Professional Documents
Culture Documents
إن الحم َد هلل نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا .من يهده هللا
ى له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمداً عبده
مضل له ومن يضلل فال هاد َ
َ فال
ورسوله – صلى هللا عليه وسلم ( -يآيها الذين ءامنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون)
س واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاالً كثيراً ونسا ًء (يآيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نف ٍ
واتقوا هللا الذى تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا ً ) ( يآيها الذين ءامنوا اتقوا هللا وقولوا قوالً
سيديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما )
ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ،وليت ِشعري من المقبول فنهنيه ومن المحروم فنعزيه.
كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بال رمضان ،كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بال قرآن ،كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ
بال ...الجمعة إلى الجمعة ،ورمضان إلى رمضان ،والصلوات الخمس هذه المواسم التي جعلها هللا -عز
ت للوقود يتزود منها العبد إلى اآلخرة .
وجل -محطا ٍ
كم هي كئيبة مظلِمة حياةٌ بدون تجديد التوبة ،ومراجعة اإليمان ،كم هي كئيبة مظلمة حياةٌ بال استغفار ،
وال افتقار ،وال دعا ٍء للعزيز الغفار ،وإنزال الحاجات بالبكرات و األبكار بالعشى واإلبكار ،كم هي كئيبة
مظلمة حياةٌ بغير هللا عز وجل.
الحياة بغير هللا سرابٌ سراب ،إنما يستشعر اإلنسان هذه المعاني حين يرى نفسه غافالً في زمن غفلة ،
ومن رحمة هللا -عز وجل -أن جعل لعباده هذه المواسم التي يتزودون فيها من الطاعات ،ويحرصون
فيها على القربات ،حتى يتقرب الرجل إلى ربه -سبحانه وتعالى -و من ثَ َّم يأتي السؤال الذى يطرح نفسه
على كل واح ٍد منا :لماذا كنا نستشعر السعادة في رمضان واآلن بدأ القلق ،وبدأ التراجع ،وبدأت الغفلة
تدب مرةً أخرى ،وبدأ أحدنا تتبعثر أوراقه ويدور في أودية الدنيا وال حول وال قوة إال باهلل ؟!
في كل رمضان يعاهد ربه أن ينضبط ،ويعاهد ربه أن يخرج مثل ما كان عليه من االستقامة ،أو قريبا من
ذلك ثم يختلط عليه أمره !
هذا سؤال مه ٌّم جوابه في الحقيقة ظاه ٌر ظاهر واض ٌح واضح يتمثل في كلمتين أظهر ما يكون لكل متأمل
الجواب عن
في رمضان لبركة الزمان والجتماع المؤمنين على الطاعات تتغلب الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ،
إذ الطبيعة البهيمية هي شعار الكافرين والعياذ باهلل كما أخبر هللا -عز و جل ( : -والذين كفروا يتمتعون
ٌ
أعين ال يبصرون yبها ولهم ى لهم ) ( لهم قلوبٌ ال يفقهون بها ولهم
ويأكلون كما تأكل األنعام والنار مثو ً
ٌ
أذان ال يسمعون بها أولئك كاألنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) الغافلون عن هذه المعاني تغلب عليهم
الطبيعة البهيمية على الطبيعة الملكية ،يقدِّمون حاجات الجسد على حاجات الروح ،يستمتعون كما تستمتع
ى لهم وال حول وال قوة إال باهلل .
البهائم ،واألنعام وحينئ ٍذ فالنار مثو ً
قد يكون عندهم من العلم ما ال يستعملونه ( مثل الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل
اسفاراً ) قد يصل أحدهم في العلم إلى مرتب ٍة لكن ال يعمل بها ( واتل عليهم نبأ الذى ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ
منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى األرض واتبع هواه فمثله كمثل
الكلب)
هكذا كل من أخلد إلى األرض واتبع هواه وغلبت حاجات الجسد على حاجات الروح
" فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك ناال منتهى الذم أجمع "
الذى يسير وراء حاجات الفرج ،و وراء حاجات البطن ،و وراء شهوات الدنيا تفتنه األموال ،والزوجات
واألوالد ،تفتنه الشهوات وتقتله الشبهات ماذا يُنتظر منه عند الممات من الخاتمة وال حول وال قوة إال
باهلل.
سر السعادة في رمضان أننا نجحنا باجتماعنا -بفضل هللا عز وجل -في المساجد على الصلوات، y
وباجتماعنا على الصيام ،و باجتماعنا على الصدقات ،وبتجديد العهد مع هللا حتى حصل التوازن وحتى
تحكمت حاجات الروح في الجسد ،ومن ثَ َّم غلبت الطبيعة الملكية ،تلكم التي غلبت عند أصحاب النبي -
صلى هللا عليه وسلم -على مدار السنة كلها .
المشكلة عندنا أننا نفعل هذا في رمضان وفقط (رمضانييون) -وال حول وال قوة إال باهلل - فكيف إذا مات
اإلنسان في غير رمضان ؟ كيف إذا خرج اإلنسان بهذه الشحنة من رمضان وضاعت منه بعد شهر ،أو
شهرين ،أو ثالثة ثم أتاه الموت قبل أن يدركه رمضان آخر وال حول وال قوة إال باهلل ؟
كانت حاجات الروح هي التي تسوقهم ،ومن ثَ َّم رأيتَ المالئكة تنزل معهم في الغزوات ،والحروب تقاتل
معهم كما في بدر ،وحنين ،والخندق وغيرها ،بل رأيتَ المالئكة تتنزل لقراءتهم للقرآن كُأسيد بن حُضير
الذى كان يقرأ سورة الكهف وجعلت المالئكةُ تتغشى وتتنزل حتى نفرت الفرس التي كانت قد ربطها.
قو ٌم اعتادوا أن تصاحبهم المالئكة في حياتهم ،في أيامهم كلها ليس في رمضان فقط ،ولهذا هؤالء الذين
قالوا ربنا هللا ثم استقاموا أيضا تتنزل عليهم المالئكة عند احتضارهم وتكون لهم السعادة الكبرى( إن الذين
قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة أال تخافوا وال تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون
نحن أوليائكم في الحياة الدنيا ) إذا غلَّبتم الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية أيضا ،وفى اآلخرة نحن
أولياؤكم في الحياة الدنيا ،وفى اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما ت َّدعون.
س :ما معنى ال خوف عليهم وال هم يحزنون ؟ ال خوف عليهم فيما يستقبلون من أمر اآلخرة إذا ُأدخل
الميت قبره وكان من المؤمنين الذين غلّبوا الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ،تحكمت عندهم حاجات
ٌ
خوف عليهم في قبورهم ، ٌ
خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور اآلخرة ..ال الروح في حاجات الجسد ..ال
ٌ
خوف عليهم في عرسات القيامة يوم يُدنى الربُّ أحدَهم منه ويقرره بنعمه -سبحانه وتعالى -ثم يعفو وال
عنه ويدخله جنته ،وال هم يحزنون على ما خلفوا في الدنيا ..ال يحزنون على التجارات واألموال ،ال
كريم رحيم .
ٍ يحزنون على الزوجات واألوالد ..تركوا هذا هلل -عز وجل -وقَ ِدموا على ر ٍ
ب
ما سر هذه السعادة التي عشناها في رمضان ؟ وما سر انفالتها بمجرد انتهاء رمضان ؟
سر هذا هو غلبة الطبيعة الملكية على الطبيعة البهيمية ،وكيف غلبت ؟ إنما غلبت بتحقيق العبودية هلل عز
وجل.
إن العبادة هي معنى هذا التغليب الذى رأيناه تحكمت العبادات لي شأنك نهارك صائ ٌم وليلك قائ ٌم ،هكذا
يكون أصحاب الجد والتشمير بحيث إذا مات أحدهم يحمد في اآلخرة صالته ،وصومه ،وعبادته بل كان
أحدنا ال يقنع بمجرد الصالة ،والصوم بل يريد أن يحسِّن من صالته وأن يقترب وأن يكون فيها من أنواع
الخشوع ،وأنواع المناجاة ما يستشعر معه انشراح الصدر باإلسالم ،ويستشعر معه حالوة اإليمان ويشعر
فيه ببرد اليقين ،ولذة المناجاة.
نعم يصلى ولكن ليس كأي صالة ..يصوم ليس كأي صيام ،ينفرد بربه -سبحانه وتعالى -يقرأ
ت ،يكثر من الدعاء ،والتضرع ،واالفتقار ،يجدد إيمانه وتوبته
ت ومرا ٍ
.القرآن ويختمه مرا ٍ
هذا سر السعادة الذى فقدناه بمجرد أن قيل مات رمضان -وال حول وال قوة إال باهلل -نعم مات
ق ال يموت ،وفى هذا أحسن العزاء والحمد هلل
ي دائ ٌم با ٍ
.رمضان لكن رب رمضان ح ٌ
حسبك أن كل ليل ٍة من ليالي العام مما أخبرنا نبينا – صلى هللا عليه وسلم – قال :ينزل ربنا إلى السماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل اآلخر فيقول هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل
فأعطيه ؟ هل من كذا ..؟ هل من كذا ..؟ حتى يطلع الفجر ،قال :وذلك كل ليلة.
ما معنى ليلة القدر التي ننشغل بها على مدار العام ؟
القدر هو الشرف والمجد ،والعز ،من أين يأتي الشرف ،والمجد ،والعز ،والقدر ؟ من االفتقار إلى هللا
وإنزال الحاجات باهلل والتضرع yهلل عز وجل.
ترى المسلمين جميعا ً في هذه الليلة يتح َّروْ نها بالدعاء يتح َّروْ نها بالصالة ال ينامون ،ومن ثَ َّم تكون ليلةَ ٍ
قدر
قدر كثيرة رُبَّ ليل ٍة من الليالي ٍ
في غير رمضان قمت في جوف الليل فتوضأت لهم ،اآلن عندك ليال ٍ
والناس نيام ال يشعر بك أح ٌد وال أهلك في البيت وخرجت إلى أحدى غرف منزلك وجعلت تتضرع إلى هللا
-عز وجل -وتستغفر من ذنبك ،تجدد إيمانك ،تراجع توبتك ،ال تزال في دعائك وسجودك أقرب ما
تكون إلى هللا -عز وجل -حتى يناديك هللا -سبحانه وتعالى : -افع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع ،هكذا
شأن الرب الكريم سبحانه وتعالى .
وال يضر العبد أنه مذنب فإن العبد من طبعه أنه يذنب ،لكن الذى يضره أال يسرع الفيئة ،أال يرجع إلى
هللا -عز وجل -بالتوبة .
يقول نبينا -صلى هللا عليه وسلم " : - أذنب عب ٌد ذنبا ً ،فقال :ربى أذنبت ذنبا ً فاغفر لي .قال هللا -عز
وجل :-علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت لعبدي ،ثم مكث هذا العبد نفسه فعاود الذنب
فقال :ربى أذنبت ذنبا ً فاغفر لي ،فقال هللا -عز وجل : -علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد
غفرت لعبدي .ثم راجع العبد الذنب مرة ً أخرى ..أين يذهب ؟ هو يستحى من هللا لكن من غير هللا -
سبحانه وتعالى -يرجع الناس إليه ،ومن يغفر الذنوب إال هللا ،راجع العبد ربه قال :ربى أذنبت ذنبا ً
فاغفر لي .رضي هللا منه بذلك ،قال :علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل
ما شاء" .
ما معنى فليفعل ما شاء ؟ أن ما دام عنده هذا الضابط ،أنه كلما أذنب ،وكلما أخطأ ،وكلما أسرف على
نفسه راجع ربه بالتوبة النصوح yفإن هللا -سبحانه وتعالى -يرجع إليه بأحسن مما يحب.
هذا ربكم في رمضان وفى غير رمضان ،فإذا انكسرت القلوب من فراق رمضان والبد أننا نستشعر هذا
االنكسار فإن هللا -عز وجل -يجبر كسرنا بأنه مازال باقيا ً -سبحانه وتعالى -يبسط يده بالليل ليتوب
مسيئ النهار ،ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل ،ينادى على عباده صباح مساء " يا عبادي كلكم
ضال إال من هديته فاستهدوني أهدكم ،يا عبادي كلكم جائع إال من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ،يا
عبادي كلكم عاري إال من كسوته فاستكسوني أكسكم ،يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر
الذنوب جميعا ً فاستغفروني أغفر لكم ،يا عبادي لو أن أولكم ،وآخركم ،وأنسكم ،وجنّكم كانوا على أتقى
رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم كانوا على
ٍ قلب
رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم
ٍ أفجر قلب
قاموا جميعا ً في صعي ٍد واحد فسألوني فأعطيت كل واح ٍد منكم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص
المخيط إذا ُأدخل البحر ،يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد هللا
ّ
يلومن إال نفسه " ومن وجد غير ذلك فال
هذا ربنا -سبحانه وتعالى -يتودد إلينا بالنعم ،يستعجلنا وقد تأخرنا في التوبة ( .ألم يأن للذين ءامنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر هللا وما نزل من الحق وال يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم األمد فقست
.قلوبهم وكثي ٌر منهم فاسقون)
هذا ربكم -سبحانه وتعالى -يخبركم بشأنه معكم ،ماذا يريد الرب منا؟(يريد هللا ليبين لكم ويهديكم سنن
الذين من قبلكم ويتوب عليكم وهللا علي ٌم حكيم)(وهللا يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن
تميلوا ميالً عظيما() يريد هللا أن يخفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا) ،كيف وجدت ربك؟ كيف رأيت ربك
صراط مستقيم)(وهللا ال يحب الفساد)
ٍ سبحانه وتعالى ؟ ( وهللا يدعوا إلى دار السالم ويهدى من يشاء إلى
(وال يرضى لعباده الكفر) ربٌ كهذا يفرح اإلنسان باالنتساب إلى عبوديته -سبحانه وتعالى -ال جرم أن
افتخر األنبياء جميعا ً باالنتساب إلى هذه الهوية ،وباالنتظام في هذه العبودية كما قال هللا -تعالى -على
مستقيم دينا ً قيما ً ملة إبراهيم حنيفا ً
ٍ صراط
ٍ لسان نبيه -صلى هللا عليه وسلم ( : -قل إنني هداني ربى إلى
وما كان من المشركين)(قل إن صالتي ونسكي ومحيايا ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له.)
إن معنى العبودية التي أوجبها هللا -عز وجل -على كل مكلف من اإلنس والجن حينما قال( : وما خلقت
الچن واإلنس إال ليعبدون) هو سر السعادة للعبد كلما كان العبد أكثر عبودية كلما كان أسعد في حياته وفى
آخرته ،ولهذا يقول العامة أسعد الخلق محمد -صلى هللا عليه وسلم -وصدقوا ألنه خير من حقق عبودية
هللا -عز وجل -لكن تحقيق العبودية ليس بمعنى أن ينفرد اإلنسان أو يكتفى بالصالة ،والصوم كما يفهم
بعض ما ال يوفق ،وإنما العبودية معن ًى أوسع من هذا ،العبودية أن تؤدي العبادات ،والعبودية تص ُدق في
المعامالت ،والعبودية أن تنضبط في األخالق ،والعبودية أن تحسن االعتقاد ،والعبودية أن تأمر
بالمعروف وأن تنهى عن المنكر ،العبودية أن تحمل األمانة التي عرضها هللا -تعالى ( : -إنا عرضنا
األمانة على السموات واألرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها اإلنسان) ، العبودية أن
تتحمل مسئولية نفسك أوالً أمام هللا -تعالى -وأمام الناس ،أن تتحمل مسئولية زوجك وأوالدك ( يآيها
الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) ،العبودية أن تتحمل مسئولية أرحامك ،
وجيرانك ،وإخوانك ،وأصحابك تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتعينهم على سلوك الطريق إلى
راع وكلكم مسئو ٌل عن رعيته " .
هللا -عز وجل -العبودية أن تتحمل مسئولية أمتك " كلكم ٍ
نحن بال رئيس ،وبال حكومة ،وبال مجالس محلية ،وال مجالس نيابية .نحن في حالة عسير ٍة صعبة ،
نريد أن نخرج ببالدنا إلى بر األمان وهذه مسئولية ،وهناك مشروعان اآلن ال ثالث لهما مشرو ٌ
ع حضاري
إسالمي ذلك الذى نزل به الوحي على رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -وطبَّقه رسول هللا -صلي هللا
عليه وسلم -وأصحابه وأقاموا به حضارةً لم تكتحل عين الزمان بمثلها ،ال تغرب عنها الشمس ما بقيت
مؤمن إالً
ٍ غربي علماني ليبرالي مستورد يريده الذين ال يرقبون في
ٌّ ع آخر مشرو ٌ
ع الدنيا ،وهناك مشرو ٌ
وال ذمة أن يتحكموا في العباد والبالد على طريقة الغربيين و األوربيين و األمريكان وغيرهم ،ال تج ُد شيئا ً
ثالثا ً ،أتقف تتفرج أم تحاول بالحكمة ،والموعظة الحسنة ؟ وكلنا -والحمد هلل -مسلمون لكن قد يخطأ
بعض الناس في الفهم فيحتاج إلى شيء من التروي ،واألناة ،وحسن الموعظة بالحكمة ،والموعظة
الحسنة حتى نسير إلى بر األمان جميعا ً فيكون العالم للجاهل متلطف به إلى الهدى ائتنا نقول له :اركب
معنا ،هل يرفض أح ٌد دين هللا ؟ هل يرفض أح ٌد منهج رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ؟
نحن نريد أن نقيم حياتنا على الشأن الذى ربى به رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أصحابه ،هذا في
الحقيقة من أعظم معاني العبودية التي هي سر سعادتنا في رمضان وبعد رمضان.
ٌ
خلف إذا مضى رمضان فإن في هللا عزا ًء في كل مفقود وفيه ِغناء من كل فائت َّ ،
وإن تقوى هللا – تعالى -
من كل شيء وليس من تقوى هللا – تعالى -خلف.
أنت مع هللا -سبحانه وتعالى -في أوسع األمان ،فأبشر وأ ِّمل واحرص على تحقيق أسباب السعادة بعد
رمضان كما حققتها في رمضان ،نسأل هللا – تعالى -بمنه ،وكرمه أن يغفر الذلة ،وأن يقيل العثرة ،وأن
يلُم الشعث ،وأن يأخذ بيأدينا إلى ما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه ،والحمد هلل رب العالمين.
*******************
مقر
الحمد هلل الذى أعظم علينا المنة باإلسالم والسنة ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له شهادة عب ٍد ٍ
بربوبيته معتق ٍد بوحدانيته موق ٍن بأال حاكميةَ إال له وال تشريع إال منه ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -
صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه إلى يوم الدين -ثم أما بعد:
ما أسعدنا وأفرحنا بربنا سبحانه وتعالى ! ربٌ كري ُم غفو ٌر رحيم علم أن قلوبنا تنكسر بفراق رمضان وأنها
متعلقة برمضان بما يفتح هللا -عز وجل -علينا من الطاعات فلم يخلنا هللا -عز وجل -من فضله ،ما إن
غربت شمس آخر يوم من أيام رمضان حتى دخل موسم الحج ،اآلن أنت في موسم الحج ،وما أدراك ما
انو خيراً عسى هللا -سبحانه وتعالى -أن ييسر لك حجةً مبرورة تعدل ما بين السماء
موسم الحج ! ِ
واألرض.
إن كثيراً من الناس ال يفكر في هذا يقول :أين أنا من هذا ؟! إنه يحتاج إلى ثالثين ،وأربعين ،وخمسين ،
وسبعين ،ولو باعوني لم يأخذوا أكثر من ألفين ،أو ثالثة ،أو أربعة .
ظن باهلل ،لو أحسنت الظن باهلل -عز وجل -ونويت الحج صادقا ً لرزقك ،ولو لم يقدر لك أن
هذا سوء ٍ
تذهب إلى مكة للحج ربما حججت بقلبك ،وربما علم هللا -تعالى -انكسارك ،وحاجتك ،وفاقتك ،
ورغبتك فكتب لك ثواب الحجيج وأنت في بيتك ، المهم أن تعلم شرف زمانك .
أنت اآلن في موسم الحج .اجتهد وادعوا هللا -عز وجل -أن يرزقك حجةً مبرورة ،وعمرةً مقبولة ينفعك
ب سليم ،) البد أن تستمر العبودية القلبية ،هذه ال ثمن
هللا بها( يوم ال ينفع ما ٌل وال بنين إال من أتى هللا بقل ٍ
تدفعه فيها ،العبودية اللسانية هذه أيضا ً ال تكلفك شيئا ً ،قد تحتاج إلى المال في عبودية البدن ،أن تنتقل
وأن تذهب وهللا -سبحانه وتعالى -على كل شيء قدير .
ثم إن من الناس من معه من األموال وال يفعل ؛ يخاف أن ينفد ماله ونسى أن هللا -سبحانه وتعالى -جعل
الرزق في هذه العبوديات كما أخبر نبينا محمد -صلى هللا عليه وسلم " : -تابعوا بين الحج والعمرة
فوالذي نفسي بيده إنهما لينفيان الفقر ،والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد " .
خرجنا من رمضان جاءت أشهر الحج ننشغل بالحج ،وبالعمرة إذا وفقنا فالحمد هلل ،وإن لم نوفق فانشغالنا
بهذه المعاني وتعلق قلوبنا بالبيت العتيق ،وبالحج ،والعمرة وأن تذرف الدموع على فوات وحسرة أن
يفوتك الحج هذا ما هو مطلوب منك في هذه العبودية إلى أن تخرج أشهر الحج فتجد نفسك في شهر هللا
محرم الذي صومه أفضل الصوم بعد الفريضة ،والذي فيه يوم عاشوراء الذى نجى هللا موسى -عليه
السالم -من فرعون وقومه ،والذي كان يصومه نبينا محمد -صلى هللا عليه وسلم -المقصود أنك مع
خير إال
هللا في أمان ال تخرج من موسم إال إلى موسم ،وال تخرج من طاعة إال إلى طاعة ،وال تخرج من ٍ
إلى خير إلى أن يأذن هللا -عز وجل -بخروج الروح ،إذا كنت على هذا فأبشر ستخرج روحك على
أحسن ما يكون إن شاء هللا تعالى.
الموفقون من عباد هللا ييسر هللا لهم من حسن الخاتمة ما تجعل الناس يقولون مات فالن على أحسن ما
يكون ،وهذا من نعمة هللا -عز وجل -وأكثر هؤالء من أصحاب الخلق الحسن ،والمعاملة الطيبة التي
تجعل الناس يشهدون لهم بالخير " أنتم شهداء هللا في األرض" ، إذا حرصت على مثل هذا فإن هذا من
أعظم أسباب حسن الخاتمة .
ثم إنه كما قلنا مراراً ،وكما أخبر نبينا -صلى هللا عليه وسلم -في حديث أحمد وغيره من حديث عبد هللا
عمل شرة وإن لكل شر ٍة فترة " وفي رواية " إن لكل عام ٍل شرة وإن لكل شر ٍة فترة
ٍ بن عمرو " :إن لكل
" والشرة ذروة النشاط في العبادة ،تذكر هذا في رمضان ،وفي العشر األخير ،وفي ليالي الوتر ق ّل أن
ترى نائما ً في هذه الليالي ،هذا المقصود بشرة العمل ثم قال " :وإن لكل شرة فترة " اآلن خرجنا من
رمضان إلى نوع من الفتور كيف نعالج هذا ،قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم " :-فمن كانت فترته
إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"
أن تفتر إلى سُنة بمعنى أن ال حرج أن يقل أداؤك بشرط أال ينعدم ،الزلت تصحب المساجد وتصحب
الصالحين وتقرأ القرآن لكن ال شك أن هذا ق ّل ،كنت تختم في رمضان كل أسبوع صرت تختم كل شهر
وهذه فترة لكن فتور إلى طاعة ،كنت تقوم ربما عامة الليل في ليالي الوتر األخير ،وفي العشر األخير ،
صرت تقوم ساعة أو نصف ساعة لكنك مازلت تقوم الليل ،هذا فتور إلى سُنة ،كنت في عامة نهارك
تقرأ القرآن وال تنشغل بشيء آخر صرت توازن فتسعى على عيالك -وهذه عبودية أيضا ً -لكن ق ّل إنتاجك
،وأداؤك مع بقاء قلبك ،ونيتك ،ومحبتك هلل ولرسوله وللمؤمنين هذا كله من الفتور لكن إلى سُنة .أما من
كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ،الذى يفتر إلى غير ذلك ،ذلك الرمضاني الذى يُطلِّق العبادات كلها بعد
رمضان فال تراه في المساجد ،وال تعرف له قيام ليل مطلقا ً ،وال تراه مع المصحف بتاتا ً ،وال يكاد
يصحب الصالحين .
هذا الذى ال ينبغي أن يكون عمله مقبوالً إذ لو كان مقبوالً في رمضان لكان من عالمة ذلك استدامة
ٌ
امتحان يمكنك أن تجيب عليه بنفسك من المقبول فنهنيه ومن المحروم فنعزيه . الطاعة بعد رمضان ،هذا
أنت تعرف ذلك من نفسك ،إذا وجدت نفسك حريصا ً على الطاعة بعد رمضان فأبشر بالقبول ،وإذا
وجدت نفسك بعيداً بعيداً بعد رمضان فهذا من عالمات الحرمان .
ونحن مازلنا في أول الطريق وقد تزودنا في رمضان ما نسأل هللا -عز وجل -أن ينفعنا به ،فاحرص
رمضان آخر ..من الذى يدرى نحن اآلن أحياء غداً ميتون ،
ٌ على أن تستبقي هذا الوقود إلى أن يدركك
يوم نرى من الجنائز ما يكون لنا عبرة لمن اعتبر ،إن هذه الجنائز كان يمكن أن تكون أنت بدلها
وفى كل ٍ
عام فإن لك يوم يقال له اليوم يوم تموت
وإذا فاتتك اليوم أو الليلة فإن لك ليلة تموت يوم تموت ولو بعد ألف ٍ
بعد مائة عام سيقول الناس مات فالن اليوم أنت ميت اليوم ٌ
ميت اليوم ال محالة فأعد لهذه ال ِميتة ،وأعد لهذه
الرقدة الطويلة في القبور ،وأعد للسؤال الذى ينتظرك ..ماذا أجبتم المرسلين ؟ أعد لكل هذا جوابا ً عسى
هللا -سبحانه وتعالى -أن يرحم ضعفنا ، وأن يجبر كسرنا ،وأن يجعلنا من عباده الموفقين .
الدعاء " ::اللهم اغفر للمؤمنين ،والمؤمنات ،والمسلمين ،والمسلمات األحياء منهم واألموات إنك سمي ٌع
قريبٌ مجيب الدعوات ،اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله خالصا وال تجعل ألح ٍد فيه شيئا ،اللهم اعز
اإلسالم ،والمسلمين وأذل الشرك ،والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا ً ،وسائر بالد
ت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها ،اللهم ولي أمورنا
المسلمين ،اللهم آ ِ
خيارنا وال تولي أمورنا شرارنا ،اللهم مكن لدينك في األرض وافتح له قلوب الناس ،اللهم كن إلخواننا
المسلمين المستضعفين في ليبيا ،وفي سوريا ،وفي اليمن ،وفي الصومال وفي غيرها ،اربط على قلوبهم
وثبت أقدامهم و وحد صفوفهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ،اللهم عليك بالطغاة الظالمين ،اللهم زلزل
عروشهم وارنا فيهم آية من عجائب قدرتك ودمرهم تدميرا ،والعنهم لعنا ً كبيرا ،وارنا فيهم يوما ً عبوسا ً
راض عنا واختم لنا بخير واجعل عواقب
ٍ قمطريراً ،اللهم استعملنا في طاعتك ما احييتنا ،توفنا وأنت
أمورنا خير.