسػفة حتػى تجعػل
اختيار الذات اآلمرة مرتبطاً بالتجربة .إف الفمسفة ال تريد أف تكشف عػف حقيقتيػا ألف حقيقتيػا ليسػت فػي
احػد مػا داـ العقػل ( عنػد
قػكؿ ك ٍ
ككنيا نشاط عقمي محػض .إذ لػك كانػت كػذلؾ لكػاف الفالسػفة كميػـ عمػى ٍ
الفمسفة ) قدرة كامنة في اإلنساف تعتبر في مجمكعيا شيئاً كاحداً ،كما دامت المكجكدات المحيطػة بالعقػل
مكضك َع نشاطو ىي نفس المكجكدات َ .مػف ذا مػف عممػاء الطبيعػة يػزعـ أف قػكانيف الحركػة خاطئػة أك إف
التفاعالت الكيميائية تحدث بطريقة أخػرى فمػا ىػك سػبب االتفػاؽ عنػد عممػاء الطبيعػة .لػيس االتفػاؽ
ىنا ىك أف الظاىرة تعمف عف نفسيا بقانكف أك تعَمػـ بػالحكاس بحيػث ال يمكػف االخػتالؼ حكليػا كمػا يػزعـ
اإلنساف .إف االتفاؽ في العمـ كاالختالؼ في الفمسفة لو منشػأ آخػر ىػك منشػأ الػذات اآلمػرة لمعقػل .ففػي
العمػػـ تػػأمر جميػػع الػػذكات العاممػػة عقكليػػا أف تعمػػل بكػػل جيػػد كبكػػل صػػدؽ لفيػػـ مػػا يحػػدث فػػي الطبيعػػة .
كحينمػػا تػػأتي المعمكمػػات كتجتمػػع فػػي البػػدء كتظيػػر الحاجػػة إلػػى جمعيػػا فػػي تفسػػير كاحػػد ،تجػػد الػػذكات (
ػير ( ذاتػػي ) تظيػػر فيػػو ذاتيػػة اإلنسػػاف ال
فرصػػتيا ) فػػي االسػػتحكاذ عمػػى المعمكمػػات كارجاعيػػا إلػػى تفسػ ٍ
تفسير مكح ٍد ليس ىك ( ظيكر حقيقػة ) التفسػير ٍ الظاىرة فحسب .كالذي يجعميـ يتفقكف في النياية عمى
األصر بحيث أنو ال يقبل اختالفاً عند تمؾ الحدكد ،إنما يعكد سببو إلى المرحمة التالية فػي دراسػة الظػاىرة
المرحمػػة التػػي تػػأتي بمعمكمػػات تؤكػػد تفسػػي اًر كاحػػداً كحسػػب ،كبيػػذا تنيػػار ذاتيػػة التفسػػير بضػػربة مػػف
مكضكعية الظاىرة الطبيعية .كالتفسير الذي يفكز في النياية كدكماً ىك التفسير األبعد عف ذاتية اإلنساف
الناظر إلى المعمكمات عمى أنيا ممؾ الظاىرة كليست ممكاً لصاحب االختبار .كالدرس الذي ينبغػي لمفمسػفة
أف تتعممو مف العمـ ىك ىذا الدرس فقط ال سكاه .كلكنيا لف تتعممو قط ما دامت ىي فمسفة كليست حكمة
.
الرئيػػس :فيمػػت مػا تقػػكؿ كلكػف قػػكتي الجبػارة ال يضػػاىييا سػكى خػػكفي الشػديد مػػف اإلنسػاف .كأال فممػػاذا
يتنػػاقش النػػاس كيتجػػادلكف ألػػيس فػػي عقػػل اإلنسػػاف ( مخطػػط ) أساسػػي ترجػػع إليػػو فػػي النيايػػة كػػل
كلنفرض أنو ( مخطط ) مصمـ كفق طبيعة األشياء فماذا تقكؿ . الحسابات
فػإذا كػاف ثمػة مخطػط مػف ىػذا النػكع المشرقي :كأنا أسأؿ أيضاً أييا الرئيػس لماذا يتجادؿ بنػك اإلنسػاف
فيفتػػػرض أف ال يتجػػػادلكا ،كاذا تجػػػادلكا فيفتػػػرض فػػػي أسػػػكأ األحػػػكاؿ أف يتفقػػػكا فػػػي النيايػػػة عنػػػدما ترجػػػع
اإلشػػارات إلػػى األصػػل كتثػػار المعمكمػػات األساسػػية المكضػػكعة فػػي المخطػػط .إف مػػا تقكلػػو أييػػا الرئيػػػس
نحك آخر ،إنو تماما عمى النحك الذي صنع بو اإلنساف آلتو الحاسبة .
صحير كلكف عمى ٍ
ٌ
الرئيػس :حتى الطغاة كالجبابرة يقركف بحسف الفضيمة كقبر الرذيمة فما تقكؿ .
المشرقي :الرذيمة كالفضيمة في العقل عبارة عف ( أرقاـ مجردة ) في حاسبة .إنيا ألفا تحتاج في العقػل
( تمػػأل ) بمفػػاىيـ كمػػا تمػػأل الحاسػػبة بالكحػػدات التػػي ليػػا مفاىيميػػا ،كالتػػي أنػػت حػ ٌػر فػػي إلػػى أف
صياغتيا بالشكل الذي تريػد .أنػت تضػرب األرقػاـ كتقسػـ كتطػرح كالمجػاكر ال يعمػـ إف كانػت تمػؾ نقػكد أك
ػعب تريػػد إىػػالؾ بعضػػو كالحاسػػبة أيضػاً ال تػػدري .أنػػت كحػػدؾ تعمػػـ ذلػػؾ .الرذيمػػة سػػيئة جػػداً عنػػد
أفػراد شػ ٍ
بنظاـ مكحد ىك نفس النظاـ كالعقكؿ تعمػل بػنفس النظػاـ الحسػابي كفييػا جميعػاً ٍ الجميع ،كالحاسبة تعمل
معادلػة ( الرذيمػػة سػػيئة جػػداً ) .لكػػف مػػا ىػػك رذيمػػة عنػد المسػػير مػػثالً يكػػكف فضػػيمة عنػػد فرعػػكف كالعكػػس
بالعكس ،فميس عميو أف يذكر ذلؾ ألنو يعمـ ما ىي الفضيمة كما ىي الرذيمة كلكف ىػذا العمػـ لػيس مركػزه
العقػل كانمػا ىػك محفػك فيػو ،ففػػي جػزٍء مػف العقػل يكجػد أرشػػيف ) لممعمكمػات ،كلػيس العقػل ىػك الػػذي
يعطي المفاىيـ لأللفا .كمعمكمات األرشيف كأي جزٍء آخر مف العقل ليست ممكاً لمعقل بل ىي ممؾ الذات
اآلمرة .كحينما تضغط عمى الزر ألي فرعكف لتسألو عف الرذيمة تظير عمى الشاشة اإلجابة التي ىي نفس
المعادلة عند جميع الخمق ( :الرذيمة سيئة جداً ) .ليس ىػذا ىػك الميػـ ،الميػـ ىػك أنػؾ إذا سػألت عقػل
فرعػػكف :ىػػل إف إجبػػار النػػاس عمػػى أف يعتقػػدكا بمػػا يعتقػػده المػػرء رذيمػػة .فػػي ىػػذه الحػػاؿ سػػكؼ يتػػأخر
ظيكر الالفتة عمى شاشة عقػل فرعػكف كسػتظير بعػد حػيف كىػي تقػكؿ :أحيانػاً ! …كلكػف إجابػة المسػير
ستككف ( :نعـ رذيمة مف أبشع الرذائل ) .كتستظير ىذه اإلجابة بكل سرعة .كحينما تسػأؿ :ىػل إجبػار
فسػيجيب فرعػكف :كػال إنيػا مػف أعظػـ الفضػائل ألنػي ( … فرعكف لمناس عمى أف يتخذكنػو إليػاً رذيمػة
كيبدأ العقل بحساب مختمف ) .أما المسير فستككف إجابتو ىي نفسيا ( :نعـ رذيمػة مػف أبشػع الرذائػل .
) كبنفس السرعة .فمف أيف جاء االختالؼ بيف اإلجابتيف كالمعادلة األصمية كاحدة .كمما اقترب السػؤاؿ
مػػف الػػذات اإلنسػػانية كممػػا اختمفػػت اإلجابػػات .الػػذات ىػػي التػػي تضػػع المفػػاىيـ لأللفػػا .كتمػػؾ ىػػي حريػػة
اإلنساف ،إنو قادر عمى أف يأمر العقل فيجيب عمى النحك الذي تريده ذاتو كلػيس عمػى النحػك الػذي يريػده
عقمو .إف العقل مسمكب اإلرادة مسمكب الحرية ،إنو آلة منفذ ٌة كحسب ،كىػك األمػر الػذي أغفمتػو فمسػفة
مجػرد ،فكػل
ٍ اإلنساف .كليس بمقدكر المرء افتراض عقل يعمل بحرية تام ٍة ،ببسػاطة ألنػو ال كجػكد ٍ
لعقػل
عقػػل إنمػػا ىػػك فػػي جسػػـ كنفػػس كتممكػػو ذات ،فميبػػؾ إذف عمانكئيػػل كنػػت ( . ! )1كلػػذلؾ فػػإف َّأيػػة نظريػػة
لممعرفة تقكـ عمى مالحظة العقػل كقدراتػو إنمػا ىػي نظريػة تتحػدث فييػا الػذات عػف نفسػيا كال تتحػدث عػف
عقميا فضالً عف عقكؿ اآلخريف أك ذكاتيـ .صحير أف العقل مصمـ لمعرفة األشياء عمى كجييا الصحير
كلكف مف أيف يأتي اليقيف لمذكات أف ذاتاً معينػ ًة قػد أعطػت عقميػا ( حريػة ) فػي أف يقػكـ بحسػاب األشػياء
تدخل منيا .لـ يػد ِّع ذلػؾ أبػداً أي كاحػد مػف الرسػل كلكنػو يفعػل مػا
ٍ كمالحظتيا كفق نظامو األساسي بال
ىك عكس ذلؾ تماماً :إنو يطمب مف كل ذات سامعة لكالمو أف تعطي حرية لعقميػا ليػتمكف مػف الحكػـ فػي
صدؽ رسالتو أك كذبيا .إف الفارؽ بيف الفيمسكؼ كالرسكؿ ىك كالفارؽ بيف العػدـ كالكجػكد .فالفيمسػكؼ
يقػػكؿ لمنػػاس انظػػركا ( ذاتػػي ) كالرسػػكؿ يقػػكؿ ( انظػػركا ذكاتكػػـ ) .الفيمسػػكؼ يقػػكؿ ( مكت ػكا كػػي أحيػػا )
كالرسكؿ يقكؿ ( أمكت لتحيكا ) .الرسكؿ يعطي لعقمػو حريػة لتعقػل األشػياء كيجعمػو عقػالً مجػرداً كلكنػو ال
يعمف عف ذلؾ كال يدعيػو ألنػو ال يمكنػو أف يبػرىف عمػى ذلػؾ إال مػف خػالؿ تحػرر عقػكؿ اآلخػريف .فتحػرر
عقكؿ اآلخريف ىك برىانو الكحيػد ،بينمػا يكػكف تقييػد عقػكؿ اآلخػريف ىػك البرىػاف الكحيػد لمفيمسػكؼ .إف
عالـ ىذا الذي ال يرى كال يحس كال يمكػف تعقمػو إال بعقػل اإلنسػاف ِّ
مستعبٌد كالرسكؿ ِّ
محرٌر .أي ٍ الفيمسكؼ
.فانظر إلى تخبطيـ :العالـ مكجكد ،بل العالـ غير مكجكد إال في ذاتي كشعكري بل العالـ حقيقة كىػك
بنظاـ صارـ كنظامو بدييية ،العالـ إرادة ،العالـ صكرة أكلى لمعمية ،العالـ عمة كافية ،العالـ في الخارج
كىػػـ ،العػػالـ ىػػك مجمكعػػة تصػػكراتنا .العػػالـ ىػػك إرادة الحيػػاة كالحيػػاة شػػر محػػض .ليسػػت ىػػذه تعريفػػات
لمعاَلـ عند فالسػفة كثيػريف بػل ىػي تعريفػات العػالـ فػي فمسػفة ذاتيػة كاحػدة لكاحػد مػنيـ ( . )1كلكػل كاحػد
حافل بالتعريفات المختمفة كالمخالفة كالمتناقضػة لمعػالـ .لقػد ىػذبت دراسػة الطبيعػة مػف خػالؿ
ٌ منيـ سجل
التجربة نفكس عمماء الطبيعة بما لـ يستطع التأمل العقمي كحده أف يفعمو في نفكس الفالسػفة .فالخدعػة
مستمرة كالفيمسكؼ أكؿ مف يخدع نفسو كىك ال يثبت عمى شػيء مػف قكلػو إال ذلػؾ الشػيء الػذي بػدأ منػو
كأراده أف يككف محك اًر لفمسػفتو ،كبعػد ذلػؾ يمػكي المغػة ليػاً كيطػكي المسػافات طيػاً كيػأتي بجميػع األشػياء
تعسػفي عمػى األمػر الػذي أراده أف يكػكف محػك اًر لفمسػفتو .كال ييمػو أف يػأتي بألفػا
ٍ نحك
ليبرىف بيا عمى ٍ
جديدة كاصطالحات مختمفة يختمقيا مف كىمو كيضفي عمييا كجكداً معيناً لتككف سمما لمكصػكؿ إلػى ىدفػو
.فيدفو سراب كطريقو كىـ كعممو مخادعة .كلك أني كنت مف بني اإلنساف لمػا اشػتغمت بالفمسػفة مطمقػاً
إذ كيف أفقػد جػزءاً مػف حيػاتي القصػيرة كػاف مخصصػاً لمتعتػي أك لفيػـ مػا حػكلي مػف المكجػكدات فػإذا أنػا
ػار تأخػػذني كتعيػػدني إلػػى مكضػػعي كػػل مػػرة لمجػػرد أف أحػػدىـ يعجبػػو أف ننظػػر إليػػو بعيكننػػا
أفقػػده فػػي أفكػ ٍ
المفتكحة مف الدىشة .لكني لحسف حظي لـ أفعل ذلؾ إال كأنا مف الجف حيث العمر مديد كالبصػر حديػد
كالشباب دائـ ! ككل ما أريد قكلو سػيدي الرئيػػس ىػك أف عقػل اإلنسػاف لػيس خصػمنا لنخشػاه ،كمػع ذلػؾ
اضػر لعقمػو كلػـ
تعريػف ك ٍ
ٍ فيك لـ ينتبو إلى شيء سكى عقمو .كفكؽ ىذا فيػك ال يقػدر لػخف عمػى إعطػاء
يحدد بعد قدراتػو كامكاناتػو كلػـ يفكػر بعػد فػي عممػو كأعطالػو كاشػتباىاتو ،فػأنى لػو أف يغمبنػا أك االنتصػار
لنفسو منا
رت بكل شر ككفقت لجميع الشركر . الرئيػس :بش َ
(يدخل في ىذا الكقت المارد جميكتا )
الرئيػس :لقد تأخرت يا جميكتا كثي اًر ،أكثر مف الكقت الالزـ لتنفيذ ما أمرتؾ بو .أيف كنت .
جميكتا :ىذا صحير سيدي .أنت تعمـ أني تعممت لغات بعض الكائنات كالطيكر كالنمػل كالحشػرات كالنحػل
كذلؾ ىك سبب تأخيري .
الرئيػس :ماذا تعني
جمػع مػف الحشػرات مػف جنسػيا فاسػتكقفني ذلػؾ حتػى
ٍ جميكتا :كجدت حشرة مف ذكات المنطق تخطب فػي
أنيت كالميا ألنيا تحدثت عف اإلنساف كتحدثت عف طباعو المشينة .
الرئيػس :فاعجل بشر .
جميكتا :لـ أحف كلـ أسمع ما سبق مػف حػديثيا أال مػف قكليػا :أمػا اإلنسػاف يػا أخػكاتي فالحػذر الحػذر .
ألني إذا أكضحت لكـ مخاطر ما جرى عمى بالي مف الكائنات فإف خطر ىذا المخمكؽ ىك أكبر مف مجمػكع
مخاطرىا .كال يمكنكـ أف تتكخكا الحذر منو ما لـ تعممكا طبائعو كخصائصػو أسػكة بمػا أكضػحتو لكػـ مػف (
طبائع الحيكاف ) .فيك بخالؼ باقي الحيكانات في ىذا األمر ،فمػيس فيػو خصػمة أحسػف مػا تكػكف كأخػرى
سيئة أسكأ ما تككف ،عمى غرار ما أكضحت لكـ لباقي أصناؼ الحيكاف .فيك أحسف المخمكقات إذا حسف
كأسكأىا إذا ساء ىكذا كمو دفع ًة كاحد ًة .كألني ال أتكقع أف يمر بمساكنكـ منو فػرد حسػف ،ألف الحسػف
فػػييـ كنسػػبتكـ إلػػى الجبػػل فػػإني أذكػػر لكػػـ طبائعػػو .فأس ػكأ خصػػاؿ السػػكء فيػػو ىػػك ( الكػػذب ) .فعجبػػت
! إف ىػذه صػفة حسػنة كليسػت سػيئة ! فقالػت :نعػـ ألنػي ال أعػرؼ إال الحشرات كقمف ليا :مػا تقػكليف
ىذه المفردة كلكنيا ليست بيذا المعنى الذي تفعمو معاشر الحشرات .ىل رأيتف مرة حشرة تخبػر صػاحباتيا
عف شيء مف الطعاـ أك العدك فإذا ذىبف إلى ىناؾ لـ يجدف طعاماً كلػـ يالقػيف العػدك .فقالػت الحشػرات
:كال كأنى يككف ىذا .فقالت :فاإلنساف ىذا ىك طبعو ،يستعمل الكذب أكثر ما يككف مع أبنػاء جنسػو
ال مع عدكه مف بقيػة الكائنػات .فأخػذتيف كلكلػ ٌة صػاخبة فكاحػدة تقػكؿ ككيػف ال يفنػى جػنس ىػذا الكػائف
العجيب ،كأخرى تقكؿ ال بد أنو سييمؾ نفسو ،كأخرى تقكؿ ىذا اغرب ما سمعتو عف عجائػب المخمكقػات
،كرابػػع مػػف الػػذككر يقػػكؿ :أال يتكقػػع الفاعػػل أف يفعػػل بػػو اآلخػػر مثػػل فعمػػو .فقالػػت الخطيبػػة :فػػإني
أحدثكـ بما ىك أعجب فإذا لـ يجد ىذا الكائف أحداً يكذب عميو استعاض عف ذلؾ بػأف يكػذب عمػى نفسػو !
.فعػػال صػػياح الحشػرات كقمػػف لمخطيبػػة :ىػػذا يكفػػي فإننػػا ال نريػػد منػػؾ اآلف إال أف تفعمػػي مػػا تقػػدري عميػػو
لتجدي لنا أرضاً ال يمر بيا ىذا الكائف أبداً حتى نرتاح مػف ذكػره قبػل رؤيتػو .فقالػت :عمػى رسػمكف ! فمػك
كاف إلى ذلؾ سبيل لما حدثتكف عنو .فقاؿ الذكر :كمـ تعجبكف فإف مػف يفعػل األكلػى يفعػل الثانيػة .مػف
خدع جنسو خدع نفسو .ثـ إف الخطيبة قالت :كأما الطبع الذي خرج مف ىذه الصفة فيك الفخر كاحتقػار
بقية الكائنات .فقالت الحشرات :ككيف ذلؾ .فقالت :يزعـ أنو يدرس طبائع الحيػكاف كنسػي أف يػدرس
طبائع نفسو ،فمما أراد التمييز بينيا كبينو عرؼ نفسو تعريفاً فيو ىذه الصفة فقاؿ ( :أنا حيكاف …عاقل
)( .)1كقد كذب في ذلؾ ألنكـ تركف بأننا كاخكاننا مػف النحػل كالنمػل كجميػع األمػـ المجػاكرة مػف الحشػرات
عقالء أيضاً .كذلؾ أنػو أراد أف يعػرؼ العقػل فقػاؿ :ىػك كضػع األشػياء فػي مكاضػعيا ،فيػل رآنػا مجػانيف
نرمي بطعامنا في الشقكؽ بحيث ال نصل إليو أك نرمي بأنفسنا إلى مياكي التيمكة .ثػـ أنػو عرفػو فقػاؿ
:ىك الذاكرة ،فيل رآنا نضع الحاجة كال نعكد إلييا كنخرج مف جحكرنػا كنػدخل جحػر الضػب أـ أننػا نرجػع
.إنمػا غػره منػا صػغر حجكمنػا فظػف أنػو كحػده الػذي يمتمػؾ إلى مكضعنا كنػذكر أبنائنػا كمكاضػع طعامنػا
ذاكرة في عقمو .كانما لكل كائف منػا الػذاكرة التػي يحتاجيػا كالتػي تناسػب حركتػو كعمػره كغاياتػو .أتػذكرف
حينمػػا درسػػنا لغػػة النحػػل فػػي خفػػق أجنحتػػو كلغػػة النمػػل المؤلفػػة مػػف أكضػػاع أرجمػػو كحينمػػا سػػألني أحػػد
التالميذ قائالً :ىل تعمميف سػيدتي أمػة مػف الكائنػات لػيس ليػا شػيء مػف المغػات فقمػت لػو :ال أعمػـ ذلػؾ
كلكني أعمـ أف صنفاً مف الكائنات عرؼ نفسو لنفسو فقاؿ :أنا كائف اختمف عف الكائنات في ككني أمتمػؾ
لغة فأنا الكحيد ( الحيكاف الناطق فييػا ) !فقػاؿ بعضػكـ :مػا أشػد جيمػو ! فقالػت الحشػرات :نعػـ نػذكر
ذلؾ .فقالت :فذلؾ القائل ىك اإلنساف ،كذلؾ ىك تعريفو اآلخر لنفسو ( حيكاف ناطق ) .كقد حفػ أفػراد
ىذا الجنس ىاتيف المقكلتيف المتيف ذكرىما األذكياء ،كعدكىما مف أركع ما قالو ىذا الجنس بشأف نفسو .
فقاؿ أحد الذككر :ربما يقصد بقكلو ( أنا حيكاف ناطق ) أف لغتو ىي أصكات ال أنػو منفػرد بالمغػة .فقالػت
لبعض مف إخكاننا مف أمـ الطيػكر لغػ ٌة مػف األصػكات ،كنحػف معاشػرٍ األستاذة :كفي ىذا يكذب أيضاً ألف
الحشرات لبعضنا لغة منيا أيضاً ،فميست لغة األصكات حكػ اًر عميػو .ثػـ إف األسػتاذة عمػدت بعػد ذلػؾ إلػى
تالكة أشياء زعمت أنيا مف كتاب ربيا لتعكذىـ بيا مف شركر اإلنساف كجيمػو كلػـ أفيػـ منيػا شػيئاً ألنيػا
كانت بمغة قديمة مف لغات الحشرات .فذلؾ سيدي ىك عذري في التأخر عف المجيء إلى ىذا الكقت .
الرئيػػػس :قػػد عػػذرتؾ فػػي ذلػػؾ ،كأمػػا أنػػا فسػػأقتص مػػف اإلنسػػاف حينمػػا أسػػمط عمػػى جسػػده إذا مػػات ىػػذه
الحش ػرات كغيرىػػا مػػف الديػػداف ،فػػأفرؽ مادتػػو الكجكديػػة فػػي أجسػػادىا كيمػػا أحضػػرىا لمفنػػاء المتأصػػل فػػي
عدميتي .كأما في حياتو فإني أسمط عميو قكى الفناء الدقيقة التي ال يراىا بعينو كال يحسػيا بيػده كال يعمػـ
إف كانت ىي أحياء أـ جماد فيي خارج بدنو جامدة ،كداخل بدنو حية تتكاثر مثل يأجكج كمػأجكج فتيػاجـ
جسده كتسكف أعضاءه كتحطمو شيئاً فشيئاً ،ككمما أعطيتو فرصة لمعالجة نكع منيا ابتكرت لو لكناً آخػر
…فمف أترؾ ىذا العتل الزنيـ المستكبر حتى أذلو كأىينػو كأجعمػو أحدكثػ ًة لممكجػكدات كعبػرة لمكائنػات حتػى
يقر بعبكديتو طائعاً أك كارىاً ،كلف ينقذه شيء مف قػكتي العدميػة إال الفػرار إلػى العبكديػة .أييػا المشػرقي
ماذا يقكؿ فالسفة ( اإلسالـ ) عف فعالي بيـ بل تكمـ أنت يا مغربي !
المغربي :سيدي الرئيػس .أنت تسألني عف شيء تكمـ فيو فالسفة اليكناف كالينكد كالصػيف كأىػل األديػاف
كمتكممك اإلسالـ كفالسفتيـ كفالسفة الغرب كجميع الناس .كىذا الشيء يتعرض لممادة كالجػكىر كالعػرض
العير حاؿ النفير ،إذا راجعتو لػؾ
كالصكر كالعقل كالمعاد كاألجساـ كعذابيا كاألركاح كالنفكس مما تنكء بو َ
قكالً قكالً ككتاباً كتاباً بأجمعو فبماذا تأمر .
الرئيػس :فاخبرني كيف يتصكركف أنفسيـ بعد المكت
المغ ربي :سيدي الرئيػس إف عممنا اإليحائي عمل مستمر ،كما دمنا مع اإلنساف فمف يصل إلى مػا يمكنػو
مطم ِّئف ،فنحف نعمل دكماً كفػق مبػدأ ( التعػكيض ) ،إننػا نعػكض اإلنسػاف فػي
أف يسميو ( حقيقة ) كىك َ
أية فكرة يرغب فييا فنحف ال نرفض لو فكرة معينة ،كلما كانت كػل فكػرة تنبثػق مػف نفسػو كيضػعيا مػفِّ
تسبب لو خسارة جسيمة يالحظيا بكضكح ،فإننا نكحي لو بأشػياء تجعمػو يعػكض ىػذه الخسػارة تمقاءىا
فيندفع بشراىة إلثبات فكرتو بشتى السبل كيدعك الناس إلى اعتناقيا كاحتضانيا ألنيا ىػي التػي تحػل ليػـ
ألغػػاز ىػػذا العػػالـ .كبػػالطبع تعمػػل ( الذاتيػػة ) ىنػػا عمميػػا الفعػػاؿ .نحػػف نالحػ مػػف ىػػك المػػتكمـ كظركفػػو
كقدراتو كزمانو كما يؤثر عميو .فميس ابف سينا فػي التعامػل مثػل ابػف رشػد كال الكنػدي مثػل كنػت كال زمػف
أفالطكف كزمف ديكارت .كاإلنساف في حيرة ال يدري أيف يضع نفسػو فػي ىػذا العػالـ .فػإذا كػاف يرغػب فػي
الصعكد ليككف في مصاؼ اآللية فال بد لو إذف مف أف يقرر أف الركح خالد كأنو سػابق عمػى البػدف كلػيس
لديو حل آخر ما داـ ىناؾ مكت ،ذلؾ ألنو يعاني مف مشكمة المكت .كاذا كاف ال يصػعد إال الفالسػفة فػال
حل لبقية األركاح المسكينة .كالحل ىك أنيا ستظل فػي األرض كلكنيػا خالػدة .كقػد تػكرط فػي ىػذا
بد مف ٍ
القكؿ فال بػد مػف حػل .كىػل ىػذه مشػكمة ! فميقػل لمنػاس أف أركاح ىػؤالء تػدخل فػي أجسػاـ جديػدة عمػى
األرض كىكذا تستمر في العثكر عمى مسكف دائـ ليػا فػي األجسػاد مػا دامػت الحيػاة مسػتمرة ،فيػذا القػكؿ
حل ألنكاعيا يا أفمكطيف ،تكمػـ
اعثر عمى ٍ ىك بالمرة تفسير الستمرارىا .كىل تتركيا ىكذا يا فيثاغكرس
يا سقراط فإف بعضيا مارس الفجكر كبعضيا كاف شخصاً طيباً غاية الطيبة كلكنو لألسف لـ يكػف فيمسػكفاً
،فيل يذىب الجميع إلى أجساـ متشابية كىل ىذا معقكؿ فقاؿ سقراط :معؾ حق فعالً إذ ال يمكػف أف
يرجع الجميع إلى نفس األجساـ ( :فالذيف مارسكا الفجكر بشرٍه تػدخل نفكسػيـ بػالطبع فػي صػكرة الحميػر
أك ما شابو مف حيكانات .أما الطغاة كالظممة فإنيـ يعكدكف في صكرة ذئاب كصقر كحػداء كمػا شػابو …
أما الذيف مارسكا الفضيمة االجتماعية كالمدنية باعتداؿ كعدؿ بعمل خػاؿ مػف الفمسػفة ،قػل لػي بػأي معنػى
يكػكف أكلئػػؾ أكثػػر سػػعادة طبيعػػي أف عػػكدتيـ تكػػكف بطريقػػة مالئمػػة نحػػك نػػكع حيػكاني اجتمػػاعي فتػػدخل
نفكسيـ في النحل كالزنابير كالنمل )(.)1
الرئيػس :جميكتا !…ال أظف أف الحشرات التي كنت في ضيافتيا اليكـ تكافق عمى مقترح سقراط !
(تيب عاصفة مف الضحؾ مف جية الشياطيف في حيف يكاصل المغربي حديثو )
المغربي :أما افمكطيف فقاؿ ( :إف أكلئؾ الذيف عاشػكا حيػاتيـ لممطالػب سيمسػخكف إلػى حيكانػات تناسػب
فػػي جنسػػيا لنػػكع الحيػػاة التػػي عاش ػكا فييػػا ،حيكانػػات شرسػػة حيػػث كانػػت الحيػػاة مزيج ػاً مػػف االسػػتجابة
لمطػػالبيـ الحسػػية كالركحيػػة كحيكانػػات شػػرىة حيػػث كانػػت الحيػػاة حيػػاة شػػيكات كتخمػػة )( .)2أمػػا أرسػػطك
فاستيكتو التجزئة كلـ يجرؤ عمى تأكيد ىذه المسخرة فقاؿ ( :إف جزءاً معيناً مف الػنفس ،الػنفس الفاعمػة
ىي عنصر قائـ بذاتو غرس فػي الػنفس كمػف ثػـ فيػي خالػدة ( .كالػنفس الفاعمػة ىػي عقػل بالفعػل ) …
)(3).كاذف فإف جزء مف النفس أك ( أجزاء معينة منيا ال تنفصل عف الجسد ،أمػا العقػل فيػك عنصػر قػائـ
بذاتو غرس في النفس كأنو غير قابل لمفناء )(.)4
الرئيػػس :ألػيس جعػل العقػل جػزءاً مػف الػنفس كتقسػيـ الػنفس إلػى جػزئيف كاحػد يفنػى كاآلخػر ال يفنػى ىػػك
مسخرة أيضاً
المغربػػي :إنيػػا مسػػخرة لكنيػػا أىػػكف .فالعقػػل كالػػنفس كالىمػػا مػػف غيػػر المحسكسػػات .صػػحير أف العقػػل
كالنفس قد أصبحا شيئاً كاحداً ،كىك بيذا يخالف منطقو السابق كمػو فػي التمييػز بينيمػا كيخػالف مػا ذكػره
مف أنو يميل إلى األفالطكنية في ككف النفػكس مكجػكدة قبػل األبػداف كالعقػكؿ مػع األبػداف ،كلكػف َمػف مػف
الفالسفة كاف كالمو في الصفحة الالحقة مكافقاً لجميع كالمو في الصفحة السػابقة !! .كأمػا الػذيف أرادكا
محػض كاف اسػتعممكا لغػة
ٌ لأللكىية أف تنزؿ إلييـ كجعمكىا ىي كالكجكد شيئاً كاحػداً ،فتصػكرىـ ( مػادي )
االصطالحات الركحية .كلذلؾ فال كجكد آخر كراء ىذا الكجكد .كمف ىنا أصبر ( إحياء المكتى ) كالػذي
جعمناه في األدياف كما أسمفنا ال يعني سكى إحياءىا في عالـ آخر غير ىذا العػالـ أصػبر أمػ اًر متعػذ اًر فػي
فمسفتيـ .كلذا كاف عمى الفالسفة المسمميف أف يجدكا حالك ( لممعاد الجسماني ) .كلف تككف ىػذه مشػكمة
ألننا سنكحي إلييـ بالقكؿ :إذا كانت ىناؾ مشكمة لكجكد القرآف كالكتب المنزلة كال تريػدكف ( الخػركج مػف
الممة ( ليسكا مػف ِّ
الممػة ) مػف ىػذه الناحيػة لكجػكد الممة ) أك إنكـ ال تقدركف عمى التصرير بأف أكثر أىل ِّ
تناقضات كثيرة فياجمكا بنفس الطريقة .تقاسمكا األشياء بينكـ كلتكف متناقضة أيضػاً ،فػإف ركح الفمسػفة
في تناقضيا .كىكذا فقد أنكر ابف سينا المعاد الجسػماني بعػد المػكت كجعمنػاه يسػتعمل الظػكاىر التػي تػدؿ
عمى المعاد كأدلة عمى استحالة المعاد !
الرئيػس :أليس ىذا غريبا كيف قدرتـ عمى ذلؾ .
المغربي :كما العجب سيدي ألـ نتفق كن ِّ
خبر أف اإلنساف ىك كائف ( جيكؿ ) كالجيكؿ ليس كالجاىػل
إذ الجاىػػل يحتمػػل منػػو العمػػـ مسػػتقبالً ،أمػػا الجيػػكؿ فيػػك كػػائف ( يحػػب الجيػػل ) الجيػػكؿ صػػفة مالزمػػة
لمجاىل أي إف جيمو ىك عممو كعممو ىك جيمو .أكلـ يقل حكيـ سابق … ( :كرجػل ال يعمػـ كال يعمػـ أنػو
ال يعمـ فيك شر ) ،كنحف نبحث عف الشر .فالجيكؿ سيدي ىػك رجػلٌ إتصػف بيػذه الصػفة كأصػبر ِّ
يعػد
ألف مػف طبيعػة المػتعمـ الشػؾ كالتػردد فػي جيالتو عمماً فال ينفع معو عمـ حقيقي ليكشف لػو عػف جيمػو
عممو كمف طبيعة الجاىل اليقػيف بجيمػو .كاذا كػاف النػاس يعظمػكف مػف ىػذا حالػو فػي الجيػل فأنػت تقػدر
جيالتيـ .كمف صفة الجاىل االنتباه كلك بعد حيف .أما الجيكؿ فإنو ينطق الجممػة تمػك الجممػة كاحػداىما
تناقض األخرى فال ينتبو .كاذا افترضنا أنؾ ذكرتو بػذلؾ فمػف يقػر كلػف يتراجػع كلػك قطعػت َ
عنقػو تناقضػات
أقكالو .لقد أثبت ابف سينا كجكد ( األنا ) أك الذات مف خالؿ ( ثباتيا ) مع اخػتالؼ المػادة .حيػث قػاؿ :
فأنت حيف تقكؿ ( أنا ) كعمػرؾ خمػس سػنيف ككزنػؾ أرطػاؿ قميمػة كحينمػا تقػكؿ ( أنػا ) ككزنػؾ أكبػر أربػع
مػػرات كعمػػرؾ خمسػػيف سػػنة لػػـ تػػؤثر زيػػادة الػػكزف عمػػى نظػػرؾ إلػػى نفسػػؾ ! كػػذلؾ إذا امتنعػػت عػػف الطعػػاـ
بنقص في ذاتؾ كنظرؾ إلى نفسؾ كال يقكؿ الناس أف ىذا الكائف ىػك
ٍ نقص كزنؾ كثي اًر كما تشعر عند ذلؾ
منفصل عف المادة .ثـ خطى خطكات أخػرى إلثبػات أنيػا
ٍ ثابت
باؽ ٍغيرؾ .فتمؾ ىي نفسؾ فالنفس جكىر ٍ
( النفس ) جكىر ركحػاني ال يعتريػو فسػاد كال فنػاء ،كمػا بػرىف أنيػا الشػيء الكحيػد غيػر المشػككؾ فيػو .
احد مف أفالطكف إلى سارتر كاف اختمفت األلفا كالطرائق لمكصػكؿ إليػو .كلكنػو حينمػا كىك كما ترى ٌ
أمر ك ٌ
أراد إبطاؿ المعاد الجسماني ذكر أف ىذا األمػر مسػتحيل عقػالً كغيػر ممكػف ( فمسػػػػػفياً ) ألننػا ال نعمػـ أيػة
.كقد نسي أك تناسى أنو جعل النفس مستقمة عف المػادة ،كأف المػادة تتغيػر مادة سترجع فييا النفس
كال تؤثر فييا !فقاؿ إف المادة الترابية عمى األرض إذا اشترؾ فييا شخصاف أك أكثر 3( :إما أف تعكد إلػى
المادة التي فارقتيػا أك إلػى مػادة أخػرى ،كقيػل مػف حكايػة مػذىب المخػاطبيف بيػذه الفصػكؿ :إنيػـ يػركف
عكدتيػا إلػػى تمػػؾ المػادة بعينيػػا كعندئػ ٍػذ احتمػػاالف :أمػا أف تكػػكف ىػػي المػػادة التػي فارقتيػػا عنػػد المػػكت أك
جميع المادة التي قرنتو جميع أياـ العمر )( . )1ثـ يبطػل ابػف سػينا ىػذيف االحتمػاليف :أمػا األكؿ :فػألف
بعض المكتى يمكتكف ناقصي بعض األعضاء فميس مف العدؿ بعثيـ عمى ىذه الحاؿ .
الرئيػس :أكثر ما يعجبني فيكـ أنكـ تجعمكنيـ يترككف المكضػكع كيتجػاىمكف االحتمػاالت األخػرى كيجعمػكف
ما ( قيل ) -كربما ىك مف مقكلكـ أيضاً -أساساً لممناقشة .
المغربػػي :كلمػػاذا أصػػبحنا شػػياطيف إذف إذا لػػـ نفعػػل أمثػػاؿ ذلػػؾ .أمػػا األمػػر الثػػاني ( :فػػإف األج ػزاء
العضكية يغتذي بعضيا ببعض كينتقل بعضيا إلى بعض في اإلغتذاء )(.)2
الرئيػس :ماذا يقصد .
المغربي :ىكذا ىك عنده كطبيب أيضاً :الكبد يتغدى مػف المعػدة كالقمػب يتغػذى مػف الػرئتيف ،ككػل عضػك
يدفع مف غذائو الزائد إلى العضك المحتاج !! .كاذا كاف األمر كذلؾ فإف مادة العضك الكاحد ىي مادة بقية
األعضػػاء أيضػاً فكجػػب أف يبعػػث الميػػت ( جسػػداً كاحػػداً بعينػػو يػػداً كرأسػاً ككبػػداً كقمبػاً كذلػػؾ ال يصػػر )(.)3
كبالتعبير المعاصر يبعث كتمة مف المحـ كالعظـ غير كاضحة المعالـ .
الرئيػس :ألـ يقل ىك أف بدف المرء يتغير طكاؿ حياتو مرات كثيرة كأف مادتو تتبدؿ كلكف نفسو كذاتو ثابتػة
فمػف أيػف جػاءت المشػكمة إذ يقػاؿ مػثال أف الحػي يأكػل مػف مػادة أجسػاد الحيكانػات كمػكتى عمى حاليا
اإلنساف فال تتالحـ أعضاءه كال تفترؽ كال يظير لو قمباف أبداً !! .
مثػل غربػي فػي حالػة كتمػؾ ،كحينمػا يكػكف المػرء عػاج اًز عػف
المغربي :إذا كنػت يػا سػيدي تسػألني فينػاؾ ٌ
اإلجابة ( :الشيطاف يدري ) ! .لكف المثػل ىػذه المػرة خػاط بصػفة مطمقػة فأنػا مػف أكػابر الشػياطيف كمػع
ذلؾ فال أدري ! ككل ما أعممو ىك أننا أكحينا لو ذلؾ عمى سبيل الضحؾ كالتندر فصدؽ كجعميا رسػالة فػي
أمر المعاد(. )1
المشػػرقي :لكننػػا ال نعجػػز عػػف تفسػػير ذلػػؾ .إذا كػػاف المعػػاد جسػػمانياً فػػإذف يرجػػع الجميػػع فالسػػفة كغيػػر
فالسفة .كيريد ابف سينا أف يجعل الفالسفة كحدىـ ىـ الخالدكف لتميز عقكليـ عف عقكؿ اآلخريف فال بػد
إذف مف التكصل لذلؾ بطريقيف :األكؿ إثبات بقاء النفس كالتي ىي فيما بعػد ستصػبر عقػالً كتصػبر لػذة
المعقػكالت ىػػي المػػذة المقصػػكدة فػػي الكتػػب المنزلػػة .أمػػا الػػذيف عقػػكليـ ليسػػت فمسػػفية فػػال عقػػكليـ ترقػػى
لتحكي المكجكدات في عالـ السعادة بعد المكت كال أبدانيـ ترجع إلييـ ! .
المغربي :يمكنني أف أقكؿ أف أفكار ( برغسكف ) ك ( سبينك از ) ك ( ديكػارت ) ك ( كنػت ) ك ( ىكسػرؿ )
كقادة الكجكدية كاألنا كحدية لـ تكف إال تطكي اًر لغكياً لمضمكف ابف سينا كالذي ىك ليس سكى تطكي اًر لغكيٍا
فيو حيمة عمى ما كرد في الكتب المنزلة لألفالطكنية .فالعالـ في النياية سيككف في ذات الفيمسػكؼ ،
ك عند ابف سينا جزئياً في الحياة ككمياً بػالترقي بعػد المػكت ،كعنػد ىكسػرؿ فػي الحيػاة فقػط ألنػو ال يػؤمف
بكجكد أك بقاء الذات بعد المكت .
الرئيػس :ماذا قاؿ ابف سينا
المغربي :قاؿ ( :إف النفس الناطقة كماليا الخػاص أف تصػير عالمػاً عقميػاً مرتسػماً فيػو صػكرة الكػل مبتػدأً
مػػف مبػػدأ الكػػل نالحػ أنػػو يبتػػدئ مػػف ألكىيػػة الػػذات ]سػػالكاً إلػػى الجػكاىر الشػػريفة فالركحانيػػة المطمقػػة ثػػـ
الركحانية المتعمقة باألبداف ثـ األجساـ العمكية بييآتيا كقكاىا ثػـ تسػتمر كػذلؾ حتػى تسػتكفي فػي أنفسػيا
ىيئة الكجكد كمػو فتنقمػب عالمػاً معقػكالً مكازيػٍا لمعػالـ المكجػكد كمػو مشػاىداً لمػا ىػك الحسػف الطمػق كالخيػر
المطمق كمتحداً بو كمنتقشاً بمثالو كىيأتو )( . )2كبيذا تككف نجاة اإلنساف كلف ينجك حتى يككف فيمسكفاً
!! .
المشرقي :كىذا ىك عيف ما يريد ىكسرؿ إثباتػو ( باألنػا كحديػة ) حينمػا يبػدأ بتمثػل الصػكر ثػـ الماىيػات
كالتي أفنى عمره ألجميا .
الرئيػس :ىذا صحير فالذي ال يفر إلى هللا عبداً يفر منو ( إلياً ) لنفسو .كليس ثمة مف يقف في الكسط
إال المصػػابيف بعاىػػات جسػػيمة تمػػنعيـ مػػف التفكػػر ،كسػػكؼ تعطػػى لي ػؤالء الفرصػػة الكافيػػة ليختػػاركا مػػا
يريدكف .كىذا األمر ىك الكحيد المنطقي .إف اليػارب مػف شػخص ال ينػكي بػالطبع إال المجابيػة كاالنتقػاـ
كلك بعد حػيف .الفػارؽ أف اليػاربيف مػف هللا إلػى أنفسػيـ ليػـ فرصػة فػي أف يفعمػكا مػا يشػاءكف فػي كقػت
فرارىـ كبضمنيا أف يتفمسفكا .ثـ قل لي يا ابف سينا أيف تذىب ىذه المالييف مف الخمق مف غيػر الفالسػفة
المغربي :يقكؿ ابف سينا أف مادة األرض ال تكفي لحشر جميع المخمكقيف عمى صكرة المعػاد الجسػماني :
( ألف النفػكس الناطقػة عمػى تقػدير قػدـ العػالـ غيػر متناىيػة فيسػتدعي حشػرىا جميعػاً أبػداناً غيػر متناىيػة
فتحتاج إلى أماكف غير متناىية ،كلكف الثابت تناىي أبعاد المكاف بالبرىػاف )( . )1ثػـ قػاؿ ( :لكننػا نبػيف
برىانياً أنو ال يمكف أف تعكد النفكس بعد المكت إلى البدف البتة )(. )2
الرئيػػس :ألػـ ينتبػػو أحػد إلػػى أف ( تقػدير قػػدـ العػالـ ) ىنػػا ىػك مػػف آراء المنكػريف كعنػػده أف العػالـ حػػادث
فكيف يبني نتائج عمى فمسفة تعارض رأيو في الحدكث كالقدـ
المشرقي :العبارة نفسيا يثبت فييا محدكدية المكػاف ،كىػذا ال يكػكف إال عنػدما يكػكف العػالـ مخمكقػاً غيػر
أزلي .فالمكاف المحدكد كالمادة المحدكدة نتج منيا خمق غير محدكد فإذا أعيدكا بالبعث الجسماني فالمادة
ال تكفي لجميعيـ !!! .
المغربػي :فػػأي شػػيء أعظػـ مػػف ىػػذا يجعمػػؾ مطمئنػا سػػيدي الرئيػػػس .إف الػػذيف صػدقكا ىػػذا الكػػالـ ىػػـ
بالنسبة لنا دمى نمعب بيا ال غير .
ً
الرئيػػػس :المػػارد جميكتػػا ! ىػػل صػػحير أف الجبػػاؿ كالصػػحاري كاليضػػاب كالكديػػاف كالسػػيكؿ كقػػاع البحػػار
كالمحيطات ال تكفي لحشر الكائنات اإلنسانية عمى ىيئة أبداف كما كانت قبل مكتيا حسبما يقكؿ ابف سػينا
(بعػػد الػػتال كات الخاصػػة كق ػراءة األنشػػكدة ،تقػػدـ المعػػاكف لق ػراءة تقريػػر مفصػػل عػػف الخمػػط المتعمػػد بػػيف
المثاليػػة كالماديػػة ،كأعمػػف أف ىػػذا التقسػػيـ ىػػك مػػف األىػػداؼ اليامػػة فػػي العمػػل الشػػيطاني كىػػك مسػػألة ال
تخص الشياطيف مطمقاً كانما ىي خاصة باإلنساف فقط .
كخالؿ ذلؾ تعرض لقكانيف الحركة كآخر ما كصمت إليػو عمػكـ الفيزيػاء عنػد اإلنسػاف ،كلكنػو ذكػر
أف إبقاء الفكارؽ بيف ما ىك ( حي ) ك ( جامػد ) ككػذلؾ إبقػاء الفػكارؽ بػيف حػاالت المػادة التػي يالحظيػا
اإلنساف ىك أمر ضركري .كما أكضر بجالء أىمية السحر كعالقتو بػالعمـ كتطػرؽ إلػى السػرع كالمعجػزات
كعالقة ( السرعة ) بنشكء كتككف المعجزة ،كأثبػت عمػى نحػك كاضػر أف المعػاجز مػا ىػي إال قكاعػد ماديػة
كظكاىر تحدث بسرعة كفق نفس القانكف ،مبرىناً بطريقة فمسفية غريبة أف الغاية منيا ىػي لمبرىنػة عمػى
قدرة الفاعل بالتحكـ بالسنف كليس إلغػاءاً ليػا ،كأف اإللغػاء ىػك طريػق المكػذب بيػا ممػا يسػتدعي االنتبػاه
إلى أف مػا يسػمى عنػد اإلنسػاف مثاليػاً أك غيبيػاً أك طكباكيػاً ىػك عنػد الشػياطيف ماديػاً ،أك أف مػف يسػمى
ركحاني ػاً قػػد يكػػكف عنػػدىـ مػػف جماعػػة ال ػكاقعييف ،مؤكػػداً أف سػػبب ىػػذا التقسػػيـ عنػػد اإلنسػػاف ىػػك لػػيس
الختالؼ نظرتو لمعالـ كاألشياء مف حكلو كانما ىك الختالؼ نظرتو إلى نفسو كرغبتو فػي التػكىـ .كتطػرؽ
كػػذلؾ إلػػى ضػػركرة إبقػػاء ( الصػػراع ) مسػػتم اًر بػػل كالعمػػل عمػػى ( إنتػػاج ) فالسػػفة يفمسػػفكف الصػػراع أك
االختالؼ عمى أنو أحد ( السنف ) الطبيعية العاممة في الككف .
كبيذا الصدد نبو بصكرة حثيثػة عمػى أف الغايػة مػف الصػراع ىػي الصػراع كأكػد عمػى خمطػو بصػكرة
جيدة مع نكع مف الصراع غايتو إزالة الصراع بحيث ال يمكف لفالسفة ( االختالؼ ) التمييز بينيما .
كتطرؽ خال ؿ ذلؾ إلػى أف الػزعيـ المنظػكر بػاهلل إنمػا زرع فكػرة اآلليػة المتعػددة ليػذه الغايػة ،ألف
اآلليػػة المتعػػددكف يختمفػػكف فػػي القػػكة كالعمػػـ كالسػػيطرة ،فينػػاؾ كبيػػر لخليػػة كىنػػاؾ ( األنكنػػاكي ) مجمػػع
اآللية كىناؾ اآللية الصغار .كاذا الح اإلنساف أف اآللية أنفسػيـ طبقػات كيحػدث بيػنيـ صػراع طبقػي ،
فػاألكلى أف يكػػكف ىػػذا الصػراع عمػػى أشػػده عنػد عبيػػد اآلليػػة بنػي اإلنسػػاف .كذكػػر أف اإللػو الكاحػػد بالعػػدد
كالذات إنما ىك إلغاء لمصراع كاالختالؼ كلذلؾ يتكجػب اإلبقػاء عمػى اآلليػة المتعػددة بأيػة صػكرة أك صػكر
ممكنة .
كلـ يتكرع خالؿ ذلؾ كمو مف تكرار اليجكـ عمى اإلنساف كاصفاً إياه بأبشػع الصػفات ،أىكنيػا أنػو
مخمكؽ غبي ال يفرؽ بيف ما ىك مادي كغير مادي كبيف ما يقابمو مف مكجكد كمعدكـ ،مشجعاً الشياطيف
كمؤكػػداً عمػػى قػػدرتيـ كحتميػػة انتصػػارىـ عمػػى اإلنسػػاف .كقػػاؿ أيضػاً إف اإلنسػػاف بػػارع فػػي الشػػر كال يتػػرؾ
احتماالً منو إال كطرؽ بابو بحيث أننا نديف لو باألستاذية كنتتممذ عمى يديو إلغكاء أفراد جنسػو اآلخػريف .
كحيد حينما يككف األمر متعمقاً بالخير ،كأشار إلى أف ذلؾ
ٍ احتماؿ
ٍ كلكنو قد يبقى ألف سنة ال يتزحزح عف
ىك سبب قكة الشياطيف .
كفي ختاـ ذلؾ ذكر أف اإلنساف ( يريػد خػداع نفسػو ) بأيػة صػكرة كنحػف نقػدـ لػو الصػكر الممكنػة
ليذا الخداع كأشار إلى أف الفمسفة لـ تفسر الديف كلـ تفسر السحر كلـ تفسر الطبيعػة ،كأف الػذيف أكرثػكا
الكتب المنزلة لـ يفرقكا بعد بيف السحر كالمعجزة ،كمع ذلؾ تحظى ىاتػاف الفئتػاف بالتقػدير الفكػري األعظػـ
عند بني اإلنساف .
فأعظـ مف أىميتيا قائالً )
َ كتطرؽ إلى " السياسات "
المعاكف :اإلنساف لجيمو كتجاىمو مثالً ال يدرؾ أننا نربط بيف السياسة كالديف كالفمسػفة كالسػحر ،كعنػدنا
( لمساسة ) كما تعممكف المكقع األكبر ،فيـ ال يكثركف مف الكالـ الذي ال طائػل مػف كراءه ،ألنيػـ يمكػف
أف نسمييـ الفالسفة العممييف ،كالفمسفة العممية أىـ مف الفمسفة النظرية ،ألف ىػذا النػكع مػف الفكػر ىػك
بعكػػس العمػػـ ،فػػالعممي يسػػبق فيػػو النظػػرَّي .كاذا أردنػػا إرجػػاع األشػػياء إلػػى عمميػػا كمػػا يفعػػل اإلنسػػاف فػػال
مندكحػػة لنػػا مػػف القػػكؿ بػػأف فالسػػفة النظػػر ىػػـ فػػي النيايػػة ى ػـ مػػف صػػنع فالسػػفة العمػػل .لكػػف اإلنسػػاف
لجيالتو ال زاؿ ينتظر الخالص مف ىؤالء عمى يد أكلئؾ .اإلنساف يعصي أكلئؾ الذيف يرفضكف سمبو حريتو
كارادتو كيخمصكف لو في إفيامو معناىػا كمغزاىػا كأىػدافيا ،فػي حػيف أف سػمبو حريتػو ىػك أفضػل الطػرؽ
لكضػػعو عمػػى جػػادة الطاعػػة العميػػاء ،كلكػػف حتػػى فػػي ىػػذه الحالػػة فإنيػػا صػػفقة كىميػػة بػػيف الطػػرفيف مثػػل
االتفػػاؽ الػػذي جػػرى بػػيف الشػ َّػكاء ك( نصػػر الػػديف ) عنػػدما أعطػػاه رائحػػة الش ػكاء كأراد أف يقػػبض الػػثمف .
كليس لألكثرية مثل نباىة ( جحا )حينما جعل الثمف المدفكع ىك إسماع الشكاء رنيف الدراىـ ،ألف الحريػة
مثل ( الصندكؽ األسكد ) لف يسمميا أك يستمميا إال كاحد فقط ىك كاىبيا ،كقػد جعػل ىػذا الػكىـ اإلنسػاف
ال يسػتحي مػف أف ( ِّ
ينظ َػر ) فمسػفة خاصػة بسػمب الحريػة فػي صػفقة ىػي األخػزى فػي تاريخػو بػيف الحػػاكـ
كالمحككـ( ،)1كقد يعجبو أف يق أر بشغف كانبيار النصائر التي يقدميا الفيمسكؼ لمحاكـ عف أفضل الطرؽ
لسرقة حرية الرعية في كقت تالح الرعية التطبيقات العممية لمتنظير فػال تتراصػف مثػل األغنػاـ إذا كجييػا
كنػاد اًر مػا تفعػل الذئب بل تحيط بالذئب عارضة عميػو اختيػار مػا يالئػـ شػييتو !! .كحينمػا تقتػل ذئبػاً
داع ،كاذف فػال حػق ليػا بػالتبجر ،
فيي ال تقتمو ألنو ذئب بل ىي تفعل ذلؾ إلسرافو في إفناءىػا لغيػر مػا ٍ
كىي مف ثـ ال تتعاقد مع كبش مف أكباشيا في ( عقد اجتماعي ) بقدر ما ترغػب فػي إبػراـ ىػذا العقػد مػع
ثمف بدرجة أفضل لحـ الضأف عندما يعرض عميو بال مجيكد ليمي حتى يحػيف كقػت استرخاصػو ذئب آخر ي ِّ
ٍ
لو .كقد يككف اإلنساف ىك الكحيد أك النادر مف الكائنػات الػذي يفػتش عػف شػيء يحممػو ىػك فػي ثنايػاه ،
كيعبد إلياً يريد أف يدركو بحكاسو كعقمو ،كيؤمف بخػالق ألجػل أف يعمػـ كبالتفصػيل كيػف خمقػو ،كيحػاكؿ
التخمص مف مشاكل يضعيا بيده كينكػر أشػياء يتعامػل معيػا يكميػاً فػي كقػت يحػاكؿ فيػو إثبػات األكىػاـ أك
يتساءؿ عف المعدكمات !! .كىل ىنػاؾ أكثػر حمقػاً مػف كػائف يقػكـ أحػد أفػراده بإنكػار المكجػكدات بأسػرىا
كيعتبرىا كىماً مف األكىاـ ال كجكد ليا البتة كمع ذلؾ يبقى باحثاً عػف حمػكؿ لمشػكالت كجكديػة كرغػـ ذلػؾ
يتابع أفراد ىذا الكائف مقكالت ىذا الفرد كيحتفظكف بيا كيمنحكف ألجميا شيادات المعرفة .
(بعدما أنيى المعاكف كالمو قاؿ الرئيػس )
الرئيػس :أرى أف ( أنا ) نية اإلنسػاف ىػي األصػل فػي معرفػة طبائعػو ،كىػك حػاذؽ فػي الخبػث بحيػث أنػو
يياجـ األنا بقكة ليؤكد عمى ذاتيتو الخاصة فيمتبس األمػر عمػى السػامع حيػث يظػف السػامع أنػو بػريء مػف
ىذا المرض فيجذبو إليو بقكة .كلما كنت أريد منكـ أف تسبقكا اإلنساف في األمػر المحتمػل كغيػر المحتمػل
،فإني أضع لكـ سؤاالً أريد أف تجيبكا عميو ألعمـ مقدار عممكـ في ىػذه األمػكر الدقيقػة .فػإذا ىػاجـ رجػل
رجػل آخػر مثمػو ككػاف أحػدىما خبيثػاً
جميع الناس كاتيميـ بقمة المعرفة كالجيل حرصاً عمى الحقيقة كفعػل ٌ
مف شياطيف األنس كاآلخر صادقاً في حرصو ككاف عندىما مف التيـ مقدا اًر متشابياً كمف النقد الالذع قد اًر
متساكياً ،فكيف يستطيع اإلنساف فيما لك أراد أف يفرؽ بينيمػا عمػى فػرض أنػو ال يػرى منيمػا إال مػا
كتباه كألفاه ليذه المقاصد ككيف يعمـ الصادؽ كيميزه عف الكاذب
المغربي :إذا تشػابو القػكؿ مػف أحػدىما فػي غاياتػو كمقاصػده مػف أكلػو إلػى آخػره كفػي جميػع كتبػو كأيػد
بعضو البعض كلـ ينقض بعضو بعضاً فذلؾ ىك الصادؽ ،كما كاف فيو خالؼ ذلؾ فيك المخادع صاحب (
األنا ) .
المشرقي :كاذا أكثر مف امتداح نفسو كذـ غيره كأكثر مف دعكى نفي قدرة اآلخريف عمى فيمو بمناسبة أك
غيػػر مناسػػبة ،فػػذلؾ ىػػك المخػػادع صػػاحب ( األنػػا ) .كاف أقػػر بجيمػػو كسػػكت عػػف مػػا ال يعمػػـ فػػذلؾ ىػػك
الصادؽ .كانما يعرؼ المرء مف فمتات لسانو .
مكنادك ( مارد الجنكب ) :إذا تعرض لجميع الخمق بالنقد كلـ يستثف أحداً فيك الكاذب .كاذا استثنى كأقػر
بكجكد مف ىك أعمـ منو فيػك الصػادؽ عمػى أف ال يكػكف المسػتثنى مقدسػاً عنػد العامػة .كفػي ىػذه الحالػة
يجب النظر ،فربما اسػتثنى خكفػاً فيعػذر أك طمعػاً فيتػرؾ كانمػا يعػرؼ الكاتػب الصػادؽ مػف إتمامػو الحػديث
كعدـ بتره .
مارد الشماؿ :إذا طاؿ نقده لمعامة كالجياؿ كسكت عف القادة كالحكاـ كلـ يربط جيل أكلئػؾ بطغيػاف ىػؤالء
فيك الكاذب .كاذا فعل خالؼ ذلؾ فيك الصادؽ .كانما يعرؼ المرء مف إليو الذي يعبد .
شيطاف المغات :إذا حكى الشيء كسػماه بمفػ ثػـ حكػاه فػي مكاضػع أخػرى كسػماه بأسػماء أخػرى ال تقػكِّي
معنى االسـ األكؿ فيك الكاذب صاحب األنا .كأف ثبت عمى تسمية األشياء بما يقكِّي معانييػا نفسػيا فيػك
الصادؽ .كانما يعرؼ المرء مف منطقو .
جميكتا :إذا ادعى أنو يفسر جميع الظكاىر كيحػيط بجميػع األشػياء فيػك الكػاذب صػاحب األنػا .كاذا طمػب
أف ال يحم َل فكؽ طاقتو كسأؿ أف يميل لعمو يعمـ فيك الصادؽ .كانما يعرؼ مقػدار عمػـ المػرء مػف مقػدار
ما يجيل .
إف األلكىية ال تعرؼ ألجل عدـ معرفتيا إال بسػبع
الرئيػس :أما أنا فأجمع ما قمتمكه في كصف كاحد ىك َّ :
صم َد ٌة ال يخػرج منيػا شػيء كال يػدخميا شػيء .فمػف يقتػرب منيػا عمػى
صفات اختصا اًر ،إحداىا ..أنيا م َ
نحك كاف اقترؼ ال محالة كاحداً أك أكثر مما ذكرتـ كعندىا فيك الكػاذب صػاحب األنػا كأنػا أتػكاله . أي ٍ
لكني أسألكـ عف معنى قكلي أيضا ما ىك
صمد ال يخرج منو شيء كال يدخمػو شػيء كلػيس ىػك مػف األشػياء المشرقي :إنو كاضر سيدي .فيذا الم َ
التي تعرؼ كال يمكف أف يعرؼ أك يعرؼ بشيء .فمف أراد إدخاؿ شػيء أك إخػراج شػيء فكأنمػا أراد إدخػاؿ
أك إخراج نفسو ليككف مع المصمد أك منو في شيء .كتمؾ ىي ( األنا ) التي ميما تضاءلت كاحتالت في
التضاؤؿ كىي تفعل ذلؾ دكماً فستبقى كاضح ًة منتفخ ًة أكبر مف السمكات كاألرض كمف فييف .
الرئيػػػس :نعػػـ ىػػذا ىػػك مػػا يعنيػػو قػػكلي .كاذف فمػػا أكثػػر مػػف ىػػـ ِّمػػف أصػػحاب األنػػا بػػيف الزىػػاد كالفق ػراء
كالمتقشفيف ،كما أكثر مف ىـ ليسكا كذلؾ بيف العصاة كالمذنبيف الذيف لـ يتجمببكا بجمباب الكرع كالتقػكى
.كحينما يقع الحساب تظيػر المفاجػآت العجيبػة ،فيسػأؿ األشػرار فػي الجحػيـ عػف ( األشػرار ) اآلخػريف
أز حثيثػاً ال ىػكادة فيػو ،
كيفتقد األخيار في النعيـ ( األخيار ) اآلخريف .أريدكـ أف تػأزكا أصػحاب األنػا اً
فإني نيـ إلييـ نيماً ال تتصكره عقكؿ بني اإلنساف مثمما ال تتصكره أكىامكـ .فإف مثقاؿ ذرة مف ( األنا )
خافية في قمب أحدىـ ستظير فجأة بقدر الككف بفضل جيكدكـ ،فاعممكا ٍ
بجد كنشاط ال فتكر فيو .
المغربي :ليكف ظنؾ بنا في محمو سيدي كلف نفتر أبداً في عممنا .
الرئيػس :ب ِّشرت بكل شر كقد ارتاحت نفسي راحة عظيمة لما ذكرتمكه مف أشػياء .كاآلف فػإني أشػتيي أف
يحدثني أحدكـ عف اإلماـ العظيـ أبي حامد الغزالي .
أي مػنيـ بنػت شػف ٍة
(نظػر القػادة فػي كجػكه بعضػيـ الػبعض كىػـ فػي حػاؿ مػف الكجػكـ كالقمػق كلػـ ينػبس ٍ
فصاح بيـ الرئيػس )
الرئيػس :ما لكـ تكممكا ! .
السري األدنى لمقػادة الػذي
المعاكف :لقد جرت العادة سيدي الرئيػس أف نستعرض ىذا االسـ في المجمس ِّ
ينعقد في أعقاب كل مؤتمر .
بد مف الحصكؿ عميو ،كالسر إذا صار إماماً لػـ الرئيػس :ىذا صحير كلكني إذا اشتييت شيئاً لـ يكف لي ٌّ
سر ،كانما أريد أف تشرحكا كيف كانت البداية لتككف درساً لمشياطيف .
يعد اً
حامد في أصحاب األنا نظر الفاحص المدقق فكجدىـ أربعة أقساـ :أرباب الفمسفة
ٍ المشرقي :لقد نظر أبك
كأرباب النظر كالكالـ كأرباب الفقو مف الحػالؿ كالحػراـ كأربػاب الطريقػة أصػحاب الكشػف كاإلليػاـ .ثػـ كجػد
صػػنفاً خامسػاً غريبػاً ىػػـ ( الرسػػل ) ،حيػػث كجػػدىـ حػػازكا عمػػى الحكمػػة كحػػازكا عمػػى الكػػالـ كحػػازكا عمػػى
معرفة الحالؿ كالحراـ كأكتكا ما ال يمكف تفسيره مف الكشف كاإللياـ ،فعجب مػف أحػكاليـ كفكػر فػي اقتفػاء
آثارىـ ،فعجز عج اًز تاماً أف يككف مثميـ أك كاحداً مػنيـ .كلمػا بمػد مػف العمػر كالفكػر ىػذا المبمػد عرضػنا
عميو خطة قبميا كعمل بيا َّ
كجػد كاجتيػد كبمػد مػف النشػاط فييػا مػا لػـ نتكقعػو ككنػت أخاطبػو بكػالـ منقػكع
بنظـ مسجكع .كالخطة ىػي :إف أغمػب مػا يػرد عػف الفػرؽ األربعػة إنمػا ىػك مػف عقكليػا كاف مػا يػرد عػف
الخامسة إنما ىك مف كحي السماء .ثـ قمػت لػو ( :كاف مػا ىػك مػف كحػي السػماء إنمػا تنقمػو تمػؾ الفػرؽ
لتسند بو مقكالتيا كأكثره أما محرؼ أك مكذكب أك تفتريو ىي حاؿ الحاجة أك تفسره بحسب ما يؤيد مرادىا
كػل فرقػة منيػا
ىاجمػت َّ
َ .كأما الذي ثبت نصو فميس فيو كجياً كاحداً كانما كجكه تقمِّبيا حيػث تشػاء .فػإذا
أثبت بعضو أك كمو في مكضع آخر مستنداً إلى نفس ما يستندكف إليػو كتيت مف قدرة في نظـ الكالـ ك َّ
بما أ َ
مف النصكص تابعاً لطريقتيـ في معالجة النصكص ،فقد حزت عمى عمـ األكليف كاآلخػريف كلػـ يكػف فكقػؾ
إال الفرقة الخامسة كستجعميـ إذ ذاؾ يذكركف أقكالؾ كميا .فمف أراد نقد فرق ٍة اعتمد عميؾ كمف أراد إثبات
صحة مذىبو اعتمد عميؾ أيضاً .فقاؿ الشيذ :كبذلؾ أككف أنا أنا كىـ ىـ .كحينما فكر فػي األمػر قػاؿ :
لكف ىذا شيء يصعب عممو ! .فقمت لو :ال يصعب أماـ عبقريتؾ شػيء ! فقػاؿ :فمػا أكػكف أنػا فقمػت
لو :تككف أنت أنت عمى نيج صاحب الشريعة .أنت الكحيػد الػذي يفيػـ مقاصػده كيعمػـ مػف ىػك ككيػف
ىػك .فمػك كػاف فػي تمػؾ الفػػرؽ خيػر لمػا تفرقػكا كػل حػزب بمػػا لػدييـ فرحػكف .فػانظر لمػاذا يجمػع صػػاحب
جميعػاً ،إذ فػي كػل الشريعة كل تمؾ العمكـ كالطرائق أليس ألنو يعمميا جميعا كينقدىا فيما لػك تكم َػـ
منيا ما ىك صحير عمػى منياجػو كمػا ىػك خػاط ال يرجػى عالجػو .فممػا رأيتػو الف كأخػذ كالمػي بمجػامع
قمبو كالجناف زدتو مف معسكؿ البياف فقمت :كاعمـ أف المغة تعطيؾ ما تريد كتكصمؾ فكؽ ىػذا إلػى المزيػد
،كانما أخطأ ( محي الديف ) ،ألنو لزـ طريق التصكؼ كىك أمر مشيف ،كلكنو برع في تصريف المفردات
ما جعل السامع يظنو يسري في بطكف اآليػات .فالمغػة سػالحؾ ،كالمعػاني رماحػؾ ،كالنصػكص جناحػؾ ،
كليس ليذه الفرؽ شيء سكى المعقكؿ كالمنقكؿ ،كأنت فييمػا أعمػـ مػنيـ فػي الفػركع كاألصػكؿ !! .فقػاؿ
الشيذ :هلل در أقكالػؾ الجامعػة ،كخطتػؾ البارعػة كحتػى لكػأني بيػا أطيػر فػي السػماء السػابعة ،كلكػف قػد
بقيت قضية ىػي لنفسػي كامعػة ،فػانظر مػا أنػت صػانعو ! .فقمػت :فػاذكر ىػذا الشػيء الكػامع ،فػإني لػؾ
سامع ! .فقاؿ :إف لبعض العمماء فحكصاً دقيقة ،كأخشى أف تنكشف الحقيقػة ،كيكػكف حػالي مثػل ( َّ
أـ
بعبػاس كلػـ تتػزكج مػف عمػي !! .فممػا رأيتػو يريػد النكػكص ،أزجيتػو كمػا تزجػى القمػكص ،
ٍ قمي ) لـ تح َ
كعالجتو بعبارتيف كانتا كمف أليبو بسػكطيف .حيػث قمػت :تبػاً لضػعف عزيمتػؾ مػع قػكة اعمميتػؾ ،أتػراىـ
كشفكا اآليات البينات أـ اتفقكا في تمكـ المفصالت ،أـ حمػكا المعضػالت ،أـ أجػابكا عػف المشػكالت إنمػا
ديدنيـ االخػتالؼ كعػدكىـ الكحيػد ىػك االئػتالؼ .كعمػى فػرض أف أحػدىـ كشػف أمػرؾ بعػد قػركف فمػا ىػك
ػػاحر أك مجنػػػكف ! فػػػالخمق بالفرقػػػة مكلعػػػكف ،
بأفضػػػل ممػػػف خكطػػػب بػػػالنكف ،فقػػػالكا عنػػػو كيقكلػػػكف سػ ٌ
كبالغكامض مشغكفكف ،كسينشغمكف بؾ عنؾ كتجعميـ في معيشة ضنؾ ،كأنت نائـ ممػ العػيف كىػـ فػي
الحيرة بيف بيف تماماً مثمما قاؿ الشاعر :
أناـ مأل عيكني عف شكاردىا
كيسير الخمق جراىا كيختصـ
فقاؿ :في ىذه صدقت كبالغت كنصحت ،كاني عازـ عمى أف أكسك المعاني ( حمػالً مختمفػة مػف األلفػا )
كأعجف الجكاىر كاألعراض بإناءيف مف التشبيو كالتنزيو كأدخل أفالطكف في رأس كل فقيو ،كأبتر ما يبقػى
كػل حسػاـ ،ثػـ أجػري عمػى
كل خصػاـ كأجػرد عمػى ٍ مف الكالـ فأككمو إلى ِّ
سر الكشف كاإللياـ ،كافتعل مع ٍ
لساف كل بعيد لمف خاصمتو شيئاً مف التأييد حتى أخمط الحابل بالنابل كأجعل العالي سافل ! .فقمػت :جػد
َجدؾ ،كعال مجدؾ ،كشاع حمدؾ .ثـ تركتو كخرجت .
الرئيػس :كىل سار بيذا المسار ككسا الظممة جمباب النيار ! .
المشرقي :بل سار فيػو حثيثػاً حتػى أمكنػو التصػرير دكف التممػير فقػاؿ ( :كالتماسػي قبػكؿ معػذرتي عنػد
مطالعػػة ىػػذه المحادثػػات فيمػػا آثرتػػو فػػي المػػذاىب مػػف العقػػد كالتحميػػل كأبدعتػػو فػػي األسػػامي مػػف التغييػػر
كالتبديل كاخترعتو مف المعاني في التخييل كالتمثيل فمي تحت كل كاحد منيا غرض صحير )(.)1
المغربي :كقاؿ أيضاً( :أما ىذه األسامي فأنا ابتدعتيا كأما المكازيف فأنا استخرجتيا مف القرآف كما عنػدي
أسػاـ أخػر سػكى مػا ذكرتيػا كعنػد األمػـ السػابقة أسػاـ أخػر
ٍ أني س ِّبقت في استخراجيا كليا عند المتأخريف
كانكا قد نقمكىا )(.)2
مكنادك ( مارد الجنكب ) :كأنا أحف قكلو ( :كاياكـ أف تغيركا ىذا النظاـ كتنتزعػكا ىػذه المعػاني مػف ىػذه
زيف المعقكؿ باالستناد إلى المنقكؿ لتككف القمكب فييا أسرع إلى القبكؿ)(. )3
الكسكة .قد عممتـ كيف ي َّ
المغربي :كمعنى ذلؾ أنو يدخل المعقػكؿ كيجعمػو جػزءاً مػف المنقػكؿ بعػد أف يكسػكه بحمػة مػف األلفػا مػف
السنة كالقرآف نصاً أك معنى .فقمت لو :ال تفضر سرؾ كأضف عميو مػا يجعػل المعنػى مرتػداً إليػو ،فأخػذ
ً
بالنصيحة كتسمر بالقريحة كأضاؼ إلى تمؾ العبارة قكلو ( :كاياكـ أف تجعمكا المعقكؿ أصالً كالمنقكؿ تابعاً
كرديفاً . )4().فقمت ِّ :
فيدد كتكعَّد كأجعل قكلؾ ىذا ىك الفصل مػف خالفػو فقػد ضػل كيمػا يرتعػب القػاريء
قػكؿ سػكاه ،فأضػاؼ ( :فإيػاكـ أف تخػالفكا األمػر
أي ٍ كييرب الشان ،كيككف بذلؾ أشبو بقػكؿ اإللػو مػف ِّ
كتضمكا كتضمكا )( . )1كىك في جميع ذلؾ يقصد عكسػو ،كيػرى أف المػرء ال يكشػفو حتػى فتيمككا كتيمككا َ
يدخل رمسػو ،كمػف أجػل ذلػؾ مضػت القػركف كالنػاس فيػو مختمفػكف ،كتمكػف مػف إدخػاؿ الفمسػفة فػي كػل
حكزة كمسجد كمدرسة مف حيث رماىا بسيـ ثابت سماه ( كتاب التيافت ) ،كىك في غيرىا نابت .فكػاف
يا سيدي مف نتائج تمؾ الخطة أف كقع عمماء ِّ
الممة في كرطة ،فجاء مف بعػده كػل نبيػو كأديػب كفيمسػكؼ
أي نجيب ،حامى عف الديف كدرج في السالكيف حتى أتاه اليقيف . كأديب فعدكه نجيباً َّ
الرئيػػس :مػا أسػعدني بكػـ يػا عظمػاء الشػياطيف كقػادتيـ ! …غػربيكـ ي ِّ
ػتقف السػجع كشػرقيكـ يػتقف عػزؼ
( بحيرة البجع ) !! كلكف ماذا يقكؿ النقاد كالباحثكف في نقد فالسفة ( اإلسالـ )
المغربي :النقاد كالباحثكف ال يفيمكف كلك كانكا يفيمكف مرامي الفالسفة لكانكا فالسفة كلكضعكا ألنفسػيـ
فمسفة فيك أجدر بيـ كأليق بمقاميـ فػي حالػة كتمػؾ .ككػل مػا يفعمكنػو أنيػـ يقكلػكف :ىػذه نريػدىا ألنيػا
جيدة كتمؾ ال نريدىا ألنيا غير جيدة ،كىذه كفق ليا فالف كتمؾ لـ يكفق لحميا عال ف .كاذا كانت األشػياء
مختمطة في ذىف الفيمسكؼ فكيف ينبري لفرزىا مف ىك دكف مقامو .كحينما صفقكا لمغزالي ألنػو أبطػل
نظرية الفيض بقي المسممكف بفضل الغزالي يقسمكف األشياء إلى ممكػف ككاجػب بػدالً مػف التقسػيـ القػديـ
إلى ( حادث كقديـ ) ،كال فرؽ في التسميات سكى أف القديـ ىك الكاجب كالحادث ىك الممكف( .)2كحينما
يرتػػدي أرسػػطك عمامػػة كيمػػبس عبػػاءة كينتعػػل خفػػيف فمػػف ذا يفرقػػو عػػف اآلخػػريف إذا مػػا تمشػػى بػػيف بغػػداد
عجز فالسفة اإلسالـ عف بمكغ ىػدؼ محػدد ،لقػد عجػزكا أف يقكمػكا كالشاـ أك صمى بيف الركف كالمقاـ
احد مف االحتماالت الممكػػنة :
بأي ك ٍ
ِّ
األكؿ :إنيـ عجزكا أف يبطمكا مقكالت اليكناف بفمسفة مف عندىـ .
الثاني :إنيـ عجزكا عف رفض تمؾ المقكالت ألنيا تخالف كتابيـ عمى ما يفيمكنو مف المخالفة .
الثالث :إنيـ عجزكا أف يكفقكا بيف تمؾ المقكالت كبيف ما يفيمكنو مف كتابيـ المنزؿ إلييـ .
الرابع :إنيـ عجزكا أف يستخرجكا فمسفة تخصيـ مف كتاب ربيـ المنزؿ إلييـ .
الخامس :إنيـ عجزكا عف اإلجابة عمى السؤاؿ :ىل في كتابكـ فمسفة أـ ال .
كالحاؿ ىك ليس أف البعض يقكؿ نعـ فيو فمسفة كاآلخر يقكؿ ال .بل الرجل نفسو منيـ تأتيػو لتسػألو عػف
ما ينطكي عميو ىذا الكتاب مف المعارؼ فيقكؿ كل شيء كتفصيل كل شيء ،كتأتيو ثانية بعػد ألي فتقػكؿ
لػػو أيػػف فمسػػفتكـ المطابقػػة آليػػات الكتػػاب المنػػزؿ عنػػدىا سػػيزعـ إنػػو كتػػاب ديػػف كعقيػػدة كمػػا ىػػك بكتػػاب
فمسفي ،كلكف في مكضع أخر ربما يعجبو أف يعدد أسماء أعالـ باعتبارىـ فالسفة اإلسالـ ! فيل تخاؼ
سيدي الرئيػس مف ىؤالء خي اًر ! .
شر .لكنيـ حاكلكا أف يجدكا طريقاً كسطاً يجمع بيف تمؾ األشياء كيكافػق
الرئيػس :كال …نعـ …بل آمل اً
الكتاب المنزؿ .
المشرقي :إذف فقد خالفكا الكتاب المنزؿ مف أكؿ خطكة ما داـ اليدؼ ىك التكفيق ! .
الرئيػس :لقد اختمفكا أيضاً في ضركرة الفمسفة ،فبعضيـ قاؿ إنيا ليست مف الديف فػي شػيء كال ضػركرة
ليا كال يتكقف اإليماف عمييا .
المغربي :إذا كانت الفمسفة تعني الحصكؿ عمػى الحكمػة ،فالػديف كمػو لػيس سػكى فمسػفة إذ الغايػة منػو
تعمػػيـ الحكمػػة عمػػى أكسػػع نطػػاؽ ال حص ػ اًر بػػيف ( الخ ػكاص ) كمػػا نػػص ىػػك عمػػى ذلػػؾ .كالػػذيف قػػالكا أف
خمػك مػف الحكمػة ،كلػـ يػأتكا بالحكمػة البديمػة عنيػا ،
الفمسفة ليست ضركرية لـ يبرىنكا عمى أف الفمسػفة ٌّ
كلـ يفكركا في الفصل ،ثـ عممػكا مػا ىػك أشػنع حينمػا أخػذكا مقػاالت الفمسػفة كجعمكىػا قكاعػد ليػـ ألشػياء
كثيرة في الديف .كالذيف قالكا أنيا ضػركرة فقػد عػدكىا حكمػة لكػنيـ كجػدكىا ال تتفػق مػع حكمػة الػديف فمػـ
يقدركا عمى التكفيػق كلػـ ينكػركا إحػدى الحكمتػيف !! كىػذا ىػك حػاؿ أىػل األديػاف الثالثػة جميعػاً .كمػأزقيـ
الكحيد الذي يجعل جميع المشكالت بال حل ىك العالقة بيف الخالق كالمخمكؽ كطبيعة كل منيما .فإف مرد
جميع األشياء بما في ذلؾ النظاـ األخالقي كالسياسي كحدكد المعرفة كقدرات العقل إنما مرجعيا إلػى البػاب
المكصد بكجو الميتافيزيقا كىك باب معرفة هللا كالعالـ ( .ق ِّرعت الباب كدخل أحد المردة )
الرئيػس :أنتـ يا مردة الشرؽ كشياطيف الجنػكب تػأتكف دائمػاً بعػد الكقػت المحػدد !! الميمػة التػي أرسػمتؾ
مف أجميا ال تستدعي كل ىذا الكقت يا مارد الخطفات !
مػػارد الخطفػػات :صػػحير سػػيدي .لكنػػي جئتػػؾ بمنػػافع أخػػرى كمعمكمػػات كثيػػرة عػػف الميمػػة ،عػػالكة عمػػى
اف معدكد ٍة !
محاكرة حكيميف مف حكماء الصيف انتييت مف مالحظتيا قبل ثك ٍ
الرئيػس :ماذا حكماء ال فالسفة !!!
(ييـ الرئيػس بالقياـ كقد بدا عمى شفير نكبة مف غضب عارـ ألمت بو )
المارد :ال تخف سيدي إنيما ليسا مف أىل المدف كال يقابالف أحداً قط كىما منعزالف تمامػاً عػف العػالـ كال
ناء .
مرتفع ٍ
ٍ يممكاف قصاصة كرؽ كال قالمة قمـ كيعيشاف في سفر ٍ
جبل
الرئيػس :كمع ذلؾ فيجب تشديد الحراسة عمييما فاألمر خطير جداً .ىل تركت حرساً عمييما
المارد :بالتأكيد سيدي الرئيػس ،أربعة آالؼ يتناكبكف حسب النظاـ .
الرئيػس :ترى ىل سمعت بيما مف قبل مف ىما .
المارد :أرى أنؾ تعرفيما ( :براىما ) ك ( ماىانا ) .
الرئيػس :آ …نعـ …نعـ لدي معمكمات سابقة عنيما .ما كانا يفعالف
المارد :كانا سيدي الرئيػس يمثالف ،فقد كقف ( براىما ) في النكر الساطع المعمق كتككر ( ماىانػا ) فػي
ظمِّو بحجة أف ( براىما ) يريد أف يعرؼ كيف يحاكره ظمو ،فقاؿ ( ماىانا) :حسػناً سػأككف أنػا ظمػؾ كلكػف
رفقاً بي .ثـ تحاك ار :
…أنػا … براىما ( كىك يردد بال كمل كمف يغني ) :أنا كحدي …أنا كحدي ليس معػي أحػد .أنػا كحػدي
أنا…
ماىانا ( :يجزع مف تككره في الظل فيردد ) :أنا كحدي …أنا كحدي …
براىما ( يمتفت إليو ) :مف ىذا ظمي يتكمـ أصبحت تتكمـ مثمي يا لصمفؾ ككقاحتؾ ! .
ماىانا :كلـ ال ألست مكجكداً
براىما ( :متعجباً غاية التعجب ) :أنت مكجكد !
(كحينما جمس براىما قصر الظل فكافر ماىانا ليككف ضمف حدكده كيزمع براىما أف يتمػدد فيصػير ماىانػا
)
ماىانا :الغكث الغكث سيدي الحكيـ ستضطرني لمفناء !
براىما :كاآلف ىل أنت مكجكد
ماىانا :أظف أنني مكجكد عمى نحك غريب كمزعج ،إذ يمكف أف أفنى في أية لحظة .
براىما :إذف فكف مؤدباً يا ظمي ىكذا دكماً !
ماىانا :أريد أف أراؾ فمماذا ال أراؾ كأنت تراني
براىما :ألنؾ ظمي فكيف ترى أنت عبارة عف ( ظممة ) كبيني كبينؾ ( ظممة ) ،لكنؾ تستطيع عمى نحك
ما رؤية بعض أجزاء جسدؾ مما يشرؽ مف أنكار قميمة في الظممة .
مصر عمى أف أراؾ .
ماىانا :لكني ٌّ
براىمػػا :آسػػف يػػا ظمػػي .أنػػا شخصػػياً ال أسػػتطيع أف أجعمػػؾ ترانػػي .ألنػػؾ لػػف ترانػػي حتػػى تكػػكف مثمػػي
ظ ٌّل كليس بمقدكري أف أجعل ظمي ىك أنا أك مثمي .
كيككف لؾ َ
ألست أنت الذي أكلدتني
َ ماىانا :ألست منؾ
كلست مني .
َ براىما :أنا لـ ألدؾ مطمقاً
ماىانا :فيل أنا منفصل عنؾ
متصل بي رغـ أنفؾ .
ٌ براىما :كال .أنت
ماىانا :إذف فأنا منؾ !
براىما :كال أنت لست مني كاف كنت متصالً بي .
ماىانا :أريد أف أعرؼ مف أنا
براىما :أنت ظل ! أنت ال شيء .
ماىانا :لكني أتكمـ كأحاكرؾ اآلف فأنا شيء .
براىما :تكمـ كما يحمك لؾ كافعل ما تريد فأنت ال شيء .أما أنا فكاحد مستقل .
متصل بي أيضاً .
ٌ ماىانا :أنا أيضاً كاحد ،كائف مستقل ،كليس اتصالي بؾ نقصاً فأنت
براىما :أنا منفصل عنؾ !!
متصل بي !
ٌ ماىانا :قمت لمتك أنؾ
متصػل
ٌ براىما :قد عممت أنؾ ستحاكؿ أف تقكلني بأشياء لـ أقميا .أنا قمػت أنػؾ متصػل بػي كلػـ أقػل أنػي
بؾ .
ماىانا :أليس ىذا مخالف لممنطق .شيئاف متصالف كمع ذلػؾ فػإف أحػدىما منفصػل عػف اآلخػر ،كاآلخػر
متصل بو !!
براىما :مخالف لمنطق الظل ال لمنطقي أنا ذلؾ الذي أنت تتحدث عنو(. )1
ماىانا :ككيف أعمـ أي المنطقيف ىك الصحير
براىما :بسيطة ! أنا أفعل ما يحمك لي كأنت افعل ما يحمك لؾ كالح بالتجربة مػف المنفصػل كمػف المتصػل
!
(ييـ براىما أف يتمدد عمى األرض )
ماىانا ( صارخاً ) :أ ِّ
قسـ عميؾ أال تفعل !
كىػذا فػرؽ عظػيـ بينػي كبينػؾ براىما :أما أنا فأقكؿ لؾ افعل ما تشاء ،لكنػي أنصػحؾ أف تكػكف مؤدبػاً
ىك كالفرؽ بيف الشيء كالالشيء .
ماىانا :أرى نفسي كاحداً كما أنت كاحد .
احد كقيدؾ آخر .
براىما :أما أنا فأراؾ أثنيف ،حريتؾ ك ٌ
ماىانا :ككيف ترى نفسؾ
براىما :ىذا ليس شأنؾ ،إذا رأيتني أك انفصمت عني أك خرجت مف قبضتي فاسأؿ ما تشاء .
ماىانا :أريد أف أعرؼ مف أي شيء أنت !
براىما :ككيف يعرؼ الالشيء ما الشيء
ماىانا :لماذا إذف ككنتني
براىما :أنا أفعل ما يحمك لي .
ماىانا :ىذا منتيى القير كالتسمط !
براىما :نعـ إنو منتيى القير كالتسمط .
ماىانا :أريد أف أتخمص مف قبضتؾ .
براىما :قد تتخمص بالفناء .
ماىانا :أريد أف أتخمص بالكجكد .
براىما :ىذا محاؿ .
ماىانا :لماذا
براىما :ألنؾ لست شيئاً في الحقيقة ،أنت ظل ،كمف طبع الظل انو متصل دكماً بصانعو .
ماىانا :ما ىي الحقيقة .
براىما :أنا كحدي .
ماىانا :رائع لقد اكتشفت الحقيقة :أنا كحدي …أنا كحدي ! ( يردد )
براىما :يا لؾ مف غبي .عميؾ أف تقكليا ىكذا ( :أنت كحدؾ ) ،كال تعيد نفس القكؿ كمػا يعيػده التمميػذ
الغبي
ماىانا :أنا ذكي …أنا فيمسكؼ …أنا! …
براىما (مقاطعاً ) :ىذا في نظرؾ .أما عندي فأنت غبي تريد أف تسرؽ مني شيئاً ىك عنػدؾ أك تيػب لػي
شيئاً ليس عندؾ كال حاجة لي بو .
ماىانا :إذف فأنا أريد أف أفنى إذ لـ يعد يعجبني البقاء ،ألني ال أفيـ سبباً لكجكدي .
براىما :أنت تكذب .
أقسـ بأني صادؽ …ىيا …ىيا أفنني .كافعل ذلؾ بسرعة كي ال أتألـ .ماىانا َ :
براىما :ما أسرع ما تنسى .في كل مرة تطمب ذلؾ ثـ تستغيث إذا اقترب منؾ الفناء .
ماىانا :ىذه المرة دعني أفنى .كحتى لك استغثت بؾ كصرخت فال تسمعني .
براىما :ليس مف عادتي أف ال أسمع المنادي .
ماىانا :لماذا ىا أنا الذي يطمب منؾ ذلؾ .
براىما :ألنؾ تكذب كفي لحظة االستغاثة فقط أنت صادؽ كمف خمقي سماع الصادؽ .
ماىانا :ال ييمني ما تقكؿ ككيف تفسر أحكالي .أنا اآلف أريد أف أفنى .
براىما :كأنا ال يأمرني أحد .أنا لف أككف كما كنت يكماً مقيداً بؾ .
ماىانا :إذف فأنت تحتاجني ! ىا لقد أكقعتؾ في الكالـ .
براىما :أنا ال أحتاجؾ كقػد أكقعػت نفسػؾ .فأنػت تريػد أف تفنػى لتثبػت أنػي أحتاجػؾ .أنػت ال تسػتطيع أف
تكذب عمي ما لـ تكذب عمى نفسؾ أكالً .
ماىانا :مف أي شيء خمقتني ألـ تخمقني مف مادة سابقة عمى مادتي لنقل أف أسميا الييكلى .
حي ٌل كثيرة لتتكصل إلى أنؾ تمت إلى جكىري بصمة مف نػكع مػا .لػـ أخمقػؾ مػف شػيء ألنػؾ براىما :لديؾ َ
فػػي الحقيقػػة الشػػيء .كػػل مػػا فػػي األمػػر أننػػي إذا أكقػػدت الس ػراج فإنػػؾ تظيػػر ،كاذا أطفأتػػو فإنػػؾ تفنػػى .
كالسراج مف صنعي كأنت ال تدركو أيضاً ،ألنو إذا أضاء كنت ظممة كاذا انطفأ فنيت .فال تقدر عمى معرفػة
ما ىك السراج فضالً عف صانعو .
ماىانا :إما أف أككف كاما أف أفنى .أما ىكذا أبقى مستعبداً لؾ فيذه مشكمة .
براىما :إنيا مشكمتؾ ال مشكمتي !
ماىانا :لكف يتكجب عميؾ حميا لي ما دمت تقدر ،فقد بدأت أفيـ أنو الحل كال عقد لي بغيرؾ .
براىما :بالنسبة فال أرى مشكمة كال أراؾ في مشكمة .
ماىانا :لماذا تتجاىمني فأنت تعمـ مشكمتي .إما أف أككف أك أفنى .
:براىما :ىا أنت تككف مرة كتفنى مرة فأيف المشكمة
ماىانا :كال …كال …أنا أريد كاحدة فقط .إما كجكد دائـ أك فناء دائـ .
براىما :حينما تكجد فمست فانياً كحيف تفنى ال تشعر بكجكدؾ الفاني فايف المشكمة
ماىانػا :أنػػا ِّ
أحبػذ أف أكجػػد بغيػر متاعػػب ،بػال قيػػكد ،بػػال خػكؼ .كاذا لػػـ يحػدث ذلػػؾ فػإني حػػاؿ كجػػكدي
أفضل الفناء كي ال أشعر بمشاكل الكجكد .أال تفيمني
براىما :إني أفيمؾ جيداً ،لكف ما تقكلو فيك مجرد كىـ .فالمتاعب كالقيكد كالخكؼ أنت تضعيا بنفسؾ .
ػب
متع ٌ إنيا كاحدة مف أكاذيبؾ عمػى نفسػؾ .فأنػت ال تريػد أف ِّ
تجػرب العػيش كفػق طبيعتػؾ كظػ كل لػي .أنػت َ
ألنؾ تريد الخركج مف حدكدي َّ
الظمية .
ماىانا :ماذا تقصد َّ
دلني عمى طريق سعادتي !
ظل كىذه ىي سعادتؾ .كل ما تخشاه مف حركاتي سػينقمب إلػى أشػياء تجمػب لػؾ السػعادة .
براىما :أنت ٌّ
ستككف مغرماً بمالحقتي كدخكؿ حدكدي َّ
الظمية كالتحرؾ ضمنيا .كعميؾ فقط أف تفيـ بأنػؾ ظػل ال غيػر .
ككل شيء آخر ىك مسئكليتي .
ِّ
ستكبر لي مساحة الحركة ماىانا :كىل
براىما (يضحؾ ثـ كبخطفة يضع السراج قريباً منو ) :ماىانا ! أنظر …أنت اآلف ال نيائي كال حدكد لػؾ .
أنظر جيداً …عبرت المحيطات كسرحت في الفضاءات كخرؽ سػكادؾ القػاتـ شػمكس األفػالؾ ،ألنػؾ ألكؿ
مرة تتركني أفعل لؾ ما تريد كألكؿ مرة تقػر بعبكديتػؾ لػي .تحػرؾ اآلف كمػا يعجبػؾ يػا ظمػي ،تحػرؾ كيفمػا
تشاء كأنى تشاء .
(قاـ ماىانا عمى رجميو راكضاً في ِّ
ظل براىما خطكات ثـ رجع إليو كتعانقا كانتيى تمثيل ىػذا المشػيد كىمػا
يضحكاف سكية كالجبل يردد الصدى )
الرئيػس :كىل عممت أييا المارد ما قصده الحكيماف مف تمثيل ىذا المشيد
المارد :ال أدري سيدي ،لكني أظف أنيما يقكالف مف خػالؿ ذلػؾ أف المنطػق الفمسػفي ال ينطبػق كال يصػمر
لتفسير العالقة بيف الرجل كظمو فكيف يصمر لتفسير العالقة بيف هللا كالعالـ ألف ما يبػدك منطقيػاً عنػدىـ
أصػػبر غيػػر منطقػػي فػػي نفػػس ىػػذا الكجػػكد مػػف خػػالؿ ظػػاىرة عامػػة مالحظػػة فػػي كػػل حػػيف .كبالتػػالي فػػإف
أحياف كثيرة داخميا ،كلذلؾ شددت الحراسة عمييما .
ٍ منطقيـ ال يعمل خارج الطبيعة إذا كاف يخط في
الرئيػس نعـ كفقت لكل شر فاجمس .
المشػػرقي :سػػيدي الرئيػػػس :إف المحػػاكرة بػػيف الحكيمػػيف ىػػي أكسػػع مػػف مجػػرد اإلشػػارة إلػػى ىػػذا األمػػر ،
تضمنت تفاؤالً ِّبيناً بمستقبل العالـ
َّ باختصار كتركيز فقد
ٍ فعالكة عمى تحديد اإلجابات لمسائل فمسفية عديدة
اإلنساني .إذ جعال الظل يتردد بيف أشػياء فمػرة يريػد معرفػة نفسػو كمػرة يريػد أف يكجػد بػال قيػد كمػرة يريػد
معرفة براىما كمرة يريد أف يعرؼ عمة براىما كمرة يريد أف يراه كمرة يريػد أف يفنػى كأخػرى يريػد أف ينفصػل
مطمػب كلػك الفنػاء
ٍ عنو ،كأخرى يرغب في أف يجعل براىما متصالً بو كأخرى يرغػب فػي أف يممػي عميػو َّ
أي
نفسو أك إلغاء ذاتو .كلكف في النياية انتبو الظل كأدرؾ أنو ال شيء ،كفيـ أف ما يبغيو لف يحصل عميػو
إال باإلقرار بالشيئيتو كفناءه كعدمػو ،فامتػد فجػأة ليخػرؽ سػكاده المسػاحات الشاسػعة أك شػمكس األفػالؾ
كما عبر براىما ،مستخدماً مسألة عمميػة كاضػحة كىػي اسػتمرار حركػة الضػكء إلػى مػا ال نيايػة كبالتػالي
امتػػداد الظػػل إلػػى مػػا النيايػػة كاف كنػػا ال ندركػػو بحكاسػػنا .لػػذلؾ أطمػػب اإلس ػراع فػػي إرسػػاؿ جيػػكش مػػف
ِّ
الشػر عمػى ىػذيف الػرجميف كاىالكيمػا الشياطيف إلى المكقع المذككر كاسػتخداـ كافػة الكسػائل لتسػميط قػكى
حمد عقباه .قبل حصكؿ ما ال ي َ
المغربػػي :إف فػػي التػػأني السػػالمة كفػػي العجمػػة الندامػػة ،فالعجمػػة مػػف خصػػائص اإلنسػػاف ال مػػف صػػفات
الشيطاف .فما لي أراؾ يا كبير شػياطيف الشػرؽ قػد أرعبتػؾ محػاكرة بػيف رجمػيف أعػزليف مػف بنػي اإلنسػاف
بعيػد أـ تػرى أف مػا قػااله أكثػر كضػكحاً ممػا جػاء بػو آالؼ األنبيػاء كالمرسػميف ،فجعمنػا
جبػل ٍسفر ٍ
ِّ عمى
حماة الديف كحاممي لكاء المتقيف مف بعدىـ يتقاتمكف كيتحاربكف كيتالعنكف كيقكلكف قكالً غيػر الػذي قيػل
ليـ ،فرفع كل منيـ راية ككانت عاقبة أمرىـ خس ار كبدلكا نعمة هللا كف اًر كأحمػكا أنفسػيـ كقػكميـ دار البػكار
(ردد الحاضػركف نشػيد البقػاء كبعػدىا أثنػى المعػاكف عمػى الػزعيـ فأعػاد الحاضػركف النشػيد مجػدداً ثػـ تػال
المعاكف خالصة الكصايا التي أكد فييا مػرة أخػرى عمػى كجػكب اسػتمرار الفصػل بػيف العمػكـ المختمفػة .ثػـ
قاؿ )
شيء ىػك أف تتسػرب عمػكـ الفمػؾ كالفيزيػاء كاليندسػة أك الفنػكف بأنكاعيػا إلػى عقػكؿ
ٍ المعاكف :إف أسكأ
الفالسفة أك المتكمميف ،فإف ذلؾ لػك حػدث فسػيفقد الشػياطيف جميػع ثمػار أعمػاليـ طػكاؿ العصػكر .لػذلؾ
درس في حقل اآلداب كي تبقى في بؤرة الخراب المغكي .
ليكف شعارنا ىك :لتبقى الفمسفة ت َّ
(يشير المعاكف إلى الرئيػس ليتفضل بالمناقشة فيقكؿ ىذا )
ِّ
سػنغير مكضػع اجتماعاتنػا دكمػاً حسػب الرئيػس :الظممات في المكقع الجديد ىذا متكاثفة كمالئمػة .لػذلؾ
دكراف الشػػمس كتكػػاثف الظػػالـ فنختػػار فػػي كػػل مػػػرة أشػػد المكاقػػع الرضػػية ظممػػ ًة فإنػػو أكػػتـ ألعمػػػالكـ .
فاخبركني اآلف كيف يرى الفالسفة خمق ىذا العالـ اآلف
شػيء بعػد إف اتفقػكا عمػى أنػو مخمػكؽ .فقػد
ٍ بخالق ليذا العالـ اختمفكا في كل
ٍ المشرقي :إف الذيف آمنكا
ؽ مف الشيء .كفػي الحػالتيف فػإنيـ كقعػكا شيء ،كقاؿ آخركف بل ىك مخمك ٌ ٍ ؽ مف قاؿ بعضيـ أنو مخمك ٌ
آخر كىك عمى زعميـ أف العالـ إذا كاف قد خمِّػق ،فػال بػد أف هللا ِّ
متقػد ٌـ عميػو فػي الزمػاف فممػاذا في مأز ٍؽ ٍ
َ
بكقت أسبق أك كقت الحق مػا داـ ال يطػ أر عمػى عممػو زيػادة كال نقصػاف كشػأنو فػي خمقو في ىذا الكقت ال ٍ
فقاؿ بعضػيـ فػي الجػكاب عمػى ذلػؾ :إنػو لػـ يكػف قبػل العػالـ زمػاف ليصػر السػؤاؿ كرد
احد
كل األحكاؿ ك ٌ
عمييـ البعض اآلخر أف الزماف المقصكد ىنا ليس زماف العالـ بل زماف هللا المطمق .كقػاؿ آخػركف :ألنػو
كجد أف ىذا الزماف ىك أصمر األزمنة كقالكا في الرد عميو أنو ال يتضمف إجابة عف السؤاؿ .كقالت طائفة
لي ،كلكي ال يككنكا مثل المادييف قالكا أيضا أف هللا متقد ٌـ عميو بالذات ال بالزمػاف
:إف العالـ قديـ فيك أز ٌّ
ق منو العالـ أىػك شػيء ! كىػل يصػر تسػمية المعػدكـ ِّ
.ثـ أف ىؤالء جميعاً اختمفكا في الالشيء الذي خم َ
شيئاً كىل لو كجكد ،فقاؿ سارتر المعدكـ لو كجكد كذلؾ ىك آخر مطاؼ الفمسفة .
الرئيػس :فأكضر لي أيف المغالطات في إشكالية الزماف
المغربي :لقد الحظنا في ىذه الحقكؿ ظاىرة غريبة عند بني اإلنساف ! فػإف الفػرض المنمػق بألفػا ٍ فارغػ ٍة
كيعمف ظاىرياً عف حقيق ٍة مقبكل ٍة يتمسككف بو كيتشػعب البحػث حتػى ال تجػد أحػداً مػنيـ ينتبػو إلػى أسػاس
الفرض فيحتمل كجكد الخطأ فيو أصالً .كقد نجحنا في استغالؿ ىذه الطبيعة عند بني اإلنسػاف عمػى كافػة
المستكيات .
جديػد غيػر ىػذا ،فػإذا افترضػنا أنػو
ٍ معمكـ أنيـ يتفقكف عمى أف هللا قادر عمػى خمػق كػك ٍف ٍ
آخػر ٌ المشرقي :
خمق عالماً آخ اًر غير ىذا فيك إذف يحمل زمانو معو إذ ىك عيف حركتو كحركتو ىي عيف كجكده .فإذا قاؿ
أىل العالـ الجديد :لماذا خمق هللا الكجػكد فػي ىػذا الكقػت دكف سػكاه ،فػإف أرادكا بػو زمػانيـ فقػد أخطػأكا
سػابق فيصػر السػؤاؿ ،كلكػف جكابػو سػيككف مػف خػارج كجػكدىـ ػ مػف ٍ كجػكد
ٍ كاف أرادكا بو نقطة زماف مف
الكجػػكد السػػابق .كال يػزاؿ األمػػر كػػذلؾ إلػػى أكؿ كجػػكد شػػاء هللا أف يكجػػده لػػيس مسػػبكقاً إال بكجػػكده ىػػك ،
فعندئذ ينقطع الزماف كتنقطػع الحركػة كيكػكف جكابػو مػف كجػكد ذاتػو ال سػكاه ،كلمػا كانػت ذاتػو ال تكصػف
ٍ
بالسككف كال تكصف بالحركة فيك جكاب خارج الظرفيف كتتعذر صياغتو بأية لغ ٍة مفيكم ٍة ألي مكجكد .
المغربي :إف أخي المشرقي يقكؿ :إف ما ىك خارج الظرفيف يستحيل إدراكو مف قبل ما ىك داخل الظػرفيف
مدركاً ممف ىك خارجيما .
كاف كاف ىك َ
الرئيػس :كمف أيف يأتي ىذا التالزـ
المغرب :إنو يأتي مف أي مثاؿ .فأنػت تتحػرؾ كتمتفػت كػل مػرة كاذا سػألؾ المراقػب كػل مػرة عػف سػبب كػل
حرك ٍة فال يشؾ ٌ
أحد أنو يريد أف يعرفؾ كما تعرؼ نفسؾ أك أكثر .كقػد أكجػز المسػير ذلػؾ حينمػا أعمػف أف
هللا يعرؼ ما في نفسو أي المسير كلكف المسير ال يعرؼ ما في نفس هللا(.)1
الرئيػس :سأقكؿ ما ابطل بو كالمػؾ ،فػإف اإلنسػاف يعمػـ الكقػائع السػابقة فػي التػاريذ مػع انػو خػارج عػف
ظرفي المكاف كالزماف المذيف كقعت فييما الحكادث .
احػد فقػط ىػك امتػداد الظػرفيف
لسػبب ك ٍ
ٍ المشرقي :تريد تغميطنا أييا الرئيػس ! إف اإلنساف يعمـ تمؾ الكقػائع
مختمف عف مقاطعيما .
ٌ كاكتنافيما لمسابق كالالحق .فإف كجكد الظرفيف مف حيث ىما كجكد
المغربي :كمع ذلؾ فػإف األخبػار تخفػى إذا كانػت خػارج الظػرفيف كضػمف مقاطعيمػا أيضػاً ،فإنػو يعمػـ تمػؾ
الكقائع عف طريق الكسطاء الذيف تكاجدكا في ىذيف الظرفيف .فإف كاف اإلنساف صادقاً فميخبرنا بمػا يكػكف
مستقبالً قبل مجيء المقطع الالحق أك فميخبرنا عف ظرفيف أحدىما مشترؾ ( زماف كاحد كمكاف مختمػف )
ناقل لمخبر أك آل ٍة ناقم ٍة .
أك بالعكس مف غير كسيط ٍ
الرئيػس :فميقل المشرقي عيف ىذا القكؿ بصيغ ٍة أخرى .
المشرقي :ذلؾ أف المكجكد ما ىك في الكاقع إال ىذيف الظرفيف المتالزمػيف فػال مكػاف بغيػر زمػاف كال زمػاف
بغير مكاف ،كىنا نعكد لمشيء فميس الشيء سكى ( الزمكاف ) فال ي ِّ
درؾ الزمكاف مف ليس فيو .
المغربػػي :ألػػيس غريب ػاً إذف أف يسػػأؿ النػػاس لمػػاذا خمػػق هللا العػػالـ فػػي ىػػذا الكقػػت دكف س ػكاه ،كلػػيس
بمقدكره اف يسألني عف كل حرك ٍة أفعميا ِّ :ل َـ فعمتيا في ىذا الكقت دكف سكاه مع أف حريتي مقيدة بخالؼ
حرية هللا المطمقة
مطمػق ،فػنحف نفعػل كػل تمػؾ الحركػات ألف لػدينا أسػباب
ٌ الرئيػس :إف هللا مقيٌد بألكىيتو ،إنو مقيٌد بككنػو
كمطمػق فػال دكاعػي كال أسػباب كلػذلؾ يصػر
ٌ كامػل
ٌ كدكاعي ليا ألننا عرض ٌة إلكماؿ نقائصػنا أمػا هللا فألنػو
السؤاؿ .
المشرقي :كتمؾ ىي المغالطة الكبرى .فإف السؤاؿ ( لماذا )المنبثق عف إنكار الدكاعي إنما ىك سؤ ٌ
اؿ عف
الدكاعي ! فكأف االعتراؼ ببراءة هللا مف كل نقص دفعيـ لمبحث عف النقص ! .إف إنكار الدكاعي ىػك أكؿ
اتيػاـ بػالنقص ! كمػف الجيتػيف
ٌ اتياـ لػو بالعبػث ! كاثبػات الػدكاعي
ٌ النقائص ! كاذا لـ تكف األفعاؿ هلل فيك
فاألمر يعكد لمنقص ! .
الرئيػس :فما نقكؿ .
اء عمػػى هللا ! فثمػػة دكاعػػي لكػػل فعػ ٍػل مػػف أفعالػػو بيػػد أنيػػا
المشػػرقي :أقػػكؿ عػػف انعػػداـ الػػدكاعي ىػػك افت ػر ٌ
دكاعي مختمفة عف ما نفيـ ،ألنيا ليست متعمقة بالنقص بل متعمقة بالكماؿ نفسو .إذ حسػبكا أف الكامػل
حجر ال يريد شػيئاً كال يرغػب فػي شػيء
غير محتاج كلذلؾ تنتفي لديو الدكاعي ! كىكذا استحاؿ الكامل إلى ٍ
.
المغربي :إننا نالح شيئاً مف ذلؾ في المخمكؽ الذي يدعكه كمالو النسبي إلى معكنػة اآلخػريف أك القيػاـ
كمعمكـ أف المقارنة ىنػا خاطئػ ٌة ،فكمػاؿ هللا ىػك نػك ٌع ك ٌ
احػد ٌ بأفعاؿ ال يرجك منيا فخ اًر كال جزاءاً كال شكك ار .
ٍ
مثيل لو تنتفي فيو المنافع انتفاءاً كػامالً كتتكثػر فيػو الػدكاعي إلػى مػا النيايػة خالفػاً لكػل مخمػك ٍؽ
منفرد ال َ
ٌ
عداه ،كىذا ىك مأزؽ الفالسفة فقد حسبكا الدكاعي نقائص .
المشرقي :نعـ مف ىنا كقعكا .فقد زعمكا أف كحدة هللا تستمزـ أف يكػكف شػأنو كاحػداً ال يختمػف مػف ٍ
كقػت
آلخر ،كىذا التصكر ىك سبب إشكالية زماف خمق العالـ .بينما الحقيقة ىك ما أخبرنا بو عػف نفسػو كىػك
ػاير لمػػا قػػالكا فيػػك األكثػػر شػػؤكناً فػػي المعركفػػات بحيػػث ال يمكػػف إحصػػاء شػػؤكنو كاف كثرتيػػا ىػػي
أمػٌػر مغػ ٌ
بنسبتو ىك إلى مخمكقاتو كىي نسب ٌة معدكمة القياس .إف المرء ال يمكنو أف يعمك بالفضائل أك يترفػع عػف
النقػائص مػػع عمػك المكجػػكدات كالتككينػػات إلػى مػػا ال نيايػة كيسػػتمر بيػػا متجػاك اًز حػػدكد الكػكف ليصػػل إلػػى
كصف هللا .ألف المفاىيـ تنقمب إلى أضدادىا عمى حػدكد الكػكف قبػل الكصػكؿ إلػى كصػف هللا .فػإذا كنػت
تراقب كل صغيرة ككبيرة كتالح كل شيء فإنو سيقاؿ عنؾ بأنؾ عظيـ القمػق كثيػر الشػككؾ ،فيػل يسػتمزـ
إذا أردت الترفع عف ىذه المنقصة أف تفقد تمؾ الصفة تماماً إذف يتحكؿ المرء إلى حجػر .كاذا كػاف ذلػؾ
ال يصر مع المخمكؽ فإنو ال يصر مع الخالق إال بالالمحدكد ،حينما تنقمب المفاىيـ إلى أضػدادىا ،فيػك
ِّ
مصم ٌـ عمى مالحظة كل مثقاؿ ذرٍة في السمكات كاألرض .بيد أف ىذه الصفة انقمب منشؤىا إلى الضد مف
ذلؾ أيضاً .فقد انقمبت الدكاعي عمى حدكد الككف كاصبر منشأ ىذه المالحظة ليس الشؾ كالقمق بػل العمػـ
المطمق كالسيطرة التامة عمى األشياء .
المغربي :كمف ىنػا سػيدي الرئيػػس تشػعب البحػث بشػأف الػدكاعي إلػى التػرجير كالتػرجير بػال مػرجر فكػاف
يدكر حكؿ دكاعي النقص ال دكاعػي الكمػاؿ .إف السػؤاؿ عػف الزمػاف الػذي خمػق هللا فيػو العػالـ كالمؤسػس
عمى التنزيو كالكماؿ اقمب حينما أبكا قمب المفاىيـ كانتج خالؼ المأمكؿ عند محاكلة اإلجابػة عميػو ،ألنػؾ
فعػل لمخػالق فقػد خالفػت األمػر الػذي ابتػدأت منػو فػي التنزيػو إذ أنػؾ تسػأؿ فػي
حينما تسأؿ عػف سػبب كػل ٍ
الكاقع عف دكاعي النقص .
ػو داخػػل حػػدكد الكػػكف كال صػػمة لػػو باإللػػو الػػذي يتحػػدث عنػػو
المشػػرقي :كاذف فالػػذي يتحػػدثكف عنػػو ىػػك إلػ ٌ
مختمػف عػف
ٌ الرسل كاألنبياء .إنو إلو الفالسفة كالمتكمِّميف الذي صممكه خصيصاً ليالئـ ذائقتيـ ،إنو ٌ
إلو
فريػق إليػػو
ٍ إلػو الرسػل .فالرسػل ال يعبػدكف ىػذا اإللػو الفمسػفي كال الفالسػفة يعبػدكف إلػو الرسػل ،إف لكػل
الذي يعبد .
المغربي :إف منطق الرسل ىك :انتـ تعبدكف اإللو الذي يمكنكـ تصكره كمعرفتو ،كنحف نعبد اإللو الػذي
ػف عمػػى كػػل حػاؿ ألنػػو مكضػػكع ال يمكػف أف يعرفػػو أحػد .مػػاذا نجنػػي مػف إلػ ٍو يعرفػػو المػألكه إنػػو إلػ ٌ
ػو مزي ٌ
نصيب مف األلكىية الحقة .فاإللو الحق ىك المفترؽ عف جميع ٌ باطل ليس لو
ٌ دراس ٍة لمخمكقيو …إنو إلو
المكجكدات بككنو ال يككف مكضكعاً لممعرفة .إف المعرفة تتعمق بالحركة فقط .
المشرقي :إذف فالحركة ىي حركة المكجكدات ،كما الزماف إال مظير لتمؾ الحركة .فالكجكد في الكاقع مػا
ىػػك إال تعاقػػب لمسػػككف كالحركػػة كىػػك الػػذي نعبػػر عنػػو بالزمػػاف ،ألف ىػػذا التمكضػػع المكػػاني كالتغيػػر ىػػك
الزماف .فالكجكد تمكضع في الزماف أك زماف لمتمكضع ،فيك ( زمكاف ) .ككػل جػرـ أك جسػيـ أك مكجػكد
ما ىك إال زمكاف .
الرئيػس :لقد نفى المتكممكف في دفاعيـ كجكد الزماف قبل العالـ .أك ليس ىذا ىك عيف ما نقكلو اآلف
سػابق بيػد أنػو عػديـ
ٍ المغربي :لقد نفى المتكممػكف الزمػاف كحػده كتركػكا ألنفسػيـ كلخخػريف تصػكر كجػكد
مختمف عف ما نقكلو اآلف .
ٌ الزماف .فمف ىنا أكقعيـ الفالسفة في حفيرتيـ ،فيذا
الرئيػس :كما تمؾ الحفيرة المشتركة
المشرقي :تمؾ ىي التي أدرككا فييا التالزـ بيف الحركػة كالجسػـ كالزمػاف كلػـ يػدرككا الػتالحـ .لقػد حسػبكا
أف التالزـ بيف الثالثة يمكنيـ مف إثبػات أك نفػي قػدـ األشػياء أك حػدكثيا مػف خػالؿ قػدـ أك حػدكث أحػدىا
احػد ثنػائي التكػكيف بطبيعتػو كمحػاؿ ظيػكره
شيء ك ٍ
ٍ كالزماف أك الحركة مثالً ،كما عممكا أنيـ يتكممكف عف
إال بيذا االزدكاج كلو أسماء مختمفػة ،فالحػديث عػف الزمػاف ىػك حػديث عػف الحركػة كتمكضػعيا الػذي ىػك
ػديث عػػف اآلخػػر كمجمعيمػػا كىػػك الحركػػة .فػػالبراىيف
المكػػاف ،كالحػػديث عػػف أي كاحػ ٍػد مػػف الظػػرفيف ىػػك حػ ٌ
سارت كميا بافتراض كجكد أحد الظرفيف دكف الظرؼ اآلخر أك المجمكع دكف أفراده .
الرئيػس :لقد تخمص األشاعرة مف المشكمة كميا بقكليـ إف الكجكد ينعدـ بيف لحظ ٍة كأخرى .
المغربي :كما أدراؾ سيدي الرئيػس أف ىذا الفرض الذي أثار سخرية الفالسفة ىك المتعػيف كاف كػاف الػذي
ألجأىـ إليو العجػز ،فػإف تذبػذب جسػيمات الػذرة بػيف الكجػكد كالعػدـ فػي آخػر األبحػاث لينطػكي عمػى تأييػد
األشاعرة مثمما يؤيد تمؾ القصة العجيبة التي ذكرىا سيادتكـ عف الكجكد المتمسؾ بفناءه .
الرئيػػس :آ …نعػـ إنػو يؤيػد براىمػا الحكػيـ حينمػا قػاؿ لظمِّػو قػائالً :ىػا أنػت تكػكف مػرة كتفنػى مػرة فػأيف
المشػػكمة .كلطالمػػا سػػمعت أخػػي ( كنكػػر ) يػػدعك قػػائالً :إليػػي عبػػدؾ الفػػاني بػػيف يػػديؾ .لكػػف لمشػػيذ
الرئيػس تخريجاً آخر مفاده أف كاجب الكجكد بذاتو ىك كاجب الكجكد مف جميع جياتو كفي جميع أحكالػو ،
فإذا تأخر خمق العالـ عنػو أصػبر ممكػف الكجػكد فػي جيػ ٍة مػف جياتػو فيفقػد كجكبػو ،كاذف فالعػالـ ممكػف
الكجكد بالفرض فقط كأال فيك كاجػب الكجػكد بغيػره فتثبػت أزليػة العػالـ كانعػداـ بدايػ ٍة لػو ،إال أف هللا متقػد ٌـ
منتظر بل كل ما ىك ٍ آخر ( :ال يتأخر عف كجكده كجكد ٍ مكضع
ٍ عميو بالذات ال بالزماف .أك كما قاؿ في
ممكف لو فيك كاجب لو )(.)1
المشرقي :إف كاف ذلؾ لمحفا عمى كحدة الذات فقد ابتدأ البرىاف بتقسيميا حينما قاؿ :جياتو كأحكالو .
زمػاف كاحػ ٍػد مػػف ذلػػؾ
ٍ كلكػنيـ قػػالكا كراء الفػػارابي كمػف سػػبقو بمراتػػب الكجػكد فيػػل تمكػػـ المراتػب ظيػػرت فػػي
الزماف المطمق أك زماف الكجكد أـ ظيرت تباعاً كىل الشيذ الرئيػس نفسو غير منتظر كجكده قبل كجكده
محتكـ حتماً كمقضي قضػاءاً مبرمػاً كجكبػاً عمػى هللا ! كاف كػاف المقصػكد الكمػي األكؿ فمػف ذا
ٌ أـ كجكده
ٌ
نتظػر منػو إال مػا كػاف كمػا سػيككف لقػد ألغػى اختيػار هللا بيػذا الفػرض فأصػبر
يبػرىف أف ىػذا الكجػكد ال ي َ
عجيػب كثيػر الشػبو بآليػة قػريش ،فػإف
ٌ أللو
مجبك اًر مقيك اًر عمى خمق العالـ بمقتضى كجكب ذاتو ،كانو ٌ
كجكب في كل األحكاؿ ،كىك قد أفقدىا االختيار .لقد أكػدت تسػميتيـ اإللػو بالعمػة
ٌ كجكب ككنيا مادية ىك
مقيٌد بما خمق .لػذا يمكننػا
مقصكد فظيار التالزـ مع المعمكؿ فيك َّ
ٌ المفتعل .فالعمة اسـ
َ األكلى ىذا التالزـ
فقداف لكجكب الكجكد مف حيث كاف دفاعاً عنو . ٌ القكؿ أف فقداف االختيار ىك
المغربي :إف التقدـ بالذات دكف الزماف ىك لعب ٌة لفظيػ ٌة مػف لعػبيـ ال تعنػي شػيئاً سػكى اإلقػرار بإلػ ٍو ك ٍ
احػد
بيد أنو في الكاقع متعدد .كل ما في األمر أف التقدـ الذاتي يستمزـ أف نحترـ هللا أكثر مف مخمكقاتػو مثممػا
نفرؽ بيف أخكيف تكأميف أحدىما أكبػر مػف اآلخػر عرفػاً ألنػو أكبػر التػكأميف ظيػك اًر .كمػع ذلػؾ فػال بػد مػف
زماني هلل عمى العالـ ! ىبنا رضينا أف
ٍ سبق
مصر عمى عدـ كجكد ٍ زماني ألحد التكأميف ،لكف الشيذ ٌّ
ٍ سبق
ٍ
مطمػق أك مػع
ٍ زمػاف
ٍ يككف هللا كالعالـ تكأميف فكيف نرضى باألخرى .إف التقػدـ بالػذات سػكاء مػع تصػكر
تصكر العالـ بغير زماف إنما ينطكي عمى تألي ٍو لمعالـ بجكار هللا بألفا ٍ ممتكي ٍة .
المشرقي :كمع ذلؾ فإف المشكمة المزعكمة لـ تحػل مػف قبػل الفالسػفة كال المتكممػيف ،ذلػؾ أف ( االنعػداـ
دائػـ فػإف نيايػة
كجػكد ٌ
ٌ انعػداـ معنػاه
ٌ انعداـ ذىنػي ال يػرتبط بزمػاف فيػك إذف
ٌ الذىني ) لمعالـ قبل كجكده ىك
مكجكد منذ األزؿ .
ٌ البحث تقرر أف العالـ
مطمق
ٍ المغربي :قد نسأؿ ىل البحث ىك عف إل ٍو عمى مقاس العالـ أك ىك عف منشأ العالـ بعد اإلقرار بإل ٍو
،فثمة فر ٍؽ بػيف طػريقتيف :ىػل نغيػر تصػكرنا عػف اإللػو لػيالئـ مػا نريػده لمعػالـ أـ نغيػر مػا نعرفػو عػف
العالـ ليالئـ تصكرنا عف اإللو .إف الػذي حػدث كيحػدث لػخف ىػك أنيػـ فعمػكا األكلػى عػف طريػق الثانيػة
لكي ال يقاؿ ليـ :أنتـ تغيركف صفات كاجػب الكجػكد لػيالئـ مػا تريدكنػو مػف تصػك ٍر لمعػالـ .كذلػؾ ىػك مػا
أكحينا ليـ .
المشػػرقي :يتركػػز اإليحػػاء عمػػى عػػدـ التحػػرش بصػػفات هللا بػػل يجػػري تحكيػػل غيػػره لحصػػكؿ المطمػػكب مػػف
إذف فمػيكف العػالـ أزليػا شػبيياً بخالقػو .إف طريقتنػا الفػذة ىػذه قػد نجحػت نجاحػاً عظيمػاً عمػى المشابية
كافة األصعدة ،كىي نفس طريقتنا المستعممة في المغة ،فقد أكحينا إلييـ مف قبػل أف ال تقكلػكا أف كالمػو
يشبو كالـ الخمق ،بل قكلكا أف دالئل اإلعجاز ىي في كالمنا ككالمو ،كأف أسرار البالغػة ىػي فػي كالمنػا
ككالمو سكاء بسكاء ،ففي كالمو مجاز كفي كالمنا كػذلؾ ،كفػي كالمػو تقػديـ كتػأخير كتكػرار كفػي كالمنػا
كذلؾ ،كفي كالمو حذؼ كزيادات كفي كالمنا كذلؾ ،كبعد إف ترسخت تمؾ القكاعد فإنؾ تسمع مف يقػكؿ
-صراح ًة –بشأف أية مشكمة في كالمو ( :إنما نزؿ بيف أظيرنا كحػاكى بأسػاليبو أسػاليبنا كجػرت قكاعػده
عمى قكاعدنا ) ! .
عالـ كاجب الكجكد بغيره
الرئيػس :فما الذي يقكلو الشيذ بشأف انعداـ اإلرادة مع ٍ
المغربي :أجاب عمى ذلؾ بقكلو ( :إنيـ يركف أي المعترضكف أف ما مف شأنو أف يفعل فقط فال قدرة لو
،كىذا ليس بصادؽ ) ! .
الرئيػس :لماذا
المغربي :ألنو يزعـ ( أنو إذا كاف الشيء الذي يفعمو فقط مف غير أف يشأ كيريػد فػذلؾ لػيس لػو قػدرة كال
قكة ،كلكف إذا كاف يفعل باختيار إال أنو دائـ اإلرادة كال يتغير كارادتو كجكداً اتفاقياً فإنو يفعل بقدرة ) .
الرئيػس :فما معنى ىذا
المغربي :ال أدري معنى ىذه اإللتكاءات في كالمو ،إذ ىك مثػل القائػل أف زيػداً ال شػأف لػو سػكى أف يفعػل
كال يجكز تصكره كىك غير فاعل ،فإذا قيل لو :فيك إذف مسمكب اإلرادة فسيقكؿ :كال إنو يفعػل مػا يفعػل
باختياره بيد أنو يفعل دكماً كال يمكف إال يفعل كقتاً ما مطمقاً .
المشرقي :كىكذا أجاب الشيذ عمى االعتراض قائالً ( :ليس إذا صػدؽ قكلنػا إذا لػـ يشػأ لػـ يفعػل يمػزـ أف
يصدؽ :لكنو لـ يشأ كقتاً ما ) !! فما الذي يمزـ إذف
زيػد
كقت ،فإف ذلؾ ىك كقكؿ القائػلٌ :المغربي :كما فائدة تمؾ المشيئة إذا كانت مستحيمة التحقق في أي ٍ
إذا شاء كتب كاذا لـ يشأ لـ يكتب .فيقكؿ الشيذ الرئيػس لو :صدقت كلكف إياؾ أف تتصكر أنو لػـ يكتػب
مقيكر ) عمى الكتابة دكماً فيي مشيئ ٌة مزيفة . ٌ كقتاً ما !!! .الناتج الكحيد ىك أنو (
الرئيػػػس :قػػد فيمػػت أنكػػـ تفيمػػكف تشػػعبات ىػػذا اإلشػػكاؿ المتعمػػق بالزمػػاف ،فػػاخبركني اآلف أيػػف مكمػػف
المغالطة في المبحث بأكممو
تفريػق سكفسػطائي ،فػإف ٌ المشرقي :إنيا تكمف في أف التفريق بيف مشيئة الفعل كمشػيئة عػدـ الفعػل ىػك
إرادة الفعػػل إرادة ،كارادة عػػدـ الفعػػل ىػػي عػػيف تمػػؾ اإلرادة .إذ ال معنػػى لػػإل رادة سػػكى اختيػػار أحػػد األفعػػاؿ
احد . كعدـ اختيار األخرى كالتي ىي عدميا في ٍ
كقت ك ٍ
فعل كفعل الخمق كىذا ىك الحل .فأنؾ لك قمػت لػي :
المغربي :إف أخي المشرقي يقكؿ إف عدـ الخمق ىك ٌ
فعػل أك
فعػل اخترتػو مثممػا لػك اختػر فعػل السػفر ،فيػك كػذلؾ فػي كػل ٍ
تعاؿ نسافر كاخترت عدـ السفر فإنو ٌ
عدمو .
الرئيػس :إذف فبإمكاف المرء أف يؤمف بأف هللا لـ يزؿ فاعالً كما كاف عػديـ اإلرادة كقتػاً مػا كلػك مػع انعػداـ
العالـ فيسقط المبحث بأكممو ،يا لؾ مف مارد ! .
المغربي :كذلؾ ىػك الحػل سػيادة الرئيػػس .فيسػقط كػل البحػث كجميػع مػا تفػرع منػو .أال تػراىـ سػمكا هللا
مقيػكر عمػى الفعػل ! كحينمػا لػـ يشػأ
ٌ فاعػل مطبػكٍع إال كىػك
ٍ بالفاعل المطبكع فمف الكاضر أنو ليس ثمة
ط عػف االعتبػارخمق العالـ كاف فاعالً لعدـ الخمق .أما أخي المشرقي فإنو يدعي أف الفاعػل المطبػكع سػاق ٌ
فػي البنػاء المغػكي ألف كػػل اسػـ مفعػكؿ متعمػػق بالفعػل ال يمكػف أف يكصػف بػػو اإللػو .فالفاعػل المطبػػكع ال
يصمر أف يككف إلياً كلك كاف مطبكعاً بذاتو .إنمػا تصػمر أسػماء المفعػكؿ التػي ال تتعمػق بفعمػو ىػك كانمػا
تتكقف عند فاعميا مثل محمكد كمشككر كمعبكد فيي أفعاؿ الحامديف كالشاكريف كالعابديف .
المشرقي :كاذف فأصل المشكمة في ىذا المبحث ىك الخمػط بػيف إرادة الفعػل كعػدـ الفعػل كالػزعـ أف األكلػى
فعل يستمزـ الفعل كعدـ فعل عدمو .كاألخرى ىي زعميـ باالتفاؽ عمى فعل كاألخرى ليست فعالً مع إف كل ٌٍ
لغرض فيك محػاؿ ألنػو يمػزـ منػو اسػتكمالو بػالغير كىػك زعػـ سكفسػطائي ،ألف
ٍ أف فعل اإللو إف كاف تابعاً
اإللو أخبر عف طريق رسمو –كىـ مقركف عمى زعميـ بكالمػو ككػالـ رسػمو ، -أخبػر أف الػزاعـ أنػو يفعػل
كػافر بألكىيتػو .فممػا أسػقطنا ىػذيف اإلشػكاليف المزعػكميف فقػد أسػقطنا المبحػث
ض فإنمػا ىػك ٌمف غير غر ٍ
لغرض ما ،بيػد أف األمػر ينقمػب
ٍ معككس ،إذ أف اإللو يفعل دكماً
ٌ بأكممو .أما المحاؿ الثاني المزعكـ فيك
خارج حدكد الككف كخارج المخمػكؽ ،فػإف الغػرض ال ينػتج منػو اسػتكمالو بػالغير كانمػا يمػزـ منػو اسػتكماؿ
الغير بو .
كبير مف اإلشكاالت ،فكـ صرفكا مف الكقت كالكالـ
عدد ٍالرئيػس :نعـ …إف جمم ًة كاحد ًة قد تكفي لحل ٍ
ككـ ىك عدد الذيف شارككا في حل ذلؾ اإلشكاؿ المزعكـ ككـ ىك عدد الدارسيف ليـ
مارد اإلحصاء :لقد كتب فييا الشيرستاني في ( نياية اإلقداـ ) كابف سينا في ( العرشػية ) ك ( الشػفاء )
ك ( النجػػاة ) كالفػػارابي فػػي ( الػػدعاكي ) ك ( الفصػػكص ) ك ( السياسػػات المدنيػػة ) ك ( الجمػػع بػػيف آراء
الحكيميف ) كعشرات الرسائل األخرى كالطكسي في ( المطارحات ) ك ( شرح التجريػد ) ،كأبػك البركػات فػي
( المعتبر ) كالغزالي في ( التيافت ) كابف رشد في ( تيافت التيافت ) ،كالػرازي فػي ( األربعػيف ) كالكػاتبي
في ( المطارحات ) كأبػك سػعديا فػي ( األمانػات ) ،كالماتريػدي فػي ( التكحيػد ) ،كاألشػعرية فػي كتػبيـ ،
( الجدؿ ) ،كشكبنيكر في ( الطبيعة كالمعتزلة في كتبيـ ،ككانت في ( نقد العقكؿ ) ،كىيجل في
) ،كعشػػػرات آخػػػريف مػػػف المتصػػػكفة كالعرفػػػانييف كالعممػػػاء كالمفسػػػريف عػػػدا عػػػف مئػػػات الدراسػػػات كألػػػكؼ
الدارسيف .
الرئيػس :فيؤالء الدارسكف الجدد يقكلكف :أف بمقدكرنا أف نجمع بيف الطريقيف ( أزلية العػالـ ككجػكد إلػ ٍو
)كما فعػل الفالسػفة مػف قبػل ،ال كمػا يقػكؿ المػاديكف ( أزليػة المػادة مػف غيػر إلػو )كاف العمػـ يسػاندنا فػي
ذلؾ(.)1
المغربي :لقد كاف ذلؾ مف إيحائنا ليـ سيدي الرئيػس .فمقد قاسكا ذلؾ عمى األجراـ السماكية ألف ارسطك
إدعى أف األجراـ ال يط أر عمييا الفساد ،كالككف كىػي جػكاىر زكيػة كعاقمػة كليػا نفػكس .ككػانكا قػد حػددكا
عػددىا بعشػػرٍة تنتيػػي بالحػػادي عشػػر كىػػك فمػػؾ القمػػر .يقػػكؿ الفػػارابي ( :يفػػيض مػػف األكؿ أي هللا كجػػكد
جكىر غير متجسـ أصالً كال في مادة .فيك يعقػل األكؿ كيعقػل ذاتػو .كيمػزـ عنػو كجػكد ثالػث
ٌ الثاني كىك
عقل بجكىره كفيما يتجػكىر مػف ذاتػو
كبما ىك متجكىر بذاتو يمزـ عنو كجكد السماء األكؿ .كالثالث أيضاً ٌ
ابػع .كىػذا أيضػاً ال فػي مػادة
يمزـ عنو كجكد كرة الككاكب الثابتة! كبمػا يعقمػو مػف األكؿ يمػزـ عنػو كجػكد ر ٍ
فيك يعقل ذاتو كيعقل األكؿ كفيما يتجكىر مف ذاتو يمزـ عنو كجكد كككب زحل كبما يعقمو مف األكؿ يمزـ
كجػكد خػامس … ) .كىكػذا يسػتمر الفػارابي فػي معادلػة التعقػل كالتجػكىر إلنتػاج المشػتري ثػـ المػريذ ثػـ
الشمس ثـ الزىرة ثـ عطارد كأخي اًر القمر الذي ينتج الحادي عشر ( :كىذا الحادي عشر ىك أيضا كجكده
ال في مادة كيعقل ذاتو كيعقل األكؿ كعنده ينتيي الكجػكد كعنػد كػرة القمػر ينتيػي كجػكد األجػراـ السػماكية
)( . !! )2كقد تالح أييا الرئيػس ىنا عدة مالحظات :
األكلى :إنو مثل مف سػبقو كمػف تػاله ال يقػكؿ :أظػف ،ك ِّ
أحتمػل ،كأتكقػع ،كأحسػب كمػا شػابييا
مف األلفا ،بل يتحدث كما لك كاف قد شيد خمق السماكات كاألرض ِّ
معرضػاً عػف الػنص المنػزؿ الػذي أكػد
عمى عدـ كجكد مف شيد تمؾ التككينات ،بل لـ يشيدكا خمق آخرىا كىك أنفسيـ(. )3
الثانيػػػة :إنػػػو جعػػػل هللا محػػػدكدا إذ ىػػػك بيػػػذا المنظػػػار العممػػػي أكبػػػر قمػػػيالً مػػػف نصػػػف مجمكعتنػػػا
الشمسية .
الثالثػػة :إف مػػا ذكػػره مػػف التككينػػات ىػػك ىبػػاءة أك ذرة فػػي مجػػرة درب التبانػػة التػػي تحتػػكي عمػػى
خمسمائة بميكف نجـ بعضيا أكبر مف الشمس بعدة ماليػيف كاشػد إضػاء ٍة بمميػكف مػرة .كمػا درب التبانػة
المكتشػف مػف َ ىذه إال كاحدة مػف مائػة كخمسػيف ألػف مجػرٍة فػي العنقػكد المجػري الػذي تنتمػي إليػو .كأف
العناقيػػد ىػػك مئػػات اآلالؼ بحيػػث أف مراكػػز البحػػث الفمكػػي أعرضػػت عػػف رسػػـ خػرائط ليػػا كترقيميػػا لكثرتيػػا
معطيات عممي ٍة مؤكد ٍة عنيا .كاف كل ىذا المجمكع ال يشكل إال مثل نقط ٍة في صفحة الكرقػة
ٍ كلعدـ كجكد
مختمػف ،
ٌ نظػاـ
ٌ لصػيق بػو لػو
ٌ مجػاكر
ٌ التي بيف يديؾ مف الككف الممكف رصده .كاف بعػد ىػذا الكػكف كػك ٌف
مقػرؼ
ٍ كىكذا تتالصق الكجكدات كاألككاف المحتممة .كاف سرعة الضكء الفائقة ىي سػرع ٌة بطيئػ ٌة جػداً ٍ
لحػد
إذا قيست بأبعاد المجرات ألف الضكء يحتاج إلى مائة كخمسيف مميكف سنة ليصل بيف مجرتيف في العنقػكد
المجري .
أعمار مختمف ٌة كانيػا
ٌ الرابعة :إف ليذه المجرات أنظمة شمسية مختمفة كككاكب تدكر حكليا ،كليا
تنتيي كتمكت كتنكبس مادتيا ثـ تخرج مف القمػع مجػرات كاممػة مػف الطػرؼ اآلخػر .كاذف فػالعمـ الحػديث
يخالف نظرية أبدية الحركة في األفالؾ أك سرمدية األجراـ .
الخامسة :إف ىؤالء قاسكا األشياء عمى الرؤية البصرية –الحجـ كاإلضاءة –فمػذلؾ قػدـ الفػارابي
زحل كالمشتري كالمريذ عمى الشمس ألنو ظف أنيا أقرب منيـ بينما ىي مركز حركة المجمكعة كميػا كىػي
أبعدىا عف األرض .في حيف أخر القمر لكبر حجمو كقمة إضاءتو فجاء مكافقاً لألبعاد بمحض الصدفة .
السادسة :إنيـ تحيركا في الحركة المعاكسػة التػي تظيػر لمسػيارات فحػاكلكا تفسػيرىا فمسػفياً بينمػا
ىي ظػاىرة طبيعيػة سػببيا الحركػة الدكرانيػة لػألرض معيػـ حػكؿ الشػمس ،فيػي تتخطػى نقطػ ًة معينػ ًة فػي
مدارىا فيظير أف المشتري مثالً يتراجع عف سيره كيتحرؾ مف الغرب إلى الشرؽ .
السابعة :إنيـ كمع جيميـ بيذا العالـ استكبركا عمى ما جاء بو الرسل مف معمكمات عف الككف .
فقد ذكر الرسل تعدد العكالـ كأنيػا بػاأللكؼ ،كأف تمػؾ الككاكػب المرئيػة فػي السػماء مػا ىػي إال عػكالـ كيػذا
درجة التناقض مع نظرية بطميمكس ،كمع ذلؾ فقػد تمسػؾ ابػف رشػد ِّ العالـ كقد ذكركا أرقاما كبيرًة جداً إلى
كالفارابي كابف سينا كالكندي كالغزالي بيذه النظرية ،كانعكست مبررات مالئمة أفكػار بطميمػكس مػع الكتػاب
كالسنة عمى الفقياء كالفالسفة كالمتكمميف كأىل الفمؾ كالطكسي كغيره .
الثامنة :إف الجدد مف الدارسيف كىـ المكضكع الذي ذكره سيادتكـ لـ يخرجػكا مػف دائػرة بطميمػكس
فتحت ليـ مكاتب في ككالة ناسا لمفضاء ! فمتكف مطمئناً سيدي الرئيػس .
َ كلك
الرئيػس :كمف أيف عممت أنيـ لف يخرجكا عف تمؾ الدائرة
المغربي :ألنيـ داخل قبة بطميمكس الفمكية فإذا ذىبت بيػـ إلػى عكاصػـ الفضػاء فمػف تػذىب بيػـ إال كىػـ
داخل القبة ! .إف الدارسيف لمفمسفة سػيدي الرئيػػس ىػـ فػي قسػـ اآلداب أك الحػكزات الدينيػة ،كقػد ذىػب
مشػغكؿ بعممػو ،كلمػا
ٌ الزماف الذي كاف العمماء فيو يجمعكف كل عمكـ عصرىـ .ففي ىذا الزماف كل امرئ
كانت الفمسفة قد تكقفت عند أكلئػؾ الرجػاؿ ،فالفمػؾ الػذي يسػير مػع الفمسػفة ىػك فمػؾ ذلػؾ الزمػاف ال فمػؾ
كبير في بغداد أك القاىرة يفخر بأف ابف رشػد جػاء
دارس ٌ
ككالة ناسا لمفضاء ! .لذا فال تعجب إذا ما ظير ٌ
بما جاء بو بطميمكس ! كلك كاف ابف رشد ميمالً جداً في دراسة النصكص الفمكية آلخر الرسل كالتي تؤكػد
عمى تعدد العكالـ كتناقض بطميمكس .ذلؾ ألف ىذا الدارس لو بدف القرف العشريف كعقل القركف الماضية
.
الرئيػػس :بشػرت بكػػل شػر ككفقػت لكػػل كػرب كبػالء ،فاضػػرب لػي مػثالً لمصػراع بػيف المتكممػيف كالفالسػػفة
يككف خاتم ًة ليذا اإلشكاؿ حتى ندخل في إشكاؿ آخر مف إشكاالت خمق العالـ .
زجل فجاءىما
ىشيـ ٍ
ٍ المغربي :إف مثميـ مثل رجميف اتفق إف تكاجدا في ظالـ حالؾ .أرادا إيقاد حطب مف
ثالث كمف طبعو أف يرى في الظالـ فقاؿ :ال يتقد الحطب حتى يصػب عميػو الزيػت ،فياتػاف قاركرتػاف فػي
إحداىما زيت كؼ األخرى ماء لتشربكا منو ثـ اختفى ،فأمضػيا الميػل كمػو يتجػادالف فػي القػاركرتيف ايتيمػا
الزيت كأيتيما الماء ،فمـ يكقدا كلـ يشربا كلـ يتحركا عـ مكضعيما قيد أنمم ٍة كلـ يناما الميل كمو .
الرئيػس :فما كاف مف أمرىما بعد
المغربي :لك قد انبمج الصبر لكجدا القاركرتيف خاليتيف ،ككاف اليشيـ الجزؿ سيتقد مػف غيػر الزيػت كلػك
بشيء مف شعاع الشمس .
ٍ
الرئيػس :فميغير المشرقي شيئاً في ىذا المثل حتى يككف فيو لمرسل مكضع .
ابع ككػاف المشرقي :السمع كالطاعة سيدي :ككاف قد جاءىما في عيف الكقت الذي جاء فيو الثالث رجل ر ٌ
مػػف طبعػػو أف يػػرى فػػي الظػػالـ أيض ػاً فقػػاؿ ليمػػا :اتبعػػكني فػػإني أرى فػػي الظػػالـ ،كلسػػتـ فػػي حاج ػ ٍة إلػػى
مخػادع .فقػاال :عجبػاً ككيػف تػرى فػي
ٌ الحطب كالنار كال إلى الماء ،فالنير عمى بعػد خطػكات كصػاحبكـ
لناصر لنا فقد قاؿ
ٌ الظالـ إنما أنت المخادع .فقاؿ :أفرأيتـ صاحبكـ كقد مر كلـ ِّ
يكقد نا اًر فقاال :كانو
عميػػو كتركنػػا كمضػػى .فممػػا رآىػػـ غيػػركا طرفػاً مػػف االحتجػػاج قػػاؿ :كالػػذي يمضػػي ال يمزمػػو شػػيء مػػا
كالمتبكع يمزمو أف يريكـ الطريق خطكة مف بعد خطكة ،فالذي يمضي أحػق بػأف يكػكف مخادعػاً كالػذي ألػزـ
نفسو أحق بأف يككف صادقاً .قاال :فإنا ال نأمنؾ عمى أنفسنا ألنؾ ترى في الظالـ كال نػرى ،فمعمػؾ تقػكؿ
جب أك حفيرٍة !! .قاؿ :فمذلؾ ال أقكؿ لكما تقدما أمامي ألنكـ ال تركف شػيئاً
فتعبر كنقع في ٍ
َ سيركا خمفي
كما أرى ،فإذا رأيػتـ مػا يريبكمػا تكقفػا فغػف مػا كرائػي يكػكف منيػ اًر إال أف تتخمفػكا كثيػ اًر عامػديف أك تنكصػكا
عمى أعقابكـ .فقاال :كأنت تشترط كيف نسير خمفؾ ال كهللا إف صاحبنا الذي مضى أحػق باإلتبػاع ألنػو
لـ يمل عمينا شرطاً .قاؿ :أك يثقل عميكـ ىذا الشرط ،إنو شرط المسير كالرؤيػة ال شػرطي .قػاال :يثقػل
عمينا المسير كالرؤية بشرطيما ىذا ! .قػاؿ :إذف يثقػل عمػيكـ المسػير كالرؤيػة ال الشػرط ،ألنػو ال رؤيػة
مف غير شرط .قاال :صاحبنا كعدنا الرؤية مف غير شرط .قاؿ :صػاحبكـ كضػع بيػنكـ الشػرط مػف غيػر
رؤية .قاال :ال نفقو كثي اًر ممػا تقكلػو اآلف ! كمػا أكثػر مػا تجػادؿ .قػاؿ :كال حاجػة لمفقػو ،فػأنتـ تريػدكف
سائر أمامكما …فانتظركه حتى يذىب ،فمما رأكه ال يبارح مكانو
السير في الظممة كالرؤية فاتبعكني فغني ٌ
كيدعكىـ قاال :بل نتشاكر ،فقاؿ األكؿ :ما خالصنا يا أخي مف ىػذا الرجػل سينقضػي الميػل كىػك يجادلنػا
كانػي مثمػؾ آلسػف !! فقاؿ الثاني :أرأيت حينما قمنػا ال نفقػو مػا تقػكؿ َّ
صػد َقنا فػالخالص فػي ىػذا األمػر
عمى ما مضى مف الميل !! فقاؿ األكؿ :ككيف ذلؾ فقػاؿ الثػاني :نسػخر منػو فػإف ذلػؾ أمتػع كآنػس لنػا
مف جمكسنا ،نسير خمفو كنتكه عنو فنرجػع إلػى مكضػعنا األكؿ كنقػكؿ كهللا مػا رأينػا الطريػق ..كهللا تينػا
عنؾ ..فإف كػاف ال يعمػـ مػا فػي قمكبنػا سػخرنا منػو كاف كػاف يعمػـ عػذبناه فإنػو ال يقػدر عمػى تكػذيبنا ،ثػـ
نسػػير قمػػيالً كنرجػػع كػػل مػػرٍة ،كخػػالؿ سػػيرنا نػػرى مػػا نريػػد اف ن ػراه مػػف أمػػر القػػاركرتيف كالحطػػب ،كخػػالؿ
رجكعنا نتحدث عنو كنككف بذلؾ قد جمعنا المطالب كميا .فأخذا فػي ذلػؾ شػط اًر مػف الميػل حتػى إذا مضػى
ػق .ككػػاف
الرجػل عػػادا يتسػػامراف كافػػتعال جػػداالً عػػف القػػاركرتيف بمػا يػػكحي لمنظػػر أنيمػػا يريػػداف الرؤيػػة بحػ ٍ
تحػذير قػاؿ :
ٍ حقيػق عمػي أف أكصػيكما كأحػذركما .قػاال :أي كصػي ٍة كأي ٌ الرجل قبل أف يمضي قد قاؿ :
تارؾ لكما سراجيف يتقداف مف غير نار إف شئتـ أف تخرجا مف ىذه الظممة كاذا أكقدتما أياً منيمػا إتقػد
إني ٌ
اآلخر فأنا ار ما بيف أيديكما كما خمفكما .فمما رأيا أنو يريد أف يكدعيما تجرئا بالقكؿ :كاف لـ نفعػل قػاؿ
:إذف يستعر الحطب الجزؿ عمى حيف غفمػ ًة منكمػا فيحرقكمػا قريبػاً مػف الفجػر .فممػا مضػى كػاف جػداليما
عف أي السراجيف يكقد أكالً قد اختمط بجداليما عف القاركرتيف فأمضيا الميل كمو عمى ذلؾ الحاؿ .
الرئيػس :فما عممؾ اآلف مع ىذيف الرجميف
المشرقي :عممي أف أمد بطكؿ الميل ما استطعت ،فإنو يمتد مع امتداد جداليما حتى ال يقترب الفجر .
كنحس مستمر .فاخبرني عف عمة الخمق بيف الحدكث عمى قػكؿ بعضػيـ
ٍ شر مستقر
الرئيػس :كنقت لكل ٍ
كاإلمكاف عمى قكؿ البعض اآلخر .
حدث ىي الحدكث .إذ لما كاف لكل حادث ِّ
محػدث المشرقي :كاف بعضيـ يقكؿ أف حاجة المحدثات إلى الم ِّ
المحػدث إلػى مػف يحدثػو ىػي حاجػة حػدكث .فقػاؿ ليػـ الػبعض اآلخػر :إذف تنتفػي َ فإف حاجػة ىػذا العػالـ
محدثو مثمما يبقى البناء بعد الذي بناه ،كتنتفي حاجة العالـ إلى هللا بعد إف أحدثو ،إذ يبقى المحدث بعد ِّ
َ
حاجػة العػالـ إلػػى هللا بعػد إف أكجػده مثممػػا تنتفػي حاجػػة البنػاء إلػى البػػاني .كيظيػر أنيػـ أذعنػكا إلػى ىػػذا
كرد ،فعدلكا عنو إلى القكؿ بأف الحاجة ىي حاجة إمكاف !
أخذ ٍ
االعتراض بعد ٍ
الرئيػس :كأراؾ تتعجب مف فعميـ
قريب مف الحق كانتيكا إلى الباطل .ذلػؾ ألف المشرقي :ككيف ال أتعجب مف فعميـ كقد ابتدءكا بما ىك ٌ
ػحؾ كاف ذكػػره أعػػاظـ الفالسػػفة ككػػرركا فيػػو مثػػاؿ البنػػاء كالبػػاني فػػي
اض مضػ ٌ
االعتػراض المػػذككر ىػػك اعتػر ٌ
كتبيـ .فالبناء كالباني ىما في شرك ٍة مع ما كاف حادثاً مف قبل كىك مكضكع البحث فػال َيصػمر مثػاالً بأيػة
حاؿ .
الرئيػس :ككيف ذلؾ
المشػرقي :ذلػػؾ أف البػػاني إذا بنػى فإنمػػا يبنػػي كفػػق سػنف كقػكانيف عاممػ ٍة فػػي الطبيعػة فيػػك يسػػتخدـ عمػػة
ماسكة لمبناء قائمة كمكجكدة ،فإذا ىمؾ الباني بقي البناء ممسككاً بيذه القكى كعمػة إحداثػو بيػذا الييكػل
جػص كطػابكؽ …إذ صػنعيا ٍ ىي غير عمة بقاءه ممسككاً فترة أطكؿ كىي غير عمة كجكد مكاد البناء مػف
مختمػف عػف عمػة كجػكد
ٌ قكـ آخركف ،كاستعممكا ليا عمالً أخرى كقػكانيف ماسػك ًة .ككػل ذلػؾ
بيذه الصكرة ٌ
الرمل كالتراب كالنار كالماء ،كىي المكاد التي صنع منيا الصناع تمؾ المكاد …فإف كجكدىػا بيػذه الصػكر
عمل قديم ٌة في الطبيعة كفػق سػنف كقػكانيف أخػرى كىكػذا …بينمػا البحػث ىػك عػف عمػة كجػكد المختمفة لو ٌ
العػالـ بعػد إف لػػـ يكػف مكجػػكداً أي عمػة الكجػػكد مػف عػدـ !! كىػػك ينطػكي عمػػى أمػريف :اإليجػػاد بعػد العػػدـ
كاستمرار الكجكد .فقكؿ األكائل أف العمة ىي الحدكث إنما معناه الحدكث نفسو كلف الحدكث ينطػكي عمػى
الحػكادث المتصػػمة كغيػػر المنقطعػػة فيػػك ينطػػكي عمػػى الحركػػة إذ لػػك تكقفػػت الحركػػة انعػػدـ الشػػيء ألف كػػل
مكجػػكد دائػػـ الحركػػة ،فػػال بػػد مػػف محػ ِّػدث دائػػـ .فػػانظر إلػػى تفاىػػة االعت ػراض إذف حينمػػا يقػػاؿ إذا حػػدث
ػق دائػ ٌػـ بالمحػ ِّػدث حينمػػا يكػػكف الكػػالـ عػػف ِّ
ػرر لكجػػكد المحػػدث ،بينمػػا الحػػدكث ىػػك تعمػ ٌ
الحػػادث لػػـ يبػػق مبػ ٌ
الكجكد بأسره .
الرئيػػػس :فمػػا الػػذي جعميػػـ يػػذعنكف لالعت ػراض أىػػك سػػكء فيميػػـ األكائػػل أك سػػكء اسػػتعماؿ األكائػػل
لمحدكث .
المشرقي :إنما ىك سكء استعماؿ األكائل لمحدكث ! ألنيـ أرادكا بو حصكؿ الشيء بعد إف لػـ يكػف حاصػالً
ككاف تصكرىـ لألمر ىك كما يحصل البناء مف الباني منذ البداية كقبل أف يأتي المتأخركف .
الرئيػس :إذف فأنت تجعميـ يصيبكا التسمية دكف المفيكـ كبمحض الصدفة السعيدة !
المشرقي :تماماً كلذلؾ أذعف المتكممكف لمفالسفة ألنيـ اشترككا في ىذا الفيـ .
الرئيػس :فما ىك الحل الذي كضعو الفالسفة بديالً لمحدكث
المشرقي :كضعكا ليـ الحل القائـ عمى ( اإلمكاف ) بدالً مف الحدكث فأكقعكىـ في مأز ٍؽ ٍ
جديد .فقػد قػالكا
:إف ارتباط العالـ بالخالق ىك ارتباط إمكػاف ألف العػالـ ممكػف أف يػكد كممكػف أف ال يكجػد بصػكرٍة دائمػ ٍة .
دائـ .كاذف فارتباط العالـ بالػذي أكجػده مػف الالإمكػاف إلػى اإلمكػاف
مكجد ٍ
ٍ فمكي يبقى مكجكداً فال بد لو مف
ىك ارتبػاط إمكػاف .كمػف ىنػا أكقعػكىـ فػي مػأزقيف اكتشػفكا أحػدىما كخفػي عمػييـ اآلخػر .أمػا األكؿ فيػك
قػػكليـ بإمكػػاف العػػالـ ،فػػإف إخراجػػو إلػػى اإلمكػػاف مػػف ضػػده يسػػتمزـ انتفػػاء ضػػده .فأصػػبر العػػالـ كسػػائر
المكجكدات معدكمة األضداد كمتصفة بنفس صفات هللا .كذلؾ ىك قكؿ ابػف سػينا كالفػارابي كالكنػدي الػذي
ذكرتو لسيادتكـ في المجمس السابق كىك ما خفي عمييـ أك تغافمكا عنو .كأما الثاني فيك قكليـ أف العالـ
مستديـ في الزمػاف ،كىػك زمػاف مطمػق قبػل إيجػاد العػالـ كاذف فالعػالـ مكجػكد منػذ األزؿ .كلكػي ال يكػكف
العػػالـ نفسػػو إلي ػاً آخػػر ابتػػدع الفالسػػفة فكػػرة تقػػدـ هللا بالػػذات دكف الزمػػاف ،كىػػك األمػػر الػػذي اكتشػػفو
المتكممكف كحػاكلكا جاىػديف الػتخمص منػو مػف غيػر جػدكى .كقػد أسػس الفالسػفة أل زليػة العػالـ تأسيسػات
مرتبطة بالفكرة مف أكليا اتفق عمييا المتكممكف معيـ فمـ يقدركا بعد ذلؾ عمى الفكاؾ مف أسرىـ .
اضرب لي مثالً ليذا األسر الذي يضع المرء فيو نفسو بأيدي الخصـ .
ػأي
المشػرقي :نعػػـ سأضػػرب لػؾ مػػثالً مػػف الفكػر نفسػػو المػػرتبط بالػديف .فقػػد قػػاؿ خصػكـ الػػديف ألىمػػو :بػ ِّ
شيء يختمف ىذا الكتاب المنزؿ باعتباره آخر الكتب السماكية عف لغة العرب ،فأنا نػراه مخالفػاً لقكاعػدىـ
إنشػاء .كبػدالً مػف أف يقكلػكا نعػـ إنػو كتػاب اإللػو
ٍ سجع كال خطابػ ٍة كال
ٍ نثر كال
بشعر كال ٍ
ٍ كأساليبيـ فما ىك
المختمف في كل شيء عف كالـ المألكه كأنو ال يشبيو في شيء إال في ككنو مػف نفػس الحػركؼ ،قػالكا :
كذبتـ كأجرمتـ ! إنما جاء بأساليب العرب كعمى مقتضى قكاعدىـ .فقاؿ الخصكـ :صدقتـ كىػل نريػد غيػر
ذلػػؾ ! إذف فػػنحف نقػػدـ كنػػؤخر فػػي كالمنػػا فسػػكؼ نقػػدر تقػػديماً كتػػأخي اًر فػػي كالمػػو كنحػػف نحػػذؼ كنختصػػر
كسػػكؼ نحػػذؼ كنختصػػر كنقػػدر المحػػذكفات فػػي كالمػػو ،كنحػػف نحشػػك الجممػػة بألفػػا ٍ زائػػد ٍة كسػػكؼ نقػػدر
سبب كجي ٍو كسكؼ نحمل أكثر العبارات عمى التكرار .كمػا
ألفاظاً مزيد ًة في كالمو ،كنحف نكرر مف غيرما ٍ
زالكا يضعكف فيو ما جرت عميو األلسف حتى أخرجكه مف ِّ
حد كالـ الخالق إلى حػد كػالـ المخمػكؽ كحممػكىـ
عمى أف يبدءكا ىـ بذلؾ ،فعمل العمماء بنصائر الذيف أكحينا ليـ كل ذلؾ حتى أسسكا لػو قكاعػد كأحكػاـ ،
احد .حتى إذا تمكنكا مػنيـ قػاؿ الخصػكـ :فػأيف اإلعجػاز فيػو فأبمسػكا حكـ ك ٍ
كجمعكا كالميـ ككالمو في ٍ
فيـ ال ينطقكف .ثـ سألت العامػة :فكيػف نعمػـ أنػو كتػاب هللا كمػا الفػرؽ بينػو كبػيف غيػره مػف الكػالـ
فضحؾ العمماء عمى العامة بعدما ضحككا عمى أنفسيـ كقالكا :تعممكف ذلؾ مف تكاتره عف صاحب الرسالة
.كتناسكا أف صاحب الرسالة إنمػا كػاف برىانػو عمػى صػدقو ىػك كػالـ هللا ! َأكال تؤمنكف بصاحب الرسالة
سر كآمنكا جي اًر .
كليس ىك البرىاف عمى صحة كالـ هللا ،فارتد الناس اً
الرئيػس :كفقتـ لجميع الشركر فما كاف مف أمر الفالسفة كالمتكمميف بعد ذلؾ
المشرقي :لما كاف المتكممكف قد أذعنكا لمفالسفة باف عمة الحدكث ال تسػتمزـ دكاـ الحاجػة إلػى الم ِّ
حػدث (
المحدثة ممكنة الكجكد كأف ظيكرىػا ىػك إلنتفػاء أضػدادىا ،فقػد
َ بالكسر ) ،كاتفقكا معيـ عمى أف األشياء
جديد ىك ممكف ككاجب ،كاعترفػكا تقسيـ ٍ
ٍ كحادث إلى
ٍ غيركا طريقتيـ فيما بعد مف تقسيـ األشياء إلى قد ٍيـ
أف عمػػة الكجػػكد ىػػي اإلمكػػاف غيػػر مبػػاليف بمسػػالة األضػػداد إلػػى ىػػذا اليػػكـ إذ لػػـ ينتبػػو ليػػا أحػػد إلػػى ىػػذه
كعقػيـ أقػركا بػذلؾ كػارىيف غيػر راضػيف عػف أزليػة المكجػكدات كالتػي ىػي ٍ طكيل
ٍ جدؿ
الساعة .كلكنيـ بعد ٍ
تحصػػيل حاصػػل لمقػػكؿ باإلمكػػاف بيػػذا المعنػػى المحػػدد لإلمكػػاف .لكػػف ( صػػدر الػػديف الشػػيرازي ) جمػػع بػػيف
اإلثنيف بحيث تخفى أزلية العالـ ،كذلؾ مف خالؿ تحكيل عمة الكجكد إلى الحركة أي إلػى إمكػاف الكجػكد ال
اإلمكاف عمكماً .
الرئيػس :فما الفرؽ بينيما
المشرقي :الفرؽ أنو رسػذ ارتبػاط العػالـ بخالقػو بحيػث ال ينفػؾ عنػو أبػداً ال بالزمػاف كحػده بػل كبػالظيكر
أيضاً .كلذلؾ اخذ الشيرازي بنظرية الفيض لمفارابي كابف سينا كبالعقل الفعاؿ ليما كأخذ بالماىية كالييػكلى
كأخذ بما نسب إلى أفالطكف كأرسطك كأخذ بما ن ِّسب إلى أرسطك كاف كاف باطالً مثػل كتػاب ( أتكلكجيػا ) ،
كأخػػذ بكػػل مػػا جػػاء بػػو ابػػف عربػػي مؤسػػس الكثنيػػة الدينيػػة ،كأخػػذ بمقػكالت المتصػػكفة ،كأخػػذ بالنصػػكص
المنزلػة كنصػكص األكليػاء ،فكػاف يحمػل أسػفا اًر مثقمػ ًة باألفكػار فػي كتابػو ( األسػفار ) .كمػف ىنػا تجػػاكز
مرحمة االعتذار التي دأب عمييا الشيذ ابف سينا في ( الشفاء )( .)1فمديو لكل معضم ٍة ٌّ
حل مػا داـ يقضػـ
حيثمػػا حػػل .كلكػػي ال تنكشػػف أسػرار ىػػذا التخمػػيط فعػػل كمػػا فعػػل الغزالػػي كابػػف عربػػي مػػف قبػػل حينمػػا يقػػكـ
باستالب نفس المتمقي كركحو باإليحاء إليو بزخارؼ القكؿ مف أف ما سكؼ يػذكره ىػك ( نفحػ ٌة إلييػ ٌة ) أك
ػص مػػف الكرسػػي ) مػػف أعػػرض عنػػو كفػػر كذاؽ كبػػاؿ أمػػره . ػي ) أك ( فػ ٌّ( حكم ػ ٌة ربكبي ػ ٌة ) أك ( سػٌػر عرشػ ٌّ
كتسػػير ىػػذه اإليحػػاءات جنبػاً إلػػى جنػ ٍػب مػػع التحػػذير كالتيديػػد كالكعػػد كالكعيػػد مػػف االرتكػػاس بالجيػػاالت أك
البقاء في الظممات كذلؾ ىك عػيف الطريػق الػذي أكحينػا بػو إلػى عممػاء المغػة فأخػذ بػو الفػارابي كمػف بعػده
الزممكاني ،ككاف النجاح حميفيما .
الرئيػس :فأيف يكمف الخطأ في ىذا المبحث
المشرقي :إنو يكمف في كل لف ٍ لو عالقة بيذا المبحث مثل الكجكد ،العدـ ،إرادة هللا ،مشيئتو ،الزماف
،المكاف ،العمة ،المعمكؿ …إلى آخرىا .فإف لكل لف ٍ منيا داللػة يخرجػكف عنيػا خػالؿ البحػث كمػا ىػك
ديدنيـ في التفسير كالنقد كالفمسفة سكاء بسكاء .إنيـ يبحثكف عف ارتباط العالـ بخالقو كبالطبع يسػتحيل
اسػتخراج عالقػػة غيػر عميػػة بػيف شػػيئيف كفػق قػكانيف الكجػػكد الػذي تػػرتبط فبػو األشػػياء كعمػة كمعمػػكؿ ،ثػػـ
تنطبق ىذه العالقة عمى الكجكد مف خارجو قبل إيجاده .فالعالقة بيف هللا كالعالـ مختمفة حتماً عف العالقػة
اء ،كلكػاف سيضػيع بيف األشياء بعضيا ببعض ،كلك صحت عالقة مف ىذا النػكع لكػاف اإللػو كالمػألكه سػك ً
الفرؽ بيف هللا كالعالـ .أال ترى أف الجميع اضطركا في النياية إلى تكليد العالـ مف هللا كسمكه صدك اًر عنو
لي صدر عنو كجكد ِّ
أك فيضاً أك سمكه بالعقل الفعاؿ الكسيط بيف هللا كالعالـ كالذي يعمل عندىـ بمثابة أز ٍ
العالـ كذلؾ حتى يتـ التشابو بينيما .أال تراىـ يتحدثكف عف الكجكد كيريدكف بو كجكد هللا ككجكد العالـ
معمػكؿ عمػة فػإذا كانػت
ٍ أال تراىـ يثبتكف كجكد هللا عف طريق مبدأ العميػة كالتسمسػل . .يقكلػكف :لكػل
باطل .كاذف فال بد مف
ٌ العمة معمكلة بذاتيا فيك المطمكب كأال تسمسل األمر فال نجد عمة غير معمكلة كىذا
عم ٍة غير معمكل ٍة ىػي هللا .ففػي ىػذا البرىػاف جعمػكا هللا شػيئاً مػف األشػياء كعمػ ًة فػي آخػر العمػل ال يختمػف
معمكؿ لغيره .كمف ىنا حصل لو التشػبيو كالمثػل .كقػد اعتػرض عمػييـ ( المػاديكف )
ٍ عنيا إال بككنو غير
إذ قػػالكا :إف السػؤاؿ عػػف العمػػة األكلػػى ال معنػػى لػػو ألف التفسػػير العمػػي أك السػػببي يسػػتمزـ حػػديف ارتبطػػا
ببعضػيما ىمػا العمػة كالمعمػكؿ ،فعبػػارة ( العمػة األكلػى ) فييػا تنػػاقض فػي الحػدكد ،إذ أف مفػردة ( عمػػة )
كحدىا تستمزـ حديف كمفردة ( أكلى ) تستمزـ حػداً كاحػداً فػال يمكػف أف تكػكف أكلػى كتكػكف عمػة فػي عػيف
الكقت .
الرئيػس :فاشرح العبارة األخيرة لالعتراض المادي كفقت لكل شر .
المشػػرقي :المقصػػكد أف األكؿ ( هللا ) يجػػب أف يكػػكف غني ػاً بنفسػػو عػػف كػػل شػػيء ،فػػإذا قمػ َ
ػت ( عمػػة )
كعنيت بو التفرد تناقض لف ( أكلى ) مع لفػ َ قمت ( أكلى )
طرؼ آخر ىك ( المعمكؿ ) كاذا َ استمزـ كجكد ٍ
( عمة ) .كىك كما ترى ليس اعتراضاً عمى دليل العمة كالتسمسل كحده ،اعتر ٌ
اض ينسف الصدكر كالفػيض
كالييكلى كالعقل الفعاؿ كأزلية العالـ مع تقدـ هللا بالػذات أك قػدـ بعػض صػفاتو دكف بعػض ،كينسػف كػذلؾ
مباحثيـ عف األيف كالزماف كالكيف دفع ًة كاحد ًة .
الرئيػس :فكيف أجابكا عمى ىذا االعتراض
المشػػرقي :كػػاف بإمكػػانيـ اسػػتغالؿ ىػػذا التنبيػػو كالتخمػػي عػػف االسػػتمرار فػػي مبػدأ العميػػة كالحكػػـ بػػو عمػػى
العالقة بيف هللا كالعالـ كلكنيـ لـ يفعمكا .فمثل ىذه اإلشارة تقرر أف المعترض يتكجب عميػو اإليمػاف بػاهلل
بصكرٍة أفضل أكضر مف إيماف أكلئػؾ الػذيف آمنػكا بػو عػف طريػق مبػدأ العميػة .إذ لمػا كػاف كػل شػيء فػي
مقيػكر
ٍ كجػكد
ٍ الكجكد مرتبط بآخر كال يمكف تصكر جزء منو مستقالً بذاتو غير مؤثر كال متػأثر ،فيػك إذف
فاعػل
ٌ كالذي يظير فيو مف هللا ىك القيارية ال غير .إي أف العمية تثبت ككنو منفعالً كمو جمم ًة كاحد ًة كلػو
.فالعمية تثبت انفعالو لفاعل كلكنيا ال تظير اسمكب الفعل ،فيػذا خػارج عػف قانكنيػا –ألف الحػديث عػف
كيفية انفعالػو ىػك حػديث مػف خػارج الكجػكد ال مػف داخمػو .كىػذا ىػك منطػق العالقػة بػيف هللا كالعػالـ ،إذ
منفعػل كلكػف مػف المحػاؿ أف يخػرج مػف جمػده
ٌ يستطيع العاَلـ أف يدرؾ نفسو إلػى أدؽ التفاصػيل كيػدرؾ أنػو
ليدرؾ كيف انفعل ! إذ لك كاف بمقدكره أف يفعل ذلؾ لما كاف منفعالً أصالً .كمعنػى ىػذا البحػث عػف كيفيػة
انفعالو يناقض اإلقػرار بانفعالػو خالفػاً لجميػع أجػزاءه بعضػيا عػف بعػض .كسػبب ذلػؾ ىػك أف انفعالػو ىػك
عيف إيجاده .
الرئيػس :إذف فقد كفر كل الذيف أرادكا أف يعرفكا كيف انفعل ! . . .عممكا أـ لـ يعممكا .
المشرقي :نعـ .
الرئيػس :كفقتـ لكل شر فكيف كاف جكاب المتكمميف
المشرقي :قالكا ( :مف قاؿ أف كممة عمة تستمزـ عم ًة قبميا ! كانما تتطمب معمػكالً فالحػداف متػكفراف معػاً
في فرضية ( العمة األكلى ) ألف العمة األكلى ليا معمكليا الذي نشأ منيػا كلممعمػكؿ عمتػو األكلػى ال يتطمػب
المعمكؿ دائماً معمكالً ينشأ منو )( .)1ككما ترى سيدي الرئيػس فيذا ىك أحدث النصكص كليست لػو أدنػى
عالق ػ ٍة بػػاالعتراض كال يجيػػب عميػػو ،بػػل يؤكػػد نشػػكء العػػالـ مػػف ( هللا ) كلػػيس نشػػكء العػػالـ بػػأمر هللا .
جائز عمى الغني بذاتو عف المعمكالت
فاالعتراض يتحدث عف التالزـ بيف العمة كمعمكليا الذي بعدىا كالغير ٍ
منطػق ىػذا
ٍ مف بعػده كالجػكاب ينفػي أف تكػكف لمعمػة عمػة قبميػا كيؤكػد الػتالزـ بػيف العمػة كمعمكليػا !! فػأي
فعل آخر لكف الفالسػفة كالمتكممػيف
الذي يقكؿ أف المعمكؿ يدرؾ عمتو مع أف عمتو ىي عمة إيجاد ال أي ٍ
كالمتصكفة أصركا عمػى إمكانيػة إدراؾ المكجػد مػف قبػل المكجػكد ككػذلؾ زعػـ الفػارابي قػائالً ( :يفػيض مػف
األكؿ ( أي هللا ) كجػػكد الثػػاني كىػػك جػػكىر غيػػر متجسػػـ أصػالً كال فػػي مػػادة فيػػك يعقػػل األكؿ كيعقػػل ذاتػػو
)( .)2أال ت ػراه جعػػل هللا ثػػاني اثنػػيف فػػي بػػدء التكػػكيف كالىمػػا يعقػػل نفسػػو كيعقػػل اآلخػػر ككالىمػػا غيػػر
متجسػػـ أص ػالً كال فػػي مػػادة كعمػػى ذلػػؾ جميػػع الفالسػػفة كالمتكممػػيف كالمتصػػكفة ،بػػل اسػػتعمل الفقيػػاء
شيء أكثر مف ذلؾ يبعث السركر في ٍ أنفسيـ اصطالح الفيض بيذا المعنى في شركحيـ كتفاسيرىـ .فأي
نفسؾ سيدي الرئيػس كأنت ترى تعدد اآللية في طيات التكحيد
شيء دفعيـ إلى أف يزعمكا أنيـ قادركف عمى إدراؾ هللا
ٍ الرئيػس :فأي
المشرقي :الذي دفعيػـ إلػى ذلػؾ ىػك حػب ذكاتيػـ أكثػر مػف ِّ
حػبيـ هلل فرغبػكا فػي أف يتشػبيكا بػو كيتصػفكا
أممكه مف تقديس العامة ليػـ كالتميػز عمػى اآلخػريف بػدعكى انكشػاؼ الحقػائق بصفاتو كلك مف بعيد مع ما َ
عمػػى أيػػدييـ ،كلػػذلؾ اعتمػػدكا طػػريقتيف :إمػػا أف يتكخ ػكا الغمػػكض كالتمبػػيس فػػي األق ػكاؿ كأمػػا أف يتحػػدثكا
بميجة المستيقف كالمغركر فيحشك سطكره مف عبارات االفتخار كاإليحاء بانفراده بالكشف مع ِّ بكضكح كلكف
كشػػيء مػػف التشػػكي مػػف أىػػل الجيػػاالت .فأخػػذ بػػالطريق األكؿ المتكممػػكف
ٍ شػػيء مػػف التيديػػد كالكعيػػد
ٍ
كالفالسفة كأخذ بالطريق الثاني المتصكفة كأىل الطريقة .
الرئيػػػس :قػػد رأينػػا الفالسػػفة كالمتكممػػيف فاضػػرب لػػي مثػػاالً مػػف أصػػحاب الطريقػػة المتصػػكفة يحػػل فيػػػو
ذكرت مف قبل –عيف مخمكقاتو . َ المتصكؼ نفسو شريكاً هلل في صفاتو كيجعمو –كما
المشرقي :سمعاً كطاع ًة سيدي :فمف األتباع ( عبد الكريـ الجيمي ) الممقب بالعػارؼ بػاهلل كىػك كاحػد مػف
كنمكذج تقيس عميو أشباىو ،لو كتب منيا ( الكماالت اإلليية ) ك ( مراتب الكجكد ) ك
ٍ عشراتٍ أذكره لؾ
( قاب قكسيف ) ك ( المناظر اإلليية ) ،كىي عناكيف كما تػرى مشػابية لعنػاكيف اآلخػريف كالشػيرازي كابػف
عربي كالغزالي ككالزنجاني كالسيركردي كالداماد كغيرىـ كفييا صف ٌة مشترك ٌة تكحي بالكشف كاإلطالع عمى
الممككت كالمأل األعمػى كأسػرار الخمػق كصػفات الخػالق ممػا عجػز عنػو النػاس ككمػت العقػكؿ .فػأكؿ شػيء
( مراتػػب الكجػػكد كحقيقػػة كػػل مكجػػكد ) مػػا يػػكحي بػػو العنػكاف مػػف معرفػػة تالحظػػو فػػي عنػكاف كتابػػو
حقيقة ( كل مكجكد ) بما في ذلؾ خالق الكجكد لنو عندىـ ىك عيف الكجػكد .ىػذا العنػكاف الضػخـ مػع أف
الكتاب ىك خمسة كأربعيف صفحة مف القطع الصغير .كاألمر اآلخر ىػك االفتتػاح حيػث قػاؿ ( :كأشػيد أف
ال إلو إال هللا الظاىر بكل مكجكد بكمالو مف غير حمكؿ ك ال اتصاؿ كال انفصاؿ ) .فالقارئ يظػف أف ظيػكره
مكجكد مف حيث ككف المكجكد متعمق بالفناء بينما مراده الظيكر الفعمػي مػف غيػر اتصػاؿ كال انفصػاؿ
ٍ بكل
فيك عيف األشياء .فمما قسـ الكجكد إلػى مراتػب متنزلػة مػف األعمػى إلػى األسػفل جعػل ذات هللا أكؿ مرتبػة
فييػػا كجعػػل المرتبػػة األربعػػيف ىػػي اإلنسػػاف ثػػـ قػػكس ىػػذا الخػػط فرجػػع اإلنسػػاف ليكػػكف ىػػك هللا مػػف الطػػرؼ
اآلخر فمـ يفعل سبينك از كال ىكسرؿ شيئاً أزيد مما فعمو الرجل كلـ يفعل أنجمز بعد ذلؾ شيئاً أزيػد ممػا منػو
حينما قاؿ :أف الكجكد مشحكف بقكتو الذاتية كأف الجدؿ المتناقض ىػك محركػو الكحيػد كعمتػو السػرمدية .
كالفرؽ الكحيد ىك أف أنجمز أشرؼ مف أكلئؾ إذ جعل نفسو كاحداً مف تمػؾ المكجػكدات التػي يقضػي عمييػا
جدؿ المتناقضات ،أما المتصكفة فأنيـ زعمكا كالفالسفة أف محػرؾ ىػذا الكجػكد ىػك اإلنسػاف ،كلػيس ىػك
كل إنساف ،بل الذي فيـ سر الكجكد كما فيمكه ،فكتبكا ألنفسيـ شيادة بػالخمكد كاأللكىيػة كالبقػاء خالفػاً
لبقية الخمق –ألف هللا الذي أنكره ماركس أصالً حل فييـ .
الرئيػس :ككيف ذلؾ
المشرقي :لما قسـ الكجكد إلى مراتب لػـ يكػف هللا فػي ىػذا التقسػيـ أكؿ مكجػكد كحسػب ،بػل كػاف مقسػماً
ىك اآلخر إلى مراتب في كجكده :
فأكؿ المراتب :الذات اإلليية .
كالثانية :األحػديػة .
كالثالثة :الكاحػديػة .
كالرابعة :األلػكىيػة .كىذه ىي مرتبة ظيكر األشياء كىي كما قاؿ ( :مف ىذه الحضرة تتعيف الكثرة )
كالخامسة :الرحمػانيػة .
كالسادسة :الربػكبيػة .
كالسابعة :المػالكيػػة .
كالثامنة :األسماء كالصفات النفسية .
كالتاسػػعة :ىػػي الجالليػػػة .كاذا كػػاف المػػرء يظػػف أنيػػا صػػفات هللا فيػػك كاىػػـ .ألف الكثػػرة ابتػػدأت مػػف
األلكىية كىي المرتبة الرابعة .كاذف فكل ما بعدىا ىي صفات مشػتركة بػيف الخػالق كالمخمػكؽ .عممػاً أنػو
لـ يأت بصفة الخالق كلـ يذكرىا مطمقاً مف مجمكع الصفات ألنيا مخالفة لفكػرة التقسػيـ .قػاؿ ( :المرتبػة
الثامنة ىي الصفات كاألسماء النفسية كىي أربعة ال يتعيف لمخمك ٍؽ كماؿ الذات إال بيا ) .
كالعاشرة :الجمػاليػة .
كالحادية عشر :األسماء الفعمية .
كالثانية عشر :ىي عالـ اإلمكاف كىي آخر التنزالت اإلليية كالعقل األكؿ أكؿ التنزالت .
كالثالثة عشر :العقل األكؿ .
كالرابعة عشر :الركح األعظـ .
كالخامسة عشر :العرش .
كالسادسة عشر :الكرسي .
كالسابعة عشر :المالئكة .
…كىكػػذا إلػػى المرتبػػة التاسػػعة كالثالثػػيف :كىػػي الحيكانػػات كالمرتبػػة األربعػػيف كىػػي اإلنسػػاف فقػػاؿ ( :
كباإلنسػاف تمػت مراتػػب الكجػكد ككمػل العػػالـ كظيػر الحػق تعػػالى ) ثػـ قػاؿ ( :فاإلنسػػاف ىػك الحػق كىػػك
الذات ( أي المرتبة األكلى ) كىك الصفات ( أي المراتب مف ثمانية إلى عشرة ) كىػك العػرش كىػك الكرسػي
كىك المكح كىك القمـ كىػك الممػؾ كىػك …كىػك ) …إلػى قكلػو ( كىػك الحػق كىػك الخمػق كىػك الحػادث كىػك
القديـ ،فممو در مف عرؼ نفسو معرفتي إياىػا ألنػو عػرؼ ربػو معرفتػو لنفسػو )( . )1أفرأيػت سػيدي كيػف
أبدلنا طريق الذؿ كاليكاف كاإلقرار بالعبكدية في عقكؿ ىػؤالء إلػى الطريػق المنػاقض :طريػق المشػاركة مػع
هللا في صفاتو ليككف ىك الذات كىك الحق كىك العرش كىػك النػكر …إلػى آخػر الصػفات كالتجميػات كقػد
خدمنا في ذلؾ مقكلة أحد الرسل ( :مف عرؼ نفسو فقد عرؼ ربػو ) .فميػذه المقكلػة معنيػاف :مػا أراده
ذلػػؾ الرسػػكؿ كبينػػو أحػػد األكليػػاء بقكلػػو :مػػف عػػرؼ أنػػو خػػرج مػػف طريػػق البػػكؿ مػػرتيف كأف نصػػفو ممتمػ
بالغائط كأنو يستحيل إلى جيف ٍة ،فمف عرؼ ذلؾ عرؼ أف الرب ال يمكف أف ي َ
عػرؼ .كىػك فيػـ ال يقبمػو إال ٍ
المقر بالكاقع المكضكعي لألشياء .كليا معنى آخر ىك مػا أردنػاه :أف العبػارة أحمػت الػنفس محػل الػرب ،
ً
لذلؾ أكثر المتصكفة كأىل الكشف مف االستشياد بيذه العبارة أما تمميحاً أك تصريحاً حتى إذا أعمف الحالج
كالبسطامي كالحافي كآخركف مف ىذه الطبقة عنيا صػراح ًة زعػـ الزاعمػكف أف تمػؾ شػطحات مػف شػطحات
ػائـ عمػػى فكػػرة المعنػػى اآلخػػر ليػػذه المقكلػػة –فكػػرة عبػػادة الػػذات
الصػػكفية بينمػػا التأسػػيس الصػػكفي كمػػو قػ ٌ
بالنيابة عف عبادة هللا .كمع ذلؾ فإف ىناؾ تناقضاً آخر كلك بيذا المعنى :فإف المتصكفة لـ يتكجيكا ألى
أنفسيـ ليعرفكا ربيـ كما تقرره العبارة ،بل تكجيكا لمعرفة الكجكد بأسػره كمنػو الػرب ،كزعمػكا أنيػـ عرفػكا
ِّ
مفػاخ اًر :فممػو در مػػف عػرؼ نفسػػو معرفتػي إياىػا ! فكػػأف معرفػة هللا كالكجػػكد أنفسػيـ كمػا قػػاؿ ىػذا الشػػيذ
بأسػػره أىػػكف مػػف معرفػػة الػػنفس ! بينمػػا قػػررت الكتػػب المنزلػػة أف خمػػق السػػماكات كاألرض أكبػػر مػػف خمػػق
الناس( )2فضالً عف أف تصر مقارن ٌة ما مع خالق السماكات كاألرض
.
'لرئيػػػسؠD :كػػأنيؠ(ىػػـؠJردكفؠ9ليػػؾؠBكلػػؾؠ%ذاؠ2عم ػكاؠ#فؠEاؠ'بتػػدءكاؠ(قؠEفؠ( 'ألنػػاؠ)
مقكلةؠ3لؾؠ'لمرسلؠ' :عرؼؠFفسؾؠ*عرؼؠ1بؾؠ. ِّ *طبيقؠD Aيؠ'لغربؠ%نماؠGكؠ
ٌ
احدؠDيعرؼؠFفسوؠ "فؠٍ H Eاردؠ'لشماؿؠH :مفؠ3اؠJحاكؿؠ#فؠJعرؼؠ-ريتوؠHقيدهؠAيؠ ٍ
.
تطبيػق
ٌ الرئيػس :لكأني بيـ يردكف عميؾ قكلؾ إذا زعمكا أف ما ابتدءكا بو مف ( األنا ) في الغرب إنما ىك
ِّ
لمقكلة ذلؾ المرسل :اعرؼ نفسؾ تعرؼ ربؾ .
احد ليعرؼ نفسو كانت تمػؾ بدايػة عمػى يػد
آف ك ٍ
مارد الشماؿ :كمف ذا يحاكؿ أف يعرؼ حريتو كقيده في ٍ
( جكؿ لكي ) ك ( سكرتاف ) ،لكنيما لـ يشتي ار شيرة ( ىيكـ ) ك ( ىيجل ) ك ( نيتشو ) ك ( ميكػافيممي
فالمشرؽ كالمغرب ينساىما . )
الرئيػس :ال تزعجني أييا المػارد بيػذه األسػماء المنسػية ! ىيػا ارتجػز قػل لػي مػف أنػت ،ىيػا ارتجػزكا فقػد
انزعجت غاية االنزعاج .
(شعركا أف الرئيػس يريد منيـ فعالً أف يرتجزكا لترتفع معنكيات المجمع الشيطاني فارتجزكا كابتدأ المشرقي
)
المشػػرقي :أنػػا مبتػػدع فمسػػفة اإلشػراؽ .أنػػا مؤسػػس النفػػاؽ .أنػػا أصػػل الشػػقاؽ .أنػػا الكػػامف بػػيف اآلمػػاؽ
كاألحداؽ .
مارد الشماؿ :أنػا مػارد الشػماؿ .أنػا مصػطنع البمبػاؿ .أنػا مختػرع عبػادة األصػناـ كجاعػل اإلنسػاف َّ
معمقػاً
بالمحاؿ كاآلماؿ .أنا الكباؿ .
المغربي :أنا زعيـ الغرب .أنا المكحي بقياس نفس اإلنساف عمػى نفػس الكمػب .أنػا مػؤجج الحػرب .أنػا
مصدر كل كرب .
مػػارد الجنػػكب :أنػػا مكنػػادك المشػػؤكـ .أنػػا مجػػزء العمػػكـ .أنػػا مػػدمر القػػركـ .أنػػا نػػار السػػمكـ .أنػػا األنػػا
المعمكـ .
الرئيػس :كمكـ أجاد كالفائز مكناد ! لكنكـ لـ تخبركني بشيء عػف أصػل ىػذا المبحػث ،أعنػي إدراؾ كجػكد
هللا ككيفية البرىنة عمى ىذا الكجكد .
المغربي :إف أصمو يا سيدي ىك اإلدراؾ الذي يحدد في البدء أسس نظرية المعرفة .يا لميكؿ ! تذكرت ..
فقد كاد (باسكاؿ ) أف يقضي عمينا لكال ديكارت العظيـ الذي جعل الناس ينسكف فمسفة باسكاؿ التي نثرىا
في أكراقو المبعثرة قبيل مكتو كلـ يبق منو في ذاكرة التالميذ سكى ( أكانيو المستطرقة ) !
ديػد أكثػر ممػل ذكػره مػف قبػل مائػة
بشػيء ج ٍ
ٍ المشرقي :يا لممبالغات التي يذكرىا المغربي ! لـ يأت باسكاؿ
نبي .إف اإلنساف ىك الذي يعيننا عمى نفسو ،ككمما كانت الفكرة أسكأ كاف تشػبثو بيػا أشػد كتمسػكو
ألف ٍ
أقكى .أال تراه ىرع يؤيد كارؿ ماركس حينما اكتشف بذكائو الحاد ما يريده اإلنساف فكػأني بػو يقػكؿ ( :
ػيء أييػػا
أي شػ ٍ
ػيء تبحػث …عػػف ِّ
أي شػ ٍ
عػػف ِّ أييػا األحمػػق –الػرافض لكػل القػػيـ كالمشػػغكؼ بالتفمسػػف
المنحدر مف البرمائيات كالقركد العميا ال أحسبؾ تبحػث إال عػف أصػمؾ القػديـ ،كسػأجعمؾ كمػا تريػد كائنػاً
كعندئػذ سػتككف فاضػالً رغػـ
ٍ اقتصادياً نحسب قدرتو الحصانية كنأخذىا منو كاممػ ًة كنسػممو عمفػو اليػكمي ،
أنفؾ .لكنؾ مع ذلؾ تبحث عف الدكتاتكرية ،كىذا ما ييكف األمر ..فإني أراؾ تقدس الطكاغيت فػي عػيف
الكقػت الػػذي ترفضػػيـ فيػػو ! سػػأجعمؾ إذف ( السػػيد ِّ
القػػف ) األكحػد فػػي العػػالـ …كىػػذا بػػالطبع ال يمكػػف أف
يحػػدث إال فػػي حالػ ٍة كاحػػد ٍة مختمفػػة عػػف الحالػػة المعتػػادة التػػي يكػػكف فييػػا السػ ِّػيد فػػي مقابمػػة العبػػد ،كىػػذه
الحالة ىي في أف نككف كمنا سادة في دكلػة العبيػد ،كأف نمػارس دكرنػا كشػغيم ٍة دكتاتكريػ ٍة تحسػب قػدرتيا
الحصػػانية بنفسػػيا .كأنػػا أعمػػـ أيضػاً أنػػؾ تحتػػاج إلػػى فمسػػف ٍة تفسػػر لػػؾ كجػػكدؾ سػػيداً مسػػتعبداً أك حصػػاناً
دكتاتكرياً مستبداً ،فميكف التناقض في صميـ الكجكد كليساعدني العمـ الذي ال تعمـ الجماىير إنو مف نتاج
مبدأ عدـ التناقض …كالمعذرة لؾ يا صديقي طاليس الكفي المعذرة فإني سألغي مبدأ عػدـ التنػاقض مؤقتػاً
فقط مف أجل أف تسمك ركح الجماىير ..كسأكدعكـ اآلف يا أصدقائي ..باي باي أرسطك باي بػاي سػقراط
! باي باي ديمػككراتيس ..بػاي بػاي ليكتريػك ) …كانقطػع صػكتو ألف الجمػاىير احتشػدت خمفػو كلػـ يكمػل
الرجل بعد تكديعو ألعمدة الحكمة السبعة ! ..
الرئيػس :لكف العزيز كارؿ ماركس لـ يبرىف عمى عدـ كجكد هللا كما حػاكؿ الخصػـ البرىنػة عمػى كجػكده .
ألمر لـ يدركو اآلخركف أـ ىك ٌ
نقص في فكرتو لـ يتالفاه ذكاء منو ٍ
أىك ٌ
ألمر لـ يدركو اآلخركف .ذلؾ أف كل ٍ
كائف في ىذا العالـ يدرؾ جيداً حقيقػة هللا ذكاء منو ٍ
المغربي :بل ىك ٌ
،ألف مثميا مثل الكاحد مع االثنيف كالثالثة إلى آخر األعداد في عالقة الكاحد بالكثرة في المفيكـ الرياضي
ػالع ،فيقػػكؿ اآلخػػر :بػػرىف عمػػى ذلػػؾ
المحػػض الخػػالي مػػف الكحػػدات .فػػالمرء يقػػكؿ أف لممثمػػث ثالثػػة أضػ ٍ
فيقكؿ :أحسب األضالع ىذا كاحد كىذا اثنػاف كىػذا ثالثػة …لكػف إذا قػاؿ اآلخػر :ىػذا ال يكفػي ..بػرىف
ىاف عمػى ىػذا فالكاحػد ككنػو كاحػداً ىػك برىػاف نفسػو إذأف الكاحد ىك كاحد ،فمف أيف يأتي لو المرء ببر ٍ
لكاله لمػا عرفنػا االثنػيف كالثالثػة كالػى آخػر األعػداد .إف مػف المعقػكؿ نكعػاً مػا أف تسػألني :مػا الثالثػة
كأجيبؾ فأقكؿ :ىي ثالثة آحاد .كلكف ىل يعقػل أف تطمػب منػي برىانػاً عمػى أف أعػرؼ الكاحػد عػف طريػق
ألف األصػل ىػك أنػي مػا كنػت أعػرؼ الثالثػة إال بالكاحػد .مػاذا يعنػي إذف إنكػار هللا إنػو مسػألة الثالثة
خمقية ال عالقة ليا بنظرية المعرفة مطمقاً ..كلذلؾ فنحف نؤكد لإلنساف دكماً أنو يحتػاج إلػى برىػاف عمييػا
،ألننا إذا أسقطنا ما يرتكز عميو الحساب العقمي كمػو فقػد سػمبناه عقمػو كمػو مػف غيػر أف يعمػـ .لقػد أدرؾ
دليػل ،بػل تبحػث عػف فكػرٍة يضػيع فييػا الػدليل ! فكػرٌة ال
ىذا الرجل ( ماركس ) أف الجماىير ال تبحث عػف ٍ
كجػػكد لمعػػدد الحقيقػػي فييػػا ،فكػػرٌة ال تنطػػكي عمػػى القضػػية الرياضػػية مػػف أف الكاحػػد ىػػك فكػػرة الكاحػػد فػػي
الرياضيات دكماً .تحتاج الجماىير إذف إلى مف يسمب منيا عقميا كعمميا باألشياء ..فأنكر كارؿ ماركس
ألجل الجماىير الحقيقة الثابتة ! كجاء أنجمز ليبرىف عمى غباء أكلئػؾ الػذيف يعتقػدكف أف الكاحػد ىػك ك ٌ
احػد
دكماً !!
شيء استطاع إثبات ذلؾ
ٍ كبأي
الرئيػس ِّ :
المغربي :عف طريق العمـ نفسو ! ليس المطمكب مف المرء إال أف يقمب حقػائق العمػـ فتػؤمف بػو الجمػاىير
كاذف ! ألف أنجمػػز يقػػكؿ :أف كاحػػداً مػػف المػػاء مضػػافاً إلػػى كاحػ ٍػد مػػف الت ػراب ال ينػػتج اثنػػيف مػػف الطػػيف
فالكاحد ليس كاحداً عمى الدكاـ .كالجماىير تصػدؽ ألنيػا تريػد أف تصػدؽ كلػيس ألنيػا تريػد أف تػتعمـ .إذ
ليس ليا حاجة إلى التعمـ فحقيقة ثبكت الكاحػد بالمػاء كالطػيف تمػارس يكميػاً مػف قبػل جميػع الػذيف صػدقكا
بنقيضيا .ألنؾ لػك حممػت أحػدىـ عشػريف كيمكغرامػا مػف المػاء كعشػريف كيمكغرامػاً مػف التػراب عمػى شػكل
طيف ألسرع في نسياف أنجمز كألنكر إنكا اًر تاماً أف يككف الطيف دكف المجمكع الذي ىك أربعػيف كيمػك غرامػاً
ٍ
إذا كانت أجكر التحميل تدفع مقابل الكزف .جمع أنجمز الحجكـ إلخفػاء إبقػاء الػكزف ثابتػاً ..نعػـ أمػا أنػا
فػػأذكى منػػو ألنػػي رأيػػت النجػػار يكمػاً قػػد جمػػع عشػػرة مػػع ثمانيػػة فكػػاف النػػاتج كاحػػداً ! لقػػد كانػػت قطعػاً مػػف
سرير .كـ كاف يعجبني أف أكحي لو بيا ،فأنا أيضاً حافظت عمى الكحدات ألنيا قطع ،كاذا
ٍ الخشب لصنع
كاف ( دكىرنؾ ) ىك الكحيد الذي صاح بكجو أنجمز ليكف عف ىذه الترىات المنافية لمعمػـ كالمنطػق ..فقػد
ػات أعظػػـ كانػػت مػػدعاة لتأييػػد الجمػػاىير ! .لقػػد كػػافتكفػػل أنجمػػز بػػالرد عمييػػا فػػي ( أنتػػي دكىرنػػؾ ) بترىػ ٍ
مػاركس كأنجمػػز سػػيدي الرئيػػس مػػف ألػ ِّػد أعػداء الماديػػة ،كلقػػد أكحينػا إلييمػػا التأكيػػد عمػى الماديػػة كالػػدفاع
عنيا ألننا ندرؾ جيداً أف إنكار األنظمة الصارمة كالحقائق الثابتة في حركة المادة ىػك شػيء سػيثير عمينػا
سخط عمماء الطبيعة جميعاً ،فكػاف ال بػد لنػا مػف االرتكػاز عمػى مػا نحػف أعػداء لػدكديف لػو كمثػل السػاحر
حينما يستخدـ أسماء هللا الحسنى .إف المادة ىػي خمػق هللا ..إف المػادة ىػي مثػل كتبػو المنزلػة ال بػد لنػا
مف االنتساب ليا .
مارد اإلتالؼ :لقد قمت سيدي الرئيػس كبكل طػاقتي مػع الزمػر التػي تحػت أمرتػي بػإتالؼ ( دكىرنػؾ ) ..
فيػل تػرى فػي المشػرؽ دكىرنػؾ حتػى فػي ألمانيػا يصػعب ً
جػد الحصػكؿ كاإلبقاء عمى ( أنتي دكىرنؾ )
عمى دكىرنؾ ! .
الرئيػس :كفقتـ لجميع الشركر .كلكني أريد أف أسألكـ سػؤاالً شخصػياً آخػر ىػك :كيػف كفػرتـ بػاهلل كأنػتـ
عمى ىذا القدر الكاسع مف المعرفة أ ََكليس العارؼ بالحق ىك المحق ما تقكلكف أييا المأل .
ِّ
المعرؼ بالحق كالػذي ييػدي النػاس إليػو .كأمػا مكنادك :ليس العارؼ بالحق ىك المحق سيدي الرئيػس بل
آخػر .كالعػارؼ
شػيء ٌ
ٌ شػيء كاختيارنػا
ٌ مبطػل دكمػاً .فمعرفتنػا
ٌ العارؼ بالحق الذي يضػل النػاس عتػو فيػك
بالحق ال بد أف يككف عارفاً بنقيضو كىك الباطل إذ كيف يعرؼ الحق كىك ال يميزه عف الباطل فيل يصر
كشػرير فالرسػل أعمػـ الخمػق بالشػركر كمػع ذلػؾ فيػـ
ٌ مبطل
ٌ أف يقاؿ :العارؼ بالباطل أك العالـ بالشركر
أخيار .
المغربي :كمف ىنا جاء أحد المناطقة إلى أحد الرسػل فحاججػو الرسػكؿ طػكيالً فقػاؿ المنطيػق ( :كهللا إف
لحق كلكػف قمبػي ال يطػاكعني عمػى اتباعػؾ ) ،فكػاف ذلػؾ الرسػكؿ يقػكؿ لػو ( ىػال رحمػت عنػي )
ما تقكلو ٍ
احل ..فمشى قميالً ثـ رحل إلى عالـ األمكات .
فقاؿ :إني ر ٌ
شػر
مضػاؼ إلػى االختيػار .فالػذي اختػار الشػر طريقػاً فػإف المعرفػة تزيػده اً
ٌ حػد
المشرقي :إف المعرفػة ىػي ٌ
كالذي اختار الخير فإف المعرفة تزيده خي اًر .
الرئيػس :فكيف اعتمد الفالسفة عمى نظرية المعرفة لتأسيس األخالؽ
المغربي :كىل يجيل الفالسفة أف العقكؿ اختمف حسابيا لألشياء تبعاً لالختيار لكننػا أكحينػا بػذلؾ كػي ال
يتميز الخير مف الشر كندخل بمعرفتنا لألشياء في جممة األخيار ،ألف الناس يظنكف أف األكثر معرف ًة ىػك
األكثر خي اًر ..كمف ىنا أصبحنا مع إخكاننا شياطيف األنس كمردتيـ مف خيار الخمق ،فضاع عمػى العامػة
التمييز بيف الخير كالشر كتمكنا مف أف نقكدىـ كـ تقاد القطعاف ! .
ػارؼ بالشػػر كىػػك مػػف األخيػػار كبػػيف
ػكر مػػف أف يميػػزكا بػػيف عػ ٍ
المشػػرقي :كلػػف يتمكنػكا كالػػى أمػ ٍػد غيػػر منظػ ٍ
عارؼ بالخير كىك مف األشرار .كلكف أال تأذف لنا يا سيدي الرئيػس أف نسألؾ كما سألتنا . ٍ
(تسمر نظر الرئيػس عمى ظير المكحة المكضكعة عمى يمينو كلـ يحركو إلى الجدراف التػي بناىػا العفاريػت
سقف مف صخر األنكػككمي ٌ اح بمكري ٍة كالثمج قاـ عمييا
بأقصى سرع ٍة كأدؽ صنع ٍة كالتي ىي عبارة عف ألك ٍ
المعػػدني األسػػكد ثبتػػت باألصػػماغ الزرنيخيػػة ،ككػػاف البػػاب المصػػنكع مػػف الرصػػاص األحمػػر قػػد ثبػػت عمػػى
بصخكر مصقكل ٍة مف الزاج األزرؽ ،ككل ٍ منحكت بدق ٍة كلطاف ٍة ،كقد بمطت األرضية
ٌ اع مف حجر الدـ مصر ٍ
ىػػذه المػكاد كانػػت قػػد جمِّبػػت فػػي كقػ ٍػت سػ ٍ
ػابق مػػف غابػػات األرز الصػػخرية المنتشػػرة عمػػى سػػطر أكبػػر أقمػػار
قصػير بػيف مػارد الػرير
ٌ األرض السادسة المسماة بالكككب المطكؽ أك ذي األكتػاؼ .ككػاف قػد حػدث نػز ٌ
اع
كمارد المػاء انتيػى بانتصػار األكؿ حينمػا ادعػى أف التفػاؤؿ يقضػي ببنػاء الييكػل مػف مػكاد خارجيػة ال مػف
المػػادة أال تػػرى كيػػف اعتقمػػت النػكاة جسػػيماتيا كعمقػػت بيػػا جسػػيماتيا كلتمػػؾ الجػزاء أج ػز ٌ
اء أدؽ قيػػدت
بعضيا البعض كعمقت بعضيا ببعض ،فأنى ليا باالنفراد كالكحدة أماـ األلكىية
المشرقي :أفال يككف الذي فيو عقل عاقالً قط
شػيء ترمػي إف
ٍ قػائـ بذاتػو لػو خصائصػو المختمفػة .فػإلى أي
كيػاف ٌ
مكنادك :إف كل تعاقػب صػكتي ىػك ٌ
احػد فػال بػد لػؾ مػف اسػتعماؿ لفػ ٍ آخػر فػالمفعكؿ غيػر
آف ك ٍ كنت تريد أف يككف الشػيء عػاقالً كمعقػكال فػي ٍ
الفاعل كالمكسكر غير الكاسر كاذا كاف العالـ معقكالً كمقيداً بذاتػو فػأنى لػو أف يكػكف عػاقال لغيػره ! مػا لػؾ
تػػدافع أييػػا المشػػرقي أظننػػت أنػػؾ إذ تسػػأؿ الرئيػػػس ىػػذه المسػػائل ستتكصػػل مػػف خالليػػا إلػػى إثبػػات أكؿ
عبػػارتيف فػػي النػػامكس فتفػػكز بالجػػائزة ىييػػات إنمػػا فتنػػؾ الرئيػػػس حينمػػا ضػػاعف لػػؾ الجػػائزة المنتظػػرة
ليكشف مقدار معرفتؾ كفتنؾ تارًة أخرى حينما قاؿ لؾ مخاطباً ( :يا لؾ مف خبيث ) ،فمف تتكصل إلى ما
ترمي إليو كلك أىمكت نفسؾ .
المشرقي :دعؾ مف عممؾ بنفسي كنفس الرئيػس كأجب عمى المسألة أال يككف المعقكؿ عاقالً لغيره قط
عاقل !
ٌ مكنادك :بمى كل معقك ٍؿ فيك
المشػػرقي ( ممتفت ػاً إلػػى الرئيػػػس ) :أال تػػرى يػػا سػػيدي جنػػكف ىػػذا المػػارد فقػػد قػػاؿ قبػػل لحظػػة كاحػػدة :
المعقكؿ ال يككف عاقالً ! .
الرئيػس :إف الخبث الذي يجدي نفعاً ىك في تطبيق المعرفة ال في تحصيميا ! .
مكنادك :فاغمق فمؾ إذف أييا الماكر في تحصيل المعرفة ال في تطبيقيا ! فػإني مػا قمػت المعقػكؿ ال يكػكف
بشػيء كلػيس
ٍ عاقالً ! بل قمت تحديداً ال يككف عػاقالً لغيػره .أفػتعمـ مػف ىػك غيػره غيػره مػا لػيس معقػكالً
عاقػل لنفسػو فقػط ..لقػد أعمػاؾ
ٌ معقكؿ ككل جزٍء فيو معقكؿ فيػك
ٌ مقيداً بشيء ..إنو اآلخر ..كالعالـ كمو
معقػكؿ ،كأصػبحت مثػل اإلنسػاف
ٍ عاقل غير
ٌ خبثؾ الشنيع في تحصيل المعرفة عف صفة اآلخر فصفتو أنو
الذي لـ ينتبو إلى تمؾ الصفة التي ىي أكلى العبارتيف في النامكس كالكحيدة المسبكقة بفعػل األمػر ( قػل )
،فمك كانت معقكلة لمعقكلية المكصكؼ لما قاؿ :قل ! .فػإذا لػـ تسػتفد مػف الكتػب المنزلػة فػانظر لنفسػؾ
كـ ارتكبت مف الحماقات ككـ فاتؾ مف أشياء تضل بيا عدكنا اإلنساف
المشرقي :أال ترى يا سيدي أنو ىك الذي فاتو تضػميل اإلنسػاف فقػد أثبػت اآلف قػكؿ القػائميف بالعقػل األكؿ
الفعاؿ كما أكثرىـ !
الرئيػس :إف الخبث في تحصيل المعرفة نقيض لمخبث في تطبيقيا !
مكنادك :لقػد بػدأت أشػفق عميػؾ أييػا المشػرقي .فيػذا تحػذير آخػر مػف الرئيػػس ،فػإف العقػل الفعػاؿ عنػد
ىؤالء يعقػل اآلخػر الػذي ( ىػك ) ،كالػذي جػاء بعػد فعػل األمػر فػي العبػارة .فػإذا كػاف يعقػل الػذي ىػك فقػد
حصل المطمكب مف التضميل ،فإنو إمػا أف يكػكف إليػاً آخػر كامػا أف يكػكف العػالـ عػيف الػذي ىػك فيػك إلػو
عاقل كلكنو ال يعقل غيره قط .
ٌ معقكؿ فيك
ٍ نفسو ،أما أنا فقد قمت أف كل
كقادر عمى االختيار !
ٌ مريد
معقكؿ ٌ
ٍ المشرقي :إذف فكل
مكنادك :يا لخضكعؾ لإلنساف ! ما أشد إتباعؾ لإلنساف حينما تظف أف هللا يخمػق مػا ال يعػي كال يفيػـ كال
حػر .إف الشػيء
معقكؿ فيك مريد .مف أيف تأتي لمشيء قدرٌة عمى الظيكر إذا لـ يكف اً
ٍ يختار ! نعـ كل
الكحيد الممكف أف يكجد ىك الحرية ،فإذا لـ يقدر عمى االختيار لـ يقدر عمػى االنشػطار فيفنػى مػف حيػث
شيء كيػذا فقػد بمغػت مػف الجيػل أقصػاه ألنػؾ
ٍ شيء يتمسؾ كي يبقى .كاذا افترضت كجكد
ٍ بأي
يكجد ! ِّ
تفترض كجكد معدكـ ..إنو تماماً مثل الذي يفترض كجكد كاحديف فػي األعػداد .إف هللا ال يقػدر أصػالً أف
يخمق شيئاً معدكـ اإلرادة كمسمكب الحرية ألنو ال يقدر أف يخمق إلياً آخر .
المشرقي :إذف فاإللو مسمكب اإلرادة ! اسمع سيدي الرئيػس !
الرئيػس :إنو لـ يقل ذلؾ .بل قاؿ سػيككف ىػذا المخمػكؽ إليػاً مسػمكب اإلرادة كىػي عبػارة خاطئػة كميػا إذ
يتنافى كسطيا مع الطرفيف .فيي ناتج لقكلؾ بكجكد مخمكؽ مسمكب اإلرادة .
فكيػف إذف مكنادك :ألف ىذا المخمكؽ ال قدرة لو عمى اتخاذ أي قر ٍار يبقيو مقابل الفناء الذي ال بد منػو
إلػو مػف جيػ ٍة كمخمػك ٍؽ مػف جيػ ٍة كغيػر ٍ
مريػد مػف جيػ ٍة يبقى مكجكداً ال بد أف يككف مكجكداً بذاتػو فيػك ٌ
ثالث ٍة ! يا ىذا أال ترى في الكتب المنزلة أف هللا ما خمق شيئاً إال كممو أفتراه ِّ
يكمػـ مػف ال يعػي كيػأمر مػف
ال يختار .سػيدي الرئيػػس :إف ىػذا الشػيطاف لػـ يسػتفد مػف الكتػب المنزلػة مطمقػاً ! لقػد ترقػى فػي ىػذه
المناصػب زك اًر ! إنػػو ينكػػر الحريػػة التػػي ىػػي كجػػكد العػػالـ كمػف يػػدري لعمػػو سػػيحاكؿ إثباتيػػا فػػي مػػا بعػػد
كما يفعل اإلنساف تماماً ،فيػك ال يخػدـ الشػياطيف بشػيء إذا كانػت حػدكد معرفتػو بحػدكد معرفػة الكجكد
اإلنساف لألشياء .
كقعػت فييػا اآلف ،فػاخبرني عػف
َ المشرقي :تكقف عف العبارات التي تريد أف تشغمني بيا عف الحفرة التػي
ىذا الشيء الذي كممو هللا كممو قبل أف يكجده أـ بعد أف أكجده
شيء تبحث أييا الماكر بعد إف ى ِّزمت ىزيم ًة منكرًة أنت الذي كنت تؤكد أف المنفعل ال
ٍ مكنادك :عف أي
بد أف يجيل كيف انفعل إذا كاف ىذا المنفعل ىك العالـ كمو ،تريد عف طريق الػ ( متى ) أف تتسمل إلػى الػػ
ىييات ! .ال يتكمـ هللا مثل الخمق عندما يبدأ الخمق ،لـ يكممو قبل اإليجاد كال بعد اإليجاد بػل ( كيف )
التكميـ ىك عػيف اإليجػاد كحالػو ..أتريػد أف تنفػذ إلػى المكصػكؼ عػف طريػق الصػفة .إف معرفػة الصػفة
غير مالزمة لمعرفة المكصكؼ ..ألف تمؾ ىي الصفة األكلى كالبديييػة األكلػى التػي ىػي برىػاف كػل شػيء
ىاف لنفسيا كبرىاف كل صف ٍة بعدىا فيي أكؿ صف ٍة نعرفيا عنو .
كال برىاف عمييا ،فيي بر ٌ
المشرقي :فاخبرني إذف كيف حصمت الكثرة
مكنادك :ىكذا سل منذ البداية فمماذا الدكراف أتحصل الكثرة مف الكاحد أـ مف الكحدة أجبني أنت ! .
المشرقي :تحصل مف الكاحد .
مكنادك :كذبت ! ال تحصل الكثرة مف الكاحػد كال مػف الكحػدة ،إنمػا تحصػل مػف االثنػيف .ألف فػي االثنػيف
آخر ،بينما ال يكجد اثنيف في الكاحد .
حد ٌ
احد ككا ٌ
ك ٌ
المشرقي :فكيف تحصل الكثرة كما عالقتيا بالكاحد
مكنادك :تحصل مف االثنيف كعالقتيا بو أنيا تنشأ بو .
المشرقي :قمت لمتك أف الكثرة ال تحصل مف الكاحد !
مكنادك :كال زلت أقكؿ ذلؾ ،فيي ال تحصل مف الكاحد ،إنما تحصل بو .أال ترى أنؾ ال تقدر أف تأتي بما
ىك بعد االثنيف إال منيا كباستعماؿ الكاحد الجديد
المشرقي ( يقيقو عالياً ) :اسمعكا يا شياطيف الجػاف ،لقػد بػرىف مكنػادك عمػى غيػاب الكاحػد مػف حيػث ال
يعمـ !
مكنادك :كىل أريد غير ىذا اإلقرار أييا المغفل ! فميشيد الجمع أني أشيد عمػى غيػاب الكاحػد .ىيػا أرنػي
كاحداً كحده في ىذا الكجكد ال ثاني لو ! أرني مف ىذه المكجكدات شيئاً كاحداً يككف كاحػداً فػي الحقيقػة ال
تحسػبو كتبػدأ بالكاحػد فيػك
شيء َ ٍ زكج لو كال مكرر لو مف أفراده كال مثيل لو ! فأيف ىك ىذا الكاحد .كل
احػد فعػالً ! ال ثػاني
كاحد بالعدد إذا عكس َت العد أصبر ثانياً أك عاش اًر أك كما يحمك لؾ ،فػأرني كاحػداً ىػك ك ٌ
لو كيبقى كاحداً عمى الدكاـ .
(يضرب المشرقي عمى رأس المقعد الحجري فيحدث صكتاً ثـ يقكؿ )
المشرقي :انتبيكا أييا الجمع ..انتبيكا ..
(يخرج مف كمو حصاة كيقكؿ )
المشرقي :ىذه حصا ٌة كاحد ٌة ال ثاني ليا مف حيث خطكطيا كألكانيا في كل الحصى الذي في الكجكد ! لقد
كقع الجنكبي !
(يتقدـ الجنكبي نحك الرئيػس كيضرب عمى الطاكلة الذىبية كيخاطب الرئيػس )
مكنادك :اعذرني أييا الرئيػس إذ أضرب عمى طاكلتؾ فقد اقترب الفكز
(ثـ أنو يخرج مف كمو حصاة أخرى كيقكؿ )
مكنادك :ىذه حصا ٌة مساكي ٌة ليا في الكزف ..إنيا مثيمتيا في كزنيا تماماً ىيا زنكىما بأدؽ األكزاف !
(تنيمؾ مجمكعة مف الجاف في كزف الحصاتيف كفي األثناء يكاصل الجنكبي قائالً )
احد مف حيثي ٍة دكف حيثي ٍة أخرى كينطمي األمر عمى المجمع
مكنادك :أتحسب أييا المشرقي أف تأتيني بك ٍ
يتجػز .إذف فالكاحػد ىػك كػل كجكدنػا كبػو فقػط نحيػا كنتعامػل
أ احد حقيقػي ،كعػدا ذلػؾ فيػك
إف ىذا ليس بك ٍ
كنتعمـ كنحسب كنجمع كنثيب كنعاقب كبػو نكجػد كمػع ذلػؾ فإننػا ال نبمغػو كال نػدري مػا ىػك خالفػاً لكػل ٍ
رقػـ
آخر ! فيك أكثر ما نعرفو مف األشياء إبياماً ،كلذلؾ فيك أحدىا حدكداً ألف حده أبسط الحػدكد ! حػده أنػو
تعريف ،ألنو كحده الذي ال نعبر عنػو إال بمثػل ( ال أدري )
ٍ الحقيقة الكحيدة التي بيا نككف كتعريفو أبسط
شيء .
ٍ ،أ ،الذي ىك ىك كال ندري ما ىك فيك األحد مف كل
الرئيػػػس :إف الػػذي ىػػرب مػػف أبيػػو كػػي ال يسػػخطو فػػي طبعػػو شػٌّػر كتمػػو .قػػاؿ فػػي ذات نفسػػو :ىػػذا أبػػي
خيػر اعتمػده .قػاؿ فػي ذات
كأخشى أف أكاجيو فأسخطو .أما الذي بقػي فػي مكضػعو فقػد كػاف فػي طبعػو ٌ
نفسو :ىذا أبي فأمكنو مػف معػاقبتي لعمػو يرضػى .فقػاؿ األب لػألكؿ اليػارب :ىربػت مػف كجيػي ككتمػت
إلػي كلجػأت
فػررت َّ
َ شرؾ عني فأجازيؾ بأف تفرغ شرؾ عمى أعدائي كأسمطؾ عمييـ ،كقاؿ لمثاني الصابر :
إلى جكاري فإني أجيرؾ ،كأجازيؾ عل فعمؾ بأف تفرغ خيرؾ كمو عمػى أكليػائي .ثػـ قػاؿ لػألكؿ :ىػذا ىػك
قدرؾ ستظل دائماً تبحث عف األشرار ! كقاؿ لمثاني :ىػذا ىػك قػدرؾ سػتظل دائمػاً تبحػث عػف األخيػار ! ثػـ
عدؿ ،فاألكؿ أخرني عندما قاؿ :أنػا مػف كأبػي مػف كالثػاني قػدمني إذ قػاؿ :أبػي مػف كأنػاقاؿ :ىذا ٌ
بعدئذ يذىب مع أحدىما حسب قكلو . ٍ قائل يذىب
مف فكل ٍ
سككت يكاصل الرئيػس قائالً )
ٍ (بعد فترِّة
الرئيػس :اكتبكا ىذا القرار ( :يعيف مكنادك بف سامك ار األبرع زعيماً لشياطيف األرض الثالثػة فػي مجمكعػة
الشمس الساطعة إحدى مجمكعات مجرة الطريق المبني في العنقكد المجري السابع كيككف نافذاً ىػذا القػرار
قبل تاريخو بألف سنة مع مكافآتيا المنصكص عمييا ) ..
(قاـ الرئيػس باتجاه الباب ثـ قاؿ )
الرئيػس :سأعكد الحقاً ألق أر عميكـ مقررات ىذه الجمسة فقد أكشكت عمى االنتياء …
صكب كحطمت الجدراف البمكريػة ٍ (كحالما خرج الرئيػس ىجمت جحافل مف الجاف خصكـ الشياطيف مف كل
كىكى السقف ،كأضرمت النار بنيراف المشاعل في القاعة كتطايرت شظايا المكحػة مشػتعم ًة فػي اليػكاء فػي
حيف تككرت المخممة العبقرية تحػت الطاكلػة الذىبيػة التػي اتكػأت عمػى جانبيػا ..لحظػات كانتيػت المعركػة
بػدفقات منتظمػ ٍة متباعػد ٍة :ىػو …ىػو …ىػو …
ٍ التي راقبيا الرئيػس مف عمى التل المجاكر كىػك يقيقػو
بركاف ابتدأ الثكراف .ثـ نادى الرئيػس مػف أعمػى التػل
ٍ بركاف أكشؾ أف يخمد أك
ٍ تشتبو عمى السمع بدفقات
)
الرئيػس :أعيدكا تنظيـ الزمر … … …
(كرجع الصدى كما لك كاف يصدر مف جميع قمـ الجباؿ كعػف كػل المكجػكدات األرضػية :أعيػدككككك …
تنظيـ ـ ـ ـ ـ …الزمرررررر .لكف الرئيػس لـ يشؾ قط أف ىذا ليس صدى كانما ىك صػكت ( كنكػػػر ) !
)
(تمػػػػػػػػت )
قبػػػػل النيايػػػػػػػة