You are on page 1of 97

‫الغزالي ونقد الفلسفة‬

‫(أو) هل خرج الغزالي من الفلسفة؟‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬رواء محمود حسين‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبعهم‪:‬‬

‫يعد كتاب‪ " :‬تهافت الفالسفة " لإلمام الغزالي من أبرز مناهج العقالنية النقدية في اإلسالم‬
‫في مجال نقد المنهج والفكر الفلسفي‪ .‬وقد تميز الكتاب بالعمق والتوغل في مضامين المنهج‬
‫الفلسفي إلى أعماقها السحيقة‪ ،‬وترك أث اًر بالغ األهمية في مجال ( النقد الفلسفي اإلسالمي ) في‬
‫الفكر اإلسالمي والتاريخ والحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫ما يهمنا في كتابنا هذا‪ ،‬والموسوم‪ " :‬الغزالي ونقد الفلسفة ( أو ) هل خرج الغزالي من‬
‫الفلسفة "‪ ،‬هو الكشف عن مضامين المنهج النقدي الفلسفي عند الغزالي‪ ،‬من خالل كتبه اإلساسية‬
‫التي تضمنت بكل وضوح وصراحة منهجه الفلسفي‪ ،‬مثل‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬و"مقاصد‬
‫الفالسفة "‪ ،‬و"تهافت الفالسفة "‪.‬‬

‫إشتمل الكتاب على ثالثة فصول‪ :‬األول‪ " :‬خارجاً للتو من الفلسفة‪ ،‬مكابدات الغ ازلي من‬
‫أجل الحقيقة‪ ،‬في ضوء ( المنقذ من الضالل )‪ ،‬معاناة الغزالي من أجل استخالص الحق‪،‬‬
‫وموضوعة السفسطة وجحد العلوم‪ ،‬وأحاصيل الفلسفة‪ ،‬وأصناف الفالسفة‪ ،‬وأقسام العلوم الفلسفية‪،‬‬
‫وكل ذلك بحسب وجهة نظر الغزالي الفلسفية والنقدية‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني‪ ،‬والموسوم ب‪ " :‬النظام الداخلي للفلسفة‪ :‬منهج الغزالي في (مقاصد‬
‫الفالسفة)"‪ ،‬فالمقصود منه كشف مضامين النظام الداخلي للفلسفة بحسب ما يراه الغزالي‪ ،‬وذلك‬
‫‪2‬‬
‫من خالل كتابه‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ .‬وقد تضمن هذا الفصل األبحاث اآلتية‪ :‬لماذا مقاصد‬
‫الفالسفة‪ ،‬ومقاصد المنطق‪ ،‬وفي الكلي‪ ،‬واإللهيات عند الفالسفة‪ ،‬والعلم الطبيعي‪ ،‬وماهية العقل‪،‬‬
‫و الطبيعيات من الفن الثالث‪.‬‬

‫وفي الفصل الثالث‪ ،‬والموسوم ب‪ " :‬معالم المنهج النقدي‪ :‬في كتاب ( تهافت الفالسفة )‬
‫"‪ ،‬فقد توغلنا فيه أكثر في نظام الغزالي النقدي للفلسفة في كتابه األبرز " تهافت الفالسفة "‪ .‬وقد‬
‫تضمن األبحاث النقدية والفلسفية اآلتية‪ :‬مشكالت المنهج النقدي في ضوء الغزالي‪ ،‬عرض‬
‫ألبحاث كتاب‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬قدم العالم‪ ،‬علم هللا بالجزئيات‪ ،‬حشر األجساد‪.‬‬

‫أما الفصل الرابع واألخير‪ ،‬والموسوم ب‪ " :‬البديل األخير‪ :‬هل خرج الغزالي من الفلسفة؟"‪،‬‬
‫طرحنا سؤال‪ :‬هل بقي الغزالي يدور في منهج الفالسفة؟ وخرجنا بجواب وبنتيجة نهائية أن الغزالي‬
‫خرج نهائياً من الفلسفة‪ ،‬وذلك إستناداً للعديد من األدلة‪.‬‬

‫ومن هللا سبحانه التوفيق‪...‬‬

‫‪ 2016 / 11 / 22‬م‬

‫‪3‬‬
‫الفصل األول‬

‫خارجاً للتو من الفلسفة‬

‫مكابدات الغزالي من أجل الحقيقة‬

‫في ضوء ( المنقذ من الضالل )‬

‫‪4‬‬
‫معاناة من أجل استخالص الحق‪:‬‬

‫في مقدمة كتابه‪ " :‬المنقذ من الضالل" يبين الغزالي األسباب التي أدت به إلى اإلنتقال‬
‫من الفكر الفلسفي إلى المنهج الروحي‪ .‬يحكي الغزالي ما قاساه في استخالص الحق من بين‬
‫اضطراب الفرق مع تباين المسالك والطر ِق‪ ،‬وما استج أر عليه من االرتفاع عن حضيض التقليد‪،‬‬
‫إلى يفاع االستبصار‪ ،‬وما استفاده‪ ،‬أوالً من علم الكالم‪ ،‬وما اجتواه‪ ،‬ثانياً من طرق أهل التعليم‪،‬‬
‫القاصرين لدرك الحق على تقليد اإلمام‪ ،‬وما ازدراه‪ ،‬ثالثاً من طرق التفلسف وما ارتضاه‪ ،‬آخ اًر من‬
‫طريقة أهل الروح وما انجلى له في تضاعيف تفتيشي عن أقاويل الخلق‪ ،‬من لباب الحق‪ .‬يقول‬
‫الغزالي‪ " :‬ولم أزل في عنفوان شبابي ‪ -‬منذ راهقت البلوغ‪ ،‬قبل بلوغ العشرين إلى اآلن‪ ،‬وقد أناف‬
‫السن على الخمسين ‪ -‬أقتحم لجة هذا البحر العميق‪ ،‬وأخوض غمرته خوض الجسور‪ ،‬ال خوض‬
‫أتهجم على كل مشكلة‪ ،‬وأتقحم كل ورطة‪ ،‬وأتفحص عن‬
‫الجبان الحذور‪ ،‬وأتوغل في كل مظلمة‪ ،‬و ّ‬
‫عقيدة كل فرقة‪ ،‬وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة‪ ،‬ألميز بين محق ومبطل‪ ،‬ومتسنن ومبتدع‪،‬‬
‫ال أغادر باطنياً إال وأحب أن أطلع على باطنيته‪ ،‬وال ظاهرياً إال وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته‪،‬‬
‫وال فلسفياً إال وأقصد الوقوف على كنه فلسفته‪ ،‬وال متكلماً إال وأجتهد في اإلطالع على غاية‬
‫كالمه ومجادلته وال صوفياً إال وأحرص على العثور على سر صفوته‪ ،‬وال متعبدًا إال وأترصد ما‬
‫يرجع إليه حاصل عبادته‪ ،‬وال زنديقاً معطالً إال وأتحسس وراءه للتنبه ألسباب جرأته في تعطيله‬
‫‪1‬‬
‫وزندقته"‪.‬‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪" :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫الكتب الحديثة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪ .107 – 101‬وهناك نشرة أخرى لكتاب الغزالي " المنقذ من الضالل " بتحقيق الدكتور‬
‫جميل صليبا والدكتور كامل عياد‪ ،‬ط ‪ ، 7‬بيروت‪ 1967 ،‬م‪ ،‬وباإلنجليزية‪:‬‬
‫‪Al-Ghazālī's Path to Sufism and His Deliverance from Error: An Annotated Translation of Al-‬‬
‫‪Munqidh Min Al Dal−al, Translated by Richard Joseph McCarthy (Kentucky: Fons Vitae, 2000).‬‬
‫ولمزيد من المتابعة لفكر الغزالي ينظر كتابنا‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ويروي عبد الغافر الفارسي تلميذ الغزالي ما حصل من تحوالت فكرية وروحية للغزالي‪،‬‬
‫ظر ِإَلى‬ ‫َح ُد ُس ِفي َنْف ِسي م َع ما َع ِه ْدتُه َعَل ْي ِه ِم َن ال َّزَع َّارة َو َّ‬
‫الن َ‬ ‫مر اًر‪َ ،‬و َما ُك ْنت أ ْ‬
‫قائالً‪ " :‬لقد زرتُه َا‬
‫َ َ‬
‫النطق‪َ ،‬وال ِّذهن‪َ ،‬وطلب‬ ‫طة‪َ ،‬و ُّ‬ ‫ِق ِم َن البس َ‬ ‫تخفاف ِكب اًر َو ُخَيالَ َء‪َ ،‬و َا‬
‫اعتز اًز ِب َما ُرز َ‬ ‫االس َ‬ ‫اس ِ‬
‫بعين ْ‬
‫الن ِ‬‫َّ‬
‫كلف‪،‬‬ ‫َظنه متلفعاً بجلباب التَّ ُّ‬ ‫دورات‪َ ،‬و ُك ْن ُت أ ُّ‬ ‫صفى َع ْن ِتْل َك ُ‬ ‫الض ِّد‪ ،‬وتَ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫الك َ‬ ‫ص َار َعَلى ّ َ‬ ‫اْل ُعُلّو؛ أَن ُه َ‬
‫ظن ْو ِن‪َ ،‬وأ َّ‬
‫َن ال َّر ُجل‬ ‫الم ُ‬ ‫ِ‬ ‫الس ْب ِر َوالتَّْن ِق ْي ِر أ َّ‬ ‫تنمساً ِبما صار ِإَلي ِه‪َ ،‬ف َّ‬ ‫ِ‬
‫َن األ َْمر َعَلى خالَف َ‬ ‫تحققت َب ْعد َّ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ُم ّ‬
‫ُّ‬
‫ط ِرْيق التَأَله‪َ ،‬و َ‬
‫غلبة‬ ‫َح َوالِه ِم ِن ْاب َتداء َما أُ ْظ ِه َر َل ُه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الج ُن ْو ِن‪َ ،‬و َح َكى َلَنا في َلَيال َك ْيفَي َة أ ْ‬
‫أََفاق َب ْع َد ُ‬
‫خصه هللا ِب ِه ِفي‬
‫االستعد ِاد َّال ِذي َّ‬
‫َ‬ ‫الك ّل بكالَمه‪َ ،‬و‬ ‫ط ِِ‬
‫الته َعَلى ُ‬ ‫است َ‬
‫العلُ ْوم‪َ ،‬و ْ‬
‫الحال عَلي ِه بعد تَ ُّ ِ‬
‫بح ِره في ُ‬ ‫َ َ ْ َْ‬
‫امَلة‪،‬‬ ‫الع ِريَّة َع ِن َ‬
‫َ ِ‬ ‫ظر‪َ ،‬حتَّى تَ َّبرم ِب‬ ‫مكنه ِم َن اْلَب ْحث َو َّ‬ ‫تَح ِ‬
‫صيل أ َْنو ِاع العلُوم‪ ،‬وتَ ُّ‬
‫المع َ‬ ‫العُل ْوم َ‬
‫االشتغال ب ُ‬ ‫الن َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ْ‬
‫‪2‬‬ ‫فكر ِفي العاقبة‪ ،‬وما يبَقى ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة‪." ...‬‬ ‫وتَ َّ‬
‫َ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬
‫ويضيف عبد الغافر الفارسي عن الغزالي‪َ ... " :‬راجع اْل ُعلُوم وخاض ِفي اْلُف ُنون وعاود‬
‫اْلجد َو ِاال ْجِت َهاد ِفي كتب اْل ُعُلوم الدقيقة والتقي بأربابها َحتَّى ْانَفتح َل ُه أَبوابها َوَب ِقي ُم َّدة ِفي الوقائع‬
‫ثم حكى أَنه فتح َعَل ْي ِه َباب من اْل َخ ْوف ِب َح ْي ُث شغله َعن كل‬ ‫مس ِائل َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫وتكافىء ْاألَدلة وأطراف اْل َ‬
‫اإل ْع َراض َع َّما سواهُ َحتَّى سهل َذلِك َو َه َك َذا َه َك َذا ِإَلى أَن ارتاض كل الرياضة‬ ‫َشيء وحمله على ِْ‬
‫ْ َ‬
‫ص َار َما ُكَّنا نظن ِب ِه َناموسا وتخلقا طبعا وتحققا َوأَن َذلِك أثر َّ‬
‫الس َع َادة‬ ‫ِ‬
‫ظ َهرت َل ُه اْل َحَقائق َو َ‬
‫َو َ‬
‫‪3‬‬
‫َّللا تَ َعاَلى "‪.‬‬
‫مقدرة َل ُه من َّ‬
‫اْل َ‬

‫‪Rawaa Mahmoud Hussain, Al-Ghazālī as an Annotator of the Holy Qur’ān, First Edition‬‬
‫‪(Baghdad: Al-Rajaa Publishing House, 2010).‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن َق ْايماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ)‪ " :‬سير أعالم النبالء"‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1405 ،‬هـ ‪1985 /‬‬
‫م‪ . 325 / 19 ،‬وانظر‪ :‬السبكي ( ت ‪ 771‬ه )‪ " :‬طبقات الشافعية الكبرى "‪ ،‬تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو‪ ،‬ومحمود محمد‬
‫الطناحي‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ 1388 ،‬ه – ‪ 1968‬م‪.287 – 191 / 6 ،‬‬
‫ثقة الدين‪ ،‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة هللا المعروف بابن عساكر (المتوفى‪571 :‬هـ)‪ " :‬تبيين كذب المفتري فيما نسب‬ ‫‪3‬‬

‫إلى اإلمام أبي الحسن األشعري"‪ ،‬دار الكتاب العربي – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪ .295‬وينظر لعبد الغافر الفارسي‪ " :‬المنتخب‬

‫‪6‬‬
‫امد اْل َغ َزالِ ُّي‬‫ويقول عبد الغافر الفارسي عن الغزالي‪" :‬مح َّمد بن مح َّم ِد ب ِن مح َّمد أَبو ح ِ‬
‫ُ َ ُ ُْ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫طًقا‪،‬‬ ‫ين‪َ ،‬م ْن َل ْم تََر اْل ُع ُيو ُن ِم ْثَل ُه لِ َس ًانا‪َ ،‬وَبَي ًانا‪َ ،‬وُن ْ‬ ‫اإلسال ِم واْلمسلِ ِمين‪ِ ،‬إم ِ ِ ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ام أَئ َّمة ّ‬
‫الطوس ُّي‪ُ ،‬ح َّج ُة ْ َ ُ ْ َ َ ُ‬
‫الر َذ َك ِان ِي‪ ،‬ثُ َّم‬
‫َح َم َد َّا‬‫ْ‬ ‫طوس‪ِ ،‬م َن اْل ِفْق ِه َعَلى ِ‬
‫اإل َما ِم أ‬ ‫ُ‬ ‫طرًفا‪ِ ،‬في ِ‬
‫صَباهُ ِب‬ ‫َ‬ ‫ط ْب ًعا‪َ ،‬ش َدا‬
‫َ‬ ‫وخ ِ‬
‫اط ًرا‪َ ،‬وِذ ْك ًرا‪َ ،‬و‬ ‫ََ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اجتَ َه َد َحتَّى‬ ‫َّان ِم ْن ُ‬ ‫ط ِائَفة ِم َن ُّ‬
‫الشب ِ‬ ‫س ِإ َما ِم اْل َح َرَم ْي ِن ِفي َ‬
‫ور م ْخَتلًِفا ِإَلى َد ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫وس‪َ ،‬و َج َّد َو ْ‬ ‫ط َ‬ ‫َقد َم َن ْي َس ُاب َ ُ‬
‫اح َد أَ ْق َرِان ِه ِفي أََّيا ِم ِإ َما ِم‬
‫ظر َزم ِان ِه‪ ،‬وو ِ‬
‫ََ‬ ‫ص َار أ َْن َ َ َ‬ ‫آن‪َ ،‬و َ‬ ‫ان‪ ،‬وحمل اْلُقر َ‬
‫َّ‬
‫تَ َخ َّرَج َع ْن ُم َّدة َق ِر َيبة َوَبذ األَْق َر َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َن‬‫ان الطَلَب ُة َي ْستَف ُيدو َن م ْن ُه‪َ ،‬وُي َد ِّر ُس َل ُه ْم َوُي ْرِش ُد ُه ْم َوَي ْجتَ ِه ُد في َنْفسه‪َ ،‬وَبَل َغ األ َْم ُر ِإَلى أ ْ‬
‫اْل َح َرَم ْي ِن‪َ ،‬وَك َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَخ َذ ِفي التَّ ِ ِ‬
‫ين‪ ،‬ثُ َّم َع َاد ِإَلى‬ ‫ار َق ِر ًيبا م ْن َع ْش ِر سن َ‬ ‫ام ِفي تْل َك ّ‬
‫الدَي ِ‬
‫ام َوأََق َ‬
‫َّ‬
‫صنيف‪َ ،‬ح َّج ثُ َّم َد َخ َل الش َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫طلُ ُب ُه‪َ ،‬و ِم َّما ُن ِق َم َعَل ْي ِه َما ُذ ِك َر‬
‫ودا لِ ُك ِّل َم ْن َي ْ‬
‫ص ً‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ُّ ِ‬ ‫َو َ ِ ِ ِ‬
‫طنه الزًما َب ْيتَ ُه ُم ْشتَغال بالتَفكر ُمالزًما لْل َوْقت‪َ ،‬مْق ُ‬
‫الص َوِر َواْل َم َس ِائ ِل‬ ‫الس َع َاد ِة) واْل ُعُلو ِم و َش ْرِح َب ْع ِ‬ ‫اظ اْلمتَ َشِّنع ِة ِباْلَف ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫يمي ِ‬ ‫ِمن األَْلَف ِ‬
‫ض ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اء َّ‬ ‫ارِسيَّة في كتَاب (ك َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َح ُّق َما‬ ‫ِِ‬ ‫اهر ما عَلي ِه َقو ِ‬
‫اع ُد ِ‬ ‫الشرِع و َ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان األ َْوَلى به‪َ ،‬واْل َح ُّق أ َ‬ ‫اإل ْسال ِم َوَك َ‬ ‫ظ َو َ َ َ ْ َ‬ ‫ب َح ْي ُث ال ُي َواف ُق َم َراس َم ْ َ‬
‫(سَن ِن أَِبي َدا ُوَد‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫يَقال‪ ،‬تَرك َذلِك التَّ ِ ِ‬
‫يف و ِ‬
‫اض َعن الش ْرِح به‪َ ،‬وَق ْد َسم ْع ُت أَن ُه َسم َع م ْن ُ‬
‫اإل ْع َر َ‬ ‫صن َ‬‫ْ‬ ‫ُ ُ ْ َ َ‬
‫‪4‬‬
‫اع ِه " ‪.‬‬
‫وس ِي‪ ،‬وما عثَرت عَلى سم ِ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫السج ْستَان ِّي) ‪َ ،‬عن اْل َحاك ِم أَبي اْلَف ْت ِح اْل َحاكم ِّي الط ّ َ َ َ ْ ُ َ َ َ‬
‫ّ‬

‫السفسطة وجحد العلوم‪:‬‬

‫فتّش الغزالي في العلوم‪ ،‬فوجد نفسه عاطالً من علم موصوف بهذه الصفة‪ ،‬إال في‬
‫الحسيات‪ ،‬والضروريات‪ ،‬فرأى أنه بعد حصول اليأس ال مطمع في اقتباس المشكالت إال من‬
‫الجليات وهي الحسيات والضروريات فال بد من إحكامها أوالً ليتيقن أن ثقته بالمحسوسات‪ ،‬وأمانه‬

‫من السياق لتاريخ نيسابور "‪ ،‬إنتخبه إبراهيم بن محمد بن األزهر الصريفيني‪ ،‬تحقيق محمد أحمد عبد العزيز‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1409 ،‬ه – ‪ 1989‬م‪ ،‬ابن الجوزي ( ت ‪ 597‬ه )‪ " :‬المنتظم في تاريخ الملوك واألمم "‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة المعارف‬
‫العثمانية‪ 1359 ،‬ه‪.171 – 168 / 8 ،‬‬
‫عبد الغافر الفارسي‪ " :‬المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور "‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫من الغلط في الضروريات من جنس أماني الذي كان من قبل في التقليدات‪ ،‬ومن جنس أمان‬
‫أكثر الخلق في النظريات‪ ،‬أم هو أمان محقق ال غدر فيه‪ ،‬وال غائلة له‪ .‬فأقبل بجد بليغ‪ ،‬يتأمل‬
‫المحسوسات والضروريات‪ ،‬وينظر هل يمكنني أن يشكك نفسه فيها؟ فانتهى به طول التشكيك‬
‫إلى أن لم تسمح نفسه بتسليم األمان في المحسوسات أيضاً‪ ،‬وأخذ يتسع فيها ويقول‪ :‬من أين الثقة‬
‫بالحواس؟ وأقواها حاسة البصر وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفاً غير متحرك‪ ،‬وتحكم بنفي الحركة‪،‬‬
‫ثم بالتجربة والمشاهدة ‪ -‬بعد ساعة ‪ -‬تعرف أنه متحرك‪ ،‬وأنه لم يتحرك دفعة واحدة بغتة‪ ،‬بل‬
‫‪5‬‬
‫بالتدريج ذرة‪ ،‬ذرة‪ ،‬حتى لم يكن له حالة وقوف‪.‬‬

‫إنتقد الغزالي ( السوفسطائية ) في كتابه‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق " طارحاً النقد في‬
‫صيغة استفسار ثم مجيباَ عليه‪ ،‬بالقول‪ :‬إذا كانت المقدمات ضرورية صادقة والعقول مشتملة‬
‫عليها‪ ،‬وهذا الترتيب في صورة القياس أيضا واضح‪ ،‬فمن أين وقع للسوفسطائية إنكار العلوم‬
‫والقول بتكافؤ األدلة؟ أو من أين ثارت اإلختالفات بين الناس في المعقوالت؟ يجيب الغزالي‪ :‬من‬
‫السوفسطائية من أنكر العلوم األولية والحسية‪ ،‬كعلمنا بأن اإلثنين أكثر من الواحد‪ ،‬وكعلمنا‬
‫بوجودنا وأن الشيء الواحد إما أن يكون قديماً او حادثاً‪ ،‬فهؤالء دخلهم الخلل من سوء المزاج‬
‫وفساد الذهن بكثرة التحير في النظريات‪ .‬وأما الذين سلموا الضروريات وزعموا أن األدلة متكافئة‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ . 112‬القاضي أبو بكر بن العربي يناقش الغزالي في مسائل عدة‪ ،‬ويبين أنه قد التقاه‬ ‫‪5‬‬

‫وتدارس معه بعض كتبه‪ ،‬ومنها األحياء‪ ،‬وذلك في كتاب ابن العربي‪ " :‬العواصم من القواصم "‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة دار التراث‪1417 ،‬‬
‫ه – ‪ 1997‬م‪ ،‬ص ‪ 12‬وما بعد‪ .‬ولمزيد من المتابعة عن السفسطائية‪ ،‬ينظر‪ :‬أفالطون‪ " :‬في السفسطائيين والتربية‪ :‬محاورة‬
‫بروتاجوراس "‪ ،‬ترجمة وتقديم د‪ .‬عزت قرني‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ 2001 ،‬م‪ ،‬وانظر أيضاً‪:‬‬
‫‪Corinne Painter, « In Defense of Socrates: The Stranger’s Role in Plato’s Sophist,” in: Epoché:‬‬
‫‪A Journal for the History of Philosophy 9, Issue 2 (Spring 2005), Special Issue: The Ancient‬‬
‫‪Philosophy Society, pp. 317-333. DOI: 10.5840/epoche20059221. Samuel C. Rickless, Plato’s‬‬
‫‪Definition(s) of Sophistry”, in” Ancient Philosophy 30, Issue 2 (Fall 2010), pp. 289-298. DOI:‬‬
‫‪10.5840/ancientphil201030230; Donald C. Lindenmuth, “Plato's Sophist: The Drama of Original‬‬
‫‪and Image,” in: The Review of Metaphysics 39, Issue 1, (September 1985), pp. 167-169.‬‬

‫‪8‬‬
‫في النظريات فإنما حملهم عليه ما أروا من تناقض أدلة فرق المتكلمين‪ ،‬وما اعتراهم في بعض‬
‫المسائل من شبه وإشكاالت عسر عليهم حلها‪ ،‬فظنوا أنها ال حل لها أصالً‪ ،‬ولم يحملوا ذلك على‬
‫قصور نظرهم وضاللهم وقلة درايتهم بطريق النظر‪ ،‬ولم يتحققوا شرائط النظر كما قدمناه‪ ،‬ونحن‬
‫نذكر جملة من خياالتهم ونحلها ليعرف أن القصور ممن ليس يحسن حل الشبه‪ ،‬وإال فكل أمر‬
‫إما أن يعرف وجوده ويتحقق أو يعرف عدمه ويتحقق‪ ،‬أو يعلم أنه من جنس ما ليس للبشر‬
‫معرفته‪ .‬أما وقوع الخالف فلقصور أكثر األفهام عن الشروط التي ذكرناها‪ ،‬ومن يتأملها لم يتعجب‬
‫من مخالفة المخالف فيها‪ ،‬ال سيما وأدلة العقول تنساق إلى نتائج ال يذعن الوهم لها‪ ،‬بل يكذب‬
‫بها ال كالعلوم الحسابية‪ ،‬فإن الوهم والعقل يتعاونان فيها‪ ،‬ثم من ال يعرف األمور الحسابية يعرف‬
‫أنه ال يعرفها‪ ،‬وإن غلط فيها‪ ،‬فال يدوم غلطه بل يمكن إزالته على القرب‪ .‬وأما العلوم العقلية‬
‫‪6‬‬
‫فليس كذلك‪.‬‬

‫وحين ننظر إلى الكوكب‪ ،‬يذكر الغزالي‪ ،‬فنراه صغي اًر في مقدار دينار‪ ،‬ثم األدلة الهندسية‬
‫تدل على أنه أكبر من األرض في المقدار‪ .‬هذا‪ ،‬وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس‪،‬‬
‫بأحكامه ويكذبه حاكم العقل ويخونه تكذيباً ال سبيل إلى مدافعته ولهذا تبطل الثفة بالمحسوسات‪،‬‬
‫فلعله ال ثقة إال بالعقليات التي هي من األوليات‪ ،‬كقولنا‪ :‬العشرة أكثر من الثالثة والنفي واإلثبات‬
‫ال يجتمعان في الشيء الواحد‪ ،‬والشيء الواحد ال يكون قديم ًا‪ ،‬موجوداً معدوماً‪ ،‬واجب ًا محاالً‪ .‬لكن‬
‫الحواس تسأل‪ :‬بم تأمن أن تكون الثقة بالعقليات كالثقة بالمحسوسات‪ ،‬فجاء حاكم العقل‪ ،‬ولوال‬
‫حاكم العقل الستمر التصديق بالحسيات‪ ،‬فلعل وراء إدراك العقل حاكماً آخر‪ ،‬إذا تجلى كذب‬
‫العقل في حكمه‪ ،‬كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه‪ ،‬وعدم تجلي ذلك اإلدراك ال يدل‬
‫على استحالة!! وهنا تتوقف النفس في جواب ذلك قليالً وتؤيد إشكالها بالمنام‪ ،‬ألننا نعتقد في‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق "‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور سليمان دنيا‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ 1961 ،‬م‪ ،‬ص ‪.219‬‬

‫‪9‬‬
‫النوم أمو اًر‪ ،‬ونتخيل أحواالً‪ ،‬ونعتقد لها ثباتاً‪ ،‬واستق ار اًر‪ ،‬حتى اذا استيقظنا علمنا‪ :‬أنه لم يكن لجميع‬
‫‪7‬‬
‫متخيالتنا أصل وطائل‪.‬‬

‫ومثارات خيال السوسفطائية‪ ،‬كما يرى الغزالي‪ ،‬أقسام‪ :‬أحدها ما يرجع إلى صورة القياس؛‬
‫فمنها قول القائل‪ :‬إن من أظهر ما ذكرتموه قولكم أن السالبة الكلية تنعكس مثل نفسها‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫نحن ادعينا أن ذات المحمول مهما عكس على ذات الموضوع بعينه اقتضى ما ذكرناه كما نقول‪:‬‬
‫ال دن واحد شراب فال جرم يلزم بالضرورة إنه ال شراب واحد دن‪ ،‬ألن المباينة إذا وقعت فال جرم‬
‫يلزم بالضرورة إنه ال شراب واحد دن‪ ،‬ألن المباينة وقعت بين شيئين كلية كانت من الجانبين‪ ،‬إذ‬
‫لو فرض اإلتصال في البعض كذبت كون المباينة كلية‪ ،‬وهذا المثال لم يعكس على وجهه ولم‬
‫يحصل المعنيات اللذان المباينة بينهما‪ ،‬فإذا حصل لزم العكس‪ ،‬فإنا إذا قلنا‪ :‬ال حائط واحد في‬
‫الوتد‪ ،‬فالمحمول قولنا في الوتد المجرد الوتد‪ ،‬فإذا وقعت المباينة بين الحائط وبين الشيء الذي‬
‫قدرناه في الوتد فعكسه الزم‪ ،‬وهو أن كل ما هو في الوتد فليس بحائط‪ ،‬فال جرم نقول‪ :‬ال شيء‬
‫واحد مما هو في الوتد حائط وال شيء واحد مما هو في الشراب دن‪ ،‬وحل هذا إنما يعسر على‬
‫من يتلقى هذه األمور من اللفظ ال من المعنى‪ .‬فإذا قلنا ال إنسان واحد حجر واحد إنسان‪ ،‬وتظنون‬
‫أن هذا ضروري ال يتصور أن يختلف‪ ،‬وهو خطأ إذ حكم الحس به في موضع فظن أنه صادق‬
‫في كل موضع‪ .‬فإنا نقول‪ :‬ال حائط واحد في وتد وال نقول ال وتد واحد في حائط‪ ،‬ونقول‪ :‬ال دن‬
‫واحد في شراب‪ ،‬وال نقول‪ :‬ال شراب واحد دن‪ ،‬وأكثر األذهان يعسر عليها درك مجردات المعاني‬
‫‪8‬‬
‫من غير التفات إلى األلفاظ‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ .113‬وانظر‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪David Deming, Science and Technology in World History, Volume 2: Early Christianity, The Rise‬‬
‫‪of Islam and the Middle Ages (North Carolina and London: 2010), p. 106.‬‬
‫الغزالي‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق "‪ ،‬ص ‪ .220 – 219‬ولمزيد من المتابعة عن المسائل المنطقية‪ ،‬أنظر‪ :‬أبو محمد‬ ‫‪8‬‬

‫علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى‪456 :‬هـ)‪ " :‬التقريب لحد المنطق والمدخل إليه باأللفاظ‬

‫‪10‬‬
‫إن كون الغزالي ضد السفسطة يأتي من كونه لم يرد أن يتم تمييع الحقائق‪ ،‬الغزالي كان‬
‫يريد من العقل اإلنساني أن يصل إلى الحقيقة ( الحقيقية ) في حد ذاتها‪ ،‬وكما هي بدون تمويهات‬
‫أو أغاليط‪.‬‬

‫إن المعيار العلمي للحقيقة يكشف عنه الغزالي في مقدمة كتابه‪ " :‬الكتاب‪ :‬محك النظر‬
‫في المنطق‪ ،‬فطبقاً للغزالي إذا التمس شرط القياس الصحيح والحد الصحيح والتنبيه على مثارات‬
‫الغلط فيها وقفت للجمع بين األمرين‪ ،‬فإنها رباط العلوم كلها‪ .‬فإن العلوم إدراك الذوات المفردة‬
‫كعلمك بمعنى الجسم والحركة والعالم والحادث والقديم وسائر المفردات وإدراك نسبة هذه المفردات‬
‫بعضها إلى البعض بالنفي واإلثبات‪ .‬فإن حق األمور المختلفة أن تختلف ألفاظها إذ األلفاظ مثل‬
‫المعاني فحقها أن يحاذي بها المعنى فلنس ِم األول معرفة ولنس ِم الثاني علماَ‪ ،‬متأسين فيه بقول‬
‫يتعدى إلى مفعولين إذ‬
‫تتعدى إلى مفعول واحد إذ تقول عرفت زيداً‪ ،‬والظن ّ‬
‫النحاة‪ :‬إن المعرفة ّ‬
‫تقول ظننت زيداً عالماً‪ .‬والعلم أيضاً يتعدى إلى مفعولين فتقول علمت زيداً عدالَ‪ ،‬فهو من باب‬
‫الظن ال من باب المعرفة‪ .‬هذا هو الوضع اللغوي وإن كانت عبارة أهل النظر بهما تخالفه في‬
‫استعمال أحدهما بدالً عن اآلخر‪ .‬فإذا استقر هذا االصطالح فنقول اإلدراكات المعلومة تنحصر‬

‫العامية واألمثلة الفقهية"‪ ،‬المحقق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار مكتبة الحياة – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‪ ،‬بديع الزمان سعيد‬
‫النورسي‪ " :‬قزل إيجاز على سلم المنطق "‪ ( ،‬حاشية األستاذ بديع الزمان سعيد النورسي على متن السلم المنورق للشيخ عبد‬
‫الرحمن األخضري "‪ ،‬مع شرح أخيه عبد المجيد النورسي‪ ،‬ترجمة األستاذ إحسان قاسم الصالحي‪ ،‬بدون بيانات أخرى‪ ،‬العالمة‬
‫أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري ( ت ‪ 1191‬ه)‪ " :‬إيضاح المبهم لمعاني السلم" ( شرح على متن السلم المنورق في علم المنطق‬
‫)‪ ،‬اعتنى به مصطفى األزهري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البصائر‪ ،‬القاهرة‪ 1429 ،‬ه – ‪ 2008‬م‪ ،‬الكلنبوي ( ت ‪ 1205‬ه )‪ " :‬البرهان "‪،‬‬
‫وعليه حواشي للبنجويني‪ ،‬وابن القرداغي‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حسن باشا زاده‪ " :‬حاشية على رسالة اآلداب‬
‫للكلنبوي "‪ ،‬بدون بيانات نشر‪ ،‬وانظر‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬ابن حزم ونقد المنطق (الكليات الخمس نموذجاً)”‪ ،‬نشر على‬
‫موقع األلوكة األلكتروني‪ ،‬بتاريخ ‪ 2014/12/15‬ميالدي ‪ 1436/2/23 -‬هجري‪ ،‬على الرابط االليكتروني اآلتي‪:‬‬
‫‪ ،/http://www.alukah.net/culture/0/79797‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬اإلنجاز المنطقي للدكتور محمد رمضان عبد هللا‬
‫– قراءة تحليلية في المقدمات المنطقية "‪ ،‬بحث منشور في أعمال المؤتمر الفلسفي التاسع لقسم الدراسات الفلسفية‪ ،‬بيت الحكمة‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬والموسوم‪" :‬الفلسفة العراقية من البواكير إلى الحاضر"‪ ،‬تشرين الثاني‪ 2009/‬م‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫في المعرفة والعلم‪ .‬وكل علم يتطرق إليه التصديق فمن ضرورته أن تتقدم عليه معرفتان‪ ،‬فإن من‬
‫ال يعلم المفرد كيف يعلم المركب‪ ،‬ومن ال يفهم معنى العالم ومعنى الحادث كيف يعلم أن العالم‬
‫ال معنى لفظ العالم وهو أمر مفرد ومعنى لفظ الحادث ومعنى لفظ القديم وهما‬
‫حادث‪ .‬إننا نعلم أو ً‬
‫أيضاً أمران مفردان‪ ،‬ثم ننسب مفرداً إلى مفرد بالنفي كما تنسب ِ‬
‫القدم إلى العالم بالنفي‪ ،‬فتقول‬
‫ليس العالم قديماً وتنسب الحادث إليه ِ‬
‫باإلثبات فتقول العالم حادث والضرب األخير هو الذي‬
‫يتطرق إليه التكذيب والتصديق‪ ،‬فأما األول فال يدخله تصديق وتكذيب‪ ،‬إذ يستحيل التصديق‬
‫والتكذيب في المفردات بل إنما يتطرق ذلك إلى الخبر وال ينتظم خبر إال بمفردين موصوف‬
‫ووصف‪ ،‬فإذا نسب الوصف إلى الموصوف بنفي أو إثبات فال بأس أن ُيصطلح على التعبير‬
‫‪9‬‬
‫عن هذين الضربين بعبارتين مختلفتين‪.‬‬

‫أحاصيل الفلسفة‪:‬‬

‫يبين الغزالي أنه قد ّمر نفسه للوقوف على الفلسفة ما يذم منها وما ال يذم‪ ،‬وما يكفر فيه‬
‫قائلة‪ ،‬وما ال يكفر‪ ،‬وما يبدع فيه وما ال يبدع‪ ،‬وبيان ما سرقوه من كالم أهل الحق‪ ،‬وما مزجوه‬
‫بكالمهم لترويج باطلهم في درج ذلك‪ ،‬وكيفية حصول نفرة النفوس من ذلك الحق ‪ -‬وكيفية‬
‫استخالص صراف الحقائق الحق الخالص من الزيف والبهرج من جملة كالمهم‪ .‬اعتقد الغزالي‬
‫أنه ال يقف على فساد نوع من العلوم‪ ،‬من ال يقف على منتهى ذلك العلم‪ ،‬حتى يساوي أعلمهم‬
‫في أصل ذلك العلم‪ ،‬ثم يزيد عليه‪ ،‬ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم‪،‬‬
‫من غوره وغائله‪ ،‬وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقاً‪ .‬ويقول‪" :‬ولم أر أحداً من‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬محك النظر في المنطق" ‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد فريد المزيدي‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫علماء اإلسالم صرف عنايته وهمته إلى ذلك‪ ،‬ولم يكن في كتب المتكلمين من كالمهم ‪ -‬حيث‬
‫اشتغلوا بالرد عليهم ‪ -‬إال كلمات معقدة مبددة ظاهرة التناقض والفساد‪ ،‬ال يظن االغترار بها بعاقل‬
‫عامي‪ ،‬فضالً عمن يدعي دقائق العلم‪ ،‬فعلمت أن رد المذهب قبل فهمه واإلطالع على كنه رمى‬
‫في عماية‪ .‬فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب‪ ،‬بمجرد المطالعة من غير‬
‫‪10‬‬
‫استعانة بأستاذ‪ ،‬وأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التصنيف والتدريس في العلوم الشرعية"‪.‬‬

‫أصناف الفالسفة‪:‬‬

‫اإلتجاه العام لدى المسلمين في العصر الوسيط تعريف الفلسفة بالطريقة ذاتها للفلسفة‬
‫باليونانية‪ :‬محبة الحكمة‪ ،‬والفيلسوف هو‪ :‬فيال وسوفا‪ ،‬وفيال هو المحب‪ ،‬وسوفا‪ :‬الحكمة‪ ،‬أي هو‬
‫محب الحكمة‪ .‬والحكمة قولية‪ ،‬وفعلية‪ :‬أما الحكمة القولية‪ ،‬وهي العقلية أيضاً‪ ،‬فهي كل ما يعقله‬
‫العاقل بالحد‪ ،‬وما يجري مجراه‪ ،‬مثل الرسم وبالبرهان‪ ،‬وما يجري مجراه‪ ،‬مثل االستقراء فيعبر عنه‬
‫بهما‪ .‬وأما الحكمة الفعلية فكل ما يفعله الحكيم لغاية كمالية‪ .‬فاألول األزلي لما كان هو الغاية‪،‬‬
‫والكمال‪ ،‬فال يفعل فعال لغاية دون ذاته وإال فيكون الغاية والكمال هو الحامل‪ ،‬واألول محمول‪،‬‬
‫وذلك محال‪ .‬فالحكمة في فعله وقعت تبعا لكمال ذاته‪ ،‬وذلك هو الكمال المطلق في الحكمة‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫وفي فعل غيره من المتوسطات وقعت مقصوداً للكمال المطلوب‪ ،‬وكذلك في أفعالنا‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ .127 – 126‬وانظر‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫;)‪Frank Griffel, Al-Ghazali’s Philosophical Theology (Oxford: Oxford University Press, 2009‬‬
‫‪Richard M. Frank, Al-Ghazālī and the Ashʻarite School (Durham and London: Duke University‬‬
‫‪Press, 1994).‬‬
‫أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى‪548 :‬هـ)‪ " :‬الملل والنحل"‪ ،‬مؤسسة الحلبي‪ ،‬بدون‬ ‫‪11‬‬

‫بيانات أخرى‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪13‬‬
‫ويرى الغزالي أن الفالسفة ثالثة أقسام‪ :‬الدهريون‪ ،‬والطبيعيون‪ ،‬واإللهيون‪.‬‬

‫فالصنف األول‪ :‬الدهريون وهم طائفة من األقدمين جحدوا‪ ،‬الصانع المدبر‪ ،‬العالم القادر‪،‬‬
‫وزعموا‪ :‬أن العالم لم يزل موجوداً‪ ،‬كذلك بنفسه‪ ،‬وبال صانع‪ ،‬ولم يزل الحيوان من النطفة‪ ،‬والنطفة‬
‫‪12‬‬
‫من الحيوان‪ ،‬كذلك كان‪ ،‬وكذلك يكون أبداً وهؤالء هم الزنادقة‪.‬‬

‫وال يمكن أن يسكت الغزالي تجاه هذا الصنف‪ ،‬وهو الذي يعتقد أن الخالق سبحانه‪َ " :‬ل ْي َس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبول االنقسام‬ ‫َج َسام َال في التَّْقدير َوَال في ُ‬ ‫صور َوَال َج ْو َهر َم ْح ُدود ُمَق ّدر َوأَنه َال يماثل ْاأل ْ‬
‫بجسم ُم َ‬
‫ِ‬
‫َع َراض بل َال يماثل َم ْو ُجودا َوَال يماثله‬ ‫عرض َوَال تحله ْاأل ْ‬ ‫َوأَنه َل ْي َس بجوهر َوَال تحله اْل َج َواهر َوَال ِب ْ‬
‫ْو ُجود َل ْي َس كمثله َشيء َوَال ُه َو مثل َشيء َوأَنه َال يحده اْل ِمْق َدار َوَال تحويه األقطار َوَال تحيط ِب ِه‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الس َم َوات َوأَنه مستوي على اْل َع ْرش على اْل َو ْجه َّال ِذي َقاَله وبالمعنى‬ ‫اْل ِج َهات َوَال تكتنفه األرضون َوَال َّ‬
‫اسِت َواء منزهاً َعن المماسة واالستقرار والتمكن والحلول واالنتقال َال يحمل ُه اْل َع ْرش بل‬ ‫َّ ِ‬
‫الذي أ ََرَادهُ ْ‬
‫الس َماء َوَفوق كل‬ ‫اْل َع ْرش َو َح َملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون ِفي َقبضته َو ُه َو َفوق اْل َع ْرش َو َّ‬
‫الس َماء َك َما َال تزيده بعدا َعن األ َْرض َوالثََّرى‬ ‫َش ْيء ِإَلى تخوم الثرى فوقية َال تزيده قرباً ِإَلى اْل َع ْرش َو َّ‬
‫الد َر َجات َعن األ َْرض َوالثََّرى َو ُه َو َم َع َذلِك‬
‫الس َماء َك َما أَنه رفيع َّ‬ ‫بل ُه َو رفيع َّ‬
‫الد َر َجات َعن اْل َع ْرش َو َّ‬
‫‪13‬‬
‫قريب "‪.‬‬

‫وهذا الموقف الذي اتخذه الغزالي من الدهرية ( الفلسفة المادية في المصطلح المعاصر)‬
‫هو الموقف العام للفكر اإلسالمي قديماً وحديثاً‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ .133 – 128‬وانظر‪:‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪Marwa Elshakry, Reading Darwin in Arabic, 1860-1950 (Chicago and London: University of‬‬
‫‪Chicago Press, 2013), p. 121.‬‬
‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬قواعد العقائد " ‪ ،‬المحقق‪ :‬موسى محمد علي‪ ،‬عالم الكتب‬ ‫‪13‬‬

‫– لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪14‬‬
‫ِ‬
‫يمتَنع َكون‬ ‫يؤكد الفخر الرازي أن األجسام محدثة‪ ،‬ويستند إلى عدد من الحجج منها‪ :‬إَّنه ْ‬
‫ِ ِ‬
‫امتنع َزَواله َوَال‬
‫ان أزليا ْ‬‫الس ُكون َلو َك َ‬ ‫الس ُكون صفة َم ْو ُج َ‬
‫ودة َفَنُقول َه َذا ّ‬ ‫َج َسام َساكنة في ْاأل ََزل ف ّ‬
‫ْاأل ْ‬
‫ان و ِ‬ ‫ِ‬
‫اجبا لذاته َوجب أَن ي ْمتَنع َعدمه َوِإن‬ ‫يمتَنع َزَواله َف َال يكون أزليا َبَيان اْل ُم َال َ‬
‫زمة أَن األزلي إن َك َ َ‬ ‫ْ‬
‫يمتَنع أَن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ُممكنا لذاته ا ْفتقر إَلى اْل ُمؤثر اْل َواجب لذاته قطعا للدور والتسلسل‪َ .‬وَذل َك اْل ُمؤثر ْ‬ ‫َك َ‬
‫ان َك َذلِك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ار ِألَن اْلَف ِ‬
‫اعل اْل ُم ْختَار ِإَّن َما يفعل ِب َو ِاس َ‬ ‫يكون َف ِ‬
‫صد َواال ْختَيار وكل من َك َ‬ ‫طة اْلَق ْ‬ ‫اعال ُم ْختَ ًا‬
‫ان َذلِك اْل ُمؤثر ُموجبا َفِإن‬ ‫ِ‬
‫يمتَنع أَن يكون فعال لْلَفاعل اْل ُم ْختَار َوِإن َك َ‬
‫فعله ُمحدثا فاألزلي ْ‬ ‫ان‬
‫َك َ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دوام َذلك ْاألَثر َوإِن َك َ‬
‫دوام تْل َك اْلعلة وجوب َ‬ ‫تَأْثيره غير َم ْوُقوف على َشرط لزم من وجوب َ‬ ‫ان‬
‫َك َ‬
‫يل َّال ِذي‬
‫الدلِ ِ‬
‫الش ْرط َال ُبد َوأَن يكون َوا ِجبا لذاته أَو ُموجبا لواجب لذاته ِب َّ‬ ‫موُقوفا على َشرط َف َذلِك َّ‬
‫َْ‬
‫الس ُكون‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫سبق ذكره َفح َينئذ تكون اْلعلة َوشرط تأثيرها َواجبا لذاته َف َو َج َب َ‬
‫دوام اْل َم ْعُلول َفثَبت أَن َه َذا ّ‬
‫َلو َكان أزليا المتنع َزواله‪ .‬فَلو َكان اْل ِجسم أزليا َل َكان ِفي ْاأل ََزل ِإ َّما أَن يكون س ِ‬
‫اكنا أَو متحركا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظاهر ِألَن اْل ِجسم َال بد وأَن يكون ح ِ‬
‫اصال‬ ‫حصر َف َ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫والقسمان باطالن فيعلل الَق ْول ب َك ْونه أزليا أما اْل ْ‬
‫ِفي حيز َفِإن كان مست ًّا ِ ِ‬
‫يه َفهو َّ ِ‬
‫ان متنقال ِإَلى ّ‬
‫حيز آخر َف ُه َو المتحرك َوِإَّن َما ُقْلَنا‬ ‫الساكن َوإِن َك َ‬ ‫قر ف ُ َ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫ّ‬
‫اهّية‬‫اهيَّة اْلحرَكة ِاالنِتَقال من حاَلة ِإَلى حاَلة وه ِذه اْلم ِ‬
‫ِإَّنه يمتَنع َكونه متحركا كالوجوه أَحدها أَن م ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫محال‪َ ،‬وثَ ِانيها‬
‫ينهما َ‬
‫ِ‬
‫عبارة َعن نفي المسبوقة باْل َغ ْير َواْلجمع َب َ‬
‫ِ‬
‫ونها مسبوقة باْل َغ ْير َو ْاأل ََزُل َ‬
‫ِ‬
‫تَْقتَضي َك َ‬
‫كلها أول َوإِن حصل َفِإن لم يكن َم ْس ُبوقا ِب َشيء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫أَنه إن لم يحصل في ْاأل ََزل َش ْيء من الحركات َف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ثها‬
‫محال‪َ ،‬وثَال َ‬ ‫ان َم ْس ُبوقا ِب َش ْيء آخر َك َ‬
‫ان األزلي َم ْس ُبوقا ب َغ ْي ِره َو ُه َو َ‬ ‫آخر َف ُه َو أول الحركات َوإِن َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َم ْس ُبوقاً‪َ .‬ع َد ِم َال أول َل ُه َفتلك العدمات بأسرها‬ ‫ان َحادثا َك َ‬‫ِإن كل َواحد من تْل َك الحركات ِإذا َك َ‬
‫الساِبق ُمَقارًنا للمسبوق َو ُه َو‬ ‫عها َش ْيء من الموجودات لزم َكون َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجتمعة في ْاأل ََزل َفإن حصل َم َ‬
‫‪14‬‬
‫عها َش ْيء من الموجودات َك َانت ِتْل َك الحركات أول َو ُه َو اْل َم ْ‬
‫طُلوب‪.‬‬ ‫محال َوِإن لم يحصل َم َ‬
‫َ‬

‫أبو عبد هللا محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى‪606 :‬هـ)‪:‬‬ ‫‪14‬‬

‫" معالم أصول الدين "‪ ،‬المحقق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬دار الكتاب العربي – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.42 – 41 / 1 ،‬‬

‫‪15‬‬
‫والصنف الثاني‪ :‬الطبيعيون‪ ،‬وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان‬
‫والنبات‪ ،‬وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات‪ .‬ف أروا فيها من عجائب صنع هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وبدائع حكمته‪ ،‬مما اضطروا معه إلى االعتراف بفاطر حكيم‪ ،‬مطلع على غايات األمور‬
‫ومقاصدها‪ ،‬وال يطالع التشريح‪ ،‬وعجائب منافع األعضاء مطالع إال ويحصل له هذا العلم‬
‫الضروري بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان‪ ،‬ال سيما بنية اإلنسان‪ !..‬إال أن هؤالء لكثرة بحثهم‬
‫عن الطبيعة ظهر عندهم ‪ -‬العتدال المزاج ‪ -‬تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به‪ ،‬فظنوا أن‬
‫القوة العاقلة من اإلنسان تابعة لمزاجه أيضاً‪ ،‬وأنها تبطل ببطالن مزاجه فينعدم‪ ،‬ثم إذا انعدم فال‬
‫يعقل إعادة المعدوم‪ ،‬كما زعموا‪ ،‬فذهبوا إلى أن النفس تموت وال تعود فجحدوا اآلخرة‪ ،‬وأنكروا‬
‫الجنة والنار‪ ،‬والحشر والنشر‪ ،‬والقيامة‪ ،‬والحساب‪ ،‬فلم يبق عندهم للطاعة ثواب‪ ،‬وال للمعصية‬
‫عقاب‪ ،‬فانحل عنهم اللجام‪ ،‬وانهمكوا إنهماك األنعام‪ .‬وهؤالء أيضاً زنادقة‪ ،‬ألن أصل اإليمان هو‪:‬‬
‫‪15‬‬
‫اإليمان باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬وهؤالء جحدوا اليوم اآلخر‪ ،‬وإن آمنوا باهلل وصفاته‪.‬‬

‫ويرى الفالسفة أن العلم ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬علم ماهية‪ ،‬وعلم كيف‪ ،‬وعلم كم‪ .‬فالعلم‬
‫الذي يطلب فيه ماهيات األشياء هو العلم اإللهي‪ ،‬والعلم الذي يطلب فيه كيفيات األشياء هو‬
‫العلم الطبيعي‪ ،‬والعلم الذي يطلب فيه كميات األشياء هو العلم الرياضي‪ ،‬سواء كانت لكميات‬
‫مجردة عن المادة‪ ،‬أو كانت مخالطة بعد‪ .‬فأحدث بعدهم أرسطوطاليس الحكيم علم المنطق‪،‬‬
‫وسماه تعليمات‪ ،‬وإنما هو جرده من كالم القدماء‪ ،‬وإال فلم تخل الحكمة عن قوانين المنطق قط‪.‬‬
‫وربما عدها آلهة العلوم‪ ،‬ال من جملة العلوم‪ ،‬فقال‪ :‬الموضوع في العلم اإللهي‪ :‬هو الوجود‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ .135 – 134‬وانظر‪:‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪Edward Grant, A History of Natural Philosophy: From the Ancient World to the Nineteenth Century‬‬
‫‪(New York: Cambridge University Press, 2008), p. 88.‬‬

‫‪16‬‬
‫المطلق‪ .‬ومسائله‪ :‬البحث عن أحوال الوجود من حيث هو وجود‪ .‬والموضوع في العلم الطبيعي‪:‬‬
‫هو الجسم‪ ،‬ومسائله‪ :‬البحث عن أحوال الجسم من حيث هو جسم‪ .‬والموضوع في العلم الرياضي‪،‬‬
‫هو األبعاد والمقادير‪ ،‬وبالجملة‪ :‬الكمية من حيث إنها مجردة عن المادة‪ ،‬ومسائله‪ :‬البحث عن‬
‫أحوال الكمية من حيث هي كمية‪ .‬والموضوع في العلم المنطقي‪ :‬هو المعاني التي في ذهن‬
‫اإلنسان من حيث يتأدى بها إلى غيرها من العلوم‪ ،‬ومسائله‪ :‬البحث عن أحوال تلك المعاني من‬
‫حيث هي كذلك‪ .‬قالت الفالسفة‪ :‬ولما كانت السعادة هي المطلوبة لذاتها‪ ،‬وإنما يكدح اإلنسان‬
‫لنيلها‪ ،‬والوصول إليها‪ ،‬وهي ال تنال بال حكمة‪ ،‬فالحكمة تطلب إما ليعمل بها‪ ،‬وإما لتعلم فقط‪،‬‬
‫‪16‬‬
‫فانقسمت الحكمة إلى قسمين عملي‪ ،‬وعلمي‪.‬‬

‫والصنف الثالث من الفالسفة‪ ،‬كما يرى الغزالي‪ ،‬اإللهيون‪ ،‬وهم المتأخرون منهم مثل سقراط‬
‫وهو أستاذ أفالطون وأفالطون أستاذ أرسطاطاليس‪ ،‬وأرسطاطاليس هو الذي رتب المنطق‪ ،‬و َّ‬
‫هذب‬
‫العلوم‪ ،‬وحرر ما لم يكن محر اًر من قبل‪ ،‬وهم بجملتهم‪ ،‬ردوا على الصنفين األولين من الدهرية‪،‬‬
‫والطبيعية‪ ،‬وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم‪ .‬ثم رد أرسطاطاليس على أفالطون‬
‫وسقراط ومن كان قبلهم من اإللهيين‪ ،‬رداً لم يقصر فيه حتى تب أر عن جميعهم‪ ،‬إال أنه استبقى‬
‫من رذاذ كفرهم‪ ،‬وبدعتهم‪ ،‬بقايا لم يوفق للنزوع عنها‪ ،‬فوجب تكفيرهم ‪ .‬ومجموع ما صح عندنا‬
‫من فلسفة أرسطاطاليس‪ ،‬بحسب نقل ابن سينا والفارابي‪ ،‬كما يذهب الغزالي‪ ،‬ينحصر في ثالثة‬
‫أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬قسم يجب التكفير به‪.‬‬

‫الشهرستاني‪ " :‬الملل والنحل "‪ ،‬ص ‪ .117 – 116‬ولمزيد من المتابعة عن الفلسفة الطبيعية في الفكر اإلسالمي‪ ،‬أنظر‪ :‬د‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫رواء محمود حسين‪ " :‬قراءة جديدة للفلسفة الطبيعية عند ابن حزم "‪ ،‬مجلة كلية اإلمام األعظم‪ ،‬بغداد‪ ،‬العدد ‪ ، 15‬السنة ‪2012‬‬
‫م‪ ،‬الصفحات‪.534 – 489 :‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -2‬وقسم يجب التبديع به‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -3‬وقسم ال يجب إنكاره أصالً‪.‬‬

‫للخروج من إشكاالت الفلسفة التقليدية‪ ،‬أعلنا عن تأسيس علم جديد وهو ( علم الحكمة‬
‫اإلسالمية )‪ ،‬وقلنا في مقدمة كتاب ‪ " :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة اإلسالمية "‪ " :‬إنه‬
‫علم الحكمة االسالمية‪ ،‬هذا العلم الذي يدعو إلى عبودية هللا سبحانه‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬واالخالص له‬
‫جل شأنه‪ ،‬وترك عبادة ما سواه من شتى االرباب‪ .‬ويهتدي هذا العلم بالفرقان (القرآن العظيم)‬
‫وبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فيدعو إلى االيمان باالنبياء واتباعهم صلوات هللا‬
‫وسالمه عليهم‪ ،‬وفي طليعتهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويؤكد هذا العلم أن هذا هو الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬وهو الذي يهدي االنسان إلى الحق والخير والعدل والقيم والجمال في هذه الحياة الدنيا‪،‬‬
‫وينجيه في اآلخرة‪ ،‬إذا بعث الناس ليوم عظيم ‪ .‬ومن ثم فهو يعيد تهيئة االنسان ويدفعه باتجاه‬

‫االستعداد ليوم المعاد‪ ،‬ليوم العرض على هللا سبحانه وتعالى‪ .‬كما يهدف هذا العلم أن يكون بديالً‬
‫إسالمياً خالصاً عن الفلسفة التي أنتجها العقل االنساني غير المهتدي بكتاب هللا سبحانه وال بسنة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (منذ العصور القديمة‪ ،‬مرو اًر باليونان والفلسفات الوسيطة والحديثة‬
‫والمعاصرة إلى اليوم)‪ ،‬وأن يلتحق بجملة العلوم االسالمية األخرى من التفسير والحديث والفقه‬
‫‪18‬‬
‫واالصول واللغة والتاريخ وغيرها ‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل"‪ ،‬ص ‪ .138 - 135‬ولمزيد من المتابعة عن إمتدادات الفلسفة اليونانية القديمة في الفكر‬ ‫‪17‬‬

‫اإلسالمي‪ ،‬يراجع‪ :‬دي بور‪ " :‬تاريخ الفلسفة في اإلسالم "‪ ،‬ترجمة الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده‪ ،‬جار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الشيخ مصطفى عبد الرازق‪ " :‬تمهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية "‪ ،‬تقديم محمد حلمي عبد الوهاب‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة اإلسالمية "‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ناشري للنشر االليكتروني‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪ 1434‬ه – ‪ 2013‬م‪ .http://www.nashiri.net/ebooks.html .‬ولمزيد من المتابعة عن علم الحكمة اإلسالمية والعلوم‬


‫التي نتجت عنه‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫أقسام العلوم الفلسفية‪:‬‬

‫ثم يتجه الغزالي بعدها إلى بيان أقسام العلوم الفلسفية‪ ،‬فيشير أن علوم الفلسفة تنقسم إلى‬
‫ستة أقسام رياضية‪ ،‬ومنطقية‪ ،‬وطبيعية‪ ،‬وإلهية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وخلقية‪ .‬أما الرياضية‪ :‬فتتعلق بعلم‬
‫الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم‪ ،‬وليس يتعلق منه شيء باألمور الدينية نفياً وإثباتاً ِِ‪ ،‬بل هي‬
‫أمور برهانية ال سبيل إلى مجاحدتهم بعد فهمها ومعرفتها‪ .‬لكن المشكلة في هذا القسم من علوم‬
‫الفالسفة أنه قد تولدت منه مشكلتان‪:‬‬

‫المشكلة األولى ‪ :‬تنشأ من صديق لإلسالم جاهل‪ ،‬يظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار‬
‫كل علم منسوب إليهم‪ .‬فينكر جميع علوم الفالسفة حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف‪ ،‬وزعم‬
‫أن ما قالوه على خالف الشرع فلما سمع به من عرف ذلك بالبرهان القاطع‪ ،‬لم يشك في برهانه‬
‫ولكن اعتقد أن اإلسالم مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع‪ ،‬فازداد للفلسفة حباً ولإلسالم‬
‫بغضاً‪ ،‬ولقد عظم على الدين جناية من ظن أن اإلسالم ينصر بإنكار هذه العلوم‪ ،‬وليس في‬
‫الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي واإلثبات‪ ،‬وال في هذه العلوم تعرض لألمور الدينية‪ .‬وقوله صلى‬
‫ِ‬
‫لموت أحد وال لحياته‪،‬‬ ‫هللا عليه وسّلم‪ " :‬إن الشمس والقمر آيتان من ِ‬
‫آيات هللا تعالى ال ينخسفان‬
‫فإذا رأيتم فافزعوا إلى ذكر هللا تعالى وإلى الصالة "‪ .‬وليس في هذا ما يوجب إنكار علم الحساب‬
‫المعروف بمسير الشمس والقمر‪ ،‬واجتماعهما أو مقابلهما على وجه مخصوص‪ ،‬أما قوله عليه‬

‫د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬شرعة ومنهاج‪ :‬أصول المنهج العلمي في علم الحكمة اإلسالمية‪ ،‬دار ناشري للنشر االليكتروني‪،‬‬
‫الكويت‪ ،http://www.nashiri.net/ebooks.html .2014 ،‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪" :‬حكمة بالغة‪ :‬اإلعالن عن علم الحكمة‬
‫ميالدي ‪ 1435/11/15 -‬هجري‪ ،‬على الرابط اآلتي‪:‬‬ ‫في القرآن الكريم‪ ،‬دار األلوكة للنشر‪2014/9/9 ،‬‬
‫‪./http://www.alukah.net/sharia/0/75741‬‬

‫‪19‬‬
‫له " فليس توجد هذه الزيادة في الصحيح أصالً‪ .‬فهذا‬
‫لشيء خضع ُ‬
‫ْ‬ ‫السالم‪ " :‬لكن هللا إذا تجلى‬
‫‪19‬‬
‫حكم الرياضيات وآفتها‪.‬‬

‫ومشكلة هذا الصنف شخصها غير واحد من المفكرين في اإلسالم‪ ،‬فقد ذهب ابن تيمية‬
‫إلى نقد اإلتجاه القائل بوحدة الوجود‪ ،‬ناقلين إياها إلى اإلسالم من مصدر خارجي‪ .‬وقالوا‪ :‬الوجود‬
‫واحد‪ ،‬ولم يميزوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع‪ ،‬فإن الموجودات تشترك في مسمى الوجود‪،‬‬
‫كما تشترك األناسي في مسمى االنسان‪ ،‬والحيوانات في مسمى الحيوان‪ .‬وحقيقة قولهم‪ ،‬قول‬
‫فرعون الذي عطل الصانع‪ ،‬فإنه لم يكن منك اًر هذا الموجود والمشهود‪ ،‬لكن زعم أنه موجود بنفسه‪،‬‬
‫ال صانع له‪ ،‬وهؤالء وافقوه في ذلك‪ ،‬لكن زعموا بأنه هو هللا‪ ،‬فكانوا أضل منه وإن كان قوله هذا‬
‫هو أظهر فسادا منهم‪ ،‬ولهذا جعلوا عباد األصنام ما عبدوا إال هللا‪ ،‬وقالوا‪ :‬لما كان فرعون في‬
‫منصب التحكم صاحب السيف ‪ -‬وإن جاز في العرف الناموس ‪ -‬لذلك قال‪ :‬أنا ربكم األعلى ‪-‬‬
‫أي وأن كان الكل أرباب ًا بنسبة ما‪ ،‬فأنا األعلى منكم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم‪ .‬ولكن‬
‫هذا المشترك الكلي ال يكون مشتركاً كلياً إال في الذهن‪ ،‬وإال فالحيوانية القائمة بهذا اإلنسان ليست‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .141 – 140‬من الجدير بالذكر أن ابن حزم بحث أيضاً في مفهوم العلوم وتقسيماتها‪،‬‬ ‫‪19‬‬

‫وقال فيها‪ " :‬ولم نورد شيئاً من هذا تنقيصاً لشيء ن هذه العلوم ومعاذ هللا من هذا ولو فعلنا ذلك لدخلنا في جملة من نذم‪ ،‬ولركبنا‬
‫الملة الخسيسة‪ ،‬لكن تنقصاً لمن قصد بعلمه ذم سائر العلوم وتنقصها‪ .‬وأما من طلب علماً ما‪ ،‬لم يفتح هللا تعالى له في غيره‪،‬‬
‫وهو مع ذلك معترف بفضل سائر العلوم ونقص حاله إذ أقصر عنها‪ ،‬فهو محسن حمود فاضل قد تعوض اإلنصاف والعدل‬
‫والصدق مما فاته منها فنعم العوض ما حصل عليه‪ ،‬وال مالمة عليه فيما لم يفتح هللا تعالى له فيه‪ ،‬وأما من أخذ من كل علم ما‬
‫هو محتاج إليه واستعمل ما علم كما يجب فال أحد أفضل منه‪ ،‬ألنه قد حصل على عز النفس وغناها في العاجل وعلى الفوز‬
‫في اآلجل‪ ،‬ونجا مما حصل فيه أهل الجهل‪ ،‬ومن لم يستعمل ما علم من أضداد هذه األحوال "‪ .‬ينظر‪ :‬ابن حزم‪ " :‬رسالة مراتب‬
‫العلوم "‪ ،‬ضمن‪ :‬رسائل ابن حزم األندلسي‪ ،‬المحقق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ - 4 ،‬الطبعة‪:‬‬
‫‪1983 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.89‬‬

‫‪20‬‬
‫هي الحيوانية القائمة بالفرس‪ ،‬ووجود السماوات ليس هو بعينه وجود اإلنسان‪ ،‬فوجود الخالق‬
‫‪20‬‬
‫سبحانه ليس هو كوجود مخلوقاته‪.‬‬

‫اآلفة الثانية‪ :‬هي ممن ينظر في علوم الفلسفة فيتعجب من دقائقها ومن ظهور براهينها‪،‬‬
‫فيحسن بسبب ذلك اعتقاده في الفالسفة‪ ،‬فيحسب أن جميع علومهم في الوضوح وفي وثاقة البرهان‬
‫كهذا العلم‪ .‬ثم يكون قد سمع من جحودهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع ما تناولته األلسنة فيكفر‬
‫‪21‬‬
‫بالتقليد المحض ويقول‪ :‬لو كان الدين حقاً لما اختفى على هؤالء مع تدقيقهم في هذا العلم!‬

‫ذهب الكندي إلى أن "‪ ..‬أعلى الصناعات اإلنسانية منزلة وأشرفها رتبة صناعة الفلسفة‬
‫التي حدها علم األشياء بحقائقها بقدر طاقة اإلنسان‪ ،‬ألن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق‬
‫‪22‬‬
‫وفي عمله العمل بالحق‪ ،‬ال الفعل سرمداً‪ ،‬إلنا نمسك‪ ،‬ويتصرم الفعل‪ ،‬إذا انتهينا إلى الحق "‪.‬‬

‫نالحظ أن ابن رشد في " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اإلتصال " حاول أن‬
‫يؤكد أن الشريعة موافقة لمناهج الفلسفة‪ ،‬وذكر أن ليس يلزم من أنه أخطأ وجانب الصواب من‬
‫نظر فيها‪ ،‬إما من قبل نقص فطرته‪ ،‬وإما من فبل سوء ترتيب نظره فيها‪ ،‬أومن قبل غلبة شهواته‬
‫عليه‪ ،‬أو أنه لم يجد معلماً يرشده إلى فهم ما فيها‪ ،‬أو من قبل اجتماع هذه األسباب فيه‪ ،‬أو اكثر‬
‫من واحد منها‪ ،‬أن نمنعها عن الذي هو أهل للنظر فيها‪ .‬فإن هذا النحو من الضرر الداخل من‬
‫قبلها هو شيء لحقها بالعرض ال بالذات‪ .‬وليس يجب فيما كأن نافعاً بطباعه وذاته أن يترك‪،‬‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪20‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪ 728 :‬هـ)‪ " :‬الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬مكتبة‬
‫دار البيان‪ ،‬دمشق‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 -‬م‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.139 - 138‬‬ ‫‪21‬‬

‫الكندي‪ " :‬رسائل الكندي الفلسفية "‪ ،‬حققها وأخرجها مع مقدمة تحليلية لكل منها وتصدير واف عن الكندي وفلسفته محمد‬ ‫‪22‬‬

‫عبد الهادي أبو ريده‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ 1369 ،‬ه – ‪ 1950‬م‪ ،‬ص ‪.97‬‬

‫‪21‬‬
‫لمكان مضرة موجودة فيه بالعرض‪ .‬بل نقول أن مثل من منع النظر في كتب الحكمة من هو‬
‫أهل لها‪ ،‬من اجل أن قوماً من أراذل الناس قد يظن بهم أنهم ضلوا من قبل نظرهم فيها‪ ،‬مثل من‬
‫منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش‪ ،‬ألن قوماً شرقوا به فماتوا‪ .‬فإن‬
‫الموت عن الماء بالشرق أمر عارض‪ ،‬وعن العطش أمر ذاتي وضروري‪ .‬فال يبعد أن يعرض‬
‫في الصناعة التي تقتضي الفضيلة العلمية ما عرض في الصناعة التي تقتضي الفضيلة العملية‪.‬‬
‫وهذا الذي عرض لهذه الصنعة هو شئ عارض لسائر الصنائع‪ .‬فكم من فقيه كان الفقه سبباً لقلة‬
‫تورعه وخوضه في الدنيا‪ ،‬بل أكثر الفقهاء كذلك نجدهم وصناعهم إنما تقتضي بالذات الفضيلة‬
‫‪23‬‬
‫العملية‪.‬‬

‫وإذا قيل له‪ :‬الحاذق في صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقاً في كل صناعة‪ ،‬فال يلزم‬
‫أن يكون الحاذق في الفقه والكالم حاذقاً في الطب‪ ،‬وال أن يكون الجاهل بالعقليات جاهالً بالنحو‪،‬‬
‫بل لكل صناعة أهل بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق‪ ،‬وإن كان الحمق والجهل يلزمهم في غيرها‪،‬‬
‫فكالم األوائل في الرياضيات برهاني وفي اإللهيات تخميني‪ ،‬ال يعرف ذلك من جربه وخاض فيه‪.‬‬
‫فهذا إذا قرر على هذا الذي ألحد بالتقليد‪ ،‬ولم يقع منه موقع القبول‪ ،‬بل تحمله غلبة الهوى‪،‬‬
‫والشهوة الباطلة‪ ،‬وحب الظهور بمظهر العاقل على أن يصر على تحسين الظن بهم في العلوم‬
‫كلها‪ .‬فهذه آفة عظيمة ألجلها يجب زجر كل من يخوض في تلك العلوم‪ ،‬فإنها وإن لم تتعلق‬

‫أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى‪595 :‬هـ)‪ " :‬فصل المقال‬ ‫‪23‬‬

‫فيما بين الحكمة والشريعة من اإلتصال"‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪– 29‬‬
‫‪.30‬‬

‫‪22‬‬
‫بأمر الدين‪ ،‬ولكن لما كانت من مبادئ علومهم سرى إليه شرهم وشؤمهم‪ ،‬فقل من يخوض فيها‬
‫‪24‬‬
‫إال وينخلع من الدين وينحل عن رأسه لجام التقوى‪.‬‬

‫وأما المنطقيات‪ :‬فال يتعلق شيء منها بالدين نفي ًا وإثباتاً‪ ،‬بل هي النظر في طرق األدلة‬
‫والمقاييس‪ ،‬وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبه‪ ،‬وشروط مقدمات البرهان‪ ،‬وكيفية تركيبها ‪ .‬وأن‬
‫العلم إما تصور وسبيل معرفته الحد‪ ،‬وإما تصديق وسبيل معرفته البرهان‪ ،‬وليس في هذا ما ينبغي‬
‫أن ينكر‪ ،‬بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون وأهل النظر في األدلة‪ ،‬وإنما يفارقونهم بالعبارات‬
‫واالصطالحات بزيادة االستقصاء في التعريفات والتشعيبات‪ ،‬ومثال كالمهم فيها قولهم‪ :‬إذا ثبت‬
‫أن كل " أ " " ب " لزم أن بعض " ب " " أ " " ي " إذا ثبت أن كل إنسان حيوان لزم أن بعض‬
‫الحيوان إنسان‪ ،‬ويعبرون عن هذه بأنه الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية‪ .‬وليس لها أي‬
‫تعلق بمهمات الدين حتى يجحد وينكر‪ ،‬فإذا أنكر لم يحصل من إنكاره عند أهل المنطق إال سوء‬
‫االعتقاد في عقل المنكر‪ ،‬بل في دينه الذي يزعم أنه موقوف على مثل هذا اإلنكار‪ ،‬نعم لهم نوع‬
‫من الظلم في هذا العلم‪ ،‬وهو أنهم يجمعون للبرهان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين ال محالة‪ ،‬لكنهم‬
‫عند االنتهاء إلى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط‪ ،‬بل تساهلوا غاية التساهل‪ ،‬وربما‬
‫ينظر في المنطق أيضاً من يستحسنه ويراه واضحاً‪ ،‬فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات مؤيد‬

‫َن اْل َهَوى َي ْسرِي‬ ‫اعَل ْم أ َّ‬


‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .140 - 139‬يقول ابن الجوزي في كتابه‪ " :‬ذم الهوى "‪َ " :‬و ْ‬
‫‪24‬‬

‫ْم ُر ِب ِه اْل ِعْل ُم‪،‬‬ ‫احِب ِه ِفي ُفنون ويخ ِرجه ِمن د ِار اْلعْق ِل ِإَلى د ِائرِة اْلجنو ِن‪ ،‬وَقد ي ُكون اْلهوى ِفي اْل ِعْل ِم َفيخرج ِب ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫صاحبه إَلى ضّد َما َيأ ُ‬ ‫َ ُْ ُ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ََ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ ْ ُ ُ ْ َ‬ ‫ِبص ِ‬
‫َ‬
‫الرَياء "‪ .‬ينظر‪ :‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى‪597 :‬هـ)‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزْهد َفَي ْخ ُرُج ِإَلى ِّ‬ ‫ِ‬
‫وَق ْد َي ُكو ُن في ُّ‬
‫َ‬
‫" ذم الهوى"‪ ،‬المحقق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد الغزالي‪ ،‬بدون بيانات أخرى‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪23‬‬
‫بمثل تلك البراهين‪ ،‬فيستعجل بالكفر قبل االنتهاء إلى العلوم اإللهية‪ .‬فهذه اآلفة أيضاً متطرقة‬
‫‪25‬‬
‫إليه‪.‬‬

‫ك اْلعُق ِ‬
‫ول‬ ‫ذهب الغزالي في كتابه‪ " :‬المستصفى" وبالتحديد في مقدمة الكتاب إلى َم َد ِار َ ُ‬
‫ام ُه َما‪ .‬وبين‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ط اْل َح ِّد اْل َح ِق ِيق ِّي َو َش ْر َ‬
‫ط اْل ُب ْرَهان اْل َحقيق ِّي َوأَ ْق َس َ‬ ‫ان‪ ،‬وذكر َش ْر َ‬ ‫َو ْان ِحص َارَها ِفي اْل َح ِّد َواْل ُب ْرَه ِ‬
‫َ‬
‫اص ِة ِب ِه‪َ ،‬ب ْل ِهي ُمَق ِّد َم ُة اْل ُعُلو ِم‬‫ول َوَال ِم ْن ُمَق ِّد َم ِات ِه اْل َخ َّ‬ ‫أن ه ِذِه اْلمَق ِّدم ُة ليست ِم ْن جمَل ِة ِعْل ِم ْاألُص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ُكّلِها‪ ،‬وم ْن َال ُي ِحي ُ ِ‬
‫صُّوًار‬ ‫َص ًال‪َ .‬وَق ْد َس َّمى اْل َم ْنطقيُّو َن َم ْعرَف َة اْل ُمْف َرَدات تَ َ‬ ‫ط ب َها َف َال ثَق َة َل ُه ب ُعلُومه أ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ض ُعَل َم ِائَنا‬ ‫إما تَصُّور وِإ َّما تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّة بينهما تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومع ِرَف َة ِ ِ‬
‫يق‪َ ،‬و َس َّمى َب ْع ُ‬ ‫صد ٌ‬ ‫ْ‬ ‫صديًقا َفَقاُلوا‪ :‬اْلعْل ُم َّ َ ٌ َ‬ ‫الن ْسَبة اْل َخَب ِري َ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاألََّول مع ِرَف ًة والثَّ ِاني ِعْلما تَأ َِسيا ِبَقو ِل ُّ ِ ِ‬
‫ول‪:‬‬‫الن َحاة في َق ْولِه ْم اْل َم ْع ِرَف ُة تَتَ َع َّدى إَلى َمْف ُعول َواحد‪ ،‬إ ْذ تَُق ُ‬ ‫َ َْ َ َ ً ًّ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ظَن ْن ُت َزْي ًدا‪َ ،‬وَال‪:‬‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫ظَن ْن ُت َزْي ًدا َعال ًما‪َ ،‬وَال تَُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫َع َرْف ُت َزْي ًدا‪َ ،‬والظ ُّن َيتَ َع َّدى إَلى َمْف ُعوَل ْي ِن‪ ،‬إ ْذ تَُق ُ‬
‫ظ ِري ِ‬ ‫ص ِر م َد ِار ِك اْل ُعُلو ِم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّة‬ ‫الن َ‬ ‫ان َح ْ َ‬ ‫ظَن ْن ُت َعال ًما‪َ ،‬واْلعْل ُم م ْن َباب الظ ِّن‪َ ،‬فتَُق ُ‬
‫ول‪َ :‬عل ْم ُت َزْي ًدا َع ْد ًال‪ .‬ولَبَي ُ‬ ‫َ‬
‫ات اْل ُمْف َرَد ِة َك ِعْل ِم َك ِب َم ْعَنى‬
‫الذو ِ‬‫ور عَلى ضربي ِن‪ْ :‬إدر َّ‬
‫اك َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ُم ِ َ‬ ‫اك ْاأل ُ‬
‫َن ْإد َر َ‬ ‫ان يبين الغزالي أ َّ‬ ‫ِفي اْل َح ِّد َواْل ُب ْرَه ِ‬
‫اك ِن ْسَب ِة‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫يث واْلَق ِدي ِم وس ِائ ِر ما يد ُّل عَلي ِه ِب ْاأل ِ‬
‫َسامي اْل ُمْف َرَدة‪ ،‬الثاني‪ْ :‬إد َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلج ْس ِم َواْل َح َرَكة َواْل َعاَل ِم َواْل َحد َ‬
‫َمٌر‬ ‫َن تَ ْعَل َم أََّوًال َم ْعَنى َلْف ِظ‬
‫اْل َعاَل ِم َو ُه َو أ ْ‬
‫النْف ِي أَو ِْ ِ‬
‫اإل ْثَبات‪َ ،‬و ُه َو أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهذه اْل ُمْف َرَدات َب ْعض َها إَلى َب ْعض ب َّ ْ‬
‫ِِ‬

‫ُمْف َرًدا إَلى ُمْف َرد‬‫ان‪ ،‬ثُ َّم تَْن ُس ُب‬‫ان مْف َرَد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضا أ َْم َر ُ‬ ‫ُمْف َرٌد َو َم ْعَنى َلْفظ اْل َحادث َو َم ْعَنى َلْفظ اْلَقدي ِم َو ُه َما أ َْي ً‬
‫ِ‬ ‫ات َكما تَْنس ُب اْل ِق َدم إَلى اْل َعاَل ِم ِب َّ‬‫اإل ْثب ِ‬
‫وث‬
‫يما‪َ ،‬وتَْن ُس ُب اْل ُح ُد َ‬ ‫ول‪َ :‬ل ْي َس اْل َعاَل ُم َقد ً‬ ‫النْف ِي َفتَُق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫النْف ِي أ َْو ِْ َ‬
‫ِب َّ‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .143 - 142‬لمزيد من المتابعة عن موقف المسلمين من المنطق‪ ،‬ينظر‪ :‬ابن رشد‪:‬‬ ‫‪25‬‬

‫" نص تلخيص منطق أرسطو "‪ ،‬القسم األول‪ " :‬مقدمة تحليلة"‪ ،‬القسم الثاني‪ " :‬تصدير عام حول المخطوطات "‪ ،‬القسم الثالث‪:‬‬
‫"فهارس األسماء والمصطلحات"‪ ،‬القسم الرابع‪ " :‬مصادر ومراجعات "‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1992 ،‬م‪ ،‬ابن رشد‪ " :‬نص تلخيص منطق أرسطو "‪ ،‬المجلد الرابع‪ " :‬كتاب أنالويطيقي األول أو كتاب القياس‬
‫"‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1992 ،‬م‪ ،‬ابن رشد‪ " :‬نص تلخيص منطق أرسطو "‪،‬‬
‫المجلد الخامس‪ " :‬كتاب أنالويطيقي الثاني أو كتاب البرهان "‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1992 ،‬م‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يب‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ط َّرق إَلي ِه التَّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‪ :‬اْل َعاَل ُم َح ِاد ٌث‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫صدي ُق َوالت ْكذ ُ‬ ‫ْ‬ ‫الض ْر ُب ْاألَخ ُير ُه َو الذي َيتَ َ ُ ْ‬ ‫إَل ْيه ب ْاإل ْثَبات َفتَُق ُ‬
‫يق‪َّ ،‬إال إَلى َخَبر‪َ ،‬وأََق ُّل َما َيتََرَّك ُب‬ ‫ط َّرق التَّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫يه التَّ ِ‬ ‫َما ْاألََّول َفيست ِحيل ِف ِ‬
‫صد ُ‬
‫يب إ ْذ َال َيتَ َ ُ ْ‬‫يق َوالت ْكذ ُ‬
‫صد ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ َ ُ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ص ِّد َق‬ ‫ِ‬
‫صوف بَنْفي أ َْو إ ْثَبات‪ُ ،‬‬
‫ف إَلى اْلمو ِ ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫صُ‬
‫ِ ِ‬
‫وف‪َ ،‬فإ َذا ُنس َب اْل َو ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ف َو َم ْو ُ‬‫صٌ‬ ‫ان َو ْ‬‫ان مْف َرَد ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُه ُج ْزَء ُ‬
‫ِ‬

‫َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫أ َْو ُك ِّذ َب‪َ .‬فأ َّ‬
‫ْس أ ْ‬ ‫يها ص ْد ٌق َوَال َكذ ٌب‪َ ،‬وَال َبأ َ‬ ‫يم َفأَ ْف َرٌاد َل ْي َس ف َ‬ ‫َما َق ْو ُل اْلَقائل َحاد ٌث أ َْو ج ْس ٌم أ َْو َقد ٌ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الض ْرَب ْي ِن ِب ِعَب َارتَْي ِن م ْخَتلَِفتَ ْي ِن َفِإ َّن َح َّق ْاألُم ِ‬
‫ير َع ْن َه َذ ْي ِن َّ‬‫طَل َح َعَلى التَّ ْعِب ِ‬
‫َن تَ ْخَتل َ‬
‫ور اْل ُم ْخَتلَفة أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صَ‬ ‫ُي ْ‬
‫‪26‬‬
‫َن تُ َحا َذى ِب َها اْل َم َع ِاني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الد َّال ُة عَليها‪ ،‬إ ْذ ْاألَْلَفا ُ ِ‬
‫ظ م ْث ُل اْل َم َعاني َف َحُّق َها أ ْ‬ ‫ظ َها َّ َ ْ َ‬ ‫أَْلَفا ُ‬

‫وأما علم الطبيعيات‪ :‬فهو بحث عن عالم السماوات وكواكبها وما تحتها من األجسام‬
‫المفردة‪ :‬كالماء والهواء والتراب والنار‪ ،‬وعن األجسام المركبة‪ ،‬كالحيوان والنبات والمعادن‪ ،‬وعن‬
‫أسباب تغيرها وامتزاجها‪ ،‬فليس من شرطه أيضاً إنكار ذلك العلم‪ ،‬إال في مسائل معينة‪ ،‬فعند‬
‫التأمل يتبين أنها مندرجة تحتها‪ ،‬وأصل جملتها‪ :‬أن تعلم أن الطبيعة مسخرة هلل تعالى‪ ،‬ال تعمل‬
‫بنفسها‪ ،‬بل هي مستعملة من جهة فاطرها‪ .‬والشمس والقمر والنجوم والطبائع مسخرات بأمره ال‬
‫‪27‬‬
‫فعل لشيء منها بذاته عن ذاته‪.‬‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬المستصفى"‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم عبد الشافي‪ ،‬دار‬ ‫‪26‬‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.10 / 1 ،‬‬


‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .142 - 141‬لمزيد من المتابعة عن الفلسفة الطبيعية في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬ينظر‪:‬‬ ‫‪27‬‬

‫أرسطاطاليس‪ " :‬الطبيعة "‪ ،‬ترجمة إسحق بن حنين‪ ،‬مع شروح ابن السمح‪ ،‬وابن عدي‪ ،‬ومتى بن يونس‪ ،‬وأبي الفرج بن الطيب‪،‬‬
‫حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ 1404 ،‬ه – ‪ 1984‬م‪ ،‬وراجع‪ :‬د‪ .‬يمنى طريف الخولي‪:‬‬
‫" من منظور فلسفة العلوم‪ :‬الطبيعيات في علم الكالم‪ :‬من الماضي إلى الحاضر "‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫يبين الفارابي أن ( العلم الطبيعي ) " ينظر في األجسام الطبيعية وفي األعراض التي‬
‫قوامها في هذه األجسام‪ ،‬ويعرف األشياء التي عنها والتي بها والتي لها توجد هذه األجسام‬
‫‪28‬‬
‫واألعراض التي قوامها فيه "‪.‬‬

‫نقل أبو بكر ال ارزي الفيلسوف والطبيب زعم ارسطو طاليس َ‬


‫ومن ّفسر كتبه في المقالة‬
‫أن الطبيعة ال تحتاج دليل لظهورها واعتراف الناس بها وإقرارهم‬
‫الثانية من السماع الطبيعي ّ‬
‫النمو فأما قولهم انهم‬
‫بوجودها‪ .‬وقال الفالسفة فيما يوجد في النبات والحيوان من قوة الغذاء وقوة ّ‬
‫يصح إلقرار الناس به كما ال يفسد‬
‫ّ‬ ‫لم يدلوا على وجود الطبيعة إلقرار الناس بها‪ ،‬فالشيء ال‬
‫أقر به لكان فاسداً باطالً المتناع َمن امتنع منه‪ ،‬فيكون‬
‫الختالفهم فيه‪ .‬ولو كان حّقاً إلقرار َمن ّ‬
‫أن الطبيعة‬ ‫ِ‬
‫محال‪ .‬ويقال لهم ل َم زعمتم ّ‬
‫ٌ‬ ‫وباطال حقاً في حال وهذا‬
‫ً‬ ‫الشيء فاسداً صحيحاً في حال‬
‫ال تحتاج إلى دليل وقد خالفكم في وجودها قوم من الفالسفة القدماء‪ .‬وإنما ال تحتاج إلى دليل‬
‫العقلية وليس الطبيعة بمحسوسة وال العلم بها ّأول في العقل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المشاهدة وأوائل البرهان‬
‫َ‬ ‫األشياء‬
‫ُ‬
‫أن الدليل على وجودها أفعالُها وقواها المنبثَّة في العالم المو ِجبة‬
‫وزعم َمن شاهدنا من الفالسفة ّ‬
‫فيعلم أنه لوال ُقوى فيها‬
‫لألفعال‪ .‬كذهاب النار والهواء من المركز وذهاب الماء واألرض إليه‪ُ ،‬‬
‫أوجبت تلك الحركات وكانت مبدأ لها توجد فيها‪ .‬وكذلك قالوا فيما يوجد في النبات والحيوان من‬
‫النمو فأما قولهم انهم لم يدلوا على وجود الطبيعة إلقرار الناس بها‪ ،‬فالشيء ال‬
‫قوة الغذاء وقوة ّ‬
‫أقر به لكان فاسداً‬
‫يصح إلقرار الناس به كما ال يفسد الختالفهم فيه‪ .‬ولو كان حّقاً إلقرار َمن ّ‬
‫ّ‬
‫وباطال حقاً في حال وهذا‬
‫ً‬ ‫باطالً المتناع َمن امتنع منه‪ ،‬فيكون الشيء فاسداً صحيحاً في حال‬
‫أن الطبيعة ال تحتاج إلى دليل وقد خالفكم في وجودها قوم من الفالسفة‬ ‫ِ‬
‫محال‪ .‬ويقال لهم ل َم زعمتم ّ‬
‫ٌ‬

‫الفارابي‪ " :‬إحصاء العلوم "‪ ،‬قدم له وشرحه وبوبه الدكتور علي بو ملحم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،1996 ،‬ص‬ ‫‪28‬‬

‫‪.67‬‬

‫‪26‬‬
‫العقلية وليس الطبيعة بمحسوسة‬
‫ّ‬ ‫المشاهدة وأوائل البرهان‬
‫َ‬ ‫األشياء‬
‫ُ‬ ‫القدماء‪ .‬وإنما ال تحتاج إلى دليل‬
‫‪29‬‬
‫وال العلم بها ّأول في العقل‪.‬‬

‫وأما اإللهيات‪ ،‬يشير الغزالي‪ ،‬ففيها أكثر أغاليط الفالسفة‪ ،‬فما قدروا على الوفاء بالبراهين‬
‫على ما شرطوه في المنطق‪ ،‬ولذلك كثر االختالف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها‬
‫من مذاهب اإلسالميين‪ ،‬على ما نقله الفارابي وابن سينا‪ ،‬ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى‬
‫عشرين أصالً‪ ،‬يجب تكفيرهم في ثالثة منها‪ ،‬وتبديعهم في سبعة عشر‪ .‬وإلبطال مذهبهم في هذه‬
‫المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت أما المسائل الثالث‪ ،‬فقد خالفوا فيها كافة المسلمين وذلك‬
‫في قولهم‪ - 1 :‬ومن ذلك قولهم‪ :‬يقدم العالم وأزليته‪ ،‬ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من‬
‫هذه المسائل‪ ،‬وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات‪ ،‬وقولهم‪ :‬إنه عليم بالذات‪ ،‬وال يعلم زائد على‬
‫الذات وما يجري مجراه‪ ،‬فمذهبهم فيها قريب من مذهب المعتزلة‪ ،‬وال يجب تكفير المعتزلة بمثل‬
‫ذلك‪ - 2 .‬ومن ذلك قولهم‪ " :‬إن هللا تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات "‪ ،‬فهو أيضاً كفر صريح‪،‬‬
‫ِ‬
‫األرض "‪.‬‬ ‫بل الحق أنه‪ " :‬ال يعزب عنه مثقال ذرة في السمو ِ‬
‫ات وال في‬
‫‪ -3‬إن األجساد ال تحشر‪ ،‬وإنما المثاب والمعاقب هي األرواح المجردة‪ ،‬والمثوبات والعقوبات‬
‫روحانية ال جسمانية‪ ،‬ولقد صدقوا في إثبات الروحانية‪ :‬فإنها كائنة أيضاً‪ ،‬ولكن كذبوا في إنكار‬
‫‪30‬‬
‫الجسمانية‪ ،‬وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به‪.‬‬

‫يشير الفارابي أن ( العلم اإللهي ) ينقسم إلى ثالثة أجزاء‪ :‬أحدها يفحص عن الموجودات‬
‫واألشياء التي تعرض لها بما هي موجودات‪ .‬الثاني‪ :‬يفحص عن مبادئ البراهين في العلوم‬

‫أبو بكر‪ ،‬محمد بن زكريا الرازي (المتوفى‪313 :‬هـ)‪ " :‬رسائل فلسفية"‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة إحياء التراث العربي في دار اآلفاق‬ ‫‪29‬‬

‫الجديدة‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ 1402 ،‬هـ ‪ 1982 -‬م‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.150 - 143‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪27‬‬
‫النظرية الجزئية وه ي التي ينفرد كل علم منها بالنظر في موجود خاص‪ .‬الثالث‪ :‬يفحص عن‬
‫‪31‬‬
‫الموجودات التي ليس بأجسام وال في أجسام‪.‬‬

‫ُمور الربوبية‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬


‫يقول ابن تيمية عن الفالسفة وأهل الكالم ‪ " :‬أكثر الطرائق التي سلكوها في أ ُ‬
‫باألقيسة َّالِتي ضربوها َال تفضى بهم ِإَلى اْلعلم واْلَي ِقين وِفي ْاألُمور اإللهية مثل تكلمهم ِباْل ِج ْن ِ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َواْلعرض ِفي دالئلهم ومسائلهم ‪ ...‬مَقاَلة أساطين الفلسفة من ْاأل ََو ِائل أَنهم َقاُلوا اْلعلم اإللهي َال‬
‫يه ِإَلى اْلي ِقين وإَِّنما يتكَّلم ِف ِ‬
‫يه ِب ْاألوَلى واألحرى واألخلق َولِ َه َذا اتّفق كل من خبر مَقاَلة َه ُؤَال ِء‬ ‫سِبيل ِف ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫اسدة وأَن َّال ِذي ِف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه من اْلعلم اْلحق‬ ‫المتفلسفة في اْلعلم اإللهي أَن غالبه ظنون َكاذَبة وأقيسة َف َ َ‬
‫‪32‬‬
‫َقلِيل"‪.‬‬

‫ويقول ابن تيمية أيضاً‪ " :‬وقد ُعلم أن طريقة سلف األمة وأئمتها‪ ،‬إثبات ما أثبته من‬
‫الصفات من غير تكييف وال تمثيل‪ ،‬ومن غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن‬
‫نفسه ‪ -‬مع ما أثبته من الصفات ‪ -‬من غير إلحاد‪ ،‬ال في أسمائه وال في آياته‪ ،‬فإن هللا ذم الذين‬
‫ين ُيْل ِح ُدو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫يلحدون في أسمائه وآياته ما قال تعالى‪ِ ِ :‬‬
‫اء اْل ُح ْسَنى َف ْاد ُعوهُ ِب َها َوَذ ُروا الذ َ‬
‫َس َم ُ‬
‫{وَّّلِل األ ْ‬
‫َ‬
‫ين ُيْل ِح ُدو َن ِفي َآي ِاتَنا الَ َي ْخَف ْو َن َعَل ْيَنا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِفي أ ِ ِ‬
‫َس َمائه َس ُي ْج َزْو َن َما َك ُانوا َي ْع َملُو َن} وقال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ْ‬
‫آمنا يوم اْل ِقيام ِة اعمُلوا ما ِش ْئتُم ِإَّنه ِبما تَعمُلون ب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ص ٌير} ‪.‬‬ ‫ْ ُ َ َْ َ َ‬ ‫أََف َمن ُيْلَقى في النار َخ ْيٌر أَم َّمن َيأْتي ً َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬
‫طريقتهم تتضمن إثبات األسماء والصفات‪ ،‬مع نفي مماثلة المخلوقات‪ ،‬إثباتا بال تشبيه‪ ،‬وتنزيها‬

‫الفارابي‪ " :‬إحصاء العلوم "‪ ،‬ص ‪.77 – 75‬‬ ‫‪31‬‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪32‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬االستقامة "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود ‪ -‬المدينة المنورة‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1403 ،‬ه‪.79 / 1 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫ص ُير} ‪ ،‬ففي قوله‪َ{ :‬ل ْي َس َك ِم ْثلِ ِه‬
‫الس ِميع الب ِ‬
‫َو ُه َو َّ ُ َ‬ ‫بال تعطيل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬ل ْي َس َك ِم ْثلِ ِه َشي ٌء‬
‫ْ‬
‫ص ُير} رد لإللحاد والتعطيل"‪.‬‬‫الب ِ‬ ‫يع‬ ‫َشيء} رد للتشبيه والتمثيل‪ ،‬وقوله‪{ :‬وهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬
‫‪33‬‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ٌْ‬

‫وأما السياسيات‪ :‬فجميع كالمهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة باألمور الدنيوية‪،‬‬
‫واإليالة السلطانية‪ ،‬وإنما أخذوه من كتب هللا المنزلة على األنبياء‪ ،‬ومن الحكم المأثورة عن سلف‬
‫األنبياء عليهم السالم‪ .‬وأما الخلقية‪ :‬فجميع كالمهم فيها يرجع إلى حصر صفات النفس وأخالقها‪،‬‬
‫وذكر أجناسها وأنواعها وكيفية معالجتها ومجاهدتها‪ ،‬وإنما أخذوها من كالم الصوفية‪ ،‬وهم‬
‫المتألهون المواظبون على ذكر هللا تعالى‪ ،‬وعلى مخالفة الهوى وسلوك الطريق إلى هللا تعالى‬
‫باإلعراض عن مالذ الدنيا‪ ،‬وقد انكشف لهم في طاعاتهم من أخالق الناس وعيوبها‪ ،‬وآفات‬
‫أعمالها ما صرحوا بها‪ ،‬فأخذها الفالسفة ومزجوها بكالمهم توسالً بالتجمل بها إلى ترويج‬
‫‪34‬‬
‫باطلهم‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة إلى اهتمام الفالسفة المسلمين ب( الفلسفة السياسية )‪ ،‬من ذلك‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال الفارابي في كتابه‪ " :‬آراء أهل المدينة الفاضلة "‪ ،‬فقد ذهب الفارابي إلى أن من‬
‫األشياء المشتركة ألهل المدينة الفاضلة معرفة السبب األول وجميع ما يصدر منه‪ ،‬ثم األشياء‬
‫المفارقة للمادة وما يوصف به كل واحد منها مما يخصه من الصفات والمرتبة إلى أن تنتهي من‬
‫المفارقة إلى العقل الفعال‪ ،‬وفعل كل واحد منها‪ ،‬ثم الجواهر السماوية وما يوصف به كل واحد‬
‫منها‪ ،‬ثم األجسام الطبيعية التي تحتها‪ ،‬كيف تتكون وتفسد‪ ،‬وأن ما يجري فيها يجري على عدل‬
‫وعناية وإحكام وإتقان‪ ،‬ثم كون اإلنسان‪ ،‬وكيف تحدث قوى النفس‪ ،‬وكيف يفيض عليها العقل‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪33‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬التدمرية‪ :‬تحقيق اإلثبات لألسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد‬
‫بن عودة السعوي‪ ،‬مكتبة العبيكان – الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬السادسة ‪1421‬هـ ‪2000 /‬م‪ ،‬ص ‪.8 – 7‬‬
‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪29‬‬
‫الفعال الضوء حتى تحصل المعقوالت األول‪ ،‬واإلرداة واإلختيار‪ ،‬ثم الرئيس األول‪ ،‬وكيف يكون‬
‫الوحي‪ ،‬ثم الرؤساء الذي ينبغي أن يخلفوه إذا لم يكن هو في وقت من األوقات‪ ،‬ثم المدينة الفاضلة‬
‫‪35‬‬
‫وأهلها والسعادة التي تصير إليها أنفسهم‪ ،‬والمدن المضادة لها وما تؤول إليه أنفسهم بعد الموت‪.‬‬

‫ويذهب الفارابي إلى أن اإلنسان من األنواع التي ال يمكن أن يتم لها الضروري من أمورها‬
‫وال تنال األفضل من أحوالها إال باجتماعات جماعات كثيرة منها في مسكن واحد‪ .‬والجماعات‬
‫اإلنسانية منها عظمى ومنها وسطى ومنها صغرى‪ .‬والعظمى تمثل جماعة أمم كثيرة تجتمع‬
‫وتتعاون‪ .‬والوسطى األمة‪ .‬والصغرى هي التي تحوزها المدينة‪ .‬وهذه الثالثة هي الجماعات‬
‫‪36‬‬
‫الكاملة‪.‬‬

‫الفارابي‪ " :‬كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة "‪ ،‬قدم له وعلق الدكتور البير نصري نادر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪1968‬م‪ ،‬ص ‪.146‬‬


‫الفارابي‪ " :‬كتاب السياسة المدنية الملقب بمبادئ الموجودات "‪ ،‬حققه وقدم وعلق عليه الدكتور فوزي متري نجار‪ ،‬المطبعة‬ ‫‪36‬‬

‫الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،1964 ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫النظام الداخلي للفلسفة‬

‫منهج الغزالي في (مقاصد الفالسفة)‬

‫‪31‬‬
‫لماذا مقاصد الفالسفة‪:‬‬

‫في مقدمة كتابه‪ " :‬مقاصد الفالسفة " يبين الغزالي أنه يهدف إلى التعريف بمذهب‬
‫الفالسفة‪ ،‬وتبيان معتقدهم‪ ،‬ألن الوقوف على فساد المذاهب قبل اإلحاطة بمداركها محال‪ ،‬بل هو‬
‫رمي في العمى والضالل‪ .‬ومقصود الكتاب بيان أن علوم الفالسفة أربعة أقسام‪ :‬الرياضيات‬
‫والمنطقيات والطبيعيات واإللهيات‪ .‬أما في الرياضيات‪ :‬فهي نظر في الحساب والهندسة‪ ،‬وليس‬
‫في مقتضاها ما يخالف العقل‪ .‬وأما اإللهيات فأكثر عقائدهم فيها على خالف الحق وأما المنطقيات‬
‫فأكثرها صواب‪ ،‬والخطأ نادر فيها‪ .‬ويخالفون فيها أهل الحق باإلصطالحات واإليرادات دون‬
‫‪37‬‬
‫المعاني والمقاصد‪ .‬وأما الطبيعيات فالحق فيها مختلط بالباطل والصواب فيها مشتبه بالخطأ‪.‬‬

‫مقاصد المنطق‪:‬‬

‫وفي مقدمة كتابه‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق " يبين الغزالي أهمية المنطق وفائدته وأن‬
‫الباعث على تحرير هذا الكتاب الملقب ب " معيار العلم " غرضان مهمان‪ :‬أحدهما تفهيم طرق‬
‫الفكر والنظر‪ ،‬وتنوير مسالك األقيسة والعبر؛ فإن العلوم النظرية لما لم تكن بالفطرة والغريزة‬
‫مبذولة وموهوبة كانت ال محالة مستحصلة مطلوبة‪ .‬فلما كثر في المعقوالت مزلة األقدام‪ ،‬ومثارات‬
‫الضالل‪ ،‬ولم تنفك مرآة العقل عما يكدرها من تخليطات األوهام وتلبيسات الخيال‪ ،‬رتب الغزالي‬
‫هذا الكتاب معيا اًر للنظر واإلعتبار‪ ،‬وميزاناً للبحث واإلفتكار‪ ،‬وصيقالً للذهن‪ ،‬ومشحذاً لقوة الفكر‬
‫والعقل‪ ،‬فيكون بالنسبة إلى أدلة العقول كالعروض بالنسبة إلى الشعر‪ ،‬والنحو باإلضافة إلى‬
‫اإلعراب‪ .‬والباعث الثاني اإلطالع على ما أودعه في كتاب " تهافت الفالسفة "‪ ،‬فإنا ناظرناهم‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬تحقيق الدكتور سليمان دنيا‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ 1961 ،‬م‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪32‬‬
‫بلغتهم وخاطبناهم على حكم اصطالحاتهم التي تواطأوا عليها في المنطق وفي كتاب " معيار‬
‫العلم " تنكشف معاني تلك اإلصطالحات؛ فهذا أخص الباعثين واألول أعمهما وأهمهما‪ .‬أما كونه‬
‫أهم فال يخفى وجهه‪ ،‬وأما كونه أعم فمن حيث يشمل جدواه جميع العلوم النظرية‪ :‬العقلية منها‬
‫والفقهية‪ ،‬فإن النظر في الفقهيات ال يباين النظر في العقليات‪ ،‬في ترتيبه وشروطه وعياره‪ ،‬بل‬
‫في مآخذ المقدمات فقط‪ .‬ولما كانت الهمم مائلة من العلوم إلى الفقه بل مقصورة عليه حتى حدانا‬
‫ذلك إلى أن صنفنا في طرق ا لمناظرة فيها مأخذ الخالف أوال‪ ،‬ولباب النظر ثانيا‪ ،‬وتحصين‬
‫المآخذ ثالثا‪ ،‬وكتاب المبادي والغايات رابعاً‪ ،‬وهو الغاية القصوى في البحث الجاري على منهاج‬
‫النظر العقلي في ترتيبه وشروطه‪ ،‬وأن فارقه في مقدماته حاكماً حسياً وحاكماً وهمياً وحاكماً عقلياً‪،‬‬
‫والمصيب من هؤالء الحكام هو الحاكم العقلي‪ ،‬والنفس في أول الفطرة أشد إذعاناً وإنقياداً للقبول‬
‫من الحاكم الحسي والوهمي‪ ،‬ألنهما سبقا في أول الفطرة إلى النفس وفاتحاها باإلحتكام عليها‪،‬‬
‫فألفت احتكامهما وأنست بهما قبل أن أدركها الحاكم العقلي‪ ،‬فاشتد عليها الفطام عن مألوفها‬
‫وا إلنقياد لما هو كالغريب من مناسبة جبلتها‪ ،‬فال تزال تخالف حاكم العقل وتكذبه وتوافق حاكم‬
‫‪38‬‬
‫الحس والوهم وتصدقهما إلى أن تضبط‪.‬‬

‫يتحدث الغزالي عن المنطق و يبين أنه محصور في قسمين التصور والتصديق‪ .‬أما‬
‫التصور فهو إدراك الذوات التي يدل عليها بالعبارات المفردة على سبيل التفهيم‪ ،‬مثل إدراك المعنى‬
‫المراد بلفظ الجسم والشجر‪ .‬وأما التصديق فهو علمنا أن العالم حادث‪ ،‬وأن الطاعة يثاب عليها‬
‫وأن المعاصي يعاقب عليها‪ .‬وكل تصديق في الضرورة أن يتقدمه تصو ارن فإن من لم يفهم العالم‬

‫الغزالي‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق "‪ ،‬ص ‪.62 – 59‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪33‬‬
‫وحده هو الحادث وحده لم يتصور منه التصديق بأنه حادث‪ .‬بل لفظ الحادث إذا لم يتصور معناه‬
‫‪39‬‬
‫كالمادث مثالً‪ ،‬ولو قيل‪ :‬العالم مادث‪.‬‬

‫اهّية‬ ‫يذهب الفخر الرازي أن العلم اْلعلم ِإ َّما تصور وإِ َّما تَص ِديق‪ .‬فالتصور "هو ِإدراك اْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ثم تحكم َعَل ْي ِه ِإ َّما‬ ‫من غير أَن تحكم َعَل ْيها ِبَنْفي أَو ِإ ْثَبات َكَقولِك ِْ‬
‫اإل ْن َسان َف َّإنك تفهم أَوال َم ْعَناهُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِب َّ‬
‫النْف ِي أَو‬ ‫صُّور"‪.‬والتصديق ُه َو " أَن تحكم َعَل ْي ِه‬ ‫َّ‬ ‫بالثبوت وإِ َّما باالنتفاء َف َذلِك اْلَفهم َّ ِ‬
‫السابق ُه َو الت َ‬ ‫َ‬
‫‪40‬‬ ‫ِْ‬
‫اإل ْثَبات "‪.‬‬

‫ويقول الغزالي‪ " :‬وكل علم يتطرق إليه التصديق فمن ضرورته أن تتقدم عليه معرفتان‪،‬‬
‫فإن من ال يعلم المفرد كيف يعلم المركب‪ ،‬ومن ال يفهم معنى العالم ومعنى الحادث كيف يعلم‬
‫أن العالم حادث‪ .‬والمعرفة قسمان‪ :‬أولى وهو الذي ال يطلب بالبحث كالمفردات المدركة بالحس‪،‬‬
‫ومطلوب وهو الذي يدل اسمه منه على أمر جملي غير مفصل فيطلب تفصيله‪ .‬وكذلك العلم‬
‫ينقسم إلى أولي وإلى مطلوب‪ .‬فالمطلوب من المعرفة ال يقتنص إال بالحد والمطلوب من العلم‬
‫الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب ال يقتنص إال بالحجة والبرهان وهو القياس؛ وكأن طالب‬
‫القياس والحد طالب اآللة التي بها تقتنص العلوم والمعارف كلها‪ .‬فليكن كتابنا قسمين قسم هو‬
‫‪41‬‬
‫محل القياس وقسم هو محل الحد "‪.‬‬

‫ثم كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى ما يدرك أوالً وما ال يدرك أوالً من غير‬
‫طلب وتأمل وإلى ما ال يحصل إال بالطلب أما الذي يتصور من غير طلب مثل الموجود والشيخ‬
‫وأمثالهما‪ ،‬وأما الذي يتحصل بالطلب مثل معرفة حقيقة الروح والملك والجن وتصور األمور‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.33 – 32‬‬ ‫‪39‬‬

‫الرازي‪ " :‬معالم أصول الدين"‪.21 / 1 ،‬‬ ‫‪40‬‬

‫الغزالي‪ " :‬محك النظر في المنطق "‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪34‬‬
‫الخفية‪ .‬وأما التصديق المعلوم أوالً مثل الحكم بأن اإلثنين أكثر من الواحد وأن األشياء المساوية‬
‫لشي واحد متساوية‪ ،‬ويضاف إليه الحسيات والمعقوالت والعلوم التي تشتمل النفوس عليها من‬
‫‪42‬‬
‫غير طلب سابق‪.‬‬

‫ويضيف الفخر الرازي أن في تقسميات المنطق الرئيسة‪ ،‬أي التصور والتصديق‪ ،‬تقسيمات‬
‫كسبيا‪.‬‬ ‫صُّور والتصديق قد يكون بديهياً َوقد يكون‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ً‬ ‫أخرى‪ ،‬وهي‪ :‬التْقسيم األول أَن كل َواحد من الت َ‬
‫فالتصورات البديهية مثل تصورنا لِ َم ْعنى البرودة واْل َح َرَارة‪ ،‬والتصورات الكسبية مثل تصورنا لِ َم ْعنى‬
‫ان َوَال يرتفعان‪ ،‬والتصديقات‬ ‫اإل ْثَبات َال َي ْجتَ ِم َع ِ‬
‫النْفي و ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلملك َواْلج ّن‪ .‬والتصديقات البديهة‪َ ،‬كَق ْولَنا‪َ َّ :‬‬
‫ص ِديق ِإ َّما أَن يكون َم َع اْل َج ْزم أَو‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكسبية َكَق ْولَِنا‪ْ :‬اإلَله َواحد والعالم ُمحدث‪ ،‬والتقسيم الثاني‪ :‬الت ْ‬
‫ازم َّال ِذي َال يكون مطابقا َو ُه َو‬ ‫ص ِديق اْل َج ِ‬ ‫َال مع اْلج ْزم‪ ،‬أما اْلقسم األول َفهو على أَقسام أ َ َّ‬
‫َحدها الت ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ََ َ‬
‫ص ِديق‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ص ِديق اْل َج ِ‬
‫ازم المطابق لمحض التْقليد َو ُه َو كاعتقاد اْل ُمَقّلد‪ .‬والثالث الت ْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اْل َج ْهل‪َ .‬وثَانيها الت ْ‬
‫ص ِديق‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫النار وإشراق الش ْمس‪ .‬ال َّاربع الت ْ‬‫ازم اْلم ْستََفاد من ِإ ْح َدى اْل َحواس اْلخمس كعملنا بإحراق َّ‬
‫ُ‬
‫اْل َج ِ‬
‫ص ِديق اْل َج ِ‬
‫ازم‬ ‫َّ‬ ‫اإل ْثَبات َال َي ْجتَ ِم َع ِ‬
‫ان َوَال يرتفعان َال الت ْ‬
‫النْفي و ِْ‬ ‫ِ‬
‫ازم اْل ُم ْستََفاد ببديهة اْلعقل َكَق ْولَنا َّ َ‬
‫اْل َج ِ‬
‫الظن والمرجوح‬ ‫الدلِيل‪ .‬وأما اْلقسم الثَّ ِاني وهو التَّص ِديق العاري عن اْلج ْزم فالراجح هو َّ‬ ‫اْل ُم ْستََفاد من َّ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪43‬‬ ‫ُهو اْلوهم والمساوي ُهو َّ‬
‫الشك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫وأما فائدة المنطق فقد ثبت أن المجهول ال يحصل إال بمعلوم وليس يخفى أن كل معلوم‬
‫ال يمكن التوصل به إلى كل مجهول‪ ،‬بل لكل مجهول معلوم مخصوص يناسبه‪ ،‬والطريق في‬
‫إي ارده وإ في الذهن حضاره يفضي إلى ذلك الطريق لكشف المجهول‪ .‬فما يؤدي منه إلى كشف‬
‫التصورات يسمى حداً أو رسماً‪ ،‬وما يؤدي إلى العلوم التصديقية يسمى حاجة‪ ،‬ومنه قياس‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪42‬‬

‫الرازي‪ " :‬معالم أصول الدين "‪ ،‬ص ‪.22 – 21‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪35‬‬
‫واستقراء‪ ،‬وتمثيل‪ ،‬وغيره‪ .‬وينقسم كل واحد من الحد والقياس إلى ما هو صواب يفيد اليقين وإلى‬
‫ما هو غلط ولكنه شبيه بالصواب‪ .‬لذلك فإن علم المنطق هو الذي القانون الذي يميز به بين‬
‫صحيح الحد والقياس عن فاسدهما‪ ،‬فيتميز العلم اليقيني عما ليس يقينياً‪ .‬ف ( علم المنطق) هو‬
‫القانون الذي به يميز صحيح الحد والقياس عن فاسدهمت فيتميز العلم اليقيني عما ليس يقينياً‪.‬‬
‫وكأنه الميزان والمعيار للعلوم كلها‪ .‬وكل ما لم يوزن بالميزان لم يتميز به الرجحان عن النقصان‬
‫‪44‬‬
‫وال الربح عن الخسران فيه‪ .‬أما مقصوده الحد والقياس وتمييز الصحيح عن الفاسد‪.‬‬

‫لكن ابن تيمية يرد على الدعاوى القائلة أن فائدة المنطق عصمة الذهن عن الوقوع في‬
‫الخطأ " في قولهم‪ :‬أن التصورات غير البديهية ال تنال إال بالحد والكالم على هذا من وجوه‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يقال ال ريب أن النافي عليه الدليل إذا لم يكن نفيه بديهياً كما أن على المثبت الدليل‬
‫فالقضية سواء كانت سلبية أو إيجابية إذا لم تكن بديهية فال بد لها من دليل وأما السلب بال علم‬
‫فهو قول بال علم فقول القائل‪ :‬أنه ال تحصل هذه التصورات إال بالحد قضية سالبة وليست بديهية‬
‫فمن أين لهم ذلك وإذا كان هذا قوال بال علم كان في أول ما أسسوه القول بال علم فكيف يكون‬
‫القول بال علم أساسا لميزان العلم ولما يزعمون أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في‬
‫فكره ثاني‪ :‬أن يقال الحد يراد به نفس المحدود وليس هذا مرادهم ههنا ويريدون به القول الدال‬
‫‪45‬‬
‫على ما هيه المحدود وهو مرادهم هنا وهو تفصيل ما دل عليه االسم باإلجمال "‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.37 – 34‬‬ ‫‪44‬‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪45‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬الرد على المنطقيين "‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪36‬‬
‫في الكلي‪:‬‬

‫يبين الغزالي أن الكلي إسم مشترك ينطلق على معنيين‪ ،‬هو باحدهما موجود في األعيان‪،‬‬
‫وبالمعنى الثاني موجود في األذهان ال في األعيان‪ .‬أما األول فهو للشيء المأخوذ على اإلطالق‬
‫منغير اعتبار ضم غيره إليه‪ ،‬واعتبار تجريده من غيره بل من غير التفات إلى أنه واحد‪ ،‬فإن‬
‫اإلنسان مثال معقول بأنه حقيقة ما والزم شيء لإلنسانية وأشده التصاقا به كونه واحداً أو كثي اًر‪،‬‬
‫إذ ال يتصور إال كذلك‪ ،‬والمعنى الثاني للكلي هو اإلنسانية مثال بشرط أنه مقولة بوجه من الوجوه‬
‫المقولية على كثيرين‪ ،‬وهذا غير موجود في األعيان‪ ،‬إذ يستحيل وجود شيء واحد بعينه يكون‬
‫محموال على كل واحد من اآلحاد في وقت واحد معين‪ .‬وذلك ألن اإلنسان الذي اكتنفته األعراض‬
‫المخصصة لشخص زيد لمتكتنفه أعراض عمرو‪ ،‬حتى تكون تلك اإلنسانية بعينها موجودة في‬
‫عمرو‪ ،‬يكون هو ذلك في العدد بعينه‪ ،‬وربما يكتنفهما أعراض متعاندة‪ ،‬ولكن هذا المعبر عنه‬
‫موجود في األذهان على معنى أنه إذا سبق إلى الحس شخص زيد‪ ،‬حدث في النفس أثر‪ ،‬وهو‬
‫انطباع صورة اإلنسانية فيه‪ ،‬وهو ال يعلم‪ ،‬وهذه الصورة المأخوذة من اإلنسانية المجردة من غير‬
‫‪46‬‬
‫التفات إلى العوارض المخصصة‪.‬‬

‫اإللهيات عند الفالسفة‪:‬‬

‫يبين الغزالي أن البحث في اإللهيات عند الفالسفة يتحدد في خمس مقاالت‪ :‬المقالة األولى‬
‫في أقسام الوجود وأحكامه‪ ،‬الثانية في سبب الوجود كله‪ ،‬الثالثة في صفاته‪ ،‬الرابعة في أفعاله‬
‫ونسبة الموجودات إليه‪ ،‬الخامسة في كيفية وجودها منه على مذهبهم‪ .‬ثم يتجه الغزالي إلى تقسيم‬

‫الغزالي‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق "‪ ،‬ص ‪.339 – 337‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪37‬‬
‫العلوم‪ ،‬فيشير أنه ال شك في أن لكل علم موضوعاً يبحث فيه عن أحوال ذلك الموضوع‪ ،‬واألشياء‬
‫الموجودة التي يمكن أن يكون منظو اًر فيها في العلوم‪ ،‬وتنقسم إلى ما بأفعالنا كسائر األعمال‬
‫اإلنسانية من السياسات‪ ،‬والتدبيرات‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والرياضيات وغيرها‪ .‬وإلى ما ليس وجوده بأفعالنا‬
‫كالسماء واألرض والنباتات والمعادن‪ .‬ولذلك ينقسم العلم الحكمي إلى قسمين‪ :‬األول ما يعرف به‬
‫أحوال أفعالنا ويسمع علماً عملياً‪ ،‬والثاني ما نتعرف فيه أحوال الموجودات ويسمى نظرياً‪ .‬وكل‬
‫واحد من العلم ينقسم إلى أقسام ثالثة أخرى‪ .‬أما العملي‪ ،‬فينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬أحدها‪ :‬العلم‬
‫بتدبير المشاركة لإلنسان مع الناس كافة‪ ،‬فإن اإلنسان خلق مضط اًر إلى مخالطة الخلق‪ ،‬وال‬
‫ينتظم ذلك على وجه يؤدي إلى حصول مصلحة الدنيا‪ ،‬وصالح اآلخرة على وجه مخصوص‪.‬‬
‫وهذا علم أصله العلوم الشرعية‪ .‬والثاني‪ :‬علم تدبير المنزل‪ ،‬وبه يعلم وجه المعيشة‪ ،‬مع الزوجة‬
‫والولد‪ ،‬والخادم‪ ،‬وما يشتمل المنزل عليه‪ .‬وأما العلم النظري فثالثة‪ :‬أحدها يسمى اإللهي‪ ،‬والفلسفة‬
‫األولى‪ ،‬والثاني‪ :‬يسمى الرياضي والتعليمي‪ ،‬والعلم األوسط‪ ،‬والثالث‪ :‬يسمى العلم الطبيعي والعلم‬
‫‪47‬‬
‫األدنى‪.‬‬

‫العلم الطبيعي‪:‬‬

‫أما العلم الطبيعي فموضوعه أجساد العالم من حيث أنها وقعت الحركة والسكون والتغير‪،‬‬
‫ال من حيث مساحتها ومقدارها‪ ،‬وال من حيث شكلها واستدارتها‪ ،‬وال من حيث نسبة بعض أجزائها‬
‫إلى بعض‪ ،‬وال من حيث كونها فعل هللا تعالى‪ .‬وأما الرياضي فموضوعه بالجملة والكمية‪.‬‬
‫وبالتفصيل المقدار والعدد‪ .‬وللعلم الطبيعي فروع كثيرة‪ :‬كالطب والطلسمات والنارنجات‪ ،‬وللرياضي‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.136 – 133‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪38‬‬
‫فروع كثيرة‪ ،‬وأصوله‪ :‬علم الهندسة‪ ،‬والحساب‪ ،‬والهيأة‪ ،‬أي هيأة العالم‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬وفروعه‪ :‬علم‬
‫‪48‬‬
‫المناظر‪ ،‬وعلم جر األثقال‪ ،‬وعلم األكر المتحركة‪ ،‬وعلم الجبر‪.‬‬

‫عد ِد محصي بالطبيعة َف ُه َو ُذو‬ ‫صور ِباْل َ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫يرى ابن حزم أن العالم َم ْو ُجود باْلف ْعل وكل َم ْح ُ‬
‫اح َدة أَو مدد َكِث َيرة ِإ ْذ َليست ِتْل َك المدد‬ ‫ِنهاية فالعالم ُكله ُذو ِنهاية وسواء ِفي َذلِك ما وجد ِفي م َّدة و ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫ََ‬
‫ِإ َّال ُم َّدة محصاة ِإَلى جنب ُم َّدة محصاة َف ِه َي مركبة من مدد محصاة وكل مركب من أ ْ‬
‫َشَياء َف ُه َو‬
‫الدلِيل األول فصح من كل َذلِك‬ ‫قدمنا ِفي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِتْل َك ْاأل ْ‬
‫كلها مدد محصاة َك َما َ‬ ‫َشَياء التي ركب م ْن َها َفه َي َ‬
‫أَن َما َال ِن َه َاية َل ُه َف َال َسِبيل ِإَلى وجوده ِباْل ِف ْع ِل َو َما لم ُيوجد ِإ َّال بعد َما َال ِن َه َاية َل ُه َف َال َسِبيل ِإَلى‬
‫وجوده أبدا ِألَن وُقوع البعدية ِف ِ‬
‫يه ُه َو وجود ِن َه َاية َل ُه َو َما َال ِن َه َاية َل ُه َف َال بعد َل ُه فعلى َه َذا َال ُيوجد‬ ‫ُ‬
‫كلها َذات ِن َه َاية َو َه َذ ِ‬
‫ان‬ ‫ضها بعد بعض فاألشياء َ‬ ‫ودة َب ْع َ‬ ‫كلها َم ْو ُج َ‬
‫شيء بعد شيء أََبد ْاألََبد واألشياء َ‬ ‫ٌ‬
‫الدليالن قد نبه هللا تَ َعاَلى َعَل ْي ِه َما وحصرهما بحجته اْلَبالِ َغة ِإ ْذ َيُقول وكل شيء ِع ْنده ِب ِمْق َدار‪ .‬كل‬
‫حدها ُه َو أَن تَقول الطبيعة ِهي‬
‫يعته َومعنى الطبيعة َو َ‬ ‫عدد وأحصته َ ِ‬
‫طب َ‬
‫ِ‬
‫َم ْو ُجود ِباْلف ْع ِل فقد حصره اْل َ‬
‫َ‬
‫الشيء على َما ِهي َعَل ْي ِه َوِإن أوجزت قلت ِهي ُقَّوة‬ ‫الشيء فتجري بها كيفيات َذلِك َّ‬
‫َ‬
‫اْلُقَّوة َّالِتي ِفي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الشيء يوجد بها على ما هو عَلي ِه وحصر اْلعدد وإحصاء الطبيعة ِنهاية ِ‬ ‫ِ‬
‫يحة ِإ ْذ َما َال‬
‫صح َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫في َّ ْ ُ‬
‫حصر واإلحصاء األخم َما َبين طرِفي المحصي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن َه َاية َل ُه َف َال إحصاء َوَال حصر َل ُه إ ْذ َل ْي َس معنى اْل ْ‬
‫‪49‬‬
‫المحصور‪.‬‬

‫ويبين الغزالي أن كل وصف ال يلحق الوجود إال بعد أن صار موضوع أحد العلمين‪:‬‬
‫الرياضي‪ ،‬وأما الطبيعي فالنظر فيه ليس من هذا العلم‪ .‬ويقع في هذا العلم‪ :‬النظر في سبب‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.140 – 139‬‬ ‫‪48‬‬

‫أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى‪456 :‬هـ)" "الفصل في الملل واألهواء‬ ‫‪49‬‬

‫والنحل"‪ ،‬مكتبة الخانجي – القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.20 / 1 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫الوجود كله‪ ،‬ألن الموجود ينقسم إلى سبب ومسبب‪ .‬والنظر في وحدة السبب‪ ،‬وكونه واجب الوجود‪،‬‬
‫وفي صفاته‪ ،‬وفي تعلق سائر الموجودات به‪ ،‬ووجه حصولها منه‪ .‬ويسمى النظر في التوحيد من‬
‫هذا العلم خاصة ( العلم اإللهي ) ويسمى ( علم الربوبية ) أيضاً‪ .‬وأبعد العلوم الثالثة عن التشويش‬
‫الرياضي‪ ،‬وأما الطبيعي فالتشويش فيه أكثر‪ ،‬ألن الطبيعيات بصدد التغيرات‪ ،‬فهي بعيدة عن‬
‫‪50‬‬
‫الثبات‪.‬‬

‫ماهية العقل‪:‬‬

‫يرى الغزالي أن ماهية العقل " من جملة العلوم وليس كلها إذ الخالي عن جمل العلوم‬
‫عاقل وليس من النظري إذ شرط كل نظر تقدم العقل عليه وليس كل العلوم الضرورية إذ األصم‬
‫واألخرس واألعمى عاقل وقد إختل بعض حواسه وليس آحاد العلوم أي علم شئت إذ للبهيمة علم‬
‫في الميز بين التبن والشعير وليست عاقلة فالوجه أن يقال هو علم بجواز الجائزات واستحالة‬
‫المستحيالت احت ار از عن البهائم ثم هكذا قاله القاضي وهو مزيف فإن الذاهل عن الجواز واإلستحالة‬
‫عاقل والوجه أن يقال هو صفة يتهيأ للمتصف بها درك العلوم والنظر في المعقوالت وقال الحارث‬
‫المحاسبي رضي هللا عنه هو غريزة يتوصل بها إلى درك العلوم وقالت الفالسفة هو تهيؤ الدماغ‬
‫‪51‬‬
‫لفيض النفس عليه "‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫‪50‬‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬المنخول من تعليقات األصول "‪ ،‬حققه وخرج نصه وعلق‬ ‫‪51‬‬

‫عليه‪ :‬الدكتور محمد حسن هيتو‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ -‬بيروت لبنان‪ ،‬دار الفكر دمشق – سورية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1419 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1998‬م‪ ،‬ص ‪.103 – 102‬‬

‫‪40‬‬
‫من الفن الثالث‪ :‬الطبيعيات‪:‬‬

‫يذكر الغزالي أن الموجود ينقسم إلى جوهر وعرض‪ ،‬والعرض ينقسم إلى ما يفهم من غير‬
‫إضاف ة إلى الغير‪ ،‬كالكمية‪ ،‬والكيفية‪ .‬وإلى ما ال يفهم إال باإلضافة‪ ،‬وهو متفرع على الجوهر‪،‬‬
‫والكيفية‪ ،‬والكمية‪ .‬وأن العلم بالجوهر والعرض وأحكام الوجود‪ ،‬من اإللهيات‪ .‬وأن التقسيم ينزل‬
‫منه إلى الكمية التي هي موضوع الرياضيات‪ .‬وإلى ما يتعلق بالمواد تعلقاً ال يقبل التجريد في‬
‫الوهم والوجود‪ .‬وهو موضوع نظر الطبيعيات‪ :‬فإنه يرجع إلى النظر في جسم العالم من حيث‬
‫وقوعه في التغير والحركة والسكون‪ .‬فينحصر مقصد الطبيعيات في أربع مقاالت‪ :‬واحدة فيما‬
‫يلحق سائر األجسام‪ ،‬كالصورة‪ ،‬والهيولى‪ ،‬والحركة‪ ،‬والمكان‪ .‬والثانية‪ :‬فيما هو أخص منه في‬
‫نظر حكم البسيط من األجسام‪ .‬والثالثة‪ :‬النظر في المركبات‪ ،‬والممتزجات‪ .‬والرابعة‪ :‬في النفس‬
‫‪52‬‬
‫النباتي‪ ،‬الحيواني‪ ،‬واإلنساني‪.‬‬

‫يقول ابن سينا عن األجسام أن من الناس من يظن أن كل جسم ذو مفاصل تنضم عندها‬
‫أجزاء غير أجسام‪ ،‬تتألف منها األجسام‪ ،‬وزعموا أن تلك األجسام ال تقبل اإلنقسام ‪ :‬ال كس اًر وال‬
‫قطعاً وال وهماً وال فرضاً ‪ ،‬وأن الواقع منها في وسط الترتيب يحجب الطرفين عن التماس‪ .‬وينقد‬
‫ابن سينا هذه الفكرة عن األجسام أنهم ال يعلمون أن األوسط إذا كان كذلك‪ ،‬لقى كل واحد من‬
‫الطرفين ِّم ْنه شيئ ًا غير ما يلقاه من االخر‪ ،‬وأنه وال واحد من الطرفين بأسره‪ .‬وأنا بحيث لو جوز‬
‫فيه مداخلته للوسط حتى يكون مكانهما أو حيزهما لم يكن له بد من أن ينفذ فيه‪ .‬فيلقى غير ما‬
‫لقيه بالقدر الذي لقية دون اللقاء المتوهم للمداخلة يجب أن يكون لكل وسط مالقيه الطرف اآلخر‬
‫مالقاة الوسط له وأن ال يتميز في الوضع الذي ال فراغ عن لقائه فحينئذ ال يكون ترتيب ووسط‪،‬‬

‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪41‬‬
‫والطرف لزيادة حجم فإن كان شيء من ذلك لم يكن ما يكون عندك توهم المداخلة بل بقي فراغ‬
‫‪53‬‬
‫وانقسم‪.‬‬

‫وفي مجال ( الطبيعيات ) يدرس الغزالي مفهوم ( الحركة ) فيذكر أن المشهور أن الحركة‬
‫تطلق على اإلنتقال من مكان إلى مكان فقط‪ ،‬ولكن صارت باصطالح الفالسفة عبارة عن معنى‬
‫أعم فيه‪ ،‬وهو السلوك من صفة إلى صفة أخر على التدريج‪ .‬إن كل ما هو بالقوة‪ ،‬وأمكن أن‬
‫يصير أن بالفعل ينقسم إلى ما يصير بالفعل دفعة واحدة‪ ،‬كاألبيض يسود دفعة‪ ،‬وكالمظلم دفعة‪،‬‬
‫إستنارة مستقرة واقفة ال تزيد‪ .‬وإلى ما يصير بالفعل تدريجاً‪ ،‬فيكون له بين القوة المحضة‪ ،‬وبين‬
‫الفعل المحض سلوك‪ ،‬ويتدرج في الخروج من القوة إلى الفعل‪ .‬وال يكون هو محض القوة‪ ،‬ألنه‬
‫ابتدأ في ا لخروج منها‪ .‬وال محض الفعل‪ ،‬فإنه لم ينته بعد إلى الحد الذي هو المقصود‪ ،‬وإليه‬
‫التوجه‪ ،‬كالمظلم مثالً وقت الصبح يستنير تدريج ًا‪ .‬فال يكون ني اًر‪ ،‬وفي نسخة النور بالقوة المحضة‪،‬‬
‫إذا ابتدأ الوجود‪ .‬وال يكون بالفعل المحض‪ ،‬ألن الحد الذي هو المقصود بالحصول لم يحصل‪.‬‬
‫وكذلك إذا ابتدأ الجسم باإلسوداد‪ ،‬مفارقاً للبياض‪ ،‬فما دام سالكاً بين السواد والبياض يسمى‬
‫متحركاً‪ ،‬أي يتغير على التدريج‪ .‬واإلنتقال من حال إلى حال‪ ،‬إنما يقع في المقوالت العشر ال‬
‫‪54‬‬
‫محالة‪.‬‬

‫ابن سينا‪ " :‬اإلشارات والتنبيهات "‪ ،‬مع شرح نصير الدين الطوسي‪ ،‬تحقيق الدكتور سليمان دنيا‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬ ‫‪53‬‬

‫دار المعارف‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.157 – 152‬‬


‫الغزالي‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.304 – 303‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫معالم المنهج النقدي‬

‫في كتاب ( تهافت الفالسفة )‬

‫‪43‬‬
‫مشكالت المنهج النقدي في ضوء الغزالي‪:‬‬

‫يرى الغزالي أن هنالك آفتان تنشآن من خلط األوراق بين المنهج الديني والفلسفي والروحي‪،‬‬
‫وهاتان اآلفتان هما‪ :‬آفة في حق القابل‪ ،‬وآفة في حق الراد‪.‬‬

‫اآلفة األولى‪ ،‬وهي في حق الراد ‪ :‬إذ ظنت طائفة من الضعفاء أن ذلك الكالم إذا كان‬
‫مدوناً في كتبهم‪ ،‬وممزوجاً بباطلهم‪ ،‬ينبغي أن يهجر وال يذكر بل ينكر على كل من يذكره إذ لم‬
‫يسمعوه أوالً منهم‪ ،‬فسبق إلى عقولهم الضعيفة أنه باطل‪ ،‬ألن قائله مبطل‪ ،‬فإن لم يكن كاف اًر إال‬

‫باعتبار إنكاره‪ ،‬ينبغي أن يخالف في غير ما هو به كافر مما هو حق في نفسه‪ ،‬وإن كان أيضاً‬
‫حقاً عنده‪ .‬وهذه عادة ضعفاء العقول‪ ،‬يعرفون الحق بالرجال‪ ،‬ال الرجال بالحق‪ .‬والعاقل يقتدي‬
‫بقول أمير المؤمنين " علي بن أبي طالب " رضي هللا عنه‪ ،‬حيث قال‪ :‬ال تعرف الحق بالرجال‬

‫بل اعرف الحق تعرف أهله‪ ،‬والعارف العاقل يعرف الحق‪ ،‬ثم ينظر في نفس القول‪ :‬فإن كان حقاً‬
‫قبله سواء كان قائله مبطالً أو محقاً‪ ،‬بل ربما يحرص على انتزاع الحق من تضاعيف كالم أهل‬
‫الضالل‪ ،‬عالماً بأن معدن الذهب الرغام‪ .‬وال بأس على الصراف إن أدخل يده في كيس القالب‬
‫وانتزع اإلبريز الخالص من الزيف والبهرج‪ .‬مهما كان واثقاً ببصيرته‪ ،‬ويمنع ‪ -‬من ساحل البحر‬
‫‪ -‬األخر ُق‪ ،‬دون السباح الحاذق‪ ،‬ويصد عن مس الحية الصبي دون المعزم البارع‪ .‬ولما غلب‬
‫على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة وكمال العقل‪ ،‬وتمام اآللة في تمييز الحق عن‬
‫الباطل والهدى عن الضالل وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضالل ما‬
‫‪55‬‬
‫أمكن‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.153 - 152‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪44‬‬
‫ويشير الغزالي أن هنالك من اعترض ‪ -‬على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفه في‬
‫أسرار علوم الدين ‪ -‬من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم‪ ،‬ولم تنفتح إلى أقصى غايات‬
‫المذاهب بصائرهم‪ ،‬جماعة وزعمت أن تلك الكلمات من كالم األوائل‪ ،‬مع أن بعضها من مولدات‬
‫الخواطر‪ ،‬وال يبعد أن يقع الحافر على الحافر‪ ،‬وبعضها يوجد في الكتب الشرعية‪ ،‬وأكثرها موجود‬

‫معناه في كتب المنهج الروحي ‪ ،‬وهب أنها لم توجد إال في كتبهم‪ ،‬فإذا كان ذلك الكالم معقوالً‬
‫في نفسه‪ ،‬مؤيدًا بالبرهان ولم يكن على مخالفة الكتاب والسنة‪ ،‬فلم ينبغي أن يهجر ويترك؟! وأقل‬
‫الحجام‪،‬‬
‫َّ‬ ‫درجات العالم‪ :‬أن يتميز عن العامي الغمر‪ .‬فال يعاف عسل‪ ،‬وإن وجده في محجمة‬
‫ويتحقق أن المحجمة ال تغير ذات العسل‪ ،‬فإن نفرة الطبع عنه مبنية على جهل عامي منشؤه أن‬
‫المحجمة إنما صنعت للدم المستقذر‪ ،‬فيظن أن الدم مستقذر لكونه في المحجمة‪ ،‬وال يدري أنه‬
‫مستقذر لصفة في ذاته‪ ،‬فإذا عدمت هذه الصفة في العسل‪ ،‬فكونه في ظرفه ال يكسبه تلك الصفة‪،‬‬
‫فال ينبغي أن يوجب له االستقذار‪ ،‬وهذا وهم باطل‪ ،‬وهو غالب على أكثر الخلق‪ .‬فإذا نسبت‬
‫الكالم وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم‪ ،‬قبلوه وإن كان باطالً‪ ،‬وإن أسندته إلى من ساء فيه‬
‫اعتقادهم ردوه وإن كان حقاً‪ ،‬فأبداً يعرفون الحق بالرجال وال يعرفون الرجال بالحق‪ ،‬وهو غاية‬
‫الضالل! فلو فتحنا هذا الباب‪ ،‬وتطرقنا إلى أن يهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل‪ ،‬للزمنا‬
‫أن نهجر كثي اًر من الحق‪ ،‬ولزمنا أن نهجر جملة آيات من آيات القرآن وأخبار الرسول صلى هللا‬

‫عليه وسّلم وحكايات السلف‪ ،‬وكلمات الحكماء ألن صاحب إخوان الصفا أوردها في كتابه مستشهداً‬
‫بها ومستدرجاً قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطل‪ ،‬ويتداعى ذلك إلى أن يستخرج المبطلون الحق‬
‫‪56‬‬
‫من أيدينا بإيداعهم إياه كتبهم‪ .‬هذه آفة الرد‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.154 - 153‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪45‬‬
‫أما اآلفة الثانية‪ :‬آفة القبول‪ :‬فإن من نظر في كتبهم كإخوان الصفا وغيره‪ ،‬فرأى ما مزجوه‬
‫بكالمهم من الحكم النبوية‪ ،‬والكلمات الروحانية ‪ ،‬ربما استحسنها وقبلها‪ ،‬وحسن اعتقاده فيها‪،‬‬
‫فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به لحسن ظنه مما رآه استحسنه‪ ،‬وذلك نوع استدراج إلى الباطل‪.‬‬
‫وألجل هذه اآلفة يجب الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر‪ .‬وكما يجب صون‬
‫من ال يحسن السباحة على مزالق الشطوط‪ ،‬يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب‪ .‬وكذا‬
‫الصراف الناقد البصير إذا أدخل يده في كيس القالب‪ ،‬وأخرج منه اإلبريز الخالص‪ ،‬وطرح الزيف‬
‫والبهرج‪ ،‬فليس له أن يشح بالجيد المرضي على من يحتاج إليه‪ ،‬فكذلك العالم‪ .‬وكما أن المحتاج‬
‫إلى الترياق‪ ،‬إذا اشمأزت نفسه منه‪ ،‬حيث علم أنه مستخرج من الحية التي هي مركز السم وجب‬
‫تعريفه‪ ،‬والفقير المضطر إلى المال‪ ،‬إذا نفر عن قبول الذهب المستخرج من كيس القالب‪ ،‬وجب‬
‫تنبيهه على أن نفرته جهل محض‪ ،‬هو سبب حرمانه الفائدة التي هي مطلبه‪ ،‬وتحتم تعريفه أن‬
‫قرب الجوار بين الزيف والجيد ال يجعل الجيد زيف ًا‪ ،‬كما ال يجعل الزيف جيداً‪ ،‬فكذلك قرب الجوار‬
‫بين الحق الباطل‪ ،‬ال يجعل الحق باطالً‪ ،‬كما ال يجعل الباطل حقاًوكما يجب صون الصبيان عن‬
‫المعزم أن ال يمس‬
‫ّ‬ ‫مس الحيَّات‪ ،‬يجب صون األسماع عن مختلط الكلمات‪ ،‬وكما يجب على‬
‫الحية بين يدي ولده الطفل‪ ،‬إذا علم أن سيقتدي به ويظن أنه مثله‪ ،‬بل يجب عليه أن يح ّذره منه‪،‬‬
‫المعزم‬
‫ّ‬ ‫بأن يحذر هو في نفسه وال يمسها بين يديه‪ ،‬فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله‪ ،‬وكما أن‬
‫الحاذق إذا أخذ الحية وميز بني الترياق والسم‪ ،‬واستخرج منها الترياق وأبطل السم‪ ،‬فليس له أن‬
‫‪57‬‬
‫يشح بالترياق على المحتاج إليه‪ ، .‬فهذا مقدار ما أراد الغزالي ذكره من آفة الفلسفة وغائلتها‪.‬‬

‫‪57‬الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪.157 - 155‬‬

‫‪46‬‬
‫تهافت الفالسفة‪:‬‬

‫أهم ما قدمه الغزالي في عمله النقدي للفلسفة يتمثل في كتابه‪ " :‬تهافت الفالسفة"‪ ،‬وقد‬
‫اشتمل الكتاب على المسائل النقدية اآلتية‪:‬‬

‫مسألة في إبطال قولهم بقدم العالم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في إبطال قولهم في أبدية العالم والزمان والحركة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في بيان تلبيسهم بقولهم إن هللا فاعل العالم وصانعه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في بيان عجزهم عن االستدالل على وجود الصانع للعالم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في بيان عجزهم عن إقامة الدليل على أن هللا واحد وأنه ال يجوز فرض اثنين واجبي‬ ‫‪‬‬

‫الوجود كل واحد منهما ال علة له‪.‬‬


‫مسألة الفالسفة أجمعوا على نفي الصفات‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في إبطال قولهم أن األول ال يجوز أن يشارك غيره في جنس ويفارقه بفصل وأنه ال‬ ‫‪‬‬

‫يتطرق إليه انقسام في حق العقل بالجنس والفصل‪.‬‬


‫مسألة في إبطال قولهم إن وجود األول بسيط‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن األول ليس بجسم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعا وعلة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في تعجيز من يرى منهم أن األول يعلم غيره ويعلم األنواع واألجناس بنوع كلي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أنه يعرف ذاته أيضاً‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في إبطال قولهم إن هللا تعالى عن قولهم ال يعرف الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان‬ ‫‪‬‬

‫إلى الكائن وما كان وما يكون‪.‬‬


‫مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن السماء حيوان مطيع هلل تعالى بحركته الدورية‬ ‫‪‬‬

‫‪47‬‬
‫مسألة في إبطال ما ذكروه من الغرض المحرك للسماء‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في إبطال قولهم إن نفوس السموات مطلعة على جميع الجزئيات الحادثة في هذا العالم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة االقتران بين ما يعتقد في العادة سببا وما يعتقد مسببا ليس ضروري ًا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسألة في تعجيزهم عن إقامة البرهان العقلي على أن النفس اإلنساني جوهر روحاني قائم‬ ‫‪‬‬

‫بنفسه ال يتحيز وليس بجسم وال منطبع‪.‬‬


‫مسألة في إبطال قولهم إن النفوس اإلنسانية يستحيل عليها العدم بعد وجودها وأنها سرمدية‬ ‫‪‬‬

‫ال يتصور فناؤها‪.‬‬


‫مسألة في إبطال إنكارهم لبعث األجساد ورد األرواح إلى األبدان ووجود النار الجسمانية ووجود‬ ‫‪‬‬

‫‪58‬‬
‫الجنة والحور العين وسائر ما وعد به الناس‪.‬‬

‫وسنكتفي بعرض المسائل الثالث الرئيسة في الكتاب‪ ،‬وهي‪ :‬قدم العالم‪ ،‬حشر األجساد‪،‬‬
‫وعلم هللا بالجزئيات‪.‬‬

‫قدم العالم‪:‬‬

‫يفصل الغزالي مذاهب الفالسفة في ( قدم العالم ) فيبين أنهم قد اختلفوا فيه‪ .‬نقل عن‬

‫أفالطون أنه قال‪ :‬العالم مكون ومحدث‪ .‬ثم منهم من أول كالمه وأبى أن يكون حدث العالم معتقداً‬
‫له‪ .‬وذهب جالينوس في آخر عمره في الكتاب الذي سماه "ما يعتقده جالينوس رأياً" إلى التوقف‬

‫ينظر‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬تهافت الفالسفة"‪ ،‬تحقيق‪ ،‬الدكتور سليمان دنيا‪،‬‬ ‫‪58‬‬

‫ط‪ ،6‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة – مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الفهرس‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫في هذه المسألة‪ .‬وأنه ال يدري العالم قديم أو محدث‪ .‬وربما دل على أنه ال يمكن أن يعرف وأن‬
‫ذلك ليس لقصور فيه بل الستعصاء هذه المسألة في نفسها على العقول‪ ،‬ولكن هذا كالشاذ في‬
‫مذهبهم وإنما مذهب جميعهم أنه قديم وأنه بالجملة ال يتصور أن يصدر حادث من قديم بغير‬

‫واسطة أصالً‪ .‬والذي استقر عليه رأي معظم المتقدمين والمتأخرين القول بقدمه وأنه لم يزل موجوداً‬
‫مع هللا تعالى ومعلوالً له ومسوقاً له غير متأخر عنه بالزمان مساوقة المعلول للعلة ومساوقة النور‬
‫‪59‬‬
‫للشمس‪ ،‬وأن تقدم الباري عليه كتقدم العلة على المعلول‪ ،‬وهو تقدم بالذات والرتبة ال بالزمان‪.‬‬
‫وأعظم حججهم على قدم العالم قالوا ألن الحادث بعد أن لم يكن ال بد له من سبب حادث‬
‫وإال لزم ترجيح أحد طرفي الممكن بال مرجح ثم القول في ذلك السبب الحادث كالقول فيما قبله‬
‫فيلزم التسلسل الممتنع باتفاق العقالء بل يلزم الدور الممتنع بخالف التسلسل المتنازع فيه فإن‬
‫وجود الحوادث دائماً بال ابتداء وال انتهاء للناس من المسلمين وغيرهم فيه ثالثة أقوال قيل يجوز‬
‫مطلقا وهذا قول أئمة السنة والحديث وأساطين الفالسفة لكن المسلمون وسائر أهل الملل وجمهور‬
‫العقالء من جميع الطوائف يقولون أن كل ما سوى هللا مخلوق حادث بعد أن لم يكن وإن قال‬
‫منهم من قال بدوام الحوادث شيئا بعد شيء‪ .‬وقيل ال يجوز ال في الماضي وال في المستقبل وهو‬
‫قول الجهم بن صفوان وأبي الهذيل العالف وقيل يجوز في المستقبل دون الماضي وهو قول أكثر‬
‫أتباع جهم وأبي الهذيل من الجهمية والمعتزلة واألشعرية والكرامية ومن وافقهم وأما تسلسل العلل‬
‫أو الفاعلين أو ما هو من تمام الفاعل أو العلة الفاعلة فممتنع باتفاق العقالء مثل أن يقال لفاعل‬
‫العالم فاعل ولذلك الفاعل فاعل وهلم ج ار فهذا التسلسل قد اتفق العقالء على امتناعه‪ .‬ولهذا‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪ .89 – 88‬من الجدير بالذكر أن مشكلة ( قدم العالم ) في الفلسفة قد شغلت المفكرين‬ ‫‪59‬‬

‫والفالسفة المسلمين‪ ،‬لمزيد من المتابعة عن هذا اإلنشغال‪ ،‬أنظر‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬مشكلة النص والعقل في الفلسفة‬
‫االسالمية – دراسات منتخبة "‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1427 ،‬ه – ‪ 2006‬م‪ ،‬وأيضاً‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪" :‬‬
‫قراءة جديدة للفلسفة الطبيعية عند ابن حزم‪ ،‬العدد (‪ ،)15‬مجلة كلية االمام االعظم‪ ،‬بغداد‪2012 ،‬م‪ ،‬الصفحات‪.513 – 509 :‬‬
‫‪http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=64966‬‬

‫‪49‬‬
‫انطلقوا في قولهم بقدم العاَلم أن الصانع هو موجب بالذات وهو علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها‬
‫لم يتأخر عنها شيء من معلولها فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها والموجب بالذات هو‬
‫‪60‬‬
‫الذي تكون ذاته مستلزمة لموجبه ومقتضاه فال يجوز أن يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله‪.‬‬
‫وزعمت الدهرية ( َو ُهم الماديون باإلصطالح المعاصر)‪ :‬أن تقدم البارئ على العالم‪ ،‬ال‬
‫يعقل حصوله إال بالزمان‪ ،‬وأنتجوا منه قدم المدة‪ .‬وإذا ثبت هذا فنقول‪ :‬حكم الخيال إما أن يكون‬
‫مقبوًال في حق هللا تعالى أو غير مقبول‪ ،‬فإن كان مقبوًال فالمشبهة يلزم عليهم مذهب الدهرية‪،‬‬
‫متقدما على العالم بمدة غير متناهية‪ ،‬ويلزمهم القول بكون الزمان أزليًّا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وهو أن يكون البارئ‬
‫والمشبهة ال يقولون بذلك‪ .‬والدهرية يلزم عليهم مذهب المشبهة‪ ،‬وهو مباينة البارئ تعالى مكانيًّا‬

‫‪-‬وهم ال يقولون به‪ -‬فصار هذا التناقض و ً‬


‫اردا على الفريقين‪ .‬وأهل الدهر قالوا‪« :‬العالم والبارئ»‬
‫معا‪ ،‬أو يكون أحدهما قبل اآلخر‪ ،‬ومحال أن‬‫موجودان‪ ،‬وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما ً‬
‫يكون العالم والبارئ ً‬
‫معا‪ ،‬وإال لزم إما قدم العالم أو حدوث البارئ‪ ،‬وهما محاالن‪ ،‬فثبت أن البارئ‬
‫قبل العالم‪ .‬ثم قالوا والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية ال تكون إال بالزمان والمدة‪ ،‬وإذا ثبت‬
‫هذا فتقدم البارئ على العالم‪ ،‬إن كان بمدة متناهية لزم حدوث البارئ‪ ،‬وإن كان بمدة ال أول لها‪،‬‬
‫لزم كون المدة قديمة‪ ،‬فأنتجوا بهذا الطريق قدم المدة والزمان» ‪ .‬فنقول‪ :‬حاصل هذا الكالم‪ ،‬أن‬
‫المشبهة زعمت أن مباينة البارئ تعالى عن العالم ال يعقل حصولها إال بالجهة‪ ،‬وأنتجوا منه كون‬
‫‪61‬‬
‫اإلله في جهة‪.‬‬

‫العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬
‫تقي الدين أبو َ‬
‫‪60‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬الصفدية"‪ ،‬المحقق‪:‬محمد رشاد سالم‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬مصر‪،‬الطبعة‪:‬الثانية‪1406 ،‬هـ‪10 / 1 ،‬‬
‫‪.11 -‬‬
‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪61‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪" :‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكالمية"‪ ،‬المحقق‪:‬مجموعة من المحققين‪ ،‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪:‬األولى‪1426 ،‬هـ‪.377 / 1 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫ويعرض الغزالي أدلتهم في ( قدم العالم ) بالطريقة اآلتية‪ :‬الدليل األول‪ :‬وبالجملة فأحوال‬
‫القديم إذا كانت متشابهة فإما أن ال يوجد عنه شيء قط وإما أن يوجد على الدوام‪ ،‬فأما أن يتميز‬
‫حال الترك عن حال الشروع فهو محال‪ .‬وتحقيقه أن يقال‪ :‬لم لم يحدث العالم قبل حدوثه؟ ال‬
‫يمكن أن يحال على عجزه عن األحداث وال على استحالة الحدوث‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى أن ينقلب‬
‫القديم من العجز إلى القدرة والعالم من االستحالة إلى اإلمكان‪ ،‬وكالهما محاالن‪ .‬وال أمكن أن‬
‫يقال‪ :‬لم يكن قبله غرض ثم تجدد غرض‪ ،‬وال أمكن أن يحال على فقد آلة ثم على وجودها‪ ،‬بل‬
‫أقرب ما يتخيل أن يقال‪ :‬لم يرد وجوده قبل ذلك‪ .‬فيلزم أن يقال‪ :‬حصل وجوده ألنه صار مريدًا‬
‫لوجوده بعد أن لم يكن مريداً‪ ،‬فيكون قد حدثت اإلرادة‪ .‬األول يستحيل حدوث حادث من قديم‬
‫مطلقاً قولهم يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً‪ ،‬ألنا إذا فرضنا القديم ولم يصدر منه العالم‬
‫مثالً فإنما لم يصدر ألنه لم يكن للوجود مرجح بل كان وجود العالم ممكناً إمكاناً صرفاً‪ ،‬فإذا‬
‫حدث بعد ذلك لم يخل إما أن تجدد مرجح أو لم يتجدد‪ ،‬فإن لم يتجدد مرجح بقي العالم على‬
‫اإلمكان الصرف كما قبل ذلك‪ ،‬وإن تجدد مرجح فمن محدث ذلك المرجح؟ ولم حدث اآلن ولم‬
‫‪62‬‬
‫يحدث من قبل؟ والسؤال في حدوث المرجح قائم‪.‬‬
‫وجماهير المسلمين وطوائفهم على خالف القول بأن المفعول عين الفعل‪ ،‬والقول بأن الخلق‬
‫غير المخلوق هو مذهب السلف قاطبة وذكر البخاري في كتاب خلق أفعال العباد انه قول العلماء‬
‫مطلقا بال نزاع وهو قول أئمة الحديث وجمهورهم وقول أكثر طوائف الكالم كالهشامية والكالبية‬
‫وا لكرامية وقول جمهور الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وأحمد ومالك والشافعي وقول الصوفية‬
‫كما حكاه عنهم صاحب التعرف لمذهب التصوف وهو قول أهل السنة فيما حكاه البغوي صاحب‬

‫شرح السنة‪.‬وحجة هؤالء أنه لو كان الخلق غير المخلوق لكان أما قديماً وأما حادثاً فان كان قديماً‬
‫لزم قدم المخلوق فيلزم قدم العالم وان كان حادث ًا فإنه يفتقر إلى خلق آخر ويلزم التسلسل ويلزم‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.91 – 90‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪51‬‬
‫أيضاً كون الرب محالً للحوادث‪ .‬ومن النقد الذي وجه لموضوع ( قدم العالم) فساد القول بأن‬
‫المفعول عين الفعل‪ :‬فالذين جعلوا المفعول عين الفعل من أهل الكالم كاألشعرية ومن وافقهم من‬
‫حنبلي وشافعي ومالكي وغيرهم إنما ألجاهم إلى ذلك فرارهم من قيام الحوادث بالقديم وتسلسل‬
‫الحوادث وهذان كل منهما غير ممتنع عند هؤالء الفالسفة مع أن أولئك المتكلمين النفاة حجتهم‬
‫على النفي ضعيفة‪ .‬فيقال لهم جميع هذه المقدمات مما ينازعكم الناس فيها وال تقدرون على إثبات‬
‫واحدة منها فقولكم لو كان قديما لزم قدم المخلوق يقول لكم من توافقونه على قدم اإلرادة نحن‬
‫وانتم متفقون على قدم اإلرادة وان تأخر المراد فتأخر المخلوق عن الخلق كذلك أو أولى وهذا‬
‫‪63‬‬
‫جواب الحنفية والكرامية‪ .‬وكثير من الحنبلية والشافعية والمالكية والصوفية وأهل الحديث لهم‪.‬‬
‫لماذا يستحيل حدوث حادث بإرادة قديمة؟ االعتراض من وجهين‪ :‬أحدهما أن يقال‪ :‬بم‬
‫تنكرون على من يقول‪ :‬إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه‪،‬‬
‫وأن يستمر العدم إلى الغاية التي استمر إليها‪ ،‬وأن يبتدئ الوجود من حيث ابتدأ‪ ،‬وأن الوجود قبله‬
‫لم يكن مراداً فلم يحدث لذلك‪ ،‬وأنه في وقته الذي حدث فيه مراد باإلرادة القديمة فحدث لذلك‪ ،‬فما‬
‫المانع لهذا االعتقاد وما المحيل له؟ فإن قيل‪ :‬هذا محال بين اإلحالة ألن الحادث موجب ومسبب‪.‬‬
‫وكما يستحيل حادث بغير سبب وموجب‪ ،‬يستحيل وجود موجب قد تم بشرائط إيجابه وأركانه‬
‫وأسبابه حتى لم يبق شيء منتظر البتة ثم يتأخر الموجب‪ ،‬بل وجود الموجب عند تحقق الموجب‬
‫بتمام شروطه ضروري وتأخره محال حسب استحالة وجود الحادث الموجب بال موجب‪ .‬فقبل‬
‫وجود العالم كان المريد موجوداً واإلرادة موجودة ونسبتها إلى المراد موجودة ولم يتجدد مريد ولم‬
‫يتجدد إرادة وال تجدد لإلرادة نسبة لم تكن‪ ،‬فإن كل ذلك تغير فكيف تجدد المراد وما المانع من‬
‫التجدد قبل ذلك؟ وحال التجدد لم يتميز عن الحال السابق في شيء من األشياء وأمر من األمور‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪63‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬الرد على المنطقيين"‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.230 – 229‬‬

‫‪52‬‬
‫وحال من األحوال ونسبة من النسب‪ ،‬بل األمور كما كانت بعينها‪ .‬ثم لم يكن يوجد المراد‪ ،‬وبقيت‬
‫‪64‬‬
‫بعينها كما كانت‪ ،‬فوجد المراد ما هذا إال غاية اإلحالة‪.‬‬
‫فإذا كان المبدأ األول الذي هو صانع العالم علة تامة أزلية وليس لشيء من الحوادث‬
‫عالة تامة أزلية لم يكن شيء من الحوادث صدر عنه فال يكون لشيء من الحوادث فاعل وال‬
‫محدث وهذا غاية الجهل والتعطيل والسفسطة وهم يعترفون بفساده فإذا قالوا هذا الحادث المعين‬
‫اليومي إنما تمت شروط اقتضائه وأحداثه التي بها صارت علته تامة في هذا الوقت المعين فإن‬
‫العلة إذا تمت لم يتأخر عنها معلولها قيل لهم فيلزم أن يكون تمام العلة التامة لما يحدث في اليوم‬
‫المعين إنما حدث ذلك اليوم ثم تمام العلة أيضا حادث في اليوم المعين فيلزم أن تكون علته أو‬
‫تمام علته حادثا في اليوم المعين وهلم ج ار فيلزم أن يكون كل حادث إنما صارت علته تامة عند‬
‫حدوثه فيلزم من ذلك بطالن قولهم من وجوه أحدها أنه إذا لم يكن لشيء من الحوادث علة تامة‬
‫أزلية ب ل إنما صارت له علة تامة عند حدوثه بلط قولهم فإنه إذا لم يكن لشيء من الحوادث علة‬
‫تامة أزلية لم يكن شيء من الحوادث صاد اًر عن الموجب بالذات الذي هو علة تامة أزلية فعلم‬
‫أن المحدث للحوادث ليس علة تامة لمعلولة في األزل ووهو المطلوب‪ .‬وإذا كان حدوث األول‬
‫أعدها إلح داث الثاني قيل لهم القول في حدوث الحادث األول كالقول في حدوث الحادث الثاني‬
‫فالحادث األول الذي هو شرط الثاني ال يجوز أن يكون صاد اًر عن علة تامة أزلية بل ال تكون‬
‫العلة التامة له إال حادثة سواء كان الحادث كلها أو بعض أجزائها وشروطها وهذا مما يعترفون‬
‫به مع أنه حق بين فحينئذ ال يكون لشيء من الحوادث علة تامة أزلية وهذا الموضع إذا تدبره‬
‫من يفهمه ويفهم مذهبهم علم أنه يبين فساد قولهم بالضرورة وكلما غيرت العبارات الدالة عليه زاد‬
‫‪65‬‬
‫بياناً وقوة‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫‪64‬‬

‫ابن تيمية‪ " :‬الصفدية"‪.20 - 19 / 1 ،‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪53‬‬
‫ويضيف الغزالي‪ :‬ولنترك النظر في محل حدوثه‪ .‬أليس اإلشكال قائماً في أصل حدوثه!‬
‫وأنه من أين حدث؟ ولم حدث اآلن ولم يحدث قبله؟ أحدث اآلن ال من جهة هللا؟ فإن جاز حادث‬
‫من غير محدث فليكن العالم حادث ًا ال صانع له‪ ،‬وإال فأي فرق بين حادث وحادث؟ وإن حدث‬
‫بإحداث هللا فلم حدث اآلن ولم يحدث من قبل؟ ألعدم آلة أو قدرة أو غرض أو طبيعة؟ فلما أن‬
‫تبدل ذلك بالوجود وحدث عاد اإلشكال بعينه‪ .‬أو لعدم اإلرادة؟ فتفتقر اإلرادة إلى إرادة وكذى‬
‫اإلرادة األولى‪ ،‬ويتسلسل إلى غير نهاية‪ .‬فإذن قد تحقق بالقول المطلق أن صدور الحادث من‬
‫القديم من غير تغير أمر من القديم في قدرة أو آلة أو وقت أو غرض أو طبع محال‪ ،‬وتقدير‬
‫تغير حال محال‪ ،‬ألن الكالم في ذلك التغير الحادث كالكالم في غيره‪ ،‬والكل محال‪ ،‬ومهما كان‬
‫العالم موجوداً واستحال حدثه ثبت قدمه ال محالة‪ .‬وحدوثه في ذاته محال ألنه ليس محل الحوادث‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫وحدوثه ال في ذاته ال يجعله مريداً‪.‬‬
‫إن الفيلسوف يقول‪ " :‬وعلمي بأن المجودين إما أن يكون أحدهما مع اآلخر أو قبله‪ ،‬علم‬
‫بديهي فطري‪ .‬وأما قولك‪ :‬إن هذا مثل قول المجسم‪ :‬الموجودان إما أن يكون أحدهما محايثًا‬
‫باطال لم‬
‫باطال‪ ،‬فإن كانت ً‬‫حقا أو ً‬ ‫بائنا عنه‪ .‬أقول‪ :‬ال يخلو إما أن تكون هذه المماثلة ًّ‬
‫لآلخر أو ً‬
‫علي التزام المماثلة‪ ،‬وذلك يقتضي‪ :‬قدم العالم أن أقول بثبوت‬
‫حقا وجب َّ‬ ‫يرد علي‪ ،‬وإن كانت ًّ‬
‫ّ‬
‫جميعا؛ ال يقتضي أن أثبت الزمانية وأنفي المكانية‪ ،‬فإذا كنت قد‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬أو انتفائهما‬
‫ً‬ ‫النقيضين‬
‫مخطئا في هذا التفريق‪ ،‬لم يتعين خطئي في المكانية‬
‫ً‬ ‫فرقت بينهما بإثبات هذه ونفي األخرى‪ ،‬أكون‬
‫حتى أنفيها و ِ‬
‫أسوي األخرى بها في النفي‪ ،‬بل إذا سويت بينهما في اإلثبات‪ ،‬يلزمني أن أقول‪ :‬إن‬
‫ّ‬
‫وسلِ َم أن ذلك يبطل داللة هذه الحجة‬
‫واجب الوجود مباين للعالم‪ ،‬وإذا سويت بينهما في النفي‪ُ ،‬‬
‫على قدم العالم‪ ،‬كان غاية ما يلزمني إما بطالن القول بقدم العالم‪ ،‬وإما بطالن دليل معين يدل‬
‫على قدمه‪ ،‬وال ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة‪ ،‬أخفى وأبعد عن المعلوم بالفطرة‪ ،‬من‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.92 – 91‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪54‬‬
‫كون واجب الوجود تعالى فوق العالم‪ ،‬فإن اإلقرار بهذا ثابت في الفطرة‪ ،‬وقد تواتر عن األنبياء‬
‫والرسل القول به‪ ،‬فإذا كان على أحد التقديرين‪ ،‬أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية‪،‬‬
‫فأنفي كل واحد من القضيتين‪ ،‬وأخالف األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى اآلخر إنما أخالف الحجج الدالة‬
‫على قدم العالم‪ ،‬وأبطل هذه الحجة المعينة‪ ،‬كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل‪ .‬وهذا‬
‫‪67‬‬
‫الكالم في غاية اإلنصاف والبيان"‪.‬‬
‫ال وليس استحالة هذا الجنس في الموجب‬
‫وذلك في األمور الوضعية أيضاً‪ ،‬في الطالق مث ً‬
‫والموجب الضروري الذاتي بل وفي العرفي والوضعي‪ ،‬فإن الرجل لو تلفظ بطالق زوجته ولم‬
‫تحصل البينونة في الحال لم يتصور أن تحصل بعده ألنه جعل اللفظ علة للحكم بالوضع‪،‬‬
‫واالصطالح‪ ،‬فلم يعقل تأخر المعلول إال أن يعلق الطالق بمجيء الغد أو بدخول الدار‪ ،‬فال يقع‬
‫في الحال ولكن يقع عند مجيء الغد وعند دخول الدار‪ ،‬فإنه جعله علة باإلضافة إلى شيء‬
‫منتظر‪ .‬فلما لم يكن حاض اًر في الوقت‪ ،‬وهو الغد والدخول‪ ،‬توقف حصول الموجب على حضور‬
‫ما ليس بحاضر‪ ،‬فما حصل الموجب إال وقد تجدد أمر وهو الدخول وحضور الغد‪ ،‬حتى لو أراد‬
‫أن يؤخر الموجب عن اللفظ غير منوط بحصول ما ليس بحاصل‪ ،‬لم يعقل‪ ،‬مع أنه الواضع وأنه‬
‫المختار في تفصيل الوضع‪ .‬فإذا لم يمكننا وضع هذا بشهوتنا ولم نعقله فكيف نعقله في اإليجابات‬
‫الذاتية العقلية الضرورية؟ واالصطالح‪ ،‬فلم يعقل تأخر المعلول إال أن يعلق الطالق بمجيء الغد‬
‫أو بدخول الدار‪ ،‬فال يقع في الحال ولكن يقع عند مجيء الغد وعند دخول الدار‪ ،‬فإنه جعله علة‬
‫باإلضافة إلى شيء منتظر‪ .‬فلما لم يكن حاض اًر في الوقت‪ ،‬وهو الغد والدخول‪ ،‬توقف حصول‬
‫الموجب على حضور ما ليس بحاضر‪ ،‬فما حصل الموجب إال وقد تجدد أمر وهو الدخول‬
‫وحضور الغد‪ ،‬حتى لو أراد أن يؤخر الموجب عن اللفظ غير منوط بحصول ما ليس بحاصل‪،‬‬

‫ابن تيمية‪ " :‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكالمية"‪.398 / 1 ،‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪55‬‬
‫لم يعقل‪ ،‬مع أنه الواضع وأنه المختار في تفصيل الوضع‪ .‬فإذا لم يمكننا وضع هذا بشهوتنا ولم‬
‫‪68‬‬
‫نعقله فكيف نعقله في اإليجابات الذاتية العقلية الضرورية؟‬
‫فإن القديم المعلول ال يصدر إال عن موجب بذاته أزلي اإليجاب وهو العلة التامة األزلية‬
‫التي تستلزم معلولها في األزل فلو كان في العالم ما هو قديم لزم ثبوت العلة التامة األزلية لكن‬
‫ثبوت هذه ممتنع ألنه حينئذ يلزم أال يكون للحوادث فاعل ال لوسط وال بغير وسط ألن الحوادث‬
‫ال تحدث عن علة تامة لها أزلية فكل ما سوى هللا ال بد أن يقارن شيئا من الحوادث أو تحدث‬
‫فيه الحوادث وكل ما قارن شيئا من الحوادث أو حدثت فيه الحوادث يمتنع أن يصدر عن علة‬
‫تامة أزلية إذ يمتنع صدوره دون الحوادث عن الفاعل ألنه ال بد للحوادث من الفاعل فإثبات قدم‬
‫شيء من العالم يستلزم إثبات علة قديمة له وإثبات العلة القديمة توجب كون الحوادث ال فاعل‬
‫لها سواء قيل أن تلك العلة القديمة صدر عنها ما قارنته الحوادث أو صدر عنها ما حدثت فيه‬
‫الحوادث فإنه على التقديرين يلزم كون الحوادث ال فاعل لها المتناع صدور الحوادث عن العلة‬
‫التامة االزلية وإذا كان قدم شيء من العالم يستلزم إثبات العلة التامة‪ .‬فدعواهم أن المبدع الموجب‬
‫بالذت علة تامة أزلية مع كون الحوادث المتعاقبة صدرت عنه جمع بين النقيضين إذ العلة التامة‬
‫يقارنها معلولها وال يتأخر عنها وسواء قيل أن الفلك صدر عنه بال واسطة كما تقوله طائفة منهم‬
‫أو قيل صدر عنه بواسطة العقل األول كما يقوله طائفة أخرى فهم يقولون أن المحرك للفلك هو‬
‫النفس بما يتجدد لها من التصورات واإلرادات الشوقية فيقال هذه األمور الحادثة سواء كانت هي‬
‫الحركات أو اإلرادات أو تصورات ال بد لها من أمر محدث لها والعلة التامة األزلية المستلزمة‬
‫لمعلولها في األزل التي توجبه بذاتها يقارنها معلولها الذي هو موجبها ومقتضاها في األزل فال‬
‫يكون شيء من هذه الحركات واإلرادات والتصورات معلوال لها ألنها حادثة وال تكون موجبة له وال‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.97 – 96‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪56‬‬
‫فاعلة وال محدثة المتناع صدور الحوادث عن علة تامة أزلية وهذا مما يتبين به بطالن قولهم في‬
‫قدم العالم ويتبين أن كل ما سوى هللا تعالى حادث بعد أن لم يكن‪.69‬‬
‫وأما في العادات فما يحصل بقصدنا ال يتأخر عن القصد‪ ،‬مع وجود القصد إليه‪ ،‬إال‬
‫بمانع‪ ،‬فإن تحقيق القصد والقدرة وارتفعت الموانع لم يعقل تأخر المقصود‪ ،‬وإنما يتصور ذلك في‬
‫العزم ألن العزم غير كاف في وجود الفعل‪ ،‬بل العزم على الكتابة ال يوقع الكتابة ما لم يتجدد‬
‫قصد هو انبعاث في اإلنسان متجدد حال الفعل‪ ،‬فإن كانت اإلرادة القديمة في حكم قصدنا إلى‬
‫الفعل فال يتصور تأخر المقصود إال بمانع‪ ،‬وال يتصور تقدم القصد‪ ،‬فال يعقل قصد في اليوم إلى‬
‫قيام في الغد إال بطريق العزم‪ .‬وإن كانت اإلرادة القديمة في حكم عزمنا فليس ذلك كافياً في وقوع‬
‫‪70‬‬
‫المعزوم عليه‪ ،‬بل ال بد من تجدد انبعاث قصدي عند اإليجاد‪ ،‬وفيه قول بتغير القديم‪.‬‬
‫والجواب أن يقال‪ :‬إحالة قول من يقول‪ :‬إن ذاتاً واحداً عالم بجميع الكليات من غير أن‬
‫يوجب ذلك كثرة ومن غير أن يكون العلم زيادة على الذات ومن غير أن يتعدد العلم مع تعدد‬
‫المعلوم‪ ،‬وهذا مذهبكم في حق هللا‪ ،‬وهو بالنسبة إلينا وإلى علومنا في غاية اإلحالة‪ ،‬ولكن تقولون‪:‬‬
‫ال يقاس العلم القديم بالحادث‪ .‬وطائفة منكم استشعروا حالة هذا فقالوا‪ :‬إن هللا ال يعلم إال نفسه‪،‬‬
‫فهو العاقل وهو العقل وهو المعقول والكل واحد‪ .‬فلو قال قائل‪ :‬اتحاد العقل والعاقل والمعقول‬
‫معلوم االستحالة بالضرورة‪ ،‬إذ تقدير صانع للعالم ال يعلم صنعه محال بالضرورة‪ ،‬والقديم إذا لم‬
‫يعلم إال نفسه ‪ -‬تعالى عن قولكم وعن قول جميع الزائغين علواً كبي اًر ‪ -‬لم يكن يعلم صنعه البتة‪.‬‬
‫بل ال نتجاوز إلزامات هذه المسألة‪ .‬فضالً عن أن‪ :‬استحالة إرادة قديمة متعلقة بإحداث شيء أي‬
‫شيء كان‪ ،‬تعرفونه بضرورة العقل أو نظره؟ وعلى لغتكم في المنطق تعرفون االلتقاء بين هذين‬
‫الحدين بحد أوسط أو من غير حد أوسط‪ .‬فإن ادعيتم حداً أوسط وهو الطريق النظري فال بد من‬

‫ابن تيمية‪ " :‬الصفدية"‪.21 - 20 / 1 ،‬‬ ‫‪69‬‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.98 – 97‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪57‬‬
‫إظهاره‪ ،‬وإن ادعيتم معرفة ذلك ضرورة فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكم والفرقة المعتقدة‬
‫بحدث العالم بإرادة قديمة ال يحصرها بلد وال يحصيها عدد؟ وال شك في أنهم ال يكابرون العقول‬
‫عناداً مع المعرفة‪ ،‬فال بد من إقامة برهان على شرط المنطق يدل على استحالة ذلك‪ ،‬إذ ليس في‬
‫جميع ما ذكرتموه إال االستبعاد والتمثيل بعزمنا وإرادتنا وهو فاسد‪ ،‬فال تضاهي اإلرادة القديمة‬
‫‪71‬‬
‫القصود الحادثة‪ ،‬وأما االستبعاد المجرد فال يكفي من غير برهان‪.‬‬
‫فيقال لهم إذا كان هذا الحادث موقوفاً على شرط العلة الذي هو تمامها وعند حصول تمام‬
‫العلة يجب مقارنة ذلك المعلول له ال يجوز تأخره عنه فكل حادث يجب أن يقارنه تمام علة‬
‫الحادث والكالم في تمام علية الحادث كالكالم في الحادث فيلزم تسلسل تمامات العلل وأن يكون‬
‫تمام علة كل معلول مقارنا لذلك المعلول فإذن كل حادث إنما تمت علته عند حدوثه وذلك التمام‬
‫إنما تمت علة حدوثه عند حدوثه أيضا فيلزم تسلسل تمامات ال فاعل لها وال فرق بين تسلسل‬
‫علل هي معلوالت ال فاعل لها وبين تسلسل تمامات علل هي معلوالت ال فاعل لها وأيضا فإن‬
‫هذه التمامات المتسلسلة ال يجوز أن تكون‪ .‬صادرة عن العلة التامة األزلية فإن ذلك يستلزم أن‬
‫تكون مقارنة لتلك العلة وال يجوز أن تكون العلة األزلية علة تامة لواحد منها معين وذلك شرط‬
‫في الثاني ألنه يتعين لها مبدأ معين وما من واحد إال وقبله آخر فال يتعين شيء منها دون اآلخر‬
‫وال يكون شيء منها علة تامة لحوادث متعاقبة مع كون العلة ثابتة على حال واحدة ألن حدوث‬
‫المتغير عن علة تامة ال تتغير ممتنع فإذا لم يكن لها محدث سوى العلة التامة األزلية والعلة‬
‫التامة األزلية ال يجوز أن يصدر عنها حادث فيلزم أال يكون للحوادث محدث وأبو عبد هللا الرازي‬
‫قد نبه على هذا لكن لم يوضحه إيضاحا تاما فاعترض عليه األرموي حيث لم يفهم حقيقة هذا‬
‫اإللزام فظن الفرق بين حدوث شروط العلة وحدوث ذات العلة وهذا الفرق إنما يصح إذا كان هناك‬
‫سبب يقتضي حدوث شروط العلة غير العلة حتى يقال تأثيرها موقوف على حدوث شروط أخر‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.99 – 98‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪58‬‬
‫تحدث بسبب غيرها فأما إذا كان ال مقتضى للحوادث إال ذات العلة التي فرض أنها تامة ال‬
‫يتخلف عنها معلولها لم يكن اقتضاؤها موقوفا على شرط غيرها فيجب أن يقارنها معلولها فال‬
‫يحدث عنها حادث‪ .‬واعلم أن هذا هو عمدتهم في قدم العالم‪ .‬إن جميع الممكنات والحوادث لها‬
‫مبدع موجود بنفسه خارج عنها كلها وهذا بخالف دوام الحوادث وتسلسلها في الماضي أو المستقبل‬
‫فإن الواحد منها إذا لم يكن دائماً باقياً متصالً لم يلزم أال يكون النوع دائماً باقياً متصالً ألن‬
‫انضمام الواحد إلى غيره يوجب الكثرة التي ال توجد في الواحد والدائم الباقي المديد الطويل الكثير‬
‫ال يستلزم أن يكون كل واحد من أفراده دائما طويالً مديداً كثي اًر فهذا تنبيه على الفرق بين‬
‫‪72‬‬
‫النوعين‪.‬‬

‫العلم اإللهي‪:‬‬
‫يناقش الغزالي الفالسفة في ( مسألة في تعجيز من يرى منهم أن األول يعلم غيره ويعلم‬
‫األنواع واألجناس بنوع كلي)‪ ،‬فيؤكد أن دليل المسلمين دليل صحيح ألن المسلمين‪ ،‬لما انحصر‬
‫عندهم الوجود في حادث وفي قديم ولم يكن عندهم قديم إال هللا وصفاته وكان ما عداه حادثاً من‬
‫جهته بإرادته‪ ،‬حصل عندهم مقدمة ضرورية في علمه‪ ،‬فإن المراد بالضرورة ال بد وأن يكون‬
‫معلوماً للمريد‪ ،‬فبنوا عليه أن الكل معلوم له ألن الكل مراد له وحادث بإرادته‪ ،‬فال كائن إال وهو‬
‫حادث بإرادته ولم يبق إال ذاته‪ ،‬ومهما ثبت أنه مريد عالم بما أراده فهو حي بالضرورة وكل حي‬
‫يعرف غيره‪ ،‬فهو بأن يعرف ذاته أولى‪ ،‬فصار الكل عندهم معلوماً هلل وعرفوه بهذا الطريق بعد‬

‫ابن تيمية‪ " :‬الصفدية"‪.29 - 28 /1 ،‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪59‬‬
‫أن بان لهم أنه مريد إلحداث العالم‪ .‬ثم يطالب الفالسفة بالكشف عن ديليلهم‪ ،‬فإذا زعموا أن العالم‬
‫‪73‬‬
‫قديم لم يحدث بإرادته فمن أين عرفوا أنه يعرف غير ذاته؟ فال بد من الدليل عليه‪.‬‬
‫إن العلم اإللهي ال يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيل يستوي فيه األصل والفرع‪ ،‬وال بقياس‬
‫شمولي تستوي أفراده؛ فإن هللا سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء‪ ،‬فال يجوز أن يمثل بغيره‪ ،‬وال‬
‫يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية تستوي أفرادها‪ .‬كل كمال ال نقص فيه بوجه من‬
‫الوجوه ثبت نوعه للمخلوق _ المربوب المعلول المدبر فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره فهو‬
‫أحق به منه‪ .‬وأن كل نقص وعيب في نفسه وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن‬
‫شيء ما من أنواع المخلوقات والمحدثات والممكنات فإنه يجب نفيه عن الرب تبارك وتعالى‬
‫بطريق األولى‪ .‬وأنه أحق باألمور الوجودية من كل موجود‪ ،‬أما األمور العدمية فالممكن بها أحق‬
‫ونحو ذلك‪ .‬وقد تبنى طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه األقيسة في المطالب اإللهية لم‬
‫ي صلوا بها إلى يقين بل تناقضت أدلتهم‪ ،‬وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة‪ ،‬واالضطراب؛ لما يرونه‬
‫ال كما‬
‫ال أو شمو ً‬
‫من فساد أدلتهم أو تكافئها‪ .‬ولكن يستعمل في ذلك قياس األولى سواء كان تمثي ً‬
‫َعَلى} [النحل‪ ]60 :‬مثل أن نعلم أن كل كمال ثبت للممكن‪ ،‬أو المحدث‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وِّلِلِ المثل األ‬
‫َ ّ ْ ََ ُ ْ َ‬
‫ال نقص فيه بوجه من الوجوه‪ :‬وهو ما كان كماال للموجود غير مستلزم للعدم فالواجب القديم أولى‬
‫‪74‬‬
‫به‪.‬‬
‫ثم يبحث الغزالي في قول الفالسفة (الموجود ال في مادة يعقل جميع المعقوالت)‪ ،‬ويوضح‬
‫الغزالي أن حاصل ما ذكره ابن سينا في تحقيق ذلك في إدراج كالمه يرجع إلى فنين‪ :‬الفن األول‪:‬‬
‫أن األول موجود ال في مادة‪ ،‬وكل موجود ال في مادة فهو عقل محض‪ ،‬وكل ما هو عقل محض‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.198‬‬ ‫‪73‬‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪74‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬رسالة في أصول الدين"‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1400 ،‬هـ‪1980/‬م‪ ،‬بدون بيانات أخرى‪ ،‬ص ‪.10 – 9‬‬

‫‪60‬‬
‫فجميع المعقوالت تنكشف له فإن اإلنغماس في المادة هو المانع عن إدراك األشياء كلها‪ ،‬والناتج‬
‫عن التعلق بالمادة واإلشتغال بها‪ ،‬واآلدمي مشغول بتدبير المادة أي البدن وإذا انقطع شغله‬
‫بالموت ولم يكن قد تدنس بالصفات الرذيلة المتعدية إليه من األمور الطبيعية والشهوات البدنية‬
‫انكشف له حقائق المعقوالت كلها‪ .‬ولذلك فالمالئكة كلهم يعرفون جميع المعقوالت وال يشذ عنهم‬
‫‪75‬‬
‫شيء ألنهم أيضاً عقول مجردة ال في مادة‪.‬‬
‫ومن النقد الذي وجه إلى منهج الفالسفة في مجال العلم اإللهي فإن قيل‪ :‬فبتقدير أن ال‬
‫يكون موجباً‪ ،‬فليس معكم ما يدل على أن علمه بذاته يستلزم علمه بمخلوقاته‪ ،‬كما أنا إذا قدرنا‬
‫أن علم أحدنا بالملزوم ليس موجباً لعلمه بالالزم‪ ،‬لم يكن معنا ما يدل على أنه عالم بالالزم‪ .‬قيل‪:‬‬
‫بل كون أحد العلمين مستلزماً لآلخر ثابت‪ ،‬وإن لم يكن أحدهما موجباً لآلخر‪ ،‬فإن الملزوم أعم‬
‫من أن يكون علة أو غير علة‪ .‬وإذا قدر أنه ليس علة‪ ،‬لم يمتنع أن يكون ملزوماً‪ .‬وإذا كان في‬
‫بعض الناس ملزوماً وعلة‪ ،‬لم يجب أن يكون في كل عالم ملزوماً وعلة‪ ،‬إال إذا لم يكن للعالم‬
‫طريق إلى العلم بالالزم‪ ،‬سوى عمله بعلته‪ .‬وهذا باطل في حق هللا‪ ،‬وال يمكن دعواه‪ ،‬فال يمكن‬
‫أحداً أن يدعي أن هللا ال يمكن أن يعلم شيئاً من الموجودات إال لعلمه بعلته‪ ،‬إذ ال دليل على هذا‬
‫النفي‪ .‬ولذلك إننا نستدل بعلمه بذاته‪ ،‬على أنه ال بد أن يعلم مخلوقاته‪ ،‬لما بينهما من التالزم‪،‬‬
‫الدال على أن ثبوت أحدهما يستلزم ثبوت اآلخر‪ ،‬ال نحتاج أن نجعل علمه بهذا هو الموجب‬
‫‪76‬‬
‫لهذا‪.‬‬
‫أما القول بأن النتيجة تحتاج إلى برهان‪ ،‬فيقول الغزالي‪ :‬قولكم‪ :‬األول موجود ال في مادة‪ ،‬إن‬
‫كان المعنى به أنه ليس بجسم وال هو منطبع في جسم بل هو قائم بنفسه من غير تحيز واختصاص‬
‫بجهة فهو مسلم‪ .‬أما قول الفالسفة‪ :‬وما هذا صفته فهو عقل مجرد‪ ،‬فماذا تعني بالعقل إن عنيت‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.199 – 198‬‬ ‫‪75‬‬

‫ابن تيمية‪ " :‬درء تعارض العقل والنقل "‪.128 – 127 / 10 ،‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪61‬‬
‫ما يعقل سائر األشياء؟ فهذا نفس المطلوب وموضع النزاع فكيف أخذته في مقدمات قياس‬
‫المطلوب؟ وإن عنيت به غيره وهو أنه يعقل نفسه فربما يسلم لك إخوانك من الفالسفة ذلك ولكن‬
‫يرجع حاصله إلى أن ما يعقل نفسه يعقل غيره فيقال‪ :‬ولم ادعيت هذا؟ وليس ذلك بضروري وقد‬
‫انفرد به ابن سينا عن سائر الفالسفة فكيف تدعيه ضرورياً وإن كان نظرياً فما البرهان عليه؟‬
‫يبين الغزالي أن قول الفالسفة المادة مانع من درك األشياء‪ .‬فإن قيل‪ :‬ألن المانع من درك األشياء‬
‫المادة وال مادة‪ .‬إن استثناء نقيض المقدم ينتج نقيض التالي على ما ذكر في المنطق بشرط وهو‬
‫ثبوت انعكاس التالي على المقدم وذلك بالحصر وهو كقولهم‪ :‬إن كانت الشمس طالعة فالنهار‬
‫موجود لكن الشمس ليست طالعة‪ ،‬كما أن قولنا المانع والمادة ال يتفقان‪ ،‬فنقول‪ :‬نسلم أنه مانع‬
‫وال نسلم أنه المانع فقط‪ .‬وينتظم قياسهم على شكل القياس الشرطي وهو أن يقال‪ :‬إن كان هذا‬
‫في المادة فهو ال يعقل األشياء ولكنه ليس في المادة فإذن يعقل األشياء‪ .‬فهذا استثناء نقيض‬
‫المقدم واستثناء نقيض المقدم غير منتج باالتفاق وهو كقول القائل‪ :‬إن كان هذا إنساناً فهو حيوان‬
‫لكنه ليس بإنسان فإذن ليس بحيوان‪ .‬فهذا ال يلزم إذ ربما ال يكون إنساناً ويكون فرساً فيكون‬

‫حيواناً‪ ،‬فالنهار غير موجود ألن وجود النهار ال سبب له سوى طلوع الشمس فكان أحدهما منعكساً‬
‫‪77‬‬
‫على اآلخر‪.‬‬

‫حشر األجساد‪:‬‬
‫من المسائل التي نقد بها الغزالي الفالسفة (مسألة في إبطال إنكارهم لبعث األجساد ورد‬
‫األرواح إلى األبدان ووجود النار الجسمانية ووجود الجنة والحور العين وسائر ما وعد به الناس)‪.‬‬
‫يبين الغزالي فكرة الفالسفة حول حشر األجساد وباقي المسائل التي تضمنها البعث إن كل ذلك‬
‫أمثلة ضربت لعوام الخلق لتفهيم ثواب وعقاب روحانيين هما أعلى رتبة من الجسمانية وهو مخالف‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪62‬‬
‫العتقاد المسلمين كافة‪ .‬تتفاوت طبقات الناس في درجات األلم واللذة تفاوتاً غير محصور كما‬
‫يتفاوتون في المراتب الدنيوية ولذاتها تفاوتاً غير محصور‪ ،‬واللذة السرمدية للنفوس الكاملة الزكية‬
‫واأللم السرمدي للنفوس الناقصة الملطخة واأللم المنقضي للنفوس الكاملة الملطخة‪ ،‬فال تنال‬
‫السعادة المطلقة إال بالكمال والتزكية والطهارة والكمال بالعلم والزكاء بالعمل‪ .‬تلتذ بهما القوة العقلية‬
‫ووجه الحاجة إلى العلم أن القوة العقلية غذاؤها ولذتها في درك المعقوالت كما أن القوة الشهوانية‬
‫لذتها في نيل المشتهى والقوة البصرية لذتها في النظر إلى الصور الجميلة وكذلك سائر القوى‪.‬‬
‫وإنما يمنعها من االطالع على المعقوالت البدن وشواغله وحواسه وشهواته‪ .‬فقول الفالسفة اللذة‬
‫السرمدية ال تكون إال بالعلم والعمل‪ ،‬وقد ذكروا إن النفس تبقى بعد الموت بقاء سرمدياً إما في‬
‫لذة ال يحيط الوصف بها لعظمها وإما في ألم ال يحيط الوصف به لعظمه‪ ،‬ثم قد يكون ذلك األلم‬
‫‪78‬‬
‫مخلداً وقد ينمحى على طول الزمان‪.‬‬
‫يرى ابن رشد أن األشياء الخفية ال تعلم اال بالبرهان فقد تلطف هللا فيها لعباده‪ ،‬الذين ال‬
‫سبيل لهم إلى البرهان‪ ،‬أما من قبل فطرهم‪ ،‬وأما من قبل عادتهم‪ ،‬وـما من قبل عدمهم أسباب‬
‫التعلم‪ ،‬بأن ضرب لهم امثالها وأشباهها ودعاهم إلى التصديق بتلك األمثال‪ ،‬اذ كانت تلك األمثال‬
‫يمكن أن يقع التصديق بها باألدلة المشتركة للجميع‪ ،‬أي الجدلية والخطابية‪ .‬وهذا هو السبب في‬
‫أن أنقسم‪ ،‬الشرع إلى ظاهر وباطن‪ .‬فإن الضاهر هو تلك األمثال المضروبة لتلك المعاني‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫والباطن هو تلك المعاني التي ال تنجلي إال ألهل البرهان‪.‬‬
‫ويضيف الغزالي شارحاً فكرة الفالسفة حول ( حشر األجساد ) والنفوس المدركة للمعقوالت‬
‫قد تلتذ بها التذاذاً خفياً قاص اًر عما يقتضيه طباعه وذلك أيضاً لشواغل البدن وأنس النفس بشهواتها‪.‬‬
‫ومثاله مثال المريض الذي في فيه م اررة يستبشع الشيء الطيب الحلو ويستهجن الغذاء الذي هو‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.282‬‬ ‫‪78‬‬

‫ابن رشد‪ " :‬فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اإلتصال"‪ ،‬ص ‪.47 – 46‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪63‬‬
‫أتم أسباب اللذة في حقه فال يتلذذ به لما عرض من المرض‪ .‬وهذه اللذات حقيرة باإلضافة إلى‬
‫اللذات الروحانية العقلية إال أنه ال يمكن تفهيمه إال بأمثلة مما شاهدها الناس في هذه الحيوة‪،‬‬
‫وهذا كما أنا لو أردنا أن نفهم الصبي أو العنين لذة الجماع لم نقدر عليه إال بأن نمثله في حق‬
‫الصبي باللعب الذي هو ألذ األشياء عنده وفي حق العنين بلذة األكل الطيب مع شدة الجوع‬
‫ليصدق بأصل وجود اللذة ثم يعلم أن ما فهمه بالمثال ليس يحقق عنده لذة الجماع وأن ذلك ال‬
‫يدرك إال بالذوق‪ .‬فالنفوس الكاملة بالعلوم إذا انحط عنها أعباء البدن وشواغله بالموت كان مثاله‬
‫مثال من عرض للطعم األلذ والذوق األطيب وكان به عارض مرض يمنعه من اإلدراك فزال‬
‫العارض فأدرك اللذة العظيمة دفعة‪ .‬أو مثال من اشتد عشقه في حق شخص فضاجعه ذلك‬
‫الشخص وهو نائم أو مغمى عليه أو سكران فال يحس به فتنبه فجأة فيشعر بلذة الوصال بعد‬
‫‪80‬‬
‫طول االنتظار دفعة واحدة‪.‬‬
‫ويذكر الغزالي أن الدليل على أن اللذات العقلية أشرف من اللذات الجسمانية أمران‪ :‬أن‬
‫اإلنسان أيضاً قد يؤثر اللذات العقلية على الحسية‪ ،‬فإن من يتمكن من غلبة عدو والشماتة به‬
‫يهجر في تحصيله مالذ األنكحة واألطعمة بل قد يهجر األكل طول النهار في لذة غلبة الشطرنج‬
‫والنرد مع خسة األمر فيه وال يحس بألم الجوع‪ .‬وكذلك المتشوف إلى الحشمة والرئاسة يتردد بين‬
‫انخرام حشمته بقضاء الوطر من عشيقته مثالً بحيث يعرفه غيره وينتشر عنه فيصون الحشمة‬
‫ويترك قضاء الوطر ويستحقر ذلك محافظة على ماء الوجه فيكون ذلك ال محالة ألذ عنده‪ ،‬بل‬
‫ربما يهجم الشجاع على جم غفير من الشجعان مستحق اًر خطر الموت شغفاً بما يتوهمه بعد الموت‬
‫من لذة الثناء واإلطراء عليه‪ .‬والثاني أن حال المالئكة أشرف من حال السباع والخنازير من‬
‫البهائم وليس لها اللذات الحسية من الجماع واألكل وإنما لها لذة الشعور بكمالها وجمالها الذي‬
‫خص بها في نفسها في اطالعها على حقائق األشياء وقربها من ربي العالمين في الصفات ال‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.283‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪64‬‬
‫في المكان وفي رتبة الوجود‪ ،‬فإن الموجودات حصلت من هللا على ترتيب وبوسائط فالذي يقرب‬
‫‪81‬‬
‫من الوسائط رتبته ال محالة أعلى‪.‬‬
‫يشير ابن تيمية إلى اعتراف أَكثر أَِئ َّمة أهل اْل َك َالم والفلسفة من ْاألََّولين واآلخرين ِبأَن أَكثر‬
‫ُمور الربوبية باألقيسة َّالِتي ضربوها َال تفضى بهم ِإَلى اْلعلم َواْلَي ِقين‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫الطرائق التي سلكوها في أ ُ‬
‫س َواْلعرض ِفي دالئلهم ومسائلهم‪ .‬مثل مَقاَلة أساطين‬ ‫وِفي ْاألُمور اإللهية مثل تكلمهم ِباْل ِج ْن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يه ِب ْاألوَلى واألحرى‬ ‫يه ِإَلى اْلي ِقين وِإَّنما يتكَّلم ِف ِ‬
‫الفلسفة من ْاألَو ِائل أَنهم َقاُلوا اْلعلم اإللهي َال سِبيل ِف ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واألخلق َولِ َه َذا اتّفق كل من خبر مَقاَلة َه ُؤَال ِء المتفلسفة ِفي اْلعلم اإللهي أَن غالبه ظنون َك ِاذَبة‬
‫اعِت َراف المتكلمة من اإلسالميين فكثير قد‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وأقيسة َفاس َدة َوأَن الذي فيه من اْلعلم اْلحق َقليل‪َ .‬وأما ْ‬
‫ون ُه وتوبتهم ِإ َّما ِع ْند اْل َم ْوت َوإِ َّما قبل‬ ‫ِِ‬
‫علماء فيه َش ْيئا َوذكروا ُر ُجوع أكابرهم َع َّما َك ُانوا َيُقوُل َ‬
‫جمع اْل َ‬
‫ِ ِ‬
‫اء هللا تَ َعاَلى في َهذه ْاألمة َفِإن هللا يقبل التَّْوَبة َعن َ‬
‫عبا َدة‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمة إن َش َ‬
‫َسباب َّ‬
‫اْل َم ْوت َو َه َذا من أ َ‬
‫‪82‬‬
‫السِّيَئات‪.‬‬
‫َوَي ْعُفو َعن َّ‬
‫والنافع من جملته العلوم العقلية المحضة وهي العلم باهلل وصفاته ومالئكته وكتبه وكيفية‬
‫وجود األشياء منه وما وراء ذلك إن كان وسيلة إليه‪ ،‬فهو نافع ألجله وإن لم يكن وسيلة إليه‬
‫كالنحو واللغة والشعر‪ ،‬وأنواع العلوم المفترقة فهي صناعات وحرف كسائر الصناعات‪ .‬ولذلك‬
‫فاللذات العقلية األخروية أفضل من اللذات الحسية الدنيوية ولوال ذلك لما قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬ال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين" فهذا وجه الحاجة إلى العلم‪ .‬وأما الحاجة‬
‫إلى العمل والعبادة فلزكاء النفس‪ ،‬فإن النفس في هذا البدن مصدود عن درك حقائق األشياء ال‬
‫لكونه منطبعاً في البدن بل الشتغاله ونزوعه إلى شهواته وشوقه إلى مقتضياته‪ ،‬وهذا النزوع‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.284 – 283‬‬ ‫‪81‬‬

‫إبن تيمية‪ " :‬اإلستقامة "‪.80 / 2 ،‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪65‬‬
‫والشوق هيئة للنفس تترسخ فيها وتتمكن منها بطول المواظبة على اتباع الشهوات والمثابرة على‬
‫األنس بالمحسوسات المستلذة‪ ،‬فإذا تمكنت من النفس فمات البدن كانت هذه الصفات متمكنه من‬
‫النفس ومؤذية من وجهين‪ :‬أحدهما أنه يبقى معه الحرص والميل إلى الدنيا وأسبابها ولذاتها وقد‬
‫استلب منه اآللة فإن البدن هو اآللة للوصول إلى تلك اللذات فيكون حاله حال من عشق امرأة‬
‫وألف رئاسة واستأنس بأوالد واستروح إلى مال وابتهج بحشمة فقتل معشوقه وعزل عن رئاسته‬
‫وسبي أوالده ونساؤه وأخذ أمواله أعداؤه وأسقط بالكلية حشمته فيقاسي من األلم ما ال يخفى‪ ،‬وهو‬
‫في هذه الحيوة غير منقطع األمل عن عود أمثال هذه األمور فإن الدنيا غاد ورائح فكيف إذا‬
‫انقطع األمل بفقدان البدن بسبب الموت‪ .‬والثاني أنها تمنعها عن لذتها الخاصة بها وهو االتصال‬
‫بالمالئكة واإلطالع على األمور الجميلة اإللهية وال يكون معه البدن الشاغل فيلهيه عن التألم كما‬
‫‪83‬‬
‫قبل الموت‪.‬‬
‫علما وقدرة‪ ،‬وأن يكون كالمه غير مخلوق ونحو ذلك يقول‪ :‬إن العقل‬
‫فإن من يحيل أن هلل ً‬
‫أحال ذلك‪ ،‬فاضطر إلى التأويل‪ ،‬بل من ينكر حقيقة حشر األجساد‪ ،‬واألكل والشرب الحقيقي في‬
‫الجنة من ينكر الرؤية‪ ،‬يزعم أن العقل يحيلها‪ ،‬وأنه مضطر فيها إلى التأويل‪ ،‬يزعم أن العقل‬
‫أحال ذلك‪ ،‬وأنه مضطر إلى التأويل‪ ،‬ومن زعم أن هللا ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال‬
‫‪84‬‬
‫ذلك‪ ،‬وأنه مضطر إلى التأويل‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا‪ .‬إذ يمكن أن يكون الشي ممتنعا‬
‫ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن امتناعه؛ بخالف اإلمكان الخارجي‪ .‬فإنه إذا علم بطل أن يكون‬
‫ممتنعا‪ .‬واإلنسان يعلم اإلمكان الخارجي‪ :‬تارة بعلمه بوجود الشيء‪ ،‬وتارة بعلمه بوجود نظيره‪،‬‬
‫ً‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.285 – 284‬‬ ‫‪83‬‬

‫العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬
‫تقي الدين أبو َ‬
‫‪84‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬الفتوى الحموية الكبرى"‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬حمد بن عبد المحسن التويجري‪ ،‬دار الصميعي – الرياض‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1425‬هـ ‪2004 /‬م‪.271 / 1 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫وتارة بعلمه بوجود ما هو أبلغ منه‪ ،‬فإن وجود الشئ دليل على أن ما هو دونه أولى باإلمكان‬
‫منه‪ .‬فاهلل سبحانه لما أخبر بالمعاد؛ والعلم به تابع للعلم بإمكانه‪ ،‬فإن الممتنع ال يجوز أن يكون‬
‫بين سبحانه إمكانه أتم بيان؛ ولم يسلك في ذلك ما يسلكه [طوائف من أهل الكالم] حيث يثبتون‬
‫اإلمكان الخارجي بمجرد اإلمكان الذهني‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا ممكن ألنه لو قدر وجوده لم يلزم من‬
‫تقدير وجوده محال‪ ،‬فإن الشأن في هذه المقدمة‪ ،‬فمن أين يعلم أنه ال يلزم من تقدير وجوده محال‪.‬‬
‫والمحال هنا أعم من المحال لذاته أو لغيره‪ ،‬واإلمكان الذهني حقيقته عدم العلم باالمتناع‪ .‬وعدم‬
‫العلم باالمتناع ال يستلزم العلم باإلمكان الخارجي؛ بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم االمتناع‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫وال معلوم اإلمكان الخارجي وهذا هو اإلمكان الذهني‪.‬‬
‫وإذا لم يكن سلب هذه الصفات ورد الشرع في األخالق بالتوسط بين كل طرفين متقابلين‬
‫ألن الماء الفاتر ال حار وال بارد فكأنه بعيد عن الصفتين فال ينبغي أن يبالغ في إمساك المال‬
‫فيستحكم فيه حرص المال وال في اإلنفاق فيكون مبذ اًر وال أن يكون ممتنع ًا عن كل األمور فيكون‬
‫جباناً وال منهمكاً في كل أمر فيكون متهو اًر‪ ،‬بل يطلب الجود فإنه الوسط بين البخل والتبذير‬
‫والشجاعة فإنها الوسط بين الجبن والتهور وكذلك في جميع األخالق‪ ،‬وعلم األخالق طويل‬
‫والشريعة بالغت في تفصيلها وال سبيل في تهذيب األخالق إال بمراعاة قانون الشرع في العمل‬
‫حتى ال يتبع اإلنسان هواه فيكون قد اتخذ إلهه هواه بل يقلد الشرع فيقدم ويحجم بإشارته ال باختياره‬
‫فتتهذب به أخالقه‪ .‬وال يمكن سلب جميع هذه الصفات عن النفس ومحوها بالكلية فإن الضرورات‬
‫البدنية جاذبة إليها‪ ،‬إال أنه يمكن تضعيف تلك العالقة ولذلك قال تعالى‪" :‬وإن منكم إال واردها‬
‫كان على ربك حتماً مقضيا"‪ .‬إال أنه إذا ضعفت العالقة لم تشتد نكاية فراقها وعظم االلتذاذ بما‬
‫اطلع عليه عند الموت من األمور اإللهية فأماط أثر مفارقة الدنيا والنزوع إليها على قرب‪ ،‬كمن‬

‫ابن تيمية‪ " :‬رسالة في أصول الدين "‪ ،‬ص ‪.11 – 9‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪67‬‬
‫يستنهض من وطنه إلى منصب عظيم وملك مرتفع فقد ترق نفسه حالة الفراق على أهله ووطنه‬
‫‪86‬‬
‫فيتأذى أذى ما ولكن ينمحى بما يستأنفه من لذة االبتهاج بالملك والرئاسة‪.‬‬

‫الغزالي‪ " :‬تهافت الفالسفة "‪ ،‬ص ‪.286‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫البديل األخير‬

‫هل خرج الغزالي من الفلسفة؟‬

‫‪69‬‬
‫هل بقي الغزالي يدور في منهج الفالسفة؟‬

‫عوارُهم‪،‬‬ ‫الرجل ِفي َذ ِم َ ِ ِ‬ ‫َّ‬


‫ف َ‬ ‫(التهافت) ‪َ ،‬وَك َش َ‬ ‫الفالَسَفة كتَاب َ‬ ‫ّ‬ ‫ف َّ ُ ُ‬ ‫يقول الذهبي‪ُ " :‬قْل ُت‪َ :‬ق ْد أَل َ‬
‫السَن ِن‬ ‫لمل ِة‪َ ،‬وَل ْم َي ُك ْن َل ُه ِعْل ٌم ِباآلثَار َو َ‬
‫ال ِخ ْب َرةٌ ِب ُّ‬ ‫حق‪ ،‬أَو مو ِافق لِ َّ‬
‫َن َذل َك ٌّ ْ ُ َ ٌ‬
‫ظن ًا ِم ْنه أ َّ ِ‬
‫مواضع ّ ُ‬
‫ووافقهم ِفي ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫اء‬ ‫(رس ِائ ِل ِإ ْخ َو ِ‬ ‫الن َ ِ ِ‬ ‫ان َّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الصَفا) َو ُه َو َد ٌ‬ ‫ان َّ‬ ‫ظر في كتَاب َ َ‬ ‫دم ُ‬
‫العْقل‪َ ،‬و ُحّب َب إَل ْيه إ َ‬ ‫النبويَّة الَقاضَية َعَلى َ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صين‪َ ،‬لَتل َ‬ ‫المخل َ‬
‫ِ‬ ‫َذكياء‪َ ،‬و َ ِ‬ ‫امد ِم ْن ِكَب ِ‬‫َن أَبا ح ِ‬
‫ال‪َ ،‬وَل ْوالَ أ َّ َ َ‬ ‫ضال‪َ ،‬و َج َر ٌب ُم ْرد‪َ ،‬و ُس ٌّم َقتَّ ٌ‬
‫خيار ُ‬ ‫ار األ َ‬ ‫ُع َ‬
‫ِ‬
‫الح ْي َرِة‪َ ،‬ف َم ْن َرام‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ُ ِ‬
‫بدينكم م ْن ُشَبه األ ََوائل‪َ ،‬وإِال قعتُم في َ‬ ‫اهرُبوا‬
‫الكتُب‪َ ،‬و ُ‬‫َه ِذِه ُ‬ ‫الح َذ َار ِم ْن‬
‫الح َذار ِ‬
‫َ‬
‫َف ِ‬

‫ات َعَلى ِ‬ ‫ليبتهل ِإَلى موالَه ِفي الثَّب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اإل ْسالَ ِم‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫تغاثَ َة ِباهلل‪َ ،‬و ِ ْ‬ ‫الع ُبوديَّة‪َ ،‬و ُلي ْدم ِن ْ‬
‫االس َ‬ ‫ُ‬ ‫اة َوالفوز‪َ ،‬فليلزِم‬ ‫َّ‬
‫الن َج َ‬
‫نجو‬ ‫الصحابة‪ ،‬وساد ِة التَّاِب ِعين‪ ،‬وهللا اْلموفق‪َ ،‬فِبحس ِن َقص ِد ِ‬ ‫َن ي َّ‬
‫توفى َعَلى ِإ ْيم ِ‬
‫العال ِم ُي ْغَف ُر َل ُه َوَي ُ‬
‫ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ان َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َوأ ْ ُ‬
‫سف َة‪َ ،‬وأ ََرَاد‬
‫الفال َ‬ ‫‪ِ -‬إن َشاء هللا "‪ .‬ويقول الذهبي‪َ " :‬قال أَبو ب ْكر بن العربِي‪َ :‬شيخنا أَبو ح ِ‬
‫امد َبَل َع َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫‪87‬‬
‫اع " ‪.‬‬
‫ط َ‬‫استَ َ‬
‫َهم‪َ ،‬ف َما ْ‬
‫َن َيتََقَّيأ ُ‬
‫أْ‬

‫ومن جملة من أنكر على الغزالي بعض آرائه‪ ،‬فمن ذلك ما أورده ابن الصالح في كتابه‪:‬‬
‫صفى "‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫" " طبقات الفقهاء الشافعية " م ْن َها عن قول الغزالي في ُمَق ّد َمة اْلمنطق في أول " اْل ُم ْستَ ْ‬
‫الش ْيخ‪ :‬س ِمعت َّ‬
‫الش ْيخ‬ ‫" َه ِذه مَق ّدمة اْلعلُوم كلها‪ ،‬ومن َال ُي ِحيط بها َف َال ِثَقة َل ُه ِبعلُو ِم ِه أصالً "‪َ .‬قال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ان من النظار‬ ‫الدين ابن يونس يح ِكي عن يوسف ِّ ِ‬
‫الد َم ْشقي مدرس نظامية َب ْغ َداد ‪َ -‬وَك َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ ُ ُ َْ‬ ‫عماد ّ‬
‫ان ُينكر َه َذا اْل َك َالم َوَيُقول‪َ :‬فأ َُبو بكر َوعمر َوُف َالن َوُف َالن ‪َ -‬ي ْعِني أَن أُوَلِئ َك‬
‫المعروفين ‪ -‬أَنه َك َ‬
‫قدمة وأشباهها‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫السادة ‪ -‬عظمت حظوظهم من البلج َواْلَيقين‪َ ،‬ولم يحيطوا ب َهذه اْل ُم َ‬
‫‪88‬‬
‫َّ‬

‫الذهبي‪ " :‬سير أعالم النبالء "‪.329 – 327 / 19 ،‬‬ ‫‪87‬‬

‫عثمان بن عبد الرحمن‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬تقي الدين المعروف بابن الصالح (المتوفى‪643 :‬هـ)‪ " :‬طبقات الفقهاء الشافعية "‪،‬‬ ‫‪88‬‬

‫المحقق‪ :‬محيي الدين علي نجيب ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1992 ،‬م‪.254 – 253 / 1 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫اما محققا‬ ‫ازر ّي اْلَف ِقيه اْلمتَ َكّلم األصولي ‪ -‬وَك َ ِ‬
‫ويضيف ابن الصالح‪َ :‬وألبي عبد هللا اْلم ِ‬
‫ان إ َم ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بارعا ِفي مذهبي مالك واألشعري‪ ،‬وله تصانيف ِفي فنون؛ ِم ْنها‪ِ :‬في شرح " ِْ‬
‫اإل ْرَشاد " و " اْل ُب ْرَهان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإل ْحَياء "‪ ،‬أصدرها ِفي َحَياة‬ ‫" ِإلمام اْلحرم ْي ِن ‪ِ -‬رساَلة يذكر ِفيها حال اْل َغزِالي وحال ِكتَابه " ِْ‬
‫ّ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫فهم ِفي َذلِك‪َ ،‬فذكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تال ْ‬ ‫اْل َغزالِ ّي َج َوابا لما ُكوِت َب ِبه من اْلمغرب والمشرق ِفي ُس َؤاله َعن َذلِك ع ْند ْ‬
‫اخ َ‬
‫ام ِة ِفي إقليمه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫يها‪ ،‬واشتهر ب ْاإل َم َ‬
‫ِ‬
‫اض في ُعلُوم وصنف ف َ‬
‫ِ‬
‫ان قد َخ َ‬
‫ِ‬
‫يها َما اختصاره؛ أَن اْل َغزال ّي َك َ‬
‫فَ‬
‫ِ‬

‫أصول اْل ِفْقه‪َ ،‬و ُه َو بالفقه أعرف‪َ ،‬وأما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫وبرع َحتى تضاءل َل ُه المنازعون‪ ،‬استبحر في اْلفْقه‪َ ،‬وفي ُ‬
‫َّ‬

‫اءة الفلسفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اءته ُعلُوم الفلسفة‪ ،‬وكسبته ق َر َ‬
‫يها‪ ،‬شغله َعن َذلك ق َر َ‬
‫الدين َفَل ْي َس بالمستبحر ف َ‬
‫أصول ّ‬ ‫ُ‬
‫مع ِاني‪ ،‬وتسهيال للهجوم على اْل َحَق ِائق‪ِ ،‬ألَن الفالسفة تمر َم َع خواطرها‪َ ،‬وَل ْي َس َل َها‬ ‫جرَة على اْل َ‬
‫ْأ‬
‫مع ِاني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفة أَئ َّمة تتبعها‪َ ،‬فل َذلك خامره ضرب من اإلدالل على اْل َ‬
‫شرع يردعها‪ ،‬وَال تخاف من مخ َ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َل ُه عكوف‬ ‫َص َحابه أَنه َك َ‬
‫ال‪َ :‬وقد عرفني بعض أ ْ‬ ‫يها استرسال من َال ُيَبالي ب َغ ْي ِره‪َ .‬وَق َ‬
‫فاسترسل ف َ‬
‫الصَفا "‪َ ،‬و َه ِذه الرسائل ِهي ِإ ْح َدى َو َخ ْم ُسو َن ِرَساَلة‪ ،‬كل ِرَساَلة ُم ْستَ َّقلة‬ ‫إخ َوان َّ‬
‫اءة " رسائل ْ‬ ‫ِ‬
‫على ق َر َ‬
‫َ‬
‫اض ِفي ُعُلوم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْرع‪،‬‬ ‫ِبَنفس َها‪َ ،‬وقد ظن في مؤلفها ظنون‪َ ،‬وِفي اْل ُج ْمَلة ُه َو رجل فيلسوف قد َخ َ‬
‫ثم ِإَّنه‬
‫دها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الشرع بآيات وأ ِ‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َحاديث يذكرَها ع ْن َ‬
‫فمزج َما َبين العلمين‪َ ،‬وحسن الفلسفة في ُقلُوب أهل ْ َ َ َ‬
‫الد ْنَيا تواليف ِفي ُعُلوم الفلسفة‪،‬‬
‫الزَمان اْل ُمتَأَخر فيلسوف يعرف ب‪ْ :‬ابن سينا‪َ ،‬مأل ُّ‬ ‫ان ِفي َه َذا َّ‬
‫َك َ‬
‫الش ْرع‪ ،‬ويتحلى بحلية اْل ُمسلمين‪َ ،‬وأ ََّداهُ قوته ِفي علم الفلسفة ِإَلى أَن تلطف جهده‬
‫ان ينتمي ِإَلى َّ‬ ‫َوَك َ‬
‫تم َل ُه من َذلِك َما لم يتم لغيره من الفالسفة‪َ ،‬ووجدت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصول العقائد إَلى علم الفالسفة‪َ ،‬و ّ‬ ‫في رد ُ‬
‫َحاِيين‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َه َذا اْل َغزال ّي يعول َعَل ْيه في أَكثر َما ُيشير إَل ْيه في ُعُلوم الفلسفة‪َ ،‬حتى إَّنه في بعض ْاأل َ‬
‫َحَيانا ُي َغِّيرهُ بنقله ِإَلى الشرعيات أَكثر من نقل ْابن سينا‪ ،‬ل َكونه‬
‫ْينقل َنص َك َالمه من غير تَ ْغِيير‪َ ،‬وأ ْ‬

‫‪71‬‬
‫الصَفا " عول اْل َغزالِي ِفي علم‬
‫ّ‬ ‫الش ْرع ِم ْن ُه‪ ،‬فعلى ْابن سينا ومؤلف " رسائل ْ‬
‫إخ َوان َّ‬ ‫أعلم بأسرار َّ‬
‫‪89‬‬
‫الفلسفة‪.‬‬

‫الغزالي خرج نهائياً من الفلسفة‪:‬‬

‫الرأي النهائي الذي نذهب إليه في هذا الكتاب ونؤكده أن الغزالي قد خرج بالفعل نهائياً‬
‫من الفلسفة‪ ،‬وهذا ال أري يستند إلى العديد من األدلة التي نسوقها أدناه‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬الطريق النهائي‪:‬‬

‫يصرح الغزالي في كتابه‪ " :‬المنقذ من الضالل " أن الطريق الذي اختاره هو طريق‬
‫الصوفية‪ ،‬فقد أقبل بهمته عليهم‪ ،‬وعلم أن طريقتهم إنا تتم بعلم وعمل‪ ،‬وكان حاصل علومهم قطع‬
‫عقبات النفس‪ ،‬والتنزه عن أخالقها المذمومة وصفاتها الخبيثة‪ ،‬حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب‬
‫عن غير هللا تعالى وتحليته بذكر هللا‪ .‬وكان العلم أيسر عليه من العمل‪ ،‬فابتدأ بتحصيل علمهم‬
‫من مطالعة كتبهم‪ ،‬حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية‪ ،‬وحصل ما يمكن أن يحصل من‬
‫طريقهم بالتعلم والسماع‪ .‬فظهر له أن أخص خواصهم‪ ،‬ما ال يمكن الوصول إليه بالتعلم بل‬
‫بالذوق والحال وتبدل الصفات‪ .‬وكم من الفرق بين أن تعرف حد السكر‪ ،‬وأنه عبارة عن حالة‬
‫تحصل من استيالء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر‪ ،‬وبين أن تكون سكران! وان أن‬
‫تعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما‪ ،‬وبين أن تكون صحيح ًا وشبعان؟ بل السكران‬
‫ال يعرف حد السكر‪ ،‬وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء‪ .‬الطبيب في حالة المرض‬

‫ابن الصالح‪ " :‬طبقات الفقهاء الشافعية "‪.257 – 256 / 1 ،‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪72‬‬
‫يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها‪ ،‬وهو فاقد الصحة‪ .‬فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد‬
‫‪90‬‬
‫وشروطه وأسبابه‪ ،‬وبين أن تكون حالك الزهد‪ ،‬وعزوف النفس عن الدنيا! "‬

‫وهنا يؤكد الغزالي الطريق الذي اختاره‪ ،‬فيقول‪ " :‬فعلمت يقيناً أنهم أرباب األحوال‪ ،‬ال‬
‫أصحاب األقوال‪ .‬وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته‪ ،‬ولم يبق إال ما ال سبيل إليه‬
‫بالسماع والتعلم‪ ،‬بل بالذوق والسلوك‪ .‬وكان قد حصل معي ‪ -‬من العلوم التي مارستها والمسالك‬
‫التي سلكتها‪ ،‬في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني هلل تعالى‪ ،‬وبالنبوة‪،‬‬
‫وباليوم اآلخر‪ .‬فهذه األصول الثالثة من اإليمان كانت قد رسخت في نفسي‪ ،‬ال بدليل معين‬
‫مجرد‪ ،‬بل بأسباب وقرائن وتجارب ال تدخل تحت الحصر تفاصيلها‪ .‬وكان قد ظهر عندي أنه ال‬
‫مطمع لي في سعادة اآلخرة إال بالتقوى‪ ،‬وكف النفس عن الهوى‪ ،‬وأن رأس ذلك كله‪ ،‬قطع عالقة‬
‫القلب عن الدنيا‪ ،‬بالتجا في عن دار الغرور‪ ،‬واإلنابة إلى دار الخلود‪ ،‬واإلقبال بكنه الهمة على‬
‫هللا تعالى‪ .‬وأن ذلك ال يتم إال باإلعراض عن الجاه والمال‪ ،‬والهرب من الشواغل والعالئق‪ .‬ثم‬
‫الحظت أحوالي‪ ،‬فإذا أنا منغمس في العالئق‪ ،‬وقد أحدقت بي من الجوانب‪ ،‬والحظت أعمالي ‪-‬‬
‫وأحسنها التدريس والتعليم ‪ -‬فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة‪ ،‬وال نافعة في طريق اآلخرة‬
‫‪91‬‬
‫"‪.‬‬

‫ويبدو أن الغزالي قد اتجه في آخر حياته إلى ( منهج السلف الصالح ) " وأكب على‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬وذم الكالم وأهله ‪ ،‬وأوصى األمة بالرجوع إلى كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا‬

‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .172 – 170‬أشار الغزالي إلى كتاب محمد بن علي بن عطية الحارثي‪ ،‬أبو طالب‬ ‫‪90‬‬

‫المكي (المتوفى‪ 386 :‬هـ)‪ " :‬القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عاصم إبراهيم‬
‫الكيالي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005-‬م‪ ،‬وطبع أيضاً بتحقيق د‪ .‬محمود إبراهيم‬
‫الرضواني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار التراث‪ ،‬القاهرة‪ 1422 ،‬ه – ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .173 – 172‬عن األصول الثالثة لإليمان‪ ،‬ينظر‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬العروة‬ ‫‪91‬‬

‫الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة اإلسالمية "‪ ،‬ص ‪.82 – 42‬‬

‫‪73‬‬
‫عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي هللا عنهم ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪"...‬‬
‫‪92‬‬

‫امد اْل َغ َزالِ ُّي َم َع َف ْر ِط َذ َك ِائ ِه َوتَأَُّل ِه ِه َو َم ْع ِرَفِت ِه‬


‫يقول ابن تيمية مؤكداً هذا المعنى‪ " :‬وه َذا أَبو ح ِ‬
‫ََ ُ َ‬
‫ف‬‫ي ْنتَ ِهي ِفي ه ِذِه اْلمس ِائ ِل إَلى اْلوْق ِ‬ ‫ف‬‫الرياض ِة والتَّصُّو ِ‬ ‫ط ِر َ ُّ ِ ِ‬ ‫ِباْل َك َال ِم َواْلَفْل َسَف ِة َو ُسُلو ِك ِه َ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يق الزْهد َو ّ َ َ َ َ‬
‫َه ِل‬ ‫كان بعد َذلِك رجع إَلى َ ِ‬ ‫ط ِريَق ِة أَه ِل اْل َك ْش ِ‬ ‫آخ ِر أ َْم ِِره َعَلى َ‬‫واْلحيرِة وي ِحيل ِفي ِ‬
‫ط ِريَقة أ ْ‬ ‫َ َ ََْ َ َ َ َ‬ ‫ف َوإِ ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ ُ ُ‬
‫ام َع ْن ِعْل ِم اْل َك َال ِم "‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ام اْل َع َو ِّ‬ ‫صَّن َ‬
‫ف " إْل َج َ‬ ‫اْل َحديث َو َ‬
‫‪93‬‬

‫( ‪ ) 2‬معرفة الباري‪:‬‬

‫صَفاته وأفعاله ضرورية ِألَن المبادىء‬ ‫يعتقد الغزالي أن معرَفة اْلحق جل ج َالله ومع ِرَفة ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ّ َ‬
‫جل َج َالله‬‫اري ّ‬ ‫إنما َتراد للنهايات والنهايات انما تظهر للمبادىء َفكل علم َال ُي َؤِّدي ِإَلى معرَفة اْلَب ِ‬
‫قسم ْي ِن ِإ َّما أَن يتَ َعَّلق‬
‫اعَلم أَن اْل َم ْو ُجود على َ‬
‫ِ‬ ‫َف ُه َو عديم الجدوى والفائدة َوَقلِيل َّ‬
‫النْفع والعائدة َف َك َذلك َف ْ‬
‫وجوده ِب َغ ْي ِِره ِب َح ْي ُث يْلزم من عدم َذلِك اْل َغ ْير َعدمه أَو َال يتَ َعَّلق فان تعلق سميناه ُممكنا َوإِن لم‬
‫ُمور الثَّالِث أَنه َال يكون مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َّ‬
‫يتَ َعلق سميناه َواجبا ب َذاته َفيْلزم من َه َذا في َواجب اْل ُو ُجود معرَفة أ ُ‬
‫عها‪َ .‬فَنُقول ِإَّنا‬ ‫ِ َّ‬
‫ورة َوَال تُوجد إال َم َ‬ ‫ورة ِألََّن َها ُمتَ َعلَقة بالمادة َوَال يكون مثل اْل َم َّادة ِألََّن َها َمحل ُّ‬
‫الص َ‬ ‫الص َ‬
‫ُّ‬
‫النفس على اْل ُج ْمَلة ِب َم ْع ِرَفة آثارها وأفعالها َفالنَّْفس النباتية عرفناها بآثارها من التغذية والتنمية‬ ‫أثبتنا َّ‬
‫النفس االنسانية ِبالتَّح ِر ِ‬
‫يك‬ ‫النفس الحيوانية بآثارها من اْلحس َواْل َح َرَكة االختيارية َو َّ‬
‫وتوليد اْلمثل َو َّ‬
‫ْ‬

‫هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ( من هو اإلمام الغزالي ) ؟ من موقع‪ :‬إسالم سؤال وجواب‪ ،‬المشرف العام الشيخ‬ ‫‪92‬‬

‫محمد صالح المنجد‪ ،‬على الرابط اآلتي‪https://islamqa.info/ar/13473 :‬‬


‫ابن تيمية‪ " :‬مجموع الفتاوى "‪.72 / 4 ،‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪74‬‬
‫علمنا أَن َه ِذه ْاألَْف َعال تتَ َعَّلق بمبدأ ُيسمى َذلِك المبدأ نفسا َفيكون قوامها ووجودها‬
‫َوإِ ْد َراك الكليات َو َ‬
‫‪94‬‬
‫النفس‪.‬‬‫وخاصيتها بذلك المبدأ َّال ِذي ُه َو َّ‬

‫وفي مجال تأثير اإليمان في اإلنسان يبين ابن تيمية أن العلم بالمحبوب يورث طلبه‪،‬‬
‫والعلم بالمكروه يورث تركه؛ ولهذا يسمى هذا العلم‪ :‬الداعي‪ ،‬ويقال‪ :‬الداعي مع القدرة يستلزم وجود‬
‫المقدور‪ ،‬وهو العلم بالمطلوب المستلزم إلرادة المعلوم المراد‪ ،‬وهذا كله إنما يحصل مع صحة‬
‫الفطرة وسالمتها‪ ،‬وأما مع فسادها‪ ،‬فقد يحس اإلنسان باللذيذ فال يجد له لذة بل يؤلمه‪ ،‬وكذلك‬
‫يلتذ بالمؤلم لفساد الفطرة‪ ،‬والفساد يتناول القوة العلمية والقوة العملية جميع ًا‪ ،‬كالممرور الذي يجد‬
‫العسل م اًر‪ ،‬فإنه فسد نفس إحساسه حتى كان يحس به على خالف ما هو عليه للمرة التي مازجته‪،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫{و َما ُي ْشع ُرُك ْم أََّن َها ِإ َذا َج ْ‬
‫اءت الَ ُي ْؤم ُنو َن َوُنَقّل ُب أَ ْفئ َدتَ ُه ْم َوأ َْب َ‬
‫ص َارُه ْم‬ ‫وكذلك من فسد باطنه‪ .‬قال تعالى َ‬
‫ط ْغَي ِان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن} [األنعام‪ . ]110 ،109 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫َك َما َل ْم ُي ْؤ ِم ُنوْا ِب ِه أََّو َل َم َّرة َوَن َذ ُرُه ْم ِفي ُ‬
‫ين‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫{و ِمنهم َّمن يستَ ِمع ِإَليك حتَّى ِإ َذا خرجوا ِمن ِع ِندك َقالُوا لَِّل ِذين أُوتُوا اْل ِعْلم ما َذا َق ِ‬
‫ال آنًفا أ ُْوَلئ َك الذ َ‬‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ْ‬ ‫َْ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫وب ُه ْم}‬
‫َّللاُ ُقلُ َ‬
‫َزغَ َّ‬
‫اغوا أ َا‬
‫اءه ْم} [محمد‪ .]16 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬فَل َّما َز ُ‬ ‫َه َو ُ‬ ‫َّللاُ َعَلى ُقلُوبِ ِه ْم َواتََّب ُعوا أ ْ‬
‫طَب َع َّ‬
‫َ‬
‫طَب َع َعَل ْي َها ِب ُكْف ِرِه ْم} [النساء‪ ، ]155 :‬وقال في اآلية‬ ‫ف َب ْل َ‬‫وبَنا ُغْل ٌ‬‫{وَق ْوِل ِه ْم ُقُل ُ‬
‫[الصف‪ ، ]5 :‬وقال‪َ :‬‬
‫َّللا ِب ُكْف ِرِه ْم} [البقرة‪ . ]88 :‬و [الغلف] جمع أغلف‪ ،‬وهو ذو‬ ‫ف َبل َّل َعَن ُه ُم َّ‬ ‫وبَنا ُغْل ٌ‬ ‫{وَقالُوْا ُقلُ ُ‬
‫األخرى‪َ :‬‬
‫الغالف الذي في غالف مثل األقلف‪ ،‬كأنهم جعلوا المانع خلقة‪ ،‬أي خلقت القلوب وعليها أغطية‪،‬‬
‫طَب َع هللاُ َعَل ْي َها ِب ُكْف ِرِه ْم َفالَ ُي ْؤ ِم ُنو َن ِإالَّ َقلِيالً} ‪ ،‬ولذلك‬ ‫فقال هللا تعالى‪{َ :‬بل َّل َعَن ُه ُم َّ‬
‫َّللا ِب ُكْف ِرِه ْم} و { َ‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬معارج القدس في مدراج معرفة النفس"‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‬ ‫‪94‬‬

‫– بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1975 ،‬م‪ ،‬ص ‪.163‬‬

‫‪75‬‬
‫أن المؤثر التام يستلزم أثره‪ ،‬فمتى لم يحصل أثره لم يكن تاماً‪ ،‬والفعل إذا صادف محالً قابالً تم‪،‬‬
‫‪95‬‬
‫وإال لم يتم‪.‬‬

‫ويعتقد الغزالي أَنه َال يتَ َعَّلق ِب َغ ْي ِِره على َوجه يتَ َعَّلق َذلِك اْل َغ ْير ِب ِه على َسِبيل التضايف ِألََّن ُه‬
‫يكون ُممكن اْل ُو ُجود‪ .‬أَنه َال يتَ َعَّلق ِب َغ ْي ِِره على َوجه يتَ َعَّلق َذلِك اْل َغ ْير ِب ِه على معنى أَن يكون كل‬
‫محال‪ِ .‬إن كل َما سوى َوا ِجب اْل ُو ُجود َي ْنَب ِغي أَن يكون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َواحد م ْن ُه َما عّلة ْلآلخر فيتقابالن َفإن َه َذا َ‬
‫النفس َك َمال جسم طبيعي آلي َف َك َذلِك الرب موجد اْلكل َوبِه َك َمال‬
‫صاد ار من َوا ِجب اْل ُو ُجود َكما أَن َّ‬
‫َ‬
‫اْلكل َوَبَقاء اْلكل وجمال اْلكل َوقد ذكرَنا أَن َوا ِجب اْل ُو ُجود َال يكون‪ .‬أَنه َال يجوز أَن يكون َش ْيَئ ِ‬
‫ان‬
‫اح َدة َف َال يكون لْل َعالم ِإ َّال رب‬ ‫احد ِم ْنهما وا ِجب اْلوجود َكما َال يكون للبدن اْلو ِ‬
‫احد ِإ َّال نفس و ِ‬ ‫كل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫ان َوا ِجب اْل ُو ُجود ا ْثَن ْي ِن َفِب َم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َواحد ُه َو مبدع اْلكل َويتَ َعلق ِبه اْلكل تعلق اْل ُو ُجود والبقاء َوأ َْي ً‬
‫ضا َفَلو َك َ‬
‫ِ‬ ‫ان ِب َع ِ‬
‫ان بذاتي َفيكون مركبا‬ ‫ارض َفيكون كل م ْن ُه َما معلوال َوِإن َك َ‬ ‫َحدهما َعن اآلخر َفِإن َك َ‬
‫يتَ َميَّز أ َ‬
‫‪96‬‬
‫َوَال يكون َوا ِجب اْل ُو ُجود‪.‬‬

‫اهّية غير ْاآلِنية والوجود َّال ِذي‬ ‫كما يعتقد الغزالي " أَنه َال يكون وجوده غير ماهيته ِألَن اْلم ِ‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان عارضا‬ ‫ان َم ْو ُجودا ِب َذاته َما َك َ‬‫نه َعارض للماهية وكل َعارض َم ْعلُول ألََّن ُه َلو َك َ‬
‫عبارة َع ُ‬
‫ْاآلنية َ‬
‫اهّية َف َال يكون َوا ِجب اْل ُو ُجود‬‫لغيره ِإ ْذ ما َكان عارضا لغيره َفله تعلق ِبغي ِِره وعلته ِإن َكان غير اْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َّال ِذي يتَعَّلق ِب ِه كل الموجودات وإِن َكان علته اْلم ِ‬
‫اهّية فالماهية قبل اْل ُو ُجود َال تكون ِعّلة ِألَن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬ ‫‪95‬‬

‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪" :‬اإليمان "‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الخامسة‪1416 ،‬هـ‪1996/‬م‪ ،‬ص ‪.25 – 24‬‬
‫الغزالي الطوسي‪ " :‬معارج القدس في مدراج معرفة النفس"‪ ،‬ص ‪ .164 – 163‬في مجال معرفة الباري سبحانه‪ ،‬ينظر‪ :‬د‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫رواء محمود حسين‪ " :‬القرآن والتوحيد‪ :‬مدخل إلى التفسير التوحيدي للقرآن الكريم "‪ ،‬موقع األلوكة‪ ،‬بتاريخ ‪ 1437/2/16‬هجري‪:‬‬
‫‪ - 2015/11/29‬ميالدي‪ ،‬على الرابط اآلتي‪/http://www.alukah.net/sharia/0/95227 :‬‬

‫‪76‬‬
‫ام َفقبل اْل ُو ُجود َال يكون َل ُه وجود َفثَبت أَن َوا ِجب اْل ُو ُجود آنيته ماهيته َوإِن‬
‫السَبب َما َل ُه وجود تَ ّ‬‫َّ‬
‫وجوب اْل ُو ُجود َل ُه كالماهية لغيره َومن َه َذا ي ْظهر أَن َوا ِجب اْل ُو ُجود َال يشبه َغيره اْلَبتَّ َة َوَال يصل‬
‫‪97‬‬
‫أحد ِإَلى كنه َم ْعرَفته" ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬ضرورة النبوة‪:‬‬

‫يعتقد الغزالي أن جوهر اإلنسان في أصل الفطرة‪ ،‬خلق خالياً ساذجاً ال خير معه من عوالم‬
‫جنود ربك إال هو " وإنما‬
‫هللا تعالى‪ ،‬والعوالم كثيرة ال يحصيها إال هللا تعالى‪ ،‬كما قال‪ " :‬وما يعلم ُ‬
‫خبره من العوالم بواسطة اإلدراك وكل إدراك من اإلدراكات خلق ليطلع اإلنسان به على عالم من‬
‫الموجودات‪ ،‬ونعني بالعوالم‪ ،‬أجناس الموجودات‪ .‬فأول ما يخلق في اإلنسان حاسة اللمس‪ ،‬فيدرك‬
‫بها أجناساً من الموجودات‪ :‬كالح اررة‪ ،‬واللين‪ ،‬والخشونة‪ ،‬والبرودة‪ ،‬والرطوبة‪ ،‬واليبوسة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫واللمس قاصر عن األلوان واألصوات قطعاً‪ ،‬بل هلي كالمعدوم في حس اللمس‪ .‬وكذلك إلى أن‬
‫يجاوز عالم المحسوسات‪ ،‬فيخلق فيه التمييز‪ ،‬وهو قريب من سبع سنين‪ ،‬وهو طور آخر من‬
‫أطور وجوده‪ .‬فيدرك فيه أمو اًر زائدة على عالم المحسوسات‪ ،‬وال يوجد منها شيء في عالم الحس‪.‬‬
‫ثم تخلق له حاسة البصر‪ ،‬فيدرك بها األلوان واألشكال‪ ،‬وهو أوسع عالم المحسوسات‪ .‬ثم ينفتح‬
‫‪98‬‬
‫له السمع‪ ،‬فيسمع األصوات والنغمات‪ ،‬ثم يخلق له الذوق‪.‬‬

‫الغزالي الطوسي‪ " :‬معارج القدس في مدراج معرفة النفس"‪ ،‬ص ‪ .164 – 163‬القرآن الكريم يرشدنا إلى منهج الفرار إلى‬ ‫‪97‬‬

‫هللا‪ ،‬عن هذا المنهج‪ ،‬ينظر‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪ " :‬ففروا إلى هللا‪ ،‬األلوكة "‪ ،‬تاريخ اإلضافة‪ 2016/3/13 :‬ميالدي ‪-‬‬
‫‪ 1437/6/3‬هجري‪ ،‬على الرابط اآلتي‪/http://www.alukah.net/sharia/0/100210 :‬‬
‫الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .182 - 181‬لمزيد من المتابعة عن ضرورة السنة والرسول والرسالة‪ ،‬يراجع‪ :‬إبن أبي‬ ‫‪98‬‬

‫عاصم ( ت ‪ 287‬ه)‪ " :‬السنة "‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه باسم بن فيصل الجوابرة‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض‪1419 ،‬‬
‫ه – ‪ 1998‬م‪ ،‬ونسخة أخرى بتحقيق حمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1400 ،‬ه‪ ،‬أبو‬

‫‪77‬‬
‫اء ِب ِه‪،‬‬ ‫الرُسول َو َما َج َ‬
‫ضرورة ِإَلى مع ِرَف ِة َّ ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫يبين ابن قيم الجوزية إضطرار العباد َف ْو َق ُك ّل َ ُ َ‬
‫َخ َال ِق ِه ْم‬ ‫َع َمالِ ِه ْم َوأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَ ِ ِ ِ ِ‬
‫الر ِج ُح الذي َعَلى أَ ْق َوال ِه ْم َوأ ْ‬‫ان َّا‬ ‫َم َر‪َ ،‬ف ُه ُم اْلم َيز ُ‬ ‫يما أ َ‬ ‫َخَب َر ِبه‪َ ،‬و َ َ‬
‫اعته ف َ‬ ‫يما أ ْ‬‫صديقه ف َ‬ ‫َ ْ‬
‫ورةُ ِإَل ْي ِه ْم‬ ‫الض َال ِل‪َ ،‬ف َّ‬ ‫َه ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الض ُر َ‬ ‫ال‪َ ،‬وِب ُمتَ َاب َعت ِه ْم َيتَ َمي َُّز أ ْ‬
‫َه ُل اْل ُه َدى م ْن أ ْ‬ ‫َع َم ُ‬
‫َخ َال ُق َو ْاأل ْ‬ ‫وزُن ْاألَْق َو ُ‬
‫ال َو ْاأل ْ‬ ‫تُ َ‬
‫الس َع َاد ِة‬
‫يل ِإَلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورَها و ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ضر ِ‬ ‫أَع َ ِ‬
‫الرو ِح إَلى َحَيات َها‪َ ،‬فإَّن ُه َال َسب َ‬ ‫ورة اْلَب َد ِن إَلى ُروحه َواْل َع ْي ِن إَلى ُن ِ َ‬
‫ظ ُم م ْن َ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫الطِي ِب واْلخِب ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫الد ْنيا وَال ِفي ْاآل ِخرِة ِإ َّال عَلى أَي ِدي ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يث‬ ‫يل ِإَلى َم ْع ِرَفة ّ َ َ‬ ‫ِ‬
‫الرُسل‪َ ،‬وَال َسب َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواْلَف َال ِح َال في ُّ َ َ‬
‫َعم ِ‬
‫ال‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يل ِإ َّال ِم ْن ِجهِت ِهم‪ ،‬وَال يَنال ِرضا َّ ِ َّ ِ َّ‬ ‫صِ‬ ‫عَلى التَّْف ِ‬
‫َّللا اْلَبت َة إال َعَلى أ َْيديه ْم‪َ ،‬فالطّي ُب م َن ا ْأل ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ورةُ اْل َع ْب ِد‬
‫ض ُر َ‬
‫ض ْت‪َ ،‬ف َ‬ ‫اجة ُف ِر َ‬
‫ورة َو َح َ‬ ‫ض ُر َ‬ ‫َي َ‬ ‫اءوا ِب ِه‪َ ،‬فأ ُّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ال و ْاأل ْ ِ‬
‫َخ َالق َل ْي َس إال َه ْدَي ُه ْم َو َما َج ُ‬
‫ِ‬
‫َو ْاألَْق َو َ‬
‫ط ْرَف َة َع ْين َف َس َد‬‫اب َع ْن َك َه ْد ُي ُه َو َما َجا َء ِب ِه َ‬ ‫الرس ِل َفوَقها ِب َكِثير‪ .‬وما َ ِ ِ‬
‫ظُّن َك ب َم ْن إ َذا َغ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫اجتُ ُه إَلى ُّ ُ ْ َ‬ ‫َو َح َ‬
‫اء ِب ِه‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال اْل َع ْبد ع ْن َد ُمَف َارَقة َقْلبه ل َما َج َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اء َوُوض َع في اْلمْق َالة‪َ ،‬ف َح ُ‬ ‫ق‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َار َكاْل ُحوت إ َذا َف َار َ اْل َم َ‬ ‫َقْل ُب َك‪َ ،‬و َ‬
‫‪99‬‬
‫ظ ُم‪َ ،‬وَل ِك ْن َال ُي ِح ُّس ِب َه َذا ِإ َّال َقْل ٌب َح ٌّي‪.‬‬
‫َع َ‬ ‫الرسل َكه ِذِه اْلح ِ‬
‫ال َب ْل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ ُ َ‬

‫ثم يترقى إلى طول آخر‪ ،‬فيخلق له العقل‪ ،‬فيدرك الواجبات والجائزات والمستحيالت‪ ،‬وأمو اًر‬
‫ال توجد في األطوار التي قبله‪ .‬ووراء العقل طور آخر تفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما‬
‫سيكون في المستقبل‪ ،‬وأمو اًر أخر‪ ،‬العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز من إدراك المعقوالت‪،‬‬
‫وكعزل قوة الحس عن مدركات التمييز‪ ،‬وكما أن المميز لو عرضت عليه مدركات العقل ألباها‬
‫واستبعدها‪ ،‬فكذلك بعض العقالء أبوا مدركات النبوة واستبعدوها‪ ،‬وذلك عين الجهل‪ :‬إذ ال مستند‬
‫لهم إال أنه طور لم يبلغه ولم يوجد في حقه‪ ،‬فيظن أنه غير موجود في نفسه‪ .‬واألكمه لو لم يعلم‬
‫بالتواتر والتسامع األلوان واألشكال‪ ،‬وحكي له ذلك ابتداء‪ ،‬لم يفهمها ولم يقربها‪ .‬وقد قرب هللا‬

‫بكر الخالل ( ت ‪ 311‬ه)‪ " :‬السنة "‪ ،‬دراسة وتحقيق الدكتور عطية الزهراني‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1410 ،‬هـ‬
‫‪1989 -‬م‪.‬‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ)‪ " :‬زاد المعاد في هدي خير العباد"‪،‬‬ ‫‪99‬‬

‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪ -‬مكتبة المنار اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬السابعة والعشرون ‪1415 ,‬هـ ‪1994/‬م‪.69 – 68 / 1 ،‬‬

‫‪78‬‬
‫تعالى على خلقه بأن أعطاهم نموذجاً من خاصية النبوة‪ ،‬وهو النوم‪ ،‬إذ النائم يدرك ما سيكون من‬
‫الغيب‪ ،‬إما صريحاً وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير‪ .‬وهذا نوع قياسي يكذبه الوجود‬
‫والمشاهدة فكما أن العقل طور من أطوار اآلدمي‪ ،‬يحصل فيه عين يبصر بها أنواعاً من‬
‫المعقوالت‪ ،‬والحواس معزولة عنها‪ .‬وهذا لو لم يجربه اإلنسان من نفسه ‪ -‬وقيل له‪ :‬إن من الناس‬
‫من يسقط مغشياً عليه كالميت‪ ،‬ويزول عنه إحساسه وسمعه وبصره فيدرك الغيب ‪ -‬ألنكره‪ ،‬وأقام‬
‫البرهان على استحالته وقال‪ :‬القوى الحساسة أسباب اإلدراك فمن ال يدرك األشياء مع وجودها‬
‫وحضورها‪ ،‬فبأن ال يدرك مع ركودها أولى وأحق‪ .‬فالنبوة أيضاً عبارة عن طور يحصل فيه عين‬
‫‪100‬‬
‫لها نور يظهر في نورها الغيب‪ ،‬وأمور ال يدركها العقل‪.‬‬

‫ويعتقد أبو نعيم األصبهاني أن النبوة ‪ :‬سفارة العبد بين هللا تعالى وبين األلباب من خليقته‪،‬‬
‫ولهذا توصف أبداً بالرسالة وبالبعثة "‪ .‬وقيل‪ " :‬إن النبوة إزاحة علل ذوي األلباب فيما تقصر‬
‫عقولهم عنه من مصالح الدارين‪ ،‬ولهذا يوصف دائماً بالحجة والهداية ليزيح بها عللهم على سبيل‬
‫‪101‬‬
‫الهداية والتثقيف "‪.‬‬

‫( ‪ ) 4‬المنهج األمثل‪:‬‬

‫‪ 100‬الغزالي‪ " :‬المنقذ من الضالل "‪ ،‬ص ‪ .183 – 182‬أيضاً عن النبوة‪ ،‬تابع‪ :‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى‬
‫الخ ْس َرْو ِجردي الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي (المتوفى‪458 :‬هـ)‪ " :‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة" ‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫ُ‬
‫– بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1405 -‬هـ‪.‬‬
‫أبو نعيم األصبهاني ( ت ‪ 430‬ه )‪ " :‬دالئل النبوة "‪ ،‬حققه الدكتور محمد رواس قلعه جي‪ ،‬عبد البر عباس‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬ ‫‪101‬‬

‫الطبعة الثانية‪ ،‬بييروت‪ 1406 ،‬ه – ‪ 1986‬م‪.33 / 1 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫ويشير الغزالي إلى أولئك الذين اطلعوا على طريق التلفيق بين مقتضيات الشرائع وموجبات‬
‫العقول؛ وتحققوا أن ال معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول‪ .‬وعرفوا أن من ظن من الحشوية‬
‫وجوب الجمود على التقليد‪ ،‬واتباع الظواهر ما أتوا به إال من ضعف العقول وقلة البصائر‪ .‬ومثال‬
‫القرآن الشمس المنتشرة الضياء‪ .‬فاخلق بأن يكون طالب االهتداء‪ .‬المستغني إذا استغني بأحدهما‬
‫عن اآلخر في غمار األغبياء‪ ،‬فالمعرض عن العقل مكتفياً بنور القرآن‪ ،‬مثاله المتعرض لنور‬
‫الشمس مغمضاً لألجفان‪ ،‬فال فرق بينه وبين العميان‪ .‬فالعقل مع الشرع نور على نور‪ ،‬والمالحظ‬
‫بالعين العور ألحدهما على الخصوص متدل بحبل غرور‪ .‬وإن من تغلغل من الفالسفة وغالة‬
‫المعتزلة في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع‪ ،‬ما أتوا به إال من خبث الضمائر‪ .‬فميل‬
‫أولئك إلى التفريط وميل هؤالء إلى االفراط‪ ،‬وكالهما بعيد عن الحزم واالحتياط‪ .‬بل الواجب‬
‫المحتوم في قواعد االعتقاد مالزمة االقتصاد واالعتماد على الصراط المستقيم؛ فكال طرفي قصد‬
‫األمور ذميم‪ .‬وأنى يستتب الرشاد لمن يقنع بتقليد األثر والخبر‪ ،‬وينكر مناهج البحث والنظر‪ ،‬أو‬
‫ال يعلم انه ال مستند للش رع إال قول سيد البشر صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وبرهان العقل هو الذي‬
‫عرف به صدقه فيما أخبر‪ ،‬وكيف يهتدي للصواب من اقتفى محض العقل واقتصر‪ ،‬وما استضاء‬
‫بنور الشرع وال استبصر؟ فليت شعري كيف يفزع إلى العقل من حيث يعتريه العي والحصر؟ أو‬
‫ال يعلم ان العقل قاصر وأن مجاله ض يق منحصر؟ هيهات قد خاب على القطع والبتات وتعثر‬
‫بأذيال الضالالت من لم يجمع بتأليف الشرع والعقل هذا الشتات‪ .‬فمثال العقل البصر السليم عن‬
‫‪102‬‬
‫اآلفات واالذاء‪.‬‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬االقتصاد في االعتقاد "‪ ،‬وضع حواشيه‪ :‬عبد هللا محمد‬ ‫‪102‬‬

‫الخليليدار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1424 ،‬هـ ‪ 2004 -‬م‪ ،‬ص ‪.10 – 9‬‬

‫‪80‬‬
‫( ‪ ) 5‬التخلق بإخالق هللا سبحانه‪:‬‬

‫اعِتَقاد ثُُبوت َم ْعَناهُ هلل ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَلى من غير كشف َف َال َي ْستَ ْد ِعي ِإ َّال فهم‬ ‫يرى الغزالي أن ْ‬
‫الصِبي َفِإَّن ُه بعد فهم اْل َك َالم ِإذا‬ ‫امي بل َّ‬ ‫بها َو َه ِذه ُرْتَبة ُي َشارك ِفيها الع‬ ‫َم َعاني ْاألَْلَفاظ والتصديق َ‬
‫َ َْ ّ‬
‫علماء فضال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ألقي ِإَلي ِه ه ِذه اْل ِ‬
‫ِ‬
‫معاني تلقاها وتلقنها واعتقدها بَقْلبه وصمم َعَل ْي َها َو َهذه َد َر َجات أَكثر اْل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫الد َر َجات الثَّ َالث َولكنه‬ ‫ضا َفة ِإَلى من لم يشاركهم ِفي َه ِذه َّ‬ ‫اإل َ‬‫َعن َغيرهم وَال ُينكر فضل َه ُؤَال ِء ِب ِْ‬
‫َ‬
‫ذرَوة اْل َك َمال َفِإن َح َسَنات ْاأل َْب َرار سيئات المقربين بل حظوظ المقربين‬ ‫ضا َفة ِإَلى ْ‬ ‫ظاهر ِب ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫نقص َ‬
‫الع ْبد وسعادته ِفي التخلق بأخالق هللا‬ ‫َسماء هللا تَ َعاَلى ثَ َالثَة‪.‬يؤكد الغزالي أن َك َمال َ‬
‫من َم َعاني أ َ‬
‫ظ من‬ ‫اعَلم أَن من لم يكن َل ُه َح ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَّور في َحقه ْ‬ ‫تَ َعاَلى والتحلي بمعاني صَفاته وأسمائه بقدر َما يتَ َ‬
‫َسماء هللا عز َوجل ِإ َّال ِبأَن يسمع َلفظه َويفهم ِفي الُّل َغة معنى تَْف ِسيره َوَوضعه ويعتقد ِباْلَقْل ِب‬
‫َم َعاني أ َ‬
‫الدرجة َل ْي َس يحسن ِب ِه أَن يتبجح ِب َما ناله َفِإن‬
‫َ‬ ‫وجود َم ْعَناهُ ِفي هللا تَ َعاَلى َف ُه َو مبخوس اْل َحظ َنازل‬
‫َص َوات‬ ‫َِّ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫بها ْتدرك ْاأل ْ‬
‫السمع التي َ‬‫المة حاسة ّ‬‫َسماع اللْفظ َال َي ْستَ ْدعي إال َس َ‬
‫‪103‬‬

‫ويبين الغزالي أن اْلحظ األول من حظوظ الصالحين استعظامهم ما ْين َكشف َلهم من ِ‬
‫صَفات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الصَفات ليقربوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكنهم من تْل َك ّ‬
‫جالل على َوجه ينبعث من االستعظام يشوقهم إَلى االتصاف ب َما ُي ُ‬
‫اْل َ‬
‫بها شبها ِباْل َم َالِئ َك ِة المقربين ِع ْند هللا‬
‫ان فيأخذوا من االتصاف َ‬ ‫َ‬
‫بها من اْلحق قربا ِبالص ِ‬
‫فة َال ِباْلم َك ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫الصفة‬‫صَّور أَن يمتلئ اْلقلب باستعظام صفة واستشرافها إال ويتبعه شوق إَلى تْل َك ّ‬ ‫لن يتَ َ‬
‫عز َوجل َو ْ‬
‫ان َذلِك ُممكنا للمستعظم‬ ‫صف ِإن َك َ‬
‫ِ‬
‫وعشق ل َذلك اْل َك َمال والجالل وحرص على التحلي بذلك اْل َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫محالة‪ .‬اْل َحظ الثاني معرَفة‬‫ب َك َماله َفإن لم يكن ب َك َماله فينبعث الشوق إَلى اْلقدر اْل ُممكن م ْن ُه َال َ‬
‫ضح َلهم حقائقها بالبرهان َّال ِذي َال يجوز ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ه ِذه اْلمع ِاني على سِبيل المكاشفة والمشاهدة حتَّى يتَّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء هللا الحسنى "‪،‬‬ ‫‪103‬‬

‫المحقق‪ :‬بسام عبد الوهاب الجابي‪ ،‬الجفان والجابي – قبرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1987 – 1407 ،‬م‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪81‬‬
‫مجرى اْلَي ِقين‬
‫يج ِري في الوضوح َواْلَبَيان ْ‬
‫ِ‬
‫بها انكشافا ْ‬‫طأ وينكشف َل ُهم اتصاف هللا عز َوجل َ‬ ‫اْل َخ َ‬
‫ظاهر َوكم َبين َه َذا‬‫اطنه َال بإحساس َ‬ ‫اطنة َّالِتي يد ِركها بمشاهدة ب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫اْل َحاصل ْلإل ْن َسان بصفاته اْلَب َ‬
‫ان َمْق ُرونا بأدلة جدلية‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْخوذ من ْاآلَباء والمعلمين تقليدا والتصميم َعَل ْيه َوِإن َك َ‬ ‫َوَبين اال ْعتَقاد اْل َمأ ُ‬
‫‪104‬‬
‫كالمية‪.‬‬

‫يقول ابن القيم وأما حال العبد فيما بينه وبين هللا تعالى فهو إيثار طاعته وتجنب معصيته‬
‫{واتَُّقوا َّ‬
‫َّللاَ} فأرشدت اآلية إلى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق وواجبه بينه‬ ‫وهو قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وبين الحق‪ .‬أما حكم العبد فيما بينه وبين الناس وهو أن تكون مخالطته لهم تعاوناً على البر‬

‫والتقوى علماً وعم ً‬


‫ال‪ .‬وال يتم له أداء الواجب الثاني إال بعزل نفسه من الوسط والقيام بذلك لمحض‬
‫النصيحة واإلحسان ورعاية األمر وال يتم له أداء الواجب الثاني إال بعزل الخلق من البين‪ ،‬والقيام‬
‫له باهلل إخالصاً ومحبة وعبودية‪ .‬فينبغي التفطن لهذه الدقيقة التي كل خلل يدخل على العبد في‬
‫أداء هذين األمرين الواجبين إنما هو عدم مراعاتها علماً وعمالً وهذا معنى قول الشيخ عبد القادر‬
‫‪ " :‬كن مع الحق بال خلق‪ ،‬ومع الخلق بال نفس‪ ،‬ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل‬
‫‪105‬‬
‫أمره فرطاً "‪.‬‬

‫الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪ " :‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء هللا الحسنى "‪ ،‬ص ‪.46 – 45‬‬ ‫‪104‬‬

‫محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ)‪ " :‬الرسالة التبوكية = زاد المهاجر‬ ‫‪105‬‬

‫إلى ربه" ‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد جميل غازي‪ ،‬مكتبة المدني – جدة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪82‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪ -1‬في مقدمة كتابه‪ " :‬المنقذ من الضالل" يحكي الغزالي ما قاساه في استخالص الحق من‬
‫بين اضطراب الفرق مع تباين الطر ِق والمناهج‪ ،‬يبين الغزالي األسباب التي أدت به إلى‬
‫اإلنتقال من الفكر الفلسفي إلى المنهج الروحي‪.‬‬
‫‪ -2‬فتّش الغزالي في العلوم‪ ،‬فوجد نفسه عاطالً من علم موصوف بهذه الصفة‪ ،‬إال في‬
‫الحسيات‪ ،‬والضروريات‪ ،‬فرأى أنه بعد حصول اليأس ال مطمع في اقتباس المشكالت إال‬
‫من الجليات وهي الحسيات والضروريات فأقبل بجد على تأملها ودراستها‪.‬‬
‫‪ -3‬إنتقد الغزالي ( السوفسطائية ) في كتابه‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق " موجهاً النقد لها‪.‬‬
‫‪ -4‬الغزالي كان يريد من العقل اإلنساني أن يصل إلى الحقيقة ( الحقيقية ) في حد ذاتها‪،‬‬
‫وكما هي بدون تمويهات أو أغاليط‪ .‬إن كون الغزالي ضد السفسطة يأتي من كونه لم يرد‬
‫أن يتم تمييع الحقائق‪.‬‬
‫‪ -5‬طبقاً للغزالي إذا التمس شرط القياس الصحيح والحد الصحيح والتنبيه على مثارات الغلط‬
‫فيها وقفت للجمع بين األمرين‪ ،‬فإنها رباط العلوم كلها‪ .‬إن المعيار العلمي للحقيقة يكشف‬
‫عنه الغزالي في مقدمة كتابه‪ " :‬الكتاب‪ :‬محك النظر في المنطق‪.‬‬
‫‪ -6‬بالنسبة للفلسفة يبين الغزالي أنه قد ّمر نفسه للوقوف على الفلسفة ما يذم منها وما ال‬
‫يذم‪ ،‬وما يكفر فيه قائلة‪ ،‬وما ال يكفر‪ ،‬وما يبدع فيه وما ال يبدع‪ ،‬وكيفية حصول نفرة‬
‫النفوس من ذلك الحق ‪ -‬وكيفية استخالص صراف الحقائق الحق الخالص من الزيف‬

‫‪83‬‬
‫والبهرج من جملة كالمهم‪ ،‬وبيان ما سرقوه من كالم أهل الحق‪ ،‬وما مزجوه بكالمهم لترويج‬
‫باطلهم في درج ذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬تعريف الفلسفة لدى المسلمين في العصر الوسيط بالطريقة ذاتها للفلسفة باليونانية‪ :‬محبة‬
‫الحكمة‪ ،‬والفيلسوف هو‪ :‬فيال وسوفا‪ ،‬وفيال هو المحب‪ ،‬وسوفا‪ :‬الحكمة‪ ،‬أي هو محب‬
‫الحكمة‪.‬‬
‫‪ -8‬يرى الغزالي أن الفالسفة ثالثة أقسام‪ :‬الدهريون‪ ،‬والطبيعيون‪ ،‬واإللهيون‪.‬‬
‫‪ -9‬يتخذ الغزالي موقفاً رافضاً من الدهرية ( الفلسفة المادية في المصطلح المعاصر)‪ ،‬ويندرج‬
‫هذا الموقف في اإلطار العام للفكر اإلسالمي قديماً وحديثاً‪.‬‬
‫يرى الغزالي أن علوم الفلسفة تنقسم إلى ستة أقسام رياضية‪ ،‬ومنطقية‪ ،‬وطبيعية‪،‬‬ ‫‪-10‬‬
‫وإلهية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وخلقية‪.‬‬
‫يبين الغزالي في مقدمة كتابه‪ " :‬مقاصد الفالسفة " أنه يهدف إلى التعريف بمذهب‬ ‫‪-11‬‬
‫الفالسفة‪ ،‬وتبيان معتقدهم‪ ،‬ألن الوقوف على فساد المذاهب قبل اإلحاطة بمداركها محال‪،‬‬
‫بل هو رمي في العمى والضالل‪.‬‬
‫وفي مقدمة كتابه‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق " يشير الغزالي إلى أهمية المنطق‬ ‫‪-12‬‬
‫وفائدته وأن الباعث على تحرير هذا الكتاب الملقب ب " معيار العلم " غرضان مهمان‪:‬‬
‫أحدهما تفهيم طرق الفكر والنظر‪ ،‬وتنوير مسالك األقيسة والعبر‪.‬‬
‫يبين الغزالي أن الكلي إسم مشترك ينطلق على معنيين‪ ،‬هو بأحدهما موجود في‬ ‫‪-13‬‬
‫األعيان‪ ،‬وبالمعنى الثاني موجود في األذهان ال في األعيان‪.‬‬
‫يبين الغزالي أن البحث في اإللهيات عند الفالسفة يتحدد في خمس مقاالت‪ :‬األولى‬ ‫‪-14‬‬
‫في أقسام الوجود وأحكامه‪ ،‬الثانية في سبب الوجود كله‪ ،‬الثالثة في صفاته‪ ،‬الرابعة في‬
‫أفعاله ونسبة الموجودات إليه‪ ،‬الخامسة في كيفية وجودها منه على مذهبهم‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وفي الطبيعيات‪ ،‬يرى الغزالي أن الموجود ينقسم إلى جوهر وعرض‪.‬‬ ‫‪-15‬‬

‫يرى الغزالي أن هنالك آفتان تنشآن من الخلط بين المنهج الديني والفلسفي والروحي‪،‬‬ ‫‪-16‬‬
‫وهاتان اآلفتان هما‪ :‬آفة في حق القابل‪ ،‬وآفة في حق الراد‪.‬‬
‫أهم المسائل التي انتقد فيها الغزالي الفالسفة‪ :‬قدم العالم‪ ،‬علم هللا بالجزئيات‪ ،‬حشر‬ ‫‪-17‬‬
‫األجساد‪.‬‬
‫ذهبنا إلى أن الغزالي خرج نهائياً من الفلسفة‪ ،‬بناء على ما صرح به في كتابه‪" :‬‬ ‫‪-18‬‬
‫المنقذ من الضالل "‪ ،‬وبناء على مفهوم اإليمان بالباري‪ ،‬وضرورة النبوة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ -1‬أرسطاطاليس‪ " :‬الطبيعة "‪ ،‬ترجمة إسحق بن حنين‪ ،‬مع شروح ابن السمح‪ ،‬وابن عدي‪،‬‬
‫ومتى بن يونس‪ ،‬وأبي الفرج بن الطيب‪ ،‬حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ 1404 ،‬ه – ‪ 1984‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬أفالطون‪ " :‬في السفسطائيين والتربية‪ :‬محاورة بروتاجوراس "‪ ،‬ترجمة وتقديم د‪ .‬عزت‬
‫قرني‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬األصبهاني‪ ،‬أبو نعيم ( ت ‪ 430‬ه )‪ " :‬دالئل النبوة "‪ ،‬حققه الدكتور محمد رواس قلعه‬
‫جي‪ ،‬عبد البر عباس‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بييروت‪ 1406 ،‬ه – ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫الخ ْس َرْو ِجردي الخراساني‪ ،‬أبو بكر (المتوفى‪:‬‬
‫‪ -4‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫‪458‬هـ)‪ " :‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة" ‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1405 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ -5‬إبن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن‬
‫أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ)‪ " :‬الفرقان بين أولياء‬
‫الرحمن وأولياء الشيطان"‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬مكتبة دار البيان‪،‬‬
‫دمشق‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫‪" :___________ -6‬اإليمان "‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪1416 ،‬هـ‪1996/‬م‬

‫‪86‬‬
‫‪ " :____________ -7‬االستقامة "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد‬
‫بن سعود ‪ -‬المدينة المنورة الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ " :___________ -8‬الفتوى الحموية الكبرى"‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬حمد بن عبد المحسن‬
‫التويجري‪ ،‬دار الصميعي – الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1425‬هـ ‪2004 /‬م‪.‬‬
‫‪ " :_____________ -9‬التدمرية‪ :‬تحقيق اإلثبات لألسماء والصفات وحقيقة الجمع بين‬
‫القدر والشرع "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد بن عودة السعوي‪ ،‬مكتبة العبيكان – الرياض‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫السادسة ‪1421‬هـ ‪2000 /‬م‪.‬‬
‫____________‪ " :‬الرد على المنطقيين "‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون‬ ‫‪-10‬‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫_____________‪ " :‬الصفدية"‪ ،‬المحقق‪:‬محمد رشاد سالم‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫مصر‪،‬الطبعة‪:‬الثانية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫________‪" :‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكالمية"‪ ،‬المحقق‪:‬مجموعة‬ ‫‪-12‬‬
‫من المحققين‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪:‬األولى‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫________‪ " :‬رسالة في أصول الدين"‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1400 ،‬هـ‪1980/‬م‪،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫بدون بيانات أخرى‪.‬‬
‫ابن الجوزي‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (المتوفى‪:‬‬ ‫‪-14‬‬
‫‪597‬هـ)‪ " :‬المنتظم في تاريخ الملوك واألمم "‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة المعارف العثمانية‪ 1359 ،‬ه‪.‬‬
‫_________‪ " :‬ذم الهوى"‪ ،‬المحقق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد‬ ‫‪-15‬‬
‫الغزالي‪ ،‬بدون بيانات أخرى‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد األندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى‪:‬‬ ‫‪-16‬‬
‫‪ 456‬هـ)‪ " :‬التقريب لحد المنطق والمدخل إليه باأللفاظ العامية واألمثلة الفقهية"‪ ،‬المحقق‪:‬‬
‫إحسان عباس‪ ،‬دار مكتبة الحياة – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫___________‪ " :‬رسالة مراتب العلوم "‪ ،‬ضمن‪ :‬رسائل ابن حزم األندلسي‪،‬‬ ‫‪-17‬‬
‫المحقق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ - 4 ،‬الطبعة‪،1 :‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫___________‪" " :‬الفصل في الملل واألهواء والنحل"‪ ،‬مكتبة الخانجي –‬ ‫‪-18‬‬
‫القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‬
‫حسين‪ ،‬د‪ .‬رواء محمود‪ " :‬ابن حزم ونقد المنطق (الكليات الخمس نموذجاً)”‪ ،‬نشر‬ ‫‪-19‬‬
‫على موقع األلوكة األلكتروني‪ ،‬بتاريخ ‪ 2014/12/15‬ميالدي ‪ 1436/2/23 -‬هجري‪،‬‬
‫على الرابط االليكتروني اآلتي‪./http://www.alukah.net/culture/0/79797 :‬‬
‫_____________‪ " :‬اإلنجاز المنطقي للدكتور محمد رمضان عبد هللا – قراءة‬ ‫‪-20‬‬
‫تحليلية في المقدمات المنطقية "‪ ،‬بحث منشور في أعمال المؤتمر الفلسفي التاسع لقسم‬
‫الدراسات الفلسفية‪ ،‬بيت الحكمة‪ ،‬بغداد‪ ،‬والموسوم‪" :‬الفلسفة العراقية من البواكير إلى‬
‫الحاضر"‪ ،‬تشرين الثاني‪ 2009/‬م‪.‬‬
‫______________‪ " :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة اإلسالمية "‪،‬‬ ‫‪-21‬‬
‫ط‪ ،1‬دار ناشري للنشر االليكتروني‪ ،‬الكويت‪ 1434 ،‬ه – ‪ 2013‬م‪:‬‬
‫‪.http://www.nashiri.net/ebooks.html‬‬
‫______________‪ " :‬شرعة ومنهاج‪ :‬أصول المنهج العلمي في علم الحكمة‬ ‫‪-22‬‬
‫‪.2014‬‬ ‫الكويت‪،‬‬ ‫االليكتروني‪،‬‬ ‫للنشر‬ ‫ناشري‬ ‫دار‬ ‫اإلسالمية‪،‬‬
‫‪.http://www.nashiri.net/ebooks.html‬‬

‫‪88‬‬
‫______________‪" :‬حكمة بالغة‪ :‬اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن الكريم‪،‬‬ ‫‪-23‬‬
‫دار األلوكة للنشر‪ 2014/9/9 ،‬ميالدي ‪ 1435/11/15 -‬هجري‪ ،‬على الرابط اآلتي‪:‬‬
‫‪،/http://www.alukah.net/sharia/0/75741‬‬
‫_________‪ " :‬مشكلة النص والعقل في الفلسفة االسالمية – دراسات منتخبة‬ ‫‪-24‬‬
‫"‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1427 ،‬ه – ‪ 2006‬م‪.‬‬
‫__________‪ " :‬قراءة جديدة للفلسفة الطبيعية عند ابن حزم‪ ،‬العدد (‪،)15‬‬ ‫‪-25‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬ ‫بغداد‪،‬‬ ‫االعظم‪،‬‬ ‫االمام‬ ‫كلية‬ ‫مجلة‬
‫‪http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=64966‬‬
‫___________‪ " :‬القرآن والتوحيد‪ :‬مدخل إلى التفسير التوحيدي للقرآن الكريم‬ ‫‪-26‬‬
‫"‪ ،‬موقع األلوكة‪ ،‬بتاريخ ‪ 1437/2/16‬هجري‪ - 2015/11/29 :‬ميالدي‪ ،‬على الرابط‬
‫اآلتي‪/http://www.alukah.net/sharia/0/95227 :‬‬
‫___________‪ " :‬ففروا إلى هللا‪ ،‬األلوكة "‪ ،‬تاريخ اإلضافة‪2016/3/13 :‬‬ ‫‪-27‬‬
‫اآلتي‪:‬‬ ‫الرابط‬ ‫على‬ ‫هجري‪،‬‬ ‫‪1437/6/3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ميالدي‬
‫‪/http://www.alukah.net/sharia/0/100210‬‬
‫‪ -1‬الخالل‪ ،‬أبو بكر ( ت ‪ 311‬ه)‪ " :‬السنة "‪ ،‬دراسة وتحقيق الدكتور عطية الزهراني‪ ،‬دار‬
‫الراية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1410 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الخولي‪ ،‬د‪ .‬يمنى طريف‪ " :‬من منظور فلسفة العلوم‪ :‬الطبيعيات في علم الكالم‪ :‬من‬
‫الماضي إلى الحاضر "‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -3‬الدمنهوري‪ ،‬العالمة أحمد بن عبد المنعم ( ت ‪ 1191‬ه)‪ " :‬إيضاح المبهم لمعاني السلم"‬
‫( شرح على متن السلم المنورق في علم المنطق )‪ ،‬اعتنى به مصطفى األزهري‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار البصائر‪ ،‬القاهرة‪ 1429 ،‬ه – ‪ 2008‬م‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -4‬دي بور‪ " :‬تاريخ الفلسفة في اإلسالم "‪ ،‬ترجمة الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده‪ ،‬جار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الشيخ مصطفى عبد الرازق‪ " :‬تمهيد لتاريخ الفلسفة‬
‫اإلسالمية "‪ ،‬تقديم محمد حلمي عبد الوهاب‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -5‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن َق ْايماز (المتوفى‪748 :‬هـ)‪:‬‬
‫" سير أعالم النبالء"‪ ،‬المحقق‪ :‬مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 /‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬الرازي‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬محمد بن زكريا (المتوفى‪313 :‬هـ)‪ " :‬رسائل فلسفية"‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة‬
‫إحياء التراث العربي في دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الخامسة‪ 1402 ،‬هـ ‪ 1982 -‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬الرازي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر‬
‫الدين خطيب الري (المتوفى‪606 :‬هـ)‪ " :‬معالم أصول الدين "‪ ،‬المحقق‪ :‬طه عبد الرؤوف‬
‫سعد‪ ،‬دار الكتاب العربي – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -8‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد‬
‫(المتوفى‪595 :‬هـ)‪ " :‬فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اإلتصال"‪ ،‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ " :___________ -9‬نص تلخيص منطق أرسطو "‪ ،‬القسم األول‪ " :‬مقدمة تحليلة"‪ ،‬القسم‬
‫الثاني‪ " :‬تصدير عام حول المخطوطات "‪ ،‬القسم الثالث‪" :‬فهارس األسماء والمصطلحات"‪،‬‬
‫القسم الرابع‪ " :‬مصادر ومراجعات "‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1992 ،‬م‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫___________‪ " :‬نص تلخيص منطق أرسطو "‪ ،‬المجلد الرابع‪ " :‬كتاب‬ ‫‪-10‬‬
‫أنالويطيقي األول أو كتاب القياس "‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫___________‪ " :‬نص تلخيص منطق أرسطو "‪ ،‬المجلد الخامس‪ " :‬كتاب‬ ‫‪-11‬‬
‫أنالويطيقي الثاني أو كتاب البرهان "‪ ،‬دراسة وتحقيق د‪ .‬جيرار تهامي‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫السبكي ( ت ‪ 771‬ه )‪ " :‬طبقات الشافعية الكبرى "‪ ،‬تحقيق عبد الفتاح محمد‬ ‫‪-12‬‬
‫الحلو‪ ،‬ومحمود محمد الطناحي‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ 1388 ،‬ه – ‪1968‬‬
‫م‪.‬‬
‫ابن سينا‪ " :‬اإلشارات والتنبيهات "‪ ،‬مع شرح نصير الدين الطوسي‪ ،‬تحقيق الدكتور‬ ‫‪-13‬‬
‫سليمان دنيا‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫الشهرستاني‪ ،‬أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد (المتوفى‪548 :‬هـ)‪:‬‬ ‫‪-14‬‬
‫" الملل والنحل"‪ ،‬مؤسسة الحلبي‪ ،‬بدون بيانات أخرى‪.‬‬
‫إبن صالح‪ ،‬عثمان بن عبد الرحمن‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬تقي الدين (المتوفى‪643 :‬هـ)‪" :‬‬ ‫‪-15‬‬
‫طبقات الفقهاء الشافعية "‪ ،‬المحقق‪ :‬محيي الدين علي نجيب ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية –‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫أبو طالب المكي‪ ،‬محمد بن علي بن عطية الحارثي‪( ،‬المتوفى‪386 :‬هـ)‪ " :‬القلوب‬ ‫‪-16‬‬
‫في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد "‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عاصم إبراهيم‬
‫الكيالي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005-‬م‪،‬‬
‫وطبع أيضاً بتحقيق د‪ .‬محمود إبراهيم الرضواني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار التراث‪ ،‬القاهرة‪ 1422 ،‬ه –‬
‫‪ 2001‬م‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫إبن أبي عاصم ( ت ‪ 287‬ه)‪ " :‬السنة "‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه باسم بن فيصل‬ ‫‪-17‬‬
‫الجوابرة‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض‪ 1419 ،‬ه – ‪ 1998‬م‪ ،‬ونسخة أخرى‬
‫بتحقيق حمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1400 ،‬‬
‫ه‪.‬‬
‫ابن العربي‪ " :‬العواصم من القواصم "‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة دار التراث‪ 1417 ،‬ه –‬ ‫‪-18‬‬
‫‪ 1997‬م‪.‬‬
‫ابن عساكر‪ ،‬ثقة الدين‪ ،‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة هللا المعروف (المتوفى‪:‬‬ ‫‪-19‬‬
‫‪571‬هـ)‪ " :‬تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى اإلمام أبي الحسن األشعري"‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ)‪" :‬المنقذ من‬ ‫‪-20‬‬
‫الضالل"‪ ،‬تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫________‪ :‬نشرة أخرى لكتاب الغزالي " المنقذ من الضالل " بتحقيق الدكتور‬ ‫‪-21‬‬
‫جميل صليبا والدكتور كامل عياد‪ ،‬ط ‪ ، 7‬بيروت‪ 1967 ،‬م‪.‬‬
‫________‪ " :‬المستصفى"‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم عبد الشافي‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪-22‬‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫_________‪ " :‬معيار العلم في فن المنطق "‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور سليمان دنيا ‪،‬‬ ‫‪-23‬‬
‫دار المعارف‪ ،‬مصر‪ 1961 ،‬م‪.‬‬
‫__________‪ " :‬معارج القدس في مدراج معرفة النفس"‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‬ ‫‪-24‬‬
‫– بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫_________‪ " :‬محك النظر في المنطق" ‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد فريد المزيدي‪ ،‬دار‬ ‫‪-25‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫__________‪ " :‬مقاصد الفالسفة "‪ ،‬تحقيق الدكتور سليمان دنيا‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬ ‫‪-26‬‬
‫مصر‪ 1961 ،‬م‪.‬‬
‫__________‪ " :‬قواعد العقائد " ‪ ،‬المحقق‪ :‬موسى محمد علي‪ ،‬عالم الكتب –‬ ‫‪-27‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫___________‪ " :‬االقتصاد في االعتقاد "‪ ،‬وضع حواشيه‪ :‬عبد هللا محمد‬ ‫‪-28‬‬
‫الخليليدار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1424 ،‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫_____________‪ " :‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء هللا الحسنى "‪،‬‬ ‫‪-29‬‬
‫المحقق‪ :‬بسام عبد الوهاب الجابي‪ ،‬الجفان والجابي – قبرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1407 ،‬‬
‫– ‪ 1987‬م‪.‬‬
‫___________‪ " :‬المنخول من تعليقات األصول "‪ ،‬حققه وخرج نصه وعلق‬ ‫‪-30‬‬
‫عليه‪ :‬الدكتور محمد حسن هيتو‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ -‬بيروت لبنان‪ ،‬دار الفكر دمشق‬
‫– سورية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1419 ،‬هـ ‪ 1998 -‬م‬
‫__________‪ " :‬تهافت الفالسفة"‪ ،‬تحقيق‪ ،‬الدكتور سليمان دنيا‪ ،‬ط‪ ،6‬دار‬ ‫‪-31‬‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة – مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫الفارابي‪ " :‬إحصاء العلوم "‪ ،‬قدم له وشرحه وبوبه الدكتور علي بو ملحم‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪-32‬‬
‫دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪.1996 ،‬‬
‫_______________‪ " :‬كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة "‪ ،‬قدم له وعلق الدكتور البير‬ ‫‪-33‬‬
‫نصري نادر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫_________‪ " :‬كتاب السياسة المدنية الملقب بمبادئ الموجودات "‪ ،‬حققه وقدم‬ ‫‪-34‬‬
‫وعلق عليه الدكتور فوزي متري نجار‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪1964 ،‬م‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفارسي‪ ،‬لعبد الغافر‪ " :‬المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور "‪ ،‬إنتخبه إبراهيم بن‬ ‫‪-35‬‬
‫محمد بن األزهر الصريفيني‪ ،‬تحقيق محمد أحمد عبد العزيز‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ 1409 ،‬ه – ‪ 1989‬م‪.‬‬
‫إبن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (المتوفى‪:‬‬ ‫‪-36‬‬
‫‪751‬هـ)‪ " :‬الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" ‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد جميل غازي‪،‬‬
‫مكتبة المدني – جدة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫__________‪ " :‬زاد المعاد في هدي خير العباد"‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪-‬‬ ‫‪-37‬‬
‫مكتبة المنار اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬السابعة والعشرون ‪1415 ,‬هـ ‪1994/‬م‪.‬‬
‫الكلنبوي ( ت ‪ 1205‬ه )‪ " :‬البرهان "‪ ،‬وعليه حواشي للبنجويني‪ ،‬وابن القرداغي‪،‬‬ ‫‪-38‬‬
‫مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حسن باشا زاده‪ " :‬حاشية على رسالة اآلداب للكلنبوي‬
‫"‪ ،‬بدون بيانات نشر‪.‬‬
‫الكندي‪ " :‬رسائل الكندي الفلسفية "‪ ،‬حققها وأخرجها مع مقدمة تحليلية لكل منها‬ ‫‪-39‬‬
‫وتصدير واف عن الكندي وفلسفته محمد عبد الهادي أبو ريده‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 1369‬ه – ‪ 1950‬م‪.‬‬
‫المنجد‪ ،‬المشرف العام الشيخ محمد صالح ‪ ،‬هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على‬ ‫‪-40‬‬
‫( من هو اإلمام الغزالي ) ؟ من موقع‪ :‬إسالم سؤال وجواب‪ ،‬على الرابط اآلتي‪:‬‬
‫‪https://islamqa.info/ar/13473‬‬
‫النورسي‪ ،‬بديع الزمان سعيد‪ " :‬قزل إيجاز على سلم المنطق "‪ ( ،‬حاشية األستاذ‬ ‫‪-41‬‬
‫بديع الزمان سعيد النورسي على متن السلم المنورق للشيخ عبد الرحمن األخضري "‪ ،‬مع‬
‫شرح أخيه عبد المجيد النورسي‪ ،‬ترجمة األستاذ إحسان قاسم الصالحي‪ ،‬بدون بيانات‬
‫أخرى‪.‬‬

‫‪94‬‬
:‫المراجع األجنبية‬
1- Al-Ghazālī's Path to Sufism and His Deliverance from Error: An
Annotated Translation of Al-Munqidh Min Al Dal−al, Translated by
Richard Joseph McCarthy (Kentucky: Fons Vitae, 2000).
2- Deming, David, Science and Technology in World History, Volume
2: Early Christianity, The Rise of Islam and the Middle Ages (North
Carolina and London: 2010).
3- Elshakry, Marwa, Reading Darwin in Arabic, 1860-1950 (Chicago
and London: University of Chicago Press, 2013).
4- Hussain, Rawaa Mahmoud, Al-Ghazālī as an Annotator of the
Holy Qur’ān, First Edition (Baghdad: Al-Rajaa Publishing House,
2010).
5- Grant, Edward, A History of Natural Philosophy: From the Ancient
World to the Nineteenth Century (New York: Cambridge University
Press, 2008).
6- Griffel, Frank, Al-Ghazali’s Philosophical Theology (Oxford: Oxford
University Press, 2009); Richard M. Frank, Al-Ghazālī and the
Ashʻarite School (Durham and London: Duke University Press,
1994).

95
7- Painter, Corinne, « In Defense of Socrates: The Stranger’s Role
in Plato’s Sophist,” in: Epoché: A Journal for the History of
Philosophy 9, Issue 2 (Spring 2005), Special Issue: The Ancient
Philosophy Society. DOI: 10.5840/epoche20059221.
8- Rickless, Samuel C., Plato’s Definition(s) of Sophistry”, in” Ancient
Philosophy 30, Issue 2 (Fall 2010), pp. 289-298. DOI:
10.5840/ancientphil201030230; Donald C. Lindenmuth, “Plato's
Sophist: The Drama of Original and Image,” in: The Review of
Metaphysics 39, Issue 1, (September 1985).

96

You might also like