Professional Documents
Culture Documents
2
بِسمِ اهلل الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
حممد
و الصالة و السالم عىل خاتم النب ّيني ّ
المصطفى ،و وص ّيه المنتجب صاحب الوالية الكربى
3
باألرواح و حقيقة احلقائق ،و األصل القديم ،و منبع
4
هذه اجلذبة المغناطيس ّية احلقيق ّية التي تكون نتيجتها
و أثرها حتطيم قيود الطبيعة ،و احلدود األنفس ّية ،و ّ
االّتاه
حتركه نحو
فاإلنسان من أعامق ذاته و فطرته يدرك ّ
بقوة الغريزة و
كعبة المقصود و قبلة المعبود ،و يسافر ّ
الفطرة اإلهل ّية و ي ّتجه ّ
بكل وجوده نحو هذا اهلدف ،و لذا
حقيقتهّ ،
كل هذه
1
السبزواري» اإلهل ّيات ،يف أفعاله تعايل ،غرر يف أنحاء تقسيامت لفعل
ّ «منظومة
اهلل تعايل ،ص ،۱۸3طبعة نارصي.
5
6
االمور ،جيب أن تكون حارضة يف هذا السفر و
تشارك فيه.
بدال من ال ُّل ّ
ب و اجلوهر ،كم هم و اقتنعوا بالقشور ً
بعيدون ّ -
كل البعد -عن كعبة المقصود و كم هم
7
اجلزئي من ّ
ّتيل األنوار اإلهل ّية ،و نكتفي بألفاظ ّ هذا العامل
الوصول و ال ّل ّ
ب و القلب و العبادة القلب ّية؟ أليست هذه
مراتب وجودهم
8
ّتهزوا
عىل العبادة و االنقياد حلرضة المحبوب ،و ّ
يت.
هلذا السفر الملكو ّ
فجعلوا الظاهر عنوان ًا للباطن ،و الباطن روح ًا و
اه ِري بِ َطا َعتِ َكَ ،و َباطِنِي بِ َم َح َّبتِ َك ،و
اللهم َنور َظ ِ
َّ ِّ ْ
استِ ْق َال ِل
رسي بِ ْ ِّ
وحي بِم َشاه َدتِ َك ،و ِ
َ َ ُ
َق ْلبِي بِمع ِر َفتِ َك ،و ر ِ
َ ُ َ ْ
1 رضتِ َكَ ،يا َذ َ
ااجلال ِل َو اإل ْك َرا ِم. ِ
ا ِّت َصال َح ْ َ
و من هنا ي ّتضح َّ
أن اإلقتصار عىل العلوم اإلهل ّية و
اإلنساين لن
ّ طي مدارج و معارج الكامل
تكامل النفس و ّ
يكون كافي ًا ّ
بأي وجه من الوجوه .فرتتيب القياس و
1من مجلة فقرات الدعاء المنسوب إىل أمريالمؤمنني عليهالسالم الذي رشحه
كراس صغري؛ و قد ذكره المح ّقق
اآلهنگي و طبعه يف ّ
ّ احلاج الموىل جعفر كبوتر
ّ
الكاشا ّين يف «كلامت مكنونة» ص ،6۱الطبعة احلجر ّية ،هبذه العبارة :و قد ورد
يف أدعيتهم عليهم السالم.
9
المقدمات
ّ الربهان عىل أساس المنطق الصحيح و
10
الروح و القلب ،و ال ُيروي النفس من عطش
ناقص.
11
فالدين القويم و الرصاط المستقيم ُيراعى كال
يف احلالني.
12
جانب آخر يأمر باإلخالص و تطهري القلب من صدأ
ً
جليال يقول تعاىل: اخلاطر .فبعد أحد عرش َق َس ًام عظي ًام و
ا َ َ ْ َ َ َْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َا
قد أفلح من زَّكها ،و قد خاب من دساها .
1
َّان َّ
أن اإليامن و ِ
تأييد اهلل المن ِ ِ األمر ِ
بنور ِ ني يل ِ
آخ َر ح َّتى َت َب َّ َ
غري مستقيم؛ فأ ْل َقينا ِزما َم ِ
أمرنا عقيم و رصا َط ُهم ُ
ٌ قياس ُهم
َ
فكل ما َب َل َغنا من ُه آ َمنَّا به و َص َّدقنا ُه إليه و إىل رسوله الن ِ
َّذيرُّ ،
أنجح.1
َ بربكة متابعتِه و
ِ عىل قلبِنا ما َف َتح َفأ ْف َل َح
اهلمداين
ّ احلق الموىل حسني قيل
و جيب أن نذكر آية ّ
اين
إهلي و عارف ر ّب ّ
صمداين و حكيم ّ
ّ أفضل و أعىل فقيه
عني مرتبة ّ
كل علم يف مكانه و موقعه ،و جعل اإلهلي ،و ّ
ّ
المقصود األسمي هو الوصول إىل حرم اهلل اآلمن ،هذا
16
و «األسفار» و «الشفاء» و حواشيها ،مع االشتغال
ألذ من ّ
كل قياس و برهان ،و كأنه ال فكر ،و التد ّبر فيها ّ
المكرمني.
ّ الغراء و أوصيائه
ّ
المعزز األشفق األخ
ّ المكرم و س ّيدي
ّ و هذا صديقي
االمور الفلسف ّية بذهنه الو ّقاد و نفسه الن ّفادة َّ
أن اإلنسان
الّس دون
ال يمكنه أن ُحي ِّصل اطمئنان اخلاطر و هتدئة ّ
اال ّتصال بالباطن و االرتباط باهلل المنّان و إرواء القلب
17
من منبع الفيوضات الر ّبان ّية ،و بدونه ال يمكنه أبد ًا أن
المقصود.
18
الالمتناهي لذات المعبود و صفاته و أسامئه ،فا ّتسع
ذكرى شهادته ،و أنا الفقري الذي أرى نفيس غري الئق ح ّق ًا،
األعامل.
احلق و
المرحوم ،و جعلتها يف متناول أيدي طالبي ّ
سالكي سبل السالم و طريق احلقيقة .بِ َي ِد ِه ِأز َّم ُة اال ُم ِ
ور َو
أس َت ِع ُ
ني. ِ
بِه ْ
20
اس و ّ
مخ ّأول دورة من و أصل هذه الرسالة ّ
الدروس األخالق ّية و العرفان ّية التي ألقاها استاذنا
ثالثامئة و ثامن و س ّتني ،و تسع و س ّتني هجر ّية قمر ّية يف
فحررهتا كتقريرات
المقدسة عىل بعض الطلبة ّ
ّ حوزة قم
تلطيف النفس.
مقامه الرشيف.
اخ ُلف َع َىل نيَ ،و ْرش ُه َم َع ْأولِ َي ِائ َك الم َق َّربِ َ
اح ُ ْ
اللهم ْ
َّ
اء حممد و آله ال َّط ِ
اه ِري َن، ع ِقبِ ِه يف ال َغابِ ِرين و اجعله ِمن ر َف َق ِ
ّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ
اْحِ َ
ني. ْحتِ َك يا أرحم الر ِ
ْح ُه و إ َّيا َنا بِ َر ْ َ َ ْ َ َ َّ
َو ْار َ ْ
21
22
الفصل األول :املعرِفَةُ اإلجمَاليَّةُ والبَرنامجُ الكلُّيّ لِلْسُلُوكِ إلَى
اهلل
23
24
بِسمِ اهلل الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
كل جانب و يف ّ
كل أمواج العالئق الام ّد ّية التي تتقاذفه من ّ
1
فصلت.
اآليتان 53و ،54من السورة ّ :4۱
25
آن ،فام أن يفيق من لطامت األمواج و صدماهتا ح ّتى تأيت
للنجدة.
هتددانهو ترعبانه.
ّ
السري و السلوك يف اصطالح العرفاء
26
إن لِربكُم يف أيا ِم ده ِر ُكم َن َفح ٍ
ات َأال َف َت َع َّر ُضوا هلا َو َو َّ َ ِّ ْ َّ َ ْ ْ َ
1
َال ُت ْع ِر ُضوا َعن َْها.
ما يمكنه عنان السفر ليخ ّلص نفسه من هذه الغوغائ ّية
28
بالكثرات اخلارج ّية ،و صارت جزء ًا من آثارها و
ثامرها و مواليدها.
قاصدة إهالكه.
بدهيي َّ
أن الصدمة و العذاب الناشئني من الكثرات ّ و
29
إن المسافر يف طريق اهلل و اخللوص و العبود ّية احل ّقة
اهلمة
يشمر ساعد ّ
ال خياف من هؤالء األعداء؛ فهو ّ
مستعين ًا بتلك النغمة القدس ّية ّ
ليتقدم نحو المقصد و خيرج
ترتسب ّ
كل األوساخ فيظهر مدة ال يلمسه ح ّتى ّ
و يرتكه ّ
الامء يف احلوض صافي ًا فيظ ّن َّ
أن هذا الصفاء و هذه الطهارة
30
الصايف و تظهر عىل سطحه بشكل قطع سوداء .فينبغي
31
جمدد ًا ّ
لتشوش تتحجر و ال تستطيع أن تقوم ّ
ّ يف ذهنه و
تعاىل بالتفصيل.
آخِر مرحلة السلوك الفناء يف الذات األحديّة
32
َْ َ ْ ُْ َُ َ
1
عِند رب ِ ِهم يرزقون.
و أيض ًا:
3
باق. ِ
َْ ا
اَّلل د ِن
ع ما ك ْم َينْ َف ُد َ
و
َْ ُ
ما عِند
ٍ
بضم هذه اآليات بعضها إىل بعض ،ي ّتضح َّ
أن اولئك ّ
بنص
األحياء و المرزوقني هم عبارة عن وجه اهلل الذي ّ -
اآلية الكريمة -ال يعرف الفناء و الزوال.
َّ
أن المراد من وجه اهلل تعاىل و الذي ال يقبل الزوال هو
العزة و اجلالل:
ّ
فإن وجه ّ
كل يشء هو ما حتصل المواجهة به، كام نعلم َّ
أن ّ
كل اإلهل ّية التي يواجه اهلل خملوقاته هبا و النتيجة َّ
أن السالكني إىل اهلل الذين وصلوااجلامل ّية ،و هكذا ُيعلم َّ
َْ َ ْ ٌ َْ َ ْ ُْ َُ َ
إىل فيض سعادة بل أحياء عِند رب ِ ِهم يرزقون هم عبارة
عز. الرب ّ
جل و ّ عن األسامء اجلالل ّية حلرضة ّ
األئمة األطهار عليهم
ّ و ُيعلم أيض ًا بوضوح مراد
و ّ
تويل االمور الرشع ّية و األحكام اإلهل ّية الظاهر ّية .بل
35
فينبغي للسالك أن ال خييل نفسه دون مراقبتها منذ أن
36
حب الام ّدة و التع ّلق بالكثرات جب ّلته و اودع يف ذاتهّ ،إال َّ
أن ّ
الفطري فال يدع هذا النور األز ّيل
ّ يصبح حجاب ًا للعشق
يظهر فيه.
الفطري
ّ احلب و العشق
ّ تزول يف النهاية ،فيظهر ذلك
37
يعرب عن هذه المراقبة يف اصطالح
اجلامل و الكامل .و ّ
العارفينبـ «المدام» (أو اخلمر).
38
سمى يف
مصباح أو قنديل مشتعل .و هذه األنوار ُت ّ
العرفاين» ،و هي من قبيل
ّ اصطالح العارفينبـ «النوم
ّ
كل السامء و األرض رشق ًا و غرب ًا دفعة واحدة مضيئة
كأّنا واقفة
ما ّد ّية ،و بعبارة اخرى قد يالحظ نفسه و ّ
التجرد.
ّ أمامه ،و هذه المرحلة هي مرحلة ابتداء
فرأيت يف وجهي ً
خاال مل احلظه من قبل ،و عندما دخلت
39
إىل الغرفة و نظرت يف المرآة ،رأيت ً
فعال أنه كان يوجد يف
40
و المكان ،و فيام بعد -و بربكة التوفيقات اإلهل ّية-
بتجردها التا ّم و
ّ يستطيع السالك أن يرى حقيقة نفسه
الكامل.
الملكي
ّ احلاج المريزا جواد
ّ و ينقل عن المرحوم
ّترد النفس،
وصل إىل مقام القابل ّية المحضة لإلدراك و ّ
فأردت أن ينال هذا السالك طريق السعادة و هذا الفيض
ُ
بيت االستاذ ،و بعد عرض األمر عليه قال االستاذ :ليس
41
و ليعلم َّ
أن شهود الموجودات الربزخ ّية ليس له ذلك
42
حيدها زمان و ال مكان ،بل
ف ُتشاهد بصورة موجودة مل ّ
الكربالئي رضوان اهلل أْحد دي الس المرحوم عن لَ ُن ِ
ق
ّ ّ
اهلمداين البارزين ،أنه
ّ عليه الذي كان من تالمذة المرحوم
قال:
هي مرحلة ّ
ّتيل النفس التي تشاهد بتلك الصورة عىل هيئة
المقدسة بنحو ّ ّ
كيل. ّ الباري تعاىل ،أو إدراك أسامء الذات
43
و كم حيدث يف هذه احلال أن ينتبه السالك فجأة إىل َّ
أن
أبد ًا غري قدرة واحدة؛ هذا يف مرحلة شهود الصفات ،أ ّما
أن الموجود يف ّ
كل العوامل ،عامل واحد و ي ِ
الحظ السالك َّ ُ
قادر واحد
44
حي واحد.
و ّ
شك فيه َّ
أن هذه المرحلة هي أرشف و أكمل و ممّا ال ّ
اإلهلي،
ّ و حني يطوي السالك هذه المراحل بالتوفيق
45
احلقيقي ،إىل أن حتيط به
ّ لتقربه يف ّ
كل آن إىل الفناء اإلهل ّية ّ
متوجه ًا إىل اجلامل و الكامل
ّ أخري ًا اجلذبة التي ّتعله
اخلاص و ّ
كل عامل الوجود يف ّ المطلق ،فيشتعل وجوده
46
1 فال يرى أثر ًا لسواهَ ،ك َ
ان اهلل َو مل َي ُك ْن َم َع ُه َْ
يش ٌء.
و ال خيفى َّ
أن سري السالك و سلوكه ال يتناىف مع
المقام.
1
العيني) ص ۱۱4و .۱۱5
ّ العلمي و
ّ «توحيد علمي و عيني»( /التوحيد
47
عرب عن هذه احلالة يف األخبار و عىل لسان
و ُي ّ
العظامءبـ البقاء بالمعبود ،و ال يمكن الوصول إىل هذه
ّّ
الكيل لعامل المرتبة من الكامل ّإال بعد حصول الفناء
المقدسة.
ّ السالك شيئ ًا سوى الذات اإلهل ّية
48
ِ ِ
ب أنهُ « :طل َ
ب من أحد المنجذبني باجلذبة اإلهل ّية و ُكت َ
ُيدعى بابا فرج اهلل المجذوب أن يصف الدنيا ،فقال :مذ
1
فتحت عين َّي مل َأر الدنيا ح ّتى أصفها لكم».
ُ
يقو ح ّتى
اإلبتدائي الذي مل َ
ّ يعرب عن هذا الشهود
و ّ
ذاك
1رشح حال «بابا فرج المجذوب» موجود يف كتاب «تاريخ حرشي» (=تأريخ
احلرشي) يف حاالت العرفاء المتو ّفني يف تربيز ،و قد جاء كالم «بابا فرج» هذا
ّ
يف الكتاب منظوم ًا:كه فرج تا كه ديده بگشادستچشم او بر جهان نيفتاده است
عيني َف َرج مل تشاهد الدنيا منذ أن فتحها» ونظريه ما أنشده حافظ.
إن ْ و ترمجتهَّ « :
(«ديوان حافظ» غزل 3۸۷ص ،39۰طبعة پژمان):منم كه شهرة شهرم به
عشق ورزيدن***منم كه ديده نيالودهام به بد ديدنوترمجته:أنا من كنت يف
بلدي بالعشق مشهورا***أنا من مل تشاهد عيناه سواه حمبوباوعن ابن الفارض
الص ْ ِرب ِ ِ ِ
أيض ًا («ديوان ابن الفارض» ص :)۱۸2و َح َياة ْأش َواقي إ َل ْي َك َو ت ُْر َبة َّ
يلوقد نقل أنه نظم است َْح َسن َْت َع ْينِي ِس َو َ
اك َو َال َص َب ْو ُت َإىل َخلِ ِ جل ِم ِ
يل*** َما ْ ا َ
هذا البيت يف عامل الرؤيا.
49
الوقت بـ «احلال» ،و يكون السالك فيه غري خمتار،
1
للهجويري ،ج ،2
ّ «جامع األرسار» ص ،2۷و 2۰5؛ و «كشف المحجوب»
ص .6۱6
2اآلية ،۱۱۰من السورة :۱۸الكهف.
50
الوصول ملقام التوحيد املطلق مُيَسَّر للجميع
اختصايص،
ّ النبوة و اإلمامة أمر نقولَّ :
إن منصب ّ
ولك َّن الوصول إىل مقام التوحيد المطلق و الفناء يف
51
عرب عنه بالوالية ليس أمر ًا اختصاص ّي ًا أبد ًا ،و دعوة
ُي َّ
األئمة عليهم السالم اممهم إىل هذه المرحلة من
األنبياء و ّ
الكامل ،و دعوة رسول اهلل ّ
صىل اهلل عليه و آله و سلم ا ّمته
إىل اقتفاء آثار مسريه حيثام سار ،خري دليل عىل إمكان
السري إىل ذلك المقصد ،و ّإال لزم أن تكون الدعوة لغو ًا.
ُ ْ َ ا ُ ْ ٌَ َ َ ٌَ َ ْ َ ُ َ ْ ََ ْ َ َ ُ
لقد اكن لكم ِِف رسو ِل اَّللِ أسوة حسنة ل ِمن اكن يرجوا
ً1 اَ َ َْ ْ َ ْ َ َ َ َ َ اَ َ
خر و ذكر اَّلل كثِريا.اَّلل و اْلوم اْل ِ
اخلاصة:
ّ و روي أيض ًا عن طريق
اإلهل ّية ،و نتيجة هذه اإلحاطة اال ّطالع عىل الاميض و
التس ّلط عىل المحاط عليه ،فهو مرافق للجميع ،و حارض
يف ّ
كل مكان.
اجلييل يف
ّ يقول أحد العارفني و هو الشيخ عبدالكريم
أن حصول ّ
كل هذه المراتب متو ّقف عىل بامور البدن ،و َّ
ترك تدبري البدن .يقول أحد عرفاء اهلند و اسمه الشيخ و ّيل
1
المحجة البيضاء» ج ،2ص .۱25
ّ «بحار األنوار» ج ،۷۰ص 44؛ و «
53
الدهلوي يف كتابه «اهلمعات» :أطلعوين عىل َّ
أن ّ اهلل
التخ ّلص من آثار النشأة الام ّد ّية حيصل بعد مرور مخسامئة
المدة مطابقة
عام عىل اجتياز عامل الام ّدة و الموت ،و هذه ّ
ا
قائلَ :و إِن
عز من ٍلنصف يوم من األ ّيام الربوب ّية ،لقوله ّ
ا َ ُ ُّ َ 1 َ َ َْ ً َْ َ َ ََْ
يوما عِند ربِك كأل ِف سن ٍة مِما تعدون.
و معلوم َّ
أن سائر درجات و فيوضات هذا العامل بال
المجردة لعامل
ّ يكن من الممكن بيان احلقائق و األنوار
األفهام.
يف إطار حاجاته اليوم ّية ،أ ّما سائر العوامل و التع ّلقات و
1
احلج.
اآلية ،4۷من السورة ّ :22
54
التشعشعات و األنوار و األرواح التي ال علم له هبا فال
يضع هلا ألفاظ ًا ،فال يوجد -بنا ًء عىل ذلك -لغة يف العامل
55
االوىل :األنبياء الكرام عليهم السالم ،حيث و ال ّ
شك
َع َىل َق ْد ِر ُع ُق ْ
1
يعربوا عن هذه احلقائق
اضطروا أن ّ
ّ وهلم
يعربون عن حقيقة
تبيان ما ال خيطر عىل قلب برش ،و كانوا ّ
ٍ2 أت َو َال ا ُذ ٌن َس ِم َع ْت َو َال َخ َط َر َع َىل َق ْل ِ
ب َب َرش َما َال َع ْ ٌ
ني َر ْ
و ال يسعها بيان.
1
العيني) ص .۱36
ّ العلمي و
ّ «توحيد علمي و عيني» (التوحيد
2
المحجة البيضاء» ج ،۷ص 5۷؛ و «بحار األنوار» ج ،۸ص .92
ّ «
56
عامل اخللوص و اإلخالص
و ليعلم َّ
أن الوصول إىل هذه المقامات و الدرجات
ال يمكن
57
أن يتح ّقق دون اإلخالص يف سبيل ّ
احلق ،و مادام
َ 2 َ ا ُْ ْ َ ا
النبوي
ّ الرشيفة :إِال عِباد اَّللِ المخل ِصَّي .و احلديث
اح ًا َظ َه َر ْت َينَابِ ُ
يع ص هلِل ْأر َب ِع َ
ني َص َب َ أخ َل َ
المشهورَ :م ْن ْ
تعاىل:
اخللوص يستند إىل العمل أحيان ًا و قد نسبه إليه ،و أحيان ًا
االستثناء للمخلصني
يت يف
طبيعي القتدارهم الذا ّ
ّ ترشيع ّي ًا ،و إ َّنام هو أثر
منها فيض ًا إهل ّي ًا ،هلذا اعرتف الشيطان منذ البداية بالعجز
ماوات َو َم ْن ِِف
ِ الصور َف َصعِ َق َم ْن ِف ا
الس َو نُف َخ ِف ُّ
ِ ِ ِ ِ
ا َْ
َ ا ُ 1 ْ َ ْ
اَلر ِض إِال من شاء اَّلل.
قطعي -وجود
ّ فيعلم من هذه اآلية الكريمة -بشكل
مجاعة تأمن صعقة يوم القيامة و فزعه ،و إذا ضممنا إليها
َ ا ا َ اُ ْ َُ ْ َ ُ َ
اآلية الرشيفة :فإِنهم لمحَضون ،إِال عِباد اَّللِ
َ 2 ُْ ْ َ
المخل ِصَّي ،ي ّتضح أن الطائفة التي هي يف أمان من
َّ
تقدم َّ
أن اإلحضار ينشأ من عدم يضاف إىل ما ّ
احلضور ،فهم قبل ظهور القيامة كانوا حارضين يف ّ
كل
ْ
كل األحوال؛ لقوله تعاىل :عِن َد
مكان ،و م ّطلعني عىل ّ
ُ َ
َرب ِ ِه ْم يُ ْر َزقون.
أن ّ
كل ما يعطى لإلنسان من ثواب و أجر يوم الثالثَّ :
تتعدى الكرامة اإلهل ّية هلم حدود أجر العمل ّ الناس
َ ا ُ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ َُْ ْ َ ا
المعهودَ :و ما ُتزون إِال ما كنتم تعملون ،إِال عِباد
َ 2 ا ُْ ْ َ
اَّللِ المخل ِصَّي.
بحسب
63
أعامهلم ،أ ّما عباد اهلل المخ َلصني فلن يكون جزاؤهم
التصور ،و
ّ تتع ّلق به اإلرادة و المشيئة ،و أعىل من مستوى
65
الرابعَّ :
أن هلؤالء المقام المنيع و المنصب الرفيع و
المقدسة ،قال
ّ و الثناء للذات األحد ّية كام هو الئق بالذات
َ ا ا ُ َ َ ا َ
عز من قائلُ :سبْحان اَّللِ ع اما يَ ِصفون ،إِال عِباد اَّللِ
ّ
َ 1 ُْ ْ َ
المخل ِصَّي .و هذه غاية كامل المخلوق ،و منتهى
الدرجة الممكنة.
لزوم قطع عالقة السالك من عامل الكثرة
يعلم َّ
أن الوصول إىل هذه الكامالت و حتصيل هذه احلقائق
يتيّس ّإال لمن ُيق َتل يف ميدان اجلهاد يف سبيل اهلل ،و ال
ال ّ
يرتوي من الفيوضات اإلهل ّية ّإال َمن انتهل من كأس
متع ّلقاته ،و كام يقطع الشهيد يف معركة القتال عالقة روحه
الباطني يف
ّ عالقة روحه عن البدن و متع ّلقاته بالسيف
شائج
67
التع ّلق بعامل الكثرة عن طريق الزهد و التأ ّمل و الد ّقة
الزهد انعدام الرغبة و الميل إىل األشياء ،و يرت ّتب عدم
الفرح باالمور التي ّتلب النفع الام ّد ّي له ،و عدم احلزن
اهلل و كرمه.
ب
طي هذه المرحلة يلتفت السالك إىل أنه ُحي ّ
و بعد ّ
احلب يصل إىل درجة العشق ،و ذاته ح ّب ًا مفرط ًا ،و َّ
أن هذا ّ
كل ما يؤ ّديه و ّ
كل جهاده ناشئ من فرط ح ّبه لذاته؛ أن ّ
َّ
َّ
ألن إحدى خصائص اإلنسان ح ّبه لنفسه بالفطرة ،و
تضحيته ّ
بكل يشء من أجلها ،بل االستعداد إلبادة أي
لن ّ
يتجىل نور اهلل يف القلب ،و بعبارة اخرى :إذا مل يتجاوز
69
السالك لن يصل إىل اهلل تعاىل.
لزوم سري السالك يف طريق رضوان اهلل
المقدسة ،و
ّ عند التأ ّمل و التحقيق -كلها للذات اإلهل ّية
و بالطبع َّ
فإن هذه اإلرادة للحياة هي يف طول اإلرادة
70
أجل حتقيقها ،بواسطة األذكار و الرياضات الروح ّية من
أجل أن ُتطوى له األرض ،أو ُخي َرب عن المغ ّيبات ،أو ي ّطلع
71
الشخص ال يسري يف الدرب الذي ُيريض المحبوب،
َ َ َ ُ َ ُ1
َ ا
م ِن اَّتذ إِلهه هواه .فعىل السالك أن جيتاز هذه المرحلة،
ّ
فتضمحل ذاته ،و لن -تدرجي ّي ًا -نفسه التي كان حي ّبها هلل،
حيل الشيطان و جنوده ،ح ّتى يتغ ّلب عليهم و يتخ ّلص
ً
كامال ،و يقتلع جذورها من من اآلثار النفس ّية لذاته
73
الكثريون من الذين قضوا سنوات طويلة يف
ّ
مظان اإلهلي و يف
ّ ازيلت بالكامل ،و يف مواقع االمتحان
ثم َّ
إن النجاح يف غلبة النفس و جنودها منوط بالمدد ّ
طي هذه المرحلة اخلاصنيَّ ،
ألن ّ ّ الغيبي و العناية اإلهل ّية
ّ
اخلاص ِ
ني. ّ لن يكون دون توفيقه و عنايته
يقالَّ :
إن تالمذة المرحوم الس ّيد بحر العلوم رأوه
نظرت يف نفيس
ُ بعد مخس و عرشين سنة من المجاهدة،
74
ظاهر الرشيعة بقدر رأس اإلبرة .فلو رأيت شخص ًا ّ
يدعي
75
منافق ّإال إذا كان له عذر أو كان خمطئ ًا أو ناسي ًا.
عبادة الكاملي تقتضي حصول كماهلم
الرسول األكرم ّ
صىل اهلل عليه و آله و سلم مع أنه أرشف
وصلوا إىل مرحلة الفعل ّية التا ّمة ،فال معنى ألن تكون
76
عىل درجة الكامل؛ هلذا عندما سألت عائشة رسول اهلل
77
َ َْ َ َ َ اُ ََ ا َ ْ َْ َ
ك َو ما تَأ اخرَ.
ِْلغفِر لك اَّلل ما تقدم مِن ذنب ِ
1
اجلزيل.
عل ًام بأ َّن احلاالت التي تظهر للسالك عىل أثر المراقبة
فمجرد
ّ مقدمة حتصيل الملكة، حني إىل آخرّ ،
كل هذه ّ
تعاىل:
للسالك
المأل األعىل.
بيان إمجايلّ للعوامل االثين عشر املقدّمة على عامل
المباركة:
ا َ ُ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ا
يل اَّللِ اَّلِين آمنوا و هاجروا و جاهدوا ِِف سب ِ ِ
ك ُهمُ َْ ْ َ َُْ ْ َ ْ َ ُ ََ َ ً َْ ا َ ُ َ
س ِهم أعظم درجة عِند اَّللِ و أولئ ِ بِأموال ِ ِهم و أنف ِ
ا َ َ ْ ُ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ُّ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ ْ
اتوان و جن ٍ الفائِزون ،يب َِشهم ربهم بِرْح ٍة مِنه و رِض ٍ
اَّلل عِنْ َدهُِين فِيها َأبَدا ً إ ان ا َ
خال َ ٌ ُ ٌ َ
لهم فِيها نعِيم مقِيم ِ ، ْ ُ َ
ِ
ٌ 2 َ ٌْ َ
أجر ع ِظيم.
ً
مسرتسال -مع الرسول الباطن و اهلمة -
شمر عن ساعد ّ
ُي ّ
مستعين ًا بالرسول الظاهر أو خليفته للهجرة ،و ينزل إىل
و البرش ّية ،و أ ّنه لوال نيله درجة القتل يف سبيل اهلل ما
يعد من موانعها
اإليامن األعظم و السفر األعظم ،و التي ّ
1
«رسالة سري و سلوك منسوب به بحر العلوم» (رسالة السري و السلوك
المنسوبة إىل بحر العلوم) ص 5۱إىل .53
81
يكون جلنود الشيطان أي قدرة للنيل منه و الغلبة عليه،
يشمر
لمنعه من الوصول إىل المنزل المقصود .فعليه أن ّ
اهلمة لمنع الشيطان من إيقاعه يف الكفر األعظم
عن ساعد ّ
و النفاق األعظم ،ل ُيهاجر -بعدها -اهلجرة العظمى ،و
يتخ ّطى
82
بالمجاهدة العظمى قيامة النفس العظمى ،فيدخل يف
وادي المخ َلصنيَ .ر َز َقنَا اهلل إن َشا َء اهلل َت َعا َىل.
83
الفصل الثاني :شَرحٌ تَفْصيليّ لِلْعَوامل املتَقَدِّمَة عَلَى عَامل اخللُوصِ
84
85
تقدم من َّ
أن المسافر إىل اهلل ينبغي له أن بناء عىل ما ّ
يطوي اثني عرش عال ًام قبل الوصول إىل عامل اخللوص ،و
المفصل،
ّ بحر العلوم رضوان اهلل عليه ،و من أراد الرشح
عز و ّ
جل من مجيع الوجوه ،و االعرتاض عىل اهلل ّ
86
ّ
كل ما هو موجود و متح ّقق ،و عدم صالح ما مل
عز و أن ّ
كل موجود يستند إىل الباري ّ احليسّ -
ّ اإلدراك
ّ
جل ،و بعبارة اخرى :جيد اهلل
88
حارض ًا يف ّ
كل األحوال؛ و هي مرحلة الشهود و
احلالة ّ
بكل القوى الظاهر ّية و الباطن ّية لتصلمن احلال إىل
الملكة.
مقام اإلحسان و آثاره
89
ََْ َاُ ْ ُ َُ َ
جاه ُدوا فِينا َله ِدينهم سبلنا و ال يقف تعاىل عند ذلك
َ 1 َ ا اَ ََ َ ُْ ْ
سنَِّي.
بل يقول :و إِن اَّلل لمع المح ِ
91
ون ،ااَّل َ
ِين ُه ْم ِف َصالتِهمْ َ ْ ََْ َ ُْ ْ ُ َ
ِ ِ قد أفلح المؤمِن
ا ْ ُ ْ ُ َ 1 َ ا َ ُ ْ َ َ
خا ِش ُعون ،و اَّلِين هم ع ِن اللغوِ مع ِرضون.
إن االشتغال بالمالهي لام كان ناشئ ًا ِ
من الميل ثم َّ
ّ
إليها
من جانب آخر يميل و يرغب يف اللغو و اللهو .و هذا هو
وليدي اخلوف و
َ الباطني .و إنام مها نتاج العقل و
تعاىل بقوله:
و َّ
ألن السالك قد وصل إىل مرتبة اإليامن األكرب فعليه
ومه ّية و خيال ّية اعتاد عليها أهل الدنيا؛ فأصبح قياس النفع
ب إىل اجلهل ّ
كل نس َ
مبني عليها ،كام جرت العادة عىل أن ُي َ
ّ
95
َمن يلتزم بالصمت يف جمالس المذاكرة و المباحثات
التقدم يف
باعتباره دليل الكرب و الرفعة ،أو اعتبار ّ
96
الدخول و اخلروج من المجلس دليل عىل العظمة،
اإلهلي و اإلمداد
ّ فيجب عىل السالك -بالتوفيق
يغض النظر عن ّ
كل هذه االمور ،و أن هيجر الرْحاين -أن ّ
ّ
عامل اخليال و الوهم و يط ّلق هذه العجوز ثالث ًا ،فال خياف
السكوين عن الصادق
ّ الكليني يف رواية
ّ جامع
ال َغ َض ُ
ب.
97
يعرب العارفون عن هذا األمربـ اجلنون؛ َّ
ألن المجنون ليس ّ
له معرفة برسوم و عادات الناس ،فال يوليها أ ّية أمه ّية ،و
ال يبايل بمدح الناس و ذ ّمهم ،و ال جيد اخلوف طريق ًا إليه
يغري منهجه.
عند ترك الناس له أو ثورهتم عليه و ال ّ
98
عامل اجلهاد األكرب
العديدة ،فتضطرم ّ
كل زاوية من زوايا صدره ،و يشعر
99
احلسد و الغضب و الكرب و األمل ،و يقع فريسة أفاعي و
100
ّ
فكل هذه اآلالم و األسقام قد تعرتي قلب السالك،
و بعد التأ ّمل و التد ّبر يلتفت إىل كثرهتا فعىل السالك أن
األبد.
عامل اإلسالم األعظم و آفاته
يف نفسه صفاء و ضياء و هباء يتخ ّطى إدراك عامل الطبيعة،
101
اخلف ّية ،و شاهد كثري ًا من األحوال العجيبة .و هذه المرتبة
بشكل واضح:
ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ً ََ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َُ ُ ً
أ و من اكن ميتا فأحييناه و جعلنا َل نورا يم ِِش بِهِ
ِِف
102
ْ َ َْ ُّ ُ ُ َ َ ْ ََُ
ت ليس ِِبارِ ٍج مِنها اس كمن مثله ِِف الظلما ِ اَلا ِ
ُ َ ْ َ ُ َ 1 َ َ َ ُ َ ْ
كذل ِك زيِن ل ِلاكف ِِرين ما اكنوا يعملون.
اإلهلي بأنه
ّ إذن عىل السالك أن يعي مستعين ًا بالعون
ال شئ ،و أن يذعن بعجزه و ذله و عبود ّيته و مملوك ّيته ،و
حياته ،و إ ّنام كان قوله :جاء العبد و ذهب العبد .و البعض
قصة موىس و
كنحن ،و هذه الطريقة قد استفادها من ّ
اخلرض عليهام السالم ،إذ يقول اخلرض عليهالسالم:
َْ ْ َ َ َُْ َ َ ْ ا َُ َ َ ا َ
أما السفِينة فاكنت ل ِمساكَِّي يعملون ِِف اْلح ِر
َََ ْ ُ َ ْ َ
َ 1
عيبها.
فأردت أن أ ِ
َّ
ألن القتل يمكن أن ينسب إىل اهلل و إىل اخلرض لذا
الذات اإلهل ّية ،لذا نسبه إىل اهلل تعاىل ،و هكذا يف حديث
يتم الوصول إىل مقام اإلسالم األعظم ،و رفض أنان ّية
ال ّ
حمل بروز الشيطان و ظهوره ّإال بالتوفيق
النفس التي هي ّ
اإلهلي.
ّ
النخجواين ،استاذ المرحوم
ّ احلاج إمام قيل
ّ يقول
أصبحت ً
كهال و بلغني الكرب ،فهال ترتكني و تذرين ُ قد
نظرت
ُ وحيد ًا .فأشار إ ّيل بأن أنظر إىل جانبي ،و عندما
اإلميان األعظم
107
يتجاوز العلم و التصديق إىل مرتبة المشاهدة و
عليه القيامة النفس ّية الكربى ،و يدخل إىل عامل اجلربوت
ً
منتقال من المشاهدات الملكوت ّية إىل المعاينات
اجلربوت ّية.
اهلجرة العظمي
مطلق ًا ،و هذا هو السفر إىل عامل الوجود المطلق .و إىل هذه
مقر االطمئنان.
دخلت إىل عامل الفتح و الظفر الذي هو ّ
ولكن ألّنا مل تفرغ بعد من المجاهدة العظمى ،و ما زالت
المختفية فيه ً
كامال و من اجلذور ،ح ّتى يقدر أن يضع قدمه
الظفر .و هبذا تكون العوامل االثنا عرش قد طويت ،و هذا
مجيع التع ّيناتُ ،مفني ًا ذاته عنها مجيع ًا ،واضع ًا قدمه يف عامل
رسول اهلل ّ
صىل اهلل عليه و آله:
الرب
حيث كان بمقدورهم أن يشاهدوا أسامء و صفات ّ
فقط ،و ذلك بعد حصول الفناء و الذوبان ،و ما كان خيطر
اجلامعة جلميع الصفات الكامل ّية و اجلامل ّية ،ولك َّن سالكي
من هذه بكثري ،و قد ساروا إىل مراحل أبعد ال يمكن بياّنا
ف».
وص َ إىل كلمة «اهلل أكرب ِم ْن ْ
أن ُي َ
و بناء عىل هذا َّ
فإن المراحل التي يطوهيا السالك
111
يتصورون شيئ ًا فوق مقام شهود األسامء و
ّ يكونوا
الصديقة الطاهرة و
ّ للرسول األكرم و أمريالمؤمنني و
112
كانت حتيط هبم الباليا الدنيو ّية ،فيجدون اخلالص .و
اآلخر.
مقام «الصالح» أرفع من مقام «اإلخالص»
113
النبي يوسف
كام نجد ذلك يف القرآن الكريم حكاية عن ّ
َ ا
عليهالسالم الذي كان من المخ َلصني :إِن ُه م ِْن عِبادِنا
َ 1 ُْ ْ َ
المخل ِصَّي ،مع هذا فقد كان يطلب من اهلل تعاىل أن
يلحقه بالصاحلني:
ُّ ْ َ ْ َ َ َ ا ُ ْ ً َ َ ْ ْ َ َ َْ
خرة ِ توف ِِن مسلِما و أْل ِق ِِن
أنت ول ِِّي ِِف النيا و اْل ِ
ً
حاصال للجميع ،و من مجلتهم َّ
ألن هذا الصالح كان
ذلك بكثري.
فالرسول ّ
صىل اهلل عليه و آله قد أثبت لنفسه -يف هذه
المطهرين
ّ توسلهم باخلمسة
رس دعاء األنبياء السالفني و ّ
ّ
األئمة األطهار قد ا ّتضح ،و ا ّتضح
أو ّ
117
سمو منزلة الصالح فيهم، -أيض ًا -مدى ّ
علوهم ،و ّ
النبي إبراهيم عليهالسالم من ر ّبه أن يلحقه
بحيث يطلب ّ
هبم.
إثبات مقام اإلخالص لألنبياء العظام
بعدة
مقام اإلخالص ،يمكن االستعانة باآليات الرشيفة ّ
أوجه:
رصح به القرآن
األول :عن طريق ْحده و ثنائه ،و كام ّ
ّ
حد و ال يدركه نعت ،و
من أنه سبحانه و تعاىل ال حييط به ّ
السالم:
َ َ ْ َ َ َ ُْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ
وَّل
و اذكر عِبادنا إِبراهِيم و إِسحاق و يعقوب أ ِ
َ ْ َ ْ ا َ َْ ْ ُ ْ َ َْ ْ َْ
اَلي ِدي و اَلبصارِ ،إِنا أخلصناهم ِِبال ِص ٍة ذِكرى
ا 1
الارِ.
المخ َلصون.
الشاكرين.
خيتص بأفراد
ّ الثاينَّ :
أن هذا اإلجتباء يف اآلية ال
مع ّينني ،و إن كان تعاىل قد قال -بعد ذكر نوح و إبراهيم
ذر ّيتهم و
و س ّتة عرش آخرين من األنبياء و ذكر آباءهم و ّ
إن هؤالء اجتبيناهم ،و ما هو معلومَّ ،
أن المراد إخواّنمَّ ،-
123
يساووّنم بالمعارف اإلهل ّية و السلوك .و هكذا يستفاد
124
125
بعد فهمنا لرشح عوامل السلوك اإلثني عرش ،ينبغي
اهلل
126
127
األول :إن ّأول ما يلزم للسالك أن يقوم به هو
البيان ّ
الفحص و البحث يف األديان و المذاهب ،و بذل ما يمكنه
من السعي ح ّتى يصل إىل مقام توحيد اهلل المتعال و يدرك
جمرد
حقيقة هدايته ،و إن كان ذلك برصف الظ ّن و ّ
العلمي أو الظن ّّي خيرج من الكفر
ّ الرتجيح .فبعد التصديق
كل مك ّلف.
أن االستدالل واجب عىل ّ
هذه المرحلة عىل َّ
128
للحق و
ّ اهلل سبحانه ال يرتك عبده المسكني الطالب
احلاج
ّ الرتبية األخالق ّية و العرفان ّية عىل يد المرحوم
بالتحدث معي ،و رغم أنه كان المتكلم ّإال أ ّنني كنت
ّ
الطباطبائي .و
ّ أسمع كالمه بواسطة صوت أخي الس ّيد
الغيب،
القرآن ّية موافق ًا لواقع العبد و مؤ ّثر ًا فيه و نافع ًا له ،قال اهلل
تبارك و تعاىل:
ْ ا َ ْ َ ُّ ْ َ
ُ ُ ُ 1
أال ب ِ ِذك ِر اَّللِ تطمئِن القلوب.
التوجه الكافيني.
ّ بأدائها بالقلب الوهلان و احلضور و
قصّة الشابّ املريد قلبيّاً للهداية
مرة بزيارة
ترشف ذات ّ
نقل يل أحد أصدقائي بأنه ّ
المقدسة يف كربالء ،و قال« :انطلقت بنا الس ّيارة
ّ العتبات
131
بالبكاء و النحيب ،ممّا أثار دهشتي ،فسألته عن سبب
بكائه ،فقال يل :إنني إذا مل اخربك فلمن أقول .أنا مهندس
مدين ،و قد ُر ّبيت منذ الطفولة تربية غري دين ّية ،فلم أكن
ّ
أن يف قلبي ً
ميال أعتقد بالمبدأ و المعاد ،و إ َّنام كنت أشعر َّ
بك .فوعدته بأن أراه غد ًا بعد الظهر .و بعد ذهابه أخربين
132
أحد أصدقائي َّ
بأن هذا الرجل من السادة الكبار ،فلامذا
سلمت عليه بال مباالة؟ فقلت :لقد ظننت أنه أىت و سلم
َّ
عيل حلاجة له عندي! و بعدها أمرين رئيس القطار بالسفر
133
مع الس ّيد و ك ّلفني ّ
بعدة امور و أعامل .فقلت يف
االعتقاد ّية باألد ّلة و الرباهني ،بحيث أصبحت مؤمن ًاّ .
ثم
ك ّلفني ّ
بعدة امور ،و أمرين بالمجيء إليه يف اليوم التايل.
زيادة أو نقيصة ،و مل يكن م ّطلع ًا عليها أحد غريي ،و ح ّتى
134
مرت األ ّيام فاضطررت ذات ليلة أن أشرتك يف
و ّ
جرتني إىل طاولة القامر .يف اليوم التايل،
سهرة لألصدقاءّ ،
عندما دخلت عليه ،قال يل عىل الفور :امل تستح و ختجل
من ارتكاب
135
هذه المعصية الكبرية ،فبدأت دموع الندم تنهمر من
غري ُت سرييت و
عدة تكاليف .و باختصارّ ،
فحدد يل ّ
ّ
برنامج حيايت.
و َّ
ألن هذه القض ّية حدثت يف زنجان ،فعندما أردت
االنتقال إىل طهران أمرين بزيارة بعض العلامء هناك ،و يف
فقال:
136
العلم يورث العمل ،و العمل يورث العلم
الرشع ّية التي جيب أن يتعلمها عىل يد فقيه ،و بعد حتصيل
137
العمل و يداوم عليه ح ّتى تزداد معرفته و يرتفع يقينه
جمرد
نتيجة لعدم جزم ّية علمه و اعتقاده و إذعانه ،فهو ّ
صور منتقشة يف قوى اخليال.
األحد ّية المطلقة ،ال يتهالك عىل حتصيل الامل ،بل يقترص
احلد
الغموم من أجل حتصيل المعاش ،و يسعى فوق ّ
بامتالك الثروة أو بإعطاء الامل آخر الشهر إىل غري ذلك من
اخلارجي أو
ّ القيود .بناء عىل هذا ،يكون االضطراب
138
الداخيل حاكي ًا عن عدم العلم بالرازق ّية ،أو بكوّنا مق ّيدة.
ّ
و هذا هو معنى وراثة العلم للعمل .و أ ّما مثال وراثة
139
أن ّ
الذل ال يتح ّقق بدهيي َّ
ّ يتحسس ّ
الذل ،و ّ سوف
ثم يفهم
العزة المطلقةّ ،
التوجه إىل مقام ّ
ّ ال جيد مناص ًا من
ي ّطلع عىل ّ
العزة المطلقة و العلم المطلق و القدرة المطلقة
هلل تعاىل .و هذا هو معنى أداء العمل للعلم ،و ينظر إىل
هذا المعنى قوله تعاىلَ :و الْ َع َم ُل ا
الصال ُِح يَ ْر َف ُعهُ.
جيد يف
فينبغي له أن يبادر بنشاط لألعامل الواجبة ،و ّ
المحرمات؛ َّ
ألن سلوك طريق اهلل يتناىف مع ترك ّ ترك
140
ختتص به تؤ ّدي إىل تكميل
ّ أن ّ
لكل عمل خاص ّية باعتبار َّ
حممد بن مسلم:
اإليامن ،و إىل هذا المعنى اشري يف حديث ّ
ُون َّإال بال َع َم ِل ،و ال َع َم ُل ِمن ُه ،و ال َيث ُب ُت
اإليامن ال َيك ُ
ُ
141
اإليامن َّإال بال َع َم ِل.
ُ
مرة
مستحب ولو ّ
ّ هلذا عىل السالك أن يؤ ّدي ّ
كل عمل
يف أداء األعامل المستح ّبة ينقص إيامنه بذلك المقدار؛ هلذا
اإلهلي،
ّ جوارحه ،و أ ّدهبا -بتامم معنى الكلمة -باألدب
اإليامين
ّ هذا ينبغي أن يعطي ّ
كل عضو من أعضائه ح ّظه
142
عبارة عن توجيه القلب إىل اآليات اآلفاق ّية و النفس ّية ،و
143
ُ ْ ا َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ َ
1
أال ب ِ ِذك ِر اَّللِ تطمئِن القلوب.
اإليامين،
ّ و بعد أن ينال ّ
كل عضومن األعضاء ح ّظه
ّ
الشك و الظ ّن األكرب و اإليامن األكرب ،و يبتعد عن حالة
145
باألولياء .و يشري إىل ذلك قول أمريالمؤمنني
عليهالسالم:
ُم َع َّل َق ٌة بِ َ
المح ِّل األ ْع َىل.
الشهود.
االرتباط الداخليّ للسالك بعامل امللكوت ال يتنافى مع
ً
منشغال باموره الرضور ّية ،و ال عالقة السالك يف الدنيا
146
روحه سائرة تشارك الملكوت ّيني أرسارهمَ ،م َث ُل هذا
147
و سالك طريق اهلل له حني االشتغال باالمور الدنيو ّية
بحر من الشوق ،و يف كيانه تتو ّقد نريان العشق ،و تذيب
مل يكن تصنّع ًا ،أو ألجل إرشاد الناس و تعليمهم ،فهذا
148
أئمة الدين سالم اهلل عليهم حاشا و ّ
كال ،فهذه الطائفة من ّ
باعتبارها اجتازت مراتب السلوك ،و دخلت حرم اهلل و
149
و الكثرة ،و يراعون نور األحد ّية عىل الدوام يف
تغ ّلب عىل الشيطان ،سوف يدخل عامل الفتح و الظفر ،و
اجلربوت و الالهوت.
150
151
152
كيف ّية السري يف هذا الطريق -بعد البيعة مع الشيخ
ّ
تويل زمام أمور تربية السالك ،و هدايته إىل كعبة
الذكروالترضع و اإلبتهال
ّ المقصود -عبارة عن الفكرو
الطبيعي أن يكون
ّ إىل اهلل قايض احلاجات ،و من
153
154
األول :ترك العادات و الرسوم و المجامالت
ّ
و اإلبتعاد عن االمور االعتبار ّية التي متنع السالك من
155
انسياق العبيد.
ابتعدت عن ّ
كل نوع من العادات و اآلداب االجتامع ّية ،و
156
الئ ِ ٍم 1هذه اآلية حتكي عن مدى ثباهتم عىل هذا النهج
الثاين :العزم
القوة ح ّتى
و الصرب ،لذا عليه أن يطلب من اهلل المدد و ّ
يصمد أمام ّ
كل هذه المشاكل و يزيلها بسالح الصرب و
للخوف ً
جماال أمام هذه العواصف اهلوجاء التي هي
158
َ َ َ ا َ ْ َ َ َ ا ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ 1ا َ ْ َ َ َ ا
َّك
َّك المؤمِنون -و َع اَّللِ فليتو ِ
و َع اَّللِ فليتو ِ
َ 2
ُْ ََ ُ
المتو ِكون.
الرفق و املداراة يف العمل
ً
متناوال مقتفي ًا ك ّل عمل ،و متعل ًام من ّ
كل شخص كلمة ،و
ليس مفيد ًا فحسب ،بل يؤ ّدي إىل اخلّسان ،ألنه عىل أثر
ترتاجع النفس إىل الوراء ،و يعود السالك بعد ذلك خايل
مستحب.
ّ اليدين ،و يفقد الرغبة و الميل للقيام بأدىن عمل
160
رس هذا اإلفراط و التفريط هو َّ
أن السالك قد جعل و ّ
الذوق و الشوق المؤ ّقتني ميزان ًا ألداء األعامل المستح ّبة،
معداته و ّ
ممالته .إذن اشمأزت من السفر و تربأت من ّ
ّ و
أن يقيس بد ّقة مدى استعداده و حالته الروح ّية و وضع ّية
ً
مزاوال له ح ّتى ينال ح ّظه مدى استعداده ،مكتفي ًا به و
حفاظ ًا عىل هذه الرغبة و هذا الميل ،و بالتايل يرى نفسه
العبادات كمثل الذي يريد تناول الغذاء ،عليه ّأو ًال أن
161
ثم يدعه قبيل الشبع
ينتخب الغذاء الذي يالئم مزاجهّ ،
لتبقى فيه الرغبة و الميل دائمني .و إىل هذا األمر إشارة يف
القراطييس:
ّ
السلم ات بِمن ِْز َل ِ
ة إن لِإليام ِن َع ْرش درج ٍ
َيا َع ْب َد ال َع ِز ِيز! َّ
ُّ َ َ ََ َ َ
162
ُي ْص َع ُد ِمنْ ُه ِم ْر َقا ًة َب ْع َد ِم ْر َق ٍاة -إىل أن قال عليهالسالم-
احلق ح ّتى
ما عاهد عليه شيخه و مر ّبيه العارف يف طريق ّ
آخر األمر.
الثبات و املثابرة
مقدمة:
ّ و توضيح هذا المعنى حيتاج إىل ذكر
بحواسنا
ّ فالمستفاد من األخبار و اآليات َّ
أن الذي ندركه
163
األفعال و يكون له حت ّقق يف عامل الام ّدة ،له حقيقة يف ماوراء
التجسامت اخلارج ّية الام ّد ّية اجلسامن ّية ،و ماوراء هذه
ّ هذه
جمردة من
الظواهر و المحسوسات ،حقائق عالية المرتبة ّ
لباس الام ّدة و الزمان والمكان و سائر عوارضها،
164
الواقعي
ّ تتنزل هذه احلقائق من مقامها
و عندما ّ
و ال يرت ّتب عليها سوى الثبات و الدوام و الك ّل ّيةَ :و ما
َْ ا
باق ،و إىل هذا المعنى و إىل
ٍ ِ اَّلل عِند
166
هذه احلقيقة اشري يف احلديث الم ّتفق عليه بني
الفريقني:
ُع ُق ْ
وهلم.
الكم ّياهتا ،و مدلوله :أننا معارش األنبياء -دائ ًامّ -
ننزل
يبني
هي عليها .هلذا فاألنبياء العظام هم كمن يريد أن ّ
يضطرون إىل التعبري عنها بام يتناسب
ّ لألطفال حقيقة ما،
عرب األنبياء
مع القوى اإلدراك ّية و احلس ّية للطفل .و كم ّ
العظام بواسطة مقام الرشع و الرشيعة (و هم ْحاهتا) عن
أن ّ
كل واحدة من هذه احلس و الشعور ،و احلال َّ
ّ تفقد
167
رحم و صدقة و أمر بالمعروف و ّني عن المنكر و ...هلا
النفس و العقل
168
الترضع و اإلبتهال،
ّ ظل ّ
ذل العبود ّية و االنكسار و يف ّ
للسالك أن يشاهد ا
كال من الوضوء و الصالة بصورته
احلجري،
ّ القرآن الكريم .فالمسجد ليس هو ذلك البناء
169
عن السبب ،أدرك أو قيل له َّ
إن هذا األنني من األرض إ ّنام
كان لفراقك.
170
اإليامين
ّ الروحاين و
ّ حيصل ح ّظه تكرار ّ
كل عمل -أن ّ
من ذلك العمل ،فام مل حيصل لديه هذا المعنى ال يرتك
العمل .و هذه اجلهة الملكوت ّية الثابتة للعمل إ ّنام حتصل
ترتسخ
عندما يثبت السالك و يداوم عىل العمل ح ّتى ّ
اآلثار الثابتة لألعامل الفانية اخلارج ّية يف افق النفس و
َنعو ُذ باهلل.
مفر من أن
ناحية من النفس من تلك اآلثار النوران ّية ،ال ّ
171
ّ
حتل حملها آثاره المضا ّدة من الظلمة و الكدورة و الرشور،
ور َو
الرش ُ
اخلريَ .و أ َّما ُّ يوج ُد ِع َ
ند اهلل َّإال ُْ و احلقيقة أنه َال َ
لامت َفإ َّن َام ِه َي ِم ْن أ ْن ُف ِسنا. ال َق ِ
بائ ُح َو ال ُّظ ُ
فإن ّ
كل عيب أو نقص يظهر يكون من بناء عىل هذا َّ
قبل
172
الرش َل ْي َس إ َل ْي َك ،و عىل هذا األساس
أفراد البرشَ ،و َّ ُّ
خاصة بفرد دون ي ّتضح أيض ًا ّ
أن الفيوضات اإلهل ّية ليست ّ
ب و مقام الرْحةفرد ،بل َّإّنا ت ّتجه من الصقع الربو ّ
ٍ
متناه إىل عموم أبناء البرش من الالمتناهية بنحو غري
ع ّلة إلجياد ّ
الغم و احلزن.
املراقبة يف مجيع األحوال
السادس :المراقبة
173
يسخط اهلل يف القول و الفعل ،ولكن شيئ ًا فشيئ ًا ّ
تشتد هذه
التوجه و
ّ المراقبة و ترتقي درجة فدرجة ،فقد تتم ّثل يف
174
و درجاهتا.
السابع :المحاسبة
ّناره .و إىل هذا األمر إشارة يف حديث اإلمام موىس بن
175
ب َن ْف َس ُه جعفر عليهالسالم يف قولهَ :ليس ِمنَّا من مل ُ ِ
حياس ْ
َ ْ َ ْ َ
176
الثامن :المؤاخذة
التاسع :المسارعة
احلب
ّ العارش:
عظيمة يف التأثري عىل األعامل ،و كلام كانت المو ّدة أكثر و
177
درجته .فالعطف و اإلشفاق عىل ّ
كل ما ينتسب إىل اهلل
178
كل يف مرتبته و مقامهّ ،
كل هذا من آثار حم ّبة اهلل ،كام ٌّ
حفظ األدب
األمر خيتلف عن معنى المح ّبة الذي ذكر سابق ًا .و األدب
يتوجه إىل
يتوجه إىل المحبوب و يف االجتناب عن احلرام ّ
ّ
اخلاص كيال خيرج عن حدوده اإلمكان ّية و مقتىض
ّ حريمه
179
عبود ّيته ،فاألدب يرجع -يف حقيقته -إىل جانب ّاختاذ
180
احلدود المرسومة للسالك.
حممد
احلاج الشيخ ّ
ّ اخلوف ،و كذلك كان المرحوم
فيسمى
ّ يت» ،و أ ّما من يطغى خوفه
أكثر يقال له «اخلرابا ّ
يت» .ولك َّن الكامل يف رعاية االعتدال ،و هو عبارة
«المناجا ّ
عن حيازة كامل الرجاء يف عني كامل اخلوف ،و هذا ما
ح ّقه ّ
يشم منها رائحة الغلو.
181
و المرتبة الكاملة من األدب هي أن يعترب السالك
182
و السكون ،و يف متام احلركات و السكنات ،ولو
التفت السالك دائ ًام إىل األسامء و الصفات اإلهل ّية لظهرت
184
و المشتهيات النفسان ّية ،و َّ
ألن عبادة النفس ال ّتتمع
فطري يف ّ
كل البرش، ّ ينص عىل َّ
أن أصل عبادة اهلل الكريم ّ
تبدل يف خلقه: تغري أو ّ
و ينفي حدوث أي ّ
اَّللِ االَّت َف َطرَ
َ ً ْ َ َ ا ََ ْ َ ْ َ َ
ِ ِين حنِيفا ف ِطرت فأق ِم وجهك ل ِل ِ
ِين الْ َقي ُم وَ َ ْ َ َِ ْ ا
اَّللِ ذل َِك ال ُ ْ ا َ ََ
اَلاس عليها ال تب ِديل ِلل ِق
ِ
َ ْ َ ُ َ 1 ا َ ا َ َْ
اس ال يعلمون. كن أكَث اَل ِ ل ِ
عبادة اهلل ،بل يرجع إىل مقام التوحيد ،أي عدم اإليامن
بوحدان ّية اهلل يف الفعل و الصفة و جعل رشكاء له ،و هلذا
ل َِم ْن
186
1 يَ ُ
شاء.
أساس المح ّبة و اإلنجذاب إىل اهلل ،و ليس هلم أي هدف
188
إهلي َما َع َب ْد ُت َك َخ ْوف ًا ِم ْن َن ِار َك َو َال َط َمع ًا يف َجنَّتِ َك،
أ ْد ِر َما أ ْن َت.
هذه العبادة عاشق ًا و حم ّب ًا ،و اعترب اهلل معشوق ًا و حمبوب ًا،
189
قدسة هلل تعاىل ،و من هنا يسعى لينىس
لعبادة الذات الم ّ
يضع قدمه يف عامل الوحدة ،و عندها ختتفي الن ّية من
السالك
190
و متحي ،ألنه لن يكون بعد ذلك شخص ّية و ذات ّية
الشريازي:
ّ
اك ٌن ِم ْن
دال َلتِ َك ،و س ِ
َ َ َ ِ ب يك؛ و أ َنا واثِ ٌق ِمن دلِ ِ
ييل َ ْ َ َ َ لَ إ ي َش ِف ِ
يع
191
ما سوى اهلل ،و يف اليوم الرابع ُس ِئ ُ
لت :ما ُت ِر ُ
يد؟
باهلنيَّ ،
ألن السالك يف هذه المرحلة بعد ليس حتصيلها ّ
التأ ّمل و التدقيق جيد أنه مل يكن خالي ًا من الن ّية يف متام
ألن نفس هذا التجريد مستلزم لعدم التجريد ،و ذلك َّ
ألن َّ
192
نفس ذلك التجريد مل يكن من السالك ّإال لدا ٍع و غاية و
193
المعضلة ،فقال« :يمكن حلها بواسطة اعتامد طريقة
تعاىل خلقه مفطور ًا عىل هذه الصفة ،و كلام أراد أن ينبذ
ّ
التخيل عن هو فيها ،و هكذا إىل أن يشعر بالعجز التا ّم عن
طاهر ًا».
و ليعلم َّ
أن الوصول إىل إدراك هذا المعنى ال يكون
الواقعي حيتاج
ّ بمجرد إعامل النظر و التفكري ،بل َّ
إن إدراكه ّ
أن أحد ًا أدرك هذا
إىل الذوق و حصول احلال .ولو َّ
194
ثم َّ
إن سبب تسمية هذه الطريقة باإلحراق هو أّنا ّ
حترق أكوام الوجودات و الن ّيات و الغصص و
195
و يسري يف هذا السبيلَّ ،
فإن الطريق الذي جيب ط ّيه يف
الباليا و الفتن أن يسكِّن نفسه بطرق خمتلفة ،كأن يتذ ّكر َّ
أن
حتل عىل ّ
كل الناس ،و هبذه الموت للجميع ،و المصيبة ّ
التدخل فيه ،عندما يدرك اإلنسان ج ّيد ًا أنه منذ البدء مل
ّ
يكن مالك ًا ،و إ ّنام كان عنوان الملك ّية له جماز ّي ًا و قد كان
يتخ ّيل أنه الاملك ،سوف لن يتأ ّثر يف حال فقدانه ،فإذا بافقه
196
فإدراك السالك َّ
أن اهلل تعاىل فطره عىل احلرص و
197
حيق لفرد
غني عن الدليل و الربهان ،فال ّ
و حاجتهّ -
االعرتاض عىل سؤال فقري ما ،فافرتاض الفقر فيه يوازي
198
حفظ اللسان من التكلم بالقدر الزائد عن الرضورة مع
ّ
بأقل ما يمكن .و هذا الصمت الزم يف مجيع مراحل
السلوك ،و يف ّ
كل األوقات ،بل يمكن القول بأنه ممدوح
يف مطلق األحوال .و يشري إىل هذا الصمت قوله عليه
199
اخلر ُس ،و أيض ًا ما نقل عن َا ن ت
َ ع يشإن ِ
السالمَّ :
ْ َ
الصادق عليهالسالم يف «مصباح الرشيعة»:
اب احلك َْم ِةَ ،و إ َّن ُه َدلِ ٌيل َع َىل ُك ِّل
اب ِم ْن أ ْب َو ِ
الص ْم ُت َب ٌ
َّ
َخ ْ ٍري.
مستحسن.
الصادق عليهالسالم:
وحَ ،و َط َعا ُم ال َق ْل ِ
ب. الر ِ ء ا َ
ذ المؤ ِم ِن ،و ِ
غ اجلوع إ َدا ُم ْ
ُ ُّ َ ُ
أن اجلوع موجب خل ّفة الروح و نوران ّية النفس،
ذلك َّ
و يمكن للفكر يف حال اجلوع أن حي ِّلق إىل األعىل .أ ّما كثرة
200
األكل و الشبع فإ َّنه ُيتعب النفس و يمللها و يثقلها و
201
رسول اهلل ّ
صىل اهلل عليه و آهلبـ «يا أْحد» و المذكورة
تبني
األنوار» يوجد تفاصيل عجيبة بشأن اجلوعّ ،
خصائصه يف السري و السلوك بشكل مدهش .و ينقل
تفرق ّ
كل واحد تصاحبوا يف سفر ،و عندما حان الليل ّ
منهم لالسرتاحة ،و ا ّتفقوا عىل االلتقاء يف اليوم التايل يف
يف أحد المضايف ،و أ ّما الثالث فلم يكن لديه مكان ،فقال
يف نفسه :فألذهب إىل المسجد و أكون ضيف ًا عند اهلل ،و
بقي هناك جائع ًا إىل الصباح .و يف اليوم التايل التقوا يف
202
غذاء ،لكن عندما بحثنا يف خزائن الغيب مل نجد له أفضل
اخلاصة.
ّ و هي عىل شكلني :العزلة العا ّمة ،و العزلة
اهلل،
203
و باخلصوص أصحاب العقول الضعيفة من عوا ّم
فالعزلة و اإلبتعاد عن ّ
حمل اإلزدحام و الضوضاء و
احلواس.
ّ دنيو ّيةّ ،
كل هذه باعثة عىل تركيز
يروى َّ
أن أحد األشخاص طلب من سلامن ريض اهلل
عنه أن جييز له بناء بيت له ،ألنه مل يكن قد امتلك بيت ًا ح ّتى
ذلك الزمان ،و لام مل جيز له سلامن قال :أنا أعرف لامذا ال
205
و بعدها أخذ البنّاء إجازة لبناء مثل ذلك البيت و بناه.
السهر ،التضرّع ،االحرتاز عن اللذائذ ،كتمان السرّ
الترضع
ّ الثامن عرش :المبالغة يف
البدن و احلياة.
الطريق
207
كثري ًا ،و أمعنوا يف توصية تالميذهم به ،سواء كان يف
ختف
الرب العظيم ،و هكذا ّ
ّ اللغوي ،أي االلتفات إىل
ّ
الشدائد و المصائب بذكر اهلل و الصرب و االحتامل ،و
209
ً
مثال ،نجدهم يف ميدان اجلهاد و مقاتلة أعداء الدين
الكبرية.
المؤ ِمن َ
ُون َي ْو َم القيامة؟ ْ
(إذ يعتقد األشاعرة َّ
أن الناس يرون اهلل تعاىل عىل
210
ث ِ َهب َذا َعن َْك؟ َف َق َالَ :ال؛ َفإ َّن َك إ َذا اح ِّد ُ
اك َف َ ُج ِع ْل ُت فِ َد َ
ِ ِ ِ
َح َّد ْث َت بِه َفأ ْنك ََر ُه ُمنْك ٌر َجاه ٌل بِ َم ْعنَى َما َت ُقوله ّ
ثم َق َّد َر أ َّن
211
الر ْؤ َي ِة بِال َع ْ ِ
نيَ .ت َع َاىل اهلل َع َّام َي ِص ُف ُه ب َك ُّبِال َق ْل ِ
خاص .االستاذ
ّ و هو عىل قسمني :استاذ عا ّم و استاذ
و التجل ّيات الصفات ّية و الذات ّية ،فال تعود الصحبة له
باحلق ،و ال ّ
ينفك السالك يف أي حال رسول اهلل و خليفته ّ
1
«التوحيد» للشيخ الصدوق ،ص .۱۱۷
2اآلية ،43من السورة :۱6النحل.
212
لإلمام ،و ليس المراد هبا الصحبة و المالزمة يف مقام
النوراين الذي
ّ ّ
تتجىل يف مقامه الظاهرَّ ،
ألن حقيقة اإلمام
له السلطة عىل العامل و العالمني ،و أ ّما بدنه الام ّد ّي ،فهو و
تتحرك َّ
إن دائرة عامل الوجود و األفالك و مجيع الكائنات ّ
بأيدينا ،و ما حيدث إ ّنام حيدث بإذننا :بِنَا ُع ِر َ
ف اهلل ،،بِنَا ُعبِ َد
213
أهم رشوط السلوك ،و هنا مالحظات -
المهمة ،بل من ّ
ّ
يتيّس بياّنا -عىل السالك أن يدرك حقائقها
مهمة لن ّ
ّ
بواسطة الذوق.
ثم ذهب
توجه إىل ر ّبكّ ،
كثرة الظلم و العصيان ،فقال لهّ « :
مدة إىل استاذ آخر وشكا إليه الظلم و شيوع
بعد ّ
214
بيان سبب اختالف اإلجابات ،فقال له :يا ّقرة عيني؛
َّ
إن األجوبة واحدة ،فهو قد دعاك إىل الرفيق األعىل ،و أنا
عرب عن
الوجود نور واحد هو نور اهلل ،غاية األمر أنه ُي ّ
ذلك النور بتعابري خمتلفة ،أحيان ًا باألسامء و الصفات
طي األرض
خواطر الناس ،و العبور فوق الامء و النار و ّ
و اهلواء و اال ّطالع عىل الاميض و المستقبل و أمثال هذه
215
صاحبهاَّ ،
ألن هذه كلها إ َّنام حتصل يف مرتبة المكاشفة
الروح ّية ،و منها إىل الوصول و الكامل طريق بال ّناية.
216
و إىل ذلك احلني الذي مل تظهر عىل االستاذ التج ّليات
الذات ّية الر ّبان ّية فهو ليس باستاذ ،و ال يمكن االكتفاء
ّ
التجيل للصفات هو أن يشاهد و المقصود من
أن علم ّ
كل موجود مستند إىل علمه ،بل هو نفس علمه. و َّ
ّ
التجيل لألسامء هو أن يشاهد يف نفسه و المراد من
احلي
أن ّ بل كونه علي ًام هو عني كون اهلل علي ًام ،أو أن يدرك َّ
217
احلي َّإال و يملفقط ،و أخري ًا أن يدرك أن َليس ال َق ِدير و الع ِ
ّ َ ُ َ َ ُ ْ َ
عاىل َو َت َق َّد َس.
ُه َو َت َ
ّ
التجيل لألسامء يف و بالطبع يمكن أن يتح ّقق
ٍ
واحد خصوص بعض األسامء اإلهل ّية ،و ال يلزم من ّتل
218
األسامء يف السالك أن ّ
تتجىل البق ّية فيه.
جيب األستاذ العامّ أن يصل إىل مقام التجلّي الذاتيّ
المقدسة
ّ ّ
تتجىل الذات يت فهو أن ّ
التجيل الذا ّ أ ّما
قد فقد نفسه ك ّل ّي ًا ،فال جيد أثر ًا لذاته يف عامل الوجود ،و
يو ّدع الذات و الذات ّية دفعة واحدة يف غياهب النسيان َو
قوته -بساط الذات ّية و األنان ّية ،و يدخل إىل عامل
اهلل و ّ
الالهوت و يرد إىل حرم اهلل ،و يرتدي لباس اإلحرام ،و
يرشف عىل التج ّليات الذات ّية الر ّبان ّيةَّ ،
فإن الشيطان ييأس
حمسور ًا ،فيجب أن يصل االستاذ العا ّم إىل هذه المرتبة من
219
إذن ال ينبغي أن يسلم اإلنسان ّ
لكل من عرض متاعه
221
الذي جاء فيه إ ْذن عا ّم فال مانع من االشتغال به.
خفي ،و ّ
كل منهام ّ قالبي ،و
ّ الورد عىل أربعة أقسام:
222
نبني بشكل
أمثاهلا ،و سوف ُيشار إىل مجيعها ،ولكنّنا اآلن ّ
المهمة
ّ جممل احللول و اال ّحتاد اللذين مها من األخطار
اخلواطر.
الرسم،
223
ّ
التجيل هلذا و العياذ باهلل من الممكن و عىل أثر
المتصور مقابل
ّ يعد متام الوجود
التعدد و التغاير ،و ّ
ّ
ا
ظال له ،و السالك بواسطة االرتقاء إىل هذا المقام يفقد
متام وجوده ،و ُيض ّيع ذاته ،و يصري فاني ًا ،و ال يدرك ذا
الد ِار
المقدسة يف عامل الوجود َو َل ْي َس يف َّ
ّ وجود غري الذات
َغ ْ ُري ُه َد َّي ٌار ،فأين هذا من احللول و ّ
االحتاد؟!
نفي اخلواطر بسيف الذكر
224
األوهام و اخلياالت قد أحاط به ،و ح ّتى تلك اخلواطر
225
بوجه ّ
كل خاطرة تظهر لتزاْحه ،فيهلكها و يق ّطعها
بسيف الذكر ،و المراد بالذكر هنا هو األسامء اإلهل ّية التي
التوجه إىل
ّ و ُتبعد بالذكر فقط ،ذلك الذكر الذي يعني
ثم
رضورة نفي اخلواطر دون استخدام الذكر ،و من ّ
يدخل السالك مرحلة الذكرَّ ،
ألن نفي اخلواطر بسيف
227
حقيقة الذكر عبارة عن مالحظة المحبوب و قرص
النظر عىل مجاله من بعيد ،و النظر إىل المحبوب جائز عند
بالمرةَّ ،
ألن المحبوب غيور و من ّ غض البرص عن غريه
ّ
غريته َّ
أن العني التي تنظر إليه ال ينبغي أن تنظر إىل غريه،
عميت العني التي ترتفع عنه لتنظر إىل الغري ،و رؤية غريه
نظر:
َو َم ْن َي ْع ُش َع ْن ذ ِْكر ا
الر ْْحن ُن َقي ْض َ َُل َشيْطانا ً َف ُهوَ
ِ ِ ِ
1 َ َُل قَرينٌ.
ِ
نعم ،هناك نوع من الذكر جائز يف نفي اخلواطر ،و هو
رفعه.
إرشادهم -بنفي
229
ثم االشتغال بالذكر ،و هلذا يأمرون
اخلواطر و من ّ
بالتوجه إىل يشء من المحسوسات كاحلجر
ّ السالك ّأو ًال
اإلمكان ،و ي ّتجه إليه بجميع قواه الظاهر ّية و الباطن ّية ،و
األفضل أن يداوم عىل ذلك أربعني يوم ًا ،و أثناء هذه ّ
المدة
ذكر «يا َف َّعال» ،و يشتغل هبا بعد فريضتي الصبح و العشاء.
التوجه
ّ الصنوبري ،و يديم
ّ يتوجه إىل قلبه
المدة ّ
بعد هذه ّ
هذا اخليال -أن جيد طريق ًا إليه ،و خالل هذا العمل لو
يستمد العون
ّ هجم عليه خاطر أو َع َرض له تشويش فإ َّنه
المدة «االستغفار»
عن النفس .و يكون الذكر خالل هذه ّ
و ذكر «يا فعال» و تكرر اسم «يا ِ
باسط» ،و عندما يصل َّ
230
َّ
ألن بق ّية اخلواطر سوف تندفع بذاهتا بالدخول يف مراتب
و ل ُيعلم َّ
أن طريقة نفي اخلواطر هذه مأخوذة من
الطريقة
231
النقشبند ّية ،و النقشبند ّية مجاعة من الصوف ّية تقطن يف
بالنقشبند ّية.
املراقبة و مراتبها
اهلمداين رضوان
ّ أ ّما طريقة المرحوم ّ
المال حسني قيل
يسمى هلو ًا كل ما يعمله لرضا اهلل تعاىل ،و يتجنّب ّ
كل ما ّ ّ
و لعب ًا .و باهتاممه هبذه المرتبة حيصل له التمكّن بحيث ال
حد الملكة.
يضعف بعدها ،ليوصل هذه التقوى إىل ّ
232
الدرجة الثالثة ،هي أن يرى اهلل تعاىل دائم النظر إليه،
هذه المراقبة يف ّ
كل
233
احلاالت و يف مجيع األوقات.
هي أن يرى بنفسه حضور اهلل تعاىل و نظره إليه ،و بتعبري
ّ
كل ما سوى اهلل عن ذهنه و أن يقوم بنفي اخلواطر ضمن
المقدس أن
ّ أحد األعامل العباد ّية ،و ال جيوز يف الرشع
التوجه إىل
ّ فهو أرسع الطرق للوصول إىل المقصدَّ ،
ألن
234
المقدس ،و اآلية
ّ النفس ممدوح و مقبول من الرشع
الكريمة:
َ ُّ َ ا َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ُّ ُ
كمْ يا أيها اَّلِين آمنوا عليكم أنفسكم ال يَض
َ ا َ
َم ْن ضل إِذا
235
ْ
1
اه َت َد ْي ُت ْم.
الرب.
الطريق المستلزم لمعرفة ّ
سلسلة أساتذة املؤلّف يف املعارف االهليّة
عيل بن
إن حقيقة العرفان مأثورة عن أمريالمؤمنني ّ
أب طالب عليهالسالم ،و الطرق التي نرشت هذه احلقيقة
واحد منها.
تصدي ًا ُلالمور
الشوشرتي ،فكان كباقي العلامء األعالم م ّ
ّ
العا ّمة من التدريس و القضاء و المرجع ّية الدين ّية .يف أحد
ّ
المحل ذلك الملك لطفل يتيم ،و سنده مدفون يف
الفالين.
فام قمت به ليس صحيح ًا ،و ليس هذا النهج ّنجك.
الشوشرتيَ :أو َق ُ
عت يف خطأ؟ فأجاب ّ فيجيبه آية اهلل
1
ب من
معربة :-مدينة عريقة واقعة يف اجلنوب الغر ّ
شوشرت -و هي (تسرت) ّ
إيران ،قريبة من مدينتي دزفول و األهواز( .م)
237
عمن يكون هذا ً
طويال ،و تساءل ّ الشوشرتي
ّ الس ّيد
يتبني له َّ
أن سند ثم يقوم بالتحقيق و ّ
الرجل و ماذا قالّ ،
ملك ّية الطفل مدفون يف ذلك المكان ،و َّ
أن الشهود عىل
ملك ّية فالن شهود زور .فانتابه شعور باخلوف و قال يف
238
ّاّته إىل النجف األرشف ،و افعل ما أقوله لك ،و بعد
فقام الس ّيد لوقته و عمل بالتعاليم ،و باع البيت و مجع
المدة
فبعد س ّتة أشهر يلتحق بالرفيق األعىل .خالل هذه ّ
239
الشوشرتي ورقة إىل أحد
ّ (الس ّتة أشهر) يكتب المرحوم
احلق و احلقيقة.
ذلك التعبري ،إرشاده إىل طريق ّ
1
ب من إيران( .م)
درجزين :قرية من توابع مدينة مهدان الواقعة يف الشامل الغر ّ
240
احلاج المريزا
ّ المعرفة و التوحيد ،و من أبرزهم المرحوم
حممد سعيد
الطهراين ،و المرحوم الس ّيد ّ
ّ الكربالئي
ّ
البهاري.
ّ حممد
احلاج الشيخ ّ
ّ ب ،و المرحوم
احل ّبو ّ
بالئي االستاذ و من ّ
طالب مدرسة الس ّيد أْحد الكر ّ
احلاج المريزا عىل
ّ األعظم و العارف األمثل المرحوم
التربيزي
ّ القايض
241
رضوان اهلل عليه .هذه هي سلسلة أساتذتنا التي تعود
ّ
المال حسني قيل ،أي طريق معرفة النفس ،فكانوا لنفي
عني السالك ّ
كل ليلة مقدار نصف ساعة أو أكثر لنفي أن ُي ِّ َ
احلقيقي
ّ حني تالوة القرآن المجيد ،و االلتفات إىل القارئ
242
التوسل بمقام أب عبداهلل
ّ الثانية ،عن طريق
عليهالسالمّ ،
ألن له عليهالسالم عنايات عظيمة يف رفع
243
ثقال كبري ًا يف ّ
ّتيل مهمني ً و بناء عىل ما ذكر َّ
فإن لشيئني ّ
األول ،المراقبة بجميع مراتبها .و الثاين،
سلطان المعرفةّ :
فبالتوجه إىل هذين األمرين سوف
ّ التوجه إىل النفس.
ّ
ي ّتضح للسالك تدرجي ّي ًا َّ
أن الكثرة يف هذا العامل تنبع من
َّ
أن أي موجود بقدر ما له من النور و اجلامل و البهاء يستقي
من تلك العني ِ
المعني ،و َّ
أن ذلك المصدر العظيم يفيض
عىل ّ
كل موجود بقدر سعة وجوده -التي هي قابل ّياته
اخرى َّ
أن الفيض من جانب الف ّياض المطلق يفاض
حد ،و ّ
كل موجود بشكل مطلق و بدون قيد و رشط أو ّ
244
األول :توحيد األفعال ،أي إدراك السالك يف
العامل ّ
أن ّ
كل ما تراه العني و يلفظه اللسان و المرحلة االوىل َّ
اجلوارحّ ،
كل ذلك يستند إىل نفسه ،و َّ
أن النفس هي
245
ثم يدرك َّ
أن نفسه قائمة مجيع األفعال يف اخلارجّ ،
احلق ،و أّنا قبس من فيوضات اهلل و رْحته ،و
بذات ّ
المقدسة.
ّ
246
بقدر سعة وجوده -عن ذلك العامل و القادر و السميع و
احلي ،و ّ
يدل عليه. البصري و ّ
العامل الرابع :التوحيد يف الذات ،و هو أعىل من العامل
فيدرك فيه
247
أ َّن تلك الذات التي تستند إليها مجيع األفعال و
ذاته يف ّ
ظل الفناء يف الذات اإلهل ّية المق ّدسة ،حينها حيصل
احلد .فإذا
احلق تعاىل أعىل من ّ
حد ّي ،و ّ
و النفي إثبات ّ
دخل السالك إىل هذا المنزل فاقد ًا اسمه و ذاته عندها لن
يعرف نفسه أو أحد ًا آخر غري اهلل ،بل يرى اهلل يف ذاته
فحسب.
248
فالسالك يفقد يف ّ
كل واحد من هذه العوامل األربعة
إ ّن ّيته.
249
يت يفهم ّ
التجيل الصفا ّ و يف العامل الثاين عندما يصل إىل
األسامئي يدرك
ّ ّ
التجيل و يف العامل الثالث عندما حيصل
و يفقد ذاته فال جيدها بعد ذلك أبد ًا ،فال ذات سوى ذات
المقدسة.
ّ اهلل
يعرب عنها
يت ّ ّ
التجيل الذا ّ هذه المرحلة من الشهود أي
يعرب
اصطياده .و هذه الصفات البحتة و الوجود الرصف ّ
250
أشعار حافظ الشريازيّ املشرية إىل مقام ذات غيب الغيوب
251
مثنو ّياته مب ّين ًا هذا األمر باستعاراته اللطيفة:
و المعروف َّ
أن المكان الذي فيه ّ
عش العنقاء ال أثر
و عاشقي مجاله
252
اللهم
َّ الّسمدي إىل وادي التوحيد و الفناء .نسألك
ّ
بحق السائرين يف وادي المح ّبة و حاميل لواء احلمد و
ّ
احلني.
الص َ ُي ْر ِض َ
يك َو احل ْقنَا بِ َّ
بحمد اهلل و منّه ،متّت هذه الرسالة الرشيفة
للهجرة.
و أنا احلقري الفقري السيّد حممّد احلسي احلسيينّ الطهرانيّ يف بلدة قم
الطيّبة.
253