You are on page 1of 11

‫إلى الهدى ائتنا ‪...

‬‬

‫إن الحم َد هلل نحمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ،‬وسيئات أعمالنا ‪ .‬من يهده هللا‬
‫ى له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمداً عبده‬
‫مضل له ومن يضلل فال هاد َ‬
‫َ‬ ‫فال‬
‫ورسوله – صلى هللا عليه وسلم ‪ ( -‬يآيها الذين ءامنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون)‬
‫س واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاالً كثيراً ونسا ًء‬ ‫(يآيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نف ٍ‬
‫واتقوا هللا الذى تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا ً ) ( يآيها الذين ءامنوا اتقوا هللا وقولوا قوالً‬
‫سيديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما )‪ ‬‬

‫ى محم ٍد – صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وشر‬


‫أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬وأحسن الهدى هد ُ‬
‫األمور محدثاتها ‪ ،‬وكل محدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضاللة ‪ ،‬وكل ضالل ٍة في النار ‪ .‬وما قل وكفى خي ٌر مما‬
‫كثر وألهى ( وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين‪ .) ‬ثم أما بعد ‪:‬‬

‫فقد كان رمضان سوقا ً منصوبةً للعاملين ‪ ،‬يح ِّ‬


‫صلون فيها من القربات والبذور الوافرات ‪.‬‬

‫ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ‪ ،‬وليت ِشعري من المقبول فنهنيه ومن المحروم فنعزيه‪. ‬‬

‫كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بال رمضان ‪ ،‬كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بال قرآن ‪ ،‬كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ‬
‫بال ‪ ...‬الجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان ‪ ،‬والصلوات الخمس هذه المواسم التي جعلها هللا ‪ -‬عز‬
‫ت للوقود يتزود منها العبد إلى اآلخرة ‪.‬‬
‫وجل ‪ -‬محطا ٍ‬

‫كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بدون تجديد التوبة ‪ ،‬ومراجعة اإليمان ‪ ،‬كم هي كئيبة مظلمة حياةٌ بال استغفار ‪،‬‬
‫وال افتقار ‪ ،‬وال دعا ٍء للعزيز الغفار ‪ ،‬وإنزال الحاجات بالبكرات و األبكار بالعشى واإلبكار ‪ ،‬كم هي كئيبة‬
‫مظلمة حياةٌ بغير هللا عز وجل‪. ‬‬

‫الحياة بغير هللا سرابٌ سراب ‪ ،‬إنما يستشعر اإلنسان هذه المعاني حين يرى نفسه غافالً في زمن غفلة ‪،‬‬
‫ومن رحمة هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن جعل لعباده هذه المواسم التي يتزودون فيها من الطاعات ‪ ،‬ويحرصون‬
‫فيها على القربات ‪ ،‬حتى يتقرب الرجل إلى ربه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬و من ثَ َّم يأتي السؤال الذى يطرح نفسه‬
‫على كل واح ٍد منا ‪ :‬لماذا كنا نستشعر السعادة في رمضان واآلن بدأ القلق ‪ ،‬وبدأ التراجع ‪ ،‬وبدأت الغفلة‬
‫تدب مرةً أخرى ‪ ،‬وبدأ أحدنا تتبعثر أوراقه ويدور في أودية الدنيا وال حول وال قوة إال باهلل‪ ‬؟!‬

‫في كل رمضان يعاهد ربه أن ينضبط ‪ ،‬ويعاهد ربه أن يخرج مثل ما كان عليه من االستقامة ‪ ،‬أو قريبا من‬
‫ذلك ثم يختلط عليه أمره !‬

‫هذا سؤال مه ٌّم جوابه في الحقيقة ظاه ٌر ظاهر واض ٌح واضح يتمثل في كلمتين أظهر ما يكون لكل متأمل‬
‫الجواب عن‬

‫روح وجسد فإذا غلبت حاجات الروح‬


‫ٍ‬ ‫هذا المعنى المهم أن اإلنسان هو رو ٌح وجسد ‪ ،‬كل إنسان مركبٌ من‬
‫على حاجات الجسد بمعنى أن تتحكم اآلخرة في الدنيا وأن يتحكم العقل في األهواء غلبت عليه الطبيعة‬
‫الملكية ‪ ،‬وإذا عكس األمر وغلبت حاجات الجسد على حاجات الروح وأهمل حاجات الروح غلبت عليه‪ ‬‬
‫الطبيعة البهيمية ‪.‬‬

‫فاإلنسان ال يخلو من طبيعتين ال َ‬


‫ثالث لهما طبيعة بهيمية والطبيعة الملكية ‪ ،‬فالطبيعة البهيمية تأتي من‬
‫تغليب حاجات الجسد وإهمال حاجات الروح ‪ ،‬والطبيعة الملكية تأتي من التوازن التي تتحكم فيه حاجات‬
‫الروح وتقود حاجات الجسد‪. ‬‬

‫في رمضان لبركة الزمان والجتماع المؤمنين على الطاعات تتغلب الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ‪،‬‬
‫إذ الطبيعة البهيمية هي شعار الكافرين والعياذ باهلل كما أخبر هللا ‪ -‬عز و جل ‪ ( : -‬والذين كفروا يتمتعون‬
‫ٌ‬
‫أعين ال يبصرون‪ y‬بها ولهم‬ ‫ى لهم ) ( لهم قلوبٌ ال يفقهون بها ولهم‬
‫ويأكلون كما تأكل األنعام والنار مثو ً‬
‫ٌ‬
‫أذان ال يسمعون بها أولئك كاألنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )‪ ‬الغافلون عن هذه المعاني تغلب عليهم‬
‫الطبيعة البهيمية على الطبيعة الملكية ‪ ،‬يقدِّمون حاجات الجسد على حاجات الروح ‪ ،‬يستمتعون كما تستمتع‬
‫ى لهم وال حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫البهائم ‪ ،‬واألنعام وحينئ ٍذ فالنار مثو ً‬

‫قد يكون عندهم من العلم ما ال يستعملونه‪ ( ‬مثل الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل‬
‫اسفاراً ) قد يصل أحدهم في العلم إلى مرتب ٍة لكن ال يعمل بها ( واتل عليهم نبأ الذى ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ‬
‫منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى األرض واتبع هواه فمثله كمثل‬
‫الكلب)‬

‫هكذا كل من أخلد إلى األرض واتبع هواه وغلبت حاجات الجسد على حاجات الروح‬

‫" فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك ناال منتهى الذم أجمع "‬

‫الذى يسير وراء حاجات الفرج ‪ ،‬و وراء حاجات البطن ‪ ،‬و وراء شهوات الدنيا تفتنه األموال ‪ ،‬والزوجات‬
‫واألوالد ‪ ،‬تفتنه الشهوات وتقتله الشبهات ماذا يُنتظر منه عند الممات من الخاتمة وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪. ‬‬

‫سر السعادة في رمضان أننا نجحنا باجتماعنا ‪ -‬بفضل هللا عز وجل ‪ -‬في المساجد على الصلوات‪، y‬‬
‫وباجتماعنا على الصيام ‪ ،‬و باجتماعنا على الصدقات ‪ ،‬وبتجديد العهد مع هللا حتى حصل التوازن وحتى‬
‫تحكمت حاجات الروح في الجسد ‪ ،‬ومن ثَ َّم غلبت الطبيعة الملكية ‪ ،‬تلكم التي غلبت عند أصحاب النبي ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على مدار السنة كلها ‪.‬‬

‫المشكلة عندنا أننا نفعل هذا في رمضان وفقط (رمضانييون) ‪ -‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ - ‬فكيف إذا مات‬
‫اإلنسان في غير رمضان ؟ كيف إذا خرج اإلنسان بهذه الشحنة من رمضان وضاعت منه بعد شهر ‪ ،‬أو‬
‫شهرين ‪ ،‬أو ثالثة ثم أتاه الموت قبل أن يدركه رمضان آخر وال حول وال قوة إال باهلل ؟‬

‫تلك هي األزمة التي يعيشها كثير من المسلمين َّ‬


‫لكن أصحاب محم ٍد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عرفوا كيف‬
‫تتحكم الطبيعة الملكية في الطبيعة البهيمية ‪ ،‬كيف ال تُغفِل حاجات الروح ‪ ،‬وكيف تنظم حاجات البدن ‪..‬‬
‫باعوا ‪ ،‬واشتروا ‪ ،‬وتزوجوا ‪ ،‬وتناكحوا ‪ ،‬وتناسلوا وأخذوا من الشهوات ما أحله هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لكن‬
‫بانضباط عجيب‪.! ‬‬

‫كانت حاجات الروح هي التي تسوقهم ‪ ،‬ومن ثَ َّم رأيتَ المالئكة تنزل معهم في الغزوات ‪ ،‬والحروب تقاتل‬
‫معهم كما في بدر ‪ ،‬وحنين ‪ ،‬والخندق وغيرها ‪ ،‬بل رأيتَ المالئكة تتنزل لقراءتهم للقرآن كُأسيد بن حُضير‬
‫الذى كان يقرأ سورة الكهف وجعلت المالئكةُ تتغشى وتتنزل حتى نفرت الفرس التي كانت قد ربطها‪. ‬‬
‫قو ٌم اعتادوا أن تصاحبهم المالئكة في حياتهم ‪ ،‬في أيامهم كلها ليس في رمضان فقط ‪ ،‬ولهذا هؤالء الذين‬
‫قالوا ربنا هللا ثم استقاموا أيضا تتنزل عليهم المالئكة عند احتضارهم وتكون لهم السعادة الكبرى‪( ‬إن الذين‬
‫قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة أال تخافوا وال تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون‬
‫نحن أوليائكم في الحياة الدنيا‪ ) ‬إذا غلَّبتم الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية أيضا ‪ ،‬وفى اآلخرة نحن‬
‫أولياؤكم في الحياة الدنيا ‪ ،‬وفى اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما ت َّدعون‪. ‬‬

‫س ‪ :‬ما معنى ال خوف عليهم وال هم يحزنون ؟ ال خوف عليهم فيما يستقبلون من أمر اآلخرة إذا ُأدخل‬
‫الميت قبره وكان من المؤمنين الذين غلّبوا الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ‪ ،‬تحكمت عندهم حاجات‬
‫ٌ‬
‫خوف عليهم في قبورهم ‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور اآلخرة ‪ ..‬ال‬ ‫الروح في حاجات الجسد ‪ ..‬ال‬
‫ٌ‬
‫خوف عليهم في عرسات القيامة يوم يُدنى الربُّ أحدَهم منه ويقرره بنعمه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬ثم يعفو‬ ‫وال‬
‫عنه ويدخله جنته ‪ ،‬وال هم يحزنون على ما خلفوا في الدنيا ‪ ..‬ال يحزنون على التجارات واألموال ‪ ،‬ال‬
‫كريم رحيم ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يحزنون على الزوجات واألوالد ‪ ..‬تركوا هذا هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وقَ ِدموا على ر ٍ‬
‫ب‬

‫هذا المعنى الذى ينبغي أن نتأمله جيداً في أعقاب رمضان‪. ‬‬

‫ما سر هذه السعادة التي عشناها في رمضان ؟ وما سر انفالتها بمجرد انتهاء رمضان ؟‬

‫سر هذا هو غلبة الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ‪ ،‬وكيف غلبت ؟ إنما غلبت بتحقيق العبودية هلل عز‬
‫وجل‪. ‬‬

‫إن العبادة هي معنى هذا التغليب الذى رأيناه تحكمت العبادات لي شأنك نهارك صائ ٌم وليلك قائ ٌم ‪ ،‬هكذا‬
‫يكون أصحاب الجد والتشمير بحيث إذا مات أحدهم يحمد في اآلخرة صالته ‪ ،‬وصومه ‪ ،‬وعبادته بل كان‬
‫أحدنا ال يقنع بمجرد الصالة ‪ ،‬والصوم بل يريد أن يحسِّن من صالته وأن يقترب وأن يكون فيها من أنواع‬
‫الخشوع ‪ ،‬وأنواع المناجاة ما يستشعر معه انشراح الصدر باإلسالم ‪ ،‬ويستشعر معه حالوة اإليمان ويشعر‬
‫فيه ببرد اليقين ‪ ،‬ولذة المناجاة‪. ‬‬

‫نعم يصلى ولكن ليس كأي صالة ‪ ..‬يصوم ليس كأي صيام ‪ ،‬ينفرد بربه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يقرأ‬
‫ت ‪ ،‬يكثر من الدعاء ‪ ،‬والتضرع ‪ ،‬واالفتقار ‪ ،‬يجدد إيمانه وتوبته‬
‫ت ومرا ٍ‬
‫‪ .‬القرآن ويختمه مرا ٍ‬
‫هذا سر السعادة الذى فقدناه بمجرد أن قيل مات رمضان ‪ -‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ -‬نعم مات‬
‫ق ال يموت ‪ ،‬وفى هذا أحسن العزاء والحمد هلل‬
‫ي دائ ٌم با ٍ‬
‫‪.‬رمضان لكن رب رمضان ح ٌ‬

‫ي ال يموت قيوم ال ينام ‪ -‬سبحانه وتعالى‬


‫إذا انتهى رمضان وذهب ببركاته فإن مانح هذه البركات ح ٌ‬
‫‪ - .‬مازال يتودد لعباده في رمضان وفي غير رمضان‬

‫‪ ‬حسبك أن كل ليل ٍة من ليالي العام مما أخبرنا نبينا – صلى هللا عليه وسلم – قال‪ :‬ينزل ربنا إلى السماء‬
‫الدنيا حين يبقى ثلث الليل اآلخر فيقول هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل‬
‫فأعطيه ؟ هل من كذا ‪ ..‬؟ هل من كذا ‪ ..‬؟ حتى يطلع الفجر ‪ ،‬قال ‪ :‬وذلك كل ليلة‪.‬‬

‫ما معنى ليلة القدر التي ننشغل بها على مدار العام ؟‬

‫القدر هو الشرف والمجد ‪ ،‬والعز ‪ ،‬من أين يأتي الشرف ‪ ،‬والمجد ‪ ،‬والعز ‪ ،‬والقدر ؟ من االفتقار إلى هللا‬
‫وإنزال الحاجات باهلل والتضرع‪ y‬هلل عز وجل‪. ‬‬

‫ترى المسلمين جميعا ً في هذه الليلة يتح َّروْ نها بالدعاء يتح َّروْ نها بالصالة ال ينامون ‪ ،‬ومن ثَ َّم تكون ليلةَ ٍ‬
‫قدر‬
‫قدر كثيرة رُبَّ ليل ٍة من الليالي ٍ‬
‫في غير رمضان قمت في جوف الليل فتوضأت‬ ‫لهم ‪ ،‬اآلن عندك ليال ٍ‬
‫والناس نيام ال يشعر بك أح ٌد وال أهلك في البيت وخرجت إلى أحدى غرف منزلك وجعلت تتضرع إلى هللا‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬وتستغفر من ذنبك ‪ ،‬تجدد إيمانك ‪ ،‬تراجع توبتك ‪ ،‬ال تزال في دعائك وسجودك أقرب ما‬
‫تكون إلى هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حتى يناديك هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ : -‬افع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع ‪ ،‬هكذا‬
‫شأن الرب الكريم سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫وال يضر العبد أنه مذنب فإن العبد من طبعه أنه يذنب ‪ ،‬لكن الذى يضره أال يسرع الفيئة ‪ ،‬أال يرجع إلى‬
‫هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بالتوبة ‪.‬‬

‫يقول نبينا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ " : - ‬أذنب عب ٌد ذنبا ً ‪ ،‬فقال ‪ :‬ربى أذنبت ذنبا ً فاغفر لي ‪ .‬قال هللا ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪:-‬علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت لعبدي ‪ ،‬ثم مكث هذا العبد نفسه فعاود الذنب‬
‫فقال ‪ :‬ربى أذنبت ذنبا ً فاغفر لي ‪ ،‬فقال هللا ‪ -‬عز وجل ‪ : -‬علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد‬
‫غفرت لعبدي ‪ .‬ثم راجع العبد الذنب مرة ً أخرى ‪ ..‬أين يذهب ؟ هو يستحى من هللا لكن من غير هللا ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى ‪ -‬يرجع الناس إليه ‪ ،‬ومن يغفر الذنوب إال هللا ‪ ،‬راجع العبد ربه قال ‪ :‬ربى أذنبت ذنبا ً‬
‫فاغفر لي ‪ .‬رضي هللا منه بذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل‬
‫ما شاء" ‪.‬‬

‫ما معنى فليفعل ما شاء ؟ أن ما دام عنده هذا الضابط ‪ ،‬أنه كلما أذنب ‪ ،‬وكلما أخطأ ‪ ،‬وكلما أسرف على‬
‫نفسه راجع ربه بالتوبة النصوح‪ y‬فإن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يرجع إليه بأحسن مما يحب‪. ‬‬

‫هذا ربكم في رمضان وفى غير رمضان ‪ ،‬فإذا انكسرت القلوب من فراق رمضان والبد أننا نستشعر هذا‬
‫االنكسار فإن هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يجبر كسرنا بأنه مازال باقيا ً ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يبسط يده بالليل ليتوب‬
‫مسيئ النهار ‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل ‪ ،‬ينادى على عباده صباح مساء‪ " ‬يا عبادي كلكم‬
‫ضال إال من هديته فاستهدوني أهدكم ‪ ،‬يا عبادي كلكم جائع إال من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ‪ ،‬يا‬
‫عبادي كلكم عاري إال من كسوته فاستكسوني أكسكم ‪ ،‬يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر‬
‫الذنوب جميعا ً فاستغفروني أغفر لكم ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم ‪ ،‬وآخركم ‪ ،‬وأنسكم ‪ ،‬وجنّكم كانوا على أتقى‬
‫رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم كانوا على‬
‫ٍ‬ ‫قلب‬
‫رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم‬
‫ٍ‬ ‫أفجر قلب‬
‫قاموا جميعا ً في صعي ٍد واحد فسألوني فأعطيت كل واح ٍد منكم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص‬
‫المخيط إذا ُأدخل البحر ‪ ،‬يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد هللا‬
‫ّ‬
‫يلومن‪  ‬إال نفسه‬ ‫"‪ ‬ومن وجد غير ذلك فال‬

‫هذا ربنا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يتودد إلينا بالنعم ‪ ،‬يستعجلنا وقد تأخرنا في التوبة ‪( .‬ألم يأن للذين ءامنوا أن‬
‫تخشع قلوبهم لذكر هللا وما نزل من الحق وال يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم األمد فقست‬
‫‪.‬قلوبهم وكثي ٌر منهم فاسقون)‬

‫هذا ربكم ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يخبركم بشأنه معكم ‪ ،‬ماذا يريد الرب منا؟(يريد هللا ليبين لكم ويهديكم سنن‬
‫الذين من قبلكم ويتوب عليكم وهللا علي ٌم حكيم)(وهللا يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن‬
‫تميلوا ميالً عظيما‪() ‬يريد هللا أن يخفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا)‪ ،‬كيف وجدت ربك؟ كيف رأيت ربك‬
‫صراط مستقيم)(وهللا ال يحب الفساد)‬
‫ٍ‬ ‫سبحانه وتعالى ؟‪ ( ‬وهللا يدعوا إلى دار السالم ويهدى من يشاء إلى‬
‫(وال يرضى لعباده الكفر)‪ ‬ربٌ كهذا يفرح اإلنسان باالنتساب إلى عبوديته ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬ال جرم أن‬
‫افتخر األنبياء جميعا ً باالنتساب إلى هذه الهوية ‪ ،‬وباالنتظام في هذه العبودية كما قال هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬على‬
‫مستقيم دينا ً قيما ً ملة إبراهيم حنيفا ً‬
‫ٍ‬ ‫صراط‬
‫ٍ‬ ‫لسان نبيه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ( : -‬قل إنني هداني ربى إلى‬
‫وما كان من المشركين)(قل إن صالتي ونسكي ومحيايا ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له‪.) ‬‬

‫إن معنى العبودية التي أوجبها هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬على كل مكلف من اإلنس والجن حينما قال‪( : ‬وما خلقت‬
‫الچن واإلنس إال ليعبدون) هو سر السعادة للعبد كلما كان العبد أكثر عبودية كلما كان أسعد في حياته وفى‬
‫آخرته ‪ ،‬ولهذا يقول العامة أسعد الخلق محمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وصدقوا ألنه خير من حقق عبودية‬
‫هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لكن تحقيق العبودية ليس بمعنى أن ينفرد اإلنسان أو يكتفى بالصالة ‪ ،‬والصوم كما يفهم‬
‫بعض ما ال يوفق ‪ ،‬وإنما العبودية معن ًى أوسع من هذا ‪ ،‬العبودية أن تؤدي العبادات ‪ ،‬والعبودية تص ُدق في‬
‫المعامالت ‪ ،‬والعبودية أن تنضبط في األخالق ‪ ،‬والعبودية أن تحسن االعتقاد ‪ ،‬والعبودية أن تأمر‬
‫بالمعروف وأن تنهى عن المنكر ‪ ،‬العبودية أن تحمل األمانة التي عرضها هللا ‪ -‬تعالى ‪ ( : -‬إنا عرضنا‬
‫األمانة على السموات واألرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها اإلنسان)‪ ، ‬العبودية أن‬
‫تتحمل مسئولية نفسك أوالً أمام هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬وأمام الناس ‪ ،‬أن تتحمل مسئولية زوجك وأوالدك‪ ( ‬يآيها‬
‫الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) ‪ ،‬العبودية أن تتحمل مسئولية أرحامك ‪،‬‬
‫وجيرانك ‪ ،‬وإخوانك ‪ ،‬وأصحابك تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتعينهم على سلوك الطريق إلى‬
‫راع وكلكم مسئو ٌل عن رعيته " ‪.‬‬
‫هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬العبودية أن تتحمل مسئولية أمتك‪ " ‬كلكم ٍ‬

‫في زما ٍن كهذا هناك صرا ٌ‬


‫ع طويل كلنا نراه بحسيه وعينه ويُقرأ في الجرائد ويُسمع في اإلذاعات ‪ ،‬هذا‬
‫الحراك الذى ال يخلو عن طائفتين ال ثالث لهما ‪ ،‬هناك اآلن ونحن في مرحل ٍة خطيرة من مراحل أمتنا التي‬
‫تعيشها ‪.‬‬

‫نحن بال رئيس ‪ ،‬وبال حكومة ‪ ،‬وبال مجالس محلية ‪ ،‬وال مجالس نيابية ‪ .‬نحن في حالة عسير ٍة صعبة ‪،‬‬
‫نريد أن نخرج ببالدنا إلى بر األمان وهذه مسئولية ‪ ،‬وهناك مشروعان اآلن ال ثالث لهما مشرو ٌ‬
‫ع حضاري‬
‫إسالمي ذلك الذى نزل به الوحي على رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وطبَّقه رسول هللا ‪ -‬صلي هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه وأقاموا به حضارةً لم تكتحل عين الزمان بمثلها ‪ ،‬ال تغرب عنها الشمس ما بقيت‬
‫مؤمن إالً‬
‫ٍ‬ ‫غربي علماني ليبرالي مستورد يريده الذين ال يرقبون في‬
‫ٌّ‬ ‫ع آخر مشرو ٌ‬
‫ع‬ ‫الدنيا ‪ ،‬وهناك مشرو ٌ‬
‫وال ذمة أن يتحكموا في العباد والبالد على طريقة الغربيين و األوربيين و األمريكان وغيرهم ‪ ،‬ال تج ُد شيئا ً‬
‫ثالثا ً ‪ ،‬أتقف تتفرج أم تحاول بالحكمة ‪ ،‬والموعظة الحسنة ؟ وكلنا ‪ -‬والحمد هلل ‪ -‬مسلمون لكن قد يخطأ‬
‫بعض الناس في الفهم فيحتاج إلى شيء من التروي ‪ ،‬واألناة ‪ ،‬وحسن الموعظة بالحكمة ‪ ،‬والموعظة‬
‫الحسنة حتى نسير إلى بر األمان جميعا ً فيكون العالم للجاهل متلطف به إلى الهدى ائتنا نقول له ‪ :‬اركب‬
‫معنا ‪ ،‬هل يرفض أح ٌد دين هللا ؟ هل يرفض أح ٌد منهج رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ؟‬

‫نحن نريد أن نقيم حياتنا على الشأن الذى ربى به رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أصحابه ‪ ،‬هذا في‬
‫الحقيقة من أعظم معاني العبودية التي هي سر سعادتنا في رمضان وبعد رمضان‪. ‬‬

‫ٌ‬
‫خلف‬ ‫إذا مضى رمضان فإن في هللا عزا ًء في كل مفقود وفيه ِغناء من كل فائت ‪َّ ،‬‬
‫وإن تقوى هللا – تعالى ‪-‬‬
‫من كل شيء وليس من تقوى هللا – تعالى ‪ -‬خلف‪. ‬‬

‫أنت مع هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬في أوسع األمان ‪ ،‬فأبشر وأ ِّمل واحرص على تحقيق أسباب السعادة بعد‬
‫رمضان كما حققتها في رمضان ‪ ،‬نسأل هللا – تعالى ‪ -‬بمنه ‪ ،‬وكرمه أن يغفر الذلة ‪ ،‬وأن يقيل العثرة ‪ ،‬وأن‬
‫يلُم الشعث ‪ ،‬وأن يأخذ بيأدينا إلى ما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫*******************‬

‫مقر‬
‫الحمد هلل الذى أعظم علينا المنة باإلسالم والسنة ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له شهادة عب ٍد ٍ‬
‫بربوبيته معتق ٍد بوحدانيته موق ٍن بأال حاكميةَ إال له وال تشريع إال منه ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ‪ -‬ثم أما بعد‪: ‬‬

‫ما أسعدنا وأفرحنا بربنا سبحانه وتعالى ! ربٌ كري ُم غفو ٌر رحيم علم أن قلوبنا تنكسر بفراق رمضان وأنها‬
‫متعلقة برمضان بما يفتح هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬علينا من الطاعات فلم يخلنا هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من فضله ‪ ،‬ما إن‬
‫غربت شمس آخر يوم من أيام رمضان حتى دخل موسم الحج ‪ ،‬اآلن أنت في موسم الحج ‪ ،‬وما أدراك ما‬
‫انو خيراً عسى هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أن ييسر لك حجةً مبرورة تعدل ما بين السماء‬
‫موسم الحج ! ِ‬
‫واألرض‪. ‬‬
‫إن كثيراً من الناس ال يفكر في هذا يقول ‪ :‬أين أنا من هذا ؟! إنه يحتاج إلى ثالثين ‪ ،‬وأربعين ‪ ،‬وخمسين ‪،‬‬
‫وسبعين ‪ ،‬ولو باعوني لم يأخذوا أكثر من ألفين ‪ ،‬أو ثالثة ‪ ،‬أو أربعة ‪.‬‬

‫ظن باهلل ‪ ،‬لو أحسنت الظن باهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ونويت الحج صادقا ً لرزقك ‪ ،‬ولو لم يقدر لك أن‬
‫هذا سوء ٍ‬
‫تذهب إلى مكة للحج ربما حججت بقلبك ‪ ،‬وربما علم هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬انكسارك ‪ ،‬وحاجتك ‪ ،‬وفاقتك ‪،‬‬
‫ورغبتك فكتب لك ثواب الحجيج وأنت في بيتك‪ ،  ‬المهم أن تعلم شرف زمانك ‪.‬‬

‫أنت اآلن في موسم الحج ‪ .‬اجتهد وادعوا هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن يرزقك حجةً مبرورة ‪ ،‬وعمرةً مقبولة ينفعك‬
‫ب سليم‪ ،) ‬البد أن تستمر العبودية القلبية ‪ ،‬هذه ال ثمن‬
‫هللا بها‪( ‬يوم ال ينفع ما ٌل وال بنين إال من أتى هللا بقل ٍ‬
‫تدفعه فيها ‪ ،‬العبودية اللسانية هذه أيضا ً ال تكلفك شيئا ً ‪ ،‬قد تحتاج إلى المال في عبودية البدن ‪ ،‬أن تنتقل‬
‫وأن تذهب وهللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬على كل شيء قدير ‪.‬‬

‫ثم إن من الناس من معه من األموال وال يفعل ؛ يخاف أن ينفد ماله ونسى أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬جعل‬
‫الرزق في هذه العبوديات كما أخبر نبينا محمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ " : -‬تابعوا بين الحج والعمرة‬
‫فوالذي نفسي بيده إنهما لينفيان الفقر ‪ ،‬والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد " ‪.‬‬

‫خرجنا من رمضان جاءت أشهر الحج ننشغل بالحج ‪ ،‬وبالعمرة إذا وفقنا فالحمد هلل ‪ ،‬وإن لم نوفق فانشغالنا‬
‫بهذه المعاني وتعلق قلوبنا بالبيت العتيق ‪ ،‬وبالحج ‪ ،‬والعمرة وأن تذرف الدموع على فوات وحسرة أن‬
‫يفوتك الحج هذا ما هو مطلوب منك في هذه العبودية إلى أن تخرج أشهر الحج فتجد نفسك في شهر هللا‬
‫محرم الذي صومه أفضل الصوم بعد الفريضة ‪ ،‬والذي فيه يوم عاشوراء الذى نجى هللا موسى ‪ -‬عليه‬
‫السالم ‪ -‬من فرعون وقومه ‪ ،‬والذي كان يصومه نبينا محمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬المقصود أنك مع‬
‫خير إال‬
‫هللا في أمان ال تخرج من موسم إال إلى موسم ‪ ،‬وال تخرج من طاعة إال إلى طاعة ‪ ،‬وال تخرج من ٍ‬
‫إلى خير إلى أن يأذن هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بخروج الروح ‪ ،‬إذا كنت على هذا فأبشر ستخرج روحك على‬
‫أحسن ما يكون إن شاء هللا تعالى‪. ‬‬

‫الموفقون من عباد هللا ييسر هللا لهم من حسن الخاتمة ما تجعل الناس يقولون مات فالن على أحسن ما‬
‫يكون ‪ ،‬وهذا من نعمة هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وأكثر هؤالء من أصحاب الخلق الحسن ‪ ،‬والمعاملة الطيبة التي‬
‫تجعل الناس يشهدون لهم بالخير‪ " ‬أنتم شهداء هللا في األرض"‪ ، ‬إذا حرصت على مثل هذا فإن هذا من‬
‫أعظم أسباب حسن الخاتمة ‪.‬‬

‫ثم إنه كما قلنا مراراً‪ ،‬وكما أخبر نبينا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في حديث أحمد وغيره من حديث عبد هللا‬
‫عمل شرة وإن لكل شر ٍة فترة "‪ ‬وفي رواية‪ " ‬إن لكل عام ٍل شرة وإن لكل شر ٍة فترة‬
‫ٍ‬ ‫بن عمرو ‪ " :‬إن لكل‬
‫"‪  ‬والشرة ذروة النشاط في العبادة ‪ ،‬تذكر هذا في رمضان ‪ ،‬وفي العشر األخير ‪ ،‬وفي ليالي الوتر ق ّل أن‬
‫ترى نائما ً في هذه الليالي ‪ ،‬هذا المقصود بشرة العمل ثم قال ‪ " :‬وإن لكل شرة فترة " اآلن خرجنا من‬
‫رمضان إلى نوع من الفتور كيف نعالج هذا ‪ ،‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ "  :-‬فمن كانت فترته‬
‫إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك‪" ‬‬

‫أن تفتر إلى سُنة بمعنى أن ال حرج أن يقل أداؤك بشرط أال ينعدم ‪ ،‬الزلت تصحب المساجد وتصحب‬
‫الصالحين وتقرأ القرآن لكن ال شك أن هذا ق ّل ‪ ،‬كنت تختم في رمضان كل أسبوع صرت تختم كل شهر‬
‫وهذه فترة لكن فتور إلى طاعة ‪ ،‬كنت تقوم ربما عامة الليل في ليالي الوتر األخير ‪ ،‬وفي العشر األخير ‪،‬‬
‫صرت تقوم ساعة أو نصف ساعة لكنك مازلت تقوم الليل ‪ ،‬هذا فتور إلى سُنة ‪ ،‬كنت في عامة نهارك‪ ‬‬
‫تقرأ القرآن وال تنشغل بشيء آخر صرت توازن فتسعى على عيالك ‪ -‬وهذه عبودية أيضا ً ‪ -‬لكن ق ّل إنتاجك‬
‫‪ ،‬وأداؤك مع بقاء قلبك ‪ ،‬ونيتك ‪ ،‬ومحبتك هلل ولرسوله وللمؤمنين هذا كله من الفتور لكن إلى سُنة ‪ .‬أما من‬
‫كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ‪ ،‬الذى يفتر إلى غير ذلك ‪ ،‬ذلك الرمضاني الذى يُطلِّق العبادات كلها بعد‬
‫رمضان فال تراه في المساجد ‪ ،‬وال تعرف له قيام ليل مطلقا ً ‪ ،‬وال تراه مع المصحف بتاتا ً ‪ ،‬وال يكاد‬
‫يصحب الصالحين ‪.‬‬

‫هذا الذى ال ينبغي أن يكون عمله مقبوالً إذ لو كان مقبوالً في رمضان لكان من عالمة ذلك استدامة‬
‫ٌ‬
‫امتحان يمكنك أن تجيب عليه بنفسك من المقبول فنهنيه ومن المحروم فنعزيه ‪.‬‬ ‫الطاعة بعد رمضان ‪ ،‬هذا‬
‫أنت تعرف ذلك من نفسك ‪ ،‬إذا وجدت نفسك حريصا ً على الطاعة بعد رمضان فأبشر بالقبول ‪ ،‬وإذا‬
‫وجدت نفسك بعيداً بعيداً بعد رمضان فهذا من عالمات الحرمان ‪.‬‬

‫ونحن مازلنا في أول الطريق وقد تزودنا في رمضان ما نسأل هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن ينفعنا به ‪ ،‬فاحرص‬
‫رمضان آخر ‪ ..‬من الذى يدرى نحن اآلن أحياء غداً ميتون ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫على أن تستبقي هذا الوقود إلى أن يدركك‬
‫يوم نرى من الجنائز ما يكون لنا عبرة لمن اعتبر ‪ ،‬إن هذه الجنائز كان يمكن أن تكون أنت بدلها‬
‫وفى كل ٍ‬
‫عام فإن لك يوم يقال له اليوم يوم تموت‬
‫وإذا فاتتك اليوم أو الليلة فإن لك ليلة تموت يوم تموت ولو بعد ألف ٍ‬
‫بعد مائة عام سيقول الناس مات فالن اليوم أنت ميت اليوم ٌ‬
‫ميت اليوم ال محالة فأعد لهذه ال ِميتة ‪ ،‬وأعد لهذه‬
‫الرقدة الطويلة في القبور ‪ ،‬وأعد للسؤال الذى ينتظرك ‪ ..‬ماذا أجبتم المرسلين ؟ أعد لكل هذا جوابا ً عسى‬
‫هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أن يرحم ضعفنا‪ ،  ‬وأن يجبر كسرنا ‪ ،‬وأن يجعلنا من عباده الموفقين ‪.‬‬

‫الدعاء ‪ " ::‬اللهم اغفر للمؤمنين ‪ ،‬والمؤمنات ‪ ،‬والمسلمين ‪ ،‬والمسلمات األحياء منهم واألموات إنك سمي ٌع‬
‫قريبٌ مجيب الدعوات ‪ ،‬اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله خالصا وال تجعل ألح ٍد فيه شيئا‪ ،‬اللهم اعز‬
‫اإلسالم ‪ ،‬والمسلمين وأذل الشرك ‪ ،‬والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا ً ‪ ،‬وسائر بالد‬
‫ت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها ‪ ،‬اللهم ولي أمورنا‬
‫المسلمين ‪ ،‬اللهم آ ِ‬
‫خيارنا وال تولي أمورنا شرارنا ‪ ،‬اللهم مكن لدينك في األرض وافتح له قلوب الناس ‪ ،‬اللهم كن إلخواننا‬
‫المسلمين المستضعفين في ليبيا ‪ ،‬وفي سوريا ‪ ،‬وفي اليمن ‪ ،‬وفي الصومال وفي غيرها ‪ ،‬اربط على قلوبهم‬
‫وثبت أقدامهم و وحد صفوفهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ‪ ،‬اللهم عليك بالطغاة الظالمين ‪ ،‬اللهم زلزل‬
‫عروشهم وارنا فيهم آية من عجائب قدرتك ودمرهم تدميرا ‪ ،‬والعنهم لعنا ً كبيرا ‪ ،‬وارنا فيهم يوما ً عبوسا ً‬
‫راض عنا واختم لنا بخير واجعل عواقب‬
‫ٍ‬ ‫قمطريراً ‪ ،‬اللهم استعملنا في طاعتك ما احييتنا ‪ ،‬توفنا وأنت‬
‫أمورنا خير‪. ‬‬

‫‪.‬أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولكم وأقم الصالة‬

You might also like